أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل

ابن حجر الهيتمي

تصدير

بسم الله الرّحمن الرّحيم تصدير الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين. وبعد: فإن كتب شمائل وأحوال المصطفى صلى الله عليه وسلم من أعلى الكتب درجة، وأرفعها منزلة، وأكرمها شأنا ومكانة، لما تحويه من صور عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم تصويرا دقيقا يجعلنا نقف أمام حياته لنتأملها، فتكون لنا سراجا منيرا، وسبيلا مبينا للسعادتين فى الدنيا والآخرة، وتجعلنا نقتفى أثره، ونسير على نهجه ومنهجه، حتى نهدى إلى الصراط المستقيم، وكيف لا؟ وهو الذى زكاه ربه بقوله: وَمايَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوى فهو قرآن يمشى على الأرض. وكتاب الشمائل هذا الذى قام بشرحه العلامة الفقيه ابن حجر الهيتمى، يعتبر من أعظم ما صنف فى شمائل النبى صلى الله عليه وسلم، فهو الكتاب الأول المعتمد عند أهل الحديث والسير، وقد هيّأ الله لمن يقم بتحقيق شرحه الجميل الوافى: الشيخ أحمد فريد، المعروف بأبى الفوارس المزيدى، وهو من طلاب العلم الذين توسمنا فيهم الخير والصلاح، الذين تعلموا على أيدى المشايخ والعلماء الأجلاء، والله حسيبه. ونسأل الله أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه، وأن ينفعنا وسائر المسلمين بالعلم وأهله، إنه قريب مجيب، سميع الدعاء. وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما كثيرا. وكتبه كمال عبد العظيم العنانى أستاذ الفقه العام بكلية الشريعة الإسلامية جامعة الأزهر

مقدمة التحقيق

بسم الله الرّحمن الرّحيم مقدمة التحقيق إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. اللهم صلّ على محمد النبى وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم فى العالمين. . . إنك حميد مجيد. ياأَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. ياأَيُّهَا اَلنّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمُ اَلَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهازَوْجَهاوَبَثَّ مِنْهُمارِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاِتَّقُوا اَللهَ اَلَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَاَلْأَرْحامَ إِنَّ اَللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]. ياأَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اَللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70،71]. فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار. أما بعد: فلقد كان اتباع النبى صلى الله عليه وسلم لازما لتمام محبته، والاهتداء بهديه، والاقتداء بمنهجه فى الأقوال، والأفعال، والصفات، وقد علم السلف الصالح رضوان الله عليهم مكانة السنة عندهم، فاجتهدوا فى تدوينها، خاصة ما كان من شمائله صلى الله عليه وسلم وأوامره ونواهيه، وهيّأ الله تبارك وتعالى إماما عظيما حافظا فقيها، ليجمع كتابه الرائع البديع «الشمائل النبوية» حيث شمائل أشرف خلق البرية، محمدا صلى الله عليه وسلم.

وقد اعتمدت فى شرح الكتاب على النسخ الآتية

وحينما نظرت إلى مشروع هذا الكتاب المبارك وجدت أفضل شروحه على الإطلاق، شرح العلامة شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمى، حيث استفاد بمن قبله، كالقسطلانى، صاحب «الحاشية على الشمائل»، والإسفرائينى، وكان كل من أتى بعد الحافظ ابن حجر الهيتمى يقوم ليشرح الشمائل، كان لا بد له أن يرجع لأشرف الوسائل، حتى أنك أيها القارئ الكريم تجد النص متقاربا جدا، ولكن الرجوع إلى الأصل هو دأب طلبة العلم، وممن قاموا بشرح الشمائل بعد ابن حجر، الملا على القارئ، وكذلك عبد الرءوف المناوى، والبيجورى، وحسن الجمل، ومحمد بن قاسم ابن جسّوس، والدومى، واختصره البعض، كالشيخ الألبانى حفظه الله، ومحمود سامى، وأحمد عبد الجواد الدومى. وقد اعتمدت فى شرح الكتاب على النسخ الآتية: 1 - النسخة الأصل: وهى المحفوظة بدار الكتب المصرية-حرسها الله-تحت رقم (487) حديث، وهى نسخة بالرغم ما بها من آثار رطوبة شديدة، وطمس، إلا أنها أتم ما اطلعت عليه من النسخ. 2 - النسخة الثانية: وهى أيضا من محفوظات دار الكتب المصرية، تحت رقم (693) حديث. وهذه النسخة بها من السقط الكثير، ولكنها تمتاز بالخط الجيد المقروء، وقد رمزت لها بالرمز (ش). 3 - النسخة الثالثة: وهى المحفوظة بالدار أيضا تحت رقم (136) حديث. وهى نسخة واضحة الخط جدا، إلا أن بها بياض كثير، وسقط فى بعض المواضع، ورمزت بها بالرمز (ب).

منهج التحقيق

منهج التحقيق أولا: قمت بنسخ الكتاب، وتفصيله، وترقيمه، وفصل المتن عن الشرح. ثانيا: قمت بالمقابلة للنسخ الأخرى، لإثبات الفروق اللازمة، وإملاء البياضات، والطمس، والسقط وغير ذلك، حتى يبدو النص واضحا سليما، صحيحا إن شاء الله تعالى. ثالثا: قمت بدراسة أسانيد كتاب الشمائل، بالحكم عليها وتخريجها من كتب السنة ما استطعت لذلك سبيلا. رابعا: قمت بتخريج أحاديث الشرح، وبذلت فى ذلك جهدا بالغا كبيرا، قدر المستطاع. خامسا: عزو الآيات إلى سورها، مع أرقامها. سادسا: التعليق على بعض المسائل والأقوال الواردة فى الكتاب، خاصة المسائل العقدية، وذلك بدراسته دراسة تدل على المطلوب والمقصود. سابعا: توثيق بعض الأقوال الفقهية واللغوية وغيرها. ثامنا: وضع فهارس للكتاب، ليسهل على القارئ معرفة أحاديث الأبواب، وكذا فهرست للموضوعات. تاسعا: قمت بعمل ترجمة وافية للمصنف، شارح الكتاب ابن حجر الهيتمى. عاشرا: ألحقت بالكتاب كتابا آخرا، وهو مناقب ابن حجر الهيتمى لتلميذه أبى بكر الشافعى. وأخيرا أسأل الله جل وعلا التوفيق والسداد، ولا ندعى الكمال أبدا، بل هذا جهد المقل، وهو محاولة الاقتراب من الخير والصواب، والتعرض له «فسددوا وقاربوا». فما كان فيه من الصواب فمن فضل الله وتوفيقه، وما كان فيه من خطأ أو زلل، فمن ذنوبنا والشيطان. ولا يسعنى إلا أن أتقدم بالشكر لمشايخى وأساتذتى، ولمن ساهم معنا فى تحقيق هذا

الكتاب: الشيخ حسين الحوارتى، والأستاذة شيرين علاء الدين البيومى، والأستاذة صفاء عبد العاطى. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وكتبه أبو الفوارس أحمد فريد أحمد المزيدى ليسانس الحديث-أصول الدين-جامعة الأزهر الأندلس-الهرم-القاهرة

ترجمة المصنف

ترجمة المصنف * اسمه ونسبه: هو الإمام العالم العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن على ابن محمد بن على بن حجر الهيتمى، السّعدى، الأنصارى، الشافعى، المصرى، ثم المكى. فهو السلمنتى أصلا، والهيتمى مولدا-فى محلة أبى الهيتم-من إقليم الغربية بمصر -والوائلى السعدى نسبا-نسبة إلى بنى سعد من عرب الشرقية بمصر. * مولده: ولد الإمام فى شهر رجب سنة تسعمائة وتسع (909 هـ‍). * نشأته العلمية ورحلاته: مات أبوه وهو صغير فكفله الإمامان: شمس الدين بن أبى الحمائل وشمس الدين الشناوى. وقد نقله الإمام شمس الدين الشناوى إلى مقام أحمد البدوى بقرية طنطا بمصر، وهناك قرأ مبادئ العلوم، ثم نقله بعد ذلك إلى الجامع الأزهر الشريف سنة (924 هـ‍)، فأخذ عن علماء الأزهر الأفاضل ونهل من علمهم الفقه والتفسير، والحديث وغيرها من العلوم، وقد أذن له بالإفتاء والتدريس وعمره دون العشرين، وبرع فى علوم كثيرة منها التفسير، والحديث، وعلم الكلام، والفقه، والأصول، والفرائض والحساب والنحو، والصرف، والمعانى، والبيان، والمنطق، والتصوف. ومن محفوظاته: المنهاج الفرعى، ومفرداته: لا يمكن حصرها، وأما إجازات المشايخ له: فكثيرة جدا، استوعبها فى معجم مشايخه. وقد قدم الإمام إلى مكة فى آخر سنة ثلاث وثلاثين، فحج وجاور بها، ثم عاد إلى مصر، ثم حجّ بعياله فى آخر سنة سبع وثلاثين، ثم حجّ سنة أربعين وجاور من ذلك الوقت بمكة، وأقام يدرس ويفتى ويؤلف ويملى بالمسجد الحرام بمكة المكرمة. * مشايخه: لقد أخذ ابن حجر العلم عن مشايخ كثيرين فمنهم: 1 - شهاب الدين الرملى الشافعى.

* تلامذته

2 - الشهاب بن الصائغ. 3 - شهاب الدّين أحمد بن يحيى الأيدونى. 4 - شهاب الدين أحمد بن أحمد الطيبى. 5 - الشهاب بن النّجار الحنبلى. 6 - شهاب الدين أحمد الغزّى. 7 - الشمس المشهدى. 8 - الشمس السمهودى. 9 - الشمس اللّقانى الضيروطى. 10 - شيخ الإسلام زكريا بن محمد الأنصارى. 11 - الشيخ عبد الحق السنباطى. 12 - أبو الحسن البكرى. 13 - شمس الدين الشنشورى. وغيرهم خلق كثير. * تلامذته: أخذ العلم عن شهاب الدين ابن حجر الهيتمى خلق كثير من مختلف البلاد والأقطار، خاصة من مصر، ومكة المكرمة، حيث ما كان يدرس بالحرم الشريف، فكان يملى شرح المنهاج، والإرشاد، والشمائل، وغيرها من التصانيف النافعة، فمن تلامذته الأجلاء: أبو عمر أبو بكر بن محمد بن عبد الله الشافعى، صاحب (مناقب ابن حجر). * مؤلفاته: فالمطبوع منها حسب علمنا الكتب التالية: 1 - الفتاوى الفقهية، والفتاوى الحديثية. 2 - الزواجر فى اقتراف الكبائر. 3 - تحفة المحتاج لشرح المنهاج للنووى.

أما المخطوطات

4 - الخيرات الحسان فى مناقب أبى حنيفة النعمان. 5 - الجوهر المنظم فى زيارة قبر النبى المعظم. 6 - الصواعق المحرقة على أهل البدع والزنادقة. 7 - الإعلام بقواطع الإسلام فى الألفاظ المكفرة. 8 - المنهج القويم فى مسائل التعليم. 9 - المنح المكية فى شرح الهمزة البوصيرية. 10 - إسعاف الأبرار شرح مشكاة الأنوار. 11 - فتح المبين فى شرح الأربعين (النووية). 12 - مبلغ الأرب فى فضائل العرب. 13 - كفّ الرعاع عن محرمات اللهو والسماع. 14 - أحاديث النكاح. أما المخطوطات: 1 - أشرف الوسائل فى شرح الشمائل للترمذى، وهو كتابنا هذا. 2 - الفتاوى الحديثية. 3 - شرح مشكاة المصابيح للتبريزى. 4 - الإمداد فى شرح الإرشاد للمقرئ. 5 - الدرر الزاهرة فى كشف بيان الآخرة. 6 - خلاصة الأئمة الأربعة. 7 - تحذير الثقات من أكل الكفتة والقات. 8 - الإيعاب فى شرح العباب. 9 - تحرير المقال فى آداب وأحكام يحتاج إليها مؤدبو الأطفال. 10 - القول المختصر فى علامات المهدى المنتظر. 11 - كنز الناظر فى مختصر الزواجر. 12 - تاريخ الخلفاء الراشدين.

* عقيدته

13 - كنه أمراد فى شرح بانت سعاد. 14 - المطالب فى صلة الأقارب. 15 - الإيضاح لما جاء فى الراشدين. 16 - الإيضاح والبيان لما جاء فى ليلتى الرغائب والنصف من شعبان. 17 - النعمة الكبرى على العالم بمولد سيد بنى آدم. 18 - الدر المنضود فى الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود. 19 - زوائد على سنن ابن ماجه. 20 - تطهير الجنان واللسان من الخوض والتفوه بثلب معاوية بن أبى سفيان. 21 - أربعون عدلية. 22 - در الغمامة فى در الطيلسان والعذبة والعمامة. 23 - تنبيه الأخيار عن معضلات وقعت فى كتاب الوظائف وأذكار الأذكار. 24 - تلخيص الإصرا فى حكم الطلاق المعلق بالإبرا. 25 - تطهير العيبة من دنس الغيبة. 26 - النخب العلية فى الخطب. 27 - قرة العين فى بيان أن التبرع لا يبطله الدين. * عقيدته: مع كون شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمى علامة وإماما كبيرا له علمه وقدره ومكانته بين العلماء إلا أنه له من الأشياء ما غبّر به علمه رحمه الله، فمنها: نهجه نهج المتكلمة من الأشعرية حتى أنه كان يقول بتأويل الصفات، ونفى العلو والفوقية، والانتصار لمشايخ المتصوفة الغلاة. أمثال: محيى الدين ابن عربى، والقسطلانى، والجيلانى، والباقلانى، وغيرهم ممن اتبعوا نهج المتكلمة والمتصوفة، بل كان يأخذ على أكابر العلماء ومشايخ الإسلام أعمدة أهل السنة والجماعة وناصرى مذهبهم كشيخ الإسلام ناصر السنة وقامع البدعة: أحمد بن تيمية رحمه الله وقدس سره وروحه، وكذا تلميذه الإمام العالم الهمام شمس الدين والإسلام ابن قيم الجوزية رحمهما الله تعالى. فقد أخذ عليهما بل ودعا عليهما أيضا، فنسأل الله أن يغفر لنا وله وأن يسامحه. . اللهم آمين.

* مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

* مكانته العلمية وثناء العلماء عليه: قال الفقيه المؤرخ الأديب ابن العماد الحنبلى رحمه الله: وبالجملة فقد كان شيخ الإسلام خاتمة العلماء الأعلام بحرا لا تكدره الدلا، إمام الحرمين كما أجمع عليه الملا، كوكبا سيارا فى منهاج سماء السارى يهتدى به المهتدون تحقيقا لقوله تعالى: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ واحد العصر، وثانى القطر، وثالث الشمس والبدر، أقسمت المشكلات إلا تتضح إلا لديه، وأكدت المعضلات ألبتها أن لا تنجلى إلا عليه لا سيما فى الحجاز عليها قد حجر ولا عجب فإنه المسمى بابن حجر. * وفاته: توفّى رحمه الله بمكة فى رجب، ودفن بالمعلاة على تربة الطبريين سنة تسعمائة وثلاثة وسبعين (973 هـ‍) (¬1). وكتبه أبو الفوارس أحمد فريد أحمد المزيدى الشافعى السلفى ليسانس الحديث-أصول الدين-جامعة الأزهر الأندلس-الهرم-القاهرة ¬

(¬1) مصادر ترجمته: شذرات الذهب لابن العماد الحنبلى (8/ 370،371)، البدر الطالع للإمام الشوكانى (1/ 109)، هدية العارفين لإسماعيل باشا البغدادى (5/ 146)، النور السافر للعبدروسى (287،298)، تاريخ آداب اللغة العربية (3/ 334،335)، جلاء العينين لمخير الدين الألوسى (137،139)، الأعلام للزركلى (1/ 234)، معجم المؤلفين (1/ 293،294)، ريحانة الألباب للخفاجى (211،212)، كشف الظنون لحاجى خليفة (57،60،128، 307،620،735،1059،1083،1324،1349،1502،1876)، إيضاح المكنون للبغدادى: (1/ 15،77،81،128،161،230،233،234،249،294،446، 450،451،614)، (2/ 241،253،425،496،510،543،565،661)، فهرس الأزهرية (2/ 431)، فهرس الخديوية (5/ 51،52،76،77)، فهرس مخطوطات الظاهرية، فهرس مخطوطات المدنية، ودار الكتب المصرية، دائرة المعارف الإسلامية (1/ 133)، ومجلة المجمع العلمى العربى بدمشق (20/ 530).

ترجمة موجزة لمصنف الشمائل

ترجمة موجزة لمصنف الشمائل هو الحافظ الإمام الفقيه الورع: أبو عيسى محمد بن سورة الترمذى الضرير. صاحب «الجامع الصحيح» أحد الكتب الستة، وصاحب «العلل الكبير»، و «التاريخ»، و «الزهد»، و «الأسماء والكنى»، و «الشمائل النبوية». قال فيه ابن حبان: «كان ممن جمع وصنف، وحفظ وذاكر». وقد أخذ العلم عن أجلاء وعلماء ومشايخ الدنيا فى عصره، منهم: الإمام البخارى، ومسلم، وأبو داود، وقتيبة بن سعيد، وغيرهم كثير. وأخذ عنه العلم والرواية خلق كثير، منهم: محمود بن غيلان، ومكحول بن الفضل، ومحمد بن المنذر، وغيرهم. وتوفى الإمام سنة تسع وسبعين ومائتين، رحمه الله تعالى. ...

صورة الصفحة الأولى من النسخة الأصل لكتاب أشرف الوسائل

صورة الصفحة الأخيرة من النسخة الأصل لكتاب أشرف الوسائل

جواهر الدرر في مناقب ابن حجر

كتاب جواهر الدّرر في مناقب ابن حجر تصنيف الشّيخ أبي بكر بن محمّد بن عبد الله الشّافعيّ تحقيق أبي الفوارس أحمد بن فريد المزيدي

بسم الله الرّحمن الرّحيم وبه تعالى نستعين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعلى صحبه أجمعين. مقدمة: مناقب الهمام الأجل والحبر الأكمل فريد عصره وأوانه، والمقدم على أقرانه فى زمانه العلامة شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمى. . . نفعنا الله تعالى به والمسلمين أجمعين. . . آمين. الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن على بن حجر الهيتمى، نسبة إلى محلة أبى الهيتم من أقاليم مصر، السّعدى نسبة إلى بنى سعد الموجودين الآن فى مصر، الأنصارى باعتبار المشهور فى بنى سعد المذكورين أنهم من الأنصار، وروى بخطه فى سبب شهرته بابن حجر، أن جدّه لما كان ملازما للصمت فى جميع أحواله لا ينطق إلا لضرورة سمى حجرا!. وكان إمام زمانه وواحد عصره وأوانه يعضد بالفتاوى الدّينية من كل فجّ عميق، وتأتيه المشكلات محفلة فتعود بفتح مبين ووجه طليق. أكرم به من عالم عمّ نفعه، وأصبح أبهى الناس، مرتفع الذكر، فمصنفاته جديرة بأن تكتب بماء العيون، وأن يبذل فى تحصيلها المال والأهل والبنون، ولقد أجاد من قال: إمام إذا عدّ الأكابر خلة … إذا حقق التحقيق واسطة العقد (¬1) يشار إليه بالأصابع هيبة … ويذكر فى أهل العلا أول العدّ ولد-رضى الله عنه-كما شق هو بخطه بمحلة أبى الهيتم بعد انتقال أهله عن بلدهم الأصلية «سلمنت» أواخر سنة تسع وتسعمائة، ومات أبوه وهو صغير فكفله شيخا أبيه الإمامان الكاملان، الشمس ابن أبى الحمائل، وتلميذه الشمس الشنّاوى (¬2)، ثم إن ¬

(¬1) واسطة العقد: هى الدّرّة التى فى وسط العقد وهى أنفس خرزها أو هى الجوهر الذى هو فى وسط القلادة وهو أجودها: (¬2) الشناوى: هو أحمد بن على بن عبد القدوس بن محمد المصرى ثم المدنى، المعروف بالشناوى =

الشناوى نقله إلى الجامع الأزهر أول سنة أربع وعشرين وتسعمائة، وجمعه بعلمائه، فحفظ المنهاج، وقرأ على جماعة أعلام فى الحديث، كالإمام الزّينى عبد الحق السنباطى (¬1) واجتمع مع شيخ الإسلام القاضى (¬2) زكريا وحدثه بالمسلسل بالأوليّة، وأجازه به وبسائر مروياته، ولم يجتمع به قط إلا وقال له: أسأل الله أن يفقهك فى الدّين، وقرأ فى الفقه على جماعة كالنّاصر الطبلاوى، وتاج العارفين أبو الحسن البكرى وفى بقية العلوم على جماعة من المحققين: كالنّاصر اللقانى (¬3)، والشنشورى (¬4)، وابن ¬

= (أبو المواهب)، عالم أديب. ولد فى شوال فى محلة روح من غربية مصر، وتوفى بالمدينة فى 8 ذى الحجة. من تصانيفه: الإرشاد إلى سبيل الرشاد، خلاصة الاختصاص وما للكل من الخواص، إفاضة الجود فى وحدة الوجود: الإقليد فى تجريد التوحيد، وفواتح الصلوات الأحمدية فى لوائح مدائح الذات المحمدية، التأصيل والتفصيل، وله شعر. هدية العارفين للبغدادى (1/ 154،155). معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة (1/ 205). (¬1) السنباطى: هو أحمد بن أحمد بن عبد الحق السنباطى، المصرى، الشافعى (شهاب الدين)، عالم مشارك فى أنواع من العلوم. من تصانيفه: توضيح على رسالة الماردينى فى العمل بالربع المجيب، شرح البسملة لزكريا الأنصارى: روضة الفهوم بنظم نقاية العلوم للسيوطى، ثم شرحه وسماه فتح الحى القيوم بشرح روضة الفهوم والنقاية، إظهار الأسرار الخطية فى حل الرسالة الجيبية، وشرح القصيدة الهمزية فى المدائح النبوية. وتوفى (995 هـ‍-1586 م). كشف الظنون لحاجى خليفة. معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة (1/ 95). (¬2) شيخ الإسلام القاضى زكريا (826 - 926 هـ‍/1423 - 1520 م) هو زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصارى، السنيكى (نسبة إلى سنيكة بليدة من شرقية مصر)، القاهرى الأزهرى الشافعى (زين الدين، أبو يحيى) عالم مشارك فى الفقه والفرائض والتفسير والقراءات والتجويد والحديث والتصوف والنحو والتصريف والمنطق والجدل. ولد بسنيكة، ونشأ بها. ثم تحول إلى القاهرة وتولى القضاء وتوفى بها فى 4 من ذى الحجة من تصانيفه: شرح مختصر المزنى فى فروع الفقه الشافعى، حاشية على تفسير البيضاوى. الدقائق المحكمة فى التجويد: فتح الرحمن فى كشف ما يلتبس فى القرآن. (¬3) ناصر اللقانى: (توفى 958 هـ‍-1551 م): محمد اللقانى، المالكى (ناصر الدين، أبو عبد الله) فقيه، أصولى، صرفى، من آثاره حاشية على شرح جمع الجوامع فى أصول الفقه، وحاشية على شرح التصريف للزنجانى. كشف الظنون لحاجى خليفة. (¬4) محمد الشنشورى (888 - 983 هـ‍/1483 - 1575 م). محمد بن عبد الله بن على الشنشورى المصرى، الشافعى (أبو عبد الله، شمس الدين) فرضى، نسبته إلى شنشور من قرى المنوفية بمصر: وكانت إقامته بالقاهرة. له مؤلفات فى الفرائض وغيرها. شذرات الذهب لابن العماد (8/ 395).

الطحان والشهاب النبطوى، والسيد الخطابى، والشمس المناهلى، والدلجى (¬1)، وابن الصانع، والعبادى (¬2) وغيرهم، حتى أجازوه أواخر سنة تسع وعشرين وتسعمائة بالإفتاء والتدريس والتأليف من غير سؤال منه لذلك. ثم حجّ سنة ثلاث وثلاثين وخطر له أن يؤلف فتوقف حتى رأى الحارث المحاسبى وهو يأمره بالتأليف، ورأى امرأة فى غاية الجمال كشفت له عن أسفل بطنها وقالت: اكتب شرعا ومتنا فكتب سطرا بالأحمر وسطرا بالأسود. فقيل له فى تعبيره: ستظهر مؤلفاتك فاستبشر وشرع فى شرحه الكبير على الإرشاد. ورأى القاضى زكريا بعد وفاته وقد نزع عمامته وألبسه إيّاها قال: فعلمت أن الله يلحقنى به. ثم عاد إلى مصر واختصر الروض وشرحه شرحا استوفى ما فى الجواهر والأسنى، وأكثر شروح المنهاج ثم حجّ سنة سبع وثلاثين وجاوز سنة ثمان، وألحق فى هذا الشرح كثيرا من العباب والتجريد، فشفق به بعض علماء بنى الصديق ابن أخى الجلال الدّوانى. ثم سافر شيخنا الإمام إلى مصر فأرسل البعض المذكور دراهم لتحصيل الشرح المذكور بمصر فسمع بعض الحسّاد له بذلك فاغتنم فرصة وسرقه، وأتلفه ولم نعلم لذلك كيفية وسمع وهو يقول فى حقه: حلله الله وعفا عنه ثم شرع فى تجديد المتن بسائره بالشرح حتى وصل صلاة المسافر وتركه. ¬

(¬1) محمد الدّلجى (860 - 947 هـ‍/1456 - 1540 م). محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الدلجى العثمانى، الشافعى (شمس الدين، أبو عبد الله) محدث مؤرخ، عروضى. ولد بدلجة سنة 860 هـ‍ تقريبا وحفظ القرآن ورحل إلى القاهرة، وقرأ على بعض علمائها ثم رحل إلى دمشق، وأقام بها نحو ثلاثين سنة، وأخذ عن البرهان البقاعى، وبرهان الدين الناجحى والقطب الخيضرى، وناصر الدين بن زريق الحنبلى، وشمس الدين السخاوى، وسافر إلى بلاد الروم واجتمع بسلطانها أبى يزيد، وحج وعاد إلى القاهرة وأخذ عنه جماعة منهم، النجم الغيطى وتوفى بالقاهرة ومن تصانيفه: شرح الرامزة على علمى العروض والقافية لعبد الله الخزرجى، شرح الأربعين النواوية، واختصر المناهج والمقاصد وسماه مقاصد المقاصد وشرحه وتفسير المعوذتين. الكواكب السائرة للغزى. (¬2) العبادى: هو أحمد بن قاسم الصباغ العبادى القاهرى الشافعى الأزهرى يلقب بشهاب الدين ويكنى بأبى العباس، درس بالأزهر وبرع فى علوم العربية والبلاغة، والتفسير، والفقه، والأصول وأهم تصانيفه الشرح الكبير على الورقات.

ثم رجع لمكة، ونوى الاستيطان بها وأتم شرحه على الإرشاد وشرع فى شرح العباب وعوضه الله بتلك المصيبة كتبا تغنى رؤيتها عن الإطناب فى وضعها. ولقد أجاد بعض تلاميذه، حيث قال فى شرح الإرشاد الصغير المسمى (بفتح الجواد): أيا قارئ الإرشاد إن رمت حله … وفهم معانيه وفحوى رموزه فبادر إلى فتح الجوّاد الذى … اعتنى بكشف خباياه وفتح كنوزه ومن مؤلفاته المشهورة: (تحفة المحتاج بشرح المنهاج) المشتمل على ما فى أكثر شروح المنهاج مع أبحاث له لم يسبق إليها وتوجيهات لعبارات المتن يتعيّن الوقوف عليها، وقد حصل له البشارة بقبوله، وذلك أنه أرسله إلى «تريم» بلدة بحضرموت اليمن ففى ليلة اليوم الذى وصلهم الشرح فيه رأى جماعة منهم علماء صالحون، كالسيّد العالم العارف محمد بن حسن بن على العلوى الحسينى، أن الشيخ دخل بلدهم تريم وكان الناس يهرعون إليه وهو يدرس فى جامعهم وهم فرحون بذلك فأصبح الشرح المذكور عندهم فكتبوا بذلك إليه فسرّ به، ووقف تلك النسخة عليهم. ومن مؤلفاته: «قرة العين بأن التبرع لا يبطله الدّين» وذيله «بكشف الغين» ألفه لما تفاقم الأمر بينه وبين الشيخ عبد الرحمن بن عبد الكريم بن زياد فى المسألة لأجلها، وقرة العين له و «بغية المسترشدين» لابن زياد المذكور ولكن نصر الشيخ أئمة أعلاما من علماء اليمن، والقاهرة، والبلد الحرام، وصرّحوا بأن قوله هو الصواب الحق الواضح بلا ارتياب، ونظم حينئذ الشيخ الإمام عزّ الدّين عبد العزيز بن على بن عبد العزيز الزمر فى قصيدة يمدحه بها وهى هذه: جوزيت عن ملّة المختار من مضر (¬1) … خير المجازاة فى الأولى وفى الأخر يا عالم العصر يا خير الزمان ومن … به ازدهى عصرنا هذا على العصر منك المعارف فاضت عذبة ولكم … عذبا زلالا (¬2) معينا فاض من حجر شيّدت أركان دين الله أنت إذا … أولى بتحريره من سائر البشر ¬

(¬1) مضر: قبيلة عربية معروفة. (¬2) الماء الزلال، البارد، وقيل عذب أو صافى خالص، والمراد: أن المعارف تفيض منه متدفقة كما يتدفق الماء البارد العذب من الحجر.

حفطته بشهاب منك متقد (¬1) … يرمى الشياطين دون الحطب بالشرر فى مصر فى الشام فى هند وفى يمن … سارت فتاويك سير الشمس والقمر فمن يساويك فى علم وفى ورع؟! … ومن سواك غبى قاصر النظر لك التصانيف فى الآفاق تنشر بها … رواتها وسواء بها غير منتشر على فوائدها الطلاب قد عكفت … لما حلّت وحوت صفوا بلا كدر حلت لديهم فصارت عندما انتفعوا … بها أعزّ من الأسماع والبصر منها استفدنا علوما عنك قد صدرت … يا حسن موقعها فى الورد والصّدر وأنت مرجعنا فى كل مشكلة … عنها الجواب إذا رمناه لم تحر قدّرت فى قرّة العين المنقّح (¬2) ما … قرّت (¬3) به العين من ألفاظك الدّرر كشفت عن أوجه الحق النقاب (¬4) وقد … أسفرت فى غرّة كزهو (¬5) وفى طرر (¬6) لقد قضت علماء مصر بصحته … ووافقوك على ما فيه من غرر وقرّضوك (¬7) بمدح طوّقوك بما … أبدوه من درر فيه ومن شذر (¬8) فكنت أولهم فتيا وآخرهم … ثنا عليك بمنظوم (¬9) ومنتثر فجمّل الله ذو الجلال بلدتنا … بنشر علمك فى الآصيال والبكر ودمت فى رفعة دهرا وفى دعة … وصحّة منتهاها العمر ¬

(¬1) المتّقد: المتوقد، أى: المتوهج دليل على شدة وقوة ناره وبالغ الأثر الذى سيحدثه. (¬2) المنقح: التنقيح: التهذيب والإصلاح، والمراد: أن كتاب الشيخ له من المكانة العالية التى استطاع بها تهذيب وإصلاح العلة وأن ينحّى عنه كل الخرافات والشوائب. (¬3) النقاب: القناع على مارن الأنف والمقصود الساتر الذى يحجب الحقيقة. (¬4) قرت به العين: أى تقرّ العين من السكون والثبوت دليل السكينة والطمأنينة. (¬5) الزهو: الكبر والتيه والفخر والعظمة. (¬6) الطّرر: الهيئة الحسنة والجمال. (¬7) قرّضوك: يجازوك بالمدح ويمدحوك. (¬8) شذر: الشّذر: قطع من الذهب يلقط من المعدن من غير إذابة الحجارة. (¬9) منظوم: أى الكلام المنظوم وهو الشعر.

وللشيخ عبد القادر بن أحمد الفاكهى قصيدة يمدحه بها منها قوله: لا زلت فينا شهاب الدين نجم يهدى … ترمى الشياطين عن فهم وعن فكر قرّت بك العين إذا قرّرت بهجتها … فى قرّة العين ما يغنى عن الخبر ومن مؤلفاته رضى الله تعالى عنه: «كفّ الرعاع عن محرمات اللهو والسماع» وروى بخطه على ظهر مسودته ما صورته، قال بعض الصوفية: نأخذ من التعبير بالرعاع، أن العارفين لا حكم لنا عليهم وإن سمعوا، ثم كتب تحته «وهو أخذ مقبول»، لأن من تحلى بحقيقة المعرفة يكون مجتهدا فلا يعترض عليه لأن لم يسمع بشهوة تدعوه لمذموم أصلا، وقطعا بخلاف غيره. ومن مؤلفاته رضى الله عنه: «كشف الغين عن أحكام الطاعون وأنه لا يدخل البلدين» ألفّه مستهل رجب سنة ثنتين وسبعين وتسعمائة لمّا سئل أيدخل الطاعون مكة، وسبب ذلك أنه جاءت سفينة من قرب مصر فيها جماعة مطعونون فلما وصلت جدّة طعن كثير من المقيمين بها ثم وصل إليها مكى لأخذ تركة أخيه الميت فى السفينة بالطعن فطعن ومات فذهب أخوه لأخذ تركة أخويه فطعن ومات أيضا. ومن مؤلفاته: منظومة فى أصول الدين، ومنظومة الأجرومية، لكنها لم تتم ولم ير له نظم سواها غير تقريض لبعض تلاميذه على نظمه نقاية السيوطى. وله ثلاثة أبيات فى معنى حديث «الراحمون يرحمهم الرحمن» الأول منها: ارحم هديت جميع الخلق إنك ما … رحمت يرحمك الرحمن فاغتنما والآخران هما: ارحم عباد الله يرحمك الذى … عمّ الخلائق جوده ونواله فالراحمون لهم نصيب وافر … من رحمة الله جلّ جلاله وفتاويه فى خمسة مجلدات أضخمها مجلد «الجامع» المشتمل على علوم عديدة ونفائس فريدة ووجد بخطه ما صورته وكابدت فى أربع سنين بالجامع الأزهر ما لا يطيق الغير مكابدته فى عشرين سنة. ووقعت له وقائع مع معاصريه تعلم من ديباجات بعض مؤلفاته ثم أفضى به الحال معهم إلى الانفراد المطلق بحيث ينشد عند فتواه إذا قالت حزام فصدقوها البيت،

واعترف بكماله وتقدمه المحققون الأعلام مع ما يشاهدونه من أخلاقه الحسنة وتواضعه الكلّى، لا سيما لآل النبى صلى الله عليه وسلم مع الدأب فى التصنيف والإقراء والإفتاء ليلا ونهارا، وكان ابتداء مرضه الذى انتقل فيه فى شهر رجب فترك التدريس نيفا وعشرين يوما ووصى يوم السبت الحادى والعشرين من الشهر المذكور وتوفى ضحى يوم الإثنين الثالث والعشرين منه سنة أربع وسبعين وتسعمائة وحصل للناس من الأسف عليه ما لا يوصف وازدحموا على جنازته يتبركون بحملها حتى كاد يطأ بعضهم بعضا. ورؤى فى أثناء الطريق من نعالهم التى تقطعت حال الازدحام وتركوها شيئا كثيرا ودفن فى المصلاة بالقرب من مصلب ابن الزبير وجعل عليه تابوت من خشب. ورثاه الشيخ عبد القادر الفاكهى بمرثيتين كبرى وصغرى فمن الكبرى قوله: فيالك شيخا لا يضاهى مصابه … وقد كان بحرا تستقى غيثه السّحب به أقلت شمس العلوم بمكة … ويا عجبا شمس يحيط به الترب وقد جرّ ذيل العلم قبل مماته … على جهة العلياء إذ يشرق السّحب ومنها قوله: ويا عجبا للطّيّب وهو مطيّب … بطيب تصانيف تسير بها النّجب تصانيف علم زاد فى الكمّ عدّها … على السّبع والسّبعين حرّرها الحسب وكيف وطلاب العلوم بها غدت … شفاف (¬1) كعيس (¬2) ساقها الشوق والخصب فمن لدروس العلم بعد ندارسه … وتقرير أبحاث تضمنها الكتب ومن لفتاوى فى الأقاليم سيرها … تحث لها نجب ويجليها جلب ومن لعباب (¬3) العلم بعد مغاضن (¬4) … على در فى الشرح يسعى لها العرب ¬

(¬1) شفافا: الشفوف: نحول الجسم من الهم والوجد. (¬2) العيس: الإبل والمراد أن طلاب العلم لن يجدوا من يعلمهم فيصيبهم الهم والنحول شوقا إلى العلم، كما يصيب الإبل الهم والنحول عندما يزيد عليها الشوق. (¬3) العباب: أول الشىء أو معظمه، والمقصود معظم العلم. (¬4) مغاضن: الغضون هو كل تثنّ فى ثوب أو جلد والمغاضن هو الذى ينحنى وينثنى حتى يصل إلى النهاية أو الذى يقوّم الغضون والتثنى، والمراد: أن الممدوح يحاول اختراق أصعب المسائل للوصول إلى حلها.

ومن لحديث المصطفى بعد شرحه … أحاديث مشكات لفانوسها تصبو فيبكيه أحجار الحطيم وزمزم … ويبكيه بيت الله يحمه الركب ويفقده المقرئ لإرشاد غيّه (¬1) … ومنهاج محيى الدين يوحشه النّدب ولو جاز أن يبقى كريما مخلدا … لكان رسول الله والسادة الصّحب فيا معشر الإخوان عصبة شيخنا … تأسوا فإن البعد سهلة القرب ومن الصغرى قوله: الله أكبر شن الموت غارته … وخط خطى عسالاته الذبل وسل صارمه الهندى من غمد … وجال فينا مجال الفارس البطل وأرسل السّهم فى الأحشاء منحدرا … إلى القلوب فأدناها إلى الأجل وصال بالنفع فى حضر الجياد على … فريد أهل التقى والعلم والعمل فهدّ ركنا مشيّدا لا نظير له … بأرض مكة فى الفتوى بلا بدل وصير الناس فوضى لا شهاب لهم … هذا يقول من المفتى علىّ ولى بموت رب الهدى والعلم أحمد من … سارت فتاويه سير الشمس فى الحمل وحلّ تصنيفه فى النّفع مثل ضيا … شمس الظهيرة فى داج من السّبل يا نعم شرح عباب فاض كوثره … للواردين كفيض البحر لا الوشل ونعم شرح لمنهاج به شففت … نفس الأفاضل فى حل ومرتحل رؤى له بعد موته منامات دلت على عظم منزلته وعلوّ درجته، منها: رؤى عن بعض تلاميذه قال: رأيته جالسا فى المسجد الحرام يدرّس كعادته ونحن حوله فاستشعرت أنه قد مات فكيف يدرس وهو ميت فرفع رأسه إلىّ قائلا: هذه عادتنا ما ننساكم. ورآه بعض جماعاته فسأله عن حاله فقال: نحن فى عليين، وكفى بأبحاثه الجمة وتوليدات أفكاره المهمة كرامات وخوارق عادات. وقد صرح الإمام البلقينى بأنها تعظم من كرامات الصوفى لأنها تدوم ويتعدد نفعها ¬

(¬1) غيه: الضلال.

بخلاف تلك. انتهى. ملخصات من ترجمته لتلميذه الشيخ أبى بكر بن محمد بن عبد الله أبا عمرو رحمه الله تعالى والحمد لله رب العالمين. تمت المناقب (¬1) وكتبه أحمد فريد أحمد المزيدى الشافعى السلفى ليسانس الحديث جامعة الأزهر ¬

(¬1) والكتاب من محفوظات دار الكتب المصرية، تحت رقم (274) تاريخ تيمور، ميكرو فيلم (28217)، وعدد صفحاته 10 صفحات، بخط نسخ واضح.

أشرف الوسائل إلى فهم الشّمائل تصنيف العالم العلاّمة شهاب الدّين أحمد بن حجر الهيتميّ المتوفّى سنة 974 هـ‍

تنبيه بيان المقصود بالرموز الواردة بالشرح

تنبيه بيان المقصود بالرموز الواردة بالشرح ح/حينئذ وح/وحينئذ آه/استئناف، أو-أنه

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه عجالة نلقها على مشكل شمائل الإمام الحافظ أبى عيسى محمد بن سورة- بفتح المهملة فسكون-أصلها الغدة الحدة، الترمذى نسبة لترمذ (¬1) بفوقية مثناة ثم ميم مكسورة أو مضمومة فمعجمة-مدينة بطرف جيحون، وهو نهر بلخ، لما قرئ علىّ فى رمضان من سنة تسع وأربعين وتسعمائة (¬2) بالمسجد الحرام المكرم، وسميتها: أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل، أسأل الله قبولها. . آمين. ... ¬

(¬1) انظر: معجم البلدان للحموى (2/ 31). (¬2) أى قبل وفاة المصنف باثنين وعشرين سنة رحمه الله.

1 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

1 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ قال رحمه الله: (باب ما جاء فى الأحاديث الواردة) وبه علم، ذكر ما جاء هنا، وفى بقية الأبواب، إذ هى إنما وضعت لذلك لا لذات الخلق مثلا (فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو بالفتح: التقدير والإيجاد، وقيل: هو فى الإيجاد فجاز، وإن استعمل فيه كثيرا والمراد هنا اسم المفعول، الذى هو هيئة الإنسان الظاهرة فالإضافة للبيان، وبقولنا الذى. . . إلى آخره اندفع ما يقال: إضافة البيان لا تصح هنا! لأنها التى بمعنى «من» وشرطها: أن يكون الأول بعض الثانى، وأن يصح الإخبار به عنه، وقدم الكلام فيه عليه فى الخلق- بضمتين، أو ضم فسكون-وإن كان أولى بالتقديم من حيث أن الكلام فيه أظهر وأتم، إذ هو الطبع والسجية وحقيقة الصورة الباطنة من النفس وأوصافها ومعانيها المختصة بها، ومن ثم سمى هذا الكتاب بالشمائل: جمع شمال، وهو بالكسر: الطبع، فقلب نظرا إلى شرفه، لا بالفتح والهمزة، لأنه مرادف للمكسور الذى هو الريح غير المناسب لما نحن فيه، وذلك لسبق الأول طبعا، فقدم وضعا، رعاية لترتيب الوجود، لأنه كالدليل على الثانى، فاعلم أن من تمام الإيمان به صلى الله عليه وسلم: اعتقاد أنه لم يجتمع فى بدن آدمى من المحاسن الظاهرة، ما اجتمع فى بدنه صلى الله عليه وسلم، وسر ذلك أن المحاسن الظاهرة آيات على المحاسن الباطنة، والأخلاق الزكية، ولا أكمل منه، بل ولا مساو له فى هذا المدلول، فكذلك فى الدّال، ومن ثمّ نقل القرطبى عن بعضهم: أنه لم يظهر تمام حسنه صلى الله عليه وسلم، وإلا لما طاقت الصحابة النظر إليه. واعلم أن الكلام على خلقه صلى الله عليه وسلم يستدعى الكلام على ابتداء وجوده، فاحتيج إلى ذكره، وإن أغفله المصنف-رحمه الله-وملخصه: أنه صح فى مسلم (¬1) [أنه قال] (¬2): إن الله قد كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء، ومن جملة ما كتب فى الذّكر وهو أمّ الكتاب أن محمدا خاتم النبيين. وصحّ أيضا «إنى عبد الله فى أمّ الكتاب ¬

(¬1) رواه مسلم فى القدر (2643)، باب كيفية الخلق الآدمى فى بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله، وشقاوته وسعادته (4/ 2036،2042). (¬2) الزيادة من النسخة (ش).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل فى طينته» (¬1) أى: طريحا ملقى قبل نفخ الروح [فيه] (¬2)، وصح أيضا: يا رسول الله متى كنت نبيا؟ فقال: «وآدم بين الروح والجسد» ويروى: «كتبت»: من الكتابة، وخبر «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين» (¬3). ¬

(¬1) رواه أحمد فى «المسند» (4/ 127،128)، وابن أبى عاصم فى «المسند» (1/ 179)، وابن سعد فى «الطبقات الكبرى» (1/ 96)، والطبرانى فى «الكبير» (18/ 252)، (629،630)، والحاكم فى «المستدرك» (2/ 418)، والبيهقى فى «الدلائل» (1/ 80،81)، وأبو نعيم فى «الدلائل» (ص 22،23)، وفى حلية الأولياء (6/ 89). قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى. وقال الهيثمى فى «مجمع الزوائد» (8/ 223): رواه أحمد بأسانيد، وأحد رجالها رجال الصحيح غير سعيد بن سويد وقد وثقه ابن حبان، قلت: ولم يجرحه أحد من علماء الجرح والتعديل. (¬2) الزيادة من النسخة (ش). (¬3) ذكره السيوطى فى «الدرر» (126)، والكنانى فى «التنزيه» (2/ 341)، والعجلونى فى «كشف الخفاء» (2/ 129) وقال: قال الحافظ ابن حجر فى بعض أجوبته عن الزيادة: أنها ضعيفة والذى قبلها أقوى، وقال الزركشى: لا أصل له بهذا اللفظ، وقال السيوطى: وزاد العوام: ولا آدم ولا ماء ولا طين، لا أصل له أيضا. وقال القارئ: فى تذكرة الموضوعات (ص 86): يعنى بحسب مبناه وإلا فهو صحيح باعتبار معناه. فائدة: قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية قدس الله روحه: وأما ما يرويه هؤلاء الجهال: كابن عربى فى الفصوص وغيره من جهال العامة «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين»، «كنت نبيا ولا آدم لا ماء ولا طين». فهذا لا أصل له ولم يروه أحد من أهل العلم الصادقين، ولا هو فى شىء من كتب العلم المعتمدة بهذا اللفظ بل هو باطل! فإن آدم لم يكن بين الماء والطين قط، فإن الله خلقه من تراب، وخلط التراب بالماء حتى صار طينا، وأيبس الطين حتى صار صلصالا كالفخار، فلم يكن له حال بين الماء والطين مركب من الماء والطين، ولو قيل: بين الماء والتراب لكان أبعد عن المحال، مع أن هذه الحال لا اختصاص لها، وإنما قال: «بين الروح والجسد» وقال: «وإن آدم لمنجدل فى طينته» لأن جسد آدم بقى أربعين سنة قبل نفخ الروح فيه كما قال الله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى اَلْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ اَلدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً الآية. . . وقال أيضا: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ الآيتين. وقال تعالى: اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ اَلْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ الآيتين، وقال تعالى: إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. الآية، والأحاديث فى خلق آدم ونفخ الروح فيه مشهورة فى كتب الحديث والتفسير وغيرهما. وانظر بقية كلامه فيما يتعلق بالمسألة: مجموع الفتاوى (2/ 147،148).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال بعض الحفاظ: لم نقف عليه بهذا اللفظ، وحسّن المصنف خبر: يا رسول الله متى وجبت لك النبوة؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد» (¬1) ومعنى وجوب النبوة وكتابتها ثبوتها وظهورها فى الخارج نحو: كَتَبَ اَللهُ لَأَغْلِبَنَّ (¬2)، كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلصِّيامُ (¬3) والمراد: ظهورها للملائكة أى: ظهور النبوة، وروحه صلى الله عليه وسلم مبتدأ، فى عالم الأرواح خبره، والجملة قال: إعلاما لعظم شرفه وتميزه على بقية الأنبياء كما يأتى، وخصّ الإظهار بحالة كون آدم بين الروح والجسد لأنه أوان دخول الأرواح إلى عالم الأجساد والتمايز حينئذ أتم وأظهر فاختص النبى صلى الله عليه وسلم بزيادة إظهار شرفه بتميزه على غيره تمييزا أعظم وأتم. وأجاب الغزالى عن وصف نفسه بالنبوة قبل وجود ذاته عند (¬4) خبر «أنا أول الأنبياء خلقا وآخرهم بعثا» بأن المراد بالخلق هنا التقدير لا الإيجاد فإنه قبل أن تحمل به أمه لم يكن مخلوقا موجودا، ولكن الغايات والكمالات سابقة فى التقدير لاحقة فى الوجود فقوله: «كنت نبيا» أى فى التقدير قبل تمام خلقة آدم، إذ لم ينشأ إلا لينتزع من ذريته محمد صلى الله عليه وسلم وتحقيقه: أن للدار فى ذهن المهندسين وجودا ذهنيا سببا للوجود الخارجى وسابقا عليه، فالله يقدر ثم يوجد على وفق التقدير ثانيا انتهى ملخصا، وذهب السبكى إلى ما هو أحسن وأبين، وهو أنه جاء: أن الأرواح خلقت قبل الأجساد فالإشارة «بكنت نبيا» إلى روحه الشريفة، أو حقيقة من حقائقه ولا يعلمها إلا الله، ومن حباه بالاطلاع عليها ثم إنه تعالى يؤتى كل حقيقة منها ما شاء فى أى وقت شاء، فحقيقته صلى الله عليه وسلم قد تكون من حين خلق آدم أتاها الله ذلك الوصف بأن خلقها متهيئة له وأفاضه عليها من ذلك الوقت فصار نبيا، وكتب اسمه على العرش لتعلم ملائكته وغيرهم كرامته عنده (¬5) فحقيقته موجودة فى ذلك الوقت، وإن تأخر جسده الشريف المتصف ¬

(¬1) رواه أبو بكر بن أبى شيبة فى «المصنف»، (14/ 292)، وابن سعد فى «الطبقات» (1/ 118)، والبخارى فى «التاريخ الكبير» (7/ 374)، والحاكم فى «المستدرك» (2/ 209). (¬2) سورة المجادلة: آية (21). (¬3) سورة البقرة: آية (183). (¬4) فى (ش): [وعن]. (¬5) فى الأصل: (أ) [هذه] وما أثبت من (ش).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بها، فحينئذ إتيانه النبوة والحكمة وسائر أوصاف حقيقته وكمالاتها كلها معجل لا تأخّر فيه، وإنما المتأخر تكوّنه وتنقّله فى الأصلاب والأرحام الطاهرة إلى أن ظهر صلى الله عليه وسلم. ومن فسر ذلك بعلم الله بأنه سيصير نبيا لم يصل لهذا المعنى لأن علمه تعالى محيط بجميع الأشياء، فالوصف بالنبوة فى ذلك الوقت ينبغى أن يفهم منه أنه أمر ثابت له فيه، وإلا لم يختص بأنه نبى حينئذ، إذ الأنبياء كلّهم كذلك بالنسبة لعلمه تعالى، وأخرج ابن سعد، عن الشّعبى: متى استنبئت يا رسول الله؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد، حين أخذ منى الميثاق» (¬1) وهو يدل على أن آدم لما صور طينا، استخرج منه محمدا صلى الله عليه وسلم، ونبئ وأخذ منه الميثاق، ثم أعيد إلى ظهره ليخرج أوان وجوده فهو أولهم خلقا، وخلق آدم السابق كان مواتا لا روح فيه، وهو صلى الله عليه وسلم كان حيا حين استخرج ونبئ وأخذ منه الميثاق، ولا ينافى هذا أن استخراج ذرية آدم، إنما كان بعد نفخ الروح فيه، لأنه صلى الله عليه وسلم خصّ من بين بنى آدم بذلك الاستخراج الأول، وفى تفسير العماد ابن كثير عن على وابن عباس رضى الله عنهم فى قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اَللهُ مِيثاقَ اَلنَّبِيِّينَ. . . (¬2) الآية، أن الله لم يبعث نبيا إلا أخذ عليه العهد فى محمد صلى الله عليه وسلم: لئن بعث وهو حى ليؤمنن به ولينصرنه، ويأخذ العهد بذلك على قومه، وأخذ السبكى من الآية أنه على تقدير مجيئه فى زمانهم مرسل إليهم فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق من آدم، إلى يوم القيامة، وتكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته فقوله: «وبعثت إلى الناس كافّة» (¬3) يتناول من قبل زمانه أيضا وبه يتبين معنى «كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد» (¬4) وحكمة كون الأنبياء فى الآخرة تحت لوائه، وصلاته بهم ليلة الإسراء (¬5). ¬

(¬1) تقدم تخريجه. (¬2) سورة آل عمران: آية (81). وانظر: تفسير الحافظ ابن كثير (1/ 378). (¬3) رواه أحمد فى «المسند» (3/ 304)، والطبرانى فى «الكبير» (12/ 413)، وابن سعد فى «الطبقات» (1/ 284)، وأبو عوانة فى «المسند» (1/ 396)، والبيهقى فى «السنن» (2/ 433). (¬4) رواه أبو بكر بن أبى شيبة فى «المصنف» (14/ 292)، وابن سعد فى «الطبقات» (1/ 95)، (7/ 41)، والبخارى فى «التاريخ الكبير» (7/ 374)، والحاكم فى «المستدرك» (2/ 609)، وصححه ووافقه الذهبى. (¬5) انظر فى ذلك: سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد لمحمد بن يوسف الصالحى (1/ 108، 109) وقد ذكر قول الإمام السبكى ومما أفاد به على ما نقله المصنف من كلام السبكى قال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى عبد الرزاق فى مسنده (¬1) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله خلق نور محمد قبل الأشياء من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله، ولم يكن فى ذلك الوقت لوح ولا قلم. .» الحديث بطوله. واختلفوا فى أول المخلوقات بعد النور المحمدى، فقيل: العرش لما صحّ من قوله صلى الله عليه وسلم: «قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ¬

