أصول العقيدة - عبد الرحيم السلمي

عبد الرحيم السلمي

أصول العقيدة [1]

أصول العقيدة [1] للعلم آداب ينبغي على طالب العلم معرفتها والتأدب بها, أهمها إخلاص النية لله تعالى, وجملة من الآداب المهمة, وعلم العقيدة أول العلوم في الحاجة إلى تلك الآداب, وإلى الإلمام بمسائله, لا سيما مسائل التوحيد العظيمة.

مقدمة في آداب طالب العلم

مقدمة في آداب طالب العلم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو الدرس الأول من دروس أصول العقيدة، وسوف يكون الكلام في هذا الدرس حول ثلاثة أمور: الأمر الأول: مقدمة في آداب طالب العلم. الأمر الثاني: المنهج الذي سنتبعه في هذا الدرس بإذن الله تعالى. الأمر الثالث: الكلام في المسألة الأولى من مسائل أصول العقيدة وهي مسألة: فطرية التوحيد. لقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين يعتنون عناية كبيرة بآداب طالب العلم، وآداب طالب العلم مذكورة في السنة النبوية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة الأدب كما يعلمهم العلم أيضاً، وحديث جبريل الطويل الذي سأل فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان وعن أشراط الساعة تعلم الصحابة رضوان الله عليهم فيه الأدب في السؤال والاستماع والجلوس بين يدي المعلم، ولهذا جاء في آخر الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم). فالأدب في طلب العلم من الدين، ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل كما في صحيح البخاري قصة موسى عليه السلام مع الخضر، وهذا الحديث فيه كثير من الأحكام والآداب، ومن أبرزها أدب طالب العلم. يقول عبد الله بن المبارك: طلبت الأدب ثلاثين سنة، وطلبت العلم عشرين سنة، وكانوا يطلبون الأدب قبل العلم. ويقول أيضاً رحمه الله تعالى: يكاد يكون الأدب ثلثي العلم. وهناك آداب كثيرة لطالب العلم يمكن أن نتحدث عن أبرزها، منها:

إخلاص النية لله عز وجل

إخلاص النية لله عز وجل الأمر الأول: إخلاص النية لله سبحانه وتعالى، فإن هذا العلم من الدين، والدين من شروطه الأساسية التي تجعله مقبولاً عند الله ومباركاً فيه أن يكون خالصاً لوجهه تعالى، يقول الله عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5]، وقال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3]. وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: -وذكر منهم- قارئ القرآن)، وفي بعض ألفاظ الحديث: (وطالب العلم يأتي يوم القيامة فيسأل عن علمه فيقول: طلبت العلم فيك وقرأت القرآن فيك، فيقال له: كذبت، بل طلبت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم يسحب على وجهه فيلقى في النار). وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله لا يريد به إلا عرضاً من أعراض الدنيا لم يرح عرف الجنة)، وعرف الجنة المقصود به: ريح الجنة، وهذا يدل على الترهيب الشديد في أن يطلب الإنسان العلم لغير الله عز وجل. وجاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من طلب العلم ليجاري به العلماء أو يماري به السفهاء لم يرح رائحة الجنة). فينبغي على طالب العلم في أول بدايته لطلب العلم أن يخلص العلم لوجه الله سبحانه وتعالى، ويجعل العلم لله سبحانه وتعالى حتى يكون مقبولاً عند الله، وحتى يكون هذا العلم مباركاً فيه.

معرفة منازل العلم

معرفة منازل العلم الأمر الثاني: ينبغي على طالب العلم أن يعرف منازل العلم، فإن للعلم منازل تحدث عنها أهل العلم، ذكرها سفيان الثوري رحمه الله، وذكرها أيضاً عبد الله بن المبارك، وذكرها ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة، هذا الكتاب العظيم تحدث فيه عن مسألتين: المسألة الأولى: أهمية العلم وكيفية تحقيق العلم. المسألة الثانية: مسألة الولاية وكيف يحصلها الإنسان ويكون ولياً عند الله سبحانه وتعالى. وقد ذكر أهل العلم أن منازل العلم مجموعة فيما يلي: أولاً: النية. ثانياً: الاستماع. ثالثاً: الفهم. رابعاً: الحفظ. خامساً: العمل. سادساً: النشر. أولاً: النية، بأن يكون الإنسان مخلص النية لله سبحانه وتعالى. ثانياً: الاستماع، ومعناه: حسن الإنصات، فإن الإنصات جزء أساسي من أجزاء الفهم، ولا يمكن للإنسان أن يفهم وأن يتأمل إلا إذا أنصت، ولهذا أمر الله عز وجل أن ينصت الإنسان للقرآن: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204]، والقرآن هو أساس العلم. ثالثاً: الفهم، فإن الإنسان لا ينفعه العلم بدون فهم، فالعلم أساسه الفهم، وليس العلم بكثرة الرواية، وإنما العلم الحقيقي العلم الذي يكون بالدراية والفهم وإدراك المسائل على صورتها الصحيحة، فإذا كان الإنسان كثير الرواية قيل عنه: راوي، لكنه إذا كان فاهماً للعلم فإنه يقال عنه: فقيه وعالم، والفقه: هو الفهم. ولهذا جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) أي: يفهمه الدين، ويجعله من أهل الفقه والعلم. ولهذا جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أنتم اليوم في زمان كثير فيه الفقهاء قليل فيه الخطباء، وسيأتي زمان كثير فيه الخطباء قليل فيه الفقهاء. وهو يشير بهذا إلى ذم هذا الزمان الذي يكثر فيه الخطباء الذين يتكلمون، لكنهم قد لا يكونون من الفقهاء الذين يدركون مسائل العلم وأصوله. رابعاً: الحفظ، فالحفظ جزء أساسي من أجزاء العلم، والذي لا يحفظ العلم لا يمكن له أن يكون عالماً، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه العلم كما يعلم أصحابه القرآن أيضاً، كما جاء في حديث الاستخارة في صحيح البخاري عن جابر رضي الله عنه وأرضاه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن)، وهذا يدل على أهمية حفظ العلم، فالعلم بدون حفظ لا يمكن للإنسان أن يحصِّل منه شيئاً. خامساً: العمل بالعلم، فإن العمل بالعلم من أعظم الواجبات، وهو المقصود أصلاً من تعلم العلم، ولهذا قال بعض السلف الصالح مثل سفيان بن عيينة: كنا نستعين على حفظ القرآن وعلى حفظ العلم بالعمل به. فالعمل بالعلم من أعظم الأمور التي يحفظ الإنسان بها العلم. ولهذا جاء عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال: ما سمعت بحديث إلا وعملت به ما سمع بحديث من الأحاديث إلا وقد عمل به، وجمع مسنداً عظيماً وكبيراً يصل إلى الأربعين ألف حديث ما يضع فيه حديثاً حتى يعمل به، وهذا يدل على حرصهم على العمل. ولهذا يقول سفيان: رويت عن علي رضي الله عنه أنه قال: العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل. وألفَّ الخطيب البغدادي رحمه الله كتاباً سماه: اقتضاء العلم العمل، أي: أن العلم يقتضي أن يعمل الإنسان، وأما العلم بدون عمل فهو حجة على الإنسان -والعياذ بالله-، وسيحاسب الإنسان على علمه إذا لم يكن يعمل به؛ لأنه من أول المسائل التي يسأل عنها الإنسان عن علمه ماذا عمل به. سادساً: النشر، والمقصود بالنشر: الدعوة إلى العلم ونصيحة الناس، وتعليم هذا العلم الذي تعلمه، فتعليم العلم له أهمية كبرى.

اتخاذ منهجية مرتبة في تحصيل العلم

اتخاذ منهجية مرتبة في تحصيل العلم الأمر الثالث: ينبغي على طالب العلم أن يجعل لنفسه منهجاً مرتباً في تحصيله للعلم، وذلك بأن يبدأ بتعلم مقاصد العلم قبل تعلم الوسائل، فالعلوم نوعان: علوم مقاصد، وعلوم وسائل. فالعلوم المقصودة لذاتها: هي علم العقيدة، وعلم الفقه، والحديث، والتفسير، فهذه علوم مقصودة في ذاتها. وهناك علوم وسائل، أي: علوم تجعل الإنسان يستطيع أن يفهم بها هذه العلوم، ومنها: علم أصول التفسير، وعلوم القرآن، وعلوم الحديث، وأصول الفقه، والنحو، وما يتعلق بهذه العلوم التي تتعلم لغيرها حتى يتعلم الإنسان بقية العلوم. فينبغي لطالب العلم أولاً أن يبدأ بعلم العقيدة، وعلم الفقه، فيدرس في كل علم من هذه العلوم كتاباً شاملاً مختصراً، يعتني مؤلفه بأصول العلم، ويقررها تقريراً صحيحاً مأخوذاً من النصوص الشرعية، ثم بعد ذلك ينتقل إلى علوم الوسائل. ومن المنهجية في طلب العلم: أن يبدأ الإنسان بصغار العلم قبل كباره، وألا يشتغل بالمصنفات الطويلة قبل أن يضبط الكتب الصغيرة في أي علم من العلوم، وألا يشتغل بالمسائل الخلافية التي فيها تفصيلات وتطويل ونقاش كثير قبل أن يدرك أساسيات المسائل، فإدراك أساسيات المسائل مهم بالنسبة لطالب العلم، فإنه إذا اشتغل بالخلافيات وتتبع الخلاف فإنه لا يستطيع أن يتفهم العلم بصورته الصحيحة، وهذا هو الذي يسميه بعض العلماء: التأصيل، ومعنى التأصيل: أن يبدأ الإنسان بالأصول، فعلم العقيدة فيه أصول، وعلم الفقه فيه أصول، وعلم الحديث فيه أصول، وكل علم من العلوم فيه أصول، فيبدأ الإنسان بهذه الأصول ويفهم هذه الأصول. ومن المنهجية أيضاً في طلب العلم: ألا يستعجل الإنسان في طلب العلم، فبعضهم يريد أن يصبح عالماً أو فقيهاً بسرعة، والسرعة لا تغني شيئاً خاصة في العلم، فالعلم لا يؤخذ بالسرعة وإنما يؤخذ بالتأني، يتفهم الأمور مسألة مسألة ثم بعد ذلك يكون عنده فقه عظيم. جاء أبو حنيفة إلى حماد بن أبي سليمان وسأله عن العلم فقال: تعلم في كل يوم مسألة أو مسألتين وسيصبح لك بعد فترة علم كثير. فالعلم يحصل بالتأني والتدرج والاستمرار، والإنسان إذا استمر في العلم فلو حفظ في كل يوم مسألتين فقط فسيحصل على علم كثير جداً في آخر السنة، وفي السنة التي تليها والتي تليها، أهم شيء أن يواظب الإنسان في طلبه للعلم وألا ينقطع، وعليه أن يبتعد عن الفوضوية والتخبط في طلب العلم. والتخبط: هو أن يدخل الإنسان في درس من الدروس ويستمر فيه ثلاثة دروس أو خمسة إلى عشرة دروس ثم ينتهي ويترك هذه الدروس، أو أن يبدأ في كتاب فيبدأ بمقدمة الكتاب ثم يترك هذه البداية، أو يسمع مجموعة من أشرطة أهل العلم المتخصصين فيستمع إلى الشريط الأول والثاني والثالث ثم يترك البقية. ولهذا مع الأسف يوجد من طلاب العلم من يتذوق الدروس، بأن يحضر الدرس الأول ويكون حريصاً، وتجده مهتماً غاية الاهتمام، فيستمر -كما قلت- وقتاً بسيطاً، ثم يسمع أن هناك درساً آخر فتح فيذهب إليه، ويستمر فيه وقت بسيط، ثم يسمع أن هناك درساً ثالثاً فتح فيذهب إليه، وهكذا يصبح يتنقل بين الدروس لا يحضر إلا أوائل الدروس ثم يتركها، فهذا لا يمكن أن يكون فقيهاً أو عالماً، ولا يمكن أن يحصل العلم المطلوب الذي نتكلم عنه باسم المنهجية في طلب العلم.

العناية بالآداب والأخلاق

العناية بالآداب والأخلاق الأمر الرابع: أن يعتني الإنسان بآدابه وأخلاقه، فيعتني الإنسان بأخلاقه مثل الصدق، وحفظ الأمانة، والأدب مع الوالدين، ومع الأهل، والعناية بالعبادة، والحرص على الأذكار وقراءة القرآن، والبعد عن الذنوب والمعاصي، والحرص على مكارم الأخلاق والآداب وشيم النفوس العالية، وأن يكون الإنسان بعيداً عن خوارم المروءة، وأن يعتني الإنسان بصقل نفسه وتهذيبها وتربيتها، وأن يعتني بتزكية نفسه، ومعنى التزكية النماء، أن ينمي الإنسان نفسه، يقول الله عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7 - 10]، ففي قوله: (قد أفلح من زكاها) سبب ونتيجة، فالسبب: التزكية، والتزكية التنمية، أن ينمي الإنسان نفسه ويطهرها، فينميها ويطهرها من أوساخ المعاصي والآداب الرديئة والأخلاق السيئة، إذاً: السبب أن يزكي نفسه، والنتيجة: الفلاح، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:9]. وأيضاً في المقابل نتيجة وسبب، فالسبب: التدسية، ومعنى التدسية: الإخفاء، كما أن التزكية: النماء والطهارة، فالتدسية ضد التزكية معناها الإخفاء، ولهذا جاء في قصة الذين يدفنون بناتهم قال الله تعالى: {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل:59] أي: يخفيه في التراب. فينبغي على الإنسان أن يعتني بتزكية نفسه، وأن يبتعد عن تدسيتها بالذنوب والمعاصي، فإن نتيجة التدسية الخيبة والخسارة، كما أن نتيجة التزكية الفلاح بإذن الله تعالى. إذاً: ينبغي على طالب العلم أن يعتني بنفسه عناية كبيرة في آدابها، أن يكون لسانه عفيفاً، وأن يكون بعيداً عن الطعن في الناس، والكذب عليهم، والسفه، ونحو ذلك من خوارم المروءة التي لا تليق بأي مسلم، فكيف بطالب العلم الذي ينبغي أن يكون على مستوى عال من الآداب الشرعية؟! وأن يعتني بتهذيب نفسه وتربيتها والعناية بها عناية كبيرة. ولهذا تحدث العلماء عن العناية بالعلم، وقالوا: إن من معنى العناية أن يأخذ الإنسان العلم بالتدرج وأن يفهمه، وأن يعتني بنفسه، وأن يطبق هذا العلم حتى يتعلم العلم والعمل على حد سواء. ولهذا جاء عن بعض السلف أنهم كانوا لا يتجاوزن العشر الآيات من القرآن حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل.

احترام العلماء وتقديرهم

احترام العلماء وتقديرهم الأمر الخامس: أن يحرص طالب العلم على احترام العلماء وتقديرهم، وأن يدعو لأهل العلم، وأن يحرص على الاستفادة منهم، وأن يجتهد في التلقي عنهم، وفي استشارتهم، فإن لأهل العلم منزلة عظيمة، وهذه المنزلة التي لأهل العلم جاءت بسبب العلم الذي يحملونه، ولهذا يقول الله عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. فأهل العلم في رفعة عالية، فيجب على طالب العلم أن يشعر برفعتهم، وأن يستفيد منهم، وأن يتعلم على أيديهم، فطالب العلم لا يمكن له أن يتعلم لوحده، ولا يمكن له أن يتعلم عن طريق الكتب، ولهذا كان بعض السلف يقول: لا تطلب العلم على الصحف، ولا تأخذ القرآن على مصحف. لا تطلب العلم على الصحف، أي: لا تطلب العلم على شخص يقرأ في الصحف فقط، (ولا تقرأ القرآن على مصحف) أي: شخص يعتمد على القراءة بالمصحف فقط، وإنما هذا العلم يؤخذ من أفواه الرجال. ويمكن أن تراجع آداب طالب العلم في كتاب العلم في صحيح البخاري، ومقدمة سنن أبي داود، ومقدمة سنن ابن ماجة، ومقدمة صحيح مسلم، وأيضاً يمكن أن يُرجع إلى كتاب العلم لـ أبي خيثمة زهير بن حرب رحمه الله، وأيضاً إلى آداب المعلمين والمتعلمين لـ محمد بن سحنون المالكي، الإمام المشهور في مذهب الإمام مالك، وأيضاً يمكن أن يرجع إلى كتابين عظيمين لعالمين توفيا في سنة واحدة، أحدهما عالم في المغرب، والآخر عالم في المشرق، أما عالم المشرق فهو أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي رحمه الله، له كتاب اسمه: الجامع في أخلاق الراوي وآداب السامع، والثاني عالم المغرب هو أبو عمر يوسف بن عبد البر القرطبي رحمه الله تعالى، وله كتاب اسمه: جامع بيان العلم وفضله، وكلا هذين العالمين عالم المشرق وعالم المغرب توفيا في سنة أربعمائة وثلاث وستين. وهناك كتب كثيرة متعددة من أبرزها في العصر الحديث: حلية طالب العلم، للشيخ العلامة المحقق بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله تعالى ورعاه.

المنهج المتبع في دروس أصول العقيدة

المنهج المتبع في دروس أصول العقيدة المسألة الثانية التي سنتحدث عنها هنا هي: مسألة المنهج الذي سيكون في هذا الدرس، فكما هو معلوم من عنوان هذا الدرس: أصول العقيدة، فهو ليس مرتبطاً بكتاب معين؛ بل هو موضوعات متعددة لكن لها وحدة واحدة وهي العقيدة، وفي قضايا الأصول في العقيدة، فنحن سنتحدث بإذن الله تعالى عن الأصول في العقيدة مثل: التوحيد والإيمان وما يتعلق بهما من الأنواع والأركان، وما يدخل فيهما من المسائل، وسنتحدت عن البدعة والسنة بإذن الله تعالى، وما يتعلق بهما من المسائل والأحكام. وهناك مسائل دقيقة تفصيلية داخل هذه الموضوعات الكبيرة سنتحدث عنها بإذن الله تعالى، فإذا تحدثنا عن الإيمان سنتحدث عن الكفر وضوابط التكفير، وما يتعلق بهذه المسائل بإذن الله تعالى، وهناك مسائل أخرى سيأتي لها الحديث في وقتها بإذن الله. ولهذا نحن في كل درس سنحدد مجموعة من المسائل وسنتحدث عنها، وسنخوض في هذه المسائل على قدر المستطاع وعلى حسب ظروف الدرس بإذن الله تعالى.

مصطلح العقيدة ومحله من نصوص القرآن والسنة

مصطلح العقيدة ومحله من نصوص القرآن والسنة هنا مسألة مهمة جداً يحتاجها طالب العلم، وهي: مسألة العقيدة، هل اسم العقيدة اسم ورد في القرآن والسنة أم أنه لم يرد هذا الاسم في القرآن والسنة؟ الحقيقة أن اسم العقيدة الوارد في القرآن والسنة هو الإيمان، فالعقيدة مصطلح ذكره العلماء المتأخرون لجملة المسائل التي تتعلق بعقيدة الإنسان، وهذه المسائل تسمى في القرآن: الإيمان، يقول الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]، فالإيمان والسنة هذه هي التي ذكرها العلماء المتأخرون باسم العقيدة، أي: أنه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن هذا المصطلح -وهو العقيدة- موجوداً، لكن كان الموجود هو الإيمان، ومعنى الإيمان: التصديق الجازم بالعقائد الواردة في القرآن والسنة والعمل بمقتضاها. ثم لما ظهرت الفرق الضالة في آخر القرن الأول تقريباً وصار لها رواج، بدأ العلماء يؤلفون في مسائل العقيدة باسم السنة، وذلك أخذاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن رغب عن سنتي فليس مني)، والعلماء يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح. ويمكن أن ننبه إلى قاعدة في المصطلحات وهي: أن المصطلحات هي عبارات تدل على معان، فهي ألفاظ ومعانٍ، فإذا كانت المعاني صحيحة فإنه لا بأس بهذه الاصطلاحات، ولكن إذا كانت المعاني غير صحيحة فإن هذه المصطلحات تكون مذمومة، ولهذا سميت العقيدة بأسماء متعددة، فسميت: الإيمان، والتوحيد، والسنة، وأصول الدين، ونحو ذلك من الأسماء، وأما الأسماء البدعية فهي مثل من سماها بعلم الكلام، فعلم الكلام هو علم اخترعه بعض المبتدعة الذين اشتغلوا بمناظرة النصارى والزنادقة وأصحاب الديانات الوثنية الأخرى، فأسسوا علماً من خلال هذه المناظرات التي لم تكن على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في المناقشات والمناظرات والحجاج العقلي المشروع، ولهذا أدخلوا في العقائد أموراً مبتدعة، مثل نفي الصفات، ونفي القدر أو إثبات الجبر، وأيضاً القول بأن الإيمان إنما هو مجرد التصديق، وأن العمل لا يدخل في حقيقة الإيمان، ونحو ذلك من المسائل التي ابتدعوا فيها ما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى. ولهذا حذر علماء أهل السنة وحذر علماء السلف من هذا العلم -أعني علم الكلام- لأنه علم مبتدع، فلم يحذروا منه لكونهم استخدموا مصطلحات جديدة مثل: العرض، والجسم، والجوهر الفرد، ونحو ذلك، وإنما لكون هذه المصطلحات تتضمن معاني باطلة، مثل المصطلحات التي استخدمها الصوفية، فالصوفية يتحدثون في السلوك، والسلوك من مسائل الإيمان أيضاً، لكنهم تحدثوا بلغة وبمنهج بدعي، فهم يتكلمون عن الفناء، والسكر، والشطح، ونحو ذلك من المصطلحات التي يأتون بها، وهي تدل على معان باطلة مخالفة للسنة، ولهذا نهى أهل العلم عن علم الكلام وعن التصوف من هذا الباب، فهم لم ينهوا عنه لكونه اشتمل على مصطلحات، أو لأنه علم جديد، بل نهوا عنه لأنه يتضمن مناقضات لأصول الدين وأصول العقيدة. فينبغي لطالب العلم أن يدرك هذه المقدمة قبل أن نبدأ في الحديث عن أصول العقيدة.

فطرية التوحيد

فطرية التوحيد المسائل التي سنتحدث عنها إن شاء الله في بداية هذه الدروس هي مسائل التوحيد، ونحن سنتحدث في مسائل التوحيد عن مجموعة مسائل: المسألة الأولى: مسألة فطرية المعرفة. المسألة الثانية: أول واجب على المكلف. المسألة الثالثة: أقسام التوحيد. المسألة الرابعة: توحيد الربوبية. المسألة الخامسة: قواعد في توحيد الألوهية. المسألة السادسة: قواعد في توحيد الأسماء والصفات. فهذه ست مسائل كبرى أساسية وأصلية في باب التوحيد، ينبغي علينا أن ندرسها وأن نفهمها وأن نفقهها، ثم ننتقل بعد ذلك إلى باب كبير آخر من أصول العقيدة بإذن الله. وسنبدأ أولاً بالكلام على المسألة الأولى وهي مسألة فطرية التوحيد: ومعنى فطرية التوحيد: أن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الإنسان خلقه وهو مفطور على معرفة الله عز وجل، وعلى الشعور بالتأله لله سبحانه وتعالى، وهذا المعنى وهذا المفهوم دلت عليه النصوص الشرعية من القرآن والسنة، يقول الله سبحانه وتعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30]، ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها؟)، ثم قرأ أبو هريرة رضي الله عنه الآية السابقة من سورة الروم. هذه الآية والحديث في موضوع الفطرة، وموضوع الفطرة من الموضوعات التي وقع فيها خلاف كبير، ولكن هناك جوهر لموضوع الفطرة سنتحدث عنه بإذن الله تعالى.

معنى الفطرة

معنى الفطرة فسر بعض العلماء الفطرة: بأن المقصود أن المولود يولد كالصفحة البيضاء ليس مكتوباً فيها أي شيء من الأشياء، فهو ليس مفطوراً على التوحيد، كما أنه ليس مفطوراً على ضده، فهو يخرج من بطن أمه ليس عنده معرفة ألبتة؛ بل يخرج وليس في نفسه شيء، ثم بعد ذلك يحصل أن يتأثر بالبيئة المحيطة به، وقد تزعم هذا الرأي الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في كتابه التمهيد في شرح الأحاديث المرفوعة في الموطأ، وتحدث وأطال الحديث في هذا التفسير. والصحيح أن هذا التفسير للآية والحديث تفسير غير صحيح، وستأتي الإشارة إلى ذلك بالتفصيل بإذن الله تعالى. المعنى الثاني الذي أشار إليه بعض العلماء في تفسير هذه الآية وهذا الحديث: هو أن الإنسان يولد وفي نفسه استعداد لتقبل التوحيد واستعداد لتقبل غير التوحيد، والفرق بين هذا الرأي والرأي الذي قبله: أن الرأي الذي قبله لم يتعرض لموضوع الاستعداد، بينما هذا الرأي فيه معنى جديد وهو القابلية والاستعداد للتوحيد وضده أيضاً، ولكن هذا الرأي ليس فيه أن الفطرة تقتضي أن يكون الإنسان مولوداً على توحيد الله سبحانه وتعالى. وهناك آراء أخرى مختلفة حول موضوع الفطرة. ولكن المعنى الصحيح والمفهوم الصحيح من هذه الآية والحديث: أن الإنسان عندما يخرج من بطن أمه يكون مفطوراً على توحيد الله، وليس معنى كونه مفطوراً على توحيد الله أن عنده معلومات تفصيلية عن أحكام دين الله عز وجل، وإنما معناه: أن الإنسان عندما يولد تكون عنده معرفة لله عز وجل، معرفة جملية مخلوقة فيه لا يمكن له أن يعبر عنها. وذلك أن المولود الصغير أول ما يخرج من بطن أمه يكون لديه علوم ضرورية يقوم بها بدون أي معلومات، فالطفل الصغير ليس عنده أي معلومات، فمثلاً: أول ما تعطيه أمه الثدي يلتقمه مباشرة ويمصه، ما الذي عرف هذا الطفل أن في هذا الثدي غذاء له؟ هذه معرفة خلقها الله عز وجل فيه، وهو يقوم بها بدون أي معلومات تترتب على العقل أو تترتب على الدماغ، فهي أشياء موجودة في نفسه. وبناءً على هذا نقول: إن الإنسان أول ما يولد يكون مفطوراً على التوحيد، بمعنى: أنه أول ما يولد عنده شعور بالله عز وجل، وعنده شعور بتوحيد الله سبحانه وتعالى، وعنده شعور بالتأله لله عز وجل، لكن هذا الشعور شعور مجمل وشعور عام غير تفصيلي، ثم بعد ذلك عندما يعقل ويكبر فإن الرسل تفصل له هذه الأمور المجملة. والدليل على هذا الفهم للفطرة: أن الآية واضح فيها المدح لهذه الفطرة، فالله عز وجل يقول: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ} [الروم:30]، فهذه الإضافة إلى الله سبحانه وتعالى بقوله: (فطرة الله) تدل على أن هذه الفطرة ممدوحة، ولو كانت هذه الفطرة لا تقتضي معرفة الله عز وجل وتوحيده لما كانت ممدوحة، بمعنى: لو كانت بياضاً ليس فيها شيء كالورقة البيضاء، فإن الورقة البيضاء في حد ذاتها ليست ممدوحة؛ لأنه ليس فيها شيء ممدوح مثل معرفة الله، وليس فيها شيء مذموم مثل ضد ذلك، فالفطرة هنا فطرة ممدوحة، والإضافة إلى الله عز وجل تدل على أنها ممدوحة، فإن الإضافة إلى الله عز وجل نوعان: إضافة صفات، وإضافة أعيان. فإضافة الصفات: المقصود بها إضافة الأوصاف إلى الله عز وجل، مثل: وجه الله، وعين الله، ويد الله، فهذه الأمور إضافتها إلى الله إضافة صفات، وأما إضافة الأعيان -والمقصود بالأعيان هي الأمور التي تقوم بذاتها، والصفات هي الأمور التي لا تقوم بذاتها- فإضافة الأعيان إلى الله سبحانه وتعالى لها نوعان: إضافة مدح وتشريف، وإضافة خلق، فإضافة الخلق مثل قول الله عز وجل: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس:13]، أو أي مخلوق من المخلوقات، فالكافر مثلاً تقول: إنه مخلوق لله، فتضيف خلقه إلى الله، مع أنه كافر، ولكن تضيفه إلى الله سبحانه وتعالى على سبيل الخلق. وهناك إضافة مدح وتشريف، مثل إضافة البيت، تقول: بيت الله، ويقول الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:63]، فهذه إضافة مدح، وقال تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن:19]، فهذه الإضافة إلى الله سبحانه وتعالى إضافة مدح وتشريف، فإضافة الفطرة من هذا النوع. قال الله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30]، ومعنى قوله: (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) أي: أن الله عز وجل عندما خلق الإنسان فإن الناس كلهم خلقهم على هذه الهيئة، وهي أنهم يولدون مفطورين على توحيد الله سبحانه وتعالى، {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30]. وأيضاً: يدل الحديث على أن هذه الفطرة تقتضي وتتضمن معرفة الله سبحانه وتعالى وتوحيده، يقول صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة)، وفي

دلالة حديث: (خلقت عبادي حنفاء) على فطرة التوحيد

دلالة حديث: (خلقت عبادي حنفاء) على فطرة التوحيد يدل على الفطرة أحاديث كثيرة جداً، منها: الحديث القدسي في صحيح مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين)، والحنيف معناه: المائل عن الشرك، ولهذا سمي الأحنف بن قيس أحنفاً -مع أنه صخر بن قيس - لكن سمي بـ الأحنف وراج هذا الاسم لأنه كان في رجليه حنفة، كانت رجلاه مائلتين، وهو سيد مشهور سيد تميم، وكان يضرب به المثل في الحلم. ومعنى الحنيف: المستقيم على طاعة الله عز وجل، والحنيف من كلمات الأضداد، ففي اللغة العربية كلمات تستخدم لمعاني متعددة، فمثلاً: كلمة (بصير)، تستخدم للرجل المبصر الذي يرى، وللأعمى، وكلمة: (مفازة) تستخدم للشيء الذي فاز فيه الإنسان، وتستخدم أيضاً للصحراء المهلكة، وكلمة (السدفة) تستخدم للظلمة، وتستخدم أيضاً للنور، فهذه من كلمات الأضداد، والعرب يستخدمونها في هذه الأشياء السيئة من باب التفاؤل. فالحنيف معناه: المائل عن الشرك، ولهذا وصف الله عز وجل إبراهيم عليه السلام بأنه كان حنيفاً فقال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120]، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بعثت بالحنيفية السمحة) أي: المائلة عن الشرك. فقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (خلقت عبادي حنفاء) معناه: أنه خلقهم على توحيد الله سبحانه وتعالى، بل جاء في رواية صحيحة أنه قال: (خلقت عبادي حنفاء مسلمين فاجتالتهم الشياطين)، وإذا قارنت بين حديث أبي هريرة في الفطرة، وبين حديث عياض بن حمار المجاشعي في قول الرب سبحانه وتعالى: (خلقت عبادي حنفاء مسلمين)؛ تجد التطابق، فالجميع على الفطرة، حنفاء مسلمين، ثم يحصل لهم بعد ذلك التأثر، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، وفي الحديث الآخر قال: (فاجتالتهم الشياطين).

دلالة الميثاق المأخوذ من بني آدم على فطرة التوحيد

دلالة الميثاق المأخوذ من بني آدم على فطرة التوحيد ومن أدلة الفطرة المشهورة الميثاق الذي أخذه الله سبحانه وتعالى على الناس، ويدل على ذلك آية الأعراف المشهورة، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف:172 - 173]، فهاتان الآيتان في سورة الأعراف تدلان على الميثاق، وقد اختلف أهل العلم في صورة الميثاق: هل الميثاق هو أن الله عز وجل أخرج الناس حقيقة من ظهور آبائهم وجمعهم في مكان واحد، وأنه حصل هناك سؤال من الله عز وجل بقوله: ألست بربكم؟ وأن الخلق أجابوا بمنطق صريح بقولهم: بلى شهدنا، ونحو ذلك؟ فهل كان الميثاق بهذه الصورة كما يدل عليه ظاهر الآية أم أن الميثاق المقصود به أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق على الفطرة فجعل هذه الآية على شكل ضرب المثال؟ يرى شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمها الله: أن هذه الآية تدل على الفطرة، وأن الميثاق لم يكن ميثاقاً حقيقياً، ويرى بعض السلف ومنهم ابن جرير الطبري أن الميثاق كان حقيقياً، ويستدلون بأحاديث واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. وعلى كل حال: نحن لا نريد التفصيل في موضوع الميثاق، وإنما في دلالة الميثاق، فالذين قالوا بأن الميثاق حقيقي، وأن الله عز وجل أخرج الناس مثل الذر في مكان واحد، والذين قالوا: إن الدلالة تدل على الفطرة، الجميع يتفق على أن معرفة الله عز وجل وعلى أن توحيد الربوبية وعلى أن التوحيد والتأله لله عز وجل يولد عليه الإنسان مفطوراً، فدلالة الميثاق تدل على الفطرة أيضاً، وهو أن الله عز وجل خلق الإنسان مفطوراً على توحيد الله سبحانه وتعالى، وإخلاص العبودية له، وإن كان هذا على سبيل الإجمال وليس على سبيل التفصيل.

الأسئلة

الأسئلة

فطرة التوحيد ومدى قيام الحجة بها على الخلق

فطرة التوحيد ومدى قيام الحجة بها على الخلق Q هل هذه الفطرة وهل هذه الخلقة الأولية كافية في إقامة الحجة على الخلق، أم لا بد من الحجة الرسالية ببعثة الرسل؟ A هذه الفطرة وحدها ليست كافية في إقامة الحجة على الخلق، بل لابد من بعثة الرسل، فبعثة الرسل شرط أساسي في قيام الحجة، ومن قال أن هذه الفطرة وحدها كافية في إقامة الحجة على الخلق فقد أخطأ، ويترتب على هذه المسألة مسائل كثيرة تفصيلية، ليس هذا المقام مقام تفصيلها، مثل موضوع أهل الفترة، وما يتعلق بالأشخاص الذين لم تبلغهم الرسالة، ويتعلق بها مسألة أصولية يبحثها العلماء في أصول الفقه، وهي: مسألة الوجوب هل يتم بالعقل أم لابد من وجود الشرع فيه؟ وكل هذه مسائل تفصيلية، ونحن يهمنا الحديث عن أصول العقيدة، فهذه المسألة -وهي فطرية التوحيد- سيكون لها ارتباط بشكل كبير ومباشر بموضوع أول واجب على المكلف، وبموضوع أقسام التوحيد بإذن الله تعالى.

كتب في العقيدة

كتب في العقيدة Q ما هي أهم الكتب المبسطة في العقيدة؟ A هناك كتب كثيرة في العقيدة يمكن أن يبدأ بها الإنسان، وهي كتب سهلة وبسيطة، مثل: الأصول الثلاثة، والقواعد الأربع للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب أيضاً، وهو كتاب سهل، وقد شرح شروحاً تفصيلية طويلة جداً، مثل: تيسير العزيز الحميد، والقول المفيد، وهناك شروح مختصرة مثل: القول السديد، والدر النضيد، فهذه شروح مختصرة، ومثل القول المختصر المفيد للشيخ صالح الفوزان، فهذه كتب مختصرة يمكن للإنسان أن يستفيد منها في دراسة كتاب التوحيد أول الأمر. ومن الكتب المختصرة في العقيدة: كتاب أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة المنصورة، للشيخ حافظ الحكمي رحمه الله، ومنها أيضاً منظومة سلم الوصول له، وشرح سلم الوصول وهو معارج القبول، وهي من المنظومات الممتازة والشروح الممتازة الواضحة في هذا الباب. وهناك كتب كثيرة في باب العقيدة، منها: كتاب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: العقيدة الإسلامية، ومنها كتاب الشيخ عبد العزيز رحمه الله: العقيدة الصحيحة وما يضادها، ومنها شرح مفصل للشيخ محمد بن عثيمين عن شرح أركان الإيمان، وهو كتاب صغير لكنه ممتاز ومركز، وكلام الشيخ رحمه الله من أجود الكلام وأدقه، وكان رحمه الله من أدق الناس عبارة، فعبارته دقيقة للغاية. وأيضاً من الكتب: سلسلة الشيخ الدكتور عمر سليمان الأشقر: العقيدة في الله، وعالم الملائكة الأبرار، والرسل والرسالات، واليوم الآخر في ثلاثة أجزاء، فهي من الكتب الممتازة المفيدة لطالب العلم.

المقصود بصغار العلم

المقصود بصغار العلم Q ما هي صغائر العلم؟ واذكر لنا بعض الكتب في ذلك؟ A صغائر العلم أي: الشيء الأساسي، أي: أن كل علم من العلوم فيه أشياء أساسية لا يمكن للإنسان أن يغفلها، فإذا أتيت للعقيدة فلابد أن تعرف التوحيد ولابد أن تعرف الإيمان، ولابد أن تعرف أركان الإيمان، مثل الإيمان بالله وملائكته وكتبه واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، ولابد أن تعرف الإيمان والكفر، ولابد أن تعرف نواقض الإيمان والإسلام، ولابد أن تعرف السنة والبدعة وخطورة البدع، فهذه أمور أساسية أول ما تدخل في هذا العلم لابد أن تعرف هذه العلوم، ثم هناك مسائل تفصيلية ودقيقة يمكن للإنسان أن يأخذها بعد ذلك.

الطريقة الصحيحة للتضلع في علم العقيدة

الطريقة الصحيحة للتضلع في علم العقيدة Q كيف أكون متأصلاً في العقيدة؟ A هذا أجبنا عنه ضمن المقدمة المتعلقة بالمنهجية في طلب العلم، فابتدأ بكتاب مختصر في العقيدة، وادرسه واحفظ مسائله، ثم انتقل إلى كتاب آخر أوسع، ثم انتقل إلى أوسع منه، وهكذا ولا تستعجل، الزهري رحمه الله يقول: من رام العلم جملة فقده جملة، أي: أن الذي يريد أن يدرس العلم جملة واحدة يفقده دفعة واحدة، فلا يمكن للإنسان أن يأخذ كتاباً مثلاً من الكتب الكبيرة ويقرؤه في يوم وليلة، ويظن أنه حصل العلم؛ بل ينبغي أن يدرس المسائل مسألة مسألة حتى يحفظها ويتقنها ثم ينتقل إلى المسألة التي تليها وهكذا.

حكم القنوت في النوازل

حكم القنوت في النوازل Q هل يجوز دعاء القنوت للنوازل بالعموم؟ A القنوت في النوازل وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على قبيلة قتلت مجموعة من أصحابه القراء، دعا عليهم شهراً كاملاً، ودعا أيضاً لأصحابه الذين منعتهم بعض القبائل من أن يهاجروا إليه، وهي واردة، وقد تحدث أهل العلم في مسألة قنوت النوازل بشكل تفصيلي، وهي من مسائل الفقه المشهورة.

إمكانية تحصيل العلم في غير الجامعات

إمكانية تحصيل العلم في غير الجامعات Q هل يجب أن أدرس في الجامعة حتى أحصل على العلم الشرعي بطريقة صحيحة، مع العلم أن ظروف عملي لم تسمح لي بإكمال الدراسة الجامعية؟ A كيف ستدرس في الجامعة إذاً؟! إذا كانت ظروف عملك لا تسمح لك فأنت غير قادر على الدراسة في الجامعة، لكن لا يعني هذا أن الإنسان إذا لم يقدر على الدراسة في الجامعة أنه لن يقدر على تحصيل العلم، بل إنه يقدر على تحصيل العلم، فهناك كثير من المشايخ وطلاب العلم لم يدرسوا في جامعات وأصبحوا علماء، فأهم شيء هو الإرادة والعزم والصدق وإخلاص النية لله عز وجل، وأن يتخذ الإنسان برنامجاً محدداً، وحينئذ سيستطيع أن يصل إلى أشياء كثيرة لم يصل إليها المتخرجون من الجامعات بل أصحاب الماجستير والدكتوراه.

الرد على المحتج بتقليد أبويه في الضلالة في الدين

الرد على المحتج بتقليد أبويه في الضلالة في الدين Q سألت شيعياً: لماذا أنت شيعي؟ فأجابني: وماذا تريدني أن أفعل؟ أبواي هكذا! فكيف أرد عليه؟ A نقول له: الدين ليس متعلقاً بالأبوين، بل الدين متعلق بالإنسان نفسه، والله عز وجل أعطاك عقلاً وأعطاك فهماً وأعطاك قدرات تعرف بها الدين الصحيح، فتقليد الأهل والوالدين وتقليد العشيرة والقبيلة هذا هو سبب شرك المشركين الذين وقعوا فيه، وهذا لا ينفعهم أبداً، وليس عذراً عند الله عز وجل، فإن كثيراً من أهل النار هم من أهل التقليد، عرفوا الحق لكن إما أنهم لا يريدون مخالفة الأهل والأقارب والقبيلة، أو يكون مثلاً عندهم ملك ومكانة ومنزلة وسلطان، وهذه كلها ليست عذراً، اقرءوا في القرآن أخبار الأمم المتخاصمة في النار، تجدون أنهم يقلد بعضهم بعضاً، وأن الأتباع يطلبون من الله عز وجل أن يعذب الرؤساء، ثم يقول الله عز وجل: {كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر:48].

الموقف من قولي العلماء في تفسير آية الميثاق

الموقف من قولي العلماء في تفسير آية الميثاق Q بالنسبة للميثاق هل يضر إذا تمسكنا بأحد رأيي العلماء؟ A أنا ذكرت دلالة الميثاق على الفطرة، أما تفصيل الميثاق فالأصل في الآية أن تكون على ظاهرها، وهذه من المسائل الدقيقة وليست من المسائل الأصلية في العقيدة، وليس هناك ضرر لو أن الإنسان لم يبحثها، فهي ليست من الأصول، فإن الأصول هي أركان الإيمان وأركان الإسلام، وما يتعلق بها. أسأل الله عز وجل أن يوفقني وإياكم لكل خير. وصلى الله وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

أصول العقيدة [2]

أصول العقيدة [2] أول واجب على المكلف هو توحيد الإلهية, وهو إفراد الله عز وجل بالعبادة, فمن اعتقد ربوبية الله تعالى لخلقه ولم يفرد الله تعالى بالعبادة فقد أشرك بالله تعالى, فالواجب على العبد توحيد الله تعالى في الربوبية وتوحيده في الإلهية وتوحيده في أسمائه وصفاته سبحانه, وتلك هي أقسام التوحيد الواجب بالنظر إلى الخالق جل وعز, وأما أقسامه بالنظر إلى المخلوق فتوحيد المعرفة والإثبات, وتوحيد القصد والطلب.

توحيد الألوهية أول واجب على المكلف

توحيد الألوهية أول واجب على المكلف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد: فأول واجب على المكلف بإجماع أهل السنة والجماعة هو توحيد الألوهية، والأدلة على ذلك كثيرة، ومن أصرح الأدلة وأوضحها الحديث الثابت في الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أرسله إلى اليمن معلماً لهم قال له: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، وجاء في رواية أخرى: (فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى أن يوحدوا الله)، وهذه الرواية في البخاري إلى آخر الحديث. فهذا الحديث صريح في أن أول واجب على المكلف هو توحيد الألوهية، والسبب في هذا هو أن توحيد الألوهية شامل لمعرفة وجود الله عز وجل ولتوحيد الربوبية ولتوحيد الأسماء والصفات، ولهذا يقول الله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19]. قال البخاري: فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، والعلم مقيد بلا إله إلا الله، ومعنى لا إله إلا الله هو توحيد الألوهية، فتوحيد الألوهية هو أول واجب، وهو الذي جاءت به الرسل وأنزلت من أجله الكتب، وهو الذي بدأ به كل رسول بعثه الله عز وجل إلى قومه أن: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59]، ويقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، وتوحيد الألوهية معناه: إفراد الله بالعبادة. إذاً: أول واجب على المكلف أن يفرد الله عز وجل بالعبادة، فلا يعبد إلا الله سبحانه وتعالى ولا يصرف أي عمل من الأعمال التي هي من العبادات إلا لله سبحانه وتعالى، وهذا هو الإيمان المنجي، والاكتفاء بتوحيد الربوبية ليس منجياً عند الله سبحانه وتعالى. ولو أن إنساناً اعتقد أن الله الخالق الرازق المحيي المميت واكتفى بهذا، ولم يفرد العبادة لله عز وجل، بل عبد الله وعبد غيره، فإن هذا لا يكون كافياً، بل يكون من المشركين. ولهذا فإن أهل الشرك عندهم نوع من الإيمان، فكانوا يعترفون بأن الله موجود، وأنه الخالق الرازق المحيي المميت، ومع أن هذا من الإيمان إلا أنه لم يكن كافياً ومنحنياً، بل لابد من إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، يقول الله عز وجل: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106]، فأثبت لهم هنا نوعاً من الإيمان، لكنه ليس كافياً، قال ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه: إذا سألتهم من خلق السماوات؟ قالوا: الله، ومن خلق الأرض؟ قالوا: الله، ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله، يعبدون غير الله سبحانه وتعالى. ولهذا كان حقيقة شرك المشركين هي عبادة غير الله سبحانه وتعالى مع الإقرار لله عز وجل بالربوبية، يقول الله عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25]، فهم يعرفون أن الله سبحانه وتعالى خالق السماوات والأرض، وهم يعرفون أن الله عز وجل هو المدبر وحده، ولهذا فقد كانوا يعظمون البيت والأشهر الحرم، ويمنعون القتال فيها، وكانوا يحلفون بالله، بل إن قوم عاد الذين أهلكهم الله سبحانه وتعالى أخبر الله عز وجل أنهم تقاسموا بالله، يعني: تحالفوا بالله، فهذا يدل على أنهم يعرفون الله عز وجل، وإلا ما حلفوا به، بل إنهم يزيدون على المعرفة بالله أنهم يعظمون الله، لكن هذا التعظيم لم يكن كافياً. إذاً: حقيقة الإسلام هو الاستسلام لله في العبادة، فمن فهم هذه القضية فهم الإسلام دين الله سبحانه وتعالى، وتعتبر هذه القضية من أصول الدين التي لا يقبل للإنسان عذر في جهلها، وأنه لا تكون نجاة عند الله إلا بإفراد الله بالعبادة وإثبات نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم وجود النواقض التي تنقض هذه الأمور.

