أصول الشاشي

الشاشي، نظام الدين

بحث كون أصول الفقه أربعة

بحث كَون أصُول الْفِقْه أَرْبَعَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الذى أَعلَى منزلَة الْمُؤمنِينَ بكريم خطابه رفع دَرَجَة الْعَالمين بمعاني كِتَابه وَخص المستنبطين مِنْهُم بمزيد الْإِصَابَة وثوابه والصلوة عَليّ النَّبِي وَأَصْحَابه وَالسَّلَام على أبي حنيفَة وأحبابه وَبعد فَإِن أصُول الْفِقْه أَرْبَعَة كتاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُوله وَإِجْمَاع الْأمة وَالْقِيَاس فَلَا بُد من الْبَحْث فِي كل وَاحِد من هَذِه الأ قسام ليعلم بذلك طَرِيق تخرج الأ حكام الْبَحْث الأول فِي كتاب الله تَعَالَى 1 - فصل فِي الْخَاص وَالْعَام فالخاص لفظ وضع لِمَعْنى مَعْلُوم أَو لمسمى مَعْلُوم على الِانْفِرَاد كَقَوْلِنَا فِي تَخْصِيص الْفَرد زيد وَفِي تَخْصِيص النَّوْع رجل وَفِي تَخْصِيص الْجِنْس إِنْسَان

بحث العام والخاص

1 - 1 بحث الْعَام وَالْخَاص وَالْعَام كل لفظ يَنْتَظِم جمعا من الْأَفْرَاد إِمَّا لفظا كَقَوْلِنَا مُسلمُونَ ومشرقون وَإِمَّا معنى كَقَوْلِنَا من وَمَا وَحكم الْخَاص من الْكتاب وجوب الْعَمَل بِهِ لَا محَالة فَإِن قابله خبر الْوَاحِد أَو الْقيَاس فَإِن أمكن الْجمع بَينهمَا بِدُونِ تَغْيِير فِي حكم الْخَاص يعْمل بهما وَإِلَّا يعْمل بِالْكتاب وَيتْرك مَا يُقَابله مِثَاله فِي قَوْله تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} فَإِن لَفْظَة الثَّلَاثَة خَاص فِي تَعْرِيف عدد مَعْلُوم فَيجب الْعَمَل بِهِ وَلَو حمل الإ قراء على الا طهار كَمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي بِاعْتِبَار أَن الطُّهْر مُذَكّر دون الْحيض وَقد ورد الْكتاب فِي الْجمع بِلَفْظ التَّأْنِيث دلّ على أَن جمع الْمُذكر وَهُوَ الطُّهْر لزم ترك الْعَمَل بِهَذَا الْخَاص لِأَن من حمله على الطُّهْر لَا يُوجب ثَلَاثَة أطهار بل طهرين وَبَعض الثَّالِث وَهُوَ الَّذِي وَقع فِيهِ الطَّلَاق فَيخرج على هَذَا حكم الرّجْعَة فِي الْحَيْضَة الثَّالِثَة وزواله وَتَصْحِيح نِكَاح الْغَيْر وإبطاله وَحكم الْحَبْس وَالْإِطْلَاق والمسكن والإنفاق وَالْخلْع وَالطَّلَاق وَتزَوج الزَّوْج بأختها وَأَرْبع سواهَا وَأَحْكَام الْمِيرَاث مَعَ كَثْرَة تعدادها وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى

بحث تقسيم العام إلى قسمين

2 - 2 بحث تَقْسِيم الْعَام إِلَى قسمَيْنِ {قد علمنَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم فِي أَزوَاجهم} خَاص فِي التَّقْدِير الشَّرْعِيّ فَلَا يتْرك الْعَمَل بِهِ بِاعْتِبَار أَنه عقد مَالِي فَيعْتَبر بِالْعُقُودِ الْمَالِيَّة فَيكون تَقْدِير المَال فِيهِ موكولا إِلَى رَأْي الزَّوْجَيْنِ كَمَا ذكره الشَّافِعِي وَفرع على هَذَا أَن التخلي لنفل الْعِبَادَة أفضل من الِاشْتِغَال بِالنِّكَاحِ وأباح إِبْطَاله بِالطَّلَاق كَيفَ مَا شَاءَ الزَّوْج من جمع وتفريق وأباح إرْسَال الثَّلَاث جملَة وَاحِدَة وَجعل عقد النِّكَاح قَابلا للْفَسْخ بِالْخلْعِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} خَاص فِي وجود النِّكَاح من الْمَرْأَة فَلَا يتْرك الْعَمَل بِهِ بِمَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَيّمَا امرآة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل بَاطِل بَاطِل وَيتَفَرَّع مِنْهُ الْخلاف فِي حل الْوَطْء وَلُزُوم الْمهْر وَالنَّفقَة وَالسُّكْنَى وَوُقُوع الطَّلَاق وَالنِّكَاح بعد الطلقات الثَّلَاث على مَا ذهب إِلَيْهِ قدماء أَصْحَابه بِخِلَاف مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخّرُونَ مِنْهُم وَأما الْعَام فنوعان عَام خص عَنهُ الْبَعْض وعام لم يخص عَنهُ شَيْء فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْخَاص فِي حق لُزُوم الْعَمَل بِهِ لَا محَالة وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا قطع يَد السَّارِق بَعْدَمَا هلك الْمَسْرُوق عِنْده لَا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان لِأَن الْقطع جَزَاء جَمِيع مَا اكْتَسبهُ

بحث عموم كلمة ما

1 - 3 بحث عُمُوم كلمة مَا إِن كلمة مَا عَامَّة تتَنَاوَل جَمِيع مَا وجد من السَّارِق وَبِتَقْدِير إِيجَاب الضَّمَان يكون الْجَزَاء هُوَ الْمَجْمُوع وَلَا يتْرك الْعَمَل بِالْقِيَاسِ على الْغَصْب وَالدَّلِيل على أَن كلمة مَا عَامَّة مَا ذكره مُحَمَّد رَحمَه الله إِذا قَالَ الْمولى لجاريته إِن كَانَ مَا فِي بَطْنك غُلَاما فَأَنت حرَّة فَولدت غُلَاما وَجَارِيَة لَا تعْتق وبمثله نقُول فِي قَوْله تَعَالَى {فاقرؤوا مَا تيَسّر من الْقُرْآن} فَإِنَّهُ عَام فِي جَمِيع مَا تيَسّر من الْقُرْآن وَمن ضَرُورَته عدم توقف الْجَوَاز على قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَجَاء فِي الْخَبَر أَنه قَالَ لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب فعملنا بهما على وَجه لَا يتَغَيَّر بِهِ حكم الْكتاب بِأَن نحمل الْخَبَر على نفي الْكَمَال حَتَّى يكون مُطلق الْقِرَاءَة فرضا بِحكم الْكتاب وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة وَاجِبَة بِحكم الْخَبَر وَقُلْنَا كَذَلِك فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ} أَنه يُوجب حُرْمَة مَتْرُوك التَّسْمِيَة عَامِدًا وَجَاء فِي الْخَبَر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن مَتْرُوك التَّسْمِيَة عَامِدًا فَقَالَ (كلوه فَإِن تَسْمِيَة الله تَعَالَى فِي قلب كل امرىء مُسلم) فَلَا يُمكن التَّوْفِيق بينهمالأنه لَو ثَبت الْحل بِتَرْكِهَا عَامِدًا لثبت الْحل بِتَرْكِهَا نَاسِيا فَحِينَئِذٍ يرْتَفع حكم الْكتاب فَيتْرك الْخَبَر

بحث العام المخصوص منه البعض

1 - 4 بحث الْعَام الْمَخْصُوص مِنْهُ الْبَعْض وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم} يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ حُرْمَة نِكَاح الْمُرضعَة وَقد جَاءَ فِي الْخَبَر لَا تحرم المصة وَلَا المصتان وَلَا الإملاجة وَلَا الإملاجتان فَلم يُمكن التَّوْفِيق بَينهمَا فَيتْرك الْخَبَر (وَأما الْعَام الَّذِي خص عِنْد الْبَعْض فَحكمه) أَنه يجب الْعَمَل بِهِ فِي الْبَاقِي مَعَ الِاحْتِمَال فَإِذا أَقَامَ الدَّلِيل على تَخْصِيص الْبَاقِي يجوز تَخْصِيصه بِخَبَر الْوَاحِد أَو الْقيَاس إِلَى أَن يبْقى الثُّلُث بعد ذَلِك لَا يجوز فَيجب الْعَمَل بِهِ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَن الْمُخَصّص الَّذِي أخرج الْبَعْض عَن الْجُمْلَة لَو أخرج بَعْضًا مَجْهُولا يثبت الِاحْتِمَال فِي كل فَرد معِين فَجَاز أَن يكون بَاقِيا تَحت حكم الْعَام وَجَاز أَن يكون دَاخِلا تَحت دَلِيل الْخُصُوص فَاسْتَوَى الطرفان فِي حق الْمعِين فَإِذا أَقَامَ الدَّلِيل الشَّرْعِيّ على أَنه من جملَة مَا دخل تَحت دَلِيل الْخُصُوص ترجح جَانب نخصيصه وَإِن كَانَ الْمُخَصّص أخرج بَعْضًا مَعْلُوما عَن الْجُمْلَة جَازَ أَن يكون معلولا بعلة مَوْجُودَة فِي هَذَا الْفَرد الْمعِين فَإِذا قَامَ الدَّلِيل الشَّرْعِيّ على وجود تِلْكَ الْعلَّة فِي غير هَذَا الْفَرد الْمعِين ترجح جِهَة تَخْصِيصه فَيعْمل بِهِ مَعَ وجود الِاحْتِمَال

الفصل الثاني فصل في المطلق والمعيد

الْفَصْل الثَّانِي فصل فِي الْمُطلق والمعيد 2 - / 1 بحث الْمُطلق إِذا أمكن الْعَمَل بِهِ لَا يجوز الزِّيَادَة عَلَيْهِ ذهب أَصْحَابنَا إِلَى أَن الْمُطلق من كتاب الله تَعَالَى إِذا أمكن الْعَمَل بِإِطْلَاقِهِ فَالزِّيَادَة عَلَيْهِ بِخَبَر الْوَاحِد وَالْقِيَاس لَا يجوز مِثَاله فِي قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم} فالمأمور بِهِ هُوَ الْغسْل على الْإِطْلَاق فَلَا يُزَاد عَلَيْهِ شَرط النِّيَّة وَالتَّرْتِيب والموالاة وَالتَّسْمِيَة بالْخبر وَلَكِن يعْمل بالْخبر على وَجه لَا يتَغَيَّر بِهِ حكم الْكتاب فَيُقَال الْغسْل الْمُطلق فرض بِحكم الْكتاب وَالنِّيَّة سنة بِحكم الْخَبَر وَكَذَلِكَ قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة} إِن الْكتاب جعل جلد الْمِائَة حدا للزِّنَا فَلَا يُزَاد عَلَيْهِ التَّغْرِيب حدا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام (الْبكر بالبكر جلد مائَة وتغريب عَام) بل يعْمل بالْخبر على وَجه لَا يتَغَيَّر بِهِ حكم الْكتاب فَيكون الْجلد حدا شَرْعِيًّا بِحكم الْكتاب والتغريب مَشْرُوعا سياسة بِحكم الْخَبَر وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} مُطلق فِي مُسَمّى الطّواف بِالْبَيْتِ فَلَا يُزَاد عَلَيْهِ شَرط الْوضُوء بالْخبر بل يعْمل بِهِ على وَجه لَا يتَغَيَّر بِهِ حكم الْكتاب بِأَن يكون مُطلق الطّواف فرضا بِحكم الْكتاب وَالْوُضُوء وَاجِبا بِحكم الْخَبَر فَيجْبر النُّقْصَان اللَّازِم بترك الْوضُوء الْوَاجِب بِالدَّمِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {واركعوا مَعَ الراكعين}

بحث جواز التوضي بماء الزعفران وأمثاله

2 - / 2 بحث جَوَاز التوضي بِمَاء الزَّعْفَرَان وَأَمْثَاله مُطلق فِي مُسَمّى الرُّكُوع فَلَا يُزَاد عَلَيْهِ شَرط التَّعْدِيل بِحكم الْخَبَر وَلَكِن يعْمل بالْخبر على وَجه لَا يتَغَيَّر بِهِ حكم الْكتاب فَيكون مُطلق الرُّكُوع فرضا بِحكم الْكتاب وَالتَّعْدِيل وَاجِبا بِحكم الْخَبَر وعَلى هَذَا قُلْنَا يجوز التوضي بِمَاء الزَّعْفَرَان وَبِكُل مَاء خالطه شَيْء طَاهِر فَغير أحد أَوْصَافه لِأَن شَرط الْمصير إِلَى التَّيَمُّم عدم مُطلق المَاء وَهَذَا قد بَقِي مَاء مُطلقًا فَإِن قيد الْإِضَافَة مَا أَزَال عَنهُ اسْم المَاء بل قَرَّرَهُ فَيدْخل تَحت حكم مُطلق المَاء وَكَانَ شَرط بَقَائِهِ على صفة الْمنزل من السَّمَاء قيدا لهَذَا الْمُطلق وَبِه يخرج حكم مَاء الزَّعْفَرَان والصابون والأشنان وَأَمْثَاله وَخرج عَن هَذِه الْقَضِيَّة المَاء النَّجس بقوله تَعَالَى {وَلَكِن يُرِيد ليطهركم} وَالنَّجس لَا يُفِيد الطَّهَارَة وبهذه الْإِشَارَة علم أَن الْحَدث شَرط لوُجُوب الْوضُوء فَإِن تَحْصِيل الطَّهَارَة بِدُونِ وجود الْحَدث محَال قَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ الْمظَاهر إِذا جَامع امْرَأَته فِي خلال الْإِطْعَام لَا يسْتَأْنف الْإِطْعَام لِأَن الْكتاب مُطلق فِي حق الْإِطْعَام فَلَا يُزَاد عَلَيْهِ شَرط عدم الْمَسِيس بِالْقِيَاسِ على الصَّوْم بل الْمُطلق يجْرِي على إِطْلَاقه والمقيد على تَقْيِيده وَكَذَلِكَ قُلْنَا الرَّقَبَة فِي كَفَّارَة الظِّهَار وَالْيَمِين مُطلقَة فَلَا يُزَاد عَلَيْهِ شلاط الْإِيمَان بِالْقِيَاسِ على كَفَّارَة الْقَتْل

بحث المشترك والمؤول

بحث الْمُشْتَرك والمؤول إِن قيل أَن الْكتاب فِي مسح الرَّأْس يُوجب مسح مُطلق الْبَعْض وَقد قيدتموه بِمِقْدَار الناصية بالْخبر وَالْكتاب مُطلق فِي انْتِهَاء الْحُرْمَة الغليظة بِالنِّكَاحِ وَقد قيدتموه بِالدُّخُولِ بِحَدِيث امْرَأَة رِفَاعَة قُلْنَا إِن الْكتاب لَيْسَ بِمُطلق فِي بَاب الْمسْح فَإِن حكم الْمُطلق أَن يكون الْآتِي بِأَيّ فَرد كَانَ آتِيَا بالمأمور بِهِ والآتي بِأَيّ بعض كَانَ هَهُنَا لَيْسَ بآت بالمأمور بِهِ فَإِنَّهُ لَو مسح على النّصْف أَو على الثُّلثَيْنِ لَا يكون الْكل فرضا وَبِه فَارق الْمُطلق الْمُجْمل وَأما قيد الدُّخُول فقد قَالَ الْبَعْض أَن النِّكَاح فِي النَّص حمل على الوطءإذ العقد مُسْتَفَاد من لفظ الزَّوْج وَبِهَذَا يَزُول السُّؤَال وَقَالَ الْبَعْض قيد الدُّخُول ثَبت الْخَبَر وجعلوه من الْمَشَاهِير فَلَا يلْزمهُم تَقْيِيد الْكتاب بِخَبَر الْوَاحِد الْفَصْل الثَّالِث فصل فِي الْمُشْتَرك والمؤول الْمُشْتَرك مَا وضع لمعنيين مُخْتَلفين أَو لمعان مُخْتَلفَة الْحَقَائِق مِثَاله قَوْلنَا جَارِيَة فَإِنَّهَا تتَنَاوَل الْأمة والسفينة وَالْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يتَنَاوَل قَابل عقد البيع وكوكب السَّمَاء وَقَوْلنَا بئن فَأن يحْتَمل الْبَين وَالْبَيَان وَحكم الْمُشْتَرك أَنه إِذا تعين الوحد مرَادا بِهِ

سقط اعْتِبَار إِرَادَة غَيره وَلِهَذَا أجمع الْعلمَاء رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن لفظ القروء الْمَذْكُور فِي كتاب الله تَعَالَى مَحْمُول إِمَّا على الْحيض كَمَا هُوَ مَذْهَبنَا أَو على الطُّهْر كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَقَالَ مُحَمَّد إِذا أوصى لموَالِي بني فلَان ولبني فلَان موَالٍ من أَعلَى وموال من أَسْفَل فَمَاتَ بطلت الْوَصِيَّة فِي حق الْفَرِيقَيْنِ لِاسْتِحَالَة الْجمع بَينهمَا وَعدم الرجحان وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قَالَ لزوجته أَنْت عَليّ مثل أُمِّي لَا يكون مُظَاهرا لِأَن اللَّفْظ مُشْتَرك بَين الْكَرَامَة وَالْحُرْمَة فَلَا يتَرَجَّح جِهَة الْحُرْمَة إِلَّا بِالنِّيَّةِ وعَلى هَذَا قُلْنَا لَا يجب النظير فِي جَزَاء الصَّيْد لقَوْله تَعَالَى {فجزاء مثل مَا قتل من النعم} لِأَن الْمثل مُشْتَرك بَين الْمثل صُورَة وَبَين الْمثل معنى وَهُوَ الْقيمَة وَقد أُرِيد الْمثل من حَيْثُ الْمَعْنى بِهَذَا النَّص فِي قتل إِذْ لَا عُمُوم للمشترك أصلا فَيسْقط اعْتِبَار الصُّورَة لِاسْتِحَالَة الْجمع ثمَّ إِذا ترجح بعض وُجُوه الْمُشْتَرك بالغالب الرَّأْي يصير مؤلا وَحكم المؤول وجوب الْعَمَل بِهِ مَعَ احْتِمَال الْخَطَأ ومثاله فِي الحكميات مَا قُلْنَا إِذا أطلق الثّمن ومثاله فِي الحكميات مَا قُلْنَا إِذا أطلق فِي البيع كَانَ على غَالب نقد الْبَلَد وَذَلِكَ بطرِيق التَّأْوِيل وَلَو كَانَت النُّقُود مُخْتَلفَة فسد البيع لما ذكرنَا وَحمل الإقراء على الْحيض

بحث الحقيقة والمجاز

بحث الْحَقِيقَة وَالْمجَاز حمل النِّكَاح فِي الْآيَة على الوطىء وَحمل الْكِنَايَات حَال مذاكرة الطَّلَاق على الطَّلَاق من هَذَا الْقَبِيل وعَلى هَذَا قُلْنَا الدّين الْمَانِع من الزَّكَاة يصرف إِلَى أيسر الْمَالَيْنِ قَضَاء للدّين فرع مُحَمَّد على هَذَا فَقَالَ إِذا تزوج امْرَأَة على نِصَاب وَله نِصَاب من الْغنم ونصاب من الدَّرَاهِم يصرف الدّين إِلَى الدَّرَاهِم حَتَّى لَو حَال عَلَيْهِمَا الْحول تجب الزَّكَاة عِنْده فِي نِصَاب الْغنم وَلَا تجب فِي الدَّرَاهِم وَلَو ترجح بعض وُجُوه الْمُشْتَرك بِبَيَان من قبل الْمُتَكَلّم كَانَ مُفَسرًا وَحكمه أَنه يجب الْعَمَل بِهِ يَقِينا مِثَاله إذاقال لفُلَان عَليّ عشرَة دَرَاهِم من نقد بخاري فَقَوله من نقد بخاري تَفْسِير لَهُ فلولا ذَلِك لَكَانَ منصرفا إِلَى غَالب نقد الْبَلَد بطرِيق التَّأْوِيل فيترجح الْمُفَسّر فَلَا يجب نقد الْبَلَد الْفَصْل الرَّابِع فصل فِي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز كل لفظ وَضعه وَاضع اللُّغَة بِإِزَاءِ شَيْء فَهُوَ حَقِيقَة لَهُ وَلَو اسْتعْمل فِي غَيره يكون مجَازًا لَا حَقِيقَة

ثمَّ الْحَقِيقَة مَعَ الْمجَاز لَا يَجْتَمِعَانِ ارادة من لفظ وَاحِد فِي حَالَة وَاحِدَة وَلِهَذَا قُلْنَا لما أُرِيد مَا يدْخل فِي الصَّاع بقوله عَلَيْهِ السَّلَام (لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلَا الصَّاع بالصاعين) وَسقط اعْتِبَار نفس الصَّاع حَتَّى جَازَ بيع الْوَاحِد مِنْهُ بالإثنين وَلما أُرِيد الوقاع من آيَة الْمُلَامسَة سقط اعْتِبَار إِرَادَة الْمس بِالْيَدِ

الحقيقة والمجاز

الْحَقِيقَة وَالْمجَاز قَالَ مُحَمَّد إذاأوصى لمواليه وَله موَالٍ أعتقهم ولمواليه موَالٍ اعتقوهم كَانَت الْوَصِيَّة لمواليه دون موَالِي موَالِيه وَفِي السّير الْكَبِير لَو استأمن أهل الْحَرْب على آبَائِهِم لَا تدخل الأجداد فِي الْأمان وَلَو استأمنوا على أمهاتهم لَا يثبت الْأمان فِي حق الْجدَّات وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا أوصى لأبكار بني فلَان لَا تدخل المصابة بالفجورفي حكم الْوَصِيَّة وَلَو أوصى لبني فلَان وَله بنُون وَبَنُو بنيه كَانَت الْوَصِيَّة لِبَنِيهِ دون بني بنيه قَالَ أَصْحَابنَا لَو حلف لَا ينْكح فُلَانَة وَهِي أَجْنَبِيَّة كَانَ ذَلِك على العقد حَتَّى لَو زنا بهَا لَا يَحْنَث وَلَئِن قَالَ إِذا حلف لَا يضع قدمه فِي دَار فلَان يَحْنَث لَو دَخلهَا حافيا أَو متنعلا أَو رَاكِبًا وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يسكن دَار فلَان يَحْنَث لَو كَانَت الدَّار ملكا لفُلَان أَو كَانَت بِأُجْرَة اَوْ عَادِية وَذَلِكَ جمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز وَكَذَلِكَ لَو قَالَ عَبده حر يَوْم يقدم فلَان فَقدم فلَان لَيْلًا أَو نَهَارا يَحْنَث قُلْنَا وضع الْقدَم صَار مجَازًا عَن الدُّخُول بِحكم الْعرف وَالدُّخُول لَا يتَفَاوَت فِي الْفَصْلَيْنِ وَدَار فلَان صَار مجَازًا عَن دَار مسكونة لَهُ وَذَلِكَ لَا يتَفَاوَت بَين أَن يكون ملكا لَهُ أَو كَانَت بِأُجْرَة لَهُ

بحث تقسيم الحقيقة إلى ثلاثة أقسام

4 - / 1 بحث تَقْسِيم الْحَقِيقَة إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام وَالْيَوْم فِي مَسْأَلَة الْقدوم عبارَة عَن مُطلق الْوَقْت لِأَن الْيَوْم إِذا أضيف إِلَى فعل لَا يَمْتَد يكون عبارَة عَن مُطلق الْوَقْت كَمَا عرف فَكَانَ الْحِنْث بِهَذَا الطَّرِيق لَا بطرِيق الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز ثمَّ الْحَقِيقَة أَنْوَاع ثَلَاثَة متعذرة ومهجورة ومستعملة وَفِي الْقسمَيْنِ الْأَوَّلين يُصَار إِلَى الْمجَاز بالِاتِّفَاقِ وَنَظِير المتعذرة إِذا حلف لَا يَأْكُل من هَذِه الشَّجَرَة أَو من هَذِه الْقدر فَإِن أكل الشَّجَرَة وَالْقدر مُتَعَذر فَيَنْصَرِف ذَلِك إِلَى ثَمَرَة الشَّجَرَة وَإِلَى مَا يحل فِي الْقدر حَتَّى لَو أكل من عين الشَّجَرَة أَو من عين الْقدر بِنَوْع تكلّف لَا يَحْنَث وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا حلف لَا يشرب من هَذِه البير ينْصَرف ذَلِك إِلَى الاغتراف حَتَّى لَو فَرضنَا أَنه لَو كرع بِنَوْع تكلّف لَا يَحْنَث بالِاتِّفَاقِ وَنَظِير المهجورة لَو حلف لَا يضع قدمه فِي دَار فلَان فَإِن إِرَادَة وضع الْقدَم مهجورة عَادَة وعَلى هَذَا قُلْنَا التَّوْكِيل بِنَفس الْخُصُومَة ينْصَرف إِلَى مُطلق جَوَاب الْخصم حَتَّى يسع للْوَكِيل أَن يُجيب بنعم كَمَا يَسعهُ أَن يُجيب بِلَا لِأَن التَّوْكِيل بِنَفس الْخُصُومَة مهجور شرعا وَعَادَة

وَلَو كَانَت الْحَقِيقَة مستعملة فَإِن لم يكن لَهَا مجَاز مُتَعَارَف فالحقيقة أولى بِلَا خلاف فَإِن كَانَ لَهَا مجَاز مُتَعَارَف

بحث كون المجاز خلفا عن الحقيقة عند أبي حنيفة

4 - / 2 بحث كَون الْمجَاز خلفا عَن الْحَقِيقَة عِنْد أبي حنيفَة فالحقيقة أولى عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا الْعَمَل بِعُمُوم الْمجَاز أولى مِثَاله لَو حلف لَا يَأْكُل من هَذِه الْحِنْطَة ينْصَرف ذَلِك إِلَى عينهَا عِنْده حَتَّى لَو أكل من الْخبز الْحَاصِل مِنْهَا لَا يَحْنَث عِنْده وَعِنْدَهُمَا ينْصَرف إِلَى مَا تتضمنه الْحِنْطَة بطرِيق عُمُوم الْمجَاز فَيحنث بأكلها وبأكل الْخبز الْحَاصِل مِنْهَا وَكَذَا لَو حلف لَا يشرب من الْفُرَات ينْصَرف إِلَى الشّرْب مِنْهَا كرعا عِنْده وَعِنْدَهُمَا إِلَى الْمجَاز الْمُتَعَارف وَهُوَ شرب مَائِهَا بِأَيّ طَرِيق كَانَ ثمَّ الْمجَاز عِنْد أبي حنيفَة خلف عَن الْحَقِيقَة فِي حق اللَّفْظ وَعِنْدَهُمَا خلف عَن الْحَقِيقَة فِي حق الحكم حَتَّى لَو كَانَت الْحَقِيقَة مُمكنَة فِي نَفسهَا إِلَّا أَنه امْتنع الْعَمَل بهَا لمَانع يُصَار إِلَى الْمجَاز وَإِلَّا صَار الْكَلَام لَغوا وَعِنْده يُصَار إِلَى الْمجَاز وَإِن لم تكن الْحَقِيقَة مُمكنَة فِي نَفسهَا أَمْثَاله إِذا قَالَ لعَبْدِهِ وَهُوَ أكبر سنا مِنْهُ هَذَا ابْني لَا يُصَار إِلَى الْمجَاز عِنْدهمَا لِاسْتِحَالَة الْحَقِيقَة وَعِنْده يُصَار إِلَى الْمجَاز حَتَّى يعْتق العَبْد

وعَلى هَذَا يخرج الحكم فِي قَوْله لَهُ عَليّ ألف أَو على هَذَا الْجِدَار وَقَوله عَبدِي أَو حماري حر وَلَا يلْزم على هَذَا إِذا قَالَ لامْرَأَته هَذِه ابْنَتي وَلها نسب مَعْرُوف من غَيره حَيْثُ لاتحرم عَلَيْهِ

