أقضية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ابن الطلاع

ترجمة المؤلف

بسم الله الرّحمن الرّحيم ترجمة المؤلف هو الإمام الحجّة محمد بن فرج، أبو عبد الله مولى محمد بن يحيى، المعروف بابن الطّلّاع، القرطبي الفقيه المالكي، مفتي الأندلس ومسندها في الحديث. ولد في سلخ ذي القعدة سنة أربع وأربعمئة. ذكره ابن بشكوال فقال: بقية الشيوخ الأكابر في وقته، وزعيم المفتين بحضرته. روى عن: يونس بن عبد الله القاضي، ومكي بن أبي طالب، وأبي عبد الله بن عابد، وحاتم بن محمد، وأبي عليّ الحدّاد الأندلسيّ، وأبي عمرو المرشانيّ، ومعاوية بن محمد العقيليّ، وأبي عمر ابن القطّان. قال: وكان فقيها عالما، حافظا للفقه، حاذقا بالفتوى، مقدّما في الشّورى، مقدّما في علل الشّروط، مشاركا في أشياء، مع دين وخير وفضل، وطول صلاة، قوّالا بالحقّ وإن أوذي فيه، لا تأخذه في الله لومة لائم، معظّما عند الخاصّة، والعامّة يعرفون له حقّه. ولي الصّلاة بقرطبة، وكان مجوّدا لكتاب الله. أفتى النّاس بالجامع، وأسمع الحديث، وعمّر حتّى سمع منه الكبار والصّغار، وصارت الرّحلة إليه. ألّف كتابا في أحكام النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأته على أبي رحمه الله عنه. تفقه على مذهب الإمام مالك وأصحابه حتى حذق الفتوى وبرع فيها، وصار مقدما في الشورى، عارفا بعقد الشروط وعللها، ذاكرا لأخبار شيوخ بلده وفتاويهم، مشاركا في أشياء من العلم، مع خير وفضل ودين. وقال القاضي عياض: كان صالحا قوّالا بالحقّ، شديدا على أهل البدع، غير هيوب للأمراء، شوّر عند موت ابن القطّان، إلى أن دخل المرابطون فأسقطوه من الفتيا لتعصّبه عليهم، فلم يستفت إلى أن مات. سمع منه عالم كثير، ورحل النّاس إليه من كلّ قطر لسماع «الموطّأ» ولسماع «المدوّنة» لعلوّه في ذلك. وحدّث عنه أبو عليّ بن سكّرة، وقال في مشيخته الّتي خرّجها له عياض: سمع يونس بن عبد الله بن مغيث، وحمل عنه «الموطّأ» و «سنن النّسائيّ» . وكان أسند من بقي، صحيحا،

فاضلا، عنده بله تامّ بأمر دنياه وغفلة. ويؤثر عنه في ذلك طرائف. وكان شديدا على أهل البدع، مجانبا لمن يخوض في غير الحديث. وروى اليسع بن حزم عن أبيه قال: كنّا مع ابن الطّلّاع في بستانه، فإذا بالمعتمد بن عبّاد يجتاز من قصره، فرأى ابن الطّلّاع، فنزل عن مركوبه، وسأل دعاءه، وتذمّم وتضرّع، ونذر وتبرّع، فقال له: يا محمد انتبه من غفلتك وسنتك. توفي رحمه الله لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة 497 هـ، وشهده جمع عظيم. من تصانيفه: نوازل الأحكام النبوية، وكتاب في الوثائق، وكتاب في الأقضية وهو كتابنا هذا الذي نقدمه في ثوبه الجديد متمنين على الله أن ينفع به إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله رب العالمين «1» .

_ (1) انظر عن محمد بن فرج: الصلة لابن بشكوال (2/ 564) رقم (1239) ، والمغرب في حلى المغرب (165) ، والمعين في طبقات المحدثين (146) رقم (1588) ، وسير أعلام النبلاء (19/ 199- 202) رقم (121) ، وشذرات الذهب (3/ 407) ، وشجرة النور الزكية لابن مخلوف (1/ 123) .

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله كما حمد نفسه وأضعاف ما حمده خلقه حتى يفنى حمدهم ويبقى حمده، لا إله إلا هو وحده. هذا كتاب أذكر فيه- إن شاء الله تعالى- ما انتهى إليّ من أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قضى بها، أو أمر بالقضاء فيها، إذ لا يحل لمن تقلّد الحكم بين الناس أن يحكم إلا بما أمر الله به عز وجل في كتابه، أو بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حكم بها، أو بما أجمع العلماء عليه، أو بدليل من هذه الوجوه الثلاثة. واتفق مالك وأبو حنيفة والشافعي- رحمهم الله تعالى- على أنه لا يجوز لحاكم أن يحكم بين الناس حتى يكون عالما بالحديث والفقه معا مع عقل وورع. وكان مالك رحمه الله يقول في الخصال التي لا يصلح القضاء إلا بها: لا أراها تجتمع اليوم في أحد، فإذا اجتمع منها في الرجل خصلتان رأيت أن يولّى العلم والورع. قال عبد الملك بن حبيب- رحمه الله تعالى-: فإن لم يكن فعقل وورع، فبالعقل يسأل وبه تصلح خصال الخير كلها، وبالورع يعف. وإن طلب العلم وجده، وإن طلب العقل إذا لم يكن فيه لم يجده. وأبدأ في ذلك بأقضيته صلّى الله عليه وسلم في الدماء لما جاء في الحديث الصحيح الذي ذكره مسلم وغيره: «إن أول ما يقضي الله تبارك وتعالى بين الناس يوم القيامة في الدماء» . وأول ما ينظر فيه من عمل العبد الصلاة، فمن وجدت له صلاة نظر في سائر عمله، ومن لم توجد له صلاة لم ينظر في شي من «1» عمله. وليس بعد الشرك بالله عز وجل أعظم من قتل النفس «2» . روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «زوال الدنيا بجميع ما فيها أهون على الله عز وجل من

_ (1) رواه البخاري (6533) و (6864) ، ومسلم (1678) ، والترمذي (1396) مختصرا على الفقرة الأولى. ورواه النسائي (3991) مطولا، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. (2) رواه مالك في الموطأ (1/ 173) في قصر الصلاة. باب جامع الصلاة. بلاغا. وإسناده منقطع. وله شواهد.

قتل امرئ مسلم» «1» . رواه ابن الأحمر في مسنده. وفي مسند بقي والبزار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أهل السموات والأرض اجتمعوا على قتل مسلم لأدخلهم الله النار أجمعين» «2» وقال عليه السلام: «من أعان في قتل امرئ مسلم بنصف كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله» «3» . وفي البخاري قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما» «4» ، هكذا رواه الأصيلي: من دينه، ورواه القابسي: من ذنبه. وفي كتاب الخطابي: قال سفيان بن عيينة: نصف كلمة هو أن يقول أق أي: اقتل، وهذا كقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «كفى بالسيف شا» «5» أي شاهدا. وفي غير كتاب الخطابي وقال عليه السلام: «من لقي الله لم يشرك به شيئا ولم يتندّ بدم مسلم كان حقا على الله أن يغفر له» «6» . وفي الخطابى وقال عليه السلام: «لا يزال المؤمن صالحا معنقا ما لم يصب دما حراما، فإذا أصاب دما حراما بلّح» «7» . وقال الخطابي: معنى بلح أعيا. ويقال: أعيا الفرس إذا انقطع جريه، وبلّح الغريم إذا أفلس.

_ (1) رواه بن ماجه (2619) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه. وإسناده صحيح. ورواه الترمذي (1395) من حديث عبد الله بن عمرو. مرفوعا وموقوفا. وقال الترمذي والأصح موقوفا. (2) رواه الترمذي (1398) من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وقال هذا حديث غريب. ورواه الطبراني في الصغير (566) . وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 297) وقال: رواه الطبراني في الصغير. وفيه جسر بن فرقد ضعيف. (3) رواه ابن ماجه (2620) والبيهقي في السنن (8/ 22) ، والعقيلي في الضعفاء (457) وفي إسناده يزيد بن زياد الشامي. قال البخاري: منكر الحديث. وقال البيهقي: يزيد منكر الحديث. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 104) من حديث أبي هريرة، وعمر، وأبي سعيد. وأعلها كلها. (4) رواه البخاري (6862) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (5) رواه أبو داود (4417) ، وابن ماجه (2606) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه وإسناده ضعيف. (6) رواه الطبراني في الكبير (17/ 339 و 351) . وقال البيهقي في مجمع الزوائد (1/ 19) : رواه الطبراني في الكبير. وإسناده حسن. من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنهما. (7) رواه أبو داود (4270) ، والبيهقي في السنن (8/ 22) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. وهو حديث صحيح.

قال مالك- رحمه الله-: من لقي الله (تعالى) ولم يشرك في دم مسلم لقي الله خفيف الظهر. ونبدأ بأول أسباب الحكم في القتل: وهو السجن. اختلف أهل الأمصار هل سجن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه أحدا أم لا؟ فذكر بعضهم أنه لم يكن لهما سجن، ولا سجنا أحدا، وذكر بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجن في المدينة في تهمة دم. رواه عبد الرزاق والنسائي في مصنفيهما من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده. وذكر أبو داود عنه في مصنفه قال: حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من قومي في تهمة بدم «1» . وبهز بن حكيم مجهول عند بعض أهل العلم، وأدخله البخاري في كتاب الوضوء، فدل أنه معروف. وفي غير المصنف عن عبد الرزاق بهذا السند أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلى عنه «2» . ووقع في أحكام ابن زياد عن الفقيه أبي صالح أيوب بن سليمان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجن رجلا أعتق شركا له في عبد فأوجب عليه استتمام عتقه، وقال في الحديث: حتى باع غنيمة له «3» . وفي كتاب ابن شعبان عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلا قتل عبده متعمدا، فجلده النبيّ صلى الله عليه وسلم مائة جلدة، ونفاه سنة، ولم يقده به، وأمره أن يعتق رقبة «4» . وقال ابن شعبان في كتابه: وقد رويت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه حكم بالضرب والسجن. ومن غير كتاب ابن شعبان. وثبت عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنه كان له سجن، وأنه سجن الحطيئة على الهجو، وسجن صبيغا التميمي على سؤاله عن الذاريات والمرسلات والنازعات وشبههن، وأمر الناس بالتفقه، وضربه مرة بعد مرة، ونفاه إلى العراق وقيل: إلى البصرة، وكتب ألايجالسه أحد.

_ (1) رواه أبو داود (3630) ، والترمذي (1417) ، والنسائي (8/ 67) من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه وإسناده حسن. (2) رواه الحاكم في المستدرك (4/ 102) وصححه. وقال في التلخيص: إبراهيم بن خثيم متروك؛ والعقيلي (1/ 53) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وإسناده ضعيف. (3) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 486) ، وعبد الرزاق في المصنف رقم (16716) ، والبيهقي في السنن (10/ 276) وهو حديث حسن. (4) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (9/ 254) ، والدارقطني (3/ 143 و 144) وفي إسناده إسماعيل بن عياش وهو ضعيف.

"باب حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحاربين من أهل الكفر"

قال المحدث: فلو جاءنا ونحن مائة لتفرقنا عنه. ثم كتب أبو موسى إلى عمر أنه قد حسنت توبته، فأمره عمر فخلى بينه وبين الناس «1» . وسجن عثمان بن عفان- رضي الله عنه- ضابئ بن الحارث وكان من لصوص بني تميم وفتاكهم حتى مات في السجن. وسجن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالكوفة. وسجن عبد الله بن الزبير بمكة، وسجن أيضا في سجن دارم: محمد ابن الحنفية إذ امتنع من بيعته. ووقع في كتاب الخطّابي عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنه سجن، وأنه بنى سجنا من قصب، فسماه: نافعا، ففتقته اللصوص، ثم بنى سجنا من مدر وسماه: مخيسا، ثم قال: ألا تراني كيسا مكيسا بنيت بعد نافع مخيسا حصنا حصينا وأميرا كيسا. وفي مصنف أبي داود عن النضر بن شميل عن هرماس بن حبيب عن أبيه عن جده قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم بغريم لي فقال لي: «الزمه» . ثم قال: «يا أخا بني تميم ما تريد أن تصنع بأسيرك» «2» . واحتج بعض العلماء ممن يرى السجن بقول لله عز وجل: فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النّساء: الاية 15] . وبقول النبيّ صلى الله عليه وسلم في الذي أمسك رجلا للاخر حتى قتله: «اقتلوا القاتل واصبروا الصابر» «3» . وقال أبو عبيد: قوله اصبروا الصابر يعني احبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت. وكذلك ذكره عبد الرزاق في مصنفه عن علي بن أبي طالب: يحبس الممسك في السجن حتى يموت. «باب حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحاربين من أهل الكفر» في البخاري ومسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم عليه نفر من عكل، أو من عرينة، وفي مصنف عبد الرزاق من بني فزارة، قد ماتوا هزالا. وفي حديث آخر من بني سليم فأسلموا واجتووا المدينة فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا وصحّوا وسمنوا، فارتدوا وقتلوا الراعي، واستاقوا الإبل، فبعث في آثارهم فما ترجّل

_ (1) رواه البزار (2259) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 113) وقال: رواه البزار وفيه أبو بكر بن أبي سبرة متروك. (2) رواه أبو داود (3629) في الأقضية، وابن ماجه (2428) وإسناده ضعيف. (3) رواه أبو عبيد في الغريب عن إسماعيل بن أمية مرسلا، والدارقطني في السنن (3/ 140) من حديث إسماعيل بن أمية مرسلا. وهو ضعيف.

"باب كيف يساق القاتل إلى السلطان وكيف يقرره على القتل"

النهار حتى جيء بهم، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقطّعت أيديهم وأرجلهم، وسملت أعينهم، ثم أمر بحبسهم حتى ماتوا «1» . وفي حديث آخر: أمر بمسامير فأحميت، فكحّلهم، وقطع أيديهم وأرجلهم وما حبسهم، وألقوا في الحرّة يستسقون فما سقوا حتى ماتوا «2» . وفي حديث آخر: سمل أعينهم. قال أبو قلابة: سرقوا وقتلوا، وكفروا بعد أيمانهم، وحاربوا الله ورسوله «3» . قال سعيد بن جبير في مصنف عبد الرزاق، ومحمد بن سيرين في كتاب أبي عبيد: كان هذا قبل أن ينزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم في المائدة: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المائدة: الاية 33] . وفي البخاري ومسلم: كانوا ثمانية نفر، وسملوا أعين الرعاء. قاله أنس «4» . وفي مصنف عبد الرزاق: قلت لأنس: ما سمل؟ قال: تحرّ مرآة الحديد ثم تقرّب إلى عينيه حتى تذوبا «5» . «باب كيف يساق القاتل إلى السلطان وكيف يقرره على القتل» في كتاب مسلم وعن سماك بن حرب أن علقمة بن وائل حدّثه أن أباه قال: إني لقاعد مع النبيّ صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة فقال: يا رسول الله هذا قتل أخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقتلته؟» فقال: إنه إن لم يعترف أقمت عليه البينة، قال: نعم قتلته. قال: «كيف قتلته؟» ، قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبّني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل لك من شيء تؤدّيه عن نفسك؟» ، قال: ما لي مال إلا كسائي وفأسي. قال: «أفترى قومك يشترونك؟» . قال: أنا أهون على قومي من ذلك. فرمي إليه بنسعته وقال: «دونك صاحبك» . فانطلق به الرجل فلما ولّيا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قتله فهو مثله» . فبلغ الرجل ذلك فرجع فقال: يا رسول الله بلغني أنك قلت: «إن قتله فهو مثله» ، وإنما أخذته بأمرك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك؟» قال: يا نبيّ الله! لعلّه قال بلى، قال: «فإن ذاك كذاك» . قال: فرمى بنسعته، وخلّى سبيله «6» .

_ (1) رواه البخاري (233) و (1501) ، ومسلم (1671 و 10 و 12) ، وأبو داود (4364) ، والترمذي (72) . (2) رواه البخاري (6804) من حديث أنس رضي الله عنه. (3) رواه البخاري (3018) من حديث أنس رضي الله عنه. (4) رواه البخاري (3018) . (5) رواه عبد الرزاق في المصنف (17132) من حديث أنس رضي الله عنه موقوفا. (6) رواه مسلم (1680) .

وفي حديث آخر نحوه وقال فيه: فلما أدبر به الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القاتل والمقتول في النار» . قال: فأتى رجل الرجل فأخبره بمقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلى عنه «1» . قال إسماعيل بن سالم: فذكرت ذلك لحبيب بن أبي ثابت قال: حدثني بن أشرع أن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما سأله أن يعفو عنه فأبى. وفي مسند ابن أبي شيبة في حديث وائل بن حجر الحضرمي كذلك أيضا وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لوليّ المقتول: «أتعفو عنه؟» قال: لا، قال: «أتأخذ الدية؟» قال: لا. قال: «فتقتله؟» قال: نعم. فأعاد عليه ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عفوت عنه يبوء بإثمه» «2» . وفي المسند أيضا في حديث أبي هريرة قال: قتل رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعه إلى وليّ المقتول فقال القاتل: يا رسول الله ما أردت قتله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للولي: «أما إنه إن كان صادقا ثم قتلته دخلت النار» . قال: فخلّى سبيله، وكان مكتوفا بنسعة قال: فخرج يجر نسعته قال: فسمي: ذا النسعة «3» . وفي غير المسند قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عمد يد وخطأ قلب» وقع هذا في الواضحة. وفي مصنف النسائي: والله يا رسول الله ما أردت قتله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للولى: «إن كان صادقا فقتلته دخلت النار» . وكذلك ذكر النسائي: أن القاتل قال: يا رسول الله ما أردت قتله. ثم ذكر باقي الحديث كما في حديث أبي هريرة. وذكر ابن إسحاق أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سار إلى الطائف على نخلة اليمانية ثم على قرن ثم على المليح ثم على حرة الرعاء من لبة فابتنى بها مسجدا وصلى فيه. وحدثني عمرو بن شعيب أنه أقاد يومئذ بحرة الرعاء بدم، وهو أول دم أقيد به في الإسلام رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل فقتله به. قال في الواضحة: إنما قتله بالقسامة. وفي الواضحة والسير: أن محلم بن جثامة قتل عامر ابن الأضبط الأشجعي فأقسم ولاته ثم دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الدية فأجابوا فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائة من الإبل. قال في السير: بخمسين. وقال: خمسين في سفرنا وخمسين إذا رجعنا. فلم يلبث محلّم إلا قليلا.

_ (1) رواه مسلم رقم (1680/ 33) . (2) رواه أبو داود (4499) والنسائي (4724) ، والبيهقي في السنن (8/ 60) .. وهو حديث صحيح. (3) رواه أبو داود رقم (4498) ، والترمذي (1407) ، وابن ماجه (2690) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وهو حديث صحيح.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن قتل أحدا بحجر"

قال في السير: أقل من سبع حتى مات فدفن فلفظته الأرض. قال في السير: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «اللهم لا تغفر لمحلّم» ثلاثا، فلفظته الأرض ثلاث مرات «1» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الأرض لتقبل من هو شر منه ولكن الله أراد أن يجعله لكم عبرة» . فألقوه بين ضوجي جبل فأكلته السباع «2» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن قتل أحدا بحجر» في البخاري عن أنس بن مالك أن يهوديا رضّ رأس جارية بين حجرين «3» ، وفي حديث آخر: خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة فرماها يهودي بحجر، فجيء بها إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبها رمق فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقتلك فلان؟» فأشارت برأسها: أن لا، ثم قال الثانية فأشارت برأسها: أن لا، ثم سألها الثالثة فأشارت برأسها أن نعم، فجيء باليهودي فلم يزل به حتى أقر، فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه بالحجر. وفي حديث آخر فقتله بين حجرين «4» . وفي كتاب مسلم ومصنف عبد الرزاق: فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجم (فرجم) حتى مات «5» . في هذا الحديث من الفقه أن يقتل القاتل بمثل ما قتل من حجر أو عصا أو خنق أو شبهه وهو قول مالك، بخلاف قول أهل العراق الذين يقولون: لا قود إلا بحديدة. وفيه أن الإشارة المفهومة كالكلام، وفيه أن يقتل الرجل بالمرأة. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن ضرب امرأة حاملا فطرحت جنينها» من الموطأ والبخاري ومسلم عن مالك عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة: أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الآخرى فطرحت جنينها، فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة «6» عبد أو وليدة «7» .

_ (1) رواه أحمد في المسند (6/ 10) ، وأبو داود (4503) ، والبيهقي في السنن (9/ 816) وإسناده ضعيف. (2) رواه ابن كثير في البداية والنهاية (4/ 225 و 226) وإسناده ضعيف. (3) رواه البخاري (2413) من حديث أنس رضي الله عنه. (4) رواه البخاري (6877) ، وأبو داود (4527 و 4528) ، والترمذي (1394) من حديث أنس. (5) رواه مسلم (1672/ 16) ، من حديث أنس رضي الله عنه. (6) الغرة عند الفقهاء ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد والإماء. (7) رواه البخاري (5758 و 5759 و 5760) ، ومسلم (1618) ، والموطأ (2/ 855) ، والترمذي (1410) ، وأبو داود (4576 و 4577) ، والنسائي (8/ 47 و 48) .

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في القسامة فيمن لم يعرف قاتله"

وفي حديث آخر في كتاب مسلم: فرمت إحداهما الآخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، وفي حديث آخر: ضربتها بعمود فسطاطا وهي حبلى، وكانت ضرّتها فقتلتها فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عصبة القاتلة وغرة لما في بطنها. وفي كتاب النسائي: ضربت إحداهما الآخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل بها. وكذلك ذكر غير النسائي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قتلها مكانها. وقيمة الغرة التي قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسون دينارا أو ستمائة درهم قاله قتادة وغيره، وبه قال مالك بن أنس، وفي مصنف عبد الرزاق عن عكرمة: أن اسم الهذلي الذي قتلت إحدى امرأتيه الآخرى: حمل بن مالك بن النابغة. واسم القاتلة: أم عفيف ابنة مسروح من بني سعد بن هذيل، والمقتولة: مليكة بنت عويمر من بني لحيان بن هذيل «1» . وفي البخاري ما يدل أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يقتل الضاربة، وذلك أنه قال: حدثنا عبد الله بن يوسف عن الليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد أو وليدة ثم إن المرأة التي عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها «2» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في القسامة فيمن لم يعرف قاتله» من موطأ مالك بن أنس عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة: أنه أخبره رجال من كبراء قومه: أن عبد الله بن سهل، ومحيّصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهما، فأتي محيصة، فأخبر أن عبد الله بن سهل قتل وطرح في فقير بئر بئر أو عين، فأتى يهود، فقال: أنتم والله قتلتموه، فقالوا: والله ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حويصة، وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل: أخوه المقتول، فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة: «كبّر كبّر» ، يريد السن، فتكلم حويصة ثم تكلّم محيصة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إما أن يدوا «3» صاحبكم أو يأذنوا بحرب من الله» ، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فكتبوا: إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟» كذا روى يحيى بن يحيى «4» . وفي حديث ابن أبي ليلى وفي حديث يحيى بن سعيد خاصة: «وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم» . وفي البخاري: «وتستحقون دم قاتلكم أو صاحبكم» . وفي مصنف أبي داود: «دم

_ (1) رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (18356) من كلام عكرمة رضي الله عنه. (2) رواه البخاري (6740) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (3) يدوا: أي يعطوا الدية. (4) رواه مالك في الموطأ (2352 و 2353) في القسامة وإسناده صحيح.

صاحبكم» وتكرر فقالوا: لا. وفي حديث آخر: لم نشهد ولم نحضر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فتحلف لكم يهود» ، وفي حديث آخر: «فتبريكم يهود بخمسين يمينا» . فقالوا: يا رسول الله ليسوا بمسلمين. وفي حديث آخر: كيف نقبل أيمان قوم كفار، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار. قال سهل: لقد ركضتني منها ناقة حمراء. وتكرر الحديث في كتاب مسلم وقال فيه: «تستحقون صاحبكم أو قاتلكم» ، وذكر من طريق مالك: «دم صاحبكم» مثل رواية يحيى، وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته» . وفي البخاري ومسلم: فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إبل الصدقة، وفي كتاب أبي داود والمصنف: فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته على اليهود لأنه وجد بينهم. وفي البخاري أيضا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تأتون بالبينة على من قتله» ، قالوا: ما لنا بينة، قال: «يحلفون» ، قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه من إبل الصدقة، وفي مصنف عبد الرزاق: أن النبيّ بدأ بيهود فأبوا أن يحلفوا فرد القسامة على الأنصار، فأبوا أن يحلفوا فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم العقل على اليهود وحويصة ومحيصة ابنا عم القتيل وعبد الرحمن أخوه، وفي مصنف عبد الرزاق: وهو أول من كانت فيه القسامة في الإسلام «1» . في هذا من الفقه: القتل بالقسامة لقوله عليه السلام: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم» . وفي الحديث الاخر في كتاب مسلم: «فيدفع برمته» ، وفيه تبدية المدعين بالأيمان بخلاف الحقوق، وفيه ألايقضى بالنكول دون رد الأيمان، وفيه محاربة أهل الذمة إذا منعوا حقا، وفيه أن من بعد عن السلطان ألايشخص ويكتب إلى الموضع الذي هو به، وفيه إباحة كتاب القاضي بغير شهود، وفيه القضاء على الغائب بخلاف قول أهل العراق، وفيه ألايحلف في القسامة رجل واحد، وفيه الحكم على أهل الذمة بحكم الإسلام وإنما أعطى النبيّ صلى الله عليه وسلم الدية من إبل الصدقة من حق الغارمين الذين جعل الله عز وجل لهم سهما في الصدقة إذا لم يتيقن أن يهوديا قتله، وفيه أن يعطي الرجل من الزكاة أكثر من نصاب. واتفق مالك والشافعي رحمهما الله تعالى على تبدية المدعين الدم بالقسامة إلا أنه لا يقسم عند الشافعي بقول الميت: دمي عند فلان وقال: إذا كانت بين المدعين والمدعى عليهم عداوة كما كانت بين اليهود والمسلمين وجبت القسامة وإلا فلا. وقال ابن لبابة: قول النبيّ صلى الله عليه وسلم «لو يعطى الناس بدعواهم لا دعى قوم دماء قوم وأموالهم» «2» يبطل التدمية. وفي مسند البزار: أن قوما احتفروا بئرا بأرض اليمن فسقط فيها الأسد فأصبحوا ينظرون

_ (1) رواه البخاري (3173) و (6143) و (6898) ومسلم (1669) ، وأبو داود (4520 و 4521 و 4523) ، والترمذي (1422) ، والنسائي (8/ 5 و 12) باب تبرئة أهل الدم في القسامة. (2) رواه البخاري (4552) ، ومسلم (1711) ، وأبو داود (3619) ، والنسائي (8/ 248) ، والترمذي (1343) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن تزوج امرأة أبيه" وإرساله علي بن أبي طالب إلى ابن عم مارية ليقتله إن وجده عندها، فوجده مجبوبا لا ذكر له فتركه

فوقع رجل في البئر فتعلق برجل آخر فتعلق الاخر باخر حتى كانوا أربعة، فسقطوا جميعا فجرحهم الأسد فقتله رجل برمحه فقال الناس للأول: أنت قتلت أصحابنا وعليك ديتهم فأبى، فتحاكموا إلى علي بن أبي طالب فقال: إجمعوا ممن حفر البئر من الناس ربع دية. وثلث دية. ونصف دية ودية كاملة، للأول ربع دية لأنه هلك فوقه ثلاثة. وللثاني ثلث دية لأنه هلك فوقه إثنان، وللثالث نصف دية لأنه هلك فوقه واحد، وللاخر الدية تامة، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العام المقبل فقصّوا عليه فقال رجل منهم: إن عليّ بن أبي طالب قضى بيننا بكذا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «هو ما قضى بينكم» «1» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن تزوج امرأة أبيه» وإرساله عليّ بن أبي طالب إلى ابن عم مارية ليقتله إن وجده عندها، فوجده مجبوبا لا ذكر له فتركه وفي كتاب النسائي ومسند ابن أبي شيبة قال البراء: لقيت خالي أبا بردة ومعه الراية فقال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من تزوج امرأة أبيه، وفي كتاب النسائي: إلى رجل يأتي امرأة أبيه أن أقتله «2» . وفي غير الكتابين أن جئ برأسه واستفئ ماله. وفي كتاب الصحابة لابن السكن، وذكره أيضا ابن أبي خيثمة: أن خالد بن أبي كريمة حدث عن معاوية بن قرة عن أبيه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث أباه جد معاوية إلى رجل عرّس بامرأة أبيه، فضرب عنقه وخمّس ماله، قال يحيى بن معين: هذا حديث صحيح «3» . وفي كتاب ابن السكن وكتاب ابن أبي خيثمة أن ابن عم مارية أم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتهم بها فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: «اذهب فإن وجدته عند مارية فاضرب عنقه» . فأتاه علي فإذا هو في ركيّ يتبرّد فيها، فقال له عليّ: هات يدك، فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب لبس له. ذكر فكفّ عنه علي ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه مجبوب ما له ذكر «4» . رواه

_ (1) رواه البزار (1532) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 287) وقال رواه البزار. وقال في آخره لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد. قلت ولم يقل عن علي يعني أن حنشا لم يقل عن علي. وفي إسناده حنش بن المعتمر قال البخاري- يتكلمون في حديثه. وقال النسائي ليس بالقوي. وقال أبو حاتم ليس أراهم يحتجون بحديثه. (2) رواه أحمد في المسند (18557) ، وابن أبي شيبة (10/ 104 و 105) ، والنسائي (6/ 109) ، والترمذي (1362) ، وأبو داود (4457) من حديث البراء رضي الله عنه. وإسناده حسن. (3) رواه النسائي في الكبرى (7274) ، والبيهقي في السنن (8/ 208) ، وابن ماجه (2608) من حديث معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه. وإسناده صحيح. (4) رواه أحمد في المسند (3/ 281) (13989) ، ومسلم (2771 و 59) من حديث أنس رضي الله عنه. ورواه الطحاوي في مشكل الاثار (4953) ، وأبو نعيم في الحلية (7/ 93) من حديث علي رضي الله عنه. وإسناده حسن.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتيل يوجد بين قريتين"

ثابت البناني عن أنس، وفي حديث آخر فوجده في نخلة يجمع تمرا وهو ملفوف بخرقة فلما رأى السيف ارتعد وسقطت الخرقة فإذا هو مجبوب لا ذكر له. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتيل يوجد بين قريتين» في مسند ابن أبي شيبة عن أبي سعيد قال: وجد قتيل بين قريتين فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم فذرع ما بينهما فوجد إلى أحدهما أقرب فكأني أنظر إلى شبر النبيّ صلى الله عليه وسلم فألقاه على أقربهما «1» ، وفي مصنف عبد الرزاق قال عمر بن عبد العزيز: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا في القتيل يوجد بين ظهراني ديار قوم أن الأيمان على المدّعى عليهم، فإن نكلوا حلف المدّعون واستحقوا، فإن نكل الفريقان، كانت الدية على المدعى عليهم وبطل النصف إذا لم يحلفوا «2» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص بالجرح» وقوله: ألايقاد من جرح إلا بعد البرء في مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل طعن آخر بقرن في رجله فقال: يا رسول الله أقدني، فقال: «حتى تبرأ جراحك» ، فأبى الرجل إلا أن يستقيد، فأقاده النبيّ صلى الله عليه وسلم. فصح المستقاد منه وعرج المستقيد فقال: عرجت وبرأ صاحبي: فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ألم آمرك أن لا تستقيد حتى تبرأ جراحك فعصيتني فأبعدك الله عز وجل، وبطل عرجك» . ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان به جرح بعد الرجل الذي عرج ألايستفاد منه حتى يبرأ جرح صاحبه فالجرح على ما بلغ حتى يبرأ، فما كان من شلل أو عرج فلا قود فيه، وهو عقل، ومن استقاد بجرح فأصيب المستقاد منه فعقل ما فضل من ديته على جرح صاحبه له «3» قال عطاء بن أبي رباح: الجروح قصاص. وليس للإمام أن يضربه ولا يسجنه إنما هو القصاص، وما كان ربك نسيا، ولو شاء لأمر بالضرب والسجن. وقال مالك: يقتص منه ويعاقب لجراءته. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السن وما لم ير فيه قصاصا» في البخاري ومسلم عن أنس بن مالك: أن ابنة النضر أخت الرّبيّع لطمت جارية فكسرت

_ (1) رواه أحمد في المسند (3/ 39) و (11341) ، والبزار (1534) ، والعقيلي في الضعفاء (1/ 76) ، والبيهقي في السنن (8/ 126) . وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 290) وقال: رواه أحمد والبزار. وفيه عطية العوفي ضعيف. نقول: وفي إسنادهما أيضا أبو إسرائيل الملائي الكوفي ضعيف. (2) رواه عبد الرزاق في المصنف (18290) عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد العزيز بن عمر أن عمر وذكره ... بلاغا. (3) رواه عبد الرزاق في المصنف (17991) ، والبيهقي في السنن (8/ 68) ، والدارقطني (3/ 88) من طريق محمد بن حمدان، عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وسنده حسن.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أقر بالزنا وهو محصن"

ثنيتها. وفي حديث آخر في كتاب مسلم: سحلت أسنانها، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بالقصاص، فقالت أم الربيع: يا رسول الله أيقتص من فلانة؟ والله لا يقتص منها. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله يا أم الربيع القصاص في كتاب الله» . قالت: والله لا يقتص منها أبدا، قالت: فما زالت حتى قبلوا الدية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره» «1» . وفي الكتابين: أن رجلا عضّ يد رجل، فنزع يده من فيه فوقعت ثنّيتاه، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يعص أحدكم أخاه كما يعض الفحل؟ لا دية لك» «2» . وفي مصنف أبي داود قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية «3» . وفي المدونة والموطأ عن زيد بن ثابت بمائة دينار «4» ، وقال مالك: ليس فيها إلا الاجتهاد «5» «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أقر بالزنا وهو محصن» في موطأ مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: إن رجلا من أسلم جاء إلى أبي بكر الصديق، فقال له: إن الاخر قد زنى، فقال له أبو بكر: هل ذكرت ذلك لأحد غيري؟ فقال: لا. فقال له أبو بكر: فتب إلى الله واستتر يستر الله عليك، فإن الله يقبل التوبة عن عباده. فلم تقرره نفسه حتى جاء إلى عمر بن الخطاب، فقال له مثل ما قال لأبي بكر، فقال له عمر مثل ما قال له أبو بكر، فلم تقرره نفسه حتى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: إن الاخر زنى، قال سعيد: فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات. كل ذلك يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أكثر عليه، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله: «أجنة يشتكي؟ أبه جنون؟» فقالوا: لا والله يا رسول الله إنه لصحيح. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبكر أم ثيب؟» فقال: بل ثيب يا رسول الله. فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم «6» . ووقع في البخاري، أخبرنا محمود، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري عن أبي سلمة، عن جابر: أن رجلا من أسلم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا، فأعرض عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أبك جنون؟» قال: لا، قال:

_ (1) رواه البخاري رقم (2703) و (2806) ، ومسلم (1675) . (2) رواه البخاري (6892) ، ومسلم (1673) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه. (3) رواه أبو داود (4567) ، والنسائي (8/ 55) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وسنده حسن. (4) رواه مالك في الموطأ (2266) في القسامة من كلام زيد بن ثابت رضي الله عنه موقوفا. (5) رواه مالك في الموطأ (2267) من كلام مالك بن أنس رحمه الله موقوفا عليه. (6) رواه مالك في الموطأ (1756) في الحدود، وهو حديث مرسل. ويشهد له ما بعده.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود بالرجم في الزنا"

«أحصنت؟» قال: نعم، فأمر به فرجم في المصلّى، فلما أذلقته الحجارة فرّ فأدرك فرجم حتى مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم خيرا وصلّى عليه. ولم يقل يونس ولا ابن جريج عن الزهري: وصلى عليه «1» . وفي كتاب مسلم: فرده أربع مرات، وفي حديث آخر: فرده مرتين. وفي حديث آخر: فرده مرتين أو ثلاثا، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا من العشي قال: «أو كلما انطلقنا غزاة في سبيل الله تخلّف رجل في عيالنا له نبيب كنبيب التيس، عليّ ألاأوتي برجل فعل ذلك إلا نكلت به» . قال: فما استغفر ولا سبه «2» . وفي حديث آخر فلبثوا يومين أو ثلاثة ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس جلوس فقال: «استغفروا لماعز بن مالك» . فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم» . وفي مصنف أبي داود: «والذي نفسي بيده إنه الان لفي أنهار الجنة ينغمس فيها» «3» . وفي الموطأ لمالك، عن يعقوب بن زيد، بن طلحة عن أبيه زيد بن طلحة عن عبد الله بن أبي مليكة، أنه أخبره: أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أنها زنت، وهي حامل. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «اذهبي حتى تضعيه» ، فلما وضعته جاءت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهبي حتى ترضعيه» . فلما أرضعته جاءته فقال: «اذهبي فاستودعيه» . ثم قال: فاستودعته ثم جاءت فأمر بها فرجمت «4» . وفي كتاب مسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفر لها حفرة إلى صدرها، ثم رجمت وصلى عليها فقال له عمر: تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت! قال: «لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم. وهل أفضل من أن جادت بنفسها لله» . وفي كتاب النسائي: وحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجمها ورماها بحجر قدر الحمصة وهو راكب على بغلته «5» . وفي حديث الموطأ من الفقه: أن من أقر بالزنا مرة واحدة أقيم عليه الحد، ولا ينتظر أن يقر أربع مرات، وألايجلد من وجب رجمه، وأن المجنون لا يلزمه إقراره بدليل قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أبه جنة؟» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود بالرجم في الزنا» في الموطأ مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أنه قال: إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) رواه البخاري (6820) ، ومسلم (1701) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. (2) رواه مسلم (1692) ، وأبو داود (4422) من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه. (3) رواه مسلم (1695) ، وأبو داود (4433) من حديث بريدة رضي الله عنه. (4) رواه مالك في الموطأ (2/ 821) و (1759) في الحدود، وهو مرسل ولكن يشهد له ما بعده. (5) رواه مسلم (1696) . وأبو داود (4440) من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه.

فذكروا أن رجلا منهم وامرأة قد زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تجدون في التوراة في شأن الرجم» . فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها آية الرجم، فأتوا بالتوراة، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، ثم قرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، فقال عبد الله بن عمر: فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة. قال مالك: معنى يحني ظهره: يكب عليها حتى تقع الحجارة عليه «1» . وذكر البخاري ومسلم نحوه «2» وفي كتاب النسائي عن ابن عباس أنه قال: الرجم في كتاب الله عز وجل حق، ولا يغوص عليه إلا غوّاص «3» قوله تعالى يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ [المائدة: الاية 65] . وقال مالك في غير الموطأ: لم يكن اليهوديان أهل ذمة. وذكر البخاري أنهما أهل ذمة، ووقع في معاني القرآن للزجاج: أن الزنا كثر في أشراف اليهود بخيبر، وكان في التوراة أن على المحصنين الرجم، فزنى رجل وامرأة فطمعت اليهود أن يكون نزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم الجلد على المحصنين، وهي تأويل قول الله عز وجل: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ [المائدة: الاية 41] . يقولون: إن أوتيتم هذا فخذوه أي أوتيتم هذا الحكم المحرّف فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا. وفي مصنف أبي داود، نا يحيى بن موسى البلخي، نا أبو أسامة عن مجالد، عن عامر، عن جابر بن عبد الله قال: جاءت يهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال: «ايتوني بأعلم الرجلين منكم» ، فأتوه بابني صوريا، فناشدهما الله كيف تجدان أمر هذين في التوراة فقالا: نجد في التوراة أنه إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال: «فما يمنعكما أن ترجموهما» ، قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود فجاء أربعة فشهدوا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما. وفي حديث آخر بأربعة منهم، وفي رواية أخرى قال لليهود: «ايتوني بأربعة منكم» ، ويقال إن مجالدا غير مقبول الحديث وإنما رجمهما النبيّ صلى الله عليه وسلم بغير شهادة اليهود إما بوحي أو بشهادة مسلمين أو بإقرارهما «4» . في مسند البزار أنهم أتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم بابني صوريا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتما أعلم من وراءكما؟» فقالا: كذلك يزعمون، فناشدهما بالله الذي أنزل التوراة على موسى كيف تجدان أمر

_ (1) رواه مالك في الموطأ (1755) في الحدود وهو حديث صحيح. (2) رواه البخاري (6819) ، ومسلم (1699) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (3) رواه الحاكم في المستدرك (4/ 359) وصححه الحاكم. وقال في التلخيص: صحيح. (4) رواه أبو داود (4452) من حديث جابر رضي الله عنه. وهو حديث صحيح.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في نقض الصلح الحرام وإقامة الحد على الزاني البكر وعلى المريض وصفة السوط

هذين في توراة الله قالا: نجد فيها إذا وجد الرجل مع المرأة في بيت فهي ريبة فيها عقوبة، فإذا وجد في ثوبها أو على بطنها فهي ريبة فيها عقوبة، وإذا شهد أربعة ثم ذكر باقي الحديث كما ذكره انتهى «1» . وفي الحديث من الفقه أن اليهود إذا رضوا بحكم الإسلام حكم بينهم إن أحب بغير رأي أساقفتهم، وألايحفر للمرجوم لأنه لو حفر لليهودي لم يقدر أن يحني على المرأة ليقيها الحجارة. وبهذا أخذ مالك ألايحفر له، وقال بعض أصحابه: الإمام مخير إن شاء حفر له وإن شاء لم يحفر له، وألاجلد على المرجوم. وفي مصنف أبي داود وكتاب الشرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في رجل وطئ جارية امرأته وكانت أحلتها له بجلد وإن لم تكن أحلتها له برجم «2» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في نقض الصلح الحرام وإقامة الحد على الزاني البكر وعلى المريض وصفة السوط في الموطأ مالك عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني، أنهما أخبراه أنّ رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول الله، اقض بيننا بكتاب الله، وقال الاخر، وهو أفقههما: أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي في أن أتكلم. قال: «تكلم» ، قال: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته. فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة وجارية لي ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني: جلد مائة، وتغريب سنة، وإنما الرجم على امرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل، أما غنمك وجاريتك فردّ عليك» ، وجلد ابنه مائة، وغرّبه عاما، وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الاخر فإن اعترفت رجمها. فاعترفت فرجمها «3» . قال مالك: العسيف: الأجير. قال بعض العلماء: معنى قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لأقضين بينكما بكتاب الله» أي بحكم الله الذي هو وحي ليس بقرآن بقول الله عز وجل: أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ [القلم: الاية 47] . أي يحكمون. وقيل: إن ذلك من مجمل القرآن في قوله سبحانه وتعالى: وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ [النّور: الاية 8] . وهي التي يرميها زوجها، فأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله أن ذلك العذاب الرجم على الزاني المحصن.

_ (1) رواه البزار (1558) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 271) وقال رواه البزار من طريق مجالد عن الشعبي. وقد صححها ابن عدي أقول مجالد بن سعيد ضعيف. ويشهد له ما قبله. (2) رواه أبو داود (4459) وإسناده ضعيف. (3) رواه مالك في الموطأ (1760) في الحدود، والبخاري (6633 و 6634) ، وأبو داود (4445) ، والترمذي (1433) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في حد القذف والخمر وما روي عنه في اللواط

وفي الحديث من الفقه: نقض الصلح الحرام، والتوكيل على إقامة الحد، بخلاف قول أبي حنيفة الذي لا يجيز الوكالة على الحدود إلا على إقامة البينة خاصة، وإقرار الزاني مرة واحدة، وألايجلد من وجب رجمه، وسؤال عالم وثم أعلم منه. وأن من رمى امرأة غيره بالزنا أن السلطان يبعث إليها فإن أقرت حدّت وبرئ الرامي الذي رماها، وإن أنكرت جلد الذي رماها الحد. وإجازة خبر الواحد في الأحكام والأعذار إلى المحكوم عليه، وتغريب الزاني البكر ولا تغريب على النساء ولا على العبيد لأن النساء عورة والعبيد سلعة. وتأوّل البخاري أن التغريب النفي فترجم الباب في كتابه: البكران يجلدان وينفيان. وقال النسائي في صون النساء عن مجلس الحكم في الموطأ مالك عن زيد بن أسلم: أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط فأتي بسوط مكسور فقال: «فوق هذا» ، فأتي بسوط جديد، لم تقطع ثمرته فقال: «دون هذا» ، فأتي بسوط قد ركب به ولان، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلد. ثم قال: «أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي صفحته نقم عليه كتاب الله» «1» . قوله لم تقطع ثمرته يعني طرفه، والثمرة الطرف. وقوله عليه السلام: «من أصاب من هذه القاذورات» يعني جميع المعاصي كالزنا والخمر وشبه ذلك. وفي كتاب أبي عبيد: أن سعد بن عبادة أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل كان في الحيّ مخدّج سقيم وجد على أمة من إمائهم يخبث بها فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «خذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة» «2» . وفي شرح الحديث لابن قتيبة: اجلدوه، قالوا: نخاف أن يموت. قال: اجلدوه بعثكال. والعثكال: الكباسة، وأهل المدينة يسمونه العذق وهو العرجون هذا في الأحكام لإسماعيل وهذا خاص. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في حد القذف والخمر وما روي عنه في اللواط في كتاب النسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزل عذري قام النبيّ صلى الله عليه وسلم على المنبر فذكر ذلك، وتلا ما أنزل الله، فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم «3» . وفي البخاري عن عروة: لم يسم من أهل الإفك إلا: حسان ومسطح وحمنة بنت جحش

_ (1) رواه مالك في الموطأ (1769) في الحدود وهو حديث مرسل. (2) رواه أحمد في المسند (5/ 222) ، والبيهقي في السنن (8/ 230) وإسناده صحيح. (3) رواه أبو داود (4474 و 4475) ، والترمذي (3181) من حديث عائشة رضي الله عنها. وهو حديث حسن.

في أناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة- كما قال الله عز وجل- والذي تولى كبره منهم «1» وهو: عبد الله بن أبي بن سلول. لم يثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه رجم في اللواط، ولا أنه حكم فيه. وثبت عنه أنه قال: «اقتلوا الفاعل والمفعول به» «2» . رواه ابن عباس وأبو هريرة. وفي حديث أبي هريرة: «أحصنا أو لم يحصنا» «3» . وحكم به أبو بكر الصديق، وكتب به إلى خالد بعد مشورة خير القرون وكان أشدّهم في ذلك علي بن أبي طالب، وروي عن أبي بكر الصديق أنه حرقهم بالنار قال ابن عباس: بعد أن رجمهم. قال ابن عباس: وإن كان غير محصن رجم «4» ، وذكر ابن القصار أن الصحابة اجتمعوا على ذلك وأن أبا بكر قال: يرميان من شاهق. وأن علي بن أبي طالب هدم عليهما حائطا، وما وقع في المصنفات المشهورة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ما قتل مرتدا ولا زنديقا وثبت عنه أنه عليه السلام قال: «من غيّر دينه فاقتلوه» «5» . وقتل أبو بكر امرأة يقال لها أم قرفة ارتدت بعد إسلامها. في البخاري عن عقبة بن الحارث قال: جيء بالنعمان أو بابن النعمان إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو سكران فشق عليه، وأمر من في البيت أن يضربوه، فضربوه بالجريد والنعال فكنت فيمن شهد ضربه «6» . وقال أنس: جلد النبيّ صلى الله عليه وسلم في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين «7» . وقال السائب بن يزيد: كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمارة أبي بكر وصدر من خلافة عمر فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين «8» ، هكذا وقع في كتاب الحدود.

_ (1) رواه البخاري (4757) من حديث عائشة رضي الله عنها. (2) رواه أحمد في المسند (2733) ، والحاكم (4/ 355) ، والبيهقي في السنن (8/ 233) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وفي إسناده عباد بن منصور: ضعيف لسوء حفظه وتدليسه وتغيره. قال أبو حاتم: نرى أنه أخذ هذه الأحاديث عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس- يعني كان يدلسها- بإسقاط رجلين. (3) رواه ابن ماجه (2562) ، والحاكم (4/ 355) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وإسناده ضعيف. (4) رواه البيهقي في السنن (8/ 232) . وهو حديث مرسل. وانظر الترغيب والترهيب للمنذري (ج/ 3/ 286) . (5) رواه أحمد في المسند (1/ 217 و 219) ، والبخاري (3017) ، وأبو داود (4351) ، والترمذي (1458) ، والبيهقي (8/ 195) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (6) رواه البخاري (6775) . (7) رواه البخاري (6773) و (6776) . (8) رواه البخاري (6779) من حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السارق يسرق مرارا"

وقع في مناقب عثمان أنه دعا عليا فجلد الوليد بن عقبة ثمانين، ووقع في موضع آخر في حديث عثمان بن عفان حين شهد عنه حمران، ورجل آخر على الوليد بن عقبة. شهد حمران: أنه شرب الخمر. وشهد الاخر: أنه رآه يتقيأها. فقال عثمان: إنه لم يتقيأها حتى شربها. فقال: يا علي قم فاجلده. فقال علي: قم يا حسن فاجلده. فقال الحسن: ولّ حارّها من تولّى قارّها. فكأنه وجد عليه، فقال: يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده. فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين، فقال: أمسك قد جلد النبيّ صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنّة وهذا أحب إليّ «1» . وأخذ الشافعي بأربعين. وفي مصنف عبد الرزاق أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جلد فيها ثمانين «2» وهي الحدود التي لله عز وجل ولا يجوز العفو عنها: قتل المرتد والزنديق والسارق، ومن سب الله أو رسوله أو عائشة والمحارب، وحد الزنا والسرقة والخمر واللواط، واختلف في القذف إذا بلغ الإمام. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السارق يسرق مرارا» في موطأ مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم «3» . مالك، عن ابن شهاب، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان، أن صفوان بن أمية قيل له: من لم يهاجر هلك، فقدم صفوان بن أمية المدينة، فنام في المسجد، وتوسّد رداءه، فجاء سارق فأخذ رداءه، فأخذ صفوان السارق، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده، فقال صفوان: إني لم أرد هذا يا رسول الله، هو عليه صدقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهلّا قبل أن تأتيني به» «4» . وفي كتاب النسائي عن ابن محيريز قال: سألت فضالة بن عبيد عن تعليق يد السارق في عنقه فقال: سنة قد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يد سارق، وعلّق يده في عنقه. وفي مصنف أبي داود مثله «5» . وفي البخاري، وكتاب مسلم: أن قريشا أهمهم أمر المرأة المخزومية التي سرقت. قال في كتاب مسلم في غزوة الفتح قالوا: ومن يكلّم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن

_ (1) رواه أحمد في المسند (624) و (1184) ، ومسلم (1707 و 38) ، وأبو داود (4481) ، وابن ماجه (2571) . (2) رواه عبد الرزاق في المصنف (13547) وهو حديث مرسل وفيه رجل مجهول. (3) رواه مالك في الموطأ (1788) ، وأحمد في المسند (2/ 64) و (5310) ، والبخاري (6795) ، ومسلم (1686) ، وأبو داود (4385) . من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. (4) رواه مالك في الموطأ (1822) وهو مرسل. ورواه ابن ماجه (2595) وهو حديث حسن. (5) رواه النسائي (8/ 92) و (4982) ، وأبو داود (4411) ، وابن ماجه (2587) وإسناده ضعيف.

زيد حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلّم أسامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتشفع في حد من حدود الله تعالى؟» فقال أسامة: يا رسول الله استغفر لي. فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد: إنما هلك من كان قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» . ثم أمر بتلك المرأة المخزومية فقطعت يدها «1» . وفي حديث آخر في كتاب مسلم: أن أم سلمة كلّمت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لو كانت فاطمة قطعت يدها» . فقطعت «2» . وفي حديث آخر أن هذه المخزومية كانت تستعير الحلي والمتاع فتجحده فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بقطع يدها «3» . وفي مصنف عبد الرزاق: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أتي بعبد سرق فأتي به أربع مرات فتركه، ثم أتي به الخامسة فقطع يده، ثم أتي به السادسة فقطع رجله، ثم أتي به السابعة فقطع يده، ثم الثامنة فقطع رجله «4» . وفي الواضحة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فقال: «اقتلوه» ، فقالوا: إنما سرق يا رسول الله. فقال: «اقطعوه» حتى قطعت قوائمه الأربع، ثم أتي به أبو بكر وقد سرق بفيه فأمر به أبو بكر فقتل «5» . وهذا عند أكثر العلماء خاص في ذلك الرجل وحده، إلا ما قال أبو المصعب صاحب مالك إنه إن سرق في الخامسة قتل. وفي مصنف أبي داود أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بقتله في الخامسة فقتل وألقي في بئر. قال جابر: ورمينا عليه الحجارة «6» .

_ (1) رواه البخاري (3475) و (6887) ، ومسلم (1688) وأبو داود (4373) ، والترمذي (1430) من حديث عائشة رضي الله عنها. (2) رواه مسلم (1689) من حديث أم سلمة رضي الله عنها. (3) رواه مسلم (1688) من حديث عائشة رضي الله عنها. (4) رواه عبد الرزاق في المصنف (18773) ، والبيهقي (8/ 273) من حديث ابن جريج قال: أخبرني عبد ربه بن أبي أمية أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره وعبد ربه مجهول. والحارث بن عبد الله روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلة. (5) رواه النسائي (8/ 89 و 90) ، والحاكم (4/ 382) ، والبيهقي (8/ 272 و 273) وصححه الحاكم. وقال الذهبي في التلخيص: منكر من حديث الحارث بن حاطب رضي الله عنه وإسناده ضعيف. وله شاهد من حديث جابر رضي الله عنه رواه أبو داود (4410) ، والنسائي (8/ 90 و 91) . والبيهقي (8/ 272) . وقال النسائي هذا حديث منكر. ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث. نقول وله طرق لعله يتقوى بها. (6) رواه أبو داود (4410) من حديث جابر رضي الله عنه. وهو حديث حسن.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيمن سبه من مسلم أو ذمي أو حربي، وفي الساحر كيف يقتل

وفيما روى الأصيلي عن شيوخه ببغداد ووجدته بخطه أن رجلا كان يسرق الصبيان فأتي به النبيّ صلى الله عليه وسلم فقطع يده «1» . عبد الرزاق عن الثوري عن رجل عن الحسن قال: أتي النبيّ صلى الله عليه وسلم بسارق سرق طعاما فلم يقطعه «2» ، فقال سفيان: والذي يفسد من نهاره الثريد واللحم وشبهه، ليس فيه قطع ولكن يعزّر. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» فيمن سبه من مسلم أو ذمي أو حربي، وفي الساحر كيف يقتل في الحديث الثابت أن يهودية سمّت النبيّ صلى الله عليه وسلم في شاة. واسم اليهودية: زينب بنت الحارث بن سلام، وأكثرت من السم في الذراع، فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور وقد أخذ منها كما أخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأما بشر فأساغها، وأما النبيّ صلى الله عليه وسلم فلفظها، ثم قال: «إن هذا العظم ليخبرني: أنه مسموم» ، ثم دعا باليهودية فاعترفت فقال: «ما حملك على ذلك؟» قالت: قلت إن كان ملكا استرحنا منه، وإن كان نبيا لم يضره. فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات بشر من أكلته التي أكل «3» ، فاتفق البخاري ومسلم وإسماعيل القاضي وابن هاشم على أن النبيّ صلى الله عليه وسلم عفا عنها. وذكر أبو داود في مصنفه، وذكره أيضا صاحب كتاب شرف المصطفى: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها بسبب من مات من المسلمين من أكل الشاة «4» . وفي حديث آخر في كتاب الشرف: أنه صلبها. وفي مصنف عبد الرزاق: أتي صلى الله عليه وسلم بساحر فقال: «احبسوه فإن مات صاحبه فاقتلوه» «5» . وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حد السارق ضربه بالسيف» «6» . ذكره ابن سلام في

_ (1) رواه البيهقي في السنن (8/ 268) ، والدارقطني (3/ 202) وقال الدارقطني: تفرد به عبد الله بن محمد وهو كثير الخطأ على هشام. وهو ضعيف الحديث. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. وقال أبو حاتم: متروك الحديث. (2) رواه عبد الرزاق في المصنف (18915) وهو حديث مرسل. وفيه رجل مجهول. (3) ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (4/ 211) بلفظ المؤلف. وقال ابن كثير: قال محمد بن إسحاق وذكره. ورواه أحمد في المسند (2784) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو حديث صحيح ورواه البخاري (5777) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (4) رواه أبو داود (4511) وهو حديث صحيح. (5) رواه عبد الرزاق في المصنف (18754) وإسناده منقطع. يزيد بن رومان روايته عن أبي هريرة مرسلة. (6) رواه الترمذي (1460) ، والدارقطني ص (336) ، والحاكم (4/ 360) ، والطبراني في المعجم الكبير (1665) ، والبيهقي في السنن (8/ 136) وقال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه. وإسماعيل-

تفسيره، وقتلت عائشة مدبّرة سحرتها فيما يذكر، ولم يثبت وإنما ثبت أنها باعتها «1» ، وفعلت ذلك أيضا حفصة، وقع قتل حفصة لها في أحكام القرآن لإسماعيل القاضي، وذكر أن عثمان أنكر ذلك عليها إذ فعلته دون أمر السلطان، «2» وذكر ابن المنذر أن عائشة باعتها، وذكر الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «حد الساحر ضربه بالسيف» ، وقال في إسناده مقال أنه من رواية إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف. وفي كتاب النسائي وأبي داود عن ابن عباس أن رجلا أعمى سمع أم ولد له تسب النبيّ صلى الله عليه وسلم فقتلها فأهدر النبيّ صلى الله عليه وسلم دمها «3» . وفي هذا الحديث من الفقه: أن من سبّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قتل ولم يستتب، بخلاف المرتد. وذكر ابن المنذر في الأشراف أن عوام العلماء أجمعوا على ذلك إلا ما روي عن أبي حنيفة- رضي الله عنه- أن من سب النبيّ صلى الله عليه وسلم من أهل الذمة لم يقتل لأن ما هو عليه من الشرك أعظم، والحجة عليه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله، فانتدب إليه جماعة بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلوه «4» . وزاد الفضل في كتابه وصاحب الشرف وأتوا برأسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مخلاة. وفي قول أبي بكر الصديق لأبي برزة الأسلمي: إذا أراد قتل رجل آذى أبا بكر بلسانه فقال له أبو بكر: ليست هذه لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم «5» ، دليل بيّن أن من سبّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قتل، وكذلك يقتل من آذاه أو عابه أو انتقصه. رواه عيسى عن ابن القاسم في المستخرجة. وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: من قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسخ ازدراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو استنقاصا قتل «6» . وفي المستخرجة روي عن عيسى عن ابن القاسم: من سب النبيّ قتل بعد أن يستتاب كالمرتد، وميراثه لجماعة المسلمين وسواء أظهر ذلك أو أسرّه. وكذلك في الواضحة لمالك وابن القاسم وغيرهما، وفي غير الكتابين يقتل بغير استتابة. ذكره ابن الحكم عن مالك.

_ ابن مسلم المكي يضعف في الحديث. والصحيح عن جندب موقوف. أقول إسماعيل بن مسلم المكي- قال الذهبي: متفق على ضعفه. وقال في الكاشف. ضعفوه وتركه النسائي. (1) ذكره ابن قيم في زاد المعاد. باب في حكمه صلى الله عليه وسلم في الساحر (ج/ 5/ 62) وقال رواه ابن المنذر. (2) رواه البيهقي في السنن (8/ 136) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وإسناده صحيح. (3) رواه أبو داود (4361) ، والنسائي (7/ 107 و 108) ، والدارقطني (4/ 216 و 217) من حديث ابن عباس. والحاكم (4/ 354) وصححه ووافقه الذهبي. (4) رواه البخاري (2510 و 3031) ، ومسلم (1801) ، وأبو داود (2768) من حديث جابر رضي الله عنه. (5) رواه أبو داود رقم (4363) ، والنسائي (7/ 108 و 109) وإسناده صحيح من حديث أبي برزة رضي الله عنه. (6) ذكره القاضي عياض في الشفا، باب من سب النبي صلى الله عليه وسلم وانتقصه من كلام مالك رحمه الله موقوفا عليه.

كتاب الجهاد

كتاب الجهاد «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في أول قتيل قتل من المشركين وأول غنيمة في معاني القرآن لابن النحاس، وأحكام القرآن لإسماعيل القاضي، والسير لابن هشام وبعضهم يزيد على بعض في اللفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش الأسدي، وبعث معه رهطا من المهاجرين ليس فيهم أحد من الأنصار. قال في السير: ثمانية في رجب، وقال في الأحكام: في جمادى الآخرة لأنه ذكر أن قتل ابن الحضرمي وقع في آخر يوم من جمادى وأول يوم من رجب. ووقع في السير: في آخر رجب وأول شعبان. قال النحاس وإسماعيل: وأمّر عليهم أبا عبيدة بن الحارث أو عبيدة بن الحارث، فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث عبد الله بن جحش، وكتب له كتابا وأمره ألايقرأه حتى يبلغ مكان كذا وكذا، ولا يستكره من أصحابه أحدا. قال في السير: ألايقرأه حتى يسير يومين. فلما سار يومين وقرأه إذا فيه: «إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم» . فلما قرأ الكتاب استرجع وقال: سمعا وطاعة، ثم قال لأصحابه: من أراد أن يسير معي سار، ومن أراد أن يرجع فليرجع فقد نهاني النبيّ صلى الله عليه وسلم أن أستكره أحدا منكم. قال إسماعيل القاضي والنحاس: فرجع منهم رجلان، وقال ابن هشام في السير: لم يرجع منهم أحد، إلا أنهم لما كانوا بموضع يقال له نجران فوق الفرع أضل منهم سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يتعقبانه فتخلفا في طلبه ومضى عبد الله بن جحش ببقية أصحابه حتى نزلوا بنخلة حيث أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمرت عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش وفيها عمرو بن الحضرمي، وعبد الله بن عباد، ويقال مالك بن عباد أخو الصدف. واسم الصدف عمرو بن مالك أخو السكون بن أشرس من كندة، ويقال كنانة، فتشاور القوم فيهم وذلك في آخر يوم من رجب فقالوا: والله لئن تركناهم هذه الليلة ليدخلن الحرم وليمتنعن به منكم ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم. ثم أجمعوا على قتل من قدروا عليه، وأخذ ما معهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، واستؤسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وأفلت من القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم، فأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلما قدموا عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام» . فوقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا، فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك سقط في أيدي القوم،

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاسوس"

وظنوا أنهم قد هلكوا وعنفهم إخوانهم من المسلمين وقالت قريش قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدماء وأخذوا فيه الأموال وأسروا فيه الرجال. فقال من يرد عليهم من المسلمين: إنما أصابوا ذلك في شعبان. وقالت يهود: تفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله بن عمرو عمرت الحرب والحضرمي حضرت الحرب وواقد وقدت الحرب فجعل الله ذلك عليهم فلما أنزل الله عز وجل: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة: الاية 217] . يعني أكبر من قتل ابن الحضرمي، والفتنة كفر بالله وعبادة الأوثان أكبر من هذا كله ففرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الإشفاق، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نفديكموهما حتى يقدما صاحبانا» يعني سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان «فإنا نخشاكم عليهما فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم» ، فقدم سعد وعتبة ففاداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم. فأما الحكم بن كيسان فأسلم وحسن إسلامه وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل ببئر معونة، وأما عثمان فلحق بمكة ومات كافرا. ووقع في الهداية لمكي وغيرها وكان هذا أول قتال وقع بين المسلمين والكفار وأول غنيمة غنمت وأول قتيل قتل من الكفار «1» . ووقع أيضا في الأحكام لإسماعيل أنه أول قتيل قتل من المشركين. وذكر مكي: أن ابن وهب روى أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ردّ الغنيمة، وودى القتيل. وكان ذلك بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا. قال إسماعيل القاضي: وفي إرسال النبيّ صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش بكتاب مختوم وأمره أن لا يقرأه إلا بعد يومين من الفقه إجازة الشهادة على وصية مطبوعة، وهو قول مالك وكثير من السلف، وروي عن الحسن أنه لم يجز الشهادة على وصية كتاب مطبوع وقال: لعل فيه جورا. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاسوس» في البخاري وغيره عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: جاء عين من المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل فلما طعم انسل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليّ الرجل اقتلوه» ، فابتدره القوم، قال: وكان أبي يسبق الفرس فسبقهم إليه فأخذ بخطام راحلته فقتله، فنفّله رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه «2» .

_ (1) رواه ابن جربر الطبري في التاريخ (2/ 253) ، وابن كثير في البداية والنهاية (3/ 249 و 250) وقال ابن كثير قال ابن اسحاق وذكره. وانظر ابن هشام (1/ 603 و 604) وابن سعد (2/ 60 و 61) وابن كثير (2/ 366 و 371) وانظر زاد المعاد (3/ 168) . (2) رواه البخاري (3051) ، وأبو داود (2653) ، وابن ماجه (2836) من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في الأسرى وذكر من قتله النبي صلى الله عليه وسلم بيده وفي الأسير يقتل على غلط

عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد. قال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإنّ بها ظعينة، ومعها كتاب فخذوه منها» . وفي كتاب الفضل: «خذا منها الكتاب، وخلّيا سبيلها، فإن لم تدفعه إليكما فاضربا عنقها» . يعني علي بن أبي طالب والزبير، ولم يكن معهما المقداد. وذكر أن جبريل أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بخبر الكتاب وذكر الزجّاج، وكذلك أن الله أطلعه على ذلك، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن في الظعينة فقلنا: لتخرجن الكتاب، أو لنلقين الثياب قال: فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حاطب ما هذا؟» فقال: يا رسول الله لا تعجل عليّ، إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد صدقكم» . فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال «إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون قد أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» . فأنزل الله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ [الممتحنة: الاية 1] «1» . وذكر أبو عبيد في كتاب الأموال أن اسم الظعينة التي وجد عندها الكتاب: سارة. وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها عام الفتح، وذكره أيضا ابن هشام، وذكر أنها امرأة من مزينة. قال سحنون: وإذا كاتب المسلم أهل الحرب قتل، ولم يستتب وماله لورثته. وقال غيره: يجلد جلدا وجيعا ويطال حبسه وينفى عن موضع يقرب الكفار. وفي (المستخرجة) قال ابن القاسم: يقتل ولا يقبل لهذا توبة وهو كالزنديق. وفي كتاب الله تعالى وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ [التّوبة: الاية 47] فهذا الجاسوس، وقول سحنون أصح لحديث حاطب الذي أراد عمر أن يقتله. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الأسرى وذكر من قتله النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده وفي الأسير يقتل على غلط روى ابن وهب أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قتل سبعين أسيرا بعد إثخان من يهود، قتل يوم بدر من الأسارى عقبة بن أبي معيط صبرا بعد أن ربط، ولم يقتل من الأسرى يوم بدر غيره، ضرب عنقه

_ (1) رواه البخاري (3007) و (4274) و (4890) ، ومسلم (2494) ، وأبو داود (2650) ، والترمذي (3305) ، والبغوي في معالم التنزيل (4/ 328) من حديث علي رضي الله عنه.

عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. ويقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وذكر ابن هشام أن النضر بن الحارث بن كلدة قتله علي بن أبي طالب صبرا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون بالصفراء. وقال ابن هشام: بالأثيل، وذكر ابن حبيب: أنه أسلم. فالله أعلم أيّ ذلك أصح. وذكر ابن قتيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل ثلاثة صبرا يوم بدر: عقبة بن أبي معيط، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث. وقالت قتيلة أخت النضر بن الحارث بن كلدة ابن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار شعرا: يا راكبا إن الأثيل مظنة ... من صبح خامسة وأنت موفّق أبلغ بها ميتا بأن تحية ... ما إن تزالّ بها النجائب تخفق أمحمد يا خير ضنء كريمة ... من قومها والفحل فحل معرق ما كان ضرّك لو مننت وربما ... منّ الفتى وهو المغيظ المحنق أو كنت قابل فدية فلينفقن ... بأعز ما يغلو به ما ينفق فالنضر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقهم إن كان عتق يعتق ظلّت سيوف بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشقّق صبرا يقاد إلى المنية متعبا ... رسف المقيّد وهو عان موثق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه هذا الشعر: «لو بلغني قبل قتله لمننت عليه» «1» . قال معمر: وفيه نزلت وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان: الاية 6] ، الاية كان يشتري الكتب التي فيها أخبار فارس والروم ويقول: يحدثكم محمد صلى الله عليه وسلم عن عاد وثمود، وأحدثكم عن فارس والروم ويستهزئ بالقرآن. قال عكرمة: وفيه نزلت وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ [الأنعام: الاية 93] . قال مجاهد: وفيه نزلت وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ [الأنفال: الاية 32] . قال الكلبي: وفيه نزلت لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الأنفال: الاية 31] . ولقد كثر يومئذ الفداء وأكثر ما فدي به الرجل أربعة آلاف، وربما فدي أن يعلّم عددا من المسلمين الكتابة. وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «يعلّم عشرة من المسلمين الكتابة» . قال ابن وهيب: إن أهل المدينة لم يكونوا يحسنون الخط. وفي تفسير ابن سلام قال الحسن: أطلق النبيّ صلى الله عليه وسلم الأسرى فمن شاء منهم رجع إلى مكة، وقال ابن سيرين: الطلقاء أهل مكة، والعتقاء أهل الطائف.

_ (1) رواه ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 305 و 306) باب مقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط لعنهما الله. وقال ابن كثير: قال ابن اسحاق وذكره وابن سيد الناس في عيون الاثر (1/ 1292) باب ما قيل في الشعر في غزوة بدر.

وفي السير لابن هشام أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح لأهل مكة في حديث ذكره: «اذهبوا فأنتم طلقاء» «1» . وروى سفيان عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الطلقاء من قريش، والعتقاء من ثقيف» «2» . من كتاب الأعراب لسفيان وشعبة. وفي معاني القرآن للنحاس عن عبد الله بن مسعود قال: لما كان يوم بدر جيء بالأسرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ترون في هؤلاء الأسارى؟» فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأصلك فاستبقهم فلعل الله أن يتوب عليهم. فقال عمر: يا رسول الله كذّبوك وأخرجوك وقاتلوك قدّمهم فاضرب أعناقهم، وذكر الحديث وقال فيه: فأنزل الله عز وجل: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ [الأنفال: الاية 67] «3» . وقال الحسن أيضا في كتاب ابن سلام لم يكن أوحي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، فاستشار المسلمين فأجمعوا رأيهم على قبول الفداء ففادوا أسارى أهل بدر بأربعة آلاف، وما أثخن نبيّ الله يومئذ في الأرض «4» . وفي كتاب الشرف: إن أول رأس علّق في الإسلام: رأس أبي عزة. جعل في رمح، وحمل إلى المدينة. وفي السير: وكان في جملة السبعين أسيرا يوم بدر أبو عزة عمرو بن عبد الله الشاعر فشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرة عياله وعاهده ألايخرج عليه، فخرج يوم أحد يحرّض المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسر ولم يؤسر أحد غيره، فضربت عنقه صبرا «5» . ويوم أحد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) رواه ابن هشام في السيرة (2/ 412) عن ابن اسحاق قال: حدثني بعض أهل العلم. والبيهقي في السنن (9/ 118) وذكره ابن القيم في زاد المعاد (3/ 408) وهو حديث حسن بمجموع طرقه. (2) رواه أحمد في المسند (4/ 363) ، والطيالسي (671) ، والطبراني في الكبير (2311) ، والحاكم (4/ 80 و 81) وصححه ووافقه الذهبي. من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة والطلقاء من قريش. والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة) وإسناده حسن ورواه أبو يعلى (5033) والبزار رقم (2813) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وهو حديث حسن بمجموع طرقه. (3) رواه مسلم (1763) ، والترمذي (3081) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وذكره القرطبي في التفسير (8/ 31) من حديث عبد الله بن مسعود. وإسناده منقطع. لكن يشهد له رواية عمر رضي الله عنه. (4) رواه البيهقي في السنن (9/ 68) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء الأسارى أهل الجاهلين أربعمائة وهو حديث حسن. (5) رواه البيهقي في دلائل النبوة (3/ 280) وابن كثير في البداية والنهاية (4/ 46) والبيهقي في السنن (9/ 65) وابن حجر في الفتح (10/ 530) وقال البيهقي في البداية والنهاية: حدثنا أبو العباس محمد-

أبي بن خلف طعنه بالحربة فخدشه في عنقه فاحتقن الدم فقال: قتلني والله محمد، فقال له كفار قريش: ذهب والله فؤادك أن بك من بأس. قال: إنه قد كان قال بمكة إني أقتلك فو الله لو بصق عليّ لقتلني. فمات عدو الله بسرف وهم قافلون إلى مكة. وكان المسلمون يوم أحد سبعمائة رجل والمشركون ثلاثة آلاف معهم مائتا فارس «1» . وفي البخاري أن سعد بن معاذ قال لأمية بن خلف: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه قاتلك بمكة. قال: لا أدري. ففزع لذلك فزعا شديدا، فلما كان يوم بدر استنفر أبو جهل الناس فقال: أدركوا عيركم، فكره أمية أن يخرج فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان إنك متى بركت برك الناس، وإن تخلّفت وأنت سيد أهل هذا الوادي تخلّفوا معك، فلم يزل به حتى قال: أما إذا غلبتني لأشترينّ أجود بعير بمكة. ثم قال أمية: يا أمّ صفوان جهزيني. فقالت له: يا أبا صفوان قد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي، قال: لا وما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا فلما خرج أمية أخذ لا ينزل منزلا إلا عقل بعيره فلم يزل كذلك حتى قتله الله ببدر «2» . وفي معاني النحاس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل أمية بن خلف بيده وهو غلط. وكانت وقعة أحد يوم السبت لسبع خلون من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرا من الهجرة من كتاب المفضل وقال غيره للنصف من شوال، وفي كتاب آخر وبعضه من المدونة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بأبي أمامة سيد أهل اليمامة، ويقال أثاثة بن أثال أسيرا فأمر به فربط في المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عليه الإسلام كل يوم ثلاث مرات، ثم خيّره بين أن يعتقه أو يفاديه أو يقتله فقال: إن تقتل تقتل عظيما، وإن تفاد تفاد عظيما، وإن تعتق تعتق عظيما وأما أن أسلم فو الله لا أسلم قسرا أبدا. فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق فقال: أشهد ألاإله إلا الله وأنك رسول الله «3» . قال أصبغ في كتاب ابن الموّاز: وينبغي للإمام إذا أراد أن يقتل أسيرا أن يدعوه إلى الإسلام، ويسأله هل له عند أحد عهد ممن أسره. وقال ابن جريج والسدي في قول الله عز وجل: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً [محمّد: الاية 4] . هي في أهل الأوثان من كفار العرب وهي

_ ابن يعقوب- قال: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: أخبرنا الشافعي رحمه الله وذكره. وهذا سند صحيح إلى الشافعي رحمه الله. (1) أخرجه ابن هشام (2/ 84) بلا سند. وأورده ابن كثير (2/ 63) من رواية ابن الأسود عن عروة بن الزبير. ومن رواية الزهري عن سعيد بن المسيب. وكلاهما مرسل. وهو ضمن حديث مطول أخرجه ابن جرير من طريق السدي مرسلا كما في ابن كثير (2/ 44) . (2) رواه البخاري رقم (3950) . (3) رواه البخاري (469) و (4372) ، ومسلم (1764) ، وأبو داود (2679) ، وابن خزيمة (252) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر ابن كثير في التفسير (4/ 173) .

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في قريظة والنضير ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم قريظة إلى سعد بن معاذ

منسوخة بقوله عز وجل فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التّوبة: الاية 5] . وقال ابن عباس: خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسرى بين الفداء والمن والقتل والاستعباد يفعل ما يشاء. وعلى هذا القول أكثر العلماء «1» . وفي كتاب الخطابي أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسير يرعد فقال: «أدفئوه» يريد أدفئوه من الدفء ولم يكن من لغته صلى الله عليه وسلم الهمز فذهبوا به فقتلوه فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أراد قتله لقال دافوه ودافوا عليه بالتثقيل. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في قريظة والنضير ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم قريظة إلى سعد بن معاذ في البخاري ومسلم والنسائي: نزل يهود بني قريظة على حكم سعد بن معاذ، وهذا اللفظ للنسائي. أخبرنا قتيبة بن سعد عن الليث عن أبي الزبير عن جابر قال: رمي يوم الأحزاب سعد ابن معاذ فقطع أكحله «2» . وفي البخاري: رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة رماه في الأكحل «3» . قال في النسائي: فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار فانتفخت يده فتركه فنزفه الدم فحسمه أخرى فانتفخت يده فلما رأى ذلك قال: اللهم لا تخرج نفسي حتى تقرّ عيني من بني قريظة. فاستمسك عرقه فما قطر قطرة حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ. فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال في البخاري في حديث أبي سعيد الخدري وكان قريبا فجاء على حمار فلما دنا من المسجد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوموا إلى سيدكم» «4» ، قال في غير البخاري فقال: المهاجرون من قريش: إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار، وقالت الأنصار: إنما عم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاموا إليه فجاء فجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «إن هؤلاء نزلوا على حكمك» «5» . ووقع في البخاري في موضع آخر عن عائشة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أتى بني قريظة فنزلوا على حكمه فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم إلى سعد فقال سعد: إني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى النساء والذرية وأن تقسم أموالهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد حكمت فيهم بحكم الملك» «6» . قال في غير البخاري: «من

_ (1) ذكره ابن كثير في التفسير (4/ 173) باب قوله تعالى فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً وقال: رواه العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقاله قتادة والضحاك والسدي وابن جريج- وقال آخرون وهم الأكثرون: ليست منسوخة إنما الإمام مخير بين المن على الأسير ومفاداته فقط. ولا يجوز له قتله. (2) رواه الترمذي (1582) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (3) رواه البخاري (4122) من حديث عائشة رضي الله عنها. (4) رواه البخاري (3043) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (5) رواه أحمد في المسند (3/ 22) و (11168) ، ومسلم (1768) ، والنسائي في الكبرى (8222) وعبد بن حميد في المنتخب (995) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه. (6) رواه البخاري (4122) ، ومسلم (1769) من حديث عائشة رضي الله عنها.

فوق سبعة أرقعة» «1» . ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بدار بنت الحارث امرأة من بني النجار ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة فخندق فيها، ثم بعث فيهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق وفيهم حيي بن أخطب، وكعب بن أسد رئيسهم وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر لهم يقول كانوا بين الثمانمائة إلى الألف. وقالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا: يا كعب ما تراه يصنع بنا؟ قال: أفي كل موطن لا تعقلون ألا ترون أن الداعي لا ينزع والذاهب منكم لا يرجع! هو والله القتل «2» . قالت عائشة: ولم يقتل من نسائهم إلا امرأة اسمها بنانة وهي التي طرحت الرحى على خلاد بن سويد فقتلته «3» . وفي جامع المستخرجة في سماع ابن القاسم قال مالك: قال عبد الله بن أبي بن سلول لسعد بن معاذ في أمر بني قريظة إنهم أحد جناحي وهم ثلاثمائة دارع وستمائة حاسر فقال له سعد: قد تألى سعد ألاتأخذه في الله لومة لائم. وفي كتاب النسائي: وكانوا أربعمائة فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه فمات «4» . وفي كتاب ابن سحنون: روي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى أن تقبل من العدو النزول على حكم الله لأنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم وأنزلهم على حكمك، قال سحنون: فإن جهل الإمام فأنزلهم على حكم الله، يعني إذا طلبوا ذلك فهي شبهة فليردّوا إلى مأمنهم إلى أن يجيبوا إلى الإسلام. قال محمد: وليعرض عليهم الإسلام قبل ردهم فإن أبوا عرضت عليهم الجزية. من النوادر قال سحنون: وإن نزلوا على حكم الله وحكم فلان فحكم بالسيف أو بسبي الذرية أو أخذ المال لم ينفذ وكأنهم نزلوا على حكم الله وحده. قال ابن شهاب في مختصر المدونة: كانت وقعة بني النضير في المحرّم سنة ثلاث، وقال

_ (1) رواه الخطابي في إصلاح خطأ المحدثين ص (52) ، وابن كثير في البداية والنهاية (4/ 108) ، وفي عيون الأثر لابن سيد الناس (2/ 73) وقال: قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن ابن عمرو بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن وقاص الليثي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع أرقعة» . وفي إسناده عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ لم نقف له على ترجمته. وعلقمة بن وقاص الليثي قال الحافظ: أخطأ من زعم أن له صحبة فالحديث مرسل وفيه مجاهيل. (2) ذكره في عيون الأثر لابن سيد الناس (2/ 73) . عن ابن اسحاق. قال: ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره. (3) رواه أبو داود (2671) في الجهاد. باب في قتل النساء من حديث عائشة رضي الله عنها. وإسناده حسن. (4) رواه الترمذي (1582) من حديث جابر رضي الله عنه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهو كما قال.

غيره: سنة أربع خرج إليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم عشية الجمعة لتسع مضين من ربيع الأول، وحوصروا ثلاثا وعشرين يوما وقالت عائشة: خمسة وعشرين يوما. وفي البخاري: بعد بدر بستة أشهر. قاله عروة «1» . وفي حكم النبيّ صلى الله عليه وسلم في بني قريظة من الفقه: أن أهل الذمة إذا حاربوا والإمام عادل، فليستحل بذلك نساءهم وذراريهم، ومن ضعف من رجالهم من شيخ وذي زمانة. قاله الأوزاعي، وابن الماجشون، وأصبغ، وابن حبيب، وابن الموّاز، وخالفهم ابن القاسم في الشيخ الكبير ومن به زمانة، أو من يرى أنه مغلوب منهم. فقال: لا يستباحوا ولا يسترقوا. قال أبو عبيد: إنما استحل رسول الله صلى الله عليه وسلم دماء بني قريظة لمظاهرتهم الأحزاب عليه، وكانوا في عهده فرأى ذلك نكثا لعهدهم. قال أبو عبيد: وقال سفيان بن عيينة: إنا لا نعلم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم عاهد قوما فنقضوا العهد إلا استحل قتلهم غير أهل مكة فإنه منّ عليهم، وكان نقضهم أن قاتلت حلفاؤهم من بني بكر حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من خزاعة. فنصر أهل مكة بني بكر على حلفائه، فاستحل غزوهم. قال المفضل: حاصرهم إحدى وعشرين ليلة، ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح، فأبى ذلك عليهم إلا على أن يخرجوا من المدينة على ما يأمرهم به عليه السلام، فرضوا فأمرهم أن يحمل كل ثلاثة أبيات على بعير ما شاؤا من متاعهم، وما بقي فلرسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجوا إلى الشام وهو حشرهم. وذكر أبو عبيد في كتاب الأموال: أن اليهود قيل لهم: انزلوا على حكم النبيّ صلى الله عليه وسلم. قالوا: ننزل على حكم سعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انزلوا على حكم سعد» «2» . وفي مصنف أبي داود: كان النضير أشرف من قريظة، وكلاهما من ولد هارون النبيّ عليه السلام «3» . وفي كتاب المفضل: وكان سبب النضير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إليهم ومعه نفر من

_ (1) رواه البخاري تعليقا في ترجمة باب (14) في المغازي حديث بني النضير. ومخرج رسول الله إليهم في دية الرجلين وما أرادوا من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم- وقال: قال الزهري عن عروة بن الزبير كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد. وقال الحافظ في الفتح: وصله عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري أتم من هذا، ولفظه عن الزهري وهو في حديثه عن عروة ثم كانت غزوة بني النضير. وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر. وكانت منازلهم ونخلهم بناحية المدينة. فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء. وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال لا الحلقة يعني السلاح. فأنزل الله فيهم سَبَّحَ لِلَّهِ إلى قوله لِأَوَّلِ الْحَشْرِ [الحشر: 1، 2] . (2) رواه أحمد في المسند (6/ 141 و 142) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 128) ، وقال: رواه أحمد وفيه محمد بن عمرو بن علقمة. وهو حسن الحديث. وبقية رجاله ثقات. وقال في الفتح (11/ 43) وسنده حسن. (3) رواه أبو داود (3591) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وهو حديث صحيح.

أصحابه، فكلّمهم في أن يعينوه في دية الكلابيين اللّذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، فقالوا: نفعل يا أبا القاسم، وخلا بعضهم ببعض فتوامروا فيه وهموا بالغدر به، وقال عمرو بن جحاش النضيري: أنا أظهر على البيت، وأطرح عليه صخرة، وذكر غيره رحى فقال لهم سلام بن مشكم: لا تفعلوا فو الله ليخبرن بما هممتم به وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه. وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر بما همّوا به. قال غيره: نزل جبريل- عليه السلام- فأخبره فنهض مسرعا فتوجه إلى المدينة، ولحقه أصحابه فقالوا: قمت ولم نشعر. فقال: «همّت يهود بالغدر فأخبرني الله عز وجل بذلك» ، وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن اخرجوا من بلدي لا تساكنوني، وقد هممتم بغدري وقد أجّلتكم عشرا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه» . فأقاموا أياما يتجهزون، وأرسل إليهم عبد الله ابن أبي: لا تخرجوا من دياركم فإنّ معي ألفين يدخلون معكم حصنكم فيموتون حولكم، وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان. فطمع حيي فيما قال له وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نخرج من ديارنا فافعل ما بدا لك. فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير، فسار إليهم، وعلي بن أبي طالب يحمل رايته فلما رأوه قاموا على حصونهم ومعهم النبل والحجارة، واعتزلتهم قريظة، وخانهم ابن أبيّ وحلفاؤهم من غطفان، وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطع نخلهم فقالوا: نخرج من بلدك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نقبل ذلك. ولكن اخرجوا ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقة» يعني السلاح، فنزلوا على ذلك وقبض النبيّ صلى الله عليه وسلم الأموال والحلقة، وكانت أموال بنو النضير خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لنوائبه ولم يخمّسها لأن الله عز وجل أفاءها عليه، ولم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب، فهذا جزاء بني النضير الذي قال الله عز وجل: فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [البقرة: الاية 85] . وقوله عز وجل: وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [الحشر: الاية 5] «1» . وأما قريظة فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف من المسلمين فحاصرهم خمسة عشر يوما، فأرسلوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم: أن يرسل إليهم أبا لبابة فأرسله إليهم فشاوروه في أمرهم فأشار إلى حلقه أنه الذبح، ثم ندم فاسترجع فقال: خنت الله ورسوله فلم يرجع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وسار إلى المسجد، وارتبط بسارية ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنزل الله توبته. ثم نزلوا على حكم النبيّ صلى الله عليه وسلم فأمر بهم عليه السّلام محمد بن مسلمة فكتفوا ونحوا ناحية، واستعمل عليهم عبد الله بن سلام، فجمع أمتعتهم وما وجد في حصونهم من الحلقة والأثاث فوجد فيها ألفين وخمسمائة سيف، وثلاثمائة درع وألف رمح وخمسمائة ما بين ترس وحجفة. ووجد عندهم جرار خمر فأهرق، ولم يخمّس، وكلّمت الأوس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: أن يهبهم لهم وكانوا حلفاءهم، فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ، فحكم فيهم بقتل المقاتلة، وسبي النساء والذرية، وأن تقسم

_ (1) رواه ابن سعد في طبقاته (2/ 43 و 44) ، وابن جرير الطبري (2/ 542) ، وابن هشام في السيرة (2/ 174) باب أمر إجلاء بني النضير في سنة أربع من حديث ابن إسحاق.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في الأمان عام الفتح

الأموال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبعة أرقعة» ، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بهم فأدخلوا المدينة، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعامة أصحابه، وأخرجوا رسلا رسلا فضربت أعناقهم. وكانوا ما بين ستمائة إلى سبعمائة، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ريحانة بنت عمرو، وأمر بالغنائم فجمعت وأخرج الخمس من المتاع والسبي، ثم أمر بالباقي فبيع فيمن يزيد، وقسمه بين المسلمين، وكانت السهمان على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهما للفرس سهمان ولصاحبه سهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتق منه ويهب ويخدم «1» . وكذلك قال مالك في المستخرجة: خمّس رسول الله صلى الله عليه وسلم قريظة ولم يخمّس بني النضير. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الأمان عام الفتح في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: يا رسول الله ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتلوه» «2» . هكذا رواه مالك عن ابن شهاب، وروى غيره وعلى رأسه عمامة سوداء «3» . وذكر البخاري ومسلم وهو على راحلته وخلفه أسامة بن زيد. وفي كتاب الأموال لأبي عبيد: فنادى ألايجهزنّ على جريح ولا يتّبعن مدبر، ولا يقتلن أسير، ومن أغلق بابه فهو آمن «4» . وفي كتاب النسائي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دخل الكعبة فهو آمن، ومن أغلق بيته فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ، وأمّن جميع الناس إلا أربعة رجال وامرأتين «5» . وذكر ابن حبيب: ستة رجال وأربع نسوة فقال: «اقتلوهم وإن تعلّقوا بأستار الكعبة» . وهم على ما ذكره النسائي وغيره: عبد الله بن خطل، وعكرمة بن أبي جهل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن سرح، فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أشبّ الرجلين

_ (1) رواه ابن سعد في طبقاته (2/ 57) ، وابن جرير الطبري في التاريخ (2/ 581) ، والمغازي للواقدي (496) ، وفي سيرة ابن هشام (2/ 194 و 203) باب نزول بني قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحكم سعد. (2) رواه البخاري (3044) ، ومالك في الموطأ (1/ 423) ، ومسلم (1357) من حديث أنس رضي الله عنه. (3) رواه مسلم (1358) ، وأبو داود (4076) ، والترمذي (1735) ، وابن حبان (3720) من حديث جابر رضي الله عنه. (4) رواه البزار (1849) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 243) ، وقال: رواه البزار والطبراني في الأوسط. وفيه كوثر بن حكيم ضعيف متروك. (5) رواه مسلم (1780) ، وأبو داود (3024) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

فقتله. وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه، ولم يتعرض النبيّ صلى الله عليه وسلم لحال ابن خطل «1» ، وذكر ابن هشام أن نميلة قتله وهو رجل من قومه. وأن عبد الله بن خطل قتله سعد بن حريث وأبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه «2» . وذكر صاحب الشرف أن أبا برزة قتله. وقالت أخت مقيس شعرا: لعمري لقد أخزى نميلة رهطه ... وفجع أضياف الشتاء بمقيس وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصفة فقال أصحاب السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم ههنا شيئا. فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره. اللهم إن لك عليّ عهدا إن كنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده فلأجدنّه عفوا كريما. فجاء فأسلم. وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايع عبد الله. فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ذلك، ثم أقبل على أصحابه فقال: «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا- حين رآني كففت يدي عن بيعته- فيقتله» . قالوا: ما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك، هلا أومأت إلينا برأسك. قال: «إنه ما ينبغي لنبيّ أن تكون له خائنة عين» «3» . وفي كتاب ابن هشام: وذكره ابن حبيب أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحويرث بن نفير بن وهب ابن عبد مناف بن قصي سوى النفر المذكورين والمرأتين، فقتله علي بن أبي طالب صبرا. ذكره ابن حبيب، وذكر ابن حبيب امرأتين سواهما: هند ابنة عتبة بن ربيعة، وسارة مولاة عمرو بن هشام. والمرأتين المذكورتين كانتا قينتين تغنيان بهجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن خطل: فرتنا وقريبة. فأسلمت فرتنا، وبقيت حتى ماتت في خلافة عثمان، وقتلت قريبة وسارة، وأسلمت هند بنت عتبة وبايعت «4» ، وذكر ابن إسحاق أن سارة أمّنها النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد أن استؤمن لها، فبقيت حتى أوطأها رجل فرسا في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح فقتلها «5» . وذكر أبو عبيد في كتاب الأموال: أن سارة حملت كتاب حاطب إلى مكة «6» .