سبب الخلاف بين أهل السنة والقبوريين

سبب الخلاف بين أهل السنة والقبوريين أول واجب على المكلف هو إفراد الله تعالى بالعبادة؛ لأن الأمور الأولية في العقيدة فطرية، فمعرفة الله عز وجل فطرية، ومعرفة ربوبية الله عز وجل فطرية جملة، والتأله لله عز وجل والحاجة إليه فطرية بالجملة، وهذا معنى الفطرة. وهذه القضية وقع فيها خلاف عميق في تاريخ المسلمين بين أهل السنة والجماعة الذين هم أهل الحق وبين أهل الكلام المذموم من الأشاعرة والمعتزلة والماتريدية وغيرهم، ولهذا فإن الخلاف القائم الآن بين أهل السنة من جهة وبين القبوريين من جهة أخرى فيما يتعلق بتعظيم القبور والطواف حولها والذبح والنذر لأصحاب هذه القبور ونحو ذلك من الشركيات أساسه عائد إلى هذه القضية أو المسألة، فأهل السنة تقريرهم للتوحيد كما سبق؛ ومعرفة الله عز وجل فطرية دلت عليها النصوص الشرعية الواضحة. وتوحيد الربوبية كما أنه فطري في الجملة فإنه لم يكن موطن إشكال أصلاً بين الأمم، فكل الأمم كانت تعترف بأن الله عز وجل هو الخالق والرازق والمحيي والمميت ونحو ذلك، بل إن أول أمة نزلت على ظهر الأرض آدم وأبناؤه، وقد كانوا على التوحيد لمدة عشرة قرون، أي: ألف سنة، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا على التوحيد لمدة عشرة قرون، ثم حصل الشرك في قوم نوح، فأرسل الله عز وجل إليهم نوحاً وكان أول رسول أرسله الله عز وجل إلى الإنسانية، فدعاهم إلى الله، وكان شرك قوم نوح في العبادة، ولم يكن في معرفة الله عز وجل أو إنكار وجوده، أو ادعاء أن هناك خالقاً أو رازقاً مع الله، قال الله عز وجل: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [البقرة:213]، فقد قال ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان آدم وبنوه على التوحيد عشرة قرون). وقال الله عز وجل حاكياً عنهم: {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح:23]، فهذه أسماء رجال صالحين كانوا في قوم نوح كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه، وكانوا مضرب المثل في العبادة لله عز وجل، فلما ماتوا حزن عليهم الناس حزناً شديداً، فجاء الشيطان إليهم ووسوس إليهم أن ينصبوا على أشكالهم تماثيل ويضعونها في الميادين والأماكن العامة، من أجل أن يذكروهم بالعبادة، ولم يقل لهم: اعبدوهم، فإنهم كانوا قريبي عهد بالتوحيد، ولا يمكن أن تنطلي عليهم مثل هذه الخطة. وأنتم تعلمون أن الشيطان له خطوات، فليست له خطوة واحدة بل مجموعة خطوات، فهو يقرب الإنسان من الحرام ثم يدخله في بداية الحرام، ثم قليلاً قليلاً حتى يقع في بطن الحرام. فأقنعهم بأن ينصبوا تماثيل ويجعلوها في الأماكن العامة، فلما هلك الجيل الأول وجاءت الأجيال القادمة ونسي العلم جاء الشيطان إليهم وقال: إن آباءكم كانوا يستسقون بهم المطر فيسقون، وكانوا يستدفعون بهم الشر فيندفع، فعبدوهم من دون الله، فكانوا يعرفون الله ويعظمونه، لكن المشكلة الحقيقة التي وقعت عندهم كانت في العبادة. وهذه القضية مهمة وأولية وأساسية في بناء العقيدة بالنسبة لطالب العلم إذا أدركها بهذه الطريقة، ومسألة فطرية المعرفة وأول واجب على المكلف من المسائل المهمة حتى يدرك الإنسان جذور الخلاف الذي وقع في حياة المسلمين، وكيف أن المسلمين اختلفوا في أصول دينهم، وأصبح هناك أشخاص يدافعون عن القبور والطواف حولها والنذر لغير الله عز وجل، ولهذا فإن الشيعة يعبدون القبور ويحجون إليها، حتى إن أحدهم ألف كتاباً وسماه حج المناسك، أي: مناسك زيارة القبور، والمناسك المشروعة: هي الطواف والسعي والذهاب إلى منى وعرفات ومزدلفة، والرجوع إلى منى ورمي الجمرات وطواف الإفاضة والوداع ونحو ذلك من المناسك التي هي نصوص صريحة في القرآن والسنة، أما المناسك عند الشيعة فهي زيارة القبور، بل نص بعض أئمتهم أن الذهاب إلى القبور والحج إليها أفضل من الحج إلى مكة والمشاعر المقدسة بألفي ألف مرة، أي: بمليوني مرة! ولهذا فإنهم يأتون إلى هذه القبور ويبكون عندها ويسجدون لها، ويدعون غير الله عز وجل كالأولياء والصالحين، ويطلبون منهم أموراً خاصة لا يقدر عليها إلا الله عز وجل، كالولد والرزق، والعفو من الذنوب، والبركة في الأموال والأولاد والأهل، ويمارسون الشرك حقيقة، ويقولون أنهم مسلمون، فأساس المشكلة في وقتنا الحاضر هو في فهم التوحيد، فينبغي علينا أن ندرك حقيقة التوحيد الشرعية من خلال القرآن والسنة.

أقسام التوحيد

أقسام التوحيد التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام باعتبار، وإلى قسمين باعتبار آخر، فهو ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وهذا باعتبار النظر إلى الله سبحانه وتعالى. وينقسم إلى قسمين: توحيد المعرفة والإثبات وتوحيد القصد والطلب، وهذا باعتبار النظر إلى العبد، وقد يعبر عن توحيد المعرفة والإثبات بأسماء مختلفة مثل التوحيد العلمي الخبري، كما يعبر عن توحيد الإرادة والقصد بالتوحيد الإرادي الطلبي القصدي، وهذه كلها تعبيرات لمعان واحدة. وهكذا التقسيم هنا، فالتوحيد كحقيقة شرعية واردة في القرآن والسنة مفهومها واحد، لكن لما تطور العلم من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والذين جاءوا بعدهم وأرادوا تعليم الناس قسموها بهذه الطريقة، فبعضهم نظر إلى مسألة من ناحية توحيد الله عز وجل فوجد أن توحيد الله ينقسم إلى توحيد في ربوبية الله وتوحيد في ألوهيته وتوحيد في أسمائه وصفاته. وبعضهم نظر إلى التوحيد من جهة العبد، فوجد أن العبد يوحد في مجالين، المجال الأول: في معرفته وإثباته، والمجال الثاني: في إرادته وقصده، يعني: إرادته القلبية وما يترتب عليها من العمل. وبعض العلماء يقسم التوحيد إلى قسمين: توحيد علمي وتوحيد عملي، فالتوحيد العلمي يتعلق بمعلومات الإنسان، والتوحيد العملي يتعلق بعمل الإنسان، وعمل الإنسان يشمل عمله الباطن مثل إرادته القلبية، وعمله الظاهر مثل الأعمال التي يمارسه بجوارحه. وهذا التقسيم وارد في كل العلوم حتى في العلوم العصرية الطبيعية، فالتقسيمات أمر فني، وأهم شيء حقيقة هذا المعنى، هل هو معنى صحيح أو معنى فاسد؟ فمثلاً: في أصول الفقه، الواجب في اللغة: الساقط واللازم: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج:36] يعني: سقطت إلى الأرض. والواجب في الشرع هو الأمر من الله عز وجل أو من الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل الإلزام، أي: إلزام العبد. فالواجب قسمه أهل العلم بأنواع مختلفة من التقسيم، فقالوا: ينقسم إلى واجب عيني وواجب كفائي، وإلى واجب معين وواجب مبهم، إلى واجب موسع وواجب مضيق. وعندما يبتدئ الطالب في طلبه للعلم وينظر إلى هذه التقسيمات فإنه يستغربها ويتعجب منها، وحتى يدرك هذه القضية يجب أن يعلم أن هذا التقسيم من جهة وهذا التقسيم من جهة ثانية، فالمقسم واحد، لكن جهاته مختلفة. عندما نظروا إلى الواجب من حيث الواجب على الفرد أو المجموع قسموا الواجب إلى قسمين: واجب عيني يجب على الأعيان، فكل مكلف تجب عليه الصلوات الخمس، فهذا واجب عيني يتعلق بأعيان الناس، بينما هناك في الشرع نوع آخر من الواجب، وهو الواجب الكفائي، فإذا فعله مجموعة سقط الإثم عن البقية، مثل صلاة الاستسقاء، فهي واجبة على عموم الأمة كشعيرة من شعائر الإسلام، فإذا كانت الأمة عشرين مليوناً وصلى مليون لا يأثم البقية، وهكذا صلاة الكسوف الجنائز، وإلا فصلاة الكسوف فيها قول آخر وهي أنها واجبة على التعيين. وعندما نظروا إلى الواجب من ناحية الزمن، وجدوا أن بعض الواجبات مضيق وقتها وبعضها موسع، فقسموا الواجب إلى قسمين: واجب موسع وواجب مضيق، وإلى واجب مبهم وواجب معين، واختلف أهل العلم هل يوجد هذا النوع من الواجب أو لا يوجد؟ والتقسيم العلمي في اللغة: فالكلام ينقسم عند النحويين إلى اسم وفعل وحرف، وعند البلاغيين إلى خبر وإنشاء، وإلى حقيقة ومجاز، ويمكن أن يقسم باعتبارات مختلفة، فلا يقال: إن الكلام ينقسم إلى اسم وفعل وحرف وخبر وإنشاء وحقيقة ومجاز وغير ذلك، وهكذا غيرها من العلوم يمكن أن تقسم باعتبارات مختلفة. ويمكن أن تبحث في مسألة واحدة فتجمعها من عشرين كتاباً أو أقل أو أكثر، ومن هذا خمس ومن هذا عشر وهكذا، هذا يسمى البحث الموضوعي ويكون في موضوع معين.

دلالة الاستقراء للنصوص على أقسام التوحيد

دلالة الاستقراء للنصوص على أقسام التوحيد وتقسيم العلماء للتوحيد ناتج من استقراء الآيات والأحاديث الواردة في التوحيد؛ لأن المصدر في تلقي العقيدة هو القرآن والسنة، فالآيات الواردة في التوحيد تقسم إلى ثلاثة أقسام وهي: ربوبية الله وألوهيته وأسماؤه وصفاته، وهذا من جهة تعلقها بالخالق، ومن جهة تعلقها بالعبد تنقسم إلى قسمين: المعرفة والإثبات والقصد والطلب، فهذا التقسيم استقرائي، والاستقراء نوع من الأنواع اليقينية في منهج البحث والتحري.

دلالة الاستقراء على توحيد الربوبية

دلالة الاستقراء على توحيد الربوبية فالاستقراء في توحيد الربوبية مثلاً يقول الله عز وجل: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54]، فهذه آية من آيات التوحيد، وعرفنا أنها من آيات التوحيد لأن مدلول التوحيد اللغوي هو الإفراد، والإفراد معناه الاختصاص، فأفردت الشيء أي أنه خاص بي، وليس عاماً للآخرين، فهذه الآية فيها معنى الاختصاص، ولهذا قد يمثل بهذه الآية في باب الحصر والقصر في البلاغة، ووجه الاختصاص في هذه الآية هو تقديم ما حقه التأخير، وإعراب هذه الآية كما يلي: (ألا) أداة تنبيه، و (له) اللام حرف جر والهاء ضمير متصل في محل جر بحرف الجر، وهو في محل رفع خبر مقدم، و (الخلق والأمر) الخلق مبتدأ مؤخر، والأمر: الواو حرف عطف والأمر: اسم معطوف على ما قبله مرفوع مثله. فتركيبة الجملة من حيث الترتيب اللغوي: الخلق والأمر له، فكل أنواع الخلق والأمر: لله عز وجل، فقدم (له) فصار (ألا له الخلق والأمر)، وهذا التقديم له معنى ومفهوم ومقصد فمقصده الحصر والقصر، وفي لغة العرب أساليب متعددة للحصر والقصر، فمنها: تقديم ما حقه التأخير، فتركيب الجملة في لغة العرب أن المبتدأ يكون قبل الخبر، فتقديم الخبر قبل المبتدأ أسلوب صحيح من أساليب اللغة العربية ويصح ذلك، وله فائدة بلاغية وهي: الحصر والقصر. إذاً: قوله تعالى: ((أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ)) نص في التوحيد؛ لأن عناصر التوحيد موجودة فيها وهي أمران: الخلق أولاً، والثاني: الأمر، فمعنى هذه الآية: لا يخلق أي شيء من الأشياء إلا الله عز وجل، فإذا وجدت شخصاً يقول: إن هناك خالقاً غير الله عز وجل فاعلم أنه مشرك. الأمر الثاني: الأمر، ويعني: ما يأمر به الله عز وجل وهو نوعان: أمر يتعلق بالكون ويسمى الأمر الكوني، وأمر يتعلق بالشرع وهي أوامر يطلب من العباد تنفيذها، وهذا يسمى الأمر الشرعي. والأمر الكوني القدري موافق لمعنى الخلق، والأمر الشرعي: هو ما أمر الله عز وجل به العباد من الفرائض، والحدود، وأحكام البيع والشراء، وقسمة التركات والمواريث، وفي مجال النكاح والطلاق، وفي مجال القضاء والفصل في الخصومات، وما أمر الله به العباد من العقائد، والآداب، والسياسات، وفي كل أمر من أمور الحياة، فلله عز وجل شريعة متكاملة وتسمى الشريعة، والشيء الذي يجب أن يطبق في حياة المسلمين هو تحكيم الشريعة. تحكيم الشرعية يعني: تحكيم أوامر الله في كل مجال من مجالات الحياة، كتحكيم أوامر الله في المال، فلا يجوز أخذ المال عن طريق أكل أموال الناس بالباطل، مثل التأمين المحرم، وهو أن يأخذ البنك -مثلاً- من المستفيدين مبلغاً من المال بحيث إنه إذا صار على أحدهم حادث من الحوادث فإنه يعوضه بشروط معينة، وإذا لم يصبه حادث فلا شيء له، والأموال المحرمة ثلاثة: الربا والغرر وأكل أموال الناس بالباطل، ومعنى بالباطل، أي: بالخديعة والاحتيال والنصب والوهم. وقد يكون هناك أشخاص تصير عندهم حوادث حقيقة ويترتب عليها أشياء أكبر من الشيء الذي دفعوه، فربما أنه دفع خمسمائة وصار عليه حادث كلفهم -مثلاً- ثلاثين ألفاً، فما هو المبرر الشرعي لدفع ثلاثين ألفاً مقابل خمسمائة ريال أو يأخذوا من شخص مثلاً عشرة آلاف ولا يدفع له أي شيء؟ ولهذا فإن شريعة الله عز وجل كاملة وشاملة، فالله عز وجل يقول: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54] فالأمر الشرعي لله عز وجل، وأهل العلم يشنعون على القوانين الوضعية؛ لأن القوانين الوضعية معناها: إلغاء شريعة الله عز وجل وعدم تطبيق أوامر الله عز وجل ووضعها في الرف، ثم اختراع شرائع جديدة للناس تطبق في دمائهم وفي أموالهم وفي علاقاتهم وفي سياساتهم وفي أي باب من الأبواب، وهذا هو حقيقة الشرك، بل هو شرك في الربوبية، فهذه الآية نموذج ودليل على توحيد الربوبية؛ لأن الربوبية مأخوذة من الرب. ولو أن إنساناً زعم أنه يخلق النساء فقط، والرجال يخلقهم الله عز وجل، أو أنه خلق الأرض، وأن الله عز وجل خلق السماوات، أو أنه هو الذي خلق القمر وصنعه وأبدعه وجعله بهذا الأسلوب وبهذا الشكل؛ فهذا مشرك بدون أي شك. ولو أن إنساناً غير الأحكام الشرعية في الدماء، قال الله عز وجل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38]، والمعنى أي سارق شريف ضعيف حاكم محكوم، وإذا كان غير مكلف هناك أحكام تفصيلية، المهم أن الحكم الشرعي يطبق على كل الناس، فهذا أمر شرعي أمر الله عز وجل به العباد من زمن النبي صلى الله عليه وسلم ويستمر إلى قيام الساعة، فلو قال شخص: نحن لا نريد أن نقطع يد السارق، حتى وإن انطبقت عليه الأحكام الشرعية والضوابط الشرعية، بل نغرمه، فهذا يعارض أمر الله وشرعه، وليس هو رباً يملك شئون العباد حتى يغير أمر الله ويأتي بأمر من عنده، فالله عز وجل يعلم أن كثيراً من السرق ستقطع أيديهم، ولهذا اعترض أحد المنافقين قديماً من الزنادقة فقال: يد بخمس مئين عسجد وديت م

دلالة الاستقراء على توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات

دلالة الاستقراء على توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات وأما بالنسبة لتوحيد الألوهية فمثل قول الله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]. وأما توحيد الأسماء والصفات، فالله عز وجل يقول: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، والحصر هنا من نفس نوع الحصر في قوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54]؛ لأن الآية: ((وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى))، فيها تقديم الجار والمجرور وهو (لله)، وإعرابه في محل رفع خبر المبتدأ وهو (الأسماء)، وأصل الجملة في تركيبها اللغوي (الأسماء الحسنى لله فادعوه بها)، لكن الله عز وجل قدم ما حقه التأخير لفائدة معنوية وهي حصر الأسماء الحسنى لله عز وجل. والحسنى هي: التي بلغت الغاية في الحسن والجمال، والصفات داخلة في مدلول الأسماء، فإن كل اسم من أسماء الله يتضمن صفة من صفاته، وسيأتي الحديث في اللقاء القادم عن موضوع توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وسنتحدث عن معنى توحيد الربوبية وبعض أنواع توحيد الربوبية، وسنتحدث أيضاً عن توحيد الألوهية وفضائل هذا التوحيد ومفهومه ومعناه، وبعد ذلك سننتقل إلى توحيد الأسماء والصفات، ثم ننتقل إلى الكفر والشرك وما يتعلق بها. أسأل الله عز وجل أن يوفقني وإياكم لكل خير. وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

الفتن المعاصرة وما يجب على المسلم تجاهها

الفتن المعاصرة وما يجب على المسلم تجاهها Q ما هو دور طالب العلم في الأزمات والفتن التي يواجهها؟ A إن هذه الأوقات التي نعايشها أوقات أزمات، والتعبير الشرعي هو اسم الفتن، فإن الفتن اسم عام يشمل الفتن التي تحصل بالقتل والتدمير والشهوات التي تفتن الإنسان عن دينه، والشبهات التي تضل الإنسان عن دينه. ونحن في هذا العصر نواجه فتناً عظيمة وهي: فتنة الشبهات، فقد انتشرت المذاهب الإلحادية والعقائد الفاسدة، والفرق الضالة، والمذاهب الفكرية المنحرفة؛ وانتشرت في الأمة انتشاراً عظيماً. وأيضاً نواجه فتنة الشهوات عن طريق الفساد العظيم المنتشر، وخصوصاً استعمال المرأة كوسيلة من الوسائل في إفساد الشباب، ويسمونها بنت الليل، فيأتون بها في الأفلام لفعل الفواحش والأفلام الجنسية، ويأتون بها راقصة، ويأتون بها ممثلة في الدعاية، بل حتى في دعايات أشياء لا يقبلها الإنسان المدقق والمميز فيأتون بها في دعاية لجرافة من الجرافات، وأهم شيء عندهم أن تظهر المرأة لابسة اللباس القصير لتفتن الرجال. ولهذا أصبحت صور النساء اليوم لا يخلو منها بيت مع الأسف، والإنسان الذي يريد أن يحافظ على دينه ويكون بعيداً عن مثل هذه الصور، ربما تدخل عليه رغماً عنه، فربما تكون في كيس من الأكياس التي يأخذها من السوبر ماركت أو صيدلة من الصيدليات أو تكون على غلاف علاج من العلاجات الضرورية التي يستعملها الإنسان، أو تكون على غلاف لعبة من لعب الأطفال أو غير ذلك، حتى أصبح الإنسان يجد عناء في شراء حاجياته الأساسية التي يريد أن يشتريها بعيداً عن المحظورات الشرعية. وأيضاً نواجه في هذا الزمان فتن الحروب والأزمات والمصائب التي تسمعون عنها، من أعراضها وصورها الحرب الظالمة الموجودة الآن التي تشنها أمريكا وبريطانيا وحلفاؤها على العراق وتدمر هذا الشعب لسرقة ماله باسم الحرية. والمشكلة أن هذا التدمير وهذا الإيذاء وهذه المصائب التي يقومون بها تكون باسم تحرير الشعب العراقي! ومتى كان القتل وتدمير بيوت الناس تحريراً؟ وأفسدوا أجواء الناس عندما يرمونهم بقذائف مصنعة من اليورانيوم المنضب الذي يفسد الحرث، حتى إن الزراعة والأجنة في بطون أمهاتهم وحياة الناس تفسد، فمتى كان هذا تحريراً؟ ومع الأسف هناك من المرضى والمنافقين الذين هم في كل زمان ومكان من يعجب بالأمريكان أكثر من إعجاب الأمريكان بأنفسهم، فأكبر شعب أو أكبر دولة مغرورة بنفسها هي أمريكا، لكن مع هذا هناك أشخاص معجبون بالأمريكان أكثر من إعجاب الأمريكان بأنفسهم! اطلعت على مقال بعنوان أمريكا قوة خير، كتبه ممسوخ من الممسوخين يقول فيه: إن القوة الأمريكية هي قوة خير، فلا يمكن أن تقاتل أو تدمر بلد من البلدان إلا وهي تريد حقوق الإنسان، فهي تقتل الإنسان حتى تعطيه حقوقه! وتذله حتى يتحرر! وتدمر زراعة الإنسان وصناعته وثقافته وعقله وكلما يتعلق بالأمور المتعلقة بشخص الإنسان من أجل أن تحرر هذا الإنسان وأن تجعله ديمقراطياً! فهذه شعارات زائفة كاذبة، لكنها مع الأسف لم تجد رجالاً صادقين يستطيعون الوقوف في وجه هذه القوة الظالمة، ولهذا فإن من أبرز مظاهر هذه الأزمة، أن الأمريكان يضربون بلداً من بلدان المسلمين من بلد آخر من بلدان المسلمين أو من مجموعة بلدان من بلدان المسلمين، وهنا تكون المأساة، ويكون الجرح غائراً في حقيقته، ولهذا فإننا نواجه هذه الأزمة في عدة أمور ينبغي أن نلاحظها: الأمر الأول: يستحب للإنسان في وقت الفتن أن يجتهد في العبادة أكثر؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العبادة في الهرج كهجرة إلي)، وهو حديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه؛ والسبب في ذلك أن العبادة في وقت الفتن التي تطيش فيها العقول وتذهل فيها الفهوم دليل على الإيمان الموجود في قلب صاحبها، ولهذا ينبغي للإنسان أن يتوجه إلى الله سبحانه وتعالى وخصوصاً في أوقات الفتن وأوقات المصائب. الأمر الثاني: ضرورة العلم، فإن العلم -بإذن الله- يعصم به الله عز وجل صاحبه من الانحدار في الفتن، فإنه في بعض الأحيان قد يقع الإنسان في الكفر وهو لا يشعر، فمن أعان الكفار على المسلمين ولو بالكلام في المجالس فإنه يقع في الكفر الأكبر أو الأصغر، ولهذا ينبغي للإنسان أن يبتعد عن كل إعانة للكفار سواء كانت إعانة مادية أو بالكلام أو بالرأي أو بالسلاح أو بأي أسلوب من أساليب الإعانة، يقول الله سبحانه وتعالى مبيناً ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]. قال العلماء: هذه الآية على ظاهرها: ((وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)) أي: أنه ارتكب كفراً مخرجاً من الإسلام. والولاية لها معنيان: المحبة والنصرة، وأشد أنواعها النصرة؛ فإن نصرة الكافر على المسلم ردة بدون أي شك. الأمر الثالث: هو أن يدرك الإنسان في مثل هذه الأزمات أنه لا يصيب ال

نصيحة للطالب المتقاعس والمنقطع في طريق الطلب

نصيحة للطالب المتقاعس والمنقطع في طريق الطلب Q كثير من طلاب العلم يجتهدون عند الدروس الأولى، ثم يتأخرون ويتقاعسون عن الدرس، فهل من كلمة؟ A لا شك أن الملل وعدم التعود على الاستمرار في الدروس هو من أبرز الأسباب التي تجعل طالب العلم لا ينضج في طلبه للعلم، فتجد أن طالب العلم يبدأ في درس من الدروس فيتحمس له ويحضر أوله ثم ينقطع عنه، فهذا الانقطاع وعدم الاستمرار من أبرز الأسباب التي تجعل الطالب لا يستفيد، فتمر عليه السنتان والثلاث إلى العشر السنوات، وهو كما هو في مكانه يتحرك ولا يتقدم، ولو أنه انضبط في الدروس التي التزم بها، وجعل له هدفاً، فدرس الفقه في المكان الفلاني، والعقيدة في المكان الفلاني، والنحو في المكان الفلاني، ثم يلتزم بها حتى تنتهي، بحيث يعرف كافة المسائل الموجودة التي طرحت في هذا الدرس ويقيدها، ولا يكتفي الطالب بمجرد التقييد؛ لأن هناك علة أخرى لطلاب العلم، فقد سماهم بعض المشايخ بالمتسولين على طلب العلم، فبعض طلاب العلم يشبه المتسولين، فيسجل معلومات سمعها، ثم يضعها في البيت ولا يتذكر الدفتر إلا في الدرس الآتي، ثم يحضر الدفتر معه ويسجل معلومات جديدة، والدرس الماضي لم يقرأه ولم يتفهمه ولم يستفد منه فائدة صحيحة، وحينئذ لا يمكن أن تنضج لديه المعلومات ويستفيد منها فائدة جيدة. إذاً: لابد من الحرص والعناية بالاستمرار على طلب العلم، لابد من الحرص على المذاكرة والمدارسة وحفظ الأدلة والمسائل وتصورها تصوراً صحيحاً، وإذا كانت هناك إشكالات يناقش فيها، بحيث يتصور المسائل تصوراً جيداً.

توجيه بالحرص على الدروس العلمية اليومية ومراجعة العلم

توجيه بالحرص على الدروس العلمية اليومية ومراجعة العلم Q هل الدرس الواحد في الأسبوع يكفي ليتلقى طالب العلم ما يكفيه في أي فن من الفنون؟ A الحقيقة أن درساً واحداً في الأسبوع لا يكفي، وكانت الطريقة التي عليها العلماء قديماً هي الدروس اليومية، ولهذا تجد بعض الأحيان أن مادة علمية بسيطة يجلس الإنسان في تدريسها ربما سنة أو سنتين؛ بسبب أن الدرس أسبوعي، لكن الدرس اليومي هو أكثر ثمرة، لكن مع الأسف فإن كثيراً من طلاب العلم لا يصبر على الدرس الأسبوعي مع أن عنده فرصة في وضع مواعيد أخرى في غير هذا الأسبوع، فكيف لو كان الدرس يومياً؟ ولهذا فإن كثيراً من طلاب العلم ليسوا منقطعين للعلم ومشتغلين به، ولا أعني انقطاعهم عن العلم هو انقطاعهم عن الدعوة، فالدعوة لا يمكن الانقطاع عنها، فهي مثل بقية الفرائض، فلا يمكن أن تنقطع عن الصلاة باسم طلب العلم، وكذا الانقطاع عن الدعوة باسم طلب العلم، والدعوة ليس لها صورة واحدة، بل لها مجموعة من الصور، فينبغي للإنسان أن يوظف نفسه علمياً ودعوياً في المكان المناسب الذي يلائم طبيعته وشخصيته وينفع هذه الأمة بجهده. وكثرة الدروس مع المراجعة والملازمة لها هي التي تفيد طالب العلم، فكثرة الدروس في حد ذاتها ليست مقصداً، وإذا كان الطالب يحضر يومياً للدروس، ثم لا يراجعها في بيته لا يمكن أن يستفيد منها، فلابد من هذه الأمور مكتملة، وقد سبق أن أشرنا إليها فيما يتعلق بآداب طالب العلم.

أصول العقيدة [3]

أصول العقيدة [3] إن الواجب على العبد أن يوحد ربه عز وجل في أقسام التوحيد الثلاثة المعتبرة عند أهل السنة والجماعة, لا سيما توحيد الإلهية الذي ثبت وجوبه واستقر فضله؛ خلافًا لطوائف أهل الكلام الذين سلكوا في تقسيم التوحيد مسلكًا خاطئًا يعتوره الإشكال والقصور.

تقسيم التوحيد عند أهل السنة

تقسيم التوحيد عند أهل السنة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، وعلى صحابته والتابعين وسلم تسليماً كثيراً، وبعد: أهل العلم قسموا التوحيد إلى ثلاثة أقسام باعتبار النظر إلى الله عز وجل، وإلى قسمين باعتبار النظر إلى العبد. وباعتبار النظر إلى الله عز وجل يقسم التوحيد إلى: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وباعتبار النظر إلى العبد يقسم إلى قسمين: توحيد المعرفة والإثبات وتوحيد القصد والطلب. هذا التقسيم الذي هو المعرفة والإثبات والقصد والطلب أو التوحيد العلمي والعملي، موافق لتعريف الإيمان، فالإيمان عند علماء السلف -كما سيأتي شرحه تفصيلاً-: هو قول وعمل، والقول قول القلب وقول اللسان، والعمل عمل القلب وعمل الجوارح. وبالنسبة إلى نشاط الإنسان فإن له نشاطين: نشاط علمي، ونشاط عملي، أو نشاط ظاهر ونشاط باطن، فالنشاط العلمي يشمل الإقرار والاعتقاد، والنشاط العملي يشمل العمل سواء عمل القلب أو عمل الجوارح، والتوحيد جاء في جميع أنشطة الإنسان العلمية والعملية، والإيمان كذلك جاء في جميع أنشطة الإنسان العلمية والعملية.

نقد تقسيم التوحيد عند أهل الكلام

نقد تقسيم التوحيد عند أهل الكلام أهل الكلام خالفوا أهل السنة والجماعة في أقسام التوحيد، فأقسام التوحيد عندهم ثلاثة أقسام، لكنها مختلفة عن أقسام التوحيد عند أهل السنة، فيقولون: الله عز وجل واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له. وهذا التقسيم عند أهل الكلام عليه ملاحظات شرعية: الملاحظة الأولى: هو أن هذا التقسيم ناقص؛ لأن هذه التقسيمات الثلاث في مدلولها تشمل نوعين من التوحيد، هما: توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، بينما توحيد الألوهية لا ذكر له عندهم. فقولهم: واحد في ذاته، حسب فهمهم لقضية الذات، هذا تابع لباب الصفات، وواحد في صفاته تابع أيضاً لباب الصفات، وواحد في أفعاله تابع لباب الربوبية، وهذا التقسيم ناقص فلا ذكر للألوهية فيه، ولهذا جاء المتأخرون منهم وقالوا: إن توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية واحد، وأنه لا فرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية أبداً كما سيأتي الإشارة إليه بإذن الله تعالى. الملاحظة الثانية: هو أن هذه الأقسام الثلاثة تتضمن معاني باطلة، فهم يقولون: الله واحد في ذاته لا قسيم له، فهل لله عز وجل ذاتاً مجردة عن الصفات؟ فقالوا: إن ذاته واحدة، فإذا أثبت صفة من الصفات قالوا: إنك بهذه الطريقة تثبت شريكاً مع الله، ولهذا قالت المعتزلة في مسألة تعدد القدماء: إن القديم هو الذات، فإذا أضفت صفة من الصفات سواء كانت من الصفات الخبرية، أو الصفات الثبوتية العقلية الأخرى مثل العلم والإرادة والسمع والبصر والكلام والعينين واليد ونحو ذلك، قالوا: أنت إذاً أضفت قدماء آخرون، فيلزم من هذا حصول الشرك ونحن ندعو إلى التوحيد، والتوحيد يقتضي تجريد الله عز وجل من الصفات، تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً! ولهذا نفوا الصفات. أما أهل السنة فإنهم يقولون: إنه لا يتصور لله عز وجل ذات بدون صفات، بل لا يمكن أن توجد ذات بدون صفات إلا في الذهن، وأما في خارج الذهن فإنه لا توجد ذات إلا مقرونة بالصفات، وهذا لا يمنع أن تكون له أوصاف متعددة وهو واحد، فهو الله مع أنه عليم حكيم رحيم غفور، له يدان، وعينان، وله علم وسمع وبصر، فهذا التعدد لا يمنع من كونه واحداً، وهذا أمر متفق عليه عند سائر بني آدم. فأنت تقول: فلان، الرجل الصالح الكريم الأبيض الطويل، القصير الذي فيه كذا وفيه كذا، وأنت تقصد واحداً، بل حتى في غير الإنسان، فتقول في الثوب -مثلاً-: هذا الثوب ثخين، طويل، أبيض، فيه كذا وكذا، مع أنه ثوب واحد، والعرب يسمون الشيء الواحد واحداً مع أن له أوصافاً متعددة، فالله عز وجل يقول عن المغيرة: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر:11]، فسمى المغيرة وحيداً، يعني: خلقه الله وحيداً، مع أن له صفات متعددة يدين ورجلين وعينين وعقلاً وأحشاء. ففهمهم للصفات فاهم فاسد، وقولهم: إن الله عز وجل واحد في ذاته لا قسيم له، يدل على فهم ناقص وفاسد. أيضاً: فهمهم لنفي الشبيه، عندما قالوا: وهو واحد في صفاته لا شبيه له، فهذا يتضمن نفي الصفات، فإذا أثبت لله عز وجل يدين أو عينين، فأنت شبهته بمخلوقاته، ونحن نقول: إن هذا لا يستلزم، فلله عز وجل صفاته الخاصة به، وللمخلوق صفاته الخاصة به، ولا يستلزم الاتفاق في الأسماء التماثل في المسميات، وليس هناك ارتباط بين هذين الأمرين. الملاحظة الثالثة: أنهم قالوا: إن الله واحد في أفعاله لا شريك له، وجعلوا حقيقة الشرك في شرك الربوبية فقط، فقالوا: إن المشرك هو الذي يدعي أن هناك خالقاً ورازقاً ومحيياً ومميتاً مع الله عز وجل، وحصروا الشرك في هذا الباب، وأما الشرك في الألوهية فإنهم لا يرونه.

توحيد الربوبية

توحيد الربوبية المسألة الجديدة التي سنبحثها هي: مسألة توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فالربوبية مشتقة من (الرب)، والرب معناه في لغة العرب: السيد المطاع الذي بلغ كمال السؤدد، ومن لوازم ذلك أن يكون مالكاً، فهو سبحانه وتعالى السيد المطاع المالك الآمر سبحانه وتعالى، فهذا معنى الربوبية، وقد دلت نصوص القرآن بكثرة على توحيد الربوبية، كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، وفي الخلق: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا} [الملك:3] وفي باب الأمر: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54]، والله عز وجل له التدبير وحده لا شريك له، فهو المحيي والمميت، وهو الضار والنافع سبحانه وتعالى، وحده لا شريك له، وهذا النوع من التوحيد لا ينكره أحد من سائر الأمم حتى من تظاهر بإنكار الخالق فإنه في الباطن مقر به، ولهذا يقول الله عز وجل عن فرعون: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل:14]، وقال الله عز وجل عنه في خطاب موسى له: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء:102]، وأيضاً قال: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]، قال العلماء: يتذكر ما في فطرته من معرفة الله عز وجل، ولهذا كان سائر الأمم يقرون بالخالق سبحانه وتعالى، ولا توجد طائفة من الطوائف تنكر وجود الله عز وجل إنكاراً تاماً حتى المجوس الذين قالوا بالأصلين النور والظلمة لا يقولون: إن النور والظلمة متساويان في الصفات والأفعال، بل يرون أن النور أعظم وأنه أفضل وأحسن، ويرون أنه هو القديم، والظلمة هي الحادثة، وأن الظلمة شريرة ونحو ذلك، فلا توجد طائفة من البشر تقول: إن لله شريكاً موافقاً له في الصفات والأفعال، حتى النصارى الذين قالوا: بالأقانيم فإنهم قالوا أن إلههم هو الأب والابن وروح القدس، وما كانوا يعتقدون أن الأب والابن وروح القدس ثلاثة آلهة منفصلة بل كل إله له ما للإله الآخر من الصفات والأفعال، بل كانوا يفسرون الأقانيم بأنها الصفات، ويرون أنه إله واحد موصوف بأنه أب وبأنه ابن وبأنه روح للقدس، لكن عند التفصيل تجد أنهم يتناقضون، فهم يعتقدون أن الأب إله عظيم، وأن الابن هو عيسى، وأن روح القدس هو جبريل، فعلى كل حال لا توجد طائفة من البشر تنكر توحيد الربوبية إنكاراً تاماً، لكن يوجد من يشرك في الربوبية. فالعرب كانوا ينكرون البعث، والبعث هو خلق آخر، يقول الله عز وجل: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن:7]، وكانوا يقولون: ما هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24]، ويقول أحدهم: أموت ثم قبر ثم حشر حديث خرافة يا أم عمرو فكانوا ينكرون الحشر والبعث، مع أن البعث والحشر هو في حقيقته خلق آخر، وكانوا يشركون بالله عز وجل، فيجعلون لله البنات سبحانه، وقالوا: الملائكة بنات الله، كما قالت اليهود: عزير ابن الله، وكما قال النصارى المسيح ابن الله، وكل هذا من الشرك في الربوبية، ولا يصح أن نقول: إنه لا توجد طائفة تشرك في الربوبية، لكن نقول: لا توجد طائفة تنكر توحيد الربوبية بالكلية، وتقول: إن الله ليس برب أو تعتقد أن هناك رباً آخر مع الله عز وجل مساوي له في الصفات والأفعال، وهذا أمر مقرر عند أهل السنة بالإجماع ومتفقون عليه.

توحيد الألوهية

توحيد الألوهية توحيد الألوهية مشتق من الإله، ومعنى توحيد الإلوهية هو: شهادة أن لا إله إلا الله، والإله فعال بمعنى مفعول، يعني: إله بمعنى مألوه، والمألوه هو المعبود، والله هو المعبود محبة ورغبة ورجاءً وخوفاً وتوكلاً وإنابة سبحانه وتعالى، والإله في لغة العرب معناه: المعبود، ولهذا يقول رؤبة بن العجاج الراجز: لله در الغانيات المُدَّهِ سبحن واسترجعن من تألهي فجعل التسبيح والترجيع جزءاً من التأله، والتأله معناه: التعبد، ولهذا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للكفار: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا)، وأمرهم بشهادة أن لا إله إلا الله، كان جوابهم: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5]، فأنكروا عليه أنه جعل الآلهة المتعددة المختلفة معبوداً واحداً، مع أنهم في الحقيقة ما كانوا يجعلون خالقين مع الله عز وجل؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول عنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25]، وهم يعرفون أن الله وحده خالق السماوات والأرض، ولا يشركون مع الله في خلق السماوات والأرض، ولكن كانوا يعتقدون أن هناك معبودات من دون الله يقدمون لها العبادة وهي بدورها تقربهم إلى الله عز وجل، كما قال الله عز وجل عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]، ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حصيناً والد عمران قال له: (كم تعبد؟ -وكان رجلاً حصيفاً ذكياً- قال: أعبد سبعة، قال: أين هم؟ قال: واحد في السماء، والستة في الأرض، قال: من لنفعك وضرك وحاجتك؟ قال: الذي في السماء، قال: لماذا تعبد التي في الأرض؟)، فأقنعه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدليل العقلي فأسلم وحسن إسلامه. فتوحيد الألوهية مشتق من (الإله)، وهناك فرق في لغة العرب بين (الرب) و (الإله). الأمر الثاني: أن مدلول توحيد الربوبية ومتعلقه: الخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، وإثباتها لله عز وجل، بينما متعلق توحيد الألوهية: الله عز وجل. الأمر الثالث: توحيد الربوبية متعلقه: أفعال الله، وتوحيد الألوهية: متعلقه أفعال العبد، الربوبية حقيقتها: هي أن تؤمن بأفعال الله مثل الخلق، والرزق، والإحياء والإماتة، ونحو ذلك، وأما توحيد الألوهية فمتعلقة بأفعال العبد نفسه مثل المحبة والخوف والرجاء ونحو ذلك. والفارق الآخر: هو أن مدلول توحيد الربوبية: علمي، ومدلول توحيد الألوهية: عملي، فتوحيد الربوبية يحتاج من الإنسان أن يؤمن به فهو علمي، وتوحيد الألوهية يحتاج من الإنسان أن يعمل به فهو عملي، وهناك فرق بين العلم والعمل، وهذا أمر يشعر به الإنسان في نفسه. ولهذا عرف أهل العلم توحيد الربوبية بأنه توحيد الله بأفعاله، وتوحيد الألوهية بأنه توحيد الله بأفعال العباد، وهناك تعريف أدق من هذا التعريف وهو التعريف الذي ذكره الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وهو: التوحيد هو: إفراد الله بالخلق والملك والتدبير؛ لأن التعريف بأن توحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله يكون تعريفاً عاماً. وأفعال الله عز وجل نوعان: أفعال متعدية وأفعال لازمة. فالأفعال المتعدية: هي التي لها تأثير على المخلوقات، والأفعال اللازمة: هي التي ليس لها تأثير على المخلوقات، مثل: النزول والاستواء، والمجيء والإتيان، ونحو ذلك، وتسمى هذه الأفعال أفعال الصفات. ومثال الأفعال المتعدية: الخلق والرزق والإحياء والإماتة، فهي أفعال لله عز وجل، لكنها متعدية إلى الخلق، وتسمى هذه الأفعال الربوبية. فعندما نعرف توحيد الربوبية بأنه توحيد الله بأفعاله فإنه يشمل هذه الأنواع جميعاً فلا يكون دقيقاً، وعندما نعرف توحيد الربوبية بأنه إفراد الله بالخلق والرزق والملك والتدبير، فإن هذا يكون أدق؛ لأنه يتعلق بأفعاله المتعدية التي يسميها أهل العلم أفعال الربوبية. ولهذا نجد أن النصوص القرآنية تطلب من العبد الإيمان بأن الله خالق ورازق ومحيي ومميت وأنه بيده مقاليد كل شيء، وأنه هو المدبر وأنه {يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ} [المؤمنون:88] سبحانه وتعالى، وهناك نصوص تطالب العبد بأن يكون خوفه من الله، وأن يكون رجاؤه لله، وتوكله على الله ونحو ذلك. فالنوع الأول هو توحيد الربوبية، والنوع الثاني هو توحيد الألوهية، فالفرق بين توحيد الربوبية والألوهية ظاهر في النصوص الشرعية ولا إشكال فيه. وتوحيد الربوبية لا يكون كافياً في الإيمان، فمن آمن بتوحيد الربوبية إيماناً تاماً، ولم يؤمن بتوحيد الألوهية بأن جعل شريكاً مع الله في عبادته، فإنه في هذه الحالة يكون مشركاً غير موحد حتى يؤمن بتوحيد الألوهية. ولهذا فإن شرك المشركين في توحيد الألوهية، بل شرك عامة مشركي الأمم الذين بعث إليهم الأنبياء، فكل نبي يقول: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ

فضائل توحيد الألوهية

فضائل توحيد الألوهية ننتقل إلى مسألة أخرى وهي: فضائل توحيد الألوهية. أولاً: توحيد الألوهية: هو الحكمة من خلق الجن والإنس، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، ففي هذه الآية بيان أن الله عز وجل خلق الإنس والجن لتحقيق غاية معينة وهي العبادة، ولهذا قال ابن عباس في معنى قوله: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]: إلا ليوحدون، يعني: إلا ليفردوا الله عز وجل بتوحيد العبادة. ثانياً: توحيد الألوهية هو أساس دعوة الرسل جميعاً: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]. ثالثاً: أن توحيد الألوهية -وهو إفراد الله عز وجل بالتأله والتعبد- هو حق الله عز وجل على الناس، كما ورد في حديث معاذ بن جبل عندما كان رديفاً للنبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال له: (يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله: ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً). رابعاً: أن من حقق هذا التوحيد وخلصه من شوائب الشرك الأكبر والأصغر وخلصه من البدع والمعاصي، فإنه سيكون من السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، كما ورد في حديث ابن عباس الطويل في السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. خامساً: أن من جاء بهذا التوحيد تاماً فإن له الأمن والاهتداء بحسب توحيده، ومن جاء بالتوحيد ناقصاً فإن له الأمن والاهتداء ناقصاً. يقول الله عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82]، ومعنى (الذين آمنوا ولم يلبسوا) يعني: لم يخلطوا، (إيمانهم بظلم) يعني: بشرك، (أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) فالأمن والاهتداء في الدنيا والآخرة. وقد فسرت الآية الأخرى في سورة لقمان أن المقصود بالظلم هو الشرك، قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] كما ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عندما جاء الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: (يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه؟ -لأنهم فهموا من الآية ظلم العبد لنفسه، فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود بالظلم هو الظلم الأكبر الذي هو الشرك، واستدل بآية لقمان السابقة- فقال: ألم تسمعوا قول العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]). سادساً: هو أن من كان معه أصل توحيد الألوهية فإنه لابد أن يدخل الجنة حتى لو كان معه بعض الذنوب والمعاصي والآثام ودخل النار، فإنه يخرج منها بشفاعة الشافعين، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)، وهذا الحديث في الصحيحين. فقوله: (أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) فيه مجموعة من الشروح لأهل العلم، منها: سيدخل الجنة على أي عمل كان، فإذا كان فاسقاً وعنده ذنوب ومعاصي فإنه سيدخل الجنة حتى لو دخل النار زمناً وطهر فإن عاقبته إلى الجنة، وهذا يدل على فضل هذا التوحيد، وأن عاقبته هي الخير للإنسان. سابعاً: أن من جاء بالتوحيد فإن الله يغفر به جميع الذنوب، ولهذا جاء في الحديث القدسي أنه قال: (ولو أتيتني بقراب الأرض خطايا لأتيتك بقرابها مغفرة)، وأهم شيء هو أن يكون الإنسان موحداً وألا يكون عنده شيء من الشرك. ولهذا فإن فضائل توحيد الألوهية كثيرة لا تكاد تعد ولا تحصى، بل إن ابن القيم رحمه الله في كتابه (مدارج السالكين) قال: إن القرآن كله راجع إلى هذا النوع من التوحيد، فهو إما آيات صريحة في توحيد الله عز وجل فهو راجع إلى التوحيد صراحة، وإما آيات في الأحكام وهي من لوازم التوحيد؛ فإن توحيد الألوهية هو إفراد الله بالعبادة ومن العبادات هذه الأحكام، أو قصص وأخبار، فهي قصص لأهل التوحيد مع أهل الشرك وكيف كانت عاقبة الموحدين المشركين، أو أنها في ذكر صفات الله عز وجل وهذه راجعة أيضاً للتوحيد، فكل القرآن يرجع إلى التوحيد. ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)، وكانت (آية الكرسي) أعظم آية في القرآن؛ لأنها تشتمل على توحيد الألوهية، فهو أول الأمر وآخره، وهو الذي تحقن به الدماء، فإن من لم يوحد ربه بهذا النوع من التوحيد فإن دمه حلال، ولا يكون حراماً إلا إذا وجدت عهود أو عقود بح

معنى توحيد العبادة

معنى توحيد العبادة توحيد العبادة وتوحيد الألوهية بمعنى واحد، واشتقاق توحيد الألوهية مأخوذ من الإله، والإله هو المعبود، والتأله معناه التعبد، ولهذا يقولون: فلان يتأله لله عز وجل بمعنى يتعبد، والعبادة التي هي مدلول الألوهية معناها: الخضوع والذل، وفي لغة العرب يقولون: طريق معبد، يعني: ذللته الأقدام بكثرة السير عليه، وسمي العبد عبداً؛ لأنه لا يملك نفسه بل هو مسلم أمره لسيده؛ ولهذا يباع ويشترى. وتوحيد العبادة معناه: أن يحقق الإنسان لله عز وجل كمال الذل والخضوع مع كمال المحبة. هنالك أنواع من الشرك تتعلق ببعض إرادات الإنسان، ونجد أن جزءاً من إرادات الإنسان طبيعية فكيف نميز بين الأعمال الطبيعية في إرادة الإنسان وبين الأعمال التي تعتبر من العبادة؟ فمثلاً: الحب، والكره، والخوف، والاعتماد والتوكل، فإن منها جزءاً طبيعياً مثل: محبة الإنسان لطفله، ومحبة الإنسان لزوجته، ومحبة الإنسان لأمه وأبيه، ومحبة الإنسان لبلده، والمحبة الطبيعية التي يعيش بها الإنسان في المجتمع. هناك نوع من المحبة عبادة: فلو أن شخصاً -مثلاً- قال لشخص: إذا أحببت ابنك فأنت مشرك؛ لأنك جعلت مع الله شريكاً وهو ابنك هذا! فيكون فهمه باطلاً، ولهذا لابد أن نميز بين المحبة الطبيعية والخوف الطبيعي والإرادة الطبيعية والتوكل أو الاعتماد الطبيعي، والمحبة والخوف والاعتماد التعبدي، والفارق بينهما: أن النوع الذي هو عبادة يكون فيه ذل للمحبوب وخضوع له مع محبة. فمحبة المسلم لأحد الصالحين، فينشرح صدره له؛ لأنه يراه يتعبد لله عز وجل، فهذه محبة طبيعية وله أجر عليها، ويكون هذا النوع من التعبد لله عز وجل. ومحبة الصوفية لأوليائهم، ويعظمونهم إلى درجة أن أحدهم يتخيل أن الولي معه في بيته وفي كل مكان، ولا يمكن أن يخفى عن الولي شيء، ويسجد له ويخضع له ويخاف منه، ويخاف على أولاده من الولي، ويخاف على حياته، ويشعر أن حياته بيد هذا الولي، ويخاف على ماله ورزقه، ويخاف على صحته؛ فهذه المحبة محبة عبادة لغير الله، وهذا هو التأله والتعبد لغير الله سبحانه وتعالى. إذاً: التعبد أو العبادة معناهما: كمال الذل وكمال الخضوع مع كمال المحبة؛ لأن الذل والخضوع قد يكونان لمن يكرهه، كذل وخضوع الناس لطاغوت من الطواغيت، وهذا الذل والخضوع واقعان مع كره في القلب، فلا يعتبر ذلك عبادة، فالمحبة بدون ذل وخضوع لا تعتبر عبادة مثل محبة الإنسان لأولاده، والمحبة العادية تكون عبادة إذا كان فيها ذل وخضوع وتعلق بغير الله سبحانه وتعالى، فهذا هو حقيقة توحيد العبادة الذي سبق أن أشرنا إليه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الطعن في العلماء وتضليلهم

حكم الطعن في العلماء وتضليلهم Q ما رأيكم في الذين يضللون العلماء؟ وهل خرجوا عن الملة؟ A لا شك أن أهل العلم لهم مكانة عظيمة في الإسلام، لما يحملونه من العلم الذي أعطاهم الله عز وجل إياه، ولأنهم هم الهداة، وهم مثل النجوم في السماء يهتدي بها الناس، ولهذا رفعهم الله عز وجل عنده درجات، فقال الله عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]، فالكلام في أهل العلم وفي الناس عموماً مذموم، فعندما يغتاب المسلم الناس ويذمهم ويحتقرهم ويتهجمهم فهذا ليس من أخلاق النبوة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن طعاناً ولا لعاناً ولا فاحشاً ولا بذيئاً. ومن محاسن الأخلاق التي لها مكانة عظيمة عند الله عز وجل: أن يكون المسلم عفيف اللسان، فإن حسن الخلق من أعظم العبادات عند الله سبحانه وتعالى، ولهذا وصف الله عز وجل به خير الأنبياء وهو محمد صلى الله عليه وسلم فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان فضل الخلق: (إن أحدكم ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، فالمسلم بحسن خلقه يبلغ مثل عمل المسلم الذي يصوم النهار، ويقوم الليل بشكل مستمر، ومن أبرز الأمور التي تدل على حسن الخلق أن يكون المسلم عفيف اللسان وأن يكون بعيداً عن التهجم على الناس عموماً، فكيف بأهل العلم الذين هم خلاصة الناس وصفوتهم وأحسنهم وأفضلهم وأطيبهم. والمسلم يخاف من الله عز وجل عندما يكون خصيمه رجلاً من المؤمنين، فكيف إذا كان عالماً من العلماء أو فاضلاً من الفضلاء؟ وقد تكلم بعض العلماء عن أقوام كانوا يطعنون في العلماء فقال: أنتم اليوم تتكلمون في أشخاص قد وضعوا رحالهم في الجنة، فكثير من الناس يغتابون أشخاصاً لهم من المنزلة والمكانة وعلو القدر الشيء الكثير، فيجب على المسلم أن يكون عفيف اللسان، طيب المنطق، بعيداً عن التهجم على الناس عموماً وخصوصاً أهل العلم. وظهر في شباب الدعوة إلى الله عز وجل طائفتين، كل طائفة اشتطت عكس الأخرى، وكل طائفة تتكلم على أهل العلم، وتذم أهل العلم، وقد يصل في بعض الأحيان -والعياذ بالله- إلى التكفير والتبديع والكلام الذي لا يليق أبداً. وطائفة اتهموا أهل العلم بالابتداع؛ لأنهم لم يتفقوا معهم حول بعض الآراء الفقهية، التي تعتبر من جملة الاجتهادات وليست من قضايا العقيدة، إلا بعض أولئك الذين يربطون الآراء بالعقائد بدون وجه حق في الربط. وبعض الناس يتكلم على العلماء ويتهمهم بأنهم من الخوارج، أو من علماء السلاطين -والعياذ بالله- ونحو ذلك من الكلام الذي لا داعي له ولا مبرر له. والعالم قد يقع في الخطأ، ولا يجوز للمسلم أن يتبع العالم إذا وقع في خطأ؛ لأن الواجب علينا اتباع الكتاب والسنة وليس اتباع الأشخاص، وإذا خالف العالم النص الصريح الواضح من القرآن والسنة فلا نتبعه، بل نتبع النص الصريح من القرآن والسنة، دون التهجم عليه، بل ينبغي أن يلتمس له العذر. ولهذا ألف ابن تيمية رحمه الله كتاباً عظيماً وهو: (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) فينبغي للمسلم أن يكون عفيف اللسان عن أهل العلم، وأن يكون بعيداً من الكلام عليهم، وإن أخطأ العالم أو عصى الله عز وجل في أمر من الأمور فإن له من الفضائل والحسنات ما يكون ماحياً لمثل هذا الخطأ، فينبغي أن يحرص المسلم على هذا الأدب وهذا الأمر.