الفصل الخامس فصل في تعريف طريق الاستعارة

وَلَا يَجْعَل ذَلِك مجَازًا عَن الطَّلَاق سَوَاء كَانَت الْمَرْأَة أَصْغَر سنا مِنْهُ أَو كبرى لِأَن هَذَا اللَّفْظ لَو صَحَّ مَعْنَاهُ لَكَانَ منافيا للنِّكَاح فَيكون منافيا لحكمه هُوَ الطَّلَاق وَلَا اسْتِعَارَة مَعَ وجود التَّنَافِي بِخِلَاف قَوْله هَذَا ابْني فَإِن الْبُنُوَّة لَا تنَافِي ثُبُوت الْملك للْأَب بل يثبت الْملك لَهُ ثمَّ يعْتق عَلَيْهِ الْفَصْل الْخَامِس فصل فِي تَعْرِيف طَرِيق الِاسْتِعَارَة اعْلَم أَن الِاسْتِعَارَة فِي أَحْكَام الشَّرْع مطردَة بطريقين أَحدهمَا لوُجُود الِاتِّصَال بَين الْعلَّة وَالْحكم وَالثَّانِي لوُجُود الِاتِّصَال بَين السَّبَب والمحض وَالْحكم فَالْأول مِنْهُمَا يُوجب صِحَة الِاسْتِعَارَة من الطَّرفَيْنِ وَالثَّانِي يُوجب صِحَّتهَا من أحد الطَّرفَيْنِ وَهُوَ اسْتِعَارَة الأَصْل للفرع مِثَال الأول فِيمَا إِذا قَالَ إِن ملكت عبدا فَهُوَ حر فَملك نصف العَبْد فَبَاعَهُ ثمَّ ملك النّصْف الآخر لم يعْتق إِذْ لم يجْتَمع فِي ملكه كل العَبْد وَلَو قَالَ إِن اشْتريت عبدا فَهُوَ حر فَاشْترى نصف العَبْد فَبَاعَهُ ثمَّ

اشْترى النّصْف الآخر عتق النّصْف الثَّانِي وَلَو عَنى بِالْملكِ الشِّرَاء أَو بِالشِّرَاءِ الْملك صحت نِيَّته بطرِيق الْمجَاز لِأَن الشِّرَاء عِلّة الْملك وَالْملك حكمه فعمت الِاسْتِعَارَة بَين الْعلَّة والمعلول من الطَّرفَيْنِ

إلاإنه فِيمَا يكون تَخْفِيفًا فِي حَقه لَا يصدق فِي حق الْقَضَاء خَاصَّة لِمَعْنى التُّهْمَة لَا لعدم صِحَة الِاسْتِعَارَة وَمِثَال الثَّانِي إِذا قَالَ لامْرَأَته حررتك وَنوى بِهِ الطَّلَاق يَصح لِأَن التَّحْرِير بحقيقته يُوجب زَوَال ملك الْبضْع بِوَاسِطَة زَوَال ملك الرقبه فَكَانَ سَببا مَحْضا لزوَال ملك الْمُتْعَة فَجَاز أَن يستعار عَن الطَّلَاق الَّذِي هُوَ مزيل لملك الْمُتْعَة وَلَا يُقَال لَو جعل مجَازًا عَن الطَّلَاق لوَجَبَ أَن يكون الطَّلَاق الْوَاقِع بِهِ رَجْعِيًا كصريح الطَّلَاق لأَنا نقُول لَا نجعله مجَازًا عَن الطَّلَاق بل عَن المزيل لملك الْمُتْعَة وَذَلِكَ فِي الْبَائِن إِذْ لرجعي لَا يزِيل ملك الْمُتْعَة عندنَا وَلَو قَالَ لأمته طَلقتك وَنوى بِهِ التَّحْرِير لَا يَصح لِأَن الأَصْل جَازَ أَن يثبت بِهِ الْفَرْع وَأما الْفَرْع فَلَا يجوز أَن يثبت بِهِ الأَصْل وعَلى هَذَا نقُول ينْعَقد النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة وَالتَّمْلِيك وَالْبيع لِأَن الْهِبَة بحقيقتها توجب ملك الرَّقَبَة وَملك الرَّقَبَة يُوجب ملك الْمُتْعَة فِي الْإِمَاء فَكَانَت الْهِبَة سَببا مَحْضا لثُبُوت ملك الْمُتْعَة فَجَاز أَن يستعار عَن النِّكَاح

وَكَذَلِكَ لفظ التَّمْلِيك وَالْبيع لَا ينعكس حَتَّى لَا ينْعَقد البيع وَالْهِبَة بِلَفْظ النِّكَاح ثمَّ فِي كل مَوضِع يكون الْمحل مُتَعَيّنا لنَوْع من الْمجَاز لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى النِّيَّة لَا يُقَال وَلما كَانَ إِمْكَان الْحَقِيقَة شرطا لصِحَّة الْمجَاز عِنْدهمَا

الفصل السادس فصل في الصريح والكناية

كَيفَ يُصَار إِلَى الْمجَاز فِي صُورَة النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة مَعَ أَن تمْلِيك الْحرَّة بِالْبيعِ وَالْهِبَة محَال لأَنا نقُول ذَلِك مُمكن فِي الْجُمْلَة بِأَن ارْتَدَّت وَلَحِقت بدار الْحَرْب ثمَّ سبيت وَصَارَ هَذَا نَظِير مس السَّمَاء واخواته الْفَصْل السَّادِس فصل فِي الصَّرِيح وَالْكِنَايَة الصَّرِيح لفظ يكون المُرَاد بِهِ ظَاهرا كَقَوْلِه بِعْت واشتريت وَأَمْثَاله وَحكمه أَنه يُوجب ثُبُوت مَعْنَاهُ بِأَيّ طَرِيق كَانَ من إِخْبَار أَو نعت أَو نِدَاء وَمن حكمه أَنه يَسْتَغْنِي عَن النِّيَّة وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق أَو طَلقتك أَو يَا طَالِق يَقع الطَّلَاق نوى بِهِ الطَّلَاق أَو لم ينْو وَكَذَا لَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر أَو حررتك أَو يَا حر وعَلى هَذَا قُلْنَا إِن التَّيَمُّم يُفِيد الطَّهَارَة لِأَن قَوْله تَعَالَى {وَلَكِن يُرِيد ليطهركم} صَرِيح فِي حُصُول الطَّهَارَة بِهِ

وَللشَّافِعِيّ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه طَهَارَة ضَرُورِيَّة وَالْآخر انه لَيْسَ بِطَهَارَة بل هُوَ ساترا للْحَدَث وعَلى هَذَا يخرج الْمسَائِل على المذهبين من جَوَازه قبل الْوَقْت إداء الفرضين بِتَيَمُّم وَاحِد وأمامة المتيم للمتوضئين وجوازه بِدُونِ خوف تلف النَّفس أَو الْعُضْو بِالْوضُوءِ وجوازه للعيد والجنازة وجوازه بنية الطَّهَارَة وَالْكِنَايَة هِيَ مَا استتر مَعْنَاهُ وَالْمجَاز قبل أَن يصير متعارفا بِمَنْزِلَة الْكِنَايَة وَحكم الْكِنَايَة ثُبُوت الحكم بهَا

الفصل السابع فصل في المتقابلات يعنى بها الظاهر والنص والمفسر والمحكم مع ما يقابلها من الخفي والمشكل والمجمل والمتشابه

عِنْد وجود النِّيَّة أَو بِدلَالَة الْحَال إِذْ لَا بُد لَهُ من دَلِيل يَزُول بِهِ التَّرَدُّد ويترجح بِهِ بعض الْوُجُوه وَلِهَذَا الْمَعْنى سمي لفظ الْبَيْنُونَة وَالتَّحْرِيم كِنَايَة فِي بَاب الطَّلَاق لِمَعْنى التَّرَدُّد واستتار المُرَاد لَا أَنه يعْمل عمل الطَّلَاق وَيتَفَرَّع مِنْهُ حكم الْكِنَايَات فِي حق عدم ولَايَة الرّجْعَة ولوجود معنى التَّرَدُّد فِي الْكِنَايَة لَا يُقَام بهَا الْعُقُوبَات حَتَّى لَو أقرّ على نَفسه فِي بَاب الزِّنَا وَالسَّرِقَة لَا يُقَام عَلَيْهِ الْحَد مَا لم يذكر اللَّفْظ الصَّرِيح ولهذاالمعنى لَا يُقَام الْحَد على الْأَخْرَس بِالْإِشَارَةِ وَلَو قذف رجلا بِالزِّنَا فَقَالَ الآخر صدقت لَا يجب الْحَد لاحْتِمَال التَّصْدِيق لَهُ فِي غَيره الْفَصْل السَّابِع فصل فِي المتقابلات يعْنى بهَا الظَّاهِر وَالنَّص والمفسر والمحكم مَعَ مَا يقابلها من الْخَفي والمشكل والمجمل والمتشابه فَالظَّاهِر اسْم لكل كَلَام ظهر المُرَاد بِهِ للسامع بِنَفس السماع من غير تَأمل وَالنَّص مَا سيق الْكَلَام لأَجله ومثاله فِي قَوْله تَعَالَى {وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا} فالآية سيقت لبَيَان التَّفْرِقَة بَين البيع والربا ردا لما ادَّعَاهُ الْكفَّار من التَّسْوِيَة بَينهمَا حَيْثُ قَالُوا {إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا}

وَقد علم حل البيع وَحُرْمَة الرِّبَا بِنَفس السماع فَصَارَ ذَلِك نصا فِي التَّفْرِقَة ظَاهرا فِي حل البيع وَحُرْمَة الرِّبَا

بحث وجوب العمل بحكم الظاهر والنص

7 - / 1 بحث وجوب الْعَمَل بِحكم الظَّاهِر وَالنَّص وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} سيق الْكَلَام لبَيَان الْعدَد وَقد علم الْإِطْلَاق وَالْإِجَازَة بِنَفس السماع فَصَارَ ذَلِك ظَاهرا فِي حق الْإِطْلَاق نصا فِي بَيَان الْعدَد وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لَا جنَاح عَلَيْكُم إِن طلّقْتُم النِّسَاء مَا لم تمَسُّوهُنَّ أَو تفرضوا لَهُنَّ فَرِيضَة} نَص فِي حكم من لم يسم لَهَا الْمهْر وَظَاهر فِي استبداد الزَّوْج بِالطَّلَاق وَإِشَارَة إِلَى أَن النِّكَاح بِدُونِ ذكر الْمهْر يَصح وَكَذَلِكَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من ملك ذَا رحم محرم مِنْهُ عتق عَلَيْهِ نَص فِي اسْتِحْقَاق الْعتْق للقريب وَظَاهر فِي ثُبُوت الْملك لَهُ وَحكم الظَّاهِر وَالنَّص وجوب الْعَمَل بهما عَاميْنِ كَانَا أَو خاصين مَعَ احْتِمَال إِرَادَة الْغَيْر وَذَلِكَ بِمَنْزِلَة الْمجَاز مَعَ الْحَقِيقَة وعَلى هذاقلنا إِذا اشْترى قَرِيبه حَتَّى عتق عَلَيْهِ يكون هُوَ معتقا وَيكون الْوَلَاء لَهُ وَإِنَّمَا يظْهر التَّفَاوُت بَينهمَا عِنْد الْمُقَابلَة

وَلِهَذَا لَو قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفسك فَقَالَت أبنت نَفسِي يَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا لِأَن هَذَا نَص فِي الطَّلَاق وَظَاهر فِي الْبَيْنُونَة فيترجح الْعَمَل بِالنَّصِّ وَكَذَلِكَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لأهل عرينة (إشربوا من أبوالها والبانها) نَص فِي بَيَان سَبَب الشِّفَاء وَظَاهر فِي إجَازَة شرب الْبَوْل وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام (استنزهوا من الْبَوْل فَإِن عَامَّة عَذَاب الْقَبْر مِنْهُ) نَص فِي وجوب الِاحْتِرَاز عَن الْبَوْل فيترجح النَّص على الظَّاهِر فَلَا يحل شرب الْبَوْل أصلا

بحث ترجيح المفسر على النص

7 - / 2 بحث تَرْجِيح الْمُفَسّر على النَّص وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام (مَا سقته السَّمَاء فَفِيهِ الْعشْر) نَص فِي بَيَان الْعشْر وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام لَيْسَ (فِي الخضروات صَدَقَة) مؤول فِي نفي الْعشْر لِأَن الصَّدَقَة تحْتَمل وُجُوهًا فيترجح الأول على الثَّانِي وَأما الْمُفَسّر فَهُوَ مَا ظهر المُرَاد بِهِ من اللَّفْظ بِبَيَان من قبل الْمُتَكَلّم بِحَيْثُ لَا يبْقى مَعَه احْتِمَال التَّأْوِيل والتخصيص مِثَاله فِي قَوْله تَعَالَى {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ} فاسم الْمَلَائِكَة ظَاهر فِي الْعُمُوم إِلَّا أَن احْتِمَال التَّخْصِيص قَائِم فانسد بَاب التَّخْصِيص بقوله (كلهم) ثمَّ بَقِي احْتِمَال التَّفْرِقَة فِي السُّجُود فانسد بَاب التَّأْوِيل بقوله أَجْمَعُونَ وَفِي الشرعيات إِذا قَالَ تزوجت فُلَانَة شهرا بِكَذَا فَقَوله تزوجت ظَاهر فِي النِّكَاح إِلَّا أَن احْتِمَال الْمُتْعَة قَائِم فبقوله شهرا فسر المُرَاد بِهِ فَقُلْنَا هَذَا مُتْعَة وَلَيْسَ بِنِكَاح وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف من ثمن هَذَا العَبْد أَو من ثمن هَذَا الْمَتَاع فَقَوله عَليّ ألف نَص فِي لُزُوم الْألف إِلَّا أَن احْتِمَال التَّفْسِير بَاقٍ فبقوله من ثمن هَذَا العَبْد اَوْ من ثمن هَذَا الْمَتَاع بَين المُرَاد بِهِ فيترجح الْمُفَسّر على النَّص حَتَّى لَا يلْزمه المَال إِلَّا عِنْد قبض العَبْد أَو الْمَتَاع

وَقَوله لفُلَان عَليّ ألف ظَاهر فِي الْإِقْرَار نَص فِي نقد الْبَلَد فَإِذا قَالَ من نقد بلد كَذَا يتَرَجَّح الْمُفَسّر على النَّص فَلَا يلْزمه نقد الْبَلَد بلد نقد بلد كَذَا وعَلى هَذَا نَظَائِره

بحث الخفي والمشكل والمجمل والمتشابه

7 - / 3 بحث الْخَفي والمشكل والمجمل والمتشابه وَأما الْمُحكم فَهُوَ مَا ازْدَادَ قُوَّة على الْمُفَسّر بِحَيْثُ لَا يجوز خِلَافه أصلا مِثَاله فِي الْكتاب {أَن الله بِكُل شَيْء عليم} {إِن الله لَا يظلم النَّاس شَيْئا} وَفِي الحكميات مَا قُلْنَا فِي الْإِقْرَار إِنَّه لفُلَان عَليّ ألف من ثمن هَذَا العَبْد فَإِن هَذَا اللَّفْظ مُحكم فِي لُزُومه بَدَلا عَنهُ وعَلى هَذَا نَظَائِره وَحكم الْمُفَسّر والمحكم لُزُوم الْعَمَل بهما لَا محَالة ثمَّ لهَذِهِ الْأَرْبَعَة أَرْبَعَة أُخْرَى تقَابلهَا فضد الظَّاهِر الْخَفي وضد النَّص الْمُشكل وضد الْمُفَسّر الْمُجْمل وضد الْمُحكم الْمُتَشَابه فالخفي مَا أخْفى المُرَاد بهَا بِعَارِض لَا من حَيْثُ الصِّيغَة مِثَاله فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} فَإِنَّهُ ظَاهر فِي حق السَّارِق خَفِي فِي حق الطرار والنباش وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَة وَالزَّانِي} ظاهرفي حق الزَّانِي خَفِي فِي حق اللوطي وَلَو حلف لَا يَأْكُل فَاكِهَة كَانَ ظَاهرا فِيمَا يتفكه بِهِ خفِيا فِي حق الْعِنَب وَالرُّمَّان

وَحكم الْخَفي وجوب الطّلب حَتَّى يَزُول عَنهُ الخفاء وَأما الْمُشكل فَهُوَ مَا ازْدَادَ خَفَاء على الْخَفي كَأَنَّهُ بَعْدَمَا خَفِي على السَّامع حَقِيقَة دخل فِي أشكاله وَأَمْثَاله حَتَّى لَا ينَال المُرَاد إِلَّا بِالطَّلَبِ ثمَّ بِالتَّأَمُّلِ حَتَّى يتَمَيَّز عَن أَمْثَاله وَنَظِيره فِي الْأَحْكَام لَو حلف لَا يأتدم فَإِنَّهُ ظَاهر فِي الْخلّ والدبس فَإِنَّمَا هُوَ مُشكل فِي اللَّحْم وَالْبيض والجبن حَتَّى يطْلب فِي معنى الائتدام ثمَّ يتَأَمَّل أَن ذَلِك الْمَعْنى هَل يُوجد فِي اللَّحْم وَالْبيض والجبن أَولا ثمَّ وفْق الْمُشكل الْمُجْمل وَهُوَ مَا احْتمل وُجُوهًا فَصَارَ بِحَال لَا يُوقف على المُرَاد بِهِ إِلَّا بِبَيَان من قبل الْمُتَكَلّم

الفصل الثامن فصل فيما يترك به حقائق الألفاظ وما يترك به حقيقة اللفظ خمسة أنواع

وَنَظِيره فِي الشرعيات قَوْله تَعَالَى {وَحرم الرِّبَا} فَإِن الْمَفْهُوم من الرِّبَا هُوَ الزِّيَادَة الْمُطلقَة وَهِي غير مُرَادة بل المُرَاد الزِّيَادَة الخالية عَن الْعِوَض فِي بيع المقدورات المتجانسة وَاللَّفْظ لَا دلَالَة لَهُ على هَذَا فَلَا ينَال المُرَاد بِالتَّأَمُّلِ ثمَّ فَوق الْمُجْمل فِي الخفاء الْمُتَشَابه مِثَال الْمُتَشَابه الْحُرُوف المقطعات فِي أَوَائِل السُّور وَحكم الْمُجْمل والمتشابه اعْتِقَاد حقية المُرَاد بِهِ حَتَّى يَأْتِي الْبَيَان الْفَصْل الثَّامِن فصل فِيمَا يتْرك بِهِ حقائق الْأَلْفَاظ وَمَا يتْرك بِهِ حَقِيقَة اللَّفْظ خَمْسَة أَنْوَاع أَحدهَا دلَالَة الْعرف وَذَلِكَ لِأَن ثُبُوت الْأَحْكَام بالألفاظ إِنَّمَا كَانَ لدلَالَة اللَّفْظ على الْمَعْنى المُرَاد للمتكلم فَإِذا كَانَ الْمَعْنى متعارفا بَين النَّاس كَانَ ذَلِك الْمَعْنى الْمُتَعَارف دَلِيلا على أَنه هُوَ المُرَاد بِهِ ظَاهرا فيترتب عَلَيْهِ الحكم مِثَاله لَو حلف لَا يَشْتَرِي رَأْسا فَهُوَ على مَا تعارفه النَّاس فَلَا يَحْنَث بِرَأْس العصفور والحمامة

وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يَأْكُل بيضًا كَانَ ذَلِك على الْمُتَعَارف فَلَا يَحْنَث بتناول بيض العصفور والحمامة وَبِهَذَا ظهر أَن ترك الْحَقِيقَة لَا يُوجب الْمصير إِلَى الْمجَاز بل جَازَ أَن تثبت بِهِ الْحَقِيقَة القاصرة ومثاله تَقْيِيد الْعَام بِالْبَعْضِ

بحث ترك الحقيقة بدلالة في نفس الكلام

بحث ترك الْحَقِيقَة بِدلَالَة فِي نفس الْكَلَام وَكَذَلِكَ لَو نذر حجا أَو مشيا إِلَى بَيت الله تَعَالَى أَو أَن يضْرب بِثَوْبِهِ حطيم الْكَعْبَة يلْزمه الْحَج بِأَفْعَال مَعْلُومَة لوُجُود الْعرف وَالثَّانِي قد تتْرك الْحَقِيقَة بِدلَالَة فِي نفس الْكَلَام مِثَاله إِذا قَالَ كل مَمْلُوك لي فَهُوَ حرلم يعْتق مكاتبوه وَلَا من أعتق بعضه إِلَّا إِذا نوى دُخُولهمْ لِأَن لفظ الْمَمْلُوك مُطلق يتَنَاوَل الْمَمْلُوك من كلوجه وَالْمكَاتب لَيْسَ بمملوك وَمن كل وَجه وَلِهَذَا لم يجز تصرفه فِيهِ وَلَا يحل لَهُ وَطْء الْمُكَاتبَة وَلَو تزوج الْمكَاتب بنت مَوْلَاهُ ثمَّ مَاتَ الْمولى ورثته الْبِنْت لم يفْسد النِّكَاح وَإِذا لم يكن مَمْلُوكا من كل وَجه لَا يدْخل تَحت لفظ الْمَمْلُوك الْمُطلق وَهَذَا بِخِلَاف الْمُدبر وَأم الْوَلَد فَإِن الْملك فيهمَا كَامِل وَلذَا حل وَطْء الْمُدبرَة وَأم الْوَلَد وَإِنَّمَا النُّقْصَان فِي الرّقّ من حَيْثُ أَنه يَزُول بِالْمَوْتِ لَا محَالة وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا أعتق الْمكَاتب عَن كَفَّارَة يَمِينه أَو ظهارها جَازَ وَلَا يجوز فيهمَا إِعْتَاق الْمُدبر وَأم الْوَلَد لِأَن الْوَاجِب هُوَ التَّحْرِير وَهُوَ إِثْبَات الْحُرِّيَّة بِإِزَالَة الرّقّ فَإِذا كَانَ الرّقّ فِي الْمكَاتب كَامِلا كَانَ تحريره تحريرا من جَمِيع الْوُجُوه وَفِي الْمُدبر وَأم الْوَلَد لما كَانَ الرّقّ نَاقِصا لَا يكون

التَّحْرِير تحريرا من كل الْوُجُوه وَالثَّالِث قد تتْرك الْحَقِيقَة بِدلَالَة سِيَاق الْكَلَام قَالَ فِي (السّير الْكَبِير) إِذا قَالَ الْمُسلم للحربي إنزل فَنزل كَانَ آمنا

بحث ترك الحقيقة بدلالة من قبل المتكلم

بحث ترك الْحَقِيقَة بِدلَالَة من قبل الْمُتَكَلّم وَلَو قَالَ إنزل إِن كنت رجلا فَنزل لَا يكون آمنا وَلَو قَالَ الْحَرْبِيّ الْأمان الْأمان فَقَالَ الْمُسلم الْأمان الْأمان كَانَ أمنا وَلَو قَالَ الْأمان ستعلم مَا تلقى غَدا أَو لَا تعجل حَتَّى ترى فَنزل لَا يكون آمنا وَلَو قا اشْتَرِ لي جَارِيَة لتخدمني فَاشْترى العمياء أَو الشلاء لَا يجوز وَلَو قَالَ اشْتَرِ لي جَارِيَة حَتَّى أطأها فَاشْترى أُخْته من الرَّضَاع لَا يكون عَن الْمُوكل وعَلى هَذَا قُلْنَا فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام (إِذا وَقع الذُّبَاب فِي طَعَام أحدكُم فامقلوه ثمَّ انقلوه فَإِن فِي إِحْدَى جناحيه دَاء وَفِي الْأُخْرَى دَوَاء وَإنَّهُ ليقدم الدَّاء على الدَّوَاء) دلّ سِيَاق الْكَلَام على أَن الْمقل لدفع الْأَذَى عَنَّا لَا لأمر تعبدي حَقًا للشَّرْع فَلَا يكون للْإِيجَاب وَقَوله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء} عقيب قَوْله تَعَالَى {وَمِنْهُم من يَلْمِزك فِي الصَّدقَات} يدل على أَن ذكر الْأَصْنَاف لقطع طمعهم من الصَّدقَات بِبَيَان المصارف لَهَا فَلَا يتَوَقَّف الْخُرُوج عَن الْعهْدَة على الْأَدَاء إِلَى الْكل وَالرَّابِع قد تتْرك الْحَقِيقَة بِدلَالَة من قبل الْمُتَكَلّم مِثَاله قَوْله تَعَالَى {فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر}

وَذَلِكَ لِأَن الله تَعَالَى حَكِيم وَالْكفْر قَبِيح والحكيم لَا يَأْمر بِهِ فَيتْرك دلَالَة اللَّفْظ على الْأَمر بحكمة الْأَمر وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا وكل بشرَاء اللَّحْم فَإِن كَانَ مُسَافِرًا نزل على الطَّرِيق فَهُوَ على الْمَطْبُوخ أَو على المشوي وَإِن كَانَ صَاحب منزل فَهُوَ على النيء وَمن هَذَا النَّوْع يَمِين الْفَوْر مِثَاله إِذا قَالَ تعال تغد معي فَقَالَ وَالله لَا أتغدى ينْصَرف ذَلِك إِلَى الْغَدَاء الْمَدْعُو إِلَيْهِ حَتَّى لَو تغدى بعد ذَلِك فِي منزله مَعَه أَو مَعَ غَيره فِي ذَلِك الْيَوْم لايحنث وَكَذَا إِذا قَامَت الْمَرْأَة تُرِيدُ الْخُرُوج فَقَالَ الزَّوْج إِن خرجت فَأَنت كَذَا كَانَ الحكم مَقْصُورا على الْحَال حَتَّى لَو خرجت بعد ذَلِك لَا يَحْنَث وَالْخَامِس وَقد تتْرك الْحَقِيقَة بِدلَالَة مَحل الْكَلَام بِأَن كَانَ الْمحل لَا يقبل حَقِيقَة اللَّفْظ ومثاله انْعِقَاد نِكَاح الْحرَّة بِلَفْظ البيع وَالْهِبَة وَالتَّمْلِيك وَالصَّدَََقَة وَقَوله لعَبْدِهِ وَهُوَ مَعْرُوف النّسَب من غَيره هَذَا إبني وَكَذَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ وَهُوَ أكبر سنا من الْمولى هَذَا إبني كَانَ مجَازًا عَن الْعتْق عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ خلافًا لَهما بِنَاء على مَا ذكرنَا أَن الْمجَاز خلف عَن الْحَقِيقَة فِي حق اللَّفْظ عِنْده وَفِي حق الحكم عِنْدهمَا

الفصل التاسع فصل في متعلقات النصوص

الْفَصْل التَّاسِع فصل فِي متعلقات النُّصُوص نعني بهَا عبارَة النَّص وإشارته ودلالته واقتضاءه فَأَما عبارَة النَّص فَهُوَ مَا سيق الْكَلَام لأَجله وَأُرِيد بِهِ قصدا وَأما إِشَارَة النَّص فَهِيَ مَا ثَبت بنظم النَّص

من غير زِيَادَة وَهُوَ غير ظَاهر من كل وَجه وَلَا سيق الْكَلَام لأَجله مِثَاله فِي قَوْله تَعَالَى {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ} الْآيَة فَإِنَّهُ سيق لبَيَان اسْتِحْقَاق الْغَنِيمَة فَصَارَ نصا فِي ذَلِك وَقد ثَبت فَقرهمْ بنظم النَّص فَكَانَ إِشَارَة إِلَى أَن اسْتِيلَاء الْكَافِر على مَال الْمُسلم سَبَب لثُبُوت الْملك للْكَافِرِ إِذْ لَو كَانَت الْأَمْوَال بَاقِيَة على ملكهم لَا يثبت فَقرهمْ وَيخرج مِنْهُ الحكم فِي مَسْأَلَة الِاسْتِيلَاء وَحكم ثُبُوت الْملك للتاجر بِالشِّرَاءِ مِنْهُم وتصرفاته من البيع وَالْهِبَة وَالْإِعْتَاق وَحكم ثُبُوت الاستغنام وَثُبُوت الْملك للغازي وَعجز الْمَالِك عَن انْتِزَاعه من يَده وتفريعاته وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث} إِلَى قَوْله تَعَالَى {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} فالإمساك فِي أول الصُّبْح يتَحَقَّق مَعَ الْجَنَابَة لِأَن من ضَرُورَة حل الْمُبَاشرَة إِلَى الصُّبْح أَن يكون الْجُزْء الأول من النَّهَار مَعَ وجود الْجَنَابَة والإمساك فِي ذَلِك الْجُزْء صَوْم أَمر العَبْد بإتمامه فَكَانَ هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن الْجَنَابَة لَا تنَافِي الصَّوْم وَلزِمَ من ذَلِك أَن الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق لَا يُنَافِي بَقَاء الصَّوْم

وَيتَفَرَّع مِنْهُ أَن من ذاق شَيْئا بفمه لم يفْسد صَوْمه فَإِنَّهُ لَو كَانَ المَاء مالحا يجد طعمه عِنْد الْمَضْمَضَة لَا يفْسد بِهِ الصَّوْم