= ولو اتفق مجيئه فى زمن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وجب عليهم وعلى أممهم الإيمان به صلى الله عليه وسلم ونصرته. وبذلك أخذ الله الميثاق عليهم. فنبوته صلى الله عليه وسلم ورسالته إليهم معنى حاصل له، وإنما الأمر يتوقف على اجتماعهم معه، فتأخر الأمر راجع إلى وجودهم لا إلى عدم اتصافه بما يقتضيه. وفرق بين توقف الفعل على قبول المحلّ وتوقّف أهلية الفاعل، فهنا لا توقف من جهة الفاعل ولا من جهة ذات النبى صلى الله عليه وسلم الشريفة، وإنما هو من جهة وجود العصر المشتمل عليه، فلو وجد فى عصرهم لزمهم اتباعه بلا شك، ولهذا يأتى عيسى عليه السلام فى آخر الزمان على شريعته صلى الله عليه وسلم وهو نبى كريم، لا كما يظنّ بعض الناس أنه يأتى واحدا من هذه الأمة، نعم هو واحد من هذه الأمة لما قلنا من اتباعه للنبى صلى الله عليه وسلم، وإنما يحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن والسنة، فكل ما فيهما من أمر ونهى فهو متعلق به كما يتعلق بسائر هذه الأمة، وهو نبى كريم على حاله لم ينقص منه شىء، ولذلك لو بعث النبى صلى الله عليه وسلم فى زمانه أو زمان موسى وإبراهيم ونوح وآدم كانوا مستمرين على نبوتهم ورسالتهم إلى أممهم. والنبى صلى الله عليه وسلم نبى الله ورسوله إلى جميعهم، فنبوته ورسالته أعم وأشمل وأعظم، ويتفق مع شرائعهم فى الأصول لأنها لا تختلف وتقدم شريعته فيما عساه يقع الاختلاف فيه من الفروع إما على سبيل التخصيص وإما على سبيل النسخ أو لا نسخ ولا تخصيص بل تكون شريعة النبى فى تلك الأوقات بالنسبة إلى تلك الأمم مما جاءت به أنبياؤهم، وفى هذا الوقت بالنسبة إلى هذه الأمة الشريفة، والأحكام تختلف باختلاف الأشخاص والأوقات. انتهى كلامه رحمه الله-أى: السبكى. (1/ 109،110) قلت: وقد أورد الصالحى حديثا عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: «ما بعث الله تعالى نبيا قط إلا أخذ عليه العهد: لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهو حىّ ليؤمننّ به ولينصرنّه، أمره بأخذ الميثاق على أمته إن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحياء ليؤمننّ به ولينصرنه» وقال: رواه البخارى فى صحيحه كما نقله الزركشى فى شرح البردة، والحافظ ابن كثير فى تاريخه، وأول كتابه جامع المسانيد، والحافظ فى الفتح فى باب حديث الخضر مع موسى ولم أظفر به فيه، ورواه ابن عساكر بنحوه. اه‍، وانظر: «سبل الهدى والرشاد» (1/ 108،109، 110). (¬1) الحديث غير موجود بالمصنف لعبد الرزاق، ومسنده مفقود فيما أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان عرشه على الماء» (¬1) وصح «أول ما خلق الله القلم قال له اكتب قال: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شىء» (¬2) لكن صحّ فى حديث مرفوع: «أن الماء خلق قبل العرش» فعلم أن أول الأشياء على الإطلاق النور المحمدى، ثم الماء، ثم العرش، ثم القلم لما علمت من حديث «أول ما خلق الله القلم» (¬3) مع ما قبله (¬4) الدالين على أن التقدير وقع عند خلق القلم (¬5)، فذكر الأولية فيه بالنسبة لما بعده، وورد «لما خلق الله آدم، جعل ذلك النور فى ظهره فكان يلمع فى جبينه، ولما توفى كان ولده شيث وصيّه، فوصّى ولده بما أوصاه به أبوه، أن لا يوضع هذا النور إلا فى المطهرات من النساء» ولم يزل العمل بهذه الوصية إلى أن وصل ذلك النور إلى عبد الله مطهرا من سفاح الجاهلية، كما أخبر صلى الله عليه وسلم عن ذلك فى عدة أحاديث، ثم زوّج عبد المطلب ابنه عبد الله بآمنة بنت وهب وهى يومئذ أفضل امرأة فى قريش نسبا وموضعا، فدخل بها، وحملت بمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم ظهر فى حمله ومولده عجائب تدل لما يؤول إليه أمر ظهوره ورسالته، وقد أكثر الناس من الأخبار والآثار الموضوعة، والشديدة الضعف، فيما يتعلق بحمله ومولده ورضاعه وغيرها، ولم يصح فى ذلك إلا أخبار قليلة كقوله صلى الله عليه وسلم من جملة حديث، وأن أمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورا أضاء لها قصور الشام (¬6)، وخصت بذلك لأنها خيرة الله من أرضه. كما فى حديث صحيح «فهى أفضل الأرض» (¬7) أى بعد الحرمين وأول إقليم ظهر فيه ملكه صلى الله عليه وسلم، وكولادته مختونا، فإن ¬

(¬1) رواه مسلم فى «القدر» (2653)، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، من حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص (4/ 2044). (¬2) رواه أبو داود فى السنة (4700)، ورواه أيضا الترمذى (2155،3319)، والإمام أحمد فى «المسند»، (5/ 317) من حديث عبادة بن الصامت رضى الله عنه. (¬3) رواه ابن أبى عاصم فى السنة (1/ 48،49)، البخارى فى التاريخ (1809) عبادة (6،92) والحاكم فى المستدرك (454)، (2/ 492) وأبو نعيم فى الحلية (7/ 318) بلفظ العقل. والبغدادى فى تاريخ بغداد (13،40) والطبرى فى التاريخ (1/ 33). (¬4) فى (ش) ما بعده. (¬5) فى (ش) [وقع بعد العرش]. (¬6) رواه أحمد فى «المسند» (4/ 127)، وابن سعد فى «الطبقات» (1/ 96) من حديث العرباض بن سارية. (¬7) روى الطبرانى فى «المعجم الكبير» (7718)، (8/ 201)، والحاكم فى «المستدرك» (4/ 509) =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الضياء فى «مختاره» صححه، وقال الحاكم: تواترت [به] (¬1) الأخبار لكن تعقبه الذهبى، فقال: لا أعلم صحة ذلك، فكيف يكون متواترا؟ ويؤيده إقرار الزّين العراقى تضعيف خيرة (¬2) أحاديث ولادته مختونا. واختلف فى عام ولادته، فالأكثرون: أنه عام الفيل، وحكى الاتفاق عليه، والمشهور: أنه بعده بخمسين يوما وقيل: بأربعين، وقيل: بعشر سنين، وقيل: غير ذلك ثم الجمهور على أنه ولد فى شهر ربيع الأول، فقيل: ثانيه، وقيل: ثالثه، وانتصر له كثيرون قيل: وهو اختيار [أكثر] (¬3) المحدثين، وقيل: عاشره، وقيل: ثانى عاشره، وهو المشهور، وقيل: غير ذلك، ولم يكن بالأشهر الحرم، ولا بيوم الجمعة، إشارة إلى أنه لا يتشرف بالزمان، بل الزمان هو الذى يتشرف به، فلو ولد فى ذلك لتوهم أنه صلى الله عليه وسلم يتشرف بذلك الزمان الفاضل، ثم الأصح بل الصواب، لصحة حديثه فى مسلم (¬4) أنه ولد فى يوم الإثنين، وهو صريح فى أنّه ولد نهارا أى عقيب الفجر، كما فى رواية ضعيفة (¬5)، ومن ثمة قال البدر الزركشى: الصحيح أنه ولد نهارا، وتضعيف ابن دحية ¬

= بسنده عن أبى أمامة الباهلى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «الشام صفوة الله من بلاده يسوق إليها صفوة عباده من خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه ومن دخل من غيرها فبرحمته» وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه. وردّ عليه الذهبى: كلاّ، وعفير هالك. وقال الهيثمى فى «مجمع الزوائد» (1/ 59): وفيه عفير بن معدان وهو ضعيف. ورواه الطبرانى أيضا عن أبى أمامة الباهلى (7796)، (8/ 229) بلفظ: «صفوة الله من أرضه الشام، وفيها صفوته من خلقه وعباده وليدخلن الجنة من أمتى ثلة لا حساب عليهم ولا عذاب» مرفوعا، وقال الهيثمى فى «الزوائد» (10/ 59): وفيه عبد الله بن عبيد الله الحمصى وهو ضعيف، قلت: وقد ذكر الحافظ المنذرى فى «الترغيب والترهيب» (4/ 59،63) أحاديث فى فضل الشام. (¬1) ما بين [] ليس فى (أ). (¬2) فى (ش) [عدة]. (¬3) الزيادة من (ش). (¬4) رواه مسلم فى «الصيام» (197)، وأبو داود (2426)، والإمام أحمد فى «مسنده» (2/ 200، 230) عن أبى قتادة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن يوم الإثنين فقال: «ذاك يوم ولدت فيه»، أو قال: «أنزل علىّ فيه». (¬5) ذكرها الصالحى فى «سبل الهدى والرشاد» (1/ 401) قال: وروى الزبير بن بكار، وابن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية سقوط النجوم عند مولده بذلك غير صحيح، لأن سقوطها خارق للعادة، فلا فرق فيه بين الليل والنهار أى على أنه بعد الفجر، وللنجوم سلطان كما فى الليل فلا ينافى سقوطها، ثم هل مدة حمله تسعة أشهر، أو عشرة أو ثمانية، أو سبعة، أو ستة؟ أقوال، قيل وولد صلى الله عليه وسلم بعسفان، والصحيح بل الصواب: بمكة بمولده المشهور الآن، وهو الأصح، وقيل: بالشعب، وقيل: بالردم (¬1)، ثم أرضعته حليمة، والمشهور: موت أبيه بعد حمله بشهرين، ودفن بالمدينة عند أخواله بنى النجار، وقيل: وهو فى المهد، وماتت أمه ودفنت بالأبواء، وقيل: بالحجون، ويدل عليه خبر إحيائها له حتى آمنت به وإن كان فيه ضعف، لا وضع، خلافا لمن زعمه على أن بعض متأخرى الحفاظ صححه، وهل ماتت بعد أربع سنين، أو خمس، أو ست، أو سبع، أو تسع، أو اثنى عشر شهرا، أو عشرة أيام؟ أقوال، ومات جدّه كافله عبد المطلب، وله ثمان سنين، أو تسع أو عشر، أو ست، أقوال، ثم كفله عمه شقيق أبيه: أبو طالب، ثم بعد ثنتى عشرة سنة خرج به إلى الشام، فرآه ببصرى بحيرا الراهب فأخذ بيده، وقال: هذا سيد العالمين، وهذا يبعثه الله رحمة للعالمين. واستدل بأنهم لما أشرفوا به من العقبة، لم يبق شجر، ولا حجر إلا خرّ ساجدا، ولا يسجد إلا لنبى، وبأن بين كتفيه خاتم النبوة، وأمر عمه برده خوفا عليه من اليهود، رواه ابن أبى شيبة (¬2)، وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم أقبل وعليه غمامة تظلّه، ثم خرج ومعه ميسرة غلام خديجة، وعمره خمس وعشرون سنة إلى بصرى تاجرا لها، ثم تزوجها بعد ذلك بنحو ¬

= عساكر عن معروف بن خربوذ رحمه الله قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين حين طلع الفجر. وقال الحافظ أبو الفضل العراقى فى المورد: الصواب أنه صلى الله عليه وسلم ولد فى النهار، وهو الذى ذكره أهل السير وحديث أبى قتادة مصرح به. (¬1) انظر: «سبل الهدى والرشاد» (1/ 408) ذكر الأقوال الأربعة فى مكان ولادته صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة. (¬2) رواه أبو بكر بن أبى شيبة فى «المصنف» (8/ 435) ط دار الفكر، من حديث طويل عن أبى بكر بن أبى موسى عن أبيه قال: خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب. . . فذكر القصة.

قال الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذى: 1 - أخبرنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد، عن مالك بن أنس، عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن، عن أنس بن مالك، أنه سمعه يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطّويل البائن، ولا بالقصير، ولا بالأبيض الأمهق، ولا بالآدم، ولا بالجعد القطط، ولا بالسّبط، بعثه الله تعالى على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفّاه الله على رأس ستين سنة، وليس فى رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء». ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاثة أشهر وعمرها أربعون سنة، [وهدمت قريش الكعبة، وعمره خمس وثلاثون سنة] (¬1) وكان ينقل معهم الحجارة، ثم لّما بلغ أربعين سنة، أو أربعين يوما، أو شهرين بعثه الله رحمة للعالمين يوم الإثنين لخبر مسلم فى رمضان، وقيل: فى ربيع فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشر سنين كما سيأتى. 1 - (أخبرنا) هو كأنبأنا وحدثنا بمعنى واحد، عند مالك والبخارى ومعظم الحجازيين، والكوفيين، ومذهب الشافعى-رضى الله عنه-، وجمهور المشارقة مثله، وأكثر المحدثين، واختار مسلم أن حدثنا: لما سمع من الشيخ خاصة، وهو الأعلى وأخبرنا: لما قرئ عليه وأما أنبأنا فيكون فى الإجازة، فهو أدنى مما قبله، ومما اعتيد غالبا فى الرسم: ثنا: لحدثنا، ونا: لأخبرنا وأنبأ: لأنبأنا. واعلم أن أخبر: لازم يتعدى للمخبر عنه، وللمخبر به بالهاء، وكثيرا ما يتضمن معنى الإعلام، فيستعمل استعماله، والمخبر به هنا بسماع ربيعة لقول أنس رضى الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . إلخ» وعند مالك وأنس، والمجرور بعن يتعلق بناقلا، دل عليه السياق حال من قتيبة، والمعنى أخبرنا قتيبة بسماع ربيعة المذكور حال كون قتيبة ناقلا لذلك السماع عن مالك بلا ¬

1 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى «المناقب» (3548)، وفى «اللباس» (5900)، ومسلم فى «الفضائل» (2347)، ومالك فى «الموطأ» (2/ 701)، وعنه محمد بن الحسن فى «موطئه» (947)، وأحمد فى «المسند» (3/ 240)، والبيهقى فى «دلائل النبوة» (7/ 236)، كلهم من طريق ربيعة بن أبى عبد الرحمن به فذكره. (¬1) ما بين [] سقط من (ش).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واسطة، وعن ربيعة بواسطة مالك، ووقع هنا لبعضهم خبط وزلل، فاحذره، [وأنه إلى آخره، هذا من مفعولى حدث لاقتضائه ثلاث مفاعيل] (¬1)، سمعه أى: ربيعة أنسا، و (يقول) بدل أو حال كما سيأتى مبسوطا فى باب خاتم النبوة (كان) لا تفيد التكرار، كما نقله فى شرح مسلم عن المحدثين (¬2) أو الأكثرين من الأصوليين، وقال ابن الحاجب: تفيده، وكذا ابن دقيق العيد، لكن قال: عرفا، وهو واضح، وليس المراد أنها تفيد مطلقا، بل فى مقام يقبل ذلك، وتكلفّ بعضهم لإفادتها له [هنا] (¬3) بما يمجه السامع. (ليس) رجح ابن الحاجب: أنها [هنا] (3) لنفى مضمون الجملة فى الماضى فعليه تكون لحكاية حال ماضية قصد بها دوام نفيها (¬4)، ورجح غيره: أنها لنفى مضمونها حالا، وهو المناسب هنا. (بالطويل البائن) بالهمز ووهم من جعله بالياء أى المفرط طولا مع اضطراب القامة. (ولا بالقصير) بل كان إلى الطول أقرب، كما رواه البيهقى، ويوافقه خبر البراء. «كان ربعة وهو إلى الطول أقرب» (¬5)، وخبر عبد الله ابن الإمام أحمد «ليس بالذاهب طولا وفوق الربعة» (¬6) ولا ينافى ذلك وصفه بالربعة فى الخبر الآتى لأنها أمر نسبىّ، بدليل خبر البيهقى وغيره، عن عائشة، وكان ينسب إلى الربعة أى لأن من وصفه بالربعة أراد الأمر التقريبى، ولم يرد التحديد ومن ثم قال ابن أبى هالة: «كان أطول من المربوع وأقصر من المشذّب» (¬7) بمعجمتين مفتوحتين ثانيهما مشددة، وهو البائن الطول فى نحافة، وهو موافق للخبر الآتى «لم يكن بالطويل الممغط» (¬8) ولا ينافى ذلك ¬

(¬1) ما بين [] ليس فى (ش). (¬2) فى (ش): [المحققين]. (¬3) الزيادة من (ش). (¬4) انظر: شرح الكافية الشافية لابن مالك الطائى (1/ 421). (¬5) رواه البيهقى فى «الدلائل» (1/ 250) من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه. وقال: رواه البخارى فى الصحيح عن ابن بكير، عن الليث قلت: هو جزء من حديث طويل. فى المناقب (3547). (¬6) مسند أحمد (2/ 424)، من حديث على رضى الله عنه وذكره الهيثمى فى «مجمع الزوائد» (8/ 272) وقال: رواه عبد الله بإسنادين فى أحدهما رجل لم يسم، والآخر من رواية يوسف ابن مازن عن على وأظنه لم يدرك عليا والله أعلم. (¬7) حديث هند بن أبى هالة رواه المصنف فى شمائله هنا حديث رقم (7). (¬8) رواه الترمذى فى المناقب (3638) (5/ 599)، والبيهقى فى دلائل النبوة (1/ 270) وسيرد فى المصنف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كله وصفه بالمتردد فى الخبر الآتى خلافا لمن وهم فيه، لأن الربعة قد يسمى قصيرا مترددا بالنسبة للطول. وورد عند البيهقى، وابن عساكر: «لم يكن يماشيه أحد من الناس، إلا طاله صلى الله عليه وسلم، ولربما اكتتفه الرجلان الطويلان فيطولهما، فإذا فارقاه نسب صلى الله عليه وسلم إلى الربعة» وفى خصائص ابن سبع: «كان إذا جلس يكون كتفه أعلى من الجالس». (ولا بالأبيض الأمهق) أى الشديد البياض الخالى عن الحمرة والنور كالجص، بل بياضه مشرب بحمرة كما فى روايات أخر يأتى بعضها، وهذا هو المراد بما عند مسلم عن أنس: «كان أزهر اللون» (¬1)، وبما عنده أيضا: «كان أبيض مليح الوجه» (¬2) وبما عند المصنف كما يأتى: «كان أبيض مليحا» ورواية: «أمهق ليس بأبيض» مقلوبة، أو وهم كما قاله القاضى عياض، أو موجهة على تقدير ثبوتها، بأن المهق قد يطلق على الخضرة، وأريد بها هنا السمرة فى الرواية الآتية، وبما قررته علم أن النفى فى (ولا بالأبيض الأمهق) إنما هو المقيد فقط (ولا بالآدم) أصله آدم أفعل صفة مهموز الفاء، أبدلت ألفا أى ليس بالشديد الأدمة: أى السمرة، وإنما يخالط بياضه الحمرة، والعرب قد تطلق على كل من كان كذلك أسمر ومن ثم صح عن أنس: «أنه كان أسمر» وسيأتى قريبا، ومما يؤيد الجمع رواية البيهقى عن أنس أيضا: «كان أبيض بياضه إلى السمرة» (¬3) وعن ابن عباس: «كان جسمه ولحمه أحمر إلى البياض» فثبت بمجموع الروايات أن المراد بالسمرة حمرة تخالط البياض، وبالبياض المثبت فى روايات معظم الصحابة، ما يخالطه الحمرة، وإن وصف فى رواية: «بأنه شديد الوضح» وفى أخرى سندها قوى: «بأنه شديد البياض» لإمكان حمل شدته على الأمر النسبى، فلا ينافى كونه مشربا بها وبالمنفى ما لا تخالطه هى، وهذا الذى تكرهه العرب وتسميه أمهق، وأن توهم القاضى رواية: «ليس بالأبيض ولا بالآدم» غير صواب بل معناهما صحيح ظاهر كما تقرر، وأما الجمع بأن المشرب منه بحمرة، وإلى السمرة ما برز للشمس كالوجه والعنق، والأزهر الأبيض ما تحت الثياب، فمردود بأن أنسا لملازمته له وقربه منه، لا يخفى عليه أمره حتى يصفه ¬

(¬1) رواه مسلم فى الفضائل (2347) (4/ 1825). (¬2) رواه مسلم فى الفضائل (2340) (4/ 1820). (¬3) رواه البيهقى فى «دلائل النبوة» (1/ 204) من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه فى صفة النبى صلى الله عليه وسلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بغير صفته الأصلية الملازمة له، فتعين حمل السمرة فى روايته على الحمرة التى تخالط البياض كما مر على أنه سيأتى فى وصف عنقه الشريف أنه أبيض لكأنما صيغ من فضة مع أن العنق بارز، وورد ذلك أيضا أن تأثير الشمس فيه ينافى ما ورد أنه كان يظله سحابة، وهو غفلة إذ ذاك كان إرهاصا متقدما على النبوة، وأما بعدها فلم يحفظ ذلك، كيف وأبو بكر رضى الله عنه قد ظلل عليه بثوبه لما وصل المدينة؟ وصح «أنه ظلل بثوب وهو يرمى الجمرات فى حجة الوداع» (¬1). تنبيه: قال أئمتنا: يكفر من قال كان النبى صلى الله عليه وسلم أسود أو غير قرشى أو توفى أسودا (¬2) لأن وصفه بغير صفته نفى له وتكذيب به، ومنه يؤخذ أن كل صفة علم ثبوتها له بالتواتر كان نفيها كفرا للعلة المذكورة، وقول بعضهم: لا بد فى الكفر من أن يصفه بصفة تشعر بنقصه كالأسود هنا، فإن لون السواد لون منقوص، فيه نظر، لأن العلة [كما علمت] (¬3) ليست هى النقص، بل ما ذكر فالوجه أنه لا فرق، فإن قلت: لونه صلى الله عليه وسلم أشرف الألوان، ولون أهل الجنة كذلك، فلم لم تكن ألوانهن البياض المشرب بالحمرة؟ بل بالصفرة كما قاله جمهور المفسرين فى قوله تعالى: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (¬4) يشبههن ببيض النّعام المكنون فى عشه، ولونها بياض به صفرة حسنة (¬5)، قلت: اللون واحد وإنما اختلف ما شبه به، وحكمته والله أعلم أن المشرب بالحمرة ينشأ عن الدم وصفائه، واعتدال جريانه فى البدن وعروقه، وهو من الفضلات الجيدة التى تنشأ عن أغذية هذه الدار فناسب المشوب فيها، وأما المشوب بالصفرة التى تورث البياض صفاء وصقالة (¬6)، ¬

(¬1) رواه ابن سعد فى «الطبقات الكبرى» (2/ 135)، من حديث أبى أمامة عن من أبصر النبى صلى الله عليه وسلم «سائرا إلى منى، وبلال إلى جانبه، وبيد بلال عود عليه ثوب وشىء يظله من الشمس». (¬2) فى (ش): [أمردا]. (¬3) الزيادة من (ش). (¬4) سورة الصافات: آية (49). (¬5) روى ابن أبى حاتم فى «التفسير» عن زيد بن أسلم رضى الله عنه قال: البيض الذى يكنه الريش، مثل بيض النعام الذى أكنه الريش من الريح، فهو أبيض إلى الصفرة فكانت تترقرق، فذلك المكنون (10/ 3212)، (18188) وذكر ذلك التفسير أبو القاسم البغوى فى «معالم التنزيل» (4/ 23) وعزاه للحسن رضى الله عنه. (¬6) أى جلاء، وصيانة (اللسان: صقل).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا ينشأ عادة عن غذاء من أغذية هذه الدار فناسب أن يختص المشرب به فى تلك الدار، فظهر أن المشرب فى كل من الدارين بما يناسبها، فإن قلت: من عادة العرب مدح النساء بالبياض المشوب بصفرة كما وقع فى لامية امرئ القيس، وهذا يدل على أنه فاضل فى ألوان الدنيا أيضا، قلت: لا نزاع فى أنه فاضل، وإنما النزاع فى أنه أفضل الألوان فى هذا الدار، وليس كذلك بل الأفضل المشرب بحمرة، كما تقرر أن لونه صلى الله عليه وسلم أفضل الألوان، ولا ينافى ذلك قول جمع من أصحابنا: الأولى للمرأة أن لا تلبس البياض ولا الفضة، لما فيه من التشبه بالرجال، وأن تغيره بما أمكن من زعفران ونحوه لأن البياض لم يؤمر بتركه من حيث ذاته، بل لما فيه من التشبه بالرجال، فصبغه بالزعفران لم تؤمر به، إلا لتحاكى الذهب اللائق بها (ولا بالجعد القطط) بفتح الطاء الأولى وكسرها (ولا بالسبط) بسكون الباء وكسرها أى شعره ليس نهاية فى الجعودة، وهى: تكسّره الشديد، ولا فى السبوطة، وهى: عدم انكساره أصلا، بل كان وسط بينهما، فكان فيه بعض جعودة، كما صحّ عن أنس من طرق منها: «أنه كان شعره بين شعرين لا رجل سبط، ولا جعد قطط» (¬1) ولا ينافى ذلك رواية: «كان رجلا» (¬2) أى: بفتح فكسر، ليس بالسبط، ولا الجعد لأن الجعودة (¬3) أمر نسبى فحيث أثبتت أريد بها الأمر الوسط بين السبوطة والجعودة، وحيث نفيت أريد بها السبوطة، ثم رأيت بعضهم فسر الرّجل بالمتكسر قليلا وهو الموافق لما ذكرته (بعثه) -خبر ثان لكان-الله رحمة للعالمين، وكافة للخلق أجمعين يوم الإثنين لخبر مسلم «وأنزل علىّ فيه» (على) جعلتها بمعنى فى أولى من إبقائها على ظاهرها (رأس أربعين سنة) أى: أول سنة أربعين من مولده إذ رأس الشىء أعلاه ولكن رواية أحمد الآتية، وحكاية الأقوال المذكورة بعد، ظاهرتان فى أن المراد بالرأس هنا، آخر سنة أربعين، ولا بعد فيه، إذ الرأس كما يطلق على الأول، يطلق على الآخر، قيل: وأربعين يوما، وقيل: وشهرين، وقيل: وعشرة أيام، وقيل: لسبع عشرة خلت من رمضان، وقيل: لسبع، وقيل: لأربع وعشرين. ¬

(¬1) رواه البخارى، ومسلم ومالك وقد تقدم تخريجه. (¬2) رواه مسلم فى «الفضائل» (2338)، (4/ 1819)، والنسائى فى «الزينة» (8/ 131)، وابن ماجه فى «اللباس» (3634). (¬3) فى (ش): [الرجولة] وما أثبت هو الموافق للسياق. .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن عبد البر: لثامن عشرة من ربيع الأول، سنة إحدى وأربعين من الفيل، وقيل: أول ربيع، وقيل: فى رجب، فجاءه جبريل وهو بغار حراء، فقال له: «اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فغطه [حتى بلغ منه الجهد ثم قال له: «اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فغطه] (¬1) كذلك ثم عاد، وأعاد فقال: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ حتى بلغ مالَمْ يَعْلَمْ (¬2) وما نافية [فى الكل] (1) والأولى للامتناع، والثانية نافية، والثالثة استفهامية، وكرر اللفظ ثلاثا، ليستفرغ تمام قوته فيتم [تمام] (¬3) توجهه له، ليظهر له الشدة، والاجتهاد فى هذا الأمر، فيتنبه إلى ثقل ما سيلقى إليه، وابتدئ قبل ذلك بالرؤيا الصادقة «فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح» (¬4) كيلا يفاجأه الملك، ويأتيه صريح النبوة بغتة فلا تقبلها قوى البشرية، فبدئ بأول خصال النبوة وتباشير الكرامة، ثم فتر الوحى ثلاث سنين، فيما جزم به ابن إسحاق، ليذهب عنه ما وجد من الروع، وليزيد تشوقه إلى العود، ثم نزل عليه ياأَيُّهَا اَلْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ (¬5) والقول بأنها أول ما نزل، قال النووى: باطل، وفى تاريخ أحمد وغيره عن الشعبى: أنزلت عليه النبوة، وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، فكان يعلمه الكلمة والشىء ولم ينزل عليه القرآن على لسانه، فلما مضت ثلاث سنين، قرنت بنبوته جبريل، فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة، وكذا رواه ابن سعد والبيهقى، ومنه يؤخذ أن اجتماع إسرافيل به، كان فى مدة فترة الوحى، ليؤنسه ويقويه على تحمل أعباء ما سينزل عليه، وبان بما تقرر أن نبوته كانت متقدمة على رسالته، وبه صرح أبو عمر وغيره، وعليه يحمل قول ¬

(¬1) الزيادة من (ش). (¬2) رواه البخارى فى التفسير (4953) (8/ 585)، وفى التعبير (6982)، (12/ 368)، ومسلم فى الإيمان (160)، (1/ 140)، والبغوى فى شرح السنة (3735) والبيهقى فى السنن الكبرى (7،51) (9/ 6). وفى دلائل النبوة (2/ 135) وعبد الرزاق فى مصنفه (9719)، وأبو عوانة فى مسنده (1/ 110). (¬3) الزيادة ليست فى (ش). (¬4) رواه البخارى فى بدء الوحى (3) (1/ 30) وفى التفسير (4953) (8،585) وفى التعبير (6982) (12/ 368)، ومسلم فى الإيمان (160) (1/ 140)، والحاكم فى المستدرك (183) (30،202)، وأبو عوانة فى مسنده (1/ 110)، وابن عبد البر فى التمهيد (1/ 235). (¬5) سورة المدثر آية رقم (1).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صاحب (¬1) الأصول الصحيح عند أهل العلم بالأثر أنه بعث على رأس ثلاث وأربعين سنة. انتهى. فكان فى «اقرأ» نبوته وفى «المدثر» رسالته بالنذارة والبشارة والتشريع، لأن هذا قطعا متأخر عن الأول، وحكمته تضمن تلك الآيات، من أقراء أطوار الآدمى من الخلق والتعليم والإفهام، فناسب تقديمه رعاية للترتيب الطبيعى، بذكر ما أسدى إليه صلى الله عليه وسلم من العلم والفهم والحكمة والنبوة، فى معرض تعريف عباده بما أسدى إليهم من نعمة البيان الفهمى، والنطقى، والخطّى، ثم أمره تعالى بأن يقوم ويكشف عن ساق الجدّ والاجتهاد فى تبليغ عباده ما حباه به من وحيه وشرعه. (فأقام بمكة عشر سنين) رسولا، وثلاث عشرة سنة نبيا ورسولا، كما تقرر على رواية أن عمره خمس وستين سنة، يكون أقام بها خمس عشرة سنة وأول ما وجب الإنذار والدعاء إلى التوحيد، ثم فرض الله من قيام الليل ما ذكره أول سورة المزمل، ثم نسخه بما فى آخرها، ثم نسخه بإيجاب الصلوات الخمس ليلة الإسراء بروحه وجسده، يقظة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به منه إلى فوق سبع سموات، ثم رأى ربه بعين رأسه على الأصح (¬2)، ثم أوحى إليه ما أوحى [فسمع كلامه] (¬3) وإنما اختص موسى بالكليم (¬4)، لأنه سمعه وهو فى الأرض، وكان مما أوحاه الله إلى نبيه أن فرض عليه الصلوات ثم انصرف من ليلته إلى مكة، فأخبر بذلك، فصدقه أبو بكر وسائر المؤمنين، فكان ذلك بعد المبعث بخمس سنين، كما رجحه النووى، واحتج له بما يرده أن خديجة ماتت قبل فرض الخمس، فيلزم موتها قبل الإسراء، وموتها قبل الهجرة بثلاث سنين، فلزم أنه بعد المبعث بأكثر من سبع سنين، وعليه فكان قبل الهجرة بسنة، وادعى ابن حزم فيه الإجماع، وقيل: لسنة وخمسة أشهر، وقيل: لسنة وثلاثة أشهر، ولما أراد الله إظهار دينه، وإعزاز نبيه، وإنجاز موعده له، خرج صلى الله عليه وسلم إلى منى، فلقى ستة من الأنصار فآمنوا به عند عقبتها، فقال لهم: «تمنعون ظهرى حتى أبلغ رسالة ربى» فواعدوه الموسم القابل، فجاء منهم اثنى عشر، فأسلموا وبايعوه، ثم انصرفوا إلى المدينة، فأظهر الله ¬

(¬1) انظر: معارج القبول لحافظ حكمى (2/ 898)، وكتاب التوحيد لابن خزيمة (ص 197،213) وتفسير ابن جرير الطبرى (11/ 509). (¬2) فى (ش): [جامع]. (¬3) الزيادة من (ش). (¬4) فى الأصل (أ): [بالتكلم].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسلام بها، ثم قدم عليه منهم العام القابل سبعون، أو خمسة، أو وثلاثة وامرأتان، فأسلموا وبايعوه على أن يمنعوه مما يمنعوا منه نساءهم، وعلى حرب الأحمر والأسود، وبعث عليهم اثنى عشر نقيبا، ثم أمر صلى الله عليه وسلم من معه بالهجرة إليهم، وأقام ينتظر الإذن فى الهجرة، فأذن له عقب العقبة الثالثة بهلال شهر ربيع الأول فيما قال ابن إسحاق، فخرج من مكة يوم الخميس، ومن الغار ليلة الإثنين ومعه أبو بكر، فقدماها يوم الإثنين لاثنى عشرة خلت من شهر ربيع الأول كما فى الروضة، وفيه اختلاف طويل، وأمر صلى الله عليه وسلم بالتاريخ، فكتب من حين الهجرة، وقيل: إن عمر أول من أرّخ، وجعله من المحرم وأقام صلى الله عليه وسلم بقباء أربعا وعشرين ليلة وأسس مسجدها، وخرج منها ضحى الجمعة، فأدركته فى الطريق فصلاها فى المسجد المشهور، ثم توجه على راحلته بعدها للمدينة، وأرخى زمامها، فناداها أهل كل دار إليهم للقوة والمنعة، وهو يقول: «خلوا سبيلها، فإنها مأمورة» (¬1) فسارت تنظر يمينا وشمالا إلى أن بركت بمحل باب المسجد، ثم سارت وهو صلى الله عليه وسلم عليها، إلى أن بركت بباب أبى أيوب ثم ثارت وبركت مبركها الأول، وألقت عنقها بالأرض، وصوتت من غير أن تفتح فاها فنزل عنها وقال: «هذا المنزل إن شاء الله» (¬2) واحتمل أبو أيوب رحله وأدخله بيته فأقام عنده سبعة (¬3) أشهر، ثم اشترى محل مسجده من بنى النجار أخوال جده عبد المطلب بعشرة دنانير، أداها أبو بكر من ماله، ثم بناه وسقفه بالجريد [وجعلت عمده خشب النخل وكان صلى الله عليه وسلم ينقل اللّبن معهم فى بنائه] (¬4) وجعلت قبلته للمقدس، وطوله مائة ذراع، وعرضه نحو ذلك، وبنى بيوتا إلى جنبه باللبن، ثم تحول إليها من دار أبى أيوب، ثم أذن له فى القتال بقوله عز وجل: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا بعد أن نهاه عنه فى نيف وسبعين آية فبعث صلى الله عليه وسلم من شوال على رأس ثمانية أشهر البعوث والسرايا واستمر صلى الله عليه وسلم على مجاهدة الأعداء وتبليغ الأحكام والأنباء (وبالمدينة عشر سنين) حتى دخل الناس فى دين الله أفواجا وأكمل الله له العزّ ولأمته دينهم، وأتم عليه وعليهم نعمته [فتوفاه الله] (¬5) بعد أن أعلمه باقتراب ¬

(¬1) رواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى (1،183)، وابن كثير فى البداية والنهاية (3،198). (¬2) رواه عبد الرزاق فى مصنفه (9743). (¬3) فى (ش): [تسعة]. (¬4) ما بين [] ليس فى (أ) الأصل. (¬5) فى (ش) زاد لفظ [إليه] وما أثبت موافق لرواية المصنف وغيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أجله بسورة إِذاجاءَ نَصْرُ اَللهِ وَاَلْفَتْحُ (¬1) إذ هى آخر سورة نزلت بمنى يوم النّحر فى حجة الوداع وقيل: قبل وفاته بثلاثة أيام، وكان ابتداء مرضه أواخر صفر، فكانت مدته ثلاثة عشر يوما، وأشار فيه إشارة ظاهرة بخلافة أبى بكر، بثنائه عليه على المنبر بما فهم دون بقية الصحابة من قوله: «إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده فاختار ما عنده» (¬2) إنه يعنى نفسه، فبكى وقال: فديناك يا رسول الله، بآبائنا، وأمهاتنا، فقابله بقوله: «إن من أمنّ الناس علىّ فى صحبته، وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام» (¬3) ثم قال: «لا يبقى فى المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبى بكر» (¬4) ثم أكد هذا بأمره صريحا أن يصلى بالناس فرجع وهو يقول: «مروه فليصلّ» (¬5) وأذن له نساؤه أن يمرض ببيت عائشة لما رأين من حرصه على ذلك فدخل بيتها يوم الإثنين (وتوفّاه الله) حين اشتد الضحى يوم الإثنين كالوقت الذى دخل فيه إلى المدينة فى هجرته ورأسه الشريف بين سحرها ونحرها، أى فيما بين حنكها وصدرها، وروايات: ورأسه فى حجر علىّ فيها ضعف. واختلف [الناس] (¬6) فى عمره صلى الله عليه وسلم، ففى رواية أنس هذه أنه توفى (على رأس ستين سنة) وفى أخرى: «خمس وستين» وفى أخرى: «ثلاث وستين» وهى أصحها وأشهرها ¬

(¬1) سورة النصر آية رقم (1). (¬2) رواه البخارى فى مناقب الأنصار (3904)، ومسلم فى فضائل الصحابة (2382)، والترمذى فى المناقب (3660)، والنسائى فى فضائل الصحابة (2)، والبغوى (3821)، وابن حبان فى صحيحه (6594،6861). (¬3) رواه البخارى فى الصلاة (466،467) وفى فضائل الصحابة (3656،3657،3654)، وفى الفرائض (6738)، وفى مناقب الأنصار (3904)، ومسلم فى فضائل الصحابة (2382)، والترمذى فى المناقب (3660)، وأحمد فى مسنده (1/ 270) (3،18)، والبغوى (3821)، والطبرانى (11938)، وابن أبى عاصم فى السنة (1227،1228)، وابن سعد فى الطبقات الكبرى (2/ 227)، وابن حبان فى صحيحه (6594،6860،6861). (¬4) رواه البخارى فى مناقب الأنصار (3904)، ومسلم فى فضائل الصحابة (2382)، والترمذى فى المناقب (3660)، والبغوى (3821)، وابن حبان فى صحيحه (6861). (¬5) سيرد تخريجه. (¬6) الزيادة من (ش).

2 - حدثنا حميد بن مسعدة البصرى، حدثنا عبد الوهاب الثقفى، عن حميد، عن أنس بن مالك قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة، ليس بالطّويل ولا بالقصير، حسن الجسم، وكان شعره ليس بجعد ولا سبط، أسمر اللّون، إذا مشى يتكفّأ». ـــــــــــــــــــــــــــــ عند العلماء، وردّوا الأولى إليها بأن راويها اقتصر على العقود، وألغى الكسر، ولا ينافيه التعبير برأس، لأنه رأس باعتبار العقود، وهذا أولى من الجواب، بأن لفظة: رأس مقحمة، والثانى: بأن راويها حسب سنتى المولد والوفاة، وسيأتى لكل من المولد والوفاة والسنّ مزيد فى بابه. وتوفاه الله (وليس) جملة حالية من مفعول توفّاه الله وجعله معطوفا يفسر المعنى، خلافا لمن وهم فيه، فتأمله! (فى رأسه ولحيته) بكسر اللام، ويجوز فتحها (عشرون شعرة بيضاء) وسيأتى فى باب شيب رسول الله ذكر الروايات المختلفة فى ذلك مع الجمع بينها، ونفى الشيب فى رواية، المراد به نفى كثرته، لا أصله، وسبب قلة شيبه، أن النساء يكرهنه غالبا ومن كره من النبى صلى الله عليه وسلم شيئا كفر، ومن ثم صح عن أنس: «ولم يشنه الله بالشيب» وأما خبر: «إن الشيب وقار ونور» فيجاب عنه بأنه وإن كان كذلك لكنّه يشين عند النساء غالبا كما تقرر، وبأن المراد بالشين المنفى فيما مر عن أنس الشين عند من يكرهنه، لا مطلقا لتجتمع الروايتان، وأما أمره صلى الله عليه وسلم لهم لما رأى أبا قحافة ورأسه ولحيته كالثغامة [بيضاء] (¬1) هى بالفتح: نبت بالجبل يبقى إذا يبس بياضا، بتغييره وكرهه، ولذلك قال: «غيّروا الشيب» فلا يدل على أنه شين مطلقا، بل بالنسبة لما مرّ، وفى تغييره مصلحة ما بالنسبة للجهاد وإرهاب الكفّار، وبالنسبة لوقوع الألفة بين الزوجين، والجمع بين الأحاديث ما أمكن، أسهل من دعوى النسخ، وإن أيدها منع الأكثرين للتغيير، لأن الصحيح من مذهبنا أنه بنحو الحناء سنة إذ خبره فى الصحيحين، ولا يمكن تأويله كما سيأتى. 2 - (البصرى) بتثليث الباء. (ربعة) بفتح فسكون، وقد تحرك وتأنيثه باعتبار النفس، ¬

2 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى «اللباس» (1754) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى «المناقب» (3547)، ومسلم فى «الفضائل» (2338)، وأحمد فى «المسند» (3/ 240)، والبيهقى فى «الدلائل» (7/ 204) أربعتهم من طرق عن حميد الأعرج به فذكره نحوه. (¬1) الزيادة من (ش).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولذلك استوى فيه المذكر والمؤنث، إذ يقال فى جمع كل منهما ربعات: بالسكون، والتحريك شاذ. (ليس بالطويل) أى البائن. (ولا بالقصير) أى المتردد كما يأتى، وهذا بدل من ربعة، أو عطف بيان له. (حسن الجسم) هو بمعنى رواية: «بادن متماسك» (¬1) أى: معتدل الخلق، متناسب الأعضاء والتركيب، كأن أعضاءه يمسك بعضها بعضا. (وكان شعره ليس بجعد ولا سبط) جعد وسبط هنا وصفا للشعر وفيما مرّ وصفا لذاته، لبيان أن كلا منهما يوصف بذلك (أسمر اللون) مرّ ما فيه فراجعه فإنه مهم! والمعنى: لونه أسمر، فالإضافة هنا من إضافة الصفة للموصوف، فاندفع ما قيل إسناد: «أسمر اللون» غير ظاهر، إذ لا يثبت للون لون. (إذا مشى يتكفأ) بالهمز وتركه تخفيفا: أى تكفأ كأنما ينحط من صبب وسيأتى، وصححه البيهقى، والتكفؤ بالهمز: الميل إلى سنن الشىء أى إلى قدام كالسفينة فى جريانها. وعند البزّار: «إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها» (¬2) وسيأتى عند المصنف «وما رأيت أحدا أسرع فى مشيه. . .» الحديث، وعند ابن سعد: «كان إذا مشى مشى مجتمعا» (¬3) أى قوى الأعضاء غير مسترخ فى المشى، وفى رواية: «كان إذا مشى تقلع» (¬4) أى رفع قدمه عن الأرض ارتفاعة واحدة، كأنها تتقلع منها وهى نفى الاختيال فى المشى، وفى أخرى: «إذا زال زال تقلعا، ويمشى هونا ذريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب» (¬5) وفى أخرى: «إذا زال زال قلعا» أى: قالعا رجليه من الأرض، والانحدار من الصبب، والتقلع من الأرض متقاربان أى: كان يستعمل ¬

(¬1) رواه البيهقى فى «الدلائل» (1/ 270) وعزاه لأبى القاسم بن سلام، وهو فى «غريب الحديث» لأبى عبيد (1/ 388،389). (¬2) رواه أبو داود فى الطهارة (385،386)، والبغوى (300)، وابن حبان فى صحيحه (1403، 1404)، وابن خزيمة فى صحيحه (292)، والبيهقى فى السنن (2/ 430)، والحاكم فى المستدرك (1/ 166). (¬3) رواه ابن سعد فى «الطبقات» (1/ 320)، وذكره الهيثمى فى «المجمع» (8/ 281) وعزاه لأحمد والبزار. وقال: رجال أحمد رجال الصحيح: إلا أن التابعى غير مسمى وقد سماه البزار وهو من رجال الصحيح أيضا اه‍. (¬4) رواه البيهقى فى «الدلائل» (1/ 252). (¬5) ذكره الهيثمى فى «مجمع الزوائد» (8/ 273). وعزاه للطبرانى فى الكبير، وقال: فيه من لم يسم.

3 - حدثنا محمد بن بشار (يعنى العبدى)، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبى إسحاق، قال: سمعت البراء بن عازب، يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مربوعا، بعيد ما بين المنكبين، عظيم الجمّة إلى شحمة أذنيه، عليه حلّة حمراء، ما رأيت شيئا قطّ أحسن منه». ـــــــــــــــــــــــــــــ التثبت، ولا يظهر منه استعجال ومبادرة، «وذريع المشية» معناه: واسع الخطوة، فالتقلع: الارتفاع من الأرض بجملته، كحال المنحط فى الصبب، وهى مشية أولى العزم والهمة، والشجاعة، وهى أعدل المشيات، وأروحها للأعضاء، فكثير يمشى قطعة واحدة، فكأنه خشبة محمولة فهى مذمومة، كالمشية بانزعاج كالجمل الأهوج، إذ هى علامة خفة عقل صاحبها، لا سيما إن أكثر الالتفات حال مشيته يمينا وشمالا، قيل: وروى يتكفأ بقلب همزته ألفا ولا وجه له. 3 - (بعيد) بفتح فكسر، وقيل: بالتصغير، وهو غريب، وفى صحته نظر. (ما بين المنكبين) أى عريض أعلى الظهر وهو مستلزم لعرض أعلى الصدر ومن ثمة وقع عند ابن سعد: رحيب الصدر، والمنكب: مجمع عظم العضد والكتف. (عظيم الجمّة) وهو بضم الجيم وتشديد الميم، ما سقط من شعر الرأس على المنكبين، واللّمة بكسر اللام هى على الأصح: ما جاوز شحمة الأذن ووصلت المنكبين لم لا ودونهما الوفرة إذ هى ما نزل من شحمة الأذن (إلى شحمة أذنيه) متعلق بعظيم لبيان أن عظم جمته وكثرتها وتكاثفها ينتهى إلى شحمة أذنيه وفى رواية: «كان شعره بين أذنيه وعاتقه» (¬1) وفى أخرى فى الصحيحين: «إلى أنصاف أذنيه» (¬2) وفى أخرى عند المصنف وغيره: «فوق الجمّة ودون الوفرة» (¬3) وفى رواية: «إن انفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة ¬

3 - إسناده صحيح رواه البخارى فى «المناقب» (3551)، ومسلم فى «الفضائل» (2337)، وأبو داود فى «اللباس» (4072)، وابن ماجه فى «اللباس» (3599)، وأحمد فى «المسند» (4/ 481)، كلهم من طريق شعبة به فذكره نحوه. (¬1) رواه مسلم فى «الفضائل» (2338)، (4/ 1819). (¬2) رواه مسلم فى «الفضائل» (2338)، (4/ 1819)، وأبو داود (4186)، والنسائى (8/ 133)، والبيهقى فى «الدلائل» (1/ 221). (¬3) هو جزء من حديث هند بن أبى هالة وقد تقدم.

4 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن أبى إسحاق، عن البراء بن عازب قال: «ما رأيت من ذى لمّة فى حلّة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم له شعر يضرب منكبيه، بعيد ما بين المنكبين، لم يكن بالقصير ولا بالطّويل». ـــــــــــــــــــــــــــــ أذنيه إذ هو وفرة» (¬1) وفى أخرى: «كان إلى أذنيه»، وفى أخرى: «يضرب منكبيه» (¬2) وفى أخرى: «إلى كتفيه، أو منكبيه» (¬3) وجمع بينها بأن ما يلى الأذن هو الذى يبلغ شحمتها، وما خلفها هو الذى يضرب منكبيه أو بأن ذلك لاختلاف الأوقات، فكان إذا ترك تقصيرها بلغت المنكب، وإذا قصرها كانت إلى الأذن أو شحمتها أو نصفها، فكانت تطول وتقصر بحسب ذلك (عليه حلة) هى بضم الحاء إزار ورداء بردا وغيره، ولا تكون إلا من ثوبين، ولو ظهارة وبطانة، وإن كانا من جنسين، خلافا لمن اشترط اتحاد جنسيهما (حمراء) أفرده رعاية للفظ، وإشارة إلى أن الثوبين بمنزلة ثوب واحد، للاحتياج إليهما معا، والحديث صحيح، وبه استدل إمامنا الشافعى على حل لبس الأحمر، وإن كان قانيا، وحمله على ذى الخطوط، سيأتى رده مع بسط الكلام على ذلك فى لباسه صلى الله عليه وسلم (ما رأيت شيئا قط أحسن منه) يعنى: مثل حسنه إذ أفعل قد يراد به أصل الفعل إثباتا ونفيا، وإن قرن بمن، خلافا لما يوهمه كلام غير واحد، ومن ذلك قولهم: العسل أحلى من الخلّ، والصيف أحرّ من الشتاء. 4 - (ابن غيلان) بفتح الغين المعجمة. (سفيان) أى الثورى. (البراء) بتخفيف الراء وبالمد، وقيل: بالقصر. (ما رأيت من ذى لمّة) إلى آخره، مرّ شرحه جميعا! و (من) زائدة لتأكيد المنفى، وللتنصيص على استغراقه لجميع الأفراد (أحسن) صفة لذى لمة، أو حال منه، إن كانت رأى بصرية وهو الظاهر، وإن كانت علمية كان مفعولا ثانيا لها. ¬

4 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى «اللباس»: (1724)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى «الفضائل» (2337)، وأبو داود فى «الترجل» (4183)، والنسائى فى «الزينة» (8/ 183)، وفى «السنن الكبرى» (9325)، (5/ 412)، كلهم من طريق وكيع به فذكره نحوه.؟؟؟ (¬1) من حديث هند بن أبى هالة المتقدم. (¬2) رواه البخارى فى «اللباس» (5904)، ورواه البيهقى فى «الدلائل» (1/ 221). (¬3) رواه مسلم فى «الفضائل» (2337)، (4/ 1819)، وأحمد فى «المسند» (4/ 163).

5 - حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو نعيم، حدثنا المسعودى، عن عثمان ابن مسلم بن هرمز، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن على بن أبى طالب قال: «لم يكن النّبىّ صلى الله عليه وسلم بالطّويل ولا بالقصير، شثن الكفّين والقدمين، ضخم الرأس، ضخم الكراديس، طويل المسربة، إذا مشى تكفّأ تكفّوا كأنّما ينحطّ من صبب، لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم». ـــــــــــــــــــــــــــــ 5 - (أبو نعيم) أى بضم ففتح، وهو الفضل بن دكين بضم الدال المهملة. (ابن جبير) بالتصغير. (مطعم) كمسلم. (شثن) بالنصب خبر لكان محذوفة، أو بالرفع خبر لمبتدأ محذوف، وهو بالثاء المثلثة. (الكفين والقدمين) أى غليظهما فى خشونة على ما قاله الأصمعى، ولا ينافيه خبر الطبرانى: «فأخذت بيده، فإذا هى ألين من مس الحرير» (¬1) وفى البخارى عن أنس «ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم» (¬2) وفى رواية: «سبط الكفين» بتقديم السين أى: لينهما، وفى أخرى: «أردفنى خلفه فى سفر فما مسست شيئا قط ألين من جلده صلى الله عليه وسلم»؛ لأن المراد: اللين فى الجلد والغلظ فى العظام، فاجتمع له نعومة البدن وقوته، وقيل: الخشونة باعتبار عمله فى ¬

5 - إسناده حسن: المسعودى هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود. قال الحافظ فيه: صدوق اختلط قبل موته. وضابطه أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط [التقريب (3919)]. قلت: رواه المصنف (3637)، والإمام أحمد فى «المسند» (1/ 96) حدثنا وكيع حدثنا المسعودى قلت: ووكيع بن الجراح سمع من المسعودى قبل الاختلاط، ورواه الترمذى فى «المناقب»: (3637)، بسنده ومتنه سواء، ورواه الحاكم فى «المستدرك» (2/ 606)، من طريق أبى نعيم به فذكره وصححه، ووافقه الشيخ الذهبى، وفيه: ابن هرمز، وهو لين الحديث، ولكن للحديث طرقا أخرى تقوى بها إلى مرتبة الحسن منها ما روى أحمد فى «المسند» (1/ 90،115، 117) والبيهقى فى «الدلائل» (1/ 268،269).؟؟؟ (¬1) ذكره الهيثمى فى «مجمع الزوائد» (8/ 282)، وعزاه للطبرانى والبرار، وقال: فيه الحسن بن أبى جعفر، وقد وثق على ضعفه. (¬2) رواه البخارى فى «المناقب» (3561)، (6/ 654 فتح)، ومسلم فى الفضائل (2330)، والترمذى فى البر والصلة (2015)، والدارمى (1/ 31)، وأحمد فى مسنده (3/ 222،227، 265،267)، وابن حبان فى صحيحه (6303)، والبيهقى فى دلائل النبوة (1/ 254)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 413).