نصيحة لمن ينام عن الصلاة

نصيحة لمن ينام عن الصلاة Q أنام أغلب الأحيان عن العصر والفجر، وعندما أستيقظ مباشرة أصلي وأخشى على نفسي النفاق، فماذا أفعل لأستيقظ؟ A يحاول الإنسان أن يتخذ بعض الوسائل للاستيقاظ مبكراً مثل النوم مبكراً، أو تكون عنده آلة توقظه، أو يتفق مع أشخاص لإيقاظه، وأن يجتهد في إصلاح مثل هذا الخطأ؛ ولعل الله عز وجل أن يبارك لهذا الشخص الذي يبدو أن الإيمان إن شاء الله موجود فيه، لأنه يخشى النفاق على نفسه.

واجب المسلمين تجاه الدول الإسلامية المحتلة

واجب المسلمين تجاه الدول الإسلامية المحتلة Q ما واجب المسلمين تجاه إخوانهم المحتلين من قبل الكفار؟ A المشكلات والحروب الطاحنة التي تدور في بلاد الإسلام فيها عبر كثيرة ينبغي على الإنسان أن يتسع أفقه حتى يتفهم مثل هذه العبر، فمن ضمنها: قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما وقع في الأمة بلاء إلا بسبب ذنب، ولا رفع إلا بتوبة صادقة، فمثل هذه الابتلاءات والحروب الطاحنة والقتل في بلاد المسلمين وتدمير ممتلكاتهم وإزهاق أرواحهم وجعل بلادهم ضائعة كأفغانستان والعراق؛ علينا أن ندرك أن هذا بسبب ذنوبنا، فنرجع إلى الله عز وجل، ونعود عودة صادقة إلى الله عز وجل، فالأمة بأكملها تحتاج إلى أمر بمعروف ونهي عن المنكر، وتحتاج إلى وعظ وتذكير ونصح، وتحتاج أن تكون هذه الحروب التي حصلت عبرة لنا لنعيد النظر في تعاملنا مع الله سبحانه وتعالى، وهل نحن ملتزمون بطاعة الله عز وجل بعيدون عن معصية الله عز وجل؟ إذا كان الصحابة رضوان الله عليهم مع فضلهم ومكانتهم هزموا يوم أحد بسبب معصية للنبي صلى الله عليه وسلم عندما نزلوا من جبل الرماة، قال الله عز وجل فيهم: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [آل عمران:152] فكيف إذا كان الأغلب فينا يجتهدون في حطام الدنيا بأي أسلوب من الحلال والحرام؛ ولهذا يجب علينا أن نجتهد في تربية هذه الأمة على مستوى أنفسنا، وتربية أبنائنا وزوجاتنا وأقاربنا، ووعظ الناس في المساجد، ودعوة أكبر قدر من الشباب للتدين والعودة الصادقة إلى الله عز وجل. فهذا الأمر ما زلنا مفرطين ومقصرين فيه. الأمر الثاني: ينبغي علينا أن نعلم أن هذه الأمة تضرب بخطط أمريكا بالذات، وأن أمريكا ظهرت بوجهها الكالح البغيض الخبيث للناس، وأنه إذا كان الاستعمار القديم يتلون للناس ويظهر لهم أنه يريد مصلحتهم، فإن أمريكا اليوم تظهر للناس بهذا الشعار الكاذب والناس غير مقتنعين، فقد سموا الحرب على العراق (حرب تحرير العراق) وكأن العراق محتل وهم يريدون تحريرها! مع أن كل إنسان يعلم أن هؤلاء جاءوا لاحتلال هذا البلد وقد فعلوا، وخطط أمريكا لا تقف عند الحرب فقط، بل تتجاوز ذلك إلى تحرير المرأة وإفسادها وإخراجها من بيتها حتى تخالط الرجال، وتتجاوز ذلك لتغيير المناهج، فبعد احتلال العراق تسعى أمريكا لتغيير المناهج العراقية، بحجة أن هذه المناهج تمجد صداماً، فهم يريدون أن يزيلوا طاغوتاً ليأتوا بطاغوت آخر يمجدونه، كالحضارات السامرية والآشورية التي كانت موجودة في العراق، والتي كفرت بالأنبياء والمرسلين، كما يحصل في كثير من بلاد المسلمين أنهم يمجدون الفراعنة أو غيرهم من أصحاب الجاهلية القديمة. أيضاً: أمريكا تريد إفساد بلاد المسلمين من الداخل، ومع الأسف لها عملاء في كل مكان، فلها عملاء في العراق عن طريق المعارضة العراقية التي يرتبون لها ويتعاونون معها، وكانوا يدفعون أمريكا لضرب العراق قبل أن تبدأ الحرب، وهؤلاء العملاء هم الذين يتحدث عنهم أهل العلم باسم المنافقين أي: (الطابور الخامس)، وهم أيضاً العلمانيون الذين يريدون تغيير هوية الأمة وعقيدتها ويريدون مسخ الأمة، وجعلها تابعة لعدوها، ولهذا يجب علينا أن نقف في وجه هؤلاء، وأن نرفض كل ما يريدونه وكل ما يخططون له، وهذا يتطلب منا نحن الدعاة إلى الله والمصلحين أن نكون إيجابيين، فإذا رأينا منكراً من المنكرات لا نسكت، وما تنتشر المنكرات إلا بسبب سكوتنا، فلو رأينا منكراً في صحيفة اتصلنا على الصحيفة وتكلمنا معهم بكلام مهذب ومؤدب وحسن فإننا سنؤثر بإذن الله، وإذا رأينا منكراً عاماً نكتب لولي الأمر أو لولي العهد أو لوزير الداخلية، أو لأي جهة من الجهات، بأسلوب مهذب مؤدب ونستدل بالقرآن والسنة فإن الكلام حينئذٍ سيكون له وقع بإذن الله. فلا تظن أنك إنسان لا قيمة لك، فأنت لك كيان، وأنت جزء ممن سيقع عليه أي قرار يتخذ في أي بلد من البلاد الإسلامية ومنها بلادنا. فالهجمة الأمريكية عامة على كل البلاد الإسلامية فليست خاصة بالعراق وأفغانستان، نعم هي في العراق وأفغانستان على شكل حرب مسلحة فقد دمروا هذه البلاد واستحلوها، وهذه الصورة من صور الحملة. وهناك حملة من نوع آخر، وهي تغيير هوية الأمة ومحاولة تغيير عقائد المسلمين وإضلالهم، ولهذا تحدث أهل العلم عن كيفية مواجهة مثل هذه المشكلة وكان لهم كلام واضح وبين في هذه القضية، ومنه إنكار هذا العدوان الظالم والذي لا يشك مسلم في كونه ظالماً. والأمر الآخر: أنهم ينبهون الشباب أن يكون لهم دور في إصلاح أمتهم، قبل أن تحصدهم طائرات وصواريخ العدو، فلكل شاب في بلاد المسلمين دور إصلاحي وأثر في بلاد المسلمين، وهذا الدور الإصلاحي وهذا الأثر يجعلان له موقعاً من التأثير، وليس من المعقول ولا من المطلوب لا شرعاً ولا عقلاً أن يترك الدعاة مواقعهم في الأمة ليذهبوا ليقاتلوا هنا أو هناك وتترك الأمة ضائعة مثل الشياة في الليلة المطيرة. فالدعاة إلى الله المصلحون هم صمام الأمان بالنسبة للأمة، وهم

رد القول بأن توحيد الربوبية أول واجب على المكلف

رد القول بأن توحيد الربوبية أول واجب على المكلف Q ما هي علاقة فطرية التوحيد بأول واجب على المكلف؟ A سبق أن أشرنا وقلنا: أن معرفة الله عز وجل وإثبات وجود الله عز وجل فطري عند الإنسان، وأن توحيد الربوبية مفطور عليه الإنسان، فترتب على هذا: أن أول واجب على الإنسان هو أن يعبد الله عز وجل؛ لأنه لو كان أول واجب هو الفطرة كان هذا تحصيل حاصل، وتحصيل الحاصل ممتنع كما ذكره أهل العلم.

الواجب على المسلم تجاه المنكرات

الواجب على المسلم تجاه المنكرات Q ما حكم من رأى فتنة ولكن لا يستطيع إنكارها ضعفاً منه أو ليس عنده علم؟ وهل يحاسب عليه يوم الحساب ويكون مسئولاً؟ A إذا وجدت المنكرات فلابد من إنكارها، والمقصود بالمنكرات الظاهرة الواضحة؛ لأن المسائل الاجتهادية والخلافية ليست من المنكرات، وإن كان إنكار ما خالف الدليل الواضح الصريح واجب أيضاً، ولهذا أنكر بعض الصحابة على بعض في بعض المسائل الاجتهادية. والمنكر الواضح الصريح مثل أكل الربا وشرب الخمر والفواحش ونحو السب والشتم وترك الصلاة ونحو ذلك، فهذا كله إنكاره من الأمور الواجبة، ويكون تغييرها حسب استطاعة الإنسان وقدراته وإمكانياته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطيع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).

الحكم على الشيعة

الحكم على الشيعة Q هل الشيعة مسلمون أم مشركون؟ A الشيعة طوائف متعددة فليست طائفة واحدة، فهناك الباطنية من الشيعة وهم مرتدون بإجماع العلماء، وهؤلاء الباطنية أمثال البهرة الأخانية والإسماعيلية، وتفصيل عقائدهم يمكن مراجعتها في مضانها، وقد كفرهم أهل العلم وقال عنهم العلماء: إنهم أكفر من اليهود والنصارى. والنوع الثاني من الشيعة هم الروافض أي: الإثنا عشرية، وهم الذين يطلق عليهم الشيعة، وهم الذين يسبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والذين يعظمون أئمتهم إلى درجة أنهم يجعلون للإمام دوراً في التشريع، وهم الذين يتعبدون عند قبور أئمتهم، فدين الشيعة الرافضة الإثني عشرية كفر، مخرج عن الإسلام، لكن الذي يكفر على التعيين هم أهل العلم فيهم، يعني: علماؤهم الذين يعرفون هذه العقائد الموجودة في الكتب هم الذين يكفرون؛ لأنهم يعرفون هذه العقائد، وكذلك من كان باحثاً منهم ويعرف العقائد ويقرها فهو بلا شك كافر، أما عوامهم فهم بحسب أحوالهم، فإن كانوا يعرفون هذه العقائد الكفرية ويقرونها ويعترفون بها، فإنهم كفار والعياذ بالله، أما إذا كانوا غير ذلك فلا يكفرون؛ ولا يصح للإنسان أن يكفر طائفة كاملة قد يوجد فيها أشخاص لا يعتقدون هذه العقائد، فينبغي إدراك هذه المسألة، فعوام الشيعة ليسوا كلهم كفاراً، فبعضهم قد لا يكون لديه هذه العقائد، وقد يكون عنده بدع، وقد يكون عنده بعض الكفريات، لكن لجهله أو لما عنده من التأويل لا يكفر؛ ولهذا يحتاج الأمر إلى تفصيل، فهو بحسب عقيدة هذا الشخص.

ثبوت أقسام التوحيد والرد على مدعي ابتداعها

ثبوت أقسام التوحيد والرد على مدعي ابتداعها Q ما الرد على من يقول: إن أقسام التوحيد لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويتهمنا بأننا ابتدعنا في الدين؟ A أقسام التوحيد من حيث معناها ومن حيث مضمونها هي أقسام واردة في القرآن وفي السنة النبوية الصحيحة، أما من حيث الترتيب العلمي فهي أقسام ثلاثة أو قسمين، وصحيح أنها لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذا باب واسع عند العلماء ويسمى باب الاصطلاح، والعلماء يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح، فإذا كان معنى الاصطلاح صحيحاً فإن الاصطلاح يكون صحيحاً، وإذا كان الاصطلاح معناه فاسد، فإن الاصطلاح فاسد، ولهذا أنكر العلماء على اصطلاحات الصوفية مثل: الفناء والسكر والشطح وغيرها؛ لأنها تتضمن معاني فاسدة وباطلة. وأيضاً أنكر العلماء على مصطلحات أهل الكلام مثل الجسم والعرض والحيز والجهة ونحو ذلك؛ لأنها تتضمن مصطلحات باطلة، بينما لم ينكر أهل العلم على مصطلحات النحاة، ولا على مصطلحات الأصوليين، ولا على مصطلحات الفقهاء، ولا على مصطلحات الحديث: حديث صحيح، وحديث ضعيف، وحديث شاذ، وحديث منكر، هذه كلها لم تكن موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ومع هذا أصبحت جزءاً من العلوم المعيارية الأساسية. فهذه المصطلحات صحيحة؛ لأن معانيها صحيحة، فإنه لا إنكار فيها، لكن الإنكار على المصطلحات التي تكون معانيها غير صحيحة، والعجيب! أنني رأيت كتاباً اسمه (التنديد بمن قسم التوحيد) وألفه أحد الضالين واسمه: حسن السقاف، وتكلم فيه على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وشيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: إن هؤلاء ضالون؛ لأنهم ابتدعوا فقسموا التوحيد بهذه الطريقة، وهذا ابتداع! وعرف التوحيد بأنه توحيد الله عز وجل في ذاته وأسمائه وأفعاله، وهذا تعريف المتكلمين: أن يكون الله واحداً في ذاته لا قسيم له، وفي أسمائه وصفاته لا شبيه له، وفي أفعاله لا شريك له، وهل التقسيم لأهل الكلام حلال، وعند أهل السنة حرام؟ وكل أصحاب المناهج وأصحاب الكتب يقسمون، لكن أهم شيء هو: هل هذا التقسيم صحيح أو تقسيم فاسد؟ والاستدلال لا يكون بذات التقسيم ولا نقسم أبداً، ولا أحد يقول بهذا القول أبداً، فالذين قالوا: بأن أهل السنة مبتدعون لأنهم قسموا هذه الأقسام الثلاثة، فهم يقسمون أيضاً، وتقسيمهم هذا تقسيم غير شرعي، وهو تقسيم فيه خلل.

أصول العقيدة [4]

أصول العقيدة [4] لتوحيد الإلهية ركنان أساسيان, وهما عبادة الله عز وجل والكفر بالطاغوت, ويتعلق بهذا التوحيد قواعد مهمة, منها كونه أعظم أعمال القلب, وضرورة تحقيق شروط كلمته, وتحقق النجاة لمن جاء بأصله يوم القيامة وإن عذب, وغير ذلك من القواعد.

تعريف العبادة

تعريف العبادة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. قد عرف أهل العلم العبادة بتعريفات متعددة، منهم من عرف العبادة في ذاتها، ومنهم من عرف العبادة التي هي فعل العبد بعد أن يفعلها، فقد عرفت بأنها اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، هذا التعريف هو الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أول كتاب (العبودية) وهو تعريف لفعل العبد، وهو تعريف لحقيقة العبادة في نفسها، والعبادات في ذاتها تشمل الدين كله، فهي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، ولهذا بين حقيقة العبادة نفسها وبين فعل العبد اتصال وثيق لا يمكن الفصل بينهما إلا نظرياً، يعني: يمكن نتخيل في الجانب النظري أن هناك عبادة بدون فعل، فنسمي هذه العبادة بدون فعل: أنها كمال الذل مع كمال المحبة، ويمكن أن نتخيل أن هناك فعلاً ونسميه حينئذ: الاسم الجامع لكل ما يحب الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وإلا فالحقيقة فعل العبادة مع تلبس العبد بها مركبان بعضهما من بعض، لا يفصلان في الواقع، وإنما يتخيل الإنسان هذا الفصل فعرف العبادة في نفسها بتعريف، وعرف فعل العبد لها بتعريف آخر، وهما يصبان في إناء واحد وفي مكان واحد، ونلاحظ من خلال تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله للعبادة أن العبادة شاملة للدين كله، كما قال الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163]، والعبادة لا يجوز أن تكون إلا لله سبحانه وتعالى، فمن عبد غير الله عز وجل فقد وقع في الشرك ونقض التوحيد.

أركان توحيد الألوهية

أركان توحيد الألوهية من القواعد المتعلقة بتوحيد الألوهية: أن لتوحيد الألوهية ركنين: الركن الأول: عبادة الله. الركن الثاني: الكفر بالطاغوت.

الركن الأول: عبادة الله تعالى

الركن الأول: عبادة الله تعالى فأما عبادة الله فمعناها: فعل العبادة لله سبحانه وتعالى، مثل: التعبد لله بالصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والذبح، والدعاء، والاستغاثة، والنذر، ونحو ذلك من أنواع العبادات التي يتقدم بها الإنسان لله عز وجل كالسجود، والركوع، والخضوع، وحلق الرأس تعبداً، والذهاب إلى المناسك، ونحو ذلك، كل هذه تعتبر من العبادة، ولكن هذه وحدها لا تكفي في توحيد الألوهية، بل لا بد أن ينضاف إليها الكفر بالطاغوت، ولهذا أخبر الله عز وجل أن الأنبياء والمرسلين جاءوا بهذين الأمرين، جاءوا بعباد الله عز وجل، وكذلك جاءوا بالكفر بالطاغوت، يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]. ويقول الله عز وجل: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا} [البقرة:256]. قال العلماء: إن العروة الوثقى: هي لا إله إلا الله، وسبق أن أشرنا في القاعدة الأولى أن لا إله إلا الله هو توحيد الألوهية، ونحن إذا جئنا إلى هذين الركنين في توحيد الألوهية: عبادة الله، والكفر بالطاغوت نجد أن معناهما هو نفس معنى لا إله إلا الله، فلا إله إلا الله كلمة مركبة من نفي وإثبات، والنفي مأخوذ من قوله: (لا إله)، والإثبات مأخوذ من قوله: (إلا الله)، فالإثبات هو معنى عبادة الله، والنفي هو الكفر بالطاغوت، والطاغوت: هو اسم عام لكل معبود أو متبوع أو مطاع من دون الله سبحانه وتعالى وهو راض، فكل معبود أو متبوع أو مطاع من دون الله عز وجل وهو راض فهو طاغوت، فالأصنام طاغوت، والأوثان طاغوت، والقبور التي تعبد من دون الله طواغيت، والحكام الذين يحكمون بغير شريعة الله عز وجل ويبدلون شريعة الله تعالى طواغيت، والكهان الذين يدعون علم الغيب، وينسبون أنفسهم للحديث عن المغيبات التي لا يعلمها إلا الله عز وجل طواغيت، ولهذا عند الكلام حول الآية السابقة وهي قوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:256]، تعددت تفسيرات أهل العلم في معنى الطاغوت، فقال بعضهم: الطاغوت هو الشيطان، وقال بعضهم: الطواغيت هم كهان كانوا في أحياء العرب يدعون أن الجن تنزل عليهم، ويتكلمون في المغيبات، وقال بعضهم: الطاغوت هو الحاكم بغير ما أنزل الله. يقول الله عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153]. فقوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي} [الأنعام:153]، قال بعضهم: اتباع الرسول، وقال بعضهم: القرآن، وقال بعضهم: الإسلام، وقال بعضهم: الإيمان، وكل هذه المعاني هي من الصراط المستقيم، ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مقدمته النفيسة لأصول التفسير أنهم قد يذكرون في تفسيرهم أحياناً مثالاً واحداً، ولا يعني ذكرهم لهذا المثال أنهم ينفون ما عداه، فالذين قالوا عن الطاغوت بأنه الشيطان، لا يعني هذا أنهم يرون أن الأصنام ليست طواغيت، أبداً، وإنما هم ذكروا مثالاً على الطاغوت؛ لأن الشيطان يأمر الناس بالشرك، والشرك هو حقيقة الطاغوت، ولهذا كل من عبد غير الله عز وجل فقد حصل منه الكفر والعياذ بالله، وأصبح من الطواغيت.

مكانة الحكم والتشريع من العبادة

مكانة الحكم والتشريع من العبادة بعض أهل العلم لهم تقسيم فيما يتعلق بالعبادة، يقسمون العبادة إلى قسمين: قسم عبادة النسك، وقسم عبادة الحكم، والتشريع والاتباع، ويعتمدون في التقسيم إلى أنواع العبادة نفسها، فإن أنواع العبادة إذا نظرنا فيها نجد أنها تعود إلى أمرين: الأمر الأول: التنسك لله سبحانه وتعالى، مثل: الدعاء والذبح والنذر ونحو ذلك، ومنها ما يعود إلى الاتباع والطاعة، فيكون الحكم والطاعة المطلقة لله سبحانه وتعالى. وعلى كل حال سواء كان هذا التقسيم دقيقاً أو ليس بدقيق، فإن الحكم والتشريع والطاعة المطلقة هي من جنس العبادة، ولا يجوز للإنسان أن يحكم بغير ما أنزل الله، ولا أن يشرع بغير ما أنزل الله، ولا أن يتبع اتباعاً مطلقاً غير ما أمر الله سبحانه وتعالى به، ولهذا تأملوا قول الله عز وجل: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:40]. فقوله: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)) هذا يدل على أن الحكم من العبادة، ولهذا جعل من أطاع واتبع من شرع بغير ما أنزل الله، وجعل للناس شريعة غير شريعة الله عز وجل، جعله ممن اتخذ هؤلاء أرباباً، فقال الله عز وجل عن اليهود والنصارى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة:31]. واتخاذهم للأحبار والرهبان أرباباً لا يعني أنهم كانوا يصلون لهم، ويقدمون لهم أنواع العبادات، وإنما كانوا يشرعون لهم فيتبعونهم في هذا التشريع، ولهذا جاء في حديث عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه عندما قال للنبي صلى الله عليه وسلم في آية سورة التوبة: (نحن لا نعبدهم -وقد كان عدي بن حاتم من النصارى- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا يحلون لكم الحرام فتتبعونهم؟ قال: بلى، قال: ألا يحرمون عليكم الحلال فتتبعونهم؟ قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم). إذاً: تغيير شريعة الله عز وجل كفر مخرج عن الملة، واتباع من شرع بغير ما أنزل الله عن رضا ومعرفة وعلم فهذا أيضاً كفر كامل، يعني: المشرع الذي بدل الشريعة كافر خارج عن الإسلام، وكذلك الذي أطاعه عن علم ومعرفة وقناعة، فهذا أيضاً كافر خارج عن الإسلام. ولهذا قال العلماء: إن الديمقراطية كفر، بعض الناس ينظر إلى آليات في الديمقراطية مثل: الانتخابات وحق الانتخاب، وحق الاجتماع، وحق الاختيار، ونحو ذلك من الحقوق العادية التي حصلت من جراء الديمقراطية، أما الديمقراطية كمنهج فهي حكم الشعب للشعب، يعني: أن يحكم الشعب نفسه، والحكم عندهم كلمة عامة تشمل أن يشرع الناس لأنفسهم بعقولهم ما يظنون أنه يهديهم إلى أحسن السبل وأفضل الطرق، فهم يقومون بتوزيع أي شعب من الشعوب إلى دوائر، وكل دائرة ترشح نائباً عنها، فيجتمع هؤلاء النواب، ثم بعد ذلك يبدءون في التشريع، ويحق لهؤلاء النواب، أو من يوكله النواب مثل: لجنة التشريعات أن تشرع للناس في كل باب من الأبواب ما يحلو لها، ولا يصح لأحد أن يعترض على هؤلاء النواب بأن عملهم هذا مخالف لشريعة الله، فمثلاً: قد يرون أن من المصلحة فتح باب الدعارة والزنا في البلاد، وأن تكون مقننة، وأن تكون تابعة لوزارة الصحة حتى لا يحصل انتشار (للإيدز)، وحتى لا تحصل بعض الأمراض الخطيرة، وهكذا الأمر في الخمر والربا وأي باب من الأبواب المحرمة، فإذا قيل لهم: إن هذا أمر حرمه الله، قالوا: نحن الآن في عملية ديمقراطية، والدين والقضايا الدينية مكانها المسجد، أما مجال الحكم ومجال التشريع فإنه لا مجال للدين فيه! ولهذا كانت الديمقراطية صورة من صور العلمانية، ولهذا يا إخواني! الديمقراطية كفر مخرج عن الإسلام، هذا في جانبها التشريعي، أما في جانب الآلة، يعني: كيف تتم عملية الشورى، وهي عملية انتخابات، فلو قالوا: نريد أن نوزع البلد إلى دوائر ثم تحصل انتخابات، ويقوم مجلس بوضع قوانين إدارية، مثل: قوانين المرور، وقوانين الإجراءات الإدارية المعتادة، وأما مسائل الحلال والحرام فإنها أمر مقطوع بها، وأنها في دين الله عز وجل واضحة وبينة ولا مجال للكلام فيها، إذا كان بهذا الأسلوب فإنه لا يكون كفراً، لكنه يكون مخالفاً للأسلوب والمنهج النبوي في الشورى، فإن المنهج النبوي في الشورى أن الناس لا يتساوون، بينما في الديمقراطية الناس يتساوون، عندهم صوت العجوز التي في بيتها لا تفقه شيئاً مثل صوت العالم الذي عرف شريعة الله عز وجل ودرسها دراسة دقيقة، وعندهم صوت الشاب المراهق الذي لم يعرف الحياة بعد، مثل صوت صاحب الخبرة ونحو ذلك، وهذا لا شك أنه تسوية فيما فرق الله عز وجل فيه، ولهذا كانت طريقة المسلمين وطريقة أهل الإسلام في تقديم الشورى هي أفضل الطرق؛ لأن تقديم الشورى يتم عن طريق أهل الحل والعقد، وأهل الحل والعقد في الأمة هم الأشخاص الأمناء الأتقياء الثقات، الذين يحسنون التدبير ولهم تأثير

الركن الثاني: الكفر بالطاغوت

الركن الثاني: الكفر بالطاغوت الركن الثاني: الكفر بالطاغوت، وهو يقتضي عدة أمور: الأمر الأول: اجتناب هذا الطاغوت وتركه، بمعنى ألا يكون الإنسان ممن يعبد غير الله عز وجل فيعبد هذا الطاغوت. الأمر الثاني: البراءة والبغض للطواغيت والشرك. الأمر الثالث: البراءة والبغض لأصحاب الطاغوت وأتباع الطاغوت، فمن لم يكفر الطاغوت فهو كافر، يعني: لو أن إنساناً اعتقد أن الطاغوت غير كافر، فهذا لا شك أنه وقع في مكفر، لكن الكفار نوعان: كفار يعلم كفرهم من الدين بالضرورة، مثل: اليهود والنصارى والمشركين، وكفار هم من المنتسبين إلى الإسلام ووقعوا في الردة، وقد يخفى حالهم على بعض المسلمين، فمن لم يكفر اليهود والنصارى والوثنيين فإنه قد وقع في الكفر؛ لأنه مكذب لخبر الله عز وجل الذي كفرهم صراحة في القرآن. وأما من كان ممن ينتسب إلى الإسلام ووقع في مكفر، وارتد عن الدين، والتبس حاله، ثم لم يكفره شخص من الأشخاص، فإنه لا يحكم عليه بالكفر بسبب ذلك؛ لوجود الالتباس، وعدم وضوح حال مثل هذا الإنسان، فينبغي التفريق بين هذين الأمرين. إذاً: قاعدة: من لم يكفر الكافر فهو كافر، المقصود بها الكافر الأصلي الواضح الكفر، مثل: اليهود والنصارى والوثنيين عموماً بكل أنواعهم، فهؤلاء من لم يكفرهم مع وضوح حالهم، وإخبار الله عز وجل بتكفيرهم فهذا وقع في الكفر، أما المرتد الذي يلتبس حاله على بعض المسلمين فهذا من جنس المنافقين، فإذا وقع منه الكفر، وأقيمت عليه الحجة، ووجدت فيه الشروط، وانتفت عنه الموانع؛ فإنه يكون كافراً، لكن من التبس عليه حال مثل هذا الإنسان فلم يكفره، فإنا لا نقول: إن من لم يكفر الكافر فهو كافر في مثل هذه الحالة، فهذه حالة فيها التباس، ولا يكفر أحد لعدم تكفيره لها، لوجود هذا الالتباس.

ضرورة تحقيق توحيد الألوهية

ضرورة تحقيق توحيد الألوهية من القواعد المتعلقة بتوحيد الألوهية: أن توحيد الألوهية هو أعظم أعمال القلب التي ينبغي على الإنسان أن يحصلها، فتوحيد الألوهية هو محبة الله، والخوف من الله، ورجاء الله، والثقة بالله سبحانه وتعالى، وتعظيم الله سبحانه وتعالى، ولهذا ينبغي على الإنسان أن يحصل هذه المقاصد العظيمة، وهذا يدعونا إلى الإشارة إلى أن توحيد الألوهية يزيد وينقص، فليس كل المسلمين على درجة واحدة في هذا التوحيد، فهو مثل الإيمان يزيد وينقص، يزيد بطاعة الله عز وجل، ومعرفة حقه، والتعلق به، ومحبته، والخوف منه، والإنابة إليه، والثقة به، فهذا يكون إيمانه وتوحيده عالياً. وأما من ضعف توحيده وضعفت محبته لربه، وضعف خوفه من الله سبحانه وتعالى، وضعف توكله واعتماده على الله، وضعف إيمانه فإنه يكون حينئذ توحيده ضعيفاً أيضاً. ولهذا يا إخواني! مع الأسف وقد سبق أن نبهت على هذه المسألة: وهي أن كثيراً من الدارسين لأمور العقيدة تجدهم يركزون على الأركان والشروط، والأنواع، والأدلة، ونحو ذلك، وهذا أمر طيب ومطلوب، وهو سبب في حفظ الدين الصحيح واستمراره إلى قيام الساعة بإذن الله تعالى، وهذه من مميزات وخصائص هذه الأمة، لكن هذا وحده ليس كل العقيدة، بل العقيدة يدخل فيها علو الإيمان، وقوة التوحيد، عن طريق محبة الله، والخوف من الله، والتعلق بالله سبحانه وتعالى، والثقة بنصر الله، انظروا إلى كثير من المسلمين اليوم ونحن جزء منهم، ممن لم يقارف ولله الحمد في الظاهر أعمالاً شركية، مثل: الطواف حول القبور، والذبح لغير الله، ونحو ذلك، لكن مع ذلك تجد محبته لله فيها ضعف، وخوفه من الله فيه ضعف، وتوكله على الله عز وجل فيه ضعف، وثقته بالله فيها ضعف، وتجد كثيراً من الناس عندما يرى تكالب الأعداء، ويرى قوة أهل الباطل يضعف يقينه بالله سبحانه وتعالى، بل بعضهم ربما شعر باليأس، بل ربما زاد بعضهم إلى درجة الشك في نصرة هذا الدين، مع أن من العقائد الأساسية في دين الإسلام تصديق خبر الله عز وجل فيما يتعلق بانتصار هذا الدين، ولهذا لابد من تجديد الثقة وتجديد الإيمان وتجديد العقيدة في نفوسنا، لأننا نجد بعض طلاب العلم قد يحسن تقرير مسائل العقيدة من ناحية التقرير النظري، وتفصيل المسائل، وترتيبها، وذكر القواعد والشروط والموانع والقوادح وما يتعلق بهذه المسائل، إلا أنه من حيث التطبيق العملي لتوحيد الألوهية والإيمان ضعيف، فتجد أنه يمكن أن يعصي الله عز وجل بسهولة، وتجد أن محبته لله عز وجل فيها ضعف، وتجد أن ثقته بالله عز وجل ضعيفة، ولهذا يا إخواني! نحن بحاجة إلى أن نربط كل شئون الحياة بهذه العقيدة، حتى مجال الأخلاق؛ لأن كثيراً من الناس يتصور أن الأخلاق ليست مرتبطة بالعقيدة، ويتصور أن العقيدة هي مسائل نظرية وأبواب معينة محددة موجودة في الكتب فقط، لا، الأخلاق مرتبطة بالعقيدة ارتباطاً وثيقاً، فالثقة بنصر الله والصبر، وما يتعلق بالشجاعة ونحو ذلك كلها مرتبطة بالعقيدة. نحن بحاجة إلى التفكير دائماً في مسألة أخلاق الأزمات، هذا الموضوع يمكن أن أطرحه عليكم، وأتمنى في اللقاء القادم من كل واحد من الإخوة أن يذكر خلقاً من الأخلاق، أو يذكر مجموعة أخلاق ينبغي على المسلم أن يتحلى بها في وقت الأزمات؛ لأنه عندما تحصل أزمة من الأزمات، أو مشكلة من المشكلات في بلاد المسلمين، فإن هناك مجموعة من الأخلاق الضرورية والأساسية التي ينبغي على المسلم أن يتحلى بها في هذه الأزمات، وهذه الأخلاق وهذه الآداب التي ينبغي على المسلم أن يتحلى بها في هذه الأزمات نحن بحاجة إلى أن نكتبها. أنا أذكر لكم مجموعة مثلاً منها: الصبر، عندما تحصل أزمة، والأزمة طبيعتها فيها شدة وفيها ابتلاء، قد يكون فيها قتل، وقد يكون فيها أذى، ولهذا نحن بحاجة إلى الصبر، والصبر ليس صبراً سلبياً، يعني: أن يتحمل في نفسه فقط، لا، بل الصبر على رفع الأزمة، والصبر على رفع الأزمة يحتاج إلى عمل، ويحتاج من الشخص أن يكون إيجابياً. من الأخلاق مثلاً في الأزمات: الشجاعة، ألا يكون الإنسان ضعيف القلب، وأنه بمجرد حصول أزمة من الأزمات ينهار مباشرة. من أخلاق الأزمات: الزهد في الدنيا؛ لأن التعلق بالدنيا هو سبب الانهيار في الأزمات، فمثلاً: عندما يكون كل شيء موجود في حياة الإنسان، وفجأة يفقد هذه الدنيا، فإنه ينهار مباشرة، لكن عندما يكون لديه خلق عظيم وهو الزهد، ويتعامل مع الدنيا على أنها في اليد، ثم بعد ذلك إذا زالت عنه فإنه لا يحزن وإنما يؤمن بقضاء الله وقدره، وهذا يدعونا إلى إشارة أخرى وهي الإيمان بالقضاء والقدر فيما يتعلق بالأزمات. ومن أخلاق الأزمات: الأمانة، فنحن عندما تحصل أزمة من الأزمات نحتاج إلى وجود أمانة، وينبغي للمسلم أن يحافظ على أمانته، وأن يكون أميناً فيما يتعلق بأمور المسلمين. أيضاً من أخلاق الأزمات: أن يكون الإنسان إيجابياً فيما يتعلق بمصالح المسلمين، يعني: لا يكون شخصاً لا ينظر إلا إلى نفسه، بعض الناس ينظر إلى نفسه، أنا التقيت بأحد الشباب الأذكياء أصحاب الفطنة، يقول: والله يا أخي! لو صا

شروط لا إله إلا الله

شروط لا إله إلا الله من القواعد أيضاً المتعلقة بمفهوم التوحيد: أن شهادة أن لا إله إلا الله لها شروط، لا يتم توحيد الإنسان إلا بتحقيق هذه الشروط، فليس المطلوب منا أن نقول شهادة أن لا إله إلا الله فقط، بل لابد من تحقيق هذه الشروط، وهذه الشروط هي:

الإخلاص المنافي للشرك

الإخلاص المنافي للشرك الشرط الأول: الإخلاص، وضد الإخلاص الشرك، ومعنى الإخلاص هنا: أن يكون إسلام الإنسان وتوحيد الإنسان وعبادة الإنسان لله، وأن يكون دخوله في هذا الدين العظيم لله عز وجل، لا يبتغي به دنيا، ولا يبتغي به جاهاً، ولا يبتغي به أي أمر أو مأرب من المآرب الدنيوية، وإنما يكون ذلك لوجه الله عز وجل، هذا الشرط المهم ينقضه ويبطله الشرك، فكل أنواع الشرك تبطل هذا المقصد العظيم، يقول الله عز وجل: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] ويقول سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [البينة:5].

العلم المنافي للجهل

العلم المنافي للجهل الشرط الثاني: العلم، وضده الجهل، ومعناه: أن يعلم الإنسان معنى شهادة أن لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى. فلو أنه جهل معناها، وظن أن معناها: لا خالق إلا الله، فإنه يكون قد نقض هذا الشرط، وهذا يدعو إلى الإشارة إلى أمر خطير جداً، وهو أن كثيراً من الدراسات مع الأسف وبعض الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى يقررون للناس في دروسهم ومحاضراتهم ومجالسهم أن لا إله إلا الله معناها: لا خالق إلا الله، فتجد أنه إذا شرح لا إله إلا الله يبدأ ويتكلم عن خلق الكون، وتدبير الكون، وأنه لا مدبر إلا الله، ولا خالق إلا الله، وأنه لا يمكن لأحد أن يؤدي أي شيء إلا بالله عز وجل، وينسى جانب العبادة، وأن معنى لا إله إلا الله هي مباشرة في توحيد العبادة، وأن المطلوب من العبد هو إفراد الله بالعبادة، فلو أنه علم أن الله هو الخالق والرازق والمحيي والمميت، وأنه لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا محيي إلا الله، ولا مميت إلا الله، لكنه مع ذلك لم يفرد العبادة لله، وأشرك مع الله فإن ذلك لا ينفعه، بل لابد أن ينضاف إليه اعتقاد وعمل العبادة لله عز وجل دون غيره. ولهذا كان المشركون يعتقدون أن الله هو الخالق وحده، والرازق والمحيي والمميت، وكانوا يعبدون هذه الأصنام من أجل أن تقربهم إلى الله عز وجل، ويعتقدون أن لها مكانة عند الله، واللات التي كانوا يعبدونها هي باسم رجل كان يلت السويق على صخرة في الطائف ويقدمه للحجاج، وكان رجلاً فاضلاً كريم الخلق، فلما مات عكفوا على قبره، واعتقدوا البركة فيه، واعتقدوا أن هذا رجل له مكانة عند الله، فأصبحوا يتعبدون له، ويتوقعون أنه سيشفع لهم عند الله، وأن الله عز وجل سيقبل هذه الشفاعة، فصارت العبادات لهذا اللات الذي كان يلت السويق وليست لله سبحانه وتعالى. مع أنهم كانوا يعتقدون أن الخالق هو الله، والرازق هو الله، ويعظمون البيت، ويطوفون به، ويقولون: نحن الحمس، يعني: حماة البيت، وكانوا يحجون ويذهبون إلى منى ومزدلفة، وكانوا يذبحون لله، وينحرون لله عز وجل، ولم ينفعهم ذلك بشيء لما أشركوا غير الله عز وجل. إذاً: لابد من العلم بلا إله إلا الله، يقول الله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19].

الصدق المنافي للكذب

الصدق المنافي للكذب الشرط الثالث: الصدق، يعني: اعتقاد أن هذا الدين صدق وليس بكذب، وعكس الصدق الكذب، فمن اعتقد أن لا إله إلا الله كذب، ومن اعتقد أن هناك معبودات يمكن أن تعبد مع الله عز وجل فقد وقع في الشرك، ولهذا الذين يعتقدون أن للرسول صلى الله عليه وسلم خصائص الألوهية، وأنه يستجيب لدعاء الناس التي لا يقدر عليها إلا الله، فهؤلاء وقعوا في الشرك من هذا الباب، فإنهم لم يصدقوا أنه لا إله إلا الله، بل اعتقدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن يدعى من غير الله، وكذلك الأولياء وغيرهم، فمن اعتقد أن ولياً من الأولياء يمكن أن يعبد من دون الله مع الله سبحانه وتعالى أو من دونه، فإنه يكون قد وقع في الشرك.

المحبة المنافية للبغض

المحبة المنافية للبغض الشرط الرابع: المحبة، وعكس المحبة البغض، والمحبة أن يحب الله عز وجل، ويحب توحيد الله سبحانه وتعالى، ومن أبغض عبادة الله، أو أبغض دين الله، أو أبغض الله، أو أبغض الرسل الكرام فإنه يكون حينئذ قد وقع في الشرك.

اليقين المنافي للشك

اليقين المنافي للشك الشرط الخامس: اليقين، وضد اليقين الشك، فمن شك في أنه لا إله إلا الله فإنه يكون حينئذ قد وقع في الشرك؛ ولهذا من أعظم الأسباب التي توصل إلى الشك، أولاً: عدم دراسة ومعرفة حقوق الله عز وجل على الإنسان، وعدم إدراك مكانة الله عز وجل، وأسماء الله وصفاته، فإن من جهل هذه المقامات العظيمة من أسماء الله وصفاته، وجهل حكمة هذا الدين، وعظمة هذا الدين، فإنه قد يقع في نفسه شيء من الشك. ثانياً: كثرة الذنوب والمعاصي، فإنها تورث الإنسان الشك في دين الله. إذاً: ينبغي للإنسان أن يحرص على أمرين: الأمر الأول: أن يتعلم أسماء الله وصفات الله عز وجل، وعظمة هذا الدين. الأمر الثاني: أن يبتعد عن الذنوب والمعاصي، ويقترب من الله عز وجل بالطاعة. إن السبب الذي جعل بعض شباب المسلمين في بلاد المسلمين في هذه الأيام يعبد الشيطان، كظاهرة عبادة الشيطان التي حصلت في مصر، وأيضاً في لبنان، وفي بعض البلاد، وهذه الظاهرة أصبحت في أكثر البلاد الإسلامية، وإن كان بعضهم يسترها، فأمر غريب أن يعبد ألد أعداء الإنسان، فالسبب الذي جعلهم يصلون إلى هذه المرحلة المخدرات والجنس، حتى إنهم صاروا يبحثون عن الشذوذ مثل: الجنس الجماعي، أو الجنس المثلي، الرجل مع الرجل، والمرأة مع المرأة، أو الجنس الشاذ الغريب، أو إرادة الاستغراب إلى درجة أنهم من طقوسهم يشربون الدماء، أو يتعاطى الجنس أثناء نزيف الدم منه، أو ممن يفعل به هذه الفاحشة والعياذ بالله. ولهذا أصبحت لهم طقوس ولهم أشكال معينة، ولهم اهتمامات معينة. فالسبب الذي جعلهم يعبدون غير الله هو ضعف المعرفة بالله عز وجل والإيمان به، وضعف التعبد له، وكثرة الذنوب والمعاصي، وعدم شعور الإنسان بخطورة هذه الذنوب، فهذا الأمر يورث والعياذ بالله بداية الشك، ثم يصل إلى درجة التكذيب، ثم يصل إلى درجة الشذوذ والاعتراض، ولهذا تكثر هذه العبادات الشيطانية عند أصحاب الأموال الكثيرة، أو عند الفقراء المعدمين جداً، يعني: إما عند هؤلاء أو عند هؤلاء؛ لأن الجميع يريد أن يرى شيئاً غير طبيعي.