بحث كون حكم دلالة النص عموم الحكم المنصوص عليه

بحث كَون حكم دلَالَة النَّص عُمُوم الحكم الْمَنْصُوص عَلَيْهِ وَعلم مِنْهُ حكم الِاحْتِلَام والاحتجام والادهان لِأَن الْكتاب لما سمي الْإِمْسَاك اللَّازِم بِوَاسِطَة الِانْتِهَاء عَن الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة فِي أول الصُّبْح صوما علم أَن ركن الصَّوْم يتم بالانتهاء عَن الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة وعَلى هَذَا يخرج الحكم فِي مَسْأَلَة التبييت فَإِن قصد الْإِتْيَان بالمأمور بِهِ إِنَّمَا يلْزمه عِنْد توجه الْأَمر وَالْأَمر إِنَّمَا يتَوَجَّه بعد الْجُزْء الأول لقَوْله تَعَالَى {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} وَأما دلَالَة النَّص فَهِيَ مَا علم عِلّة للْحكم الْمَنْصُوص عَلَيْهِ لُغَة لَا اجْتِهَادًا وَلَا استنباطا مِثَاله فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَا تقل لَهما أُفٍّ وَلَا تنهرهما} فالعالم بأوضاع اللُّغَة يفهم بِأول السماع أَن تَحْرِيم التأفيف لدفع الْأَذَى عَنْهُمَا وَحكم هَذَا النَّوْع عُمُوم الحكم الْمَنْصُوص عَلَيْهِ لعُمُوم علته وَلِهَذَا الْمَعْنى قُلْنَا بِتَحْرِيم الضَّرْب والشتم والاستخدام عَن الْأَب بِسَبَب الْإِجَارَة وَالْحَبْس بِسَبَب الدّين وَالْقَتْل قصاصا

ثمَّ دلَالَة النَّص بِمَنْزِلَة النَّص حَتَّى صَحَّ إِثْبَات الْعقُوبَة بِدلَالَة النَّص قَالَ أَصْحَابنَا وَجَبت الْكَفَّارَة بالوقاع بِالنَّصِّ وبالأكل واشرب بِدلَالَة النَّص

بحث كون المقتضى زيادة على النص

بحث كَون الْمُقْتَضى زِيَادَة على النَّص وعَلى اعْتِبَار هَذَا الْمَعْنى قَلِيل يدارالحكم على تِلْكَ الْعلَّة قَالَ الإِمَام القَاضِي أَبُو زيد لَو أَن قوما يعدون التأفيف كَرَامَة لَا يحرم عَلَيْهِم تأفيف الْأَبَوَيْنِ وَكَذَلِكَ قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي} الْآيَة وَلَو فَرضنَا بيعا لَا يمْنَع الْعَاقِدين عَن السَّعْي إِلَى الْجُمُعَة بِأَن كَانَا فِي سفينة تجْرِي إِلَى الْجَامِع لَا يكره البيع وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا حلف لَا يضْرب امْرَأَته فَمد شعرهَا أَو عضها أَو خنقها يَحْنَث إِذا كَانَ بِوَجْه الإيلام وَلَو وجد صُورَة الضَّرْب وَمد الشّعْر عِنْد الملاعبة دون الإيلام لَا يَحْنَث وَمن حلف لَا يضْرب فلَانا فَضَربهُ بعد مَوته لَا يَحْنَث لِانْعِدَامِ معنى الضَّرْب وَهُوَ الإيلام وَكَذَا لَو حلف لَا يكلم فلَانا فَكَلمهُ بعد مَوته لَا يَحْنَث لعدم الإفهام وَبِاعْتِبَار هَذَا الْمَعْنى يُقَال إِذا حلف لَا يَأْكُل لَحْمًا فَأكل لحم السّمك وَالْجَرَاد لَا يَحْنَث وَلَو أكل لحم الْخِنْزِير أَو الْإِنْسَان يَحْنَث لِأَن الْعَالم بِأول السماع يعلم

أَن الْحَامِل على هَذَا الْيَمين إِنَّمَا هُوَ الِاحْتِرَاز عَمَّا ينشأ من الدَّم فَيكون الِاحْتِرَاز عَن تنَاول الدمويات فيدار الحكم على ذَلِك وَأما الْمُقْتَضى فَهُوَ زِيَادَة على النَّص لَا يتَحَقَّق معنى النَّص إِلَّا بِهِ كَأَن النَّص اقْتَضَاهُ ليَصِح فِي نَفسه

بحث كون القبول ركنا في باب البيع

بحث كَون الْقبُول ركنا فِي بَاب البيع مَعْنَاهُ مثلا فِي الشرعيات قَوْله أَنْت طَالِق فَإِن هَذَا نعت الْمَرْأَة إِلَّا أَن النَّعْت يَقْتَضِي الْمصدر فَكَأَن الْمصدر مَوْجُود بطرِيق الِاقْتِضَاء وَإِذا قَالَ اعْتِقْ عَبدك عني بِأَلف دِرْهَم فَقَالَ اعتقت يَقع الْعتْق عَن الْآمِر فَيجب عَلَيْهِ الْألف وَلَو كَانَ الْآمِر نوى بِهِ الْكَفَّارَة يَقع عَمَّا نوى وَذَلِكَ لِأَن قَوْله اعتقه عني بِأَلف دِرْهَم يَقْتَضِي معنى قَوْله بِعْهُ عني بِأَلف ثمَّ كن وَكيلِي بِالْإِعْتَاقِ فاعتقه عني فَيثبت البيع بطرِيق الِاقْتِضَاء فَيثبت الْقبُول كَذَلِك لِأَنَّهُ ركن فِي بَاب البيع وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُف إِذا قَالَ اعْتِقْ عَبدك عني بِغَيْر شَيْء فَقَالَ اعتقت يَقع الْعتْق عَن الْآمِر وَيكون هَذَا مقتضيا للهبة وَالتَّوْكِيل وَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْقَبْض لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْقبُول فِي بَاب البيع وَلَكنَّا نقُول الْقبُول ركن فِي بَاب البيع فَإِذا أثبتنا البيع اقْتِضَاء أثبتنا الْقبُول ضَرُورَة بِخِلَاف الْقَبْض فِي بَاب الْهِبَة فَإِنَّهُ لَيْسَ بِرُكْن فِي الْهِبَة ليَكُون الحكم بِالْهبةِ بطرِيق الِاقْتِضَاء حكما بِالْقَبْضِ وَحكم الْمُقْتَضى أَنه يثبت بطرِيق الضَّرُورَة فَيقدر بِقدر الضَّرُورَة وَلِهَذَا قُلْنَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق وَنوى بِهِ الثَّلَاث لَا يَصح لِأَن الطَّلَاق

يقدر مَذْكُورا بطرِيق الِاقْتِضَاء فَيقدر بِقدر الضَّرُورَة والضرورة ترْتَفع بِالْوَاحِدِ فَيقدر مَذْكُورا فِي حق الْوَاحِد

الفصل العاشر فصل في الأمر

وعَلى هَذَا يخرج الحكم فِي قَوْله إِن أكلت وَنوى بِهِ طَعَاما عَاما دون طَعَام لَا يَصح لِأَن الْأكل يَقْتَضِي طَعَاما فَكَانَ ذَلِك ثَابتا بطرِيق الِاقْتِضَاء بِقدر الضَّرُورَة والضرورة ترْتَفع بالفرد الْمُطلق وَلَا تَخْصِيص فِي الْفَرد الْمُطلق لِأَن التَّخْصِيص يعْتَمد الْعُمُوم وَلَو قَالَ بعد الدُّخُول اعْتدي وَنوى بِهِ الطَّلَاق فَيَقَع الطَّلَاق اقْتِضَاء لِأَن الِاعْتِدَاد وجود الطَّلَاق فَيقدر الطَّلَاق مَوْجُودا ضَرُورَة وَلِهَذَا كَانَ الْوَاقِع بِهِ رَجْعِيًا لِأَن صفة الْبَيْنُونَة زَائِدَة على قدر الضَّرُورَة فَلَا يثبت بطرِيق الِاقْتِضَاء وَلَا يَقع إِلَّا وَاحِد لما ذكرنَا الْفَصْل الْعَاشِر فصل فِي الْأَمر الْأَمر فِي اللُّغَة قَول الْقَائِل لغيره افْعَل وَفِي الشَّرْع تصرف إِلْزَام الْفِعْل على الْغَيْر وَذكر بعض الأيمة أَن المُرَاد بِالْأَمر يخْتَص بِهَذِهِ الصِّيغَة واستحال أَن يكون مَعْنَاهُ إِن حَقِيقَة الْأَمر يخْتَص بِهَذِهِ الصِّيغَة فَإِن الله تَعَالَى مُتَكَلم فِي الْأَزَل عندنَا وَكَلَامه أَمر وَنهي وإخبار واستخبار واستحال وجود هَذِه الصِّيغَة فِي الْأَزَل

واستحال أَيْضا ان يكون مَعْنَاهُ أَن المُرَاد بِالْأَمر لِلْأَمْرِ يخْتَص بِهَذِهِ الصِّيغَة فَإِن المُرَاد للشارع بِالْأَمر وجوب الْفِعْل على العَبْد وَهُوَ معني الِابْتِلَاء عندنَا وَقد ثَبت الْوُجُوب بِدُونِ هَذِه الصِّيغَة أَلَيْسَ أَنه وَجب الْإِيمَان على من لم تبلغه الدعْوَة بِدُونِ وُرُود السّمع

بحث تحقيق موجب الأمر المطلق فصل

قَالَ أَبُو حنيفَة لَو لم يبْعَث الله تَعَالَى رَسُولا لوَجَبَ على الْعُقَلَاء مَعْرفَته بعقولهم فَيحمل ذَلِك على أَن المُرَاد بِالْأَمر يخْتَص بِهَذِهِ الصِّيغَة فِي حق العَبْد فِي الشرعيات حَتَّى لَا يكون فعل الرَّسُول بِمَنْزِلَة قَوْله افعلوا وَلَا يلْزم اعْتِقَاد الْوُجُوب بِهِ والمتابعة فِي افعاله عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا تجب عِنْد الْمُوَاظبَة وانتقاء دَلِيل الِاخْتِصَاص بحث تَحْقِيق مُوجب الْأَمر الْمُطلق فصل اخْتلف النَّاس فِي الْأَمر الْمُطلق أَي الْمُجَرّد عَن القرنية الدَّالَّة على اللُّزُوم وَعدم اللُّزُوم نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا لَعَلَّكُمْ ترحمون} وَقَوله تَعَالَى {وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة فتكونا من الظَّالِمين} وَالصَّحِيح من الْمَذْهَب إِن مُوجبه الْوُجُوب إِلَّا إِذا قَامَ الدَّلِيل على خِلَافه لِأَن ترك الْأَمر مَعْصِيّة كَمَا أَن الائتمار طَاعَة قَالَ الحماسي أَطَعْت لآمريك بِصرْم حبلي مريهم فِي أحبتهم بِذَاكَ ... فَإِن هم طاوعوك فطاوعيهم وَإِن عاصوك فاعصي من عصاك

فصل الأمر بالفعل لا يقتضي التكرار

والعصيان فِيمَا يرجع إِلَى حق الشَّرْع سَبَب للعقاب وتحقيقه أَن لُزُوم الائتمار إِنَّمَا يكون بِقدر ولَايَة الْآمِر على الْمُخَاطب وَلِهَذَا إِذا وجهت صِيغَة الْأَمر إِلَى من لَا يلْزمه طَاعَتك أصلا لَا يكون ذَلِك مُوجبا للائتمار وَإِذا وجهتها إِلَى من يلْزمه طَاعَتك من العبيد لزمَه الائتمار لَا محَالة حَتَّى لَو تَركه اخْتِيَارا يسْتَحق الْعقَاب عرفا وَشرعا فعلى هَذَا عرفنَا أَن لُزُوم الائتمار بِقدر ولَايَة الْأَمر إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول أَن لله تَعَالَى ملكا كَامِلا فِي كل جُزْء من أَجزَاء الْعَالم وَله التَّصَرُّف كَيفَ مَا شَاءَ وَأَرَادَ وَإِذا ثَبت أَن من لَهُ الْملك الْقَاصِر فِي العَبْد كَانَ ترك الائتمار سَببا للعقاب وَمَا ظَنك فِي ترك أَمر من أوجدك من الْعَدَم وأدر عَلَيْك شآبيب النعم فصل الْأَمر بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التّكْرَار وَلِهَذَا قُلْنَا لَو قَالَ طلق امْرَأَتي فَطلقهَا الْوَكِيل ثمَّ تزَوجهَا الْمُوكل لَيْسَ للْوَكِيل أَن يطلقهَا بِالْأَمر الأول ثَانِيًا

وَلَو قَالَ زَوجنِي امْرَأَة لَا يتَنَاوَل هَذَا تزويجا مرّة بعد أُخْرَى وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ تزوج لَا يتَنَاوَل ذَلِك إِلَّا مرّة وَاحِدَة لِأَن الْأَمر بِالْفِعْلِ طلب تَحْقِيق الْفِعْل على سَبِيل الِاخْتِصَار فَإِن قَوْله اضْرِب مُخْتَصر من قَوْله افْعَل

بحث تكرار العبادات بتكرار أسبابها

بحث تكْرَار الْعِبَادَات بتكرار أَسبَابهَا فعل الضَّرْب والمختصر من الْكَلَام والمطول سَوَاء فِي الحكم ثمَّ الْأَمر بِالضَّرْبِ أَمر بِجِنْس تصرف مَعْلُوم وَحكم اسْم الْجِنْس أَن يتَنَاوَل الْأَدْنَى عِنْد الْإِطْلَاق وَيحْتَمل كل الْجِنْس وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا حلف لَا يشرب المَاء يَحْنَث بِشرب أدنى قَطْرَة مِنْهُ وَلَو نوى بِهِ جَمِيع مياه الْعَالم صحت نِيَّته وَلِهَذَا قُلْنَا إِذا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفسك فَقَالَت طلقت يَقع الْوَاحِدَة وَلَو نوى الثَّلَاث صحت نِيَّته وَكَذَلِكَ لَو قَالَ الآخر طَلقهَا يتَنَاوَل الْوَاحِدَة عِنْد الْإِطْلَاق وَلَو نوى الثَّلَاث صحت نِيَّته وَلَو نوى الثِّنْتَيْنِ لَا يَصح إِلَّا إِذا كَانَت النكوحة أمة فَإِن نِيَّة الثِّنْتَيْنِ فِي حَقّهَا نِيَّة بِكُل الْجِنْس وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ تزوج يَقع على تزوج امْرَأَة وَاحِدَة وَلَو نوى الثِّنْتَيْنِ صحت نِيَّته لِأَن ذَلِك كل الْجِنْس فِي حق العَبْد وَلَا يَتَأَتَّى على هَذَا فصل تكْرَار الْعِبَادَات فَإِن ذَلِك لم يثبت بِالْأَمر بل بتكرار أَسبَابهَا الَّتِي يثبت بهَا الْوُجُوب وَالْأَمر

لطلب أَدَاء مَا وَجب فِي الذِّمَّة بِسَبَب سَابق لَا لإِثْبَات أصل الْوُجُوب وَهَذَا بِمَنْزِلَة قَول الرجل أد ثمن الْمَبِيع وأد نَفَقَة الزَّوْجَة فَإِذا وَجَبت الْعِبَادَة بِسَبَبِهَا فَتوجه الْأَمر لأَدَاء مَا وَجب مِنْهَا عَلَيْهِ ثمَّ الْأَمر لما كَانَ يتَنَاوَل الْجِنْس

بحث نوعي المأمور به مطلق ومقيد

يتَنَاوَل الْجِنْس مَا وَجب عَلَيْهِ ومثاله مَا يُقَال إِن الْوَاجِب فِي وَقت الظّهْر هُوَ الظّهْر فَتوجه الْأَمر لأَدَاء ذَلِك الْوَاجِب ثمَّ إِذا تكَرر الْوَقْت تكَرر الْوَاجِب فَيتَنَاوَل الْأَمر ذَلِك الْوَاجِب الآخر ضَرُورَة تنَاوله كل الْجِنْس الْوَاجِب عَلَيْهِ صوما كَانَ أَو صَلَاة فَكَانَ تكْرَار الْعِبَادَة المتكررة بِهَذَا الطَّرِيق لَا بطرِيق أَن الْأَمر يَقْتَضِي التّكْرَار بحث نَوْعي الْمَأْمُور بِهِ مُطلق ومقيد مُطلق عَن الْوَقْت ومقيد بِهِ وَحكم الْمُطلق أَن يكون الْأَدَاء وَاجِبا على التَّرَاخِي بِشَرْط أَن لَا يفوتهُ فِي الْعُمر وعَلى هَذَا قَالَ مُحَمَّد فِي الْجَامِع لَو نذر أَن يعْتَكف شهرا لَهُ أَن يعْتَكف أَي شهر شَاءَ وَلَو نذر أَن يَصُوم شهرا لَهُ أَن يَصُوم أَي شهر شَاءَ وَفِي الزَّكَاة وَصدقَة الْفطر وَالْعشر الْمَذْهَب الْمَعْلُوم أَنه لَا يصير بِالتَّأْخِيرِ مفرطا فَإِنَّهُ لَو هلك النّصاب سقط الْوَاجِب والحانث إِذا ذهب مَاله وَصَارَ فَقِيرا كفر بِالصَّوْمِ وعَلى هَذَا لَا يجب قَضَاء الصلوة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة لِأَنَّهُ لما وَجب مُطلقًا وَجب كَامِلا فَلَا يخرج عَن الْعهْدَة بأَدَاء النَّاقِص فَيجوز

الْعَصْر عِنْد الاحمرار أَدَاء وَلَا يجوز قَضَاء وَعَن الْكَرْخِي رح أَن مُوجب الْأَمر الْمُطلق

بحث نوعي المأمور به مطلق ومقيد وحكمهما

الْوُجُوب على الْفَوْر وَالْخلاف مَعَه فِي الْوُجُوب وَلَا خلاف فِي أَن المسارعة إِلَى الائتمار مَنْدُوب إِلَيْهَا بحث نَوْعي الْمَأْمُور بِهِ مُطلق ومقيد وحكمهما وَأما الموقت فنوعان نوع يكون الْوَقْت ظرفا للْفِعْل حَتَّى لَا يشْتَرط اسْتِيعَاب كل الْوَقْت بِالْفِعْلِ كالصلوة وَمن حكم هَذَا النَّوْع أَن وجوب الْفِعْل فِيهِ لَا يُنَافِي وجوب فعل آخر فِيهِ من جنسه حَتَّى لَو نذر أَن يُصَلِّي كَذَا أَو كَذَا رَكْعَة فِي وَقت الظّهْر لزمَه وَمن حكمه أَن وجوب الصلوة فِيهِ لَا يُنَافِي صِحَة صلوة أُخْرَى فِيهِ حَتَّى لَو شغل جَمِيع وَقت الظّهْر لغير الظّهْر يجوز وَحكمه أَنه لَا يتَأَدَّى الْمَأْمُور بِهِ إِلَّا بنية مُعينَة لِأَن غَيره لما كَانَ مَشْرُوعا فِي الْوَقْت لَا يتَعَيَّن هُوَ بِالْفِعْلِ وَإِن ضَاقَ الْوَقْت لِأَن اعْتِبَار النِّيَّة بِاعْتِبَار المزاحم وَقد بقيت الْمُزَاحمَة عِنْد ضيق الْوَقْت وَالنَّوْع الثَّانِي مَا يكون الْوَقْت معيارا لَهُ وَذَلِكَ فصل الصَّوْم فَإِنَّهُ يتَقَدَّر بِالْوَقْتِ وَهُوَ الْيَوْم وَمن حكمه أَن الشَّرْع إِذا عين لَهُ وقتا لَا يجب غَيره فِي ذَلِك الْوَقْت وَلَا يجوز إداء غَيره فِيهِ حَتَّى أَن الصَّحِيح الْمُقِيم لَو أوقع

إِمْسَاكه فِي رَمَضَان عَن وَاجِب آخر يَقع عَن رَمَضَان لَا عَمَّا نوى وَإِذا انْدفع المزاحم فِي الْوَقْت سقط اشْتِرَاط التَّعْيِين فَإِن ذَلِك لقطع الْمُزَاحمَة وَلَا يسْقط أصل النِّيَّة لِأَن الْإِمْسَاك لَا يصير صوما إِلَّا بِالنِّيَّةِ

بحث أحد نوعي المأمور به أي المقيد

بحث أحد نَوْعي الْمَأْمُور بِهِ أَي الْمُقَيد فَإِن الصَّوْم شرعا هُوَ الْإِمْسَاك عَن الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع نَهَارا مَعَ النِّيَّة وَإِن لم يعين الشَّرْع لَهُ وقتا فَإِنَّهُ لَا يتَعَيَّن الْوَقْت لَهُ بِتَعْيِين العَبْد حَتَّى لَو عين العَبْد أَيَّامًا لقَضَاء رَمَضَان لَا تتَعَيَّن هِيَ للْقَضَاء وَيجوز فِيهَا صَوْم الْكَفَّارَة وَالنَّفْل وَيجوز قَضَاء رَمَضَان فِيهَا وَغَيرهَا وَمن حكم هَذَا النَّوْع أَنه يشْتَرط تعْيين النِّيَّة لوُجُود المزاحم ثمَّ للْعَبد أَن يُوجب شَيْئا على نَفسه موقتا أَو غير موقت وَلَيْسَ لَهُ تَغْيِير حكم الشَّرْع مِثَاله إِذا نذر أَن يَصُوم يَوْمًا بِعَيْنِه لزمَه ذَلِك وَلَو صَامَهُ عَن قَضَاء رَمَضَان أَو عَن كَفَّارَة يَمِينه جَازَ لِأَن الشَّرْع جعل الْقَضَاء مُطلقًا فَلَا يتَمَكَّن العَبْد من تَغْيِيره بالتقييد بِغَيْر ذَلِك الْيَوْم وَلَا يلْزم على هَذَا مَا إِذا صَامَهُ عَن نفل حَيْثُ يَقع عَن الْمَنْذُور لَا عَمَّا نوى لِأَن النَّفْل حق العَبْد إِذْ هُوَ يستبد بِنَفسِهِ من تَركه وتحقيقه فَجَاز ان يُؤثر فعله فِيمَا هُوَ حَقه لافيما هُوَ حق الشَّرْع وعَلى اعْتِبَار هَذَا الْمَعْنى قَالَ مَشَايِخنَا إِذا شرطا فِي الْخلْع أَن لَا نَفَقَة لَهَا وَلَا سُكْنى سَقَطت النَّفَقَة دون السُّكْنَى حَتَّى لَا يتَمَكَّن

الزَّوْج من اخراجها عَن بَيت الْعدة لِأَن السُّكْنَى فِي بَيت الْعدة حق الشَّرْع فَلَا يتَمَكَّن العَبْد من إِسْقَاطه بِخِلَاف النَّفَقَة

بحث كون المأمور به في حق الحسن نوعين

بحث كَون الْمَأْمُور بِهِ فِي حق الْحسن نَوْعَيْنِ فصل الْأَمر بالشَّيْء يدل على حسن الْمَأْمُور بِهِ إِذا كَانَ الْآمِر حكيما لَان الْأَمر لبَيَان أَن الْمَأْمُور بِهِ مِمَّا يَنْبَغِي أَن يُوجد فَاقْتضى ذَلِك حسنه ثمَّ الْمَأْمُور بِهِ فِي حق الْحسن نَوْعَانِ حسن بِنَفسِهِ وَحسن لغيره فالحسن بِنَفسِهِ مثل الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى وشكر الْمُنعم والصدق وَالْعدْل والصلوة وَنَحْوهَا من الْعِبَادَات الْخَالِصَة فَحكم هَذَا النَّوْع أَنه إِذا وَجب على العَبْد أَدَاؤُهُ لَا يسْقط إِلَّا بِالْأَدَاءِ وَهَذَا فِيمَا لَا يحْتَمل السُّقُوط مثل الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى وَأما مَا يحْتَمل السُّقُوط فَهُوَ يسْقط بِالْأَدَاءِ أَو بِإِسْقَاط الْأَمر وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا وَجَبت الصلوة فِي أول الْوَقْت سقط الْوَاجِب بِالْأَدَاءِ أَو باعتراض الْجُنُون وَالْحيض وَالنّفاس فِي آخر الْوَقْت بِاعْتِبَار أَن الشَّرْع أسقطها عَنهُ عِنْد هَذِه الْعَوَارِض وَلَا يسْقط بِضيق الْوَقْت وَعدم المَاء واللباس وَنَحْوه النَّوْع الثَّانِي مَا يكون حسنا بِوَاسِطَة الْغَيْر وَذَلِكَ مثل السَّعْي إِلَى الْجُمُعَة وَالْوُضُوء للصلوة فَإِن السَّعْي حسن بِوَاسِطَة كَونه مفضيا إِلَى أَدَاء الْجُمُعَة

وَالْوُضُوء حسن بِوَاسِطَة كَونه مفتاحا للصَّلَاة وَحكم هَذَا النَّوْع أَنه يسْقط بِسُقُوط تِلْكَ الْوَاسِطَة حَتَّى أَن السَّعْي لَا يجب على من لَا جُمُعَة عَلَيْهِ وَلَا يجب الْوضُوء على من لَا صَلَاة عَلَيْهِ وَلَو سعى إِلَى الْجُمُعَة فَحمل مكْرها إِلَى مَوضِع آخر إِقَامَة الْجُمُعَة يجب عَلَيْهِ السَّعْي ثَانِيًا

فصل الواجب بحكم الأمر نوعان

وَلَو كَانَ معتكفا فِي الْجَامِع يكون السَّعْي سَاقِطا عَنهُ وَكَذَلِكَ لَو تَوَضَّأ فأحدث قبل أَدَاء الصلوة يجب عَلَيْهِ الْوضُوء ثَانِيًا وَلَو كَانَ متوضئا عِنْد وجوب الصلوة لَا يجب عَلَيْهِ تَجْدِيد الْوضُوء والقريب من هَذَا النَّوْع الْحُدُود وَالْقصاص وَالْجهَاد فَإِن الْحَد حسن بِوَاسِطَة الزّجر عَن الْجِنَايَة وَالْجهَاد حسن بِوَاسِطَة دفع شَرّ الْكَفَرَة وإعلاء كلمة الْحق وَلَو فَرضنَا عدم الْوَاسِطَة لَا يبْقى ذَلِك مَأْمُورا بِهِ فَإِنَّهُ لَوْلَا الْجِنَايَة لَا يجب الْحَد وَلَوْلَا الْكفْر الْمقْضِي إِلَى الحراب لَا يجب عَلَيْهِ الْجِهَاد فصل الْوَاجِب بِحكم الْأَمر نَوْعَانِ أَدَاء وَقَضَاء فالأداء عبارَة عَن تَسْلِيم عين الْوَاجِب إِلَى مُسْتَحقّه وَالْقَضَاء عبارَة عَن تَسْلِيم مثل الْوَاجِب إِلَى مُسْتَحقّه ثمَّ الْأَدَاء نَوْعَانِ كَامِل وقاصر فالكامل مثل أَدَاء الصَّلَاة فِي وَقتهَا بِالْجَمَاعَة أَو الطّواف متوضئا وَتَسْلِيم الْمَبِيع سليما كَمَا اقْتَضَاهُ العقد إِلَى المُشْتَرِي

وَتَسْلِيم الْغَاصِب الْعين الْمَغْصُوبَة كَمَا غصبهَا وَحكم هَذَا النَّوْع أَن يحكم بِالْخرُوجِ عَن الْعهْدَة بِهِ وعَلى هَذَا قُلْنَا الْغَاصِب إِذا بَاعَ الْمَغْصُوب من الْمَالِك أَو رَهنه عِنْده أَو وهبه لَهُ وَسلمهُ إِلَيْهِ يخرج عَن الْعهْدَة وَيكون ذَلِك أَدَاء لحقه ويلغي مَا صرح بِهِ من البيع وَالْهِبَة وَلَو غصب طَعَاما فأطعمه مَالِكه وَهُوَ لَا يدْرِي أَنه طَعَامه أَو غصب ثوبا فألبسه مَالِكه وَهُوَ لَا يدْرِي أَنه ثَوْبه يكون ذَلِك أَدَاء لحقه

بحث الأداء القاصر وحكمه

وَالْمُشْتَرِي فِي البيع الْفَاسِد لَو أعَار الْمَبِيع من البَائِع اَوْ رَهنه عِنْده أَو آجره مِنْهُ أَو بَاعه مِنْهُ أَو وهبه لَهُ وَسلمهُ يكون ذَلِك أَدَاء لحقه ويلغي مَا صرح بِهِ من البيع وَالْهِبَة وَنَحْوه بحث الْأَدَاء الْقَاصِر وَحكمه وَأما الْأَدَاء الْقَاصِر تَسْلِيم عين الْوَاجِب مَعَ النُّقْصَان فِي صفته نَحْو الصلوة بِدُونِ تَعْدِيل الْأَركان أَو الطّواف مُحدثا ورد البيع مَشْغُولًا بِالدّينِ أَو بِالْجِنَايَةِ ورد الْمَغْصُوب مُبَاح الدَّم بِالْقَتْلِ أَو مَشْغُولًا بِالدّينِ أَو الْجِنَايَة بِسَبَب عِنْد الْغَاصِب وَأَدَاء الزُّيُوف مَكَان الْجِيَاد إِذا لم يعلم الدَّائِن ذَلِك وَحكم هَذَا النَّوْع أَنه إِن أمكن جبر النُّقْصَان بِالْمثلِ ينجبر بِهِ وَإِلَّا يسْقط حكم النُّقْصَان إِلَّا فِي الْإِثْم وعَلى هَذَا إِذا ترك تَعْدِيل الْأَركان فِي بَاب الصلوة لَا يُمكن تَدَارُكه بِالْمثلِ إِذْ لَا مثل لَهُ عِنْد المعبد فَسقط وَلَو ترك الصلوة فِي أَيَّام التَّشْرِيق فقضاها فِي غير أَيَّام التَّشْرِيق لَا يكبر لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّكْبِير بالجهر شرعا