_ (1) رواه النسائي في السنن (7/ 105 و 106) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وإسناده صحيح. (2) ذكره ابن هشام في السيرة (2/ 409) . باب أسماء من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتلهم وسبب ذلك. (3) رواه أبو داود (2683) ، والنسائي (7/ 105 و 106) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما. وهو حديث صحيح. (4) ذكره ابن هشام في السيرة (2/ 410) باب أسماء من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتلهم وسبب ذلك. (5) ذكره ابن هشام في السيرة (2/ 411) باب أسماء من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتلهم بدون سند. (6) ذكره أبو عبيد في كتاب الأموال رقم (296) من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة رضي الله عنه.

قال ابن إسحاق: وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل عبد الله بن أبي سرح لأنه كان أسلم وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتد مشركا، ثم أسلم بعد، فولاه عمر بن الخطاب بعض أعماله، ثم ولاه عثمان بعد عمر «1» . وعبد الله بن خطل كان مسلما فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعث معه رجلا من الأنصار، وكان معه مولىّ له يخدمه، وكان مسلما فنزل منزلا وأمر المولى أن يذبح له تيسا فيصنع له طعاما فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله، ثم ارتد مشركا. والحويرث بن نفير كان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وكان العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة وأم كلثوم ابنتي النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة يريد بهما المدينة فنخس بهما الحويرث فرمى بهما إلى الأرض، ومقيس قتل الأنصاري الذي كان قتل أخاه خطأ، ورجع مشركا إلى مكة، وقدم مقيس على النبيّ صلى الله عليه وسلم مكة مسلما سنة ست: عام الحديبية، وطلب دية أخيه، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية أخيه، ثم قتل الذي قتل أخاه، ورجع إلى مكة مشركا وقال في شعره: حللت به وتري وأدركت ثورتي ... وكنت إلى الأوثان أول راجع وكان الذي قتل أخاه هشام بن صبابة رجل من رهط عبادة بن الصامت أصابه خطأ وهو يظن أنه من العدو في غزوة بني المصطلق في شعبان سنة ست «2» قال ابن هشام: وبلغني أن أول قتيل وداه النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: جنيدب بن الأكوع، قتلته بنو كعب، فوداه بمائة ناقة «3» وقال عليه السلام: «يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل، فقد كثر القتل إن يقع» «4» قال ابن حبيب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لخزاعة أن يضعوا السيوف في بني بكر إلى صلاة العصر. قال ابن هشام: وذلك أن الصلح الذي انعقد بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة عام الحديبية وقع فيه من الشرط: أن من أحب أن يدخل في عقد النبيّ صلى الله عليه وسلم وعهده- عليه السلام- دخل، ومن أحب أن يدخل في عهد أهل مكة دخل. فدخلت خزاعة في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، ثم تظاهر بنو بكر وقريش على خزاعة، ونقضوا عهدهم فيهم، وأصابوا فيهم فخرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم المدينة على النبيّ صلى الله عليه وسلم واستنصره، وكان مما أهاج فتح مكة. قال ابن سلام في تفسيره: وفي قتل خزاعة لمن قتلوه بمكة وذلك خمسون رجلا أنزل الله عز وجل: وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [التّوبة: الاية 14] . قال أبو سفيان: يا رسول الله

_ (1) ذكره البيهقي في دلائل النبوة (5/ 62) ، وابن هشام في السيرة (4/ 23) . وفي إسناده أحمد بن عبد الجبار. قال الحافظ في التقريب: ضعيف. (2) رواه البيهقي في دلائل النبوة (5/ 62) وقال البيهقي: قال ابن اسحاق وذكره. وابن هشام في السيرة (2/ 410) . وقال: قال ابن اسحاق. وذكره بدون سند. (3) ذكره ابن هشام في السيرة (2/ 416) باب أول قتيل وداه الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الفتح. (4) ذكره ابن حجر في الفتح (12/ 206) وفي البداية والنهاية (4/ 305) - من حديث ابن إسحاق ولم يذكر له سند.

أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ، ثم قال- عليه السلام- «لا تغزى قريش أبدا ولا يقتل قرشي صبرا أبدا» «1» يعني: على كفر. قال ابن قتيبة: لا يقتل قرشي صبرا بضم اللام، ومن رواه جزما أوجب ظاهر الكلام للقرشي ألايقتل إن ارتد ولا يقتص منه إن قتل، ومن رواه رفعا انصرف التأويل إلى الخبر عن قريش ألايرتد منها أحد عن الإسلام فيستحق القتل. قال ابن حبيب: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة «2» . وفي البخاري عن ابن عباس: أقام النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة: تسعة عشر يوما يقصر «3» . وعن أنس: أقمنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم عشرة نقصر «4» . قال ابن عباس: ونحن نقصر ما بيننا وبين تسعة عشر فإذا زدنا أتممنا «5» . وقال المزّني عن الشافعي: أقام النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة حين افتتحها ثمان عشرة ليلة يقصر «6» . وفي مصنف أبي داود عن جابر: أقام النبيّ صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة «7» . وهذا خلاف قول ابن عباس. قال أبو عبيد: قال ميمون بن مهران: حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر ما بين عشرين ليلة إلى ثلاثين ليلة، ثم أخذوا الأمان على ألايكتموا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا- قال غيره: كنزا- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بني الحقيق- قال أبو عبيد هكذا قال وإنما هم بني أبي الحقيق- وقد عرفتم عداوتكم لله ورسوله ثم لم يمنعني ذلك من أن أعطيتكم ما أعطيت أصحابكم. وقد أعطيتموني عهدا أنكم إن كتمتم شيئا أحلّت لنا دماؤكم. ما فعلت آنيتكم؟» قالوا: استهلكناها في حربنا.

_ (1) رواه أحمد في المسند (3/ 412) ، والترمذي رقم (1611) في السير، والحميدي رقم (582) ، والطبراني في الكبير رقم (3333) من حديث الحارث بن مالك ابن البرصاء رضي الله عنه واسناده صحيح. (2) رواه النسائي في السنن (3/ 121) باب المقام الذي يقصر فيه الصلاة. من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. بلفظ (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمسة عشر يصلي ركعتين ركعتين) (3) رواه البخاري (1080) و (4298) ، والترمذي (549) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (4) رواه البخاري (1081) و (4297) في المغازي من حديث أنس رضي الله عنه. (5) رواه البخاري (4299) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (6) رواه أبو داود (1229) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه بلفظ (غزوت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الفتح. فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ويقول يا أهل البلد صلّوا أربعا فإنا سفر) . (7) رواه أبو داود (1235) من حديث معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان. وفيه عنعنة يحيى بن أبي كثير. وهو مدلس- وقال أبو داود: غير معمر لا يسنده. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود. وذكر البيهقي أنه غير محفوظ.

قال: فأمر أصحابه فأتوا المكان الذي فيه الانية فاستثاروها. قال: ثم ضربت أعناقهم «1» . وفي كتاب ابن عقبة: أخذوا الأمان على ألايكون لهم شيء إلا ما على ظهورهم من الثياب، وإنهم إن كتموا شيئا فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله. قال أبو عبيدة: حدثنا يزيد عن هشام عن الحسن قال: عاهد حيي بن أخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألايظاهر عليه أحدا، وجعل الله عليه كفيلا، فلما كان يوم قريظة أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبابنه سلمى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوف الكيل» فضرب عنقه، وعنق ابنه «2» . وذكر أيضا أبو عبيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه نفرا إلى ابن أبي الحقيق ليقتلوه فقتلوه «3» . وذكر الخطابي عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: كان من مال أبي الحقيق كنز يقال: مسك الجمل كان يليه الأكبر فالأكبر، فغيّبوه وكتموه فقتلهم النبيّ صلى الله عليه وسلم بنقضهم العهد. قال الواقدي: عدده عشرة آلاف دينار. ومن كتاب الأموال قال أبو عبيد: حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن عقيل ابن خالد، عن ابن شهاب قال: كانت وقعة الأحزاب بعد أحد بسنتين، وذاك يوم حفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، ورئيس الكفار يومئذ أبو سفيان بن صخر بن حرب فحاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ليال فلحق إلى المسلمين الكرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبرني سعيد بن المسيب: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تشأ لا تعبد» . فلم يلبث إلا يسيرا حتى أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا إلى عيينة بن حصن- وهو يومئذ رئيس الكفار من غطفان، وهو مع أبي سفيان- فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث ثمر نخل المدينة على أن يخذل الأحزاب، وينصرف بمن معه من غطفان. فقال عيينة: بل أعطني شطر ثمرها، ثم أفعل ذلك، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السعدين: سعد بن معاذ- وهو سيد الأوس-، وسعد بن عبادة- وهو سيد الخزرج- فقال: «إن عيينة قد سألني نصف ثمر نخلكم على أن ينصرف بمن معه من غطفان، ويخذل الأحزاب وأني أعطيته الثلث وأبى إلا النصف فما تريان؟» فقالا: يا رسول الله إن كنت أمرت بشيء فافعله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أمرت بشيء لم أستأمركما فيه، ولكن هذا رأي أعرضه عليكما» . قالا: فإنا لا نرى أن نعطيهم إلا السيف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فنعم» «4»

_ (1) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (458) من حديث ميمون بن مهران. وهو حديث مرسل ورجاله ثقات. (2) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال رقم (461) باب أهل الصلح، والعهد ينكثون، متى تستحل دماؤهم. وهو حديث مرسل. (3) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (460) من حديث ابن كعب بن مالك. وهو مجهول والحديث مرسل ويشهد له ما قبله. (4) رواه ابن عساكر في تاريخه (1/ 113) ، وابن سعد في الطبقات (2/ 56) ، وفي إسناده عبد الله بن-

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في السهمان وسهمان الغائب وما تعطى المرأة من الغنيمة

وفي كتاب ابن عقبة: أن اليهود أخذوا الأمان ألايكون لهم شيء إلا ما على ظهورهم من الثياب، وإنهم إن كتموا شيئا فقد برئتا منهم: ذمة الله وذمة رسوله. وقتل من أصحاب خالد عند فتح مكة رجلان: كرز بن جابر الفهري، وخالد بن أخفش الخزاعي. قال ابن حبيب: وقتل من المشركين ثلاثة وعشرين رجلا. وقال ابن هشام: اثنا عشر، أو ثلاثة عشر. قال أبو عبيد: اختلف العلماء في مصالحة المشركين، ومهادنتهم لمدة معلومة على ثلاثة أقوال: فقالت طائفة: مصالحتهم جائزة لقول الله عز وجل وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها [الأنفال: الاية 61] . وقوله تعالى: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ [محمّد: الاية 35] . الايتان محكمتان إذا دعا المشركون إلى الصلح أجيبوا، ولا يدعوهم إليه المسلمون إذا كانوا في قوة. وهذا قول مالك- رحمه الله-. وقالت طائفة: لا يصالحوا على حال، وإنما هو قتالهم حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية. وجعلوا الاية التي في الأنفال منسوخة باية القتال. وروي ذلك عن ابن عباس. وقالت طائفة: يجوز أن يصالحوا على مال يعطيه المسلمون أياهم إذا ضعفوا عن قتالهم. وروي أن معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان فعلوا ذلك. ذكر ذلك الأوزاعي. وحجة مالك في إجازة الصلح أيضا قول النبيّ صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية إذ بعث إليه وهب ابن عمير بردائه أمانا لصفوان شهرين، ثم قال له أنزل أبا وهب قال: لا أنزل حتى تبين لي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل لك أن تسيّر أربعة أشهر» «1» . وذكر الأوزاعي أن عبد الملك بن مروان كان يؤدي إلى طاغية الروم كل يوم ألف دينار، ذكره الوليد بن مسلم عن الأوزاعي، وقال: فعل ذلك معاوية أيام صفين، وعمله عبد الملك زمان ابن الزبير. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في السهمان وسهمان الغائب وما تعطى المرأة من الغنيمة في البخاري وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين، وللراجل سهما «2» ، هذا هو الثابت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأجمع العلماء على العمل به، إلا أبا حنيفة- رضي الله عنه- فإنه قال:

_ صالح كاتب الليث. قال الحافظ في التقريب. صدوق كثير الغلط. وكانت فيه غفلة وباقي رجال السند ثقات. ورواه أبو عبيد (445) في باب الصلح والمهادنة. (1) رواه مالك في الموطأ (1547) في النكاح. باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله ثم أسلم. وهو حديث مرسل. وقال ابن عبد البر: لا أعلمه يتصل من وجه صحيح وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير. وابن شهاب إمام أهلها. وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده ورواه البيهقي في السنن (7/ 186 و 187) . وهو مرسل كذلك. (2) رواه البخاري (2863) و (4228) ، ومسلم (1762) ، وأبو داود (2733) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

للفارس سهمان: سهم له، وسهم لفرسه، واحتج بحديث رواه مجمّع بن حارثة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قسم يوم خيبر لمئتي فرس، فأعطى الفارس سهمين، وأعطى الراجل سهما «1» . واحتج أيضا برواية ابن المبارك قال: حدثنا عبد الله بن المبارك عن نافع عن ابن عمر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جعل للفارس سهمين، وللراجل سهما «2» . ولا حجة له في شيء من ذلك لأن ابن عباس روى في قسمة خيبر خلاف ذلك. وأكثر أصحاب عبد الله بن عمر خالفوا روايته، وكانت خيبر لأهل الحديبية خاصة ألف وأربعمائة، ولم يغب من أهل الحديبية إلا جابر بن عبد الله، فقسم له رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمه «3» ، ومضى على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه كلها: للفرس سهمين، وللراكب سهم قال ابن إسحاق. وكانت الخيل يوم بني قريظة: ستة وثلاثين فرسا. كذلك وقع في المدوّنة، وكانت أول فيء وجبت فيه السهمان، وأخرج منه الخمس ومضت به السنة. وقال أيضا إسماعيل القاضي: قال إسماعيل وأحسب أن بعضهم قال: ونزل أمر الخمس بعد ذلك، ولم يأت في ذلك من الحديث بيان شاف، وإنما جاء ذكر الخمس يقينا في غنائم حنين وهي آخر غنيمة حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم حربها. قال الواقدي في كتاب المفضل: أول خمس خمّس في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام، حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، فنزلوا على حكمه، فصالحهم على أن له- عليه السلام- أموالهم، ولهم النساء والذرية، فأخذ عليه السلام من سلاحهم ثلاث قسي ودرعين وثلاثة أسياف وخمّس أموالهم. قال البزار في مسنده: وكان المسلمون يوم بدر: ثلاثمائة وثلاثة عشر، من المهاجرين: سبعة وسبعون، ومن الأنصار: مائتان وستة وثلاثون، ولواء المهاجرين مع علي، ولواء الأنصار مع سعد بن عبادة «4» ، وكان فيهم عشرون من الموالي «5» وكان معهم ثلاثة أفراس: فرس الزبير،

_ (1) رواه أحمد في المسند (3/ 420) و (15470) ، وأبو داود (2736 و 3015) ، والحاكم (2/ 131) ، والبيهقي في السنن (6/ 325) وإسناده ضعيف. وقال الحافظ في الفتح. في إسناده ضعف. وانظر نصب الراية (3/ 416 و 417) . (2) رواه الدارقطني في السنن (4/ 106) - وقال: قال أحمد كذا لفظ نعيم. عن ابن المبارك والناس يخالفونه- قال النيسابوري- ولعل الوهم من نعيم لأن ابن المبارك من أثبت الناس. (3) رواه ابن هشام في السيرة (3/ 349) ذكر مقاسم خيبر وأموالها وقال: قال ابن اسحاق. وذكره. (4) رواه البزار رقم (1783) . وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 92) وقال: رواه البزار وفيه الحجاج بن أرطأة وهو مدلس. وقال البزار: لا نعلم له إسنادا أحسن من هذا الإسناد وإبراهيم الكوفي مشهور. روى عنه يحيى بن اليمان، وابن الأصبهاني، وأبو غسان وغيرهم. (5) رواه البزار (1785) ، والطبراني (1785) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 93) وقال: رواه البزار والطبراني. وفيه يحيى بن عبد الحميد الحماني ضعيف.

وفرس المقداد، وفرس مرثد بن أبي مرثد، وسبعون بعيرا يعتقبونها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ومرثد يعتقبون بعيرا، وحمزة وزيد بن حارثة وأبو كبشة، وأنيسة موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيرا، وأبو بكر وعمر وعبد الرحمن يعتقبون بعيرا «1» . وقال ابن هشام: ثلاثمائة وأربعة عشر: ثلاثة وثمانون من المهاجرين، ومن الأوس: واحد وستون، ومن الخزرج: مائة وسبعون «2» . وذكر البخاري: أن جميع من شهد بدرا من قريش ممن ضرب له بسهم أحد وثمانون رجلا «3» . وذكر إسماعيل القاضي: أن عبادة بن الصامت قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فلما هزم الله المشركين تبعتهم طائفة يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم، واستولت طائفة على العسكر والنهب، فلما رجع الذين طلبوهم قالوا: لنا النفل نحن طلبنا العدو. وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن أحق به لأننا أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم ألاينال العدو منه غرة، وقال الذين استولوا على العسكر: هو لنا نحن حويناه. فأنزل الله عز وجل يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ. فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم على فواق- يعني على سرعة- ويقال: فواق وفواق بالفتح والضم قبل أن ينزل: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال: الاية 41] «4» . وقال إسماعيل: إنما قسم النبيّ صلى الله عليه وسلم النضير بين المهاجرين وثلاثة من الأنصار: سهل بن حنيف، وأبي دجانة، والحارث بن الصمة لأن المهاجرين حين قدموا المدينة شاطرتهم الأنصار ثمارهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شئتم قسمت أموال بني النضير بينكم وبينهم وأقمتم على مواساتكم في ثماركم، وإن شئتم أعطيتها المهاجرين دونكم وقطعتم عنهم ما كنتم تعطونهم من ثماركم» . فقالوا: بل تعطيهم دوننا ونمسك ثمارنا، فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين فاستغنوا مما أخذوا، واستغنى الأنصار بما رجع إليهم من ثمارهم. وهؤلاء الثلاثة من الأنصار شكوا حاجة «5» .

_ (1) رواه الطبراني في الكبير (12105) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 69) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط. وفيه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان ضعيف. وذكره ابن هشام في السيرة (1/ 614) باب عدد إبل المسلمين في بدر. وقال: قال ابن اسحاق. وذكره بدون سند ورواه أحمد في المسند رقم (3901) من حديث عبد الله بن مسعود قال: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير. وكان أبو لبابة، وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسنده حسن. (2) ذكره ابن هشام في السيرة (1/ 685) باب عدد من شهد بدرا من المهاجرين وذكره بدون سند. (3) رواه البخاري (3956) باب عدة أصحاب بدر. من حديث البراء رضي الله عنه. (4) رواه أحمد في المسند (5/ 323 و 324) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 92) وقال: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات. ورواه الترمذي رقم (1561) مختصرا في السير. وقال الترمذي: حديث عبادة حسن. (5) ذكره في عيون الأثر ابن سيد الناس (2/ 50) . وقال: وذكر أبو عبد الله الحاكم في كتاب الإكليل له بإسناده إلى الواقدي. عن معمر بن راشد، عن الزهري عن خارجة بن زيد عن أم العلاء وذكره- وفي الإسناد معمر بن راشد قال الحافظ في التقريب: مقبول. وقال الذهبي في الميزان: قال يحيى بن معين: هو من أثبتهم في الزهري وهذا منه.

وذكر ابن هشام وابن سحنون وابن حبيب والبرقي: أن طلحة بن عبيد الله، وسعد بن زيد لم يشهدا بدرا- كانا غائبين بالشام- فقسم لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم سهميهما. قالا: وأجورنا يا رسول الله قال: «وأجوركما» «1» . ذكر البخاري: أن عقبة بن عامر الأنصاري شهد بدرا «2» . وقال يحيى بن معين: لم يشهدها وإنما شهد العقبة. وذكر ابن سحنون وابن حبيب: أن أبا لبابة، والحارث بن حاطب، وعاصم بن عدي، خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فردّهم وأمّر أبا لبابة على المدينة «3» . قال ابن حبيب: وابن أم مكتوم على الصلاة، وسهم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه، والحارث بن الصمة كمن بالروحاء فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه. قال ابن هشام: وخوات بن جبير بن النعمان ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه «4» ، ولم يختلف أحد أن عثمان بن عفان رضي الله عنه تخلف على امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه. قال: وأجري يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأجرك» «5» . قال ابن حبيب: وهذا خاص النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأجمع المسلمون بعده: ألايقسم لغائب، وروى ابن وهب وابن نافع عن مالك: إذا بعث الإمام أحدا في مصالح الجيش فله سهمه، وروي عن مالك أنه لا سهم له. قال سحنون: وبالأول أقول. وفي البخاري وغيره: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رد ابن عمر يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة، وأجازه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة «6» ، وأجاز زيد بن ثابت، والبراء بن عازب يوم الخندق

_ (1) رواه الطبراني في الكبير (189) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 148) وقال: رواه الطبراني. وهو مرسل حسن الإسناد بلفظ عن عروة قال: طلحة بن عبيد الله كان بالشام فقدم وكلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سهم فضرب له سهمه- قال: وأجري يا رسول الله- قال: وأجرك. يعني يوم بدر. ورواه الطبراني (338 و 329) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 155) وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن. وروي عن الزهري مثله بلفظ عن عروة قال: سعيد بن زيد قدم من الشام بعدما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب له بسهم قال: وأجري يا رسول الله- قال: وأجرك. (2) رواه البخاري في المغازي. باب تسمية من سمي من أهل البدر. في الجامع الذي وضعه أبو عبد الله على حروف المعجم. وذكر منهم عقبة بن عامر الأنصاري. (3) ذكره ابن هشام في السيرة (ج/ 1/ 688) وقال: وزعموا أن أبا لبابة بن عبد المنذر والحارث بن حاطب خرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فردهما. وأمر أبا لبابة على المدينة. وذكره بدون سند. (4) ذكره ابن هشام في السيرة (ج/ 1/ 690) وقال: قال ابن اسحاق: والحارث بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلب. وخوات بن جبير بن النعمان ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم مع أصحاب بدر سبعة نفر. (5) ذكره ابن هشام في السيرة (ج/ 1/ 678) . وقال: ومن بني عبد شمس بن عبد مناف: عثمان بن عفان تخلف على امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم قال: وأجري يا رسول الله قال: وأجرك. (6) رواه البخاري (2664) و (4097) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" بالسلب للقاتل يوم حنين، وهل تخمس الأسلاب

وهما ابنا خمس عشرة سنة. وقال ابن حبيب: لم يكن صلى الله عليه وسلم يسهم للنساء والصبيان والعبيد ولكن كان يحذيهم من الغنيمة، ولم ير مالك أن يحذوا. وفي البخاري: قسم النبيّ صلى الله عليه وسلم إبلا وغنما فعدّل عشرة من الغنم ببعير «1» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» بالسلب للقاتل يوم حنين، وهل تخمس الأسلاب وذكر الأنفال في الموطأ والبخاري ومسلم عن أبي قتادة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين، فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه فأقبل عليّ فضمني ضمة وجدت فيها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني، فلقيت عمر بن الخطاب فقلت: ما بال الناس؟ قال: أمر الله. ثم أن الناس رجعوا، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه» ، فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال الثانية: «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه» فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال الثالثة مثله قال: فقمت، فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لك يا أبا قتادة؟» فاقتصصت عليه القصة فقال رجل: صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه. فقال أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- لاهاء الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه. ويروى يعمد بغير لا «2» . وفي البخاري في كتاب الأحكام: قال أبو بكر: كلا لا يعطه أصيبغ من قريش، ويدع أسدا من أسد الله. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «صدق فأعطه إياه» فبعت الدرع فابتعت به خرافا فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام «3» ، قال ابن الأعرابي: سلمة بكسر اللام في الأزد وسلمة بفتحها في قشير. ذكر البخاري أن السلب الذي للقاتل إنما هو من غير الخمس من رأس الغنيمة وأن الأسلاب لا تخمّس «4» . وقال مالك وأصحابه: لا يكون إلا من الخمس، واحتج بعض أصحاب مالك بقول الله عز وجل: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال: الاية 41] . وجعل الأربعة الأخماس لمن غنمها، فلا يجوز أن يؤخذ منها شيء بالاحتمال. وقولنا إنما نفّل النبيّ صلى الله عليه وسلم من الخمس.

_ (1) رواه البخاري (2488) و (3075) من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه. (2) رواه البخاري و (4321) ، ومسلم (1571) ، والموطأ (2/ 454) من حديث أبي قتادة رضي الله عنه. (3) رواه البخاري (210 و 7170) من حديث أبي قتادة رضي الله عنه. (4) رواه البخاري (18) باب من لم يخمّس الأسلاب. وقال: ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس.

أولا: لأن الله عز وجل فوّض إليه النظر في الخمس بالاجتهاد. ودليل آخر أن الاية نزلت في شأن خيبر والنضير فلم يكن النبيّ صلى الله عليه وسلم يؤخر البيان فيه إلى يوم حنين وقاله بعد أن برد القتال، ولو كان أمرا متقدما لعلمه أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كبراء أصحابه فلم يطلب ذلك حتى أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم من ينادي من قتل قتيلا فله سلبه ولم يكن هذا ليخفى. ودليل آخر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أعطاه إياه بشهادة واحد بلا يمين فلو كان من رأس الغنيمة لم يخرج حق من مغنم إلا بما تخرج به الأملاك من البينات أو شاهد ويمين. وشيء آخر أنه لو وجب للقاتل ولم يجد بينة لكان توقف كاللقطة ولا يقسم وهو إذا لم تكن بينة تقسم، فخرج من معنى التملك، ودل ذلك أنه خارج باجتهاد الإمام يخرجه من الخمس الذي يجعل في غير وجه. قال مالك: لم يبلغنا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال ذلك ولا فعله في غير يوم حنين، ولا فعله أبو بكر ولا عمر. قال ابن الموّاز: ولم يعط غير البراء بن مالك سلب قتيله وخمسه. وذكر عبد الرزاق في مصنفه أن البراء قتل مائة قتيل مبارزة سوى من شارك في قتله «1» . وذكر البخاري: أن معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء الأنصاريين ضربا أبا جهل ابن هشام يوم بدر بسيفيهما حتى قتلاه، فانصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال: «أيكما قتله؟» فقال كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال: «هل مسحتما سيفيكما؟» قالا: لا. فنظر في السيفين فقال: «كلاكما قتله، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح» «2» . وفي غير البخاري أن عبد الله بن مسعود وجده وهو صريع يذبّ الناس عنه بسيفه فوطئ على رقبته فقال: هل أخزاك الله يا عدوّ الله؟ فقال له أبو جهل: لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم. فضربه عبد الله بسيفه فلم يغن شيئا، فأخذ السيف من أبي جهل فاحتز به رأسه، وجاء به إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف. وكان الذي ضربه أولا معاذ بن عمرو بن الجموح، فقطع رجله وضرب ابنه عكرمة يد معاذ فطرحها، ثم ضربه معاذ بن عفراء حتى أثبته ثم تركه وبه رمق ثم ذفف عليه ابن مسعود- يعني أجهز عليه. وذفف بالذال المنقوطة- «3» .

_ (1) رواه عبد الرزاق في المصنف (9469) ، وفي الإصابة (1/ 143) وهو حديث صحيح. (2) رواه البخاري (3141) ، ومسلم (1752) من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. (3) رواه البخاري مختصرا (3961) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه و (3962) من حديث أنس رضي الله عنه. ورواه أحمد في المسند (3824) و (3856 و 4247) ، والبزار (1775) ، والطبراني في الكبير (8469) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 79) وقال: رواه أحمد البزار باختصار وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه- وبقية رجاله رجال الصحيح.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيما حازه المشركون من أموال المسلمين ثم ظهروا عليه وأسلم عليه المشركون

«حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» فيما حازه المشركون من أموال المسلمين ثم ظهروا عليه وأسلم عليه المشركون في البخاري: أن فرسا لعبد الله بن عمر ذهب فأخذه العدو فظهر عليهم المسلمون فردّ عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبق عبد له فلحق بالروم فظهر عليهم المسلمون، فردّه إليه خالد بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم في زمن أبي بكر «1» . وفي المدونة والواضحة وغيرهما: أن رجلا من المسلمين وجد بعيرا له في المغانم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن وجدته لم يقسم فخذه، وإن وجدته قد قسم فأنت أحق بالثمن إن أردته» «2» . وفي البخاري ومسلم ومصنف أبي داود: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قيل له يوم الفتح: أين تنزل يا رسول الله؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل منزلا» «3» . ووقع في البخاري أيضا: أن أسامة بن زيد قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم في حجته: أين تنزل غدا يا رسول الله؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل منزلا؟» ثم قال بعد ذلك: «نحن نازلون غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة بالمحصّب حيثما انتهينا» ، وذلك أن بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم: ألايبايعوهم، ولا يؤوهم «4» . قال الزهري: والخيف الوادي. ولم يقل يونس في حجته ولا زمن الفتح. ووقع في غير الكتب أن عقيلا لما هاجر النبيّ صلى الله عليه وسلم أخذ دورهم فحازها وحوى عليها، ثم أسلم وهي في يده، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه من أسلم على شيء فهو له. وفي كتاب الخطّابي أنه باع دور عبد المطلب لأنه وارث لأبي طالب ولم يرثه علي لتقدم إسلامه لموت أبيه ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيها لأن أباه عبد الله مات. وكان أبوه عبد المطلب حيا وهلك أكثر أولاده ولم يعقبوا أحدا فحاز رباعه أبو طالب، وحازها بعد موته عقيل. وقد كان كفار قريش يعتدون على من هاجر من المسلمين فيبيعون داره وعقاره. وفي البخاري أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أهديت له أقبية ديباج مزوّدة بالذهب فقسمها في ناس من أصحابه، وعزل منها واحدا لمخرمة بن نوفل، فجاء ومعه ابنه المسور بن مخرمة فقام على الباب فقال: أدعه لي. فسمع النبيّ صلى الله عليه وسلم صوته فأخذ قباء فتلقاه به واستقبله بإزاره فقال: «يا أبا المسور

_ (1) رواه البخاري (3067 و 3068) ، والموطأ (2/ 452) في الجهاد، وأبو داود (2698 و 2699) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (2) لم نجده بهذا اللفظ فيما بين أيدينا من المصادر. (3) رواه البخاري (1588) ، ومسلم (1351) و 144) ، وأبو داود (2910) ، وابن حبان (5149) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه. (4) رواه البخاري (3058) من حديث أسامة رضي الله عنه.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيما أهدى إليه معاهد أو حربي

خبأت لك هذا» «1» . وذكر النسائي في كتاب الأسماء والكنى أن مخرمة قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أين نصيبي من الثياب التي قسمت؟ قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «هذا قباء خبأته لك يا أبا صفوان» . فأخذه وقال: وصلتك رحم «2» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» فيما أهدى إليه معاهد أو حربي وفي كتاب ابن سحنون: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل الهدية من أبي سفيان، ومن أهل الذمّة ومن دحية، ومن المقوقس، والأكيدر، وأهدى إلى بعضهم. ولم يقبل هدية عياض المجاشعي، وكانت هدية المقوقس: مارية أم إبراهيم، وسيرين وبغلة شهباء وحمارا، فاتخذ مارية لنفسه، وأمسك البغلة والحمار حتى مات عنهما. وجاء بالهدية من عند المقوقس ملك الأسكندرية: حاطب بن أبي بلتعة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله إليه سنة ست ويقال: كانت الهدية ثلاث جوار: وهب واحدة لجهم بن حذيفة واسمها طرفا، وأعطى سيرين لحسان بن ثابت فولد له منها عبد الرحمن وكانت أخت مارية. وفي كتاب مسلم: أن فروة بن نفاثة الجذامي أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وركبها يوم حنين «3» . قال سحنون: وإذا أهدى ملك الروم هدية إلى الإمام فلا بأس بقبولها وتكون له خاصة. وقال الأوزاعي: تكون للمسلمين ويكافئه بثمنها من بيت المال. قال سحنون: وليس عليه أن يكافئه. قال سحنون: والرسول إلى الطاغية يجاز بجائزة فهي له دون المسلمين ولا خمس في ذلك، وإذا جاء رسول من الطاغية لا ينبغي لأمير المؤمنين أن يجازيه بشيء إلا أن يرى لذلك وجها يرى فيه صلاح للمسلمين فيجتهد. وفي البخاري: أهدى ملك أيلة للنبيّ صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء، وكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردة وكتب له ببحيرة، وفي حديث آخر وكتب له ببحيرتهم، وذلك في غزوة تبوك «4» . وقال عمرو بن الحارث: ما ترك النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا تركها صدقه «5» . قالت عائشة: وترك درعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير «6» . وفي البخاري

_ (1) رواه البخاري (3127) من حديث عبد الله بن أبي مليكة رضي الله عنه. (2) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (ج/ 9) (25637) من حديث المسور بن مخرمة. وقال: رواه ابن عساكر في التاريخ. (3) رواه مسلم رقم (1775) في الجهاد. باب غزوة حنين. من حديث العباس رضي الله عنه. (4) رواه البخاري تعليقا رقم باب (28) باب قبول الهدية من المشركين- وقال: قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو حميد: أهدى ملك إيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء فكساه بردا. (5) رواه البخاري (2873) و (4461) من حديث عمرو بن الحارث رضي الله عنه. (6) رواه البخاري (2916) ، ومسلم (1603) ، والنسائي (7/ 288) من حديث عائشة رضي الله عنها.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في قسمة ما أفاء الله عليه على حسب ما رآه، وإباحة أكل شحوم المشركين

أيضا: ما ترك النبيّ صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما، ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة «1» . وفي رواية الأصيلي شاة مكان شيئا. ذكر ابن حبيب وغيره أن المقوقس صاحب مصر. قال أبو عبيد في كتاب الأموال إن عامر بن مالك ملاعب الأسنة أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فرده وقال: «إنا لا نقبل هدية مشرك» «2» . وكذلك قال لعياض المجاشعي: «إنا لا نقبل زبد المشركين» «3» يعني رفدهم. وقال أبو عبيد: إنما قبل هدية أبي سفيان لأنها كانت في مدة الهدنة بينه وبين أهل مكة «4» ، وكذلك المقوقس صاحب الأسكندرية إنما قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم هديته لأنه أكرم رسوله إليه حاطب بن أبي بلتعة وأقرّ بنبوته، ولم يؤيسه من إسلامه فثبت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يقبل هدية مشرك محارب «5» ، ثم قدم خالد بن الوليد بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان نصرانيا فحقن له دمه وصالحه على الجزية وخلى سبيله فرجع إلى قريته «6» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في قسمة ما أفاء الله عليه على حسب ما رآه، وإباحة أكل شحوم المشركين ترجم البخاري باب ما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس، رواه عبد الله بن زيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال الزهري: أخبرني أنس أن ناسا من الأنصار قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء فطفق يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل فقالوا: يغفر الله لرسوله يعطي قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال أنس: فحدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم أحدا، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما كان حديثا بلغني عنكم؟» فقال له فقهاؤهم: أمّا ذوو رأينا فلم يقولوا شيئا، وأما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسوله يعطي قريشا ويترك

_ (1) رواه البخاري (2912) من حديث عمرو بن الحارث رضي الله عنه. (2) رواه أبو عبيد (632) ، والبزار (1933) موصولا و (1934) مرسلا. والطبراني (2182) . وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 152) وقال: رواه البزار. ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ البزار إبراهيم ابن عبد الله بن الجنيد وهو ثقة ورواه من طريق عن عبد الرحمن بن كعب. أن عامر بن مالك والطريق الأولى عن عبد الرحمن بن كعب عن عامر بن مالك. وقد وصله ابن المبارك. أقول وهو حديث صحيح بشواهده. (3) رواه أبو داود (3057) ، والترمذي (1577) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (4) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (633) من كلام عكرمة موقوفا عليه. (5) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (634) . وقال: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره. (6) ذكره ابن الأثير في أسد الغاية (1/ 135) بدون سند.

الأنصار وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أعطي رجالا حديثي عهد بكفر، أما ترضون أن يرجع الناس بالأموال وترجعوا إلى رحالكم برسول الله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به» . قالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا. فقال لهم: «إنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» «1» . وفي مصنف أبي داود عن جبير بن مطعم قال: لما كان يوم خيبر وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني عبد المطلب، وترك بني نوفل وبني عبد شمس فانطلقت أنا وعثمان إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله لا ننكر فضل بني هاشم لموضعهم منك فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أنا وبني المطلب لا نفترق في جاهلية ولا في إسلام، إنما نحن وهم شيء واحد وشبك بين أصابعه» «2» . ويقال إن هذا خصوص من فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم لال المطلب كونهم من بني هاشم بني أخوة أشقاء. ويقال إن عبد شمس وهاشما توأمان. وفي بعض الروايات: «فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض» . هكذا رواه أبو زيد، وكان الذي آثرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاهم مائة من الإبل: الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن وغيرهم. وذكر ابن هشام وغيره: أبا سفيان، وابنه معاوية، وحكيم بن حزام والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى، والعلاء بن حارثة، - وعيينة ابن حصن، والأقرع بن حابس- ومالك بن عوف، وصفوان بن أمية، هؤلاء أصحاب المئين، وأعطى جماعة أقل من مائة، وأعطى جماعة خمسين خمسين. وقال قائل: يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة، وتركت جميل بن سراقة الضمري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما والذي نفس محمد بيده لجميل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة والأقرع ولكني تألفتهما ليسلما ووكلت جميل بن سراقة إلى إسلامه» «3» . وفي البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأعطي قوما أتألف ظلعهم وجزعهم، وأكل قوما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى منهم عمرو بن تغلب» . قال عمرو: فما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أظلته الخضراء «4» . وفي هذه القسمة في غزوة حنين قال رجل: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله. وهو من بني تميم يقال له ذو الخويصرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويحك فمن يعدل إذا لم أعدل» «5» ، وذكر الحديث بطوله،

_ (1) رواه البخاري (3147) في فرض الخمس من حديث أنس رضي الله عنه. (2) رواه أبو داود (2980) والنسائي (7/ 130 و 131) وهو حديث صحيح. (3) ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (4/ 360) . وقال: وقد ذكر ابن اسحاق الذين أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ مائة من الإبل. وهم أبو سفيان إلى آخر الحديث. وقد ذكره بدون إسناد. (4) رواه البخاري (3145) في فرض الخمس. من حديث عمرو بن تغلب رضي الله عنه. (5) رواه البخاري (3150) في فرض الخمس. من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في أموال بني النضير وقسمة خيبر. وقد تقدم بعض خبرهم

واسمه الحرقوص بن زهير قاله ابن سعد صاحب الواقدي. وذكر المبرد في الكامل عن إبراهيم بن محمد التيمي في إسناد ذكره أن عليّا وجّه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بذهيبة من اليمن فقسمها أرباعا فأعطى الربع الأقرع بن حابس، وأعطى الربع زيد الخيل، والربع علقمة بن علاثة، وعيينة بن حصن الفزاري، فقام إليه رجل مضطرب الخلق غائر العينين ناتئ الجبهة، وذكر غيره محلوق الرأس، فقال له: لقد رأيت قسمة ما أريد بها وجه الله، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث «1» . وفي حديث آخر في الكامل: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم خيبر إذ قام رجل أسود فقال: ما عدلت منذ اليوم. وذكر الحديث. والحديث في البخاري «2» : وشك في الرابع أن يكون علقمة أو عامر بن الطفيل. وروى ابن وهب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاصر خيبر جاءه بعض الناس فسألوه أن يعطيهم فلم يجدوا عنده شيئا، فافتتحوا بعض حصونها فأخذ رجل من المسلمين جرابا مملوآ من شحم فبصر به صاحب المغانم وهو: كعب بن عمرو بن زيد الأنصاري فأخذه فقال الرجل: لا والله لا أعطيكه حتى أذهب به إلى أصحابي. فقال: أعطنيه أقسمه بين الناس. فأبى فتنازعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خل بين الرجل وجرابه يذهب به إلى أصحابه» . قال مالك في مختصر عبد الحكم الكبير: ولا أحبّ أكل شحوم اليهود من غير أن أراه حراما. قال ابن أبي زيد: واحتج بعض أصحابنا لذلك بالحديث في الذي غنم جرابا فيه شحم من خيبر وذكر الحديث. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في أموال بني النضير وقسمة خيبر. وقد تقدم بعض خبرهم ذكر البخاري وأبو عبيد: أن أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف به من خيل ولا ركاب، وكانت لرسول الله خاصة ينفق على أهله منها نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله كلها من أموال بني النضير ولم تخمس لأنها كانت صافية «3» ، وخمّس قريظة لأنها كانت بقتال، وكانت وقعة النضير فيما ذكر أبو عبيد على رأس ستة أشهر من وقعة بدر. وكذلك ذكر البخاري «4» . وذكر ابن أبي زيد في مختصر المدونة عن ابن شهاب: أنها كانت في المحرم سنة ثلاث، وذكر غير ابن شهاب: سنة أربع، وفيهم نزلت سورة الحشر «5» . وقد تقدم ذكرها.

_ (1) رواه البخاري (3344) و (4351) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (2) رواه البخاري مختصرا (4214) ، ومسلم (1772 و 73) . من حديث عبد الله بن مغفّل رضي الله عنه. وذكره ابن هشام في السيرة (2/ 329) باب ابن مغافل وجراب شحم أصابه وقال: قال ابن اسحاق، حدثني من لا أتهم. (3) رواه البخاري (2904) و (4885) من حديث عمر رضي الله عنه. (4) رواه البخاري (14) باب حديث بني النضير. وقال: قال الزهري. عن عروة بن الزبير كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل وقعة أحد. (5) رواه البخاري (4029) بلفظ عن سعيد بن جبير. قال: قلت لابن عباس سورة الحشر قال: قل سورة النضير.

قال مالك في الكتابين: افتتحت خيبر بقتال يسير وخمّست إلا ما كان منها عنوة أو صلحا وهو يسير فإنه لم يخمّس «1» . قلت: العنوة والقتال واحد. قال: إنما أردت الصلح، وسمعت ابن شهاب يقول: افتتحت خيبر عنوة، ومنها بقتال وما أدري ما أراد بذلك. قال مالك: قسمت خيبر ثمانية عشر سهما على ألف وثمانمائة رجل لكل مائة رجل سهم. قال أبو عبيد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر على ستة وثلاثين سهما جمع كل سهم منها مائة سهم وعزل نصفها لنوائبه وما ينزل به، وقسم النصف بين المسلمين وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قسم الشق «2» والنطاة «3» وما حيز معها وكان مما وقف: الكتيبة والوطحة والسلام. فلما صارت الأموال في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له من العمال ما يكفون عمل الأرض فدفعها إلى اليهود يعملونها على النصف «4» . وفي الواضحة: الحوائط السبعة التي وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت من أموال بني النضير، وسيأتي ذكرها بعد هذا في الأخماس. وقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: لولا آخر الناس ما افتتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر «5» . وذكر مالك وأبو عبيد أن بلالا وأصحابه سألوا عمر أن يقسم بينهم ما افتتح بالشام وكان بلال أشدهم، فدعا عمر عليهم فقال: اللهم أكفنيهم- وقال أبو عبيد وفي رواية: (اللهم أكفني بلالا وذويه) - فما حال الحول والواحد حي «6» . قال ابن هشام: وكانت خيبر في صفر سنة ست من الهجرة. قال مالك: وكانت في برد شديد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نستطيع القتال فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم؟» فقالوا: البرد والجوع والعري. فقال رسول الله: «اللهم افتح عليهم اليوم أكثرها طعاما وودكا» ففتح عليهم خيبر. قال ابن هشام: وقسمت خيبر على أهل الحديبية من شهد خيبر ومن غاب عنها، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبد الله فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضرها «7» . قال المفضل: وأطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا مشوا بينه وبين أهل فدك في الصلح منهم محيصة بن مسعود، وأعطاه ثلاثين وسقا من الشعير.