5 م-حدثنا سفيان بن وكيع قال: حدثنا أبى عن المسعودى، بهذا الإسناد نحوه بمعناه. ـــــــــــــــــــــــــــــ الجهاد، ومهنته أهله، واللين باعتبار أصل خلقته، على أن التحقيق تفسير الشثن بالغلظ من غير قصر، ولا خشونة، ولما فسره الأصمعى بما مرّ، قيل له: إنه ورد فى صفته صلى الله عليه وسلم: «أنه لين الكفّ» فآلى على نفسه أن لا يفسر شيئا فى الحديث، وتفسير أبى عبيدة له بالغلظ مع القصر مردود بما صح «أنه كان سائل الأطراف» (¬1)، وفى رواية: «أنه كان عبل الذراعين» (1) أى ضخم الذراعين «رحب الكفين» (1) وورد من طرق: «أنه صلى الله عليه وسلم مسح بيده الشريفة وجهه، أو وجه وصدر غير واحد من أصحابه، فصار محل يده غرة سائلة كغرة الفرس، وكان لا يمسح بها شيئا إلا برئ ومسح رأسا، فكان ما مرت يده عليه أسود وشاب ما سواه»، وصح أنه مسح رأس ولحية أبى زيد الأنصارى ثم قال: «اللهم جمّله» (¬2) فبلغ بضعا ومائة سنة، وما فى لحيته بياض ولا فى وجهه تغير (ضخم الرأس) وفى رواية: «عظيم الهامة» (¬3) وصفه بذلك ورد عن غير على رضى الله عنه من طرق صحيحة وهو دال على كمال القوة الدماغية من الحواس الباطنة، وبكمالها يتميز الإنسان على غيره (ضخم الكراديس) أى: رءوس العظام، وهو بمعنى جليل المشاش الآتى (طويل المسربة) وهى بفتح فسكون فضم خط الشعر بين الصدر والسرة وفى رواية: «ذو مسربة» وفى أخرى عند البيهقى: «له شعرات من سرته تجرى كالقضيب ليس على صدره، ولا على بطنه غيره» وعند الطيالسى والطبرانى: «ما رأيت بطنه إلا ذكرت القراطيس المثنى بعضها على بعض» (¬4) وفى رواية: «مغاضن البطن» أى: واسعة وقيل مستوية مع الصدر (إذا مشى) مرّ تفسيره. (لم) إما استئناف أو خبر بعد خبر. (نحوه بمعناه) تأكيد، وإلا فنحوه لا يقال، إلا لما وافق المعنى فقط، وأما الموافق معنى ولفظا فيقال مثله. ¬

(¬1) هو جزء من حديث هند بن أبى هالة المتقدم. (¬2) رواه الترمذى فى «المناقب» باب فى طول سن أبى زيد عمرو بن أخطب، وقلة شيبه ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم، ورواه أحمد فى «المسند» (5/ 77)، وابن أبى شيبة فى «المصنف» (11/ 493)، (11807)، وابن أبى عاصم فى «الآحاد» (2181)، وأبو نعيم فى «الدلائل» (392،393). (¬3) هو جزء من حديث هند بن أبى هالة المتقدم تخريجه. (¬4) أورده الهيثمى فى «مجمع الزوائد» (8/ 280) وقال: رواه الطبرانى وفيه جابر الجعفى وهو ضعيف.

6 - حدثنا أحمد بن عبدة الضبّى البصرى، وعلى بن حجر، وأبو جعفر محمد ابن الحسين، وهو ابن أبى حليمة، والمعنى واحد. قالوا: حدثنا عيسى بن يونس، عن عمر بن عبد الله مولى غفرة، قال: حدثنى إبراهيم بن محمد من ولد على بن أبى طالب-رضى الله عنه-قال: كان علىّ إذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطّويل الممغّط، ولا بالقصير المتردد، وكان ربعة من القوم، لم يكن بالجعد القطط، ولا بالسّبط، كان جعدا رجلا، ولم يكن بالمطهّم ولا بالمكلثم، وكان فى وجهه تدوير، أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد، أجرد، ذو مسربة، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى كأنّما ينحطّ فى صبب، وإذا التفت التفت معا، بين كتفيه خاتم النّبوّة، وهو خاتم النّبيّين، أجود النّاس صدرا، وأصدق النّاس لهجة وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبّه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم». ـــــــــــــــــــــــــــــ 6 - (عبدة) بفتح فسكون. (الضبى) نسبة لبنى ضبة بالمعجمة كحبة قبيلة من عرب البصرة. (حجر) بمهملة مضمومة فجيم ساكنة. (والمعنى واحد) جملة حالية من الفاعل، أو المفعول أى حال كون المعنى فى أحاديثهم واحد، أو الأحاديث حال كونها بحسب المعنى الواحد، وفى نسخ بحذف الواو صفة لمفعول حدثنا أى الأحاديث المعنى فيها واحد. (غفرة) بضم الغين المعجمة، وسكون الفاء والراء. (محمد) ابن الحنفية أمة لعلى حصلت له من سبى بنى حنيفة، قيل: من سخافة عقول طائفة من الرافضة أنهم يعتقدون فى محمد هذا الألوهية، مع أن أبا بكر رضى الله عنه هو المعطى عليا رضى الله عنه أمة فلولا إعطاؤه له لخيفة كونه الإمام الأعظم، لكان آلههم دعيا (من ¬

6 - إسناده ضعيف: رواه الترمذى فى المناقب (3638)، بسنده ومتنه سواء، ورواه ابن سعد فى الطبقات (1/ 315)، والبيهقى فى الدلائل (1/ 269،270)، كلاهما من طريق عمر بن عبد الله مولى غفرة به فذكره نحوه. قلت: فيه عمر بن عبد الله مولى غفرة: ضعيف الحديث.

قال أبو عيسى: سمعت أبا جعفر محمد بن الحسين يقول: سمعت الأصمعى يقول فى تفسير صفة النبى صلى الله عليه وسلم: الممغط: الذاهب طولا-وقال: سمعت أعرابيا يقول فى كلامه: ممغط فى نشابته أى: مدها مدا شديدا-والمتردد: الداخل بعضه فى بعض قصرا-وأما القطط: فالشديد الجعودة-والرجل: الذى فى شعره حجونة، أى تثن قليل-وأما المطهم: فالبادن الكثير اللحم-والمكلثم: المدور الوجه-والمشرب: الذى فى بياضه حمرة-والأدعج: الشديد سواد العين- والأهدب: الطويل الأشفار. والكتد: مجتمع الكتفين وهو الكاهل، والمسربة: هو الشعر الدقيق الذى كأنه قضيب من الصدر إلى السرة، والشثن: الغليظ الأصابع ـــــــــــــــــــــــــــــ ولد) بفتحتين اسم جنس، أو بضم فسكون جمع ولد، ومن تبعيضية أو بيانية، والأولى أولى، لأن البيانية تشعر بالحصر، وولد علىّ لم يحصر فى محمد، ويصح أن يكون لإبراهيم، إذ الولد يشمل ولد الولد حقيقة، كما عليه الأكثرون ومجازا كما عليه الباقون. (الممغط) هو بتشديد الميم الثانية، قيل: والمحدثون يشددون الغين، المتناهى فى الطول، فهى بمعنى «المشذب» فى رواية، «والبائن» فى أخرى، وأمغط النهار إذا امتد، ومغطت الحبل إذا مددته، وأصله منمغط قلبت نونه الدالة على المطاوعة ميما، وأدغمت فى الميم، ويقال بالعين المهملة بمعناه. (المتردد) الذى يتردد بعض خلقه على بعض فهو كالقصير مجتمع. (رجلا) بفتح فكسر أى: يتكسر شعره قليلا. (ولم يكن بالمطّهم) هو المنتفخ الوجه، وقيل: الفاحش السمن، وقيل: النحيف الجسم، وهو من الأضداد، وفسره المصنف بما يأتى (ولا بالمكلثم وكان فى وجهه تدوير) أى: لم يكن شديد تدوير الوجه بل كان فى وجهه تدوير [أى لم يكن شديد تدوير الوجه تدوير] (¬1) مع السهولة وهو أحلى عند العرب، وفى رواية: «كان أسيل الخدين» (¬2) أى: مستطيلهما مع عدم ارتفاع الوجنة وهذا هو الحامل لمن سأل أكان وجهه مثل السيف؟ كما سيأتى الكلام عليه. (أبيض مشرب) بتخفيف الراء وتشديدها، ومر الكلام على ذلك مستوفى (أدعج العينين) أى: شديد سواد حدقتهما، كما فى رواية علىّ أيضا: «كان أسود الحدقة» (¬3) ¬

(¬1) ما بين [] طمس فى الأصل. (¬2) ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (7/ 151)، وقال: رواه الترمذى فى الشمائل والبيهقى والطبرانى من حديث هند بن أبى هالة، ورواه البزار والبيهقى. (¬3) ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة (7/ 150)، والهندى فى كنز العمال (18564)، وعزاه لابن جرير وابن عساكر

من الكفين والقدمين، والتقلع: أن يمشى بقوة، والصبب: الحدور، تقول: انحدرنا فى صبوب وصبب، جليل المشاش: يريد رءوس المناكب، والعشيرة: الصحبة، والعشير: الصاحب، والبديهة: المفاجأة، يقال: بدهته بأمر أى: فجأته. ـــــــــــــــــــــــــــــ (أهدب الأشفار) أى طويلها كثيرها، وهى جمع شفر بضم أوله وقد تفتح شعر العين، أو منابت الشعر المحيط بها، ففيه حذف مضاف أى شعر الأشفار (جليل المشاش) أى رءوس العظام، كالمرفقين، والركبتين والمنكبين. (والكتد) وهو بفتحتين، أو فتح فكسر مجتمع الكتفين أى: عظم ذلك كله، وهو دال على غاية القوة والشجاعة (أجرد) أى غير أشعر وهو من عم الشعر جميع بدنه، فالأجرد: من لم يعمه الشعر، فيصدق بمن فى بعض بدنه شعر، كالمسربة، والساعدين، والساقين، وقد كان له صلى الله عليه وسلم فى ذلك شعر، وقيل: أجرد أى: ليس فيه غل ولا غش، فهو على أصل الفطرة، فنور الإيمان يزداد فيه (ذو مسربة) مرّ الكلام فيه. (فى صبب) أى من صبب كما فى الرواية الآتية. (وإذا التفت التفت معا) فلا يسارق النظر وقيل: لا يلوى عنقه يمنة ولا يسرة، إذا نظر إلى الشىء، وإنما يفعل ذلك الطائش الخفيف ولكن كان يقبل جميعا ويدبر جميعا (بين كتفيه خاتم النبوة) سيأتى الكلام عليه. (خاتم النبيين) بكسر التاء بمعنى أنه ختمهم أى جاء آخرهم فلا نبى بعده، أى: لا يتنبأ أحد بعده، ونزول عيسى آخر الزمان، إنما هو بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، حكما مقسطا، عاملا بها، مصليا إلى قبلته، مستمدا من القرآن والسنة وبفتحها، بمعنى أنهم ختموا به، فهو الطابع والخاتم لهم. (أجود الناس صدرا) أى قلبا تسمية للشىء باسم محله، أو مجاوره، أى جوده بالسجيّة والطبع، لا بالتكلف والسمعة، وقيل: من الجوّدة، أى أحسنهم قلبا لسلامته من كل غش ودنس، كيف؟ وقد صحّ: «أن جبريل شقّه، واستخرج منه علقة، وقال: هذا حظّ الشيطان منك، ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم» (¬1) وصح أيضا: «ثم استخرجا قلبى، فشقاه، فأخرجا منه علقتين سوداوين، ثم غسلا جوفى بماء وثلج، ثم قلبه، ثم ذرأ السكينة فيه، ثم ختم أحدهما عليه بخاتم النبوة» (¬2)، وفى رواية عند البيهقى: «جاءانى فى صورة كوكبين، معهما ثلج، وبرد، وماء بارد، فشق أحدهما من صدره، ومج الآخر بمنقار فيه» (¬3)، وفى أخرى عند عبد الله بن أحمد من رواية المسند، وسندها صحيح، كما قاله بعض المحققين من المحدثين: «جاءاه بصحراء، وهو ابن عشر حجج، ¬

(¬1) الإمام أحمد فى مسنده (3/ 288) والبيهقى فى الدلائل (2/ 5) وأبو نعيم فى الدلائل (151). (¬2) و (¬3) البيهقى فى «الدلائل» (2/ 7)، وأبو نعيم فى الدلائل (147).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأضجعاه لقفاه ثم شقا بطنه، وأحدهما يأتى بالماء فى طست ذهب، والآخر يغسل جوفه، ثم صدره، ثم قلبه، فقال له الآخر: أخرج الغلّ والحسد منه، فأخرج شبه العلقة فنبذ به، ثم قال: أدخل الرأفة والرحمة عليه، فأدخل شيئا كهيئة الفضة، ثم أخرج ذرورا فذر عليه، ثم نقر إبهامى، ثم قال: اغد، فرجعت علام أغد به من رحمتى للصغير، ورقتى على الكبير» (¬1) وفى رواية لأبى نعيم: «فاستخرج حشوة جوفى فغسلها، ثم ذر عليها ذرورا، ثم قال: قلب وكيع-أى داع-فيه عينان تبصران، وأذنان تسمعان، وأنت محمد رسول الله المقفى، الحاشر، قلبك سليم ولسانك صادق، ونفسك مطمئنة، وخلقك قيم، وأنت قيم» (¬2) وإنما خلقت تلك العلقة فيه تكملة لخلقه الإنسانى، إذ هى من جملة أجزائه، ثم استخرجت منه بأمر ربانى طرا بعد الدلالة على مزيد الاعتناء به، والمبالغة فى تطهيره من الرذائل والنقائص. وإنما اختلفت تلك الروايات لوقوع الشق مرارا أربعة: عند حليمة، ثم وهو ابن عشر، ثم عند مناجات جبريل له بغار حراء، ثم عند الإسراء، ورواية خامسة لا تثبت، والواقعة فى طفولته من الإرهاص لا المعجزة، لاشتراط مقارنتها للنبوة على الأصح، وحكمة النص فى الآية على شرح الصدر دون القلب: أن الصدر محل الوسوسة، كما فى سورة الناس فإزالتها وإبدالها بدواعى الخير هى الشرح، فهو راجع للمعرفة والطاعة، لأنه لما بعث للأحمر والأسود، من إنسى وجنى، أخرج تعالى من قلبه جميع الهموم، فاتسع لجميع المهمات من غير قلق ولا ضجر. (وأصدق الناس لهجة) بفتحتين أو بفتح فسكون، أى لسانا، أى: كان لسانه أصدق الألسنة، فيتكلم بمخارج الحروف على ما هى عليه، بما لا يقدر عليه أحد، إذ هو أفصح الخلق، وأعذبهم كلاما وأسرعهم أداء، وأحلاهم منطقا، كأن كلامه يأخذ بمجامع القلوب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أنا أفصح العرب، وإن أهل الجنة يتكلموا بلغة محمد صلى الله عليه وسلم» (¬3) وقال له مرة: يا رسول الله: ما لك أفصحنا، ولم تخرج إلا من بين ¬

(¬1) رواه أحمد فى «المسند» (4/ 184)، والحاكم فى المستدرك (2/ 616)، وأبو نعيم فى الدلائل (150). (¬2) لم أقف عليه فى الدلائل بهذا اللفظ (145. . وما بعدها». (¬3) ذكره القاضى عياض فى «الشفاء» (1/ 80) وقال: لا أصل له. وكذلك أورده العجلونى فى «كشف الخفاء» (1/ 201) وقال: أورده أصحاب الغرائب ولا يعلم من أخرجه ولا إسناده. اه‍.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أظهرنا؟ قال: «كانت لغة إسماعيل، قد درست، فجاءنى بها جبريل فحفظتها» (¬1) رواه أبو نعيم، وحديث: «أنا أفصح من نطق بالضاد» (¬2) لا أصل له، لكن معناه صحيح وفى حديث ضعيف عن على أنه قال للنبى صلى الله عليه وسلم، وقد رآه يكلم العرب بلسان ما تفهم أكثره؟ فقال: «إن الله عز وجل أدبنى فأحسن تأديبى ونشأت فى بنى سعد بن بكر» (¬3). (وألينهم عريكة) أى طبيعة فهو مع الناس على غاية من السلامة والمطاوعة وقلة الخلاف والنفور. (وأكرمهم عشرة) فى صحبة ومخالطة، وفى نسخة: «عشيرة» أى قوما من جهة أبيه وأمه، وعند الطبرانى وغيره: «خرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح من لدن آدم، إلى أن ولد فى أبى وأمى، ولم يصبنى من سفاح الجاهلية شىء» (¬4) وعند أبى نعيم: «لم يلتق أبواى قط على سفاح، ولم يزل الله ينقلنى من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذبا لا تتشعب شعبتان، إلا كنت فى خيرتها» (¬5). وعند ابن مردويه: أنه صلى الله عليه وسلم قرأ: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ بفتح الفاء، وقال: «أنا أنفسكم نسبا وصهرا» (¬6) أى حسبا «ليس فى آبائى من لدن آدم سفاح بل نكاح»، وعند ¬

(¬1) ذكره الهندى فى «الكنز» (35462)، وعزاه للغطريفى فى «جزئه». (¬2) ذكره العجلونى فى «كشف الخفاء» (1/ 201) وقال: قال فى اللآلئ: معناه صحيح، ولكن لا أصل له كما قال ابن كثير وغيره من الحفاظ، وأورده أصحاب الغريب، ولا يعرف له إسناد، ورواه ابن سعد عن يحيى بن يزيد السعدى مرسلا بلفظ: أنا أعربكم أنا من قريش. ولسانى لسان سعد بن بكر، ورواه الطبرانى عن أبى سعيد الخدرى بلفظ: أنا أعرب العرب، ولدت فى بنى سعد، فأنّى يأتينى اللحن. كذا نقله فى «مناهل الصفا» بتخريج أحاديث الشفا للسيوطى، ثم قال فيه: والعجب من حيث ذكره فى «شرح جمع الجوامع» من غير بيان حاله، وكذا من شيخ الإسلام زكريا (الأنصارى) حيث ذكره فى شرح الجزرية اه‍، وأورده الشوكانى أيضا فى «الفوائد» (ص 327). (¬3) ذكره الهندى فى الكنز (18673) (7/ 214) وعزاه لابن الجوزى فى الواهيات وقال: لا يصح. (¬4) رواه ابن سعد فى «الطبقات» (1/ 51)، والرامهرمزى فى «الفاصل بين الراوى والواعى» (ص 136)، والطبرانى فى «الأوسط» (4728)، والبيهقى فى «السنن» (7/ 190)، والجرجانى فى «التاريخ» (ص 361)، وأبو نعيم فى «الدلائل» (ص 29). قلت: والحديث من رواية عائشة وابن عباس وعلى رضى الله عنهم، وصححه الذهبى فى «تاريخ الإسلام» (1/ 29). (¬5) رواه أبو نعيم فى الدلائل (ص 29)، وإسناده ضعيف. فيه من لم يعرف من دون عكرمة. (¬6) أورده السيوطى فى «الدر المنثور» (4/ 327)، وعزاه لابن مردويه عن أنس رضى الله عنه وفيه «نسبا وصهرا وحسبا ليس فىّ ولا فى آبائى».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبى نعيم، والطبرانى عن عائشة عنه صلى الله عليه وسلم عن جبريل قال: «قلبت مشارق الأرض ومغاربها، فلم أر رجلا أفضل من محمد، ولم أر بنى أب أفضل من بنى هاشم» (¬1). قال بعض الحفاظ: لوائح الصحة ظاهرة على صفحات هذا المتن، وعند الطبرانى «إن الله تعالى اختار خلقه، فاختار منهم بنى آدم، فاختار منهم العرب، فلم أزل خيار من خيار الأرض، من أحب العرب، فبحبى أحبهم، ومن أبغض العرب، فببغضى أبغضهم». (من رآه بديهة) أى مفاجأة. (هابه) أى خافه، لما كان يظهر عليه من عظيم الجلالة والمهابة والوقار. (ومن خالطه معرفة) أى لأجل حصول معرفته، فحصلت له. (أحبه) لكمال حسن معاشرته وما هو عظيم تألفه. (ناعته) واصفه. (لم أر قبله ولا بعده مثله) للزوم هذا الوصف له وظهوره عند من له أدنى بصيرة فلما لم يخف، كان كل واصف ملزوما بأن هذا القول يصدر عنه، وإن لم يصدر عنه التصريح به غفلة وذهولا، فأرى هنا علمية أى لم أعلم مماثلا له فى وصف من أوصاف الكمال، كيف وهو سيد النبيين وأشرف المرسلين وخيرة الله من خلقه أجمعين؟ واعلم أنها سواء كانت علمية، أو بصرية مشكلة بما يأتى عن على نفسه، وبقول أبى بكر رضى الله عنه وقد حمل الحسن، وهو يقول: بأبى شبيه النبى ليس شبيها بعلى، وعلى رضى الله عنه يضحك، ويقول أنس: كان-يعنى الحسين رضى الله عنه-أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن، وقوله أيضا: لم يكن أحد أشبه بالنبى من الحسن، -روى هذه الثلاثة البخارى (¬2)، نعم إن حمل النفى فى كلام علىّ على عموم الشبه، والإثبات فى كلام أبى بكر وأنس على نوع منه، زال الإشكال، ثم ما ذكره أنس فى الحسن والحسين رضى الله عنهما فيه تناف، إلا أن يحمل ما قاله فى الحسن على أن أحدا غيره لم يشبه النبى صلى الله عليه وسلم لأنه كان أشد شبها به من الحسين، وما قاله فى الحسين على ما بعد موت الحسن، أو ¬

(¬1) ذكره الهيثمى فى «مجمع الزوائد» (8/ 217)، وعزاه للطبرانى فى «الأوسط» وقال: فيه موسى ابن عبيدة الربذى (وهو ضعيف). (¬2) روى البخارى فى «المناقب» (3748)، من حديث أنس. فقال أنس: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مخضوبا بالوسمة» وروى أيضا فى «المناقب» (3750) من حديث عقبة بن الحارث قال: «رأيت أبا بكر رضى الله عنه وحمل الحسن وهو يقول: بأبى شبيه بالنبى. ليس شبيه بعلى. وعلى يضحك. وروى البخارى أيضا (3752) من حديث أنس رضى الله عنه قال: «لم يكن أحد أشبه بالنبى صلى الله عليه وسلم من الحسن بن على».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إن كان كلا أشد شبها به فى البعض، لرواية المصنف، وابن حبان عن على رضى الله عنه قال: الحسن أشبه ما بين الرأس إلى الصدر، والحسين أشبه ما كان أسفل من ذلك. وقد عدّوا ممن شبهه غيرهما: فاطمة، وإبراهيم ولديه صلى الله عليه وسلم وإبراهيم بن الحسن ابن الحسين بن على، ويحيى بن القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين، وكان يقال له الشبيه، قالت النسابة: وكان ليحيى هذا موضع خاتم النبوة شامة قدر بيضة الحمام، شبه خاتم النبوة، وكان إذا دخل الحمام، ورآه الناس حملوا على النبى، وازدحموا عليه يقبّلون ظهره تبركا، وكذا وصف بالشبه: جعفر بن أبى طالب، لما صح عند المصنف أنه صلى الله عليه وسلم قال: «أشبهت خلقى وخلقى» (¬1) وابنه عبد الله، وقثم بن العباس وأبو سفيان بن الحارث ومسلم بن عقيل بن أبى طالب، والقاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل وهؤلاء من بنى هاشم، والسائب بن يزيد المطلبى جد إمامنا الشافعى، وعبد الله بن عامر بن كرز بضم ففتح، وابن ربيعة بصرى، وجّه إليه معاوية، وقبل بين عينيه وأقطعه قطيعة، وكان أنس إذا رآه يبكى، وعلى بن على بن عبادان بن رفاعة الرفاعى بصرى من أتباع التابعين، والمراد به التشبيه فى جميع هؤلاء الشبه فى البعض، وإلا فجملة محاسنه منزهة عن الشريك، كما أفاده الإمام صاحب البردة. وسمعت الأصمعى إلى آخره، مر جميعه قال: الظاهر أنه راجع الأصمعى، واحتمال رجوعه للمصنف، أو شيخه محمد بعيد جدا. (فى كلامه) أى فى أثنائه. (ممغط) ليس هذا من المادة التى الكلام فيها، وهى الممغط فذكره لبيان أن المادتين، تقاربتا لفظا ومعنى. (فى نشابته) أى سهمه. (الرجل) بفتح فسكون، أو كسر وصف صاحب الشعر به مجاز والحقيقة وصف نفس الشعر المذكور به. (حجونة) بمهملة فجيم أصله الاعوجاج. (مجتمع) بضم الميم الأولى وفتح الثانية. (الكاهل) فسره غيره بأنه مقدم الظهر من العنق، والمعنى واحد، النشابة: السهم، والقضيب: السيف، وقيل: العود والحدور ضد الصعود، يتعدى ولا يتعدى، والعشير: يطلق أيضا على الزوج كما فى حديث «ويكفرن العشير». ¬

(¬1) رواه البخارى فى جزاء الصيد (1844) وفى الصلح (2699)، وفى المغازى (4251)، والترمذى فى الصلح (3765)، والدارمى (2/ 237،238)، وأحمد فى مسنده (1،98،99، 108،115) (4/ 298)، وابن حبان فى صحيحه (7046،4873)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (1/ 105)، والحاكم فى المستدرك (3/ 12)، وابن سعد فى الطبقات الكبرى (4/ 36).

7 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا جميع بن عمير بن عبد الرحمن العجلى إملاء علينا من كتابه قال: أخبرنى رجل من بنى تميم من ولد أبى هالة زوج خديجة، يكنى أبا عبد الله، عن ابن لأبى هالة، عن الحسن بن على رضى الله عنهما قال: سألت خالى هند بن أبى هالة-وكان وصّافا-عن حلية النبى صلى الله عليه وسلم، وأنا أشتهى أن يصف لى شيئا منها أتعلق به، فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ 7 - (جميع بن عمير) بالتصغير (¬1) وثقه ابن حبان (¬2) وضعفه غيره، وفى نسخ: عمر وهو تحريف، وما فى الأحاديث الطوال للحافظ أبى موسى المدينى صريح فى أن المحرف جميع بن عمير، لا جميع بن عمر، قال: وهذا الطريق عزيز لأجل رواية الأخ الأكبر الحسن بن على، عن الأصغر الحسين بن على أنه منهم يعرف بجميع، وهو ابن عمر بن عبد الرحمن يكنى: أبا بكر، ويقال: أبو جعفر، كوفى يعرف بهذا الحديث، وبحديث آخر له، وسمى فى التابعين، اسمه جميع بن عمير أكثر حديثا من هذا وأشهر، وقد قيل فى هذا الحديث: عن جميع، عن يزيد بن عمرو عن أبيه، عن الحسن، والأشهر، عن جميع عن يزيد بن عمر بضم العين، عن ابن أبى هالة. انتهى. وفى ترتيب ثقات العجلى لشيخ الإسلام تقى الدين السبكى ما نصه: جميع بن عمر ¬

7 - إسناده ضعيف جدا: رواه ابن سعد فى «الطبقات» (1/ 316)، ورواه البغوى فى شرح السنة (13/ 270)، والبيهقى فى «دلائل النبوة» (1/ 286)، وابن عدى فى «الكامل» (7/ 134)، والمزى فى تهذيب الكمال (1/ 213،214)، كلهم من طريق جميع بن عمير به فذكره. قلت: فى إسناده جميع بن عمير، قال الحافظ فيه: «ضعيف» (968)، وكذلك: أبو عبد الله التميمى: «مجهول»، [التقريب (8206)]. (¬1) قال المناوى: ابن عمر مكبرا، كذا فى نسخ الشمائل وفى بعض الروايات عمير مصغرا، واختاره الحافظ ابن حجر وهو ما أورده الحافظ المزى فى «تهذيب الكمال» (5/ 122)، وتبعه فى الميزان-أى الذهبى- (1/ 421)، لكن اختار الحافظ ابن حجر تصغيرهما. وذكر مثله القارئ. (¬2) انظر: الثقات له (8/ 166)، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ونقل على القارئ كلام المصنف، وكذلك قول الحافظ فى التقريب: «ضعيف رافضى». . . وقال: واختلف فى قبول رواية المبتدع، والأصح أنه إن كانت بدعته ليست بكفر وهو غير داع إلى بدعته، فيقبل إن كان متصفا بالضبط والورع. اه‍.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العجلى، كوفى لا بأس به يكتب حديثه، وليس بالقوى انتهى. (إملاء) أى إلقاء، وهو مصدر حدثنا من غير لفظه، أو تمييز أو حال أى ممليا (علينا من كتابه) أى لنكتبه، وإيثاره للكتاب لزيادة الاحتياط أو لنسيان بعض المروى (خديجة) أم المؤمنين رضى الله عنها كانت تدعى فى الجاهلية الطاهرة وكانت تحت أبى هالة بن زرارة التيمى فولدت له ذكرين هندا وهالة، ثم تزوجها عتيق بن خالد المخزومى، فولدت له أنثى تسمى هند، ثم تزوجها النبى صلى الله عليه وسلم، وله خمس وعشرون سنة ولها أربعون، ولم ينكح قبلها، ولا عليها حتى ماتت، وهى أول من آمن، قيل: مطلقا وقيل: من النساء، وجميع أولاده منها، إلا إبراهيم، فمن مارية (يكنى: أبا عبد الله) أى ويسمى بيزيد بن عمر، وهذا صفة لرجل، لا لزوج، وهو مجهول، فالحديث فيه علل، (عن الحسن) (¬1) أبى محمد سبط رسول الله، ولد فى رمضان سنة ثلاث من الهجرة ومات سنة تسع وأربعين، ولما قتل أبوه بالكوفة بايعه بعد الموت أربعون ألفا، ثم سلم الأمر إلى معاوية، تحقيقا لما أخبره به صلى الله عليه وسلم عنه بقوله: «إن ابنى هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» (¬2). (وكان) حال من [مفعول] (¬3) سأل. (عن حلية) تنازعه سأل ووصافا لتضمنه معنى مخبرا، والحلية: الهيئة والشكل. (وأنا) حال من فاعل سأل (شيئا) تنويه ¬

(¬1) هو سيدنا الحسن بن على بن أبى طالب القرشى الهاشمى، أبو محمد سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن ابنته فاطمة، سيدة نساء أهل الجنة، وقيل: العالمين وهو سيدهم هو وأخوه الحسين، ريحانتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذى سماهما حين ولدا. ولم يسبقا إلى هذين الاسمين، وحنكهما، وبارك عليهما، وعقّ عنهما وكانا يشبهانه، فالحسن رضى الله عنه يشبه ما بعد ذلك. وكان الحسن أعجبهما إليه، وكان يجلسه معه على المنبر ويقول: «إن ابنى هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين»، جامع المسانيد والسنن للحافظ ابن كثير (3/ 470، 471)، وقد وردت أحاديث كثيرة فى فضله ومناقبه رضى الله عنه وأرضاه. وانظر فى ترجمته: مسند أحمد (1/ 199)، والفضائل له (25)، والتاريخ الكبير (2/ 2491)، وحلية الأولياء (2/ 35)، سير أعلام النبلاء (3/ 245،279)، تهذيب التهذيب (2/ 295، 301)، وغيرها كثير. (¬2) رواه البخارى (2704)، و (3629)، (3746)، (7109)، وأبو داود (4662)، والترمذى (3773)، والنسائى (3/ 107)، وفى فضائل الصحابة (63)، وفى عمل اليوم والليلة (251)، وأحمد فى المسند (5/ 37،38،44)، والطبرانى فى الكبير (2580). (¬3) الزيادة من (ش).

«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخّما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذّب، عظيم الهامة، رجل الشّعر، إن انفرقت عقيقته فرقها، وإلاّ فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفّره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزجّ الحواجب، سوابغ فى غير قرن، بينهما عرق يدرّه الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمّله أشمّ، كثّ اللّحية، سهل الخدين، ضليع الفم، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأنّ عنقه جيد دمية فى صفاء الفضّة، معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصّدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرّد، موصول ما بين اللّبّة والسّرّة بشعر يجرى كالخط، عارى الثّديين والبطن ممّا سوى ذلك، بشعر الذّراعين والمنكبين وأعالى الصّدر، طويل الزّندين، رحب الرّاحة، شثن الكفّين والقدمين، سائل الأطراف-أو قال: شائل الأطراف-خمصان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفيّا ويمشى هونا، ذريع المشية، إذا مشى كأنّما ينحطّ من صبب وإذا التفت التفت معا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السّماء، جلّ نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدر من لقى بالسّلام». ـــــــــــــــــــــــــــــ للتعظيم، أو للتنكير، أو للتعليل، وهو الأنسب بالسياق. (أتعلق به) أى أعيه وأحفظه. (فخما مفخما) أى عظيما فى نفسه معظّما فى الصدور والعيون عند كل من رآه (يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر) لأنه كان أحسن الناس وجها، وأحسنهم خلقا كما فى الصحيحين عن البراء، وعند المصنف، وغيره عن أبى هريرة. «ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجرى فى وجهه» (¬1) شبه جريانها فى فلكها بجريان الحسن فى وجهه، أو جعل وجهه مقرا، وكأن الشمس يبالغ فى تناهى التشبيه، وفى النهاية «كان إذا سر، فكأن وجهه المرآة، وكأن البدر يرى بشخصه فى وجهه لشدة نوره ¬

(¬1) رواه الترمذى فى المناقب (3648)، وأحمد فى المسند (2/ 350)، والبغوى فى شرح السنة (3649)، وابن حبان فى صحيحه (6309).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وصفائه» وأثر ابن هالة ذكر القمر لأنه يتمكن من النظر إليه، ويؤنس من شاهده من غير أذى يتولد عنه، بخلاف الشمس، لأنها تغشى البصر، وتؤذى، وليلة البدر، لأن القمر فيها فى نهاية إضاءته وكماله، ثم تشبيه بعض صفاته بنحو القمر، والشمس إنما جرى على عادة الشعراء والعرب، أو على سبيل التقريب والتمثيل، وإلا فشىء يعادل شيئا من أوصافه إذ هى أعلى وأجل من كل مخلوق. (أطول من المربوع) أى الحقيقى ومر تسمية ربعة مع الجواب عنه (وأقصر من المشذب) بفتح معجمتيه مع تشديد ثانيهما، وهو البائن طولا فى نحافة، فعلم أنه كان بينهما وهو بمعنى ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير المتردد. (عظيم الهامة) أى الرأس والجمع هامات (إن انفرقت عقيقته) بقافين شعر رأسه الشريف وروى عقيصته أى شعره المعقوص، أى انشقت بنفسها من المفرق، فصارت فرقتين. (فرقها) أى أبقاها على انفراقها، وإلا إن لم تنفرق بنفسها، فلا يفرقها بل يتركها معقوصة، وحينئذ فقد تجاوز (شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره) أى جمعه ويصح أن يكون تجاوز من مدخول النفى أى إن انفرق شعره بعدما عقصه فرق أى ترك كل شىء فى منبته، وإلا ينفرق، بل استمر معقوصا، كأن موضعه الذى يجمع فيه حذاء أذنيه: (فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره) وسيأتى للمصنف، وفى مسلم نحوه «أنه صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رءوسهم، وكان أهل الكتاب يسدلون رءوسهم، وكان يحب موافقة أهل الكتاب، فيما لم يؤمر فيه بشىء، ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسدل الشعر: إرساله، والمراد هنا: إرساله على الجبين واتخاذه كالقصة، وأما فرقه فهو فرق بعضه من بعض ويجوز الفرق والسدل لكن الفرق أفضل لأنه الذى رجع إليه صلى الله عليه وسلم (أزهر اللون) أى أبيضه بياضا نيرا لأنه مشرب بحمرة وليس بأمهق كما مرّ (واسع الجبين) أى واضحه وهى بمعنى «صلت الجبين» فى رواية، «عظيم الجبهة» فى أخرى، (أزج الحواجب) أى الحاجبين أى مقوسهما، مع كثرة شعرهما وطوله فى ظرف، وامتدادهما ودقتهما مع طول. (سوابغ) أى كاملات. (فى غير قرن) بالتحريك أى اتصال أسنهما، وهذا مخالف لما فى خبر أم معبد وغيرها من: «أنه أزج أقرن» أى: مقرون الحاجبين، قال ابن الأثير: والأول أصح انتهى. وكان بين حاجبيه فرجة دقيقة لا تبين، إلا لمتأمل، فهو غير أقرن فى الواقع، وإن كان أقرن حسب الظاهر عند من لم يتأمله، لأنهما سبغا حتى كاد يلتقيان. (بينهما عرق يدره الغضب) أى يمتلئ الضرع لبنا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا در، أو يحركه الغضب ويظهره (أقنى العرنين) هو أول الأنف حيث يكون فيه شمم، وأوله هو ما تحته، مجتمع الحاجبين، والقنى فى الأنف طوله ودقة أرنبته، مع جدب فى وسطه، وفى رواية: «أقنى الأنف» (¬1) أى: سائل مرتفع وسطه له أى: العرنين، إذ هو الأقرب والأنسب بالسياق، أو للنبى صلى الله عليه وسلم، لأنه الأصل. (ويعلوه نور يحسبه من) ينظر إليه. (لم يتأمله أشم) أى مرتفع قصبة الأنف، مع استواء أعلاها، لعلو نور العينين، وهو فى الحقيقة غير أشم، وإنما موجب ظن كونه أشم، عدم التأمل. (كث اللحية) بفتح الكاف أى غير دقيقها ولا طويلها. (سهل الخدين) أى سائلهما من غير ارتفاع فى وجنتيه، وذلك أحلى عند العرب كما مر، وروى البزار والبيهقى: «كان أسيل الخدين» (¬2)، وهو بمعنى ما تقرر. (ضليع الفم) رواه مسلم عن جابر أيضا أى: واسعه، ولسعته كان يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، والعرب تمتدح به، وتذم بصغر الفم، وقال شمر: عظيم الأسنان وقيل: شدتها وتمامها، وقال الجوهرى: الضلع والضلاعة: القوة، وذلك دليل على الفصاحة. (مفلج الأسنان) أشنب، وشنبها: رونقها وماؤها، وقيل: رقتها، وتحريزها، وفلجها: تفريقها، وقيل: تفريق الثنايا. والرباعيات، وفى رواية لابن سعد: «مبلج الثنايا بالموحدة»، وفى أخرى لابن عساكر: «براق الثنايا»، وسيأتى «كان أفلج الثنيتين، إذا تكلم رؤى كالنور يخرج من بين ثناياه». أخرج أحمد وغيره: «أنه صلى الله عليه وسلم شرب من دلو فصب فى بئر ففاح منه مثل رائحة المسك» (¬3)، وأبو نعيم «أنه بزق فى بئر بدار أنس فلم يكن بالمدينة بئر أعذب منها»، وللبيهقى: «أنه كان يوم عاشوراء يتفل فى أفواه رضعائه» ورضعائه: ابنته فاطمة، ويقول: «لا ترضعوهم إلى الليل، فكان ريقه يجزئهم» (¬4)، والطبرانى: «أن نسوة مضعن ¬

(¬1) ذكره الزبيدى فى «إتحاف السادة المتقين» (7/ 151)، وعزاه للبزار والبيهقى. (¬2) انظر: لسان العرب (4/ 4599). (¬3) رواه أحمد فى المسند (4/ 416)، وابن ماجه (659)، (1/ 216)، والحميدى فى مسنده (2/ 393)، (886)، وقال البوصيرى فى «الزوائد» (1/ 237): هذا إسناد منقطع عبد الجبار لم يسمع من أبيه شيئا، قاله ابن معين. قلت: ذكر الحافظ المزى فى «تهذيب الكمال» (16/ 394) قول عباس الدورى عن يحيى بن معين: «ثبت ولم يسمع من أبيه شيئا». (¬4) رواه البيهقى فى «دلائل النبوة» (6/ 226)، والطبرانى فى «الأوسط» (2568)، وذكره الحافظ فى «المطالب» (1/ 294)، (1008)، وعزاه للحارث وأبى يعلى فى «مسنديهما». وكذلك أورده الهيثمى فى «مجمع الزوائد» (3/ 186)، وعزاه للطبرانى فى «الكبير والأوسط» ولأبى يعلى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قديدة مضغها فصمن، فلم يوجد لأفواههن خلوف، وأنه مسح بيده، وبها ريقه ظهر عتبة وبطنه، فلم يشم أطيب منه رائحة»، وابن عساكر: «أن الحسن اشتد ظماؤه، فأعطى لسانه فمصه حتى روى، وبصق يوم حنين بعينى على، وهما رمد فبرئ» (دقيق المسربة) بضم الراء، وصفها بالدقة للمبالغة، إذ هى الشعر الدقيق، وأما بفتحها، فواحدة المسارب وهى المراعى (كأن عنقه جيد دمية) أى صورة مصورة من عاج وقوة فشبه العنق بجيدها من حيث الهيئة والشكل، إذا مصورها يبالغ فى تحسينها ما أمكنه، ولما كان هذا التشبيه يوهم أنه تشبيه لبياضها أيضا، دفع ذلك بقوله: (فى صفاء الفضة) فعنقه صلى الله عليه وسلم بلغ الغاية القصوى من حيث الهيئة والشكل ومن حيث اللون، إذ غاية ما يشار لتلك الأنوار الساطعة من لونه بصفاء الفضة (معتدل الخلق) فى جميع أوصافها لأن الله معه حماه خلقا وشريعة، وأحدّ من غائلتى الإفراط والتفريط، وقد مرّ نحو ذلك فى نحو لونه وقدمه وشعره، ما يوضح ذلك. (بادن) ضخم البدن لا مطلقا، بل بالنسبة لما مرّ من كونه: «شثن الكفين، والذراعين، جليل المشاش، والكتد»، ولما كان إطلاق البادن يوهم الإفراط فى السمن المستدعى لرخاوة البدن، وعدم استمساكه، وهو مذموم اتفاقا، استدرك، ونفى ذلك بقوله: (متماسك) أى يمسك بعضه بعضا، لما اشتمل عليه من الاعتدال للقام، وبلوغ الغاية فى تناسب الأعضاء والتركيب صلى الله عليه وسلم. (سواء البطن والصدر) كناية عن أنه خميص الحشى، أى ضامر البطن وهى أعنى الكناية عند البيانيين، الانتقال من الملزوم إلى اللازم مع جواز إرادة الملزوم، وبهذا الأخير، فارقت المجاز، إذ فيه لا يجوز إرادة الحقيقة معه، إلا عند الفقهاء كالشافعى، ومن تبعه (أنور المتجرّد) بفتح الراء ما زال عنه الثياب إذ الأنور المشرق، والمتجرد الذى نزع ما كان عليه، تقول العرب: فلان حسن المجردة والمجرد، والمتجرد، والعرية، والعرى، والكل بمعنى واحد. (اللبة) النقرة التى فوق الصدر. (والسرة بشعر) متعلق بموصول. (مما سوى ذلك) الخط أى ليس فى ثدييه وبطنه شعر، وما تحت إبطيه لا شعر فيه أيضا، على ما زعمه القرطبى، وقد ردّه شيخ الإسلام: أبو زرعة بأن ذلك لم يثبت بوجه من الوجوه، والخصائص لا تثبت بالاحتمال، ولا يلزم من ذكر أنس وغيره:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بياض إبطيه أن لا يكون له شعر، فإنه إذا نتفت بقى المكان أبيض، وإن بقى فيه أثر، وحسن الترمذى خبر: «كنت أنظر إلى عفرة إبطيه إذا سجد» والعفرة بياض ليس بالناصع، لما قال الهروى وغيره (¬1)، ولكن كلون عفرة الأرض وهو وجهها، فأثر الشعر هو الذى جعل المكان أعفرا فلو خلى عنه جملة لم يكن أعفرا، نعم الذى نعتقده، أنه لم يكن لإبطه رائحة كريهة، بل كان نظيفا طيب الرائحة، كما ثبت فى الصحيح. (بشعر الذراعين والمنكبين) وأعلى: أى أن شعر هذه الثلاثة غزير وكثير. (طويل الزندين) أى عظيم الذراعين إذ الزند موصل عظم الذراع فى الكف، وهما زندان الكوع والكرسوع. (رحب الراحة) واسع الكف حسا ومعنى. (سائل الأطراف) بالمهملة ممتدها وهى الأصابع امتدادا معتدلا بين الإفراط والتفريط. (أو) للشك. (شائل الأطراف) أى مرتفعها، وهو يؤل لما قبله من شالت الميزان إذا ارتفعت إحدى كفتيه. (خمصان الأخمصين) قال ابن الأثير: الأخمص من القدم الموضع الذى لا يلتصق بالأرض منها عند الوطئ، والخمصان: البالغ منه أى أن ذلك الموضع من أسفل قدميه شديد التجافى عن الأرض وقال ابن الأعرابى: إذا كان خمص الأخمص بقدر لم يرتفع جدا، ولم يستو أسفل القدم جدا، فهو أحسن ما يكون، وإذا استوى، أو ارتفع جدا فهو مذموم، والمعنى على هذا الأنسب بأوصافه، إذ هى فى غاية الاعتدال أن أخمصه معتدل الخمص، بخلاف الأول، ووقع فى حديث أبى هريرة: «إذا وطئ بقدمه، وطئ بكلها، ليس له أخمص» (¬2) أى: غير معتدل لا ينافى الأنسب المذكور. (مسيح القدمين) أى أملسهما لينهما، فليس فيهما تكسر، ولا تشقق، فمن ثم كان (ينبو عنهما الماء) أى يرتفع ويسيل سريعا لملاسهما ولينهما، ومر «أنه كان غليظ أصابعهما»، وروى أحمد وغيره: «أن سبابتهما كانتا أطول من بقية أصابعهما»، وللبيهقى: «كانت خنصره من رجله متظاهرة» قال بعض الحفاظ: وما اشتهر من إطلاق أن سبابته كانت أطول من وسطاه غلط، وإنما ذلك خاص بأصابع رجليه. (قلعا) بالفتح مصدر بمعنى الفاعل أى: قالعا لرجله من الأرض، وبالضم إما مصدر أو اسم بمعنى الفتح، أو بفتح فكسر، وهو ¬

(¬1) الغريبين لأبى عبيد أحمد بن محمد الهروى صاحب الأزهرى (2/ 231)، أتم الله لنا تحقيقه. وانظر: النهاية لابن الأثير (3/ 261). (¬2) انظر: النهاية (2/ 80)، وكذلك اللسان (2/ 1266).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعنى رواية: «كأنما ينحط من صبب» إذ الانحدار من الصبب، والتقلع من الأرض متقاربان، والمعنى أنه كان يستعمل التثبت، ولا يتبين منه حينئذ استعجال، أو مبادرة شديدة. (يخطو تكفيا) بالياء والهمزة، أى: مائلا إلى سنن المشى. (ويمشى هونا) نعت لمصدر محذوف أى: مشيا هونا، أو حال أى: هينا فى تؤدة وسكينة، وحسن سمت ووقار وحلم، لا يضرب بقدمه، ولا يخفق بنعله، أشرا وبطرا، ومن ثم قال ابن عباس فى قوله: وَعِبادُ اَلرَّحْمنِ اَلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى اَلْأَرْضِ هَوْناً (¬1) بالطاعة والعفاف والتواضع (¬2)، وقال الحسن: إن يجهل عليهم لم يجهلوا (¬3). قال بعض المفسرين: وذهبت طائفة: إلى أن هونا، مرتبط بقوله تعالى: عَلَى اَلْأَرْضِ بمعنى أن المشى هو الهون، يشبه أن يتناول هذا على أن يكون أخلاق ذلك الماشى هونا مناسبة لمشيه فيرجع الأمر إلى نحو ما مر، فالثناء عليهم ليس من حيث صفة المشى فقط إذ ربّ ماش هونا رويدا وهو ذئب أطلس (¬4)، وقال الزهرى: سرعة المشى تذهب بهاء الوجه، يريد الإسراع الخفيفة، لأنه أقل بالوقار، والخير فى الأمر الوسط، وسرعة مشيه صلى الله عليه وسلم كما فى قوله هنا (ذريع المشية) أى واسع الخطوة وكانت برفق وتثبت دون عجلة وهوج، وإسراع عمر رضى الله عنه جبلة لا تكلف وقوله: (وإذا التفت. . .) إلخ، أراد أنه لا يسارق النظر، وقيل: لا يلوى عنقه يمنة ولا يسرة، إذا نظر إلى الشىء، وإنما يفعل ذلك الطائش الخفيف ولكن كان يقبل جميعا، ويدبر جميعا، لما أن ذلك أليق بجلالته ومهابته، وخفض طرفيه، لكثرة تناقله، وتفكره فى صالح أمته، وفى أمور الآخرة والرسالة وكثرة نظره إلى الأرض لكثرة حيائه وتأدبه مع ربه. (جل نظره) أى أكثره. (¬5) (الملاحظة) مفاعلة من اللحظ، وهو النظر بشق العين الذى يلى الصدغ وأما الذى ينظر فى جملة الأنف، فالموق والماق. (يسوق أصحابه) أى يمشون بين يديه، وهو خلفهم، ويقول: «خلوا ظهرى للملائكة». (ويبدر) أى يبادر، وفى نسخة: «ويبدأ». (من لقى) ¬

(¬1) سورة الفرقان: آية (63). (¬2) رواه ابن أبى حاتم فى تفسيره (15334،15336،15341) عن ابن عباس رضى الله عنهما. (¬3) رواه ابن أبى حاتم فى «التفسير» (15343)، (15345). (¬4) انظر: تفسير البحر المحيط (8/ 126)، وفتح القدير (4/ 125)، ونظم الدرر (13/ 420). (¬5) رواه أحمد فى مسنده (3/ 398)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 117)، وذكره الألبانى فى السلسلة الصحيحة للأحاديث (4/ 79).

8 - حدثنا أبو موسى محمد بن المثنّى، وحدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سمّاك بن حرب، قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكل العين، منهوس العقب». قال شعبة: قلت لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم. قلت: ما أشكل العينين؟ قال: طويل شق العين. قلت: ما منهوس العقب؟ قال: قليل لحم العقب. ـــــــــــــــــــــــــــــ من أمته. (بالسلام) لمزيد كرم أخلاقه، وعلى تواضعه، وفى أفعاله هذه من تعليم الأمة، وحملهم على محاسن الأخلاق، ومن كيفية المشى، والالتفات والنظر إلى الناس، وخفض الطرف، وسوق الأصحاب، والمبادرة بالسلام، ما لا يخفى على الموفقين لفهم أسرار أحواله العادية وغيرها، نسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه. 8 - (قلت: ما أشكل العينين؟ قال: طويل شق العين) اعترضه القاضى عياض وغيره: بأن هذا وهم، وغلط ظاهر، بل الصواب أن الشكلة: الحمرة تكون فى بياض العين، وهذا محمود محبوب، وللبيهقى عن على رضى الله عنه: «كان صلى الله عليه وسلم عظيم العينين، أهدب الأشفار، مشرب العين بحمرة» (¬1)، وأما الشهلة: فإنها حمرة فى سوادها، لا طول شق العين خلافا لمن وهم فيه. تنبيه: روى البخارى والبيهقى: «أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى بالليل فى الظلمة، كما يرى بالنهار فى الضوء» (¬2)، وروى الشيخان: «ما يخفى علىّ ركوعكم وسجودكم، إنى لأراكم من وراء ظهرى» (¬3) وهذا من جملة خوارق العادات له، إذ الرؤية فى حق المخلوقات تتوقف ¬

8 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى «المناقب» (3647)، ورواه مسلم فى «الفضائل» (2339)، والطيالسى فى مسنده (765)، والإمام أحمد فى «مسنده» (5/ 86،97،103)، والترمذى (3646)، والبغوى فى «شرح السنة» (3537)، كلهم من طريق محمد بن جعفر (غندر) به فذكره. (¬1) رواه أحمد فى مسنده (1،89،101،151)، (2/ 328،448). (¬2) رواه البيهقى فى دلائل النبوة (6،75) ذكره الهندى فى كنز العمال (18519)، وعزاه للبيهقى فى الدلائل عن ابن عباس، ابن عدى عن عائشة (7/ 160). (¬3) رواه البخارى فى الأذان (741)، ومسلم فى الصلاة (424)، والحميدى فى مسنده (961).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [اتفاقا] (¬1) على حاسة ومقابلة وشعاع، ولكن خالق البصر فى العين، قادر على خلقه فى غيرها، وكما أنه أطلق باطنا على ما بين يديه وما خلفه من علوم الأولين والآخرين، التى بين مدركات القلوب، كذلك خلق الله ظاهرا على ما أمامه وما خلفه من مدركات العيون، وقيل: كان له بين كتفيه عينان كسم الخياط يبصر بهما ولا يحجبهما الثياب، وقيل: كانت صورهم تنطبع فى قبلته، فكانت له كالمرآة بواسطة ما يقع عليها فى نور وجهه الشريف، وردّ: بأنه لم يصح فى ذلك شىء، ولا مجال للرأى فيه، فالأولى حمله على الإدراك من غير آلة معجزة له صلى الله عليه وسلم وقيل: المراد بالرؤية: العلم بوحى وإلهام، ورد: بنحو ما تقدم، ولا ينافى ذلك خبر: «إنى لا أعلم ما وراء جدارى» إن قلنا: إن له أصلا، وهو ما أشعر به كلام شيخ الإسلام فى تخريج أحاديث العراقى، لكنه صرح فى غيره أنه لا أصل له، أى وإن ذكره ابن الجوزى، لأنه لم يذكر له سندا، وذلك لأنه فى غير الصلاة وما مر فيهما على أنهما لم يتواردا على محل واحد، بناء على ما مرّ من أنه يدرك ما وراء ظهره ببصره معجزة له، لأن نفى العلم هنا عن المغيبات، وذلك مشاهدة ولا ينافى إخباره بكثير من المغيبات، ووقعت كما أخبر لأن نفى العلم هنا ورد على أصل الوضع، وهو أن علم الغيب مختص بالله، وما وقع فيه للنبى فبوحى، أو إلهام، ولما ضلت ناقته، طعن بعض المنافقين فى نبوته، فقال: «إنى لا أعلم، إلا ما علمنى ربى، وقد دلنى ربى عليها، وهى فى موضع كذا، حبستها شجرة بخطامها» فوجدت كما أخبر، فاتضح أنه لا يعلم ما وراء جداره، ولا غيره إلا بوحى، أو إلهام، وعند السهيلى: «أنه كان يرى فى الثريا اثنى عشر نجما» وفى الشفاء: «أحد عشر نجما»، وكما أن بصره جاوز العادة ظاهرا وباطنا كما تقرر، كذلك سمعه، فقد روى المصنف: «إنى أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط»، وفى رواية: هى نعيم تسمعون ما أسمع؟» قالوا: ما نسمع من شىء، قال: «إنى لأسمع أطيط السماء». (منهوس العقب) بالمهملة عند الجمهور ويروى بالمعجمة وهو بمعنى ما ذكره سماك. ¬

(¬1) الزيادة من (ش).