وَقُلْنَا فِي ترك قِرَاءَة الْفَاتِحَة والقنوت وَالتَّشَهُّد وتكبيرات الْعِيدَيْنِ أَنه يجْبر بالسهو وَلَو طَاف طواف الْفَرْض مُحدثا يجْبر ذَلِك بِالدَّمِ وَهُوَ مثل لَهُ شرعا وعَلى هَذَا لَو أدّى زيفا مَكَان جيد فَهَلَك عِنْد الْقَابِض لَا شَيْء لَهُ على الْمَدْيُون عِنْد أبي حنيفَة لانه لَا مثل الصّفة الْجَوْدَة مُنْفَرِدَة حَتَّى يُمكن جبرها بِالْمثلِ وَلَو سلم العَبْد مُبَاح الدَّم بِجِنَايَة عِنْد الْغَاصِب وَعند البَائِع بعد الْمَبِيع فان هلك عِنْد الْمَالِك أَو المُشْتَرِي قبل الدّفع لزمَه الثّمن وَبرئ الْغَاصِب بِاعْتِبَار أصل الْأَدَاء وان قتل بِتِلْكَ الْجِنَايَة اسْتندَ الْهَلَاك الى أول سَببه فَصَارَ كَأَنَّهُ لَا يُوجد الاداء عِنْد أبي حنيفَة والمغصوبة إِذا ردَّتْ حَامِلا بِفعل عِنْد الْغَاصِب فَمَاتَتْ بِالْولادَةِ عِنْد الْمَالِك لَا يبرأ الْغَاصِب عَن الضَّمَان عِنْد أبي حنيفَة

بحث القضاء ونوعية كامل وقاصر

بحث الْقَضَاء ونوعية كَامِل وقاصر ثمَّ الأَصْل فِي هَذَا الْبَاب هُوَ الْأَدَاء كَامِلا كَانَ أَو نَاقِصا وانما يُصَار الى الْقَضَاء عِنْد تعذر الْأَدَاء وَلِهَذَا يتَعَيَّن المَال فِي الْوَدِيعَة وَالْوكَالَة وَالْغَصْب وَلَو أَرَادَ الْمُودع وَالْوَكِيل وَالْغَاصِب أَن يمسك الْعين وَيدْفَع مَا يماثله لَيْسَ لَهُ ذَلِك وَلَو بَاعَ شَيْئا وَسلمهُ فَظهر بِهِ عيب كَانَ المُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَين الْأَخْذ وَالتّرْك فِيهِ وَبِاعْتِبَار أَن الأَصْل هُوَ الْأَدَاء يَقُول الشَّافِعِي الْوَاجِب على الْغَاصِب رد الْعين الْمَغْصُوبَة وان تَغَيَّرت فِي يَد الْغَاصِب تغيرا فَاحِشا وَيجب الْأَرْش بِسَبَب النُّقْصَان وعَلى هَذَا لَو غصب حِنْطَة فطحنها أَو ساجة فَبنى عَلَيْهَا دَارا أَو شَاة فذبحها وشواهاأو عنبا فعصرها أَو حِنْطَة فزرعها وَنبت الزَّرْع كَانَ ذَلِك ملكا للْمَالِك عِنْده وَقُلْنَا جَمِيعهَا للْغَاصِب ويجيب عَلَيْهِ رد الْقيمَة وَلَو غصب فضَّة فضربها دَرَاهِم أَو تبرا فاتخذها دنانيرا أَو شَاة فذبحها لَا يَنْقَطِع حق الْمَالِك فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَكَذَلِكَ لَو غصب قطنا فغزله أَو غزلا فنسجه لَا يَنْقَطِع حق الْمَالِك فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَيتَفَرَّع من هَذَا مَسْأَلَة المضمونات وَلذَا قَالَ لَو ظهر العَبْد

الْمَغْصُوب بَعْدَمَا أَخذ الْمَالِك ضمانة من الْغَاصِب كَانَ العَبْد ملكا للْمَالِك وَالْوَاجِب على الْمَالِك رد مَا أَخذ من قيمَة العَبْد وَأما الْقَضَاء فنوعان كَامِل وقاصر فالكامل مِنْهُ تَسْلِيم مثل الْوَاجِب صُورَة وَمعنى كمن غصب قفيز حِنْطَة فاستهلكها ضمن قفيز حِنْطَة وَيكون الْمُؤَدِّي مثلا للْأولِ صُورَة وَمعنى وَكَذَلِكَ الحكم فِي جَمِيع الْمِثْلِيَّات وَأما الْقَاصِر فَهُوَ مَا لَا يماثل الْوَاجِب صُورَة ويماثل معنى كمن غصب شَاة فَهَلَكت ضمن قيمتهَا وَالْقيمَة مثل الشَّاة من حَيْثُ الْمَعْنى لَا من حَيْثُ الصُّورَة وَالْأَصْل فِي الْقَضَاء الْكَامِل وعَلى هَذَا قَالَ أبي حنيفَة إِذا غصب مثلِيا فَهَلَك فِي يَده انْقَطع ذَلِك عَن أَيدي النَّاس ضمن قِيمَته يَوْم الْخُصُومَة لِأَن الْعَجز عَن تَسْلِيم الْمثل الْكَامِل إِنَّمَا يظْهر عِنْد الْخُصُومَة فَأَما قبل الْخُصُومَة فَلَا لتصور حُصُول الْمثل من كل وَجه فَأَما مَا لَا مثل لَهُ لَا صُورَة وَلَا معنى لَا يُمكن إِيجَاب الْقَضَاء فِيهِ بِالْمثلِ وَلِهَذَا الْمَعْنى قُلْنَا إِن الْمَنَافِع لَا تضمن بِالْإِتْلَافِ لِأَن إِيجَاب الضَّمَان بِالْمثلِ مُتَعَذر وإيجابه بِالْعينِ كَذَلِك لِأَن الْعين لَا تماثل الْمَنْفَعَة لَا صُورَة وَلَا معنى كَمَا إِذا غصب عبدا فاستخدمه شهرا أَو دَارا فسكن فِيهَا شهرا ثمَّ رد الْمَغْصُوب إِلَى الْمَالِك لَا يجب عَلَيْهِ ضَمَان الْمَنَافِع خلافًا للشَّافِعِيّ فَبَقيَ الْإِثْم حكما لَهُ وانتقل جَزَاؤُهُ إِلَى دَار الْآخِرَة وَلِهَذَا الْمَعْنى قُلْنَا لَا تضمن مَنَافِع الْبضْع بِالشَّهَادَةِ الْبَاطِلَة على الطَّلَاق وَلَا بقتل مَنْكُوحَة الْغَيْر وَلَا

بِالْوَطْءِ حَتَّى لَو وطئ زَوْجَة إِنْسَان لَا يضمن للزَّوْج شَيْئا إِلَّا إِذا ورد الشَّرْع بِالْمثلِ مَعَ أَنه لَا يماثله صُورَة وَمعنى فَيكون مثلا لَهُ شرعا فَيجب قَضَاؤُهُ بِالْمثلِ الشَّرْعِيّ وَنَظِيره مَا قُلْنَا أَن الْفِدْيَة فِي حق الشَّيْخ الفاني مثل الصَّوْم وَالدية فِي الْقَتْل خطأ مثل النَّفس مَعَ أَنه لَا مشابهة بَينهمَا

بحث تقسيم النهي إلى قسمين

بحث تَقْسِيم النَّهْي إِلَى قسمَيْنِ الْفَصْل الْحَادِي عشر فصل فِي النَّهْي وَالنَّهْي نَوْعَانِ نهي عَن الْأَفْعَال الحسية كَالزِّنَا وَشرب الْخمر وَالْكذب وَالظُّلم وَنهي عَن التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة كالنهي عَن الصَّوْم فِي يَوْم النَّحْر والصلوة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة وَبيع الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ وَحكم النَّوْع الأول أَن يكون المنهى عَنهُ هُوَ عين مَا ورد عَلَيْهِ النَّهْي فَيكون عينه قبيحا فَلَا يكون مَشْرُوعا أصلا وَحكم النَّوْع الثَّانِي أَن يكون المنهى عَنهُ غير مَا أضيف إِلَيْهِ النَّهْي فَيكون هُوَ حسنا بِنَفسِهِ قبيحا لغيره وَيكون الْمُبَاشر مرتكبا لِلْحَرَامِ لغيره لَا لنَفسِهِ وعَلى هَذَا قَالَ أَصْحَابنَا النَّهْي عَن التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة يَقْتَضِي تقريرها وَيُرَاد بذلك أَن التَّصَرُّف بعد النَّهْي يبْقى مَشْرُوعا كَمَا كَانَ لِأَنَّهُ لَو لم يبْق مَشْرُوعا كَانَ العَبْد عَاجِزا عَن تَحْصِيل الْمَشْرُوع وَحِينَئِذٍ كَانَ ذَلِك نهيا للعاجز وَذَلِكَ من الشَّارِع محَال

بحث النهي عن الأفعال الحسية والشرعية

بحث النَّهْي عَن الْأَفْعَال الحسية والشرعية وَبِه فَارق الْأَفْعَال الحسية لانه لَو كَانَ عينهَا قبيحا لَا يُؤَدِّي ذَلِك إِلَى نهي الْعَاجِز لانه بِهَذَا الْوَصْف لَا يعجز يَوْم النَّحْر وَجَمِيع صور التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة مَعَ وُرُود النَّهْي عَنْهَا وَيتَفَرَّع من هَذَا حكم البيع الْفَاسِد وَالْإِجَارَة الْفَاسِدَة وَالنّذر بِصَوْم يَوْم النَّحْر وَجَمِيع صور التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة مَعَ وُرُود النَّهْي عَنْهَا فَقُلْنَا البيع الْفَاسِد يُفِيد الْملك عِنْد الْقَبْض بِاعْتِبَار أَنه بيع وَيجب نقضه بِاعْتِبَار كَونه حَرَامًا لغيره وَهَذَا بِخِلَاف نِكَاح المشركات ومنكوحة الْأَب ومعتدة الْغَيْر ومنكوحته وَنِكَاح الْمَحَارِم وَالنِّكَاح بِغَيْر شُهُود لِأَن مُوجب النِّكَاح حل التَّصَرُّف وَمُوجب النَّهْي حُرْمَة التَّصَرُّف فاستحال الْجمع بَينهمَا فَيحمل النَّهْي على النَّفْي فَأَما مُوجب البيع ثُبُوت الْملك وَمُوجب النَّهْي حُرْمَة التَّصَرُّف وَقد أمكن الْجمع بَينهمَا بَان يثبت الْملك وَيحرم التَّصَرُّف أَلَيْسَ أَنه لَو تخمر الْعصير فِي ملك الْمُسلم يبْقى ملكه فِيهَا وَيحرم التَّصَرُّف

وعَلى هَذَا قَالَ أَصْحَابنَا إِذا نذر بِصَوْم يَوْم النَّحْر أَيَّام التَّشْرِيق يَصح نَذره لِأَنَّهُ نذر بِصَوْم مَشْرُوع وَكَذَلِكَ لَو نذر بالصلوة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة يَصح لِأَنَّهُ نذر بِعبَادة مَشْرُوعَة لما ذكرنَا أَن النَّهْي يُوجب بَقَاء التَّصَرُّف مَشْرُوعا وَلِهَذَا قُلْنَا لَو شرع فِي النَّقْل فِي هَذِه الْأَوْقَات لزمَه بِالشُّرُوعِ وارتكاب الْحَرَام لَيْسَ بِلَازِم للُزُوم الاتمام فانه لَو صَبر حَتَّى حلت الصلوة بارتفاع الشَّمْس وغروبها ودلوكها أمكنه اتمام بِدُونِ الْكَرَاهَة وَبِه فَارق صَوْم يَوْم الْعِيد فانه لَو شرع فِيهِ لَا يلْزمه عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد لَان الاتمام لَا يَنْفَكّ عَن ارْتِكَاب الْحَرَام وَمن هَذَا النَّوْع وَطْء الْحَائِض فان النَّهْي عَن قربانها بِاعْتِبَار الْأَذَى لقَوْله تَعَالَى {ويسألونك عَن الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن} وَلِهَذَا قُلْنَا يَتَرَتَّب الْأَحْكَام على هَذَا الْوَطْء فَيثبت بِهِ إِحْصَان الْوَاطِئ وَتحل الْمَرْأَة للزَّوْج الأول وَيثبت بِهِ حكم الْمهْر وَالْعدة وَالنَّفقَة وَلَو امْتنعت عَن التَّمْكِين لأجل الصَدَاق كَانَت نَاشِزَة عِنْدهمَا فَلَا تسْتَحقّ النَّفَقَة وَحُرْمَة الْفِعْل لَا تنَافِي ترَتّب الْأَحْكَام كَطَلَاق الْحَائِض وَالْوُضُوء بالمياه الْمَغْصُوبَة والإصطياد بقوس مَغْصُوبَة وَالذّبْح بسكين مَغْصُوبَة والصلوة فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة وَالْبيع فِي وَقت النداء فانه يَتَرَتَّب الحكم على هَذِه التَّصَرُّفَات مَعَ اشتمالها على الْحُرْمَة وَبِاعْتِبَار هَذَا الأَصْل قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا}

الفصل الثاني عشر فصل في تعريف طريق المراد بالنصوص

الْفَصْل الثَّانِي عشر فصل فِي تَعْرِيف طَرِيق المُرَاد بالنصوص ان الْفَاسِق من أهل الشَّهَادَة فَينْعَقد النِّكَاح بِشَهَادَة الْفُسَّاق لَان النَّهْي عَن قبُول الشَّهَادَة بِدُونِ الشَّهَادَة محَال وانما لم تقبل شَهَادَتهم لفساد فِي الْأَدَاء لَا لعدم الشَّهَادَة أصلا وعَلى هَذَا لَا يجب عَلَيْهِم اللّعان لَان ذَلِك أَدَاء الشَّهَادَة وَلَا أَدَاء مَعَ الْفَاسِق بحث طَرِيق معرفَة المُرَاد بالنصوص اعْلَم ان لمعْرِفَة المُرَاد بالنصوص طرقا مِنْهَا 1 - ان اللَّفْظ اذا كَانَ حَقِيقَة لِمَعْنى ومجازا لآخر فالحقيقة أولى مِثَاله مَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا الْبِنْت المخلوقة من مَاء الزِّنَا يحرم على الزَّانِي نِكَاحهَا وَقَالَ الشَّافِعِي رح يحل وَالصَّحِيح مَا قُلْنَا لِأَنَّهَا بنته حَقِيقَة فَتدخل تَحت قَوْله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم وبناتكم} وَيتَفَرَّع مِنْهُ الْأَحْكَام على المذهبين من حل الْوَطْء وَوُجُوب الْمهْر وَلُزُوم النَّفَقَة وجريان التَّوَارُث وَولَايَة الْمَنْع عَن الْخُرُوج والبروز 2 - وَمِنْهَا أَن أحد المحملين إِذا أوجب تَخْصِيصًا فِي النَّص دون الآخر فالحمل على مَا لَا يسْتَلْزم التَّخْصِيص أولى مِثَاله فِي قَوْله تَعَالَى {أَو لامستم النِّسَاء} فالملامسة لَو حملت على الوقاع

كَانَ النَّص مَعْمُولا بِهِ فِي جَمِيع صور وجوده وَلَو حملت على الْمس بِالْيَدِ كَانَ النَّص مَخْصُوصًا بِهِ فِي كثير من الصُّور فان مس الْمَحَارِم والطفلة الصَّغِيرَة جدا غير نَاقض للْوُضُوء فِي أصح قولي الشَّافِعِي وَيتَفَرَّع مِنْهُ الْأَحْكَام على المذهبين من إِبَاحَة الصلوة وَمَسّ الْمُصحف وَدخُول الْمَسْجِد وَصِحَّة الامامة وَلُزُوم التَّيَمُّم عِنْد عدم المَاء وتذكر الْمس فِي أثْنَاء الصلوة 3 - وَمِنْهَا أَن النَّص إِذا قرئَ بقراءتين أَو رُوِيَ بروايتين كَانَ الْعَمَل بِهِ على وَجه يكون عملا بِالْوَجْهَيْنِ أولى مِثَاله فِي قَوْله تَعَالَى {وأرجلكم} قرئَ بِالنّصب عطفا على المغسول وبالخفض عطفا على الْمَمْسُوح فَحملت قِرَاءَة الْخَفْض على حَالَة التخفف وَقِرَاءَة النصب على حَالَة عدم التخفف وَبِاعْتِبَار هَذَا الْمَعْنى قَالَ الْبَعْض جَوَاز الْمسْح ثَبت بِالْكتاب وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يطهرن} قرئَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فَيعْمل بِقِرَاءَة التَّخْفِيف فِيمَا إِذا كَانَ أَيَّامهَا عشرَة وبقراءة التَّشْدِيد فِيمَا إِذا كَانَ أَيَّامهَا دون الْعشْرَة وعَلى هَذَا قَالَ أَصْحَابنَا اذا انْقَطع دم الْحيض لأَقل من عشرَة

أَيَّام لم يجز وَطْء الْحَائِض حَتَّى تَغْتَسِل لِأَن كَمَال الطَّهَارَة يثبت بالإغتسال وَلَو انْقَطع دَمهَا لعشرة أَيَّام جَازَ وَطئهَا قبل الْغسْل لِأَن مُطلق الطَّهَارَة ثَبت بِانْقِطَاع الدَّم وَلِهَذَا قُلْنَا اذا انْقَطع دم الْحيض لعشرة أَيَّام فِي آخر وَقت الصلوة تلزمها فَرِيضَة الْوَقْت وان لم يبْق من الْوَقْت مِقْدَار مَا تَغْتَسِل بِهِ وَلَو انْقَطع دَمهَا لأَقل من عشرَة ايام فِي آخر وَقت الصلوة إِن بَقِي من الْوَقْت مِقْدَار مَا تَغْتَسِل فِيهِ وَتحرم للصلوة لزمتها الْفَرِيضَة وَإِلَّا فَلَا ثمَّ نذْكر طرقا من التمسكات الضعيفة ليَكُون ذَلِك تَنْبِيها على مَوضِع الْخلَل فِي هَذَا النَّوْع مِنْهَا ان التَّمَسُّك بِمَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنه قاء فَلم يتَوَضَّأ) لاثبات أَن الْقَيْء غير نَاقض ضَعِيف لَان الْأَثر يدل على ان الْقَيْء لَا يُوجب الْوضُوء فِي الْحَال وَلَا خلاف فِيهِ وانما الْخلاف فِي كَونه ناقضا وَكَذَلِكَ التَّمَسُّك بقوله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} لاثبات فَسَاد المَاء بِمَوْت الذُّبَاب ضَعِيف لَان النَّص يثبت حُرْمَة الْميتَة وَلَا خلاف فِيهِ وانما الْخلاف فِي فَسَاد المَاء وَكَذَلِكَ التَّمَسُّك بقوله عَلَيْهِ السَّلَام (حتيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بِالْمَاءِ) لاثبات أَن الْخلّ لَا يزِيل النَّجس ضَعِيف لِأَن الْخَبَر يَقْتَضِي وجوب غسل الدَّم بِالْمَاءِ فيتقيد بِحَال وجود الدَّم على الْمحل وَلَا خلاف فِيهِ وانما الْخلاف فِي طَهَارَة الْمحل بعد زَوَال الدَّم بالخل

وَكَذَلِكَ التَّمَسُّك بقوله عَلَيْهِ السَّلَام (فِي اربعين شَاة شَاة) لاثبات عدم جَوَاز دفع الْقيمَة ضَعِيف لِأَنَّهُ يَقْتَضِي وجوب الشَّاة وَلَا خلاف فِيهِ وانما الْخلاف فِي سُقُوط الْوَاجِب بأَدَاء الْقيمَة

بحث التمسكات الضعيفة الفاسدة

بحث التمسكات الضعيفة الْفَاسِدَة وَكَذَلِكَ التَّمَسُّك بقوله تَعَالَى {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} لإِثْبَات وجوب الْعمرَة ابْتِدَاء ضَعِيف لِأَن النَّص يَقْتَضِي وجوب الْإِتْمَام وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون بعد الشُّرُوع وَلَا خلاف فِيهِ وَإِنَّمَا الْخلاف فِي وُجُوبهَا ابْتِدَاء وَكَذَلِكَ التَّمَسُّك بقوله عَلَيْهِ السَّلَام (لاتبيعوا الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلَا الصَّاع بالصاعين) لإِثْبَات أَن البيع الْفَاسِد لَا يُفِيد الْملك ضَعِيف لِأَن النَّص يَقْتَضِي تَحْرِيم البيع الْفَاسِد وَلَا خلاف فِيهِ وَإِنَّمَا الْخلاف فِي ثُبُوت الْملك وَعَدَمه وَكَذَلِكَ التَّمَسُّك بقوله عَلَيْهِ السَّلَام (أَلا لَا تَصُومُوا فِي هَذِه الْأَيَّام فَإِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وبعال) لإِثْبَات أَن النّذر بِصَوْم يَوْم النَّحْر لَا يَصح ضَعِيف لِأَن النَّص يَقْتَضِي حُرْمَة الْفِعْل وَلَا خلاف فِي كَونه حَرَامًا وَإِنَّمَا الْخلاف فِي إِفَادَة الْأَحْكَام مَعَ كَونه حَرَامًا وَحُرْمَة الْفِعْل لَا تنَافِي ترَتّب الْأَحْكَام فَإِن الْأَب لَو استولد جَارِيَة ابْنه يكون حَرَامًا وَيثبت بِهِ الْملك للْأَب وَلَو ذبح شَاة بسكين مَغْصُوبَة يكون حَرَامًا وَيحل الْمَذْبُوح وَلَو غسل الثَّوْب النَّجس بِمَاء مَغْصُوب يكون حَرَامًا ويطهر بِهِ الثَّوْب

وَلَو وطىء امْرَأَة فِي حَالَة الْحيض يكون حَرَامًا وَيثبت بِهِ إِحْصَان الواطىء وَيثبت الْحل للزَّوْج الأول

الفصل الثالث عشر تقرير حروف المعاني

الْفَصْل الثَّالِث عشر تَقْرِير حُرُوف الْمعَانِي الْوَاو للْجمع الْمُطلق وَقيل أَن الشَّافِعِي جعله للتَّرْتِيب وعَلى هَذَا الْوَاجِب التَّرْتِيب فِي بَاب الْوضُوء قَالَ عُلَمَاؤُنَا رح إِذا قَالَ لامْرَأَته ان كلمت زيدا أَو عمرا فَأَنت طَالِق فكلمت عمرا ثمَّ زيدا طلقت وَلَا يشْتَرط فِيهِ معنى التَّرْتِيب والمقارنة وَلَو قَالَ إِن دخلت هَذِه الدَّار وَهَذِه الدَّار فَأَنت طَالِق فَدخلت الثَّانِيَة ثمَّ دخلت الأول طلقت قَالَ مُحَمَّد رح إِذا قَالَ أَن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق تطلق فِي الْحَال وَلَو اقْتضى ذَلِك ترتيبا لترتب الطَّلَاق بِهِ على الدُّخُول وَيكون ذَلِك تَعْلِيقا لَا تنجيزا وَقد تكون الْوَاو للْحَال فتجمع بَين الْحَال وَذي الْحَال وَحِينَئِذٍ تفِيد معنى الشَّرْط مِثَاله مَا قَالَ فِي الْمَأْذُون إِذا قَالَ لعَبْدِهِ أد إِلَيّ ألفا وَأَنت حر يكون الْأَدَاء شرطا للحرية وَقَالَ مُحَمَّد فِي السّير الْكَبِير إِذا قَالَ الإِمَام للْكفَّار افتحوا الْبَاب وَأَنْتُم آمنون لَا يأمنون بِدُونِ الْفَتْح وَلَو قَالَ للحربي أنزل وَأَنت آمن لَا يَأْمَن بِدُونِ النُّزُول وَإِنَّمَا تحمل الْوَاو على الْحَال لطريق الْمجَاز فَلَا بُد من احْتِمَال

اللَّفْظ ذَلِك وَقيام الدّلَالَة على ثُبُوته كَمَا فِي قَول الْمولى لعَبْدِهِ أد إِلَيّ ألفا وَأَنت حر فَإِن الْحُرِّيَّة تتَحَقَّق حَال الْأَدَاء وَقَامَت الدّلَالَة على ذَلِك فَإِن الْمولى لَا يسْتَوْجب على عَبده مَالا مَعَ قيام الرّقّ فِيهِ وَقد صَحَّ التَّعْلِيق بِهِ فَحمل عَلَيْهِ

بحث كون الواو لمطلق الجمع والفاء للتعقيب

بحث كَون الْوَاو لمُطلق الْجمع وَالْفَاء للتعقيب وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَأَنت مَرِيضَة أَو مصلية تطلق فِي الْحَال وَلَو نوى التَّعْلِيق صحت نِيَّته فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى لِأَن اللَّفْظ وَإِن كَانَ يحْتَمل معنى الْحَال إِلَّا أَن الظَّاهِر خِلَافه وَإِذا تأيد ذَلِك بِقَصْدِهِ ثَبت وَلَو قَالَ خُذ هَذِه الْألف مُضَارَبَة واعمل بهَا فِي الْبَز لَا يتَقَيَّد الْعَمَل فِي الْبَز وَيكون الْمُضَاربَة عَامَّة لِأَن الْعَمَل فِي الْبَز لَا يصلح حَالا لأخذ الْألف مُضَارَبَة فَلَا يتَقَيَّد صدر الْكَلَام بِهِ وعَلى هَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قَالَت لزَوجهَا (طَلقنِي وَلَك ألف) فَطلقهَا لَا يجب لَهُ عَلَيْهَا شيءلأن قَوْلهَا (وَلَك ألف) لَا يُفِيد حَال وجوب الْألف عَلَيْهَا وَقَوْلها (طَلقنِي) مُفِيد بِنَفسِهِ فَلَا يتْرك الْعَمَل بِهِ بِدُونِ الدَّلِيل بِخِلَاف قَوْله احْمِلْ هَذَا الْمَتَاع وَلَك دِرْهَم لِأَن دلَالَة الْإِجَارَة يمْنَع الْعَمَل بِحَقِيقَة اللَّفْظ وَلِهَذَا تسْتَعْمل فِي الأجزية لما أَنَّهَا تتعقب الشَّرْط قَالَ أَصْحَابنَا رح إِذا قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا العَبْد بِأَلف فَقَالَ الآخر فصل الْفَاء للتعقيب مَعَ الْوَصْل

فَهُوَ حر يكون ذَلِك مَقْبُولًا للْبيع اقْتِضَاء وَيثبت الْعتْق مِنْهُ عقيب البيع بِخِلَاف مَا لَو قَالَ وَهُوَ حر أَو هُوَ حر فَإِنَّهُ يكون ردا للْبيع وَإِذا قَالَ للخياط انْظُر إِلَى هَذَا الثَّوْب أيكفيني قَمِيصًا فَنظر فَقَالَ نعم فَقَالَ صَاحب الثَّوْب فاقطعه فَقَطعه فَإِذا هُوَ لَا يَكْفِيهِ كَانَ الْخياط ضَامِنا لِأَنَّهُ إِنَّمَا أمره بِالْقطعِ عقيب الْكِفَايَة بِخِلَاف مَا لَو قَالَ اقطعه أَو واقطعه فَقَطعه فَإِنَّهُ لَا يكون الْخياط ضَامِنا وَلَو قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الثَّوْب بِعشْرَة فاقطعه فَقَطعه وَلم يقل شَيْئا كَانَ البيع تَاما وَلَو قَالَ إِن دخلت هَذِه الدَّار فَهَذِهِ الدَّار فَأَنت طَالِق فَالشَّرْط دُخُول الثَّانِيَة عقيب دُخُول الأولى مُتَّصِلا بِهِ حَتَّى لَو دخلت الثَّانِيَة أَولا أَو آخرا لكنه بعد مُدَّة لَا يَقع الطَّلَاق