_ (1) ذكره ابن القيم في زاد المعاد (3/ 328 و 329) بدون سند. (2) الشق: بفتح الشين: حصن من حصون خيبر. (3) النطاة: - قيل حصن بخيبر- وقيل عين بها تسقي بعض نخيلها. (4) رواه أبو داود (3010 و 3012) في الخراج. باب ما جاء في حكم أرض خيبر وإسناده حسن. ورواه أبو عبيد في كتاب الأموال (142) من حديث بشير بن يسار وهو تابعي ثقة وحديثه مرسل. (5) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (148) من كلام عمر رضي الله عنه. وإسناده صحيح. (6) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (147) من حديث عمر رضي الله عنه. (7) ذكره ابن هشام في السيرة (2/ 349) باب ذكر مقاسم خيبر وأموالها.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في الرسول ألايقتل والوفاء بالعهد للكفار وما نزل في ذلك من القرآن

«حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الرسول ألايقتل والوفاء بالعهد للكفار وما نزل في ذلك من القرآن في مصنف أبي داود عن نعيم بن مسعود الأشجعي قال: كتب مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول لرسوليه حين قرأ الكتاب: ما تقولان أنتما؟ فقالا: نقول كما قال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما» «1» . وعن أبي رافع قال: بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقي في قلبي الإسلام فقلت: يا رسول الله إني لا أرجع إليهم أبدا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ولكن ارجع فإن كان في نفسك الذي في نفسك الان فارجع» . قال: فذهبت، ثم أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فأسلمت «2» . وفي مصنف البخاري: أن أبا جندل أقبل يرسف في الحديد، وفي حديث آخر يحجل في قيوده فردّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة للعهد الذي كان عاهدهم أن يرد إليهم من جاء منهم. قال أبو سفيان الخطابي في شرح غريب الحديث: لم يخف النبي صلى الله عليه وسلم على أبي جندل شيئا لأنه ردّه إلى أبيه وأهله ولم يرد من جاء من النساء لأن الله عز وجل قال «فلا ترجعوهن إلى الكفار» «3» . وفيه حجة لمن رأى نسخ السنة بالقرآن وكذلك قال في البخاري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رد أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو وهو الذي كان عاهد النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية على ثلاثة أشياء: على أنّ من أتى من المشركين رده إليهم، وما أتاهم من المسلمين لم يردوه، وعلى أن يدخلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام ولا يدخلها إلا بجلبّان السلاح السيف والقوس ونحوه «4» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والعهد بيننا كشرج العتبة» يعني: إن انحل بعضه انحل كله. وكان إقبال أبي جندل قبل أن يبرح سهيل بن عمرو وقبل أن يكتب العهد. ووقع أيضا في كتاب البخاري في كتاب الشروط وكان سهيل هذا من جملة من أسر يوم بدر. وذكر المفضل أن يوم الحديبية جاءت سبيعة الأسلمية مسلمة من مكة فأقبل زوجها في طلبها فقال: يا محمد ردّ عليّ امرأتي فهذه طينة كتابك لم تجف بعد. فأنزل الله عز وجل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ [الممتحنة: الاية 10] فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله الذي

_ (1) رواه أبو داود (2761) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 315) وقال: رواه الطبراني. من طريق ابن إسحاق، قال: حدثني شيخ من أشجع ولم يسمه. وسماه أبو داود سعد بن طارق. وبقية رجاله ثقات. (2) رواه أبو داود (2758) من حديث أبي رافع رضي الله عنه. وإسناده صحيح. (3) رواه البخاري رقم (2700 و 4181) من حديث عائشة رضي الله عنها. (4) رواه البخاري (2700) في الصلح. باب الصلح مع المشركين. من حديث البراء رضي الله عنه.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في الأمان وفي أمان المرأة

لا إله إلا هو ما أخرجها إليه إلا رغبة في الإسلام وحب له وحرص عليه، وما أخرجها حرب أحدثته في قومها ولا بغض لزوجها فحلفت على ذلك، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها مهرها والذي أنفق عليها، ولم يردها عليه. قال النحاس وغيره: وهذا منسوخ. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الأمان وفي أمان المرأة في تفسير ابن سلام قال الكلبي: إن ناسا من المشركين ممن لم يكن لهم عهد ولم يوافوا الموسم بلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتال المشركين ممن لا عهد له إذا انسلخ الأشهر الحرم، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجددوا حلفا وذلك بعدما انسلخ المحرّم فلم يصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على: الإسلام، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة. فأبوا فخلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيلهم حتى بلغوا مأمنهم، وكانوا نصارى من بني قيس بن ثعلبة فلحقوا باليمامة؟ حتى أسلم الناس فمنهم من أسلم ومنهم من أقام على نصرانيته. وفي مسند ابن أبي شيبة وفي السير: أن سرية أصابت مالا كان عند أبي العاصي زوج زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهرب أبو العاصي، ثم جاء في الليل إلى بيت زينب في طلب المال واستجار به، فلما كبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح صرخت زينب- من صفة النساء-: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاصي. فلما سلّم النبيّ صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس فقال: «هل سمعتم ما سمعت؟» قالوا: نعم، قال: «أما والذي نفسي بيده ما علمت بشيء حتى سمعت ما سمعتم. إنه يجير على المسلمين أدناهم» . ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أكرمي مثواه ولا يخلص إليك فإنك لا تحلّين له» . ثم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن تحسنوا وتردوا عليه المال فهو الذي يحب، وإن أبيتم فهو فيء الله أنتم أحق به» ، قال: فردوه إليه أجمع، ثم احتمل إلى مكة فأدى إلى كل رجل من قريش ماله فقالوا: جزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما. فقال: أشهد ألاإله ألا الله وأن محمدا رسول الله، والله ما منعني من الإسلام عنده ألا مخافة أن تظنوا أني إنما أردت أكل أموالكم فلما أداها الله إليكم أسلمت، ثم خرج حتى قدم على النبيّ صلى الله عليه وسلم «1» . وفي غير السير قال قائل: لما أشار النبيّ صلى الله عليه وسلم على الأنصار الذين أسروا العباس يوم بدر، قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذن فلنترك لابن أختنا العباس فداءه. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدعوا منه درهما» «2» . وقال للأنصار إذ بعثت زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاصي بمال، وبعثت بقلادة

_ (1) رواه ابن سعد في طبقاته (8/ 26) و (4098) باب مناقب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإسناده ضعيف. (2) رواه البخاري (2537 و 3048) من حديث أنس رضي الله عنه.

لها كانت أمها خديجة أدخلتها بها على أبي العاصي حين بنى عليها: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا» ، قالوا: نعم يا رسول الله. فأطلقوه وردوا عليها المال والقلادة «1» . قيل: إنما فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا في زينب لأنه رقّ لها إذ لم يكن تمام الفداء إلا بقلادة كانت لأمها خديجة جهزتها بها، ولم يكن لأبي العاصي مال وإنما كانت عنده أموال لقريش وبضائع يتجهز بها ردها إليهم كلها على ما تقدم ذكره. وقال للأنصار: «لا تدعوا من فداء العباس درهما» لأنه كان غنيا، وذلك أنه ذكر ابن قتيبة وغيره أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال للعباس: «إفد نفسك وابني أخويك عقيلا ونوفلا، وحليفك فإنك ذو مال» . فقال: إني مسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أعلم بإسلامك إن كان ما تقول حقا فالله يجزيك، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا» . فقال: إنه ليس لي مال. قال: «فأين المال الذي وضعته عند أم الفضل بمكة حين خرجت وليس معكما أحد ثم قلت إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا ولعبد الله كذا» . قال: والذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد غيرها، وإني أعلم أنك رسول الله، ففدى نفسه بمائة أوقية وكل واحد بأربعين أوقية. هكذا قال ابن القاسم وابن إسحاق وقال: تركتني أسأل الناس في كفي، وأسلم العباس وأمر عقيلا فأسلم، ولم يسلم من الأسارى غيرهما «2» . وفي معاني النحاس قال العباس: أسرت ومعي عشرون أوقية فأخذت مني فعوضني الله منها عشرين عبدا، ووعدني المغفرة. وفي الهداية: لما أسرت ومعي أربعون أوقية كل أوقية من أربعين مثقالا فعوضني الله أربعين عبدا، ووعدني المغفرة. وفي موطأ مالك عن أبي النضر: أن أبا مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب، واسمها فاختة قاله ابن وضّاح. وقيل: هند. قاله ابن هشام. وقيل: رحلة. قال البرقي أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره بثوب. قالت: فسلمت فقال: «من هذه؟» فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب فقال: «مرحبا بأم هانئ» ، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات متلحفا في ثوب واحد ثم انصرف فقلت: يا رسول الله زعم ابن أمي علي أنه قاتل رجلا أجرته فلان ابن هبيرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد

_ (1) رواه أبو داود (2693) ، والحاكم (3/ 236 و 324) ، والبيهقي في السنن (6/ 322) من حديث عائشة رضي الله عنها وهو حديث حسن. (2) رواه أحمد في المسند (3310) ، والطبراني في الكبير (11398) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 28) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار ورجال الأوسط رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. ورواه الحاكم في المستدرك (3/ 324) ، والبيهقي في السنن (6/ 322) وصححه الحاكم وقال الذهبي في التلخيص: صحيح على شرط مسلم. من حديث عائشة رضي الله عنها ويشهد له ما عليه.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في الجزية بأمر الله عز وجل ومقدارها وممن تقبل وممن لا يقبل منه إلا الإسلام

أجرنا من أجرت يا أم هانئ» . قالت أم هانئ: وذلك ضحى «1» . وأما هبيرة بن أبي وهب وهو زوج أم هانئ وهو مخزومي فقال حين بلغه إسلام أم هانئ: أشاقتك هند أم أتاك سؤالها ... كذاك التوى أسبابها وانفتالها وفي هذا الشعر يقول: وإنّ كلام المرء في غير كنهه ... لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها فإن كنت قد تابعت دين محمد ... وعطفت الأرحام منك حبالها فكوني على النخل السحيق بهضبة ... ململمة غبرا يبّس تلالها وفي كتاب ابن سحنون والواضحة قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «يجير على المسلمين أدناهم ويرد عليهم أقصاهم» . وفي غير الكتابين: «وهم يد على من سواهم» «2» . قال ابن حبيب: معنى يجير عليهم أدناهم: أي الدني من حرّ أو عبد أو امرأة أو صبي يعقل الأمان يجوز أمانهم، ومعنى ويرد عليهم أقصاهم: أي ما غنموا في أطراف بلادهم يجعل خمسه في بيت مالهم. قال ابن الماجشون: لا يجوز الأمان إلا لولي الجيش أو لولي السرية دون غيره. قال ابن شعبان القرطبي: قول ابن الماجشون خلاف قول الناس. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الجزية بأمر الله عز وجل ومقدارها وممن تقبل وممن لا يقبل منه إلا الإسلام قال ابن حبيب: أول ما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالدعوة، بعثه بغير قتال ولا جزية، فأقام على ذلك عشر سنين بمكة بعد نبوته يؤمر بالكف عنهم، ثم أنزل الله عليه أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحجّ: الاية 39] ، وأمره بقتال من قاتله والكف عمن لم يقاتله، فقال الله عز وجل فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النّساء: الاية 90] . ثم نزلت براءة لثمان سنين من الهجرة فأمره بقتال جميع من لم يسلم من العرب: من قاتله أو كف عنه، إلا من عاهده ولم ينقض من عهده شيئا، فقال: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [النّساء: الاية 89] إلى أن قال: فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ [التّوبة: الاية 5] فلم يستثن على العرب الذين لم يتعلقوا إلى

_ (1) رواه مالك في الموطأ (403) ، والبخاري (208 و 357) ، ومسلم (336) و (70) ، والترمذي (2735) وابن حبان (1118) من حديث أم هانىء رضي الله عنها. (2) رواه أحمد في المسند (2/ 215) رقم (2017) ، وأبو داود (2751) ، وابن الجارود (1073) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهو حديث حسن.

الإسلام. وأمره تعالى بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا، أو يؤدوا الجزية. فقال تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة: الاية 29] . قد دخل في ذلك من تعلق من العرب بدين أهل الكتاب، فأخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم الجزية من أهل نجران وأيلة وهم نصارى من العرب، ومن أهل دومة الجندل وهم نصارى وأكثرهم عرب، ولم يستثن الله تعالى أخذ الجزية إلا من أهل الكتاب، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بقتال غيرهم، ثم نسخ من ذلك المجوس على لسان نبيه عليه السلام فيما بين لهم من سنته بغير تنزيل قرآن فأحل لهم أخذ جزية من مجوس العجم إذ رضوا بها، وأقر مشركي العرب وهم عبدة الأوثان على أن يقاتلهم حتى يدخلوا في الإسلام بلا جزية استثناها فيهم إكراما للعرب. والذي ذكر ابن حبيب من نسخ القرآن بالسنة اختلف العلماء فيه فأجازه أصحاب مالك واحتجوا بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث» «1» . ناسخ لقول الله عز وجل: الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [البقرة: الاية 180] . واحتج الذين منعوا منه بأن القرآن معجزة والسنة غير معجزة فلا تنسخ السنة القرآن إنما تبينه، ولقوله عز وجل: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ [النّحل: الاية 101] . ولقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي [يونس: الاية 15] . وذكر عبد الرزاق في مصنفه وأبو عبيد في كتاب الأموال: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر معاذ بن جبل أن يأخذ من أهل اليمن الجزية من كل حالم وحالمة. زاد أبو عبيد: عبدا أو أمة: دينارا أو قيمته معافر «2» ، وبهذا أخذ الشافعي، وأخذ مالك بما فرض عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق ولا جزية على النساء والعبيد، ومعنى الحديث عند بعض أهل العلم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم علم ضعف أهل اليمن، وعمر علم غنى أهل الشام وقوتهم، وقال أشهب «3» . في الأمم كلها إذا بذلت الجزية قبلت منهم فأهل الكتابين بكتاب الله والمجوس بالسنة، وقال ابن وهب: إنما قاتل النبيّ صلى الله عليه وسلم قريشا على الإسلام أو السيف فمن كان من العرب من تغلب وتنوخ وغيرهم لم يدخل في ملة لم يقبل منه الجزية ويقاتلون على الإسلام، ومن دخل منهم في دين أحد من أهل الكتب قبلت منه الجزية.

_ (1) رواه الترمذي (2121) ، وأبو داود (3565) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. وقال الترمذي: حديث حسن. (2) رواه عبد الرزاق في المصنف (6841) ، والطيالسي (567) ، وأبو داود (3038) وقال ابن عبد البر في التمهيد (2/ 275) : وقد روي هذا الخبر عن معاذ بإسناد متصل صحيح ثابت. ذكره عبد الرزاق. (3) أشهب هو ابن عبد العزيز بن داود الإمام الثقة. مفتي مصر. أبو عمرو القيسي العامري يقال اسمه مسكين. وأشهب لقب له. سمع مالك بن أنس، والليث بن سعد، ويحيى بن أيوب. قال فيه الشافعي: ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لولا طيش فيه. كان على خراج مصر وكان صاحب أموال وحشم توفي لثمان بقين من شعبان سنة أربع ومئتين.

قال سحنون: ما أعرف هذا وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» «1» . وكتب النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أهل هجر وإلى المنذر بن ساوى يدعوهم إلى الإسلام وقال في الكتاب: «ومن أبى فعليه الجزية» «2» . ولم يفرق بين عربي وغيره وكان فيهم مجوس وغيرهم.

_ (1) رواه مالك في الموطأ (1/ 278) في الزكاة من حديث عبد الرحمن بن عوف. ورجاله ثقات لكنه منقطع. محمد بن علي لم يلق عمر. وله شاهد من حديث مسلم بن العلاء الحضرمي من رواية الطبراني. بلفظ (سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط) ذكره الشوكاني في نيل الأوطار. وهو حديث حسن (2) ذكره ابن القيم في زاد المعاد (3/ 692) وقال: وكتب إلى المنذر بن ساوى. فذكر الواقدي بإسناده عن عكرمة. قال: وجدت هذا الكتاب في كتب ابن عباس بعد موته فنسخته. فإذا فيه فذكره.

كتاب النكاح

كتاب النكاح «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الثيب يزوجها أبوها بغير رضاها في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي ومصنف عبد الرزاق عن خنساء ابنة جذام الأنصارية: أن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه «1» . ووقع في مصنف عبد الرزاق أنها تزوجت بعده أبا لبابة الأنصاري. وكنية جذام: أبو وريعة «2» . ووقع أيضا فيه عن مهاجر بن عكرمة: أن بكرا أنكحها أبوها- وهي كارهة- فجاءت النبيّ صلى الله عليه وسلم فرد إليها أمرها «3» . وحدثنا ابن جريج عن أيوب عن عكرمة، وعن يحيى بن أبي كثير: أن ثيبا وبكرا أنكحهما أبوهما- وهما كارهتان- فجاءتا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فرد نكاحهما «4» . وعن عبد الله بن بريدة أنه قال: جاءت امرأة بكر إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبي زوجني ابن أخ له يرفع خسيسته بي، ولم يستأمرني فهل لي في نفسي أمر؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» . فقالت له: ما كنت لأرد على أبي شيئا صنعه، ولكن أحببت أن تعلم النساء أن لهن في أنفسهن أمرا أم لا «5» . وفيه أيضا وفي الواضحة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يزوج امرأة من بناته جاء إلى الخدر فقال: «إن فلانا يخطب فلانة» . فإن حركت الخدر لم يزوجها. وقال في الواضحة: فإن

_ (1) رواه البخاري (5138) و (6945) ، ومالك في الموطأ (2/ 535) في النكاح. باب جامع ما لا يجوز من النكاح. والنسائي (6/ 86) من حديث خنساء بنت خذام الأنصارية رضي الله عنها. (2) رواه عبد الرزاق في المصنف (10307) من حديث نافع بن حبير. وهو تابعي والحديث مرسل. كما قال البيهقي في السنن (7/ 119) . (3) رواه عبد الرزاق في المصنف (10301) وهو حديث مرسل. من حديث مهاجر بن عكرمة. وقال الحافظ في التقريب مقبول. (4) رواه عبد الرزاق في المصنف (10306) من حديث يحيى بن أبي كثير الطائي وهو تابعي ثقة ثبت كما قال الحافظ في التقريب. والحديث مرسل. (5) رواه أحمد في المسند (6/ 136) ، وابن ماجه (1874) في النكاح من حديث عبد الله بن بريدة بن الحصيب عن أبيه. وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في نكاح التفويض بموت الزوج قبل الدخول

طعنت في الستر بأصبعيها لم يزوجها، وإن سكتت زوجها «1» . وفي المدونة عن الحسن البصري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج عثمان بن عفان ابنتيه ولم يستشرهما هكذا في رواية ابن وضّاح. وقال الحسن البصري: له أن يزوج ابنته الثيب بغير رضاها. وقال إسماعيل: وله وجه حسن من الفقه إلا أن الإجماع على خلاف ذلك. قال غيره، وقال إبراهيم النخعي: إذا كانت في عياله. قال إسماعيل القاضي: زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم بعض بناته قبل الهجرة وزوج بعضهن بعد الهجرة، وإنما ثبتت الأحكام بعد الهجرة وأبرمت ولا يعلم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم زوج بنتا له بعد الهجرة لم يكن لها زوج قبل ذلك- إلا فاطمة- من علي لأن رقية كانت عند عتبة ابن أبي لهب فطلقها بمكة، فزوجها النبيّ صلى الله عليه وسلم من عثمان بمكة، ويشبه أن يكون ما روى الحسن أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنكح عثمان ابنتيه ولم يستشرهما أن تكون أم كلثوم لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يزوج بعد الهجرة غيرها، وغير فاطمة رضي الله عنهما، فتدل رواية إسماعيل على خلاف رواية ابن وضاح التي روى ابنتيه. وذكر ابن قتيبة في المعارف: أن عثمان تزوج رقية بالمدينة، ثم تزوج بعدها أم كلثوم بالمدينة أيضا، وأن عتبة تزوج رقية، وعتيبة تزوج أم كلثوم، وطلقاهما قبل أن يدخلا بهما. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في نكاح التفويض بموت الزوج قبل الدخول وما روي عن علي وزيد في ذلك في كتاب النسائي، ومصنف عبد الرزاق، عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود: أنه سئل عن رجل تزوج امرأة فلم يفرض لها ولم يدخل بها حتى مات فرددهم شهرا لا يفتيهم، ثم قال: اللهم إني أقول جوابي فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمني. وقال في النسائي: فمن الشيطان أرى أن يكون لها صداق امرأة من نسائها، لا وكس ولا شطط، ولها الميراث وعليها العدة أربعة أشهر وعشر. فقام ناس من أشجع فقالوا: نحن نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بمثل الذي قضيت به في بروع ابنة واشق «2» . قال في مصنف عبد الرزاق: بنت واشق من بني رؤاس وبني رؤاس حي من بني عامر بن صعصعة، والذي شهد قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم معقل بن سنان الأشجعي، ونفر من قومه. وقال علي ابن أبي طالب: لا صداق لها، وكذلك قال زيد، وبهذا أخذ مالك. وأخذ سفيان والحسن وقتادة بقول ابن مسعود فقال: لا تصدق الأعراب على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقع في الكتابين: فما فرح ابن مسعود بشيء كما فرح بذلك حين وافق قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم «3» .

_ (1) رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (10277) عن المهاجر بن عكرمة الطائي. وهو حديث مرسل. (2) رواه النسائي في الكبرى (8/ 457) ، وأبو داود رقم (2114) في النكاح، وابن ماجه (1891) ، والنسائي في السنن (6/ 122) في النكاح وإسناده صحيح. (3) رواه عبد الرزاق في المصنف (10899) ، والبيهقي في السنن (7/ 245) وإسناده صحيح.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيمن تزوج امرأة فوجدها حبلى وفي نفقة المطلقة وعدتها وسكناها

«حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» فيمن تزوج امرأة فوجدها حبلى وفي نفقة المطلقة وعدتها وسكناها في مصنف عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار يقال له بصرة قال: تزوجت امرأة بكرا في سترها فدخلت عليها فإذا هي حبلى! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لها الصداق بما استحلّ من فرجها والولد عبد لك وإذا ولدت فاجلدوها» . وفرّق بينهما «1» . وفي الموطأ والبخاري ومسلم عن فاطمة بنت قيس: أن أبا عمر بن حفص طلقها البتة. وفي كتاب مسلم والنسائي آخر تطليقة بقيت له فيها وهو غائب بالشام، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته. فقال: والله ما لك علينا من شيء. وقال في كتاب النسائي: فأرسل إليها الحارث بن هشام بن أبي ربيعة بنفقتها فسخطتها فقال: والله ما لك علينا نفقة إلا أن تكوني حاملا ولا أن تسكني في مسكننا إلا بإذننا. وفي كتاب مسلم فأرسل خمسة أصوع شعيرا أو خمسة أصوع تمرا فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: «ليس لك نفقة» «2» . ووقع في كتاب مسلم قالت فاطمة: خاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السكنى والنفقة فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة. وذكر النسائي: وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: «تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فأذنيني» . فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني. ووقع في موطأ يحيى أبا جهم بن هشام وهو غلط ليس في الصحابة أبو جهم بن هشام، وإنما هو أبو جهم بن صخر ابن عدي قرشي. ويقال: أبو جهم بن حذيفة بن غانم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له. انكحي أسامة بن زيد» . فكرهته، ثم قال «انكحي أسامة» فنكحته فجعل الله في ذلك خيرا واغتبطت به «3» . قال الخطابي: قول فاطمة: خاصمته إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة. كان إخبارها على أحد الأمرين علما وهو ألانفقة لها، وعن الاخر وهو السكنى وهما وذلك أنه ذهب عليها معرفة السبب في نقله إياها عن بيت أهلها فتوهمته إبطالا لسكناها فقالت: فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة. وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «اعتدي عند ابن أم مكتوم» يوجب لها السكنى، فيه من الفقه: إباحة

_ (1) رواه عبد الرزاق (10704) والبيهقي السنن (7/ 157) ، والدارقطني (3/ 251) ، وأبو داود (2131) و (2132) وإسناده ضعيف. (2) رواه مالك في الموطأ (2/ 580 و 581) في الطلاق، ومسلم (1480) و (37) في الطلاق، والنسائي (6/ 75) في النكاح، وأبو داود (2288) ، وابن حبان (4049) من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها. (3) رواه مسلم (1480) و (136) ، والنسائي (6/ 74) . من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" للزوجة بالنفقة على زوجها وهو غائب وكيف تكون الخدمة عليهما جميعا

خطبة رجلين إمرأة، ونكاح المولى قرشية لأن فاطمة بنت قيس هى أخت الضحاك بن قيس: قرشية فهرية، وأنه لا غيبة فيمن سئل عن النكاح أن يذكر بما فيه، وإن كان النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يذكر إلا ضرب أبا جهم للنساء، وفقر معاوية، إلا أن أهل العلم أجازوا ذلك في النكاح وفيمن سئل عنه بعد أن شهد على أحد وفيمن يتخذ إماما. وفيه: أن يوصف الرجل بأكثر ما فيه، وقد كان أبو جهم ينام ويأكل ويجلس، فوصفه النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه لا يضع عصاه عن عاتقه. وفيه: إباحة خروج المطلقة من بيتها إذا آذت أهل الزوج بلسانها، وبذت عليهم كما فعلت فاطمة بأهل زوجها، وهي الفاحشة التى قال الله عز وجل: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الطّلاق: الاية 1] . ذكر ذلك ابن رزين، وغيره وقيل: إنما شكت رداءة المنزل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأذن لها. وفيه: ألانفقة للمبتوتة، وقال بعض أهل العلم: إنها ليس لها أيضا سكنى بهذا الحديث. وفيه: زيارة الرجال المرأة الصالحة. وفيه: القضاء على الغائب لأن أبا عمرو طلقها وهو غائب بالشام وحولت وهو غائب وأمرها النبيّ صلى الله عليه وسلم بالنكاح. قاله الأصيلي، وفي مصنف أبي داود قال عمر بن الخطاب: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أحفظت أم لم تحفظ «1» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» للزوجة بالنفقة على زوجها وهو غائب وكيف تكون الخدمة عليهما جميعا في البخاري ومسلم عن عائشة أنها قالت: جاءت هند بنت عتبة فقالت: إن أبا سفيان رجل ممسك. وفي حديث آخر: شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذي ما يكفيك بالمعروف» «2» . فيه من الفقه: القضاء على الغائب، وكذلك ترجم عليه البخاري القضاء على الغائب، وترجم عليه أيضا من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه في أمر الناس إذا لم يخف الظنون والتهمة، وكان أمرا مشهورا وأنه من منع أحدا حقه وظفر له بمال فله أن يأخذ منه بقدر حقه بغير علمه،

_ (1) رواه أبو داود (2291) في الطلاق. باب في نفقة المبتوتة. وهو حديث صحيح موقوف على عمر رضي الله عنه. (2) رواه أحمد في المسند (6/ 39) ، والبخاري رقم (2211 و 5370 و 7180) ، ومسلم (1714) و (7) ، وأبو داود (3532) من حديث عائشة رضي الله عنها.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في الصداق وأقل ما يكون وذكر صداق بناته وزوجاته عليه السلام

وفي هذا الوجه اختلاف بين أصحاب مالك. وفي الواضحة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حكم بين علي بن أبي طالب وزوجته فاطمة رضي الله عنهما حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة: خدمة البيت وحكم على علي بالخدمة الظاهرة. قال ابن حبيب: والخدمة الباطنة: العجن، والطبخ، والفرش، وكنس البيت، واستقاء الماء، إذا كان الماء معها وعمل البيت كله. وذكر البخاري ومسلم والنسائي: أن فاطمة أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحا وبلغها أنه جاءه رقيق فلم تصادفه، فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة، قال علي: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم، فقال: «مكانكما» ، فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد رجليه على بطني فقال: «ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما وآويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، وحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم» . فما تركتها بعد. قيل: ولا ليلة صفين! قال: ولا ليلة صفين «1» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الصداق وأقل ما يكون وذكر صداق بناته وزوجاته عليه السلام في كتاب النسائي ومصنف عبد الرزاق وأبي داود: أن علي بن أبي طالب أصدق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه الحطمية «2» ، قال عكرمة في الواضحة: فبيعت بخمسمائة درهم. وفي غير الواضحة: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضها في طيب. وفي مصنف عبد الرزاق أيضا: أن علي بن أبي طالب أصدق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة أوقية «3» ، وذكر النسائي عن علي بن أبي طالب أنه قال: جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميل وتربة ووسادة أدم حشوها إذخر «4» . وذكر ابن أبي زيد أن ذلك النكاح كان في السنة الأولى من الهجرة، ويقال في السنة الثانية على رأس اثنين وعشرين شهرا، ولم يختلف أن بناء

_ (1) رواه أحمد في المسند (1/ 96) ، والبخاري (3113 و 5361) ، ومسلم (2727) ، وأبو داود (5062) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. (2) رواه أحمد في المسند (1/ 80) و (360) ، والحميدي (38) ، والنسائي (6/ 129 و 130) من حديث علي رضي الله عنه. وإسناده ضعيف. ورواه أبو داود (2126) من طريق كثير بن عبيد الحمصي حدثنا أبو حيوة عن شعيب بن أبي حمزة، حدثني غيلان بن أنس حدثني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل أن عليا رضي الله عنه. وهذا إسناد ضعيف. (3) رواه عبد الرزاق في المصنف (10402) من حديث صفوان بن سليم: أن عليا أصدق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره. وهو حديث مرسل. (4) رواه النسائي في السنن (6/ 135) و (3384) من حديث علي رضي الله عنه. وإسناده ضعيف.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في منع علي بن أبي طالب أن يتزوج على فاطمة رضي الله عنها

النبيّ صلى الله عليه وسلم بعائشة كان في السنة الأولى على رأس ثمانية أشهر من الهجرة في شوال. وفي الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد وهبت نفسي لك. فقامت قياما طويلا، فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل عندك من شيء تصدقها إياه؟» فقال: ما عندي إلا إزاري هذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أعطيتها اياه جلست بلا إزار لك فالتمس شيئا» . فقال: ما أجد شيئا فقال: «التمس ولو خاتما من حديد» ، فلم يجد شيئا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل معك من القرآن شيء؟» قال: نعم سورة كذا وكذا لسور سماها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أنكحتها بما معك من القرآن» «1» . يقال هذه المرأة كانت خولة بنت حكيم ويقال أم شريك. وفيه من الفقه: أن السلطان وليّ من لا وليّ له. وفيه إباحة النكاح بالعروض، وكذلك في نكاح علي فاطمة رضي الله عنها. وفيه إجازة الأجرة على تعليم القرآن، وهذا الحديث منسوخ عند ابن حبيب. وقال غيره: هذا من خواص النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذ به أحد من الصحابة ولا التابعين ولا الفقهاء غير الشافعي، ولعل المرأة قد كانت تحفظ تلك السورة بعينها وهي إنما كانت رضيت بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وله وهبت نفسها، ولم يتزوج أحد من الصحابة بأقل من خمسة دراهم، وهو عبد الرحمن بن عوف تزوج بزنة نواة من ذهب، وهي خمسة دراهم «2» . وذكر ابن المنذر في الأشراف أن النبيّ صلى الله عليه وسلم تزوج أم سلمة على متاع يساوي عشرة دراهم. وفي وثائق ابن العطار: أربعمائة درهم. وفي النوادر وغيرها أن النبيّ عليه الصلاة والسلام تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وأمهرها أربعة آلاف درهم. وفيه أيضا أنه أمهرها أربعمائة دينار ذهبا. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في منع علي بن أبي طالب أن يتزوج على فاطمة رضي الله عنها في البخاري ومصنف أبي داود والواضحة: أن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل بن هشام فاستأذن بنو هشام ابن المغيرة في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأذن لهم، وخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم مغضبا حتى رقى المنبر، واجتمع الناس إليه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد فإن بني هشام ابن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم، ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني يريا بني ما أرابها،

_ (1) رواه البخاري (2310 و 5135) ، ومسلم (1425) ، والموطأ (2/ 526) ، والترمذي (1114) ، والنسائي (6/ 113) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه. (2) رواه أحمد في المسند (3/ 227 و 271) ، والبخاري رقم (5155) ، ومسلم (1427) ، وأبو داود (2109) ، وابن حبان (4096) من حديث أنس رضي الله عنه.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في المجوسي يسلم والمرأة تسلم قبل زوجها ثم يسلم

ويؤذيني ما آذاها، ولن تجتمع بنت نبي الله مع بنت عدو الله. إني أخاف أن تفتن فاطمة في دينها، وإني لست أحرّم حلالا، ولا أحلّ حراما، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وابنة عدو الله في مكان واحد أبدا» «1» . قال ابن حبيب: فإن احتج محتج في إجازة اتخاذ الشروط بهذا الحديث فلا حجة له فيه لأن هذا من خواص النبيّ صلى الله عليه وسلم. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في المجوسي يسلم والمرأة تسلم قبل زوجها ثم يسلم في المدونة وغيرها: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن سلمة الثقفي- حين أسلم وتحته عشر نسوة-: «اختر أربعا، وفارق سائرهن» «2» . وقال فيروز الديلمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أسلمت وتحتي أختان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طلق أيتهما شئت» «3» . وفي مصنف أبي داود: أن امرأة أسلمت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجت فجاء زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت وعلمت بإسلامي. فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها الاخر وردها إلى زوجها الأول «4» . معنى ذلك أنه ثبت ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في المعترض ونكاح المتعة في الموطأ والبخاري والنسائي: أن رفاعة بن سموأل طلّق امرأته تميمة بنت وهب ثلاثا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنكحت عبد الرحمن بن الزبير، فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسّها ففارقها، فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول الذي كان طلقها، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن تزويجها وقال: «لا تحل لك حتى تذوق العسيلة» «5» . وفي غير الموطأ: «حتى يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته» .

_ (1) رواه البخاري (5230) ، ومسلم (2449 و 93) ، وأبو داود (2071) ، وابن حبان (6955 و 6956) من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه. (2) رواه أحمد في المسند (2/ 14) ، والترمذي (1128) ، وابن ماجه (5335) ، والحاكم (2/ 192 و 193) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وهو حديث صحيح. (3) رواه أبو داود (2243) ، والترمذي (1130) ، وابن ماجه (1951) ، وابن حبان (4155) من حديث الضحاك بن فيروز عن أبيه وهو حديث حسن. (4) رواه أبو داود (2239) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وإسناده ضعيف. (5) رواه مالك في الموطأ (2/ 531) (1492) ، والبخاري (2639) في الشهادات و (5792) في اللباس، ومسلم (1433 و 111) ، والنسائي (6/ 93) ، والترمذي (1118) في النكاح من حديث عائشة رضي الله عنها.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في نكاحه ميمونة

وفيه من الفقه: أن الزوجة إذا أتاها وهي نائمة لا تشعر، أو سعى إليها لا تحس باللذة لم تحل للزوج الأول. وفي الحديث الثابت من طرق عن الربيع بن ميسرة الجهني عن أبيه قال: قدمنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح فأذن لنا أن نستمتع من النساء، فانطلقت أنا وصاحب لي من بني عامر إلى امرأة كأنها بكرة عيطاء «1» ، فعرضنا عليها أنفسنا ببردينا، قال: وعلى صاحبي برد خير من بردي، وأنا أشب منه فجعلت تنظر إليّ وإلى صاحبي. فقال لها صاحبي: بردي خير من برده، فقالت: قد رضيناه على ما كان من برده. فمكثت معها ثلاثا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة بعد ثلاث وقال: «إن الله حرمها» «2» . قال في مسند ابن أبي شيبة: «إلى يوم القيامة. فمن كان عنده منهن شيء فليدعها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا» «3» . وفي حديث شعبة الذي أغرب به على سفيان قال: فكان الأجل بيني وبينها: عشرة أيام. قال: فبت عندها، ثم أصبحت غاديا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بين الركن والباب، فكان من كلامه أن قال: «إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النسوة وإن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده شيء فليخل سبيلهن، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا» «4» . واختلف الرواة في تحريم المتعة فقيل: كان عام خيبر، وقيل: عام القضية سنة سبع من الهجرة. قال أبو عبيد: وقال عام الفتح، وقال أبو عبيد في حديثه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فما أحسب رجلا منكم يخلو بالمرأة ثلاثا إلا ولّاها الدبر» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في نكاحه ميمونة في البخاري ومسلم عن جابر بن زيد قال: أخبرنا ابن عباس قال: تزوج النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو محرم «5» . وذكر أيضا مسلم عن يزيد بن الأصم: لما تزوجها النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة عام عمرة القضية أبت حلال قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس «6» ، وكذلك في الواضحة وغيرها: أنه كان

_ (1) عيطاء- الشابة القوية- الطويلة العنق في اعتدال وحسن قوام. (2) رواه أحمد في المسند (2/ 404 و 405) ، ومسلم (1406 و 24) ، وأبو داود (2072 و 2073) ، وابن حبان (4146) من حديث مسيرة الجهني رضي الله عنه. (3) رواه ابن أبي شيبة (4/ 292) ، وعبد الرزاق في المصنف (14041) وإسناده صحيح. (4) رواه ابن حبان (4147) ، ومسلم (1406 و 21) ، والحميدي (847) ، وابن ماجه (1962) باب النهي عن نكاح المتعة. (5) رواه البخاري (5114) ، ومسلم (1410 و 47) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (6) رواه مسلم (1411 و 48) ، وابن ماجه (1964) ، وابن حبان (4136) من حديث ميمونة رضي الله عنها.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في القسم بين الزوجات

حلالا وبنى بها بسرف. قال مالك رحمه الله في كتاب ابن المواز: لما تزوجها النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة عام عمرة القضية أبت قريش أراد أن يبتني بها بمكة فخرج فبنى بها بسرف «1» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في القسم بين الزوجات في الحديث الثابت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة وأقام معها ثلاثا، أراد الخروج، فأخذت بثوبه فقال: «ليس بك على أهلك هوان فإن شئت سبّعت عندك وسبعت عندهن، وإن شئت ثلثت عندك» . ثم درت فقالت بل ثلّث «2» . قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى العدل بين نسائه تكرما منه من غير أن يكون ذلك واجبا عليه، لأن الله عز وجل قال في كتابه: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ [الأحزاب: الاية 51] . وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس والضحاك أن هذه الاية نسخت الاية التي بعدها وهي قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [الأحزاب: الاية 52] . وهذا قليل أن ينسخ الأول الثاني، وإنما الكثير أن ينسخ الثاني الأول، ويشبه هذا النسخ نسخ الحول بالأربعة أشهر وعشر في سورة البقرة وهو قبله في التلاوة في سورة واحدة. وفي الموطأ والمدونة عن ابن شهاب أن رافع بن خديج تزوج جارية شابة وعنده بنت محمد بن مسلمة وكانت قد تخلت فاثر الشابة فاستأذنت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رافع اعدل بينهما وإلا ففارقها» . فقال لها رافع في آخر ذلك: إن أحببت أن تقري على ما أنت عليه من الأثرة قررت وإن أحببت فارقتك قال: فنزل القرآن: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النّساء: الاية 128] . قال فرضيت بذلك الصلح، وقرت معه «3» . وهذا لفظ المدونة، ولم يقع في الموطأ أن في ذلك نزل القرآن وذكره النحاس. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الرضاع بشهادة امرأة واحدة في البخاري عن أم حبيبة قالت: قلت: يا رسول الله هل لك في بنت أبي سفيان؟ قال: «فأفعل ماذا؟» قلت: تنكح. قال: «أتحبين؟» قلت: «لست لك بمخلية وأحبّ من شركتني فيك

_ (1) رواه ابن حبان (4134) ، والترمذي (845) ، والبيهقي (7/ 211) وإسناده صحيح. (2) رواه أحمد في المسند (6/ 292) ، ومسلم (1460 و 41) ، وأبو داود (2122) ، وابن ماجه (1917) من حديث أم سلمة رضي الله عنها. (3) رواه مالك في الموطأ (1557) من حديث رافع بن خديج الأنصاري. وهو حديث صحيح.

أختي» . قال: «إنها لا تحل لي» ، قلت: بلغني أنك تخطب درة، قال: «أبنت أم سلمة؟» قلت: نعم، فقال: «لو لم تكن ربيبتي ما حلّت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة: أرضعتني وأباها أبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن» «1» . قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهب، كان أبو لهب أعتقها، وأرضعت النبيّ صلى الله عليه وسلم. فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر خيبة. قال: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدهم غير أني سقيت في هذه. يعني في ثويبه. حدثني عبيد بن أبي مريم عن عقبة بن الحارث قال: وقد سمعته من عقبة، لكني بحديث عبيد أحفظ. قال: تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء فقالت: إني قد أرضعتكما، فأتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت: تزوجت فلانة بنت فلان فجاءتنا امرأة سوداء فقالت: إني قد أرضعتكما وهي كاذبة، فأعرض عني، فأتيت من قبل وجهه فقلت: إنها كاذبة. قال: «كيف بها وقد زعمت أنها أرضعتكما دعها عنك» «2» . ووقع في المدونة أن عمر بن الخطاب لم يجز شهادة امرأة واحدة في الرضاع. وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن رضاع امرأة فتبسم وقال: «وكيف وقد قيل» . ووقع أيضا في البخاري: «كيف وقد قيل» ففارقها ونكحت زوجا غيره «3» .

_ (1) رواه البخاري (5101) و (5106) من حديث أم سلمة رضي الله عنها. (2) رواه أحمد في المسند (16148) ، والبخاري (5104) ، وأبو داود (3604) ، والترمذي (1151) من حديث عبيد بن أبي مريم رضي الله عنه. (3) رواه أحمد في المسند (16149) ، والبخاري (88) في العلم، والبغوء في شرح السنة (2286) ، والنسائي في الكبرى (6027) من حديث عقبة بن الحارث رضي الله عنه.

كتاب الطلاق

كتاب الطلاق «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في طلاق الحائض في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس. فتلك العدّة التي أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء» . انتهى حديث الموطأ «1» . في الكتب المذكورة عن ابن عمر أنه قال: حسبت طلقة. هكذا روى أصحاب نافع عنه عن ابن عمر «2» . وروى الزهري عن محمد بن عبد الرحمن عن سالم عن أبيه ويونس بن جبير عن ابن عمر. وروى زيد بن أسلم وابن سيرين عن ابن عمر وابن الزبير عن عمر وسعيد بن جبير عن ابن عمر وأبو وائل عن ابن عمر قالوا في روايتهم: «مره فليراجعها ويمسكها حتى تطهر، ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق» «3» . ولم يقولوا ثم تحيض ثم تطهر والزيادة مقبولة من الثقة، وقع هذا الحرف من الحديث في كتاب مسلم ورواية من زاد أصح. وفيه من الفقه أن الرجعة لا تصح بالوطء فإذا وطئها لم يجز أن يطلق في طهر قد مسّ فيه، وأيضا فلو أمر بطلاقها إذا طهرت من تلك الحيضة التي طلقها فيها كان كأنه قد أمر بارتجاعها ليطلقها فأشبهه النكاح إلى أجل. وروى قاسم بن أصبغ، عن إبراهيم بن عبد الرحيم، عن يعلى ابن عبد الرحمن الواسطي، عن عبد الحميد، عن محمد بن قيس، عن ابن عمر: أنه طلّق امرأته وهي حائض فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها فإذا طهرت مسّها حتى إذا طهرت مرة أخرى إن شاء طلق، وإن شاء أمسك «4» . فزاد في هذا الحديث أن يمسها ولم يذكره أحد من أصحاب المصنفات إلا قاسم. ووقع في مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي الزبير عن ابن عمر أنه قال: ردّها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرها شيئا «5» . وتعلق بهذا بعض أصحاب الظاهر ورأوا أن الطلاق

_ (1) رواه مالك في الموطأ (1655) ، والبخاري (5251) ، ومسلم (1471 و 1) . (2) رواه البخاري (5252) ، ومسلم (1471 و 4) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (3) رواه مسلم (1471 و 14) في الطلاق من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (4) ذكره عن قاسم بن أصبغ. والإسناد ضعيف. وفيه من لم نقف له على ترجمة. (5) رواه عبد الرزاق (10960) وإسناده صحيح.

في الحيض لا يلزم إلا من طلّق ثلاثا أو آخر تطليقة فإنه يلزم بإجماع من العلماء كلهم. والصحيح ما ذكره البخاري ومسلم في الحديث أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ألزم ابن عمر الطلقة الواحدة التي طلق فى الحيض، لأن الرجعة لا تكون إلا من طلاق. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مره فليراجعها» . وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من طلّق في بدعة ألزمناه بدعته» «1» ، فبطل بذلك قول من يقول: لا يلزم الطلاق في الحيض. وقال الشافعي في قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء» دليل على أن العدة هي القرء والطهر، وكذلك يقول مالك: إن الأقراء الأطهار. ووقع في حديث ابن عمر في غير المصنفات المذكورة في أول الباب مثل رواية شعيب بن زريق: أن عطاء الخراساني حدثهم عن الحسن قال: حدثنا عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض ثم أراد أن يتبعها تطليقتين عند القرأين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله، إنك قد أخطأت السنة، والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء» . فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فراجعتها وقال: «إذا هي طهرت فطلّق عند ذلك أو أمسك» . فقلت: يا رسول الله لو كنت طلقتها ثلاثا كان لي أن أراجعها؟ فقال: «لا، كانت تبين، ويكون معصية» «2» . وتكلم أهل العلم في شعيب بن زريق فضعفه بعضهم. ووقع أيضا في كتاب النسائي عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة في حديث ابن عمر: فليراجعها ثم ليطلقها وهي طاهر أو حامل «3» . قال النسائي: لا نعلم أحدا تابع محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة على قوله: أو حامل، ومحمد بن عبد الرحمن لا بأس به. وفي مصنف أبي داود أن ركانة طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك فقال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: «والله ما أردت إلا واحدة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله ما أردت إلا واحدة؟» فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم «4» . وعن عبد الله بن الوليد عن إبراهيم عن داود عن عبادة بن الصامت قال: طلق جدي امرأة له ألف تطليقة فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما اتقى الله جدك أما ثلاث فله وأما تسعمائة وسبع وتسعون فعدوان وظلم إن شاء عذبه وإن شاء غفر له» «5» .