الانقياد والقبول

الانقياد والقبول الشرط السادس والسابع: الانقياد والقبول، يعني: أن يرضى المرء بشريعة الله؛ فإن الرضا هو القبول، أن يكون قابلاً وراضياً بهذه الشريعة. ومن معاني الرضا: أن يكون منقاداً لهذه الشريعة، فمن لم يقبلها ولم يرض بها، فيعتبر رافضاً للشريعة مثل: اعتقاد أن هذه الشريعة لا تصلح للمجتمع الصناعي الذي نعيش فيه، أو أنها لا تصلح للقرن العشرين، يقولون: نحن في القرن العشرين، عسانا في القرن المائة ليس في القرن العشرين، فماذا كان؟ شريعة الله عز وجل تصلح لكل القرون، وهي هادية للبشرية في كل أحوالهم، وانظروا إلى أحوال الذين تكبروا عن الشريعة. إذاً: لابد من الرضا ولا بد من القبول لدين الله سبحانه وتعالى، وأيضاً لا بد من الانقياد، ومعنى الانقياد: أن الإنسان إذا علم وعرف معنى لا إله إلا الله لا بد أن ينقاد لهذه الكلمة العظيمة، وذلك بأن يعبد الله لا يعبد غيره، فإذا قيل لك: فلان منقاد للا إله إلا الله فمعنى ذلك: أن هذا الشخص لا يتأله إلا لله، لا يصلي إلا لله، لا يصوم إلا لله، وفي نفس الوقت يبرأ ويبغض كل مخالف لشريعة الله سبحانه وتعالى. وزاد بعض العلماء على هذه الشروط: الموت عليها، يعني: أن يموت على لا إله إلا الله، فمن مات على غير لا إله إلا الله فلا فائدة مما سبق، ولهذا إذا أبطل الإنسان توحيده ونقضه، فإنه وإن كان قبل ذلك يتعبد لله عز وجل فقد نقض هذا البنيان وهدمه.

ثمرة المجيء بأصل التوحيد يوم القيامة

ثمرة المجيء بأصل التوحيد يوم القيامة من القواعد المتعلقة بمفهوم توحيد الألوهية: أن من جاء بأصل التوحيد فهو ناج عند الله، ولو عذب في النار قبل ذلك. وأساس التوحيد أن يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وأن يأتي بالشروط السابقة، والشروط السابقة هي: الإخلاص، واليقين، والعلم، والمحبة، والانقياد، والقبول، والرضا، والموت عليها، ونحو ذلك، كل هذه الشروط تلاحظون أن فيها أصلاً وفيها زيادات، فالعلم فيه شيء أساسي لا بد أن يعرفه، وفيه زيادة مثل: معرفة صفات الله عز وجل على التفصيل، ومعرفة أسماء الله عز وجل على التفصيل، فمثلاً: المحبة ليست درجة واحدة وإنما هي درجات، وكذلك اليقين ليس درجة واحدة وإنما هو درجات، فالمطلوب حتى يكون الإنسان مسلماً أن يأتي بهذه الشروط جميعاً، وأن يحققها. والأصل في هذه الشروط جميعاً: هو القدر الذي يمنع من عكسها، يعني: لابد من وجود الإخلاص بحيث إنه يمتنع من الكفر، ولا بد من وجود اليقين بحيث لا يكون في قلبه شك، ولا بد من وجود المحبة بحيث لا يكون في قلبه بغض، ولا بد من وجود الرضا بحيث لا يكون في قلبه أو في نفسه شيء من الرد أو عدم الانقياد لشريعة الله عز وجل، وهكذا. فمن جاء بأصل التوحيد فهو ناج عند الله، وهذا هو الذي يسميه العلماء: الإيمان المنجي عند الله عز وجل، حتى لو فعل شيئاً من الذنوب والمعاصي، فإنه لا بد له من دخول الجنة ولو عذب قبل ذلك في النار، ويدل على ذلك حديث الشفاعة الكبرى، فإن عصاة الموحدين يدخلون النار، ويشفع لهم الأنبياء والصالحون، ويشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويخرج الله عز وجل أقواماً بدون شفاعة، بل برحمته يخرجهم الله عز وجل بفضله ورحمته، ويكونون من أهل الجنة، وذلك أن أصل التوحيد موجود عند هؤلاء جميعاً، فإن الجنة لا يمكن أن يدخلها كافر أبداً، لابد لكل من يدخل الجنة أن يكون من المسلمين، ولهذا مع الأسف نجد أن كثيراً من كتاب الصحافة، أو بعض الذين يكتبون ويؤلفون من أنصاف المثقفين أو المشتغلين بالثقافة، يتكلمون في دين الله عز وجل بغير علم، فتجد أن بعضهم معجب بزعماء وأذكياء غربيين، فيكتب ويقول: إن من السذاجة والسطحية أن تعتقد مثلاً أن الفلاح سيدخل الجنة وهو جاهل، وقد يكون فيه حمق وغباء؛ لأنه يقول: لا إله إلا الله، ومن المسلمين، ويصلي في المسجد ويكون من المسلمين، وأن زعماء وأباطرة وبناة الحضارة؛ لأنهم مشركون يكونون في جهنم، مثل: فلان وفلان، ويبدأ يسمي لك مجموعة من المشركين ممن هم أصحاب الذكاء فعلاً، وأصحاب المعلومات فعلاً، وقد يكونون ممن بنوا الحضارة المادية فعلاً، نقول لهذا وأمثاله: لا ينفعهم ذلك بشيء، يقول الله عز وجل: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. عائشة رضي الله عنها عندما سألت عن عبد الله بن جدعان، وكان عبد الله بن جدعان قد وقع على كنز في الجاهلية، وكان رجلاً كريم النفس، فكان يضع الأكل في كل مكان، ويجتمع عليه الفقراء والغرباء الذين يأتون لمكة من خارجها، وكان يكسي العاري، ويحمل الكل، ويعين على نوائب الحق، فقالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: (ألا ينفعه ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، إنه لم يقل يوماً من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين). فلا ينفعه ذلك، يقول الله عز وجل: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم:18]. ولهذا تلاحظون أن بعض الكفار مثلاً عندهم جمعيات خيرية، أعني غير الجمعيات التنصيرية؛ لأن الجمعيات التنصيرية أصلاً أعمالها فاسدة، حتى لو كانوا يقدمون الطب للناس، وحتى لو كانوا يقدمون بعض الخدمات التي يسمونها بالخدمات الإنسانية، فما دام أنهم يدعونهم إلى الكفر فهذا يبطل عملهم والعياذ بالله، لكن هناك ناس من الغربيين ملاحدة لا دين لهم، وعندهم محبة ونزعة إنسانية، ويريدون أن يساعدوا الناس بغض النظر عن الأديان، فهؤلاء ما يقدمونه من أعمال فاضلة في الدنيا لا تنفعهم في الآخرة، لكن يعطون بقدرها في الدنيا، من الراحة، ومن التوفيق الدنيوي، أما في الآخرة فإنه لا يقبل إلا التوحيد. انتهينا من القواعد المتعلقة بمفهوم توحيد الألوهية، وفي اللقاء القادم سنتحدث عن القواعد المتعلقة بأدلة توحيد الألوهية، وبالقواعد المتعلقة بقوادح توحيد الألوهية.

انكشاف الزيف الأمريكي في احتلال البلاد الإسلامية

انكشاف الزيف الأمريكي في احتلال البلاد الإسلامية بمناسبة الحديث عن الجمعيات التنصيرية، أقول: أصبح الأمر في غاية الانكشاف والوضوح أن هذه الدولة الظالمة الفاجرة أمريكا عندما استحلت بلاد المسلمين في العراق جاءوا باسم الخدمات الإنسانية وتقديمها للناس، وقد فتحوا مجالاً للجمعيات التنصيرية التي تدعو إلى العقائد الباطلة باسم الإنسانية، فهم دمروا بلاد المسلمين، دمروا المياه، ودمروا الكهرباء، ودمروا الصحة، ثم جاءوا باسم الإعمار وتقديم الخدمات الإنسانية! وكأن هؤلاء الأشخاص منكوبون من غيرهم، وهم نكبوا بهم، وهاهم ينكبون بالمسلمين من جهة أخرى بدعوتهم المسلمين إلى عقيدة ضالة، يريدون أن يخرجوهم من النور إلى الظلمات والعياذ بالله. ومن الأشياء الثابتة الآن أن أمريكا أعطت بعض عقود الإعمار في العراق لبعض الشركات التي كشفت في أماكن مثل البوسنة أنها تحت غطاء إنساني تشتغل بتجارة الدعارة والعياذ بالله، فهم يأتون ببنات من أوربا الشرقية وروسيا، أعمارهن يتراوح بين اثني عشرة سنة أو أقل، وينظمونهن في شبكة دعارة، ويأتون بهن باسم الإعمار وإعادة الحاجيات الأساسية للناس! بهذا انكشفت الحملة الأمريكية في أوضح صورها، هي منكشفة من قديم، ودعاوى حقوق الإنسان، ودعاوى الديمقراطية، ودعاوى الحرية، ودعاوى ترفيه الشعب العراقي، ودعاوى أن البترول الموجود في العراق سيكون للعراقيين، وهم يحتلونه وينهبونه، ويعبثون به بهذه الطريقة، كلها مكشوفة، ولكن المسلم لا ييئس أبداً؛ لأننا نحن المسلمون بشكل خاص ميزنا الله سبحانه وتعالى بميزة عظيمة جداً، وهي أننا لا نعرف ولله الحمد الهوان، ولا نعرف انكسار النفس، ولا نعرف الخذلان، ولا نعرف اليأس والإحباط، قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:146]. تأملوا في بعض القراءات: ((وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ))، (وربيون) نسبة إلى الرب، يعني: ربانيون، أعمالهم لله سبحانه وتعالى، والنتيجة مع أنهم قتلوا ومع أنهم حصل لهم ضرر دنيوي قال: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران:146]. يعني: نفوسهم ليست ضعيفة تنكسر عند أول الهزيمة، أو أول نكبة تحصل، أو حتى ثاني أو عاشر أو مائة؛ لأن المسلم إذا كان متعلقاً بالله عز وجل فإنه يكون في غاية الثقة، وفي غاية القوة، وفي غاية العزة، وفي غاية الشموخ، حتى ولو كان عدوه في الظاهر هو المنتصر؛ لأن الانتصار الحقيقي هو أن يثبت الإنسان على دينه، وأن يثبت على مبدئه، يواجه عدوه بشجاعة ورجولة، ويؤدي دوره الواجب عليه نحو هذا الدين، ونحو هذه الأمة، وأن يصلح قدر ما يستطيع، وأما الأمور الدنيوية مثل تحطيم البيوت، أو قتل الأطفال، أو قتل النساء، أو نقص المياه والأغذية والصحة ونحو ذلك كل هذه لا تضعف المسلم، صحيح أن هذا أمر يؤلمنا عندما يحصل للمسلمين، لكن كما قلت: إن هذا لا يضعف المسلم، ولهذا لو رأيتم البشارات العظيمة التي تحملها مثل هذه الأزمات لتعجبتم، بشارات عظيمة جداً تحملها هذه الأزمات، من أعظمها: انكشاف العدو بالنسبة للمسلمين، هذا في حد ذاته يعتبر ربحاً ومكسباً؛ لأن كثيراً من الصالحين كانوا من خلال خطبهم، ومن خلال دروسهم، ومن خلال برامجهم التي يقدمونها للناس يقولون: لا تصدقوا الدعاية الأمريكية الكاذبة التي تقول: نحن جئنا لراحة الإنسانية، ونحن جئنا لتقديم الحريات لهم، وكان هناك بعض المنتسبين إلى الإسلام ممن يشارك في تثقيف المسلمين ثقافة الهزيمة، كان لهم مجال يتكلمون، لكن الآن ليس لهم مجال، حتى هؤلاء المتأمركون أصبحوا ينتقدون أمريكا؛ لوضوح وانكشاف القضية بشكل كبير. فهذه الصحوة ولله الحمد التي انتشرت في المسلمين تحتاج إلى دعم وتنشيط أكثر، وتحتاج إلى بذل أكثر، وعمل أكثر، وحقيقة أن كثيراً من الناس عندما يجد مشكلة من المشكلات لا يعالجها إلا بشيء واحد يضعه في ذهنه وهو قتال هؤلاء، أقول: صحيح أن قتال هؤلاء يقف على رأس العلاج لمثل هؤلاء، لكن لا يعني هذا أنه هو الحل الوحيد، هناك حلول أخرى، نحن نعيش في أمة ما زال كثير من أبنائها في غفلة، أنتم تلاحظون كم عدد الشباب الذين يتركون الصلاة مثلاً! كم عدد الشباب الذين يغفلون عن حقوق الله سبحانه وتعالى! كم عدد الشباب الذين أصبحوا فريسة للخبث والخناء والفجور والفساد الأخلاقي الذي ينشره هؤلاء الغربيون، كثير جداً من أبنائنا نحن المسلمين بحاجة إلى أن ندعوهم إلى الله، إلى أن نصلحهم، ونجتهد في أن نربطهم بالله عز وجل أكثر وأكثر، أسأل الله عز وجل أن يوفقني وإياكم لكل خير إنه على كل شيء قدير.

الأسئلة

الأسئلة

حكم استبدال الشريعة بالقوانين الوضعية ومحاربة الموحدين

حكم استبدال الشريعة بالقوانين الوضعية ومحاربة الموحدين Q كثير من البلاد العربية استبدلت الشريعة بالقوانين الوضعية، وحاربت الدين بصراحة، وتبرأت منه، فما حال هذه الحكومات وحكمها؟ A الحقيقة أنه ينبغي أن ندرك قاعدة من القواعد الشرعية في هذا الباب: القاعدة هي: أن تبديل الشريعة كفر، وأن محاربة الموحدين ومعاونة الكفار عليهم يعتبر في حد ذاته كفراً أيضاً، ولكن تنزيل هذا على المعينين يحتاج إلى توافر شروط وانتفاء موانع. والحقيقة أن كثيراً ممن وقعوا في مثل هذه الأعمال قد يكون وقع عن جهل أو عدم معرفة، وقد يكون وقع فيه عن علم وبصيرة، فإذا كان وقع فيه عن علم وبصيرة ومعرفة لما يترتب عليه، فإنه لا شك أنه وقع في الكفر والعياذ بالله، ولهذا لا بد من معرفة قاعدة أهل العلم فيما يتعلق بالمعينين، وأنه لا بد من وجود الشروط وانتفاء الموانع بالنسبة لهم.

حكم دخول مجالس النواب بدعوى الإصلاح

حكم دخول مجالس النواب بدعوى الإصلاح Q من دخل مجالس النواب بغرض الإصلاح ولو بالقليل في الدول الإسلامية، ويقول: بدلاً أن يكون الحكم كله بغير ما أنزل الله نريد أن نغير ولو بشيء يسير، فما حكم من فعل هذا؟ وهل يلحق بهم أنهم من الطواغيت؟ A سبق أن تحدثت عن الديمقراطية، وقلت: إن الديمقراطية لها جانبان: الجانب الأول: أن يعطي التشريع لغير الله عز وجل، فهذا كفر مخرج عن الإسلام، وسبق أن أشرت إليه وبينته. الجانب الثاني: أن يعتمد التشريع الرباني والشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالتشريعات، لكن يتخذ العمل الانتخابي كآلة من آلات المشاركة السياسية كما يعبرون، فهذه ليست كفراً، لكنها مخالفة للمنهج النبوي فيما يتعلق بطريقة الشورى، فهي ليست كفراً، لكن المطبق في كثير من بلاد المسلمين مع الأسف هو النوع الأول: وهو أن التشريع لغير الله عز وجل، وإن كان في الظاهر أن البعض يقول: إن الشريعة هي المصدر الأساسي للحكم، فالمصدر الأساسي يدل على أن هناك مصادر أخرى، والواجب هو أن يكون المصدر الوحيد، وألا يكون هناك أي مصادر أخرى؛ لأن فيها غنية ولله الحمد، ومن اتخذ مصدراً آخر غيرها فهو مثل من يقول: إن هناك معبوداً غير الله سبحانه وتعالى. في مثل هذه الحالة إذا قال بعض الدعاة: أريد أن أشارك في مثل هذه الحكومات التي تعتمد طريقة الديمقراطية؛ من أجل أن أرفع أكبر قدر من الضرر، وأن أصلح قدراً من الخلل، فما هو حكم هذا؟ الحقيقة أن هذه المسألة ليس لها حكم واحد، من الخطأ أن يطبق هذا الكلام على كل من شارك، من الخطأ أن نقول: إن كل من شارك مخطئ أو كل من شارك مصيب، وإنما تختلف الأحوال، ولهذا تحتاج إلى عدة ضوابط: الضابط الأول: ألا يعترف ولا يقر لمثل هذه الأنظمة بأن التشريع لغير الله عز وجل، أو مشاركة مصادر أخرى في التشريع غير الشريعة الإسلامية، فإذا أنكر هذا وجاء بوضوح أنه يريد إصلاح بعض الخلل الموجود، وبين أن التشريع لغير الله عز وجل كفر، وأن التشريع فيما يتعلق بالحلال والحرام يجب أن يكون لله سبحانه وتعالى، أما الأمور الإدارية فهذه قضية أخرى. الضابط الثاني: ألا يكون في مشاركته مخادعة للمسلمين، بحيث يظنون أن الديمقراطية عملية شرعية صحيحة، فينبغي أن يبين لجمهور المسلمين أن هذه العملية الديمقراطية هي عملية غير شرعية، وليست صحيحة، وهي خطيرة، لكن مشاركتي أنا مثل مشاركة يوسف عليه السلام عندما كان وزير خزانة الملك في تلك الفترة، وكانوا كفاراً في تلك الفترة، فمشاركة يوسف عليه السلام لم تقتض إقرارهم على الكفر، بل كان واضحاً عليه السلام: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف:39]، بل إن في سياق قصة يوسف جاء فيها: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:40]، ولهذا كان يوسف عليه السلام واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار فيما يتعلق بوزارته في هذه الدولة، فكان يكفر الكفار ويوضح كفرهم، ويقول: إنني على ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وهكذا. الضابط الثالث: أن يغلب على الظن إمكانية الإصلاح، أما إذا كان مجرد مشاركات واقتراع وصراع على الاقتراع ونحو ذلك، فهذا حينئذ لا يصلح أن يكون مجالاً للإفادة. الضابط الرابع وهو مهم جداً: ألا نحصر دائرة الإصلاح في هذا الأمر، فمن تحققت فيه الضوابط السابقة وحصر دائرة الإصلاح في هذا الأمر، فإنه يكون قد أخطأ خطأ كبيراً، فإن مجالات الإصلاح واسعة، ربما يكون هذا الأمر من المجالات الإصلاحية بالضوابط الشرعية كما قلت، وقد يكون غير وسيلة من وسائل الإصلاح، ولهذا مثل هذه الأمور يجب أن ترد إلى أهل العلم، وأن تكون شورى بين أهل العلم وطلاب العلم، وكل حالة لها حكمها الخاص، وهي تختلف من حال إلى حال، ومن بلد إلى بلد، ومن مكان إلى مكان، ولا يصح أن يطلق فيها حكم واحد بالتحريم مطلقاً، أو بالإباحة مطلقاً، وإنما يكون الحال بحسب نوع النموذج الديمقراطي الموجود والمشاركة، ومدى وضوح مشاركة الداعية عند الناس، بحيث إن الناس يفهمون أن مشاركة الداعية مشاركة إصلاحية، وليس إقراراً لهذا النظام الباطل والفاسد. هذه الضوابط هي التي تحدد مسألة إمكانية المشاركة وإباحتها، أو عدم إباحتها.

حكم من أتى بأصل التوحيد مع ترك الصلاة

حكم من أتى بأصل التوحيد مع ترك الصلاة Q من جاء بأصل التوحيد ولم يصل هل يكفر؟ A من لوازم أصل التوحيد الصلاة؛ لأن أصل التوحيد هو إيمان القلب وتصديق القلب، ووجود الشروط السابقة: الإخلاص، والمحبة، والرضا، والقبول، وهذه الأعمال القلبية يستحيل أن تكون في القلب، ثم لا تدفع صاحبها إلى الصلاة، بل لابد أن يكون من أهل الصلاة؛ لأن وجود أصل الإخلاص واليقين والمحبة وغيرها كل هذه الأمور جميعاً تدفعه إلى الصلاة. بعض المتحذلقين ممن ينصر الإرجاء مع الأسف يقول: إنه يمكن أن يكون عنده أصل الإيمان، وعنده أعمال القلب، وتدفعه مثلاً إلى بر الوالدين ولا تدفعه إلى الصلاة مع أنها أهم، أقول: هذا من الحمق والتفكير الساذج؛ لأنه لو كان عنده أصل الإيمان لدفعه إلى عمل صالح، ومن أولويات العمل الصالح الصلاة، وهي المتكررة بالنسبة للإنسان.

ملازمة أعمال الجوارح لأعمال القلب

ملازمة أعمال الجوارح لأعمال القلب Q المتأمل في شروط لا إله إلا الله يجد أن أكثرها تتعلق بعبادة القلب فأين عبادة الجوارح؟ A هناك قاعدة عند أهل العلم وهي: أن أعمال القلب متلازمة مع أعمال الظاهر، فيستحيل وجود عمل القلب بدون عمل ظاهر، وبقدر قلة عمل القلب يقل عمل الظاهر، وبقدر قوة عمل القلب يزداد عمل الظاهر، وإذا انعدم عمل القلب لحظة انعدم عمل الظاهر، فانعدام عمل الظاهر دليل على انعدام عمل الباطن أيضاً، فلو أن إنساناً لم يعمل شيئاً من الظاهر أبداً، فهذا دليل على عدم وجود أعمال القلب في قلبه، إذ لو وجد في قلبه لدفعه إلى عمل الظاهر. وحالة الجهنميين التي هي أقل حالة أو آخر أهل النار خروجاً من الموحدين، جاء في أوصفاهم أنهم يقولون: لا إله إلا الله، وأن في قلبهم مثقال ذرة من إيمان، وأنهم من أهل الصلاة، ولهذا يعرفون بمواطن السجود الذي هو سجود الصلاة، ولهذا ساقه البخاري في كتاب الأذان فيما يتعلق بفضل السجود، فهذا مما يدل على أن البخاري رحمه الله فهم من السجود الوارد في حديث الجهنميين هو سجود الصلاة، وليس كما يقول بعض المؤولة: بأن المقصود به الوجه، وهذا تأويل يشبه تأويلات الجهمية.

حكم تفضيل مادة الإنجليزي على مادة القرآن في الحصص والدرجات

حكم تفضيل مادة الإنجليزي على مادة القرآن في الحصص والدرجات Q هل يجوز تقديم مادة الإنجليزي على القرآن في عدد الحصص، وعلى الدرجات؟ A لا، ما يجوز؛ لأن القرآن هو الذي ينفع الناس كلهم، وهو الذي يفيد المسلمين، فمن يقارن بين القرآن والإنجليزي فقد طمس الله على بصيرته.

حال الموحد المرتكب للمعاصي ومصيره في الآخرة

حال الموحد المرتكب للمعاصي ومصيره في الآخرة Q إذا كان هناك رجل مطبقاً لأساسيات التوحيد وهو نمام أو عاق لوالديه هل يدخل الجنة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة نمام)؟ A من كان عنده أصل التوحيد، وكان عنده بعض الذنوب والمعاصي، مثل النميمة، أو الكذب، أو الغيبة، أو الزنا، أو أكل الربا، أو نحو ذلك، فإن هذا يعتبر من أهل الإسلام، ويسمى عند العلماء الفاسق الملي، وإذا أراد الله عز وجل يوم القيامة أن يغفر له يغفر له، وإذا أراد أن يعذبه، فإنه يعذب ثم يكون آخر أمره إلى الجنة بإذن الله تعالى. يعني: هو تحت مشيئة الله عز وجل، إما أن يعذب حتى يطهر من هذه الذنوب والمعاصي ثم يدخل الجنة، وإما أن يغفر الله عز وجل له ويدخل الجنة مباشرة.

حزب البعث وأهدافه

حزب البعث وأهدافه Q ما معنى حزب البعث؟ A سبق أن تحدثنا عنه، وقلنا: إن المقصود بكلمة البعث يعني: الإحياء، وهدف حزب البعث إحياء الأمة، بحيث يكون أساس الارتباط بين الناس جميعاً اللغة، فأساس الصلة بين الناس جميعاً العروبة، ولهذا يساوون بين المسلم العربي، والنصراني العربي، واليهودي العربي، والبوذي العربي، والمشرك العربي، والملحد العربي، ما دام أنهم عرب فهم مستوون وهم إخوة لنا، ولهذا يرون أن الإسلام هو جزء من تاريخ الأمة العربية الطويل، وأنه جزء مشرق كما أن الجاهلية جزء آخر مشرق أيضاً، فهم يساوون بين الجاهلية والإسلام، ويرون أن أبا لهب مثل أبي بكر، وأن أبا جهل مثل عمر، وأن امرؤ القيس مثل حسان بن ثابت، وأن الإسلام ليس شرطاً أساسياً فيما يتعلق بالولاء والبراء، وفيما يتعلق بالانتماء، وفيما يتعلق بالنصرة، وإنما الرابط هو اللغة، هذا هو المقصود بحزب البعث. وحزب البعث انهار، والقومية انهارت منذ قديم، انهارت من حرب (1967) عندما كان جمال عبد الناصر يكذب على الجماهير ويقول: إنه يريد أن يحرر الأمة العربية، ومع الأسف اتضحت خيانته إلى أبعد درجة، إلى درجة أن اليهود ضربوا القوات المصرية ودمروا ثلاثمائة طائرة وهي على الأرض لم تقلع، وقتلوا من خيار الطيارين المصريين مائة طيار مصري، وكل هذا بخيانة جمال عبد الناصر، وأتى أمام مجلس الشعب أو الذي يسمونه (المؤتمر القومي العربي) وقال: نحن كان عندنا خبر أن إسرائيل ستضرب، لكن ما كنا نتوقع أنها تضرب بهذه الطريقة! يعني: الخلاف هو في مسألة حجم الضربة، ولهذا منذ تلك اللحظة انهارت القومية، وعرفت الشعوب العربية أن القوميين من أكذب الناس، وأنهم أبعد الناس عن الاتحاد والاجتماع، وجامعة الدول العربية صارت شر مثال لهذه القضية، وليست خير مثال لها.

معنى تقنين الشريعة وحكمه

معنى تقنين الشريعة وحكمه Q ذكرت بعض الصحف كلمة تقنين الشريعة فما معنى تقنين الشريعة وحكمه؟ A تقنين الشريعة غير القوانين الوضعية، القوانين الوضعية مسألة الكفر فيها ظاهر؛ لأن التشريع فيها أصلاً ليس تشريعاً ربانياً، وإنما تشريع باطل، هو من زبالة أذهان الناس. أما تقنين الشريعة فهي فكرة نادى بها بعض المختصين في الفقه، يقول: إن الأحكام القضائية بدل أن يكون فيها خلاف يمكن أن نجعلها على شكل قانوني، مثلاً: الزنا يشترط فيه كذا شرط، فإذا حصل هذا الشرط فإن العقوبة كذا، السرقة كذا، الوضع كذا، يعني: تقنن على شكل مواد، ويحكم بها كل القضاة بدرجة واحدة، بحيث إن الحكم في مسألة معينة يكون في شرق البلاد مثلما يكون في غربها، بدون أي تردد. هذه الفكرة ليست مثل فكرة الديمقراطية، هي مختلفة عنها تماماً، لكن هي في الحقيقة ليست فكرة صحيحة؛ لأن المسائل الشرعية وقع فيها خلاف بين العلماء، ولا يصح أن يلزم القاضي بأن يحكم برأي ارتآه مجموعة من الناس، قد يرى أن في الأدلة الشرعية ما يخالف هذا، وحينئذ يجب عليه أن يحكم بما يراه موافقاً للشريعة، قد يقول قائل: أين المساواة عندما يحكم القاضي في مسألة بحكم، والقاضي الثاني يحكم فيها بحكم آخر؟ نقول: أولاً الخلاف في المسائل القضائية لا يصل إلى درجة الافتراق التام، وإنما هو خلاف متقارب. ثانياً: أن القاضي الذي حكم بهذا الحكم حكم بشريعة الله، كما أن القاضي الآخر حكم بشريعة الله، فالجميع حكموا بشريعة الله عز وجل، حتى لو اختلفت؛ لأنه قد يفتي عالم في مسألة من المسائل بالإباحة، ويفتي عالم آخر بالتحريم، والجميع حكم بالشريعة من حيث استخدام الأداة الشرعية، لكن لا بد أن يكون أحدهما مصيباً والآخر مخطئاً، والخطأ هنا ليس خطأ مناقضاً للشريعة، ولهذا ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتاباً اسمه (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) ومنذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء، وكانت دائرة الدولة الإسلامية أكبر من الآن، فقد كانت الدولة الإسلامية تشمل الجزيرة العربية، وبلاد الشام، والعراق، والهند، إلى الشيشان إلى روسيا، ومصر، وشمال أفريقيا إلى المغرب، والأندلس، هذه كلها كانت دولة واحدة، وفيها آلاف القضاة، وكانوا على أكثر من مذهب فقهي، وكانوا يحكمون بما يرون أنه موافق للشرع، ويجتهدون في ذلك، وكانت هناك ضوابط شرعية في الاجتهاد الشرعي، والقاضي إذا حكم بهواه فإنه يشتكى إلى من هو أعلى منه. ولهذا كان هناك شيوخ للقضاة عموماً، ففي المغرب كانوا يسمونه: قاضي الجماعة، يعني: قاضي مجموعة كبيرة من القضاة، وهو الذي يشرف عليهم. ومع هذا لم يقننوا الشريعة بالطريقة التي يريدها هؤلاء بهذا الأسلوب، لم يقننوها بهذه الطريقة، والذين طالبوا بتقنين الشريعة هم تأثروا في الحقيقة بالأسلوب القانوني المعاصر الذي أساسه من الغرب، بحيث تكون القضية منضبطة عندهم مائة بالمائة، وهذه الشريعة فيها قضايا قطعية وواضحة، ولا إشكال فيها، لكن بعض الأحيان القضية ترجع إلى تقدير القاضي، حتى في تصديق القوانين الوضعية الموجودة الآن عند الغربيين ترجع إلى نظرة القاضي، يعني: تطبيق القانون على حالة معينة لابد من اجتهاد القاضي نفسه، هذا عند الغربيين، مع أن القانون هو عبارة عن أفكار بشرية، فتجد أن القاضي يحكم فيها بهذا القانون المعين الذي ينطبق على هذه الحالة المعينة، ولا ينطبق على كل الحالات، ولهذا يختلفون اختلافاً كبيراً، فالمطالبة بتقنين الشريعة مطالبة غير واقعية، وغير موافقة للأحكام الشرعية كما سبق أن أشرنا إليه، والشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد له رسالة خاصة في تقنين الشريعة يمكن مراجعتها، فهي من أنفع ما كتب في هذا الباب. أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

أصول العقيدة [5]

أصول العقيدة [5] من مسائل توحيد الإلهية دلائله العقلية والسمعية, حيث قررت النصوص جملة من الأدلة العقلية الدالة على توحيد الإلهية, منها الاستدلال بربوبية الله تعالى على إلهيته, والاستدلال بأسمائه وصفات كماله على إلهيته ونحو ذلك, كما أن من مسائل هذا التوحيد العظيم ما يتعلق بالقوادح فيه, وهي قوادح في أصله وقوادح في كماله الواجب.

الأدلة العقلية والسمعية على توحيد الألوهية

الأدلة العقلية والسمعية على توحيد الألوهية إن الأدلة العقلية الموجودة في القرآن كثيرة جداًً، ومنها: الأمثال المضروبة في القرآن، وهذه الأمثال المضروبة هي من الأدلة العقلية التي تدل على التوحيد، أو تدل على النبوات، أو تدل على المعاد، ومما تدل عليه هذه الأمثال المضروبة والأقيسة العقلية توحيد الألوهية. فأدلة التوحيد منها ما هو عقلي، ومنها ما هو سمعي، والمقصود بالسمعي الأدلة التي تعتمد على الخبر السمعي. وتقسيم الأدلة إلى عقلي وسمعي أوجه وأضبط وأحسن من أن الأدلة تنقسم إلى عقلي وشرعي، بعض الناس عندما يقسم الأدلة يجعلها على قسمين: عقلي وشرعي، ويجعل العقلي في مقابل الشرعي، فكأن الآيات القرآنية الشرعية والأحاديث النبوية لا تتضمن من دلالاتها على القضايا العقلية، وهذا غير صحيح، فإن الله عز وجل كثيراً ما يختم الآيات بقوله: (أفلا يعقلون)، (أفلا تعقلون)، (أفلا يتفكرون)، (أفلا تذكرون)، ونحو ذلك من الأدلة التي تدل على استخدام العقل؛ ولهذا يثني الله عز وجل على أولي الألباب وهم أصحاب العقول والحجا السليمة. إذاً: تقسيم الأدلة إلى عقلي وشرعي غير صحيح، فإن العقلي لا يصح أن يقابل الشرعي؛ لأن الاستدلال العقلي يصير كأنه خارج الإطار الشرعي، فإن الشرع جاء بالأدلة العقلية المقنعة الصحيحة، وكثير من الناس عنده حساسية من الاستدلالات العقلية، ويظن أن كل استدلال عقلي باطل، وهذا غير صحيح، فإن العقل معنى ممدوح؛ ولهذا جعل مناط التكليف، والإنسان العاقل يمدح وغير العاقل يذم؛ ولهذا فإن الأدلة الشرعية جاءت بالطرق العقلية البرهانية المقنعة، بل إنما جاءت به الأدلة من الطرق العقلية هي أنفع وأضبط وأدق من الأدلة العقلية التي قد يخترعها الإنسان من نفسه؛ لأن خالق العقل هو الله سبحانه وتعالى، والذي جاء بهذا الاستدلال العقلي في القرآن هو الله سبحانه وتعالى، وكذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم هو من النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى. فسبب الحساسية التي توجد عند البعض من الاستدلالات العقلية هو وجود نماذج سيئة استدلت بالعقل وانحرفت، وهم أهل الكلام من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية، الذين استدلوا على المطالب العقدية بالأدلة العقلية، فتوصلوا إلى نتائج فاسدة مخالفة للنصوص الشرعية، مثل: تأويل الصفات أو الانحراف في مفهوم التوحيد، أو الانحراف في أدلة ودلائل النبوة، وحصر ذلك في المعجزات فقط، ونحو ذلك من الانحرافات الكثيرة التي وضعوا عليها عباءة العقل، وهذا لا شك أنه لا يمنع من كون الأدلة العقلية واردة، فنحن نقول: هؤلاء ليسوا أصحاب أدلة عقلية صحيحة، هؤلاء لم يكن السلف يسمونهم عقلانيين؛ لأن كلمة عقلانيين مدح، وهم ليسوا من أهل المدح، ولهذا كانوا يسمونهم أهل البدع والأهواء، والفرق بين الهوى والعقل واضح، فإن الهوى راجع إلى نفس الإنسان الذي يتخير من الأدلة ما شاء، وبالصور التي يشاء، وبالطرق التي يشاء في الاستدلال.

أنواع الاستدلال العقلي على توحيد الألوهية

أنواع الاستدلال العقلي على توحيد الألوهية

الاستدلال بربوبية الله تعالى على ألوهيته

الاستدلال بربوبية الله تعالى على ألوهيته إن العقل هو قانون منضبط، وهو من خلق الله عز وجل، كما أن الشرع من أمره سبحانه وتعالى، ويمكن أن نشير في الاستدلال العقلي على توحيد الألوهية إلى نوعين: النوع الأول: هو الاستدلال بربوبية الله عز وجل على ألوهيته تعالى، ومعنى ذلك: أن الله عز وجل يذكر الأدلة على أنه هو الإله وحده لا شريك له، وأنه هو الرب، وهو الخالق، وهو المدبر، وهو المحيي والمميت، وهو الذي بيده تصريف كل شيء، فمن كان تصريف كل شيء بيده فإنه لا شك أنه هو الأولى بالعبادة، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:21]، هذه الآية للاستدلال بالربوبية على الألوهية، أما الألوهية فهي في قوله: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:21]، ثم بين الدليل المقنع فقال: {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21]، ثم ساق جملاً أخرى من توحيد الربوبية: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [البقرة:22]، إلى آخر الآيات. فهذا النوع من الاستدلال كثير في القرآن، ويقول الله عز وجل: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون:91] فقوله: ((مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ)) يعني: ليس مع الله إله، وقد سبق أن أشرنا إلى أن الإله هو المعبود، والمقصود هنا الاستدلال على كون الله عز وجل هو المعبود وحده وبطلان عبادة ما عداه. وقوله: ((مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ)) لأنه لو كان معه إله افتراضاً وجدلاً لكان لهذا الإله خلق وفعل، ولو كان له خلق وفعل ولكل إله إرادة مستقلة ((إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ)) أو ((ولَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ)) يعني: انتصر بعضهم على بعض، وهذا دليل صريح في هذه المسألة؛ ولهذا كل آية تأتي في تقرير توحيد الألوهية، ثم يأتي بعدها إسناد ذلك إلى الربوبية، فهي دليل على هذا المطلب، يقول الله عز وجل: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:22]. هذه الآية يقررها أهل الكلام على أنها جاءت لإثبات دليل التمانع، وهى في الحقيقة جاءت لإثبات توحيد الله عز وجل في ألوهيته، فقوله: ((لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ)) آلهة جمع إله، والإله سبق أن بينا أن المقصود به المعبود، وهذا أمر متفق عليه في اللغة، قال: ((لَفَسَدَتَا)) والفساد إنما يكون بعد الوجود. وأما دليل التمانع عند أهل الكلام فإنه يقتضي عدم الوجود، ومعنى الآية لو افترضنا جدلاً أن هناك إلهاً صحيحاً مع الله عز وجل فإن العالم لابد أن يفسد؛ لأن كل إله سيأمر بأمر والإله الآخر سيأمر بأمر آخر، وحينئذ تتنازع هذه الأوامر في حياة الناس، وتفسد شئونهم حينئذ. وما يشاهده الإنسان من استقامة أمر العالم وانتظامه، دليل صريح على أن إله العالم ومدبر شئونه إله واحد وهو الله سبحانه وتعالى.

الاستدلال بأسماء الله تعالى وصفاته وكماله على ألوهيته

الاستدلال بأسماء الله تعالى وصفاته وكماله على ألوهيته النوع الثاني من الاستدلال: هو الاستدلال بأسماء الله وصفاته وكماله سبحانه وتعالى، والاستدلال بأسماء الله وصفاته وكماله على أنه هو الإله، فالإله لا بد أن يكون كاملاً، وأما المعبود الباطل فإنه لا يمكن أن يكون كاملاً، ولهذا عاب الله عز وجل آلهة المشركين، بأنهم لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون، وبأنهم أموات غير أحياء، وعابهم بكثير من العيوب، منها: أنهم لا يتكلمون: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} [طه:89] فهو لا يتكلم؛ لأنه صنم جماد لا يرجع القول مرة أخرى، وهذا دليل على أنه مخلوق وناقص في نفس الوقت، وأما الإله فلا بد أن يكون كاملاًً تام الصفات من كل وجه. ومن أدلة توحيد الألوهية: أن كل ما دل على كمال المعبود فهو دليل على عبادته، وهو دليل على وجود عبادته سبحانه وتعالى. كذلك من أدلة توحيد الألوهية: أن كل ما دل على بطلان الشرك فهو دليل على إفراد الله تعالى بالعبادة، ولو رجعتم إلى القرآن لوجدتم كثيراً من الآيات تدل على أن آلهة الكفار آلهة ناقصة غير كاملة، وبناء على هذا اللبس لا تستحق العبادة، وأن المستحق للعبادة هو الله سبحانه وتعالى.

قواعد القوادح في توحيد الألوهية

قواعد القوادح في توحيد الألوهية

القاعدة الأولى: القدح في أصل التوحيد شرك أكبر والقدح في كماله شرك أصغر

القاعدة الأولى: القدح في أصل التوحيد شرك أكبر والقدح في كماله شرك أصغر إن قواعد القدح في توحيد الألوهية على نوعين: النوع الأول: قدح في أصل توحيد الألوهية ويكون ذلك بالشرك في عبادة الله تعالى. النوع الثاني: قدح في كمال توحيد الألوهية. النوع الأول من الشرك الأكبر، والنوع الثاني من الشرك الأصغر.

الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر

الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر إن الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر كبير، الشرك الأكبر والشرك الأصغر يجتمعان في إرادة غير الله سبحانه وتعالى، لكن الشرك الأكبر إرادة تامة لغير الله عز وجل بعبادة غيره، والشرك الأصغر إرادة لغير الله عز وجل، ولكنها ليست إرادة تامة، بل هي وسيلة من وسائل الشرك الأكبر، وليست عبادة مصروفه لغير الله تعالى؛ ولهذا إذا سألك السائل: ما هو الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر؟ ف A أن الشرك الأكبر صرف عبادة محضة لغير الله تعالى، كأن يدعو المرء غير الله، أو يستغيث بغير الله، أو يذبح لغير الله، أو يصلي لغير الله، أو يسجد لغير الله، أو يحب محبة تامة غير الله تعالى، أو يخاف خوف السر من غير الله تعالى، أو يتوكل توكلاً تاماً على غير الله عز وجل، أو يفعل أي نوع من أنواع العبادات الشرعية لغير الله، فإذا فعلها لغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر المخرج عن دائرة الإسلام. أما الشرك الأصغر فليس فيه صرف عبادة لغير الله تعالى، وإنما هو وسيلة من وسائل الشرك، ليس عبادة محضة، بل وسيلة من الوسائل المفضية إلى الشرك الأكبر. فإذا جئنا للحلف بغير الله، فالحلف بغير الله وسيلة يوصل إلى تعظيم المحلوف به، حتى يصبح مثل الله عز وجل. فالحلف بغير الله شرك أصغر، وتعظيم غير الله عز وجل مثل الله شرك أكبر. وهكذا الحال فيما يتعلق بالتوسل، فإن التوسل كلمة مجملة عامة. النوع الأول من التوسل: هو أن يكون هناك صرف للعبادة لغير الله تعالى، مثل: دعاء غير الله، والاستغاثة بغير الله، وعامة القبوريين في هذا الزمان يسمون هذا توسلاً، يعني: إذا تكلم القبوري في هذا الزمان وقال: نحن نتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يقصد أنهم يدعونه من دون الله، ويستغيثون به في قضاء حوائجهم من دون الله تعالى، وهذا شرك أكبر مخرج عن دائرة الإسلام. وهناك نوع آخر من التوسل، وهو التوسل المبتدع وهو أن يسأل الله -لا يسأل غير الله- لكن بوسيلة مبتدعة، مثل: أن يسأل الله عز وجل بجاه فلان من الناس، أو بمكانة فلان من الناس، أو بذات فلان من الناس، من الأولياء والصالحين أو الملائكة أو غيرهم، فهذا توسل مبتدع، فلو قال: اللهم إني أسألك بجاه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم فهذا بدعة، ولو قال: اللهم إني أسألك بذات نبيك محمد فهذا بدعة، ولو قال: اللهم إني أسألك بجاه فلان من الأولياء أو الأنبياء أو الملائكة، بجاه جبريل عندك مثلاً، فهذا يعتبر بدعة، وهو من الشرك الأصغر، وبدعة من حيث إنه أمر لم يكن عليه الشرع، فيكون من الشرك الأصغر، ولا نعتبره من الشرك الِأكبر؛ لأن الدعاء هنا لله ليس لغير الله، فهو قال: اللهم، فهو يدعو الله، لكن اتخذ وسيلة مبتدعة ليست وسيلة مشروعة، لكن لو قال: يا محمد اغفر ذنبي، أو يا رسول الله أدخلني الجنة، أو قال: يا رسول الله احفظني يوم الحشر، أو قال: يا رسول الله أجرني من النار، أو ارزقني، فهذا شرك أكبر؛ لأنه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدعاء عبادة يجب أن تكون لله سبحانه وتعالى فقط، يقول الله عز وجل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:18] وبهذا يتضح الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر من حيث الضبط العلمي له. وهناك فروق أخرى، وهي: أن الشرك الأكبر مخرج من الملة، وأن الشرك الأصغر غير مخرج من الملة، فالمشرك شركاً أكبر خارج دائرة المسلمين، بينما من وقع في الشرك الأصغر مثل: الرياء أو الحلف بغير الله أو الرقى بالضوابط التي ستأتي الإشارة إليها أو التمائم أو نحو ذلك، فهذا ليس مشركاً شركاً أكبر، بل هو من المسلمين، يعني: لو أن إنساناً راءى في صلاته ولم يراء بأصل إسلامهِ، فالرياء نوعان: الأول: أن يرائي في أصل إسلامه من البداية، فهذا من المنافقين وليس من المسلمين. الثاني: شخص أسلم عن قناعة تامة بصحة هذا الدين، وبصحة كلام رب العالمين، وبصحة كلام سيد المرسلين، والتزم بهذا الدين، لكن في أمر من الأمور أراد محمدة أو مدحاًًً أو دنيا، فعمل العبادة لهذا الغرض، فهذا مراء وشركه شرك أصغر؛ إن طرأ الرياء على أصل العبادة فهو مبطل لها، وإن طرأ عليها بعد أن أخلص في بداية أمره وجاهده فإنه لا يضره، وإن استقاد له فإنه يبطل ما خالطه من الأعمال. ومن الفروق أيضاً: أن صاحب الشرك الأكبر تترتب عليه أحكام المشركين في الدنيا، من حيث عدم عصمة دمه وماله، ومن حيث وجوب التفريق بينه وبين زوجته، ومن حيث إنه لا يرث ولا يورث، ومن حيث إنه لا يدفن في مقابر المسلمين. أما الذي وقع في الشرك الأصغر فإنه يعامل معاملة المسلمين. هذا ما يتعلق بالفروق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر.

القاعدة الثانية: قوادح أصل التوحيد فعل العبادة لغير الله تعالى

القاعدة الثانية: قوادح أصل التوحيد فعل العبادة لغير الله تعالى من قواعد قوادح توحيد الألوهية: أن قوادح أصل التوحيد هو فعل العبادة لغير الله كما سبق أن أشرت، فمن دعا غير الله عز وجل فإنه يقع في الشرك الأكبر، ودعاء غير الله عز وجل له ضابط، وهو أن يدعو غير الله عز وجل بصيغة الدعاء المعروفة فيما لا يقدر عليه الإنسان، وإنما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى. ومن أنواع الدعاء: الاستغاثة، فالاستغاثة هي سؤال المكروب كشف كربته، فمن سأل الإنسان ما يقدر عليه، مثل: إنسان غريق رأى رجلاً فصاح وطلب النجدة وهو يقدر على ذلك، فهذا لا شيء فيه؛ ولهذا يقول الله عز وجل في قصة موسى مع الإسرائيلي الذي وجده يتقاتل مع الفرعوني {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص:15]، وهذه الاستغاثة استغاثة مشروعة؛ لأنه استغاث بموسى فيما يقدر عليه موسى عليه السلام. النوع الثاني: هو أن يستغيث به فيما لا يقدر عليه إلا الله، مثل: مغفرة الذنوب، وكشف الكروب ورفعة الدرجات في الجنة، وقبول الأعمال الصالحة عند الله سبحانه وتعالى، فهذه أمور لا يقدر عليها إلا لله سبحانه وتعالى، فمن صرفها لغير الله عز وجل فقد وقع في الشرك الأكبر المخرج عن دائرة الإسلام. كذلك الذبح، الذبح عبادة لكن لها ضابط، فإن الذبح أنواع، منها: الذبح للحم، لو أن إنساناً ذبح ذبيحة ووضعها في الثلاجة مثلاًً، هل يقال: إنه ذبح لغير الله؟ لا يقال: إنه ذبح لغير الله، لو أنه جاءك ضيف فذبحت له ذبيحة، فهل يقال: إنك ذبحت لهذا الضيف فأنت مشرك؟ لا يقال هذا القول؛ ولهذا لما جاءت الملائكة في صور الآدميين إلى إبراهيم عليه السلام، {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26] أو {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:69]، كما في سورة أخرى. فالذبح يكون لغير الله عز وجل إذا أراد به التقرب لغير الله. كذلك الحلق للرأس نوعان: حلق للتنظيف والارتياح من وعثاء الشعر مثلاًً، وحلق للتعبد، مثل: الحلق عند الحج، فلو أن إنساناً جاء وطاف حول قبر، وحلق رأسه عنده على سبيل التعبد، فإن حلق الرأس هنا يكون عبادة لغير لله، وقد وقع في الشرك؛ لأن حلق الرأس فيه تذلل، وفيه إخضاع للرأس، فعندما يكون لإرادة التقرب فإن يقع الإنسان في الشرك إذا فعلها لغير الله سبحانه وتعالى. وهكذا الحال في سائر الأعمال مثلاً: السجود إذا فعله تحية فهو آثم، فلو أن إنساناً سجد لإنسان، وقال: أنا قصدت التحية ولم أقصد التعبد له، فنقول له: إن هذا الفعل الذي فعلته صورته صورة عبادة، وقد حصل في الظاهر الشرك، ولكن إرادة التحية هنا تمنع من تكفير هذا المعين، وعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، والسجود الذي يكون شركاًًً مخرجاًً عن الملة هو سجود التقرب والتعبد.