9 - حدثنا هناد بن السّرىّ، حدثنا عبثر بن القاسم، عن أشعث-يعنى: ابن سوار-عن أبى إسحاق، عن جابر بن سمرة، قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ليلة إضحيان، وعليه حلّة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فلهو عندى أحسن من القمر». 10 - حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرّؤاسىّ، زهير، عن أبى إسحاق، قال: سأل رجل البراء بن عازب: «أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السّيف؟ قال: لا، بل مثل القمر». ـــــــــــــــــــــــــــــ 9 - (ابن سوار) بوزن غفار روى له مسلم وغيره (عن جابر) الحديث الصحيح عنه، وعن البراء كما قاله البخارى، وبه يرد قول النسائى إسناده لجابر خطأ. (ليلة إضحيان) بكسر الهمزة، وبالضاد المعجمة والألف والنون زائدتان، وهو صفة لليلة، وتركت التاء منه، لأنه من خواص أوصاف المؤنث، فكان كحائض، يجوز فيه تركها، وكذا إثباتها، لكن على قلة شك، ولا تجوز فيه الإضافة، لأنه صفة للقمر، أى ليلة قمر ضاح، وعلى كل فالمراد: ليلة ضاحية مضيئة لا غيم فيها ولا ظلمة، لأنها مقمرة من أولها إلى آخرها، (وعليه حلة حمراء) بيان لما وجب التأمل فيه لظهور مزيد حسنه صلى الله عليه وسلم. (عندى) لبيان الواقع لا للتخصيص والاحتراز عن غيره فإن ذلك عند كل أحد قبله كذلك. 10 - (الرؤاسى) بضم وبالهمزة والسين المهملة، نسبة إلى جده. (لا بل مثل القمر) ¬

9 - صحيح: أخرجه: الإمام الترمذى فى الأدب (2811)، والدارمى فى المقدمة (1/ 57)، والطبرانى فى المعجم الكبير (2/ 1842)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى» (ص 111)، والحاكم فى المستدرك (4/ 186)، جميعا من طريق الأشعث بن سوار به فذكره. قال أبو عيسى: حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث الأشعث، وقال الحاكم: صحيح، ووافقه الذهبى. قلت: وفى إسناده الأشعث. اختلف عليه: فضعفه أحمد والنسائى، ووثقه الدورقى، وصحح البخارى حديثه، انظر: تهذيب الكمال (3/ 264)، وقال الحافظ فى التقريب (524): ضعيف وصححه الشيخ الألبانى فى مختصر الشمائل. 10 - إسناده صحيح: أخرجه: الترمذى فى المناقب (3636) بسنده ومتنه سواء، وأخرجه البخارى فى المناقب (3552)، والدارمى فى المقدمة (1/ 64)، والإمام أحمد فى المسند (4/ 281)، وأبو داود الطيالسى فى مسنده (2411)، كلهم من طريق زهير بن معاوية به فذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زاد مسلم: «لا بل مثل الشمس والقمر، وكان مستديرا» وأفاد بهذا الأخير أنه جمع الصفتين الاثنتين، لأن قول السائل: «مثل السيف» حتى أنه أراد به الطول واللمعان، فرده المسئول ردا بليغا وجمع الكوكبين، لأن الأول يراد به غالبا التشبيه فى الإشراق والإضاءة، والثانى يراد به التشبيه فى الملاحة والحسن، فبين أن وجهه صلى الله عليه وسلم جمع هذين المضيئين مع ما فيه من نوع استدارة وطول كما مر تقريره، مع بيان الحامل على السؤال. وأخرج البخارى عن كعب بن مالك «كان صلى الله عليه وسلم إذا سر، استنار وجهه، كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف منه» (¬1) أى الموضع الذى يتبين فيه السرور، وهو جبينه، وقالت عائشة: «إذا كان مسرورا تبرق أسارير وجهه» (¬2) ولذلك قال: «قطعة قمر»، وللطبرانى: «التفت إلينا رسول صلى الله عليه وسلم بوجهه مثل شقة القمر» (¬3)، وهذا محمول على صفته عند الالتفات. وبما تقرر يعلم أن وجه اقتصار كعب فى الرواية الأولى على: «قطعة قمر» مع كونه من شعراء الصحابة وحكمائهم؛ أنه إنما أراد تشبيه قطعة من وجهه، وهى جبينه إذا سرّ حينئذ لا يسعه أن يشبه هذه القطعة بالقمر جميعه، لأن فى رواية عنه شبه الوجه جميعه «بدارة القمر» فلزمه تشبيه بعضه ببعضه، وهذا الذى ذكرته ظاهر يندفع به ما قيل سبب الاقتصار على القطعة؛ الاحتراز عما فى القمر من السواد، لأن وجه التشبيه بالقمر من الإضاءة والملاحة لا يخفى على أحد، ولا يتوهم من التشبه به خلافه، ولا يحتاج للاحتراز عنه. ¬

(¬1) رواه البخارى فى المناقب (3556)، ومسلم فى التوبة (2769)، والإمام أحمد فى المسند (3/ 459)، (6/ 390)، والحاكم فى المسند (2/ 605)، والبيهقى فى الدلائل (1/ 197)، من حديث كعب بن مالك رضى الله عنه. (¬2) رواه البخارى فى المناقب (3555)، (3731)، (6770)، (6771)، ومسلم فى الرضاع (1459)، وأبو داود فى الطلاق (2267)، (2268)، والترمذى فى الولاء والهبة (2129)، والنسائى فى الطلاق (6/ 184)، وأحمد فى المسند (6/ 82،226). (¬3) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (8/ 280)، وعزاه للطبرانى وقال: فيه من لم أعرفهم.

11 - حدثنا أبو داود المصاحفى: سليمان بن سلم، حدثنا النضر بن شميل، عن صالح بن أبى الأخضر، عن ابن شهاب، عن أبى هريرة رضى الله عنه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض، كأنّما صيغ من فضّة، رجل الشّعر». 12 - حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: أخبرنى الليث بن سعد، عن أبى الزبير، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عرض علىّ الأنبياء، فإذا موسى عليه السّلام ضرب من الرّجال كأنّه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم عليه السّلام فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم عليه السّلام فإذا أقرب من رأيت به شبها بصاحبكم-يعنى نفسه-ورأيت جبريل عليه السّلام فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية». ـــــــــــــــــــــــــــــ 11 - (المصافحى) بفتح الميم. (سلم) بفتح فسكون. (شميل) بضم المعجمة ففتح. (كأنما صيغ من فضة) باعتبار ما كان يعلو بياضه من النور والإضاءة فلا ينافى قوله: «كان مشربا بالحمرة» المعبر عنه فى رواية «بالسمرة». تنبيه: سيأتى فى باب قراءة النبى: «ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت، وكان نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا» وهو صريح فى أنه كان أحسن وجها من يوسف، وسيأتى لذلك مزيد. 12 - ثم (عرض علىّ الأنبياء) أى فى النوم، أو فى ليلة المعراج، لأنه رآهم ليلته، واجتمع بهم حقيقة، قيل على الأول: لا إشكال فى رؤيتهم بهذه الصورة، وعلى ¬

11 - إسناده ضعيف وهو صحيح بشواهده: وعلّته: صالح بن أبى الأخضر، قال عنه الحافظ فى التقريب (2844): ضعيف يعتبر به. قلت: الحديث تفرد المصنف به. وله شواهد كثيرة، مفرقة الألفاظ عن جمع من الصحابة منهم: أنس، البراء، على رضى الله عنهم وغيرهم. وانظر: الأحاديث المتقدمة برقم (2،3، 6،7). 12 - صحيح: رواه المصنف فى المناقب (3649) بسنده ومتنه سواء. أخرجه: مسلم فى الإيمان (167)، والإمام أحمد فى مسنده (3/ 334) كلاهما من طريق الليث بن سعد به فذكره. وقال أبو عيسى: حسن غريب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانى: يجوز أنهم مثلوا بهيئاتهم التى كانوا عليها فى حياتهم وأن تكون هذه الرؤية من المعجزات، وهم متمثلون فى السماوات بهذه الصورة انتهى، ولا وجه لهذه الرؤية، بل الصواب أن رؤيتهم إن كانت نوما، فقد مثل له صورهم فى حال حياتهم، أو يقظة، فقد رآهم على صورهم الحقيقية التى كانوا عليها فى حياتهم، ويأتى بما يوضح ذلك. (فإذا موسى) قيل: معطوف على عرض بحسب المعنى لما فيه من معنى المفاجأة. (ضرب) بفتح فسكون. (من الرجال) أى خفيف اللحم. (من رجال شنوءة) فقوله: «وهم المتوسطون بين الخفة والسمن» وشبهه بفرد من متعددين دون فرد معين بخلاف من بعده، إشارة إلى تميزه عليهما-يعنى: عيسى وإبراهيم-بكثرة أمته وأتباعه، ومنهم عيسى بناء على أن شرعه مخصص لشرع موسى، لا ناسخ له، أخذا من قوله تعالى حكاية عنه: وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ اَلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ (¬1): أى فى التوراة، والجواب: بأنه إنما شبهه بغير معين لعدم تشخصه وتعينه فى المرة غير صحيح، لأن المفترض أنه عرض عليه يقظة، أو مناما، ورؤيا الأنبياء وحى فكيف مع ذلك؟ ومع كونه وصفه بأنه ضرب يتوهم من له أدنى ذوق أنه لم يتشخص فى خاطره، وعلى أن الذى فى البخارى عن أبى هريرة: «ليلة أسرى بى رأيت موسى، فإذا رجل ضرب كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى، فإذا هو رجل ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس حمام، وأنا أشبه ولد إبراهيم به» (¬2). . الحديث وفيه عن ابن عباس: «لا ينبغى لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى» (¬3) ونسبته إلى أبيه، وذكر النبى صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به، فقال: «موسى آدم طوال كأنه من رجال شنوءة وقال: عيسى جعد مربوع» (¬4)، وفى رواية له أيضا: «أرانى الليلة عند الكعبة فى المنام، فإذا رجل آدم كأحسن ما يرى من الرجال تضرب لمته بين ¬

(¬1) سورة آل عمران: آية (50). (¬2) رواه البخارى فى «الأنبياء» (3394)، (3437)، (4709)، (5576)، (5603). (¬3) رواه البخارى (3395)، (3413)، (3630)، (7539)، ومسلم (2377)، وأبو داود (4669)، وأحمد فى المسند (1/ 242،254،342)، وابن أبى شيبة فى المصنف (11/ 541)، والطيالسى فى مسنده (2650)، والطبرانى فى الكبير (12753)، والبيهقى فى الدلائل (5/ 495)، والطحاوى فى شرح معانى الآثار (4/ 416)، وفى المشكل (1011)، وابن منده فى الإيمان (720). (¬4) تقدم تخريجه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منكبيه رجل الشعر يقطر رأسه ماء واضعا يديه على منكبى رجلين، وهو يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح ابن مريم» (¬1) وفى رواية له أيضا عن ابن عمر، قالوا: وصوابه عن ابن عباس: «رأيت عيسى، وموسى وإبراهيم، فأما عيسى: فأحمر جعد عريض الصدر مضطرب، وأما موسى: فآدم جسيم سبط، كأنه من رجال الزّطّ» (¬2) أى وهم جنس من السودان طوال الأجساد فى نحافة، والمضطرب: الطويل غير الشديد، وقيل: النحيف الجسم، وفسر عياض الجسيم بالزيادة فى الطول، ليوافق قوله فى الرواية الأخرى: «ضرب» أى نحيف، والآدم: الجعد الأسمر، كما مر، واستشكل برواية «أحمر» وأجيب: بأن السمرة لونه الأصلى، والحمرة لعارض تعب ونحوه (¬3) (شبها) تمييز النسبة المبهمة (فإذا أقرب) وما أضيف إليه أو حال. (عروة) (¬4) خبر وهذا أليق من عكسه، وزعم أن هذا أخو عبد الله بن مسعود غلط، لأن هذا هذلى، وذلك ثقفى، وكان إسلامه سنة تسع قتله ثقفى آخر وهو يصلى. (ورأيت جبريل) من باب عطف قصة على قصة، وما قيل: أن الأصح أنه من باب التغليب والمجانسة، فغير صحيح، لأن هذا عامل مستقل غير رأيت الأول، فلا توافق، وإنما غايته أنه ذكره فى سياق الأنبياء مع أنه غير نبى، لاختصاص النبوة والرسالة بالبشر، لأنه صاحب سر الوحى الذى تنشأ عنه النبوة، والجواب بأن. (ورأيت) عطف على عرض علىّ، تكلف يأباه سياق الكلام، بأن المراد من الأنبياء الرسل غير صحيح، لما تقرر أن الرسول حيث أطلق، إنما يختص ببشر من بنى آدم، أوحى إليه بالتبليغ يعنى نفسه الظاهر من السياق، ¬

(¬1) رواه البخارى فى «أحاديث عيسى عليه السلام» (3440)، (3441)، (5902)، (6999)، (7026)، (7128). (¬2) رواه البخارى فى الأنبياء (3438)، ورواه أحمد فى المسند (1/ 296)، والطبرانى فى الكبير (11/ 64). (¬3) انظر: كلام الحافظ فى فتح البارى (6/ 559). (¬4) هو عروة بن مسعود الثقفى أحد مشاهير الصديقين أسلم وحسن إسلامه. وكان سيدا فى قومه بالطائف، وهو المعنى بقوله: رَجُلٍ مِنَ اَلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف:31]، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «إن مثله كمثل صاحب يس»، انظر: تفسير ابن أبى حاتم (10/ 3282)، ومعجم الطبرانى الكبير (17/ 147)، والدر المنثور (7/ 371،373). وانظر فى ترجمته: الثقات (3/ 313)، جامع المسانيد والسنن (9/ 121)، أسد الغابة (4/ 31)، الإصابة (2/ 477)، الاستيعاب (1823).

13 - حدثنا سفيان بن وكيع، ومحمد بن بشار-المعنى واحد-قالا: أخبر يزيد ابن هارون، عن سعيد الجريرى، قال: سمعت أبا الطّفيل، يقول: «رأيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم وما بقى على وجه الأرض أحد رآه غيرى. قلت: صفه قال: كان أبيض، مليحا مقصّدا». ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعنى أنه من قول جابر، ويجوز كونه كلام من بعده تكلف غير محتاج إليه. (دحية) (¬1) بفتح الدال وكسرها، الكلبى الصحابى المشهور الذى كان جبريل يأتى النبى صلى الله عليه وسلم فى أكثر الأوقات على صفته؛ لأنه كان على غاية من الجمال، بحيث إنه كان إذا دخل بلدا يبرز لرؤيته حتى العواتق من خدورهن، وعلم من الحديث: جواز تشبيه الأنبياء والملائكة بغيرهم، ووجه متابعته للترجمة: دلالة على أن نبينا كان أشبه الناس بأبيه إبراهيم، ومن ثمة أمر باتباعه فى أَنِ اِتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً (¬2) أى لتقدمه ظهورا فى هذا الوجود ولدعائه بوجود محمد صلى الله عليه وسلم وإلا فهو أفضل وأجل من إبراهيم وسائر الأنبياء والمرسلين، لما أن أخذ الله الميثاق عليهم بالإيمان به ونصرته كما أخبر عن ذلك بقوله: وَإِذْ أَخَذَ اَللهُ مِيثاقَ اَلنَّبِيِّينَ لَماآتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ. . (¬3) الآية، قيل: موسى مشبه صورة، والثلاثة بعده مشبهون معنى. انتهى. وفيه تطويل الوجه أن الكلّ مشبهون صورة. 13 - (الجريرى) بالجيم والراء المكررة. (أبا الطفيل) (¬4) عامر بن واثلة الليثى أدرك من ¬

13 - صحيح: رواه الإمام مسلم فى الفضائل (1820)، وأبو داود (4864)، وأحمد فى مسنده (5/ 454)، وابن سعد فى الطبقات الكبرى (1/ 418)، والبغوى فى شرح السنة (7/ 3542)، والبيهقى فى الدلائل (6/ 501)، كلهم من طرق عن سعيد الجريرى به فذكره. (¬1) قال الحافظ ابن كثير: هو دحية بن خليفة بن فروة الكلبى القضاعى، جامع المسانيد (4/ 137)، أسد الغابة (2/ 158)، طبقات ابن سعد (4/ 249)، الإصابة (1/ 473)، الاستيعاب (700)، تاريخ الإسلام (1/ 48). (¬2) سورة النحل: آية (123). (¬3) سورة آل عمران: آية (81). (¬4) قيل: اسمه عمرو بن واثلة وعامر أصح ورحج الإمام مسلم رحمه الله أنه آخر الصحابة وفاة مات سنة مائة، وقيل: سنة عشر ومائة، وقد صحب الإمام علىّ كرم الله وجهه وشهد معه مشاهده كلها، وكان شاعرا فصيحا مفوها. وانظر فى ترجمته: الطبقات لابن سعد (5/ 457) الاستيعاب (1344)، جامع المسانيد (14/ 201)، أسد الغابة (6/ 179)، الإصابة (4/ 113)، شذرات الذهب (1/ 118).

14 - حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامى، ثنا عبد العزيز بن [أبى] (¬1) ثابت الزهرى، حدثنى إسماعيل بن إبراهيم ابن أخى موسى ابن عقبة، عن موسى بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلج الثّنيّتين، إذا تكلّم رئى كالنّور، يخرج من بين ثناياه». ـــــــــــــــــــــــــــــ حياته صلى الله عليه وسلم ثمان سنين، وتأخر وفاته إلى سنة مائة واثنين، ولم يبق على وجه الأرض صحابى غيره وزعم أن معمر المغربى وزين الهندى صحابيان عاشا بعده إلى قرب القرن السابع ليس بصحيح خلافا لمن انتصر له وأطال بما لا يجدى (وما بقى) عطف على رأيت لا حال لفساد المعنى كما هو ظاهر. (غيرى) أى فهو الآتى بأن يقال لانحصار الأثر فيه. (أبيض مليحا) كما مرّ: «أنه كان أزهر اللون مشربا بحمرة»، وهذا غاية فى الملاحة والحسن. (مقصدا) بفتح الصاد المشددة أى: أن جميع صفاته الجليلة، كانت على غاية من الأمر الوسط، كما مر ذلك فى لون شعره وخدّه وغيرهما، كما أن شريعته وسط بين الشرائع، وأمته وسط بين الأمم، فحفظ صلى الله عليه وسلم فى ذلك كله من محذورى الإفراط والتفريط. 14 - (الحزامى) بالحاء المهملة المكسورة وبالزاى. (ابن أخى) قيل: نعت لإسماعيل بدليل كتابته بالألف. (أفلج الثنيتين) من الفلج بالتحريك وهو فرجة ما بين الثنايا والرباعيات، والفرق: فرجة بين الثنايا فأريد بالفلج هنا الفرق بقرينة بنسبته إلى الثنايا والرباعيات فقط ذكره فى النهاية «إذا» هى وما دخلت عليه خبر ثان لكان. (رئى كالنور) الكاف اسم بمعنى مثل ويحتمل أنها زائدة للتفخيم، نحو مثلك لما يبخل، وأنه ¬

14 - إسناده ضعيف جدا: فيه عبد العزيز بن أبى ثابت: وهو ضعيف، ضعفه الترمذى والدار قطنى، وقال النسائى: متروك. انظر: تهذيب الكمال (18/ 181)، ورواه الدارمى فى المقدمة (1/ 58)، والبغوى فى شرح السنة (7/ 538)، والطبرانى فى الأوسط كما فى المجمع (8/ 279)، كلهم من طرق عن عبد العزيز بن أبى ثابت به فذكره. قال الهيثمى: فيه عبد العزيز بن أبى ثابت وهو ضعيف. (¬1) هكذا وقع فى (الأصل)، و (ب) وغيرهما من النسخ، وقال القارئ (1/ 66): قال ميرك: كذا وقع فى أصل سماعنا، وكثير من النسخ، والصواب: ابن أبى ثابت كما حققه المحققون من علماء أسماء الرجال. اه‍.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان يرد منه نور يخرج. (من بين ثناياه) إذا تكلم لما مرّ أنه كان براق الثنايا فزيادة ذلك البرق المدلول عليه بصيغة المبالغة هى ذلك النور، كأن يرى عند كلامه ويحتمل أن يراد بذلك حقيقته من مشاهدة نور [حسى] (¬1) يخرج من فيه إذا تكلم معجزة له ثم هذا الحديث، وإن كان فى سنده الذى ذكره المصنف هنا مقال، إلا أن غيره خرجه كالدارمى والطبرانى. ... ¬

(¬1) الزيادة من (ب).

2 - باب: ما جاء فى خاتم النبوة

2 - باب: ما جاء فى خاتم النبوة 15 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن الجعد بن عبد الرحمن، قال: سمعت السائب بن يزيد، يقول: «ذهبت بى خالتى إلى النّبىّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إنّ ابن أختى وجع. فمسح صلى الله عليه وسلم رأسى، ودعا لى بالبركة، وتوضّأ فشربت من وضوئه، وقمت خلف ظهره، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه، فإذا هو مثل زرّ الحجلة». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى) شأن وقدر ولون. (خاتم النبوة) بفتح التاء وكسرها كما مر، والمراد به هنا: الأثر الحاصل له بين كتفيه، لمشابهة الخاتم الذى يختم به، وهو الطابع، وإضافته للنبوة لدلالته عليها، قيل: أو لكونه ختما عليها يختمها وما فيها أو ختم عليها لإتمامها كما تتم الأشياء ثم يختم عليه وقيل: إنه من قبيل خاتم فضة كأنه ذلك الخاتم أيضا من نبوته. انتهى. وفى ذلك كله تكلف لا يخفى. 15 - (حاتم) كقاسم. (الجعد) بفتح الجيم وسكون المهملة وبدال مهملة. (وجع) فى لحم القدم لكن مقتضى مسحه صلى الله عليه وسلم لرأسه أن مرضه كان برأسه، وقد يجاب: بأنه لا مانع أن يكون به المرضان، وآثر صلى الله عليه وسلم مسح الرأس لأنه أشرف (رأسى) ورد عند البيهقى وغيره: «أن أثر مسحه من رأس السائب لم يزل أسود مع شيب ما سواه من رأسه» (¬1)، وفيه: أنه ينبغى لعائد المريض مسح محل الوجع منه، إذا كان ممن يتبرك بمسحه. (ودعا لى بالبركة) أى فى العمر برعاية المقام أو فى غيره معه أو وحده. (وضوئه) بفتح الواو وهو من حيث هو ما اتخذ للوضوء بالضم، أو ما فضل منه، أو ما استعمل فيه. (وقمت خلف ظهره) أى تحريا لرؤية الخاتم، أو اتفاقا، فوقع نظره عليه. (فنظرت إلى الخاتم) لانكشاف محله أو لكشفه صلى الله عليه وسلم له ليراه. (بين كتفيه) حال من الخاتم أو ظرف لنظرت. قال القاضى: وهو أثر شق الملكين بين الكتفين، واعترضه النووى بأن ما قاله ¬

15 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى «المناقب» (3643) بسنده ومتنه سواء. ورواه البخارى (190)، (3541)، (5670)، (6352)، ومسلم (2345)، من طريق الجعد بن عبد الرحمن به فذكره نحوه. (¬1) رواه البيهقى فى «دلائل النبوة» (1/ 259).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باطل لأن شقهما إنما كان فى صدره وبطنه انتهى (¬1)، ويؤيده خبر مسلم عن أنس. «فلقد كنت أرى أثر المخيط فى صدره» (¬2)، وانتصر بعضهم للقاضى فأوّل عبارته بما يصححها وإن كانت تنبو عنه وهو أن سبب التغليط فهم أن بين الكتفين متعلق بالشق، وليس كذلك، بل بأثر الختم لخبر أحمد وغيره «أنهما لما شقا صدره قال أحدهما للآخر: خطه فخاطه، واختم عليه بخاتم النبوة» (¬3) فلما ثبت أنه بين كتفيه حمل القاضى ذلك على أن الشق لما وقع فى صدره، ثم خيط حتى التأم، كما كان ووقع الختم بين كتفيه، كان ذلك أثر الخاتم والبينة المذكورة تقريبية، وإلا فالصحيح أنه كان عند أعلى كتفه الأيسر. قال السهيلى (¬4): وسيأتى التصريح به فى خبر مسلم، أو فى رواية: «أنه كان عند كتفه الأيمن»، والأول أرجح وأشهر فوجب تقديمه. واختلفوا: هل ولد به أو وضع بعد ولادته؟ قولان: لكن فى حديث البزار وغيره بيان وقت وضعه، وكيف وضع ومن وضعه وهو «قلت: يا رسول الله كيف علمت أنك نبى؟ وبم علمت حتى استيقنت؟ قال: «أتانى اثنان وفى رواية: «ملكان» وأنا ببطحاء مكة، فقال أحدهما لصاحبه: شق بطنه، فشق بطنى، فأخرج قلبى فأخرج منه مغمر الشيطان، وعلق الدم فطرحهما، فقال أحدهما لصاحبه: اغسل بطنه غسل الإناء، واغسل قلبه الملا، ثم قال أحدهما لصاحبه: خط بطنه فخاط بطنى وجعل الخاتم بين كتفى كما هو الآن، ووليا عنى، فكأنى أرى الأمر معاينة» وعند أبى نعيم: «أنه لما ولد أخرج الملك صرة من حرير أبيض فيها خاتم، فضرب على كتفيه كالبيضة» وأخرج الحاكم عن وهب بن منبه: «لم يبعث الله نبيا إلا ¬

(¬1) انظر: شرح الإمام النووى على مسلم (15/ 99)، وهو قول القرطبى أيضا فى المفهم شرح صحيح مسلم كما نقل المناوى فقال: وهل ولد به أو وضع حين ولد أو عند شق صدره وهو صغير أو أنبأ؟ أقوال، قال الحافظ ابن حجر: أثبتها الثالث، وبه جزم القاضى عياض، لكنه بما لا يرتضى؟ حيث قال: هو أثر شق الملكين بين الكتفين وذلك كما قال النووى والقرطبى: باطل؛ لأن الشق فى صدره وبطنه، وتأويله بين الكتفين متعلق بأثر الختم لا بالشق حتى نفذ من وراء ظهره، ولو ثبت كونه مستطيلا، وهذه غفلة من الإمام! ولعله تحريف من نساخ كتابه، فإنه لم يسمع عليه فيما علمت. انتهى. (¬2) رواه مسلم فى الإيمان (264)، وكذلك رواه البخارى فى مناقب الأنصار (3887). (¬3) رواه أحمد فى المسند (4/ 254،255). (¬4) انظر: الروض الأنف له (1/ 206،207).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعليه شامات النبوة فى يده اليمنى، إلا نبينا، فإن شامات النبوة بين كتفيه، وعليه فوضع الخاتم بين كتفيه بإزاء قلبه مما اختص على سائر الأنبياء». (مثل زر) بالزاى والراء. (الحجلة) بمهملة فجيم واحد الحجال، وهى نبت كالقبة لها أزرار وعرى، هذا هو الصواب كما قاله النووى، وقال بعضهم: المراد به الطائر المعروف، وزرها بيضها، وأسلم إليه المصنف وأنكر عليه العلماء لأن الزر لم يأت بمعنى البيض وحمله على الاستعارة تشبيها لبيضها بأزرار الحجال إنما يصار إليه إن ورد ما يصرف اللفظ عن ظاهره، وأما إذا لم يرد ذلك فلا ينبغى صرفه عن ظاهره المتبادر إلى هذا الخفى البعيد، ورواية: «لبيض الحمام» الآتية لا تؤيد ذلك الصرف، خلافا لمن زعمه، وكونه «كزر الحجلة» رواه البخارى وزاد: «وكان ينم مسكا أيضا» وفى مسلم: «جمع» أى: بضم فسكون. «عليه خيلان كأمثال الثآليل السود عند نفض كتفيه» أى بنون فمعجمتين أعلى كتفه، وقيل: عظم رقيق بطرفه، وقيل: ما يظهر منه عند التحرك، وسيأتى عن المصنف بعضه، وفى مسلم أيضا: «كبيضة الحمام». وفى صحيح الحاكم: «شعر مجتمع» (¬1) وللبيهقى: «مثل السلعة» (¬2)، وللمصنف كما يأتى: «بضعة ناشزة»، وللمصنف والبيهقى: «كالتفاحة» ولابن عساكر: «كالبندقة»، والسهيلى: «كأثر المحجم القابضة على اللحم» (¬3) ولابن أبى خيثمة: «شامة خضراء محتفرة فى اللحم» وله أيضا: «شامة سوداء تضرب إلى الصفرة حولها شعرات متراكبات كأنها عرف فرس» (¬4)، وللقضاعى: ¬

(¬1) رواه الحاكم فى المستدرك (2/ 206)، وصححه ووافقه الذهبى. وسيأتى تخريجه حديث رقم (19). (¬2) رواه الإمام أحمد فى المسند (2/ 226،227،228)، (3/ 435)، والبيهقى فى الدلائل (1/ 265). (¬3) انظر: الروض الأنف له (1/ 206). (¬4) ذكره الصالحى فى «سبل الهدى» (2/ 66)، وعزاه لابن أبى خيثمة فى تاريخه عن بعضهم، وقال فى «التنبيهات» (2/ 72) من كتابه «سبل الهدى»: قال الحافظ: ما قيل إن الخاتم كان كأثر محجم أو كالشامة السوداء أو الخضراء مكتوب عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله» أو: سر فإنك المنصور، ونحو ذلك، فلم يثبت من ذلك شىء ولا يغير بما وضع فى صحيح ابن حبان فإنه غفل حيث صحح ذلك. وقال القطب فى «المورد» والمحب بن الشهاب بن الهائم فى «الغرر»: إنه حيث باطل. . اه‍.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «ثلاث شعرات مجتمعات» (¬1) وللترمذى الحكيم: «كبيضة حمام مكتوب بباطنها الله وحده لا شريك له، وبظاهرها توجه حيث كنت فإنك منصور» (¬2)، ولابن عائذ: «كان من نور يتلألأ»، ولابن أبى عاصم: «عذرة كعذرة الحمام» (¬3) أى قرطمية وقرطمتان بكسر القاف نقطتان على أصل منقاره، وفى تاريخ نيسابور: «مثل البندقة مكتوب فيها باللحم محمد رسول الله» (¬4)، وروى عن عائشة: «كثنية صغيرة تضرب إلى الدهمة، وكان مما يلى القفار» قال فى فتح البارى ورواية: «كأثر المحجم، أو كشامة خضراء، أو سوداء مكتوب فيها محمد رسول الله، أو سر فإنك المنصور» لم يثبت منها شىء، وتصحيح ابن حبان ذلك وهم، وقال صاحبه الحافظ الهيثمى: إن رواية كتابة محمد رسول الله اختلط عليه، هذا خاتمه الذى كان يختم به، وقال بعض العلماء: وليست هذه الرواية، مختلفة حقيقة، بل كل شبّه بما سنح له، وتلك الألفاظ كلها مؤداها واحد، وهو قطعة لحم، ومن قال: شعر، فإن الشعر عليه متراكب عليه كما فى الرواية الأخرى. وقال القرطبى: الأحاديث الثابتة تدل على أن خاتم النبوة، كان شيئا بارزا أحمر عند كتفه الأيسر، إذا قل جعل كبيضة الحمام، وإذا كبر جعل كجمع اليد وقال القاضى: رواية «جمع الكف» تخالف «بيضة الحمام، وزر الحجلة» فتتأول على وفق الروايات الكثيرة أى كهيئة الجمع لكنه أصغر منه فى قدر بيضة الحمامة. «عذرة» هى قطعة من اللحم المرتفعة. ¬

(¬1) ذكره الصالحى (2/ 66) وقال: رواه القضاعى فى «تاريخه» (¬2) ذكره الصالحى أيضا (2/ 66) وقال: رواه الحكيم الترمذى وأبو نعيم، ثم قال فى «التنبيهات» من كتابه (2/ 72): قال فى «المورد»: وهو حديث باطل، ونقل أبو الخطاب أبو دحية رحمه الله عن الحكيم الترمذى أنه قال: كان الخاتم الذى بين كتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه بيضة حمامة مكتوب فى باطنها «الله وحده» وفى ظاهرها: «توجه حيث شئت فإنك منصور». قال أبو دحية: وهذا غريب واستنكروه اه‍. (¬3) ذكره الصالحى فى «سبل الهدى» (2/ 67)، وعزاه لابن أبى عاصم فى «السيرة». (¬4) رواه ابن حبان فى صحيحه (6302)، من حديث ابن عمر رضى الله عنهما قال: كان خاتم النبوة فى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البندقة من لحم، عليه مكتوب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وفى إسناده راو ضعيف وهو إسحاق بن إبراهيم السمرقندى.

16 - حدثنا سعيد بن يعقوب الطّالقانى، حدثنا أيوب بن جابر، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، قال: «رأيت الخاتم بين كتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم غدّة حمراء مثل بيضة الحمامة». 17 - حدثنا أبو مصعب المدينى، أخبرنا يوسف بن الماجشون، عن أبيه، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن جدته رميثة، قالت: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم-ولو شاء أن أقبّل الخاتم الذى بين كتفيه من، لفعلت- يقول لسعد بن معاذ يوم مات: اهتزّ له عرش الرّحمن». ـــــــــــــــــــــــــــــ 16 - (حمراء) أى مائلة إلى الحمرة فيكون فى لون بدنه، قيل: وفيه رد لرواية أنها سوداء وخضراء انتهى، ولا رد فيه، لأن حمرتها بالنسبة للون جلدها، وخضرتها وسوادها بالنسبة لما فيها وحواليها من الشعر. 17 - (المدينى) فى الصحاح النسبة لطيبة مدنى ولمدينة المنصور مدينى ولمدائن تسرى مدائنى وعليه فالمدينى: هنا لا يصح لأنه من طيبة نعم قال البخارى: المدينى من أقام بطيبة، ولم يفارقها، والمدنى: من أقام بها ثم فارقها، وعليه يصح ذلك. (الماجشون) بفتح الجيم وضم الشين المعجمة. (سمعت رسول الله) أى كلامه. (ولو شاء أن أقبل الخاتم الذى بين كتفيه) فيه إثبات الخاتم، وأنه بين الكتفين، أى بالمعنى الذى قدمناه، وهذا هو المقصود من سياق هذا الحديث (من) تعليلية. (يقول) بدل اشتمال من مفعول ¬

16 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى «المناقب» (3644) سنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى «الفضائل» (2344)، وأحمد فى «المسند» (5/ 90،95،98،104،107)، والبغوى فى «شرح السنة» (3654)، وابن سعد فى «الطبقات» (1/ 425،433)، والطبرانى فى «الكبير» (1918)، (1963)، والبيهقى فى «الدلائل» (1/ 235،262)، وابن حبان فى «صحيحه» (6298)، كلهم من طرق عن سماك بن حرب به فذكره نحوه. 17 - إسناده: صحيح: رواه الإمام أحمد فى «المسند» (6/ 329)، يوسف بن الماجشون، عن أبيه، عن عاصم بن عمر ابن قتادة به فذكره نحوه. وجملة «اهتز له عرش الرحمن» رواها البخارى فى «مناقب الأنصار» (3804)، ومسلم فى «الفضائل» (2466)، والمصنف فى «المناقب» (3848)، وأحمد فى «المسند» (3/ 234،296،316،349)، كلهم من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سمعت، أو جملة حالية تبين المحذوف الذى قدرته، وأتى به مضارعا بعد سمع الماضى، إما حكاية لحال وقت السماع، أو لاستحضار ذلك فى ذهن السامع وما ذكرته فى أن فى ذكر سمعت فلانا مضافا محذوفا والجملة بعده تبين المحذوف هو المشهور، وقيل: سمعت يتعدى لمفعولين فلا محذوف بل أولهما فلان، وثانيهما الجملة، واعترض: بأن محل تعديتها لهما إن كانت فيما يظن، وأجيب: بمنع الحصر، نعم قال الزمخشرى (¬1) فى «سمعنا مناديا» تقول سمعت رجلا يتكلم فتوقع الفعل على الرجل وتحذف المسموع لأنك وصفته بما يسمع وجعلته حالا عنه فأغناك عن ذكره ولولا الوصف أو الحال لم يكن فيه بد من أن تقول سمعت كلامه. انتهى، وبه يعلم عدم صحة تعديتها لمفعولين؛ لأنه إنما جاز حذف المسموع الذى هو المفعول الأول، لأنه وصف مفعولها بما يسمع، وجعله حالا عنه ولولا ذلك، لصرح به، فافهم كلاما ذكرناه (لسعد ابن معاذ) سيد الأنصار كما أخبر به النبى أى: عنه أو لأجله أو فى حقه لما حكم فى بنى قريظة عقب وقعة الأحزاب التى أصيب فيها بسهم فقطع أكحله بأن يقتل رجالهم، وتقسم أموالهم، وتسبى ذراريهم ونساؤهم، ففعل بهم ذلك، لما أنه حكم فيهم بحكم الله، كما أخبر بذلك النبى بقوله: «لقد حكمت فيهم بحكم الله» (¬2)، وفى رواية «الملك» بكسر اللام «من فوق سبعة رفعه الله» كما فى رواية أخرى: «من فوق طرف الحكم» ثم انفجر به جرحه عقب ذلك، ومات، وحضر جنازته سبعون ألف ملك (يوم) ظرف ليقول، فيكون من كلام الراوى، وهو الظاهر، أو لاهتزّ، فيكون من كلامه صلى الله عليه وسلم (اهتز له عرش الرحمن) رواه الشيخان أيضا أى: تحرك فرحا بقدوم عروجه، وإعلاما للملائكة بفضيلته وموته، لما أن الله جعله فيه تمييزا أدرك به ذلك كما قال تعالى: وَإِنَّ مِنْهالَمايَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اَللهِ (¬3) قال النووى: وهذا القول هو ظاهر الحديث، وهو المختار، أى لأنه جسم يقبل الحركة والسكون والإدراك، وقيل: المراد بالاهتزار: ¬

(¬1) انظر: «تفسير الكشاف» للزمخشرى (1/ 455). (¬2) رواه البخارى فى الجهاد (3043) وفى الاستئذان (6262)، ومسلم فى الجهاد (1768، 1769)، وأحمد فى مسنده (3/ 22) (6/ 142)، والبغوى فى شرح السنة (2718)، والبيهقى فى السنن الكبرى (6/ 8)، (9/ 97)، وفى دلائل النبوة (4/ 19،26،27)، وابن كثير فى البداية والنهاية (4/ 108،122). (¬3) سورة البقرة آية رقم (74)

18 - حدثنا أحمد بن عبدة الضبى، وعلى بن حجر، وغير واحد قالوا: ثنا عيسى بن يونس، عن عمر بن عبد الله مولى غفرة، قال: حدثنى إبراهيم بن محمد-من ولد على بن أبى طالب. قال: «كان علىّ إذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث بطوله، وقال: بين كتفيه خاتم النّبوّة، وهو خاتم النّبيّين». ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستبشار والقبول، لا الحركة والاضطراب، وقيل: هذا تعظيم لشأن وفاته، وقيل: هو اهتراز نعشه وإبطاؤه برواية: «عرش الرحمن» وقيل: اهتزاز حملة العرش، ولما حمل فقال المنافقون: ما أخف جنازته، رد عليهم صلى الله عليه وسلم بقوله كما رواه المصنف وصححه «إن الملائكة كانت تحمله» (¬1)، وروى أبو نعيم فى مستخرجه على مسلم: «أنه أهدى للنبى حلة حرير، فجعل أصحابه يمسونها ويعجبون من لينها، فقال صلى الله عليه وسلم: «تعجبون من لين هذه، لمناديل سعد بن معاذ فى الجنة خير منها وألين» (¬2) قال العلماء: هذه إشارة إلى عظم منزلته فى الجنة، إذ المناديل لذى الثياب، لأنه بعد الوسخ والامتهان، فإن كان ألين منها، فما بالك بغيره؟، وقال صلى الله عليه وسلم كما عند ابن سعد، وأبى نعيم: «لما مات قبض إنسان من تراب قبره قبضة، فإذا هى مسك، سبحان الله لو كان أحد ناجيا من ضمة القبر لنجا منها، وضم ضمة، ثم فرج الله عنه». 18 - (فذكر) أى على وإبراهيم والأول أقرب. ¬

18 - إسناده ضعيف: وتقدم برقم (6). (¬1) رواه الترمذى فى المناقب (3849)، والبغوى فى شرح السنة (14/ 182)، وفى جمع الجوامع للسيوطى (5936)، وذكره ابن حجر فى فتح البارى (7/ 124) ذكره التبريزى فى مشكاة المصابيح (6228)، وقالوا: رواه الترمذى (3/ 1757)، وذكره الهندى فى كنز العمال (33320)، وعزاه للترمذى: حسن صحيح غريب عن أنس (11/ 687). (¬2) رواه أحمد فى مسنده (4/ 302).

19 - حدثنا محمد بن بشار، أنا أبو عاصم، أنا عزرة بن ثابت، حدثنى علباء ابن أحمر، قال: حدثنى أبو زيد: عمرو بن أخطب الأنصارى قال: «قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا زيد، ادن منّى فامسح ظهرى، فمسحت ظهره، فوقعت أصابعى على الخاتم. قلت: وما الخاتم؟ قال: شعرات مجتمعات». 20 - حدثنا أبو عمار: الحسين بن حريث الخزاعى، حدثنا على بن حسين بن واقد، حدثنى أبى، حدثنى عبد الله بن بريدة، قال: سمعت أبى بريدة، يقول: ـــــــــــــــــــــــــــــ 19 - (عزرة) بمهملة مفتوحة فزاى ساكنة فراء (علباء) بمهملة مكسورة فلام ساكنة فموحدة فالمد. (أحمر) أفعل بحاء مهملة فراء. (فامسح ظهرى) فيه حل مس ما عدا العورة من الأجنبى، مع اتحاد الجنس، ثم يحتمل أنه لحاجته إلى مسحه لعارض، أو تشريفه بمس جسده الشريف، والملامسة على خاتم النبوة، قلت: القائل علباء لأبى زيد، لا أبو زيد للنبىّ كما هو واضح. (وما الخاتم) أى وما قدره وهيئته. (شعرات مجتمعات) أى ذو شعر مجتمع، ومرّ الكلام فى ذلك بما يعلم أنه لا بد من قولنا: ذو شعرات، وإن من استبعد ذلك، غفل عن بقية الروايات الصريحة فى أنه لحم ناتئ. 20 - (حريث) تصغير حرث بمهملة فراء مثلثة. (واقد) بالقاف. (سلمان الفارسى) (¬1) ¬

19 - صحيح: رواه الإمام أحمد فى «مسنده» (5/ 77،341)، وابن سعد فى «الطبقات» (1/ 425)، وابن حبان فى «صحيحه» (6300)، وأبو يعلى فى «مسنده» (6/ 684)، والطبرانى فى «الكبير» (17/ 27)، (44)، والحاكم فى المستدرك (2/ 606)، كلهم من طريق عزرة بن ثابت به فذكره قال الحاكم: صحيح ووافقه الذهبى، وذكره الهيثمى فى «مجمع الزوائد» (8/ 281)، وعزاه لأحمد والطبرانى وأبى يعلى وقال: أحد أسانيد أحمد رجال الصحيح. 20 - إسناده حسن وهو صحيح: على بن الحسين بن واقد: قال فيه الحافظ: «صدوق يهم» (4717) قلت: وللحديث متابعات عن سلمان رضى الله عنه، رواه الإمام أحمد فى «المسند» (5/ 354)، الطبرانى فى «الكبير» (6070)، (6/ 228)، والطحاوى فى «شرح معانى الآثار» (2/ 10)، والبيهقى فى «الدلائل» (6/ 97)، وفى «السنن» (10/ 321)، والحاكم فى «المستدرك (2/ 16)، كلهم من طرق عن زيد بن الحباب به فذكره نحوه تاما ومختصرا. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبى. وقال الهيثمى (3/ 90): رجاله ثقات. (¬1) انظر فى ترجمته: التاريخ الكبير (4/ 135)، المسند (5/ 435)، مسند ابن أبى شيبة (1/ 300) بتحقيقنا، حلية الأولياء (1/ 185)، تاريخ بغداد (1/ 163)، جامع المسانيد (5/ 345)، أسد الغابة (2/ 417)، الإصابة (4/ 223)، الاستيعاب (1019)، معجم ابن قانع (342).

«جاء سلمان الفارسىّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة بمائدة عليها رطب، فوضعها بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا سلمان، ما هذا؟ فقال: صدقة عليك وعلى أصحابك. فقال: ارفعها، فإنّا لا نأكل الصّدقة. قال: فرفعها. فجاء الغد بمثله، فوضعه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ما هذا يا سلمان؟ فقال: هديّة لك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ابسطوا. ثمّ نظر إلى الخاتم على ظهر رسول الله فآمن به. وكان لليهود، فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا درهما، على أن يغرس لهم نخلا، فيعمل سلمان فيه حتّى تطعم. فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النّخل، إلاّ نخلة واحدة غرسها عمر. فحملت النخل من عامها، ولم تحمل النّخلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما شأن هذه النخلة؟ فقال عمر: يا رسول الله، أنا غرستها. فنزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرسها، فحملت من عامها». ـــــــــــــــــــــــــــــ هو أبو عبد الله يعرف بسلمان الخير مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن نسبه فقال: أنا ابن الإسلام، وسئل على رضى الله عنه: علم العلم الأول والعلم الآخر وهو بحره ينزف، وهو من أهل البيت. قال أبو نعيم: أدرك عيسى عليه السلام، وقرأ الكتابين، وكان عطاؤه خمسة آلاف يفرقه، ويأكل من كسب يده، يعمل الخوص، وله مزّية فى الزهد، فإنه مع طول عمره المستلزم لزيادة الحرص والأمل كما أخبره صلى الله عليه وسلم لم يزدد إلا زهدا. (بمائدة) باؤه للتعدية جاء وجعلها للمصاحبة بعيدة، وهو خوان عليه به طعام، وإلا لم يسم مائدة كما فى الصحاح (¬1). (عليها رطب) لا ينافيه الرواية الصحيحة: «أنه احتطب ¬

(¬1) قال القارئ فى «جمع الوسائل» (1/ 79): قال صاحب المحكم: المائدة نفس الخوان، وقال العسقلانى: قد تطلق المائدة على كل ما يوضع عليه الطعام، لأنها مما تميد، أى: تتحرك، ولا تختص بوصف مخصوص، أى ليس بلازم أن تكون خوانا اه‍. وانظر: الصحاح للجوهرى (2/ 541).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حطبا فباعه، ثم صنع به طعاما، وأتى به النبى صلى الله عليه وسلم» (¬1) فى رواية إسنادها جيد: «ذلك الطعام أنه لحم جزور، وثريد فى القصعة» (¬2) ولا الرواية الضعيفة: «أنه جاء بتمر» (¬3) لاحتمال تعدد الواقعة. (ما هذا؟) أى الرطب إذ هو المقصود ولا المائدة فمن ثم لم يقل ما هذه. (ارفعها) أى عنى فلا ينافى رواية أحمد والطبرانى أنه قال لأصحابه: «كلوا وأمسك يده» (لا نأكل) أراد نفسه، وقرابته من مؤمنى بنى هاشم والمطلب (الصدقة) أى الزكاة، ومثلها كل واجب، ككفارة، ونذر، ولحرمة ذلك عليه وعليهم، فإنه أريد بها ما يعم المندوبة أيضا، كانت النون للتعظيم، لحرمة صدقة التطوع عليه دون قرابته، وزعم أن الامتناع عن الأكل لا يدل على التحريم، لأن الأصل فيه ذلك. (فجاء) سلمان (بمثله) أى برطب على مائدة. (ابسطوا) أى: أيديكم أى: مدوها لتناول ما جاء به، وهو بضم الهمزة، وفى بعض النسخ: «انشطوا» من النشاط (فآمن به) لما رأى من انطباق أوصافه المذكورة فى التوراة عليه. (وكان) حال من فاعل آمن. (فاشتراه) أى كاتبه، أى كان سببا لكتابة سيده اليهودى له بذلك، حتى وفاه النبى صلى الله عليه وسلم. (بكذا وكذا درهما) قيل: أربعون أوقية من فضة، وقيل: من ذهب، والأوقية كانت إذ ذاك: أربعون درهما (فيعمل) الظاهر أنه بالنصب، ليفيد أن عمله من جملة بدل الكتابة، وما قيل: قد يروى رفعه، فيكون عمله تبرعا، ففيه نظر ظاهر (فيه) ذكره نظرا إلى ظاهر اللفظ حتى تطعم-بالبناء للفاعل، أى يدرك ثمر من أطعم النخل أدرك ثمره، وروى ¬

(¬1) رواه الإمام أحمد فى «المسند» (5/ 438،440)، وابن أبى شيبة فى «المسند» (468)، بتحقيقنا، وفى «المصنف» (14/ 321)، والطبرانى فى «الكبير» (6155)، (6/ 259)، من حديث سلمان رضى الله عنه، وذكره الهيثمى (8/ 241): ورجاله ثقات. (¬2) و (¬3) قال الملا على القارئ (1/ 79): قال العراقى فى «شرح تقريب الأسانيد»: اعلم أن ظاهر هذه الرواية أن ما أحضره سلمان كان رطبا فقط، وروى أحمد والطبرانى بإسناد جيد من حديث سلمان نفسه أنه قال: فاحتطبت حطبا فبعته فصنعت طعاما، فأثبت به النبى صلى الله عليه وسلم، وروى الطبرانى أيضا بإسناد جيد: فاشتريت لحم جزور بدرهم ثم طبخته، فجعلت قصعة ثريد فاحتملتها على عاتقى ثم أتيت بها ووضعتها بين يديه، فلعل المائدة كان فيها طعام ورطب، وأما ما رواه الطبرانى من حديث سلمان أيضا أنها تمر فضعيف. قلت-أى القارئ-: ولا مانع من الجمع بين الثلاثة لو صحت الرواية، ولعل الاكتفاء بالرطب فى هذا الحديث لأن معظم الطعام كان رطبا، وأما قول ابن حجر-أى المصنف-لاحتمال تعدد الواقعة فبعيد جدا لما سيأتى من أنه جاء الغد بمثله اهـ‍.