بحث أن الفاء قد تستعمل لبيان العلية

بحث أَن الْفَاء قد تسْتَعْمل لبَيَان الْعلية وَقد تكون الْفَاء لبَيَان الْعلَّة مِثَاله إِذا قَالَ لعَبْدِهِ أد إِلَيّ ألفا فَأَنت حر كَانَ العَبْد حرا فِي الْحَال وَإِن لم يؤد شَيْئا وَلَو قَالَ للحربي إنزل فَأَنت آمن كَانَ آمنا وَإِن لم ينزل وَفِي الْجَامِع مَا إِذا قَالَ أَمر امْرَأَتي بِيَدِك فَطلقهَا فَطلقهَا فِي الْمجْلس طلقت تَطْلِيقَة بَائِنَة وَلَا يكون الثَّانِي توكيلا بِطَلَاق غير الأول فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ طَلقهَا بِسَبَب أَن أمرهَا بِيَدِك وَلَو قَالَ طَلقهَا فَجعلت أمرهَا بِيَدِك فَطلقهَا فِي الْمجْلس طلقت تَطْلِيقَة رَجْعِيَّة وَلَو قَالَ طَلقهَا وَجعلت أمرهَا بِيَدِك وَطَلقهَا فِي الْمجْلس طلقت تَطْلِيقَتَيْنِ وَكَذَلِكَ لَو قَالَ طَلقهَا وَابْنهَا أَو ابْنهَا وَطَلقهَا فَطلقهَا فِي الْمجْلس وَقعت تَطْلِيقَتَانِ وعَلى هَذَا قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أعتقت الْأمة الْمَنْكُوحَة ثَبت لَهَا الْخِيَار سَوَاء كَانَ زَوجهَا عبدا أَو حرا لِأَن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لبريدة حِين أعتقت (ملكت بضعك فاختاري) أثبت الْخِيَار لَهَا بِسَبَب ملكهَا بضعهَا بِالْعِتْقِ وَهَذَا الْمَعْنى لَا يتَفَاوَت بَين كَون الزَّوْج عبدا أَو حرا وَيتَفَرَّع مِنْهُ مَسْأَلَة (اعْتِبَار الطَّلَاق بِالنسَاء) فَإِن بضع الْأمة

الْمَنْكُوحَة ملك الزَّوْج وَلم يزل عَن ملكه بِعتْقِهَا فدعَتْ الضَّرُورَة إِلَى القَوْل بازدياد الْملك بِعتْقِهَا حَتَّى يثبت لَهُ الْملك فِي الزِّيَادَة وَيكون ذَلِك سَببا لثُبُوت الْخِيَار لَهَا وازدياد ملك الْبضْع بِعتْقِهَا معنى مَسْأَلَة اعْتِبَار الطَّلَاق بِالنسَاء فيدار حكم مالكية الثَّلَاث على عتق الزَّوْجَة دون عتق الزَّوْج كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي رح

فصل ثم للتراخي

فصل ثمَّ للتراخي لكنه عِنْد أبي حنيفَة يُفِيد التَّرَاخِي فِي اللَّفْظ وَالْحكم وَعِنْدَهُمَا يُفِيد التَّرَاخِي فِي الحكم وَبَيَانه فِيمَا إِذا قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق ثمَّ طَالِق فَعنده يتَعَلَّق الأولى بِالدُّخُولِ وَتَقَع الثَّانِيَة فِي الْحَال ولغت الثَّالِثَة وَعِنْدَهُمَا يتَعَلَّق الْكل بِالدُّخُولِ ثمَّ عِنْد الدُّخُول يظْهر التَّرْتِيب فَلَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثمَّ طَالِق ثمَّ طَالِق إِن دخلت الدَّار فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَقعت الأولى فِي الْحَال ولغت الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَعِنْدَهُمَا يَقع الْوَاحِدَة عِنْد الدُّخُول لما ذكرنَا وَإِن كَانَت الْمَرْأَة مَدْخُولا بهَا فَإِن قدم الشَّرْط تعلّقت الأولى بِالدُّخُولِ وَيَقَع ثِنْتَانِ فِي الْحَال عِنْد أبي حنيفَة وَإِن أخرالشرط وَقع ثِنْتَانِ فِي الْحَال وتعلقت الثَّالِثَة بِالدُّخُولِ وَعِنْدَهُمَا يتَعَلَّق الْكل بِالدُّخُولِ فِي الْفَصْلَيْنِ

بحث وضع بل لتدارك الغلط

بحث وضع بل لتدارك الْغَلَط فصل بل لتدارك الْغَلَط بِإِقَامَة الثَّانِي مقَام الأول فَإِذا قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا أَنْت طَالِق وَاحِدَة لَا بل ثِنْتَيْنِ وَقعت وَاحِدَة لِأَن قَوْله لَا بل ثِنْتَيْنِ رُجُوع عَن الأول بِإِقَامَة الثَّانِي مقَام الأول وَلم يَصح رُجُوعه فَيَقَع الأول فَلَا يبْقى الْمحل عِنْد قَوْله ثِنْتَيْنِ وَلَو كَانَت مَدْخُولا بهَا يَقع الثَّلَاث وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف لَا بل أَلفَانِ حَيْثُ لَا يجب ثَلَاثَة آلَاف عندنَا وَقَالَ زفر يجب ثَلَاثَة أُلَّاف لِأَن حَقِيقَة اللَّفْظ لتدارك الْغَلَط بِإِثْبَات الثَّانِي مقَام الأول وَلم يَصح عَنهُ إبِْطَال الأول فَيجب تَصْحِيح الثَّانِي مَعَ بَقَاء الأول وَذَلِكَ بطرِيق زِيَادَة الْألف على الْألف الأول بِخِلَاف قَوْله أَنْت طَالِق وَاحِدَة لَا بل ثِنْتَيْنِ لِأَن هَذَا إنْشَاء وَذَلِكَ إِخْبَار والغلط إِنَّمَا يكون فِي الْإِخْبَار دون الْإِنْشَاء فَأمكن تَصْحِيح اللَّفْظ بتدارك الْغَلَط فِي الْإِقْرَار دون الطَّلَاق حَتَّى لَو كَانَ الطَّلَاق بطرِيق الْإِخْبَار بِأَن قَالَ كنت طَلقتك أمس وَاحِدَة لَا بل ثِنْتَيْنِ يَقع ثِنْتَانِ لما ذكرنَا

بحث كون لكن للاستدراك بعد النفي

بحث كَون لَكِن للاستدراك بعد النَّفْي فصل لَكِن للاستدراك بعد النَّفْي فَيكون مُوجبه إِثْبَات مَا بعده فَأَما نفي مَا قبله فثابت بدليله والعطف بِهَذِهِ الْكَلِمَة إِنَّمَا يتَحَقَّق عِنْد اتساق الْكَلَام فَإِن كَانَ الْكَلَام متسقا يتَعَلَّق النَّفْي بالإثبات الَّذِي بعده وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَأْنف مِثَاله مَا ذكره مُحَمَّد فِي الْجَامِع إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ ألف قرض فَقَالَ فلَان لَا وَلكنه غصب لزمَه المَال لِأَن الْكَلَام متسق فَظهر أَن النَّفْي كَانَ فِي السَّبَب دون نفس المَال وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف من ثمن هَذِه الْجَارِيَة فَقَالَ فلَان لَا الْجَارِيَة جاريتك وَلَكِن لي عَلَيْك ألفا يلْزمه المَال فَظهر أَن النَّفْي كَانَ فِي السَّبَب لَا فِي أصل المَال وَلَو كَانَ فِي يَده عبد فَقَالَ هَذَا لفُلَان فَقَالَ فلَان مَا كَانَ لي قطّ وَلكنه لفُلَان آخر فَإِن وصل الْكَلَام كَانَ العَبْد للْمقر لَهُ الثَّانِي لِأَن النَّفْي يتَعَلَّق بالإثبات وَإِن فصل كَانَ العَبْد للْمقر الأول فَيكون قَول الْمقر لَهُ مردا للإقرار

وَلَو أَن أمة زوجت نَفسهَا بِغَيْر إِذن مَوْلَاهَا بِمِائَة دِرْهَم فَقَالَ الْمولى لَا أُجِيز العقد بِمِائَة دِرْهَم وَلَكِن أجيزه بِمِائَة وَخمسين بَطل العقد لِأَن الْكَلَام غير متسق فَإِن نفي الْإِجَازَة وإثباتها بِعَينهَا لَا يتَحَقَّق فَكَانَ قَوْله (لَكِن أجيزه) إثْبَاته بعد رد العقد وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَا أجيزه وَلَكِن أجيزه إِن زدتني خمسين على الْمِائَة يكون فسخا للنِّكَاح لعدم احْتِمَال الْبَيَان لِأَن من شَرطه الاتساق وَلَا اتساق

بحث كون أو متناولا لأحد المذكورين

بحث كَون أَو متناولا لأحد الْمَذْكُورين فصل (أَو) لتناول أحد الْمَذْكُورين وَلِهَذَا لَو قَالَ هَذَا حر أَو هَذَا كَانَ بِمَنْزِلَة قَوْله أَحدهمَا حر حَتَّى كَانَ لَهُ ولَايَة الْبَيَان وَلَو قَالَ وكلت بِبيع هَذَا العَبْد هَذَا أَو هَذَا كَانَ الْوَكِيل أَحدهمَا وَيُبَاح البيع لكل وَاحِد مِنْهُمَا وَلَو بَاعَ أَحدهمَا ثمَّ عَاد العَبْد إِلَى ملك الْمُوكل لَا يكون للْآخر أَن يَبِيعهُ وَلَو قَالَ لثلاث نسْوَة لَهُ هَذِه طَالِق أَو هَذِه وَهَذِه طلقت أحد الْأَوليين وَطلقت الثَّالِثَة فِي الْحَال لانعطافها على الْمُطلقَة مِنْهُمَا وَيكون الْخِيَار للزَّوْج فِي بَيَان الْمُطلقَة مِنْهُمَا بِمَنْزِلَة مَا لوقال احداكما طَالِق وَهَذِه وعَلى هَذَا قَالَ زفر إِذا قَالَ لَا أكلم هَذَا أَو هَذَا أَو هَذَا كَانَ بِمَنْزِلَة قَوْله لَا أكلم أحد هذَيْن وَهَذَا فَلَا يَحْنَث مالم يكلم أحد الْأَوَّلين وَالثَّالِث وَعِنْدنَا لَو كلم الأول وَحده يَحْنَث وَلَو كلم أحد الآخرين لَا يَحْنَث مالم يكلمهما وَلَو قَالَ بِعْ هَذَا العَبْد أَو هَذَا كَانَ لَهُ أَن يَبِيع أَحدهمَا أَيهمَا شَاءَ وَلَو دخل أوفى الْمهْر بِأَن تزَوجهَا على هَذَا أَو على هَذَا

يحكم مهرالمثل عِنْد أبي حنيفَة لِأَن اللَّفْظ يتَنَاوَل أَحدهمَا والموجب الْأَصْلِيّ مهر الْمثل فيترجح مَا يشابهه وعَلى هَذَا قُلْنَا التَّشَهُّد لَيْسَ بِرُكْن فِي الصلوة لِأَن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام (إِذا قلت هَذَا أَو فعلت هَذَا فقد تمت صلوتك)

بحث مجيء أو لتناول أحد المذكورين

علق الأتمام بإحدهما فَلَا يشْتَرط كل وَاحِد مِنْهُمَا وَقد شرطت الْقعدَة بالِاتِّفَاقِ فَلَا يشْتَرط قِرَاءَة التَّشَهُّد ثمَّ هَذِه الْكَلِمَة فِي مقَام النَّفْي يُوجب نفي كل وَاحِد من الْمَذْكُورين حَتَّى لَو قَالَ لَا أكلم هَذَا أَو هَذَا يَحْنَث إِذا كلم أَحدهمَا وَفِي الْإِثْبَات يتَنَاوَل أَحدهمَا مَعَ صفة التَّخْيِير كَقَوْلِهِم خُذ هَذَا أَو ذَلِك وَمن ضَرُورَة التَّخْيِير عُمُوم الْإِبَاحَة قَالَ الله تَعَالَى {فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم أَو كسوتهم أَو تَحْرِير رَقَبَة} بحث مَجِيء أَو لتناول أحد الْمَذْكُورين وَقد يكون (أَو) بِمَعْنى (حَتَّى) قَالَ الله تَعَالَى {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم} قيل مَعْنَاهُ حَتَّى يَتُوب عَلَيْهِم قَالَ أَصْحَابنَا لَو قَالَ لَا أَدخل هَذِه الدَّار أَو أَدخل هَذِه الدَّار يكون (أَو) بِمَعْنى حَتَّى حَتَّى لَو دخل الأولى وَلَا حنث وَلَو دخل الثَّانِيَة أَولا بر فِي يَمِينه

بحث إفادة حتى معنى الغاية

وبمثله لَو قَالَ لَا أُفَارِقك (أَو) تقضي ديني يكون بِمَعْنى (حَتَّى) تقضي ديني بحث إِفَادَة حَتَّى معنى الْغَايَة فصل حَتَّى للغاية كإلى فَإِذا كَانَ مَا قبلهَا قَابلا للامتداد وَمَا بعْدهَا يصلح غَايَة لَهُ كَانَت الْكَلِمَة عاملة بحقيقتها مِثَاله مَا قَالَ مُحَمَّد إِذا قَالَ عَبدِي حر إِن لم أضربك حَتَّى يشفع فلَان أَو حَتَّى تصيح أَو حَتَّى تَشْتَكِي بَين يَدي أَو حَتَّى يدْخل اللَّيْل كَانَت الْكَلِمَة عاملة بحقيقتها لِأَن الضَّرْب بالتكرار يحْتَمل الامتداد وشفاعة فلَان وأمثالها تصلح غَايَة للضرب فَلَو امْتنع عَن الضَّرْب قبل الْغَايَة حنث وَلَو حلف لَا يُفَارق غَرِيمه حَتَّى يَقْضِيه دينه فَفَارَقَ قبل قَضَاء الدّين حنث فَإِذا تعذر الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ لمَانع كالعرف كَمَا لَو حلف أَن يضْربهُ حَتَّى يَمُوت أَو حَتَّى يقْتله حمل على الضَّرْب الشَّديد بِاعْتِبَار الْعرف وَإِن لم يكن الأول قبلا للامتداد وَالْآخر صَالحا للغاية وَصلح الأول سَببا وَالْآخر جَزَاء يحمل على الْجَزَاء

مِثَاله مَا قَالَ مُحَمَّد رح إِذا قَالَ لغيره عَبدِي حر إِن لم آتِك حَتَّى تغديني فآتان فَلم يغده لَا يَحْنَث لِأَن التغدية لَا تصلح غَايَة للأتيان بل هِيَ دَاع الى زِيَادَة الأتيان وَصلح جَزَاء فَيحمل على الْجَزَاء فَيكون بِمَعْنى لَام كي فَصَارَ كَمَا لَو قَالَ إِن لم آتِك إتيانا جَزَاؤُهُ التغدية وَإِذا تعذر هَذَا بإن لَا يصلح الآخر جَزَاء للْأولِ حمل على الْعَطف الْمَحْض مِثَاله مَا قَالَ مُحَمَّد رح إِذا قَالَ عَبدِي حر إِن لم آتِك حَتَّى أتغدى عنْدك الْيَوْم أَو إِن لم تأتني حَتَّى تغدى عِنْدِي الْيَوْم فَأَتَاهُ فَلم يتغد عِنْده فِي ذَلِك الْيَوْم حنث وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لما أضيف كل وَاحِد من الْفِعْلَيْنِ إِلَى ذَات وَاحِد لَا يصلح إِن يكون فعله جَزَاء لفعله فَيحمل على الْعَطف الْمَحْض فَيكون الْمَجْمُوع شرطا للبر

بحث وضع إلى لانتهاء الغاية

بحث وضع إِلَى لانْتِهَاء الْغَايَة فصل إِلَى لانْتِهَاء الْغَايَة ثمَّ هُوَ فِي بعض الصُّور يُفِيد معنى امتداد الحكم وَفِي بعض الصُّور يُفِيد معنى الْإِسْقَاط فَإِن أَفَادَ الامتداد لَا تدخل الْغَايَة فِي الحكم وَإِن أَفَادَ الْإِسْقَاط تدخل نَظِير الأول اشْتريت هَذَا الْمَكَان إِلَى هَذَا الْحَائِط لَا يدْخل الْحَائِط فِي البيع وَنَظِير الثَّانِي بَاعَ بِشَرْط الْخِيَار إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام وبمثله لَو حلف لَا أكلم فلَانا إِلَى شهر كَانَ الشَّهْر دَاخِلا فِي الحكم وَقد أَفَادَ فَائِدَة الْإِسْقَاط هَهُنَا وعَلى هَذَا قُلْنَا الْمرْفق والكعب داخلان تَحت حكم الْغسْل فِي قَوْله تَعَالَى {إِلَى الْمرَافِق} لِأَن كلمة {إِلَى} هَهُنَا للإسقاط فَإِنَّهُ لولاها لاستوعبت الْوَظِيفَة جَمِيع الْيَد وَلِهَذَا قُلْنَا الرّكْبَة من العوره لِأَن كلمة {إِلَى} فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام (عَورَة الرجل مَا تَحت السُّرَّة إِلَى الرّكْبَة) تفِيد فَائِدَة الْإِسْقَاط فَتدخل الرّكْبَة فِي الحكم وَقد تفِيد كَلمته {إِلَى} تَأْخِير الحكم إِلَى الْغَايَة وَلِهَذَا قُلْنَا إِذا

قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق إِلَى شهر وَلَا نِيَّة لَهُ لَا يَقع الطَّلَاق فِي الْحَال عندنَا خلافًا لزفَر لِأَن ذكر الشَّهْر يصلح لمد الحكم والإسقاط شرعا وَالطَّلَاق يحْتَمل التَّأْخِير بِالتَّعْلِيقِ فَيحمل عَلَيْهِ

بحث كون كلمة على للإلزام وفي للظرف

بحث كَون كلمة على للإلزام وَفِي للظرف فصل كلمة على للإلزام وَأَصله لإِفَادَة معنى التفوق والتعلي وَلِهَذَا لَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف يحمل على الدّين بِخِلَاف مَا لَو قَالَ عِنْدِي أَو معي أَو قبلي وعَلى هَذَا قَالَ فِي السّير الْكَبِير إِذا قَالَ رَأس الْحصن آمنوني على عشرَة من أهل الْحصن فَفَعَلْنَا فالعشرة سواهُ وَخيَار التَّعْيِين لَهُ وَلَو قَالَ امنوني وَعشرَة أَو فعشرة أَو ثمَّ عشرَة فَفَعَلْنَا فَكَذَلِك وَخيَار التَّعْيِين للأمن وَقد تكون على بِمَعْنى (الْبَاء) مجَازًا حَتَّى لَو قَالَ بِعْتُك هَذَا على ألف تكون (على) بِمَعْنى (الْبَاء) لقِيَام دلَالَة الْمُعَاوضَة وَقد يكون (على) بِمَعْنى (الشَّرْط) قَالَ الله تَعَالَى {يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا} ) وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قَالَت لزَوجهَا طَلقنِي ثَلَاثًا على ألف فَطلقهَا وَاحِدَة لَا يجب المَال لِأَن الْكَلِمَة هَهُنَا تفِيد معنى الشَّرْط فَيكون الثَّلَاث شرطا للُزُوم المَال

بحث افادة في معنى الظرفيه

بحث افادة فِي معنى الظرفيه فصل كلمة ((فِي)) للظرف وَبِاعْتِبَار هَذَا الأَصْل قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ غصبت ثوبا (فِي) منديل أَو تَمرا (فِي) قوصرة (وعَاء) لزماه جَمِيعًا ثمَّ هَذِه الْكَلِمَة تسْتَعْمل فِي الزَّمَان وَالْمَكَان وَالْفِعْل أما إِذا اسْتعْملت فِي الزَّمَان بِأَن يَقُول أَنْت طَالِق غَدا فَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يَسْتَوِي فِي ذَلِك حذفهَا أَو إظهارها حَتَّى لَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي غَد كَانَ بِمَنْزِلَة قَوْله أَنْت طَالِق غَدا يَقع الطَّلَاق كَمَا طلع الْفجْر فِي الصُّورَتَيْنِ جَمِيعًا وَذهب أَبُو حنيفَة رح إِلَى أَنَّهَا إِذا حذفت يَقع الطَّلَاق كَمَا طلع الْفجْر وَإِذا أظهرت كَانَ المُرَاد وُقُوع الطَّلَاق فِي جُزْء من الْغَد على سَبِيل الْإِبْهَام فلولا وجود النِّيَّة يَقع الطَّلَاق بِأول الْجُزْء لعدم المزاحم لَهُ وَلَو نوى أخر النَّهَار صحت نِيَّته وَمِثَال ذَلِك فِي قَول الرجل إِن صمت الشَّهْر فَأَنت كَذَا فَإِنَّهُ يَقع على صَوْم الشَّهْر وَلَو قَالَ إِن صمت فِي الشَّهْر فَأَنت كَذَا يَقع ذَلِك على الْإِمْسَاك سَاعَة فِي الشَّهْر

وَأما فِي الْمَكَان فَمثل قَوْله أَنْت طَالِق فِي الدَّار وَفِي مَكَّة يكون ذَلِك طَلَاقا على الْإِطْلَاق فِي جَمِيع الْأَمَاكِن وَبِاعْتِبَار معنى الظَّرْفِيَّة قُلْنَا إِذا حلف على فعل وَإِضَافَة إِلَى زمَان أَو مَكَان فَإِن كَانَ الْفِعْل مِمَّا يتم بالفاعل يشْتَرط كَون الْفَاعِل فِي ذَلِك الزَّمَان أَو الْمَكَان وَإِن كَانَ الْفِعْل يتَعَدَّى إِلَى مَحل يشْتَرط كَون الْمحل فِي ذَلِك الزَّمَان وَالْمَكَان لِأَن الْفِعْل إِنَّمَا يتَحَقَّق بأثره وأثره فِي الْمحل

بحث إفادة كلمة في معنى الظرفية

بحث إِفَادَة كلمة فِي معنى الظَّرْفِيَّة قَالَ مُحَمَّد فِي الْجَامِع الْكَبِير إِذا قَالَ أَن شتمتك فِي الْمَسْجِد فَكَذَا فشتمه وَهُوَ فِي الْمَسْجِد والمشتوم خَارج الْمَسْجِد يَحْنَث وَلَو كَانَ الشاتم خَارج الْمَسْجِد والمشتوم فِي الْمَسْجِد لَا يَحْنَث وَلَو قَالَ إِن ضربتك أَو شججتك فِي الْمَسْجِد فَكَذَا يشْتَرط كَون الْمَضْرُوب والمشجوج فِي الْمَسْجِد وَلَا يشْتَرط كَون الضَّارِب والشاج فِيهِ وَلَو قَالَ إِن قتلتك فِي يَوْم الْخَمِيس فَكَذَا فجرحه قبل يَوْم الْخَمِيس وَمَات يَوْم الْخَمِيس يَحْنَث وَلَو جرحه يَوْم الْخَمِيس وَمَات يَوْم الْجُمُعَة لَا يَحْنَث وَلَو دخلت الْكَلِمَة فِي الْفِعْل تفِيد معنى الشَّرْط قَالَ مُحَمَّد رح إِذا قَالَ أَنْت طَالِق فِي دخولك الدَّار فَهُوَ بِمَعْنى الشَّرْط فَلَا يَقع الطَّلَاق قبل دُخُول الدَّار وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي حيضتك إِن كَانَت فِي الْحيض وَقع الطَّلَاق فِي الْحَال وَإِلَّا يتَعَلَّق الطَّلَاق بِالْحيضِ

وَفِي الْجَامِع لَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي مَجِيء يَوْم لم تطلق حَتَّى يطلع الْفجْر وَلَو قَالَ فِي مُضِيّ يَوْم إِن كَانَ ذَلِك فِي اللَّيْل وَقع الطَّلَاق عِنْد غرُوب الشَّمْس من الْغَد لوُجُود الشَّرْط وَإِن كَانَ فِي الْيَوْم تطلق حِين تَجِيء من الْغَد تِلْكَ السَّاعَة وَفِي الزِّيَادَات لَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي مَشِيئَة الله تَعَالَى أَو فِي إِرَادَة الله تَعَالَى كَانَ ذَلِك بِمَعْنى الشَّرْط حَتَّى لَا تطلق

بحث وضع حرف الباء للإلصاق

بحث وضع حرف الْبَاء للإلصاق فصل حرف الْبَاء للإلصاق فِي وضع اللُّغَة وَلِهَذَا تصْحَب الْأَثْمَان وَتَحْقِيق هَذَا أَن الْمَبِيع أصل فِي البيع وَالثمن شَرط فِيهِ وَلِهَذَا الْمَعْنى هَلَاك الْمَبِيع يُوجب ارْتِفَاع البيع دون هَلَاك الثّمن إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول الأَصْل أَن يكون التبع مُلْصقًا بِالْأَصْلِ لَا أَن يكون الأَصْل مُلْصقًا بالتبع فَإِذا دخل حرف الْبَاء فِي الْبَدَل فِي بَاب البيع دلّ ذَلِك على أَنه تبع ملصق بِالْأَصْلِ فَلَا يكون مَبِيعًا فَيكون ثمنا وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا العَبْد بكر من الْحِنْطَة ووصفها يكون العَبْد مَبِيعًا وَالْكر ثمنا فَيجوز الِاسْتِبْدَال قبل الْقَبْض وَلَو قَالَ بِعْت مِنْك كرا من الْحِنْطَة ووصفها بِهَذَا العَبْد يكون العَبْد ثمنا وَالْكر مَبِيعًا وَيكون العقد سلما لَا يَصح إِلَّا مُؤَجّلا وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا رح إِذا قَالَ لعَبْدِهِ إِن أَخْبَرتنِي بقدوم فلَان فَأَنت حر فَذَلِك على الْخَبَر الصَّادِق ليَكُون الْخَبَر مُلْصقًا بالقدوم

فَلَو أخبر كَاذِبًا لَا يعْتق وَلَو قَالَ إِن أَخْبَرتنِي أَن فلَانا قدم فَأَنت حر فَذَلِك على مُطلق الْخَبَر فَلَو أخبرهُ كَاذِبًا عتق وَلَو قَالَ لامْرَأَته إِن خرجت من الدَّار إِلَّا بإذني فَأَنت كَذَا تحْتَاج إِلَى الْإِذْن كل مرّة إِذْ الْمُسْتَثْنى خُرُوج ملصق بِالْإِذْنِ فَلَو خرجت فِي الْمرة الثَّانِيَة بِدُونِ الْإِذْن طلقت وَلَو قَالَ إِن خرجت من الدَّار إِلَّا أَن آذن لَك فَذَلِك على الْإِذْن مرّة حَتَّى لَو خرجت مرّة أُخْرَى بِدُونِ الْإِذْن لَا تطلق وَفِي الزِّيَادَات إِذا قَالَ أَنْت طَالِق بِمَشِيئَة الله تَعَالَى أَو بِإِرَادَة الله تَعَالَى أَو بِحكمِهِ لم تطلق

الفصل الرابع عشر بيان التقرير وبيان التفسير

الْفَصْل الرَّابِع عشر بَيَان التَّقْرِير وَبَيَان التَّفْسِير فصل فِي وُجُوه الْبَيَان الْبَيَان على سَبْعَة أَنْوَاع بَيَان تَقْرِير وَبَيَان تَفْسِير وَبَيَان تَغْيِير وَبَيَان ضَرُورَة وَبَيَان حَال وَبَيَان عطف وَبَيَان تَبْدِيل أما الأول فَهُوَ أَن يكون معنى اللَّفْظ ظَاهرا لكنه يتَحَمَّل غَيره فَبين المُرَاد بِمَا هُوَ الظَّاهِر فيتقرر حكم الظَّاهِر ببيانه ومثاله إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ قفيز حِنْطَة بقفيز الْبَلَد أَو ألف من نقد الْبَلَد فَإِنَّهُ يكون بَيَان تَقْرِير لِأَن الْمُطلق كَانَ مَحْمُولا على قفيز الْبَلَد ونقده مَعَ احْتِمَال إِرَادَة الْغَيْر فَإِذا بَين ذَلِك فقد قَرَّرَهُ ببيانه وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لفُلَان عِنْدِي ألف وَدِيعَة فَإِن كلمة عِنْدِي كَانَت بإطلاقها تفِيد الْأَمَانَة مَعَ احْتِمَال إِرَادَة الْغَيْر فَإِذا قَالَ وَدِيعَة فقد قرر حكم الظَّاهِر ببيانه فصل وَأما بَيَان التَّفْسِير فَهُوَ مَا إِذا كَانَ اللَّفْظ غير مَكْشُوف المُرَاد فكشفه ببيانه مِثَاله إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ شَيْء ثمَّ فسرالشيء بِثَوْب أَو قَالَ عَليّ عشرَة دَرَاهِم ونيف ثمَّ فسر النيف

أَو قَالَ عَليّ دَرَاهِم وفسرها بِعشْرَة مثلا وَحكم هذَيْن النَّوْعَيْنِ من الْبَيَان أَن يصحح مَوْصُولا ومفصولا