_ (1) رواه البيهقي في السنن (7/ 327) من حديث معاذ رضي الله عنه وإسناده ضعيف. (2) رواه البيهقي في السنن (7/ 334) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 336) وقال: رواه الطبراني وفيه علي بن سعيد الرازي قال الدارقطني: ليس بذاك. وعظمه غيره وبقية رجاله ثقات من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (3) رواه مسلم (1471 و 5) ، والترمذي (1176) ، والنسائي في السنن (3397) و (6/ 141) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (4) رواه أبو داود (2206) ، والترمذي (1177) في الطلاق وإسناده ضعيف. (5) ذكره السيوطي في الدر المنثور (1/ 286) من حديث عبادة بن الصامت. وإسناده ضعيف.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في الخلع

«حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الخلع في الموطأ والبخاري والنسائي: أن حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شمّاس، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح، فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من هذه؟» قالت: أنا حبيبة بنت سهل. قال: «ما شأنك؟» قالت: لا أنا ولا ثابت ابن قيس لزوجها، فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر» ، فقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت: «خذ منها» ، فأخذ منها، وجلست في أهلها «1» . هذا اللفظ في الموطأ والنسائي، والذي وقع في البخاري ومسلم: أن امرأة ثابت بن قيس ابن شماس قالت: ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتردين عليه حديقته؟» قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة» «2» . والذي وقع في الحديث الأول: وجلست في أهلها يقال: إنه من لفظ المحدّث، ويحتمل أنه كان سكناها معه قبل الخلع في أهلها، ويحتمل أن تكون جلست في أهلها، ولم تعتد في البيت الذي كان يسكن زوجها لخيفة شر يقع بينها وبين أهلها، أو لغير ذلك من العذر. ووقع في كتاب ابن المنذر: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد بحيضة واحدة. وقال به عثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر، وبه أخذ ابن المنذر، والذي عليه الأكثر: أن عدتها كعدة المطلقة ثلاثة قروء، وفي مصنف ابن السكن: أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها، وهي حبيبة بنت عبد الله بن أبي، فأتى بها أخوها يشتكيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى ثابت فقال: «خذ الذي لها عليك وخل سبيلها» . قال: نعم. فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتربص حيضة واحدة وتلحق بأهلها «3» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الأمة تعتق تحت زوج في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: كانت في بريرة ثلاث سنن، فكانت إحدى السنن أنها عتقت فخيّرت في زوجها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الولاء

_ (1) رواه مالك في الموطأ (1610) باب ما جاء في الخلع، وأبو داود (2227) ، والنسائي (6/ 169) في الخلع. وإسناده صحيح. (2) رواه البخاري (5273) ، وابن ماجه (2056) ، والنسائي (6/ 169) ورواه البخاري مرسلا وموصولا. ووصله الإسماعيلي أيضا. (3) رواه أبو داود رقم (2228) باب في الخلع. من حديث عائشة رضي الله عنها. وهو حديث صحيح.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في المرأة تقيم شاهدا عدلا على طلاق زوجها والزوج منكر

لمن أعتق» ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والبرمة تفور بلحم فقرّب إليه خبز وأدم من أدم البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألم أر برمة فيها لحم؟» فقالوا: بلى يا رسول الله ولكنه لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو عليها صدقة وهو لنا هدية» «1» . وفي الواضحة وغيرها كان في بريرة: أربع سنن. فذكر هذه الثلاث، والرابعة أمرها أن تعتد بثلاث حيض. وقال أحمد بن خالد: الرابعة أن بيعها لم يكن طلاقا. ووقع في الكتب الثلاثة البخاري ومسلم والنسائي: أن زوج بريرة كان عبدا أسود يقال له «2» : مغيث. وفي رواية أخرى في الكتب بعينها: أن زوجها كان حرا. وقال عروة: لو كان حرا ما خيّرت فيه، والأول أكثر في الرواية، والأصح أنه كان عبدا. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في المرأة تقيم شاهدا عدلا على طلاق زوجها والزوج منكر روى أحمد بن خالد عن ابن أبي وضّاح عن ابن أبي مريم، عن عمرو بن أبي سلمة، عن زهير بن محمد، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ادعت المرأة طلاق زوجها، فجاءت على ذلك بشاهد واحد عدل استحلف زوجها، فإن حلف بطلت عنه شهادة الشاهد، وإن نكل فنكوله بمنزلة شاهد آخر وجاز طلاقه» «3» . قال ابن أبي مريم: كنت أقول بقول ابن القاسم حتى وجدت الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت به، وهو قول أشعب وروايته عن مالك. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في التخيير في المدونة وغيرها عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: «إني ذاكر لك أمرا فلا عليك ألاتستعجلي حتى تستأذني أبويك» ، قالت: وقد علم أن أبواي لم يكونا ليأمراني بفراقه، ثم قرأ: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) [الأحزاب: الاية 28، 29] . فقلت

_ (1) رواه البخاري (5279) ، ومسلم (1504) ، والموطأ (1605) ، والنسائي (6/ 162 و 163) . من حديث عائشة رضي الله عنها. (2) رواه البخاري (5282) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (3) رواه ابن ماجه (2038) ، والدارقطني (4/ 64 و 166) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وإسناده ضعيف.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في يمينه فيمن حرم ملك اليمين

له: في هذا أستأمر أبواي؟ فإني أريد الله، ورسوله، والدار الآخرة. قالت عائشة: ثم فعل أزواج النبيّ- عليه الصلاة والسلام- مثل ما فعلت فلم يكن ذلك طلاقا «1» . وقال ربيعة وابن شهاب: وكانت فاطمة بدنة. قال عمرو بن شعيب: وهي ابنة الضحاك العامري رجعت إلى أهلها، وقيل: إنه لم يكن دخل بها. قال ابن حبيب: قد كان دخل بها- واسمها فاطمة- فكانت تلقط بعد ذلك البعر وتقول: أنا الشقية. هذا قول أكثر العلماء إذا خيرات المرأة فاختارت زوجها أنه لا يكون طلاقا حتى تختار الطلاق، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وغيرهم. واختلف في ذلك عن علي بن أبي طالب فروى عنه مثل ذلك، وروى عنه: إذا اختارت زوجها فهي واحدة، وإن اختارت نفسها فهي البتة، وذكر عنه عبد الرزاق: إذا اختارت نفسها فهي واحدة بائنة، وإن اختارت زوجها فهي واحدة وتملك الرجعة «2» . وذكر ابن سلام في تفسيره عن قتادة، ومصنف عبد الرزاق عن الحسن: أن الله عز وجل إنما خيرهن بين الدنيا والآخرة ولم يخيرهن في الطلاق «3» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في يمينه فيمن حرم ملك اليمين في معاني الزجاج والنحاس: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب ابنة جحش، ويشرب عندها عسلا فقالت عائشة: فتواصيت أنا وحفصة أينا جاءها فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير. قال الزجاج: وهو صمغ متغير الرائحة، وقيل: إنه بقلة. وفي غير الكتابين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن يوجد منه ريح، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دارها فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أشم منك ريح المغافير، ثم جاء إلى الآخرى فقالت له مثل ذلك. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «قد كان ذلك ولا أعود» «4» . قال النحاس والزجاج: إنه حرّمه. وقيل: إنه حلف على ذلك، وجاء في التفسير وهو الأكثر. وذكر النحاس أيضا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خلا بجاريته مارية أم إبراهيم في يوم عائشة. قال النحاس: في بيت حفصة، فوقفت على الباب وهو مغلق فجلست حتى فتح الباب رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) رواه البخاري (4785 و 4786) ، ومسلم (1475) ، والترمذي (3202) ، والنسائي (6/ 159 و 160) من حديث عائشة رضي الله عنها. (2) رواه عبد الرزاق في المصنف (11974) من حديث علي رضي الله عنه موقوفا عليه وإسناده صحيح. (3) رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (11983) من حديث الحسن رضي الله عنه موقوفا عليه. (4) رواه البخاري (4912) ، وأبو داود (3714) ، والبيهقي في السنن (7/ 353) من حديث عائشة رضي الله عنها.

قال النحاس: فقالت حفصة: حقّرتني يا رسول الله، وقال غيره قالت: يا رسول الله أما كان في نسائك أهون عليك مني! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تخبري عائشة بذلك» ، فقالت له: لست أفعل، وحرم مارية على نفسه «1» . وقيل: إنه حلف على ذلك أيضا فأعلمت حفصة عائشة الخبر واستكتمتها إياه فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك قال الله عز وجل: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ [التّحريم: الاية 3] . وقرئت «عرف ببعضه، وأعرض عن بعض» . فأعلم الله عز وجل أن التحريم على هذا التفسير لا يحرّم فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ [التّحريم: الاية 1] . فلم يجعل الله لنبيه أن يحرم ما أحل الله له، فعلى التفسيرين ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله له، فقال الله عز وجل: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ [التّحريم: الاية 2] «2» ، يعني الكفارة لأنه قد روي أنه مع ذلك التحريم حلف. وقال قوم: إن الكفارة كفارة التحريم، قال المفضل: وقاله قتادة. وروي عن ابن عباس أنه قال: الحرام يمين «3» . وقاله الحسن وإبراهيم وقال مسروق: حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يقربها وهي عليّ حرام فنزلت الكفارة ليمينه ألا يقربها، وأمر أن لا يحرم ما أحل الله. وقال الشافعي أيضا وكذلك روى مالك عن زيد بن أسلم في تفسيرها، وفي تفسير ابن سلام: قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم يعني ما في سورة المائدة قوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ «4» . وقال الحسن: التحريم في الإماء يمين وفي الحرائر طلاق. قال الفراء: عتق رسول الله صلى الله عليه وسلم رقبة في مارية، وهذا في الأمة فأما في الحرة فإذا قال لها: أنت حرام، فهي عند مالك وأصحابه ثلاث إذا دخل بها ولا ينوي. وقال أهل الكوفة: إن نوى الطلاق فهي تطليقة بائنة. وقال الشافعي: هي طالق تطليقة يملك الرجعة، وإن أراد اليمين فهي يمين. وقال الفراء في قراءة من قرأ عرف بعضه: يقولون غضب منه وجازى عليه كما يقول للرجل هي إليك والله لأعرفن لك ذلك وقد لعمري جازى حفصة بطلاقها. وقال الحسن: عرف بعضه أقر ببعضه يعني

_ (1) رواه الدارقطني (4/ 42) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 178) وقال: رواه الطبراني وفيه إسماعيل ابن عمرو البجلي ضعيف. والضحاك بن مزاحم لم يسمع من ابن عباس. وبقية رجاله ثقات نقول إسناده ضعيف. ومنقطع وله شواهد. (2) رواه الدارقطني (4/ 42) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وله شواهد وهو حديث صحيح بشواهده. (3) رواه الدارقطني (4/ 42) في السنن من حديث ابن عباس رضي الله عنهما موقوفا عليه. (4) ذكره القرطبي في تفسير سورة التحريم (ج/ 18/ 118) وقال: رواه ابن وهب عن مالك عن زيد بن أسلم موقوفا عليه.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيمن طلق دون الثلاث ثم راجعها بعد زوج أنها على بقية الطلاق

ما كان منه إلى مارية وأعرض عن بعض ما كان إلى حفصة أن تكتم عليه: أن الخليفة من بعده أبو بكر ثم بعده عمر. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» فيمن طلق دون الثلاث ثم راجعها بعد زوج أنها على بقية الطلاق في مصنف عبد الرزاق، ومالك، وسفيان بن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب وحميد بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار كلهم يقولون: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت عمر يقول: أيما امرأة طلقها زوجها تطليقة أو تطليقتين، ثم تركها حتى تنكح زوجا غيره فيموت عنها أو يطلقها، ثم ينكحها زوجها الأول فإنها عنده على ما بقي من طلاقها «1» . وعن علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب: مثل قول عمر. وعن عمران بن الحصين، وأبي هريرة مثله. وابن المبارك عن عثمان بن مقسم: أنه أخبره أنه سمع أبيّ بن كعب يحدث عن رجل من قومه عن رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قضى فيها: أنها على ما بقي من الطلاق. وبهذا أخذ مالك. وذكر أيضا عبد الرزاق عن ابن التيمي عن أبيه عن أبي مخلد عن ابن عباس وشريح قالا: نكاح جديد، وطلاق جديد. وعن ابن عمر وابن عباس مثله، وعن ابن مسعود وعطاء مثله، «وقال» الثوري ومعمر: قول الفريقين كليهما إن لم يصبها الاخر فهي على ما بقي من الطلاق. قال معمر: قاله النخعي ولم أسمع فيه اختلافا وهو فقه حسن. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الحضانة وأن الأم أحق بالولد وأن الخالة بمنزلة الأم في مصنف عبد الرزاق عن عبد الله بن عمرو بن العاصي: أن امرأة طلقها زوجها، وأراد أن ينتزع ولدها منها، فجاءت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وفخذي له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت أحق به ما لم تتزوجي» «2» . وفي المدونة مثله، وفي مصنف عبد الرزاق عن أبي هريرة: كانت أم وأب يختصمان في ابن لهما فقالت للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد

_ (1) رواه مالك في الموطأ (1694) موقوفا على عمر رضي الله عنه. قال مالك: تلك السنة التي لا خلاف فيها. (2) رواه عبد الرزاق في المصنف (12596 و 12597) ، والبيهقي في السنن (8/ 5) ، والدارقطني (2/ 155) بلفظ المؤلف ورواه أبو داود (2276) ، والحاكم (2/ 207) بنحوه. وصححه ووافقه الذهبي.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في الظهار وبيان ما أنزل الله عز وجل فيه

أسقاني من بئر أبي عتبة. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «يا غلام هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت» ، فأخذ بيد أمه فانطلقت به «1» . وفي البخاري ومسلم: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما اعتمر عمرة القضاء، وانقضى الأجل الذي كان قاضى عليه أهل مكة، أتوا عليا فقالوا: قل لصاحبك أخرج عنا، فخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم، فتناولها علي وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر فقال علي: أنا آخذها وهي ابنة عمي، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: بنت أخي، فقضى بها النبيّ صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال: «الخالة بمنزلة الأم» ، وقال لعلي: «أنت مني وأنا منك» ، وقال للاخر: «أشبهت خلقي وخلقي» ، وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا» «2» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الظهار وبيان ما أنزل الله عز وجل فيه من معاني الزجاج وغيرها: أن خولة بنت ثعلبة الأنصارية جاءت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة مرغوب فيّ، فلما خلا سني ونثرت بطني- أي كثر ولدي- جعلني عليه كأمّه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عندي في أمرك شيء» ، فشكت إلى الله عز وجل وقالت: اللهم إني أشكو إليك. وروي أنها قالت للنبيّ صلى الله عليه وسلم فيما قالت: إن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليّ جاعوا، فأنزل الله عز وجل كفارة الظهار «3» . وذكر المفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «هل تستطيع أن تعتق رقبة؟» قال: لا والله، قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا والله، قال: «فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟» قال: لا والله ما عندي، فأعانه النبيّ صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا، وأعانه آخر بخمسة عشر صاعا، فأعطاها ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع «4» . وفي حديث آخر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لعلي: «ائتني بمكتل فيه ستون مدا من تمر» ، فأتاه فقال: «أطعمه ستين مسكينا عن نفسك وأهلك» . قال أوس: بأبي وأمي أنت يا رسول الله ما يمسي ولا يصبح أحد أحق بهذا المكتل مني ومن أهلي، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «كله أنت وأهلك» «5» .

_ (1) رواه عبد الرزاق في المصنف (12611) ، والترمذي (1357) ، وسعيد بن منصور (2261) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو حديث صحيح. (2) رواه البخاري (2699) و (4251) ، ومسلم (1783) من حديث البراء رضي الله عنه. (3) رواه ابن ماجه (2063) ، والحاكم في المستدرك (2/ 481) وصححه ووافقه الذهبي. من حديث عائشة رضي الله عنها. (4) رواه الدارقطني في السنن (3/ 316) وأبو داود بنحوه (2214) من حديث خولة بنت مالك رضي الله عنها. وإسناده حسن. (5) رواه البيهقي في السنن (7/ 392) ، وأبو داود مختصرا (2217) وهو حديث حسن بشواهده.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في اللعان وإلحاق الولد بأمه

وفي المدونة وغيرها: كان الطعام الذي أعطاه النبيّ صلى الله عليه وسلم شعيرا «1» . قال مالك: إطعام الظهار مد بمد هشام وهو مدان إلا ثلث بمد النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقال الشافعي: مد لكل مسكين حنطة أو غيرها. وقال أبو حنيفة: نصف صاع من حنطة أو دقيق أو صاع من تمر أو شعير، وحجة الشافعي: الحديث الاخر، وحجة أبي حنيفة: الحديث الأول، وكذلك اختلفوا في عتق رقبة غير مؤمنة، فقال مالك والشافعي: لا يجزئ إلا مؤمنة، وقال أبو حنيفة: يجزئ اليهودي والنصراني. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في اللعان وإلحاق الولد بأمه في الموطأ والبخاري والنسائي عن الزهري: أن سهل بن سعد الساعدي أخبرهم: أن عويمر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكره عليه السلام مسألة السائل حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسألة التي سألته عنها؟ فقال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها. فقال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها. فأقبل عويمر حتى أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم وسط الناس فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك» . وفي البخاري: «قد قضى الله فيك وفي امرأتك فاذهب فأت بها» . قال سهل: فتلاعنا، زاد في البخاري: في المسجد وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال مالك: قال ابن شهاب: فكانت تلك بعد سنة المتلاعنين «2» . قال ابن شهاب: وفي البخاري وكان ابنها يدعى بها، ثم جرت السنة في ميراثه أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها «3» . وقال سهل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «إن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة «4» فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها، وإن جاءت به أسود أعين ذا أليتين فلا أراها إلا قد صدق عليها» . فجاءت به على المكروه «5» . وفي كتاب الخطابي: «وإن جاءت به أسحم أحتم فهو للمكروه» .

_ (1) رواه البيهقي في السنن (7/ 392 و 393) . وقال: وروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أعانه النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا. من شعير- وقال أبو زيد المدني: أن امرأة جاءت بشطر أوسق من شعير فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم- وقال البيهقي فهذه روايات مختلفة وأكثرها مرسلة. (2) رواه البخاري مختصرا (423 و 4745 و 5259) ، ومسلم (1492) في أول اللعان- وأبو داود (2245) في الطلاق من حديث سهل بن سعد الساعدي. (3) رواه البخاري (4746) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه. (4) الوحرة- بفتحات دويبة صغيرة تلزق بالأرض. (5) رواه البخاري (4745 و 4746) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.

الأحتم الأسود، ومنه سمي الغراب حاتما لسواده، وقيل: سمي حاتما لأنه يحتم بالفراق. وفي البخاري عن ابن عمر: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لهما: «حسابكما على الله أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟» قال ذلك ثلاث مرات ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» بينهما. وفي المستخرجة في سماع أصبغ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجل قبل اللعان: «اتق الله أنزع عما قلت تجلد وتتوب إلى الله يتوب الله عليك» . فقال: لا والذي بعثك بالحق أربع مرات يرددها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل على المرأة فقال: «يا فلانة اتقي الله وبوئي بذنبك يرحمك الله أو تتوبي إلى الله يتوب الله عليك» ، فقالت: لا والذي بعثك بالحق لقد كذب فقال لها ذلك أربع مرات، فنزل القرآن: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ [النّور: الاية 6] . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا فلان قم فتشهد» . قال: أقول ماذا يا رسول الله؟ قال: «قل: أشهد بالله أني لمن الصادقين» أربع مرات، ثم قال له: «خمس» قال له: يا رسول الله فماذا أقول؟ قال: «قل لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين» ، ثم دعا المرأة فقال أتشهدين أو نرجمك؟ قالت: بل أشهد قال: قولي أشهد بالله إنه لمن الكاذبين أربع مرات، ثم: «خمّسي» قالت: يا رسول الله ما أقول؟ قال: «قولي: غضب الله عليّ إن كان من الصادقين» ، ففعلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوما فقد فرقت بينكما، ووجبت النار لأحدكما، والولد للمرأة» . وفي مصنف أبي داود: فلما التعنت المرأة أربعا. وبقيت الخامسة قيل لها: اتقي الله هذه الموجبة توجب عليك العذاب، فتلكأت ساعة ثم قالت: والله لا أفضح قومي. فشهدت الخامسة، ففرق رسول الله بينهما وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألايدعى ولدها لأب ولا ترمى ولا يرمى ولدهما، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد، وقضى ألابيت لها ولا قوت من أجل أنهما مفترقان من غير طلاق ولا متوفى عنها، وقال: «إن جاءت به أصيهب أوشح أثيبج حمش الساقين فهو لهلال بن أمية، وإن جاءت به أورق أجعد جماليا خدلج الساقين سابغ الإليتين فهو للذي رميت به» . فجاءت به على المكروه «2» . قال عكرمة فكان بعد ذلك أميرا على مصر ولا يدعى لأب. وفي البخاري: أن عاصم بن عدي لاعن أيضا زوجته وقال: ما ابتليت بهذا الأمر إلا بكلام تكلمات «3» . وفي غير البخاري: وكان سهل بن سعد إذ حضر ذلك ابن خمس عشرة سنة، وعاش بعد ذلك خمسا وثمانين سنة، ومات ابن مائة سنة، وهو آخر من مات بالمدينة من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يكن بالمدينة بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم لعان إلا في أيام عمر بن عبد العزيز رحمه الله.

_ (1) رواه البخاري (5311 و 5350) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (2) رواه أبو داود (2256) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وإسناده ضعيف. (3) رواه البخاري (5310) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

كتاب البيوع

كتاب البيوع «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في السلم والربا وبيع النخل إذا أبرت واختلاف المتبايعين والخيار في البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في البسر «1» السنتين والثلاث «2» . زاد في الدلائل الأصيلي: فنهاهم. وفي مصنف أبي داود: سلف رجل إلى رجل في نخل فلم تخرج النخلة تلك السنة شيئا، فاختصما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «بم تستحل ماله؟» أردد عليه ماله، ثم قال: «لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه» «3» . قال في الكتابين والدلائل: «من أسلف فليسلف في كيل معلوم، أو وزن معلوم إلى أجل معلوم» «4» . وفي الكتابين عن ابن عمر قال: رأيت الناس يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا الطعام خوفا أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤوه إلى رحالهم، وفي كتاب النسائي مثله «5» . وفي الموطأ والبخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عاملا له إلى خيبر هكذا فقال: لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تفعل بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا» . وفي البخاري وقال في الميزان مثل ذلك. وفي مسلم مثله وزاد في كتاب مسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا عين الربا» «6» . وفي حديث آخر: «هذا الربا فردوه، ثم بيعوا لنا تمرا واشتروا لنا من هذا» «7» . وفي موطأ مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين أن يبيعا آنية من

_ (1) البسر: هو البلح قبل أن يرطب. (2) رواه البخاري (2239) ، ومسلم (1604) ، وأبو داود (3463) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (3) رواه أبو داود (3467) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وإسناده ضعيف. (4) رواه البخاري (2240) ، ومسلم (1604) و (127) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (5) رواه البخاري (2131) ، ومسلم (1526) و (38) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. (6) رواه البخاري (2301 و 2202) ، ومسلم (1593) ، والموطأ (2/ 623) . (7) رواه مسلم (1593) و (97) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

المغانم من ذهب أو فضة، فباعا كل ثلاثة عينا بأربعة عينا أو كل أربعة وزنا بثلاثة وزنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربيتما فردّا «1» . وفي كتاب مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي يوم خيبر بقلادة فيها خرز وذهب- وهي من المغانم تباع- فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذهب بالذهب وزنا بوزن» . وفي كتاب أبي داود قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا يباع حتى يفصل» «2» . وفي الموطأ والبخاري ومسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من باع نخلا قد أبر فثمرها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع، ومن باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع» «3» . وفي الدلائل للأصيلي عن ابن عمر: أن رجلا اشترى نخلا قد أبّرها «4» صاحبها فخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن الثمرة لصاحبها الذي أبرّها إلا أن يشترطها المشتري» «5» . وفي مصنف عبد الرزاق عن أنس: أن رجلا اشترى من رجل بعيرا واشترط الخيار أربعة أيام، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيع وقال: «الخيار ثلاثة أيام» «6» . وهذا رأى هشام بن يوسف وأبي حنيفة، هكذا في المصنف. وفي الدلائل للأصيلي قال الشافعي وأبو حنيفة: لا خيار فوق ثلاثة أيام. وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن مثل قول مالك: أن الخيار إنما هو على ما جرت به العادة بين الناس، والدليل على ذلك أنه ليس من اشترى قرية بعيدة الأقطار، أو ألف بعير في مراعيها بمنزلة من اشترى شاة أو بعيرا أو ثوبا. وقال أبو برزة: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن المتبايعين بالخيار ما لم يفترقا» . ووقع في الموطأ والبخاري ومسلم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا إلا بيع الخيار» «7» . وقال ابن حبيب في الواضحة: الحديث

_ (1) رواه مالك في الموطأ (2563) في البيوع باب بيع الذهب بالفضة تبرا وعينا مرسلا. (2) رواه مسلم (1591) ، وأبو داود (3352) من حديث فضالة بن عبيد الله رضي الله عنه. (3) رواه البخاري (2379) ، ومسلم (1543) ، والموطأ (2/ 617) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. (4) أبّرها: أي قد لقّحها. (5) رواه أحمد في المسند (2/ 30) و (4852) ، والنسائي في الكبرى (4993) ، والبيهقي في السنن (5/ 325) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وهو حديث صحيح. وإسناده منقطع. عكرمة بن خالد. لم يسمع من ابن عمر رضي الله عنه. (6) رواه عبد الرزاق في المصنف وفي إسناده أبان بن أبي عياش قال عبد الحق: لا يحتج بحديثه. (7) رواه البخاري (2107 و 2109) ، ومسلم (1531 و 13) ، وابن حبان (4913) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

منسوخ بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع أو يترادان» «1» . وفي المدونة: «إذا اختلف المتبايعان استحلف البائع ثم المبتاع بالخيار إن شاء أخذ وإن شاء حلف وترك» «2» . وقال أشهب: وليس العمل على الحديث الذي جاء: «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» . ويروى- والله أعلم- أنه منسوخ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم» «3» . ولقوله عليه السلام: «إذا اختلف البيعان استحلف البائع» «4» . رواه مالك مرسلا، وهو في الدلائل مسند عن يحيى بن سعيد القطان، عن ابن عجلان، عن عون بن عبد الله، عن ابن مسعود، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وعن سفيان الثوري، عن معن بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بكر الصديق، عن ابن مسعود، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن اشتراء التمر بالرطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أينقص الرطب إذا يبس؟» قالوا: نعم. فنهى عن ذلك «5» . وقال أبو عمرو الأشبيلي وغيره: في هذا الحديث من الفقه: أن ترد الصناعات إلى أهلها لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد علم أن الرطب ينقص إذا يبس فرد ذلك إلى أهل المعرفة.

_ (1) رواه أحمد في المسند (1/ 466) و (4444 و 4445) ، وابن أبي شيبة (6/ 227) ، والبيهقي في السنن (5/ 332) ، والترمذي (1270) ، والشافعي في السنن (5/ 332) وقال: هذا حديث منقطع لا أعلم أحدا وصله عن ابن مسعود. وقد جاء من غير وجه- وقال الترمذي: هذا حديث مرسل عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود. (2) رواه النسائي في المجتبى (7/ 303) . وذكره الزيلعي في نصب الراية (4/ 106) وإسناده حسن. (3) رواه الحاكم في المستدرك (2/ 49) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصححه الحاكم. وقال الذهبي في التلخيص: كثير بن زيد ضعفه النسائي، ومشاه غيره وله شاهد. وأبو داود و (3594) ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 49) من حديث عائشة رضي الله عنها وصححه. وقال في التلخيص: إسناده واه. ورواه ابن ماجه (2353) من حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه. وفي إسناده ضعف. وفي الباب عن رافع بن خديج رواه الطبراني، وابن عدي. ومن حديث ابن عمر رواه العقيلي في الضعفاء ص (375) . وجملة القول إن الحديث بمجموع هذه الطرق يرتقي إلى درجة الحسن لغيره. (4) رواه الدارقطني في السنن (3/ 18) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وفي إسناده عبد الملك ابن عبيدة- قال الحافظ في التقريب: مجهول الحال. أقول: وفي الإسناد ابن لعبد الله لم يسم فهو مجهول. (5) رواه مالك في الموطأ (2/ 624) ، والترمذي (1235) ، والنسائي (7/ 269) ، وابن ماجه (2364) وقال الترمذي: حديث حسن. وصححه ابن حبان. وابن خزيمة والحاكم (2/ 38 و 39) وله شاهد مرسل جيد عند البيهقي في السنن (5/ 295) من حديث عبد الله بن أبي سلمة رضي الله عنه.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في التلقي والمصراة والرد بالعيب وإن الغلة بالضمان

«حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في التلقي والمصراة والرد بالعيب وإن الغلّة بالضمان في مصنف ابن السكن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبيع بعضكم على بيع بعض إلا الغنائم والمواريث» «1» . وترجم البخاري بالنهي عن تلقي الركبان وبيعه مردود لأن صاحبه آثم عاص إذا كان به عالما وهو خداع في البيع والخداع لا يجوز. وفي الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تلقّوا الركبان للبيع، ولا يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا «2» ، ولا يبيع حاضر لباد، ولا تصروا «3» الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر» «4» . وفي مصنف أبي داود: «ردها ومعها مثل أو مثلي لبنها قمحا» «5» . وفي البخاري ومسلم في حديث آخر: «فمن ابتاعها فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردّها وصاعا من تمر لا سمراء» «6» . وفي كتاب النسائي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تلقّوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى صاحبه السوق فهو بالخيار» «7» . وفيه: أن عائشة قالت: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن الخراج بالضمان» «8» . وأجمع المسلمون على الحكم بالغلة بالضمان، واحتج بذلك أبو حنيفة في إبطال رد المصرّاة ولا يجوز له عند أبي حنيفة ردها دون لبنها ولا بيع لبنها، ويرجع بقيمة العيب، وخالف في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه في المصراة بقياسه على الحديث الذي فيه الخراج بالضمان.

_ (1) رواه البخاري (2139) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما دون الجملة الأخيرة فلم نجدها فيما لدينا من المصادر. (2) النجش- الزيادة في الثمن. وهو لا يريد شراءها. (3) تصروا: التصرية- ترك الحلب يوم أو يومين حتى يجتمع لها لبن. (4) رواه البخاري (2150) ، والموطأ (2/ 683) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (5) رواه أبو داود (3446) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وفي إسناده ضعف. (6) رواه البخاري (2148) ، ومسلم (1524 و 25) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (7) رواه النسائي في المجتبى (4501) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وهو حديث صحيح. (8) رواه النسائي (7/ 254 و 255) و (4490) ، والترمذي (1285) وصححه الترمذي، وابن حبان، وابن الجارود، والحاكم.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في التفليس وموت المبتاع قبل دفع الثمن ومن اشترى سرقة وهو لا يعلم

وفي مصنف أبي داود أن رجلا ابتاع غلاما فأقام عنده ما شاء الله ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فرده عليه، فقال الرجل: يا رسول الله قد استغل غلامي، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الخراج بالضمان» «1» . والصحيح ما اتفق عليه مالك والشافعي وغيرهم من الأئمة أن حكم المصرّاة حكم على حدة لا يعارض فيه ولا يقاس على غيره والدليل على ذلك: إجماع العلماء على الرد بالعيب ما لم يفت المعيب، وليس حلاب الشاة المصرّاة تفويتا لها حتى يجب إمساكها والرجوع بقيمة العيب، هذا غلط. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في التفليس وموت المبتاع قبل دفع الثمن ومن اشترى سرقة وهو لا يعلم في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره» «2» . وفي الموطأ لمالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه منه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به، وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع أسوة الغرماء» «3» . وبهذا أخذ مالك، وأخذ الشافعي برواية ابن أبي ذئب عن المعتمر عن عمر بن خالدة عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قضى: «أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه» . قال أحمد بن خالد في مسنده: ليس يعارض حديث الزهري بابن أبي ذئب. وقال النسائي: ابن أبي ذئب ضعيف. وفي دلائل الأصيلي عن عكرمة بن خالد أن أسيد بن حضير حدثه، قال: كتب معاوية إلى مروان: إذا سرق الرجل، فوجد سرقته فهو أحق بها حيث وجدها، فكتب إلى مروان بذلك وأنا على اليمامة فكتبت إلى مروان أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قضى «إذا وجدت السرقة عند رجل وهو غير متهم، فإن شاء سيدها أخذها بالثمن، واتبع سارقه» ، ثم قضى بعده بذلك أبو بكر، وعمر، وعثمان. فبعث مروان بكتاب إلى معاوية، فكتب معاوية إلى مروان: إنك لست أنت ولا ابن حضير تقضيان علي فيما وليت، ولكني أقضي عليك فأنفذ ما أمرتك به. وتكرر الحديث وطال فبعث إلى مروان بكتاب معاوية، فقلت: لا أقضي به ما وليت «4» . قال النيسابوري: وما أعلم

_ (1) رواه أبو داود (3510) من حديث عائشة رضي الله عنها وإسناده ضعيف. (2) رواه البخاري (2402) ، ومسلم (1559) ، ومالك (2687) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (3) رواه مالك في الموطأ (2686) عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن طريقه عبد الرزاق في المصنف (15158) ، وأبو داود (3520) هكذا مرسلا ووصله أبو داود (3522) ، والبيهقي (6/ 46) . وصححه ابن خزيمة. وابن التركماني في الجوهر النقي (6/ 47) فهو كما قالا. (4) ذكره الهندي في كنز العمال (ج/ 10) و (30371) وقال: رواه أبو نعيم عن أسيد بن ظهير ورقم (30372) . وقال: رواه الطبراني عن أسيد بن حضير رضي الله عنه.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في الجوائح وما روي عنه فيها

أحدا من الفقهاء قال بهذا الحديث إلا إسحاق بن راهواه. قيل لأحمد بن حنبل: حديث ابن أسيد تذهب إليه، قال: لا قد اختلفوا فيه أذهب إلى حديث رواه هشيم عن موسى بن السائب عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ومن وجد ماله عند رجل فهو أحق به» «1» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الجوائح وما روي عنه فيها في البخاري وكتاب مسلم والنسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟» وفي حديث آخر: «بم يستحل أحدكم مال أخيه؟» «2» ورفعه مالك في الموطأ، وذكره في الدلائل. وفي كتاب مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح «3» بهذا الحديث. احتج مالك في وضع الجائحة إذا بلغت الثلث، وقال الشافعي في أحد قوليه وأبو حنيفة والليث وسفيان الثوري: لا جائحة فيما اشترى من الثمار بعد بدوّ صلاحها بأي وجه كانت الجائحة، واحتجوا بالحديث الثابت أن معاذ بن جبل أصيب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصدقوا عليه» فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك» . في قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «وليس لكم إلا ذلك» ، دليل على ألاشيء على معدوم، وكان تفليس معاذ سنة تسع من الهجرة، وخلصه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماله لغرمائه، وحصّل لهم خمسة أسباع حقوقهم. فقالوا: يا رسول الله بعه لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلوا عنه ليس لكم إليه سبيل» . وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال له: «لعلّ الله أن يجبرك» ، وذلك في ربيع الاخر سنة تسع بعد أن غزا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، وقدم بعد موت النبيّ صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر ومعه غنم، فرآهم عمر، فقال: ما هم؟ فقال: أصبتهم في وجهتي، فقال عمر: من أي وجه؟ فقال: أهدوا إلي وأكرمت بهم. فقال عمر: اذكرهم لأبي بكر، فقال معاذ: ما أذكر هذا لأبي بكر. ونام معاذ فرأى كأنه على شفير جهنم وعمر آخذ بحجزته من ورائه لئلا يقع في النار، ففزع معاذ فذكرهم لأبي بكر كما أمر عمر فسوغه إياهم أبو بكر فقال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لعل الله أن يجبرك» ، فقضى غرماءه بقية حقوقهم «4» ، ذكره الطبري، ليس في هذا الحديث حجة للشافعي

_ (1) رواه أحمد في المسند (5/ 10) وأبو داود (3531) ، والنسائي (7/ 313 و 314) من حديث سمرة رضي الله عنه. والحسن لم يسمع من سمرة. إلا حديث العقيقة. وفيه أيضا قتادة بن دعامة السدوسي مدلس وقد عنعن. (2) رواه البخاري (2198) ، ومسلم (1555) ، ومالك (2/ 618) من حديث أنس رضي الله عنه. (3) رواه مسلم (1554) و (17) ، وأبو داود (3374) من حديث جابر رضي الله عنه. (4) رواه ابن ماجه (2357) مختصرا، وابن سعد في طبقاته (ج/ 3/ 441) وقال: أخبرنا محمد بن عمر. قال: حدثني عيسى بن النعمان عن معاذ بن رفاعة. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. وذكره-

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيمن يخدع في البيوع والعهدة والرهن في الطعام إلى أجل وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شراه من العداء

وأبي حنيفة في إسقاط الجائحة لأنها قد توضع عن المشتري، ولا تسد له مسدا ويبقى عليه سائر الثمن بعد وضع الجائحة ولا يقدر عليه، قاله الأصيلي. وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «خمس من الحوائج: الريح، والبرد والحريق، والجراد، والسيل» «1» . وفي البخاري عن زيد بن ثابت قال: كان الناس يتبايعون الثمار في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حضر تقاضيهم قال المبتاع: أصاب الثمر الدّمان «2» ، أصابه أمراض، أصابه قشام «3» وعاهات، يحتجون بها فلما كثرت الخصومات عند النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أمّا الان فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر» كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم عنده «4» . والقول: قول الشافعي. وهو أول قوليه أن الجائحة في القليل والكثير، وبذلك قال أحمد وأبو عبيد. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» فيمن يخدع في البيوع والعهدة والرهن في الطعام إلى أجل وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شراه من العدّاء في الموطأ والبخاري ومسلم: أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بعت فقل: لا خلابة» . فكان الرجل إذا باع يقول: لا خلابة «5» . وفي غير الكتب المذكورة: «إذا بايعت فقل: لا خلابة وأنت بالخيار ثلاثا بعد بيعك» «6» ، وهذا الرجل هو حبّان بن منقذ. وفي المدونة عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنه قال: نظرت في بيوعكم فلم أجد لكم شيئا مثل العهدة التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبان بن منقذ، العهدة فيما اشترى ثلاثة أيام، ثم قضى بذلك عبد الله بن الزبير.

_ بطوله. وفي إسناده عيسى بن النعمان لم نقف له على ترجمة. أقول: وله شواهد منها ما رواه مسلم (1556) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (1) لم نجده بهذا اللفظ. (2) الدّمان: بفتح الميم والدال- فساد الطلع وتعفنه وسواده. (3) قشام- بفتح القاف- أن ينتقص قبل أن يصير بلحا. (4) رواه البخاري (2193) معلقا: وقال الحافظ: لم أره موصولا من طريق الليث. وقد رواه سعيد بن منصور عن أبي الزناد عن أبيه نحو حديث الليث. (5) رواه البخاري (2117 و 2407 و 2414) ، ومسلم (1533) ، ومالك (2/ 685) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (6) رواه الحاكم (2/ 22) ، والبيهقي (5/ 273) ، وابن حبان (2355) وصححه الحاكم. وقال في التلخيص: صحيح.

وفي مصنف أبي داود: عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عهدة الرقيق ثلاثة أيام» «1» . وفي البخاري ويذكر عن العداء بن خالد قال: كتب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا ما اشترى محمد رسول الله من العدّاء بن خالد بيع المسلم للمسلم لا داء ولا خبثة ولا غائلة» «2» . قال قتادة: الغائلة الزنا والسرقة والإباق. ومن غير البخاري ذكره الأصيلي في كتاب الفوائد مما روى عن شيوخه: أن العداء بن خالد هذا اشترى من النبيّ صلى الله عليه وسلم غلاما، وكتب عليه العهدة. وذكر ابن الفخار في رده على ابن العطار: أن العداء بن خالد «3» اشترى من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا ما اشترى العدّاء بن خالد من محمد رسول الله: اشترى منه عبدا، أو أمة- شك المحدث» «4» وبدأ باسم العداء قبل اسمه، وهذا كله خلاف ما ذكره البخاري. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم سبي أوطاس: «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض» «5» . وفي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعا له من حديد» «6» . ترجم البخاري على هذا الحديث ثلاثة أبواب بشراء النبيّ صلى الله عليه وسلم بالنسيئة، وأدخل الحديث. ثم ترجم الكفيل في السلم، وأدخل الحديث. ثم ترجم الرهن في السلم، وأدخل الحديث. وفي البخاري أيضا عن عائشة أنها قالت: توفي النبيّ صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير أخذها لأهله «7» . وفي مصنف ابن السكن: بوسق شعير أخذه لأهله. وفي المدونة عن زيد بن أسلم: أن رجلا جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظه، فقال رجل

_ (1) رواه أبو داود (3506 و 3507) وإسناده منقطع. الحسن روايته عن عقبة لم يصح له سماع من عقبة بن عامر. وقد وقع فيه اضطراب. (2) رواه البخاري معلقا في البيوع باب رقم (19) إذا بين البائعان ولم يكتما ويبيحا- والترمذي (1216) ، وابن ماجه (2251) . وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. (3) العداء بن خالد: بفتح العين وتشديد الدال آخره همزة صحابي قليل الحديث. أسلم بعد حنين وهو من أعراب البصرة. من بني ربيعة. وفد على النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه أبو رجاء العطاردي وعبد المجيد بن وهب وهو القائل قاتلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين. (4) رواه البيهقي في السنن (5/ 328) ، والدارقطني (3/ 77) . وهو حديث صحيح. (5) رواه أبو داود (2157) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وهو حديث صحيح. (6) رواه البخاري (2068) من حديث عائشة رضي الله عنها. (7) رواه البخاري (2916) من حديث عائشة رضي الله عنها.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" بالجمع بين الأم وولدها وحكمه في بيع وشرط واستيجار دليل مشترك

من القوم: لا أراك تقول لرسول الله ما تقول إلا انتقمت منك. قال: «دعه فإنه طالب حق» ، ثم قال للرجل: «انطلق إلى فلان فليبعنا طعاما إلى أن يأتينا شيء» ، فأبى اليهودي، فقال: لا أبيعه إلا بالرهن، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «اذهب إليه بدرعي أما والله إني لأمين في السماء وأمين في الأرض» «1» . وفي غير البخاري: إنما أخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم الشعير لضيف طرقه ثم فداها أبو بكر رضي الله عنه. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» بالجمع بين الأم وولدها وحكمه في بيع وشرط واستيجار دليل مشترك في الحديث الثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا توله «2» والدة عن ولدها» «3» . ويروى عنه عليه السلام أنه قال: «من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة» «4» . وفي المدونة عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم عليه السبي صفّهم وقام ينظر إليهم، فإذا رأى امرأة تبكي قال لها: «ما يبكيك؟» فتقول: بيع ابني، بيعت ابنتي. فيأمرهم فيرد إليها «5» . وعن جعفر بن محمد عن أبيه: أن أبا أسيد الأنصاري قدم بسبي من البحرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام ينظر إليهم وقد صفّهم فإذا امرأة تبكي فقال: «ما يبكيك؟» فقالت: بيع ابني في بني عبس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي أسيد: «لتركبن فتلحق به» ، فركب أبو أسيد فجاء به «6» . وعن يونس بن عبد الرحمن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب على سرية فأصابوا شيئا فأصابتهم حاجة ومخمصة فأبتاع أباعير بوصيفة ولها أم، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره فقال له: «أفرّقت بينها وبين أمها يا علي؟» فاعتذر فلم يزل يردد عليه حتى قال: أنا أرجع فأستردها بما عزّ وهان قبل أن يمس رأسي ماء «7» .

_ (1) رواه البيهقي في السنن (8/ 5) من حديث أبي بكر رضي الله عنه. وإسناده ضعيف ورواه ابن عدي في الكامل (6/ 418) من حديث أنس رضي الله عنه. وفي إسناده ميسر بن عبيد قال الدارقطني متروك وضعفه ابن معين وغيره. (2) الوله: الحزن. (3) رواه البيهقي في السنن (8/ 4) وفي نصب الراية للزيلعي (3/ 266 و 269) وابن عدي في الكامل (6/ 418) وفي إسناده ميسر بن عبيد القرشي متروك. (4) رواه الترمذي (1283) من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. وإسناده حسن. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. (5) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (7/ 194) . وهو حديث مرسل. (6) رواه الحاكم في المستدرك (3/ 516) وسكت عليه وقال الذهبي في التلخيص: مرسل. (7) يونس بن عبد الرحمن لم نجد له ترجمة فهو مجهول. وليس هو ممن روى عن علي رضي الله عنه.

وعن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن جدّه ضميرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأم ضميرة وهي تبكي فقال: «ما يبكيك؟ أجائعة أنت، أعارية أنت؟» فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرّق بيني وبين ابني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفرّق بين الوالدة وولدها» ، ثم أرسل إلى الذي عنده ضميرة فدعاه فابتاعه منه ببكر. قال ابن أبي ذئب: ثم أقرأني كتابا عنده: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ضميرة وأهل بيته: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقهم وأنهم أهل بيت من العرب، إن أحبوا أقاموا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أحبوا رجعوا إلى قومهم فلا يعرض لهم إلا بحق، ومن لقيهم من المسلمين فليوص بهم خيرا. وكتبه أبي بن كعب «1» . وعن عروة بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج هو وأبو بكر مهاجرا إلى المدينة مر براعي غنم، فاشتريا منه شاة وشرطا له سلبها. وفي غير البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا رجلا من بني الديل هاديا إذ خرجا- وهو على دين كفار قريش- فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث «2» . وأدخل البخاري هذا الحديث في باب: إذا استأجر أجيرا ليعمل بعد ثلاثة أيام، أو بعد شهر، أو بعد سنة جاوزهما على شرطيهما إذا حل الأجل «3» . وليس العمل على ما قاله البخاري: أو بعد سنة إذا كان إلى سنة لم يجز لأنه غرر، واسم الدليل أرقط وقيل أريقط. وروى مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من جابر بن عبد الله بعيرا له في سفر من أسفاره قريبا من المدينة، وشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره إلى المدينة، وفي حديث آخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولك ظهره إلى المدينة» «4» . وقال أبو الزبير عن جابر: «أفقرناك ظهره إلى المدينة» . وقال الأعمش: عن سالم عن جابر: «تبلغ عليه إلى أهلك» . وفي البخاري: ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الثمن والجمل لك» ، وكان اشتراه النبيّ صلى الله عليه وسلم بأوقية. قاله وهب وزيد بن أسلم. وقال عطاء: أربعة دنانير. وهو سواء على حساب الدينار عشرة دراهم. وقال سالم: أوقية ذهب، رواه عنه الأعمش، ورواه سالم عن جابر بمائتي درهم، وقال ابن مقسم عنه: أربع أواق. وقال أبو نضرة عن جابر: بعشرين دينارا. وقال البخاري: وقول الشعبي أوقية أكثر واشتراط الركوب أكثر وأصح «5» .