21 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا بشر بن الوضاح، حدثنا أبو عقيل الدورقى، عن أبى نضرة العوفى، قال: «سألت أبا سعيد الخدرىّ عن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كان فى ظهره بضعة ناشزة». ـــــــــــــــــــــــــــــ بالبناء للمفعول أى يؤكل ثمرها ولا يؤكل، إلا إذا أدركت من عامها الذى فيه، معجزة له صلى الله عليه وسلم، ويستعجل تخليص سلمان من الرق، ويزداد رغبة فى الإسلام، وفيه: ندب إعانة المكاتب، وجواز الكتابة بالمال، وغرس النخل، لكن إن قيد له مدة معلومة، ويجاب عن الحديث: بأنه حال محتملة، لأن يكون مالكه امتنع عن مكاتبته، إلا بذلك المجهول، فلذا أذن صلى الله عليه وسلم، على أن قولهم تعاطى العقود الفاسدة، ينبغى أن يستثنى منه الفاسد الذى يترتب عليه من الآثار المقصود منه ما يترتب على الصحيح، كالكتابة، فإن فاسدها كصحيحها فى العتق وتوابعه، فلا يبعد عن تعاطى فاسدها، لأن الأثر صحيح يقصد منه شرعا، بخلاف نحو البيع الفاسد، فإنه لا أثر له شرعا يقصد به مطلقا. 21 - (الوضاح) بتشديد المعجمة. (عقيل) بفتح العين. (الدورقى) نسبة لدورق بلد بفارس (¬1). (نضرة) المحفوظ بنون فمعجمة وضبطه بموحدة فمهملة ساكنة، وقال: إنه منسوب لمحل بالبصرة، يعنى قائله أبو عقيل، وضمير يعنى لأبى نضرة. (فى ظهره) حال من بضعة أو ظرف كان. (بضعة) خبر كان على نقصها، وهو الأولى والأنسب بالمقام ويجوز كونها تامة فيكون مرفوعا، ثم رأيت فى كلام بعضهم ترجيح الثانى، لأن المفاد على النقص، ثبوت فى ظهره بضعة، وهو ليس بمقصود فى جواب السؤال انتهى، وليس كما زعم، بل مقصود، وأى مقصود، كيف وقد زعم زاعم أنه كان من أمام لا من خلف؟ فتعين ذكر ظهره بدليل هذا الزعم (ناشزة) أى مرتفعة، ومر الكلام على ذلك. ¬

21 - إسناده حسن: بشر بن الوضاح: صدوق (التقريب 708) تفرد بإسناده المصنف هنا، ورواه الإمام أحمد فى «المسند» (3/ 69) من طريق آخر بنحوه. (¬1) انظر معجم البلدان للحموى (2/ 549).

22 - حدثنا أحمد بن المقدام: أبو الأشعث العجلى البصرى، أخبرنا حماد بن زيد، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى ناس من أصحابه، فدرت هكذا من خلفه، فعرف الّذى أريد، فألقى الرّداء عن ظهره، فرأيت موضع الخاتم على كتفيه مثل الجمع، حولها خيلان كأنّها ثآليل سود، فرجعت حتّى استقبلته، فقلت: غفر الله لك يا رسول الله، فقال: ولك. فقال القوم استغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، ولكم. ثمّ تلا هذه الآية: وَاِسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَاَلْمُؤْمِناتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 22 - (الأشعث) بالمعجمة ثم المثلثة. (العجلى) نسبة إلى بنى عجلة. (سرجس) بمهملتين بينهما جيم مكسورة، وزن نرجس. (الذى أريد) وهو النظر إلى خاتم النبوة. (على كتفه) أى قريبا من كتفه الأيسر كما مرّ، وهذا أولى من قول بعضهم مشرفا على كتفه، والمقصود أن ارتفاعه يزيد على ارتفاع كتفه. (موضع الخاتم) هى الطابع الذى ختم به، كما مر ذلك فى بعض الروايات، ويصح أن تكون الإضافة بيانية والأول أقرب وأظهر. (على كتفيه) أى بينهما. (مثل الجمع) بضم الجيم وسكون الميم أى مثل جمع الكف، وهو صورته بعد جمع الأصابع وضمها. (حولها) أنثه باعتبار أنه قطعة لحم. (خيلان) بكسر الخاء المعجمة فسكون التحتية جمع خال، وهو الشامة على الجسد، (كأنها ثآليل سود) وهى بالمثلثة جمع ثؤلول بمثلثة مضمومة فهمزة ساكنة حيث يعلو ظاهر الجسد واحدة كالحمصة فما دونها. (غفر الله لك يا رسول الله) بالمعنى الآتى، وأتى بذلك شكرا لما فعله صلى الله عليه وسلم معه من النعم الجليلة التى تضمنتها، إلقاؤه الرداء عن ظهره، حتى تملا برؤية ذلك الخاتم. (استغفر لك) استفهام بدليل قوله هو أو للنبى صلى الله عليه وسلم. (فقال) إن كان الضمير له صلى الله عليه وسلم فواضح، وإلا ففيه التفات إذ مقتضى الظاهر فقلت، وقيل: إن أريد بالقوم تلامذة ابن سرجس، لم يحتج لدعوى الالتفات انتهى، وهو ¬

22 - صحيح: رواه مسلم (2346)، وأحمد فى «المسند» (5/ 8382)، وابن سعد فى «الطبقات الكبرى» (1/ 327)، والحميدى فى «مسنده» (867)، والنسائى فى «عمل اليوم والليلة» (265،421، 422)، والبغوى فى «شرح السنة» (3634)، كلهم من طريق عن عاصم الأحول به فذكره نحوه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غفلة عن سياق الحديث الصريح بأن المراد بهم الصحابة. (نعم ولكم) أى واستغفر لكم، وما قيل: إن جعله إخبارا أظهر، فهو غير صحيح، بل الأظهر فيه فضلا عن كونه أظهر إذ لو كان إخبارا لخلا قوله صلى الله عليه وسلم نعم من الفائدة، وما قيل: إن نعم قد يقال لتصديق لازم الإخبار فى مقابلته، فبعيد لا يعول عليه. (ثم تلا) أى هو والنبى صلى الله عليه وسلم، والثانى: معناه ظاهر، وكذا الأول لأنهم لما خصصوه بالدعاء له بيّن لهم أنه يستغفر لكل أمته، بدليل أنه أمر بذلك فى الأمة، وقد علم من شأنه، أنه يبادر إلى فعل المأمور به ما أمكنه. (لذنبك) هو من المشابهة نحو لِيَغْفِرَ لَكَ اَللهُ ماتَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَماتَأَخَّرَ (¬1) مما اختلف المقصود لنفى تأويله، فقال ابن عباس: إنك مغفور لك، غير مؤاخذ بذنب إن لو كان، وقال غيره: المراد ما كان من سهو أو غفلة، أو ما تقدم لأبيك آدم مما يشبه الذنب، وما تأخر من ذنوب أمتك، أو ذنوب أمته فقط، والمراد بالذنب، ترك الأولى، كما قيل: حسنات الأبرار، سيئات المقربين، وترك الأولى، ليس بذنب فى الحقيقة، لكنه مشابه له بالنسبة إلى مقام الكمّل فى ندرة وقوعه منهم، ولقد حقق السبكى هذا المقام بما حاصله: أن الآية لا تحتمل إلا وجها واحدا، وهو تشريفه صلى الله عليه وسلم من غير أن يكون هناك ذنب، وبيّن ذلك أحسن بيان وأبلغه، ثم قال: وكيف يتخيل وقوع ذنب منه؟ وَمايَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوى* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى (¬2) وقد أجمع الصحابة رضى الله عنهم على اتباعه، والتأسى به فى كل ما يفعله، من قليل، أو كثير، صغير وكبير، لم يكن عندهم فى ذلك توقف، ولا بحث حتى أعماله فى السر والخلوة، يحرصون على العلم بها وعلى اتباعها، علم بهم، أو لم يعلم، ومن تأمل أحوالهم معه، استحى من الله أن يخطر بباله خلاف ذلك. انتهى. ... ¬

(¬1) سورة الفتح: آية رقم (2). (¬2) سورة النجم: آية رقم (3،4).

3 - باب: ما جاء فى شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم

3 - باب: ما جاء فى شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم 23 - حدثنا على بن حجر، أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، عن حميد، عن أنس ابن مالك. قال: «كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نصف أذنيه». 24 - حدثنا هناد بن السّرىّ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبى الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وكان له شعر فوق الجمّة، ودون الوفرة». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم) 23 - (إلى نصف أذنيه) أى فى بعض الأحيان كما مر ذلك بما فيه. 24 - (ورسول الله) برفعه معطوف على أنا، ويجوز نصبه على أنه مفعول معه. (من إناء واحد) فيه جواز غسل الرجل، وزوجته من إناء واحد لكن إن كان بالاغتراف باليد، فلا بد من نية الاغتراف، كما بين فى محله وفى: أن فضل ماء المرأة طهور. (فوق الجمة) أى لم يصل لمحلها وهو المنكبان. (وأنزل من الوفرة) أى من محلها وهو ¬

23 - إسناده صحيح: رواه النسائى فى الزينة (8/ 5249) من طريق على بن حجر به فذكره، والبغوى فى «شرح السنة» (3638)، من طريق المصنف به فذكره، ورواه مسلم فى «الفضائل» (2338)، وأبو داود (4186)، بمعناه، والإمام أحمد فى «المسند» (3/ 113)، ثلاثتهم من طرق عن حميد الطويل به فذكره بنحوه، ورواه ابن ماجه (3634)، وأحمد (3/ 135،142،157،165،203، 245،249،269)، وابن سعد فى «الطبقات الكبرى» (1/ 329)، ثلاثتهم من طرق عن أنس مرفوعا بألفاظ متقاربة. 24 - إسناده: صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (4/ 1755)، بسنده ومتنه سواء وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، والحديث روته السيدة عائشة رضى الله عنها مفرقا. فالقسم المتعلق بالغسل: رواه أبو داود فى الطهارة (77)، وابن ماجه فى اللباس (604)، -

25 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا أبو قطن، حدثنا شعبة، عن أبى إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: ««كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعا، بعيد ما بين المنكبين، وكانت جمّته تضرب شحمة أذنيه». ـــــــــــــــــــــــــــــ شحمة الأذن وهذه الرواية بمعنى رواية أبى داود: «فوق الوفرة ودون الجمة» أى أطول من الوفرة وأقصر من الجمة فهما، وإن اختلفا فى التعبير بالفوقية، والدونية، إذ الأولى باعتبار المحل والثانية باعتبار الرتبة والقلة والكثرة، إلا أن مآلهما إلى معنى واحد، نعم فى نسخ هنا «فوق الجمة، ودون الوفرة» وهذه عكس رواية أبى داود، وجمع بينهما بما يؤول إلى ما تقرر، وهو أن المراد بفوق، ودون منهما بالنسبة إلى المحل تارة، وإلى الكثرة والمقدار أخرى، فقوله: «فوق الجمة» أى: ارتفع فى المحل وقوله: «دون الجمة» أى: فى القدر، وكذا العكس قيل: وهو جمع جيد لولا أن المخرج فى الحديث متحد انتهى، ويرد: بأنه إذا أوّل الفوق والدون بما ذكر، لم يؤثر فيه اتحاد المخرج. 25 - (منيع) بفتح فكسر. (أبو قطن) بقاف فمهملة مفتوحتين قدرى لكنه صدوق. (تضرب شحمة أذنيه) أى معظمها يصل إلى شحمة أذنيه وبقيتها إلى المنكبين كما مر بيان ذلك، كان لاختلاف الأوقات، والجهاد ومع بيان اللّمة والجّمة والوفرة. ¬

24 - والإمام أحمد فى «المسند» (6/ 118)، ثلاثتهم من طرق عن عائشة رضى الله عنها فذكره نحوه. وأما القسم المتعلق بالشعر: رواه أبو داود فى «الترجل» (4187)، وابن ماجه فى اللباس (3635)، والإمام أحمد فى «المسند» (6/ 108)، ثلاثتهم من طريق عبد الرحمن بن أبى الزناد به فذكره. 25 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى المناقب (3551)، وفى اللباس (5848)، (5901)، وكذا الإمام مسلم فى الفضائل (2337)، والنسائى فى الزينة (8/ 133)، وفى «السنن الكبرى» (9328) (5/ 412)، ثلاثتهم من طرق عن شعبة، عن أبى إسحاق به فذكره.

26 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا وهب عن جرير بن حازم، قال: حدثنى أبى، عن قتادة قال: قلت لأنس: كيف كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «لم يكن بالجعد ولا بالسّبط، كان يبلغ شعره شحمة أذنيه». 27 - حدثنا محمد بن يحيى بن أبى عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبى نجيح، عن مجاهد، عن أم هانئ بنت أبى طالب (¬1)، قالت: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكّة قدمة وله أربع غدائر». ـــــــــــــــــــــــــــــ 26 - (جرير) بفتح الجيم فكسر. (حازم) بمهملة فزاى. 27 - (أم هانئ) بكسر النون وبالهمزة، واسمها فاختة وقيل: الظاهر أنها قدومه فى فتح مكة، ولأنه حينئذ اغتسل، وصلى الضحى فى بيتها، وقدماته إلى مكة أربع متفق عليها: فى عمرة القضاء والفتح، ولما رجع من حنين دخلها لما اعتمر من الجعرانة، وفى حجة الوداع. (وله أربع غدائر) بمعجمة فمهملة جمع غديرة، وهى الذؤابة. ¬

26 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى اللباس (5905)، ومسلم فى الفضائل (2338)، والنسائى فى الزينة (8/ 131)، وفى الكبرى (9311) (5/ 410)، والإمام أحمد فى «المسند» (3/ 135،203)، أربعتهم من طريق جرير بن حازم به فذكره نحوه. 27 - صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (1781)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الترجل (4191)، وابن ماجه فى اللباس (3631)، والإمام أحمد فى «المسند» (6/ 341،425)، وكذا ابن سعد فى «الطبقات الكبرى» (1/ 330)، كلهم من طرق عن سفيان بن عيينة به فذكره. وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، قال محمد-يعنى البخارى-: لا أعرف لمجاهد سماعا من أم هانئ. (¬1) هى بنت أبى طالب أخت على بن أبى طالب: وقيل اسمها: هند انظر فى ترجمتها: جامع المسانيد (16/ 562)، والسير (2/ 314)، أسد الغابة (7/ 253)، الإصابة (4/ 373).

28 - حدثنا سويد بن نصر، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن ثابت البنانى، عن أنس: «أنّ شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إلى أنصاف أذنيه». 29 - حدثنا سويد بن نصر، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن الزهرى، حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رءوسهم، وكان أهل الكتاب يسدلون رءوسهم، وكان يحبّ موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشىء، ثمّ فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه». ـــــــــــــــــــــــــــــ 28 - (أنصاف أذنيه) جمع لما فوق الواحد، وأراد بالنصف مطلق البعض على حد حديث: «تعلموا الفرائض، فإنها نصف العلم» (¬1)، وذلك البعض متعدد أكثر من اثنين لما مر، أنه تارة إلى نصف الأذن، وتارة إلى دونه، وتارة إلى فوقه، كما فى الحديث، روى مسلم نحوه. 29 - (يسدل) بضم الدال وكسرها. (شعره) أى يترك ناصيته على جبهته. (يفرقون) بضم الراء وكسرها من الفرق بفتح فسكون، وهو جعل الشعر فرقتين كل فرقة ذؤابة قصد السدل، وهو مطلق الإرسال والمراد هنا ما مر من إرساله على جبينه، وجعله كالقصة، وقيل: سدله من ورائه غير أن يجعل فرق. (وكان يحب. . .) إلى آخره لا ¬

28 - صحيح: رواه أبو داود فى الترجل (4185)، والنسائى فى الزنية (8/ 182)، وعبد الرزاق فى «المصنف» (11/ 271)، وعبد بن حميد فى «المنتخب» (1242)، والبغوى فى «شرح السنة» (3639)، خمستهم من طريق معمر، عن ثابت به فذكره. 29 - صحيح: رواه البخارى فى المناقب (3558)، ومسلم فى الفضائل (2338)، وأبو داود فى الترجل (4188)، والنسائى فى الزينة (8/ 184)، وفى الكبرى (9334)، (5/ 413)، وابن ماجه فى اللباس (3632)، وأحمد فى «مسنده» (1/ 187،320)، وابن سعد فى «الطبقات»، «1/ 330)، كلهم من طرق عن عبيد الله به نحوه. (¬1) رواه ابن ماجه فى الفرائض (2719) وأحمد فى مسنده (3/ 184،281)، والحاكم فى المستدرك (4/ 322)، والدار قطنى فى سننه (4/ 67).

30 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، عن إبراهيم بن نافع المكى، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، عن أم هانئ، قالت: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا ضفائر أربع». ـــــــــــــــــــــــــــــ شاهد فيه لتعبده قبل النبوة بشريعة موسى أو عيسى لأن هذه المحبة إنما هى بعد البعثة وقبلها، لم يثبت فيه شىء، فكان الأصح أنه لم يكن متعبدا بشريعة نبى، بل كانت عبادته الفكر، وإنما أثر محبة موافقة ما فعله أهل الكتاب على ما فعله المشركون، لأن أولئك لشريعتهم أصلا، بخلاف هؤلاء لأنهم أهل أوثان، فلا يعتد بما هم عليه، ثم رأيت فى كلام بعضهم ما يدل على أنه لاستئلافهم كما تألفهم باستقبال قبلتهم، وفيه نظر، فإن مشركى العرب أولى بالتأليف منهم، واستقبال قبلتهم عن وحى، والكلام فيما لم ينزل عليه فيه شىء، وفى حديث ما يدل على أن تلك المحبة، إنما كانت قبل اشتهار الإسلام، فلما فتحت مكة، واشتهر الإسلام أحب مخالفتهم، (ثم فرق) فيه دليل على أن الفرق أفضل، لأنه الذى رجع إليه صلى الله عليه وسلم وإنما جاز السدل، خلافا لمن قال: نسخ السدل، فلا يجوز فعله، ولا اتخاذ الناصية للخبر السابق «إن انفرقت عقيقته فرق» إلى آخره، إذ هو صريح فى جواز السدل، وزعم نسخه يحتاج لبيان ناسخه وأنه متأخر عن المنسوخ، ويحتمل رجوعه إلى الفرق باجتهاد، وعليه فحكمة عدوله عن موافقة أهل الكتاب هنا، أن الفرق أقرب إلى النظافة، وأبعد عن الإسراف فى غسله، وعن مشابهة النساء، ومن ثمة كان الذى يتجه أن محل جواز السدل، حيث لم يقصد به التشبيه بالنساء وإلا حرم من غير نزاع. 30 - (ضفائر أربع) هو بمعنى غدائر السابقة، والضفر: بفتح الشعر أو غيره، والضفيرة: العقيقة، وفيه: حل ضفر الشعر حتى للرجال، وليس مما يختص بالنساء، إلا باعتبار ما اعتيد فى أكثر البلاد فى هذه الأزمنة المتأخرة، ولا اعتبار بذلك. ... ¬

(30_) إسناده: صحيح: رواه الإمام الترمذى فى اللباس (1781)، بسنده ومتنه سواء. ورواه أبو داود (4191)، وابن ماجه (3631)، كلاهما من طريق إبراهيم بن نافع به فذكره. وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وعبد الله بن أبى نجيح مكى.

4 - باب: ما جاء فى ترجل رسول الله صلى الله عليه وسلم

4 - باب: ما جاء فى ترجّل رسول الله صلى الله عليه وسلم 31 - حدثنا إسحاق بن موسى الأنصارى، حدثنا معن بن عيسى، ثنا مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: «كنت أرجّل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب فى ترجل رسول الله صلى الله عليه وسلم 31 - (أرجل) أى أسرح، وأنظف، وأحسن، وعبر فى الترجمة بالترجيل، ليبين أنه بمعنى الترجيل الذى دل عليه أرجّل المذكور، ولأن الترجيل مشترك بين الترجيل، وجعل الشعر جعدا بالعمل المذكور، كذا قيل، وهو مردود: بأن ترادفهما يعلم من مجيئهما فى الحديث، والترجل مشترك بين هذا والمشى راجلا، فالصواب: أنه إنما آثره؛ لأنه الأكثر فى الأحاديث. (وأنا حائض). فيه: دلالة على طهارة يدها، وسائر ما لم يعتبر دم من بدنها، وهو إجماع، وعلى أنه لا تكره مخالطتها، ولا استعمال معجونها [ومطبوخها] (¬1) ونحوه الاضطجاع معها، والشرب مما تشرب منه، وعلى أنه ينبغى للمرأة أن تتولى خدمة زوجها بنفسها فى سائر الأحوال، ومجانبتها حال الحيض طريقة لليهود-لعنهم الله-. ¬

31 - صحيح: رواه البخارى فى الحيض (295)، وكذا مسلم (297)، وأبو نعيم فى مستخرجه على مسلم (684)، وأبو داود فى الصوم (2469)، وكذا رواه النسائى فى الطهارة (1/ 128)، وفى «الكبرى» (270،271،3385)، وابن ماجه فى الصيام (1778)، والدارمى فى الطهارة (1058)، وأحمد فى «المسند» (6/ 208)، كلهم من طريق هشام بن عروة به فذكره. (¬1) ما بين [] طمس فى الأصل، والتصويب من (ش).

32 - حدثنا يوسف بن عيسى، حدثنا وكيع، حدثنا الربيع بن صبيح، ثنا يزيد ابن أبان-هو الرقاشى-عن أنس بن مالك، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه، وتسريح لحيته، ويكثر القناع، حتّى كان ثوبه ثوب زيّات». 33 - حدثنا هنّاد بن السرى، حدثنا أبو الأحوص، عن الأشعث بن أبى الشعثاء، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة، قالت: «إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحبّ التّيمّن فى طهوره إذا تطهر، وفى ترجّله إذا ترجّل، وفى انتعاله إذا انتعل». ـــــــــــــــــــــــــــــ 32 - (يزيد) ضعفوه فالحديث معلول. (أبان) بكسر النون مشددة أو بفتحها تخفيفا بالصرف، بناء على أنه فعال، وعدمه على أنه أفعل، وقاعدة أن الأصل الصرف يرجح الأول. (الرّقاشى) بتخفيف القاف وبالشين المعجمة. (دهن) بفتح الدال مصدر بمعنى استعمال الدهن. (وتسريح) عطف على دهن لا على رأسه، خلافا لمن وهم فيه. (القناع) هو خرقة تلقى على الرأس بعد استعمال الدهن، لتقى العمامة من وسخه. (حتى) غاية، ليكثر (ثوبه) هو ذلك القناع. (زيات) أى بائع زيت أو صانعه. 33 - (إن كان) مخففة من الثقيلة أى أنه وضميرها للشأن، ويجوز عملها على قلة وإهمالها هو الأكثر. (التيمن) أى الابتداء باليمين. (فى طهوره) بفتح أوله وهو الماء الذى يتطهر به ففيه حذف مضاف، أى استعماله وضمه، وهو بالفعل، وهذا بالنسبة ليديه بعد غسل الوجه دونهما أول الوضوء ولرجليه دون نحو خديه وأذنيه، لغير نحو ¬

32 - إسناده ضعيف: فيه الربيع بن صبيح، قال فيه الحافظ: صدوق سيئ الحفظ (1895). وكذا يزيد بن أبان الرقاشى، قال فيه الحافظ: ضعيف (7683). ورواه البيهقى فى «شعب الإيمان» (6463)، وأبو الشيخ الأصفهانى «فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 184)، كلاهما من طريق الربيع بن صبيح به فذكره، وذكره الغزالى فى الإحياء (2/ 414)، وقال العراقى: ضعيف. 33 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى «الجمعة» (608) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى «الوضوء» (168)، =

34 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام بن حسان، عن الحسن البصرى، عن عبد الله بن مغفل، قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التّرجّل إلا غبا». ـــــــــــــــــــــــــــــ أقطع وكالطهور وما ذكر من سائر ما هو من باب التكريم كالأخذ والعطاء وليس نحو الشرب، ودخول البيت، ونحو المسجد، وحلق الرأس، وقص الشارب، وترجيل الشعر، والاستياك بالنسبة للفم، وكذا اليد على نزاع فيه والكحل، وتقليم الأظفار، فيبدأ اليد بسبابته اليمين، ثم وسطاها، ثم بنصرها وخنصرها، ثم إبهامها، ثم بخنصر اليسرى فبنصرها فوسطاها فسبابتها فإبهامها، وفى الرجل، فيبدأ بنخنصر اليمنى، وهكذا على التوالى إلى أن يختم بخنصر اليسرى، قياسا على التخليل فى الوضوء، ولدخول المسجد، والخروج من الخلاء، فيبين فيه الابتداء باليمين، بخلاف غيره. فإن كان لا شرف فيه ولا خسة، أو فيه خسة، فالسنة فيه البدأة فيه باليسار، وأما فى الأخير فاتفاق، وأما فيما قبله فعلى كلام فيه سنة فى شرح العباب. 34 - (حسان) الظاهر أنه للمبالغة فى الحسن فيصرف فإن كان من الحسن كان فيه زيادة الألف والنون والعلمية فلا يصرف ونظيره قيل لبعضهم أتصرف عفان، قال: نعم إذا هجوته أى لأنه من العفونة، لا إن مدحته أى لأن معنى الحديث (الترجل) مثله الأدهان (إلا غبا) مثله ورود الإبل الماء يوما وتركه يوما، ثم استعمل فى فعل ذلك وقتا وتركه وقتا، لأن إدامته تشعر بمزيد الإمعان فى الزينة والترفه، وذلك إنما يليق بالنساء، ¬

= ومسلم فى «الطهارة (268)، وأبو داود فى «اللباس» (4140)، والنسائى فى الغسل (1/ 67)، وفى «الزينة» (8/ 161)، وفى «الكبرى» (116)، (3920)، وأحمد فى «المسند» (6/ 94،130،147،188،202،210)، والبغوى فى «شرح السنة» (1/ 423)، وأبو عوانة فى «مسنده» (1/ 222)، وأبو نعيم فى «المسند على مسلم» (618)، (619)، كلهم من طريق الأشعث بن أبى الشعثاء عن أبيه به فذكره نحوه. 34 - حديث صحيح: رواه الترمذى فى «اللباس» (1756)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى «الترجل» (4159)، والنسائى فى «الزينة» (8/ 132)، وفى «الكبرى» (9315)، وأحمد فى «المسند» (4/ 86)، والبغوى فى شرح السنة (3165)، وابن حبان فى «صحيحه» (5484)، وأبو نعيم فى «الحلية» (6/ 276)، وابن عبد البر فى «التمهيد» (5/ 53)، كلهم من طريق يحيى بن سعيد القطان به فذكره. قال أبو عيسى: حسن صحيح.

35 - حدثنا الحسن بن عرفة، قال حدثنا عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن أبى خالد، عن أبى العلاء الأودّى، عن حميد بن عبد الرحمن، عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم: «أن النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان يترجّل غبا». ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه ينافى شهامة الرجال. فوائد: ورد بسند ضعيف «كان صلى الله عليه وسلم لا يتنور، وكان إذا كثر شعره» (¬1) أى شعر عانته. «حلقه»: لكن صح أنه صلى الله عليه وسلم «كان إذا بدأ بعانته فطلاها بالنورة» (¬2) وأعل بالإرسال، وخبر أنه صلى الله عليه وسلم «دخل حمام الجحفة» (¬3) موضوع باتفاق الحفاظ، وإن وقع فى كتابه أنه بصرى وغيره منها ولم تعرف العرب الحمام ببلادهم، إلا بعد موته صلى الله عليه وسلم. ¬

35 - إسناده ضعيف [وهو صحيح]: علته: يزيد أبى خالد الدالانى: قال فيه الحافظ (8072 التقريب): «صدوق يخطئ كثيرا». قلت: هذا هو الصواب «يزيد أبى خالد بن عبد الرحمن بن أبى سلامة الدّالانى» تهذيب الكمال (33/ 273،274)، وقد صحفت فى نسخ الشمائل إلى ابن أبى خالد، و (ابن) هذه زائدة كما ذكر شراح الشمائل. قلت: وقد وهم فيه أى: «يزيد بن خالد» شراح الشمائل: كميرك شاه، والعصام، والملا على القارئ، وعبد الرءوف المناوى حيث ذكروا أنه «يزيد بن خالد بن يزيد بن موهب، الرملى». وترجموا له وتكلموا عليه وهما بأنه المقصود وهو خلاف ذلك كما بينا. وانظر: جمع الوسائل وهامشه للمناوى (1/ 107). . تهذيب الكمال (32/ 115). والحديث: ذكره الزبيدى فى «إتحاف السادة المتقين» (2/ 395)، وعزاه للمصنف فى الشمائل وقال: إسناده حسن من حديث صحابى لم يسم رفعه. قلت: قال على القارئ والمناوى: قيل: الرجل هو الحكم بن عمرو، وقيل: عبد الله بن سرجس، وقيل: عبد الله بن مغفل. راوى الحديث الذى قبله وهو شاهد صحيح لهذا الحديث. (¬1) رواه البغوى فى «شرح السنة» (3199)، (12/ 113)، والبيهقى فى «السنن» (1/ 152)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 57)، وأبو نعيم فى «أخبار أصفهان» (1/ 321)، من حديث أنس رضى الله عنه، وفى إسناده مسلم الملائى وهو ضعيف. (¬2) رواه أبو نعيم فى «الحلية» (5/ 167) وقال: غريب من حديث حبيب تفرد به. ورواه ابن ماجه (3752)، وذكره البغوى فى «شرح السنة» (2/ 114) قلت: ورجاله ثقات، لكنه منقطع. (¬3) ذكره السيوطى فى «الخصائص» (1/ 60) وعزاه لابن عساكر فى التاريخ، والحاكم فى «تاريخ نيسابور».

5 - باب: ما جاء فى شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم

5 - باب: ما جاء فى شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم 36 - حدثنا محمد بن بشار، أخبرنا أبو داود، أخبرنا همام، عن قتادة قال: قلت لأنس بن مالك: «هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لم يبلغ ذلك. إنما كان شيبا فى صدغيه، ولكن أبو بكر رضى الله عنه خضب بالحنّاء والكتم». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم) 36 - (هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) أى هل غيّر بياض شعر رأسه ولحيته. (لم يبلغ ذلك) أى حد الخضاب وهو الشيب المفهوم من السياق ومن ثم قال: (إنما كان) أى شيبه. (شيبا) أى قليلا، وإنما كان ما يخضبه شيئا كما فى نسخة. (فى صدغيه) والصدغ ما بين العين والأذن، وروى مسلم عن أنس روايات أخر «كان فى لحيته شعرات بيض لم ير من الشيب إلا قليلا لو شئت أن أعد شمطات كن فى رأسه، ولم يخضب، إنما كان البياض فى عنفقته، وفى الصدغين، وفى الرأس نبذ» (¬1) بضم ففتح، أو بفتح فسكون أى شعرات متفرقات، وقوله: «لم يخضب» إنما قاله بحسب علمه لما يأتى مبسوطا فى الخضاب. (والكتم) وهو بفتحتين نبت أو ورق كورق الآس يخلطه مع الوسمة، وقال الأزهرى (¬2): نبت فيه حمرة، ويؤيد الأول ما خرجه مسلم. «أن أبا بكر كان يخضب بالحناء والكتم وعمر بالحناء وحده» (¬3). فهو مشعر بأن أبا بكر، كان يجمع بينهما دائما، لا بالكتم الصرف الموجب للسواد الصرف، لأنه مذموم، انتهى. ¬

36 - صحيح: رواه البخارى (3550)، والنسائى (8/ 139)، والإمام أحمد فى «المسند» (3/ 192،251)، ثلاثتهم من طريق همام به فذكره نحوه، ورواه أيضا الإمام مسلم (2341)، وابن سعد فى «الطبقات» (1/ 333)، من طريق عاصم الأحول، عن ابن سيرين عن أنس مرفوعا فذكره. ورواه أبو داود (4209)، من طريق ثابت البنانى عن أنس به فذكره. (¬1) رواه مسلم فى الفضائل (3341). (¬2) انظر: اللسان (5/ 3823) [كتم]. (¬3) رواه مسلم فى «الفضائل» (2341).

37 - حدثنا إسحاق بن منصور، ويحيى بن موسى، قالا: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: «ما عددت فى رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحيته إلا أربع عشرة شعرة بيضاء». ـــــــــــــــــــــــــــــ 37 - (إلا أربع عشرة شعرة بيضاء) لا ينافى رواية ابن عمر الآتية: «إنما كان شيبه نحوا من عشرين شعرة بيضاء» (¬1) وذلك لأن الأربع عشرة نحو العشرين، لأنها أكثر من بضعها، ومن زعم أنه لا دلالة لنحو الشىء على القرب منه فقد وهم، نعم روى البيهقى عن أنس نفسه. «ما شانه الله بالشيب، ما كان فى رأسه ولحيته، إلا سبع عشرة، أو ثمان عشرة بيضاء» (¬2) وقد يجمع بينهما بأن أخباره اختلفت، لاختلاف. الأوقات، وبأن الأول إخبار عن عدة، والثانى إخبار عن الواقع، فهو لم يعد إلا أربع عشرة، وأما فى الواقع فكان سبع عشرة أو ثمان عشرة، وروى البخارى عن أبى جحيفة «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض قد شمط» (¬3)، ومسلم عنه: «رأيت رسول الله، وهذه منه بيضاء» (¬4) ووضع الراوى بعض أصابعه على عنفقته، ومرّ فى خبر أن أنس أول الكتاب الجمع بين خبر «لم يشنه الله بالشيب» (¬5) وخبر «أن الشيب وقار ونور كان ¬

37 - إسناده صحيح: رواه أحمد فى المسند (3/ 165)، وعبد بن حميد فى المنتخب (1243)، كلاهما من طرق عن عبد الرزاق به فذكره. (¬1) رواه ابن ماجه (3630)، والترمذى فى «العلل الكبير» (2/ 929)، والإمام أحمد فى «المسند» (2/ 90)، والبغوى فى «شرح السنة» (3656)، والبيهقى فى «الدلائل» (1/ 239)، وابن حبان فى «صحيحه» (6294)، (6295)، قال أبو عيسى: سألت محمدا-أى البخارى-عن هذا الحديث، فقال: لا أعلم أحدا روى هذا الحديث عن عبيد الله غير شريك. وذكره البوصيرى فى «الزوائد»، وقال: إسناده صحيح ورجاله ثقات. قلت: فيه شريك القاضى، وهو سيئ الحفظ. (¬2) رواه مسلم (2341)، وأحمد فى المسند (3/ 254)، وابن سعد فى الطبقات، (1/ 431، 432)، وابن ماجه (2629)، والبيهقى فى الدلائل (1/ 231،232)، وابن حبان فى صحيحه (6292). (¬3) رواه البخارى (3544)، ومسلم (2343). (¬4) رواه مسلم فى الفضائل (2342). (¬5) تقدم تخريجه.

38 - حدثنا محمد بن المثنى، أخبرنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت جابر بن سمرة، وقد سئل عن شيب رسول الله فقال: «كان إذا دهن رأسه لم ير منه شيب، وإذا لم يدهن رئى منه شىء». 39 - حدثنا محمد بن عمر بن الوليد الكندى الكوفى، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك (¬1)، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: «إنّما كان شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من عشرين شعرة بيضاء». ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا دهن» (¬2) الحديث أخرجه مسلم، والنسائى عن جابر أيضا بلفظ: «كان قد شمط مقدم رأسه ولحيته» (¬3). 38 - (وكان إذا ادهن) لم يتبين، وإذا أشعث رأسه تبين، وكان كثير شعر اللحية، وإنما لم يتبين عند الادهان، لأن الشعر يجتمع فيه، فينظر البياض لقلته فى السواد، بخلافه عند الادهان، فإن الشعر حينئذ يتفرق، فيظهر الأبيض من غيره. ¬

38 - صحيح: رواه مسلم فى «الفضائل» (2344)، والنسائى فى الزينة (8/ 150)، وفى الكبرى (9405)، والإمام أحمد فى مسنده (5/ 86،88)، ثلاثتهم من طريق شعبة به فذكره نحوه. 39 - صحيح: رواه ابن ماجه فى اللباس (3630) بنفس إسناد المصنف فذكره، والإمام أحمد فى «المسند» (2/ 90)، من طريق يحيى بن آدم به فذكره. قال البوصيرى فى «الزوائد» (3/ 156): هذا إسناد صحيح رواه الترمذى فى الشمائل عن محمد بن عمر به ورواه أحمد فى مسنده من حديث ابن عمر أيضا. (¬1) قال المناوى: هو ابن عبيد الله بن أبى شريك النخعى الكوفى القاضى بواسط ثم الكوفة إذ هو الراوى عن عبيد الله بن عمر، وليس هو شريك بن عبد الله بن أبى عز القاضى كما وهم فيه الشارح، صدوق يخطئ كثيرا ثقة حافظ يغلط، مات سنة ثلاثين ومائتين، وقيل غير ذلك، خرج له الجماعة، وشريك بن عبد الله صدوق يخطئ من الخامسة خرج له الستة وكان ينبغى للمؤلف تمييزه. اه‍. انظر: جمع الوسائل فى شرح الشمائل مع شرح المناوى (1/ 112). (¬2) تقدم تخريجه. (¬3) رواه مسلم فى «الفضائل» (2344).

40 - حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، حدثنا معاوية بن هشام، عن شيبان، عن أبى إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: «قال أبو بكر: يا رسول الله قد شبت. قال: شيّبتنى هود، والواقعة، والمرسلات، وعمّ يتساءلون، وإذا الشّمس كوّرت». ـــــــــــــــــــــــــــــ 40 - (شبت) كان حكمة السؤال عن ذلك، أن مزاجه صلى الله عليه وسلم اعتدلت فيه الأمزجة والطبائع الأربعة، وإسدالها مستلزم لعدم الشيب ولو فى أوانه، فكان شيبه بالنظر لذلك، كأنه تقدم على أوانه، فسئل عن حكمته. (هود) بالصرف أى فى سورة هود، وبتركه على أن هذا الاسم علم السورة. (والواقعة) أى لأن هذه السورة من أهوال يوم القيامة وتباين أحوال السعداء والأشقياء، والأمر بالاستقامة، كما أمر مما يليق بعلى كماله، ورفيع جلاله الذى لا يمكن البشر أن يحمله، ومن ثمة لما نزل: اِتَّقُوا اَللهَ حَقَّ تُقاتِهِ (¬1) ضجّوا حتى نزل: فَاتَّقُوا اَللهَ مَا اِسْتَطَعْتُمْ (¬2) ومن غير ذلك، مما لا يستوجب بعضه، إلا ديوان حافل بما يوجب سلطان الخوف والحزن، سيما على أتباعه وأمته لعظم ¬

40 - صحيح: رواه المصنف فى التفسير (3297)، وابن أبى شيبة فى المصنف (10/ 554)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 335)، والبغوى فى شرح السنة (14/ 372)، وأبو نعيم فى حلية الأولياء (4/ 350)، وكذا فى معرفة الصحابة (1/ 340/1)، والحاكم فى المستدرك (2/ 344)، والبيهقى فى الدلائل (1/ 358)، كلهم من طريق شيبان به نحوه. ورواه أبو يعلى فى مسنده (107،108)، عن عكرمة قال: قال أبو بكر فذكره. قلت: وإسناده ضعيف لانقطاع الصلة بين عكرمة وأبى بكر. والراوى عن أبى بكر هو ابن عباس رضى الله عنهما. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخارى ووافقه الإمام الذهبى. وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (7/ 37،118)، وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط ورجاله رجال الصحيح، ورواه أبو يعلى إلا أن عكرمة لم يدرك أبا بكر. وذكره الحافظ العسقلانى فى المطالب (3650)، وعزاه للمصنف فى الشمائل. وقال البوصيرى فى الإتحاف (2/ 171): رواه أبو يعلى والترمذى فى الشمائل ورواته ثقات. (¬1) سورة آل عمران: آية (102). وانظر: الدر المنثور (2/ 282)، وتفسير ابن أبى حاتم (3/ 722،723). (¬2) سورة التغابن: آية (16)، وانظر الدر المنثور (8/ 185).

41 - حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا محمد بن بشر، عن على بن صالح، عن أبى إسحاق، عن أبى جحيفة، قال: قالوا: «يا رسول الله، نراك قد شبت. قال: قد شيّبتنى هود وأخواتها». ـــــــــــــــــــــــــــــ رأفته، ورحمته بهم، ودوام الفكر فيما يصلحهم، وتتابع الغم فيما يؤلمهم، أو يصدر عنهم، واشتغال القلب والبدن بأحوالهم ومصالحهم الظاهرة والباطنة، وهذا كله مستوجب لضعف قوى البدنية، وضعفها مستلزم لضعف الحرارة الغريزة، وبضعفها يسرع الشيب، ويظهر قبل وقته وأوانه، لكن لما كان عنده صلى الله عليه وسلم من انشراح الصدر، واتساع القلب، وتوالى أنوار اليقين والقرب، ما يسليه كل هم وحزن، لم يقدر ذلك، إلا أن يستولى إلا على قدر يسير من شعره الشريف ليكون فيه مظهر الجلال والجمال، وليتبين أن جماله صلى الله عليه وسلم غالب على جلاله بل لا نسبة بينهما فى وصفه فى كتابه بالرءوف الرحيم، ولم يوصف بالجبار، إلا فى الزبور، وإشارة إلى ما ذكرته، واستنبطته وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (¬1). 41 - (وأخواتها) لعلها المفصلة فى الحديث السابق، وكأن وجه تخصيص هذه السورة بالذكر مع أنه فى بعض السور غيرها، ما فى بعضها مما مر وزيادة، أنه صلى الله عليه وسلم حال إخباره بذلك، لم يكن أنزل عليه مما يشتمل على ما مرّ غيرها. ¬

41 - إسناده ضعيف، وهو صحيح يشهد له الذى قبله: وعلته: أن على بن صالح متأخر السماع من أبى إسحاق السبيعى، قال أبو عيسى: فى سننه (5/ 402) عقب الحديث السابق: وروى علىّ بن صالح هذا الحديث عن أبى إسحاق عن أبى جحيفة نحو هذا. وروى عن أبى إسحاق عن أبى ميسرة شيئا من هذا مرسلا، وروى أبو بكر ابن عياش عن أبى إسحاق عن عكرمة عن النبى صلى الله عليه وسلم نحو حديث شيبان عن أبى إسحاق ولم يذكر فيه عن ابن عباس حدثنا بذلك هاشم بن الوليد الهروى، حدثنا أبو بكر بن عياش اه‍. قلت: ورواية على بن صالح وصلها الحافظ أبو نعيم ثم قال عقبها: اختلف على أبى إسحاق، عن أبى جحيفة، وروى عنه عن مصعب بن سعد، عن أبيه، وروى عنه عن عامر بن سعد عن أبى بكر، وروى عنه عن أبى الأحوص عن عبد الله رضى الله عنهم اه‍. وانظر: الصحيحة للشيخ الألبانى حفظه الله (955). (¬1) سورة يوسف: آية رقم (76).

42 - حدثنا على بن حجر، قال: أنبأنا شعيب بن صفوان، عن عبد الملك بن عمير، عن إياد بن لقيط العجلى، عن أبى رمثة التيمى-تيم الرباب-قال: «أتيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم ومعى ابن لى. قال: فأريته، فقلت لمّا رأيته: هذا نبىّ الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان أخضران، وله شعر قد علاه المشيب، وشيبه أحمر». 43 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا سريج بن النعمان، أخبرنا حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب قال: قيل لجابر بن سمرة: ـــــــــــــــــــــــــــــ 42 - (إياد) بكسر الهمزة فتحتية، ثم دال مهملة. (لقيط) (¬1) بفتح فكسر. (رمثة) براء مكسورة فميم ساكنة. (الرباب) (¬2) بكسر الراء، وتخفيف الموحدة الأولى، وهم خمس قبائل من جملتهم: تيم، غسلوا أيديهم فى ربب، وتحالفوا عليهم، فصاروا يدا واحدة. (فأريته) أى جعلت. (وله شعر) أى قليل لما مر أن شيبه، لم يبلغ عشرين شعرة. (علاه المشيب) أى صار إليه البياض بأعلى ذلك الشعر القليل أى بمنابته، وما قرب منها. (وشيبه أحمر) أى وذلك البياض صبغ بحمرة، فتوافق ما مر عن ابن عمر «أنه تخالطه حمرة فى أطراف تلك الشعرات» لأن العادة، أول ما يشيب أصول الشعر، دون الشعر، إذا قرب شيبه صار أحمر، ثم أبيض واندفع بهذا التقدير ما لبعضهم هنا من الإشكال، وخلط بعضهم فى الجواب بما لا يجدى. 43 - (مفرق رأسه) الظاهر أنه كما مر، أى مقدمه (إذا ادهن) بفتح الدال وضمها ¬

42 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأدب (2812)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى اللباس (4065)، وكذا فى الترجل (2406)، والنسائى فى الزينة (8/ 140)، وفى الكبرى (9356)، وأحمد فى المسند (2/ 227،228)، (4/ 163)، كلهم من طرق عن إياد بن لقيط به فذكره نحوه. 43 - صحيح: رواه أحمد فى المسند (5/ 104)، من طريق حماد بن سلمة به فذكره. (¬1) وثقه يحيى بن معين، وكذلك النسائى، وانظر: تهذيب الكمال (3/ 398). (¬2) ويقال التميمى، والبلوى، واختلف فى اسمه فقيل: رفاعة بن يثربى، وقيل: يثربى بن رفاعه، وقيل: عمارة بن يثربى، ويثربى بن عوف، وحبان بن وهب، وقيل: حبيب بن حيان، أو ابن حبان، وقيل: خشخاش، انظر فى ترجمته: مسند أحمد (2/ 226)، جامع المسانيد (4/ 46)، وأسد الغابة (6/ 111،112)، والإصابة (4/ 70).

«أكان فى رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم شيب؟ قال: لم يكن فى رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم شيب إلا شعرات فى مفرق رأسه إذا ادّهن واراهنّ الدّهن». ـــــــــــــــــــــــــــــ أى متدهن لجمعه الشعر، أو لخلطه بالطيب روى مسلم: «كان إذا دهن، لم يتبين» (¬1) أى الشيب، وإذا أشعث تبين، قال شارحه: لأنه عن الادهان يجمع شعره، ويختفى شيبه لقلته، وعند عدمه يتفرق شعره فيظهر شيبه، ومر ذلك قريبا. ... ¬

(¬1) رواه مسلم فى الفضائل (2344).

6 - باب: ما جاء فى خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

6 - باب: ما جاء فى خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 44 - حدثنى أحمد بن منيع، حدثنا هشيم، حدثنا عبد الملك بن عمير، عن إياد بن لقيط، قال: أخبرنى أبو رمثة، قال: «أتيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم مع ابن لى. فقال: ابنك هذا؟ فقلت: نعم، أشهد به. قال: لا يجنى عليك ولا تجنى عليه. قال: ورأيت الشّيب أحمر». (قال أبو عيسى: هذا أحسن شىء فى هذا الباب وأفسر؛ لأن الروايات الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الشيب. وأبو رمثة اسمه رفاعة بن يثربى التميمى). ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال فى القاموس (¬1): الخضاب ككتاب، وهو ما يختضب به أى يلون به، وجعله غيره مصدر كالخضب بمعنى التلوين، وهو بعيد. 44 - (هشيم) بضم ففتح. (مع ابن لى) حال أى كائنا معه و (ابنك) حذف منه همزة الاستفهام ومن ثم أظهرت فى رواية أخرى، وفى تأخير هذا إشكال، لأن الظاهر أن السؤال إنما هو من ابنه، وهذا والمطابق له أهذا ابنك، لا عن هذية ابنه المطابق له فى المتن وجوابه أن هذا مبتدأ مؤخر بقرينة السياق الشاهدة، بأن المعهود ولذا قال ابنك هذا، أى المعهود هنا (أشهد به) أى كن شاهدا عليه يا رسول الله ويصح كونه فعلا مضارعا أى اعترف وأقرّ به، إما لأن أحدا كان يشك فى ذلك، أو لبيان أنه مستلزم لجنايته على ما اعتاده الجاهلية من مؤاخذة الوالد ولده بجناية الآخر، ومن ثم رد عليه النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا يجنى عليك) إلى آخره أى لا تؤاخذ بذنبه، ولا يؤاخذ بذنبك، ومن ثمة قال أئمتنا: إن أبا الجانى وفرعه لا يتحملان عنه شيئا من الدية بخلاف بقية ¬

44 - إسناده صحيح: رواه أبو داود فى الترجل (4208)، وفى الديات (4495)، والنسائى فى القسامة (8/ 53)، وفى الكبرى (7036)، وأحمد فى المسند (4/ 163)، كلهم من طريق عبد الملك بن عمير، عن إياد بن لقيط به فذكره نحوه. (¬1) انظر: ترتيب القاموس المحيط (2/ 68).

45 - حدثنا سفيان بن وكيع قال: حدثنا أبى، عن شريك، عن عثمان بن موهب، قال: «سئل أبو هريرة: هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم». (قال أبو عيسى: وروى أبو عوانة هذا الحديث، عن عثمان بن عبد الله بن ـــــــــــــــــــــــــــــ العاقلة، ويؤيده الرواية الأخرى: «لا يؤخذ الرجل بجريرة ابنه»، وفى رواية أخرى: «وبر الوالد» أى: من التحمل مع العاقلة (أحمر) أى من الخضاب، وبقربه من المشيب كما مر. (قال أبو عيسى: هذا. . . إلخ) معناه أن كلام هذا الراوى دال على أن المراد بالحمرة المعنى الثانى فى الخضاب، وعلى أنه أراد بالشيب مقدمته، وهى الحمرة وحينئذ فيوافق الروايات الصحيحة «أنه صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الشيب فلم يخضب» كذا قيل، وليس بظاهر، لأن الترمذى، قال بالخضاب، بدليل سياقه للأحاديث الآتية، ولأن هذا لو كان مراده، لم يسق هذا الحديث فى هذا الباب أصلا، بل كان يقتصر على سياقه فى الباب قبله فإن فيه ثم كونه أحمر أيضا، فكان الاقتصار عليه ثمة أولى، وذكر كونه أحمر لا يضر، لأن المراد حمرته الذاتية التى هى مقدمة للشيب، فذكره له بتمامه فى البابين، يدل على أن له مناسبة بكل منها تقريرها أن فيه إثبات الشيب المناسب للباب السابق، وأنه كان أحمر أى بالخضاب وهو المناسب لهذا الباب. وأما الروايات الصحيحة: «أنه لم يشب» فمعناها لم يكثر شيبه، مع أنه كان يستره بالحمرة فى بعض الأحيان. 45 - (قال: نعم) يوافقه ما فى الصحيحين عن ابن عمر «أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يصبغ ¬

45 - إسناده ضعيف وهو صحيح: فيه سفيان بن وكيع: قال الحافظ: كان صدوقا، إلا أنه ابتلى بوراقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح، فلم يقبل، فسقط حديثه. التقريب (2456). وفيه شريك بن عبد الله القاضى، قال الحافظ فيه: صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولى القضاء بالكوفة (التقريب:2787). قلت: وقد خالف فيه الثقات فجعلوه من مسند أم سلمة وهو الصواب كما ذكر المصنف عقب الحديث، وحديث أم سلمة رواه البخارى فى اللباس (5897)، وابن ماجه أيضا (3623)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 296،319،322)، ثلاثتهم من طريق عثمان بن عبد الله بن موهب قال: دخلت على أم سلمة فأخرجت إلينا شعرا من شعر النبى صلى الله عليه وسلم مخضوبا، لفظ البخارى وأحمد، وعند ابن ماجه وأحمد بنحوه.