القاعدة الثالثة: قوادح كمال التوحيد الواجب كائنة في الوسائل والوسائط

القاعدة الثالثة: قوادح كمال التوحيد الواجب كائنة في الوسائل والوسائط من قواعد قوادح التوحيد: أن قوادح كمال التوحيد الواجب هو كلما لم يصل إلى عبادة غير الله عز وجل، بل هو في الوسائل والوسائط، وقد سبق أن أشرنا إلى ذلك.

أنواع من الشرك الأصغر

أنواع من الشرك الأصغر

الرقى

الرقى ويمثل أهل العلم للشرك الأصغر بأمثلة كثيرة جداً، منها: الرقى، والرقى جمع رقية، وهي التعاويذ التي يعوذ بها المرضى، وهي نوعان: تعويذ قبل وقوع البلاء لدفعه، وتعويذ بعد وقوعه لرفعه. الرقى نوعان: رقى شرعية، ورقى شركية. فالرقى الشرعية: هي التي تكون بكلام الله أو بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم أو بالكلام العربي الفصيح، ولهذا قال العلماء: إن من ضوابط الرقية الشرعية: أن تكون باللغة العربية؛ لأنه قد يتكلم بلغة أخرى فيستغيث بغير الله، والمرقي لا يدري. والرقى تجوز بغير القرآن وبغير السنة، يعني: لو أن إنساناً دعا دعاء مباحاًً على مريض، أو دعا لنفسه على سبيل الاسترقاء، فإن هذا أمر مباح لا شيء فيه، كما يدل عليه حديث أبي مالك الأشجعي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً). يعني: كانت هناك رقى في الجاهلية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعرض علي رقاك) فهذه الرقى التي كانت موجودة في الجاهلية، فما كان منها موافقاً للتوحيد قبله، وما كان منها مخالفاً له بدعاء غير الله عز وجل فإنه يرده؛ ولهذا لما جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه ووجد عند عائشة رضي الله عنه يهودية ترقيها، فقال لها: (ارقيها بكتاب الله) يعني: بما في التوراة، فإن التوراة تتضمن الأخبار والأحكام وأيضاً الرقى. ولهذا قال الحافظ في الفتح: إن أهل الكتاب لم يغيروا الرقى، ولو غيروا الرقى لفسد مفعولها فلم يكن لها ثمرة، وإنما غيروا الأحكام وبعض الأخبار. ولهذا يجب أن تكون الرقى بالكلام العربي الفصيح، وتكون بالأدعية الصحيحة التي لا تتضمن دعاء غير الله سبحانه وتعالى. النوع الثاني: الرقى الشركية: وهي التي يكون فيها استغاثة بغير الله، أو دعاء لغير الله سبحانه وتعالى، فإذا كان هناك دعاء لغير الله في الرقى فهو شرك، كدعاء السحرة غير الله سبحانه وتعالى، من استغاثات بالجن والشياطين ونحو ذلك، كل هذه التعويذات شركية، فيجب الحذر منها.

التمائم والتولة

التمائم والتولة كذلك التمائم، والتمائم جمع تميمة، والتميمة كانت معروفة من أيام الجاهلية، قال الشاعر: إذا مات لم تفلح مزنية بعده فنوطي عليه يا مزين! التمائما يعني: علقي عليه هذه التمائم، والتمائم عندهم هي كل تعليق، سواء كانت تعليق بالصدر أو كان التعليق لخيط فقط، أو أوتار توضع على رقاب الإبل، أو خيوط توضع في الأيدي أو في الأرجل، وفي العصر الحاضر صارت التمائم لها أشكال متعددة، مثل: وضع عرائس في السيارات، أو وضع الحبة السوداء في درج غرفة النوم، أو وضع بعض الفتحات الصغيرة على صدور الأطفال، يظنون أنهم يتقون بذلك من العين، وكل هذا من الشرك والعياذ بالله؛ لهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك) والتولة نوع من أنواع السحر، وهذا من الشرك.

حكم تعليق القرآن في الصدور

حكم تعليق القرآن في الصدور مسألة: لو أن إنساناً علق بصدره القرآن هل هذا يجوز؟ اختلف العلماء في ذلك، وأصح الأقوال: أنه لا يجوز تعليق القرآن، أولاً: أن النصوص الشرعية الواردة في النهي عن تعليق التمائم عامة، فهي تشمل القرآن وغير القرآن. ثانياً: أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة أنهم علقوا القرآن وجعلوه وسيلة من وسائل العلاج، وما يروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص لا يصح إسناده عنه. ثالثاً: أنه عرضة للإهانة، فإنه إذا وضع في صدر صغير أو في صدر مجنون فإنه قد يعرض للإهانة والامتهان، وهذا لا يجوز بالنسبة لكتاب الله سبحانه وتعالى. رابعاً: أن القرآن أنزله الله عز وجل تشريعاً للناس، وإصلاحاً لأوضاعهم ومجتمعاتهم، ولم يؤتى به ليعلق، يقول الله عز وجل: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:29]، ويقول الله عز وجل: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]، ويقول: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:82]. إذاً: لا يجوز تعليق القرآن على أصح قولي أهل العلم، وهذا هو مذهب ابن مسعود رضي الله عنه.

التبرك

التبرك من أنواع الشرك: التبرك، والتبرك معناه طلب البركة، وهناك أعيان وأوقات وأماكن مباركة في الشرع، فمن الأعيان المباركة الأنبياء فأعيانهم مباركة، وكذلك الصالحين، ومن الأماكن المباركة بلاد الشام، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:1]. فقوله: ((بَارَكْنَا حَوْلَهُ)) قال العلماء: المقصود بها بلاد الشام. ومن الأماكن المباركة: مكة والمدينة، فهذه أماكن مباركة. ومن الأزمان المباركة: القرن الأول الهجري، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير القرون قرني). وأيضاً من الأوقات المباركة: يوم الجمعة، ويوم النحر؛ لأن الله عز وجل سماه يوم الحج الأكبر، ورمضان، ونحو ذلك من الأوقات المباركة. ومن الأعيان المباركة أيضاً ماء زمزم، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ماء زمزم لما شرب له). وأيضاً الحبة السوداء والعسل وغير ذلك من الأمور التي نص الشرع على أنها مباركة، فالتبرك بها مباح، ومن نوع التبرك المشروع، ولكن لا بد له من ضابطين: الضابط الأول: هو ألا يعتقد الإنسان في شيء ما أنه مبارك إلا بدليل شرعي، فإذا اعتقد مثلاً أن هذا الجدار مبارك بدون أي دليل، يكون هذا الاعتقاد اعتقاداً بدعياً مخالفاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. الضابط الثاني: هو أن يستعمل المبارك بالطريقة المشروعة، فإذا كان ماء زمزم مباركاً فيستخدمه بالطريقة المشروعة وهي شربه، وبلاد الشام أرض مباركة، فيستخدمها بالطريقة المشروعة وهي السكنى فيها، ومكة بلد مبارك والحرم مكان مبارك فيتعبد لله عز وجل بالصلاة فيه أو الطواف حول الكعبة، لكن لو أن إنساناً أكل من تراب مكة وقال: إن مكة بلد مبارك، أو تمسح بأحجارها، أو جاء إلى أعمدة الحرم وبدأ يتمسح فيها، نقول: هذا بدعة، صحيح أن مكة وأن الحرم مكان مبارك، لكن هذه الطريقة التي أتيت بها في طريقة التبرك طريقة مبتدعة، لم يأت بها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا التابعون من بعده، فهي طريقة بدعية مخالفة للسنة. ومن هنا قال العلماء: إن التبرك ينقسم إلى ثلاثة أقسام: تبرك بدعي، وتبرك مشروع وقد سبق أن أشرنا إليه، وتبرك شركي، وهو: أن يعتقد في أمر من الأمور أنه مبارك ثم يصرف له نوعاً من أنواع العبادة، يقول الله عز وجل: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم:19 - 20]، فهذه الأصنام اعتقدوا فيها أنها مباركة، ثم صرفوا لها أنواع العبادات، من أجل أن تقربهم عند الله عز وجل، فوقعوا في الشرك الأكبر. بهذه الضوابط نكون قد انتهينا من قواعد توحيد الألوهية، وفي اللقاء القادم إن شاء الله سنبدأ الحديث في قواعد الأسماء والصفات بإذن الله تعالى، ثم ننتقل إلى بقية أصول العقيدة على نحو ما سبق أن أشرنا إليه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من يقول: إن وجود الله ظني وإن الحكمة من خلق الإنسان جمع المال لا العبادة

حكم من يقول: إن وجود الله ظني وإن الحكمة من خلق الإنسان جمع المال لا العبادة Q يقول السائل: أنا طالب في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وعندنا دكتور يدرسنا مادة الثقافة الإسلامية، وفي ذات مرة وهو يشرح الدرس تكلم وقال: إن وجود الله وجود ظني؛ لأن الله غير ملموس ولا محسوس، ووجود القرآن وجود يقيني؛ لأن القرآن محسوس وملموس. ويقول أيضاً: الحكمة من خلق الإنسان هي جمع المال وليس العبادة في الدنيا، فما حكم قوله هذا في الشريعة الإسلامية؟ علماً بأن هذه الدروس تأتي في الاختبارات، فهل نجيب عليها أم لا؟ A أنا أخشى أن يكون الأخ فهم من كلام الدكتور فهماً غير صحيح، أما إذا كان كلام الدكتور فعلاً بهذا الأسلوب الذي يقول فيه: إن وجود الله وجود ظني فهذا قدح في عقيدة هذا الإنسان، فإن وجود الله عز وجل لا شك فيه، حتى عند الكفار، وقد سبق أن أشرنا إلى هذا المعنى، وقلنا: إن الله عز وجل يقول: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25] فالمسلمون من باب أولى، كيف يقول: إن وجود الله عز وجل وجود ظني، هذا كلام كفري، وقوله: إن وجود القرآن وجود يقيني، يعني: هذا الدكتور يفهم من كلامه أنه يعتقد أن اليقين هو في المحسوس، وأما الغيبيات فلا يقين فيها، ولهذا يقول: القرآن يقين؛ لأنه محسوس، والله عز وجل وجوده ظني؛ لأنه غير محسوس، هذا قول فاسد؛ فإنه ليس كل أمر غير محسوس يكون ظنياً، وفي الرد على الماديين الشيوعيين كان يقال: إن العقل مثلاً أمر غير محسوس باليد، ومع هذا هو أمر مقطوع به، وكذلك الروح، وكذلك الأرواح الطيبة والخبيثة، هذا أمر مقطوع به، ويبدو أن هذا الشخص لديه خلفيات مادية، وهذا أمر في غاية الخطورة. وقوله: إن الحكمة من خلق الإنسان هي جمع المال وليس العبادة في الدنيا هذا معارض لصريح القرآن، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وهذا كلام كفري والعياذ بالله؛ ولهذا إذا كان هذا الدكتور يتكلم بهذا الكلام حقيقة، يجب على الطلاب أن يسجلوا أقواله صوتياً وهذا أضبط، ويسجلوا شهادتهم على هذا الدكتور، وأن يتقدموا إلى القضاء بشكوى رسمية ضد هذا الدكتور؛ لأن هذا الدكتور ينشر كلاماً كفرياً خطيراً على عقائد المسلمين، لكن إذا سمع الإنسان بشيء ينبغي أن يكون متثبتاً؛ لأن ظلم الآخرين لا يجوز، وإذا لم يفهم الإنسان كلام أحد من الناس بالطريقة الصحيحة فلا يجوز أن يتهمهم، لكن إذا كان فعلاً يتكلم بهذا الكلام الخطير وبطريقة واضحة ومفهومة، فيجب على مجموعة الطلاب الموجودين أن يسجلوا هذا الكلام على شكل شكوى، وأ، يتقدموا بها للمحكمة، ويكتبوا شهادتهم فيها عند القاضي، وأن يقولوا: نحن نشهد بالله العظيم على أن هذا الرجل قال كذا وقال كذا، أياً كان سواء كان دكتوراً في الجامعة أو في أي مكان، يجب أن يشتكى إلى القاضي، والقاضي يستدعيه وإن اعترف عنده بهذا الكلام يعلمه أن هذا كفر، فإن أصر فإنه يقتل؛ لأنه مرتد بعد البيان والتوضيح، أما إذا اعتذر وتراجع وأعلن إسلامه، فإنه يعزر حسب رأي القاضي، وحسب المصلحة، وحسب الأحوال المحيطة بهذه القضية. فلا يترك لأهل النفاق وأهل الفجور والكفر الكلام، خصوصاً ونحن في بلاد التوحيد ولله الحمد، والمحاكم الشرعية منصوبة، والقضاة موجودون، فلا يجوز السكوت على هذه النماذج أبداً، وأي إنسان يجد كلاماً كفرياً خطيراً والعياذ بالله في الصحافة، أو في أي مكان من الأماكن، ينكره بشرط أن يكون متثبتاً في هذا، وأن تكون لديه أدلة يقينية، لا تكون لديه ظنون أو أوهام؛ لأن الظنون والأوهام لا قيمة لها، ولا يجوز للإنسان أن يظلم الخلق، لكن إذا كانت هناك أدلة يقينية فيجب أن يتقدم بشكوى للمحكمة، والقاضي بدوره يستدعي هذا الرجل ويحاسبه؛ لأن هذا الكلام خطير على عقائد المسلمين.

الفرق بين المباح والجائز

الفرق بين المباح والجائز Q ما الفرق بين المباح والجائز؟ A ليس هناك فرق بين المباح والجائز، الجائز والمباح كلها بمعنى واحد، مثل المستحب والمندوب، ومثل الواجب والفرض، وإن كان بعض العلماء من الأحناف بالذات يفرقون بين الواجب والفرض، باعتبار الدليل الذي يدل على هذا الأمر الواجب، فيقولون: إذا دل دليل متواتر على أمر من الأمور فيكون فرضاً، وإذا كان آحاداً فإنه يكون واجباً.

حكم كتابة آية الكرسي في الخاتم

حكم كتابة آية الكرسي في الخاتم Q ما حكم كتابة آية الكرسي في الخاتم؟ A إذا كان يعتقد أن كتابة آية الكرسي في الخاتم ستدفع عنه العين، أو إذا كان معيوناً سترفع عنه هذا المرض أو أي مرض من الأمراض، فهذا داخل في حكم تعليق آيات القرآن الذي أشرت إليه سابقاً، وقلت: إن عامة الصحابة كانوا يمنعون من ذلك، وما يروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص في ذلك فهو غير صحيح عنه. والتمائم ليس فيها شيء مشروع وشيء غير مشروع، بل جميع التمائم شركية إما شرك أكبر وإما شرك أصغر، فإذا صرف عبادة لغير الله مثل: دعاء غير الله عز وجل فيكون شركاً أكبر، أو رقى ودعا غير الله عز وجل فإنه يكون شركاً أكبر، أو اعتقد أن هذا الحبل أو هذا الخيط يدفع بذاته وبنفسه البلاء، فهذا لا شك أنه شرك أكبر.

أنواع الجهاد في سبيل الله وشروطه

أنواع الجهاد في سبيل الله وشروطه Q ما هي الشروط التي يجب أن توجد في الفرد إذا أراد الذهاب إلى الجهاد في سبيل الله؟ A الجهاد في سبيل الله لاشك أنه منزلة عالية من منازل الدين، وله فضل عظيم، وهو من أعظم وسائل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والإصلاح، وهو ينقسم إلى قسمين: جهاد دفع، وجهاد طلب. فجهاد الدفع: هو أن يغزو الكفار بلاد المسلمين، فيدفع المسلمون عن أنفسهم هذا العدو الصائل، وهذا من أفضل الجهاد، وهذا لا يشترط فيه شرط، بل يجب على كل مسلم أن يدفع العدو الصائل عنه وعن أولاده وأهله وعن بلاده بكل ما يستطيع. النوع الثاني: هو جهاد الطلب: وهو أن تكون الدولة الإسلامية دولة مستقرة ثابتة، وتريد أن توسع رقعتها، بحيث إنه يدخل أعداد كبيرة جداً في الإسلام، وتزيل الأنظمة التي تمنع الناس من قبول الحق، وتجعل قبول الحق ممكناً بالنسبة للشعوب، فهذا جهاد يسمى جهاد الطلب، يعني: طلب العدو في عقر داره، ولا يصح أن يقال: بأن الجهاد هو نوع واحد وهو جهاد الدفع، وجهاد الطلب غير موجود في الشريعة، هذا خطأ، فإن جهاد الطلب موجود في الشريعة، وكيف توسعت الدولة الإسلامية لولا وجود هذا الجهاد؟ بعض الناس يجعل الجهاد فقط جهاد الدفع، ولهذا تسمى وزارات الدفاع في كل العالم إلا في إسرائيل فتسمى وزارة الحرب! فالشاهد هو أن منع جهاد الطلب قول مبتدع مخالف لشرع الله سبحانه وتعالى. أما بالنسبة للشروط الذاتية التي تتعلق بالشخص حتى يجاهد في سبيل الله فإن الجهاد بمعناه الواسع يتمثل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس جاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)، فالجهاد بالمال يكون ببذله وتجهيز الغزاة، والجهاد بالنفس يكون بالقتال، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد باللسان يكون بالدعوة والإصلاح والتأثير في المجتمع. والجهاد في سبيل الله لا يكون عملاً فردياً، وإنما هو عمل جماعي، يعني: يجتمع فيه أهل الإسلام ويضعون خطة، ويكون لهم قيادة، ويبدءون القتال، إلا في حالة الجهاد الذي يكون فيه دفع، مثل: إخواننا في فلسطين، فإنه يجب عليهم أن يدافعوا قدر استطاعتهم، ولو أن إنساناً قاتلهم لوحده فإن عمله جائز وفاضل ومطلوب، ويجتهدون في النكاية بالعدو قدر استطاعتهم.

حكم لمس الراقي جسد المرأة وخلوته بها

حكم لمس الراقي جسد المرأة وخلوته بها Q هل يجوز للراقي أن يلمس جسد المرأة؟ A لا يجوز للراقي أن يمس جسد المرأة إذا كانت لا تحل له، وأحب أن أشير إلى قضية مهمة وهي: أن كثيراً من المشتغلين بالرقى اليوم مع الأسف الشديد ليسوا من أهل العلم، وبعضهم -لا أقول كلهم- أخذها وسيلة للتكسب المادي، وجعلها باباً من أبواب الشهرة، وباباً من أبواب المكانة والمنزلة، وبعضهم والعياذ بالله وقع في انحرافات أخلاقية بسبب الاختلاء بالمرأة، وبعض الرقاة يختلي بالمرأة ويجلس معها وقد يضع يده على صدرها نسأل الله العافية، وقد تصل إلى الفواحش والعياذ بالله! ولهذا ينبغي على الإنسان إذا كان لديه امرأة مريضة ألا يجعل الطبيب يختلي بها، بعض الناس فيه ضعف، فأنا حدثني شخص أنه وجد طبيباً في قرية من القرى، إذا دخلت المرأة يمنع زوجها أن يدخل معها، ويقول: لا، أنا معي ممرضة خاصة، هل هناك ضرر لو دخل مع امرأته أو بنته أو أخته؟ وهل سيفسد العملية؟ لكن بعض الناس تجاوز حدوده، لكن الحمد لله سمعت أن هذا الطبيب أخذ عقابه من أحد الأولياء عندما منعه من الدخول مع زوجته، فأدبه تأديباً يليق به. فالشاهد: أن الولي يجب أن يكون مع زوجته أو مع بنته أو مع أخته، وألا يأذن لأحدٍ أن يكشف عليها إلا في الحدود المشروعة، والأصل أن تكشف عليها امرأة، فإذا لم يوجد في هذا التخصص إلا رجل فإنه يكشف عليها في حدود المشروع فقط، أما ما تجاوز ذلك فلا يجوز، لا يجوز أن يكشف عليها فيما يتجاوز هذا الأمر، ومع الأسف أن كثيراً من النساء اليوم عندما تأتي إلى مكان التوليد لا تطلب امرأة، وإنما تطلب رجلاً يولدها، وتقول: الرجل يفهم أكثر، سبحان الله! وتكشف عورتها عند هذا الرجل، مع أن المرأة هي الأولى وهي الأصل في عملية الولادة، وكانت تسمى قديماً التي تولد المرأة القابلة، وأصلاً الولادة لم تكن يوماً من الأيام عائقاً مرضياً أصلاً في تاريخ المسلمين، وحتى عند الغربيين الآن لا يعتبرونه مرضاً أصلاً؛ لأنه أمر طبيعي أن المرأة تلد، صحيح أنه أحياناً يكون هناك مرض، مثل أن يكون الطفل معترضاً ويحتاج إلى تكون هناك عملية مثلاً، ربما تكون هذه الحالة، لكن المفترض أن تكون النساء هن اللاتي يقمن بهذا العمل لا الرجال.

حكم سب الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة الكرام

حكم سب الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة الكرام Q ما حكم سب الخلفاء الراشدين أو صحابة النبي صلى الله عليه وسلم؟ A من سب الخلفاء الراشدين مثل أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وبقية الصحابة مثلما تفعل الشيعة الروافض قبحهم الله، فهو مرتد وكافر بالله رب العالمين، هذا إذا سبهم بشكل مجمل، أما إذا سب صحابياً واحداً لظنه أنه يستحق السب لورود خبر عنده، فهذا آثم ضال منحرف، لكن لا يصل إلى درجة الكفر، يكفر إذا سب عموم الصحابة كما تفعل الشيعة اليوم، الشيعة اليوم يتدينون بسب الصحابة، وهذا دين قبيح؛ لأنه دين مبني على السب، وسب من؟ سب خيار الناس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فأفضل أتباع الأنبياء منذ أن بعث الله عز وجل نوح عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم خير أتباع الأنبياء على الإطلاق هم الصحابة رضوان الله عليهم، فإذا سبوا هذه المجموعة الكبيرة وكفروا كل الصحابة إلا مجموعة يسيرة، فكيف يأخذون الدين؟ وعلى أي أساس يأخذون الدين؟ ولهذا تجد أن كتبهم مليئة بأقوال الأئمة، خالية من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم إلا في النادر؛ لأن الحديث الذي يأتي عن طريق أبي بكر باطل؛ لأن أبا بكر عندهم كافر، قبحهم الله، ودين الشيعة هو دين الحمقى والمغفلين بلا شك، حتى النصارى مع كفرهم وفساد منهجهم وسوء عقيدتهم، وما فيه من الضلال والانحراف والبعد عن العلم، إلا أنهم أفضل للحواريين من هؤلاء الشيعة للصحابة. وانظروا إلى احتفالاتهم ماذا يصنعون؟ يضربون صدورهم ووجوههم وظهورهم، ويأخذون السكاكين ويضربون بها على رءوسهم حتى تسيل الدماء، متى كانت العبادة بهذا الأسلوب يوماً من الأيام؟! ولهذا يا إخواني هؤلاء عابثون، قال أبو الربيع الزهراني: لو كانت الرافضة من البهائم لكانوا حميراً، ولو كانوا من الطيور لكانوا رخماً. يعني: هم أسوأ صنف من الأصناف على الإطلاق. وهذا الشعبي رحمه الله جاء إليه الرافضة وطلبوا منه أن يضع أحاديث في مساوئ الصحابة وفيما يريدون من عقائدهم، فرفض وأبى ذلك، وأنكر عليهم. والرافضة يتدينون بالكذب، ويقولون: نحن نكذب لـ علي لا عليه، وكأن علي بن أبي طالب يحتاج للكذب والعياذ بالله، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: أفضل هذه الأمة أبو بكر وعمر، وهو علي بن أبي طالب الذي يتحزبون ويتعصبون له. وأصل دينهم عندما تبحث تاريخياً تجد أن أساسه هو عبد الله بن سبأ اليهودي الذي تظاهر بالإسلام، وأراد أن يفعل في الإسلام ما فعله بولس شاول اليهودي في النصرانية، الذي جاء بفكرة التثليث، ولم تكن فكرة التثليث أصلاً موجودة في دين النصارى الذي جاء به عيسى عليه السلام، وبولس شاول كان يهودياً وتظاهر بالنصرانية وجاء بفكرة التثليث، وتبنتها بعد ذلك الدولة الرومانية، وأصبح ديناً رسمياً بعد المجمع المسكوني الذي انعقد عام (325م)، هكذا أراد عبد الله بن سبأ وهو يهودي أن يفعل كما فعل بولس؛ لأن تاريخ بولس عندهم موجود، فأعلن ابن سبأ الإسلام، وذهب إلى أماكن متعددة في العراق والشام واليمن وغيرها ينشر دعوته، والعقائد التي جاء بها عبد الله بن سبأ هي التي تبناها بعد ذلك الشيعة، مثل: التقية، ومثل: النص على علي بن أبي طالب وأنه الخليفة بعده، وأنه من جاء من الخلفاء فخلافته باطلة، والولاية، ونحو ذلك من العقائد الفاسدة التي عليها الشيعة قبحهم الله.

الزيادة والنقصان في أنواع التوحيد

الزيادة والنقصان في أنواع التوحيد Q ذكرت أن توحيد الألوهية يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فهل ينطبق هذا على جميع أنواع التوحيد أم لا، أم لأن توحيد الألوهية من أعمال القلوب؟ A ينطبق على جميع أنواع التوحيد؛ لأن إيمان الناس في تدبير الله للكون ليس إيماناً واحداً، فبعضهم إيمانه يقينياً ورؤيته تفصيلية، وبعضهم إيمانه عاماً ورؤيته مجملة؛ وهكذا الأسماء والصفات، يعني: الواجب في الأسماء والصفات أن تعلم أن لله أسماء وله صفات يجب الإيمان بها وهي الواردة في القرآن، لكن إدراكها على التفصيل هذا هو الذي يزيد به الإنسان إيماناً، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعاً وتسعين اسماًً من أحصاها دخل الجنة).

حكم الاستغاثة بالقلب ونحوه من البدن

حكم الاستغاثة بالقلب ونحوه من البدن Q ما حكم الاستغاثة بالأعضاء، مثل قول: يا قلب أغثني، حيث جعل الله فيه خاصية القدرة على بعض الشيء؟ وهل يدخل في الاستغاثة بغير الله؟ A ماذا يقصد بقوله: يا قلب أغثني، إذا كان يقصد: يا قلب ألهمني فائدة، كنت ناسيها مثلاً، فهذه استغاثة بشيء يقدر عليه، لكن إذا قال: يا قلب أدخلني الجنة، كيف يدخله القلب الجنة؟ هذا بيد الله عز وجل.

حكم تعلم منازل القمر

حكم تعلم منازل القمر Q ما حكم تعلم منازل القمر؟ A إذا كان تعلم منازل القمر على سبيل المعرفة العلمية فقط، فهذا لا بأس به، وإذا كان تعلمه لمنازل القمر على سبيل اعتقاد أنها مؤثرة، فهذا من الشرك والعياذ بالله.

حكم تعليق آيات من القرآن في لوحات في المنزل

حكم تعليق آيات من القرآن في لوحات في المنزل Q ما حكم تعليق آيات من القرآن في لوحات خطية في المنزل؟ A لا أرى هذا مناسباً، إلا إذا كان الهدف منه التذكير والحفظ ونحو ذلك من المعاني المستحبة، فلا بأس. أما إذا كان الهدف من ذلك أنها تحمي البيت من الجن والشياطين وغير ذلك، فهذا داخل في عموم التعليق الذي سبق أن أشرنا إليه.

حكم الرقية بما في التوراة والإنجيل

حكم الرقية بما في التوراة والإنجيل Q قلتم: يجوز الرقية بكلام الله، ومن ذلك التوراة والإنجيل، فلو تبين لنا كيف ذلك؟ A أنا لا أقول: ابحثوا في التوراة والإنجيل حتى تخرجوا لنا رقى، في الكتاب والسنة ولله الحمد ما يكفي، لكن الهدف من هذا الكلام هو أن الرقى ليست خاصة بالكتاب والسنة، وأن أي كلام صحيح يمكن أن يكون رقية صحيحة، أهم شيء أن يكون بعيداً عن الشرك، وضربت مثالاً بما هو موجود في التوراة، لكن لا يعني هذا أن الإنسان يبحث عن التوراة والإنجيل ويحاول أن يخرج رقى منهما.

حكم الرقية بغير العربية

حكم الرقية بغير العربية Q قلت: إن الرقية بغير العربية لا يجوز، فكيف لو كان الراقي غير عربي وأيضاً المريض؟ A بالنسبة للرقية بغير العربية فبعض من أهل العلم جعل الرقى بالعربية ضابطاً من ضوابط الرقى الشرعية؛ لأن الشخص قد يتكلم بلغة غير معروفة، فيكون فيها استغاثة بغير الله عز وجل. والحقيقة أن الضابط الدقيق في هذه المسألة هو أن يكون الكلام مفهوماً، سواء بلغة عربية أو أجنبية، أهم شيء أن يكون الكلام مفهوماً. أما إذا كان غير مفهوم، فإنه لا يجوز أن يرقى به.

الموقف ممن يطعن في بعض المشايخ والدعاة

الموقف ممن يطعن في بعض المشايخ والدعاة Q ما حكم من سب المشايخ أمثال: عائض القرني، سفر الحوالي، سيد قطب، وناصر العمر، والمنجد، والعريفي، ويقول: عندهم أمور شركية، ويقول عندما يسمع الحديث عنهم: أعوذ بالله؟ A هؤلاء المشايخ وغيرهم من المشايخ ليسوا بمعصومين، يقعون في الخطأ، وكل إنسان يقع في الخطأ، لكن يجب على المسلم أن يزن الخطأ بميزان الكتاب والسنة، وألا يتجاوز، وهؤلاء المشايخ هم رموز أهل السنة في هذه البلاد، فإذا كان هؤلاء يسبون بهذه الطريقة، فمعنى هذا أن هذا الشخص سيحصر أهل السنة في مجموعة محددة هو يعرفها، وبقية الناس لا يعرفونها، ثم لماذا يسب هؤلاء؟ إذا كانت توجد عندهم أخطاء فينكر هذا الخطأ، أقول لهذا: هل عبدوا غير الله؟ هل استغاثوا بغير الله؟ هل حرفوا الصفات؟ هل عندهم من مقالات الفرق الضالة شيء؟ أبداً ليس هناك أي شيء، وإنما هي اجتهادات، وبعض الناس يقول: بعضهم كان له موقف أثناء أزمة الخليج، أقول: هذا أمر اجتهادي، واجتهاده في تلك الفترة قد يتراجع عنه في وقت آخر، ثم إنه في تلك الفترة التي اجتهد هذا الاجتهاد كان هناك علماء كبار مثل: الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ ابن عثيمين وغيرهما ولم يقولا هذا الكلام فيهم؛ ولهذا يا إخواني بغض النظر عن الأسماء هذه، ينبغي للإنسان أن يكون عفيف اللسان دائماً، وأن يبتعد عن الطعن في أهل العلم، وأن يبتعد عن الطعن في الدعاة إلى الله عز وجل، ونحن في مرحلة أحوج ما نكون فيها إلى الألفة والاجتماع، خصوصاً أن أصول السنة موجودة عندنا ولله الحمد، وأما يتعلق بالتوحيد وأنواع التوحيد الثلاثة، والإيمان، والقدر، واليوم الآخر، ونحو ذلك، فإذا اجتهد عالم من العلماء في أي مسألة من المسائل وأخطأ فيها فإنه يناصح ويعلم وينكر عليه هذا الخطأ، لكن ليس بطريقة السب والشتم وقول: أعوذ بالله منهم، سبحان الله! وهؤلاء الأشخاص الذين يتكلمون بهذه الطريقة، لو اختلفوا فيما بينهم لتوصلوا إلى أن يسب بعضهم ويشتم بعضهم بعضاً، وهذا هو الذي وقع مع الأسف، أن هناك أشخاصاً خالفوا أشخاصاً آخرين في مسألة من المسائل فبدأ يطعن بعضهم ببعض ويسب بعضهم بعضاً، هذا خطأ يا إخواني، ينبغي للإنسان أن يكون عفيف اللسان، وأن يعلم أن شرائع الإيمان وشعب الإيمان واسعة وكبيرة وكثيرة، وأن الإنسان إذا جاء بأصول السنة العامة فإنه تحفظ له مكانته ومنزلته في الأمة، وإذا قال قولاً شاذاًَ فإنه يرد عليه هذا القول، فهذا الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله، من علماء أهل السنة بدون أي منازعة، ومن فضلاء أهل السنة، وقع في أخطاء معينة، لو أننا جمعنا هذه الأخطاء مثلاً، وبدأنا نشنع على هذا الشيخ ونتكلم عليه، وعملنا بهذا الأسلوب مع كل شيخ، من سيبقى؟ صدقوني لا يبقى أحد؛ لأنه ليس هناك إنسان إلا ويقع في الخطأ. لو تعاملنا بهذا الأسلوب مع العلماء القدامى أمثال: الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني والشافعي ومالك وأبي حنيفة وغيرهم، والله لن يبقى أحد، هل تتصورون أن هؤلاء العلماء ملائكة يمشون مطمئنين على الأرض؟ أبداً، ليسوا ملائكة، هم بشر يقعون في الخطأ. ولهذا ألف ابن تيمية رحمه الله تعالى: (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) ولو تقرءون طريقة ابن تيمية رحمه الله في التعامل مع أخطاء المخطئين تتعجبون، ولا يعني هذا أن الإنسان يقر الآخرين على أخطائهم؛ لأن العبرة بالدليل الشرعي، لكن ليس بهذا الأسلوب، فالشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله على فضلهما ومكانتهما وقعا في أخطاء، ليس هناك أحد لا يقع في أخطاء، لكن هذه تسمى الأخطاء الاجتهادية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد المجتهد فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر). حتى الأستاذ سيد قطب رحمه الله أخطأ في مسائل في العقيدة، لكن ليست مسائل كلية، هي مسائل فرعية، مثلاً: باب الأسماء والصفات عند سيد قطب في الجملة يقول: نحن نثبت ما يثبته الله عز وجل لنفسه، لكن في التفصيل قد يقع في تأويل بعض الأسماء والصفات، فهذه لا تقبل، ولا يصح لأحد أن يقبلها وترد، لكن مجمل كتابات سيد قطب في الجملة كتابات مفيدة، وفيها خير كثير، وما فيها من زلل ومن خطأ نرده ولا نقبله، وقد اعتذر عن كثير من هذه الأخطاء في كلامه حول تفسير سورة الجن، عندما قال: في بداية دراستي للعلم وقعت في قراءة لبعض كتب المخطئين وكذا، وتبنى ما في تلك الكتب ثم إنه يعتذر إلى الله عز وجل منها ونحو ذلك، وله كتاب رائع جداً اسمه (خصائص التصور الإسلامي) له فصل بعنوان: تيه وركام يقول: إنه يجب علينا أن نأخذ المنهج القرآني من مصدره ومنبعه ا

أصول العقيدة [6]

أصول العقيدة [6] إن توحيد الأسماء والصفات جزء من توحيد الله عز وجل, وهو متعلق بالإيمان بالله تعالى, فالإيمان بالله تعالى لا يتم بدون الإيمان بالأسماء والصفات, ويتعلق بهذا التوحيد جملة من القواعد, منها أن أسماء الله عز وجل بلغت الغاية في الكمال والجمال, ودلالة كل اسم من أسماء الله تعالى على صفة من صفاته سبحانه, وثبوتها بالدليل العقلي والسمعي, وثبوت الدليل السمعي على اللفظ الاصطلاحي للاسم والصفة.

قواعد في الأسماء والصفات

قواعد في الأسماء والصفات

بلوغ أسماء الله وصفاته الغاية في الجمال والكمال وانتفاء النقص عنها من كل وجه

بلوغ أسماء الله وصفاته الغاية في الجمال والكمال وانتفاء النقص عنها من كل وجه الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: ففي الدرس الماضي انتهينا من قواعد في توحيد الألوهية، وفي هذا الدرس بإذن الله تعالى سنتحدث عن قواعد في توحيد الأسماء والصفات، وقد سبق أن أشرنا إلى أن توحيد الأسماء والصفات هو جزء من توحيد الله تعالى، وهو متعلق بالإيمان بالله، فإن الإيمان بالله لا يتم إلا بهذا التوحيد، وإذا أنكر أحد أسماء الله عز وجل مطلقاً أو أنكر أسماءه أو صفاته فإنه يكون كافراً خارجاً عن دائرة الإسلام، والله عز وجل يقول: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، وهذه الآية العظيمة تشتمل على قواعد متعددة وكثيرة: القاعدة الأولى: أن أسماء الله عز وجل بلغت الغاية في الكمال والجمال، وأنه لا نقص فيها بأي وجه من الوجوه، وهذا مأخوذ من وصف أسماء الله عز وجل؛ لأنها حسنى، والحسنى على وزن فعلى، وهي تأنيث الأحسن، كقولهم: كبرى وصغرى تأنيث الأكبر والأصغر، وحسنى يعني: التي بلغت الغاية في الحسن والجمال والكمال. ومن مقتضيات كمال أسماء الله تعالى: أن كل اسم من أسماء الله تعالى يدل على صفة من هذه الصفات، وكل اسم من أسماء الله تعالى فإنه يدل على صفة من صفاته سبحانه وتعالى، وهذا يدل على كمال أسمائه تعالى، يقول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل:60]، والمثل الأعلى هو الكمال والجمال الذي لا يدانيه ولا يشابهه كمال. والله سبحانه وتعالى سمى نفسه (الرحيم) فنأخذ منه صفة الرحمة، و (الغفور) فنأخذ منه صفة المغفرة، و (الجبار) فنأخذ منه صفة الجبروت، و (الغني) فنأخذ منه صفة الغنى، و (العزيز) فنأخذ منه صفة العزة وهكذا، كل اسم من أسماء الله تعالى فإنه يتضمن صفة من صفاته سبحانه وتعالى، فأسماء الله عز وجل ليست جامدة لا تدل على معان، بل هي تدل على معان عظيمة، ولهذا استدل أهل العلم على أن الدهر ليس من أسماء الله تعالى؛ لأنه اسم جامد ليس له معنى في المدح والكمال، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار)، فظن بعض العلماء أن هذا الحديث يدل على أن الدهر اسم من أسماء الله تعالى؛ لأنه قال: (وأنا الدهر)، لكن الصحيح أن الدهر ليس اسماً من أسماء الله تعالى؛ لأن الدهر هو الأيام والليالي، والأيام والليالي ليس فيها مدح ولا كمال ولا جمال، فلا يصح أن يقال: إن من أسماء الله تعالى الدهر، ولهذا يبين الحديث نفسه بنفسه، فإنه قال: (وأنا الدهر أقلب الليل والنهار) يعني: أن الله عز وجل خالق الدهر وهو مالكه، وهذا يدل على بطلان عقيدة الدَهرية أو الدُهرية يصح بالفتح والضم الذين يقولون: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24]، فأسماء الله سبحانه وتعالى كلها تدل على معان وتتضمن معاني، والعقل يدل على ذلك أيضاً، فإنه لا يسمى العليم إلا لمن كان لديه علم، ولا يسمى البصير إلا لمن كان لديه بصر، ولا يسمى السميع إلا لمن كان لديه سمع، ولا يسمى الجبار إلا لمن كان لديه جبروت، فمن كانت لديه هذه المعاني سمي بهذه الأسماء، ومن لم تكن لديه هذه المعاني فإنه لا يسمى بها؛ فإن للأسماء أسباباً.

الفرق بين أسماء الله وصفاته

الفرق بين أسماء الله وصفاته أحب أن أشير إلى قاعدة مهمة جداً في التفريق بين الأسماء والصفات؛ لأن كثيراً من طلاب العلم يشكل عليه الفرق بين الاسم والصفة، والفرق بين الاسم والصفة هو: أن الأسماء أعلام والصفات معان، فأنت تفرق بين الأسماء التالية: الرحمن، الرحيم، العزيز، الجبار، المتكبر، الغفور، الودود، وهكذا، والمعاني الأخرى مثل: الرحمة، المغفرة، العزة، اليد، القدم، العينين، العلم، الإرادة فهذه صفات، وبهذا يتبين أن الأسماء أعلام، وأن الصفات معان، قد تؤخذ هذه المعاني من الأسماء، وهذا هو أحد مصادر الصفات، وقد تؤخذ من الأفعال أحياناً، وقد تدل عليها النصوص دلالة صريحة في كونها صفة، كما قال الله عز وجل: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف:58] يعني: صاحب الرحمة، ولهذا فإن الفرق بين الاسم والصفة هو أن الاسم علم، والصفة معنى، والنحاة يسمون هذه المعاني مصادر، فالاسم (العزيز) والصفة العزة، والاسم (الرحيم) والصفة الرحمة، والاسم (الكبير) والصفة الكبر، والاسم (اللطيف) والصفة اللطف وهكذا، فكل اسم من أسماء الله عز وجل فإنه يدل على صفة من صفاته سبحانه وتعالى، وهذا من معاني الحسن الوارد في قول الله سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180].

دلالة أسماء الله عز وجل على الذات والصفات والمعاني المتعلقة بها في حقه تعالى

دلالة أسماء الله عز وجل على الذات والصفات والمعاني المتعلقة بها في حقه تعالى من القواعد التي تتعلق بالأسماء الحسنى: أن الأسماء الحسنى تدل على ثلاثة أمور: الأمر الأول: تدل على ذات الله عز وجل. الأمر الثاني: تدل على صفاته؛ لأنه كما سبق أن قلنا: إن كل اسم يتضمن صفة من الصفات. الأمر الثالث: إذا كان معناها متعدياً فإنها يكون لها أحكام تخصها. فالقدير يدل على ذات الله سبحانه وتعالى، ويدل على صفة القدرة، ويدل أيضاً على ملكه سبحانه وتعالى للعباد، وقدرته على التأثير فيهم وعلى تبديل أحوالهم وشئونهم، ولهذا أخذ بعض العلماء مسائل فقهية من بعض نصوص الأسماء الحسنى، يقول الله عز وجل: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:34]، فالذين يكونون من قطاع الطرق تكون عليهم حدود، لكن إن تابوا قبل أن يضبطوا فإنهم لا يطالبون بالحدود السابقة، أخذ ذلك الحكم من وصف الغفور الرحيم، الذي يدل على مغفرة الله عز وجل لسابق أحوالهم، ورحمته سبحانه وتعالى فيما سبق من أعمالهم، وهذا يدل على أن من أحكام الأسماء الحسنى بعض المسائل العقدية أو الفقهية، فإن أسماء الله عز وجل لها أحكام، وأسماء الله عز وجل تدل بمفردها على معنى، وتدل إذا اقترنت على معنى آخر، مثلاً: نجد الاقتران الكثير بين اسم الله عز وجل العزيز والحكيم، فهذا له مدلول خاص وهو أن عزة الله عز وجل مرتبطة بحكمته، فإنه لا يظلم سبحانه وتعالى، وهكذا السميع البصير، وهكذا بقية أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته. أما ما يتعلق بقواعد الصفات فإن الصفات كما سبق أن أشرنا لها ثلاثة مصادر: المصدر الأول: أن تكون الآيات صريحة في الدلالة على الصفة. المصدر الثاني: أسماء الله عز وجل، فكل أسماء الله تدل على صفاته. المصدر الثالث: أفعال الله سبحانه وتعالى، فإن أفعال الله عز وجل جزء من الصفات كما سيأتي الإشارة إليه بإذن الله تعالى.