بحث بيان التغيير فصل وإما بيان التغيير

بحث بَيَان التَّغْيِير فصل وَإِمَّا بَيَان التَّغْيِير فَهُوَ أَن يتَغَيَّر ببيانه معنى كَلَامه وَنَظِيره التَّعْلِيق وَالِاسْتِثْنَاء وَقد اخْتلف الْفُقَهَاء فِي الْفَصْلَيْنِ فَقَالَ أَصْحَابنَا الْمُعَلق بِالشّرطِ سَبَب عِنْد وجود الشَّرْط لَا قبله وَقَالَ الشَّافِعِي رح التَّعْلِيق سَبَب فِي الْحَال إِلَّا أَن عدم الشَّرْط مَانع من حكمه وَفَائِدَة الْخلاف تظهر فِيمَا إِذا قَالَ لأجنبية أَن تَزَوَّجتك فَأَنت طَالِق أَو قَالَ لعبد الْغَيْر إِن مَلكتك فَأَنت حر يكون التَّعْلِيق بَاطِلا عِنْده لِأَن حكم التَّعْلِيق انْعِقَاد صدر الْكَلَام عِلّة وَالطَّلَاق وَالْعتاق هَهُنَا لم ينْعَقد عِلّة لعدم إِضَافَته إِلَى الْمحل فَبَطل حكم التَّعْلِيق فَلَا يَصح التَّعْلِيق وَعِنْدنَا كَانَ التَّعْلِيق صَحِيحا حَتَّى لَو تزَوجهَا يَقع الطَّلَاق لِأَن كَلَامه إِنَّمَا ينْعَقد عِلّة عِنْد وجود الشَّرْط وَالْملك ثَابت عِنْد وجود الشَّرْط فَيصح التَّعْلِيق وَلِهَذَا الْمَعْنى قُلْنَا شَرط صِحَة التَّعْلِيق للوقوع فِي صُورَة

عدم الْملك أَن يكون مُضَافا إِلَى الْملك وَإِلَى سَبَب الْملك حَتَّى لَو قَالَ لأجنبية إِن دخلت الدَّار فإنت طَالِق ثمَّ تزَوجهَا وَوجد الشَّرْط لَا يَقع الطَّلَاق وَكَذَلِكَ طول الْحرَّة يمْنَع جَوَاز نِكَاح الْأمة عِنْده لِأَن الْكتاب علق نِكَاح الْأمة بِعَدَمِ الطول فَعِنْدَ وجود الطول كَانَ الشَّرْط عدما وَعدم الشَّرْط مَانع من الحكم فَلَا يجوز وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِي لَا نَفَقَة للمبتوتة إِلَّا إِذا كَانَت حَامِلا لِأَن الْكتاب علق الْإِنْفَاق بِالْحملِ لقَوْله تَعَالَى {وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضعن حَملهنَّ} فَعِنْدَ عدم الْحمل كَانَ الشَّرْط عدما وَعدم الشَّرْط مَانع من الحكم عِنْده وَعِنْدنَا لما لم يكن عدم الشَّرْط مَانِعا من الحكم جَازَ أَن يثبت الحكم بدليله فَيجوز نِكَاح الْأمة وَيجب الْإِنْفَاق بالعمومات وَمن تَوَابِع هَذَا النَّوْع ترَتّب الحكم على الِاسْم الْمَوْصُوف بِصفة فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة تَعْلِيق الحكم بذلك الْوَصْف عِنْده وعَلى هَذَا قَالَ الشَّافِعِي رح لَا يجوز نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة لِأَن النَّص رتب الحكم على أمة مُؤمنَة لقَوْله تَعَالَى {من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات} فيتقيد بالمؤمنة فَيمْتَنع الحكم عِنْد عدم الْوَصْف فَلَا يجوز نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة وَمن صور بَيَان التَّغْيِير الِاسْتِثْنَاء

بحث كون الاستثناء من صور بيان التغيير

بحث كَون الِاسْتِثْنَاء من صور بَيَان التَّغْيِير ذهب أَصْحَابنَا إِلَى أَن الِاسْتِثْنَاء تكلم بِالْبَاقِي بعد الثنيا كَأَنَّهُ لم يتَكَلَّم إِلَّا بِمَا بقى وَعِنْده صدرالكلام ينْعَقد عِلّة لوُجُوب لكل إِلَّا أَن الِاسْتِثْنَاء يمْنَعهَا من الْعَمَل بِمَنْزِلَة عدم الشَّرْط فِي بَاب التَّعْلِيق وَمِثَال هَذَا فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لاتبيعوا الطَّعَام بِالطَّعَامِ إِلَّا سوء بِسَوَاء فَعِنْدَ الشَّافِعِي رح صدر الْكَلَام انْعَقَد عِلّة لحُرْمَة بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ على الْإِطْلَاق وَخرج عَن هَذِه الْجُمْلَة صُورَة الْمُسَاوَاة بِالِاسْتِثْنَاءِ فَبَقيَ الْبَاقِي تَحت حكم الصَّدْر ونتيجة هَذَا حُرْمَة بيع الحفنة من الطَّعَام بحفنتين مِنْهُ وَعِنْدنَا بيع الحفنة لَا يدْخل تَحت النَّص لِأَن المُرَاد بالمنهي يتَقَيَّد بِصُورَة بيع يتَمَكَّن العَبْد من إِثْبَات التَّسَاوِي والتفاضل فِيهِ كَيْلا يُؤَدِّي إِلَى نهي الْعَاجِز فَمَا لَا يدْخل تَحت المعيار المسوى كَانَ خَارِجا عَن قَضِيَّة الحَدِيث وَمن صور بَيَان التَّغْيِير مَا إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ ألف وَدِيعَة فَقَوله عَليّ يُفِيد الْوُجُوب

وحكم بيان التغيير

وَهُوَ بقوله وَدِيعَة غَيره إِلَى الْحِفْظ وَقَوله اعطيتني أَو أسلفتني ألفا فَلم أقبضها من جملَة بَيَان التَّغْيِير وَكَذَا لَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف زيوف وَحكم بَيَان التَّغْيِير أَنه يَصح مَوْصُولا وَلَا يَصح مَفْصُولًا ثمَّ بعد هَذَا مسَائِل اخْتلف فِيهَا الْعلمَاء أَنَّهَا من جملَة بَيَان التَّغْيِير فَتَصِح بِشَرْط الْوَصْل أَو من جملَة بَيَان التبديل فَلَا تصح وَسَيَأْتِي طرف مِنْهَا فِي بَيَان التبديل

بحث بيان الضرورة وبيان الحال

بحث بَيَان الضَّرُورَة وَبَيَان الْحَال فصل وَأما بَيَان الضَّرُورَة فمثاله فِي قَوْله تَعَالَى {وَورثه أَبَوَاهُ فلأمه الثُّلُث} أوجب الشّركَة بَين الْأَبَوَيْنِ ثمَّ بَين نصيب الْأُم فَصَارَ ذَلِك بَيَانا لنصيب الْأَب وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا بَينا نصيب الْمضَارب وسكتا عَن نصيب رب المَال صحت الشّركَة وَكَذَلِكَ لَو بَينا نصيب رب المَال وسكتا عَن نصيب الْمضَارب كَانَ بَيَانا وعَلى هَذَا حكم الْمُزَارعَة وَكَذَلِكَ لَو أوصى لفُلَان وَفُلَان بِأَلف ثمَّ بَين نصيب احدهما كَانَ ذَلِك بَيَانا لنصيب الآخر وَلَو طلق أحدى امرأتيه ثمَّ وطىء إِحْدَاهمَا كَانَ ذَلِك بَيَانا للطَّلَاق فِي الْأُخْرَى بِخِلَاف الْوَطْء فِي الْعتْق الْمُبْهم عِنْد أبي حنيفَة لِأَن حل الْوَطْء فِي الْإِمَاء يثبت بطريقين فَلَا يتَعَيَّن جِهَة الْملك بِاعْتِبَار حل الْوَطْء فصل وَأما بَيَان الْحَال فمثاله فِيمَا إِذا رأى صَاحب الشَّرْع أمرا مُعَاينَة فَلم ينْه عَن ذَلِك

كَانَ سُكُوته بِمَنْزِلَة الْبَيَان أَنه مَشْرُوع وَالشَّفِيع إِذا علم بِالْبيعِ وَسكت كَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة الْبَيَان بِأَنَّهُ رَاض بذلك وَالْبكْر إِذا علمت بتزويج الولى وسكتت عَن الرَّد كَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة الْبَيَان بالرضاء وَالْإِذْن وَالْمولى إِذا رأى عَبده يَبِيع وَيَشْتَرِي فِي السُّوق فَسكت كَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة الْإِذْن فَيصير مَأْذُونا فِي التِّجَارَات وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ إِذا نكل فِي مجْلِس الْقَضَاء يكون الِامْتِنَاع بِمَنْزِلَة الرضاء بِلُزُوم المَال بطرِيق الْإِقْرَار عِنْدهمَا أَو بطرِيق الْبَذْل عِنْد أبي حنيفَة رح فَالْحَاصِل أَن السُّكُوت فِي مَوضِع الْحَاجة إِلَى الْبَيَان بِمَنْزِلَة الْبَيَان وَبِهَذَا الطَّرِيق قُلْنَا الْإِجْمَاع ينْعَقد بِنَصّ الْبَعْض وسكوت البَاقِينَ

بحث بيان العطف

بحث بَيَان الْعَطف فصل وَأما بَيَان الْعَطف فَمثل أَن تعطف مَكِيلًا أَو مَوْزُونا على جملَة مجملة يكون ذَلِك بَيَانا للجملة المجملة مِثَاله إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ مائَة دِرْهَم أَو مائَة وقفيز حِنْطَة كَانَ الْعَطف بِمَنْزِلَة الْبَيَان أَن الْكل من ذَلِك الْجِنْس وَكَذَا لَو قَالَ مائَة وَثَلَاثَة أَثوَاب أَو مائَة وَثَلَاثَة دَرَاهِم أَو مائَة وَثَلَاثَة أعبد فَإِنَّهُ بَيَان أَن الْمِائَة من ذَلِك الْجِنْس بِمَنْزِلَة قَوْله أحد وَعِشْرُونَ درهما بِخِلَاف قَوْله مائَة وثوب أَو مائَة وشَاة حَيْثُ لَا يكون ذَلِك بَيَانا للمائة واختص ذَلِك فِي عطف الْوَاحِد بِمَا يصلح دينا فِي الذِّمَّة كالمكيل وَالْمَوْزُون وَقَالَ أَبُو يُوسُف رح يكون بَيَانا فِي مائَة وشَاة وَمِائَة وثوب على هَذَا الأَصْل

بحث سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

بحث سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصل وَأما بَيَان التبديل وَهُوَ النّسخ فَيجوز ذَلِك من صَاحب الشَّرْع وَلَا يجوز ذَلِك من الْعباد وعَلى هَذَا بَطل اسْتثِْنَاء الْكل عَن الْكل لِأَنَّهُ نسخ الحكم وَلَا يجوز الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار وَالطَّلَاق وَالْعتاق لِأَنَّهُ نسخ وَلَيْسَ للْعَبد ذَلِك وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف قرض أَو ثمن الْمَبِيع وَقَالَ وَهِي زيوف كَانَ ذَلِك بَيَان التَّغْيِير عِنْدهمَا فَيصح مَوْصُولا وَهُوَ بَيَان التبديل عِنْد أبي حنيفَة رح فَلَا يَصح وَأَن وصل وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف من ثمن جَارِيَة باعنيها وَلم أقبضها وَالْجَارِيَة لَا أثر لَهَا كَانَ ذَلِك بَيَان التبديل عِنْد أبي حنيفَة رح لِأَن الْإِقْرَار بِلُزُوم الثّمن إِقْرَار بِالْقَبْضِ عِنْد هَلَاك الْمَبِيع إِذْ لَو هلك قبل الْقَبْض يَنْفَسِخ البيع فَلَا يبْقى الثّمن لَازِما الْبَحْث الثَّانِي (فِي سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَهِي أَكثر من عدد الرمل والحصى

فصل في أقسام الخبر

فصل فِي أَقسَام الْخَبَر خبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَنْزِلَة الْكتاب فِي حق لُزُوم الْعلم وَالْعَمَل بِهِ فَإِن من أطاعه فقد أطَاع الله فَمَا مر ذكره من بحث الْخَاص وَالْعَام والمشترك والمجمل فِي الْكتاب فَهُوَ كَذَلِك فِي حق السّنة إِلَّا إِن الشُّبْهَة فِي بَاب الْخَبَر فِي ثُبُوته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واتصاله بِهِ وَلِهَذَا الْمَعْنى صَار الْخَبَر على ثَلَاثَة أَقسَام 1 - قسم صَحَّ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَثَبت مِنْهُ بِلَا شُبْهَة وَهُوَ الْمُتَوَاتر 2 - وَقسم فِيهِ ضرب الشُّبْهَة وَهُوَ الْمَشْهُور 3 - وَقسم فِيهِ احْتِمَال وشبهة وَهُوَ الْآحَاد

بحث كون المتواتر موجبا للعلم القطعي

بحث كَون الْمُتَوَاتر مُوجبا للْعلم الْقطعِي فالمتواتر مَا نَقله جمَاعَة عَن جمَاعَة لَا يتَصَوَّر توافقهم على الْكَذِب لكثرتهم واتصل بك هَكَذَا أَمْثَاله نقل الْقُرْآن وإعداد الرَّكْعَات ومقادير الزَّكَاة وَالْمَشْهُور مَا كَانَ أَوله كالآحاد ثمَّ اشْتهر فِي الْعَصْر الثَّانِي وَالثَّالِث وَتَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ فَصَارَ كالمتواتر حَتَّى اتَّصل بك وَذَلِكَ مثل حَدِيث الْمسْح على الْخُف وَالرَّجم فِي بَاب الزِّنَا ثمَّ الْمُتَوَاتر يُوجب الْعلم الْقطعِي وَيكون رده كفرا وَالْمَشْهُور يُوجب علم الطُّمَأْنِينَة وَيكون رده بِدعَة وَلَا خلاف بَين الْعلمَاء فِي لُزُوم الْعَمَل بهما وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي الْآحَاد فَنَقُول خبر الْوَاحِد هُوَ مَا نَقله وَاحِد عَن وَاحِد أَو وَاحِد عَن جمَاعَة أَو جمَاعَة عَن وَاحِد وَلَا عِبْرَة للعدد إِذا لم تبلغ حد الْمَشْهُور وَهُوَ يُوجب الْعَمَل بِهِ فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة بِشَرْط إِسْلَام الرَّاوِي وعدالته وَضَبطه وعقله واتصل بك ذَلِك من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا الشَّرْط

بحث تقسيم الراوي على قسمين

بحث تَقْسِيم الرَّاوِي على قسمَيْنِ ثمَّ الرَّاوِي فِي الأَصْل قِسْمَانِ 1 - مَعْرُوف بِالْعلمِ وَالِاجْتِهَاد كالخلفاء الْأَرْبَعَة وَعبد الله بن مَسْعُود وعبد الله بن عَبَّاس وعبد الله بن عمروزيد بن ثَابت ومعاذ بن جبل وأمثالهم رَضِي الله عَنْهُم فَإذْ صحت عنْدك روايتهم عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكون الْعَمَل بروايتهم أولى من الْعَمَل بِالْقِيَاسِ وَلِهَذَا روى مُحَمَّد رح حَدِيث الْأَعرَابِي الَّذِي كَانَ فِي عينه سوء فِي مَسْأَلَة القهقهة وَترك الْقيَاس وروى حَدِيث تَأْخِير النِّسَاء فِي مَسْأَلَة الْمُحَاذَاة وَترك الْقيَاس ورى عَن عَائِشَة حَدِيث الْقَيْء وَترك الْقيَاس بِهِ وروى عَن باابن مَسْعُود حَدِيث السَّهْو بعد السَّلَام وَترك الْقيَاس وَالْقسم الثَّانِي من الروَاة هم المعروفون بِالْحِفْظِ وَالْعَدَالَة دون الِاجْتِهَاد وَالْفَتْوَى كَأبي هُرَيْرَة وَأنس بن مَالك فَإِذا صحت رِوَايَة مثلهمَا عنْدك فَإِن وَافق الْخَبَر الْقيَاس فَلَا خَفَاء فِي لُزُوم الْعَمَل بِهِ وَإِن خَالفه كَانَ الْعَمَل بِالْقِيَاسِ أولى مِثَاله مَا روى أَبُو هُرَيْرَة الْوضُوء مِمَّا مسته النَّار

فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس أَرَأَيْت لَو تَوَضَّأت بِمَاء سخين أَكنت تتوضأ مِنْهُ فَسكت وَإِنَّمَا رده بِالْقِيَاسِ إِذْ لَو كَانَ عِنْده خبر لرواه وعَلى هَذَا ترك أَصْحَابنَا رِوَايَة أبي هُرَيْرَة فِي مَسْأَلَة الْمُصراة بِالْقِيَاسِ وَبِاعْتِبَار اخْتِلَاف أَحْوَال الروَاة

بحث شرط العمل بخبر الواحد

بحث شَرط الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد قُلْنَا شَرط الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد أَن لَا يكون مُخَالفا للْكتاب وَالسّنة الْمَشْهُورَة وَأَن لَا يكون مُخَالفا للظَّاهِر قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام (تكْثر لكم الْأَحَادِيث بعدِي فَإِذا رُوِيَ لكم عني حَدِيث فاعرضوه على كتاب الله فَمَا وَافق فاقبلوه وَمَا خَالف فَردُّوهُ) وَتَحْقِيق ذَلِك فِيمَا رُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه قَالَ كَانَت الروَاة على ثَلَاثَة أَقسَام 1 - مُؤمن مخلص صحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعرف معنى كَلَامه 2 - وأعرابي جَاءَ من قَبيلَة فَسمع بعض مَا سمع وَلم يعرف حَقِيقَة كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرجع إِلَى قبيلته فروى بِغَيْر لفظ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتغير الْمَعْنى وَهُوَ يظنّ أَن الْمَعْنى لَا يتَفَاوَت 3 - ومنافق لم يعرف نفَاقه فروى مالم يسمع وافترى فَسمع مِنْهُ أنَاس فظنوه مُؤمنا مخلصا فرووا ذَلِك واشتهر بَين النَّاس فَلهَذَا الْمَعْنى وَجب عرض الْخَبَر على الْكتاب وَالسّنة الْمَشْهُورَة وَنَظِير الْعرض على الْكتاب فِي حَدِيث مس الذّكر فِيمَا يرْوى عَنهُ من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ) فعرضناه على الْكتاب فَخرج مُخَالفا لقَوْله تَعَالَى {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} فَإِنَّهُم كَانُوا يستنجون بالأحجار ثمَّ يغسلون بِالْمَاءِ وَلَو كَانَ مس الذّكر حَدثا لَكَانَ هَذَا تنجيسا لَا تَطْهِيرا على الْإِطْلَاق وَكَذَلِكَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام أَيّمَا امْرَأَة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل بَاطِل بَاطِل خرج مُخَالفا لقَوْله تَعَالَى {فَلَا تعضلوهن أَن ينكحن أَزوَاجهنَّ}

فَإِن الْكتاب يُوجب تَحْقِيق النِّكَاح مِنْهُنَّ وَمِثَال الْعرض على الْخَبَر الْمَشْهُور رِوَايَة الْقَضَاء بِشَاهِد وَيَمِين فَإِنَّهُ خرج مُخَالفا لقَوْله عَلَيْهِ (الْبَيِّنَة على من ادّعى وَالْيَمِين على من أنكر)

بحث ترك العمل بخبر الواحد إذا يخالف الظاهر

بحث ترك الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد إِذا يُخَالف الظَّاهِر وَبِاعْتِبَار هذالمعنى قُلْنَا خبر الْوَاحِد إِذا خرج مُخَالفا للظَّاهِر لَا يعْمل بِهِ وَمن صور مُخَالفَة الظَّاهِر عدم اشتهار الْخَبَر فِيمَا يعم بِهِ الْبلوى فِي الصَّدْر الأول وَالثَّانِي لأَنهم لَا يتهمون بالتقصير فِي مُتَابعَة السّنة فَإِذا لم يشْتَهر الْخَبَر مَعَ شدَّة الْحَاجة وَعُمُوم الْبلوى كَانَ ذَلِك عَلامَة عدم صِحَّته ومثاله فِي الحكميات إِذا أخبر وَاحِد أَن امْرَأَته حرمت عَلَيْهِ بِالرّضَاعِ الطارىء جَازَ أَن يعْتَمد على خَبره ويتزوج اختها وَلَو أخبر ان العقد كَانَ بَاطِلا بِحكم الرَّضَاع لَا يقبل خَبره كَذَلِك إِذا أخْبرت الْمَرْأَة بِمَوْت زَوجهَا أَو طَلَاقه إِيَّاهَا وَهُوَ غَائِب جَازَ أَن تعتمد على خَبره وتتزوج بِغَيْرِهِ وَلَو اشتبهت عَلَيْهِ الْقبْلَة فَأخْبرهُ وَاحِد عَنْهَا وَجب الْعَمَل بِهِ وَلَو وجد دِمَاء لَا يعلم حَاله فَأخْبرهُ وَاحِد عَن النَّجَاسَة لَا يتَوَضَّأ بِهِ بل يتَيَمَّم

بحث حجية خبر الواحد في أربعة مواضع

بحث حجية خبر الْوَاحِد فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع فصل خبر الْوَاحِد حجَّة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع خَالص حق الله تَعَالَى مَا لَيْسَ بعقوبة وخالص حق العَبْد مَا فِيهِ إِلْزَام مَحْض وخالص حَقه مَا لَيْسَ فِي إِلْزَام وخالص حَقه مَا فِيهِ إِلْزَام من وَجه أما ألآول فَيقبل فِيهِ خبر الْوَاحِد فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل شَهَادَة الْأَعرَابِي فِي هِلَال رَمَضَان أما الثَّانِي فَيشْتَرط فِيهِ الْعدَد وَالْعَدَالَة وَنَظِيره المنازعات وَأما الثَّالِث فَيقبل فِيهِ خبر الْوَاحِد عدلا كَانَ أَو فَاسِقًا وَنَظِيره الْمُعَامَلَات وَأما الرَّابِع فَيشْتَرط فِيهِ إِمَّا الْعدَد أَو الْعَدَالَة عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَنَظِيره الْعَزْل وَالْحجر الْبَحْث الثَّالِث فِي الْإِجْمَاع فصل إِجْمَاع هَذِه الْأمة بَعْدَمَا توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي فروع

الدّين حجَّة مُوجبَة للْعَمَل بهَا شرعا كَرَامَة لهَذِهِ الْأمة ثمَّ الاجماع على أَرْبَعَة أَقسَام 1 - إِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم على حكم الْحَادِثَة نصا 2 - ثمَّ إِجْمَاعهم بِنَصّ الْبَعْض وسكوت البَاقِينَ عَن الرَّد

بحث كون الإجماع على أربعة أقسام

بحث كَون الْإِجْمَاع على أَرْبَعَة أَقسَام 3 - ثمَّ إِجْمَاع من بعدهمْ فِيمَا لم يُوجد فِيهِ قَول السّلف 4 - ثمَّ الْإِجْمَاع على أحد أَقْوَال السّلف أما الأول فَهُوَ بِمَنْزِلَة آيَة من كتاب الله تَعَالَى ثمَّ الْإِجْمَاع بِنَصّ الْبَعْض وسكوت البَاقِينَ فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمُتَوَاتر ثمَّ إِجْمَاع من بعدهمْ بِمَنْزِلَة الْمَشْهُور من الْأَخْبَار ثمَّ أجماع الْمُتَأَخِّرين على أحد أَقْوَال السّلف بِمَنْزِلَة الصَّحِيح من الْآحَاد وَالْمُعْتَبر فِي هَذَا الْبَاب إِجْمَاع أهل الرَّأْي وَالِاجْتِهَاد فَلَا يعْتَبر بقول الْعَوام والمتكلم والمحدث الَّذِي لَا بَصِيرَة لَهُ فِي أصُول الْفِقْه ثمَّ بعد ذَلِك الْإِجْمَاع على نَوْعَيْنِ مركب وَغير مركب فالمركب مَا اجْتمع عَلَيْهِ الآراء فِي حكم الْحَادِثَة مَعَ وجود الِاخْتِلَاف فِي الْعلَّة ومثاله الْإِجْمَاع على وجود الانتقاض عِنْد الْقَيْء وَمَسّ الْمَرْأَة أما عندنَا فبناء على الْقَيْء وَأما عِنْده فبناء على الْمس ثمَّ هَذَا النَّوْع من الْإِجْمَاع لَا يبقي حجَّة بعد ظُهُور الْفساد

فِي أحد المأخذين حَتَّى لَو ثَبت أَن الْقَيْء غير نَاقض فَأَبُو حنيفَة لَا يَقُول بالانتقاض فِيهِ وَلَو ثبث أَن الْمس غير نَاقض فالشافعي لَا يَقُول بالانتقاض فِيهِ لفساد الْعلَّة الَّتِي بني عَلَيْهَا الحكم وَالْفساد متوهام فِي الطَّرفَيْنِ لجَوَاز أَن يكون أَبُو حنيفَة رح مصيبا فِي مَسْأَلَة الْمس مخطئا فِي مَسْأَلَة الْقَيْء وَالشَّافِعِيّ مصيبا فِي مَسْأَلَة الْقَيْء مخطئا فِي مَسْأَلَة الْمس فَلَا يُؤَدِّي هَذَا إِلَى بِنَاء وجود الْإِجْمَاع على الْبَاطِل

بحث نوع من الإجماع وهو عدم القائل بالفصل

بحث نوع من الْإِجْمَاع وَهُوَ عدم الْقَائِل بِالْفَصْلِ بِخِلَاف مَا تقدم من الْإِجْمَاع فَالْحَاصِل أَنه جَازَ ارْتِفَاع هَذَا الْإِجْمَاع لظهورالفساد فِيمَا بنى هُوَ عَلَيْهِ وَلِهَذَا إِذا قضى القَاضِي فِي حَادِثَة ثمَّ ظهر رق الشُّهُود أَو كذبهمْ بِالرُّجُوعِ بَطل قَضَاؤُهُ وَأَن لم يظْهر ذَلِك فِي حق الْمُدَّعِي وَبِاعْتِبَار هَذَا الْمَعْنى سَقَطت الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم عَن الْأَصْنَاف الثَّمَانِية لانْقِطَاع الْعلَّة وَسقط سهم ذَوي الْقُرْبَى لانْقِطَاع علته وعَلى هَذَا إِذا غسل الثَّوْب النَّجس بالخل فَزَالَتْ النَّجَاسَة يحكم بِطَهَارَة الْمحل لانْقِطَاع علتها أَو بِهَذَا ثَبت الْفَارِق بَين الْحَدث والخبث فَإِن الْخلّ يزِيل النَّجَاسَة عَن الْمحل فَأَما الْخلّ لَا يُفِيد طَهَارَة الْمحل وَإِنَّمَا يفيدها المطهر وَهُوَ المَاء فصل ثمَّ بعد ذَلِك نوع من الْإِجْمَاع وَهُوَ عدم الْقَائِل بِالْفَصْلِ وَذَلِكَ نَوْعَانِ أَحدهمَا مَا إِذا كَانَ منشأ الْخلاف فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدًا

الله تبَارك وَتَعَالَى رَضِي الله عَنْهُن الرب عز وَجل وَالثَّانِي مَا إِذا كَانَ المنشأ مُخْتَلفا وَالْأول حجَّة وَالثَّانِي لَيْسَ بِحجَّة مِثَال الأول فِيمَا خرج الْعلمَاء من الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة على أصل وَاحِد ونطيره إِذا أثبتنا أَن النَّهْي عَن التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة يُوجب تقريرها قُلْنَا يَصح النّذر بِصَوْم يَوْم النَّحْر وَالْبيع الْفَاسِد يُفِيد الْملك لعدم الْقَائِل بِالْفَصْلِ وَلَو قُلْنَا أَن التَّعْلِيق سَبَب عِنْد وجودالشرط قُلْنَا تَعْلِيق الطَّلَاق وَالْعتاق بِالْملكِ وَسبب الْملك صَحِيح وَكَذَا لَو أثبتنا أَن ترَتّب الحكم على اسْم مَوْصُوف بِصفة لَا يُوجب تَعْلِيق الحكم بِهِ قُلْنَا طول الْحرَّة لَا يمْنَع جَوَاز نِكَاح الْأمة إِذْ صَحَّ بِنَقْل السّلف أَن الشَّافِعِي رح فرع مَسْأَلَة طول الْحرَّة على هَذَا الأَصْل وَلَو أثبتنا جَوَاز نِكَاح الْأمة المؤمنة مَعَ الطول جَازَ نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة بِهَذَا الأَصْل وعَلى هَذَا مِثَاله مِمَّا ذكرنَا فِي مَا سبق وَنَظِير الثَّانِي إِذا قُلْنَا إِن الْقَيْء نَاقض فَيكون البيع الْفَاسِد مُفِيدا للْملك لعدم الْقَائِل بِالْفَصْلِ أَو يكون مُوجب الْعمد الْقود لعدم الْقَائِل بِالْفَصْلِ وبمثل هَذَا الْقَيْء غير نَاقض فَيكون الْمس ناقضا وهذاليس بِحجَّة لِأَن صِحَة الْفَرْع وَإِن دلّت على صِحَة اصله وَلكنهَا لَا توجب صِحَة أصل آخر حَتَّى تفرعت عَلَيْهِ الْمَسْأَلَة الْأُخْرَى