موهب، فقال: عن أم سلمة). ـــــــــــــــــــــــــــــ بالصفرة» (¬1) فهذا دليل مذهبنا، أن الخضاب بغير السواد سنة، ويوافقه خبر أبى داود: مرّ رجل على النبى صلى الله عليه وسلم قد خضب بالحناء فقال: «هذا أحسن» فمر آخر خضب بالحناء والكتم، فقال: «هذا أحسن» فمر آخر خضب بالصفرة، فقال: «هذا أحسن من هذا كله» (¬2)، وما فى الصحيحين: أنه لما جىء بأبى قحافة يوم الفتح للنبى صلى الله عليه وسلم، ورأسه، ولحيته كالثغامة بياضا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «غيروا هذا بشىء، واجتنبوا السواد» (¬3) قول القاضى عياض منع الأكثرون الخضاب مطلقا، وهو مذهب مالك لما روى من النهى عن تغيير الشيب، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يغير شيبه، فأجاب عنه النووى: بأن ما مرّ عن ابن عمر وغيره، لا يمكن تركه ولا تأويله، قال فالمختار: أنه صلى الله عليه وسلم صبغ فى وقت، وتركه فى معظم الأوقات، فأخبر كلّ ما رأى، وهو صادق، وهذا التأويل كالمتعين للجمع به بين الأحاديث، ومذهبنا: ندب خضب الرجل والمرأة بنحو حمرة، أو صفرة، وتحرم عليها خضابه بالسواد، إلا الرجل لحاجة الجهاد، وقيل: يكره (¬4). (موهب) بفتح الهاء، قيل: وكسرها ورد بأنه سهو. ¬

(¬1) رواه البخارى فى اللباس (5851)، ورواه مسلم فى الحج (1187)، وأبو داود (1772)، ومالك فى الموطأ (1/ 333)، (31)، وأحمد فى المسند (2/ 91). (¬2) رواه أبو داود فى الترجل (4210)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 340). (¬3) رواه مسلم فى اللباس (2102)، وأبو داود فى الترجل (4204)، والنسائى فى الزينة (8/ 138)، وكذلك فى الكبرى (9347)، وأحمد فى المسند (2/ 499)، (3/ 338)، والبيهقى فى السنن (7/ 310)، من حديث جابر رضى الله عنهما. (¬4) قال الإمام النووى: ومذهبنا-أى السادة الشافعية-استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة ويحرم خضابه بالسواد على الأصح، وقيل: يكره كراهة تنزيه والمختار التحريم لقوله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السواد» هذا مذهبنا، وقال القاضى عياض: اختلف السلف من الصحابة والتابعين فى الخضاب وفى جنسه فقال بعضهم: ترك الخضاب أفضل، ورووا حديثا عن النبى صلى الله عليه وسلم فى النهى عن تغيير الشيب لأنه صلى الله عليه وسلم لم يغير شيبه، روى هذا عن عمر، وعلى، وأبى وآخرين رضى الله عنهم، وقال آخرون: الخضاب أفضل، وخضب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم للأحاديث التى ذكرها مسلم وغيره، ثم اختلف هؤلاء فكان أكثرهم يخضب بالصفرة منهم: ابن عمر وأبو هريرة وآخرون، وروى ذلك عن علىّ وخضب جماعة منهم بالحناء والكتم، وبعضهم بالزعفران، وخضب جماعة بالسواد، روى ذلك عن عثمان والحسن والحسين ابنى على، وعقبة بن عامر وابن سيرين وأبى بردة وآخرين، قال القاضى: =

46 - حدثنا إبراهيم بن هارون، قال: أنبأنا النضر بن زرارة، أنا أبى جناب، عن إياد بن لقيط، عن الجهذمة امرأة بشير ابن الخصاصية (¬1). قالت: «أنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته ينفض رأسه، وقد اغتسل، وبرأسه ردع من حنّاء. أو قال: ردغ. شكّ فى هذا الشّيخ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 46 - (زرارة) بزاى وراءين. (بشير) بفتح أوله سماه به النبى صلى الله عليه وسلم تغييرا لاسمه زخما (أنا) قدمت أسند إليه ليفيد تفرده بهذه الرواية، (جناب) بجيم مخففة ثم موحدة بوزن سحاب، وفى نسخ: جباب بمعجمة فموحدة، وفى أخرى: خباب بمهملة فموحدة وخاء خلاف الصواب. (الخصاصية) بخاء معجمة وصادين مهملتين وتحتية مخففة اسم أمه، وهى صحابية، وخطأ صاحب القاموس تشديدها ردا على ابن الأثير وغيره، لأنه ليس فى كلام العرب فعّالية بالتشديد، وفى التخطئة بذلك نظر لأن هذا من الأعلام وقد يقع ¬

= قال الطبرانى: الصواب أن الآثار المروية عن النبى صلى الله عليه وسلم بتغيير الشيب وبالنهى عنه كلا صحيحة وليس فيها تناقض، بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب أبى قحافة، والنهى لمن له شمط فقط. قال: واختلاف السلف فى فعل الأمر بحسب اختلاف أحوالهم فى ذلك مع أن الأمر والنهى فى ذلك ليس للوجوب بالإجماع، لهذا لم ينكر بعضهم على بعض خلافه فى ذلك، قال: ولا يجوز أن يقال فيهما: ناسخ ومنسوخ. قال القاضى: وقال غيره: هو على حالين، فمن كان فى موضع عادة أهل الصبغ أو تركه فخروجه عن العادة شهرة، ومكروه، والثانى: أنه يختلف باختلاف نظافة الشيب فمن كانت شيبته تكون نقية أحسن منها مصبوغة فالترك أولى، ومن كانت شيبته تستبشع فالصبغ أولى، هذا ما نقله القاضى، والأصح الأوفق للسنة ما قدمنا عن مذهبنا والله أعلم اه‍. انظر: شرح مسلم للإمام النووى (4/ 80)، وإكمال المعلم شرح مسلم للقاضى عياض (3/ 231/أ). 46 - إسناده ضعيف وهو صحيح: فيه: النضر بن زرارة قال فيه الحافظ: مستور (التقريب 7133)، وللحديث شاهد صحيح عند أبى داود فى الترجل (2206) من حديث أبى رمثة رضى الله عنه، وكذا عند الإمام أحمد فى مسنده (2/ 226)، والنسائى (2/ 279). (¬1) هو بشير بن معبد، ويقال: ابن زيد بن معبد، وهو ابن الخصاصية، وهى أمه، واسمه: كثير، وكان اسمه: زخم، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم «بشيرا» انظر فى ترجمته: الثقات لابن حبان (3/ 33)، الاستيعاب (197)، جامع المسانيد (2/ 287)، أسد الغابة (1/ 229)، الإصابة (1/ 159).

47 - حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا عمرو بن عاصم، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا حميد، عن أنس، قال: «رأيت شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم مخضوبا» قال حماد: وأخبرنا عبد الله بن محمد ابن عقيل، قال: «رأيت شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك مخضوبا». ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها ما لا يوافق الأوزان المعروفة (¬1). ثم رأيت بعضهم ذكر نحو ذلك، فقال ما حاصله: الذى لم يوجد مشددا الخصاصية مصدرا، أما إذا كان الأصل بالخصيص أى الفقير، والياء بالنسبة، فلا مانع منه، لأن التعويل فى ذلك على النقل لا العقل، عن أم سلمة أى بدل أبى هريرة فى الطريق الأولى، وزعم شارح خلاف ذلك، وفيه صرف اللفظ عن ظاهره بمجرد الرأى، ولا مدخل له هنا. (ردع) بمهملتين مع سكون الأولى وفتحها (¬2) أو قال: (ردغ من حناء) بالمد وهو اللطخ من نحو الحناء والزعفران إذا لم يعم كل المحل، أما الردغ بالمعجمة وفتح الدال المهملة وسكونها أيضا فهو الطين والوحلة، وقال جماعة: هو بالمهملة الصبغ وبالمعجمة الطيب الكثير قيل: الذى وسخ (¬3). 47 - (عبد الله بن عبد الرحمن) أبو محمد الدارمى الحافظ المتقن صاحب المسند أخرج له المصنف فى «مسنده»، وأبو داود، نسبة لبنى دارم قبيلة. (الشيخ) يعنى شيخه المذكور أول المسند وفى بعض التصريح باسمه هنا أيضا. (مخضوبا) مرّ فى الأحاديث الصحيحة عن أنس. «أنه صلى الله عليه وسلم لم يختضب» ولعل أنسا أراد بالنّفى الأكثر من أحواله، وبالإثبات إن صح عنه الأقل منها. ¬

47 - إسناده صحيح: وتفرد به المؤلف. (¬1) انظر: ترتيب القاموس المحيط (2/ 65)، وأسد الغابة (1/ 229)، وشرح الشمائل للقارئ والمناوى (1/ 122). (¬2) قال المناوى: قال القسطلانى: اتفق المحققون على أن الردغ بالمعجمة وهم وغلط فى هذا الموضع لإطباق أهل اللغة على أنه بالمهملة لمع من زعفران لم يعلّم الثوب أو الجلد كله، وقال الحافظ ابن حجر: الردع بالمهملة، أى: الصبغ، وبمعجمة طين كثير، قال الجلال السيوطى: ضبطوه فى كتب اللغة والغريب بمهملات كعلس وهو لطخ من بخور وزعفران أو روس. انظر: جمع الوسائل (1/ 122،123). (¬3) انظر: لسان العرب (5/ 3823).

7 - باب: ما جاء فى كحل رسول الله صلى الله عليه وسلم

7 - باب: ما جاء فى كحل رسول الله صلى الله عليه وسلم 48 - حدثنا محمد بن حميد الرازى، حدثنا أبو داود الطيالسى، عن عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «اكتحلوا بالإثمد فإنه يجلو البصر، وينبت الشّعر». وزعم «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم له مكحلة يكتحل منها كلّ ليلة ثلاثة فى هذه وثلاثة فى هذه». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى كحل رسول الله صلى الله عليه وسلم) 48 - روى أحمد وابن ماجه الخبر مثل ما رواه المصنف فى الحديث الأول. (عباد) بمهملة فموحدة مشددة. (بالإثمد) أى دوموا على استعماله وهو حجر الكحل المعروف، وقيل: كحل أصبهانى أسود. (يجلو البصر) أى يدفع الجواد الرديئة المنحدرة من الرأس إليه. (وينبت الشعر) أى هدب العين لأنه يقوى طباقها. (وزعم) الضمير لابن عباس، كما هو ظاهر من السياق، فلا يزاد بالزعم موضوعه المتبادر منه، لأنه قد يستعمل بمعنى قال، كقول أم هانئ عن أخيها علىّ للنبى صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: زعم ابن أمى أنه قاتل فلان وفلان، لاثنين من أصهارها أخبرتهما، أو لمحمد بن حميد على ما حرره بعضهم وح فالزعم باق على معناه إلى ضعف حديثه، بإسقاط الوسائط بينه وبين النبى صلى الله عليه وسلم. (كل ¬

48 - إسناده ضعيف وهو صحيح: فيه عباد بن منصور قال فيه الحافظ: صدوق رمى بالقدر وكان يدلس وتغير بآخره (التقريب 3143). فإسناده ضعيف. رواه المصنف فى اللباس (1757)، وكذا فى الطب (2047)، بسنده ومتنه سواء. ورواه أبو داود الطيالسى فى مسنده (2681)، من طريق عباد به فذكره، ورواه ابن ماجه فى الطب (3499)، والإمام أحمد فى المسند (1/ 354)، والحاكم فى المستدرك (4/ 408)، وأبو الشيخ الأصبهانى فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 181)، كلهم من طريق عباد بن منصور به نحوه مختصرا على الشطر الثانى من الحديث وهو قوله: «وزعم أن النبى له مكحلة يكتحل منها. . الحديث»، قال أبو عيسى: وفى الباب عن جابر وابن عمر، وحديث ابن عباس هذا-حديث حسن غريب لا نعرفه على هذا اللفظ إلا من حديث عباد بن منصور. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعباد لم يتكلم فيه بحجة. وتعقبه الذهبى بقوله: ولا هو بحجة.

49 - حدثنا عبد الله بن الصباح الهاشمى البصرى، حدثنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا إسرائيل، عن عباد بن منصور. (ح) وحدثنا على بن حجر، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا عباد بن منصور، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتحل قبل أن ينام بالإثمد ثلاثا فى كلّ عين». وقال يزيد بن هارون فى حديثه: «إنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كانت له مكحلة يكتحل منها عند النّوم ثلاثا فى كلّ عين». 50 - حدثنا أحمد بن منيع، أخبرنا محمد بن يزيد، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن المنكدر، عن جابر-هو ابن عبد الله-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ـــــــــــــــــــــــــــــ ليلة) حكمة كونه فى الليل أنه أبقى فى العين وأمكن فى السراية إلى طبقاتها. (ثلاثة) متوالية. (فى هذه) أى اليمنى. (وثلاثة) كذلك (فى هذه) أى اليسرى وآثر الثلاثة رعاية للأوتار، ومن ثمة روى أبو داود «من اكتحل فليوتر» (¬1)، ولأنه متوسط بين الإقلال والإكثار وخير الأمور أوساطها 49 - (ح وحدثنا) جرت عادة المحدثين أنه إذا كان للحديث أكثر من إسناد كتبوا صورة «ح» مفردة بعد انتهاء الأول وابتداء الثانى، وهكذا إشارة إلى القول من إسناد آخر، وينطق القارئ بلفظها ويقول «ح» بالقصر، والمغاربة يقولون عندها: الحديث، وبعضهم يكتب بدلها «صح». ¬

49 - تقدم وهو كالذى قبله. 50 - إسناده ضعيف وهو صحيح: فيه: محمد بن إسحاق وهو صدوق يدلس (التقريب 5725)، وقد عنعنه ولم يصرح بالتحديث. قلت: وقد تابعه إسماعيل بن مسلم: إلا أنه ضعيف أيضا (484). ورواه ابن عدى فى الكامل (3/ 195)، من طريق زياد بن الربيع اليحمدى، حدثنا هشام بن حسان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:. . . فذكره. (¬1) رواه أبو داود فى الطهارة (35)، وابن ماجه فى الطهارة (338)، والدارمى فى الوضوء (1، 169)، وأحمد فى مسنده (2/ 371)، والبغوى فى شرح السنة (3204)، الطحاوى فى شرح معانى الآثار (1/ 122).

«عليكم بالإثمد عند النّوم، فإنّه يجلو البصر وينبت الشّعر». 51 - حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن المفضل، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ خير أكحالكم الإثمد، يجلو البصر، وينبت الشّعر». 52 - حدثنا إبراهيم بن المستمر البصرى، حدثنا أبو عاصم، عن عثمان بن عبد الملك، عن سالم، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالإثمد فإنّه يجلو البصر، وينبت الشّعر». ـــــــــــــــــــــــــــــ 51 - (خثيم) بخاء معجمة فثاء مثلثة. 52 - (المستمر) اسم فاعل من الاستمرار. (عليكم) اسم فعل بمعنى الزموه، وهو للندب إجماعا. ... ¬

51 - إسناده: صحيح: رواه أبو داود فى اللباس (4061)، وكذلك فى الطب (3878)، والنسائى فى الزينة (8/ 150)، وفى الكبرى (9404)، وابن ماجه فى الطب (3497)، وأحمد فى المسند (1/ 231)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 484)، كلهم من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم به فذكره. 52 - إسناده ضعيف وهو صحيح بشواهده: فيه: عثمان بن عبد الملك قال فيه الحافظ: لين الحديث (التقريب 4498)، وإبراهيم بن المستمر قال فيه الحافظ: صدوق يغرب (التقريب 251)، ورواه ابن ماجه فى الطب (3495)، والحاكم فى المستدرك (4/ 207)، كلاهما من طريق أبى عاصم به فذكره. قال البوصيرى فى الزوائد (3/ 131): هذا إسناد حسن، عثمان مختلف فيه، رواه الترمذى فى الشمائل عن إبراهيم بن المستمر عن أبى عاصم به، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبى. قلت: وللحديث شواهد تقدم بعضها فى هذا الباب: من حديث ابن عباس رضى الله عنهما، وجابر بن عبد الله.

8 - باب: ما جاء فى لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم

8 - باب: ما جاء فى لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم 53 - حدثنا محمد بن حميد الرازى، حدثنا الفضل بن موسى، وأبو تميلة، وزيد بن حباب، عن عبد المؤمن بن خالد، عن عبد الله بن بريدة، عن أم سلمة، قالت: «كان أحبّ الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم) 53 - (تميلة) بفوقية مضمومة ففتح فسكون ففتح. (حباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الموحدة (أحبّ) اسم كان كما هو المشهور وروى بنصبه خبرا لها، ورجح بأنه وصف فهو أولى بكونه حكما، وإما بترجيحه بأنه أنسب بالباب المنعقد، لإثبات أقوال البابين، فكان جعل القميص موضوعا وإثبات الحال له أولى من عكسه سهو، لأن ذلك إنما يقال لو كان المبوب هو الناطق كان ومعمولها، أما إذا كان الناطق بذلك أم سلمة، فلا يتأتى هذا التوجيه. ¬

53 - صحيح: رواه المصنف فى اللباس (4025)، بسنده ومتنه سواء، ورواه ابن ماجه فى اللباس (3575)، والمصنف أيضا (1763)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 317)، والحاكم فى المستدرك (4/ 192)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 104)، كلهم من طريق أبى تميلة به نحوه. ورواه أبو داود فى اللباس (4025) من طريق عبد المؤمن بن خالد به نحوه. وقال المصنف: هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث عبد المؤمن بن خالد تفرد به وهو مروزى. وروى بعضهم هذا الحديث عن أبى تميلة عن عبد المؤمن بن خالد عن عبد الله ابن بريدة عن أمه عن أم سلمة، وقال أيضا: سمعت محمد بن إسماعيل-يعنى الإمام البخارى-يقول: حديث عبد الله بن بريدة عن أمه عن أم سلمة أصح، وإنما يذكر فيه أبو تميلة عن أمه اهـ‍. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى تنبيه: صحفت أبو تميلة إلى أبى ثميلة، بالثاء عند الترمذى فى السنن وهو خطأ والصواب: بالتاء المثناة من فوق مصغرا، وهو يحيى بن واضح الأنصارى المروزى. وثقه ابن سعد والنسائى والحافظ، انظر: تهذيب الكمال (32/ 25)، التقريب (7663).

54 - حدثنا على بن حجر، حدثنا الفضل بن موسى، عن عبد المؤمن بن خالد، عن عبد الله بن بريدة، عن أم سلمة، قالت: «كان أحبّ الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص». 55 - حدثنا زياد بن أيوب البغدادى، حدثنا أبو تميلة، عن عبد المؤمن بن خالد، عن عبد الله بن بريدة، عن أمه، عن أم سلمة، قالت: «كان أحبّ الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس القميص». ـــــــــــــــــــــــــــــ 55 - يلبسه حال من الإشعار لأجله يحب أى يحبه المشبه له لا لنحو إهدائه (القميص) لأنه أستر للبدن من الإزار والرداء فهو أحبها إليه لسياق «الحبرة أحبها إليه» كما يأتى، أى رداء، فلا تنافى بين الحديثين، إذ ذاك لوصفه وهيئته، وهذه لجنسها ولطافتها، إذ ذاك أحب المخيط، وهذا أحب غيره، وأخرج الدمياطى «كان قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم قطنا قصير الطول والكمين» (¬1) وفى القاموس: القميص معلوم، وقد يؤنث، ولا يكون إلا من القطن، وأما من الصوف فلا (¬2)، وكأن حصره المذكور للغالب، وبه يعلم أن القميص الذى كان الأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المتخذ من القطن لا الصوف، لأنه هو الذى يؤذى البدن، ويدر العرق، ورائحته يتأذى بها، وهو أصح حاصل ما أشار إليه الترمذى أى فغير واحد روى عن عبد المؤمن، فإنه روى هذا الحديث، عن أبى بريدة عن أمه بريدة، عن أم سلمة، وأن هذه الرواية التى فيها زيادة أمه أصح من رواية إسقاطها، واحتاج الترمذى لقوله هكذا قال، زيادة آه مبالغة فى الإيضاح والبيان لكون تلك الزيادة مقصودة. قال فى جامعه بعد رواية هذا الحديث: إنه حسن غريب تفرد به عبد المؤمن. ¬

54 - صحيح: تقدم فى سابقه. 55 - صحيح: وتقدم تخريجه برقم (53) وهو كسابقه. (¬1) رواه ابن سعد فى الطبقات (1/ 355)، وذكره الزبيدى فى الإتحاف (3/ 91)، وعزاه للحافظ الدمياطى بسنده وأورده العالم العلامة شيخ الإسلام الحبر الفهامة ابن قيم الجوزية رحمه الله وقدس الله سره وروحه فى كتاب زاد المعاد (1/ 140) «وكان قميصه من قطن، وكان قصير الطول، قصير الكمين». (¬2) انظر: ترتيب القاموس المحيط (3/ 689).

56 - حدثنا عبد الله بن محمد بن الحجاج، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنى أبى عن بديل-يعنى: ابن ميسرة-العقيلى، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد، قالت: «كان كمّ قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرّسغ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 56 - (معاذ) بضم الميم. (بديل) بضم الموحدة وفتح المهملة وسكون التحتية-يعنى ابن صليب-، ردّ به على من زعم أنه ابن ميسرة بفتح فسكون التحتية ففتح المهملة، لكن انتصر بعضهم لهذا الزاعم، بأن ما قاله هو الصواب (¬1). (العقيلى) بضم العين. (إلى الرسغ) بالصاد عند أبى داود والمصنف وبالسين عند غيرهما وهما لغتان صحيحتان وهو منتهى الكفّ عند المفصل وحكمة الاقتصار عليه أنه متى جاوز إليه شق على لابسه ومنعه سرعة الحركة والبطش، ومتى قصر على الرسغ، تأذى الساعد ببروزه للحر والبرد، فكان جعله إلى الرسغ أمرا وسط، وخير الأمور أوساطها، ومن ثمة كان الأولى لنا نجرى ذلك فى أكمامنا ولا ينافى هذه الرواية أسفل من الرسغ، لاحتمال أن يكون له قمصان أحدهما: إلى الرسغ، والآخر أنزل منه، والمراد بذلك التقريب لا التحديد. ¬

56 - إسناده ضعيف: فيه شهر بن حوشب: صدوق كثير الإرسال والأوهام (التقريب 2830)، ورواه الترمذى فى اللباس (4027) بسنده ومتنه سواء ورواه أبو داود فى اللباس (4027)، والنسائى فى الكبرى (5/ 481)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى (ص 106)، من طريق شهر بن حوشب به نحوه. ورواه النسائى فى الكبرى (5/ 482)، عن بديل العقيلى مرسلا فذكره. (¬1) هكذا فى الأصل ونسخة الشارح وكثير من النسخ، وفى بعض النسخ (يعنى ابن ميسرة) وهى كذلك عند الملا على القارئ فى جمع الوسائل. وقال: قال ابن العصام: فسره ردا على من قال: هو ابن ميسرة بالفتح، وسكون التحتانية، وفتح المهملتين، ويرجح هذا فى الشرح اه‍. قلت: -أى العصام-قال ميرك: هكذا وقع فى بعض نسخ الشمائل، وفى بعضها بديل بن ميسرة، وهو الصواب كما حققه المحققون من أسماء الرجال كالمزنى والذهبى والعسقلانى. وقال المناوى: وفى نسخ (ابن صليب) ونوزع بأنه لم يثبت ابن صليب، قال القسطلانى وغيره: الصواب ابن ميسرة. اه‍، انظر: جمع الوسائل مع شرح المناوى (1/ 134).

57 - حدثنا أبو عمار-الحسين بن حريث-حدثنا أبو نعيم، حدثنا زهير، عن عروة بن عبد الله بن قشير، عن معاوية بن قرّة، عن أبيه، قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رهط من مزينة لنبايعه، وإنّ قميصه لمطلق-أو قال: زر قميصه مطلق-قال: فأدخلت يدى فى جيب قميصه فمسست الخاتم». ـــــــــــــــــــــــــــــ 57 - (قرة) بضم القاف وفتح الراء المشددة. (فى) بمعنى مع كقوله تعالى: اُدْخُلُوا فِي أُمَمٍ. (رهط) بسكون الهاء وقد تحرك اسم جمع لا واحد له من لفظه وهم عشيرة الرجل وأهله ومن الرجال ما دون العشرة وقيل: إلى أربعين، وفى القاموس من ثلاثة إلى عشرة أو ما دون العشرة ولا ينافى التعبير بالرهط رواية أنهم أربعمائة، لاحتمال أن الأربعمائة تفرقوا جماعات وأن قرة كان فى جماعة قليلة منهم. (مزينة) قبيلة وأصله اسم امرأة (¬1). (قميصه) قيل: على حذف مضاف للتصريح به من الكلمة الأخرى الآتية انتهى، ولا يحتاج لذلك، بل يقال: قميص مطلق أى: غير مزرورة أزراره (مطلق) أى غير مزرورة (أو) للشك من مغايرة (¬2)، فيه: حل لبس القميص، وحل الزر فيه، وحل إطلاقه وسعة الجيب بحيث تدخل اليد وأن طرفه كان مفتوحا بالطول، لأنه الذى تتخذ له الأزرار عادة، وإدخال اليد من حق الغير لمس بدنه تبركا وكمال شفقته ورأفته وتواضعه صلى الله عليه وسلم (فمسست) بكسر السين الأولى وفتحها، وحكى كخلت (الخاتم) أى خاتم النبوة، والظاهر أن قرة كان يعلم الخاتم، وأنه إنما قصد بذلك زيادة التبرك به، فلأجل ذلك اغتفر صلى الله عليه وسلم له هذا الفعل، الذى تقتضى العادة بالانفكاك عنه فى الكبير بحضرة الناس. ¬

57 - صحيح: رواه أبو داود فى اللباس (4082) وكذا ابن ماجه (3578)، والإمام أحمد فى المسند (3/ 434)، (4/ 19)، (5/ 135)، والطيالسى (1072)، وابن أبى شيبة فى المصنف (8/ 385)، والطبرانى فى المعجم الكبير (41)، وابن حبان (5452)، كلهم من طرق عن زهير بن معاوية به نحوه. ورواه الإمام أحمد فى «مسنده» (3/ 434)، (5/ 35)، وكذا أبو داود الطيالسى فى «مسنده» (1071)، والطبرانى فى الكبير (49)، (50)، (64)، وأبو الشيخ الأصبهانى فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 103)، كلهم من طرق عن معاوية بن قرة به نحوه. (¬1) وهى قبيلة من مضر. (¬2) قال القسطلانى، وميرك شاه: بأن الشك من شيخ الترمذى [جمع الوسائل (1/ 135)].

58 - حدثنا عبد بن حميد، حدثنا محمد بن الفضل، حدثنا حماد بن سلمة، عن حبيب بن الشهيد، عن الحسن، عن أنس بن مالك، قال: «إن النّبىّ صلى الله عليه وسلم خرج وهو يتّكئ على أسامة بن زيد، عليه ثوب قطرى قد توشّح به، فصلى بهم». قال عبد بن حميد، قال محمد بن الفضل: سألنى يحيى بن معين عن هذا الحديث أول ما جلس إلىّ، فقلت: حدثنا حمّاد بن سلمة، فقال: لو كان من كتابك، فقمت لأخرج كتابى، فقبض علىّ ثوبى ثم قال: أمله علىّ فإنى أخاف أن لا ألقاك، قال: فأمليته عليه ثم أخرجت كتابى فقرأت عليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ 58 - (يتكئ) أى لكونه متكئا. (عليه ثوب) جملة حالية من ضمير خرج أو يتكئ بناء على ما ذهب إليه جماعة من النحاة أنه يكنى فى الجملة الاسمية الواقعة، ولا ضمير فيها يرجع لصاحب الحال، وهذا الحديث يؤيدهم وكأن الجمهور لم يطلعوا عليه وجعلوا من تغيير بعض الرواة لكن هذا لا يصار إليه، وإلا لارتفعت الثقة بسائر الروايات، ولم الاستدلال بحديث نظرا لذلك الاحتمال. (قطرى) بكسر القاف فسكون ضرب من البرود فيه حمرة وأعلام مع خشونة، وقيل: من حلل جياد يحمل من البحرين، إذ فيها بلد اسمها قطر بالتحريك فكسر (¬1)، والياء للنسبة، وسكنوه على خلاف القياس. (توشح به) أى تغشى به بوضعه على عاتقه، وقيل: المراد أنه جعله على عاتقه الأيمن وألقى طرفيه على الأيسر كما يضطبع المحرم، وقيل: خالف بين طرفيه وربطهما بعنقه، ويرد الثانى: تصريح الأئمة بكراهة الصلاة مع الاضطباع، لأنه دأب أهل الشطارة، فلا يناسب الصلاة المقصود منها التواضع. (أول ما جلس) أى أول زمان جلوسه. (أو) للتمنى أو للشرط، وجوابها محذوف أى كان أحسن لما فيه من زيادة التثبت والاحتياط (فقبض علىّ ثوبى) أى لشدة حرصه على الفائدة فتوهم فواتها. (أمله) بتضعيف اللام وتخفيفها من أمللت الكتاب وأمليته بإبدال اللام ياء إذا ألقيته على الكاتب ليكتب، ويقال: مللته أيضا، فيه كمال التحريض على تحصيل العلم والتنفير من ¬

58 - صحيح: رواه الإمام أحمد فى مسنده (3/ 239،257،262،281)، وابن حبان (2335 إحسان)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى» (ص 120)، ثلاثتهم من طرق عن حماد بن سلمة، عن حميد عن الحسن، وحبيب بن الشهيد، والحسن عن أنس رضى الله عنه به فذكره. (¬1) انظر: معجم البلدان (4/ 423).

59 - حدثنا سويد بن نصر، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن إياس الجريرى، عن أبى نضرة، عن أبى سعيد الخدرى، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجدّ ثوبا سمّاه باسمه. عمامة أو قميصا أو رداء. ثمّ يقول: اللهمّ لك الحمد كما كسوتنيه، أسألك خيره، وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشرّ ما صنع له». (59_) م-حدثنا هشام بن يونس الكوفى، أخبرنا القاسم بن مالك المزنى، عن الجريرى، عن أبى نضرة، عن أبى سعيد الخدرى، عن النبى صلى الله عليه وسلم. نحوه. ـــــــــــــــــــــــــــــ طول الأمل، سيما فى الاستباق إلى الخيرات. 59 - (الجريرى) بضم الجيم وبراءين نسبة لجرير مصغرا أحد آبائه. (استجد ثوبا) أصله صيره جديدا والمراد هاهنا لبس ثوبا جديدا. (سماه) يؤخذ من هذا أن تسمية ذلك ونحوه باسم خاص سنة، وهو ظاهر، ولم أر لأصحابنا فيه كلاما، وعجيب قول بعضهم المراد بسماه أن يقول: هذا ثوب هذه عمامة مثلا، ثم يقول بعد التسمية وهو سنة عند اللبس: (كما) وينبغى أن تكون الكاف هنا بمعنى على، أو للتعليق، أو ما مصدرية أى (لك الحمد) على كسوتك لى إياه، وهذا لكون الحمد على النعم أفضل منه، لا فى مقابلة شىء، لأن الأول واجب، والثانى مندوب كما مر جوابه، أنسب بالسياق والمعنى، ومن جعلها بمعنى مثل فى محل رفع على الابتداء أو (أسألك خيره) أى مثل ما كسوتنيه من غير حول منى ولا قوة، أوصل إلىّ خيره وقنى شره وقيل: المراد تشبيه الحمد بالنعمة فى المقدار، وفيه نظر، وقيل: للاختصاص أى لك الحمد ¬

59 - إسناده صحيح: رواه المصنف فى اللباس (1767)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى اللباس (4020)، وأحمد فى المسند (3/ 30،50)، والبغوى فى شرح السنة (3111)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 460)، والحاكم فى المستدرك (4/ 192)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 103)، وابن حبان فى صحيحه (5420)، كلهم من طرق عن سعيد الجريرى به فذكره نحوه، ورواه النسائى فى السنن الكبرى (6/ 85)، (10142) من طريق حماد عن الجريرى عن أبى العلاء ابن عبد الله الشخير مرفوعا فذكره نحوه. وقال النسائى: حماد بن سلمة فى الجريرى أثبت من عيسى بن يونس لأن الجريرى كان قد اختلط، وسماع حماد بن سلمة منه قديم قبل أن يختلط. وقال يحيى بن سعيد القطان: قال كهمس: أنكرنا الجريرى أيام الطاعون. وحديث عيسى وابن المبارك. وبالله التوفيق.

60 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنى أبى، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: «كان أحبّ الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسه الحبرة». ـــــــــــــــــــــــــــــ مختصا بك مثل تخصيصك إياى بالكسوة، وفيه تكلف ثم رأيت بعضهم ذكر نحو ما ذكرت وزيادة، فقال: الكاف للتعليل كما جوزه صاحب المغنى، أو لتشبيه الحمد بالنعمة، أى: لك الحمد على قدر إنعامك بالكسوة، أو اختصاص الحمد لك كاختصاص الكسوة إبقاء، ولك الحمد منّا على الكسوة منك لنا يعنى: أنك كسوتنا لا لغرض، بل لفقرنا وحاجتنا فحمدك لا لغرض، بل لاستحقاقك ذلك منا لغناك، أو للمبادرة كما فى قولهم سلم، كما تدخل على ما فى المغنى، أو كما بمعنى الظرفية الزمانية كأنا على ما نقل عن الإمام الغزالى، ويحتمل أن تتعلق كما بقوله أسألك. (ما صنع له) أى لأجله من خير كجبلة وصلاح نية صانعه، أو شر لضد ذلك والخير فى المقدمات يستدعى الخير فى المقاصد، وكذلك الشر وشراء هذه، وإنما يلبس علينا صلواتنا قوم لا يحسنون الطهور، ونظير اللام هنا اللام فى حديث وخير ما بنيت له إذا أشرف إنسان على بلد، فزعم أن اللام هنا للعاقبة أى لخير ما يترتب على خلقه من العبادة به، وشر ما يترتب عليه من نحو التكبر والخيلاء به تكلف غير محتاج إليه، نعم قرب ذلك بعضهم بقوله: المعنى أسألك ما يترتب على خلقه من العبادة به، وصرفه فيما فيه رضاك، وأعوذ بك من شر ما يترتب عليه مما لا ترضى به من الكبر والخيلاء، وكونى أعاقب عليه لحرمته. (نحوه) من الفرق بينه وبين مثله. 60 - (يلبسه) خرج به نحو ما يفرشه ونحوه، وهو حال. (الحبرة) بكسر ففتح ثياب من كتان أو قطن محبرة أى مزينة محسنة، وثوب حبرة بتنوينها وصفا، وبحذفه على الإضافة، وهو الأكثر، وفيه: حل لبس الحبرة بل ندبه وإن كان مخططا، نعم لبس المخطط فى الصلاة مكروه، فلبسه له فيها أن يثبته لبيان الجواز، وقيل: الحبرة ما كان موشيا مخططا، وهو برد يمان يصنع من قطن، وكان أشرف الثياب عندهم، قيل: ولونه أخضر، لأنه لباس أهل الجنة ويردّه تفسير جمع للحبرة بأنها ضرب من البرود فيه حمرة. ¬

60 - إسناده صحيح: رواه المصنف فى اللباس (1787)، بسنده ومتنه سواء. ورواه البخارى (5812)، ومسلم (2079)، وأبو داود (4060)، والنسائى فى الزينة (8/ 203)، وفى الكبرى (9646)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 105)، كلهم من طريق قتادة به نحوه.

61 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان، عن عون بن أبى جحيفة، عن أبيه، قال: «رأيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم وعليه حلّة حمراء، كأنّى أنظر إلى بريق ساقيه» قال سفيان: «أراها حبرة». ـــــــــــــــــــــــــــــ 61 - (بريق ساقيه) بياضهما ولمعانهما وبريق مصدر، خلافا لمن وهم فيه، وفيه: ندب تقصير الثياب، ولبسهما إلى أنصاف الساقين، وقد أخرج المصنف أنه صلى الله عليه وسلم قال لبعض أصحابه: «ارفع إزارك، فإنه أنقى وأتقى» قال: يا رسول الله إنها بردة، فقال: «أما لك فىّ أسوة؟» (¬1) وإزاره إلى نصف ساقيه. وللطبرانى: «كل شىء لمس الأرض من الثياب فى النار» (¬2) وللبخارى: «ما أسفل الكعبين من الإزار فى النار» (¬3) أى: محله فيها فيجوز به عنه للمجاورة وللطبرانى: «إزرة المؤمن-أى بالكسر: اسم للهيئة-إلى أنصاف الساقين، وليس عليه حرج فيما بينه وبين الكعبين، وما انفصل من ذلك ففى النار» (¬4) وهذا محله إن قصد به الخيلاء للتصريح بذلك فى روايات أخر كخبر أصحاب السنن وغيرهم: «الإسبال فى الإزار والقميص والعمامة من جرّ منهما شيئا خيلاء» (¬5). الحديث، ولخبر البخارى: «بينما رجل يمشى فى حلة تعجبه، مرجل جمته، إذ خسف ¬

61 - إسناده صحيح: رواه المصنف فى الصلاة (197) وقال: حسن صحيح، رواه البخارى فى المناقب (3566)، ومسلم فى الصلاة (503)، وأبو نعيم فى مستخرجه على مسلم (112)، والإمام أحمد فى المسند (4/ 307،308)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى (ص 120) كلهم من طريق عون بن أبى جحيفة به نحوه. (¬1) هو فى «الشمائل» هنا برقم (115) وسيأتى تخريجه. (¬2) انظر: مجمع الزوائد للهيثمى (5/ 124). (¬3) رواه البخارى فى اللباس (5787)، والنسائى فى الزينة (8/ 208)، وابن ماجه (3573)، والإمام أحمد فى المسند (2/ 461)، (5/ 9)، وابن أبى شيبة فى المصنف (8/ 204) من حديث أبى هريرة مرفوعا فذكره. (¬4) أورده الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 126) وعزاه للطبرانى، وقال: فيه الحكم بن عبد الملك القرشى وهو ضعيف. (¬5) رواه أبو داود (4094)، والنسائى فى الكبرى (9707)، (5/ 489)، وابن ماجه (3576) وقال: قال أبو بكر بن أبى شيبة: ما أغربه!.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة» (¬1). والحاصل: أنه يندب للرجل إلى نصف ساقيه، ويجوز إلى كعبيّه، وما زاد إن قصد به خيلاء حرم، وإلا كره، ويندب للمرأة ما يسترها، ويجوز لها تطويله ذراعا بذراع الآدمى، وابتداؤه من أول ما يمس الأرض على الأوجه لخبر أم سلمة الظاهر فى أن لها أن تجر على الأرض ذراعا، ومتى قصدت به خيلاء أثمت كالرجل، وإسبال القميص، والأكمام، والعمامة بأن يطول عذبتها، فيه: هذا التفصيل، نعم حدث للناس اصطلاح بتطويلها فصار لكل قوم شعار مخصوص بها لا يعرفون بغيره ح، لا كراهة فى التطويل بقصد ذلك، أما مع الخيلاء، فحرام مطلقا اتفاقا، (أراها) وفى نسخة نراه بتأويلها بالثوب. (حبرة) أى أظنها مخططة وهذا الظن لا يفيد حرمة الأحمر ألبتة، لأنه لم يبين له مستندا يصح الاستدلال به وتقييدها فى بعض الروايات بالحبرة، لا يقتضى أنها كذلك دائما، وأما قول ابن القيم: غلط من ظن أنها حمراء بحيث لا يخالطها غيرها، وإنما الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود، كسائر البرود اليمنية، وهى معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط، وإلا فالأحمر البحت منهى عنه أشد النهى ففى البخارى «النهى عن المآزر الحمر» وفى مسلم: «إن هذين الثوبين معصفرين لباس أهل النار فلا تلبسهما» (¬2) ومعلوم أنه إنما يصبغ صباغا أحمر، وفى جواز لبس الأحمر من الثياب والجوخ وغيرهما نظر، وأما كراهتهما فشديدة، فكيف يظن به صلى الله عليه وسلم أنه لبس الأحمر القانى؟ وإنما وقعت الشبهة فى لفظة الحلة الحمراء. انتهى، كلام ابن القيم هو الغلط، لأن حمل الحلة على ما ذكره، لا يشهد له لغة ولا شرعا، فإن زعم أنه عرف ذلك الزمن، قلنا له: أين دليلك على ذلك من كلام أنه جواز وليس عام؟ وليس النهى عن المعصفر لمجرد الحمرة بل لما فيه من التشبيه بالنساء لأنه من زينتهن وحليهن، وليس فى لبسه صلى الله عليه وسلم الأسمر القانى محذور، لأنه لبيان الجواز، فهو واجب عليه، وإن نهى عنه، وقد قال النووى: أباح المعصفر جميع العلماء، ومنهم من كرهه ¬

(¬1) رواه البخارى فى أحاديث الأنبياء (3485)، وفى اللباس (5790)، ومسلم فى اللباس (2088). (¬2) رواه مسلم فى اللباس والزينة (2077)، والنسائى فى الزينة (8/ 203)، وأحمد فى مسنده (2/ 162،164،193،207،211).

62 - حدثنا على بن خشرم، حدثنا عيسى بن يونس، عن إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن البراء بن عازب قال: «ما رأيت أحدا من النّاس أحسن فى حلّة حمراء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن كانت جمّته لتضرب قريبا من منكبيه». ـــــــــــــــــــــــــــــ تنزيها، وحمل النهى عليه، لكن أشار البيهقى إلى أن مذهب الشافعى حرمته كالمزعفر وصح. «أنه صلى الله عليه وسلم أمر بحرق المعصفر» لكن روى أبو داود «أنه صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالورس والزعفران ثيابه حتى عمامته» (¬1) لكن يعارضه ما فى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم: «نهى عن المزعفر» كذا قيل وفيه نظر، بل قضية ما مر فى الأحمر، حمل النهى على التنزيه، وفعله صلى الله عليه وسلم على بيان الجواز، اللهم إلا أن يجاب: بأن أحاديث لبسه الأحمر مقاومة فى الصحة لأحاديث نهيه عنه، فحمل على كل حالة، وليس حديث لبس المزعفر مقاوما لحديث النهى عنه، على أن الذى لبسه لم يكن فيه إلا لمجرد أثر، فهو لا يسمى مزعفرا، إلا باعتبار ما كان، كما يعلم مما يأتى قريبا، فقدم حديث النهى عليه، وأبقى النهى فيه على حقيقته من أنه للتحريم، وروى الدمياطى «كان صلى الله عليه وسلم يلبس برده الأحمر فى العيدين والجمعة» (¬2) ولعله فعل ذلك فى الجمعة فى بعض الأحيان، لبيان الجواز فيها، وإن لبس البياض فيها أفضل، لا واجب. 62 - (ما رأيت) الحديث تقدم شرحه، ومنه أنه أحسن ليس المراد منه ظاهره وفى (حلة حمراء) لبيان الواقع لا للتقييد، وفى الصحيحين: «رأيته صلى الله عليه وسلم فى حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه». ¬

62 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى اللباس (5901)، ومسلم فى الفضائل (2337)، والنسائى فى الزينة (8/ 133)، وفى الكبرى (9326)، وأبو داود فى الترجل (4183)، والترمذى فى اللباس (1724)، وقال: حسن صحيح، والإمام أحمد فى المسند (4/ 295)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 120) كلهم من طرق عن أبى إسحاق به نحوه. (¬1) رواه النسائى فى الزينة (8/ 150) وأحمد فى مسنده (2/ 97،126). (¬2) رواه ابن أبى شيبة فى المصنف (2/ 156)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 348)، والبيهقى فى السنن (3/ 247،280) ثلاثتهم من طريق أبى جعفر عن جابر بن عبد الله مرفوعا فذكره نحوه.

63 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا عبيد الله بن إياد، عن أبيه، عن أبى رمثة، قال: «رأيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران». 64 - حدثنا عبد بن حميد، حدثنا عفان بن مسلم، قال: حدثنا عبد الله بن حسان العنبرى، عن جدتيه: دحيبة وعليبة، عن قيلة بنت مخرمة، قالت: «رأيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم وعليه أسمال مليّتين كانتا بزعفران، وقد نفضته» وفى الحديث قصة طويلة. ـــــــــــــــــــــــــــــ 63 - (بردان) البرد نوع من الثياب مخطط معروف، والبردة: الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود مربع صغير. (أخضران) قيل: ذو خطوط خضر، وفيه نظر، لأن فيه إخراج اللفظ عن ظاهره، فلا بد له من دليل نظير ما مر فى حلة حمراء، وروى أبو داود: «رأيته صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت مضطبعا ببرد أخضر» (¬1). 64 - (دحيبة) بضم أوله وفتح ثانيه المهملتين فتحتية فموحدة. (وعليبة) هو كذلك، واعترض بأن صوب هاتين: دحيبة وصفية بنتى عليبة، ويرد بأن هذا لا ينافى أن دحيبة جدته، وأن أمها عليبة جدته، وأنه رواه عنها فصح ما قاله الترمذى، وكون دحيبة لها أخت اسمها صفية ليس الكلام فيه بوجه. (أسمال) جمع سمل بسين مهملة وميم مفتوحة وهو الثوب الخلق والمراد بالجمع ما فوق الواحد على أن الثوب الواحد قد يطلق عليه أسمال باعتبار اشتماله على أجزاء وحينئذ فلا إشكال فى إضافته إضافة ¬

63 - صحيح: رواه المصنف فى الأدب (2812)، والنسائى فى العيدين (3/ 185)، وكذا فى الزينة (8/ 203)، وفى الكبرى (1781)، والإمام أحمد فى المسند (2/ 228)، كلهم من طرق عن عبد الله بن إياد عن أبيه، عن أبى رمثة به نحوه. 64 - إسناده ضعيف وهو حسن: رواه المصنف فى الأدب (4/ 228) بسنده ومتنه سواء. وقال أبو عيسى: حديث قيلة لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن حسان. قلت: وعبد الله بن حسان: قال فيه الحافظ: مقبول (التقريب 3273)، أى: عند المتابعة. (¬1) رواه أبو داود فى المناسك (1883) وابن ماجه (2954) والدارمى فى المناسك (4322)، وأحمد فى مسنده (4/ 223،224).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بيانية. (مليتين) تصغير ملاة بالضم والمد لكن بعد حذف ألف اللام يقال ملئة، وهو كما فى القاموس: كل ثوب لم يضم بعضه لبعض بخيط من نسيج واحد، وفى النهاية: هى الأزرار، وفى الصحاح: هى الملحفة، فلا تنافى لصدقها على التعريف الأول لكل من هذين. (كانتا بزعفران) أى مصبوغين. (وقد نفضته) بالفاء أى الأسمال لون الزعفران أى لبسه حتى لم يبق من لون الأصفر إلا الأثر الذى لا يؤثر، فلا ينافى لبسه لهذين ما مر من صحة نهيه صلى الله عليه وسلم عن لبس المزعفر، وأصل النفض بالتحريك لينتفض الغبار. كنى به هنا عن اللبس المذهب للون الزعفران؛ لأنه من لوازمه، فربما أنه الظاهر، وقد نفض أى: ذهب بعض لونه غفلة مما قررته، وفى القاموس: نفض اللون: أى ذهب دون غيره، ونفض الثوب صبغه: زال معظم صبغه، وفى بعض النسخ: «وقد نفضتا» بالبناء للمجهول. (قصة طويلة) رواها الطبرانى بسند لا بأس به، وتركها لعدم مناسبتها لما هو فيه، وهى: «أن رجلا جاء فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال: «السلام عليك ورحمة الله وبركاته» (¬1) وعليه أسمال مليتين قد كانتا بزعفران فنفضتا، وبيده عسيب نخلة قاعد القرفصاء، فلما رأيته أرعدت من الغرقد فنظر إلىّ، فقال: «وعليك السكينة» فذهب عنى ما أجد من الرعب» ولا ينافى ما تقرر من إيثاره بذاذة الهيئة، ورثاثة الملابس، وتبعه على ذلك السلف الصالح على ما اختاره جماعة من متأخرى الصوفية وغيرهم، لأن السلف لما رأوا أهل اللهو يتفاخرون بالزينة والملابس، أظهروا لهم برثاثة ملابسهم، حقارة ما حقره الحق مما عظمه الغافلون، والآن قد قست القلوب، ونسى ذلك المعنى، فاتخذ الغافلون رثاثة الهيئة حيلة على جلب الدنيا فانعكس الأمر وصار مخالفهم فى ذلك يعد متبعا للسلف، ومن ثمة قال العارف بالله: أبو الحسن الشاذلى قدس الله سره لذى رثاثة أنكر عليه جمال هيئته: يا هذا، هيئتى هذه تقول: الحمد لله، وهيئتك هذه تقول: أعطونى من دنياكم، ويؤيد ذلك ما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله جميل يحبّ الجمال» (¬2)، وفى رواية «نظيف يحب النظافة» وروى أصحاب السنن: ¬

(¬1) رواه الدارمى فى الاستئذان (2/ 278). (¬2) رواه مسلم فى الإيمان (91)، وأحمد فى مسنده (4/ 133،134،151،241)، والبغوى فى شرح السنة (3587)، والطبرانى فى الكبير (7822،7962،10533،936)، والحاكم فى المستدرك (26) (1/ 78) وابن عدى فى الكامل (5/ 292) وذكره ابن حجر فى المطالب العالية (2170)، وذكره العجلونى فى كشف الخفاء (687) وقال: رواه أحمد عن أبى ريحانة، ومسلم والترمذى عن ابن مسعود، وأبو يعلى عن أبى سعيد، والطبرانى عن أبى أمامه وابن عمر وجابر رضى الله عنهم (1/ 224)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «رآنى النبى صلى الله عليه وسلم وعلىّ أطمار» (¬1)، ورواية النسائى: «ثوب درن» فقال: «هل لك من مال؟» قلت: نعم قال: «من أىّ المال؟» قلت: من كل ما آتى الله من الإبل والشاة، قال: «فكثر نعمته وكرامته عليك» وفى السنن أيضا: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» (¬2) أى لإنبائه عن الجمال الباطن وهو الشكر على النعمة، ومن ثمة قال تعالى: ذلِكَ خَيْرٌ إشارة إلى لباس التقوى، وكما أن الله يحب الجمال فى القول والفعل والهيئة، يبغض القبيح فى ذلك، وقد ضل فى هذا المقام فريقان: قوم ذهبوا إلى أن الله يحب كل مخلوق، وأنهم كذلك، نظرا لأنه تعالى الخالق لها، ولقوله تعالى: أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (¬3) وهؤلاء قد عدموا الغيرة لله وعطلوا أحكاما كثيرة، كإنكار المنكر، وإقامة الحدود، وقوم قالوا: ذم الله جمال الصورة بقوله فى المنافقين: وَإِذارَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ (¬4) وفى مسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (¬5) وحرم الله الحرير والذهب، وهما من أعظم جمال الدنيا، وفى الحديث «البذاذة من الإيمان» وذم تعالى السرف، وهو كما يكون فى المطعوم يكون فى الملبوس وفصل النزاع أنه الجمال فى الهيئة، إما محمود، وهو ما أعان على طاعة، ومن ثمة كان صلى الله عليه وسلم يتجمل للوفود، فهو نظير لبس آلة الحرب للقتال، والحرير والخيلاء فى الحرب، فإن ذلك محمود لمصلحة نصر الدين وإهانة أعدائه، وإما مذموم، وهو ما كان للدنيا والخيلاء وإما متجرد عن الأمرين، وهو ما خلا عن هذين القصدين، والمقصود من هذا الحديث: أن الله يحب من عبده، أن يجمّل ¬

(¬1) رواه أحمد فى مسنده (3،473). (¬2) رواه أبو داود فى اللباس (4063)، والنسائى فى الزينة (8/ 180،181،196)، وأحمد فى مسنده (3/ 473)، (4/ 137)، والطبرانى فى الكبير (19/ 607،609،610،621،623، 624)، والحميدى فى مسنده (883)، والطيالسى (1303،1304). (¬3) سورة السجدة: آية رقم (7). (¬4) سورة المنافقين: آية رقم (4). (¬5) رواه مسلم فى البر والصلة (2564)، وابن ماجه فى الزهد، (4143)، وأحمد فى مسنده (2/ 284،285،539)، والبغوى فى شرح السنة (4150)، وابن حبان فى صحيحه (394)، وأبو نعيم فى الحلية (4/ 98)، (7/ 124).

(65) -حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا بشر بن المفضل، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالبياض من الثّياب، ليلبسها أحياؤكم، وكفّنوا فيها موتاكم، فإنها من خيار ثيابكم». ـــــــــــــــــــــــــــــ لسانه بالصدق، وقلبه بالإخلاص والمحبة، وجوارحه بالطاعة، وبدنه بإظهار النعمة عليه فى لباسه وذاته، بفعل جميع خصال الفطرة. 65 - (عليكم) معشر الأمة. (بالبياض) أى بالبياض البالغ فى البياض حتى كأنه عين البياض، يرشد إليه بيانه بقوله (من الثياب) وهو المراد أيضا فى قوله الآتى: «البسوا البياض» (من خيار ثيابكم) سيأتى فى الحديث بعده تعليل خيريتها بأنها أطهر أى: لأنها تحكى ما يصل إليها من النجاسة عينا وأثرا وإن قل بخلاف غيرها، فإنه لا يحكى كل ما يصل إليه، فكانت تلك أطهر وأطيب أى لدلالتها غالبا على عدم الكبر والخيلاء، وعلى التواضع والتخشع، ولهذه الأطيبية التى فيها ندب إيثارها على غيرها فى المحافل كحضور الجمعة، وعند دخول المسجد، ولقاء الملائكة، ومن ثمة كانت الأفضل فى الكفن، لأن الميت بصدد مواجهتهم، ولذلك تأكد إكثار الطيب، والبخور فيه، وبما قررته فى معنى أطهر وأطيب اندفع قول بعضهم: أنه من عطف أحد المترادفين على الآخر مبالغة، وقول آخر: أطهر لأنه لم يخالطها لون يحتمل النجاسة، وأطيب أى: أحسن من الطيب وهو الحسن ووجه اندفاعه: أنه إن نظر لاحتمال النجاسة، فهو موجود فى الأبيض كغيره، على أن ذلك لا ينظر إليه، فقد صرح أئمتنا بأن من البدع المذمومة غسل الثوب الجديد قبل لبسه، فلا نظر لذلك الاحتمال، وحمل أطيب على ما ذكره فى غاية الركاكة، ويلزمه أن غير الأبيض خلقه كالأبيض فى الأطهرية، وهو مخالف لسياق الحديث، وقول آخر أطهر أو لأنها تغسل من غير مخافة على ذهاب لونها. ¬

(65) -صحيح: رواه الترمذى فى الجنائز (994) بسنده ومتنه سواء، وأبو داود فى اللباس (4061)، وابن ماجه (3566)، والإمام أحمد فى مسنده (1/ 329)، كلهم من طرق عن عبد الله بن عثمان به نحوه.