تنوع صفات الله تعالى باعتبار أدلتها العقلية والسمعية

تنوع صفات الله تعالى باعتبار أدلتها العقلية والسمعية القاعدة الثانية: هي أن صفات الله عز وجل تنقسم باعتبارين: باعتبار الأدلة عليها، وباعتبار ذاتها، فباعتبار الأدلة عليها تنقسم إلى عقلية وسمعية، وباعتبار ذاتها تنقسم إلى ذاتية وفعلية. باعتبار الأدلة على صفات الله عز وجل سبق أن أشرنا إلى قاعدة مهمة جداً عموماً، وهي: أن مسائل العقيدة يدل عليها العقل كما يدل عليها السمع، ولا يصح أن نجعل الدليل العقلي قسيماً للدليل الشرعي؛ لأن بعض الناس عند عرضه للأدلة يقول: الأدلة الشرعية، ثم يستعرض الأدلة من الكتاب والسنة ثم يقول: الأدلة العقلية، فهذه المقابلة بين الدليل الشرعي والدليل العقلي بهذه الطريقة مقابلة غير صحيحة؛ لأنه يفهم منها أن الأدلة الشرعية لا تتضمن أدلة عقلية برهانية مقنعة، وهذا فهم خاطئ، فإن النصوص الشرعية في ذاتها فيها أدلة عقلية برهانية مقنعة على كافة مسائل العقيدة، سواء على مسائل الربوبية، أو الألوهية، أو الأسماء والصفات، أو المعاد، أو النبوات، كل هذه المسائل التي هي أصول العقيدة هناك أدلة عقلية تدل عليها، وقد أكثر منها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه العظيم (درء تعارض العقل والنقل) وفي كتابه الآخر (نقض التأسيس) فإن أهل الكلام ظنوا أن الأدلة الشرعية لا تتضمن أدلة برهانية عقلية، فأخذوا في اختراع الأدلة التي يتوقعون أنها تقنع الملاحدة أو تقنع الخصوم؛ لأن الخصم كما يقول التفتازاني: لا يذعن للنصوص الشرعية، فأنت عندما تأتي إلى خصم مثلاً من النصارى أو من الملحدين أو من أي ملة من ملل المشركين وتقول له: قال الله تعالى، يقول: أنا أصلاً لا أعترف بنبوة محمد حتى تستدل علي بما جاء به من الأخبار عن الله تعالى، فأرادوا مواجهة أصحاب الزندقة وأصحاب أهل الشرك فاخترعوا أدلة عقلية، يتصورون أن هذه الأدلة العقلية كافية في إقناع الآخرين، فصارت هذه الأدلة العقلية لها لوازم التزموها أثرت على مسائل العقيدة في فهمهم، فنفوا من أجلها الصفات، وانحرفوا في دلائل النبوات، وانحرفوا أيضاً في الاستدلال على قضايا البعث والمعاد، مع أن هذه من أساسيات العقيدة، ومن الأمور التي يجب أن يكون توضيح القرآن لها بشكل واسع وكبير، ولهذا ينبغي دائماً أن نجعل في أنفسنا أن القرآن والسنة مليئان بالأدلة العقلية، فهذا حصين أبو عمران الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقنعه بطريقة برهانية بسيطة وسهلة يفهمها أي أحد، ليس فيها تعقيد، وليس فيها تطويل، وليس فيها مراحل حتى تصل إلى المقتضى، وليس فيها غموض، بل هي قضية بسيطة سهلة جداً قال: (كم تعبد؟ قال: أعبد سبعة: واحد في السماء وستة في الأرض. قال: فمن لحاجتك وضرك ونفعك وما تريد؟ قال: الذي في السماء، قال: إذاً اعبد الذي في السماء واترك الذي في الأرض) فاقتنع الرجل فأسلم مباشرة، وهكذا تجد أن القرآن عندما يستدل على الذين ينكرون البعث يستدل عليهم بالخلق الأول، يعني: أن القادر على الخلق الأول قادر على الإعادة مرة أخرى، من ذلك قوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:78]، وذلك عندما جاء بالعظم وفته وقال: هل يحيي الله عز وجل هذه العظام بعد أن صارت رميماً؟! فقال الله عز وجل: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:78] يعني: نسي أنه لم يكن هناك عظم أصلاً، وأن هذا العظم تكون ولم يكن هناك لحم، فتكون هذا اللحم ولم تكن هناك روح في هذا العظم واللحم، فتكون هذه الروح في العظم واللحم فصار إنساناً حياً، فهل إذا طرأ عليه طارئ جديد وهو الموت، وأصبحت عظامه بهذه الصورة بحيث يمكن للإنسان أن يفته، هل يعني هذا أن الذي أنشأه أول مرة غير قادر على إعادته مرة أخرى؟ هذا في أي منطق يكون؟ هذا أمر غير مقبول عقلاً، وقد سبق معكم في أدلة توحيد الألوهية أن الله عز وجل بين توحيد الألوهية بياناً برهانياً واضحاً بيناً، وأن هذا الاستدلال كان عقلياً منطقياً ليس فيه أي إشكال، بل إنه سهل وقريب من الأشخاص. الشاهد: أن من صفات الله عز وجل ما يدل العقل عليها ويمكن معرفتها بالعقل، وهناك من الصفات ما لا يمكن معرفتها إلا بالشرع، فمن الصفات التي يمكن للإنسان أن يعرفها بالعقل حتى لو لم يكن هناك أدلة شرعية عليها، مع أن الأدلة الشرعية دلت عليها أيضاً: صفة الحياة، قال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] فهو الحي، والصفة التي تؤخذ منه الحياة؛ لأنه يستحيل أن يكون إلهاً إلا ويكون حياً؛ لأن الميت أو الذي لا يقبل الحياة والموت مثل: الجدار لا يصح أن يكون إلهاً، وقد ذكر الله عز وجل بطلان عبادة الأصنام بكونها لا تخلق، وبكونها أمواتاً غير أحياء، وبكونها لا تسمع، يقول الله عز وجل حكاية عن إبراهيم: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم:42] هذه أدلة عقلية، ولهذا عندما حطم إبراهيم أصنامهم وعلق الفأس ع

تنوع صفات الله تعالى باعتبارها ذاتية وفعلية

تنوع صفات الله تعالى باعتبارها ذاتية وفعلية أما من حيث المسائل فإن الصفات تنقسم إلى قسمين: صفات ذاتية، وصفات فعلية. سبق أن أشرت إلى أن هذه التقسيمات هي تقسيمات فنية علمية، الهدف منها تقريب المسائل العلمية، وإلا فإن هذه التقسيمات لم تحصل إلا عند المتأخرين، في جيل الصحابة والتابعين ومن بعدهم لا توجد هذه التقسيمات: ذاتية وفعلية بهذه الألفاظ، وإنما الموجود هو المعنى، لكن التقسيمات هي عملية فنية اصطلاحية، وقد سبق أن ذكرت لكم قاعدة مهمة في الاصطلاح، وقلت: إن الاصطلاح: هو عبارة عن استخدام كلمات لغوية قريبة من المعنى الاصطلاحي الذي ستنتقل إليه، وأن هذا المعنى الاصطلاحي يكون في حد ذاته معنى صحيحاً، حينئذ يكون الاصطلاح صحيحاً، أما إذا كان هناك تعاند بين المعنى الاصطلاحي واللغوي بحيث يكون المعنى الاصطلاحي مختلفاً على المعنى اللغوي، فهذا اصطلاح فاسد، أو كان هذا الاصطلاح على معنى فاسد، فإنه حينئذ يكون اصطلاحاً فاسداً، ولهذا لم ينكر السلف على مصطلحات اللغويين، وعلى مصطلحات الأصوليين، وعلى مصطلحات سائر العلوم، لم ينكروا عليها لكونها مصطلحات، وإنما أنكروا على مصطلحات أهل الكلام؛ لأنها تتضمن معاني باطلة أو اختلافاً كبيراً جداً بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، مثال الاختلاف الكبير بين المعنى اللغوي والاصطلاحي: التوحيد، التوحيد عند أهل الكلام ليس له وجود في لغة العرب، التوحيد عند أهل الكلام هو: أن يكون الشيء لا ينقسم، فيقولون: الواحد هو الجزء الذي لا ينقسم، وقد يسمونه بالجوهر، وهذا المعنى أصلاً في لغة العرب غير متصور؛ لأن في لغة العرب لم يكونوا يعرفون معنى غير منقسم، بل كانوا يسمون واحداً للشيء المنقسم، فيقولون: فرس واحد، وثوب واحد، مع أنه يمكن تقسيمه، ويمكن وصفه بمجموعة من الصفات، ويقولون مثلاً: بيت واحد، ويقول الله عز وجل: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر:11]، وهو رجل له صفات متعددة، له أيدي، وله أرجل، وله أعين، وله لون، وله أوصاف متعددة، فهم يقولون: إن الواحد هو الذي لا يمكن وصفه، بل هو معنى لا يمكن انقسامه باعتبار الحقيقة وباعتبار الوهم أيضاً، يعني: لا يمكن أن تتوهم انقسامه، وهذا المعنى لا يعرفه العرب أصلاً، وهذا التوحيد عند أهل الكلام صار له معنى غريب عن لغة العرب، وغريب عن ثقافتهم؛ لأنه معنى فاسد، وهكذا ما يتعلق بالمصطلحات الموجودة الأخرى، المصطلحات الصوفية المشهورة. أما بالنسبة لصفات الله عز وجل فقد سبق أن أشرنا إلى أنها تنقسم إلى قسمين: صفات ذاتية: وهي التي لا تنفك عن الله عز وجل بأي وجه من الوجوه، ولا تعلق لها بالإرادة. وصفات فعلية: وهي الصفات المتعلقة بإرادة الله عز وجل، وقد تسمى الصفات الاختيارية، وقد تسمى الصفات الإرادية، وقد تسمى الصفات الفعلية. وهذه الصفات الذاتية والصفات الاختيارية والفعلية أثبتها أهل السنة والجماعة، كما وردت في النصوص، ويمكن أن نمثل للصفات الذاتية بالعلم، والحياة، والإرادة، ويمكن أن نمثل للصفات الفعلية بالضحك، والنزول، والاستواء، والغضب ونحو ذلك. من الصفات الذاتية أيضاً: صفة العينين، واليدين، والقدم ونحو ذلك أما الصفات الاختيارية فإنهم يقسمونها إلى قسمين: صفات لازمة، وصفات متعدية. الصفات اللازمة: هي الصفات الخاصة بالله سبحانه وتعالى، وليس لها تعد على بقية المخلوقات، مثل: الاستواء، ومثل: الضحك. والصفات المتعدية مثل: الخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، والانتقام ونحو ذلك من الصفات التي يكون لها أثر على المخلوق، لكن الحقيقة التي ينبغي أن ندركها هي أن الصفات الذاتية والصفات الفعلية لا بد أن يكون هناك ارتباط بينها وبين المخلوقات، ولهذا سبق أن أشرنا إلى أن لقيط بن صبرة في الحديث الطويل: (جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، قال: يا رسول الله أو يضحك الرب؟! قال: نعم. قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً). فأخذ منها فائدة سلوكية وتربوية إيمانية عظيمة: وهي الرجاء، وهي من أعظم أعمال الإيمان كما هو معلوم؛ لأن الخوف والرجاء لا يتم إيمان الإنسان إلا بهما مع المحبة، ولهذا قال مكحول: من عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالخوف والرجاء والحب فهو المؤمن الموحد. رواه أبو نعيم في الحلية، وإسناده حسن. إذاً: هذا التقسيم لصفات الله عز وجل يجعلنا نحدد كل صفة من صفات الله عز وجل، وأنها داخلة تحت هذا التقسيم، فصفة العلم غير داخلة تحت الإرادة، وصفة الاستواء داخلة تحت الإرادة، وقد أنكر أهل الكلام الضالين من الأشعرية والماتريدية الصفات الذاتية، بالذات المتأخرين منهم أنكروا الصفات الذاتية، باعتبار أن هذه الصفات تستلزم التركيب، وأنكروا الصفات الاختيارية؛ لأنها تستلزم الحدود، والتركيب والحدود مصطلحات جديدة ذات معان خاصة جاءوا بها،

ثبوت اللفظ الاصطلاحي للاسم والصفة

ثبوت اللفظ الاصطلاحي للاسم والصفة من القواعد المتعلقة بالأسماء والصفات: أن الأسماء كلفظ اصطلاحي وارد في القرآن والسنة، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، وأن الصفات جمع صفة، وهي عبارة اصطلاحية واردة أيضاً في النصوص الشرعية، فقد روى البخاري في كتاب التوحيد في قصة الرجل الذي كان يقرأ في كل ركعة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل عن سبب هذه القراءة فقال: (إنها صفة الرحمن أحب أن أقرأ بها، فقال: أعلموه أن الله يحبه). فقال: (إنها صفة الرحمن) ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه العبارة ذات المدلول الاصطلاحي المتعلق بتوحيد الله سبحانه وتعالى.

كتب ومراجع في الأسماء والصفات

كتب ومراجع في الأسماء والصفات هذه جملة من القواعد في هذا الباب، ويمكن أن يراجع كتب العقيدة عموماً وبالذات كتاب (القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى) للشيخ المحقق ابن عثيمين رحمه الله تعالى. وهناك كتاب كبير اسمه (القواعد الكلية للأسماء والصفات) تأليف الدكتور إبراهيم البريكان، والكتاب في الجملة على منهج السلف وكتاب طيب ومفيد، إلا أنه استخدم عبارات أهل الكلام في مواطن، وأخذ تقسيماتهم في مواطن، فقد كان يرجع إلى شرح الجوهرة مثلاً أو غيرها، وأحياناً قد يعبر عن القاعدة بتعبير فيه تعقيد، فالكتاب في الجملة لا بأس به، لكن ينبغي ملاحظة هذه الأشياء أثناء قراءة هذه الكتب. أيضاً من الكتب المفيدة في تفصيل أسماء الله الحسنى: كتاب (النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى) للشيخ محمد الحمود، وهو من أفضل الكتب في هذا الباب؛ لأن الكثير من علماء الأشاعرة كتبوا في شرح أسماء الله الحسنى، فهذا الغزالي له كتاب اسمه (المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى)، والحليمي له (المنهاج في شعب الإيمان) وقد تحدث عن موضوع أسماء الله الحسنى كثيراً، وأيضاً الرازي له (الآيات البينات في شرح أسماء الله الحسنى والصفات)، وأيضاً البيهقي له كتاب (الأسماء والصفات) و (شرح الأسماء الحسنى) لـ أبي القاسم القشيري، هذه الكتب كلها فيها فوائد، لكنها شرحت بالطريقة الأشعرية في تناول صفات الله تعالى، فمثلاً: إذا جاءوا إلى اسم العلي والأعلى يثبتون علو القدر، وعلو المكانة، لكنهم لا يثبتون علو الذات وينفونه، فهم يقولون: هو عال في مكانته وقدره ومنزلته، فإذا جاءوا إلى علو المكان فإنهم ينفونه عن الله تعالى ولا يثبتونه، ويقولون: إن هذا يستلزم الجهة، والجهة مصطلح من المصطلحات التي تدخل في سياق المصطلحات التي أشرنا إلى القاعدة فيها. ومن الكتب المناسبة في الصفات كتاب للأستاذ علوي عبد القادر السقاف اسمه " صفات الله تعالى الواردة في الكتاب والسنة " في مجلد، رتب الصفات على حروف المعجم، ويأتي بالصفة ثم يأتي بالدليل عليها من القرآن والدليل من السنة، وينقل نصاً واحداً من نصوص السلف فيها، والكتاب قيم إلى درجة كبيرة ومفيد، فينبغي الرجوع إليه. في اللقاء القادم بإذن الله سنتحدث عن الإيمان من حيث حقيقة الإيمان، ومن حيث زيادة الإيمان ونقصانه، ومن حيث نواقض الإيمان بإذن الله تعالى.

حقيقة دليل التمانع

حقيقة دليل التمانع سبق أن بينت معنى دليل التمانع، وسموه التمانع؛ لأن الافتراض الوارد في الدليل هو أنه لو وجد إلهان متكافئان في الصفات والأفعال فإنهما سيتمانعان، يعني: سيمنع أحدهما الآخر، أو سيغلب أحدهما الآخر، ففي حال التمانع، فإن هذا أمر في غاية الاستحالة، وفي حال أن يغلب أحدهما الآخر فالغالب هو الإله، والمغلوب لا يستحق أن يكون إلهاً. إذاً: مقتضى دليل التمانع ونتيجته هي نفي وجود إلهين متكافئين في الصفات والأفعال، ولا توجد أمة أصلاً في الدنيا تثبت أن هناك إلهين يتكافآن في الصفات والأفعال، وإنما يوجد عند بعض الأمم شرك في الربوبية، فالثانوية من المجوس يقولون بالأصلين: النور والظلمة، ويقولون: النور والظلمة قديمان، وليسا بمخلوقين محدثين، لكنهم يقولون: إن النور أفضل من الظلمة، وبعضهم يقول: إن النور قديم والظلمة محدثة، وأيضاً يتفقون على أن النور هو مصدر الخير، وهو الذي ينبغي التوجه له، وأن الظلمة مصدر الشر، وأنه ينبغي الحذر منها، وهكذا الصابئة الذين كانوا يعبدون النجوم قوم إبراهيم عليه السلام، فإنهم كانوا على نوعين: نوع يرون أن هذه النجوم التي في السماء ليست أجراماً سماوية محسوسة، وإنما هي عبارة عن نفس وروح مجتمعة نورانية، وأن هذه النفس والروح لها تأثير على المخلوقات، فبعضهم يقول: نحن نعبدها مباشرة، وهم أصحاب الهياكل، ولهذا هم من أعلم الناس بالنجوم؛ لأنهم يبنون هياكل ويعرفون أوقاتها وأنواعها وتصنيفاتها، ولها بخور خاص يتبخرون لها، ويتعبدون لهذه الكواكب، لكن يعتقدون أن هذه الأجرام التي هي عندهم عبارة عن أرواح وعقول تحت تدبير الإله الكبير، الذي لا يمكن أن يعبد مباشرة حسب زعمهم، وبعضهم يسمون أصحاب الأصنام، وهم الذي يقولون: إنه لا يمكن أن نعبد هذه الأجرام مباشرة، بل لابد أن نصنع أصناماً يمكن أن تقدم هذه المعبودات لهذه الهياكل أو هذه الأفلاك كما يسمونها. وقد ناظر إبراهيم عليه السلام كلا الطائفتين، فأما طائفة عباد النجوم فأنتم تعرفون قصته عندما رأى كوكباً قال: هذا ربي، ثم لما رأى القمر بازغاً قال: هذا ربي، ثم لما رأى الشمس بازغة قال: هذا ربي، ثم قال: {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} [الأنعام:77] كما ورد في سورة الأنعام. أيضاً عندما قال {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات:89] وذلك لأنهم يعتقدون أن هذه النجوم تؤثر في الناس فتمرض من تشاء، وتعافي من تشاء، وتغني من تشاء، وتفقر من تشاء، وهذا شرك في الربوبية، لكنه ليس شركاً باعتقاد أن هذه الأفلاك مشاركة لله عز وجل ومساوية له في الصفات والأفعال، كما هو مقتضى دليل التمانع الذي سبق أن أشرنا إليه. وناظر أيضاً إبراهيم أصحاب الأصنام، وكان أبوه من الذين يصنعون الأصنام كما هو معلوم، وقد جاء إبراهيم في يوم عيدهم وهم منشغلون فحطم هذه الأصنام، وتعرفون القصة الواردة في هذا الموضوع.

الأسئلة

الأسئلة

حقيقة المدرسة العصرية وأفكارها

حقيقة المدرسة العصرية وأفكارها Q ظهر في الآونة الأخير المدرسة العصرانية أو العقلانية، وانضم بعض الدعاة إلى هذه المدرسة أو الفرقة، نتمنى إعطاء نبذة عن هذه الفرقة؟ وهل هم من أهل السنة والجماعة؟ A العصريون اسم لطائفة متعددة الأفكار، مختلفة التوجهات، يجمعهم رابط واحد هو تأويل وتحريف النصوص الشرعية؛ لتوافق الواقع المعاصر، فهم يرون أن الواقع المعاصر له مقتضيات وله خصائص تختلف عن بقية الأزمان الماضية، وأن هذا الواقع المعاصر وهذا الوضع الموجود لا يتلاءم أن نطبق فيه النصوص الشرعية الواردة بصورتها الواضحة في الكتاب والسنة، بل لا بد أن نتعامل معها بطريقة جديدة، تلاحظون أن هذا الكلام عام جداً، ولهذا تجد من يحرف النصوص تحريفاً يوصل إلى الكفر، ومنهم من لا يصل إلى هذه المرحلة، بل يأتي مثلاً لبعض المسائل فيما يتعلق باسترقاق الأسرى، ونحن في زمن حقوق الإنسان، فيقول: لو أننا وافقنا على أن الدين يسمح بالأسرى وأن يكون هناك رق، وأن يكون هناك بيع وشراء لهم؛ فإن هذا سيحرجنا عند زملائنا أو أصدقائنا الغربيين، وحينئذ يأتي هؤلاء العصريون ويتأولون هذه النصوص ويحرفونها، فمثلاً يقولون: إن الشريعة الإسلامية أصلاً لا تقر الرق، ولا تقر الأسر، لكن الشريعة الإسلامية لما كانت في وسط يقر هذه الأشياء وافقت عليه، لكن الآن نحن في وسط لا يعترف بها، وبناء على هذا فإن الشريعة لا تعترف بها أيضاً. كذلك موضوع المرأة، وهو من الموضوعات العصرية؛ لأن العالم الغربي هو العالم المسيطر إعلامياً وعسكرياً وثقافياً، فصار كثير من الناس يؤول النصوص الشرعية ويحاول أن يأتي بفتاوى وأفكار توافق الوضع العالمي. نقول: حتى لو كان العالم الغربي هو العالم المهيمن سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً فلا يعني هذا أني أبدل ديني من أجله، ديني كما هو ومنهجي كما هو لا يمكن أن أغيره، ولا يمكن أن أبدله حتى يوافق ما عندهم، وهذا الوضع العالمي يمكن أن أغير فيه ما أستطيع، أما محاولة تغيير النصوص فلا، فمثلاً من قضايا الواقع الصعبة الآن: قضية المرأة، أنتم تعرفون مذهب الغربيين في المرأة، المرأة عند الغربيين تعطى الحرية المطلقة، وأنه يمكن للمرأة أن تكون حاكمة، وأن تكون قائدة جيش، والآن وزيرة الدفاع الفرنسي امرأة، والمتحدثة الرسمية باسم البنتاجون امرأة، وهناك نساء طيارات يشتغلن في الجيش، ونساء يشتغلن في المدرعات في الجيش الأمريكي، ونساء يشتغلن سواء صف أول أو صف ثان فيما يتعلق بالحروب العسكرية سواء في المارينز أو في البحرية الأمريكية أو في غيرها، مذهب الغربيين في المرأة مذهب انفلاتي تام، المرأة عندهم لها الحرية المطلقة، ولهذا ينتشر عندهم مثلاً دور البغاء وأفلام الجنس وقنوات الجنس. والغربيون تجاوزوا هذه المرحلة إلى تشريع الشذوذ الجنسي وتشريع الانحراف، فيجوزون مثلاً في قوانينهم: إباحة أن يتزوج الرجل رجلاً، يعني: الأسرة صورتها أن يتزوج رجل امرأة، ويكون هناك أولاد بينهما، لكن عندهم من الصور الجديدة أنه يصح للرجل أن يتزوج مخنثاً من المخنثين ويعيش معه، ويعتبرون هذه أسرة لها حقوق الأسرة، ويمنحها النظام كامل صلاحيات الأسرة المعروفة، وإذا تبنوا طفلاً بينهما فإنه يكون منسوباً إليهما جميعاً، بل في بعض الدول الغربية وصل بموضوع المرأة عندهم إلى درجة أنهم ينسبون الأطفال للنساء ولا ينسبونهم للرجال، ففي السويد يصبح الطفل ابن فلانة لا يصبح ابن فلان، ولو حصلت مشكلة بين شخص وبين زوجته فلها أن تطرده من البيت ويعيش في الشارع، وتذهب إلى الأحوال المدنية وتنسب الأولاد إليها وانتهى الموضوع، يصير الرجل بغير أولاد ولا بيت! فهذا الوضع العالمي أثر على كثير من المنتسبين إلى الإسلام، فجاءوا يقولون: إن المرأة يجوز لها أن تكون رئيسة دولة، وماذا في هذا؟ وأن المرأة يجوز أن تكون قاضية، وأن المرأة يجوز أن تتولى كافة المناصب في البلاد الإسلامية، مع أن الحديث في صحيح البخاري نص صريح في الموضوع لا يوجد فيه إشكال: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، وكلمة (قوم) تطلق على المجموعة القليلة والكبيرة، ولا خير فيهم إذا ولوا أمرهم امرأة؛ لأن النساء أضعف من الرجال في طبيعة الحال، ومع هذا قالوا: هذا الحديث غير صحيح، يعني: أبطلوا دلالة الحديث في صحيح البخاري؛ بسبب الضغط العصري الموجود، ولهذا يا إخواني! المدرسة العصرية مدرسة كبيرة، والآراء الموجودة فيها آراء متباينة بعضها تصل إلى الكفر، وبعضها تصل إلى حد البدعة، وبعضها شذوذات في الأقوال، وبعضها اجتهادات، يعني: كل رأي يقوم بحسب الرأي الذي قاله وحسب صاحبه وحسب الدليل الذي استدل به، لكن أصولهم عموماً ترجع إلى أهل الكلام والمعتزلة بشكل خاص، الذين يعظمون العقل ويؤولون النصوص الشرعية من أجله، وبسبب أيضاً ضغط الواقع الذي أثر عليهم تأثيراً كبيراً، لكن هذه المدرسة العقلية أو المدرسة العصرية هي مدرسة فوضوية، ليست لها أصول محددة منضبطة يمكن للإنسان أن يناقشها شرعاً وعقلاً، وإنما هي أمور نفس

حكم اشتقاق الأسماء من صفات الله تعالى

حكم اشتقاق الأسماء من صفات الله تعالى Q هل يؤخذ من كل صفة اسم؟ A لا، الأسماء توقيفية، وهي أخبار أخبرنا الله عز وجل بها، لكن نحن لا نشتق من الصفات أسماء، بينما العكس وهو اشتقاق الصفات من الأسماء وارد، وهناك شيء آخر وهو الإخبار عن الله، يعني: عندنا اسم وصفة وخبر، فالإخبار هو أن تخبر عن الله بالمعنى الصحيح، يعني: نفترض أنك التقيت بمسلم جديد تريد أن تذكر له صفات الله عز وجل، فتخبره عن رحمة الله وعظمة الله ومكانة الله عز وجل، فيجوز التعبير بأي نوع من أنواع التعبير، لكن بشرط أن يكون المعنى صحيحاً، تحت اسم من أسماء الله أو صفة من صفات الله سبحانه وتعالى.

الرد على من يؤول صفة الضحك

الرد على من يؤول صفة الضحك Q كيف نستطيع أن نثبت صفة الضحك لله تعالى، مع أن بعض الجماعات يؤولون الضحك إلى التعجب، فما هو ردك على هؤلاء؟ A أصلاً الذين ينفون صفة الضحك ينفون أيضاً صفة التعجب، ويقولون: إن هذه كلها مستحيلة على الله سبحانه وتعالى، وهم يثبتون لله من الصفات صفات أخرى نظير هذه الصفات.

ضوابط الاستدلال بالأدلة العقلية

ضوابط الاستدلال بالأدلة العقلية Q بعض الناس يستدلون على جواز استخدام الأدلة العقلية، بأن الله استخدم الأدلة العقلية في القرآن، كما استخدمها النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث وأساليب دعوته إلى توحيد الله، فهل هذا الاستدلال صحيح أم لا؟ A الاستدلال العقلي ممدوح ليس مذموماً، وينبغي ألا تكون هناك حساسية من الاستدلال العقلي؛ لأن الاستدلال العقلي في حد ذاته ممدوح، لكن أهم شيء أن يكون الاستدلال العقلي استدلالاً منضبطاً مع النصوص، لا يأتي إنسان ويركب دليلاً عقلياً قد اخترعه ثم يؤول النصوص الشرعية حتى توافق هذا الدليل، لا، هذا هو الانحراف الذي حصل عند علماء الكلام. ويمكن أن تستدل بأي دليل عقلي صحيح يوصل إلى المطلوب، والأدلة العقلية الموجودة في النصوص هي أولى الأدلة في الاستدلال، لكن أن تأتي وتركب دليلاً عقلياً ثم تأتي إلى نصوص الشرع المطهر وتؤول معانيها وتغيرها وتحرفها بحجة الدليل العقلي، هذا هو الباطل وهذا هو الهوى، ولهذا سماه السلف أهواء، يعني: هذه ما هي أدلة عقلية هذه أهواء، كونك تضع لنفسك هوى معيناً ثم تأتي بالنصوص وتغير معانيها، لماذا تغير المعنى من أجل هذا الدليل العقلي؟ سبحان الله! هل يجب علينا أن نتبع هذا الدليل الذي جئت به؟ هات دليلاً موافقاً للنصوص نقبله، أما أن تأتي بدليل مخالف للنصوص بحجة العقل فلا؛ ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله في كثير من كتبه: إنه ما جاء هؤلاء بدليل ينسبونه إلى العقل إلا وكان العقل يدل على بطلانه. فنحن لا ننكر الاستدلال العقلي، الاستدلال العقلي مطلوب وهو ممدوح، وأهل العقل والعقلاء ممدوحون في الشرع، لكن أهم شيء هو ألا تؤول النصوص، إذا سألك سائل: ما هو الفارق والفاصل بين الدليل العقلي الصحيح وبين الأهواء؟ تقول: موافقة الكتاب والسنة يعتبر دليلاً عقلياً، ومخالفة الكتاب والسنة يعتبر هوى ولا شك.

أقسام الصفات وما يصح وصف الله تعالى به منها

أقسام الصفات وما يصح وصف الله تعالى به منها Q ما هو مكر الله في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أكبر الكبائر الأمن من مكر الله)؟ A لا أعرف هذا الحديث، لكن من القواعد التي يمكن أن تضيفوها: أن هناك صفات كاملة كمالاً محضاً مثل: العلم والقدرة، وهذه يصح أن يوصف الله عز وجل بها، وهناك صفات منقسمة، وهذه الصفات المنقسمة لا يصح أن يؤخذ منها أسماء لله عز وجل، مثل: الإرادة، قد تكون إرادة صحيحة وإرادة غير صحيحة، ومثل: الكلام، قد يكون كلاماً صحيحاً وكلاماً غير صحيح، فلا يصح أن يقال: المريد أو المتكلم، هذه ليست من صفات الله وليست من أسماء الله عز وجل، وإن كانت من صفاته. أيضاً هناك صفات مقيدة مثل: المكر والكيد، فإن المكر هو من أفعال الله عز وجل عقوبة لأهل المكر، قال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:30]، ولهذا دائماً تأتي مقيدة بفعل العبد، وقال عز وجل: {يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق:15 - 16]، وقال سبحانه: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5]، هذه تسمى الصفات المرتبطة بشرط، فهذه الصفات يمكن أن يوصف الله عز وجل بها لكن بشرطها، فيقال: الله عز وجل يمكر بالكافرين، ويقال: يزيغ الله من زاغ عن الدين، وهكذا كل صفة من هذه الصفات يربط بما ربط الله عز وجل به هذه الصفة.

نصيحة عامة لطلبة العلم

نصيحة عامة لطلبة العلم Q نحن مجموعة نحفظ القرآن ونطلب العلم فماذا تنصحنا؟ A أنصحكم بحفظ كتاب الله عز وجل بإتقان، والعناية بحفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والعناية بالعلم الشرعي اهتماماً كبيراً، والعناية أيضاً بالدعوة إلى الله عز وجل والإصلاح؛ لأن الإنسان لا يصح أن ينفع نفسه ويترك المجتمع من حوله، نحن بإمكاننا أن نقدم كثيراً من الإصلاح لمجتمعنا، سواء على مستوى زملائنا في المدرسة، أو على مستوى أقربائنا، أو على مستوى حينا، فإنكار المنكر من أعظم شعائر الدين، ومع هذا كثير من الناس اليوم مفرط فيه تفريطاً كبيراً، أنت تخرج الآن من الدرس فتجد إنساناً مثلاً مشغل الموسيقى، أو تجد مثلاً شاباً يغازل امرأة، وعندما تأتي السياحة في الصيف نرى منكرات كبيرة، فلماذا لا نتبرع كل اثنين من الشباب يذهبان إلى محل من المحلات، وينصحان هؤلاء الأشخاص بالرفق وبالتي هي أحسن وبأطيب أسلوب وبذكاء؟ لماذا لا تكون عندنا شجاعة أدبية، بحيث ننصح الآخرين ونقوم بتذكيرهم ووعظهم وإرشادهم وإقامة الحجة عليهم؟ أما أن يظن الإنسان أنه لا يستطيع أن ينكر المنكر، وغير قادر على مواجهة الآخرين، فلا شك أن هذا ضعف في الإنسان، وأنه ينبغي أن يتجاوزه، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الطاعات الشرعية؛ لأنها طاعة متعدية لمصلحة الخلق، فبالإضافة إلى حفظ الإنسان لكتاب الله، ودراسته للعلم وعنايته به، وحضوره لمجالس الذكر، لابد من التركيز على الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وينبغي أن يكون من برنامج الإنسان اليومي أن ينكر منكراً، يعني: لا تنام في يوم من الأيام إلا وتكون قد أنكرت منكراً، والمنكرات كثيرة في حياة المسلمين مع الأسف، لكن المشكلة أن دور كثير من المسلمين اليوم سلبي وليس إيجابياً، حتى لو كانت عندك أخطاء فلا يعني هذا أنك لا تنكر، إذا وجدت إنساناً لا يصلي حتى لو كنت حليقاً، حتى لو كانت عندك معاص؛ لأن الصلاة عمود الدين، والذي لا يصلي يكون من الكافرين، ولهذا يجب أن تنصحه، وأن تذكره بالله. كذلك المحافظة على الأعراض مقصد من مقاصد الشريعة، فإن حفظ الأنساب والأعراض مقصد شرعي، والآن الزنا منتشر انتشاراً كبيراً جداً بشكل منظم، ودور البغاء أصبحت منتشرة انتشاراً كبيراً جداً، وكثير من الناس يدركون هذا الأمر، فلماذا لا يكون لدينا حملة تطهير للبلد من هؤلاء الفاسدين والفاسدات؟ بعض الاستراحات تتحول إلى مراقص، يأتي شخص فيستأجرها ويأتي بنساء ويرقصن ويغنين ويشربون الخمور والعياذ بالله، فالواجب هو أن يكون لنا موقف حازم من هذا الأمر، فإن المنكر إذا انتشر في أمة من الأمم، فإنه مؤذن بالهلاك العام والعياذ بالله، والله عز وجل يقول: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25] يعني: ستصيب الظالمين وتصيبنا نحن، هذه وسفينة المجتمع إذا خرقها هؤلاء ولم نأخذ على أيديهم ولم نمنعهم فإننا سنغرق معهم، فلا يصح أن يقول الإنسان: {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105]؛ لأن من لوازم الاهتداء أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. أكتفي بهذا، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

أصول العقيدة [7]

أصول العقيدة [7] الإيمان قول وعمل, يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية, وفي هذه الجملة ينحصر مفهوم الإيمان عند أهل السنة والجماعة, وأصل ضلال المنحرفين في هذا الباب من الفرق الضالة مرده إلى اعتقاد عدم زيادة الإيمان ونقصانه, والإيمان أنواع, فمنه أصل يزول الإيمان بزواله, ومنه الكمال الواجب, ومنه الكمال المستحب, وطريقة تحصيل الاعتقاد الصحيح فيه هي جمع النصوص الواردة فيه وفي مسائله, كالحال في الوعيد, وهو المسلك الذي درج عليه أهل السنة وضل فيه المنحرفون.

أهمية الإيمان

أهمية الإيمان الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد: موضوع الإيمان من أبرز الموضوعات العقدية، وربما يكون مصطلح الإيمان من أكثر المصطلحات تردداً في القرآن الكريم والسنة النبوية، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]. فالإيمان هو أساس الدين والعقيدة والملة، والإيمان هو الذي لا يقبل الله سبحانه وتعالى من أحد يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً إلا به، ولا يمكن أن يكون من أهل الجنة، ولا يمكن أن يكون بعيداً عن النار إلا به.

حقيقة الإيمان

حقيقة الإيمان

اتفاق السلف وأتباعهم على تعريف الإيمان بأنه قول وعمل

اتفاق السلف وأتباعهم على تعريف الإيمان بأنه قول وعمل والسلف الصالح عرفوا الإيمان بتعريف منضبط دقيق، ومن أعجب الأمور في تعريف السلف للإيمان هو اتفاقهم على تعريف واحد دقيق مع اختلاف أقطارهم، ومع اختلاف أماكنهم، ومع اختلاف السنوات التي عرف فيها هذا المصطلح الشرعي، وهو: أن الإيمان قول وعمل، فقد اتفق المسلمون في شرق البلاد الإسلامية وغربها وشمالها وجنوبها ووسطها على أن الإيمان قول وعمل، والمقصود بالقول قول القلب، وقول القلب: هو تصديقه وإقراره بما جاء في القرآن والسنة، أو هو تصديقه بالخبر والمخبر به. والقول يشمل أيضاً قول اللسان، فيدخل في قول اللسان شهادة التوحيد: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ويدخل فيه أيضاً ذكر الله، ويدخل فيه قراءة القرآن، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والنصيحة، وكل العبادات القولية. أما العمل فيدخل فيه أمران: الأمر الأول: عمل القلب، والمقصود بعمل القلب هو الاستسلام والخضوع لله سبحانه وتعالى، والتوكل عليه والإنابة والرغبة والخوف والرجاء والمحبة ونحو ذلك من الأعمال القلبية، فهي داخلة في الإيمان؛ بل هي أساس الإيمان. الأمر الثاني: عمل الجوارح، ويدخل في عمل الجوارح كل العبادات التي تكون عن طريق الجوارح مثل: الصلاة والصيام والحج والزكاة والجهاد في سبيل الله ونحو ذلك من الأعمال الإسلامية التي تكون عن طريق الجوارح. فنلاحظ أن الإيمان يشمل الدين كله، فكل العبادات القولية من الإيمان، وكل العبادات الاعتقادية من الإيمان، وكل العبادات العملية من الإيمان، والإيمان كما هو معلوم شعب وأنواع وخصال، وله سنام، وله أصل وفرع، وله أعلى وأدنى؛ ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الإيمان بضع وستون شعبة -وفي لفظ: بضع وسبعون شعبة-؛ فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)، ففي هذا الحديث بيان للإيمان بكل شعبه، وبكل أنواعه السابقة، فقوله: (فأعلاها قول لا إله إلا الله) هذا القول، وقوله: (وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) هذا عمل الجوارح، وقوله: (والحياء شعبة من الإيمان) هذا عمل القلب، وتصديق القلب داخل في عمله، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنه لا إيمان إلا بعمل القلب، فقول اللسان من دون عمل القلب فإنه يكون مثل فعل المنافقين، وعمل الجوارح بدون اعتقاد القلب فإنه يكون كذلك من أعمال المنافقين؛ فإن المنافقين يتكلمون بالإيمان ويعملون بأعمال الإيمان، لكنهم لا يوجد عندهم اعتقاد القلب ولا عمل القلب؛ بل يقولون بهذه الأعمال وهذه الأقوال من أجل أن يرفعوا عن أنفسهم تهمة الكفر، فيتظاهرون بالإسلام لهذا الغرض. وهذا الإمام ابن مندة رحمه الله في كتابه العظيم (الإيمان) وهو كتاب مطبوع في مجلدين، استنبط من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، فأخذ منه أن الإيمان يكون بالقول، ويكون بالعمل، ويكون أيضاً بالقلب، وأنه يزيد وينقص، ودلالة أن الإيمان يكون بالعمل مأخوذ من قوله: (فليغيره بيده)، ودلالة كونه يكون باللسان مأخوذ من قوله: (فإن لم يستطع فبلسانه)، وهذا يدل على أن اللسان جزء من الإيمان، وعمل اللسان جزء من الإيمان، وقوله: (فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) هذا يدل على أن اعتقاد القلب من الإيمان، وقوله: (أضعف) يدل على أن هناك ما هو أقوى، فكل ما قبل الزيادة قبل النقصان، وكل ما قبل النقصان قبل الزيادة، فالإيمان يزيد وينقص. ودلالة زيادة الإيمان ونقصانه أوضح من أن يستدل عليها بمثل هذا الاستدلال؛ لأن النصوص الشرعية في التصريح بالزيادة ظاهر في كتاب الله، قال تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:4]، وغيرها من الآيات الواردة في هذا الباب. وقد نقل الإجماع على أن الإيمان قول وعمل الإمام أحمد والشافعي وابن عبد البر في التمهيد وابن قدامة المقدسي وغيرهم من أهل العلم.

اتفاق معنى عبارات السلف المختلفة في بيان حقيقة الإيمان

اتفاق معنى عبارات السلف المختلفة في بيان حقيقة الإيمان ومما يعنينا في باب تعريف الإيمان الإشارة إلى مسألة مهمة جداً، وهي أن تعريفات السلف الصالح للإيمان جاءت بصيغ مختلفة، مع أن أشهر صيغة على الإطلاق في تعريف الإيمان هي أن الإيمان قول وعمل، وهي أدق صيغة في هذا الباب، وشرحها كما سبق أن بينا، ولكن بعض السلف عبر عن الإيمان بتعريف آخر وبتعبير آخر فقال: إن الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، وهذا التعريف موافق للتعريف الأول، وبعضهم قال: الإيمان قول وعمل ونية، وبعضهم قال: الإيمان قول وعمل ونية واتباع للسنة. فهذه التعريفات أقل في الشهرة من تعريف الإيمان بأنه قول وعمل، لكن المعاني واحدة، فمن قال: إن الإيمان إقرار باللسان، أو قول باللسان هذا داخل في قول اللسان، وتصديق بالجنان، هذا يشمل التصديق والعمل، وعمل بالأركان هذا يشمل: عمل الجوارح. ومن قال: أن الإيمان قول وعمل، وزاد لفظة النية؛ فإنه خشي أن يفهم من كلمة (عمل) أن يراد بالعمل هنا عمل الجوارح فقط، فأضاف نية، يعني: عمل القلب حتى لا يهمل؛ لأن عمل القلب كما سيأتي معنا هو أهم عناصر الإيمان. ومن قال: إن الإيمان قول وعمل ونية واتباع للسنة، فزاد لفظة السنة؛ لأنه خشي أن يفهم أن القول والعمل هنا يمكن أن يكون إيماناً حتى لو لم يمكن هناك اهتمام بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فأضاف هذا القيد وهذا الشرط. فالتعريفات هذه ليس بينها خلاف معنوي، بل الخلاف لفظي، وكل هذه التعريفات راجعة إلى معنى واحد كما سبق أن أشرنا.

أهمية عمل القلب ومنزلته من الإيمان

أهمية عمل القلب ومنزلته من الإيمان أهم عنصر من عناصر تعريف الإيمان هو عمل القلب؛ لأن بقية أجزاء الإيمان تعود إليه، فإن عمل القلب هو المؤثر في بقية عناصر الإيمان ومكوناتها الأخرى، فإذا وجد عمل القلب، فإن عمل القلب يدفع إلى عمل الجوارح وقول اللسان، وإذا وجد عمل القلب، فإن عمل القلب يتضمن تصديق القلب، فإنه لا يتصور أن يكون إنسان عنده خوف من الله وهو غير مصدق به، ولا يتصور أيضاً أن يكون إنسان عنده محبة لله ورجاء وتوكل على الله سبحانه وتعالى وهو في نفس الوقت غير مصدق به، فتصديق القلب داخل في عمل القلب، وعمل القلب لا يمكن أن يوجد إلا ومعه تصديق القلب، فلو أن إنساناً توكل على الله سبحانه تعالى، فإنه لابد أن يكون مصدقاً بمن توكل عليه، وإلا كيف يمكن أن يتصور الإنسان شخصاً يتوكل على من يكذبه، ويعتمد على من يكذبه، هذا غير وارد، وكذلك الحال في المحبة، والخشية، والإنابة، والاستسلام، والانقياد، والرضا، والقبول ونحو ذلك من الأعمال القلبية. وأما بالنسبة لعلاقة عمل القلب بقول اللسان، فإنه لا يمكن أن يكون هناك عمل قلبي إلا ويوجد له أثر في الظاهر؛ لأن العلاقة بين الباطن والظاهر علاقة تامة؛ ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، فالقلب إذا وجد فيه عمل من الأعمال؛ إذا وجد فيه الخوف، والرجاء، والتوكل، والإنابة، والرضا، والاستسلام فإنه لابد أن يكون له أثر في الظاهر، سواء كان هذا الأثر قليلاً أو متوسطاً أو كثيراً، بحسب العمل القلبي الموجود في الإنسان، فإذا كان عمل الظاهر قليلاً فأيضاً عمل القلب سيكون قليلاً، وإذا كان عمل الظاهر كثيراً فإن عمل القلب كثير، ولا يمكن أن يتخلف الارتباط بين عمل القلب وبين مقتضاه في قول اللسان وعمل الجوارح، إلا في حالتين فقط لا ثالث لهما: الحالة الأولى: حالة النفاق، فإن المنافق يظهر الإسلام ويتكلم بالإسلام ويعمل بالإسلام، مع أنه ليس في قلبه شيء من الإيمان. الحالة الثانية: حالة المكره، فإن المكره يعمل من الأعمال ما لا يكون مقتنعاً به في الداخل؛ لوجود عارض الإكراه. ففي هاتين الحالتين يمكن أن يظهر من الإنسان شيء مخالف لما في الباطن، وأما في الحالة الطبيعة المعتادة فإنه لا يمكن أن يكون الإنسان محباً لله معظماً لله سبحانه وتعالى متوكلاً على الله سبحانه وتعالى ثم يسب الله، أو يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو يحارب الدين، أو يحارب الإيمان والإسلام، أو يدعو إلى النصرانية، أو يعظم النصارى ويساعدهم على المسلمين مساعدة تامة، أو يعبد غير الله سبحانه وتعالى، أو يدوس المصحف، أو يلبس الصليب مثلاً، أو يعمل من الأعمال التي تنقض الإيمان وتبطله، فينبغي إدراك هذه القاعدة، فهي من أهم القواعد الشرعية في باب الإيمان. فإن الإيمان مكون ومركب من أمرين: القول، والعمل، وكل واحد من هذين المركبين ينقسم إلى قسمين: فالقول قول القلب، وقول اللسان. والعمل عمل القلب، وعمل الجوارح. وإذا أردنا أن نقسم الإيمان على أعضاء الإنسان فسنجد أنه ينقسم على أعضائه الثلاثة: القلب، واللسان، وبقية الجوارح، هذه هي الأعضاء التي يتحرك بها الإنسان، ومحرك اللسان ومحرك الجوارح الأساسي هو القلب، وهذا أمر معروف فطرة وخلقة وشرعاً أيضاً. فإن الدافع الحقيقي لعمل الإنسان هو القلب كما هو معلوم، ولهذا عبر أبو هريرة رضي الله عنه عن هذا الارتباط بقوله: (القلب ملك، والأعضاء جنوده، فإذا صلح الملك صلحت الأعضاء، وإذا فسد الملك فسدت الأعضاء). وبناء على هذا يكون الموجه الحقيقي هو عمل القلب، وبهذا يبدو لنا أن عمل القلب من أهم أنواع الإيمان، وعمل القلب هو نفسه توحيد الألوهية، فنحن إذا عرفنا توحيد الألوهية كما سبق أن قلنا: إن توحيد الألوهية هو: إفراد الله تعالى بالعبادة، والعبادة تشمل عبادة القلب وتشمل عبادة الجوارح. وإذا رجعنا إلى شروط لا إله إلا الله نجد أنها أعمال قلبية: الإخلاص، القبول، المحبة، الرضا، وهكذا نجد أنها كلها أعمال قلبية، وهي جزء أساسي من توحيد الألوهية. وبناء على هذا فإن عمل القلب يعتبر أهم عناصر الإيمان، وهو الدافع الحقيقي لأعمال الجوارح ولنطق اللسان أيضاً.

أنواع الإيمان

أنواع الإيمان الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهو أنواع: منه أصل، إذا زال الإيمان فإنه يزول. ومنه كمال الواجب، إذا زال فإنه لا يزول الإيمان، لكن يزول كماله الواجب. ومنه كمال مستحب، إذا زال فإن الإنسان لا يعاقب عليه. مثال أصل الإيمان: المحبة، والخوف، والرضا من الأعمال القلبية. مثال ثان: الصلاة. مثال ثالث: الإقرار بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم. مثال رابع: تعظيم الدين بشكل عام. مثال خامس: قول لا إله إلا الله، فكل هذه تعتبر من أصول الإيمان، إذا لم توجد فإن الإيمان لا يكون مقبولاً، ولهذا لما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عمه أبي طالب قال له: (يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، فمات وهو يقول: بل على ملة عبد المطلب)، وهذا دليل على أنه لو قالها لأسلم، وهي علامة الإسلام في الابتداء، ثم الاستمرار يكون بالإتيان بمقتضيات لا إله إلا الله ولوازمها الشرعية، وشروطها التي سبق أن أشرنا إليها. فلو أن إنساناً لم يقل: لا إله إلا الله أبداً لا يكون مسلماً، فإذا قال: لا إله إلا الله فإنه يجب الكف عنه، ولهذا في حديث أسامة بن زيد الشهير عندما جاء إلى الكافر ولاذ بشجرة فقال: لا إله إلا الله فقتله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم عندما علم وقال: (أقتلته بعد أن قالها؟ ثم قال: يا رسول الله إنما قالها تعوذاً، قال: أشققت عن قلبه؟)، ولهذا فإن الإيمان منه أصول أساسية يزول الإيمان بزوالها، ومنه كمال واجب يترتب الإثم على تركها، مثل: بر الوالدين، فلو تركه لكان آثماً، ومثل: ترك الذنوب والمعاصي، فلو أنه قارف الذنوب والمعاصي لكان آثماً، لكن إيمانه لا يزول بالكلية، فشارب الخمر، والزاني، وعاق الوالدين ونحو ذلك من أصحاب الذنوب والمعاصي كل هؤلاء لا يكفرون، ولا يقال: إنهم كفار خارجون عن الإسلام، بل هم مسلمون، والأدلة الواردة في نفي الإيمان عنهم إنما المراد به نفي كمال الإيمان الواجب، وليس نفي أصل الإيمان.