_ (1) رواه البزار (1269) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 107) وقال: رواه البزار وفيه حسين بن عبد الله بن ضميرة. متروك كذاب. (2) رواه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 475) وذكره من دون سند. (3) رواه البخاري (2264 و 3905) في الإجارة. من حديث عائشة رضي الله عنها. (4) رواه الترمذي (1253) من حديث جابر رضي الله عنه وقال الترمذي هذا حديث صحيح. (5) رواه البخاري معلقا بأثر الحديث (2718) . باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمّى جاز ووصله البيهقي (5/ 337) من طريق عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جابر وهو حديث صحيح.

كتاب الأقضية

كتاب الأقضية «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الحقوق بالظاهر وباليمين على المدعى عليه عند عدم البينة وفي المتداعيين يقيم كل واحد منهما بينة ويتكافيان وكيف يحلف المسلم والكافر في الموطأ والبخاري ومسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أنا بشر مثلكم وأنكم نختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض» «1» . وفي حديث آخر في البخاري: «إنما أنا بشر وأنه يأتي الخصمان فلعل بعضا أن يكون أبلغ من بعض أقضي له بذلك وأحسب أنه صادق، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار» «2» . وقال في الحديث في البخاري: «فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها «3» . وفي مصنف أبي داود عن علي قال: بعثني النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت: يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن لا علم لي بالقضاء! فقال: «إن الله عز وجل سيهدي قلبك، ويثبت لسانك. فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينَّ حتى تسمع من الاخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء» . قال: فما زلت قاضيا وما شككت في قضاء بعد «4» . وفي البخاري عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا يحلف امرؤ على يمين صبرا يقتطع بها مالا وهو فيها فاجر إلا لقي الله وهو عليه غضبان» ، فأنزل الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا [آل عمران: الاية 77] . فجاء الأشعث وعبد الله يحدثهم قال: فيّ نزلت وفي رجل، وفي حديث آخر: في ابن عم لي خاصمته في بئر كانت لي في أرضه. وروي أن الرجل كان يهوديا- الذي خاصم الأشعث- فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ألك بينة؟» قلت: لا. قال: «فيحلف» ، فقلت: إذن يحلف، زاد في كتاب مسلم: «ليس لك إلا ذلك» ، فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا [آل عمران: الاية 77] «5» .

_ (1) رواه البخاري (2680) ، ومسلم (1713 و 4) . (2) رواه البخاري (7169) في الأحكام من حديث أم سلمة رضي الله عنها. (3) رواه البخاري (2458) من حديث أم سلمة رضي الله عنها. (4) رواه أبو داود (3582) من حديث علي رضي الله عنه. (5) رواه البخاري (7183 و 7184) ، ومسلم (138) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وإسناده حسن.

وروى الأشعث أن رجلا من حضرموت ورجلا من كندة اختصما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم في أرض باليمن فقال الحضرمي: أرضي اغتصبها أبو هذا، فقال الكندي: يا رسول الله، أرضي ورثتها من أبي. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم للحضرمي: «هل لك بينة؟» فقال: لا ولكن يحلف بالله ما يعلم أنها أرضي غصبها لي أبوه، فتهيأ الكندي لليمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقتطع رجل مالا بيمين إلا لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان» . فتركها الكندي «1» . وفي مصنف عبد الرزاق، والمدونة: أن رجلين تخاصما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم في أرض فأقاما بينتين فتكافيا فقسمها نبيّ الله بينهما «2» . وفي حديث آخر: ولم يثبت بعد إيمانهم. وفي الدلائل: أن رجلين اختصما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم في أمر فجاء كل واحد منهما بشهود عدول على عدة واحدة، فأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال: «اللهم أنت تقضي بينهما» «3» . وفي حديث آخر: أن رجلين تنازعا في بيع وليست بينهما بينة فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستهما على اليمين أحبا أو كرها. وفي البخاري قال أبو هريرة: عرض النبيّ صلى الله عليه وسلم على قوم اليمين فأسرعوا فأمرهم أن يسهم بينهم أيهم يحلف «4» . وفي الحديث الثابت أسنده مسلم وغيره: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين «5» . وذكر القاضي ابن زرب «6» : أن أعرابيا أقر عند النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم حاد عن الإقرار، وقال للرسول عليه السلام: أمام من أقررت عندك؟ فلم يعنّفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سطا عليه حتى أتى خزيمة بن ثابت فقال: أنا سمعت منه يا رسول الله. فقبل منه شهادته عليه وقال: «إن شهادته كشهادتين عند الله» «7» . وذكر غيره أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل شهادته، وسماه خزيمة ذا الشهادتين. وذكر

_ (1) رواه أبو داود (3244) من حديث الأشعث بن قيس رضي الله عنه. وهو حديث صحيح. (2) رواه عبد الرزاق (8/ 279) ، وأبو داود (398) ورجاله ثقات. وهو مرسل. (3) رواه الطبراني (3985) ، والبيهقي (10/ 259) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 203) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه أسامة بن زيد القرشي ضعيف. ويشهد له ما قبله. (4) رواه البخاري (2674) من حديث أبي هريرة إضي الله عنه. (5) رواه مسلم (1712) ، وأبو داود (3607) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (6) ابن زرب- هو أبو بكر محمد بن يبقى بن زرب القرطبي المالكي صاحب التصانيف. وأحفظ أهل زمانه لمذهب مالك سمع قاسم بن أصبغ وجماعة. وولي القضاء سنة سبع وستين وثلثمائة وإلى أن مات وكان المنصور بن أبي عامر يعظه ويجلسه معه توفي رحمه الله سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. (7) لم نجده بهذا اللفظ. وهو حديث منقطع.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في كيفية يمين الحالف

أبو داود في المصنف خبر الفرس «1» . قال الزهري: وقتل خزيمة يوم صفين مع علي بن أبي طالب، والقضاء مع الشاهد عند مالك والشافعي في الأموال خاصة. زاد الشافعي: وفي العتق، وكذلك قاله عمرو بن دينار في حديثه عن ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم «قضى بشاهد ويمين» . وقال أبو عمرو: وذلك في الأموال، وأبو حنيفة رضي الله عنه لا يرى القضاء بشاهد ويمين في شيء. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في كيفية يمين الحالف في مصنف أبي داود عن مسدد: حدثنا أبو الأحوص عن عطاء بن السائب، عن أبي يحيى، عن ابن عباس قال: بعثني النبيّ صلى الله عليه وسلم لرجل أحلّفه: أحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عندك شيء. يعني للمدعي «2» . وبهذا أخذ مالك بن أنس، وقال أبو حنيفة وأصحابه مثله، إلا أن يتهمه القاضي فله أن يغلّظ عليه فيحلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية. وقال الشافعي وأصحابه: يحلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية، وقالت طائفة: لا يلزمه إلا اليمين بالله فقط، وحجتهم قول الله عز وجل في يمين المتلاعنين: فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [النّور: الاية 6] . وثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» «3» . وكذلك قضى عثمان على ابن عمر في العبد الذي باعه ابن عمر من رجل بالبراءة فقال المبتاع: بالعبد داء لم يسمه لي. فقضى أن يحلف ابن عمر بالله لقد باعه العبد وما به داء يعلمه فأبى من اليمين وارتجع العبد فباعه بأكثر مما كان باعه أولا «4» . وفي كتاب مسلم عن البراء بن عازب قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود فدعاهم فقال: «هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟» قالوا: نعم، فدعا رجلا من علمائهم فقال: «أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟» قال: لا ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك: حده الرجم، ثم ذكر باقي الحديث «5» . وفي مصنف أبي داود حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن

_ (1) رواه أبو داود (3607) ، والنسائي (7/ 302) من حديث خزيمة بن الثابت رضي الله عنه وهو حديث صحيح. (2) رواه أبو داود (3620) وإسناده ضعيف من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (3) رواه البخاري (6646) ، والحميدي (686) ، ومسلم (1646) ، والترمذي (1534) من حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما. (4) رواه البيهقي في السنن (5/ 328) ، وعبد الرزاق في المصنف (14721) و (14722) وإسناده صحيح. (5) رواه مسلم (1700) من حديث البراء رضي الله عنه.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في إحياء الموات وقسمة الماء وضمان الطبيب ومن كسر صحفة والحكم في عقد الخص

عكرمة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لابن صوريا: «أذكركم الله عز وجل الذي أنجاكم، وأقطعكم البحر وظلل عليكم الغمام، وأنزل عليكم المن والسلوى، وأنزل التوراة على موسى هل تجدون في كتابكم الرجم؟» فقال: ذكرتني بعظيم ولا ينبغي أن أكذب وساق الحديث «1» . قال مالك وأصحابه: يحلف بالله الذي لا إله إلا هو حيث يعظم. وقال الشافعي وأبو حنيفة: يحلف اليهودي بالذي أنزل التوراة على موسى، والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، والمجوسي بالله الذي خلق النار. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في إحياء الموات وقسمة الماء وضمان الطبيب ومن كسر صحفة والحكم في عقد الخص في الحديث الثابت وهو أيضا في مصنف أبي داود، والبخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحيا أرضا ميتة- زاد في البخاري في غير حق مسلم. وفي حديث آخر: من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد فهي له، وليس لعرق ظالم حق» «2» . وفي كتاب أبي عبيد: قال صاحب الحديث: فلقد رأيت رجلين في بني بياضه يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض لأحدهما غرس فيها الاخر نخلا، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله، فلقد رأيته يضرب في أصولها بالفؤوس وأنها لنخل عام «3» . قال أبو عبيد: العام: التامة في طولها والتفافها وأحدها عميقة. قال مالك: العروق أربعة: عرقان ظاهران، وعرقان باطنان. فالظاهران: البناء والغرس، والباطنان: المياه والمعادن. في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سيل مهزور ومذينب قال ابن حبيب: وهما واديان من أودية المدينة يمسك حتى الكعبين، ثم يرسل الأعلى على الأسفل «4» . وفي البخاري عن عروة بن الزبير قال: خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شراج من الحرة، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «يا زبير اسق ثم أرسل الماء إلى جارك» . فقال الأنصاري: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كان الزبير ابن عمتك. فتلوّن وجه النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم قال: «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى

_ (1) رواه أبو داود (3626) وهو حديث صحيح من حديث عكرمة رضي الله عنه. (2) رواه البخاري معلقا باب رقم (15) باب من أحيا أرضا مواتا. وقال: ويروى عن عمرو بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: من أحيا أرضا ميتة فهي له. وفي غير حق مسلم. وليس لعرق ظالم فيه حق. ورواه رقم (2335) من حديث عائشة رضي الله عنها موصولا بلفظ من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق. (3) رواه أبو داود (3074) ، وأبو عبيد في الأموال (702) من حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه وإسناده صحيح. (4) رواه مالك في الموطأ (2/ 744) و (2899) في الأقضية. باب القضاء في المياه بلاغا عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.

جارك» . فقال الأنصاري: أن كان ابن عمتك، فتلون وجه النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم قال: «أسق يا زبير ثم أحبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك» . فاستوفى النبيّ صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري، كأنه أشار إليه بأمر لهما فيه سعة. قال الزبير: ما أحسب هذه الايات نزلت إلا فيّ ذلك: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النّساء: الاية 65] «1» . قال ابن شهاب: فقدر الأنصار والناس قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أسق يا زبير ثم أحبس حتى يرجع إلى الجدر» ، وكان ذلك إلى الكعبين. في الموطأ يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن حرام بن سعيد بن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها «2» وفي الدلائل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام فضربتها بيدها عائشة. وفي غير الكتابين: ضربتها بفهر، وروي أنها جرّت مرطها فحولتها فانكسرت القصعة، فضمها وجعل فيها الطعام وقال: «غارت أمكم» «3» . وفي كتاب أبي داود وروى حباب بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي المتوكل: أن أم سلمة جاءت في يوم عائشة بصحفة فيها طعام فوضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه- وهو في بيت عائشة- فالتحفت عائشة في كسائها، ثم أقبلت فضربت القصعة فكسرتها فلقتين، فجمع النبيّ صلى الله عليه وسلم الفلقتين وجعل فيها الطعام وقال: «غارت أمكم» ، فأكلوا ثم جاءت عائشة بصحفتها فأكلوا، ثم بعث بالصحفة المكسورة إلى عائشة وبالصحفة السليمة إلى أم سلمة. وفي البخاري فقال: «كلوا» وحبس الرسول صلى الله عليه وسلم القصعة حتى أكلوا «4» . وفي مصنف أبي داود قالت عائشة: ما رأيت أصنع لطعام من صفية صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما، فبعثت به فأخذني أفكل «5» فكسرت الإناء ثم قالت: يا رسول الله ما كفارة ما صنعت؟ قال: «إناء مثل إناء وطعام مثل طعام» «6» .

_ (1) رواه البخاري (2359 و 2360) ، ومسلم (2357) ، وأبو داود (3637) من حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه. (2) رواه مالك في الموطأ (2904) ، والبيهقي (8/ 341) ، وأحمد (5/ 435) وهو حديث مرسل صحيح. (3) رواه النسائي (7/ 70 و 71) و (3956) ، والطحاوي في مشكل الاثار (3354) من حديث أم سلمة رضي الله عنها. وإسناده صحيح. (4) رواه أبو داود (3567) من حديث أنس رضي الله عنه. وليس من حديث أم سلمة رضي الله عنها كما أشار المؤلف. والبخاري (2481 و 5225) ، والترمذي (1359) . من حديث أنس رضي الله عنه. (5) أفكل: الرعدة من البرد والخوف. (6) رواه أبو داود (3568) ، والنسائي (8/ 71) وإسناده حسن حسنه الحافظ في الفتح (5/ 90) من حديث عائشة رضي الله عنها.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في الشفعة

وفي كتاب ابن شعبان: أن قوما اختصموا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم في خص، وذكر النسائي في كتاب الأسماء والكنى: اختصم رجلان باليمامة في حائط فبعث حذيفة بن اليماني يقضي بينهم فقضى للذي يليه القمط فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فقال: «أحسنت» . زاد النسائي: «وأصبت» «1» . والقمط: العقد. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الشفعة في الموطأ وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قضى بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء فإذا وقعت الحدود بينهم، وصرفت الطرق» «2» في البخاري: «فلا شفعة فيما فيه الحدود من أرض، أو نخل، أو عقار» «3» . وذكر أبو عبيد: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم «قضى ألاشفعة في فناء ولا طريق ولا متعبة ولا ركح ولا رهو» «4» . قال أبو عبيد: المتعبة: الطريق الضيق يكون بين الدارين لا يمكن أن يسلكه أحد، والركح: ناحية البيت من ورائه وربما كان فضاء لا بناء فيه، والرهو: الحومة تكون في محلة القوم يسيل فيها ماء المطر وغيره. ومنه الحديث الأخير أنه قال: «لا يباع نقع البئر ولا رهو الماء» «5» . فمعنى الحديث في الشفعة أن من كان شريكا في هذه المواضع الخمسة وليس شريكا في الدار نفسها فإنه لا يستحق بشيء منها شفعة. وهذا قول أهل المدينة أنهم لا يقضون إلا للشريك المخالط، وأما أهل العراق فإنهم يرونها لكل جار ملاصق وإن لم يكن شريكا. وفي كتاب أبي عبيد: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم «قضى بالشفعة للجار» «6» . وتكرر الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الجار أحق بسقبه» .

_ (1) ذكره النسائي في كتاب الأسماء والكنى. (2) رواه مالك في الموطأ (2/ 718) في الشفعة باب ما تقع فيه الشفعة. عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة ابن عبد الرحمن رحمهما الله. والنسائي (7/ 326) في البيوع عن أبي سلمى وحده مرسلا. ورجاله ثقات وقال الحافظ في الفتح (4/ 360) . اختلف على الزهري في هذا الإسناد. فقال مالك عنه عن أبي سلمة وابن المسيب كما رواه الشافعي وغيره. ورواه أبو عاصم والماجشون عنه فوصله بذكر أبي هريرة أخرجه البيهقي. (3) رواه البخاري (2257) ، ومسلم (1608) من حديث جابر رضي الله عنه. (4) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال. (5) ذكره الهروي في فوائده (3/ 122) بدون سند. (6) رواه النسائي في السنن (7/ 321) من حديث جابر رضي الله عنه بلفظ (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالشفعة والجوار. وهو حديث صحيح ورواه الترمذي (1370) بلفظ (الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا) وفي أخرى للترمذي بلفظ (جار الدار أحق بالدار) وهو حديث صحيح.

(2) القسمة والمزارعة

وفي كتاب النسائي أن رجلا قال: يا رسول الله أرضي ليس فيها شريك ولا قسم إلا الجوار فقال: «الجار أحق بسقبه» «1» وفي كتاب مسلم «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط، ولا يحل له أن يبيعه حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به» «2» . (2) القسمة والمزارعة في الأحكام لإسماعيل القاضي قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لرجلين تنازعا في مواريث: «عدّلا وأسهما» . قال إسماعيل: هذه القسمة التي تجب بين الشركاء إذا كانت لهم دار أو أرض فعليهم أن يعدلوا ذلك بالقسمة ثم يستهموا ويصير لكل واحد منهم ما وقع بالقرعة، ويجمع لكل واحد منهم ما كان له من الملك مشاعا في الأرض كلها. وفي غير الأحكام قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا تعضية في القسمة» «3» ، والتعضية: التفرقة. ومنه قوله عز وجل: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [الحجر: الاية 91] . يعني: فرقوه وقسموه. قال بعضهم: كاهن. وفي البخاري أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اختلفتم في الطريق جعل عرضه سبعة أذرع» . وفي حديث آخر: «إذا تشاجروا في الطريق» «4» . وفي البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر، فكان يعطي أزواجه مائة وسق: ثمانين وسقا تمرا، وعشرين وسقا شعيرا «5» . وفي الواضحة أن نفرا أربعة اشتركوا في أرض احترثوها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم: من قبلي الأرض، وقال الاخر: من قبلي البذر، وقال الاخر: من قبلي الفدّان يعني: زوج البقر، وقال الاخر: من قبلي العمل. فلما بلغ الزرع واستحصد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفاتون، فألغى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرض فلم يجعل لها شيئا، لصاحب الفدان أجرا مسمى، وجعل لصاحب العمل درهما في كل يوم، وسلّم الزرع لصاحب البذر. قال ابن حبيب: وإنما ألغى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرض لأنها لم يكن لها كراء. وفي المدونة قلت لابن القاسم: فإن كان البذر

_ (1) رواه النسائي (7/ 320) وإسناده صحيح من حديث الشديد رضي الله عنه. (2) رواه مسلم (1608) من حديث جابر رضي الله عنه. (3) رواه الدارقطني (4/ 219) ، والبيهقي (10/ 133) من حديث أبي بكر رضي الله عنه. وفي إسناده صديق ابن موسى بن عبد الله بن الزبير. ليس بحجة. (4) رواه البخاري (2473) ، ومسلم (1613) ، والترمذي (1356) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (5) رواه البخاري (2328 و 2329) ، ومسلم (1551) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في المساقاة والصلح والمرفق وحريم النخل

من عند رجلين؟ ومن عند الاخر الأرض وجميع العمل قال: لا خير في هذا، قلت: فلمن الزرع؟ قال: لصاحب الأرض والعمل ويعطى هذان بذرهما قلت: وهذا قول مالك. قال: هذا رأيي. وقال ابن حبيب وابن غانم عن مالك: إن الزرع لصاحبي الزريعة ويكون عليهما كراء الأرض والعمل، وذكر نحو هذا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الزرع لصاحب الزريعة وللاخرين أجر مثلهم» «1» . وفي مصنف أبي داود عن رافع بن خديج: أنه زرع أرضا فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسقيها فسأله: «لمن الزرع ولمن الأرض؟» فقال: زرعي ببذري وعملي لي الشطر، ولبني فلان أصحاب الأرض الشطر. قال: «أذنبت فرد الأرض على أهلها وخذ نفقتك» «2» . وفي كتاب ابن شعبان: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الرهن من مرتهنه له غنمه، وعليه غرمه» «3» ، وقد تقدم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي «4» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في المساقاة والصلح والمرفق وحريم النخل في موطأ مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود خيبر حين افتتحها: «أقركم ما أقركم الله على أن الثمر بيننا وبينكم» ، فكان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبينهم ثم يقول: «إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي، فكانوا يأخذونه» «5» . وفي مصنف أبي داود: خرصها ابن رواحة أربعين ألف وسق «6» ، واختاروا الثمر على أن يكون عليهم عشرون ألف وسق «7» ، وهذه الزيادة من مصنف عبد الرزاق وغيره. وفي كتاب مسلم: «أقركم فيها ما شئنا» «8» ، في حديث ابن عمر، في حديث آخر عن ابن عمر: على أن يعتملوها من أموالهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم النصف «9» .

_ (1) ذكره الصنعائي في سبل السلام (3/ 60) وقال: باطل لا أصل له. وقال الشوكاني في نيل الأوطار (5/ 272) : لم أقف عليه. فلينظر فيه. (2) رواه أبو داود (3402) من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه. وإسناده ضعيف. (3) ذكره ابن عبد البر في التمهيد (6/ 430) بدون سند. (4) تقدم تخريجه. (5) رواه مالك في الموطأ (2/ 73) وإسناده صحيح. لكنه مرسل. (6) الوسق: ستون صاعا. (7) رواه أبو داود رقم (3006) في الخراج. من حديث ابن عمر رضي الله عنه وهو حديث صحيح. (8) رواه مسلم (1551 و 6) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (9) رواه مسلم (1551 و 5) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

وفي قوله: «على أن يعتملوها من أموالهم» دليل على ألايعين رب الأرض العامل ولا يجعل زريعة للبياض. وقال مالك: المساقاة جائزة في كل أصل له ثمرة مثل: النخيل، والأعناب، والتين، والزيتون، والرمان، والفرسك، والجوز، واللوز، والورد، وشبه ذلك. وعلى ما اتفقا من الجزء. قال الشافعي: لا تجوز المساقاة إلا في النخيل، والكرم خاصة على النصف لأن في ذلك الخرص. وللشافعي قول آخر: أنها تجوز المساقاة في كل أصل ثابت. وقال أبو حنيفة: لا تجوز المساقاة أصلا لأنها أجرة مجهولة. وخالف في ذلك فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر في خيبر، واحتج بأن أهل خيبر حين افتتحت كانوا كالعبيد، ويجوز بين السيد وعبده ما لا يجوز بينه وبين الأجنبي، والحجة أيضا على أبي حنيفة أنهم لم يكونوا عبيدا لأنهم أقروا على المساقاة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرا من أيام عمر، حتى أجلاهم. ولم يباعوا، ولا عتقوا، ولم يرو أحد من أهل الحديث أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أخذ من أهل خيبر جزية أم لا، إلا أن نزول براءة كان بعد خيبر، فيدل ذلك أنه أخذ منهم الجزية والله وأعلم. والحجة على الشافعي في منعه المساقاة إلا في النخل والكرم مساقاة النبيّ صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على نصف ما يخرج منها: من زرع أو ثمر. فمنع الشافعي المساقاة في الزرع لأن الأرض تكرى بما يخرج منها، وفيه النص، وأجازها في الكرم ولا نص فيه قياسا على النخل وجمهور العلماء على خلافه. في كتاب مسلم: ومن خيبر كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يعطي أزواجه كل سنة مائة وسق: ثمانين من تمر وعشرين من شعير «1» . قال مالك: وكان بياض خيبر يسيرا بين أضعاف السواد. قال مالك في الواضحة: وهو يسير إلى اليوم. قال مالك في المدونة وغيرها: أحب إليّ أن يلغي البياض للعامل، وهو أحله. فإن قال قائل: لم قال مالك إلغاء البياض للعامل أحل. وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من أهل خيبر النصف من الثمر ومن الزرع؟ قيل له: إنما ذلك لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة وهي: اكتراء الأرض بالحنطة، فخشي مالك أن يكون هذا النهي بعد قصة خيبر: وإنما يؤخذ من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأحدث فالأحدث، فإذا ألغي البياض للعامل ارتفع الإشكال وإن كان البياض بينهما فهو جائز على ما فعله بخيبر. قاله محمد بن دحون عن الأصيلي: حدثني بذلك أبو عمرو وابن القطان- رحمهم الله- جميعهم. وفي البخاري ومسلم: أن كعب بن مالك تقاضى من عبد الله بن أبي حدرد دينا كان له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو في بيته- فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كشف سجف حجرته ونادى كعب بن مالك فقال:

_ (1) رواه مسلم (1551 و 2) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

لبيك يا رسول الله، فأشار إليه بيده: أن ضع الشطر من دينك فقال: قد فعلت يا رسول الله، قال: «قم فأقضه» «1» . وفي حديث آخر: أشار بيده كأنه يقول النصف «2» . وفي كتاب ابن شعبان: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتضى حقا فليقتضه في كفاف وعفاف واف أو غير واف» . وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى قوم من قوم خثعم، فاعتصموا بالسجود فقتلوا، فأمر فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف الدية «3» . قال بعض أهل العلم بالقرآن: إنما أمر بذلك لأنه قد يمكن أن يكون سجودهم إسلاما فتكون فيهم الدية، وقد لا يكون إسلاما فلا يكون لهم دية. وفي مصنف أبي داود عن سمرة بن جندب: أنه كان له نخل في حائط رجل من الأنصار، ومع الرجل أهله فكان سمرة بن جندب يدخل إلى النخل فيتأذى به الرجل، ويشق عليه، فطلب إليه أن يبيعها منه فأبى، فطلب أن يناقله فأبى، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فطلب إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يبيعه منه فأبى، فطلب إليه أن يناقله فأبى، قال: فهبها لي ولك كذا وكذا مزرعة فأبى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت مضار» ، ثم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم للأنصاري: «اذهب فاقلع نخله» «4» . وعن أبي سعيد الخدري قال: اختصم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم رجلان في حريم نخلة فأمر بها فذرعت فوجدت سبعة أذرع. وفي حديث آخر خمسة أذرع فقضى بذلك «5» . قال عبد العزيز: أمر بجريدة من جرايدها فذرعت.

_ (1) رواه البخاري (2710) ، ومسلم (1558) ، وأبو داود (3595) من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه. (2) رواه البخاري (2424) من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه. (3) رواه أبو داود (2645) من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه. (4) رواه أبو داود (3636) من حديث أبي جعفر الباقر محمد بن علي عن سمرة. وفيه انقطاع فإن أبا جعفر لم يسمع من سمرة رضي الله عنه. (5) رواه أبو داود (3640) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وإسناده صحيح.

كتاب الوصايا

كتاب الوصايا «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الوصية وأنها مقصورة على الثلث في الموطأ والبخاري ومسلم عن الزهري، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي. أفأتصدق بثلثي مالي؟ ورواه مالك، وسفيان بن عيينة، وإبراهيم بن سعد عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه بلفظ: أتصدق. ورواه عبد العزيز ابن أبي سلمة، ومعمر، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه، بلفظ: أوصي. وكذلك رواه عروة، وعائشة، عن سعد. واللفظان في البخاري ومسلم. ووقع أيضا فيهما: أفأوصي بمالي كله؟ قال: «لا» . قال: فالثلثين؟ قال: «لا» . قال: فالنصف؟ قال: «لا» . قال: فالثلث؟ قال: «الثلث، والثلث كثير» . رجعنا إلى لفظ الموطأ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا» ، قلت: فالشطر؟ قال: «لا» ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الثلث، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وأنك لن تنفق نفقة تبتغي وجه الله إلا أجرت» «1» . وفي الموطأ يحيى بن يحيى: «إلا أجرت حتى ما تجعل في في امرأتك» ، فقلت: يا رسول الله أخلف بعد أصحابي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا» . زاد في مسلم: «تبتغي به وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة، ولعلك أن تخلف حتى تنتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون. اللهم امضي لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم» . لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة «2» . ذكر ابن مزين في تفسيره للموطأ: أنه أقام بمكة حتى مات، ولم يهاجر، فكره له النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك، ورثى له، وهو وهم من ابن مزين لأن سعد بن خولة قد هاجر وشهد بدرا، وإنما رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجوعه بعد الهجرة إلى مكة، وموته بها. ذكره البخاري وغيره، وذكره أيضا مسلم وهو قرشي «3» .

_ (1) رواه البخاري (1296 و 2742 و 3936) ، والموطأ (2/ 763) ، ومسلم (1628) ، والترمذي (975) ، وأبو داود (2864) . (2) رواه مسلم (1628 و 5) . (3) انظر شرح الحديث لفؤاد عبد الباقي (1628) في فاتحته. فإنه شرحه شرحا وافيا.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في الأحباس

«حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الأحباس في الواضحة عن الواقدي عن الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ قال: سألنا عن أول حبس حبس في الإسلام فقال قائل: أحباس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول الأنصار «1» . وقال المهاجرون: حبس عمر بن الخطاب أول حبس كان في الإسلام، وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد أرضا واسعة: لزهرة، وأهل رايج، وحسيكة «2» ، وقد كانوا جلوا عن المدينة قبل مقدم النبيّ صلى الله عليه وسلم بيسير، ومنهم من انجلى عن أرضه بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وتركوا أرضا واسعة فيها براح، ومنها رديء لا تسقى يقال له: الخشاشير. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطى عمر بعضها: ثمغ «3» ، ثم اشترى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- إلى ما أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوم يهود، فكان مالا معجبا فقال عمر: يا رسول الله إن مالي مال معجب، وأنا أحبه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حبّس أصله، وسبّل ثمرته» . ففعل عمر «4» . مطرف عن العمري عن نافع عن ابن عمر قال: ثمغ أول صدقة تصدق بها في الإسلام وأن عمر يوم أراد أن يتصدق بها قال: أشر عليّ يا رسول الله في صدقتي كيف أصنع فيها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حبّس أصلها، وسبل ثمرتها» «5» . وعن المسور بن رفاعة عن محمد بن كعب القرظي قال: أول صدقة كانت في الإسلام صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمواله الموقوفة. قال: فقلت: فإن الناس يقولون صدقة عمر. قال: قتل مخيريق بأحد على رأس اثنين وعشرين شهرا من مهاجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأوصى إن أصبت فأموالي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث أراه الله، فتصدق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة حبس، وهي: سبعة حوائط. وإنما تصدق عمر بثمغ بعد ما رجع النبيّ صلى الله عليه وسلم من خيبر سنة سبع من الهجرة، وكانت خيبر سنة ست «6» . وقال الزهري: صدقة النبيّ صلى الله عليه وسلم الحوائط السبعة من أموال بني النضير بعد أن رجع رسول

_ (1) الواقدي محمد بن عمر بن واقد الأسلمي- متروك مع سعة علمه. كما قال الحافظ في التقريب. وحصين ابن عبد الرحمن ضعفه أحمد وذكره ابن حبان في ثقات أتباع التابعين فكأن روايته عن الصحابة مرسلة. (2) حسيكة: موضع في المدينة كان بها يهود من يهودها. (3) ثمغ: مال كان لعمر بن الخطاب فوقفه رضي الله عنه. (4) رواه النسائي (6/ 230) ، وابن ماجه (2397) ، والبيهقي (6/ 162) من حديث عمر رضي الله عنه. وإسناده صحيح. (5) رواه أحمد (2/ 156 و 157) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وهو حديث صحيح. (6) رواه ابن سعد (1/ 388) ذكر صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن كثير (3/ 237) من كلام محمد بن كعب القرظي موقوفا عليه.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في الصدقة والهبة والثواب عليها والعمرى

الله صلى الله عليه وسلم من أحد ففرق أموال مخيريق «1» . وعن محمد بن سهل بن أبي جثامة قال: كانت صدقات النبيّ صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير وهي الحوائط السبعة: الأعراف، والصافية، والدلال، والمثبت، وبرقة، وحسني، ومشربة أم إبراهيم، وإنما سميت: مشربة أم إبراهيم لأنها كانت تسكنها. وكان ذلك المال لسلام بن مشكم النضري «2» . وقال الواقدي: لم يختلف أنها سبعة حوائط وأن هذه أسماؤها. وفي النسائي عن قتيبة بن سعيد، عن أبي الأخوص، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن الحارث قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة إلا بغلته الشهباء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضا جعلها في سبيل الله عز وجل «3» . وقال قتيبة بن سعيد في المسند الكبير للنسائي مرة أخرى: صدقة «4» . وكذلك ذكر النسائي أن صدقة عمر كانت من الأرض التي أصاب بخيبر. وقال في صدقة لا يباع أصلها ولا توهب ولا تورث، وهي للفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم ضيفا نزل به أو صديقا غير متمول فيه «5» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الصدقة والهبة والثواب عليها والعمرى في موطأ مالك: أنه بلغه أن رجلا من الأنصار من بني الحارث بن الخزرج تصدق على أبويه بصدقة، فهلكا، فورث ابنهما المال، وهو: نخل. فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «قد أجرت في صدقتك، وخذها بميراثك» «6» . وفي كتاب أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مصنف ابن أبي شيبة، عن جابر قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة من الأنصار أعطاها ابنها حديقة من نخل فماتت، فقال ابنها: إنما أعطيتها حياتها وله أخوة، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «هي لها حياتها وموتها» قال: فإني كنت تصدقت بها عليها. قال: «فذلك أبعد لك» «7» .

_ (1) رواه ابن سعد (1/ 388) وقال: أخبرنا محمد بن عمر. حدثني الضحاك بن عثمان من الزهري قال: هذه الحوائط السبعة من أموال بني النضير. (2) رواه ابن سعد (1/ 388) وقال: أخبرنا محمد بن عمر حدثني موسى بن عمر الحارثي، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة قال: كانت صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير. وهي سبعة. وذكرها. (3) رواه النسائي (6/ 229) من حديث عمرو بن الحارث الخزاعي رضي الله عنه وإسناده صحيح. (4) رواه النسائي (6/ 229) و (3594) . من كلام قتيبة بن سعيد رحمه الله. (5) رواه النسائي (6/ 230) و (3599) عن عمر رضي الله عنه. وهو حديث صحيح. (6) رواه مالك (3001) باب صدقة الحي عن الميت. بلاغا. (7) رواه ابن أبي شيبة (10/ 183) ، وأبو داود (3557) ، والبيهقي (6/ 174) من حديث جابر رضي الله عنه.

وفي الموطأ والبخاري ومسلم عن النعمان بن بشير: أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهده على عبد وهبه له، فقال: يا رسول الله إني نحلت ابني غلاما كان لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكلّ ولدك» وفي حديث يونس ومعمر «أكل بنيك» - ذكره مسلم- «نحلته مثل هذا؟» . قال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فارتجعه» «1» . وفي كتاب مسلم: «اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم» «2» . وكانت أم النعمان: عمرة ابنة رواحة قالت لبشير: أشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هبتك، وكان قد لواها سنة، ثم وهبه لها فقالت: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أشهد على جور» «3» . وهذا أصل في حيازة الأب لابنه الصغير، وأما إذا وهب أو تصدق على ابنه الكبير، أو على أجنبي فلا بد من قبض الموهوب له أو التصدق عليه. والأصل في ذلك قول أبي بكر الصديق لعائشة: لو كنت حزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث «4» . وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم لما نزلت ألهاكم التكاثر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت» «5» ، فقد شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة الإمضاء. والإمضاء هو: الإقباض كالعارية والسلف لا يتم ذلك إلا بالقبض وكالوصية لا تتم إلا بموت الموصي. وفي مصنف عبد الرزاق عن طاوس قال: وهب رجل هبة للنبيّ صلى الله عليه وسلم فأثابه، فلم يرض فزاده قال: لا أحسبه قال ذلك إلا ثلاث مرات، فلم يرض فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لقد هممت ألاأقبل هبة» وربما قال معمر: «ألاأقبل إلا من قرشي، وأنصاري، أو ثقفي» «6» . وفي حديث أبي هريرة «أو دوسي» «7» . وفي الدلائل للأصيلي أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقحة، فأثابه بست بكرات فلم يرض، وذكر الحديث في البخاري حدثنا عبد الله بن يوسف، عن عبد الله بن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك قال: لما قدم المهاجرون المدينة من مكة وليس بأيديهم شيء،

_ (1) رواه البخاري (2586) ، ومالك (2/ 751 و 752) ، ومسلم (1623 و 9) ، والنسائي (6/ 258) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه. (2) رواه مسلم (1623 و 13) من حديث النعمان رضي الله عنه. (3) رواه البخاري (2650) ، ومسلم (1623 و 14) من حديث النعمان رضي الله عنه. (4) رواه عبد الرزاق (16507) ، والبيهقي (6/ 170) وإسناده صحيح. (5) رواه مسلم (2958) ، والترمذي (2342) ، وابن حبان (701) من حديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه. (6) رواه عبد الرزاق (16521) عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه فذكره مرسلا. (7) رواه أحمد (2/ 292) ، والترمذي (3945) ، والبخاري (596) ، وأبو داود (3537) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وإسناده حسن.

وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار فقاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم كلّ عام ويكفوهم العمل والمؤنة، وكانت أمه أمّ أنس بن مالك أم سليم وكانت أم عبد الله بن أبي طلحة، فكانت أعطت أم أنس رسول الله صلى الله عليه وسلم عذاقا فأعطاهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد. قال ابن شهاب: فأخبرني أنس بن مالك: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قتال أهل خيبر، وانصرف إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم، فردّ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أمه يعني أم أنس بن مالك عذاقها وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مكانهن من حائطه رواه مسلم أيضا، وزاد أنه أعطاها عشرة أمثاله أو قريبا من عشرة أمثاله «1» . قال ابن شهاب: وكان من شأن أم أيمن أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما توفي أبوه، فكانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة، ثم توفيت بعد ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر. قال الواقدي: واسمها بركة ولم يرو هذا الحديث عن الزهري أحد إلا يونس. وقع هذا في طرة كتاب الأصيلي في الموطأ: عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل أعمر عمرى «2» له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها أبدا لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث» «3» . وفي كتاب مسلم عن جابر من رواية يحيى، عن مالك، ولم يذكر أبدا. وفيه عن يحيى ومحمد وصح عن الليث، عن ابن سهل، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها، وهي لمن أعمر وعقبه» «4» . وفي حديث آخر عن إسحاق بن إبراهيم، وعبد بن حميد، واللفظ لعبد قالا: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر، قال: إنما العمرى التي أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقول هي لك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها «5» .

_ (1) رواه البخاري (2630) ، ومسلم (1771) من حديث أنس رضي الله عنه. (2) عمرى: يقال أعمرته دارا أو أرضا، إذا أعطيته إياها وقلت له: هي لك عمري أو عمرك: فإذا مات رجعت إليه. (3) رواه مالك (2/ 756) و (2953) من حديث جابر رضي الله عنه. وهو حديث صحيح. (4) رواه مسلم (1625 و 21) من حديث جابر رضي الله عنه. (5) رواه مسلم (1625 و 23) من حديث جابر رضي الله عنه.

قال معمر: وكان الزهري يفتي به، وروى أبو سلمة عن جابر قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أعمر عمرى له ولعقبه فهى له بتلة «1» لا يجوز للمعطى فيها شرط ولا ثنيا» . قال أبو سلمة: لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث، فقطعت المواريث شرطه «2» . وفي حديث آخر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمرى لمن وهبت له» «3» . قال ابن أبي زيد: ومعنى قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا ترجع إلى الذي أعطاها» إنما ذلك ما بقي أحد من عقب المعمر، فإذا انقرضوا رجعت العمرى إلى صاحبها. وقوله عليه السلام: «فإنها للذي يعطاها» يعني: النفع، لا الأصل، ودل ذلك أنه ليس كوارث الأصل أن الزوجة لا تدخل فيه، ولا من ليس من العقب المعروف، وعمرتك إنما هو مأخوذ من العمر، ولا فرق بين أجل مضروب وعمر مشترط. وبهذا جرى العمل بالمدينة، وبه أخذ مالك انتهى قول ابن أبي زيد. وتأوّل الشافعي وغيره الحديث المذكور أن العمرى إذا كانت للمعمر ولعقبه أنها لا ترجع إلى المعمر وإن انقرض المعمر وعقبه وليس ذلك في الحديث مكتوبا. وقد روي عن أبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل: أن العمرى كالهبة، وهي ملك لمن أعمرها كانت معقبة أو لم تكن شرط المعمّر أن ترجع إليه أو لم يشترط، وشرطه باطل لا ترجع إليه أبدا ويبيعها المعمّر إن شاء كسائر ماله. فصح في العمرى ثلاثة أقوال: قول أبي حنيفة، والشافعي، ومالك، ومن ذكر معهم. كما قضى طارق بشهادة جابر والثالث من فرق بين المعقبة وحياة المعمر خاصة فقال في المعقبة: لا ترجع أبدا إلى المعمر، وإذا لم تكن معقبة ترجع إليه إذا مات المعمر، والله عز وجل أعلم بما أراد نبيه صلى الله عليه وسلم، إلا أن في كتاب مسلم عن جابر أيضا قال: أعمرت امرأة بالمدينة حائطا لها ابنا لها ثم توفّي وتوفيت بعده، وتركت ولدا، وله أخوة بنون للمعمرة، فقال ولد المعمرة: رجع الحائط إلينا، وقال بنو المعمر: بل كان لأبينا حياته وبعد موته، فاختصموا إلى طارق- مولى عثمان- فدعا جابرا فشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حكم بالعمرى لصاحبها، فقضى بذلك طارق، ثم كتب إلى عبد الملك فأخبره ذلك، وأخبره بشهادة جابر، فقال عبد الملك: صدق جابر فأمضى ذلك طارق. وإن ذلك الحائط لبني المعمر حتى اليوم. وليس في هذا الحديث أنها أعمرت ابنها وعقبه كما وقع في الأحاديث المتقدمة «4» .

_ (1) بتلة: أي عطية ماضية غير راجعة إلى الواهب. (2) رواه مسلم (1625 و 24) ، والنسائي (6/ 276) و (2747) من حديث جابر رضي الله عنه. (3) رواه مسلم (1625 و 25) من حديث جابر رضي الله عنه. (4) رواه مسلم (1625 و 28) من حديث جابر رضي الله عنه.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في المشبهات

وقد تقدم عن جابر أنه قال: إذا قال هي لك ما عشت فإنما ترجع إلى صاحبها الذي أعمرها. وفي رواية مسدد عن يحيى عن سفيان عن حميد الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمي عن جابر: أن رجلا من الأنصار أعطى أمه حديقة له حياتها فماتت، وذكر الحديث كما ذكره مسلم وهذا يقوي مذهب مالك «1» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في المشبهات في الموطأ والبخاري ومسلم عن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص: أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك. قالت: فلما كان عام الفتح أخذه سعد وقال: ابن أخي- قد كان عهد إليّ فيه- فقام عبد بن زمعة وقال: أخي وابن وليدة أبي، ولد على فراشه. فتساوقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد: يا رسول الله ابن أخي، وقد كان عهد إليّ فيه. وقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو لك يا عبد بن زمعة» ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسودة بنت زمعة: «أحتجبي منه» لما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص، قالت: فما رآها حتى لقي الله عز وجل «2» . وكانت سودة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يذكر مالك هذا في الموطأ. في هذا الحديث من الفقه: إنفاذ وصية الكافر لأن عتبة مات كافرا، وذلك أنه هو الذي. كسر رباعيته صلى الله عليه وسلم في يوم أحد، فدعا النبيّ صلى الله عليه وسلم ألايحول عليه الحول حتى يموت كافرا، فما حال عليه الحول حتى مات كافرا. ذكره عبد الرزاق في مصنفه، وكذلك ذكر ابن أبي حثمة: أنه مات كافرا. وفيه: استلحاق الأخ، وفي ذلك اختلاف ولا خلاف في استلحاق الابن وفيه حجة المالك في الحكم بقطع الذرايع لأن قطع الذرايع أن يمنع من المباح لئلا يوقع في الحرام، ومثل قول الله عز وجل: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النّور: الاية 31] . ومثل نهيه تعالى المؤمنين أن يقولوا للنبي صلى الله عليه وسلم: «راعنا» ، وهم لا يريدون الإذاية للنبي صلى الله عليه وسلم، فنهاهم الله عن ذلك بسبب قول اليهود للنبيّ صلى الله عليه وسلم: راعنا يريدون بذلك: يا أرعن. ومثل هذا نهى الله أهل السبت عن الصيد فيه، فأخذ بعضهم حيتانا في غير السبت فجعل كصيدهم في السبت وعذبوا على ذلك.