66 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبى ثابت، عن ميمون بن أبى شبيب، عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البسوا البياض، فإنّها أطهر وأطيب، وكفّنوا فيها موتاكم». 67 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبى زائدة، ثنا أبى، عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة، قالت: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط من شعر أسود». ـــــــــــــــــــــــــــــ 66 - (أطيب) أى ألذّ لأن لذة المؤمن فى طهارة ثوبه، وفيه من الركاكة ما لا يخفى، وإنما كان الأفضل فى يوم العيد لبس الأرفع قيمة، وإن كان غير أبيض، لأن القصد فى ذلك اليوم إظهار مزيد الزينة وإيثار النعمة، وهما بالأرفع قيمة أليق، وقول بعضهم: لم يقل: خير ثيابكم لئلا يلزم تفضيله الأصفر، وقد علمت أن فضله، غلط فاحش، لأن الأصفر لا فضل له ألبتة بل المزعفر والمعصفر حرام، كما مر مبسوطا، وقد جاء عن ابن عمر: أن الأصفر كانت أحبّ الثياب عنده، لا دليل فيه كما زعمه، لأن هذا بفرض محبته مذهب صحابى، وليس بحجة عندنا. 67 - (زكريا) بالمد والقصر وفيه زكرى بتشديد الياء وتخفيفها. (ذات غداة) لفظ ذات مزيد للتأكيد. (مرط) بكسر فسكون أى كساء. (من شعر) وفى نسخة: «شعر» ¬

66 - صحيح لغيره: رواه المصنف فى الأدب (2810)، بسنده ومتنه سواء، ورواه النسائى فى الزينة (8/ 205)، وفى الكبرى (5642)، وابن ماجه فى اللباس (3567)، والطيالسى فى مسنده (894)، والبيهقى فى السنن (3/ 402،403)، والحاكم فى المستدرك (1/ 354،355)، (4/ 185)، كلهم من طرق عن ميمون بن أبى شبيب، به نحوه. قال المصنف: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى. 67 - إسناده صحيح: رواه المصنف فى الأدب (2813) بسنده ومتنه سواء، رواه مسلم فى اللباس (2081)، وفى فضائل الصحابة (2421)، وأبو داود فى اللباس (4032)، والإمام أحمد فى مسنده (6/ 162)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 112)، كلهم من طريق مصعب بن شيبة به نحوه.

68 - حدثنا يوسف بن عيسى، حدثنا وكيع، حدثنا يونس بن أبى إسحاق، عن أبيه، عن الشعبى، عن عروة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه. «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم لبس جبّة روميّة ضيّقة الكمّين». ـــــــــــــــــــــــــــــ بالإضافة، واستعماله فى الشعر مجاز، إذ صريح كلام القاموس: أنه حقيقة فيما نسج من صوف، أو خز، والصوف والوبر خلاف الشعر، كما فيه أيضا، وقضية تفسيره المرط بالكساء حقيقة فى الرداء فمعنى كونه عليه أنه تردى به، وقضية كلام غيره أنه خاص بالإزار وخمار المرأة فعليه استعماله فى الرداء مجاز، وعلى كل من القولين فليس فى الحديث أنه اشتمل به اشتمال الصماء خلافا لمن وهم فيه. وروى الشيخان: كان له صلى الله عليه وسلم كساء ملبد يلبسه، ويقول: «إنما أنا عبد، ألبس كما يلبس العبيد» (¬1). وكان صلى الله عليه وسلم يلبس الصوف وسبب ذلك: أنه لم يكن يقتصر من اللباس على صنف بعينه، ولم تطلب نفسه الشريفة الغالى منه، لأن المباهاة فى الملابس والتزين بها، إنما هى من سمات النساء والمحمود للرجل: نقاوة الثوب، والتوسط فى جنسه وعدم إسقاطه لمروءة لابسه، ومن ثمة: اقتصر صلى الله عليه وسلم على ذلك مما تدعو ضرورته إليه، ورغّب عما سواه، فكان يلبس غالبا الشملة والكساء الخشن والأردية والأزر، ويقسم أقبية الديباج المخصوفة والمخوصة بالذّهب فى أصحابه. وأخرج أبو نعيم: «من كرامة المؤمن على ربه عز وجل، نقاوة ثوبه، ورضاه له باليسير»، وله أيضا: أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا وسخة ثيابه فقال: «أما وجد هذا شيئا ينقى به ثيابه». 68 - (لبس) أى فى بعض أسفاره (جبة) قيل: هى ثوبان بينهما قطن، إلا أن تكون ¬

68 - صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (1768) بسنده ومتنه سواء. وأصل الحديث فى الصحيحين وغيرهما من طرق كثيرة بألفاظ متقاربة عن المغيرة بن شعبة مرفوعا. رواه البخارى فى الصلاة (363)، وفى اللباس (5799)، ومسلم فى الطهارة (274)، وأبو داود (151)، والنسائى (1/ 82)، وفى الكبرى (122)، والإمام أحمد فى المسند (1/ 29،44)، وأبو نعيم فى المسند المستخرج على مسلم (630،632) وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 110) كلهم من طرق عن المغيرة بن شعبة مرفوعا. قلت: ولفظ: «جبة رومية» تفرد به المصنف وأبو الشيخ. (¬1) ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (7/ 128)، وقال: رواه البخارى من حديث عمر «إنما أنا عبد». ولعبد الرزاق فى المصنف من رواية أيوب السختيانى مرفوعا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من صوف، فقد تكون واحدة غير محشوة. (ضيقة الكمين) أى بحيث أنه أراد أن يخرج ذراعيه الشريفين منهما لغسلهما فعسر عليه، فأخرجهما من ذيلهما، وغسلهما، قيل: فيه ندب اتخاذ ضيق الكم فى السفر، لا فى الحضر، لأن أكمام الصحابة كانت بطاحا واسعة انتهى. وإنما يتم ذلك إن ثبت أنه تحراها للسفر، وإلا فيحتمل أنه لبسها ليدفأ بها من البرد، أو لبيان حل ما نسجه الكفار، أو لغير ذلك وما نقل من الصحابة من اتساع الكمين، مبنى على توهم أن أكمام جمع كم، وليس كذلك، بل جمع كمة، وهى ما يجعل على الرأس كالقلنسوة وكأن قائل ذلك، لم يسمع قول الأئمة: من البدع المذمومة اتساع الكمين. ***

9 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

9 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم 69 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، قال: «كنّا عند أبى هريرة رضى الله عنه وعليه ثوبان ممّشّقان من كتّان، فتمخّط فى أحدهما. فقال أبو هريرة: بخ. بخ. يتمخّط أبو هريرة فى الكتّان. لقد رأيتنى وإنّى لأخرّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة رضى الله عنها مغشيا علىّ، فيجئ الجانى فيضع رجله على عنقى، يرى أنّ بى جنونا، وما بى جنون، وما هو إلا الجوع». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى صفة عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم) كما قال فى القاموس الحياة والطعام وما يعاش به، ويأتى أواخر الكتاب هذا الباب بزيادات أخر، وسيأتى ثمة بيان حكمة ذلك مع الرد على من أبدى لذلك ما لا يجدى. 69 - (أيوب) أى السختيانى نسبة إلى بيع السختيان، أى الجلود، أو عملها (سيرين) وهو مولى أنس كاتبه على عشرين ألفا، فأداها وعتق، وكان له ستة أولاد، كلهم بخباء محدثون (ممشقان) مصبوغان بالمشق بالكسر، وهو المغرة وقيل: الطين الأحمر قيل: وفيه مخالفة لحديث النهى عن لبس الأحمر، ومرّ ما يدفع ذلك، وأن النهى للتنزيه لا للتحريم، فلا إشكال (بخ بخ) بإسكان آخره وكسره غير منون فيهما وبكسر الأول منونا، وإسكان الثانى وبضمهما منونين وتشديد آخرهما، وهى لتفخيم الأمر وتعظيمه فى الخير، وقد تستعمل للإنكار، فى صحته هنا نظر، (يتمخط) جواب عما أفهم قول: بخ، الكلام للقسم والجملة حال من أبى هريرة بتقدير القصة، فيتحد زمان الحال أو عامله. (رأيتنى) إنما اتصل الضميران، وهما لواحد حملا لرأى البصرية على القلبية. (وإنى) الجملة حال من مفعول رأيت. (لأخر) لأسقط مغشيا علىّ. (يرى) إلخ أى ¬

69 - إسناده صحيح: رواه المصنف فى الزهد (2367) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الاعتصام (7324)، من طريق حماد به فذكره، وقال أبو عيسى: حسن صحيح غريب من هذا الوجه.

70 - حدثنا قتيبة، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعى، عن مالك بن دينار قال: «ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز قطّ، ولحم إلا على ضفف». قال مالك بن دينار: «سألت رجلا من أهل البادية: ما الضفف؟ فقال: أن يتناول مع الناس». ـــــــــــــــــــــــــــــ تلك كانت عادتهم بالمجنون حتى يفيق (وما هو) أى الغشى الحاصل. (إلا الجوع) أى غشيته، ولدلالة هذا الحديث على ضيق عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لو كان عنده شىء لما حصل لأبى هريرة ذلك، ذكره المصنف فى هذا الباب المعقود لبيان صفة حياته وما اشتملت عليه من الفقر والضيق بالغالب، وأما الباب الآتى بعد أبواب، فهو لبيان أنواع المأكولات التى كان صلى الله عليه وسلم يتناولها تارة ويتركها أخرى، فالمقصود من البابين مختلف. 70 - (الضبعى) بفتح المعجمة وفتح الموحدة، وبالعين المهملة منسوب إلى قبيلة بنى ضبيعة، كجهينة. (إلا على ضفف) بمعجمة وأصله الضيق والشدة وأراد به هنا لازمها وهو أنه صلى الله عليه وسلم لم يأكل خبزا ولحما وحده بل مع الناس كما أفهمه قوله: (قال مالك) إلى آخره والاستثناء منقطع، ووجه أن أكله مع الناس يستلزم عدم الشبع لما علم من إيثاره لأصحابه، وجميل أحواله معهم وحمله بعضهم عن الاتصال، فقال: معناه لا يشبع إلا فى الضيافات والولائم، ثم حمل الشبع فى حقه على أنه كان يأكل بثلثى بطنه وعليه، فقيل: المراد أنه ما شبع من أحدهما، كما أفهم توسعا قط بينهما، أو منهما معا، لما جاء أنه لم يجتمع عنده غداء، ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف، وسيأتى لذلك بقية. ... ¬

70 - إسناده مرسل وهو صحيح: أرسله مالك بن دينار رحمه الله. والحديث رواه الترمذى فى الزهد (2356،2357،2358)، من طرق عن عائشة بألفاظ متقاربة. وقال: حسن صحيح.

10 - باب: ما جاء فى خف رسول الله صلى الله عليه وسلم

10 - باب: ما جاء فى خف رسول الله صلى الله عليه وسلم 71 - حدثنا هناد بن السّرىّ، حدثنا وكيع، عن دلهم بن صالح، عن حجير بن عبد الله، عن ابن بريدة، عن أبيه: «أن النّجاشى أهدى للنّبىّ صلى الله عليه وسلم خفّين أسودين ساذجين فلبسهما ثمّ توضّأ ومسح عليهما». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى خفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم 71 - (دلهم) بفتح الدال وسكون اللام وفتح الهاء. (حجير) بضم المهملة مصغرا. (النجاشى) بكسر أوله وفتحه وبتخفيف الياء، فهى أصلية نسبة وتشديدها، والأول فيهما أصح، وهو أصحمة بالحاء المهملة ملك الحبشة توفى سنة تسع فأخبرهم بموته يومه وخرج بهم فصلى وصلوا معه عليه. (ساذجين) [أى مفتوحتين] (¬1) أو لا تشبيه فيهما يخالف لونهما أو لا شعر عليهما (فلبسهما) يحتمل أن الفاء لمجرد التفريع أى: لبسهما عقب وصولهما إليه، وح فيؤخذ منه أن الأولى للمهدى إليه بما أهدى لأجله، وهو ظاهر كان فيه تآلف أو نحوه، وإلا فلا معنى له، وفيه: أنه ينبغى قبول الهدية، بل يتأكد، إذا كان فيه تآلف للمهدى على اشتراط لفظ فى قبولها، بل يكفى مجرد البعث والأخذ (ومسح عليهما) أى بعد كمال وضوئه، كما دلت عليه الروايات الصحيحة وفيه: أن الأصل فى الأشياء المجهولة الطهارة، وجواز مسح الخفين وهو إجماع من يعتد به، وما ورد عن بعض الأئمة مما يخالف ذلك مؤول وقد روى المسح عليهما نحو ثمانين صحابيا، ومن ثمة قال بعض الأئمة: إن أحاديثه متواترة، وأخشى أن يكون إنكاره كفرا. ¬

71 - إسناده ضعيف وهو حسن: فيه دلهم بن صالح: ضعيف كما قال الحافظ (التقريب 1830)، وكذا حجير بن عبد الله الكندى قال فيه الحافظ: «مقبول» (التقريب 1148)، ورواه الترمذى فى الأدب (2820) بسنده ومتنه سواء. وكذلك رواه ابن ماجه فى الطهارة (549)، وفى اللباس (3620)، والإمام أحمد فى المسند (5/ 352)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 142)، كلهم من طريق دلهم بن صالح به نحوه. والحديث حسنه الشيخ الألبانى حفظه الله فى صحيح ابن ماجه وأبى داود. (¬1) فى (ش): [أى: غير منقوشين].

72 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبى زائدة، عن الحسن ابن عياش، عن أبى إسحاق، عن الشعبى قال: قال المغيرة بن شعبة: «أهدى دحية للنّبىّ صلى الله عليه وسلم خفّين فلبسهما». وقال إسرائيل: عن جابر، عن عامر: «وجبة، فلبسهما حتّى تخرّقا. لا يدرى النّبىّ صلى الله عليه وسلم أذكّى هما أم لا». ـــــــــــــــــــــــــــــ 72 - (عياش) بمهملة ففتحتين ثم معجمة «وقال: إسرائيل» هو من كلام الترمذى، فإن كان من قبل نفسه، فهو معلق، لأنه لم يدركه، أو من قبل شيخه قتيبة (فلبسهما) أى الخفين والجبة كذا قيل وقضية «أذكّى هما» أن ضميرهما للخفين فقط إلا أن يقال أنه للجبة أيضا باعتبار شعره، وزعم أن الخرق، إنما يقال للخف لا للجبة عجب (¬1). (أذكى هما) أى تزكية شرعية وهذا التركيب نظير: قاسم الزيدان أى هل هما من مذبوح (أم لا) ونفى الصحابى درايته صلى الله عليه وسلم لتصريحه له بذلك أو لأنه أخذها من قرينة، أنه لم يقل هل هو من مذبوح، أو غيره وعلى كل، فالحديث دليل واضح على طهارة الأشياء المجهولة الأصل، ولو نحو شعر شك ذبح أصله أم لا، وهو معتمد مذهبنا، خلافا لمن أطال فى رده، كما رددته عليه فى شرح العباب وزعم أن فيه دليلا على طهارة المدبوغ، يحتاج إلى ثبوته أنهما كانا مدبوغين، وليس فى الحديث ما يدل على ذلك. ... ¬

72 - صحيح: قلت: الشطر الأول من الحديث، أما الثانى: ففيه جابر الجعفى قال فيه ابن معين: لم يدع جابرا ممن رآه إلا زائدة، وكان جابر كذابا، وقال: لا يكتب حديثه، ولا كرامة، وقال: ضعيف. فهو ضعيف كما قال الحافظ (التقريب 878)، وانظر: تهذيب الكمال (4/ 468). والحديث رواه الترمذى فى اللباس (1769)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 141)، من طريق الحسن بن عياش به فذكره. وهذا الإسناد الصحيح. والشطر الثانى: رواه الترمذى أيضا (4/ 211)، وقال: قال إسرائيل. . . فذكره وهو ضعيف كما بينا. (¬1) فى (ش): [غريب].

11 - باب: ما جاء فى نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

11 - باب: ما جاء فى نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم 73 - حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود الطيالسى، حدثنا همام، عن قتادة، قال: قلت لأنس بن مالك: «كيف كان نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لهما قبالان». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو ما وقت به القدم من الأرض، وأفرد الخف عنه بباب لتغايرهما حرفا، بل لغة، إن جعلنا من الأرض قيدا فى النعل، وكان ابن مسعود هو صاحب النعلين، وكان يلبسه نعليه إذا قام، وإذا جلس جعلهما فى ذراعيه حتى يقوم، وهو هذلى توفى بالمدينة سنة اثنين وثلاثين. 73 - (كان) القياس كانت لأنها مؤنثة، إلا أنه لما كان تأنيثها غير حقيقى، ساغ تذكيرها باعتبار الملبوس (لهما) أى لكل منهما بدليل رواية البخارى: «لها»، بالإفراد، قيل: وظاهره أنها كانت من طاق واحدة، وهو ممدوح، إذ العرب كانت تتمادح برقة النعال، ويجعل ذلك من لباس الملوك. انتهى. وفيه نظر، وبتسليمه، فسيأتى فى مخصوفتين بما يرده إلا إن ثبت أنه كان له نعل من طاق واحدة، ونعل من أكثر، على أن اللائق بأحواله العلية، مخالفته للملوك ولزيهم، فلا يكون ذلك فى حقه مما يتمدح به «قبالان» بتثنيته القبال بالكسر، وهو زمام النعل أى: السير الذى بين الأصبعين الوسطى والتى تليها، وذكر بعضهم: أنه كان يضع أحد الزمامين بين الإبهام والتى تليها، والآخر بين الوسطى والتى تليها، ويجمعها إلى السير الذى بظهر قدمه، وهو الشراك، وسيأتى أن الشراك كان مثنى، وأن عثمان وحّد القبال، وجوابه بهذا؛ إما لأنه فهم أنه مراد السائل، أو أنه بين له أن هذا أخص أحوال النعل التى سئل عنها. ¬

73 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (1772)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى اللباس (5857)، وأبو داود (4143)، والترمذى (1773)، وابن ماجه (3615)، والإمام أحمد فى المسند (3/ 122،203،245،269)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 143)، جميعهم من طرق عن همام به فذكره.

74 - حدثنا أبو كريب: محمد بن العلاء، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس: «كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان مثنّى شراكهما». 75 - حدثنا أحمد بن منيع، ويعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبو أحمد الزبيرى، حدثنا عيسى بن طهمان، قال: «أخرج إلينا أنس بن مالك نعلين جرداوين لهما قبالان». فقال: فحدثنى ثابت بعد عن أنس: «أنّهما كانتا نعلى النّبىّ صلى الله عليه وسلم». ـــــــــــــــــــــــــــــ 74 - (الحذّاء) بالذال المعجمة. (مثنى) بضم ففتح، أو بفتح فسكون وتنوين آخره مع تشديده، قيل: مثنى كرمى وليس فى محله، لأن هذا من المثنى، وهو رد الشىء إلى شىء، ولا يصح ذلك على هذا هنا. (شراكهما) بتثنية شراك، وهو أحد سيور النعل يكون على وجهها. 75 - (جرداوين) أى لا شعر فيهما. (قال) أى ابن طهمان. (بعد) أى بعد إخراج أنس النعلين إلينا. ¬

74 - إسناده صحيح: رواه ابن ماجه فى اللباس (3614)، من طريق على بن محمد ثنا وكيع به فذكره. وقال البوصيرى فى الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات. ورواه البخارى فى اللباس (5857)، والنسائى فى الزينة (8/ 217)، وفى الكبرى (9801)، وابن ماجه (6315)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى (ص 136)، وأبو نعيم فى تاريخ أصبهان (2/ 342)، كلهم من طريق همام عن قتادة قال: حدثنا أنس رضى الله عنه أن نعل رسول الله كان لها قبالان. 75 - إسناده: صحيح: رواه البخارى فى فرض الخمس (3107)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى (ص 145) كلاهما من طريق عيسى بن طهمان به فذكره.

76 - حدثنا إسحاق بن موسى الأنصارى، قال: حدثنا معن، قال: حدثنا مالك، حدثنا سعيد بن أبى سعيد المقبرى، عن عبيد بن جريج، أنه قال لابن عمر: رأيتك تلبس النعال السبتية، قال: «إنّى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النّعال الّتى ليس فيها شعر، ويتوضّأ فيها، فأنا أحبّ أن ألبسها». 77 - حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن أبى ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبى هريرة، قال: «كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان». ـــــــــــــــــــــــــــــ 76 - (السبتية) بالكسر جلود بقر تدبغ مطلقا أو بالقرظ وهو ورق السلم ويجلب من اليمن سميت بذلك، لأن شعرها قد سبت عنها أى حلق وأزيل إذا لبست القطع، قيل: وسيأتى الكلام يفيد أن ابن عمر لم يكن حين التخاطب لابسها، فسئل عن وجه الترك، ويرد: بأن الترك حين السؤال لا يدل على الترك مطلقا، وعلى الترك فيحتمل تركه لعذر، كعدم وجدانها. ووجه السؤال: أنها نعال أهل النعمة والسعة، ومن ثمة لم يلبسها الصحابة، كما أفاده خبر البخارى أن السائل قال له: «رأيتك تفعل أربعة أشياء لم يفعلها أصحابنا» ومنها هذه (أحب أن ألبسها) أى اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل ترك الصحابة إن فرض صحته الاستغراق، وأن ما نفاه السائل هو الواقع وإلا فالأمر محتمل أنه لم ينفه، إلا باعتبار علمه، إنما هو لأنهم لم يبلغهم فيه شىء، وابن عمر امتاز عنهم بحفظ ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت الحجة فيما قال وفعل، لا فى تركهم. ¬

76 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى اللباس (5851)، ومسلم فى الحج (1187)، وأبو داود فى المناسك (1772)، والإمام مالك فى الموطأ (1/ 272)، وعنه محمد بن الحسن فى موطئه (ص 161)، والإمام أحمد فى مسنده (2/ 17،66،110)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 373)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى (ص 144)، كلهم من طرق عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى به فذكر نحوه تاما ومختصرا. 77 - إسناده ضعيف، وهو صحيح بشواهده: فيه صالح مولى التوامة: قال فيه الحافظ: صدوق اختلط بآخره، وقال ابن عدى: لا بأس-

78 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا أبو أحمد، حدثنا سفيان، عن السدى، قال: حدثنى من سمع عمرو بن حريث، يقول: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّى فى نعلين مخصوفتين». ـــــــــــــــــــــــــــــ 78 - (مخصوفتين) من خصفت النعل خرزتها فهو نعل خصيف بمعنى مخصوف، والخصف: الضم والجمع، أو النعل ذات الطرق، وكل طراق منها خصفة بسكون الصاد، والطرق بالتحريك: ثنى القربة، والجمع أطراق، وهو إثناؤها إذا ثخنت وتثنت، وطرق بين النعلين أى خصف أحدهما فوق الأخرى وهذا الحديث، وإن كان فى سنده مجهول لكن صح «أنه صلى الله عليه وسلم كان يخصف نعله» (¬1) أى: يضع طاقا فوق طاق، فيستفاد منه أن لكل واحدة من نعليه طاقين أو أكثر. ¬

77 - برواية القدماء عنه كابن أبى ذئب وابن جريج (التقريب 2892)، وقال أحمد بن سعد بن أبى مريم: سمعت يحيى بن معين يقول: صالح مولى التوأمة ثقة حجة. قلت له-أى ابن أبى مريم-إن مالكا ترك السماع منه. فقال: إن مالكا إنما أدركه بعد كبر وخرف، وسفيان الثورى إنما أدركه بعد أن خرف، فسمع منه سفيان أحاديث منكرات. وذلك بعد ما خرف. ولكن ابن أبى ذئب سمع منه قبل أن يخرف. قلت: والحديث رواه من طريق ابن أبى ذئب هنا. وقال عباس الدورى وعثمان بن سعيد الدارمى عن يحيى بن معين: ثقة. زاد عباس: وقد كان خرف قبل أن يموت، فمن سمع منه قبل أن يختلط فهو ثبت. انظر: تهذيب الكمال (13/ 102). والحديث رواه الطبرانى فى الصغير (1/ 92)، من طريق ابن أبى ذئب به نحوه وفيه زيادة، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 138)، وعزاه للطبرانى، وقال: رجال الطبرانى ثقات. 78 - إسناده ضعيف وهو صحيح لغيره: وعلته: فيه راو لم يسم. رواه الإمام أحمد فى مسنده (4/ 307)، (5/ 6)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 372)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى (ص 143)، ثلاثتهم من طريق السدى به فذكره. قلت: فقد رواه أبو الشيخ (ص 144)، بسنده عن مطرف بن الشخير قال: أخبرنى أعرابى لنا قال: رأيت نعل نبيكم صلى الله عليه وسلم مخصوفة. ورواه أحمد (5/ 28،363)، وابن سعد (1/ 372)، وسنده صحيح. وعند أبى الشيخ من حديث أبى ذر، وكذا عند ابن سعد عن رجل. فبالجملة: الحديث صحيح إن شاء الله كما صححه الشيخ الألبانى فى مختصر الشمائل (ص 55). (¬1) رواه الترمذى فى المناقب (3715)، بلفظ: أعطى عليا نعله يخصفها، وأحمد فى مسنده (3/ 33،82) (6/ 106،121،167،242،360).

79 - حدثنا إسحاق بن موسى الأنصارى، حدثنا معن، حدثنا مالك، عن أبى الزناد، عن الأعرج، عن أبى هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمشينّ أحدكم فى نعل واحدة، لينعلهما، أو ليحفهما جميعا». ـــــــــــــــــــــــــــــ 79 - (لا يمشين أحدكم فى نعل واحدة) وفى نسخة: «واحد» ويحتاج لتأويل، ولا يكفى فيه كون تأنيثها غير حقيقى، فيكون ذلك لقلة المروءة لما فيه من التشويه والمثلة، ومخالفة الوقار، وتمييز إحدى خبار حقيه، وذلك يؤدى إلى اختلاف المشى وضعفه، وفيه إيقاع غيره فى الإثم لاستهزائه به، وقد أرشد النبى صلى الله عليه وسلم إلى أن الإنسان ينبغى له أن يحترز من إيقاع غيره فى الإثم ما أمكنه، بأمره من أحدث فى الصلاة بالقبض على أنفه، ليوهم الناس أنه رعف، حتى لا يخوضوا فى عرضه فيأثموا، قال ابن العربى: ولأن ذلك من مشية الشياطين، فحال غيره، ولما فيه من المشقة والخبط فى المشى، لأن المنتعلة أرفع من الأخرى، فيخشى منه العثار، فى محله لغير ضرورة، وإلا فلا كراهة، كما هو ظاهر، وعليه يحمل ما روى أنه صلى الله عليه وسلم ربما فعله، والخف والمداس فى ذلك كالنعل، وفى نسخة: «واحد» بتقدير ملبوس، ونوزع فيه بما لا يجدى وفى أخرى: «يمشى» وهو خبر بمعنى النهى، (لينعلهما) أى [الإلباس وهو موجود فى كل من الفعلين أو النعلين] (¬1) القدمين فيصح أن يكون من نعل ويتعين حينئذ أنه من نعل أى ليلبسهما به، ومعنى المجرد فليلبس نعليهما، ونعل كفرح بمعنى لبس، وكنع بمعنى أنعل، وفى رواية: «فليخلعهما» لا تعين الضمير للنعلين، لاحتمال أن فيه حذف مضاف أى: ليخلع نعليهما (أو ليحفهما) من الإحفاء، وهو الإعراض عن النعل والخف ومن الحفى وهو المشى بلا خف ونعل، والتعدية: مجازية والأصل ليحف بهما فحذف الجار اختصارا، أو يقال ضمن المجرد معنى المتعدى بلا حذف ولا ينافى كراهة المشى فى ¬

79 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (1774)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى اللباس (5855)، وكذلك مسلم (2097)، وأبو داود (4136)، وابن ماجه (3617)، والإمام أحمد فى مسنده (2/ 245) موقوفا ومرفوعا (2/ 283،409،430،477،497)، والإمام مالك فى «الموطأ» (1/ 33،272)، وعنه محمد بن الحسن الشيبانى فى موطئه (137،395)، كلهم من طريق أبى الزناد به نحوه تاما ومختصرا. (¬1) الزيادة من (ش).

80 - حدثنا إسحاق بن موسى، حدثنا معن، عن مالك، عن أبى الزبير، عن جابر: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل-يعنى الرّجل-بشماله، أو يمشى فى نعل واحدة». ـــــــــــــــــــــــــــــ نعل، وأقر به فعل جمع من الصحابة له لاحتمال أنه لعذر، وقول ابن سيرين: لا بأس به، يرده صريح السنة وألحق بعضهم بذلك إخراج أحد اليدين من الكم، وإلقاء الرداء على أحد المنكبين، ولبس نعل فى رجل وخف فى أخرى فيه نظر، أما الأولان فلأنهما من دأب أهل الشطارة، كما صرح به الأئمة، فلا وجه للكراهة فيهما، والكلام فى غير الصلاة، أما فيها فيكره المشى، وقياسه الأول، وفى من لا تختل مروءته بذلك، وإلا فلا شك فى كراهة ذلك له، بل تحريمه عليه، لأنه تحمل شهادة، لأن من تحملها يحرم عليه تعاطى خارم مروءته وأما الثالث: فلأن من العلل السابقة تميز إحدى الرجلين، وأنها مشية الشياطين، وفيه مثلة وتخبط فى المشى، وغير ذلك، وكل ذلك يقتضى عدم الكراهة هنا. فائدة: يكره التنعل قائما لخبر فيه، قيل: وهو محمول على نعل محتاج فى لبسها إلى إعانة اليد، لا مطلقا. 80 - (بشماله) فالأكل بها من غير ضرورة كراهة تنزيه، وذكر الرجل لأنه الأصل والأشرف، لا للاحتراز عن المرأة، بل هى كذلك. (أو) هى للتقسيم، وزعم أنها للشك، وهم فاحش، فكل، ما قبلها، وما بعدها منهى عنه على حدته. وحملها على الواو يفسد المعنى، لإبهامها أن المنهى عنه اجتماعهما، وليس كذلك، وقيل: للشك، وقيل: بمعنى الواو وليس كذلك، بل هو على حد وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (¬1). ¬

80 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى اللباس (2099)، وأبو داود (4137)، والإمام أحمد فى مسنده (3/ 293، 322،327،344،357)، والإمام مالك فى الموطأ فى صفة النبى صلى الله عليه وسلم (2/ 703)، كلهم من طريق أبى الزبير به نحوه. (¬1) سورة الإنسان: آية رقم (24).

81 - حدثنا قتيبة (ح) وحدثنا إسحاق بن موسى، حدثنا معن، حدثنا مالك، عن أبى الزناد، عن الأعرج، عن أبى هريرة: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا نزع فليبدأ بالشّمال، فلتكن اليمنى أوّلهما تنعل، وآخرهما تنزع». 82 - حدثنا أبو موسى: محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، حدثنا أشعث-بن أبى الشعثاء-عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبّ التّيمّن ما استطاع، فى ترجّله، وتنعّله، وطهوره». ـــــــــــــــــــــــــــــ 81 - (فليبدأ) مر توجيهه بأن الاشتغال من باب التكريم ومنه ما قصد منه به زينة، أو نظافة من غير مباشرة مستقذر، وكل ما كان كذلك يبدأ فيه باليمين، وخلعه بضد ذلك، وكل ما هو كذلك، يبدأ فيه باليسار كالخروج من المسجد، ودخول الخلاء، والسوق والاستنجاء، وتناول الأحجار له، ومس الذكر، والامتخاط وتعاطى المستقذر ونحوه نحو الثوب والخف والسراويل كالنعل فيما ذكر، ومن زعم أن تقديم اليمين، إنما هو لكونه أقوى من اليسار فقد أخرج الأمر إلى أنه إرشادى لا شرعى، وهو باطل مخالف للسنة وكلام الأئمة (أولهما) ذكر بتأويل العضو، وهو متعلق بتنعل الذى هو خبر تكن، أو مبتدأ خبره تنعل، والجملة خبر (وآخرهما تنزع) فائدته: أن الأمر بتقديم اليمين فى الأول يقتضى تأخر نزعهما، لاحتمال إرادة نزعهما معا، فمن زعم أنه للتأكيد للاستغناء عنه فقد وهم، وكذلك من تكلف له معنى غير ما قلته، فلم يخرجه به عن التأكيد، فقد أتى بمايمجه السامع، فلا يعول عليه. 82 - (ما استطاع) أى مدة دوام قدرته على تقديم اليمنى، احتراز عما احتيج ¬

81 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (5856)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى اللباس (5856)، وكذا أبو داود (4139)، والإمام أحمد فى مسنده (2/ 465)، ومالك فى الموطأ فى اللباس (2/ 698)، والحميدى فى مسنده (1135)، جميعهم من طريق أبى الزناد به فذكره. 82 - صحيح: رواه الترمذى فى الصلاة (608)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى اللباس (5854)، =

83 - حدثنا محمد بن مرزوق-أبو عبد الله-حدثنا عبد الرحمن بن قيس- أبو معاوية-حدثنا هشام، عن محمد، عن أبى هريرة قال: «كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان وأبى بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما، أوّل من عقد عقدا واحدا عثمان رضى الله عنه». ـــــــــــــــــــــــــــــ لليسار، لعارض باليمنى، فإنه لا كراهة فى تقديمها ح، ولو فيما هو من باب التكريم. (وطهوره) بضم أوله وفتحه. 83 - (قبالان) وصل به وهو أجنبى بين متعاطفان إشارة إلى الاهتمام، وأنه المقصود بالإخبار (وأبى بكر وعمر) أى اتخذا قبالا. (واحدا عثمان) وكان وجهه بيان أن اتخاذ القبالين قبل ذلك لم يكن لكونه قبال واحد، ولا لمخالفته الأولى، بل لأن ذلك كان هو الواقع والمعتاد، ولم يتبين ذلك إلا بفعل عثمان إذ لو ترك ذلك، وهم منه كراهة الاقتصار على قبال واحد، وأنه خلاف الأولى لأنه خلاف ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه. ... ¬

= ومسلم فى الطهارة (268)، وأبو داود فى اللباس (4140)، والنسائى فى الزينة (8/ 133)، وفى السنن الكبرى (3920)، والإمام أحمد فى مسنده (6/ 94،130،147)، وأبو نعيم فى المسند المستخرج على مسلم (618،619)، كلهم من طريق أشعث بن أبى الشعثاء به نحوه. وقال الترمذى: حسن صحيح. 83 - إسناده ضعيف وهو صحيح: فيه: عبد الرحمن بن قيس. قال فيه الحافظ: متروك، كذبه أبو زرعة وغيره (التقريب 3989). قلت: ويشهد له حديث أبى هريرة عند الطبرانى فى الصغير (246) بسند صحيح.

12 - باب: ما جاء فى ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم

12 - باب: ما جاء فى ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم 84 - حدثنا قتيبة بن سعيد، وغير واحد، عن عبد الله بن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب عن أنس بن مالك، قال: «كان خاتم النّبىّ صلى الله عليه وسلم من ورق، وكان فصّه حبشيّا». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم) مر فيه فتح التاء وكسرها، ويقال فيه خيتام وخاتام وخيتوم، وفى نسخة زيادة بين فى ومجرورها، ولعلها تحريفة من ناسخ، إذ تراجم الكتاب قاضية بحذفها، لأنه لم يوجد لها فيها نظير ولا حكمة فى تميز هذا الباب بها على بقية الأبواب. 84 - (عن أنس) أى أخرجه الشيخان عنه أيضا (من ورق) أى فضة، فيه: حل اتخاذ الخاتم الفضة للرجال والنساء، وهو إجماع، بل يندب بشرط عدم الإسراف فيه بالنسبة لعرف اللابس، وإن بلغ مثقالا، خلافا لمن اشترط نقصه عنه كما يأتى، وكرهت طائفة لبسه مطلقا، وهو شاذ، وجزم بعض الشراح من الشافعية به لعدم إلمامه بكلام الفقهاء، نعم ثبت «أنه صلى الله عليه وسلم لما اتخذ خاتما من ورق، فاتخذوا مثله، طرحه فطرحوا خواتيمهم» (¬1)، وهذا يدل على عدم ندب الخواتم، وأجاب البغوى: بأنه إنما طرحه خوفا عليهم من التكبر والخيلاء انتهى. وأقول: يحتمل أنهم بالغوا فى الإسراف فى قدره، فأشار إليهم ليطرحوها ثم رأيت بعضهم أجاب عنه: بأنه وهم من الزّهرى راويه، وأن الذى لبسه يوما ثم ألقاه، خاتم ذهب كما ثبت ذلك من غير وجه عن ابن عمر، ¬

84 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (1739)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى اللباس (2094)، وأبو داود فى الخاتم (4216)، والنسائى فى الزينة (8/ 174)، وفى الكبرى (9515،9516، 9518)، وابن ماجه (3641)، وأحمد فى المسند (3/ 225)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 637)، وأبو نعيم فى الحلية (8/ 330)، والبغوى فى شرح السنة (3140)، جميعهم من طرق عن يونس، عن ابن شهاب، به نحوه. (¬1) رواه أبو داود فى الخاتم (4223)، وأحمد فى مسنده (2/ 68،96،127)، (3/ 160، 206،223،225).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنس، أو خاتم حديد عليه فضة، فقد روى أبو داود بسند جيد «أنه كان له خاتم حديد ملوى عليه فضة» (¬1) فلعله الذى طرحه، وكان يختم به ولا يلبسه وقال الخطابى: يكره للنساء، لأنه من شعار الرجال فإن لبسته صفرته بنحو زعفران، وما قاله من الكراهة ضعيف ومر أوائل الكتاب قول جمع من أصحابنا: الأولى لها أن لا تلبس البياض ولا الفضة، لما فى التشبيه بالرجال، وأن تغيره بما أمكن من نحو زعفران ونحوه. وقالت طائفة: يكره إذا قصد به الزينة، وآخرون: يكره لغير ذى سلطان للنهى عنه لغيره، رواه أبو داود والنسائى، لأن سبب اتخاذه ذلك كما يأتى، وردّوه بأن هذا هو أصل حكمة الاتخاذ لكنه صلى الله عليه وسلم استدام لبسه، ولبسه أصحابه معه، وأقرهم عليه وخبر النهى إلا لذى سلطان، نقل ابن رجب عن بعض أصحابه عن أحمد أنه ضعفه، قال شيخ الإسلام الشرف المناوى: وتحصل السنة بلبس الخاتم ولو مستعارا أو مستأجرا والأوفق للاتباع لبسه بالملك واستدامته، ويجوز للرجل لبس خواتم، ويكره لبس أكثر من خاتمين قاله الدارمى من أصحابنا، وفيه نزاع وخلاف، ليس هذا محل بسطه (فصه) بتثليث أوله، ووهم من جعل الكسر لحنا، وهو ينقش فيه اسم صاحبه أو غيره. (حبشيا) أى فصا من جزع، أو عقيق، إذ معدنهما بالحبشة كاليمن وهذا فى ما قيل أن معدنهما باليمن وهى من الحبشة ويؤيده فى خبر «وكان فصه من عقيق»، وقيل: كان لونه حبشى، أى أسود وسيأتى فى رواية: «وإن فصه منه»، وهى رواية البخارى، ومن ثمة قال ابن عبد البر: إنها أصح [فقدمت] ولكنّ الوجه الجمع بأن له خاتمين أحدهما فصه حبشى، والآخر فصه منه، وكان يلبس كلا فى وقت على ما يأتى وجمع أيضا بأن معنى حبشيا أن صائغه حبشى، فلا ينافى أنه منه، وأيد بأنه إنما اتخذه لحاجة [فالتعدد بعيد إذ لا حاجة إليه]، وبأنه جاء أن نسبته حبشى منسوب إلى صانع من الحبشة، مرّ هذا كله غفلة عن الخبر السابق «أن فصه من عقيق» لكن إنما يتم ذلك إن ثبت الحديث، وجمع أيضا: بأن معنى: «وفصه منه» أى موضع فصه منه، فلا ينافى كون فصه حجرا وهو فى غاية الركاكة، إذ لا يتوهم أن موضع فص الخاتم من غيره، حتى يحترز الراوى بقوله «فصه» عن ذلك، وإنما يتم إن عهد ذلك الزمن أنهم كانوا تارة يتخذون موضع الفص من الخاتم، وتارة يتخذون من غيره. ¬

(¬1) رواه أبو داود فى الخاتم (4224)، (4/ 88)، وأحمد فى مسنده (1/ 21).

85 - حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة، عن أبى بشر، عن نافع، عن ابن عمر: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم اتّخذ خاتما من فضّة، فكان يختم به ولا يلبسه». 86 - حدثنا محمود بن غيلان، قال: حفص بن عمر بن عبيد (الطنافسى)، ثنا زهير (أبو خيثمة)، عن حميد، عن أنس بن مالك، قال: «كان خاتم النّبىّ صلى الله عليه وسلم من فضّة، فصّه منه». ـــــــــــــــــــــــــــــ 85 - (يختم به) أى الكتب التى يرسلها للملوك (ولا يلبسه) أى دائما، بل فى بعض الأوقات، للأخبار الآتية: «كان يلبسه فى يمينه» (¬1) ولخبر: «كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه» (¬2)، وزعم أن المراد: ولا يلبسه حالة الختم به ليس فى محله، لأن لبسه حالة الختم بعيد لا يحتاج لنفيه، وعلى أن له خاتمين، فيحتمل أن أحدهما كان يلبسه، والآخر كان يلبسه ليتأسى به فيه، إذ الصواب كما مر أن لبسه مندوب، ولو لمن لم يحتج إليه لختم ولا لغيره. 86 - (الطنافسى) منسوب إلى الطنافس، جمع طنفسة، بضم الطاء والفاء، وكسرها وفتح الفاء: السباط الذى له خمل، أو الثياب وحصير من سعد قدره ذراع. (خيثمة) بفتح المعجمة وسكون التحتية وفتح المثلثة (منه) أى من بعضه فليس بحجر على ما مرّ. ¬

85 - إسناده صحيح: رواه الإمام أحمد فى «مسنده» (2/ 68)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 138)، كلاهما من طريق أبى عوانة به فذكره وفيه زيادة. 86 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (1740)، بسنده ومتنه سواء. ورواه البخارى فى اللباس (5870)، وأبو داود (4217)، والنسائى فى الزينة (8/ 174)، وفى الكبرى (915،916،918)، والإمام أحمد فى مسنده (3/ 266)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 366)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى (ص 138)، والبغوى فى شرح السنة (12/ 65)، (3139)، كلهم من طرق عن حميد به نحوه. (¬1) رواه البخارى فى الأيمان والنذور (6651). (¬2) رواه أبو داود فى الطهارة (19)، والترمذى فى اللباس (1746)، وابن ماجه فى الطهارة (303) وأبو نعيم فى أخبار أصبهان (2/ 111)، والبداية والنهاية (6/ 6).

87 - حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنى أبى، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: «لمّا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى العجم، قيل له: إنّ العجم لا يقبلون إلا كتابا عليه خاتم. فاصطنع خاتما، فكأنّى أنظر إلى بياضه فى كفّه». 88 - حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصارى، حدثنى أبى، عن ثمامة، عن أنس بن مالك قال: «كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم محمّد سطر، ورسول سطر، والله سطر». ـــــــــــــــــــــــــــــ 87 - (لما أراد) أى حين رجع من الحديبية (إلى العجم) أى إلى عظمائهم أو ملوكهم. (قيل له) قائل ذلك، قيل: من العجم، وقيل: من قريش. (يكتب) أى أراد أن يكتب الرواية السابقة «لا يقبلون» أى لا يعتمدون (عليه خاتم) أى وضع عليه خاتم وقيل فيه حذف مضاف أى: عليه نقش خاتم، والأول أولى وأظهر، وسبب اعتمادهم لعدم الثقة بما فيه، أو أنه ترك منه شعار تعظيمهم، وهو الختم، أو الإشعار بأن ما يعرض عليهم، ينبغى أن لا يطلع عليه غيرهم. وعن أنس: «أن ختم كتاب السلطان، أو القضاة سنة متبعة». (فاصطنع خاتما) بأن يعمل. (فكأنى. . .) إلخ إشارة إلى أنه من فضة وأنه متيقن اتخاذ النبى صلى الله عليه وسلم له. 88 - (ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم. (محمد) خبر كان على الحكاية أو اسمها، ونقش هو الخبر، أى مدلول نقشه محمد، أو نقش نفس محمد، وقيل: خبرها ¬

87 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الاستئذان (2718)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى اللباس (5872، 5875)، ومسلم (2092)، وأبو داود فى الخاتم (4214)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 365)، والبغوى فى شرح السنة (3131)، وأبو الشيخ فى الأخلاق (ص 140)، كلهم من طرق عن قتادة به نحوه تاما ومختصرا. 88 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (1747)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الخمس (3106)، وفى اللباس (5878)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 141)، والترمذى (1748)، والبغوى فى شرح السنة (3136)، كلهم من طرق عن ثمامة به نحوه.

89 - حدثنا نصر بن على الجهضمى، أبو عمرو، حدثنا نوح بن قيس، عن خالد بن قيس، عن قتادة، عن أنس بن مالك: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر والنّجاشىّ، فقيل له: إنّهم لا يقبلون كتابا إلا بخاتم، فصاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما، حلقته فضّة، ونقش فيه: محمّد رسول الله». ـــــــــــــــــــــــــــــ محذوف أى ثلاثة أسطر، كما صرحت رواية البخارى. (سطر) قيل: أسفل، وهو خبر مبتدأ محذوف، أى هو سطر، وهو جملة معترضة. (ورسول) بالتنوين وعدمه على الحكاية. «سطر» قيل: أوسط. (والله) بالرفع والجر. (سطر) قيل: أعلى ليكون اسم الله أعلى، وزعم أن هذا يخالف الوضع القرآنى وهم، لأن الوضع هنا يخالف الوضع، ثم على تقدير إذ ذاك فى سطر واحد، وهذا فى سطور ثلاثة، ومع تحقق المخالفة رعاية تعظيم اسم الله أولى بأن يخرج فعله عليها ما أمكن، وزعم أن تقديم محمد لفظا يستدعى تقديمه وضعا ليس فى محله، إذ تقديم الجلالة لفظا غير ممكن بخلافه وضعا، وموجب هذا الزعم، وما قبله الغفلة عن كونه كان يقرأ من أسفل، نعم قال بعض المحققين من الحفاظ: قول بعض الشيوخ كانت الجلالة أعلى السطر، ومحمد أسفلها، لم أر التصريح به فى شىء من الأحاديث، بل رواية الإسماعيلى يخالف ظاهرها ذلك، فإنه قال: محمد سطر، والسطر الثانى رسول، والسطر الثالث الله، قال: وهذا ظاهر رواية البخارى الموافقة لرواية المصنف المذكورة، لكن لم تكن كتابته على الترتيب العادى، فإن ضرورة الاحتياج إلى أن يختم به يقتضى أن تكون الأحرف المنقوشة مقلوبة، ليخرج الختم مستويا، وخبر: «أنه كان نقشه لا إله إلا الله» واه، وفيه: حل نقش الخاتم باسم الله، وباسم صاحبه، وقول بعضهم: يكره نقش اسم الله، ضعيف. 89 - (كتب) أى أراد أن يكتب ليوافق الرواية السابقة. (كسرى) بفتح أوله وكسره وهو علم على كل من ملك العجم. (وقيصر) علم على كل من ملك الروم. (والنجاشى) علم على كل من ملك الحبشة، وفرعون لكل من ملك القبط، والعزيز ¬

89 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى اللباس (2092) من طريق نوح بن قيس به فذكره، والبغوى فى شرح السنة (3132)، من طريق المصنف به فذكره.

90 - حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا سعيد بن عامر، والحجاج بن منهال، عن همام، عن ابن جريج، عن الزهرى، عن أنس: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه». ـــــــــــــــــــــــــــــ لكل من ملك مصر، وتبع لكل من ملك حمير، وخاقان لكل من ملك الترك، ولما جاء كتابه صلى الله عليه وسلم إلى كسرى فمزقه، فدعا صلى الله عليه وسلم عليه بتمزيق ملكه فمزق، وإلى هرقل ملك الروم، حفظه فحفظ ملكه، وكانت الكتابة سنة ست كما صرحت به رواية البخارى، واستشكل أنه كتب فيه: ياأَهْلَ اَلْكِتابِ تَعالَوْا. . . (¬1) الآية، ونزولها فى وفد نجران سنة تسع. وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم نطق بها قبل النزول فوافقه، ويحتمل أنها نزلت مرتين، وأما النجاشى أصحمة، فكتب له صلى الله عليه وسلم يطلب إسلامه، فأجابه بأنه أسلم، سنة ست، ومات سنة تسع وأما النجاشى الذى ولى بعده، وكتب له صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، فلم يعرف له إسلام والكتابة له، وأنه غير أصحمة، وصح فى مسلم عن قتادة: «وكتب لأصحمة كتابا ثانيا ليزوجه أم حبيبة». (فصاغ) أى أمر كما مر بيعلى بن أمية. (حلقته فضة) وأما فصه فحبشى كما مر، ونقش بالبناء للفاعل أى أمر أيضا والمفعول. 90 - (إذا دخل الخلاء) أى أراد دخوله. (نزع خاتمه) لأنه كان عليه اسم معظم، فاستصحابه فى الخلاء مكروه، وقيل: حرام وبقاؤه فى يسراه عند الاستنجاء بالماء بها حرام، لحرمة تنجسه، وكذلك ما عليه معظّم من نحو قرآن، واسم نبى، أو ملك، وما عليه اسم مشترك نحو محمد وعزير ينظر فيه إلى قصد الواضع، إذا وضع لنفسه، أو ¬

90 - إسناده ضعيف: رواه الترمذى فى اللباس (1746)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الطهارة (19)، والنسائى فى الزينة (8/ 178)، وفى الكبرى (9542)، وابن ماجه فى الطهارة (303)، وأحمد فى المسند (2/ 311،454)، والبيهقى فى السنن (1/ 95)، كلهم من طريق همام به نحوه. قال أبو عيسى: حسن غريب، وقال أبو داود: هذا حديث منكر، وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد، عن الزهرى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه، والوهم فيه من همام ولم يروه إلا همام ضعفه الشيخ الألبانى فى مختصر الشمائل (75)، وانظر الإرواء (48)، وضعيف أبى داود (4). وقد روى ابن سعد فى الطبقات (1/ 475)، بسند صحيح أن الحسن البصرى سئل عن الرجل يكون فى خاتمه اسم من أسماء الله فيدخل الخلاء به فقال: أو لم يكن فى خاتم رسول الله آية من كتاب الله يعنى (محمد رسول الله). (¬1) سورة آل عمران: آية رقم (64).