قاعدة في كيفية التعامل مع النصوص الشرعية الواردة في باب الإيمان ونحوه

قاعدة في كيفية التعامل مع النصوص الشرعية الواردة في باب الإيمان ونحوه ينبغي أن نعرف قاعدة في التعامل مع النصوص الشرعية في باب الإيمان وفي غيره من الأبواب، وهذه القاعدة هي: أن الإنسان لا يصح له أن يأتي بنص واحد من النصوص، ويعتمد عليه، ويستخرج منه حكماً ويلغي بقية النصوص، فمثلاً: لو أن إنساناً جاء وقال: النمام كافر، قلنا له: وما هو الدليل على أن النمام كافر؟ فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام)، وإذا كان لا يدخل الجنة فمعنى ذلك أنه يدخل النار، نقول: لا، هذا غير صحيح، التعامل بهذه الطريقة مع النصوص غير صحيحة، فالآيات التي ورد فيها نفي الإيمان أو التي ورد فيها أن الفعل الفلاني لا يدخل صاحبه الجنة أو أنه يدخل النار، هذه النصوص تسمى عند العلماء ألفاظ الوعيد أو نصوص الوعيد فيجب أن تجمع في مكان واحد، وأن يميز بين ما يدل على الكفر منها وما لا يدل، فالقتل أشد أنواع الكبائر، والله عز وجل يقول: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]، هذه خمسة عقوبات منها قوله: ((خَالِدًا فِيهَا))، ومع ذلك فإن القاتل المسلم إذا قتل إنساناً مسلماً فإنه يجوز لأولياء الدم أن يعفو عنه، ولو كان كافراً لما جاز العفو عنه، هذا أولاً. ثانياً: يجوز لهم أن يقبلوا عوضاً، وهو الدية، ولو كان كافراً لما صح قبول العوض منه. ثالثاً: أن الله عز وجل سماه أخاً، فقال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:178]، ولو كان كافراً لما سمي أخاً؛ لأن المسلم لا يكون أخاً للكافر أبداً، والله عز وجل يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، فجعل المؤمنين هم الإخوة، وهذا حصر وقصر في الإخوة، ويقول الله عز وجل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9]، فوصفهم بالإيمان مع وجود الاقتتال بينهم. وهذه النصوص الشرعية التي تسمى نصوص الوعيد هي تدل على الذم لهذا الفعل، وتدل على تحريم هذا الفعل، وتدل على خطورة هذا الفعل، لكنها لا تدل على التكفير إلا بقرينة صريحة في هذا الباب، فلو أن إنساناً استدل مثلاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)، فيقول: إن هذا الحديث نص في أن شارب الخمر والسارق والزاني غير مؤمن، ومعنى ذلك: أنه يكون كافراً، نقول: لا، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام الحد على هؤلاء، ولو كانوا كفاراً لما كان لإقامة الحد معنى؛ خصوصاً أن بعض الحد مخفف مثل: الجلد، فلو أن شاباً غير متزوج زنى، فما هو الحكم الشرعي فيه بعد ثبوت الزنا عليه؟ إنه الجلد وتغريب عام، فلو كان كافراً لما كان هناك حد شرعي، لكان الواجب أن يقتل، وكذلك شارب الخمر لو كان كافراً لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب أربعين سوطاً، وإنما يأمر بقتله، وكذلك السارق لو كان كافراً لما قطعت يده، ولكان قطع رأسه، فالحدود وتفاوت الحدود دليل على أن أصحاب هذه الجرائم وأصحاب هذه الكبائر ليسوا كفاراً. إذاً: كيف نفهم حديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)؟ نقول: نفهمه على أنه نفي لكمال الإيمان الواجب، فإذا قال إنسان: على أي أساس تفهم هذا الفهم؟ نقول: جمعاً بينه وبين فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما أقام الحدود على هؤلاء، وخير من يطبق كلام الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، فقال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) وجلد، فكيف ينفي عنه الإيمان المطلق ويجلده؟ لو كان كافراً لقتله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من بدل دينه فاقتلوه).

قاعدتان مهمتان في التعامل مع نصوص الوعيد

قاعدتان مهمتان في التعامل مع نصوص الوعيد يجب أن تجمع النصوص الشرعية في باب الوعيد في مكان واحد فباب الوعيد فيه قاعدتان مهمتان لابد من الاهتمام بها: القاعدة الأولى: هي جمعها في مكان واحد، وفهم النصوص بعضها على ضوء بعض، وألا ينفرد الإنسان بنص ويبني عليه حكماً شرعياً ويلغي بقية النصوص؛ فإن قبول هذا الدليل ليس بأولى من قبول ما ألغاه، وهذه قاعدة من القواعد الشرعية، فإن الجمع بين الدليلين أولى من إلغاء أحدهما؛ لأن مصدر الدليلين هو الله سبحانه وتعالى أو الرسول صلى الله عليه وسلم. القاعدة الثانية: أن ألفاظ الوعد والوعيد لها شروط وموانع، يعني: لا تتحقق إلا بوجود شروطها وانتفاء موانع الوعد والوعيد، فليس كل إنسان حصل منه هذا الفعل فإنه يطبق عليه ما ورد في الحديث، فمثلاً: لو أن إنساناً وجد إنساناً يغتاب آخر فقال: هذا لا يدخل الجنة، وسيكون من أهل النار، وطبق عليه الحديث وحكم عليه أنه من أهل النار، نقول: لا يا أخي لا تستعجل، ربما يكون هناك مانع من الموانع، ربما يكون عنده حسنات تكفر هذه المعصية؛ لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]، وربما تكون عنده توبة صادقة، وربما يشفع له النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة أو يشفع له الشافعون، هناك موانع تسمى عند العلماء: موانع إنفاذ الوعيد، وكما أن هناك شروطاً يجب أن تكون في المكلف حتى يقع عليه هذا الوعيد، فكذلك الحال في الوعد، فليس كل وعد يحقق، فلو أن شخصاً قال: لقد دعوت الله أن يدخلني الجنة، والله عز وجل يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186]، فسأدخل الجنة قطعاً، وحكم بهذا، وجزم بأنه من أهل الجنة بهذه الطريقة، نقول: هذه الطريقة خاطئة في فهم نصوص الوعد، فإن الدعاء وما يترتب عليه من الوعود الشرعية لابد من وجود شروط فيه، فليس كل دعاء مقبولاً، وربما يظن الإنسان أن الشروط توافرت ولم تتوافر في الحقيقة؛ لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]، ولهذا قال ابن عمر: لو أنني علمت أن صلاة واحدة تقبلت مني لتمنيت الموت بعدها؛ لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]. فينبغي معرفة هاتين القاعدتين في باب الوعد والوعيد؛ فإن كثيراً من الناس لا يفقهها ولا يفهمها على أصولها الصحيحة.

أصل ضلال الفرق المنحرفة في باب الإيمان

أصل ضلال الفرق المنحرفة في باب الإيمان بقي أن نشير إلى نقطة مهمة جداً، ونختم بها ما يتعلق بموضوع الإيمان، وعن نواقض الإيمان، وفي اللقاءات القادمة سنتحدث عن أركان الإيمان تفصيلاً بإذن الله تعالى. القضية التي نختم بها: هي أن أصل ضلال الفرق الضالة في باب الإيمان هو اعتقاد هذه الفرق بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فهم يعتقدون أن الإيمان كلية واحدة لا تزيد ولا تنقص، فإذا نقص الإيمان اعتبروه كفراً، فترتب على هذه العقيدة الفاسدة في موضوع زيادة الإيمان ونقصانه الانحراف الكبير الذي وقع في فهمهم لحقيقة الإيمان. فالخوارج قالوا: الإيمان قول وعمل قطعاً، واستدلوا بالنصوص الشرعية الواردة في أن الإيمان قول وعمل، ثم جاءوا إلى العمل، وقالوا: إذا زال جزء من العمل فإنه يزول الإيمان بأكمله، ولهذا كفروا أصحاب المعاصي، والذين يتركون الواجبات الشرعية. والمرجئة اعتقدوا أنهم لو قالوا: إن العمل من الإيمان فإنه يلزمهم مذهب الخوارج، فنفوا وجود العمل في حقيقة الإيمان بناء على الهروب من طريقة الخوارج. إذاً: أصل الداء واحد، ثم افترقت منه فرقتان متقابلتان، وأصل انحرافهم واحد هو اعتقادهم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ثم الخوارج قررت أن الإيمان قول وعمل، فرتبوا على أنه إذا نقص جزء من العمل فإن صاحبه كافر، والمرجئة وافقت على الأصل أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ورأت أثر تعريف الإيمان بأن الإيمان قول وعمل على الخوارج فنفت دخول العمل في حقيقة الإيمان، وقالوا الإيمان: تصديق القلب، وإذا نقص تصديق القلب فإنه كفر، أما إذا وجد تصديق القلب فإنه مسلم، حتى لو ترك جميع أعمال القلب والجوارح، يعني: لو لم يوجد في قلبه محبة لله، ولو لم يوجد في قلبه خوف من الله، ولو لم يوجد في قلبه توكل، ولو لم يعمل من أعمال الظاهر أي عمل فإنه يكون مؤمناً، وهذا لا شك أنه تلاعب بالدين؛ فإن حقيقة الإيمان التي مارسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم توجد هذه الحالة مطلقاً عندهم، فقد أسلم في فترة دعوته عليه الصلاة والسلام في مكة وفي المدينة أعداد كبيرة من الناس، ومع هذا لم يوجد شخص يقول: أنا مصدق، ثم لا يعمل شيئاً من أعمال الإسلام الظاهرة والباطنة، حتى المنافقين وهم منافقون كانوا يأتون بأعمال الإسلام الظاهرة؛ لأنهم يعرفون أنهم لو تركوا أعمال الظاهر فضلاً عن أعمال القلب فإنهم لا يكونون مسلمين؛ لأن المسلم هو المستسلم لله المنقاد له. وكان المنافقون يذهبون معهم في الجهاد على تباطئ فيهم وضعف وتراجع، ويشهدون الصلاة مع الناس، ويتظاهرون بالإسلام، ولو كانوا يعلمون أنه يمكن لهم ترك جميع أعمال الظاهر وأعمال القلب، ويكونون مسلمين ولا يقام عليهم حد الردة، لما فعلوا ذلك ولما أتعبوا أنفسهم ولما أشقوا أنفسهم في العمل وهم غير مقتنعين به. لكن المرجئة يلعبون بالدين وهم من أهل التفريط، وكذلك الخوارج من أهل الغلو والإجحاف والظلم والجور على المسلمين، فهم يكفرون المسلمين ويستحلون دماء عصاة المسلمين، مع أن هؤلاء العصاة موطن دعوة يجب أن يدعون إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز تكفيرهم؛ لأنهم من أهل الإسلام، وممن يقومون بالإسلام، وهذه الأخطاء والذنوب ينصحون بالتوبة عنها، أما التكفير فإنه من أخطر الأمور، ولا يوقع إلا على صاحبه، ولا يصح لمسلم أن يكفر مسلماً آخر، وإنما إذا كفر الإنسان فإنه ينظر إلى حاله، إن وجدت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع فإنه يكفر، وإن لم توجد به الشروط ولم تنتف عنه الموانع، فإنه لا يكفر. بهذا نكون انتهينا من درس هذا اليوم، وفي اللقاء القادم إن شاء الله سنتحدث عن نواقض الإيمان بشكل عام، وأيضاً سنتحدث عن شيء من ضوابط التكفير بإذن الله تعالى.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الجهاد في سبيل الله مع الوقوع في المعاصي والبدع

حكم الجهاد في سبيل الله مع الوقوع في المعاصي والبدع Q يقول أحد الإخوة: جمعني مجلس مع أحد الأشخاص فقال: إنه لا يسوغ الجهاد مع أي شعب مسلم؛ حتى يتخلص هذا الشعب من جميع الشرك الأصغر والبدع والمعاصي، وإنك لو جاهدت معهم وهم على هذه الحال فلن تنتصروا على الأعداء، ويستدل على ذلك بأن الصحابة هزموا في غزوة أحد، وكذلك هزموا في بداية غزوة حنين، علماً بأن المعصية لم تصل إلى حد الشرك والبدع، ويستدل بقوله تعالى: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:7]، ولابد من نصر الله بتطهير المجتمع من البدع والمعاصي، فهل هذا القول صحيح؟ A لا شك أن هذا القول ليس بصحيح بشكل عام، فهذا الشخص يتصور أن هذه الشعيرة من شعائر الإسلام وهي الجهاد في سبيل الله لا يمكن أن تقوم إلا إذا تصفى المسلمون من جميع أنواع الذنوب والمعاصي، وهذا غير ممكن، والواقع في تاريخ المسلمين أنهم جاهدوا أعداءهم مع وجود الذنوب والمعاصي، والذنوب والمعاصي تصحح عن طريق الجهاد أيضاً، فإن الجهاد من أعظم العبادات، ولا يمكن أن يشارك إنسان في الجهاد إلا وهو يريد وجه الله عز وجل والدار الآخرة، وهذا الشعور بإذن الله تعالى يذهب بقية الذنوب والمعاصي، فأنت عندما تجتمع مع ألف شخص، هؤلاء الألف يريدون الجهاد في سبيل الله، وقد كانوا يعملون الذنوب والمعاصي، هذه الإرادة التي هي إرادة الجهاد والمشاركة في العمل القتالي، وتعريض النفس للخطر والقتل، هذه تدل على إيمان عظيم في قلب صاحبه، وبناء على هذا فإن هذا الإيمان العظيم في قلب صاحبه سيكون بإذن الله سبباً من أسباب تكفير ذنوبه ومعاصيه التي كان يعملها، ولهذا كان أبو محجن الثقفي كما تعلمون يشرب الخمر وسجنه سعد، ثم بعد ذلك لما رأى الجهاد اشتاق إليه وخرج وقاتل في سبيل الله، وأثنى عليه الصحابة، ولم يمنعوه من الجهاد، ثم إن الجهاد في سبيل الله عمل من أعمال الإسلام، لو كانت أعمال الإسلام لا يفعلها الإنسان إلا إذا كان صافياً نقياً من الذنوب، فيمكن أن أقول: لماذا أصلي وأنا عندي ذنوب؟ يعني: لو أن الزاني قال: أنا لماذا أصلي وأنا عندي ذنوب؟ أو لماذا أصوم؟ أو لماذا أعمل بقية أعمال الإسلام؟ سبحان الله! يعني: أنت بدل أن تعالج المشكلة تزيد المشكلة تترك الصلاة! يا أخي! حتى لو كان عندك تقصير فاعمل بأعمال الإسلام: انصر المظلوم، تصدق، ارفع يديك في كل يوم واسأل ربك أن يقيك الله عز وجل شر هذا الذنب، وتب إلى الله عز وجل منه، هكذا ينبغي للإنسان أن يتعامل مع الذنوب، أما أن يتعامل الإنسان مع الذنوب بحيث يجره الشيطان من ذنب إلى ذنب آخر حتى يوصله إلى الكفر، فهذه من أخطر حيل الشيطان وخطواته. ولهذا نحن نطالب الأمة جميعاً باليقظة، ونطالبها بالجهاد في سبيل الله، وبالاستعداد، وبتحديث النفس بالجهاد في سبيل الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق)، على الأقل يحدث الإنسان نفسه بالغزو، ويتمنى ويشتاق أن يشارك في صفوف المسلمين ضد أعدائهم، ويتمنى أن يقاتلهم في سبيل الله وأن يقتل شهيداً، وعندما يرى إنساناً قتل شهيداً يتمنى أنه ممن قتل شهيداً؛ حتى يدخل الجنة التي عرضها السماوات والأرض. يجب علاج الأمة من الذنوب والمعاصي وأعظم علاجها هو الجهاد في سبيل الله، يعني: لا ننتظر ونتوقف عن الجهاد حتى نصفي الأمة من البدع وحتى نصفيها من الشرك الأصغر، هي مسلمة حتى لو كان عندها شرك أصغر، هي مسلمة حتى لو كان عندها بدع، ما دام لم تصل إلى الشرك الأكبر، لكن لو وصلت إلى الشرك الأكبر مثل: الشيعة فيجب أن نقف هنا ونقول: أولاً: أسلموا، ثم بعد ذلك جاهدوا، أما أن تجاهد على الكفر ما هي الفائدة؟ إذاً: إذا كانوا مسلمين وعندهم تقصير فيجب أن نشجعهم على الجهاد في سبيل الله، وأنه عمل من أعمال الإسلام، فلو أن إنساناً زان أو شارب للخمر رأيته يصلي ركعتين فهل ستقول له: لماذا تصلي ركعتين وأنت شارب خمر؟! سبحان الله! هذه شعبة من شعب الإسلام، وهذا خطأ أخطأه، كذلك الزاني لو تصدق هل تقول: لماذا تتصدق وأنت زانٍ؟! سبحان الله! هذا التصدق يكفر عن نفسه الذنب، وأيضاً حتى لو كان شارباً للخمر وجاهد، فهل نقول له: لماذا تجاهد؟ وربما يقول بعضهم: إننا سنهزم، نقول: الهزيمة لها أسباب كثيرة، والمعصية سبب من الأسباب، وهذا السبب قد يحصل وقد لا يحصل، فقد تكون الأمة فيها ذنوب ومعاص وينصرها الله سبحانه وتعالى، هل تتصورن الجيش الذي قاده صلاح الدين الأيوبي وحرروا بيت المقدس كانوا كلهم من الصالحين؟ هل هم كلهم من الأتقياء الأبرار بدون استثناء؟! لا، أنا أجزم بأنهم ليسوا كلهم، وليس كل فرد فيهم، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم عندما يذهب للغزو يذهب ومعه بعض المنافقين، ففي غزوة تبوك مثلاً عندما خرج بدءوا يعتذرون، وشاركوا معه في غزوة بني المصطلق، وشاركوا معه في بعض الغزوات، صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يحرص عليهم، لكن لم يكن يمنعهم من الغزو، ما كان يقل

تفسير مقالة المرجئة أنه لا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة

تفسير مقالة المرجئة أنه لا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة Q ما معنى المقولة: لا يضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة؟ A هذه كلمه يقولها بعض المرجئة، وإن كان ابن تيمية رحمه الله يرى أنها لم تثبت عن شخص معين، قالوا: لا يضر مع الإيمان معصية، يعني: إذا وجد الإيمان الذي هو التصديق القلبي لا يضر معه المعاصي! وهذا خطأ، فالمعاصي تؤثر في الإيمان.

أصول العقيدة [8]

أصول العقيدة [8] للإيمان نواقض يرجع بها العبد إلى الكفر ويخرج بها من الملة, ومردها جميعًا إلى الاعتقاد والقول والفعل, وأما أفرادها فكثيرة, منها: اعتقاد قدم العالم كما عليه طائفة من الفلاسفة, واعتقاد المذاهب الإلحادية, وادعاء النبوة, وغير ذلك من النواقض المخرجة للعبد من الإيمان.

نواقض الإيمان

نواقض الإيمان

معنى النواقض وبيان ما يدخل فيها

معنى النواقض وبيان ما يدخل فيها الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فموضوعنا نواقض الإيمان، والنواقض جمع ناقض، والناقض هو المبطل والمزيل، ومعنى نواقض الإيمان مبطلات الإيمان. ونواقض الإيمان هي ضد الإيمان، ويشمل ذلك الكفر، والشرك، والبدع المكفرة التي تخرج الإنسان عن دائرة الإسلام.

ضابط الكفر الناقض للإيمان

ضابط الكفر الناقض للإيمان الإيمان قول وعمل، والكفر ضد الإيمان، فالكفر قد يكون بقول اللسان، أو بعمل الجوارح، أو باعتقاد القلب. فمثال الكفر الذي يكون بقول اللسان: سب الله تعالى، أو سب الدين، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً، أو ادعاء النبوة، أو إنكار الكتب المنزلة، أو إنكار الرسل الكرام، أو رسالاتهم، أو إنكار أي أمر من الأمور الواضحة في كتاب الله سبحانه وتعالى. ومثال المكفرات العملية التي تكون بعمل الجوارح: عبادة غير الله سبحانه وتعالى، مثل: دعاء غير الله عز وجل، أو الاستغاثة بغير الله، وهي تابعة للمكفرات القولية، الطواف حول القبور، والذبح لها، والنذر لغير الله، والسجود لغير الله، وإهانة المصحف، والسجود لصنم من الأصنام، وتقديم أي نوع من أنواع العبادة العملية لغير الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك الحكم بغير ما أنزل الله، والإعراض التام عن دين الله عز وجل فلا يتعلمه ولا يعمل به، ولا يراعي في عمله أو قوله أو تصرفه أي حكم من الأحكام الشرعية. وأما المكفرات والنواقض القلبية فهي كثيرة، فمنها: بغض الدين، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أحد من الرسل، أو بغض رب العالمين، أو بغض شريعته، أو تكذيبها، واعتقاد أن هذه الشرائع كذب، وأنها لا حقيقة لها. ونحو ذلك من العقائد الكفرية، وتولي الكافرين، ومحبتهم إلى درجة نصرتهم على المسلمين، فكل هذا يعتبر من المكفرات الاعتقادية. وبهذا نعلم أن الكفر ينقسم إلى كفر قولي يكون عن طريق اللسان، وإلى كفر عملي يكون بعمل الجوارح، وإلى كفر اعتقادي يكون باعتقاد القلب، يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} [التوبة:74]، فنسب الكفر إلى القول، وهذا يدل على أن الإنسان يكفر بالقول كما يكفر أيضاً بالفعل.

ذكر بعض أفراد المكفرات وصورها

ذكر بعض أفراد المكفرات وصورها

اعتقاد الفلاسفة والصابئة قدم العالم

اعتقاد الفلاسفة والصابئة قدم العالم المكفرات من حيث أفرادها كثيرة جداً لا يمكن حصرها، وإنما يمكن حصر معاني عامة تندرج تحتها صور كثيرة جداً مما يتعلق بالنواقض والمكفرات سواء القولية أو الاعتقادية أو العملية، ومن ذلك: أولاً: اعتقاد الفلاسفة لقدم العالم، وهذه عقيدة مشهورة في كتب الفلاسفة القدامى، وهي عقيدة الصابئة، فإنهم كانوا يعتقدون أن هذا العالم ناتج عن العقول العشرة أو الأرواح العشرة التي نتجت عن المبدع الأول. ومختصر عقيدة الفلاسفة في هذا الباب هو: أن المبدع الأول والإله الأعظم نتج عنه بدون أي إرادة منه عقل وروح، ثم نتج عن هذا العقل والروح أيضاً عقل وروح حتى أوصلوها إلى عشرة عقول، ثم نتج عن هذا العقل والروح الأخير العاشر ما يسمونه بالعقل الفعال، ثم نتج عن هذا العقل الفعال هذا الكون المنظور المشهود الذي نراه بأعيننا، وهم يرون أن هذه العقول والأرواح هي الأجرام السماوية المشهورة، مثل: الشمس وعطارد والمريخ وغيرها، فإن الفلاسفة القدامى ما كانوا يعتقدون أن هذه الكواكب هي عبارة عن أجرام مثل الأرض وإنما كانوا يعتقدون أنها أنوار وأرواح، وأنها حاصلة وتعقل، ولها إرادة وتأتي، فيقولون: إن هذه ناتجة عن المبدع الأول، ولها خصائص المبدع الأول في الإرادة والعقل والتأثير والخلق والإبداع والاختراع ونحو ذلك، وهذه الخصائص مأخوذة من المبدع الأول بدون أي إرادة من المبدع الأول وإنما فاضت عنه مثل الظل بالنسبة للإنسان، فإن الإنسان لا خيار له في ظله؛ لأن هذا أمر غير اختياري بالنسبة للإنسان. وملخص هذه العقيدة: أن هذا الكون الذين يعيشون فيه هو جزء إلهي، وبناء على هذا فإنهم يعتقدون أن هذه المخلوقات جميعاً لها أو فيها جزء من الخصائص الإلهية، ولا شك أن هذا كفر بالله رب العالمين؛ لأن الله عز وجل أخبر أنه خالق هذه المخلوقات مثل: الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكل الناس وكل المخلوقات، فلا يوجد في هذا الكون إلا خالق ومخلوق، والخالق هو الله سبحانه وتعالى، وكل ما عداه مخلوق كالكائنات والملائكة والجن والكواكب وغيرها. ومعنى مخلوقة يعني: أن الله أبدعها واخترعها وهي لم تكن شيئاً مذكوراً قبل ذلك، وأن الله سبحانه وتعالى قادر على إزالتها، وأنه ليس فيها أي شيء من خصائص الإلهية كما يزعم هؤلاء الملاحدة، وممن اعتقد هذه العقيدة الفلاسفة الذين يسمون بالفلاسفة الإسلاميين مثل: ابن سيناء الطبيب المشهور، والفارابي، ونحوها ممن تأثروا بـ أرسطو وأفلاطون وغيرهما. الفلاسفة الإسلاميون كفرهم العلماء، وممن كفرهم الإمام أبو حامد الغزالي العالم المشهور صاحب إحياء علوم الدين، مع أنه كان على منهج الأشعرية، إلا أن له كتاب سماه تهافت الفلاسفة، وقد كفر هؤلاء الفلاسفة بثلاثة عقائد: العقيدة الأولى: وهي قولهم: بقدم العالم. والعقيدة الثانية: هي إنكارهم لعلم الله سبحانه وتعالى بالجزئيات، بل قالوا: إن الله عز وجل يعلم الكليات فقط، وأما الجزئيات والأفراد فإنه لا يعلمها على التفصيل. والعقيدة الثالثة: إنكارهم للبعث الجسماني، وقولهم: إن الناس لا يبعثون جسدياً وإنما هي أرواح تنتقل من جسد إلى جسد آخر، وإن النعيم والعذاب يقع بعد انتقال هذه الروح، فإذا كانت روحاً فاضلة فإنها تنتقل إلى جسد منعم، وإذا كانت روحاً شقية فإنها تنتقل إلى حيوان مثلاً أو إلى جسد معذب. فهذه العقيدة عقيدة كفرية، فمن اعتقدها ممن ينتسب إلى الإسلام وآمن بها فإنه يعتبر كافراً ويخرج من دائرة الإسلام.

اعتقاد نظرية داروين

اعتقاد نظرية داروين ومن نواقض الإيمان الكفرية: من آمن واعتقد بنظرية دارون مثلاً، وهي نظرية الانتخاب الطبيعي أو الارتقاء والتطور. وخلاصة هذه النظرية هي: أن الكائنات الحية تطورات نتيجة للتطور الحاصل في الخلايا الحية، هذا التطور أخذ سنيناً طويلة فانتقل من كائنات حية على شكل طحالب إلى حيوانات لا فقارية ثم حيوانات فقارية، ثم انتقل إلى حيوان هو القرد، ثم صارت هناك حلقة مفقودة، ثم بعد ذلك حصل وجود هذا الإنسان، وأنه تطور من كونه قرداً إلى إنسان بهذه الصورة. ومن آثارها الخطيرة: أولاً: اعتقاد أن هذا الإنسان ليس كائناً مخلوقاً مستقلاً وإنما مرده إلى كونه حيواناً، ولهذا فتحت باب الشهوانية وباب تحقيق غرائز الإنسان على أن أصله حيوان، وهذا ما يفسر الفساد الأخلاقي الموجود في المجتمع الغربي الآن. ثانياً: المادية، فإن هذا التطور الذي حصل هو تطور طبعي محض ليس له أي ارتباط بأمر خارج عنه، ولهذا فهذه النظرية هي نظرية إلحادية في الحقيقة، ومن آمن بها واعتقد أن الإنسان ليس مخلوقاً كرمه الله عز وجل، وأن أصله آدم، وأن الله عز وجل خلقه {مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر:26] كما أخبر الله سبحانه وتعالى، وأنه خلقه من طين، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأن حواء خلقها الله عز وجل من آدم، فمن لم يعتقد هذه العقيدة الواضحة في القرآن فهو كافر خارج عن دائرة الإسلام. وينبغي أيضاً أن نلاحظ أن نظرية دارون لها جانب علمي محض في علم الأحياء هذا لا يعنينا لكن لها جانب فكري عقدي، والذي ننتقده نحن في هذا الموضوع هو الجانب الفكري العقدي والنتائج التي توصل إليها دارون من خلال هذه النظرية، علماً أن مثل نظرية التطور وتطور الخلايا وما يتعلق بها من قضايا علمية محضة قال بهذه النظرية نظرية الارتقاء والتطور مجموعة من الغربيين إلا أن اليهود نشروا وأذاعوا نظرية دارون؛ لأنها تحقق كثير من غاياتهم ومقاصدهم، وقد كان اليهود هم الذين يسيطرون وما زالوا على الإعلام الغربي صحافة وتلفازاً وإذاعة وما إلى ذلك. الشاهد: أن من آمن بهذه النظرية واعتقد أن أصل الإنسان كان قرداً ولم يؤمن بما أخبر الله عز وجل به من أصل الإنسان فلا شك أنه كافر بالله رب العالمين؛ لأنه مكذب لهذا التنزيل الرباني الذي جاء وأنزله الله عز وجل على رسوله.

اعتقاد المذاهب الإلحادية

اعتقاد المذاهب الإلحادية أيضاً من اعتقد أي مذهب من المذاهب المادية الإلحادية فلا شك أنه كافر، فمن اعتقد مذهب العلمانية مثلاً وهو فصل الدين عن الحياة فهو كافر، ومن اعتقد مذهب الديمقراطية الذي يقضي: أن الدين لا علاقة له بتشريعات الإنسان فيما يتعلق بالدماء والأموال وبقية حياة الإنسان، ومحاولة حصر الدين في المسجد فقط، وأن الدين لا يبني حياة الإنسان، وهذا فيه تكذيب لكل النصوص الشرعية الواردة في الحدود والواردة في مصالح الإنسان المالية والواردة في مصالح الإنسان الدنيوية، وما يتعلق بالقصاص ونحو ذلك من الأحكام الشرعية المعروفة، فكل هذا يعتبر من الكفر والنقض لأصول الإيمان. والحقيقة: أننا نحن في هذا الزمان نعيش حالة ردة عند كثير من المثقفين بسبب مثل هذه المذاهب، وأصبح كثير من الناس عندهم انفصام في فهمهم للإسلام، فهو يقول مثلاً: أنا مسلم ديمقراطي، ويقول: أنا مسلم ويؤمن بنظرية دارون؛ لأنه متخصص مثلاً في علم الأحياء مثلاً، ويقول: أنه مسلم ويؤمن بالعلمانية أو بالحداثة أو غير ذلك، ويقصرون الإسلام على بعض الشعائر التعبدية التي يمارسها الناس مثل: الصلاة والصيام ونحو ذلك، وهذا لا شك أنه فهم خاطئ للإسلام، فالإسلام دين حياة شامل لكل حياة الإنسان، يقول الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163]، وهذا الدين دين شامل لكل الحياة، لا يخرج منها شيء، ومن فهم هذا الدين على أنه دين شعائر تعبدية فقط، وأما بقية الحياة فإنها متروكة للإنسان تركاً مطلقاً يبنيها بالطريقة التي يراها فقد اتخذ إلهاً غير الله سبحانه وتعالى، اتخذ إلهاً في الأموال وفي الأديان وفي الدماء وفي السياسة وفي كل أبواب الحياة التي أخرج الدين عنها وجعل الدين بعيداً عنها، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23].

سب الله عز وجل وسب الدين والأنبياء والكتب المنزلة

سب الله عز وجل وسب الدين والأنبياء والكتب المنزلة ومن نواقض الإيمان أيضاً: سب الله تعالى، فمن سب الله سبحانه وتعالى فإنه كافر خارج عن دائرة الإسلام، وضابط السب هو العرف، فكل ما اعتبر في العرف أنه سب وتنقيص وإهانة واحتقار وازدراء واستهزاء، فإنه يكون سباً ويكون صاحبه كافراً والعياذ بالله؛ لأن السب لم يأت له معنى محدد في لغة العرب وفي مصطلح الشرع، فكان العرف هو الذي يحدد هذا المعنى. فمثلاً: لو أن إنساناً أشار في مقام الألوهية أو مقام النبوة أو نحو ذلك بطريقة معينة فإنه يكون كافراً؛ لأنها في عرف الناس تستخدم للامتهان والازدراء، علماً أن هذه الإشارة لو تبحثها في لغة العرب لا تجد لها معنى محدد، فمع تطور الحياة تعارف الناس على أساليب معينة في الازدراء والاحتقار والامتهان، فكل ما كان من معنى الازدراء والامتهان والاحتقار في عرف الناس ثم يمارسه الإنسان في باب الألوهية مع الله سبحانه وتعالى أو في باب النبوات مع الأنبياء أو في الدين عموماً مع القرآن أو كتب الله المنزلة فهو كفر يخرج الإنسان عن دائرة الإسلام، ويكون صاحبه مرتداً ويجب قتله. والدليل على ذلك أدلة كثيرة جداً، منها قول الله عز وجل: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]، علماً أن الاستهزاء الذي وقع في هذه الغزوة أقل من السب، والسب كما يقول ابن تيمية رحمه الله في الصارم المسلول: نوعان: نوع دعاء، ونوع خبر، فالدعاء مثل قوله: لعنه الله مثلاً، أو أخزاه الله، أو قبحه الله، أو نحو ذلك من السب الذي يكون من جنس الدعاء. والخبر مثل: الوصف بالحيوانات القذرة مثلاً أو نحو ذلك أو الأوصاف القذرة والأمور السيئة فكل هذه داخلة في هذا السب، ويكون صاحبه كافراً، والعياذ بالله، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب:57]، ثم قال: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب:58]، ففرق بين أذى الله سبحانه وتعالى وأذى الرسول وبين أذى المؤمنين والمؤمنات، فأذى الله وأذى الرسول صلى الله عليه وسلم رتب عليه أمرين: الأمر الأول: اللعن في الدنيا والآخرة. الأمر الثاني: العذاب المهين، وهذا لا يكون إلا للكافرين. فسب المؤمنين لا يعتبر كفراً إلا إذا كان السب معللاً بالإسلام، فمثلاً: لو أن إنساناً سب جنس المؤمنين لأنهم مؤمنون، فهذا كفر يخرج عن دائرة الإسلام. لكن لو أن إنساناً سب شخصاً من المؤمنين فإنه لا يعتبر كفراً إذا لم يكن هذا السب مقصوداً به الإيمان نفسه، وبناء على هذا فسب الله تعالى وسب الرسول صلى الله عليه وسلم وسب الدين كفر مخرج عن دائرة الإسلام ويجب أن يقتل صاحبه. وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كتاباً عظيماً سماه: الصارم المسلول في شاتم الرسول، بل إن الذمي والمعاهد إذا حصل منه ذلك انتقض عهده فيكون لا عهد له ولا ذمة ويجب قتله، ولو أن إنساناً سب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يهدر دمه، كما جاء في سنن أبي داود والنسائي: (أن رجلاً أعمى كان متزوجاً أم ولد -يعني كان متزوجاً أمة أنجبت له طفلين كما ورد في الحديث- وكانت هذه المرأة تسب الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أنها كانت طيبة الخلق مع هذا الرجل، وكانت تخدمه، فكان يزجرها وينهاها ويخوفها بالله عز وجل فلا تنزجر، ويوم من الأيام أخذ سيفاً قصيراً فاتكأ به على بطنها حتى قتلها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وطلب من أصحابه أن يعترف القاتل بهذا القتل واستحلفهم بالله في هذا فخرج الرجل الأعمى من بين الصفوف وهو يقول: أنا قتلتها، هذه المرأة كانت تعمل كذا وكذا ويذكر السب الذي كانت تسب به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمها). وأيضاً قصة الرجل كما في الصحيح الذي اتهم بأم ولد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقتله، فجاء فوجده في بئر فمد إليه يده فأخرجه من البئر فإذا هو مجبوب، فتركه ولم يقتله وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره، فارتفعت هذه التهمة ولم يقتله الرسول صلى الله عليه وسلم. إذاً: كل إيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لله أو لدينه فإنه يعتبر ردة تخرج صاحبها عن الإسلام وعن حدود الإسلام.

ادعاء النبوة

ادعاء النبوة أيضاً من المكفرات ومن نواقض الإيمان: ادعاء النبوة، فلو إن إنساناً ادعى أنه نبي فإنه كافر خارج عن دائرة الإسلام؛ لأنه مكذب لخبر الله عز وجل ولخبر النبي صلى الله عليه وسلم المتواتر أنه خاتم النبيين ولا نبي بعده، وهذا التكذيب يدل على أن صاحبه كافر غير مسلم، ولهذا وصف الله عز وجل نبيه بأنه خاتم النبيين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نبي بعدي)، فكل من ادعى النبوة فهو مرتد بإجماع المسلمين، فـ مسيلمة الكذاب مرتد، وكل من ادعى النبوة فهو مرتد. وممن يدعي النبوة فلاسفة الصوفية والفلاسفة الذين تأثروا بـ أرسطو وأفلاطون وغيرهما، فإنهم كانوا يعتقدون: إن النبوة موهبة ذاتية تدل على قدرات فائقة عند الإنسان يمكن للإنسان أن يكتسبها، ويقولون أن النبوة معارف فوق معارف الإنسان العادية، وقدرات ذاتية فوق قدرات الإنسان العادية يستخزنها هذا النبي إلى درجة أنه يسمع إلهاماً، وأنه يؤثر في الجماد، ويؤثر في الحياة من حوله، وبهذا فإنهم يفسرون الخوارق والمعجزات التي تحصل للأنبياء بأنها تأثير ذاتي من النبي لقوة شخصيته ولقوة مواهبه وإراداته وما يحصل له من الإلهامات والرياضة، ويقولون: إن الإنسان بإمكانه من خلال الرياضة أن يتوصل إلى النبوة، فهذا كفر مخرج عن دائرة الإسلام أيضاً، ولهذا شبه ابن عربي الطائي نفسه بأنه خاتم الأولياء كما أن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، ولم يأت الصوفية بتفريق صحيح بين النبي والولي، فإنهم يقولون: إن الولي يوحى إليه كما أن النبي يوحى إليه، وإن الولي يأتيه الملك كما أن النبي يأتيه الملك، ولم يأتوا بفارق يمكن للإنسان أن يفرق به بين خصائص النبي وخصائص الولي، بل عندهم أن النبي مثل الولي تماماً لكن الولي لا يقول: أنا نبي وإنما يقول: أنا ولي، والنبي نبي فقط في الاسم، أما في الحقيقة فإن الأولياء عندهم بمثابة الأنبياء تماماً فالكل يوحى إليهم، والكل يأتيهم ملك من عند الله عز وجل. بل إن الصوفية تجاوزوا هذا الحد إلى درجة أنهم قالوا: إنكم تأخذون علمكم ميت عن ميت وأما نحن فنأخذ علمنا عن الحي الذي لا يموت، ويقولون: حدثني قلبي عن ربي، وهذا الإلهام عندهم كاف في أنه وصل إلى درجة اليقين بدون أي تردد أو إشكال. والحقيقة أن الصوفية أصبح اليوم لهم حركة ربما في السنوات الخمس الأخيرة هذه أكثر من السنوات الماضية، ومن علمائهم الشباب الذين بدأ لهم ظهور وبروز إعلامي المخرف الحبيب علي الجفري الذي يأتي في القنوات الفضائية، وله كتاب يشرح فيه اعتقاد الفرقة الناجية، وهو كتاب مليء بالعقائد الضالة المنحرفة عن عقيدة أهل السنة وعن عقيدة المسلمين، فهو يستحل دعاء غير الله سبحانه وتعالى، ويرى أنه حلال باتفاق المسلمين، ويستحل أيضاً الذبح على القبور، ويستحل أيضاً الطواف عند القبور، ويعتقد أن الموتى يسمعون كما يسمع الأحياء تماماً، وأنهم يستجيبون لنداءات الزوار كما أن الأحياء يسمعون لنداءات الزوار. ولعل كثيراً من أهل السنة -مع الأسف- قد خدعهم هذا الجفري في لقاءاته في الإعلام الفضائي بأنه لا يتكلم في القضايا ذات الحساسية التي تؤثر، ولهذا فإن الصوفية أصبحوا يمتهنون أسلوب التقية مثل الشيعة تماماً، وأصبحوا يتكلمون في القضايا المتفق عليها والقضايا المعروفة وخصوصاً القضايا السياسية المؤثرة مثل: تسلط الصهاينة وتسلط أمريكا على بلاد المسلمين ونحو ذلك، فقد يظن بعض الناس أن هؤلاء من دعاة أهل السنة الذين يظهرون كلمة الحق ونحو ذلك، وقد يأتون بكلام حول فضائل الأعمال والأخلاق والآداب، وكيفية التعامل مع أهل العلم ونحو ذلك، ويأتون بهذا الكلام العام الذي هو موطن اتفاق بين المسلمين جميعاً ويزينون به أنفسهم، وقد ينهون عن التبرج والسفور والفسوق الذي أصبحت تعيش فيه كثير من بلاد المسلمين وهو التفسق الأخلاقي، وسوء الأخلاق والبغاء، وانتشار الفساد في الناس، فهم ينهون عن هذا، لكن هناك عقائد قد يخفونها عندما يتحدثون مع الجمهور في القنوات الفضائية، لكن في كتبهم وفي مواقعهم يصرحون بهذه العقائد، وأنا بنفسي اطلعت على كتاب الجفري هذا الذي سبق أن ذكرت لكم بعض العقائد التي نتحدث عن خطرها على المسلمين.

دعاء غير الله تعالى والاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا الله

دعاء غير الله تعالى والاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا الله من نواقض الإيمان أيضاً الذي ينبغي أن نشير إليه هو دعاء غير الله والاستغاثة بغير الله سبحانه وتعالى، فإن الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من الشرك الأكبر المخرج عن دائرة الإسلام، مثل: الاستغاثة بغير الله في مغفرة الذنوب، وكشف الكروب، وطلب الرزق، والغنى، والولد، والتوفيق، والبركة ونحو ذلك، فهذه لا تؤخذ إلا من الله سبحانه وتعالى، ولا تطلب إلا منه؛ لأنه هو مالكها وحده سبحانه.

طلب شفاعة يوم القيامة من غير الله تعالى

طلب شفاعة يوم القيامة من غير الله تعالى ومنها: الشفاعة يوم القيامة، فلا يجوز لأحد أن يطلب الشفاعة إلا من الله سبحانه وتعالى؛ أما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه شافع يوم القيامة، أما في الدنيا فليست بيده؛ لأنه لم يؤذن له، ولم يأت يوم القيامة، فكيف يطلب منه شيء ليس بيده؟ يقول الله عز وجل: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر:44]. فالشفاعة لله عز وجل لا تطلب إلا من الله سبحانه وتعالى، وهي ملك خاص له سبحانه وتعالى، وإذا أراد الإنسان الشفاعة فإنه يقول: اللهم شفع فيّ نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم، أما أن يقول: يا رسول الله! اشفع لي الآن فهذا لا شك أنه من الخروج عن عبادة الله إلى عبادة غيره، حتى لو كان نبياً أو فاضلاً أو ولياً أو ملكاً أو نحو ذلك، ولهذا يجب الحذر من هذه العقائد الكفرية الضالة، وأي تنسك أو تعبد يصرف لغير الله عز وجل فهو مخرج عن دائرة الإسلام، فمن ذبح تقرباً لغير الله عز وجل فقد كفر، ومن سجد سجود تعبد وتذلل لغير الله عز وجل فقد كفر، ومن حلق رأسه عند قبر تعظيماً لصاحب القبر فقد كفر، ومن طاف حول قبر وصرف هذا الطواف لصاحب القبر ظناً منه أن صاحب القبر يشفع له يوم القيامة فقد فعل مثل فعل المشركين، حيث كانوا يقرون بالربوبية ويقولون إذا سئلوا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25] فهم يعرفون الربوبية لكن هذا الإيمان لا ينفعهم، ويصرفون العبادة لغير الله عز وجل ظناً أن هؤلاء الأولياء وهذه الأصنام التي صوروها على صور صالحين أو ملائكة أنها ترفع أعمالهم إلى الله سبحانه وتعالى، يقول الله عز وجل عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3].

الحكم بغير ما أنزل الله تعالى

الحكم بغير ما أنزل الله تعالى من نواقض الإيمان أيضاً: الحكم بغير ما أنزل الله، ومسألة الحكم بغير ما أنزل الله مسألة دقيقة وفيها تفصيل علمي عند أهل العلم، وكثير من الناس يخلط فيها خلطاً كبيراً ما بين إفراط وتفريط، ومنهج أهل السنة هو المنهج الحق والوسط الذي ينبغي الوصول إليه، فالحكم بغير ما أنزل الله نوعان: النوع الأول: أن يصاحب الحكم بغير ما أنزل الله استحلال قلبي أو اعتقاد أفضلية هذا الحكم الذي يحكم به على حكم الله سبحانه وتعالى، أو اعتقاد مساواة هذا الحكم الجاهلي الذي يحكم به لحكم الله عز وجل، فهذا كفر أكبر مخرج عن الملة بدون خلاف بين العلماء وأهل الإسلام، فإن هذا استحلال لما حرم الله سبحانه وتعالى، وأي استحلال لما حرم الله عز وجل كمن يستحل الخمر أو الزنا أو الربا فإنه يكفر. والاستحلال معناه: اعتقاد أن هذا الأمر حلال، فمن اعتقد أي أمر من الأمور المحرمة شرعاً والمعروفة والواضحة وهو يعرف أنها محرمة شرعاً ثم استحلها وقال بأنها حلال وجائزة فهذا لا شك أنه كافر خارج عن الإسلام. النوع الثاني: أن يكون الحكم بغير ما أنزل الله لا يرتبط بالاستحلال القلبي، وإنما هو فعل يفعله وتصرف وعمل يعمله، وهذا النوع ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يستبدل الشريعة الإسلامية بشريعة أخرى، ويأتي بمنهج متكامل آخر يحكمه ويلتزم بهذا الحكم. القسم الثاني: أن يكون ملتزماً في أصل الحكم بشريعة الله عز وجل، كالقاضي يقضي بهوى أو شهوة، مع أنه ليس عنده قانون يلتزم به في كل فرد أو شخص يحكم فيه. وهناك فرق من حيث العمل بين القانون وبين القاضي الذي يحكم بهوى أو شهوة، فالقانون الذي يحكم به القاضي هو التشريع وهو الشريعة الربانية، هذا في الأصل، لكنه قد يجور لهوى أو شهوة أو رشوة أو نحو ذلك، وهذا يعتبر من الكفر الأصغر الذي لا يخرج عن دائرة الإسلام. أما إذا اتخذ قانوناً فإن القانون له صفة الشريعة، والقانون هو القاعدة المنضبطة التي تنفذ على كل الناس، وهذه فيها خصائص التشريع، والتشريع حق لله عز وجل، ومن نازع الله فيه فقد كفر، يقول الله عز وجل: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54]، فكما أن له الخلق فهو الخالق سبحانه وتعالى للعباد فكذلك له الأمر، والأمر هنا المقصود به: التشريع، فالله عز وجل هو الذي شرع للناس ما يصلحهم في معاشهم وفي معادهم، وهو الذي جاء بهذه الشرائع التي يحكم بها القضاة وهي الشرائع الربانية، فمن جاء بشرائع أخرى وألغى هذه الشرائع وأبعدها فإنه يعتبر كافراً خارجاً عن دائرة الإسلام حتى لو لم يستحل هذا العمل، بل هذا التشريع مثل عبادة غير الله عز وجل تماماً، فلو أن إنساناً عبد غير الله عز وجل كأن استغاث بغير الله، فلا يشترط فيه الاستحلال بإجماع أهل السنة، ولو أن إنساناً طاف حول قبر وذبح لغير الله عز وجل فإنه بإجماع أهل السنة لا يشترط فيه أن يعتقد أن هذا الأمر حلال، بل بمجرد الممارسة والعمل فقد وقع في الشرك الأكبر؛ لأن هذا شرك أكبر ولا ينظر فيه إلى الاستحلال، والنظر إلى الاستحلال في قضايا أخرى، كمن استحل معصية فإنه يكفر، أما لو لم يستحلها فلا يكفر، أما عبادة غير الله فلا يشترط فيها أن يستحل، فإذا استحل فإنه يقع في كفرين في وقت واحد: الكفر الأول: هو عبادة غير الله عز وجل، والكفر الثاني: هو الاستحلال الذي جاء به، فمن جاء بقانون وجعله عاماً على كل الناس، سواءً كان في الدماء وقال: إن القاتل لا يقتل وإنما يسجن مثلاً، أو قال: إن الرجل إذا زنى بامرأة وتحققت الشروط الشرعية في زناهما وكانت متوافرة تامة فإنه يسجن، ويفرقون بين رضا المرأة وعدم رضاها فيقولون: إذا كانت المرأة راضية وهي متزوجة فإنها تغرم ويغرم؛ لأن هذا خيانة للحياة الزوجية ويفرق بينهما، وأما إذا لم تكن راضية وكان هناك غصب فإن له حكماً آخر، بل إن بعض الدول الإسلامية شرعت قانوناً في الردة، فلو أن إنساناً استهزأ بالله وكفر بالله عز وجل فإنه يغرم ألف دينار مثلاً أو مبلغاً من هذه المبالغ وهذا لا شك أنه مخالفة لشريعة الله عز وجل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من بدل دينه فاقتلوه)، وأجمع العلماء على أن من بدل دينه فإنه يجب أن يقتل. والحقيقة أن مشكلة القوانين الوضعية في البلاد الإسلامية مشكلة عميقة وكبيرة جداً، ومن أفضل الكتب التي قرأتها في هذا الباب هو كتاب: تحكيم القوانين للشيخ المفتي السابق لهذه البلاد الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، وفي فتاويه أيضاً كلام دقيق في كثير من هذه المسائل، ومواقف قوية جداً فيما يتعلق بالتشريعات التي تشرع بغير ما أنزل الله وتكون مخالفة لتشريع الله سبحانه وتعالى، فإن القانون -كما قلت- يختلف عن القاضي الذي يحكم بالهوى والشهوة، فالقاضي الذي يحكم بالهوى والشهوة يكون فاجراً ظالماً كافراً كفراً أصغر لا يخرجه ذلك عن ملة الإسلام، لكن من يأتي بتشريع وقانون فقد أبطل شرع الله عز وجل وجاء بشريعة من عنده، سواء هو الذي اخترع هذه الشريعة أو اخترعت له ون

الأسئلة

الأسئلة

ملاحظات على كتاب إحياء علوم الدين

ملاحظات على كتاب إحياء علوم الدين Q هل توجد ملاحظات على كتاب إحياء علوم الدين؟ وهل ينصح الطالب بقراءته؟ A كتاب إحياء علوم الدين عليه ملاحظات، منها: الأمر الأول: وجود بعض العقائد المخالفة للسنة، فإنه يرى أن الكشف الصوفي يمكن أن تؤول به النصوص الشرعية، كما أن أهل الكلام يرون أن العقل موجب لتأويل النصوص من أجله، فهذه عقائد غير صحيحة. الأمر الثاني: أن روح الكتاب روح صوفي، فالكتاب مع ما فيه من الجوانب المفيدة في التربية والسلوك إلا أنه لم يبحث موضوع الجهاد أبداً، والعجيب أن هذا الكتاب كتب في زمن احتلال الصليبيين لبيت المقدس، وهو كتاب ضخم، وفكرته: الشعور بأن المسلمين في تأخر عن الدين، والحاجة إلى إحياء علوم الدين في حياة المسلمين، ومع هذا لم يتعرض للجهاد أبداً، وهذا بسبب التوجه الصوفي الذي يرى أن الجهاد هو جهاد النفس فقط، وقد تأثر بهذا التوجه كثير من المنتسبين إلى السنة. والسبب فيه هو وقوع أخطاء عند من يتحدث عن الجهاد في سبيل الله، وحديثهم جميل بالجملة، لكنهم يطبقون مفهوم الجهاد في سبيل الله تطبيقاً خاطئاً، فبدل أن ننتقد هذه القضية في حدودها يأتي بعض الأشخاص ويوسع دائرة الانتقاد إلى درجة منحرفة تماماً، فالتفجيرات التي حصلت في الرياض لا شك أنها محرمة في شرع الله عز وجل بدون أي شك في هذه المسألة؛ لوجود مسلمين قتلوا في مثل هذا العمل، ولما يترتب على هذا العمل من المضار الكبيرة وأعداء الإسلام كما تعرفون يتربصون بالمسلمين الدوائر. أما القتلى من الأجانب الغير مسلمين فهم معاهدون، فلهم عهد، فلا يجوز للإنسان أن يقتل المعاهد، حتى لو كان المسلم لديه ملاحظات على أصحاب العهد، فإن وجودها على أصحاب العهد لا يعني أنه لا عهد له، ولو كنت مسلماً وجاء الكافر ضيفاً عندك وأمنته فلا يجوز لأحد أن يقتله في بيتك، حتى لو كنت تشرب الخمر أو عليك ملاحظات وانحرافات، فلا شك أنها أخطاء، لكن انظروا كيف تعاملت الصحافة والإعلام معها بحيث إنهم ألبسوا هذا التصرف كل الشباب الملتزمين والدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، بل وسعوا الأمر وطالبوا بإلغاء الهيئات وحلقات التحفيظ، فهم يبغون أن نترك ديننا من أجل أشخاص أخطئوا وظلموا أنفسهم وظلموا المسلمين ووقعوا في انحراف! فهل نترك ديننا؟! فهذا شيء في غاية الغرابة، ولم يبق لهم إلا أن يقولوا: قفلوا المساجد وهدموها، فقد صار كثير من الصحفيين يكتبون بأسلوب سيء جداً، ويرسمون كاركتيرات فيها استهزاء بالصالحين، ولا شك أن هذا انحراف كبير. وبعض الأحيان يأتي أشخاص صالحون ويقولون: اتركوا العلمانيين واللبراليين هؤلاء، فإنهم من جملة المنافقين الذين يستغلون مثل هذه الأحداث، وبعض أصحاب الدعوة الإسلامية لوجود مثل هذا التوجه الذي فيه وفي تطبيقاته غلو يغالي في الطرف الآخر، فتجد أنه يكاد ينكر شرعية الجهاد من الأرض كلها، فعندما تقول له مثلاً: في فلسطين جهاد، قال: أي جهاد في فلسطين؟! أو في أفغانستان أو كشمير جهاد فينكر الجهاد من الدنيا كلها، وكأنه لا أحد يقيم الجهاد، ولا شك أن هذا خطأ، وهذه ردود أفعال ينبغي للإنسان أن يحذر منها. أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أصول العقيدة [9]

أصول العقيدة [9] من مسائل العقيدة المهمة معرفة أركان الإيمان الستة التي هي أصول العقيدة وأساس الدين الواجب على العبد الإيمان بها مع ما تضمنه كل واحد منها, ومن مسائل العقيدة كذلك ما يتعلق بالسنة والبدعة, وحقيقة كل منهما, وأنواع البدع وأقسامها.