_ (1) رواه أبو داود (3557) من حديث جابر رضي الله عنه. وهو حديث صحيح. (2) رواه البخاري (2053) ، ومسلم (1457) ، والموطأ (2/ 739) من حديث عائشة رضي الله عنها.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في العتق والوصية بالقرعة وحكم ذات الزوج والتدبير وأمهات الأولاد والكتابة

فكذلك حكم النبيّ صلى الله عليه وسلم لسودة: أن ابن زمعة أخوها إذ ولد على فراش أبيها، وجعله أجنبيا في ألايراها فحكم بحكمين: حكم في الظاهر، وحكم في الباطن، واتبع الشافعي في ذلك إبطال الحكم بقطع الذرايع، وأن يكون حكما واحدا حتى قال: إن للرجل أن يمنع زوجته من رؤية أخيها. وأن قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «احتجبي عنه» إنما هو على وجه التنزه والاختيار، وهذا خلاف لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة في أفلج أخي ابن القعيس، إذ قال لها: «إنه عمّك فليلج عليك» «1» ، وكان عمها من الرضاعة، فكيف أن يمنع المرأة من رؤية أخيها. وأدخل البخاري هذا الحديث في باب تفسير المشبهات مع الحديث: «دع ما يريبك إلى مالا يريبك» «2» . وهو أيضا يقوي مذهب مالك، ويخالف قول الشافعي. وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «وللعاهر الحجر» يعني: نفي الولد عن الزاني، وأنه لا شيء له فيه، ولا ينسب إليه. كقول العرب: بفمك الحجر. أي: لا شيء لك. وقال الداودي: للعاهر الحجر: يعني الرجم للزاني المحصن، ومذهب الشافعي أن الحرام لا يحرّم الحلال، وكذلك قال: إن أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم لسودة بالاحتجاب تنزه واختيار، ومذهب أبي حنيفة أن الزنا يحرم- واختلف في ذلك قول مالك- فمرة قال: إن الحرام لا يحرّم الحلال، ومرة قال: إنه يحرّم، والأغلب من مذهبه ومذهب أصحابه أنه لا يحرّم. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في العتق والوصية بالقرعة وحكم ذات الزوج والتدبير وأمهات الأولاد والكتابة في مصنف عبد الرزاق عن علي بن أبي طالب قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي بالدين قبل الوصية، وأنتم تقولون: من بعد وصية يوصي بها أو دين «3» . ولا خلاف بين العلماء أن الدين قبل الوصية. في الموطأ وغيره عن الحسن، وعن محمد بن سيرين: أن رجلا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق عبيدا له ستة عند موته، فأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق ثلث تلك العبيد «4» .

_ (1) رواه البخاري (5239) من حديث عائشة رضي الله عنها. (2) رواه أحمد (1/ 200) ، والترمذي (2518) ، والنسائي (8/ 327) ، وابن حبان (722) من حديث الحسن ابن علي رضي الله عنه. وهو حديث صحيح. (3) رواه عبد الرزاق (1903) ، وأحمد (1/ 79) ، والترمذي (2095) ، وأبو يعلى (300) وإسناده حسن من حديث علي رضي الله عنه. (4) رواه مالك (2/ 774) و (2720) وهو حديث مرسل. ورجاله ثقات ووصله مسلم (1668) ، والترمذي (1364) من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه.

قال مالك: وقد بلغني أنه لم يكن لذلك الرجل مال غيرهم. وهذا الحديث مسند في غير الموطأ عن الحسن وابن سيرين عن عمران بن حصين، وقال فيه: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وقال: «لقد هممت ألاأصلي عليه» . وفي مصنف عبد الرزاق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أدركته ما دفن مع المسلمين» ، فأقرع بينهم فأعتق اثنين، واسترقّ أربعة «1» . وفي حديث آخر: أنّ امرأة من الأنصار أعتقت ستة أعبد، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أقداح، فأقرع بينهم، فأعتق اثنين «2» . وفي غير المصنف أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جزأهم ثلاثة أجزاء اعتق اثنين، وأرقّ أربعة «3» . قال إسماعيل: وهذا يدل أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قوّمهم. وقال سليمان بن موسى: لم يبلغني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قوّمهم فإن صح قول سليمان فمعناه أن قيمتهم كانت سواء وإلا فلا بد من التقويم لئلا يزاد على الثلث. ويسند أيضا الحديث الأول عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة في كتاب مسلم عن عمران بن حصين. في هذا الحديث من الفقه: إنفاذ الوصية بالثلث، وفيه العتق بالقرعة، وفيه أن من عال على الثلث صرف إلى الثلث. وفيه أن بتل العتق في المرض كالوصية، وفيه أن الحاكم يقوّم بنفسه ما كان بحضرته ولا يوليه غيره. وفيه: أن يحكم بين الرجل وعبده فيما يدعو إليه العبد من حقوقه على سيده. وفيه إجازة الوصية بالثلث لغير القرابة، بخلاف ما روي عن طاوس وغيره: أن من أوصى لغير قرابته ولم يوص لهم لم تبطل وصيته. وقالت طائفة: من أوصى لغير قرابته أعطي ثلث الوصية لقرابته. في مصنف عبد الرزاق عن عكرمة: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألاوصية لوارث، ولا يجوز لامرأة في مالها شيء إلا بأذن زوجها» «4» .

_ (1) رواه عبد الرزاق (16749) ، والبيهقي (10/ 286) من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه وهو حديث صحيح. (2) رواه عبد الرزاق (16751) ، والبيهقي (10/ 286) عن ابن جريج. قال: أخبرني قيس بن سعد أنه سمع مكحولا يقول: سمعت ابن المسيب يقول: اعتقت امرأة أو رجل ستة أعبد لها عند الموت لم يكن لها مال غيرهم فأتي في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. فأقرع بينهم فأعتق اثنين. (3) رواه النسائي (4/ 64) من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه. وهو حديث صحيح. (4) رواه عبد الرزاق (16608) من حديث عكرمة رضي الله عنه. وفيه جهالة الرجل الراوي عن عكرمة رضي الله عنه. بلفظ: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس لذات زوج وصية في مالها شيئا إلا بإذن زوجها) .

وفي رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه باع مدبرا لرجل. وفي حديث آخر لمسلم: لم يكن له مال غيره. وفي كتاب ابن شعبان عن جابر قال: أعتق رجل من الأنصار غلاما له عن دبر وكان محتاجا وكان عليه دين، فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانمائة درهم، فأعطاه وقال: «اقض دينك وأنفق على عيالك» «1» . وتأول مالك وغيره أن الحديث الأول هو أصح. إن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه باع المدبر بعد موت الذي دبّره أو في حياته لدين عليه قبل التدبير. قال ابن أبي زيد: حديث جابر يدل على أن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما باع المدبر في دين لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم دعا به، فقال: «من يشتره؟» فلما بطل أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يبعه لغير معنى لم يبق إلا أنه حكم وأنه لينفذ مالزم. وقد روي عن جابر أنه قال: لم يكن له مال غيره، فمات. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من يشتره؟» واختلف فيه. عن جابر فروي أنه أعتق رجل، وروي أنه دبر. وفي مختصر ابن أبي زيد: روى الخدري أنهم لما أصابوا سبيا يوم أوطاس قالوا: يا رسول الله ما ترى في العزل فإنا نحب الثمن. دليل أنها إذا ولدت بطل الثمن. وهذا دليل بيّن مع ما روي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في أم إبراهيم: «أعتقها ولدها» «2» . وفي الواضحة عن ابن المسيب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بعتق أمهات الأولاد وقال: «لا يجعلن في وصية، ولا دين» . قال مسلم: قلت لسعيد بن المسيب: كيف كان رأي عمر في عتق أمهات الأولاد؟ قال: ليس عمر أعتقهن، وإنما أمر بعتقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، «وألايخرجن في ثلث، ولا يبعن في دين» «3» . وفي كتاب رجال الموطأ للبرقي عن سعيد بن عبد العزيز: أن مارية أم إبراهيم اعتدت ثلاثة أشهر. قال البرقي: وتوفيت سنة ست عشرة. وفي الحديث الثابت: أن بريرة دخلت على عائشة تستعينها شيئا. وفي حديث آخر في البخاري: جاءت تستعينها وعليها خمس أواق نجّمت في خمس سنين «4» . وجميع الأحاديث عن عروة عن عائشة إلا حديثا واحدا عن عمرة عن عائشة.

_ (1) رواه أحمد (3/ 305) ، وأبو داود (3957) ، والنسائي (7/ 304) ، والطحاوي في مشكل الاثار (4932) وانظر طرقه هناك. (2) رواه ابن ماجه (2516) ، والبيهقي (10/ 346) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وإسناده ضعيف. (3) رواه البيهقي (10/ 344) وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قال الحافظ في التقريب: ضعيف في حفظه. وهو رجل صالح. (4) رواه البخاري (2560) في العتق من حديث عائشة رضي الله عنها.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في عتق من مثل به أو لطم وجهه

وفي الموطأ والبخاري فقالت عائشة: إن أحبّ أهلك أن أعدّها لهم ويكون لي ولاؤك فعلت. فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت ذلك لهم، فأبوا عليها، فجاءت من عند أهلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد فقالت لعائشة: إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا على أن يكون الولاء لهم. فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أخبرته عائشة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق» ، ففعلت عائشة، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد: فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله! كلّ شرط ليس في كتاب الله- وفي حديث آخر في الموطأ: ما كان من شرط ليس في كتاب الله- فهو باطل، وإن كان مائة شرط. قضاء الله أحق وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق» «1» . معنى قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «كل شرط ليس في كتاب الله» أي: خالف كتاب الله، ومعنى قوله لعائشة: «اشترطي لهم الولاء» أي: اشترطي عليهم الولاء. قال الله عز وجل: أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [الرّعد: الاية 25] . أي عليهم. وقد تقدم ما فيه من السنن في الأمة تعتق تحت زوج في كتاب الطلاق وإنما اشترتها عائشة بعد أن عجزت عن كتابتها. قاله مطرف وغيره. وفي كتاب ابن شعبان: أول مكاتب في الإسلام كان سلمان الفارسي كاتب أهله على مائة ودية «2» نجّمها لهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا غرستها فاذنّي» ، فلما غرسها آذنه، فدعا له فيها فلم تمت منها ودية واحدة «3» . وقد قيل إن أول مكاتب في الإسلام كان يكنى: أبا مؤمّل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعينوا أبا مؤمل» فأعين فقضى كتابته، وفضلت عنده فضلة فاستفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أنفقها في سبيل الله» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في عتق من مثّل به أو لطم وجهه في المدوّنة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: كان لزنباغ عبد يسمى: سندرا، أو ابن سندر، فوجده يقبّل جارية له فأخذه وجدع أذنه وأنفه، فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى زنباغ فقال: «لا تحملوهم ما لا يطيقون، وأطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، وما

_ (1) رواه البخاري (2168) عن ابن المسيب، ومسلم (1504) ، والموطأ (2/ 780) من حديث عائشة رضي الله عنها. (2) رواه الحاكم (2/ 16) وصححه ووافقه الذهبي من حديث بريدة رضي الله عنه. ورواه أحمد في المسند (5/ 354) والبزار رقم (26 27) . وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 337) وقال: رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح. (3) الودية «غصن» يخرج من النخل ثم يقطع منه فيغرس.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في اللقطة

كرهتم فبيعوا، وما رضيتم فأمسكوا، ولا تعذبوا خلق الله» . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مثّل به، أو أحرق بالنار فهو حر، وهو مولى لله ورسوله» . فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله أوص بي فقال: «أوصي بك كل مسلم» «1» . وفي كتاب مسلم عن سويد بن مقرن: أن جارية له لطمها إنسان، فقال له سويد: أما علمت أن الصورة محرّمة، لقد رأيتني وإني لسابع أخوة لي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا غير خادم واحد، فعمد أحدنا فلطمه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقه. وذكر الحديث «2» . وزاد في حديث آخر: أنهم قالوا: يا رسول الله ليس لنا غيره، قال: «استخدموه فإذا استمتعتم به فخلوا سبيله» «3» ، وقال عبد الله ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ضرب غلاما له حدا لم يأته، أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه» «4» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في اللقطة في الموطأ والبخاري ومسلم: أن رجلا جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة فقال: «إعرف عفاصها ووكاءها ثم عرّفها سنة، فإن جاء صاحبها، وإلا فشأنك بها» . قال فضالّة: والغنم؟ قال: «لك أو لأخيك أو للذئب» ، وفي غير الكتب «فردّ على أخيك ضالته» . قال فضالة: الإبل، قال في البخاري ومسلم: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه، أو احمر وجهه. وفي حديث: فتغير وجهه وقال: «ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها» «5» . ذكر ابن عبد البر هذه الزيادة من غير رواية مالك: «فردّ على أخيك ضالته» . قال الطحاوي: ولم يوافق مالكا أحد من العلماء على قوله في الشاة الضالة إن أكلها لم يضمنها إذا وجدها في موضع مخوف. قال: واحتجاجه بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «هي لك أو لأخيك أو للذئب» لا معنى له، لأن قوله لك لم يرد به التمليك لأن الذئب يأكلها على ملك صاحبها. وفي البخاري ومسلم عن سويد بن غفلة قال: لقيت أبيّ بن كعب فقال: وجدت صرّة فيها مائة دينار فأتيت بها النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال «عرّفها حولا» ، فعرّفتها فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته بها فقال: «احفظ وعاءها وعددها ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها» ، فاستمتعت بها

_ (1) رواه ابن سعد (7/ 350) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم. وهو حديث حسن. (2) رواه مسلم (1658 و 33) من حديث سويد بن مقرّن رضي الله عنه. (3) رواه مسلم (1658 و 31) من حديث سويد بن مقرّن رضي الله عنه. (4) رواه مسلم (1657) في الإيمان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (5) رواه البخاري (91 و 2427 و 2428) ، ومسلم (1732) ، والموطأ (2/ 757) من حديث زيد بن خالد الجهني.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيمن قال حائطي صدقة في سبيل الله إنه على الأقارب وتوقيف مال الغائب والتوكيل على القسمة

فلقيته بعد بمكة فقال: لا أدري بعد ثلاثة أحوال أو حولا واحدا «1» . وفي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: لما فتح الله على رسوله مكة قام في الناس خطيبا: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن الله حبس عن مكة الفيل- هكذا في البخاري في رواية الأصيلي- وفي رواية القابسي: القتل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحد قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي، ولا ينفّر صيدها، ولا يعضد شجرها» . وفي حديث آخر: «ولا يعضد عضاهها» . وفي آخر: «لا يختلى شوكها، ولا تحلّ لقطتها» . وفي آخر: «لا تحل ساقطتها إلا لمنشد» . وفي آخر: «إلا لمعرّف، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفدي وإما أن يقيد» ، فقال العباس: إلا الإذخر فإنه لقبورنا وصاغتنا «2» . وفي حديث أبي هريرة لقبورنا وبيوتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا الإذخر» ، فقام أبو شاه رجل من أهل اليمن فقال: أكتب لي يا رسول الله. قال: فكتب له هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم «3» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» فيمن قال حائطي صدقة في سبيل الله إنه على الأقارب وتوقيف مال الغائب والتوكيل على القسمة في الموطأ والبخاري ومسلم عن أنس قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه: بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب. قال أنس: فلما نزلت هذه الاية: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: الاية 92] . قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الله يقول في كتابه لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: الاية 92] . وإن أحب أموالي إلى بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ ذلك مال رابح- ويروى رابح- ذلك مال رائح قد سمعت ما قلت فيها وإني أرى أن تجعلها في الأقربين» . فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه «4» . وفي حديث آخر للبخاري: «إجعلها لفقراء قرابتك» . قال أنس: فجعلها لحسّان بن

_ (1) رواه البخاري (2426 و 2437) ، ومسلم (1723) ، وأبو داود (1710) من حديث سويد بن غفلة رضي الله عنه. (2) رواه البخاري (112 و 2434) ، ومسلم (1355) ، وأبو داود (2017) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (3) رواه البخاري (2434) ، ومسلم (1355 (447) ، والترمذي رقم (1405) . (4) رواه البخاري (1461 و 2318) ، ومسلم (998) ، والموطأ (2/ 995 و 996) ، وأبو داود (1689) من حديث أنس رضي الله عنه.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في الودائع والأمانات

ثابت، وأبيّ بن كعب، وكانا أقرب إليه مني «1» . وفيه من الفقه أن من قال داري صدقة ولم يبين: للفقراء أو غيرهم فهو جائز ويضعها في الأقربين أو حيث أراد. وقال بعضهم: لا يجوز حتى يبيّن لمن، والأول أصح. وفيه إذا تصدق بأرض ولم يبيّن الحد فهي جائزة إذا كانت مشهورة وهذا كله في البخاري. في موطأ مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عمر بن طلحة عن عبيد الله بن عمير بن سلمة الضمري عن البهزي واسمه زيد بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه» ، فجاء البهزي- وهو صاحبه- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنكم بهذا الحمار. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق ثم مضى حتى إذا كان بالأثابة بين الرويبة والعرج إذا ظبي واقف في ظل وفيه سهم فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزه «2» . فيه من الفقه: إباحة أكل الصيد للمحرم إذا لم يصدّ من أجله وهبة المشاع، بخلاف قول أبي حنيفة، وابن أبي ليلى، وفضل أبي بكر- رضي الله عنه- على جميع الصحابة، وحرز مال الغائب والتوكيل على القسمة، وقبول الإمام الهدية. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الودائع والأمانات في أحكام ابن زياد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس على أمين غرم» «3» . وقال أهل العلم: إلا أن يعدي. وفي غير الأحكام: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «على كل يد رد ما قبضت» «4» ، وتأول ذلك بعض العلماء: أن الأمانة تضمن لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم على كل يد قيم، ولقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [النّساء: الاية 58] . وذكر ابن سلام وغيره: أن هذه الاية نزلت في ولاية الكعبة إذ طلب العباس من النبيّ صلى الله عليه وسلم

_ (1) رواه البخاري معلقا باب رقم (10) باب إذا وقف أو أوصى لأقاربه، ومن الأقارب بعد رقم (2751) في الوصايا. وقد قال الحافظ في الفتح: وقد أخرجه ابن خزيمة، والطحاوي جميعا عن أبي مرزوق. وأبو نعيم في (المستخرج) من طريقه والبيهقي من طريق أبي حاتم الرازي كلاهما عن الأنصاري بتمامه. (2) رواه مالك في الموطأ (1139) ، والنسائي (5/ 182 و 183) و (7/ 205) وإسناده صحيح. قال الحافظ في الفتح (4/ 28) : أخرجه مالك وأصحاب السنن. وصححه ابن خزيمة وغيره. (3) لم نجده بهذا اللفظ. (4) رواه أبو داود (3561) ، والترمذي (1266) . من حديث الحسن عن سمرة. والحسن مختلف في سماعه من سمرة. وقال الترمذي: هذا حديث حسن بلفظ (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) .

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في ضمان العارية التي يغلب عليها

مفتاح الكعبة، فأنزل الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [النّساء: الاية 58] ، فدفع المفتاح إلى عثمان بن طلحة. وفي حديث آخر: إلى شيبة بن عثمان، والقول الأول قول مالك وهو أشهر. وروي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نادى: «أين عثمان؟» فتطاول له عثمان بن عفان فقال: «أين عثمان بن طلحة؟» وكان عثمان بن طلحة قصيرا فحمله رجل من بني الحضرمي فدفع إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم المفتاح، وكان مغطى فغطاه النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال: «دونكموها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا يظلمكموها إلا ظالم» «1» . وفي رواية أخرى: «إلا كافر» . وكان ذلك عام حجة الوداع، وكان طلحة والد عثمان هذا قتله علي بن أبي طالب يوم أحد مبارزة، فصار المفتاح عند أم ولده سلافة أم عثمان بن طلحة. واختلف أبو حنيفة والشافعي ومالك في تحليف الأمين إذا ادعى التلف، فقال أبو حنيفة والشافعي: يحلف وإن كان أمينا، وقال مالك: لا يحلف إلا أن يكون متهما. قال ابن المنذر في الأشراف: اليمين أصح وأحسن. وروى ابن نافع عن مالك في (المبسوط) : إذا ادعى المقارض أن المال تلف أو بعضه حلف كان متهما أو غير متهم، وبه قال ابن المواز. وفي الواضحة: لا يحلف إلا أن يكون متهما أو غير أمين. وفي المبسوط في تلف الوديعة كذلك يحلف على كل حال، وكذلك في المدونة لابن القاسم عن مالك يحلف متهما كان أو غير متهم. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في ضمان العارية التي يغلب عليها في الموطأ عن مالك عن ابن شهاب أنه بلغه أن نساء كن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلن في أرضهن، وهن غير مهاجرات، وأزواجهن حين أسلمن كفار، منهن: بنت الوليد بن المغيرة وكانت تحت صفوان بن أمية، فأسلمت يوم الفتح، وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمه وهو: وهب بن عمير برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانا لصفوان بن أمية، ودعاه رسول الله إلى الإسلام وأن يقدم عليه فإن رضي أمرا قبله وإلا سيّره شهرين، فلما

_ (1) رواه ابن ابي شيبة (14/ 478) . وابن كثير في التفسير باب قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها (ج/ 1/ 515) وقال ابن كثير. وقال محمد بن اسحاق في غزوة الفتح: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير بن عبد الله بن أبي ثور، عن صفية بنت شيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بمكة واطمأن. وذكره. وصفية بنت شيبة- قال الحافظ في التقريب: لها رؤية. حدثت عن عائشة وغيرها. وفي البخاري التصريح بسماعها من النبي صلى الله عليه وسلم. ومحمد بن جعفر بن الزبير قال الحافظ: ثقة.

قدم صفوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه ناداه على رؤوس الناس فقال: يا محمد إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك وزعم أنك دعوتني للقدوم عليك، فإن رضيت أمرا قبلته وإلا سيرتني شهرين. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل لك أن تسير أربعة أشهر» ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج قبل هوازن بحنين، فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعير أداة وسلاحا عنده، فقال صفوان: أطوعا أم كرها؟ قال: «بل طوعا» ، فأعاره الأداة والسلاح الذي عنده. وفي رواية يحيى: ثم رجع وهو غلط. والصواب ثم خرج- وكذلك سائر الرواة- مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كافر فشهد حنينا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة، ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان واستقرت امرأته عنده بذلك النكاح، وكان بين إسلامهما نحوا من شهر «1» . وفي مصنف عبد الرزاق عن بعض بني صفوان بن أمية قال: استعار النبيّ صلى الله عليه وسلم من صفوان عاريتين: إحداهما بضمان والآخرى بغير ضمان «2» . وفي السير وغيرها، وذكره ابن شعبان: أن العارية كانت مائة درع بما يكفيها من السلاح، وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أن يكفيهم حملها ففعل. وفي كتاب النسائي: حملها على ثلاثين جملا «3» ، وفي غير الموطأ: أن صفوان بن أمية قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله السلاح: أغصبا يا محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل عارية مؤداة» «4» ، فأصحاب الكلام يرون العارية في ضمان المستعير حتى يؤديها إلى صاحبها وإن تلفت وعرف تلفها لم يسقط الضمان لظاهر الحديث. ومالك- رحمه الله- وغيره أيضا يقولون: إذا قامت بينة بهلاك العارية سقط الضمان، فإن كانت مما لا يغاب عليه: كالحيوان، فلا ضمان عليه، وهو مصدّق في ادعاء التلف مع يمينه ما لم يظهر كذبه. وفي مصنف أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا صفوان هل عندك من سلاح؟» قال: أعارية أم غصب؟ قال: «بل عارية» ، فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعا، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فلما هزم المشركون جمعت دروع صفوان ففقد منها أدراعا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لصفوان: «إنا فقدنا من دروعك أدراعا فهل نغرم لك» ، فقال: لا يا رسول الله لأن في قلبي اليوم ما لم

_ (1) رواه مالك (2/ 543 و 444) بلاغا وإسناده منقطع- قال ابن عبد البرّ: لا أعلمه يتصل من وجه صحيح. وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير. وابن شهاب إمام أهلها. وشهده هذا الحديث أقوى من إسناده. وقد روى بعضه مسلم. (2) رواه عبد الرزاق (14789) وفيه جهالة الرجل. الراوي عنه معمر رحمه الله. (3) رواه النسائي (5776) و (5777) ، والدارقطني (3/ 39) من حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه. وهو حديث صحيح. (4) رواه الدارقطني (3/ 39 و 40) من حديث يعلى بن أمية وهو حديث حسن.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في المواريث

يكن يومئذ. وقال أبو داود: وكان أعاره إياها قبل أن يسلم «1» . وفي الدلائل للأصيلي قال مالك: لا ضمان في عارية إلا ما يغاب ويخفى هلاكه فإن علم هلاكه بغير سبب المستعير فلا ضمان عليه. وقال أبو حنيفة: لا ضمان في عارية خفي هلاكها أو لم يخف. وقال الشافعي: تضمن العارية على كل حال، وإن قيل أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «على اليد رد ما أخذت» . قيل: هذا الحديث يروى عن الحسن، عن سمرة، والحسن عن سمرة غير حجة أيضا فإن الحسن لا يرى تضمين العارية، فإن قيل: إن في حديث صفوان بل عارية مضمونة فيقال لهم: لو ثبت هذا اللفظ ما لزم أن تكون العارية بذلك مضمونة كما كان. زعم الشافعي أن استعارة النبيّ صلى الله عليه وسلم من صفوان قبل إسلام صفوان فالتزم له النبيّ صلى الله عليه وسلم ضمان العارية لمكان الوفاء منه لصفوان، ولما أعطاه من ألزمه في نفسه وما لزم به لأهل الكفر لا يستدل به في أحكام الدين. وروى قاسم بن أصبغ عن ابن وضاح عن سحنون عن ابن قيس عن حمزة بن أبي حمزة الضبي يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من بنى في ربع قوم بإذنهم فأرادوا إخراجه فله قيمته ومن بنى في ربع قوم بغير إذنهم فليس له إلا النقض» «2» . وتكلّم في عمرو بن قيس وحمزة الضبي. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في المواريث في معاني القرآن للنحاس: روى جابر بن عبد الله الأنصاري: أن امرأة سعد بن الربيع أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن زوجي قتل معك، وإنما يتزوج النساء للمال. وخلّفني وخلف ابنتين وأبا وهو الربيع، فأخذ الأب المال فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ادفع إليها الثمن وإلى البنتين: الثلثين ولك ما بقي» «3» . وذكر محمد بن سحنون في كتاب الفرائض من تأليفه أنها لما قالت للنبيّ صلى الله عليه وسلم: قد علمت أن النساء إنما ينكحن لأموالهن. قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد يرى الله مكانهما وإن يشأ أنزل فيهما» ، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما، ثم أرسل إلى امرأة سعد أن تعالي فقد أنزل الله فيك وفي ابنتيك، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ [النّساء: الاية 11] . فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزوجة: الثمن،

_ (1) رواه أبو داود (3563) عن أناس من آل عبد الله بن صفوان وإسناده صحيح. (2) رواه الدارقطني (4/ 243) ، والبيهقي (6/ 91) ، وابن عدي (5/ 8) ترجمة عمر بن قيس المكي. وفي إسناده عمر بن قيس قال الدارقطني: تركه أحمد والنسائي. وقال يحيى: ليس بثقة. وقال البخاري: منكر الحديث. (3) ذكره النحاس في معاني القرآن. من حديث جابر رضي الله عنه بدون سند ويشهد له ما بعده.

والابنتين: الثلثين، والأب ما بقي. قال: فهذا أول ميراث قسم في الإسلام، ميراث: سعد بن الربيع الأنصاري. أخبرنيه سحنون عن ابن وهب، عن داود بن قيس، وغيره عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن جابر بن عبد الله: أن امرأة سعد «1» . وفي البخاري: قال هذيل بن شرحبيل: سئل أبو موسى عن رجل توفّي، وترك ابنة، وابنة ابن، وأختا، فقال: للابنة النصف، وللأخت النصف، وائت ابن مسعود فسيتابعني. فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال: لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، أقضي بينهم بما قضى به النبيّ صلى الله عليه وسلم: للإبنة النصف، ولإبنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت، فأتيا أبا موسى فأخبراه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم «2» . وفي البخاري ومسلم عن ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأول رجل ذكر» «3» . وتأول هذا عند أهل العلم في العصبة الذين لا يرثون إلا أن يكونوا رجالا مثل: العمّات والأعمام، وبني الأخوة، وبني الأعمام، وإنما يؤخذ ما بقي من هؤلاء الرجال دون النساء، وأما لو ترك الميت ابنة وأختا شقيقة كان للإبنة النصف، والنصف بين الأخوين للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك ابنة وأخا وأختا للأب. الجواب فيها سواء، ولا يقال في هذا: الذكر أولى من أخته. وفي غير البخاري ومسلم عن ابن عباس وابن الزبير في ابنة وأخت قالا: للإبنة النصف، وللعصبة النصف، ولا شيء للأخت. قيل لابن عباس: إن ابن عمر كان يرى للإبنة النصف، وللأخت النصف. فقال ابن عباس: أنتم أعلم أم الله؟ قال معمر: فلم أدر ما وجه ذلك حتى أتيت ابن طاوس فأخبرني عن أبيه أنه سمع ابن عباس يقول: قال الله عز وجل: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ [النّساء: الاية 176] . قال ابن عباس: فقلتم أنتم أن لها النصف وإن كان له ولد. قال ابن طاوس: كان أبي يذكر عن ابن عباس عن رجل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فيها شيئا، وكان طاوس لا يرضى ذلك الرجل، وكان يشك فيها فلا يقول فيها شيئا «4» .

_ (1) رواه أحمد (14798) ، والترمذي (2092) ، وأبو داود (2891 و 2892) ، والبيهقي (6/ 216) و (229) ، والدارقطني (4/ 78 و 79) ، والحاكم (4/ 333) من حديث جابر رضي الله عنه. وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل. قال الحافظ: صدوق في حديثه لين يقال تغير باخره. أقول: وللحديث شواهد يتقوى بها. (2) رواه البخاري (6736 و 6742) . من حديث أبي مولى رضي الله عنه. (3) رواه البخاري (6735) ، ومسلم (1615) ، وأبو داود (2898) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (4) ذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وقال: وقد نقل ابن جرير وغيره عن عبد الله بن الزبير وابن عباس أنهما كانا يقولان وذكره. هكذا بدون سند (ج/ 1/ 593) .

وفي الموطأ عن ابن شهاب عن عثمان بن أبي إسحاق بن حرشة عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها فقال أبو بكر: ما لك في كتاب الله من شيء، وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس. فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذ لها أبو بكر الصديق، ثم جاءت الجدة الآخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله ميراثها فقال لها: ما لك في كتاب الله شيء وما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك، وما أنا بزائد في الفرائض شيئا، ولكنه ذلك السدس فإن اجتمعتما فيه فهو بينكما وأيتكما خلت به فهو لها «1» . وفي مصنف عبد الرزاق عن منصور عن إبراهيم قال: حدّثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم ثلاث جدات السدس، قلت لإبراهيم: وما هنّ؟ قال: جدتا أبيه أم أمه وأم أبيه وجدته أم أمه «2» . وفي كتاب الفرائض من ديوان محمد بن سحنون قال: حدثني أبو محمد بن عمر عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب أنه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الأخ للأب والأم أولى من الأخ للأب، ثم الأخ للأب أولى من ابن الأخ للأب والأم، فإذا كان بنو الأب والأم وبنو الأب بمنزلة واحدة إلى نسب واحد فبنو الأب والأم أولى من بني الأب، وإذا كان بنو الأب أرفع من بني الأب والأم بأب فبنو الأب أولى، وإذا استووا في النسب فبنو الأب والأم أولى من الأب. قال: وقد قضى أن العم للأب والأم أولى من العم للأب، وأن العم للأب أولى من بني العم للأب والأم، فإذا كان بنو الأب والأم وبنو الأب بمنزلة واحدة إلى نسب واحد فبنو الأب والأم أولى من بني الأب، ولا يرث عم ولا ابن عم مع أخ ولا ابن أخ وقضى أنه ما كان له عصبة من المجردين فلهم ميراثه على فرائضهم في كتاب الله تعالى «3» . قال محمد بن سحنون: وهذا الحديث مجمع عليه عند العلماء. روى حماد بن سلمة: أن ثابت بن الدحداح مات، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لعاصم بن عدي: «هل تعلم له نسبا في العرب؟» فقال: لا إن عبد المنذر تزوج أخته فولدت له أبا لبابة، وهو ابن أخته «4» . من كتاب محمد بن النصر

_ (1) رواه مالك (2/ 513) ، والترمذي (2101) ، وأبو داود (2894) وإسناده منقطع رواية قبيصة بن ذؤيب عن أبي بكر مرسلة. وحديث الباب يدل على أن فرض الجدة السدس. وكذلك فرض الجدتين والثلاث. وقد نقل محمد بن نصر من أصحاب الشافعي اتفاق الصحابة والتابعين على ذلك حكى ذلك عنه البيهقي. وانظر (الفتح) (1/ 12/ 15 و 16) . (2) رواه عبد الرزاق (19079) ، والبيهقي (6/ 236) ، والدارمي (2/ 358) (2977) من طريق منصور عن إبراهيم بن زيد النخعي. وإسناده معضل. (3) هذا حديث منقطع. وفي إسناده ابن جريج قال الحافظ. كان يرسل ويدلس. (4) رواه البيهقي (6/ 215) . وإسناده منقطع.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" بالولد للفراش ومن استلحق بعد موت أبيه

المروزي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله ولا وارث له إلا خاله كتب بذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر فكتب عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له» «1» . حدثنا وكيع عن أبي خالد عن الشعبي أن مولى لابنة حمزة توفي وترك ابنته وابنة حمزة، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته النصف وابنة حمزة النصف «2» . قال الشعبي. لا أدري أكان هذا قبل الفرائض أم بعدها، وابنة حمزة إنما أخرجها علي من مكة سنة سبع عام عمرة القضاء، والفرائض إنما نزلت بعد أحد بقليل. قال ابن أبي نصر وقال بعضهم: إنما خرجت من مكة وهي غير مدرك فإن كان ذلك فقد أمكن أدراكها وعتقها وموت مولاها في هذه المدة بعد نزول الفرائض. وفي هذا رد على من يورثه بالرد. وقد روي أن المولى كان لحمزة والصحيح كان لابنته. روى وائلة بن الأسقع أبو صافة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ترث المرأة ثلاثة مواريث: عتيقها ولقيطها والولد الذي لاعنت له» «3» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» بالولد للفراش ومن استلحق بعد موت أبيه من كتاب ابن نصر «4» المروزي: اتفق أهل العراق والحجاز والشام ومصر: على أن الزاني لا يلحق به نسب، وكان إسحق بن راهواه يذهب إلى أن المولود من الزنا إن لم يكن مولودا على فراش يدعيه صاحبه فلا يرثه، إذا إدعاه الزاني ألحق به، وتأول قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» «5» على ذلك، واحتج بما روي عن الحسن في رجل زنى بامرأة فولدت ولدا فادعى ولدها قال: يجلد، ويلزمه الولد.

_ (1) رواه البيهقي (6/ 214) مطولا، والترمذي (2104) في الفرائض وهو حديث حسن. (2) رواه البيهقي (6/ 241) . وإسناده منقطع. (3) رواه البيهقي (6/ 240) . وفي إسناده عمر بن روبة وقال: هذا غير ثابت. قال: البخاري عمر بن روبة التغلبي عن عبد الواحد النصري فيه نظر. بلفظ (تحوز المرأة ثلاثة مواريث لقيطها. وعتيقها. وولدها الذي لا عنت له) . ورواه الحاكم في المستدرك (4/ 341) وقال الذهبي في التلخيص: هو من السنن الأربع من طريق عمر بن روبة عن عبد الواحد بن عبد الله عن واثلة رضي الله عنه. (4) ابن نصر: هو أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي الفقيه العابد العالم. كان عالما بالحديث والفقه- قال أبو محمد الثقفي: سمعت جدي يقول: جالست أبا عبد الله المروزي أربع سنين فلم أسمعه طول تلك المدة يتكلم في غير العلم. توفي رحمه الله سنة (294 هـ) . (5) رواه البخاري (6818) ، ومسلم (1458) ، والترمذي رقم (1157) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" بإثبات علم الفاقة وتجويز حكم علي رضي الله عنه في ذلك

وعن عروة بن الزبير وسليمان بن يسار أنهما قالا: أيما رجل مر إلى غلام يزعم أنه ابن له، وإنه زنى بأمه، ولم يدع ذلك الغلام أحد فهو يرثه. واحتج سليمان بأن عمر بن الخطاب كان يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام «1» . وفي مصنف عبد الرزاق قال عمرو بن شعيب: زاد في مصنف أبي داود عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى: أن من كان مستلحقا ادعي بعد أبيه، ادعاه ورثته فقضى أنه إن كان من أمة أصابها وهو يملكها فقد لحق بمن استلحقه، وليس له من ميراث أبيه الذي يدّعى له شيء، إلا أن يورثه من استلحقه في نصيبه، وأنه إن كان من ميراث ورثوه بعد أن ادعى فله نصيبه منه، وقضى أنه إن كان من أمة لا يملكها أبوه الذي يدّعى له هو ادعاه فإنه ولد زنا لأهل أمة كانت حرة أو أمة والولد للفراش وللعاهر الأثلب يعني: الحجر «2» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» بإثبات علم الفاقة وتجويز حكم علي رضي الله عنه في ذلك في البخاري ومسلم عن عائشة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليّ ذات يوم تبرق أسارير وجهه، فقال: «ألم تري أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة، وأسامة بن زيد، وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما، وبدت أقدامهما؟ فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض» . «3» من اختلاف العلماء للمروزي الذين يقولون بالقافة والحكم بهم مالك والليث والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق، واستدل الشافعي بما معناه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أثبته ولم ينكر، ولو كان خطأ لأنكره لأن في ذلك قذف المحصنات ونفي الأنساب. وفي الدلائل للأصيلي عن زيد بن أرقم: أن علي بن أبي طالب حين كان باليمن أتي بثلاثة رهط اشتركوا في ولد، فأقرع بينهم وضمن الذي أصابته القرعة بثلثي القيامة لصاحبيه، وجعل الولد له. قال علي: فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقضائي فضحك حتى بدت نواجذه «4» . وفي مصنف أبي داود ونحوه من كتاب محمد بن نصر المروزي: روى يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية مكاتب يقتل بدية الحر بقدر ما أعتق منه» «5» .

_ (1) رواه مالك (2/ 464) وإسناده منقطع. (2) رواه عبد الرزاق (19138) مرسلا، وأبو داود (2265) موصولا في الطلاق. باب في ادعاء ولد الزنا. من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وهو حديث حسن. (3) رواه البخاري (3555) ، ومسلم (1459) ، والترمذي (213) من حديث عائشة رضي الله عنها. (4) رواه أبو داود (2269) و (2270) . من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه. وهو حديث صحيح. (5) رواه النسائي (8/ 45 و 46) (4808 و 4809) . وهو حديث صحيح.

وقال ابن عباس: ويقام على المكاتب حد المملوك، وعن حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة أن مكاتبا قتل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يؤدي ما أدى دية الحر، وما رق منه دية المملوك «1» . وكذلك وقع في مصنف أبي داود من كتاب ابن نصر سفيان بن عيينة عن عمر بن عوسجة عن ابن عباس: أن رجلا مات على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم يجد له النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا عبدا أعتقه، فدفع النبيّ صلى الله عليه وسلم ميراثه إليه «2» . حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار: أن رجلا مات ولم يدع أحدا يرثه، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ابتغوا» ، فلم يجدوا أحدا يرثه، فدفع النبيّ صلى الله عليه وسلم ميراثه إلى رجل أعتقه الميت، وقضى بذلك عمر بن الخطاب «3» . وعن سليمان بن يسار قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بميراث رجل من الحبشة لم يترك ورثا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «انظروا من كان ههنا من مسلمة الحبشة فادفعوا ميراثه إليه» «4» . وفي مصنف عبد الرزاق عن عمرو بن شعيب قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من كان حليفا في الجاهلية فهو على حلفه وله نصيبه من العقل والنصر يعقل عنه من حالفه وميراثه لعصبته من كانوا وقال: «لا حلف في الإسلام، وتمسكوا بحلف الجاهلية، فإن الله لم يزده في الإسلام إلا شدة» «5» . وفي مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج قال: سمعت ابن أبي حسين يقول: خاصم رجل أباه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي يأكل من مالي، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أنت ومالك لأبيك» ، ثم أمر له به، وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «انطلق به فإن أبى عليك فأطلعني على ذلك أعنك عليه» «6» . حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الكريم أن رجلا قال: يا رسول الله إن أبي يسألني مالي. قال: «فأعطه إياه» . قال: إنه يريد أن أخرج له منه، قال: «فاخرج له منه» . قال- وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يوصيه: «لا تعصى والديك وإن سألاك أن تخرج لهما من دنياك فانخلع لهما منها» «7» .

_ (1) رواه النسائي (8/ 46) (4812) . وهو حديث صحيح. (2) رواه أبو داود (4581) من حديث ابن عباس رضي الله عنه وإسناده صحيح. (3) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (29708) وقال: رواه عبد الرزاق في مصنفه. (4) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (11/ 414) . وهو حديث مرسل. (5) رواه عبد الرزاق في المصنف (19200) . وهو حديث منقطع. (6) رواه عبد الرزاق (16635) مرسلا. وقد رواه ابن حبان رقم (410) من حديث عائشة رضي الله عنها أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاصم أباه في دين عليه: فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «أنت ومالك لأبيك» وهو حديث صحيح. (7) رواه عبد الرزاق (16636) . وهو حديث منقطع. وابن جريج مدلس.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في ميراث ذوي الأرحام

«حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في ميراث ذوي الأرحام في مصنف عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له: رجل توفي وترك عمته، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الخالة والعمة» ، يرددها كذلك، ينتظر الوحي فيهما، فلم يأته فيهما شيء، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لم يأتني فيهما شيء» «1» . وفي حديث آخر عن صفوان بن سليم: أن رجلا جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله رجل ترك خالته وعمته ماذا لهما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم رجل ترك خالته وعمته» ، فلم يقل في ذلك شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس لهما شيء» «2» . وفي حديث آخر معمر عن ابن طاوس قال: سمعت بالمدينة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له» «3» . رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الدلائل للأصيلي: سئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ميراث العمة والخالة- وهو على جمل يسير إلى بني عمرو بن عوف- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احبسوا الجمل» ثم رفع رأسه فقال: «اللهم رجل مات وترك عمته وخالته» ، ثم قال في الثانية: «أين السائل؟» ليس لهما شيء «4» . وفي حديث آخر: سئل فسار هنيهة ثم قال: «حدثني جبريل عليه السلام: أنه لا ميراث لهما» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» بمنع القاتل الميراث ومن تأول أنه في قتل العمد قال أبو محمد بن أبي زيد: لما منع الرسول صلى الله عليه وسلم القاتل الميراث بما أحدث من القتل، امتنع أن يكون المريض ما بقي لزوجته من عدّتها شيء أن يمنعها من الميراث بما أحدث من الطلاق. قال غيره: روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ليس لقاتل من

_ (1) رواه عبد الرزاق رقم (19109) والبيهقي في السنن (6/ 212) مرسلا. وقال ابن التركماني: روى النسائي في سنته عن زيد بن أسلم لا أجد لهما شيئا. وعلى تقدير صحته معناه أنه لم ينزل عليه فيهما شيء ثم نزل. (2) رواه عبد الرزاق في المصنف (19111) من حديث صفوان بن سليم. وهو حديث مرسل. (3) رواه عبد الرزاق في المصنف (19122) عن ابن طاوس. وهو حديث منقطع. ورواه رقم (19124) عن عائشة رضي الله عنها موقوفا وهو أصح. (4) رواه بنحوه الحاكم في المستدرك (4/ 344) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وفي إسناده عبد الله بن جعفر المدني: ضعيف. أقول: وله شواهد.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في وصية مسلم شهد عليه نصراني وفي غلام قطعت أذنه وفي إقطاع الصلح وفيمن وجد مع امرأته رجلا

الميراث شيء» «1» . قال مالك: إذا قتله خطأ ورث من المال، ولم يرث من الدية، وإذا قتله عمدا لم يرث من المال ولا من الدية. وأجمع العلماء على أن قاتل العمد لا يرث شيئا من مال المقتول، ولا من ديته، وإنما اختلفوا في قتل الخطأ كما تقدم الذكر. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في وصية مسلم شهد عليه نصراني وفي غلام قطعت أذنه وفي إقطاع الصلح وفيمن وجد مع امرأته رجلا في تفسير ابن سلام قال الكلبي: كان رجل مولى لبني سهم انطلق في تجارة ومعه تميم الداري ورجل آخر، قال- في الدلائل للأصيلي- وهو ابن براء، قال في التفسير: وهما نصرانيان فلما حضر السهمي الموت كتب وصية وجعلها في متاعه، ثم دفعها إليهما فقال: بلّغا هذا أهلي. فانطلقا لوجههما الذي توجها إليه، وفتشا متاع الرجل بعد موته، فأخذا ما أعجبهما منه، ثم رجعا بالمال إلى أهل الميت، فلما فتش القوم المال فقدوا بعض ما خرج به صاحبهم معه، ونظروا في الوصية فوجدوا المال تاما، فكلّموا تميما وصاحبه فقالوا: هل باع صاحبنا شيئا؟ فقالا: لا، فقالوا: هل مرض فطال مرضه فأنفق على نفسه؟ فقالا: لا- علم لنا بما كان في وصيته، ولكنه دفع إلينا المال فبلّغناكموه. فرفعوا الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية: إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ [المائدة: الاية 106] إلى آخرها. فحلفا عند منبر النبيّ صلى الله عليه وسلم دبر صلاة العصر، ثم خلّى سبيلهما، فاطلع على إناء من فضة منقوش مموّه بذهب عند تميم- قال في الدلائل: وجد بمكة، وقال غيره: بيع بألف درهم، فأخذ تميم خمسمائة، وعدي بن براء خمسمائة- فقالوا: هذا من آنية صاحبنا الذي بدا بها معه، وقد زعمتما أنه لم يبع شيئا ولم يشتره، فقالا: إنا كنا قد اشتريناه ونسينا أن نخبركم به، فرفع أمرهما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ [المائدة: الاية 107] . فقام رجلان من أولياء الميت وهما: عبد الله بن عمرو، والمطلب بن أبي وداعة فحلفا: أن ما في وصيته حق، ولقد خانه تميم وصاحبه، فأخذ تميم وصاحبه بما وجد في وصيته لما اطلع الله عليه من خيانتهما «2» .