بحث بيان الواجب على المجتهد

بحث بَيَان الْوَاجِب على الْمُجْتَهد فصل الْوَاجِب على الْمُجْتَهد طلب حكم الْحَادِثَة من كتاب الله تَعَالَى ثمَّ من سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَرِيح النَّص أَو دلَالَته على مَا مر ذكره فانه لَا سَبِيل الى الْعَمَل بِالرَّأْيِ مَعَ إِمْكَان الْعَمَل بِالنَّصِّ وَلِهَذَا إِذا إشتبهت عَلَيْهِ الْقبْلَة فَأخْبرهُ وَاحِد عَنْهَا لَا يجوز لَهُ التَّحَرِّي وَلَو وجد مَاء فَأخْبرهُ عدل أَنه نجس لَا يجوز لَهُ التوضي بِهِ بل يتَيَمَّم وعَلى اعْتِبَار أَن الْعَمَل بِالرَّأْيِ دون الْعَمَل بِالنَّصِّ قُلْنَا أَن الشُّبْهَة بِالْمحل أقوى من الشُّبْهَة فِي الظَّن حَتَّى سقط اعْتِبَار ظن العَبْد فِي الْفَصْل الأول ومثاله فِي مَا إِذا وطئ جَارِيَة ابْنه لَا يحد وان قَالَ علمت أَنَّهَا عَليّ حرَام وَيثبت نسب الْوَلَد مِنْهُ لَان شُبْهَة الْملك لَا تثبت بِالنَّصِّ فِي مَال الإبن قَالَ عَلَيْهِ الصلوة وَالسَّلَام (أَنْت وَمَالك لأَبِيك) فَسقط إعتبار ظَنّه فِي الْحل وَالْحُرْمَة فِي ذَلِك وَلَو وطئ الإبن جَارِيَة أَبِيه يعْتَبر ظَنّه فِي الْحل وَالْحُرْمَة حَتَّى لَو قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا عَليّ حرَام يجب الْحَد

وَلَو قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا عَليّ حَلَال لَا يجب الْحَد لَان شُبْهَة الْملك فِي مَال الْأَب أَو يثبت بِالنَّصِّ فَاعْتبر رَأْيه وَلَا يثبت نسب الْوَلَد وان ادَّعَاهُ

بحث إذا تعارض الدليلان ما يفعل المجتهد

بحث إِذا تعَارض الدليلان مَا يفعل الْمُجْتَهد ثمَّ اذا تعَارض الدليلان عِنْد الْمُجْتَهد فان كَانَ التَّعَارُض بَين الْآيَتَيْنِ يمِيل الى السّنة وان كَانَ بَين السنتين يمِيل الى آثَار الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَالْقِيَاس الصَّحِيح ثمَّ اذا تعَارض القياسان عِنْد الْمُجْتَهد يتحَرَّى وَيعْمل بِأَحَدِهِمَا لانه لَيْسَ دون الْقيَاس دَلِيل شَرْعِي يُصَار إِلَيْهِ وعَلى هَذَا قُلْنَا اذا كَانَ مَعَ الْمُسَافِر إناءان طَاهِر ونجس لَا يتحَرَّى بَينهمَا بل يتَيَمَّم وَلَو كَانَ مَعَه ثَوْبَان طَاهِر ونجس يتحَرَّى بَينهمَا لَان للْمَاء بَدَلا وَهُوَ التُّرَاب وَلَيْسَ للثوب بدل يُصَار إِلَيْهِ فَثَبت بِهَذَا أَن الْعَمَل بِالرَّأْيِ انما يكون عِنْد انعدام دَلِيل سواهُ شرعا ثمَّ اذا تحرى وتأكد تحريه بِالْعَمَلِ لَا ينْتَقض ذَلِك بِمُجَرَّد التَّحَرِّي وَبَيَانه فِيمَا اذا تحرى بَين الثَّوْبَيْنِ وَصلى الظّهْر باحدهما ثمَّ وَقع تحريه عِنْد الْعَصْر على الثَّوْب الآخر لَا يجوز لَهُ أَن يُصَلِّي الْعَصْر بِالْآخرِ لَان الأول تَأَكد بِالْعَمَلِ فَلَا يبطل بِمُجَرَّد التَّحَرِّي وَهَذَا بِخِلَاف مَا اذا تحرى فِي الْقبْلَة ثمَّ تبدل رَأْيه وَوَقع تحريه على جِهَة أُخْرَى توجه اليه لَان الْقبْلَة مِمَّا يحْتَمل الإنتقال فَأمكن نقل

الحكم بِمَنْزِلَة نسخ النَّص وعَلى هَذَا مسَائِل الْجَامِع الْكَبِير فِي تَكْبِيرَات الْعِيد وتبدل رَأْي العَبْد كَمَا عرف

بحث حجية القياس ووجول العمل به

بحث حجية الْقيَاس ووجول الْعَمَل بِهِ الْبَحْث الرَّابِع فصل فِي الْقيَاس الْقيَاس حجَّة من حجج الشَّرْع يجب الْعَمَل بِهِ عِنْد انعدام مَا فَوْقه من الدَّلِيل فِي الْحَادِثَة وَقد ورد فِي ذَلِك الْأَخْبَار والْآثَار قَالَ عَلَيْهِ الصلوة وَالسَّلَام لِمعَاذ بن جبل حِين بَعثه الى الْيمن قَالَ (بِمَ تقضي يَا معَاذ) قَالَ بِكِتَاب الله تَعَالَى قَالَ (فان لم تَجِد) قَالَ بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (فان لم تَجِد) قَالَ اجْتهد برأيي فصوبه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي وفْق رَسُول رَسُول الله على مَا يحب ويرضاه وَرُوِيَ أَن إمرأة خثعمية أَتَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت إِن أبي كَانَ شَيخا كَبِيرا أدْركهُ الْحَج وَلَا يسْتَمْسك على الرَّاحِلَة فيجزئني أَن أحج عَنهُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام (أَرَأَيْت لَو كَانَ على أَبِيك دين فقضيته أما كَانَ يجزئك فَقَالَت بلَى فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فدين الله أَحَق وَأولى) الْحق رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام الْحَج فِي حق الشَّيْخ الفاني بالحقوق الْمَالِيَّة وَأَشَارَ الى عِلّة مُؤثرَة فِي الْجَوَاز وَهِي (الْقَضَاء) وَهَذَا هُوَ الْقيَاس

بحث الأخبار التي توجب حجية القياس

بحث الْأَخْبَار الَّتِي توجب حجية الْقيَاس 1 - وروى ابْن الصّباغ وَهُوَ من سَادَات أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالشامل عَن قيس بن طلق بن عَليّ أَنه قَالَ جَاءَ رجل الى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّهُ بدوي فَقَالَ يَا نَبِي الله مَا ترى فِي مس الرجل ذكره بَعْدَمَا تَوَضَّأ فَقَالَ هَل هُوَ إِلَّا بضعَة مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الْقيَاس 2 - وَسُئِلَ ابْن مَسْعُود عَمَّن تزوج إمرأة وَلم يسم لَهَا مهْرا وَقد مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا قبل الدُّخُول فاستمهل شهرا ثمَّ قَالَ أجتهد فِيهِ برأيي فان كَانَ صَوَابا فَمن الله وَإِن كَانَ خطأ فَمن ابْن أم عبد فَقَالَ أرى لَهَا مهر مثل نسائها لَا وكس فِيهَا وَلَا شطط

بحث كون شروط صحة القياس خمسة

بحث كَون شُرُوط صِحَة الْقيَاس خَمْسَة فصل شُرُوط صِحَة الْقيَاس خَمْسَة أَحدهَا أَن لَا يكون فِي مُقَابلَة النَّص وَالثَّانِي أَن لَا يتَضَمَّن تَغْيِير حكم من أَحْكَام النَّص وَالثَّالِث أَن لَا يكون المعدى حكما لَا يعقل مَعْنَاهُ وَالرَّابِع أَن يَقع التَّعْلِيل لحكم شَرْعِي لَا لأمر لغَوِيّ وَالْخَامِس أَن لَا يكون الْفَرْع مَنْصُوصا عَلَيْهِ وَمِثَال الْقيَاس فِي مُقَابلَة النَّص فِيمَا حُكيَ أَن الْحسن بن زِيَاد سُئِلَ عَن القهقهة فِي الصلوة فَقَالَ انتقضت الطَّهَارَة بهَا قَالَ السَّائِل لَو قذف مُحصنَة فِي الصلوة لَا ينْتَقض بِهِ الْوضُوء مَعَ أَن قذف المحصنة أعظم جِنَايَة فَكيف ينْتَقض بالقهقهة وَهِي دونه فَهَذَا قِيَاس فِي مُقَابلَة النَّص وَهُوَ حَدِيث الْأَعرَابِي الَّذِي فِي عينه سوء وَكَذَلِكَ اذا قُلْنَا جَازَ حج الْمَرْأَة مَعَ الْمحرم فَيجوز مَعَ الأمينات كَانَ هَذَا قِيَاسا بِمُقَابلَة النَّص وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام (لَا يحل لإمرأة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تُسَافِر فَوق ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها الا وَمَعَهَا أَبوهَا أَو زَوجهَا أَو ذُو رحم محرم مِنْهَا) وَمِثَال الثَّانِي وَهُوَ مَا يتَضَمَّن تَغْيِير حكم من أَحْكَام النَّص مَا يُقَال النِّيَّة شَرط فِي الْوضُوء بِالْقِيَاسِ على التَّيَمُّم فان هَذَا يُوجب

تَغْيِير آيَة الْوضُوء من الْإِطْلَاق الى التَّقْيِيد

بحث بيان أمثلة شروط القياس

بحث بَيَان أَمْثِلَة شُرُوط الْقيَاس وَكَذَلِكَ اذا قُلْنَا الطّواف بِالْبَيْتِ صلوة بالْخبر فَيشْتَرط لَهُ الطَّهَارَة وَستر الْعَوْرَة كالصلوة كَانَ هَذَا قِيَاسا يُوجب تَغْيِير نَص الطّواف من الاطلاق الى الْقَيْد وَمِثَال الثَّالِث وَهُوَ مَا لَا يعقل مَعْنَاهُ فِي حق جَوَاز التوضي بنبيذ التَّمْر فانه لَو قَالَ جَازَ بِغَيْرِهِ من الأنبذة بِالْقِيَاسِ على نَبِيذ التَّمْر أَو قَالَ لَو شج فِي صلَاته أَو احْتَلَمَ يَبْنِي على صلَاته بِالْقِيَاسِ على مَا اذا سبقه الْحَدث لَا يَصح لَان الحكم فِي الأَصْل لم يعقل مَعْنَاهُ فاستحال تعديته الى الْفَرْع وبمثل هَذَا قَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي رح قلتان نجستان اذا اجتمعتا صارتا طاهرتين فاذا افترقتا بَقِيَتَا على الطَّهَارَة بِالْقِيَاسِ على مَا اذا وَقت النَّجَاسَة فِي الْقلَّتَيْنِ لَان الحكم لَو ثَبت فِي الأَصْل كَانَ غير مَعْقُول مَعْنَاهُ وَمِثَال الرَّابِع وَهُوَ مَا يكون التَّعْلِيل لأمر شَرْعِي لَا لأمر لغَوِيّ فِي قَوْلهم الْمَطْبُوخ الْمنصف خمر لَان الْخمر انما كَانَ خمرًا لِأَنَّهُ يخَامر الْعقل وَغَيره يخَامر الْعقل أَيْضا فَيكون خمرًا بِالْقِيَاسِ وَالسَّارِق انما كَانَ سَارِقا لِأَنَّهُ أَخذ مَال الْغَيْر بطريقة الْخفية وَقد شَاركهُ النباش فِي هَذَا الْمَعْنى فَيكون سَارِقا بِالْقِيَاسِ وَهَذَا قِيَاس فِي اللُّغَة مَعَ اعترافه أَن الإسم لم يوضع لَهُ فِي اللُّغَة

وَالدَّلِيل على فَسَاد هَذَا النَّوْع من الْقيَاس أَن الْعَرَب يُسَمِّي الْفرس أدهم لسواده وكميتا لحمرته ثمَّ لَا يُطلق هَذَا الإسم على الزنْجِي وَالثَّوْب الْأَحْمَر وَلَو جرت المقايسة فِي الْأَسَامِي اللُّغَوِيَّة لجَاز ذَلِك لوُجُود الْعلَّة وَلِأَن هَذَا يُؤَدِّي الى ابطال الْأَسْبَاب الشَّرْعِيَّة وَذَلِكَ لِأَن الشَّرْع جعل السّرقَة سَببا لنَوْع من الْأَحْكَام فاذا علقنا الحكم بِمَا هُوَ أَعم من السّرقَة وَهُوَ أَخذ مَال الْغَيْر على طَرِيق الْخفية تبين أَن السَّبَب كَانَ فِي الأَصْل معنى هُوَ غير السّرقَة وَكَذَلِكَ جعل شرب الْخمر سَببا لنَوْع من الْأَحْكَام فاذا علقنا الحكم بِأَمْر أَعم من الْخمر تبين أَن الحكم كَانَ فِي الأَصْل مُتَعَلقا بِغَيْر الْخمر وَمِثَال الشَّرْط الْخَامِس وَهُوَ (مَا لَا يكون الْفَرْع مَنْصُوصا عَلَيْهِ) كَمَا يُقَال اعتاق الرَّقَبَة الْكَافِرَة فِي كَفَّارَة الْيَمين وَالظِّهَار لَا يجوز بِالْقِيَاسِ على كَفَّارَة الْقَتْل وَلَو جَامع الْمظَاهر فِي خلال الْإِطْعَام يسْتَأْنف الْإِطْعَام بِالْقِيَاسِ على الصَّوْم وَيجوز للمحصر أَن يتَحَلَّل بِالصَّوْمِ بِالْقِيَاسِ على الْمُتَمَتّع والمتمتع اذا لم يصم فِي أَيَّام التَّشْرِيق يَصُوم بعْدهَا بِالْقِيَاسِ على قَضَاء رَمَضَان

بحث في تعريف القياس الشرعي

بحث فِي تَعْرِيف الْقيَاس الشَّرْعِيّ فصل الْقيَاس الشَّرْعِيّ هُوَ ترَتّب الحكم فِي غير الْمَنْصُوص عَلَيْهِ على معنى هُوَ عِلّة لذَلِك الحكم فِي الْمَنْصُوص عَلَيْهِ ثمَّ انما يعرف كَون الْمَعْنى عِلّة بِالْكتاب وبالسنة وبالإجماع وبالإجتهاد والإستنباط بحث الْعلَّة الْمَعْلُومَة بِالْكتاب فمثال الْعلَّة الْمَعْلُومَة بِالْكتاب كَثْرَة الطّواف فانها جعلت عِلّة لسُقُوط الْحَرج فِي الإستئذان فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُم وَلَا عَلَيْهِم جنَاح بعدهن طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضكُم على بعض} ثمَّ أسقط رَسُول الله عَلَيْهِ الصلوة وَالسَّلَام حرج نَجَاسَة سُؤْر الْهِرَّة بِحكم هَذِه الْعلَّة فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام (والهرة لَيست بنجسه فانها من الطوافين عَلَيْكُم والطوافات) فقاس أَصْحَابنَا جَمِيع مَا يسكن فِي الْبيُوت كالفأرة والحية على الْهِرَّة بعلة الطّواف وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر} بَين الشَّرْع أَن الْإِفْطَار للْمَرِيض وَالْمُسَافر لتيسير الْأَمر عَلَيْهِم ليتمكنوا من تَحْقِيق مَا يتَرَجَّح فِي نظرهم من الْإِتْيَان بوظيفة الْوَقْت أَو تَأْخِيره إِلَى أَيَّام أخر

وَبِاعْتِبَار هَذَا الْمَعْنى قَالَ أَبُو حنيفَة رح الْمُسَافِر اذا نوى فِي أَيَّام رَمَضَان وَاجِبا آخر يَقع عَن وَاجِب آخر لانه لما ثَبت لَهُ التَّرَخُّص بِمَا يرجع الى مصَالح بدنه وَهُوَ الْإِفْطَار فَلِأَن يثبت لَهُ ذَلِك بِمَا يرجع الى مصَالح دينه وَهُوَ اخراج النَّفس عَن عُهْدَة الْوَاجِب أولى

بحث العلة المعلومة بالسنة

بحث الْعلَّة الْمَعْلُومَة بِالسنةِ وَمِثَال الْعلَّة الْمَعْلُومَة بالسنه فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام والصلوة (لَيْسَ الْوضُوء على من نَام قَائِما أَو قَاعِدا أَو رَاكِعا أَو سَاجِدا انما الْوضُوء على من نَام مُضْطَجعا) فانه اذا نَام مُضْطَجعا استرخت مفاصله جعل استرخاء المفاصل عِلّة فيتعدى الحكم بِهَذِهِ الْعلَّة الى النّوم مُسْتَندا أَو مُتكئا الى شئ لَو أزيل عَنهُ لسقط وَكَذَلِكَ يتَعَدَّى الحكم بِهَذِهِ الْعلَّة الى الْإِغْمَاء وَالسكر وَكَذَلِكَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام (توضئي وَصلي وَإِن قطر الدَّم على الْحَصِير قطرا فانه دم عرق انفجر) جعل انفجار الدَّم عِلّة فتعدى الحكم بِهَذِهِ الْعلَّة الى الفصد والحجامة وَمِثَال الْعلَّة الْمَعْلُومَة بِالْإِجْمَاع فِيمَا قُلْنَا (الصغر) عِلّة لولاية الْأَب فِي حق الصَّغِير فَيثبت الحكم فِي حق الصَّغِيرَة لوُجُود الْعلَّة وَالْبُلُوغ عَن عقل عِلّة لزوَال ولَايَة الْأَب فِي حق الْغُلَام فيتعدى الحكم الى الْجَارِيَة بِهَذِهِ الْعلَّة وانفجار الدَّم عِلّة الإنتقاض للطَّهَارَة فِي حق الْمُسْتَحَاضَة فيتعدى الحكم الى غَيرهَا لوُجُود الْعلَّة ثمَّ بعد ذَلِك نقُول الْقيَاس على نَوْعَيْنِ

أَحدهمَا أَن يكون الحكم المعدى من نوع الحكم الثَّابِت فِي الأَصْل وَالثَّانِي أَن يكون من جنسه مِثَال الإتحاد فِي النَّوْع مَا قُلْنَا أَن الصغر عِلّة لولاية الْإِنْكَاح فِي حق الْغُلَام فَيثبت ولَايَة الْإِنْكَاح فِي حق الْجَارِيَة لوُجُود الْعلَّة فِيهَا وَبِه يثبت الحكم فِي الثّيّب الصَّغِيرَة

بحث العلة المستفيدة بالإجماع

بحث الْعلَّة المستفيدة بِالْإِجْمَاع وَكَذَلِكَ قُلْنَا الطّواف عِلّة سُقُوط نَجَاسَة السؤر فِي سُؤْر الْهِرَّة فيتعدى الحكم الى سُؤْر سواكن الْبيُوت لوُجُود الْعلَّة وبلوغ الْغُلَام عَن عقل عِلّة زَوَال ولَايَة الْإِنْكَاح فيزول الْولَايَة عَن الْجَارِيَة بِحكم هَذِه الْعلَّة وَمِثَال الإتحاد فِي الْجِنْس مَا يُقَال كَثْرَة الطّواف عِلّة سُقُوط حرج الاسْتِئْذَان فِي حق مَا ملكت أَيْمَاننَا فَيسْقط حرج نَجَاسَة السؤر بِهَذِهِ الْعلَّة فان هَذَا الْحَرج من جنس ذَلِك الْحَرج لَا من نَوعه وَكَذَلِكَ الصغر عِلّة ولَايَة التَّصَرُّف للْأَب فِي المَال فَيثبت ولَايَة التَّصَرُّف فِي النَّفس بِحكم هَذِه الْعلَّة وان بُلُوغ الْجَارِيَة عَن عقل عِلّة زَوَال ولَايَة الْأَب فِي المَال فيزول ولَايَته فِي حق النَّفس بِهَذِهِ الْعلَّة ثمَّ لَا بُد فِي هَذَا النَّوْع من الْقيَاس من تجنيس الْعلَّة بِأَن نقُول انما يثبت ولَايَة الْأَب فِي مَال الصَّغِيرَة لِأَنَّهَا عاجزة عَن التَّصَرُّف بِنَفسِهَا فَأثْبت الشَّرْع ولَايَة الْأَب كَيْلا يتعطل مصالحها الْمُتَعَلّقَة بذلك وَقد عجزت عَن التَّصَرُّف فِي نَفسهَا فَوَجَبَ القَوْل بِولَايَة الْأَب عَلَيْهَا وعَلى هَذَا نَظَائِره

وَحكم الْقيَاس الأول أَن لَا يبطل بِالْفرقِ لِأَن الأَصْل مَعَ الْفَرْع لما أتحد فِي الْعلَّة وَجب اتحادهما فِي الحكم وان افْتَرقَا فِي غير هَذِه الْعلَّة وَحكم الْقيَاس الثَّانِي فَسَاده بممانعة التَّجْنِيس وَالْفرق الْخَاص وَهُوَ بَيَان أَن تَأْثِير الصغر فِي ولَايَة التَّصَرُّف فِي المَال فَوق تَأْثِيره فِي ولَايَة التَّصَرُّف فِي النَّفس

بحث العلة المعلومة بالرأي والإجتهاد

بحث الْعلَّة الْمَعْلُومَة بِالرَّأْيِ والإجتهاد وَبَيَان الْقسم الثَّالِث وَهُوَ الْقيَاس بعلة مستنبطة بِالرَّأْيِ والإجتهاد ظَاهر وَتَحْقِيق ذَلِك اذا وجدنَا وَصفا مناسبا للْحكم وَهُوَ بِحَال يُوجب ثُبُوت الحكم ويتقاضاه بِالنّظرِ إِلَيْهِ وَقد اقْترن بِهِ الحكم فِي مَوضِع الْإِجْمَاع يُضَاف الحكم إِلَيْهِ للمناسبة لَا لشهادة الشَّرْع بِكَوْنِهِ عِلّة وَنَظِيره اذا رَأينَا شخصا أعْطى فَقِيرا درهما غلب على الظَّن أَن الْإِعْطَاء لدفع حَاجَة الْفَقِير وَتَحْصِيل مصَالح الثَّوَاب اذا عرف هَذَا فَنَقُول اذا رَأينَا وَصفا مناسبا للْحكم وَقد اقْترن بِهِ الحكم فِي مَوضِع الْإِجْمَاع يغلب الظَّن باضافة الحكم الى ذَلِك الْوَصْف وَغَلَبَة الظَّن فِي الشَّرْع توجب الْعَمَل عِنْد انعدام مَا فَوْقهَا من الدَّلِيل بِمَنْزِلَة الْمُسَافِر اذا غلب على ظَنّه أَن بِقُرْبِهِ مَاء لم يجز لَهُ التَّيَمُّم وعَلى هَذَا مسَائِل التَّحَرِّي وَحكم هَذَا الْقيَاس أَن يبطل بِالْفرقِ الْمُنَاسب لِأَن عِنْده يُوجد مُنَاسِب سواهُ فِي صُورَة الحكم فَلَا يبْقى الظَّن باضافة الحكم اليه فَلَا يثبت الحكم بِهِ لانه كَانَ بِنَاء على غَلَبَة الظَّن وَقد بَطل ذَلِك بِالْفرقِ وعَلى هَذَا كَانَ الْعَمَل بالنوع الأول بِمَنْزِلَة الحكم بِالشَّهَادَةِ بعد تَزْكِيَة الشَّاهِد وتعديله

وَالنَّوْع الثَّانِي بِمَنْزِلَة الشَّهَادَة عِنْد ظُهُور الْعَدَالَة قبل التَّزْكِيَة وَالنَّوْع الثَّالِث بِمَنْزِلَة شَهَادَة المستور

بحث الأسولة المتوجهة على القياس

بحث الأسولة المتوجهة على الْقيَاس فصل الأسولة المتوجهة على الْقيَاس ثَمَانِيَة الممانعة وَالْقَوْل بِمُوجب الْعلَّة وَالْقلب وَالْعَكْس وَفَسَاد الْوَضع وَالْفرق والنقض والمعارضة أما الممانعة فنوعان أَحدهمَا منع الْوَصْف وَالثَّانِي منع الحكم ومثاله فِي قَوْلهم صَدَقَة الْفطر وَجَبت بِالْفطرِ فَلَا تسْقط بِمَوْتِهِ لَيْلَة الْفطر قُلْنَا لَا نسلم وُجُوبهَا بِالْفطرِ بل عندنَا تجب بِرَأْس يمونه ويلي عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ اذا قيل قدر الزَّكَاة وَاجِب فِي الذِّمَّة فَلَا يسْقط بِهَلَاك النّصاب كَالدّين قُلْنَا لَا نسلم ان قدر الزَّكَاة وَاجِب فِي الذِّمَّة بل أَدَاؤُهُ وَاجِب وَلَئِن قَالَ الْوَاجِب أَدَاؤُهُ فَلَا يسْقط بِالْهَلَاكِ كَالدّين بعد الْمُطَالبَة قُلْنَا لَا نسلم أَن الْأَدَاء وَاجِب فِي صُورَة الدّين بل حرم الْمَنْع حَتَّى يخرج عَن الْعهْدَة بِالتَّخْلِيَةِ وَهَذَا من قبيل منع الحكم وَكَذَلِكَ اذا قَالَ الْمسْح ركن فِي بَاب الْوضُوء فَلَيْسَ تثليثه كالغسل

قُلْنَا لَا نسلم ان التَّثْلِيث مسنون فِي الْغسْل بل اطالة الْفِعْل فِي مَحل الْفَرْض زِيَادَة على الْمَفْرُوض كاطالة الْقيام وَالْقِرَاءَة فِي بَاب الصلوة غير ان الإطالة فِي بَاب الْغسْل لَا يتَصَوَّر إِلَّا بالتكرار لاستيعاب الْفِعْل للمحل وبمثله نقُول فِي بَاب الْمسْح بَان الإطالة مسنون بطرِيق الإستيعاب وَكَذَلِكَ يُقَال التَّقَابُض فِي بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ شَرط كالنقود قُلْنَا لَا نسلم أَن التَّقَابُض شَرط فِي بَاب النُّقُود بل الشَّرْط تَعْيِينهَا كَيْلا يكون بيع النسئة بالنسئة غير أَن النُّقُود لَا تتَعَيَّن إِلَّا بِالْقَبْضِ عندنَا

بحث القول بموجب العلة

بحث القَوْل بِمُوجب الْعلَّة وَأما القَوْل بِمُوجب الْعلَّة فَهُوَ تَسْلِيم كَون الْوَصْف عِلّة وَبَيَان أَن معلولها غير مَا ادَّعَاهُ الْمُعَلل ومثاله الْمرْفق حد فِي بَاب الْوضُوء فَلَا يدْخل تَحت الْغسْل لِأَن الْحَد لَا يدْخل فِي الْمَحْدُود قُلْنَا الْمرْفق حد السَّاقِط فَلَا يدْخل تَحت حكم السَّاقِط لِأَن الْحَد لَا يدْخل فِي الْمَحْدُود وَكَذَلِكَ يُقَال صَوْم رَمَضَان صَوْم فرض فَلَا يجوز بِدُونِ التَّعْيِين كالقضاء قُلْنَا صَوْم الْفَرْض لَا يجوز بِدُونِ التَّعْيِين إِلَّا أَنه وجد التَّعْيِين هَهُنَا من جِهَة الشَّرْع وَلَئِن قَالَ صَوْم رَمَضَان لَا يجوز بِدُونِ التَّعْيِين من العَبْد كالقضاء قُلْنَا لَا يجوز الْقَضَاء بِدُونِ التَّعْيِين إِلَّا أَن التَّعْيِين لم يثبت من جِهَة الشَّرْع وَالْقَضَاء فَلذَلِك يشْتَرط تعْيين العَبْد وَهنا وجد التَّعْيِين من جِهَة الشَّرْع فَلَا يشْتَرط تعْيين العَبْد وَأما الْقلب فنوعان أَحدهمَا أَن يَجْعَل مَا جعله الْمُعَلل عِلّة للْحكم معلولا لذَلِك الحكم ومثاله فِي الشرعيات جَرَيَان الرِّبَا فِي الْكثير يُوجب جَرَيَانه فِي الْقَلِيل كالأثمان فَيحرم بيع الحفنة من الطَّعَام بالحفنتين مِنْهُ