أركان الإيمان

أركان الإيمان بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو الدرس الأخير من دروس أصول العقيدة، سيكون الحديث إن شاء الله في هذا الدرس في موضوعين مهمين، الموضوع الأول: في أركان الإيمان وأصول الأحكام. والموضوع الثاني: في السنة والبدعة. وأركان الإيمان: هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وهذه الأركان تعتبر أصول العقيدة وأساسيات الدين.

بيان ما يتضمنه الإيمان بالله تعالى

بيان ما يتضمنه الإيمان بالله تعالى فأما الإيمان بالله فيتضمن أربعة أمور: الأمر الأول: الإيمان بوجود الله تعالى، وهذا أمر فطري، فإن كل مولود يولد وهو عارف بربه، وهو مفطور على معرفة الله تعالى. يقول الله عز وجل: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30]، ويقول عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها) ثم قرأ أبو هريرة رضي الله عنه الآية السابقة التي في سورة الروم. الأمر الثاني: الإيمان بربوبية الله تعالى، وقد سبق أن بينا معنى الإيمان بالربوبية وهو إفراد الله تعالى بالخلق والملك والتقدير والتدبير، يقول الله عز وجل: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54]. الأمر الثالث: الإيمان بألوهية الله تعالى، وألوهية الله تعالى هي إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة والإلهية، وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وقد سبق أن تحدثنا عن توحيد الألوهية. الأمر الرابع: توحيد الأسماء والصفات أو معرفة الله بأسمائه وصفاته، وقد سبق أن بينا القواعد الشرعية في باب الأسماء والصفات، وكيف أن أهل السنة والجماعة جاءوا بالإثبات والنفي، فجاءوا بإثبات صفات الله تعالى وأسمائه على الوجه الذي يليق به سبحانه وتعالى، وبنفي مشابهته ومماثلته للمخلوقات، كما قال الله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]. فقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] فيه رد على المشبهة، وهو نفي للتشبيه والتمثيل، وقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] فيه رد على المعطلة النفاة، وهو دليل على الإثبات أيضاً. هذا ما يتعلق بالإيمان بالله، وقد سبق أن تحدثنا عن الإيمان بالله في باب عظيم من أصول العقيدة وهو باب التوحيد.

الإيمان بالملائكة وما يتضمنه

الإيمان بالملائكة وما يتضمنه الركن الثاني من أركان الإيمان هو الإيمان بالملائكة، والإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان، وقد ذكرهم الله عز وجل في القرآن كثيراً، وجاء أيضاً في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الملائكة كثيراً. والإيمان بالملائكة يتضمن الإيمان بما جاء في القرآن والسنة من عددهم وأوصافهم، ويتضمن أيضاً الإيمان بمن ذكر اسمه منهم. وملائكة الله عز وجل وجنوده لا يعلمهم إلا هو، كما أخبر الله عز وجل {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31]، والملائكة كثيرون جداً، جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أطت السماء وحق لها أن تئط، لا يوجد فيها موضع ثلاثة أصابع إلا وفيها ملك راكع أو ملك ساجد). والأطيط هو صوت الرحل الذي يكون عليه حمل ثقيل. وجاء أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء أن البيت المعمور يدخله كل يوم عدد كبير من الملائكة ثم لا يرجعون إليه إلى يوم القيامة. وذكر الله عز وجل من أوصافهم أن لهم أجنحة، وأنهم لهم خلق عظيم، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أذن لي أن أحدثكم عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه خفقان الطير سبعين سنة). ومنهم إسرافيل نافخ الصور، وجبرائيل وهو الموكل بالوحي، وميكائيل وهو الموكل بالقطر، ولا يصح في اسم ملك الموت حديث، وإنما ورد في بعض الآثار أن اسمه عزرائيل، لكن لم يرد في آية من كتاب الله أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تسميته شيء. والإيمان بالملائكة يتضمن أيضاً الإيمان بالأعمال التي يقومون بها، وذلك أن الله عز وجل خلق هؤلاء الملائكة ليقوموا بتنفيذ أمره سبحانه وتعالى، فللموت ملك، وللوحي ملك موكل، وأيضاً حتى قطرات المطر لا تنزل قطرة واحدة إلا وهي في يد ملك حتى يضعها على الأرض، وأيضاً هناك ملائكة موكلون بالإنسان ويكتبون أعماله الحسنة والسيئة. والإيمان بالملائكة ركن أساسي في الإيمان لا يصح إيمان الإنسان إلا به، فلو أن إنساناً أنكر الإيمان بالملائكة فإنه يكفر، ولو قال: ليس لله ملائكة، وكذلك من أول الملائكة تأويلاً يخرجهم من حقيقتهم، مثل من أول الملائكة بأنها أنوار روحانية ليس لها أجنحة وليس لها أوصاف فهذا كفر مخرج من الملة؛ لأنه تكذيب لنصوص القرآن التي وردت في أوصافهم.

الإيمان بالكتب السماوية وما يتضمنه

الإيمان بالكتب السماوية وما يتضمنه ومن الإيمان أيضاً الإيمان بالكتب، ويتضمن الإيمان بأن الله عز وجل أنزل كتباً على أنبيائه، وهذه الكتب جاءت لهداية البشرية، ومنها: التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى، ومنها هذا القرآن العظيم الحكيم الذي هو من أعظم كتب الله سبحانه وتعالى، وهو معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم. ويتضمن الإيمان بالكتب أيضاً الإيمان بأن التوراة والإنجيل قد أنزلهما الله سبحانه وتعالى على موسى وعيسى، ولكن أتباع موسى وعيسى من اليهود والنصارى حرفوا التوراة والإنجيل، وأدخلوا فيهما من العقائد والأخبار ما ليس منهما، وأن التوراة والإنجيل الموجودتان الآن بأيدي اليهود والنصارى ليستا حقيقة التوراة والإنجيل التي أنزلهما الله سبحانه وتعالى على موسى وعيسى، وإنما فيهما تغيير وتبديل وتحريف، والتحريف فيهما موجود بشكل واضح، فإن بعض أسفار التوراة تتحدث عن موسى بصيغة الغائب، وتتحدث عنه أنه مات في المكان الفلاني، وأنه كان رجلاً فاضلاً! فهذا لا يصح، فلو كانت التوراة نزلت على موسى فكيف تتحدث عن وفاة موسى مع أنها نزلت عليه؟! وأيضاً من الإيمان بالكتب أن نؤمن بأن الله عز وجل كتب التوراة بيده وأعطاها لموسى، كما ورد في حديث محاجة آدم لموسى فقد جاء في حديث محاجة آدم لموسى والحديث في الصحيحين أن آدم قال: (أنت موسى كلمك الله وكتب لك التوراة بيده). ومن الإيمان بالكتب أيضاً أن يؤمن الإنسان بأن القرآن هو أعظم كتب الله عز وجل، وأنه جاء بكل خير وفلاح للناس، وأنه لا يمكن حصول التحريف والتبديل في هذا الكتاب؛ لأن الله عز وجل تكفل بحفظه فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، ومن اعتقد أن القرآن حرف كما حرفت التوراة والإنجيل فإنه يكفر، ومن اعتقد أن القرآن زيد فيه أو نقص منه كما تعتقد الشيعة فإنه يكفر؛ لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] وبهذا نعلم بطلان عقيدة الشيعة في قولهم بأن هناك سوراً من القرآن حذفت مثل سورة الولاية أو أن آيات من القرآن حذفت مثل قولهم في سورة الضحى: (وأن علياً صهرك)، فكل هذا من الكذب والتكذيب لخبر الله عز وجل بأنه تكفل بحفظ هذا القرآن. ومن نسب لله كتاباً جاء به من عند نفسه إلى الله عز وجل فهو كافر أيضاً، كما نسبت الدروز والنصيرية والشيعة لله عز وجل كتباً ليست من كلامه سبحانه وتعالى، فنسبوا إلى الله عز وجل مصحف فاطمة، ونسبوا إلى الله سبحانه وتعالى مصحفاً خاصاً بالدروز كتبه كمال جنبلاط أبو وليد جنبلاط كما يذكر بعض المؤرخين، ويحاول أن يحاكي القرآن، وقد اطلعت على نسخة من هذا المصحف الذي يزعمون أنه من كلام الله عز وجل، ويتلاعبون فيه ويحاولون أن يحاكوا كتاب الله عز وجل، ويختم هذه الآيات بقوله: إن الله عزيز حكيم، والله غفور رحيم ونحو ذلك من الآيات ويعبثون في هذا الكتاب وينسبونه إلى الله سبحانه وتعالى، تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا.

الإيمان بالرسل وما يتضمنه

الإيمان بالرسل وما يتضمنه ومن الإيمان أيضاً الإيمان بالرسل، ويتضمن الإيمان بالرسل الإيمان بأن الله عز وجل أرسل رسلاً لكل أمة من الأمم، فلا تخلو أمة من الأمم من بشير ونذير ومن رسول يعلمهم التوحيد ويحذرهم من الشرك، يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] فكل أمة من الأمم وكل جماعة من الناس أرسل الله عز وجل إليهم رسولاً، ولهذا فإن الرسل الذين ذكرهم الله عز وجل في القرآن، هم جزء من الرسل وليسوا كل الرسل، بل إن الله عز وجل أخبرنا أن هناك عدداً من الرسل لم يخبرنا الله عز وجل بخبرهم، فقال: {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر:78]. وأيضاً يتضمن الإيمان بالرسل الإيمان بأسماء الرسل الذين سماهم الله عز وجل: آدم وإدريس ويوسف وعيسى وإبراهيم واليسع ذو النون وإلياس ومحمد صلى الله عليه وسلم وغيرهم من المرسلين الذين ذكروا في القرآن الكريم. وأيضاً مما يجب الإيمان به فيما يتعلق بالرسل الإيمان بأن منهم من كلمهم الله عز وجل مباشرة كما حصل مع موسى، ومنهم من كان يرسل إليهم رسولاً ويأتيهم الوحي من السماء، ومنهم من أوحى الله عز وجل إليهم بالإلهام، والنبي صلى الله عليه وسلم أوحى الله إليه بهذه الطرق جميعاً. ومن الإيمان بالرسل أيضاً الإيمان بمعجزات الرسل، فإن الرسل جاءوا بالبينات والهدى، وكل رسول أرسل إلى قومه فإنه يكون له بينة ومعه دليل واضح، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لم يبعث رسولاً إلا أتاه من الآيات ما على مثله آمن قومه) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هو نص الحديث، والذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات هو القرآن الكريم، ولهذا فتعتبر أعظم معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم هي معجزة القرآن الكريم، ولهذا فإن إعجاز القرآن من حيث فصاحته، ومن حيث بلاغته، ومن حيث ما يتضمنه من الحكم، وما يتضمنه من الشرائع العظيمة، وما يتضمنه من القصص والدقة المتناهية، وما يتضمنه من الشفاء، وما يتضمنه أيضاً من الانضباط والاتساق، كل ذلك دليل واضح على أن هذا القرآن من كلام الله سبحانه وتعالى، ولو كان من كلام البشر لما كان بهذه الصورة وبهذه الكيفية. ولهذا فعلى طالب العلم أن يعلم أن دلائل النبوة من أعظم الوسائل التي يثبت بها الدين، فإن الإنسان إذا عرف دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ما يترتب على ذلك يعتبر من أعظم الحجة، يترتب عليه صدق الرسول، ويترتب على صدق الرسول صحة الدين، ويترتب عليه صحة كل التفصيلات الواردة في الدين في القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فلهذا ينبغي أن يدرك الإنسان دلائل النبوة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأن رسالته تدل عليها أدلة كثيرة ربما تصل إلى أكثر من ألف دليل، وأبلغ ذلك وأعظم ذلك القرآن. والأنبياء والمرسلون الذين كانت آيات نبوتهم خفية، كآية هود عليه السلام قال له قومه: {مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} [هود:53]. يقول شارح العقيدة الطحاوية: إن الآية التي جاء بها هود هي أنه جاء إلى أمة طاغية باغية قوية، وكان مستضعفاً، ومع ذلك وقف أمامهم غير عابئ خواف، وجاءهم بأدلة مقنعة من حيث توحيد الله عز وجل، واتباع المرسلين، ولهذا تعتبر آية ودليل هود عليه السلام من أخفى الأدلة كما نبه على ذلك شارح العقيدة الطحاوية.

الإيمان باليوم الآخر وما يتضمنه

الإيمان باليوم الآخر وما يتضمنه ومن الإيمان أيضاً الإيمان باليوم الآخر، والإيمان باليوم الآخر يتضمن الإيمان بالبعث والإيمان بالحشر، والإيمان بعذاب القبر ونعيمه، والإيمان بالميزان والصراط والحوض والجنة والنار وما يتبع ذلك من المسائل.

الإيمان بالقدر وما يتضمنه

الإيمان بالقدر وما يتضمنه ومن الإيمان أيضاً الإيمان بالقدر، والإيمان بالقدر يتضمن الإيمان بأربعة مراتب: المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله عز وجل الشامل لكل شيء، وأن الله عز وجل مطلع على أعمال العباد قبل أن يعملوها، وأنه سبحانه وتعالى كان يعلم قبل أن يخلق الإنسان ماذا سيعمل من أعمال الخير والشر. والمرتبة الثانية: هو أن الله عز وجل كتب ما علمه من أحوال العباد في اللوح المحفوظ. والمرتبة الثالثة من مراتب القدر: هو مشيئة الله عز وجل النافذة والشاملة لكل أحوال الإنسان، ومشيئة الله سبحانه وتعالى وإرادته تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية عامة موافقة لمعنى الخلق، وإرادة شرعية خاصة موافقة لمعنى المحبة والأمر. والمرتبة الرابعة: هي الإيمان بخلق الله سبحانه وتعالى لأفعال العباد، فإن أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه وتعالى، والعباد وقدرة العباد هي أسباب في انتقال الفعل من العدم إلى الوجود وليست مستقلة استقلالاً تاماً، بل أفعال العباد جميعاً مخلوقة لله سبحانه وتعالى، يقول الله عز وجل: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96]، ما يعمله العباد من مخلوقات الله عز وجل كسائر مخلوقاته سبحانه وتعالى.

حكم إنكار مراتب القدر

حكم إنكار مراتب القدر فهذه المراتب الأربع هي مراتب الإيمان بالقدر، من أنكر المرتبة الأولى وهي مرتبة العلم فإنه يكفر، فمن أنكر أي مرتبة من بقية المراتب سواء مرتبة الكتابة أو المشيئة أو الخلق فإن إنكاره على نوعين: النوع الأول: أن يكون إنكار جحود وتكذيب، وحينئذ فيكون بالله تعالى. والأمر الثاني: أن يكون إنكاره إنكار تأويل، وهذا كعامة المعتزلة المتأخرين، والقدرة المتأخرين، فهؤلاء لا يكفرون، وإن كانت المقالة في حد ذاتها كفراً؛ لأنها تتضمن التكذيب لخبر الله سبحانه وتعالى. وكان أوائل القدرية ينكرون العلم، ولكن انقرضت هذه الفرقة التي تنكر العلم ولم يبق إلا القدرية المعتزلة والشيعة والخوارج الآن، فإنهم لا ينكرون العلم، لكنهم ينكرون خلق الله لأفعال العباد، وينكرون كتابة الله سبحانه وتعالى لأحوال العباد. فيجب على الإنسان إذاً أن يعلم أن الله عز وجل عالم بأعمال العباد قبل أن يفعلوها، وأنه كتب سبحانه وتعالى هذه الأعمال في اللوح المحفوظ، وأنه سبحانه وتعالى ما يحصل في هذا الكون شيء إلا بمشيئته وإرادته العامة، وأن هذه الأشياء التي يعملها العباد هي من مخلوقات الله عز وجل، وأن العبد وقدرة العبد هو سبب من الأسباب الذي ينقل الشيء من العدم إلى الوجود، فإن انتقال الشيء من العدم إلى الوجود؛ انتقال الفعل قبل أن يكون فعلاً إلى مرحلة بعد الفعل أو مرحلة الفعل في حد ذاتها؛ هذا الانتقال يكون بقدرة العبد المخلوق لله سبحانه وتعالى، ويكون هذا على سبيل السببية وأن العبد سبب لهذا الانتقال، والسبب كما هو معلوم من عقيدة أهل السنة والجماعة لا يفعل بذاته، وإنما يفعل بقدرة الله عز وجل ومشيئته، فإذا شاء تم السبب وإذا لم يتم، فالإحراق مثلاً سبب، لكن الإحراق هذا تخلف عندما ألقي إبراهيم في النار؛ لأن الله عز وجل لم يرد لهذه النار أن تحرق إبراهيم، بل قال: {كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69]. والسكين سبب للقطع، لكنها لم تقطع عندما أراد إبراهيم أن يذبح ابنه إسماعيل؛ لأن الله عز وجل لم يرد ذلك، وهكذا كل سبب فإنه يوجد إذا تحقق المسبب في الواقع إذا أراد الله عز وجل وينتفي إذا لم يرد الله سبحانه وتعالى ذلك. فالسبب لابد لوجوده من وجود شروط وانتفاء موانع، ومع ذلك فإن عنده قدرة خاصة خلقها الله سبحانه وتعالى، وهذا مما يشعر به الإنسان، والإنسان قد يشعر أن عنده قدرة للفعل بدون أي تردد وأنه قادر على أن يفعل أي فعل دون تردد، سواء من أفعال الخير أو من أفعال الشر، وهذا يدل على أن عنده قدرة في نفسه وأن عنده إمكانية، لكن يجب أن يؤمن أن هذه القدرة خلقها الله، وأنه لا يمكن له أن يفعل الشيء إلا بعد إرادة الله سبحانه وتعالى، وأنه إذا فعله فإن الله قد كتب هذا الفعل وقد علمه قبل ذلك، لكنه لم يجبر العبد عليه، وهذا ما يشعر به الإنسان من نفسه، بل قد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل شيء بقدر الله حتى العجز والكيس) يعني: كون الإنسان عاجزاً عن العمل هذا بقدر الله، وكون الإنسان كيساً فطناً قادراً على الفعل والعمل هذا أيضاً بقدر الله سبحانه وتعالى.

مراتب الكتابة

مراتب الكتابة ومرتبة الكتابة قسمها بعض العلماء إلى مراتب فمنها: الكتابة العامة، وهذه هي التي كانت في بداية الخلق عندما أمر الله عز وجل القلم أن يكتب، فقال: اكتب مقادير كل شيء إلى قيام الساعة. والنوع الثاني من الكتابة: الكتابة العمرية التي تكون في عمر الإنسان، فإن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق الإنسان وطور خلقه في بطن أمه فإنه إذا جاء الشهر الرابع أرسل إليه ملكاً يكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد كما ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه الطويل في كيفية خلق الإنسان. وهناك كتابة حولية وهي التي تكون في ليلة القدر كما ورد في سورة الدخان قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4] فكل أعمال السنة يكتب في ليلة القدر كما ذكر المفسرون ذلك في تفسير هذه الآية من سورة الدخان. وهناك كتابة يومية كما قال بعض العلماء، وهذه الكتابة هي المراد بقوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29] سبحانه وتعالى.

أصول العقيدة المتفق عليها وفروعها المختلف فيها

أصول العقيدة المتفق عليها وفروعها المختلف فيها وأركان الإيمان هي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، تنقسم إلى قسمين: قواعد عامة أساسية وهي الواضحات التي دلت عليها النصوص الشرعية، ومسائل دقيقة وربما يكون في بعضها غموض. فهذه القضايا الستة هي أصول العقيدة، وأما ما يرد من خلافات دقيقة في بعضها فإنه بحسبه، فمثلاً في باب الإيمان بالله مثلاً قد يأتي خلاف عند أهل السنة في صفة من الصفات مثل صفة الساق، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أنه لم يختلف أهل السنة والجماعة في أي صفة من صفات الله عز وجل إلا في صفة الساق؛ لأن الآية الواردة فيها ليس فيها إضافة إلى الله عز وجل {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم:42]، فكلمة ساق هنا منكرة، وليست مضافة إلى الله سبحانه وتعالى، لكن صفة الساق ثابتة عند أهل السنة والجماعة بدليل حديث أبي سعيد الخدري في صحيح البخاري في ذكر أحوال الناس في المحشر، وفي الحديث أن الله عز وجل يكشف عن ساقه، فهنا إضافة الساق إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا يدل على أن المراد بالآية: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:42] أنها ساق الله سبحانه وتعالى. وهناك مسائل الإيمان بالرسل مثل الإيمان بعدد الرسل فإنه لم يرد عدد محدد للرسل، لكن ورد حديث في مسند الإمام أحمد عن أبي ذر، والحديث فيه خلاف في صحته، ولهذا فمسألة عدد الرسل لا تعتبر من أصول العقيدة، والإيمان بالرسل وبأسماء الرسل الذين ورد ذكرهم في القرآن يعتبر من أصول العقيدة. أيضاً هناك خلاف في بعض أسماء الرسل مثل: دانيال مثلاً، وهل دانيال رسول أو ليس برسول؟ وقد ورد في بعض الأحاديث أنه رسول، لكن هذا الحديث في صحته خلاف. ولهذا يجب أن نعلم أن هذه الأركان تحتها مسائل كبيرة جداً، ومن هذه المسائل ما هي أصلية أساسية وهي التي جاء عليها النص في القرآن والسنة الصحيحة، ومنها ما هي مسائل دقيقة وغامضة وفيها خلاف، وهذه ليست من أصول العقيدة بل هي من المسائل الاجتهادية التي يحصل فيها الخلاف، وقد سبق أن مثلنا ببعض هذه المسائل. فمثلاً مسألة المحو والإثبات في القدر من المسائل التي فيها خلاف وهي من مواطن الاجتهاد.

مسائل في السنة والبدعة

مسائل في السنة والبدعة وأركان الإيمان هي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، تنقسم إلى قسمين: قواعد عامة أساسية وهي الواضحات التي دلت عليها النصوص الشرعية، ومسائل دقيقة وربما يكون في بعضها غموض. فهذه القضايا الستة هي أصول العقيدة، وأما ما يرد من خلافات دقيقة في بعضها فإنه بحسبه، فمثلاً في باب الإيمان بالله مثلاً قد يأتي خلاف عند أهل السنة في صفة من الصفات مثل صفة الساق، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أنه لم يختلف أهل السنة والجماعة في أي صفة من صفات الله عز وجل إلا في صفة الساق؛ لأن الآية الواردة فيها ليس فيها إضافة إلى الله عز وجل {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم:42]، فكلمة ساق هنا منكرة، وليست مضافة إلى الله سبحانه وتعالى، لكن صفة الساق ثابتة عند أهل السنة والجماعة بدليل حديث أبي سعيد الخدري في صحيح البخاري في ذكر أحوال الناس في المحشر، وفي الحديث أن الله عز وجل يكشف عن ساقه، فهنا إضافة الساق إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا يدل على أن المراد بالآية: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:42] أنها ساق الله سبحانه وتعالى. وهناك مسائل الإيمان بالرسل مثل الإيمان بعدد الرسل فإنه لم يرد عدد محدد للرسل، لكن ورد حديث في مسند الإمام أحمد عن أبي ذر، والحديث فيه خلاف في صحته، ولهذا فمسألة عدد الرسل لا تعتبر من أصول العقيدة، والإيمان بالرسل وبأسماء الرسل الذين ورد ذكرهم في القرآن يعتبر من أصول العقيدة. أيضاً هناك خلاف في بعض أسماء الرسل مثل: دانيال مثلاً، وهل دانيال رسول أو ليس برسول؟ وقد ورد في بعض الأحاديث أنه رسول، لكن هذا الحديث في صحته خلاف. ولهذا يجب أن نعلم أن هذه الأركان تحتها مسائل كبيرة جداً، ومن هذه المسائل ما هي أصلية أساسية وهي التي جاء عليها النص في القرآن والسنة الصحيحة، ومنها ما هي مسائل دقيقة وغامضة وفيها خلاف، وهذه ليست من أصول العقيدة بل هي من المسائل الاجتهادية التي يحصل فيها الخلاف، وقد سبق أن مثلنا ببعض هذه المسائل. فمثلاً مسألة المحو والإثبات في القدر من المسائل التي فيها خلاف وهي من مواطن الاجتهاد.

معنى السنة

معنى السنة السنة في المصطلح الشرعي معناها طريقة النبي صلى الله عليه وسلم سواء كانت واجبة أو مستحبة، وسواء كانت في العقائد أو في الأعمال، فالسنة هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأعماله ومعتقداته، وبناء على هذا يدخل في هذا المصطلح الشرعي الواجبات وأصول العقائد والمستحبات وفروع الأحكام، هذه كلها تدخل في معنى السنة، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). فجعل لفظ السنة هنا عاماً لطريقة النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل المقابل لها البدعة، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من رغب عن سنتي فليس مني) وهذا هو الاصطلاح الشرعي الوارد في النصوص. ولكن الفقهاء لهم اصطلاح خاص بالسنة فقالوا: إن السنة ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، فيسمون بعض الأعمال والأقوال التي لا يؤثم تاركها ويكون لفاعلها الأجر عند الله عز وجل بأنها سنة، مثل السنن الرواتب، والوتر عند غير الأحناف، أو بعض الأذكار مثل سيد الاستغفار فكل هذه تعتبر من السنن. ولكن المصطلح الشرعي للسنة أوسع من ذلك فيدخل فيها الواجبات، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم المقابل لها البدعة، بينما السنة في اصطلاح الفقهاء يقابلها الواجب، لكن إذا وردت السنة في الحديث مثلاً أو خبر في قول الصحابة أو التابعين فإن المراد بهذه السنة السنة الشرعية بمعناها الشرعي العام.

إطلاق لفظ السنة على العقيدة بعد ظهور البدع

إطلاق لفظ السنة على العقيدة بعد ظهور البدع ومن الأمور التي ينبغي التنبيه عليها مسألة أن السنة بعد حدوث الفتن وظهور البدع والمحدثات أصبحت علماً على العقيدة، فأصبحوا يسمون العقيدة بأنها السنة، وقد ألف عدد كبير من العلماء كتباً في العقيدة باسم السنة، كالسنة لـ عبد الله بن الإمام أحمد رحمه الله، والسنة لـ ابن أبي زمنين وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، وشرح السنة للبغوي، وأيضاً اللطيف في السنة لـ ابن شاهين، والسنة للمروزي، فكل هذه الكتب هي من كتب العقيدة مع أن اسمها السنة، فأصبحت السنة عند هؤلاء العلماء يقصد بها العقيدة؛ لأن الخلاف أول ما دب في الأمة من مخالفة طريقة النبي صلى الله عليه وسلم هو في باب العقيدة، فأول فرقة شقت صفوف المسلمين وفارقت المسلمين هم الخوارج عندما كفروا المسلمين بالذنوب، ثم خرجت بعد ذلك الشيعة، ثم خرجت القدرية والمرجئة، وهذه الأربع الفرق هي أصول الفرق، التي تعود إليها كل الفرق، وهي: الخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة، ثم لم يظهر التعطيل إلا بعد نهاية القرن الأول، وكان الجعد بن درهم هو أول من قال بنفي الصفات وأول من قال بخلق القرآن، وعنه أخذ هذه العقيدة الجهم بن صفوان وإليه تنسب فرقة الجهمية، ولهذا فقد صار أهل البدع يعرفون بأهل الأهواء والبدع، وأهل السنة يعرفون بأهل السنة والجماعة، وإلا فإنه في زمن الصحابة لم يكن هذا الاسم أهل السنة والجماعة معروفاً لديهم كما هو السائد الآن، وإنما كانت الأمة كلها متبعة لطريقة النبي صلى الله عليه وسلم، فعندما وقعت الفتنة كما ورد عن ابن سيرين قال: سموا لنا رجالكم فنأخذ قول أهل السنة ونترك قول أهل البدعة. ومن هنا ظهرت التسمية بأهل السنة والجماعة.

معنى البدعة

معنى البدعة البدعة تعريفها هي: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بها التعبد لله تعالى، فقوله: طريقة في الدين يخرج بها ما كان من أمور الدنيا، فما يكون من أمور الدنيا من المخترعات فإنها لا تعتبر من البدع، كإشارات المرور وتنظيم الجيوش وجعل وحدة المدرعات لوحدها والطيران الجوي لوحده والدفاع الجوي لوحده والمشاة لوحدهم والبحرية لوحدها، وإن لم ينظمها النبي صلى الله عليه وسلم، فالبدعة هي طريقة في الدين. ومن البدع في أمور الدنيا التي ليست من الدين الوزارات كوزارة التربية والتعليم وغيرها. ومعنى تضاهي الشرعية، أي: تشابه الأعمال الشرعية التي يقصد بها التعبد لله تعالى، فمن اخترع عملاً من الأعمال ونسبه إلى الدين وجعله مشابهاً للأحكام الشرعية ويتعبد لله به فهذا العمل يسمى بدعة.

أقسام البدعة

أقسام البدعة تنقسم البدعة إلى قسمين: بدعة حقيقية وبدعة إضافية، فالبدعة الحقيقية هي التي لا أصل لها في الدين بالمرة، فهي من أصلها مخترعة. والبدعة الإضافية هي التي يكون لها أصل في الدين لكن يبتدع في كيفيتها. والأمثلة على ذلك: بدعة التصوف والرهبانية والذهاب إلى الكهوف والمغارات والرهبانية بهذا الأسلوب ونسبة ذلك إلى الدين، وأن هذا زهد وتقشف وتعبد لله تعالى، فهذا بدعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذهب إلى المغارات والكهوف، ولم يترك الطيب الحلال ولم يترك الزواج ولم يترك الأمور المباحة بهذه الطريقة التي عليها أهل التصوف، فهذه بدعة حقيقية؛ لأنه لا يوجد لها شبيه في الدين أصلاً. والبدعة الإضافية أن يكون أصل الأمر موجوداً في الدين لكن الابتداع جاء في كيفيته وشكله، فمثلاً ذكر الله تعالى هذا موجود من حيث الأصل في الدين، فلو أن أشخاصاً ابتدعوا في كيفياتها، فذكروا الله بشكل جماعي فيجتمعون في مكان واحد، واحد معه ميكرفون ويذكر الله ثم يردد البقية معه، فهذه طريقة مبتدعة، وهم ينسبون هذه الطريقة إلى الدين وليست من الدين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يذكر الله جهراً والصحابة يرددون معه أبداً، حتى في التلبية، وفي الذكر والتكبير الذي يكون يوم العيد، والذكر الذي يكون بعد الصلاة، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ينصرف من الصلاة يقرأ للناس الفاتحة، فهذه من البدع المشتهرة وكذلك عندما يموت ميت ويقرءون على قبره الفاتحة، ويقرءون عند رأسه سورة يس، فهذه كلها من البدع الإضافية، لماذا من البدع الإضافية، وهي بدع مخترعة إضافية؟ لأن أصلها أمر محبب في الشرع، مثل قراءة القرآن وذكر الله، لكن الابتداع جاء في الكيفية وفي الهيئة، أما الابتداع من الأصل بالمخالفة من الجذور فهذه تسمى البدعة الحقيقية.

أنواع البدع

أنواع البدع البدع أصبحت بهيئات مختلفة، فهناك بدع عقدية مثل: بدعة نفاة الصفات أو بدعة من شبه الله بخلقه. وبدعة الإرجاء الذين حصروا الإيمان في مفهوم التصديق، أو بدع التشيع في تعظيم الأئمة إلى درجة أنهم يعتقدون أن كلام هؤلاء الأئمة مثل كلام رب العالمين، وأنه يجب الانقياد لهم كما يجب الانقياد لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وهناك بدع عملية مثل البدع التي تكون حول القبور، مثل: الطواف حول القبور، والصلاة عندها، والذبح لها، والنذر لغير الله عز وجل. ومن البدع أيضاً البدع التي تكون في مجال الأذكار، مثل ذكر الله عز وجل بالاسم المفرد: الله الله الله أو لطيف لطيف لطيف وهكذا، أو ذكر الله عز وجل بالاسم المضمر مثل: هو هو هو وهكذا. وأيضاً من البدع التي حصلت بدع مغلظة، مثل: البدع التي يأتي بها أصحابها وتوصلهم إلى درجة الكفر والعياذ بالله، مثل بدع الباطنية الذين يقولون: إن للقرآن ظاهراً وباطناً، وأن ظاهر القرآن هو ما يفهمه العوام وباطن القرآن هو ما يفهمه الخواص، ثم يأتون بأمور مما يسمونه الباطن مخالف مخالفة أساسية لقواعد اللغة، مثل قوله تعالى: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ} [الرحمن:20] قالوا: علي وفاطمة، {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:13] قالوا: الحسن والحسين. وهكذا يفسرون النصوص الشرعية تفسيراً مخالفاً لقواعد اللغة. {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67] قالوا: إن المراد بالبقرة عائشة -قبحهم الله- وهكذا يغيرون معاني النصوص، ويأتون بمعاني بعيدة كل البعد عن ظاهر اللفظ، فليس هناك أي ارتباط ولو بخيط ضعيف، ويقولون: إن للقرآن ظاهراً وباطناً. وهكذا فقد انتشرت البدع الكثيرة في حياة المسلمين، سواء في المساجد مثل زخرفة المساجد، أو في أحوال الموتى، أو في النكاح، أو في الذكر والصلاة، أو في الوضوء، أو في أي باب من أبواب التعبد، أو في الاعتقادات. وهناك من البدع ما يوصل إلى الكفر، مثل البدع التي يكون فيها عبادة لغير الله عز وجل كالسجود للقبور، والبدع تختلف أحكامها، حكمها ليس واحداً، فهي تختلف أحكامها من بدعة إلى بدعة. وقد بين الله سبحانه وتعالى في القرآن أن هذه الأمة يظهر فيها التفرق والابتداع والاختلاف، وهذا من حكمته سبحانه وتعالى ومن ابتلائه، فإن الله عز وجل يبتلي الناس بالسراء والضراء، يقول الله عز وجل: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118 - 119] قال العلماء: (ولذلك خلقهم) يعني: خلقهم للاختلاف. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الافتراق الطويل المشهور: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، فلما سئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي). وهذه الفرق الواردة في الحديث ليست من الفرق الكافرة؛ لأنه قال في بداية الحديث: (ستفترق هذه الأمة) فنسبها إلى هذه الأمة فهي فرق مبتدعة فليسوا كفاراً، وأيضاً جعل الافتراق في هذه الأمة في مقابل افتراق اليهود وافتراق النصارى، وهذا يدل على أن هذا الافتراق ليس افتراقاً كفرياً، مع أن الفرق تنقسم إلى فرق مبتدعة وفرق كافرة خارجة عن الإسلام. ومثال الفرق الكافرة الباطنية والفلاسفة.

الأسئلة

الأسئلة

بيان أصل إبليس

بيان أصل إبليس Q هل كان إبليس من الملائكة؟ A هذه المسألة من المسائل الخلافية بين العلماء؛ لأن منهم من قال: إنه ليس من الملائكة واستدل بالآية التي في سورة الكهف: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:50] فهذه الآية فيها صراحة أن إبليس ليس من الملائكة. وبعضهم قال: إنه من الملائكة واستدلوا بالاستثناء {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ} [الحجر:30 - 31] فقالوا: إن هذا الاستثناء يدل على أنه منهم. وقال من ذكر أن إبليس ليس من الملائكة -وهذا هو الصحيح-: إن هذا الاستثناء استثناء منقطع وليس بمتصل. ومما استدل به من زعم أنه من الملائكة، أنه جيء به مع الملائكة، ولماذا ذمه الله سبحانه وتعالى على عدم السجود مع أنه ليس من الملائكة؟! والله عز وجل قد أمر الملائكة بالسجود، لكن الصواب هو أن إبليس كان من الجن وليس من الملائكة، وقد أمر الله عز وجل الملائكة ومن كان معهم أن يسجدوا فأبى إبليس وتكبر.

أهل الفترة

أهل الفترة Q قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ} [يونس:47] فمن هو رسول أهل الفترة؟ A ليس المقصود بأهل الفترة من لم يبعث فيهم رسول بالمرة، فما من أمة إلا جاءها رسول، والفترة التي حصلت من عهد إبراهيم إلى محمد عليهما الصلاة والسلام، وكان المشركون يظنون أنهم على الحنيفية وكانوا ينتسبون إلى إبراهيم، ولهذا فقد كانوا يحجون إلى البيت، وكانوا يطوفون بالحرم، وكانوا يذهبون إلى منى وعرفات ويرمون الجمار، فهم كانوا على طريقة إبراهيم العامة، إلا أنهم بدلوها وحرفوها وأدخلوا الشرك فيها، وأول من جاء بالشرك وعبادة الأصنام إلى العرب هو عمرو بن لحي الخزاعي الذي جاء بهبل عندما وجد بعض الشاميين يعبدون الأصنام فاشترى منهم صنماً فجاء به إلى مكة وعبدوه، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآه يجر قصبه في نار جهنم والعياذ بالله.

المكلف بين التسيير والتخيير

المكلف بين التسيير والتخيير Q كيف يكون الإنسان مخيراً في أمور ومسيراً في أمور أخرى؟ A يمكن أن يكون الإنسان مخيراً في أمور مسيراً في أمور، فيكون مسيراً فيما لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب، فمثلاً: لون الإنسان ليس مخيراً فيه، وأبوه وأمه ليس مخيراً فيهما، وطوله ليس مخيراً فيه، ولغته والبلد الذي يعيش فيه، وولادته في هذا المكان ونسبه ليس مخيراً فيه، وهناك أشياء ليس مخيراً فيها الإنسان، لكن هذه الأشياء لم يترتب عليها الثواب والعقاب، فلم يرتب الله عز وجل الثواب والعقاب على كون الإنسان أباه فلان أو أمه فلانة، ولهذا فإن عائشة رضي الله عنها أنكرت حديث ولد الزنا أو ابن الزنا شر الثلاثة فقالت: هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] لكن الإنسان مخير فيما يتعلق بإرادته من الأعمال، وهذا هو الذي يترتب عليه الثواب والعقاب يوم القيامة.

أصل جماعة التبليغ وبيان الموقف منها

أصل جماعة التبليغ وبيان الموقف منها Q هل جماعة التبليغ على السنة أم البدعة؟ وما منهجهم؟ A بالنسبة لجماعة التبليغ في الأصل أنها أول ما نشأت جماعة صوفية في الهند، وكانت تابعة لعلماء الماتريدية الديوبندية، ولأن عمل الجماعة عمل دعوي وعمل يهتم بالإسلام العام فقد دخل فيها أعداد كبيرة ممن ليس من أهل التصوف فأصبح كثير من جماعة التبليغ في البلاد العربية وفي مناطق متعددة كثيرة ليسوا من الصوفية ومع ذلك هم من جماعة التبليغ، لكن الجماعة في أصلها ونشأتها كانت على التصوف. أما تقويم الجماعة فقد تحدث أهل العلم أن فيها خيراً كثيراً، وفيهم صبر وجلد على العمل، وفيهم صدق، لكن منهجهم ليس منهجاً كاملاً؛ لأنه يهمل العلم، وأتباعهم ليسوا من أهل العلم، وهذا يترتب عليه إهمال قضايا الاعتقاد وإهمال كثير من المسائل الشرعية الأساسية وترك الإنكار في كثير من أبواب الدين وعدم الاهتمام بها، فهذا النقص سببه الأساسي هو عدم الاهتمام بالعلم. وكما قلت: فيهم خير وفيهم صبر وفيهم بذل جهد كبير في مجال الدعوة، لكن ليس عندهم اهتمام بالعلم، ونشأة الجماعة في أساسها كانت نشأة صوفية، ولهذا فإن كتاب تبليغي نصاب الذي ألفه مشايخ الجماعة القدامى هو كتاب من كتب الصوفية، والذي يطلع على هذا الكتاب يعرف أن هذا الكتاب من كتب الصوفية دون أي نقاش.

حكم تذكير الناس بالخير أو بالأذكار الشرعية

حكم تذكير الناس بالخير أو بالأذكار الشرعية Q هل التذكير بأذكار المساء والصباح والركوب يدخل في البدعة الإضافية؟ A الحقيقة أن كثيراً من الناس توسع في موضوع البدع إلى درجة أنه يعتبر أي شيء بدعة، وهذا غير صحيح، فمن يذكر بالخير، أو بأذكار الصباح والمساء، فهذا ما فيه شيء، فالذي يذكرك بالله عز وجل، أو بالعمل الصالح، فهذا ليس من البدع. فالبدعة هي شيء جديد، والتذكير ليس شيئاً جديداً ينسبه أصحابه إلى الدين، وهو إما واجب أو مستحب، فهذا ليس له ارتباط بالبدع.

معتقد أهل السنة في زيادة الإيمان ونقصانه

معتقد أهل السنة في زيادة الإيمان ونقصانه Q هل الخلاف الذي بين أهل السنة في أن الإيمان يزيد وينقص خلاف نظري وصوري أم لا؟ A ليس هناك خلاف أصلاً بين أهل السنة والجماعة في أن الإيمان يزيد وينقص، بل هم متفقون على أن الإيمان يزيد وينقص، وهذا أمر مجمع عليه، لكن روي عن بعض الأئمة أنه ما كان يثبت النقصان؛ لأنه لم يرد هذا اللفظ في النصوص بينما معناه وارد في النصوص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أضعف الإيمان)، وهذا يدل على أن الإيمان يضعف، فمسألة زيادة الإيمان ونقصانه هي من الأمور المتفق عليها وليست من الأمور المختلف فيها.

البدع في الدعوة إلى الله تعالى

البدع في الدعوة إلى الله تعالى Q كيف توجد البدع في الدعوة؟ A توجد البدع في الدعوة بأن يدعو صاحبها إلى بدعة مثلاً، والدعوة إلى البدعة بدعة في حد ذاتها هذا أولاً. وثانياً: أن يخترع طريقة محرمة في الدعوة مثل من يدعو -كما يقولون- بالموسيقى الهادئة فهذه بدعة ولا شك فيها، ويدخل أيضاً في البدعة أن يركب الإنسان منهجاً دعوياً ثم ينسبه إلى الدين وهو ليس من الدين، مثل من ينهى عن الرد على الفرق الضالة نهياً مطلقاً، ويقول: المنهج الدعوي الصحيح هو أن الإنسان لا يرد على الفرق أبداً، والذي يرد على الفرق يفرق الأمة، ويجب أن نقف ضده في موقف قوي، ويجب أن نتعاون مع الشيعة والصوفية ونتفق معهم؛ لأنهم كلهم من المسلمين، فمن قال هذا القول فلاشك أن منهجه الدعوي بدعي.

بيان أصل خلق الملائكة

بيان أصل خلق الملائكة Q هل الملائكة مخلوقون من نور؟ A ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة مخلوقون من نور، وأن الإنسان مخلوق من طين ومن نطفة، وأن الجن مخلوقون من نار. نكتفي بهذا القدر وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

§1/1