_ (1) رواه الدارقطني (4/ 96 و 237) ، والبيهقي (6/ 22) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم. وهو حديث حسن. (2) رواه بنحوه الترمذي (3059) وقال: هذا حديث غريب. وليس إسناده بصحيح. من حديث ابن عباس. وانظر ابن كثير (ج/ 1/ 111) باب قوله تعالى: إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ [المائدة: الاية 106] .

وفي معاني القرآن للزجاج يروي أن رجلا من الأنصار كان يقال له: أبو طعمة سرق درعا وجعله في غرارة من دقيق، وكان فيها خرق فانتثر الدقيق من مكان سرقته إلى منزله، فظن أنه سارق الدرع، وخيض في أمره، فمضى بالدرع إلى رجل من اليهود فأودعها إياه، ثم سار إلى قومه فأعلمهم أنه اتهم بالدرع واتبع أثرها فعلم أنها عند اليهودي، وأن اليهودي سارقها، فجاء قوم الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يعذره عند الناس، وأعلموه أن اليهودي سرق الدرع، فهم النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يعذره فأوحى الله إليه وعرّفه قصة الأنصاري أنه خائن ونهاه أن يجادل عنه، وأمره بالاستغفار مما هم به، وأن يحكم بما أنزل الله في كتابه. فقال: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ [النّساء: الاية 107] . يعني أبا طعمة ومن عاونه من قومه وهم يعلمون أنه سارق. ويروى أن أبا طعمة هرب إلى مكة وارتد عن الإسلام، ونقب حائطا بمكة ليسرق أهله فسقط الحائط عليه فقتله «1» . وفي مصنف أبي داود: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أبي نصرة عن عمران بن حصين: أن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء، فأتى أهله إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله انا أناس فقراء. فلم يجعل عليه شيئا «2» . وفي كتاب أبي عبيد، قال أبو عبيد: في حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم إن أبيض بن جمال المأربي استقطعه ماء الثلج بمأرب فأقطعه إياه، فلما ولّى قال رجل: يا رسول الله أتدري ما اقتطعه إنما اقتطعه للماء العدّ. قال: فرجعه منه «3» . وفي الموطأ: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم اقتطع لبلال بن الحارث «4» في كتاب ابن سحنون، وذكره ابن أبي زيد في النوادر: أنها لم تكن خطة لأحد وكانت بفلاة، وقال الأصيلي: هي بقرب المدينة وكانت متملكة.

_ (1) ذكره الزجاج في معاني القرآن قوله تعالى وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ وصدّره بقوله يروى وهو علامة ضعف. وذكره الترمذي بنحوه مطولا رقم (3036) وقال: هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن مسلمة الحراني. وروى يونس بن بكير. وغير واحد هذا الحديث عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن قتادة مرسلا. (2) رواه أبو داود (4590) من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه وإسناده صحيح. (3) رواه أبو عبيد (684) ، وأبو داود (3064) ، والترمذي (1380) في الأحكام وهو حديث حسن بطرقه وشواهده. (4) رواه مالك في الموطأ (1/ 248) ، وأبو داود (3061) في الخراج والإمارة. وهو حديث مرسل- قال الزرقاني في شرح الموطأ: وصله البزار من طريق عبد العزيز الدراوردي عن ربيعة عن الحارث بن بلال ابن الحارث المزني عن أبيه. أقول: قال الذهبي في (الميزان) عن هذا السند في ترجمة الحارث قال أحمد بن حنبل ليس إسناده بالمعروف. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود رقم (2938) وقال أبو عمر. هكذا في الموطأ عن جميع الرواة مرسلا.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في الكلاب

وفي مصنف أبي داود والواضحة عن ابن عباس: أن رجلا أتى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي لا تمنع يد لامس. فقال: «طلقها» ، وفي المصنف: «غربها» ، فقال: أخاف أن تتبعها نفسي. وفي الواضحة: لا أستطيع أن أصبر عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاستمتع منها» «1» . وفي حديث سعد بن عبادة أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أقتله أم أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالسيف شا» ، أراد أن يقول: شاهدا فأمسك، ثم قال: «لولا أن يتتابع الغيران والسكران» . قال أبو عبيد: التتابع: التهافت «2» . «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الكلاب في أحكام ابن زياد القاضي، وكتب إليه بعض القضاة يسأله عن الكلاب فهّمنا- وفق الله القاضي- ما كشف عنه من أمر الكلاب المتخذة في الحضر، فإنها ربما آذت وعقرت وأحدثت من جرح الصبيان ما كان ضررا، وربما شكى إليك من ذلك، وكثرة الشكوى ممن ابتلى، فكتب إليه: فالذي يجب في ذلك- وفق الله القاضي- أن يأمر بقتل الكلاب إلا ما كان لصيد أو زرع أو ماشية، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية أو زرع أحبط الله من أجره قيراطا» «3» . وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الكلاب «4» . وقد أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، فبلغ المأمور بيت امرأة عمياء لها كلب، فأراد قتله فاعترضت المرأة وقالت: إني كما تراني عمياء فهو يطرد عني السباع ويؤذنني بالأذان، فعاد إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأعلمه أمرها، فأمر بقتله، ولم ير لها عذرا فيما اعتذرت به، ثم قال بذلك محمد بن عمر بن لبابة ومن حضر من أهل العلم «5» .

_ (1) رواه أبو داود (2049) ، والنسائي (6/ 67) وقال النسائي: هذا الحديث ليس بثابت. وذكر أن المرسل فيه أولى بالصواب: أقول: ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره في أول تفسير سورة النور. وجوّد إسناده ثم قال: وقد اختلف الناس في هذا الحديث ما بين مضعّف له كما تقدم عن النسائي ومنكر كما قال أحمد. وانظر ما قاله الحافظ ابن حجر في التلخيص (3/ 253) حول هذا الحديث. (2) رواه أبو داود (4417) ، وابن ماجه (2606) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. وفي إسناده ضعف. (3) رواه البخاري (2322) ، ومسلم (1575) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (4) رواه البخاري (3323) ، ومسلم (1570) و (43) ، وابن ماجه (3202) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (5) رواه البيهقي بنحوه في السنن (6/ 8) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وإسناده صحيح.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في حريم الماء

«حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في حريم الماء في النوادر لابن أبي زيد قال ابن نافع: بلغني في حريم البئر العادية خمسون ذراعا، وفي البئر البادية خمس وعشرون ذراعا. أخبرنيه ابن أبي ذئب «1» عن ابن شهاب، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال أشهب: وقد ذكر هذا الحديث عن سفيان، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «في حريم بئر الزرع خمسمائة ذراع» . قال ابن شهاب: لا أدري حريم بئر الزرع هو في الحديث، أو من قول سعيد، وذكر ابن وهب الحديث عن يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب، وذكره في البئر العادية والبئر البادية مثل ما تقدم من نواحيها. وقال: «في بئر الزرع ثلثمائة ذراع من نواحيها» «2» . قال ابن شهاب: وسمعت أنهم يقولون حريم العيون خمسمائة ذراع، وكان يقال: الأنهار ألف ذراع. وكان بئر الزرع بالناضج ثلاثمائة ذراع، وقال ابن شهاب عمن أدرك من العلماء: كانوا يقضون في غياض العيون في رفاق من الأرض تسعمائة ذراع، فإن كانت صلبة من الأرض فأربعمائة ذراع وخمسون ذراعا. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الوكيل يربح فيما وكل على ابتياعه أن الربح لصاحب المال في الواضحة: وحدثني ابن المغيرة عن سفيان الثوري، عن أبي حصين عن حكيم بن حزام: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بدينار يشتري به له أضحية، فاشتراها بدينار وباعها بدينارين، واشترى له أضحية أخرى بدينار، فجاء بها والدينار الفاضل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتصدق به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا بالبركة في تجارته «3» . قال في غير الواضحة: فلو اشترى ترابا لربح فيه. وفي البخاري في باب سؤال المشركين أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر في كتاب بينات النبوة «4» . وفي كتاب ابن شعبان: أن عروة البارقي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا يشتري له بها أضحية،

_ (1) رواه البيهقي (6/ 155) من حديث سعيد بن المسيب موقوفا عليه. (2) رواه البيهقي (6/ 156) مرفوعا. وهو حديث مرسل. (3) رواه البيهقي (6/ 112 و 113) وفي إسناده رجل مجهول. ويشهد له حديث عروة الاتي بعده. (4) رواه البخاري (3636) من حديث عبد الله بن مسعود و (3637) من حديث أنس رضي الله عنه و (3638) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وهو حديث متواتر.

"حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في معان مختلفة

فاشترى به أضحيتين فباع إحداهما بدينار وجاءه بالدينار وبالأضحية. قال: فدعا له النبيّ صلى الله عليه وسلم بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى التراب لربح فيه «1» . وذكر ابن شعبان عن حكيم نحوه بخلاف ما وقع في الواضحة عن حكيم، والأصح عن حكيم ما وقع في الواضحة، وأجمع المسلمون على إجازة الوكالة على تقاضي مال وجب للموكل، أو على دفع مال وجب على دافعه والأصل في ذلك إرسال النبيّ صلى الله عليه وسلم السعاة لقبض الصدقات، وإرساله الولاة لقبض أموال المسلمين الواجبة لهم، وأن بلالا كان على نفقات رسول الله صلى الله عليه وسلم. «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في معان مختلفة في البخاري ومسلم أن رجلا اطلع في حجر النبيّ صلى الله عليه وسلم- وفي حديث آخر- في حجرة في دار النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مذرى يحك به رأسه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينيك، إنما جعل الإذن من قبل البصر» «2» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن امرآ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة فقلعت عينه، لم يكن عليك جناح» «3» . وثبت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نفى الحكم بن أبي العاصي والد مروان عن المدينة، وصار إلى الطائف حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي كذلك مدة خلافة أبي بكر، فلما ولي عمر نفاه أيضا إلى أبعد من المكان الذي كان نفاه إليه أبو بكر، وبقي مدة خلافة عمر، فلما ولي عثمان رده إلى المدينة، فلما دخل عليه قال عثمان: مرحبا بالغريب القريب. وذكر المبرد في كتابه الكامل: أن عثمان استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحكم في ردّه متى أفضى إليه الأمر. وروى ذلك الفقهاء وذكر أحمد بن خالد: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة قال لها: «إني أهديت إلى النجاشي حلّة وأواقي مسك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات، فإن ردت علي فهي لك» ، فكان كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية مسك، وأعطى أم سلمة باقي المسك والحلة «4» .

_ (1) رواه البخاري (3642) ، وأحمد (4/ 376) ، والبيهقي (6/ 112) . من حديث عروة البارقي رضي الله عنه. (2) رواه البخاري (5924) ، ومسلم (2165) ، والترمذي (2710) ، والنسائي (7/ 60 و 61) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه. (3) رواه البخاري (6888 و 2158) ، وأبو داود (5172) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (4) رواه الحاكم (2/ 188) وصححه وقال الحافظ في التلخيص: منكر. ومسلم الزنجي ضعيف. ورواه أحمد (6/ 440) ، وذكره الهيثمي (4/ 147 و 148) وقال: رواه أحمد والطبراني. وفيه مسلم بن خالد-

قال أحمد: وفي هذا دليل على الرجوع في الهبة إذا لم تقبض، والرجوع في الصدقة لا يحل لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. ووقع في البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العائد في هبته كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه» «1» . ووقع أيضا في المدونة والواضحة وفي البخاري وغيره عن أبي هريرة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث وقال لنا: «إن لقيتم فلانا وفلانا» لرجلين من قريش سماهما «تحرقوهما بالنار» ، ثم أتيناه نودعه حين أردنا الخروج فقال: «إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا بالنار، وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن أخذتموهما فاقتلوهما» . وأحد الرجلين: هبار بن الأسود، والاخر: نافع ابن عبد عمر» . وفيما ذكره البزار في مسنده، وذكره ابن إسحاق في السير: إن اسمه نافع بن عبد شمس الفهري، وكانا قد اتبعا زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وقعة بدر في خروجها إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من مكة في جملة من قريش تبعوها، فأول من لحقها: هبّار وصاحبه بذي طوى، وهي حامل في هودج على بعير، فنخس هبار البعير فسقطت زينب وألقت ما في بطنها، وكان حموها كنانة بن الربيع أخو زوجها أبي العاصي بن الربيع خرج معها يقود بها ومعه قوسه وكنانته، فلما أدركوه ترك كنته، ونثر كنانته، ثم قال: والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما، فتكركر الناس عنه. وأتى أبو سفيان في جملة من قريش فقال: أيها الرجل كف عني نبلك حتى أكلمك. فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال: إنك لم تصب، خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا، وما دخل علينا من محمد فيظن الناس إذا خرجت بابنته علانية على رؤوس من بين أظهرنا أن ذلك من ذل أصابنا عن معصيتنا التي كانت، وإن ذلك منا عن ضعف ووهن. فو الله ما لنا في تخلّيها عن أبيها من حاجة، وما لنا في ذلك من ثورة، ولكن ارجع بالمرأة حتى إذا هدأت الأصوات وتحدّث الناس: أن قد رددناها، فسلّها سرا، وألحقها بأبيها، ففعل، فأقامت ليالي حتى إذا هدأت الأصوات، خرج بها ليلا حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه، وكانا قد خرجا معه وكمنا ببعض تلك الشعب، فقدما بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم «3» . وفي السير: أول من رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام بالمنجنيق أهل الطائف. دخل نفر من

_ الزنجي وثقه ابن معين وغيره. وضعفه جماعة. وأم موسى بن عقبة لم أعرفها. وباقي رجاله ثقات من حديث أم كلثوم بنت أم سلمة رضي الله عنها. (1) رواه البخاري (2589) ، ومسلم (1622) ، والترمذي (1289) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (2) رواه البخاري (2954) معلقا، و (3016) موصولا، وأبو داود (2674) ، والترمذي (1571) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (3) رواه ابن أبي شيبة (12/ 389) ، وابن عساكر من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف ليخرقوه، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار، فخرجوا من تحتها فرمتهم ثقيف بالنبل فقتلوا منهم رجالا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب ثقيف، فوقع الناس فيها يقطعون، وتقدم أبو سفيان والمغيرة بن شعبة إلى الطائف فنادى: يا ثقيف أن آمنوا حتى نكلّمكم، فامنوهما فدعا من قريش وبني كنانة ليخرجن إليهما وهما يخافان عليهما السبي فأتين منهن: آمنة بنت أبي سفيان كانت عند عروة بن مسعود له منها داود بن عروة بن مسعود فولدت له داود بن أبي مرة، فلما أتين عليهما قال لهما ابن الأسود بن مسعود: يا أبا سفيان ويا أبا مغيرة ألا أدلكما على خير مما جئتما له، إن مال بني الأسود حيث قد علمنا- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين الطائف نازلا بواد يقال له العقيق، إنه ليس بالطائف مال أبعد رشاء، ولا أشد مؤنة، ولا أبعد عمارة من مال بني الأسود، وأن محمدا كان أقطعه لم يعمره أبدا- فكلماه فليأخذه لنفسه، أو ليدعه لله والرحم. وأن بيننا وبينه من القرابة ما لا يجهل، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه ونزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم في إقامته- وكان محاصرا بالطائف- عبيد فأسلموا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكلم نفر من أهل الطائف بعد ما أسلموا في أولئك العبيد فقال: «هم عتقاء الله» «1» . وفي البخاري أن مروان والمسور بن مخرمة أخبرا عروة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قام حين جاء وفد هوازن فسألوه أن يردّ عليهم أموالهم وسبيهم، فقال: «إن معي من ترون وأحب الحديث إليّ أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين، إما المال وإما السبي، وقد كنت استأنيت بهم» - وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم استأنى بهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف- فلما تبين لهم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا: فإنّما نختار سبينا، فقام النبيّ صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله. ثم قال: «أما بعد: فإن إخوانكم جاؤونا تائبين وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب بذلك فليفعل، ومن أحب أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيئ الله علينا فليفعل» ، فقال الناس: طبنا، فقال: «إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم» فرجع الناس، فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم طيبوا وأذنوا فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن «2» . من الفقه هبة الشيء للغائب ذكره البخاري، اختلاف العلماء في أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونواهيه قال أصحاب الظاهر وبعض أهل الحديث: أوامر النبيّ صلى الله عليه وسلم فرض، ونواهيه حرام. جعلوا قوله كالقرآن، وقال آخرون: أوامره على ما تلقاها العلماء فما حملوه على الفرض فهو فرض، وما حملوه على السنة أو على الندب فهو كذلك، ونواهيه حرام وهذا مذهب أصحاب مالك. ويؤيد ذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه ثلاثا قبل أن

_ (1) رواه الطبري (3/ 82) ، وابن هشام (2/ 302 و 303) ، ومغازي الواقدي (922) ، وابن سعد (2/ 120) . (2) رواه البخاري (2539 و 2540) ، وأبو داود (2693) .

يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» «1» . وقال عليه السلام: «من توضأ فليستنثر ومن استجمر فليوتر» «2» . وليس غسل اليدين عند القيام من النوم والاستنثار بفرض عند أكثر العلماء، ومثل هذا من أوامره عليه السلام كثير ليست فرضا كقوله: «وإذا قال الامام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد» «3» . وفي حديث آخر: «إذا أمن الإمام فأمنوا «4» وإذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن» «5» وكأمره بإغلاق الباب، وإيكاء السقاء، وإكفاء الإناء وإطفاء المصباح «6» . وكقوله: «أعطوا السائل ولو جاء على فرس» «7» . وكقوله: «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين» «8» إنما هي آداب ورغائب: وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد قال: «إذا أمرتكم بأمر أو قال بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه كله» «9» . ومما يؤيد مذهب مالك- رحمه الله- أن أوامر النبيّ صلى الله عليه وسلم على ما تلقاها الصحابة- رضي الله عنهم- ما رواه أبو هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره» ، ثم

_ (1) رواه أحمد (2/ 241) ، ومسلم (278) ، والترمذي (24) ، وابن ماجه (393) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (2) رواه أحمد (2/ 401) ، والبخاري (161) ، ومسلم (237 و 22) ، وابن ماجه (409) ، وأبو داود (140) ، وابن حبان (1438) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (3) رواه أحمد (2/ 459) ، والبخاري (796 و 3228) ، ومسلم (409) ، وأبو داود (884) ، والترمذي (267) ، وابن حبان (1907) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (4) رواه البخاري (780) ، ومسلم (409 و 410) ، وأبو داود (934 و 935) ، والترمذي (250) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (5) رواه مسلم (384) ، وأبو داود (523) ، وابن خزيمة (418) ، وابن حبان (1691) من حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. (6) رواه البخاري (3280) ، ومسلم (2012) ، وأبو داود (3731) و (3732) ، والترمذي (1863) من حديث جابر رضي الله عنه. (7) رواه مالك (996) من حديث زيد بن أسلم. وهو مرسل ورواه ابن عدي في الكامل (4/ 187) في ترجمة عبد الله بن زيد بن أسلم. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وفي إسناده عبد الله بن زيد بن أسلم ضعيف. وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال رقم (6250) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وفي إسناده عمر بن يزيد الأزدي منكر الحديث كما قال ابن عدي. وللحديث شواهد فهو بها حسن. (8) رواه مسلم (2097) ، والموطأ (2/ 916) ، وأبو داود (4139) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (9) رواه أحمد (2/ 482) ، والنسائي (5/ 110) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو حديث صحيح.

يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أظهركم «1» ، وأمره عليه السلام: بغسل الجمعة ولم يتلق ذلك الصحابة على الفرض. ونهيه عن الخليطين «2» ، ونهيه عن القران في التمر «3» ، وعن الأكل من رأس الثريد، وعن التعريس على الطريق «4» ، وشبه ذلك من نواهيه عليه السلام. ومما تلقاه العلماء على التحريم من نواهيه عليه السلام: نهيه عن الذهب بالفضة إلى أجل «5» . ونهيه عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها «6» ، ونهيه عن بيع الطعام حتى يستوي، وعن بيع ما في البطون «7» ، وعن بيع العربون «8» ، وعن بيع المزابنة، وعن المحاقلة والمخابرة «9» ، ونهيه عن أن تصبر البهائم «10» ، وعن المثلة «11» ، وعن التحريش بين البهائم «12» ، وعن تعبير النجوم، وعن التصاوير إلا ما كان رقما في ثوب. وعن صيام يوم الفطر والأضحى «13» والشك «14» ، وغير ذلك كثير.

_ (1) رواه البخاري (2463) ، ومسلم (1609) ، وأبو داود (3634) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (2) رواه البخاري (5601) ، ومسلم (1986) ، وأبو داود (3703) من حديث جابر رضي الله عنهما بلفظ (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزبيب والتمر والبسر والرطب أن يجمع) . (3) رواه البخاري (2489) ، ومسلم (2045) ، وأبو داود (3834) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. (4) رواه مالك في الموطأ (2/ 979) وهو حديث مرسل. قال الزرقاني في شرح الموطأ- قال ابن عبد البر. هذا الحديث مسند من وجوه كثيرة. وهي أحاديث شتى محفوظة. أقول: وللحديث شواهد منها ما رواه مسلم رقم (1926) في الإمارة. (5) رواه البخاري (2180) ، ومسلم (1589) من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه بلفظ (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا) . (6) رواه البخاري (2183) ، ومسلم (1534) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (7) رواه البيهقي (5/ 338) . من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وإسناده ضعيف. (8) رواه مالك في الموطأ (2/ 609) ، وأبو داود (3502) ، وابن ماجه (2192) قال الحافظ في التلخيص (3/ 17) : وفيه راو لم يسم وسمي في رواية ضعيفة لابن ماجه (2193) عبد الله بن عامر الأسلمي. وقيل ابن لهيعة. وهما ضعيفان. (9) رواه البخاري (2186) ، ومسلم (1546) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (10) رواه البخاري (5513) ، ومسلم (1956) من حديث أنس رضي الله عنه. (11) رواه البخاري (2474) من حديث عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه. (12) رواه أبو داود (2562) ، والترمذي (1708) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وإسناده ضعيف. (13) رواه ابن ماجه (1731) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وهو حديث صحيح. (14) رواه الترمذي (686) ، والنسائي (4/ 153) ، وابن خزيمة (1914) من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه. وهو حديث صحيح.

(نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم)

ومما اختلفوا فيه: نهيه عن الشغار «1» ، ونهيه عن أكل كل ذي ناب من السباع «2» ، وعن الوصال «3» ، وعن اشتمال الصماء «4» ، وعن المتعة «5» ، وعن تلقي الركبان للبيع» ، وعن الحكرة «7» ، وعن ثمن الكلب «8» ، وعن الانتباذ في الدباء والمزفت «9» . فتلقاه أكثرهم على التحريم إلا اشتمال الصماء إذا كان عليه ثوب فهو أخف، وأختلف فيه قول مالك: فإن لم يكن عليه ثوب آخر فهو حرام لأن فيه انكشاف العورة، ويبينه نهيه عليه السلام عن أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء. وفي البخاري في كتاب البيوع عن أبي هريرة قال: نهى عن لبستين: عن اشتمال الصماء، وعن أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ثم يرفعه على منكبيه «10» . ونهيه عن أكل لحوم الحمر الأهلية «11» ، قال عبد الله بن أبي أوفى فقلنا: إنما نهى عليه السلام عنها لأنها لم تخمّس، وقال آخرون حرّمها البتة، وسألت سعيد بن جبير فقال: حرّمها البتة. ذكره البخاري في كتاب الجهاد. (نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم) محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

_ (1) رواه البخاري (5112) ، ومسلم (1415 و 57) ، وأبو داود (2074) ، وابن ماجه (1883) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (2) رواه مسلم (1934) ، والبغوي (2795) ، وابن حبان (5280) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (3) رواه البخاري (1963) ، وأبو داود (2361) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (4) رواه البخاري (367) ، ومسلم (1512) ، والنسائي (8/ 210) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (5) رواه البخاري (4216) ، ومسلم (1407 و 29) ، والنسائي (6/ 126) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. (6) رواه البخاري (2165) ، ومسلم (1517) ، وأبو داود (3436) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (7) رواه ابن عدي في الكامل (3/ 135) في ترجمة الربيع بن حبيب من حديث علي رضي الله عنه وفي إسناده الربيع بن حبيب- قال النسائي: منكر الحديث. (8) رواه البخاري (5346) ، ومسلم (1567) ، وأبو داود (3421) من حديث أبي مسعود رضي الله عنه. (9) رواه البخاري (5594) ، ومسلم (1994) من حديث علي رضي الله عنه. (10) رواه البخاري (2145) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (11) رواه البخاري (5521) ، ومسلم (561) ، والنسائي (7/ 203) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

قال الفاكهي «1» : البيت الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة كان في دار محمد بن يوسف أخي الحجاج، فلم يزل على حاله حتى قدمت أم الخليفتين موسى وهارون وهي الخيزران فجعلته مسجدا يصلّى فيه، وأخرجته من الدار. وذكر بعض المكيين: أن ناسا سكنوا هذا البيت ثم انتقلوا منه فقالوا: والله ما أصابتنا فيه جائحة ولا حاجة، فلما خرجنا منه اشتد علينا الزمان. قال عبد الله بن العباس: بعثني أبي العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبت عنده، فسمعته يدعو: اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها شملي، وتلم بها شعثي، وترد بها الفتن عني، وتصلح بها حالي، وتحفظ بها غائبي، وترفع بها شاهدي، وتبيض بها وجهي، وتزكي بها عملي، وتلهمني بها رشدي، وتعصمني بها من كل سوء. اللهم أعطني إيمانا صادقا، ويقينا ليس بعده كفر، ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء، ونزل الشهداء وعيش السعداء، ومرافقة الأنبياء، والنصر على الأعداء «2» . ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين بمكة، لثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول عام الفيل يوم عشرين من نيسان، ونبئ يوم الإثنين وهو ابن أربعين سنة. قاله مالك وغيره من أهل العلم. قال البرقي محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ويقال: أنزل عليه القرآن وهو ابن ثلاث وأربعين سنة. قال مالك توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول، وهو ابن ستين سنة. رواه مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس «3» . وذكر البخاري عن عروة عن عائشة: أنه توفي صلى الله عليه وسلم ابن ثلاث وستين سنة. أقام بمكة خمس عشرة سنة، وبالمدينة عشرا «4» . وزاد ابن عبد البر في كتاب التمهيد: أن الوليد بن مسلم روى عن شعيب عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد المطلب ختن النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم سابعه، وجعل له مأدبة وسماه محمدا. وفيما روي عن ابن وضاح فقالت قريش: لم سميته محمدا وتركت اسمك وأسماء آبائك؟ فقال: ليحمده أهل السموات والأرض.

_ (1) الفاكهي- هو أبو محمد الفاكهي- عبد الله بن محمد بن العباس المكي. صاحب أبي يحيى بن أبي ميسرة- كان أسند من بقي بمكة توفي رحمه الله سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة هـ. (2) رواه الترمذي (3419) في الدعوات مطولا بنحوه. وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي ليلى من هذا الوجه. وابن خزيمة (1119) وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيّىء الحفظ جدا. كما قال الحافظ. (3) رواه مالك في الموطأ (1925) من حديث أنس رضي الله عنه وهو حديث صحيح. (4) رواه البخاري (4466) ، والترمذي (3654) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(ذكر ما كفن فيه النبي صلى الله عليه وسلم) ومن غسله ولحده

(ذكر ما كفن فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم) ومن غسله ولحده في الموطأ وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفّن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة، ويقال أحدهما حبرة «1» ذكره ابن أبي زيد في النوادر، وسحول قرية من قرى اليمن. وقالت عائشة: أحدها الثوب الذي مرّض فيه- رواه ابن مفرّح عن أبي منصور محمد بن سعد عن سفيان بن موسى عن أيوب عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة- وإنهم لما أرادوا غسله أرادوا أن ينزعوا القميص الذي كان عليه، فسمعوا صوتا: لا تنزعوا القميص. فغسل وهو عليه «2» . وفي الواضحة وغيرها: أن الزهري روى عن سعيد بن المسيب: أن الذين غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخلوه في قبره: وعلي بن أبي طالب، والفضل بن العباس، وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. واسم شقران صالح، وقال الشعبي: الرابع عبد الرحمن بن عوف، وقال موسى ابن عقبة: الرابع أسامة بن زيد «3» . وفي السير لابن هشام أن علي بن أبي طالب، والعباس، والفضل بن العباس، وقثم بن العباس، وأسامة بن زيد، وشقران، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم هم تولوا غسله. وأن علي بن أبي طالب أسنده إلى صدره، والعباس والفضل وقثم يقلبونه معه، وأسامة وشقران يصبان الماء عليه، وعلي يغسله وعليه قميص يدلكه به من ورائه لا يفضي يده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلي يقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما أطيبك حيا وميتا. وغسل من بئر لسعيد بن جثامة بقباء يقال لها: بئر القدس «4» . وقال ابن إسحاق: وكفّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين صحاريين وبرد حبرة أدرج فيها إدراجا «5» . وفي الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الإثنين، ودفن يوم الثلاثاء، وصلى الناس عليه أفرادا لا يؤمهم أحد فقال ناس: يدفن عند المنبر، وقال آخرون: بالبقيع، فجاء أبو بكر فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما دفن نبيّ قط إلا في مكانه الذي توفي فيه» . فحفر له وكان

_ (1) رواه مالك (1/ 399) من حديث عائشة رضي الله عنها. (2) رواه مالك (971) وإسناده صحيح. (3) رواه ابن سعد (2/ 212) وهو حديث مرسل. (4) ذكره ابن هشام (ج/ 2/ 662) - وقال: وقال ابن اسحق. وذكره بدون سند. (5) ذكره ابن هشام (2/ 663) وذكره بدون سند.

بالمدينة رجلان أحدهما يلحد والاخر لا يلحد فقالوا: أيهما جاء أولا عمل عمله، فجاء الذي يلحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم «1» . وفي غير الموطأ: الذي يلحد أبو طلحة الأنصاري، والذي لا يلحد أبو عبيدة بن الجراح. وفي السير: فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفر له تحته ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالا: الرجال حتى فرغوا، ثم دخل النساء حتى إذا فرغ النساء دخل الصبيان، ثم دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم «2» . وفي مختصر ابن أبي زيد في آخر كتاب الجامع قال ابن عقبة: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم في بيت عائشة وفي يومها وعلى صدرها حين اشتد الضحى. قال مالك يوم الإثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ودفن يوم الثلاثاء، وقيل: دفن حين زاغت الشمس، وغسله العباس وعلي والفضل بن العباس وشقران مولاه، ويقال صالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا في حفرته ويقال: ومعهم أسامة وأوس بن خولة، وبدأ وجعه في بيت ميمونة ابنة الحارث يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من شهر صفر، ثم انتقل إلى عائشة فمرّض عندها حتى مات صلى الله عليه وسلم. وصلى أبو بكر بالناس في مرضه بأمره عليه الصلاة والسلام سبع عشرة صلاة، وفي كتاب الاجري تسعة أيام.

_ (1) رواه مالك (972) وهو حديث مرسل. (2) ذكره ابن سعد (2/ 220) ، وابن هشام (2/ 663) .

[مصادر الكتاب وأسانيده]

[مصادر الكتاب وأسانيده] قال الفقيه أبو عبد الله محمد بن فرج- أكرمه الله-: الذي حملني على جمع هذا الكتاب أنني وجدت لأبي بكر بن أبي شيبة صاحب المسند- رحمه الله- كتابا من تصنيفه ترجمه بكتاب: أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه إلا أقضية قليلة وهو كتاب صغير، ورأيت فيما روى أبو محمد الباجي عن أحمد بن خالد عن ابن وضاح قال: سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يقول: نظرنا فيما قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بالقضاء فيه فلم نجده إلا نحو مائة حديث. فرأيت أن أتتبع أقضيته صلى الله عليه وسلم تبركا بها ومحبة فيها، حرصا على الاقتداء بها، ووقوفا عند أوامره ونواهيه لقول الله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: الاية 7] ، وقال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [النّور: الاية 63] . فاستخرجتها من موطأ ابن أنس رحمه الله، وتفسير ابن سلام، ومعاني الزجاج، والنحاس، والمفضل، والأحكام لإسماعيل القاضي، والهداية لمكي، ومن مصنف البخاري، وكتاب مسلم، ومصنف عبد الرزاق، ومصنف أبي داود، ومصنف النسائي، ومسند أبي شيبة، ومسند البزار، والسير لابن هشام، وشرح الحديث لأبي عبيد، وللخطابي، والكامل، والمدونة، ومختصر المدونة، والمستخرجة، والواضحة، والنوادر، وكتاب ابن شعبان، والدلائل للأصيلي، وأحكام ابن زياد، وتاريخ ابن أبي خيثمة، وشرف المصطفى، وكتاب الأموال لأبي عبيد، وكتاب الأموال لإسماعيل القاضي، وكتاب محمد بن نصر المروزي، وتفسير الموطأ لابن مزين، وللداودي، وللقنازعي. فذلك أربعة وثلاثون ديوانا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وسلم تسليما. فما وقع فيه من الموطأ فحدثني به القاضي بقرطبة يونس بن عبد الله بن مغيث، عن أبي عيسى يحيى بن عبد الله بن أبي عيسى، عن عمه، عن أبيه عبيد الله بن يحيى، عن أبيه يحيى بن يحيى، عن مالك. وحدثني بمصنف النسائي القاضي يونس المذكور عن القرشي أبي بكر محمد بن معاوية المعروف بابن الأحمر، عن النسائي أحمد بن شعيب. وحدثني بمصنف البخاري أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عابد، عن أبي محمد عبد الله ابن إبراهيم الأصيلي، عن أبي زيد محمد بن أحمد المروزي، عن أبي عبد الله محمد بن يوسف العزبري، عن أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. وحدثني بكتاب مسلم الفقيه المقرىء أبو محمد مكي بن أبي طالب، عن أبي العباس

أحمد بن محمد بن زكريا النسوي، عن محمد بن إبراهيم بن محمد بن سفيان، عن أبي الحسين مسلم بن الحجاج. وحدثني بمصنف أبي داود أبو محمد الفقيه عبد الله بن الوليد الأندلسي القرطبي بمصر إجازة سيقت لي من عنده. قال: حدثني أبو موسى عيسى بن حنيف القروي بالقيروان، عن أبي بكر محمد بن راسة، عن أبي داود. وحدثني بمصنف عبد الرزاق أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عابد، عن القاضي أبي عبد الله محمد بن مفرج قاضي مانقه، عن القاضي بصنعا عبد الأعلى بن محمد عن إسحاق بن إبراهيم بن عباد الديري قال: قرأنا على عبد الرزاق بن همام. وحدثني بمسند ابن أبي شيبة الفقيه أبو القاسم حاتم بن محمد الطرابلسي، عن أحمد بن محمد المقرىء الطلمنكي، عن ابن عون الله عن قاسم بن أصبغ، عن ابن وضاح، عن عبد الله ابن محمد بن أبي شيبة بن أبي بكر. وحدثني بمسند البزار الفقيه المذكور حاتم بن محمد الطلمنكي بن مفرج القاضي المعافري، عن الصموت، عن البزار أحمد بن عمرو بن عبد الخالق. وحدثني بالسير لابن هشام: أبو محمد بن الوليد المذكور، عن أبي محمد عبد الله بن محمد القروي اللمامي، عن عبد الله بن جعفر بن الوليد، عن عبد الرحيم البري، عن ابن هشام، وحدثني ابن الوليد المذكور بغريب الحديث لأبي عبيد، عن الحسن بن إبراهيم عن أبي بكر أحمد بن أبي الموت المكي، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد القاسم بن سلام. وحدثني بمعاني الزجاج عن أحمد بن علي بن الحسن المعروف بالكسائي قال: قرأت على أبي الحسن أحمد بن محمد الحسين المقرىء البغدادي قال: قال أبو إسحاق: قال أبو العباس: وحدثني بها أيضا أبو علي السنوي عن الزجاج. وحدثني ابن الوليد بمعاني النحاس، عن أبي الحسن علي بن إبراهيم الحوفي، عن أبي بكر محمد بن علي الأدفوي عن النحاس. وحدثني بكتاب الأموال لإسماعيل القاضي، عن ابن عمر أحمد بن محمد بن سعد عن الأبهري محمد بن عبد الله عن أبي عمر القاضي، عن إسماعيل القاضي. وحدثني بكتاب ابن شعبان أبو عمر وأحمد بن محمد بن جمهور المرشاي، عن محمد بن أحمد الوشا، عن ابن شعبان. وحدثني بكتاب الشرف: أبو عمرو المذكور، عن مؤلفه أبي سعيد عبد الملك ابن أبي عثمان النيسابوري. وحدثني بالمدونة: الشيخ أبو علي الحداد الحسن بن أيوب عن محمد بن عبدون، عن ابن وضاح، عن سحنون.

وحدثني بالمستخرجة الفقيه أبو المطرف عبد الرحمن بن سعد بن جريج عن ابن أبي مزين عن أبي إبراهيم عن أبي لبابة محمد بن عمر عن محمد بن أحمد العتبي. وحدثني أيضا ببعض المستخرجة القاضي يونس بن عبد الله عن أبي عيسى يحيى بن عبد الله بن أبي عيسى عن محمد بن عمر بن لبابة العتبي، وهي عندي إجازة عن مكي المقرىء عن ابن أبي زيد، عن أبي بكر بن محمد بن اللباد، عن يحيى بن عبد العزيز عن العتبى محمد بن أحمد. وحدثني بمختصر ابن أبي زيد مكي المقرىء عن ابن أبي زيد عبد الله بن محمد. وحدثني بتاريخ ابن أبي خيثمة معاوية بن محمد عن ابن بابل عن قاسم بن أصبغ، عن ابن أبي خيثمة. وحدثني أيضا بكتاب الخطابي عن الأسفاقسي عن الخطابي. وحدثني بالواضحة مكي بن أبي طالب عن ابن أبي زيد عبد الله بن محمد بن مسرور، عن يوسف بن يحيى المعامي عن عبد الملك بن حبيب. فهذا ما انتهى إليّ من أسانيدهم وروايتهم على حسب الاجتهاد والله الموفق لا رب غيره وصلى الله على سيدنا محمد وآله وعترته الطاهرين وسلم تسليما. وقد وقع الفراغ من كتابته في ليلة الجمعة الحادي والعشرين من شهر رجب الفرد الحرام من شهور سنة ست وستين ومائتين وألف من هجرة سيدنا خير البرية عليه أفضل صلاة وأكمل تحية. كتبه بيده الفانية أضعف العباد وأحوجهم إلى غفران ربه في المعاد العبد الفقير: عبد الله ابن عمر بن مصطفى بن إسماعيل بن العارف القدسي الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي الحنفي غفر الله له ذنوبه، وستر عيوبه ولوالديه وللمسلمين حامدا ومصليا والحمد لله رب العالمين. وقد وقع تكملة هذا الكتاب على يد الفقير عبد الغني عبد الفتاح، وذلك في غرة محرم الحرام سنة 1328 غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين آمين. تم بحمد الله تحقيق هذا الكتاب وتخريج أحاديثه على يد العبد الفقير لله طالب العواد غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين يوم يقوم الحساب والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

المحتويات

المحتويات ترجمة المؤلف 5 «باب حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحاربين من أهل الكفر» 10 «باب كيف يساق القاتل إلى السلطان وكيف يقرره على القتل» 11 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن قتل أحدا بحجر» 13 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن ضرب امرأة حاملا فطرحت جنينها» 13 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في القسامة فيمن لم يعرف قاتله» 14 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن تزوج امرأة أبيه» وإرساله عليّ بن أبي طالب إلى ابن عم مارية ليقتله إن وجده عندها، فوجده مجبوبا لا ذكر له فتركه 16 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتيل يوجد بين قريتين» 17 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص بالجرح» 17 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السن وما لم ير فيه قصاصا» 17 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أقر بالزنا وهو محصن» 18 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود بالرجم في الزنا» 19 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في نقض الصلح الحرام وإقامة الحد على الزاني البكر وعلى المريض وصفة السوط 21 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في حد القذف والخمر وما روي عنه في اللواط 22 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السارق يسرق مرارا» 24 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» فيمن سبه من مسلم أو ذمي أو حربي، وفي الساحر كيف يقتل 26 كتاب الجهاد 28 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في أول قتيل قتل من المشركين وأول غنيمة 28 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاسوس» 29 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الأسرى وذكر من قتله النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده وفي الأسير يقتل على غلط 30 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في قريظة والنضير ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم قريظة إلى سعد بن معاذ 34 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الأمان عام الفتح 38

«حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في السهمان وسهمان الغائب وما تعطى المرأة من الغنيمة 43 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» بالسلب للقاتل يوم حنين، وهل تخمس الأسلاب 47 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» فيما حازه المشركون من أموال المسلمين ثم ظهروا عليه وأسلم عليه المشركون 49 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» فيما أهدى إليه معاهد أو حربي 50 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في قسمة ما أفاء الله عليه على حسب ما رآه، وإباحة أكل شحوم المشركين 51 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في أموال بني النضير وقسمة خيبر. وقد تقدم بعض خبرهم 53 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الرسول ألايقتل والوفاء بالعهد للكفار وما نزل في ذلك من القرآن 55 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الأمان وفي أمان المرأة 56 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الجزية بأمر الله عز وجل ومقدارها وممن تقبل وممن لا يقبل منه إلا الإسلام 58 كتاب النكاح 61 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الثيب يزوجها أبوها بغير رضاها 61 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في نكاح التفويض بموت الزوج قبل الدخول 62 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» فيمن تزوج امرأة فوجدها حبلى وفي نفقة المطلقة وعدتها وسكناها 63 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» للزوجة بالنفقة على زوجها وهو غائب وكيف تكون الخدمة عليهما جميعا 64 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الصداق وأقل ما يكون وذكر صداق بناته وزوجاته عليه السلام. 65 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في منع علي بن أبي طالب أن يتزوج على فاطمة رضي الله عنها 66 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في المجوسي يسلم والمرأة تسلم قبل زوجها ثم يسلم 67 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في المعترض ونكاح المتعة 67 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في نكاحه ميمونة 68 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في القسم بين الزّوجات 69 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الرضاع بشهادة امرأة واحدة 69 كتاب الطلاق 71 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في طلاق الحائض 71

«حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الخلع 73 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الأمة تعتق تحت زوج 73 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في المرأة تقيم شاهدا عدلا على طلاق زوجها والزوج منكر 74 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في التخيير 74 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في يمينه فيمن حرم ملك اليمين 75 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» فيمن طلق دون الثلاث ثم راجعها بعد زوج أنها على بقية الطلاق. 77 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الحضانة وأن الأم أحق بالولد وأن الخالة بمنزلة الأم 77 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الظهار وبيان ما أنزل الله عز وجل فيه 78 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في اللعان وإلحاق الولد بأمه 79 كتاب البيوع 81 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في السلم والربا وبيع النخل إذا أبرت واختلاف المتبايعين والخيار. 81 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في التلقي والمصراة والرد بالعيب وإن الغلّة بالضمان 84 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في التفليس وموت المبتاع قبل دفع الثمن ومن اشترى سرقة وهو لا يعلم 85 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الجوائح وما روي عنه فيها 86 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» فيمن يخدع في البيوع والعهدة والرهن في الطعام إلى أجل وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شراه من العدّاء 87 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» بالجمع بين الأم وولدها وحكمه في بيع وشرط واستيجار دليل مشترك 89 كتاب الأقضية 91 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الحقوق بالظاهر وباليمين على المدعى عليه عند عدم البينة وفي المتداعيين يقيم كل واحد منهما بينة ويتكافيان وكيف يحلف المسلم والكافر 91 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في كيفية يمين الحالف 93 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في إحياء الموات وقسمة الماء وضمان الطبيب ومن كسر صحفة والحكم في عقد الخص 94 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الشفعة 96 (2) القسمة والمزارعة 97 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في المساقاة والصلح والمرفق وحريم النخل 98

كتاب الوصايا 101 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الوصية وأنها مقصورة على الثلث 101 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الأحباس 102 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الصدقة والهبة والثواب عليها والعمرى 103 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في المشبهات 107 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في العتق والوصية بالقرعة وحكم ذات الزوج والتدبير وأمهات الأولاد والكتابة 108 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في عتق من مثّل به أو لطم وجهه 111 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في اللقطة 112 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» فيمن قال حائطي صدقة في سبيل الله إنه على الأقارب وتوقيف مال الغائب والتوكيل على القسمة 113 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الودائع والأمانات 114 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في ضمان العارية التي يغلب عليها 115 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في المواريث 117 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» بالولد للفراش ومن استلحق بعد موت أبيه 120 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» بإثبات علم الفاقة وتجويز حكم علي رضي الله عنه في ذلك 121 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في ميراث ذوي الأرحام 123 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» بمنع القاتل الميراث ومن تأول أنه في قتل العمد 123 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في وصية مسلم شهد عليه نصراني وفي غلام قطعت أذنه وفي إقطاع الصلح وفيمن وجد مع امرأته رجلا 124 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الكلاب 126 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في حريم الماء 127 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الوكيل يربح فيما وكل على ابتياعه أن الربح لصاحب المال 127 «حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم» في معان مختلفة 128 (نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم) 133 (ذكر ما كفن فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم) 135 ومن غسله ولحده 135 [مصادر الكتاب وأسانيده] 137

§1/1