قُلْنَا لَا بل جَرَيَان الرِّبَا فِي الْقَلِيل يُوجب جَرَيَانه فِي الْكثير كالأثمان وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَة الملتجىء بِالْحرم حُرْمَة إِتْلَاف النَّفس يُوجب حُرْمَة إِتْلَاف الطّرف كالصيد قُلْنَا بل حُرْمَة إِتْلَاف الطّرف يُوجب حُرْمَة إِتْلَاف النَّفس كالصيد فَإِذا جعلت علته معلولة لذَلِك الحكم لَا تبقى عِلّة لَهُ لِاسْتِحَالَة أَن يكون الشَّيْء الْوَاحِد عِلّة للشَّيْء ومعلولا لَهُ

بحث تقسيم القلب على قسمين

بحث تَقْسِيم الْقلب على قسمَيْنِ وَالنَّوْع الثَّانِي من الْقلب أَن يَجْعَل السَّائِل مَا جعله الْمُعَلل عِلّة لما ادَّعَاهُ من الحكم عِلّة لضد ذَلِك الحكم فَيصير حجَّة للسَّائِل بعد أَن كَانَ حجَّة للمعلل مِثَاله صَوْم رَمَضَان صَوْم فرض فَيشْتَرط التَّعْيِين لَهُ كالقضاء قُلْنَا لما كَانَ الصَّوْم فرضا لَا يشْتَرط التَّعْيِين لَهُ بعد مَا تعين الْيَوْم لَهُ كالقضاء وَأما الْعَكْس فنعني بِهِ أَن يتَمَسَّك السَّائِل بِأَصْل الْمُعَلل على وَجه يكون الْمُعَلل مُضْطَرّا إِلَى وَجه الْمُقَارنَة بَين الأَصْل وَالْفرع ومثاله الْحلِيّ أعدت للابتذال فَلَا يجب فِيهَا الزَّكَاة كثياب البذلة قُلْنَا لَو كَانَ الْحلِيّ بِمَنْزِلَة الثِّيَاب فَلَا تجب الزَّكَاة فِي حلي الرِّجَال كثياب البذلة

بحث العكس وفساد الوضع والنقض

بحث الْعَكْس وَفَسَاد الْوَضع والنقض وَأما فَسَاد الْوَضع فَالْمُرَاد بِهِ أَن يَجْعَل الْعلَّة وصف لَا يَلِيق بذلك الحكم مِثَاله فِي قَوْلهم فِي إِسْلَام أحد الزَّوْجَيْنِ اخْتِلَاف الدّين طَرَأَ على النِّكَاح فيفسده كارتداد أحد الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّهُ جعل الْإِسْلَام عِلّة لزوَال الْملك قُلْنَا الْإِسْلَام عهد عَاصِمًا للْملك فَلَا يكون مؤثرا فِي زَوَال الْملك وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَة طول الْحرَّة إِنَّه حر قَادر على النِّكَاح فَلَا يجوز لَهُ الْأمة كَمَا لَو كَانَت تَحْتَهُ حرَّة قُلْنَا وصف كَونه حرا قَادِرًا يَقْتَضِي جَوَاز النِّكَاح فَلَا يكون مؤثرا فِي عدم الْجَوَاز وَأما النَّقْض فَمثل مَا يُقَال الْوضُوء طَهَارَة فَيشْتَرط لَهُ النِّيَّة كالتيمم قُلْنَا ينْتَقض بِغسْل الثَّوْب والإناء وَأما الْمُعَارضَة فَمثل مَا يُقَال الْمسْح ركن فِي الْوضُوء فَيسنّ تثليثه كالغسل قُلْنَا الْمسْح ركن فَلَا يسن تثليثه كمسح الْخُف وَالتَّيَمُّم

فصل الحكم

فصل الحكم يتَعَلَّق بِسَبَبِهِ وَيثبت بعلته وَيُوجد عِنْد شَرطه فالسبب مَا يكون طَرِيقا إِلَى الشَّيْء بِوَاسِطَة كالطريق فَإِنَّهُ سَبَب للوصول إِلَى الْمَقْصد بِوَاسِطَة الْمَشْي وَالْحَبل فَإِنَّهُ سَبَب للوصول إِلَى المَاء بالإدلاء فعلى هَذَا كل مَا كَانَ طَرِيقا إِلَى الحكم بِوَاسِطَة يُسمى سَببا لَهُ شرعا وَيُسمى الْوَاسِطَة عِلّة مِثَاله فتح بَاب الإصطبل والقص وَحل قيد العَبْد فَإِنَّهُ سَبَب الْمُتْلف بِوَاسِطَة تُوجد من الدَّابَّة وَالطير وَالْعَبْد

بحث الفرق بين السبب والعلة

بحث الْفرق بَين السَّبَب وَالْعلَّة وَالسَّبَب مَعَ الْعلَّة إِذا اجْتمعَا يُضَاف الحكم إِلَى الْعلَّة دون السَّبَب إِلَّا إِذا تَعَذَّرَتْ الْإِضَافَة إِلَى الْعلَّة فيضاف إِلَى السَّبَب حِينَئِذٍ وعَلى هَذَا قَالَ أَصْحَابنَا إِذا دفع السكين إِلَى صبي فَقتل بِهِ نَفسه لَا يضمن وَلَو سقط من يَد الصَّبِي فجرحه يضمن وَلَو حمل الصَّبِي على دَابَّة فسيرها فجالت يمنة ويسرة فَسقط وَمَات لَا يضمن وَلَو دلّ إنْسَانا على مَال الْغَيْر فسرقه أَو على نَفسه فَقتله أَو على قافلة فَقطع عَلَيْهِم الطَّرِيق لَا يجب الضَّمَان على الدَّال وَهَذَا بِخِلَاف الْمُودع إِذا دلّ السَّارِق على الْوَدِيعَة فسرقها أَو دلّ الْمحرم غَيره على صيد الْحرم فَقتله لِأَن وجوب الضَّمَان على الْمُودع بِاعْتِبَار ترك الْحِفْظ الْوَاجِب عَلَيْهِ لَا بِالدّلَالَةِ وعَلى الْمحرم بِاعْتِبَار أَن الدّلَالَة مَحْظُور إِحْرَامه بِمَنْزِلَة مس الطّيب وَلبس الْمخيط فَيضمن بارتكاب الْمَحْظُور لَا بِالدّلَالَةِ إِلَّا أَن الْجِنَايَة إِنَّمَا تتقرر بِحَقِيقَة الْقَتْل فإمَّا قبله فَلَا حكم لَهُ لجَوَاز ارْتِفَاع أثر الْجِنَايَة بِمَنْزِلَة الِانْدِمَال فِي بَاب الْجراحَة

بحث كون السبب تارة بمعنى العلة

بحث كَون السَّبَب تَارَة بِمَعْنى الْعلَّة وَقد يكون السَّبَب بِمَعْنى الْعلَّة فيضاف الحكم إِلَيْهِ ومثاله فِيمَا يثبت الْعلَّة بِالسَّبَبِ فَيكون السَّبَب فِي معنى الْعلَّة لِأَنَّهُ لما ثَبت الْعلَّة بِالسَّبَبِ فَيكون فِي معنى عِلّة الْعلَّة فيضاف الحكم إِلَيْهِ وَلِهَذَا قُلْنَا إِذا سَاق دَابَّة فأتلف شَيْئا ضمن السَّائِق وَالشَّاهِد إِذا أتلف بِشَهَادَتِهِ مَالا فَظهر بُطْلَانهَا بِالرُّجُوعِ ضمن لِأَن سير الدَّابَّة يُضَاف إِلَى السُّوق وَقَضَاء القَاضِي يُضَاف إِلَى الشَّهَادَة لما أَنه لَا يَسعهُ ترك الْقَضَاء بعد ظُهُور الْحق بِشَهَادَة الْعدْل عِنْده صَار كالمجبور فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة الهيمة بِفعل السَّائِق ثمَّ السَّبَب قد يُقَام مقَام الْعلَّة

عِنْد تعذر الِاطِّلَاع على حَقِيقَة الْعلَّة تيسرا لِلْأَمْرِ على الْمُكَلف وَيسْقط مَعَ اعْتِبَار الْعلَّة ويدار الحكم على السَّبَب ومثاله فِي الشرعيات النّوم الْكَامِل فَإِنَّهُ لما أقيم مقَام الْحَدث سقط اعْتِبَار حَقِيقَة الْحَدث ويدار الانتقاض على كَمَال النّوم وَكَذَلِكَ الْخلْوَة الصَّحِيحَة لما أُقِيمَت مقَام الْوَطْء سقط اعْتِبَار حَقِيقَة الْوَطْء فيدار الحكم على صِحَة الْخلْوَة فِي حق كَمَال الْمهْر وَلُزُوم الْعدة وَكَذَلِكَ السّفر لما أقيم مقَام الْمَشَقَّة فِي حق الرُّخْصَة سقط اعْتِبَار حَقِيقَة الْمَشَقَّة ويدار الحكم على نفس السّفر حَتَّى أَن السُّلْطَان لَو طَاف فِي أَطْرَاف مَمْلَكَته يقْصد بِهِ مِقْدَار السّفر كَانَ لَهُ الرُّخْصَة فِي الْإِفْطَار وَالْقصر وَقد يُسمى غير السَّبَب سَببا مجَازًا كاليمين يُسمى سَببا لِلْكَفَّارَةِ وَإِنَّهَا لَيست بِسَبَب فِي الْحَقِيقَة فَإِن السَّبَب لَا يُنَافِي وجود الْمُسَبّب وَالْيَمِين يُنَافِي وجوب الْكَفَّارَة فَإِن الْكَفَّارَة إِنَّمَا تجب بِالْحِنْثِ وَبِه يَنْتَهِي الْيَمين

وَكَذَلِكَ تَعْلِيق الحكم بِالشّرطِ كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق يُسمى سَببا مجَازًا وَأَنه لَيْسَ بِسَبَب فِي الْحَقِيقَة لِأَن الحكم إِنَّمَا يثبت عِنْد الشَّرْط وَالتَّعْلِيق يَنْتَهِي بِوُجُود الشَّرْط فَلَا يكون سَببا مَعَ وجود التَّنَافِي بَينهمَا

بحث تعلق الأحكام الشرعية بأسبابها

بحث تعلق الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة بأسبابها فصل الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة تتَعَلَّق بأسبابها وَذَلِكَ لِأَن الْوُجُوب غيب عَنَّا فَلَا بُد من عَلامَة يعرف العَبْد بهَا وجوب الحكم وَبِهَذَا الاعتيار أضيفت الْأَحْكَام إِلَى الْأَسْبَاب فسبب وجوب الصلوة الْوَقْت بِدَلِيل أَن الْخطاب بأَدَاء الصلوة لَا يتَوَجَّه قبل دُخُول الْوَقْت وَإِنَّمَا يتَوَجَّه بعد دُخُول الْوَقْت وَالْخطاب مُثبت لوُجُوب الْأَدَاء ومعرف للْعَبد سَبَب الْوُجُوب قبله وَهَذَا كَقَوْلِنَا أد ثمن الْمَبِيع وأد نَفَقَة المنكوصة وَلَا مَوْجُود يعرفهُ العَبْد هَهُنَا إِلَّا دُخُول الْوَقْت فَتبين أَن الْوُجُوب يثبت بِدُخُول الْوَقْت وَلِأَن الْوُجُوب ثَابت على من لَا يتَنَاوَلهُ الْخطاب كالنائم والمغمى عَلَيْهِ وَلَا وجوب قبل الْوَقْت فَكَانَ ثَابتا بِدُخُول الْوَقْت وَبِهَذَا ظهر أَن الْجُزْء الأول سَبَب للْوُجُوب ثمَّ بعد ذَلِك طَرِيقَانِ أَحدهمَا نقل السَّبَبِيَّة من الجز الأول إِلَى الثَّانِي إِذا لم يؤد فِي الْجُزْء الأول ثمَّ إِلَى الثَّالِث وَالرَّابِع إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى آخر الْوَقْت فيتقرر الْوُجُوب حِينَئِذٍ وَيعْتَبر حَال العَبْد فِي ذَلِك الْجُزْء وَيعْتَبر صفة ذَلِك الْجُزْء وَبَيَان اعْتِبَار حَال العَبْد فِيهِ إِنَّه لَو كَانَ صَبيا فِي أول الْوَقْت بَالغا فِي ذَلِك الْجُزْء

أَو كَانَ كَافِرًا فِي أول الْوَقْت مُسلما فِي ذَلِك الْجُزْء أَو كَانَت حَائِضًا أَو نفسَاء أول الْوَقْت طَاهِرَة فِي ذَلِك الْجُزْء وَجَبت الصلوة وعَلى هَذَا جَمِيع صور حُدُوث الْأَهْلِيَّة فِي آخر الْوَقْت وعَلى الْعَكْس بِأَن يحدث حيض أَو أنفاس أَو جُنُون مستوعب أَو إِغْمَاء ممتد فِي ذَلِك الْجُزْء سَقَطت عَنهُ الصلوة وَلَو كَانَ مُسَافِرًا فِي أول الْوَقْت مُقيما فِي آخِره يُصَلِّي أَرْبعا وَلَو كَانَ مُقيما فِي أول الْوَقْت مُسَافِرًا فِي آخِره يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَبَيَان اعْتِبَار صفة ذَلِك الْجُزْء إِن ذَلِك الْجُزْء إِن كَانَ كَامِلا تقررت الْوَظِيفَة كَامِلَة فَلَا يخرج عَن الْعهْدَة بأدائها فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة ومثاله فِيمَا يُقَال إِن آخر الْوَقْت فِي الْفجْر كَامِل وَإِنَّمَا يصير الْوَقْت فَاسِدا بِطُلُوع الشَّمْس وَذَلِكَ بعد خُرُوج الْوَقْت فيتقرر الْوَاجِب بِوَصْف الْكَمَال فَإِذا طلعت الشَّمْس فِي أثْنَاء الصلوة بَطل الْفَرْض لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ إتْمَام الصلوة إِلَّا بِوَصْف النُّقْصَان بِاعْتِبَار الْوَقْت وَلَو كَانَ ذَلِك الْجُزْء نَاقِصا كَمَا فِي صلوة الْعَصْر فَإِن آخر الْوَقْت وَقت احمرار الشَّمْس وَالْوَقْت عِنْده فَاسد فتقررت الْوَظِيفَة بِصفة النُّقْصَان وَلِهَذَا وَجب القَوْل بِالْجَوَازِ عِنْده مَعَ فَسَاد الْوَقْت وَالطَّرِيق الثَّانِي أَن يَجْعَل كل جُزْء من أَجزَاء الْوَقْت سَببا لَا على طَرِيق الِانْتِقَال فَإِن القَوْل بِهِ قَول بِإِبْطَال السَّبَبِيَّة الثَّابِتَة بِالشَّرْعِ وَلَا يلْزم على هَذَا تضَاعف الْوَاجِب فَإِن الْجُزْء الثَّانِي إِنَّمَا أثبت

عين مَا أثْبته الْجُزْء الأول فَكَانَ هَذَا من بَاب ترادف الْعِلَل وَكَثْرَة الشُّهُود فِي بَاب الْخُصُومَات وَسبب وجوب الصَّوْم شُهُود الشَّهْر لتوجه الْخطاب عِنْد شُهُود الشَّهْر وَإِضَافَة الصَّوْم إِلَيْهِ وَسبب وجوب الزَّكَاة ملك النّصاب النامي حَقِيقَة أَو حكما وَبِاعْتِبَار وجوب السَّبَب جَازَ التَّعْجِيل فِي بَاب الْأَدَاء وَسبب وجوب الْحَج الْبَيْت لِإِضَافَتِهِ إِلَى الْبَيْت وَعدم تكْرَار الْوَظِيفَة فِي الْعُمر وعَلى هَذَا لَو حج قبل وجود الِاسْتِطَاعَة يَنُوب ذَلِك عَن حجَّة الْإِسْلَام لوُجُود السَّبَب وَبِه فَارق أَدَاء الزَّكَاة قبل وجود النّصاب لعدم السَّبَب

بحث كون الموانع أربعة

بحث كَون الْمَوَانِع أَرْبَعَة وَسبب وجوب صَدَقَة الْفطر رَأس يمونه ويلي عَلَيْهِ وَبِاعْتِبَار السَّبَب يجوز التَّعْجِيل حَتَّى جَازَ أَدَاؤُهَا قبل يَوْم الْفطر وَسبب وجوب الْعشْر الْأَرَاضِي النامية بِحَقِيقَة الرّيع وَسبب وجوب الْخراج الْأَرَاضِي الصَّالِحَة للزِّرَاعَة فَكَانَت نامية حكما وَسبب وجوب الْوضُوء الصلوة عِنْد الْبَعْض وَلِهَذَا وَجب الْوضُوء على من وَجب عَلَيْهِ الصلوة وَلَا وضوء على من لَا صلوة عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَعْض سَبَب وُجُوبه الْحَدث وَوُجُوب الصلوة شَرط وَقد رُوِيَ عَن مُحَمَّد ذَلِك نصا وَسبب وجوب الْغسْل الْحيض وَالنّفاس والجنابة فصل قَالَ القَاضِي الإِمَام أَبُو زيد الْمَوَانِع أَرْبَعَة أَقسَام مَانع يمْنَع انْعِقَاد الْعلَّة ومانع يمْنَع تَمامهَا ومانع يمْنَع ابْتِدَاء الحكم ومانع يمْنَع دَوَامه

نَظِير الأول بيع الْحر وَالْميتَة وَالدَّم فَإِن عدم الْمَحَلِّيَّة يمْنَع انْعِقَاد التَّصَرُّف عِلّة إِفَادَة الحكم وعَلى هَذَا سَائِر التعليقات عندنَا فَإِن التَّعْلِيق يمْنَع انْعِقَاد التَّصَرُّف عِلّة قبل وجود الشَّرْط على مَا ذَكرْنَاهُ وَلِهَذَا لَو حلف لَا يُطلق امْرَأَته فعلق طَلَاق امْرَأَته بِدُخُول الدَّار لَا يَحْنَث وَمِثَال الثَّانِي هَلَاك النّصاب فِي أثْنَاء الْحول وَامْتِنَاع أحد الشَّاهِدين عَن الشَّهَادَة ورد شطر العقد وَمِثَال الثَّالِث البيع بِشَرْط الْخِيَار وَبَقَاء الْوَقْت فِي حق صَاحب الْعذر وَمِثَال الرَّابِع خِيَار الْبلُوغ وَالْعِتْق والرؤية وَعدم الْكَفَاءَة والاندمال فِي بَاب الْجِرَاحَات على هَذَا الأَصْل وَهَذَا على اعْتِبَار جَوَاز تَخْصِيص الْعلَّة الشَّرْعِيَّة فإمَّا على قَول من لَا يَقُول بِجَوَاز تَخْصِيص الْعلَّة فالمانع عِنْده ثَلَاثَة أَقسَام مَانع يمْنَع ابْتِدَاء الْعلَّة ومانع يمْنَع تَمامهَا ومانع يمْنَع دوَام الحكم وَأما عِنْد تَمام الْعلَّة فَيثبت الحكم لَا محَالة وعَلى هَذَا كل مَا جعله الْفَرِيق الأول مَانِعا لثُبُوت الحكم جعله الْفَرِيق الثَّانِي مَانِعا لتَمام الْعلَّة

وعَلى هَذَا الأَصْل يَدُور الْكَلَام بَين الْفَرِيقَيْنِ

بحث بيان معنى الفرض لغة وشرعا

بحث بَيَان معنى الْفَرْض لُغَة وَشرعا فصل الْفَرْض لُغَة هُوَ التَّقْدِير ومفروضات الشَّرْع مقدراته بِحَيْثُ لَا يحْتَمل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَفِي الشَّرْع مَا ثَبت بِدَلِيل قَطْعِيّ لَا شُبْهَة فِيهِ وَحكمه لُزُوم الْعَمَل بِهِ والاعتقاد بِهِ وَالْوُجُوب هُوَ السُّقُوط يَعْنِي مَا يسْقط على العَبْد بِلَا اخْتِيَار مِنْهُ وَقيل هُوَ من الوجبة وَهُوَ الِاضْطِرَاب سمي الْوَاجِب بذلك لكَونه مضطربا بَين الْفَرْض وَالنَّفْل فَصَارَ فرضا فِي حق الْعَمَل حَتَّى لَا يجوز تَركه ونفلا فِي حق الِاعْتِقَاد فَلَا يلْزمنَا الِاعْتِقَاد بِهِ جزما وَفِي الشَّرْع وَهُوَ مَا ثَبت بِدَلِيل فِيهِ شُبْهَة كالآية المؤولة وَالصَّحِيح من الْآحَاد وَحكمه مَا ذكرنَا وَالسّنة عبارَة عَن الطريقه المسلوكة المرضية فِي بَاب اللين سَوَاء كَانَت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو من الصَّحَابَة قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام (عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء من بعدِي عضوا عَلَيْهَا النواجذ)

وَحكمهَا أَن يُطَالب الْمَرْء بإحيائها وَيسْتَحق اللائمة بِتَرْكِهَا إِلَّا أَن يَتْرُكهَا بِعُذْر وَالنَّفْل عبارَة عَن الزِّيَادَة وَالْغنيمَة تسمى نفلا لِأَنَّهَا زِيَادَة على مَا هُوَ الْمَقْصُود من الْجِهَاد وَفِي الشَّرْع عبارَة عَمَّا هُوَ زِيَادَة على الْفَرَائِض والواجبات وَحكمه أَن يُثَاب الْمَرْء على فعله وَلَا يُعَاقب بِتَرْكِهِ وَالنَّفْل والتطوع نظيران

بحث العزيمة ماهي لغة وشرعا

بحث الْعَزِيمَة ماهي لُغَة وَشرعا فصل الْعَزِيمَة هِيَ الْقَصْد اذا كَانَ فِي نِهَايَة الوكادة وَلِهَذَا قُلْنَا أَن الْعَزْم على الْوَطْء عود فِي بَاب الظِّهَار لانه كالموجود فَجَاز أَن يعْتَبر مَوْجُودا عِنْد قيام الدّلَالَة وَلِهَذَا لَو قَالَ أعزم يكون حَالفا وَفِي الشَّرْع عبارَة عَمَّا لزمنا من الْأَحْكَام ابْتِدَاء سميت عَزِيمَة لِأَنَّهَا فِي غَايَة الوكادة لوكادة سَببهَا وَهُوَ كَون الْأَمر مفترض الطَّاعَة بِحكم أَنه إلهنا وَنحن عبيده وأقسام الْعَزِيمَة مَا ذكرنَا من الْفَرْض وَالْوَاجِب

بحث بيان الرخصة لغة وشرعا

بحث بَيَان الرُّخْصَة لُغَة وَشرعا وَأما الرُّخْصَة فعبارة عَن الْيُسْر والسهولة وَفِي الشَّرْع صرف الْأَمر من عسر الى يسر بِوَاسِطَة عذر فِي الْمُكَلف وأنواعها مُخْتَلفَة لاخْتِلَاف أَسبَابهَا وَهِي إعذار الْعباد وَفِي الْعَاقِبَة تؤول الى نَوْعَيْنِ أَحدهمَا رخصَة الْفِعْل مَعَ بَقَاء الْحُرْمَة بِمَنْزِلَة الْعَفو فِي بَاب الْجِنَايَة وَذَلِكَ نَحْو اجراء كلمة الْكفْر على اللِّسَان مَعَ اطمئنان الْقلب عِنْد الْإِكْرَاه وَسَب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَإِتْلَاف مَال الْمُسلم وَقتل النَّفس ظلما وَحكمه انه لَو صَبر حَتَّى قتل يكون مأجورا لامتناعه عَن الْحَرَام تَعْظِيمًا لنهي الشَّارِع عَلَيْهِ السَّلَام وَالنَّوْع الثَّانِي تَغْيِير صفة الْفِعْل بَان يصير مُبَاحا فِي حَقه قَالَ الله تَعَالَى {فَمن اضْطر فِي مَخْمَصَة} وَذَلِكَ نَحْو الاكراه على أكل الْميتَة وَشرب الْخمر وَحكمه انه لَو امْتنع عَن تنَاوله حَتَّى قتل يكون آثِما بامتناعه عَن الْمُبَاح وَصَارَ كقاتل نَفسه

بحث ان الاحتجاج بلا دليل أنواع

بحث ان الِاحْتِجَاج بِلَا دَلِيل أَنْوَاع فصل الِاحْتِجَاج بِلَا دَلِيل أَنْوَاع مِنْهَا 1 - الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِ الْعلَّة على عدم الحكم مِثَاله القئ غير نَاقض لانه لم يخرج من السَّبِيلَيْنِ والاخ لَا يعْتق على الْأَخ لانه لَا ولاد بَينهمَا وَسُئِلَ مُحَمَّد رح أيجب الْقصاص على شريك الصَّبِي قَالَ لَا لِأَن الصَّبِي رفع عَنهُ الْقَلَم قَالَ السَّائِل فَوَجَبَ أَن يجب على شريك الْأَب لَان الْأَب لم يرفع عَنهُ الْقَلَم فَصَارَ التَّمَسُّك بِعَدَمِ الْعلَّة على عدم الحكم هَذَا بِمَنْزِلَة مَا يُقَال لم يمت فلَان لانه لم يسْقط من السَّطْح إِلَّا إِذا كَانَت عِلّة الحكم منحصرة فِي معنى فَيكون ذَلِك الْمَعْنى لَازِما للْحكم فيستدل بانتفائه على عدم الحكم مِثَاله مَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد رح أَنه قَالَ ولد الْمَغْصُوب لَيْسَ بمضمون لِأَنَّهُ لَيْسَ بمغصوب وَلَا قصاص على الشَّاهِد فِي مَسْأَلَة شُهُود الْقصاص إِذا رجعُوا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِل وَذَلِكَ لِأَن الْغَصْب لَازم لضمان الْغَصْب وَالْقَتْل لَازم لوُجُود الْقصاص

وَكَذَلِكَ التَّمَسُّك (باستصحاب الْحَال) تمسك بِعَدَمِ الدَّلِيل إِذْ وجود الشَّيْء لَا يُوجب بَقَاءَهُ فيصلح للدَّفْع دون الْإِلْزَام وعَلى هَذَا قُلْنَا مَجْهُول النّسَب لَو ادّعى عَلَيْهِ أحد رقا ثمَّ جنى عَلَيْهِ جِنَايَة لَا يجب عَلَيْهِ أرش الْحر لِأَن إِيجَاب أرش الْحر إِلْزَام فَلَا يثبت بِلَا دَلِيل وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا زَاد الدَّم على الْعشْرَة فِي الْحيض وللمرأة عَادَة مَعْرُوفَة ردَّتْ إِلَى أَيَّام عَادَتهَا وَالزَّائِد استحاضته لِأَن الزَّائِد على الْعَادة اتَّصل بِدَم الْحيض وبدم الِاسْتِحَاضَة فَاحْتمل الْأَمريْنِ جَمِيعًا فَلَو حكمنَا بِنَقْض الْعدة لزمنا الْعَمَل بِلَا دَلِيل وَكَذَلِكَ إِذا ابتدأت مَعَ الْبلُوغ مستحضاة فحيضها عشرَة أَيَّام لِأَن مَا دون الْعشْرَة تحْتَمل الْحيض والاستحاضة فَلَو حكمنَا بارتفاع الْحيض لزمنا الْعَمَل بِلَا دَلِيل بِخِلَاف مَا بعد الْعشْرَة لقِيَام الدَّلِيل على أَن الْحيض لَا تزيد على الْعشْرَة وَمن الدَّلِيل على أَن لَا دَلِيل فِيهِ إِلَّا حجَّة للدَّفْع دون الْإِلْزَام مَسْأَلَة الْمَفْقُود فَإِنَّهُ لَا يسْتَحق غَيره مِيرَاثه وَلَو مَاتَ من أَقَاربه حَال فَقده لَا يَرث هُوَ مِنْهُ فَانْدفع اسْتِحْقَاق الْغَيْر بِلَا دَلِيل وَلم يثبت لَهُ الِاسْتِحْقَاق بِلَا دَلِيل

بحث أن العنبر لا خمس فيه عند أبي حنيفة

بحث أَن العنبر لَا خمس فِيهِ عِنْد أبي حنيفَة فَإِن قيل قد رُوِيَ عَن أبي حنيفَة رح أَنه قَالَ لَا خمس فِي العنبر لِأَن الْأَثر لم يرد بِهِ وَهُوَ التَّمَسُّك بِعَدَمِ الدَّلِيل قُلْنَا إِنَّمَا ذكر ذَلِك فِي بَيَان عذره فِي أَنه لم يقل بالخمس فِي العنبر وَلِهَذَا رُوِيَ أَن مُحَمَّد عَن الْخمس فِي العنبر فَقَالَ مَا بَال العنبر لاخمس فِيهِ قَالَ لِأَنَّهُ كالسمك فَقَالَ وَمَا بَال السّمك لَا خمس فِيهِ قَالَ لِأَنَّهُ كَالْمَاءِ وَلَا خمس فِيهِ وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ تمّ أصُول الشَّاشِي مَعَ عُمْدَة الْحَوَاشِي

§1/1