91 - حدثنا إسحاق بن منصور، عن عبد الله بن نمير، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: «اتّخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق فكان فى يده، ثمّ كان فى يد أبى بكر ويد عمر، ثمّ كان فى يد عثمان حتى وقع فى بئر أريس، نقشه: محمّد رسول الله». ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمران أمر غيره بأن يعمل له، فإن قصد به معظما كره، وإلا فلا، وما ذكرته من أن العبرة بقصد الآمر ظاهر، وإن لم أر من صرح به، وهذا الحديث قال المصنف فى جامعه حسن غريب، وقول أبى داود: منكر أى لما فيه من الغرابة، فلا ينافى تحسين المصنف له. 91 - (عن ابن عمر) إلخ أخرجه البخارى عنه أيضا ثم إلى آخره فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يورث، وإلا لأخذ ورثته الخاتم بل كان كالقدح والسلاح صدقة على المسلمين يصرفها ولى الأمر حيث رآه مصلحة ومنها وضعه بيد الخليفة، لأنه يحتاج لمثل ما احتاج إليه صلى الله عليه وسلم كذا قيل، وظاهره أن أبا بكر ومن بعده كانوا يختمون به، وهو محتمل، ويحتمل أنه كان عندهم تبركا، وأما ختم كل فبخاتم فيه نقشه، ثم رأيت فى النسائى ما يصرح بالأول، وعليه فقيل: يستفاد من الحديث حل النقش بالخاتم بعد موت صاحبه، إذ لا التباس ح. وحكمة التعبير بثم فى عثمان فقط: تراخى أمور الخلافة المشار إليها بالخاتم فى زمنه عنهما فى زمنيهما، وثم قد يؤتى بها للتراخى فى الرتبة، ولما كان زمن أبى بكر وعمر رضى الله عنهما فى الحقيقة كزمن واحد، لم يأت بينهما، بل بين زمنهما وزمنه صلى الله عليه وسلم، وبينه وبين عثمان، وبما قررته يعلم أن من تكلف وقال: واستعمال ثم مع إمكان الانتقال لما مهلة، لأن أجزاء الفعل الثانى تراخ عن آخر الفعل الأول، ويستعمل فيه الفاء باعتبار عدم التراخى أوله عن الأول، فقد غفل عما قررته فتأمل، ثم وقع فى أثناء خلافة عثمان من غلامه معيقيب. (بئر أريس) كجليس بالصرف وعدمه وهى قريبة من ¬

91 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى اللباس (5873)، ومسلم (2092)، وأبو داود فى الخاتم (4218)، والنسائى فى الزينة (8/ 178)، وفى الكبرى (9466)، والإمام أحمد فى المسند (2/ 22)، والبغوى فى شرح السنة (3134)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 366)، كلهم من طريق عبيد الله به نحوه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مسجد قباء، وكان سقوطه مبدأ الفتنة والاختلاف، وقد بالغ عثمان رضى الله عنه فى التفتيش عليه بنزح البئر ثلاثة أيام، فلم ير إشارة إلى أن انتظام أمر الخلافة كان منوطا بذلك الخاتم، ومن ثمة انحل الأمر بضياعه انحلالا بينا، ثم ظاهر السياق أنه وقع من يد عثمان، وصرح ما يأتى أنه وقع من يد معيقيب، ولا تنافى لاحتمال أنه لما دفعه إليه اشتغل بأخذه فسقط، فنسب سقوطه لكل منهما. تنبيه: لم يتعرض أصحابنا لضبط وزن الخاتم، وذهب جمع من المتأخرين إلى تحريم ما زاد على مثقال للحديث الحسن، بل صححه ابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم قال للابس الحديد: «ما لى أرى عليك حلية أهل النار» فطرحه، وقال: يا رسول الله: من أى شىء أتخذه؟ قال: «من ورق، ولا تتمه مثقالا» (¬1) وصوب ذلك الأذرعى فى قوته لكن رجح آخرون الجواز منهم: الحافظ العراقى فى شرح الترمذى إذ إنه حمل النهى المذكور على التنزيه، ثم قال: يكره إن بلغ به وزن مثقال، ثم ساق رواية أخرى «وأخذ بقضبتها» من أن بلوغه قيمة مثقال لنفاسة صنعته داخل فى خبر النهى أيضا، والذى يتجه من كلامهم فى غير ذلك، الضبط بالعرف أى عرف اللابس اللائق به بالنسبة لنظرائه فإذا اطرد عرفه بأن المثقال والزيادة اليسيرة عليه غير سرف لم يحرم وإلا حرم، ويحمل النهى على أن المثقال كان عرف أهل ذلك الزمان على أن النووى فى شرح مسلم ضعفه، ثم رأيت شيخنا شيخ الإسلام زكريا قال: المعتمد أن الحديث ضعيف، وممن ضعفه النووى فى شرح مسلم، فعلى هذا ينبغى ضبطه بما لا يعد إسرافا فى العرف كما اقتضاه كلامهم «ولا يستدل بالحديث الضعيف للأحكام» وصرح به الخوارزمى فى الحلال والحرام والبيع، ولا يعمل به فيها، نعم يستحب العمل به فى الفضائل والترغيب والترهيب انتهى، وهو موافق لما ذكرته، ونقل النووى فى شرح المهذّب عن صاحب الإبانة كراهة الخاتم المتخذ من حديد، أو نحاس للخبر المذكور وفى رواية: أنه رأى خاتما من صفر، فقال: «ما لى أجد منك رائحة الأصنام» (¬2) فطرحه، ثم جاء وعليه خاتم من حديد، فقال: «ما لى ¬

(¬1) رواه البخارى فى الأدب (1021)، والترمذى فى اللباس (1785)، وأبو داود فى الخاتم (4223)، والنسائى فى الزينة (8/ 172)، وأحمد فى مسنده (1/ 21)، (2/ 163،179، 211)، وابن حبان فى صحيحه (5488)، والطحاوى (4،261). (¬2) رواه أبو داود فى الخاتم (4223)، والترمذى فى اللباس (1785)، والنسائى فى الزينة (8/ 172)، وأحمد فى مسنده (1/ 21) (2/ 163،179،211)، وابن حبان فى صحيحه (5488)، والطحاوى (4/ 261).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أرى عليك حلية أهل النار» (¬1) وعن المتولى: أنه لا يكره واختاره فيه، وصححه فى شرح مسلم لخبر الصحيحين فى قصة الواهبة نفسها: «اطلب ولو خاتما من حديد» (¬2) ولو كان مكروها لم يأذن فيه، ولخبر أبى داود: «وكان خاتمه صلى الله عليه وسلم من حديد ملوى عليه فضة» (¬3) قال: والحديث فى النهى ضعيف انتهى. واعترض بتضعيفه بأن له شواهد عديدة إن لم ترقيه إلى درجة الصحة لم تدعه ينزل عن درجة الحسن، وأجيب: بأنه ضعيف بالنسبة إلى كل من ذنيك الحديثين، أى فقدما عليه، لأنهما أصح، وروى فى التختم بالعقيق أحاديث منها: «أنه ينفى الفقر، وأن من تختم به لم يزل يرى خيرا» وكلها غير ثابتة، ولم يصح فيها شىء عن النبى صلى الله عليه وسلم، وفى خبر ضعيف: «أن التختم بالياقوت الأصفر يمنع الطاعون». ... ¬

(¬1) تقدم تخريجه فى سابقه. (¬2) رواه البخارى فى النكاح (5087)، بلفظ: انظر (5121)، (5126)، (5132)، (5135)، (5141)، بلفظ: أعطها (5148)، (5149)، وفى فضائل القرآن (5029)، بلفظ: أعطها (5030) بلفظ: انظر، وفى اللباس (5871) بلفظ: التمس. (¬3) رواه أبو داود فى الخاتم (4224)، والترمذى فى اللباس (1785)، والنسائى فى الزينة (8/ 175)، وأحمد فى مسنده (1/ 21).

13 - باب: ما جاء فى تختم رسول الله صلى الله عليه وسلم

13 - باب: ما جاء فى تختم رسول الله صلى الله عليه وسلم 92 - حدثنا محمد بن سهل بن عسكر البغدادى، وعبد الله بن عبد الرحمن، قالا: أخبرنا يحيى بن حسان، حدثنا سليمان بن بلال، عن شريك بن عبد الله بن أبى نمر، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، عن على بن أبى طالب رضى الله عنه: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتمه فى يمينه». (حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب، عن سليمان بن بلال، عن شريك بن عبد الله بن أبى نمر، نحوه). ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتختم فى يمينه) لا ينافى فيه ما ذكر فيه فى تختمه فى يساره لما يأتى. 92 - (نمر) بفتح النون وكسر الميم (حنين) بضم أوله وفتح النون الأولى. (كان يلبس خاتمه فى يمينه) فلبسه فيها أفضل اقتداء به صلى الله عليه وسلم فى ذلك إذ هو الأكثر من أحواله صلى الله عليه وسلم، ولأن التختم فيه نوع تشريف وزينة، واليمين أولى بهما وأحق، وأما تختمه فى يساره، فلبيان الجواز، لكن انتصر بعضهم، لأفضلية التختم فى اليسار الذى هو مذهب مالك، ورواية عن أنس رضى الله عنه «كان خاتمه صلى الله عليه وسلم فى هذه» (¬1) وأشار لخنصر يسراه. وأبى داود رضى الله عنه عن أحمد برواية مسلم «كان صلى الله عليه وسلم يتختم فى يساره» (¬2) ويقول بعض الحفاظ: التختم بها مروى عن عامة الصحابة والتابعين، وبأن خبر المصنف الآتى عن جابر فيه ضعف. وخبر: «قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والخاتم فى يمينه» فيه متروك وخبر ¬

92 - صحيح: رواه أبو داود فى الخاتم (4226)، والنسائى فى الزينة (8/ 174)، وفى الكبرى (9526)، وابن حبان (5501)، وأبو الشيخ فى الأخلاق (ص 130)، ثلاثتهم من طريق ابن وهب به فذكره، ورواه أبو الشيخ (ص 130) من طريق يحيى بن حسان به فذكره. (¬1) رواه أبو داود فى الخاتم (4227)، والبغوى فى شرح السنة (12/ 69)، وابن كثير فى البداية (6/ 5)، وابن الجوزى فى العلل المتناهية (2/ 204)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 161). (¬2) تقدم تخريجه فى الذى قبله.

93 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، قال: رأيت ابن أبى رافع يتختم فى يمينه، فسألته عن ذلك، فقال: رأيت عبد الله بن جعفر يتختم فى يمينه، وقال عبد الله بن جعفر: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختّم فى يمينه». 94 - حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا إبراهيم بن ـــــــــــــــــــــــــــــ البزار: «وكان يتختم فى يمينه، والخاتم فى يمينه» (¬1) فيه كذاب، ويقول الحافظ ابن رجب: ورد فى حديث أن تختمه فى يساره هو آخر الأمرين من فعله، وبأن وكيعا قال: التختم فى اليمين ليس بسنة، ويجاب عن هذا كله: بأن حديث التختم فى اليمين؛ رواه أحمد، والنسائى، وابن ماجه والمصنف، وقال: قال محمد-يعنى البخارى-: هذا أصح شىء روى عن النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الباب، وإذا كان حديثه أصح، وكان هو المعروف الموافق من حاله، أنه كان يوقر اليمين بكل ما فيه تكريم وزينة، فلا محيد عن اعتماد أفضلية التختم فى اليمين، وعن أحمد: كراهة التختم فى السبابة والوسطى، وروى خبر فى النهى عنه، وفى خبر ضعيف «كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد حاجة، أوثق فى خاتمه خيطا» وروى أبو يعلى: «كان صلى الله عليه وسلم إذا أشفق من الحاجة أن ينساها ربط فى أصبعه خيطا» لكن قيل: إنه موضوع. ¬

93 - صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (1744)، ورواه بسنده ومتنه سواء. والنسائى فى الزينة (8/ 175)، وفى الكبرى (9527)، والإمام أحمد فى مسنده (2/ 204،205)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 130)، كلهم من طريق حماد به فذكره. قال المصنف: قال محمد بن إسماعيل (البخارى): هذا أصح شىء روى فى هذا الباب. 94 - إسناده ضعيف وهو صحيح بشواهده: فيه: إبراهيم بن الفضل أبو إسحاق المدنى، قال فيه الحافظ: «متروك» (التقريب 228). ورواه ابن ماجه فى اللباس (3647)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 129،130)، كلاهما من طريق ابن نمير به فذكره، ورواه أبو الشيخ (ص 130) من طريق يحيى بن العلاء عن عبد الله بن محمد بن عقيل به نحوه. قلت: فهو تابع أى: يحيى بن العلاء لإبراهيم بن الفضل، ولكنه ضعيف: قال فيه الحافظ: رمى بالوضع (التقريب 7618)، والحديث صحيح بشواهده المتقدمة. (¬1) رواه أبو داود فى الخاتم (4226)، والترمذى فى اللباس (1741،1742،1744)، وابن ماجه (3647)، وأحمد فى مسنده (1،204،205).

الفضل، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عبد الله بن جعفر: «أنّه صلى الله عليه وسلم كان يتختّم فى يمينه». 95 - حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى، حدثنا عبد الله بن ميمون، عن جعفر ابن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان يتختّم فى يمينه». ـــــــــــــــــــــــــــــ 96 - حدثنا محمد بن حميد الرازى، حدثنا جرير، عن محمد بن إسحاق، عن الصلت بن عبد الله، قال: كان ابن عباس يتختم فى يمينه، ولا إخاله إلا قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختّم فى يمينه». 96 - (الصّلت) بتشديد المهملة وسكون اللام. (إخاله) بكسر الهمزة فى الأشهر الأفصح وبفتحها فى لغة، وهو الأفصح متكلم بخال أى لا أظنه، وظاهر السياق أن قائل ذلك هو الصلت. (إلا قال) ومن أجل هذا سبق الأثر فى هذا الباب المعقود لتختمه فى يمينه. ¬

95 - إسناده ضعيف جدا: فيه: عبد الله بن ميمون بن داود القداح. قال فيه الحافظ: منكر الحديث، متروك (التقريب 3653). ورواه أبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 129)، بسند ضعيف جدا أيضا. 96 - إسناد حسن: محمد بن إسحاق صدوق يدلس، وقد صرح بالتحديث عند أبى داود فحسن حديثه. رواه الترمذى فى اللباس (1744)، بسنده ومتنه سواء. ورواه أبو داود فى اللباس (4229)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 129،130)، كلاهما من طريق جرير به فذكره قال المصنف: قال محمد بن إسماعيل (البخارى): حديث محمد بن إسحاق، عن الصلت بن عبد الله بن نوفل، حديث حسن صحيح. قلت: محمد بن إسحاق: صدوق يدلس، وقد صرح بالتحديث عند أبى داود، فحديثه حسن إذن.

97 - حدثنا ابن أبى عمر، حدثنا سفيان، عن أيوب بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم اتّخذ خاتما من فضّة، وجعل فصّه ممّا يلى كفّه، ونقش فيه: محمّد رسول الله. ونهى أن ينقش أحد عليه. وهو الّذى سقط من معيقيب فى بئر أريس». ـــــــــــــــــــــــــــــ 97 - (وجعل فصه مما يلى الكف) فجعله كذلك، والأفضل اقتداء به صلى الله عليه وسلم، ولأنه أبعد عن الزهو والعجب والإعجاب، وقلة عمل السلف بالوجهين هنا وفيما مر (ونهى أن ينقش أحد عليه) أى مثل نقشه، وهو محمد رسول الله، وإن اختلف الوضع، وقيل: بل مع اتخاذه بأن تكون ثلاثة أسطر بالصفة السابقة، ويؤيده: أن سبب النهى أنه كان يختم به للمملوك، فلو نقش غيره مثله؛ زالت الثقة به، وحصل الفساد والخلل، وما روى أن معاذا «اتخذ خاتما، ونقش عليه محمد رسول الله، وأقره عليه» (¬1) يحمل إن صح على أنه قبل النهى أو هو خصوصية لمعاذ. (معيقيب) بضم الميم وفتح المهملة فتحتية فموحدة، هو مولى سعيد بن أبى العاص، وقيل: حليف لآل سعيد بن أبى العاص، أسلم قديما وشاهد بدرا، وهاجر للحبشة الهجرة الثانية حتى قدم المدينة، وكان يلى خاتمه صلى الله عليه وسلم، وولاه أبو بكر وعثمان بيت المال. ¬

97 - إسناده صحيح: رواه البغوى فى شرح السنة (3133) من طريق المصنف به فذكره، ورواه مسلم فى اللباس (2091)، وأبو داود فى الخاتم (4219)، والنسائى فى الزينة (8/ 178)، وفى الكبرى (9530)، وابن ماجه فى اللباس (3639،3645)، والبخارى فى خلق أفعال العباد (390)، كلهم من طريق سفيان به نحوه. (¬1) رواه البخارى فى اللباس (5866،5872،5873،5874،5875،5877)، ومسلم فى اللباس (2092)، وابن ماجه فى اللباس (3639،3641)، وأحمد فى مسنده (2/ 94، 141).

98 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: «كان الحسن والحسين يتختّمان فى يسارهما». 99 - حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا محمد بن عيسى، هو ابن الطباع، حدثنا عباد بن العوام، عن سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك: «أنّه صلى الله عليه وسلم كان يتختّم فى يمينه». 100 - حدثنا محمد بن عبيد الله المحاربى، حدثنا عبد العزيز بن أبى حازم، ـــــــــــــــــــــــــــــ 98 - (يتختمان فى يسارهما) أى اتباعا له صلى الله عليه وسلم فإنه فعله فى كثير من الأحيان، وقصد المصنف سياق هذا الأثر فى هذا الباب مع أنه ضد الترجمة بيان أنه لا يحتج به على الأفضلية فى اليسار للأحاديث المعارضة له، وإن صحت أحاديث موافقته، لأن تلك أكثر وأشهر إن صح أيضا من هذا الوجه، وإلا فقد صحّ من طريق أخرى. 100 - (المحاربى) بضم أوله نسبة لبنى محارب قبيلة من العرب. (فكان يلبسه فى ¬

98 - إسناده ضعيف، وهو صحيح: قلت: محمد بن على بن الحسين لم يسمع من جدّه، ففيه انقطاع، ورجاله ثقات. رواه الترمذى فى اللباس (1743) بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 133)، من طريق جعفر بن محمد به فذكره، إلا أنه ذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وعلى، قال أبو عيسى: حسن صحيح. قلت: وللحديث شاهد عند أبى داود (4228)، من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما «كان يلبس خاتمه فى يده اليسرى» وكذلك عند مسلم (2095)، عن أنس قال: كان خاتم النبى فى هذه، وأشار إلى خنصره من يده اليسرى. 99 - إسناده: صحيح: رواه النسائى فى الزينة (8/ 173)، وكذلك فى السنن الكبرى (9519)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 130،131)، كلاهما من طريق محمد بن عيسى الطباع به فذكره. 100 - إسناده صحيح: رواه المصنف فى اللباس (1741)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى اللباس (5865)، وكذلك مسلم (2057)، وأبو داود فى الخاتم (4218)، ثلاثتهم من طريق موسى بن عقبة به فذكره.

عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: «اتّخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب فكان يلبسه فى يمينه، فاتّخذ النّاس خواتيم من ذهب، فطرحه صلى الله عليه وسلم وقال: لا ألبسه أبدا. فطرح النّاس خواتمهم». ـــــــــــــــــــــــــــــ يمينه) أى قبل تحريم الذهب على الرجال، ومناسبة لترجمة ظاهرة لأنه (¬1) إذ ذاك كان جائزا، وح فقد آثر به اليمين فكان موافقا لأحاديث التختم فى اليمين (فطرحه. . .) إلخ هذا هو الناسخ لحله مع قوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح: «وقد أخذ ذهبا وحريرا فى يده وقال: هذا حرام على ذكور أمتى حل لإناثها» (¬2) ووقع بعض من لا إلمام له بالفقه هنا تخليط فاجتنبه، كيف والأئمة الأربعة: الشافعى ومالك وأبو حنيفة وأحمد على تحريمه للنهى عنه فى الصحيحين وغيرهما، ورخصت فيه طائفة واستدلوا بأن خمسة من الصحابة ماتوا وخواتيمهم من ذهب، ويرد: بأن ذلك إن صح عنهم بيقين حمله على أنه لم يبلغهم النهى، وإلا فالذى فى الصحيحين التصريح بالنهى كما مر، وبما يعلم منه نسخ حله. ... ¬

(¬1) الزيادة من (ش). (¬2) رواه الترمذى فى اللباس (1720)، والنسائى فى الزينة (8/ 160،161)، وابن ماجه فى اللباس (3595،3597).

14 - باب: ما جاء فى صفة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم

14 - باب: ما جاء فى صفة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم 101 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبى، عن قتادة، عن أنس، قال: «كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى صفة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم) وصفته تشمل صفة ذاته وصفة أحواله خلافا لمن خصها بالأول، وبدأ فى آلات الحرب بالسيف، لأنه أنفعها وأيسرها وأغلبها لبسا ومصاحبة. 101 - (قبيعة سيف رسول الله) هى بقاف فموحدة فتحتية فمهملة كسفينة ما على طرف مقبضه. (من فضة) فيه: حل تحلية آلة الحرب بها للرجال، أما الذهب فيحرم كهو بهما للنساء، ووقع لمن لا فقه عنده فى التضبيب والتمويه بالذهب، ما لا يرقى فاحذره، والحاصل: أن الذهب لا يحل للرجال مطلقا لا استعمالا، ولا اتخاذا، ولا تضبيبا، ولا تمويها لا لآلة الحرب ولا لغيرها، وكذا الفضة إلا فى التضبيب، والخاتم والتمويه [وتحلية آلة] (¬1) الحرب، وما وقع فى بعض العبارات من حل المموه تارة وحرمته أخرى، محمول على تفصيل علم من مجموع كلامهم، وهو أنه حصل شىء بالعرض على النار من ذلك المموه حرمت استدامته. كابتدائه، وإن لم يحصل منه شىء حرم الابتداء فقط، أما نفس التمويه الذى هو الفعل، والإعانة عليه، والتسبب فيه؛ فحرام مطلقا، ويأتى هذا التفصيل فى تمويه الرجل الخاتم وآلة الحرب بالذهب، فتفطن لذلك لتأمن من الغبار الواقع فيه بعض الشراح، فمن لم يتقن المسائل الفقهية التى هى أحق بالاتقان من سفاسف الحكمة ومقدمات البرهان. ¬

101 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الجهاد (1691)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود (2583)، والنسائى فى الزينة (8/ 219)، وفى الكبرى (9814)، والدارمى فى السير (2/ 221)، والبغوى فى شرح السنة (2655،2256)، والطحاوى فى مشكل الآثار (1400)، والبيهقى فى السنن الكبرى (4/ 143)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 151)، كلهم من طريق جرير بن حازم به فذكره. (¬1) الزيادة ليست فى (ش).

102 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنى أبى، عن قتادة، عن سعيد بن أبى الحسن البصرى، قال: «كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة». 103 - حدثنا أبو جعفر محمد بن صدران البصرى، حدثنا طالب بن حجير، عن هود-وهو ابن عبد الله بن سعيد-عن جده، قال: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكّة يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضّة، قال طالب: فسألته عن الفضّة. فقال: كانت قبيعة السيّف فضّة». ـــــــــــــــــــــــــــــ 103 - (ذهب وفضة) لا يعارض ما تقرر من حرمته بالذهب لأن الحديث ضعيف، ولا يصح الجواب بأن هذا قبل النهى عن تحريم الذهب؛ لأن تحريمه كان قبل الفتح على ما نقل. ¬

102 - صحيح، مرسل: رواه أبو داود فى الجهاد (2584)، والدارمى فى السير (2/ 221)، والبيهقى فى الكبرى (4/ 143)، والطحاوى فى المشكل (1401)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 140)، كلهم من طريق هشام عن قتادة به فذكره، وأشار إليه المصنف فى الجهاد (4/ 174)، وقال الدارمى: وزعم الناس أنه هو المحفوظ اه‍. قلت: ورواه النسائى فى الزينة (8/ 219)، بسنده عن أبى أمامة سهل بن سعد وهو مرسل صحابى. 103 - إسناده ضعيف: فيه: هود بن عبد الله العبدى العصرى قال فيه ابن القطان: مجهول، وقال الذهبى: «لا يكاد يعرف، تفرد عنه طالب بن حجير، وقال الحافظ: مقبول، قلت: أى عند المتابعة ولم أجد له متابع هنا، فحديثه منكر لتفرده به، وانظر الميزان (4/ 9255)، والتهذيب (11/ 74)، والتقريب (7326)، والحديث رواه الترمذى فى الجهاد. (1690)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 150)، من طريق طالب بن حجير به فذكره، وقال أبو عيسى: حسن غريب، وقال الذهبى فى الميزان: قال ابن القطان: وهو عندى ضعيف لا حسن. وهذا منكر، فما علمنا فى حلية سيفه صلى الله عليه وسلم ذهبا. قلت: فالحديث منكر سندا ومتنا. فهو ضعيف.

104 - حدثنا محمد بن شجاع البغدادى، حدثنا أبو عبيدة الحداد، عن عثمان ابن سعد، عن ابن سيرين قال: صنعت سيفى على سيف سمرة بن جندب: «وزعم سمرة أنّه صنع سيفه على سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان حنيفيّا». ـــــــــــــــــــــــــــــ 104 - (وزعم) أى قال. (حنيفيا) أى على هيئة سيوف بنى حنيفة قبيلة مسلمة، لأن صانعه منهم، أو ممن يعمل كعملهم وجعل ضمير كان للصانع المقدر، وإن لم يتقدم له ذكر خلاف الظاهر فلا عبرة به، وجاء «أنه صلى الله عليه وسلم كان عنده ثمانية سيوف كل له اسم خاص». ... ¬

104 - إسناده ضعيف: فيه: عثمان بن سعد الكاتب التيمىّ: قال أبو زرعة: لين، وقال النسائى: ليس بثقة، وقال ابن معين: ليس بذاك. وقال الحافظ: ضعيف. وانظر: تهذيب الكمال (19/ 376،377)، والتقريب (4471) ورواه الترمذى فى الجهاد (1683)، بسنده ومتنه سواء، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد تكلم يحيى بن سعيد القطان فى عثمان بن سعد الكاتب، وضعفه من قبل حفظه.

15 - باب: ما جاء فى صفة درع رسول الله صلى الله عليه وسلم

15 - باب: ما جاء فى صفة درع رسول الله صلى الله عليه وسلم 105 - حدثنا أبو سعيد: عبد الله بن سعيد الأشج، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده عبد الله بن الزبير، عن الزبير بن العوام، قال: «كان على النّبىّ صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعان، فنهض إلى الصّخرة فلم يستطع فأقعد طلحة تحته، وصعد النّبىّ صلى الله عليه وسلم حتّى استوى على الصّخرة، قال: سمعت النّبى صلى الله عليه وسلم يقول: أوجب طلحة». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى صفة درع رسول الله صلى الله عليه وسلم) قيل: المراد صفة لبس درعه، بحذف المضاف ليوافق حديثى الباب، وهو غفلة عما يأتى فيهما على أنه ليس أولهما صفة اللبس مطلقا، والدرع مؤنثة. وقد تذكر، فتصغر على دريع. 105 - (نهض) أى قام واستوى. (الصخرة) أى متوجها إليها ليرى، ويعلم جيوشه، فيأتون إليه، ويجتمعون عنده، ويزول عنهم ما يقول به لمخالفة بعضهم-وهو أكثر الرماة-أمره صلى الله عليه وسلم (فلم يستطع) أى الاستواء على الصخرة لثقل درعه الدال على نفاسته وقوته ومزيد صنعه لما يصل لصاحبه، وهذا هو غاية المطلوب من الدرع، وبه ¬

105 - إسناده حسن: فيه محمد بن إسحاق: صدوق يدلس، وقد صرّح بالتحديث عند الإمام أحمد والحاكم وابن حبان وغيرهم. ورواه الترمذى فى الجهاد (1692)، وفى المناقب (3738)، بسنده ومتنه سواء، ورواه الإمام أحمد فى مسنده (1/ 165)، وفى فضائل الصحابة (1290)، وابن أبى شيبة فى المصنف (12/ 91)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 217)، وابن أبى عاصم فى السنة (ص 612)، وأبو يعلى فى مسنده (670)، والبغوى فى شرح السنة (3915)، والحاكم فى المستدرك (3/ 25، 373،374)، وابن حبان (6980 إحسان)، والبيهقى فى السنن (6/ 370)، (9/ 46)، جميعهم من طرق عن محمد بن إسحاق قال: حدثنى يحيى بن عباد به فذكره، نحوه مختصرا وتاما وبألفاظ متقاربة.

106 - حدثنا ابن أبى عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد. «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عليه يوم أحد درعان قد ظاهر بينهما». ـــــــــــــــــــــــــــــ علمت صفة درعه، ويحتمل أن عدم استطاعته لما حصل له من شج رأسه وجبينه الشريفين، واستفراغ دمه الكثير منها، ولا مانع من أن هذه المشقة والضعف الحاصل منهما أوجب ذلك على ثقلها ليس من الخرم ليس ثقب، إلا يمكن التردد معه يوم المقاتلة (أوجب طلحة) أى لنفسه الجنة بإعانته بذلك وبجعله نفسه وقاية له صلى الله عليه وسلم، حتى أصيب ببضع وثمانين طعنة. 106 - (ظاهر) أى جمع. (بينهما) فلبس أحدهما فوق الآخر حتى صارت كالظهارة لها اهتماما بشأن الحرب وتعليما للأمة، وأشار إلى أن الحزم والتوقى من الأعداء والمؤذيات، لا ينافى التوكل والرضى والتسليم، واحترز بظاهرهما يتوهم عند حذفه من صدقه بلبس واحد إلى وسطه وآخر من وسطه إلى رجليه كالسراويل. ... ¬

106 - صحيح: رواه أبو داود فى الجهاد (2590)، عن السائب بن يزيد عن رجل قد سمّاه، ورواه ابن ماجه فى الجهاد (2806)، والإمام أحمد فى المسند (3/ 449)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 152)، ثلاثتهم من طريق السائب به فذكره. قلت: والسائب بن يزيد من صغار الصحابة سنا، ومرسل الصحابى محتج به، ولذلك أشار ابن ماجه بقوله: عن السائب بن يزيد إن شاء الله تعالى. وإن لم يشهد السائب أحدا. والله أعلم.

16 - باب: ما جاء فى صفة مغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم

16 - باب: ما جاء فى صفة مغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم 107 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن أنس ابن مالك: «أن النّبى صلى الله عليه وسلم دخل مكّة وعليه مغفر، فقيل له: هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة. فقال: اقتلوه». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى صفة مغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم) 107 - (وعليه مغفر) بكسر الميم وسكون المعجمة وبالفاء زرد ينسج من الدرع على قدر الرأس، وفى المحكم: هو ما يجعل من فضل درع الحديد على الرأس كالقلنسوة، قيل: ويعارضه خبر مسلم: «لا يحل لأحدكم أن يحمل السلاح بمكة» (¬1)، ويرد: بأن مكة أبيحت له ساعة من نهار، ولا تحل لأحد بعده، ولا لأحد قبله، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم، فلذا دخل متأهبا لقتال، وأما الخبر فمحمول على حمله فيها لقتال من غير ضرورة إليه، أما مجرد حمله فيها فمكروه. (خطل) بمعجمة فمهملة مفتوحتين (اقتلوه) إنما أمر بقتله، لأنه ارتد عن الإسلام وقتل مسلما كان يخدمه، لما أرسله النبى صلى الله عليه وسلم على الصدقة وكان يهجو النبى صلى الله عليه وسلم ويسبه واتخذ قينتين تغنيان بهجاء النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتوجه الأمر إليهم إما على فرض الكفاية، فسقط عنهم بقتل واحد منهم له، أو فرض العين فيلزم كلا المبادرة إلى قتله، ومن ثمة استبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر، فسبق سعيد، وكان أشبّ الرجلين فقتله، هذه رواية البزّار، والحاكم، والبيهقى، لكن صحّ عند ابن أبى شيبة أنّ قاتله وهو معلق بأستارها أبو برزة الأسلمى، وفيه إرسال، وهو ¬

107 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الجهاد (1693)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الصيد (1846)، وفى الجهاد (3044)، ومسلم فى الحج (450)، وأبو داود فى الجهاد، (2685)، والنسائى فى المناسك (5/ 201)، وفى الكبرى (8584)، وابن ماجه فى الجهاد (2805)، والدارمى فى المناسك (2/ 73)، والإمام أحمد فى المسند (3/ 109،164،224،231،232،240)، والإمام مالك فى الموطأ فى الحج (1/ 337)، وعنه محمد بن الحسن فى موطئه (523). (¬1) رواه مسلم (1356)، والبغوى فى شرح السنة (2005)، وابن حبان فى صحيحه، (3714)، والبيهقى فى السنن (5/ 155).

108 - حدثنا عيسى بن أحمد، حدثنا عبد الله بن وهب، حدثنى مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكّة عام الفتح وعلى رأسه المغفر، قال: فلمّا نزعه ـــــــــــــــــــــــــــــ مع ذلك أصح ما ورد فى تعيين قاتله، وجمع بأنهم ابتدروا قتله، فكان المباشر له أبو برزة، وشاركه فيه سعيد كما جزم به ابن هشام، واختلاف الروايات فى اسمه، محمول على أنه كان اسمه عبد العزى، فلما أسلم سمى عبد الله ومن سماه هلالا التبس عليه باسم أخ له، وليس فى الحديث حجة لتحتم قتل سابه صلى الله عليه وسلم الذى قال به مالك وجماعة من أصحابنا بل نقل بعضهم فيه الإجماع. إلا لو ثبت أنه تلفظ بالإسلام، فقتل بعد ذلك، وأما إذا لم يثبت ذلك، فلا حجة فيه، على أنه لو ثبت لم يكن فيه حجة أيضا، لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم قتله قصاصا بذلك المسلم الذى قتله، فهى واقعة بحال فعلية محتملة، ويؤيد ما قلته: أن ابن أبى سرح، وكان ممن نصّ صلى الله عليه وسلم على قتله لمشابهته لابن خطل فيما مرّ عنه لما أسلم قبل منه صلى الله عليه وسلم الإسلام، ولم يقتله وفيه حجة على إقامة الحد، والقصاص فى المسجد حيث لا ينجسه، ومنعه أبو حنيفة رضى الله عنه متأولا أن قتل هذا كان فى الساعة التى أحلت فيها مكة للنبى صلى الله عليه وسلم، ويجاب: بأن حلها له غاية تجويز القتل، وأما خصوص كونه بالمسجد مع سهولة إخراجه منه، ثم قتله، فذلك لا تقتضيه، إذ غاية مسجدها عند الحلال أنه كبقية المساجد بغيرها، وقد أقيم بذلك، فقياس جواز ذلك فى غيرها من المساجد، ثم رأيت بعض أصحابنا أجاب بأنها إنما أبيحت ساعة الدخول، حتى استولى عليها وأذعن أهلها، وأما قتل ابن خطل، فكان بعد ذلك، وهو ظاهر إن ثبت تأخر قتل ابن خطل عن تلك الساعة، على أن بعضهم حددها من الفجر إلى العصر، وقتله كان قبل ذلك، كما يدل عليه سياق الخبر الآتى الموافق لخبر البخارى وغيره أعنى قوله: «فلما فرغ نزع» آه إذا نزعه كان عقب دخوله عند نزعه أذن فى قتله، والظاهر أنهم بادروا إليه، وبما قررته أولا يستغنى عن قول بعضهم: إنما لم يدخل فى الأمان فيمن دخل المسجد فهو آمن؛ لأنه استثناه، كقتيبة وابن أبى سرح، أو لأنه قاتل فلم يف بالشرط. 108 - (وعلى رأسه المغفر) للعارضة عنه أنه كان على رأسه عمامة سوداء، لأن من اقتصر على المغفر بين أنه دخل متأهبا للقتال، ومن اقتصر على العمامة بين أنه غير ¬

108 - صحيح كالذى قبله.

جاءه رجل فقال له: إنّ ابن خطل متعلق بأستار الكعبة. فقال: اقتلوه. قال ابن شهاب: وبلغنى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يومئذ محرما». ـــــــــــــــــــــــــــــ محرم، وجمع أيضا بأنه عقب دخوله نزع المغفر، ثم لبس العمامة السوداء يخطب بها لرواية «خطب الناس وعليه عمامة سوداء» (¬1)، والخطبة كانت عند باب الكعبة بعد تمام الفتح، والضم: الجمع ظاهر رواية المصنف: «دخل مكة وعلى رأسه عمامة سوداء» (¬2) فالصواب: هو الجمع الأول وقول الولى العراقى: أن (¬3) هذا أولى وأظهر بالجمع من الأول عجيب، وكان حكمة إيثاره الأسود فى العمامة واللواء على الأبيض هنا مع مدحه له، وكون أهل الجنة يدخلونها، وهم جرد مرد بيض مكحولون أبناء ثلاثا وثلاثين، مما ورد فى فضل البياض، وبالإشارة إلى السؤدد الذى أعطيه صلى الله عليه وسلم، وتميز به على سائر الأنبياء فى ذلك اليوم، وهو أن الله أحل له مكة ساعة من نهار، ولم يحلها لأحد قبله، وإلى سؤدد مكة على سائر البلاد، وإلى سؤدد أمته وعزتهم بذلك الفتح العظيم، وإلى سؤدد الإسلام وظهوره ظهورا لم يكن قبل الفتح، كما بينته سورة النصر، ثم رأيت بعضهم ذكر أن سبب اختياره أن ما يصل إليه من دهن رأسه الشريفة [لا يؤثر فيه بخلاف الأبيض وبعضا آخر ذكر أن حكم ذلك الإشارة] (¬4) إلى ثبوت هذا الدين، وعدم تبدله إذ السواد أبعد عن ظهور الدنّس والتبدل من سائر الألوان (فلما نزعه) فاعل قال: هو ابن شهاب، كما هو ظاهر السياق، لا الترمذى حتى يحكم على الحديث أنه معلق. (لم يكن يومئذ محرما) هو كذلك ففى مسلم، عن جابر «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وعليه عمامة بغير إحرام» (¬5) ودخول مكة فى حق غير الطائف المتأهب للقتال بغير إحرام جائز على الأصح، وإن لم يتكرر دخوله، وقيل: الإحرام واجب، إن لم تتكرر حاجته، ونقل عن أكثر العلماء. ¬

(¬1) رواه مسلم فى الحج (1358)، والبغوى فى شرح السنة (3088)، وأبو داود (4076). (¬2) رواه مسلم فى الحج (1359)، والبغوى فى شرح السنة (3089). (¬3) الزيادة من (ش). (¬4) الزيادة من (ش). (¬5) رواه مسلم فى الحج (1758)، وأبو داود فى اللباس (4076)، والترمذى فى اللباس (1735)، وفى الشمائل (107)، والنسائى فى الكبرى كما فى التحفة (2/ 294)، وفى مناسك الحج (5/ 201)، وفى الزينة (8/ 211)، وابن ماجه فى الجهاد (2822)، والدارمى (2/ 74)، وأحمد فى مسنده (3/ 363،387)، والبغوى (2007)، وابن حبان فى صحيحه (3722، 5425)، والبيهقى فى السنن (5/ 177)، وابن أبى شيبة (8/ 422)، (14/ 493).

17 - باب: ما جاء فى عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

17 - باب: ما جاء فى عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم 109 - حدثنا محمد بن بشار، وعبد الرحمن بن مهدى، عن حماد بن سلمة. (ح) وحدثنا محمود بن غيلان، حدثنا وكيع، عن حماد بن سلمة، عن أبى الزبير، عن جابر: «دخل النّبىّ صلى الله عليه وسلم مكّة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى عمامته) 109 - (عمامة) بالكسر قال فى القاموس: وهى المغفر والرمضة، وما يكن على الرأس انتهى، وعليه فقد يستشكل ذكر المؤلف لها بعد ذكر المغفر المقتضى أنه ليس من أفرادها، وجوابه: أنه من باب ذكر الأعم بعد الأخص وبهذا يتبين ما قيل، لقد أحسن المؤلف فى باب جمع العمامة مع باب المغفر، لأنه كجمع المفسر مع المفسر، لأن الحديث الأول من الباب بين أن مغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العمامة انتهى، وأنت من وراء التأمل تقضى بركاكة هذا التقرير، لأنه ليس هذا مفسر ولا مفسّر وإنما الذى هنا أعم وأخص، كما تقرر، وكون المغفر مع العمامة، لا يؤيد ذلك التفسير الذى زعم بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. اعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان له عمامة تسمى السحاب، فكان يلبس تحتها القلانس جمع قلنسوة، وهى غشاء مبطن يستر به الرأس قاله الفراء، وقال غيره: هى التى تسميها العامة: الشاشية، وروى الطبرانى وأبو الشيخ، والبيهقى فى الشعب من حديث ابن عمر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس قلنسوة بيضاء مضربة، وقلنسوة ذات أذان يلبسها ¬

109 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (1735)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الحج (1358)، وأبو داود فى اللباس (4076)، والنسائى فى المناسك (5/ 201)، وكذا فى الزينة (8/ 211)، وفى الكبرى (3852،9756،9757)، ورواه ابن ماجه فى الجهاد (2822)، وفى اللباس (3585)، والدارمى فى المناسك (2/ 74)، والإمام أحمد فى مسنده (3/ 363،387)، وأبو بكر بن أبى شيبة فى المصنف (8/ 237)، والبيهقى فى الدلائل (5/ 67)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 122)، وأبو نعيم الأصبهانى فى المسند المستخرج على مسلم (3159)، جميعهم من طريق حماد بن سلمة به فذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى السفر، وربما وضعها بين يديه إذا خلى» (¬1)، وإسناده ضعيف، ولأبى داود والمصنف «فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس» (¬2) قال المصنف: غريب وليس إسناده بالقائم (سوداء) قيل: لم يكن سوادها أصليا، بل لحكايتها ما تحتها من المغفر وهو أسود وهذا كلف لا دليل عليه ولا معنى يعضده بل ما فى مسلم: «رأيت النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر، وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه، وهو يخطب فى مكة على منبر أعلى باب الكعبة» (¬3)، ومن ثمة أخذ بعضهم من ذلك أن الأفضل الخطبة على باب الكعبة، وفيه نظر ليس هذا محل بسطه وبما ذكرته من خبر مسلم يندفع قول بعضهم فى الخبر الآتى الذى أطلق فيه: «أنه رآه، وعليه عمامة سوداء» هذا خاص بفتح مكة وروى ابن أبى شيبة: «أنه دخل مكة يوم الفتح، وعليه شقة سوداء، وأن عمامته كانت سوداء» (¬4)، وابن سعد: «إذا رايته سوداء تسمى العقاب». وقد لبس السواد جماعة: كعلى يوم قتل عثمان رضى الله عنه وغيره، وكان الحسن يخطب بثياب سود وعمامة سوداء، وابن الزبير كان يخطب بعمة (¬5) سوداء، ومعاوية، فإنه لبس عمامة سوداء وجبة سوداء وعصابة سوداء، وأنس، وعبد الله بن جبير، وعمار رضى الله عنهم كان يخطب كل جمعة بالكوفة، وهو أميرها، وعليه عمامة سوداء، وابن المسيب كان يلبسها فى العيدين، وابن عباس كان يعتم بها، وورد بسند واه. «هبط علىّ جبريل، وعليه قبالا سود، وعمامة سوداء، فقلت: «ما هذه الصورة التى لم أرك هبطت علىّ بها قط؟» (¬6) ¬

(¬1) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 121)، وقال: رواه الطبرانى وفيه عبد الله بن خراش وثقه ابن حبان وقال: ربما أخطأ، والهندى فى كنز العمال (18284)، وعزاه للطبرانى فى الكبير عن ابن عمر (18285)، وعزاه لابن عساكر عن عائشة (7/ 121)، وابن حجر فى المطالب العالية (2197)، (2/ 272). (¬2) رواه أبو داود فى اللباس (4078)، والترمذى (1784)، والبخارى فى التاريخ (1/ 82)، والطبرانى فى الكبير (5/ 68)، والحاكم فى المستدرك (3/ 452). (¬3) رواه مسلم فى الحج (1359)، ونقص منه بقية الحديث، وأبو داود فى اللباس (4077)، والترمذى فى اللباس (1736)، والنسائى فى الزينة (8/ 211)، وابن ماجه فى الإقامة (1104)، ونقص منه بقية الحديث وفى الجهاد (2821)، وفى اللباس (3587). (¬4) تقدم روايته فى الذى سبقه. (¬5) فى (ش): [بعمامة]. (¬6) رواه البغدادى فى تاريخ بغداد (10/ 27)، وابن الجوزى فى الموضوعات (2/ 33).

110 - حدثنا ابن أبى عمر، حدثنا سفيان، عن مساور الوراق، عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه، قال: «رأيت على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء». 111 - حدثنا محمود بن غيلان، ويوسف بن عيسى، قالا: حدثنا وكيع، عن مساور الوراق، عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم خطب النّاس وعليه عمامة سوداء». ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال: صورة الملوك من ولد العباس عمك، قلت: «وهم على حق؟» قال: جبريل نعم، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر للعباس وولده، حيث كانوا، أو أين كانوا» (¬1) قال جبريل: ليأتين على أمتك زمان يعز الله الإسلام بهذا السواد فقلت: «رياستهم ممن؟» قال: من ولد العباس، قلت: «ومن أتباعهم؟» قال: من أهل خراسان، قلت: «وأى شىء يملكون؟» قال: الأخضر والأصفر، والمدر والحجر، والسرير والمنبر والدنيا إلى المحشر، والملك إلى المنشر، والخلفاء العباسيون باقون على لبس السواد، وكثير من الخطباء على المنبر، معتمدهم ما مر من دخوله مكة بعمامة سوداء أرخى طرفيها بين كتفيه وخطب بها، فتفاءل الخطباء بذلك، لأنه نصر وعز، وسأل الرشيد الأوزاعى عنه، فأجابه: بأنه يكره لأنه لا يخلى فيه عروس، ولا يلبى فيه محرم، ولا يكفن فيه ميت، وفى شرح الزيلعى من الحنفية: يسن لبسه لحديث فيه. ¬

110 - صحيح: رواه ابن ماجه فى الجهاد (2821)، وفى اللباس (3587)، من طريق سفيان به فذكره، وسيأتى فى الذى بعده. 111 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى الحج (1359)، وأبو داود (4077)، والنسائى فى الزينة (8/ 211)، وفى الكبرى (9759)، وابن ماجه فى الإمامة (1104)، وفى اللباس (3584)، وأحمد فى المسند (4/ 307)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 122)، وأبو نعيم فى المسند على مسلم (1360)، جميعهم من طريق مساور به فذكره بنحوه. (¬1) رواه الترمذى (3762)، وذكره الهندى فى كنز العمال (33443)، وعزاه للترمذى وقال: حسن غريب وللعباس وابنه.

112 - حدثنا هارون بن إسحاق الهمدانى، حدثنا يحيى بن محمد المدنى، عن عبد العزيز بن محمد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: «كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم إذا اعتمّ سدل عمامته بين كتفيه». قال نافع: وكان ابن عمر يفعل ذلك. قال عبيد الله: ورأيت القاسم بن محمد وسالما يفعلان ذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــ 112 - (المدينى) نسبة إلى مدينة السلام على الأصح. (سدل عمامته) أى: أرخى طرفها (¬1)، وفى رواية عند أبى محمد بن حبان عن ابن عمر أيضا أنه قيل: له كيف كان يعتم رسول الله فقال: «يدير كور العمامة على رأسه، ويغرزها من ورائه، ويرخى لها ذؤابة بين كتفيه» رواه مسلم (¬2)، وروى ابن أبى شيبة عن على «أنه صلى الله عليه وسلم عمه بعمامة وسدل طرفها على منكبه»، وأبو داود: «أنه عمّ ابن عوف وسدلها بين يديه ومن خلفه» (¬3) ولا تنافى، لأن السدل يحصل بكل، لكن الأفضل أن يكون بين الكتفين، لأنه صح من فعله بنفسه، ويحتمل أن السدل من وراء وأمام إنما يسنّ لمن أراد إرخاء طرفيها، وأما من اقتصر على طرف، فالأفضل له بين الكتفين، ثم المنكب، قال بعضهم فى رواية مسلم: «أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة بعمامة سوداء» (¬4) من غير ذكر سدل فيها، وهو يدل على أنه لم يكن يسدل دائما، قال ابن القيم عن شيخه ابن تيمية: أنه ذكر شيئا بديعا، وهو أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى ربّه واضعا يده بين كتفيه أكرم ذلك الموضع بالعذبة، قال العراقى: لم نجد لذلك أصلا، أقول: فى هذا من قبيح رأيهما وضلالهما، إذ هو مبنى ¬

112 - إسناده ضعيف: فيه يحيى بن محمد المدنى؛ قال فيه الحافظ: صدوق يخطئ (التقريب 7338). ورواه الترمذى فى «اللباس» (1736) بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 123)، وابن حبان فى «صحيحه» (6397)، والبغوى فى «شرح السنة» (3109) من طريق المصنف به فذكره. (¬1) ذكره الصالحى فى سبل الهدى والرشاد (7/ 429)، وعزاه للخطابى، وابن عساكر عن ابن عباس رضى الله عنهما. (¬2) رواه مسلم (1358). (¬3) رواه أبو داود (4079) من حديث عبد الرحمن بن عوف. وقال الصالحى (7/ 439): وورد من عدة طرق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عمم عبد الرحمن بن عوف أرسل العذبة من خلفه. (¬4) رواه مسلم (1358).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على ما ذهبا إليه، وأطالا فى الاستدلال له، والحطّ على أهل السنة فى نفيهم له، وهو إثبات الجهة والجسمية له، تعالى عما يقول الظالمون، والجاحدون علوا كبيرا، ولهما فى هذا المقام من القبائح، وسوء الاعتقاد، ما تصم عنه الآذان، فيقضى عليه بالزور، والكذب، والضلال، والبهتان قبحهما الله، وقبح من قال بقولهما، والإمام أحمد وأجلاء مذهبه مبرءون عن هذه الوصمة القبيحة، كيف وهو كفر (¬1) عند كثيرين. قال ¬

(¬1) قلت: ما ذكره العلامة المحقق الإمام الحافظ الأصولى الفقيه النحوى، صاحب الذهن الوقاد والقلم السيّال، والتآليف الكثيرة الماتعة، شمس الدين ابن قيم الجوزية فى كتابه البديع الممتاز «زاد المعاد» (1/ 136) عن شيخه الإمام العالم العلامة الهمام شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية قدس الله روحه تلك الحكاية البديعة ما هى إلا حديث رواه الترمذى فى جامعه الصحيح (3231)، والإمام أحمد فى مسنده (1/ 368)، كلاهما من حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، وقال أبو عيسى: حسن صحيح، وكذلك رواه أحمد فى المسند (5/ 443)، من حديث معاذ بن جبل، ورواه الدارمى والبغوى من حديث عبد الرحمن بن عائش، وهو حديث المنام الطويل المشهور، وقد شرحه الحافظ ابن رجب الحنبلى فى جزء سماه «اختيار الأولى فى شرح حديث اختصام الملأ الأعلى»، والحديث صححه الإمام البخارى لما سأله عنه الترمذى. أولا: فيما يتعلق بالعمامة: وقال الإمام النووى فى شرح المهذب: يجوز لبس العمامة بإرسال طرفها، وبغير إرساله، ولا كراهة فى واحد منهما، وذكر معناه فى الروضة باختصار. وقال: ولم يصح فى النهى عن ترك الإرسال شىء، وذكر أنه صح فى الإرخاء حديث عمرو ابن حريث. . «المتقدم»، وقال شيخ الإسلام ابن أبى شريف فى كتابه «صوبة الغمامة، فى إرسال طرف العمامة: إسبال طرف العمامة مستحب مرجح فعله على تركه، كما يؤخذ من الأحاديث السابقة، خلافا لما أوهمه كلام النووى رحمه الله تعالى من إباحته بمعنى استواء الطرفين. قلت: ثم ردّ ابن شريف على كلام النووى المتقدم بقوله: «ولم أر من تعقبه» ويمكن أن يقال قد أمر النبى صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف بإرخاء طرف العمامة، وعلله صلى الله عليه وسلم لأنه أعرب وأحسن، فهو مستحب وأولى، وتركه خلاف الأولى والمستحب. والظاهر أن الإمام النووى أراد بالمكروه ما ورد فيه نهى مقصود وليس الترك مكروها بهذا المعنى، ولا يمتنع كون الإرسال أولى أو مستحبا، وأما إن أراد بالمكروه ما يتناول خلاف الأولى، كما هو اصطلاح متقدمى الأصوليين، فلا نسلم كون الترك غير مكروه بهذا المعنى بل هو مكروه. بمعنى أنه خلاف الأولى كما بيناه. وقال الشيخ السيوطى فى فتاويه: من العلم أن العذبة سنة وتركها استنكافا عنها إثم أو غير =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الحق الأشبيلى: وسنة العمامة بعد فعلها أن يرخى طرفها، ويتحنك به، فإن كانت بغير طرف، ولا تحنيك، كره عند العلماء، قيل: لمخالفته السنة، وقيل: لأنها كذلك. ¬

= مستنكف فلا. وقال أبو عبد الله بن الحاج فى المدخل: والعجب من قول بعض المتأخرين: إن إرسال الذؤابة بين اليدين بدعة مع وجود هذه النصوص الصحيحة الصريحة من الأئمة المتقدمين عن السلف، فيكون هو قد أصاب السنة، وهم قد أخطأوها وابتدعوا. انظر فى ذلك سبل الهدى والرشاد (7/ 437،440). ثانيا: وما يتعلق بالناحية العقدية عن شيخ الإسلام ابن تيمية: فى «العقل والنقل» (1/ 74): قد تبين أن قول نفى الصفات أو شيئا منها لأن إثباتها تجسيم، قول لا يمكن لأحد أن يستدل به، بل ولا يستدل أحد على تنزيه الربّ عن شىء من النقائص بأن ذلك يستلزم التجسيم، لأنه لا بد أن يتبين شيئا يلزمه فيما أثبته نظير ما ألزمه غيره فيما نفاه. ثم يقول شيخ الإسلام أيضا فى «مجموع فتاويه» (5/ 64،276،298،300)، وفى الحموية (458)، ومنهاج السنة (2/ 145،421،425)، والفرقان بين الحق والباطل (ص 126)، «ولا ريب أن الله موجود قائم بنفسه وترفع إليه الأيدى عند الدعاء كما فطر على ذلك جميع عباده ولا ريب أنه تجوز رؤيته فى الآخرة كما أخبر بذلك فى كتابه، فإذا سموا هذه المعانى تجسيما، فلا ينبغى أن نترك ما أخبر الله به عن نفسه فى كتابه، ونذهب إلى تأويلها لمجرد هذه التسميات الحادثة المبتدعة. قلت: إن مذهب شيخ الإسلام فى التجسيم أو الجهة بنى على المعنى الثابت فى الكتاب والسنة، حيث ما وصف الله به نفسه من غير تأويل ولا تعطيل فلا يجب أن تنفى هذه المعانى الثابتة لمجرد هذه التسميات المحدثة. وأقول: إن المتكلمين قد جمعوا فى منهجهم فى التنزيه بين التشبيه والتعطيل، فقد أوقعوا أنفسهم فى التشبيه أولا، حيث لم يفهموا من آيات الصفات إلا ما يليق بالمخلوق المحدث، وما منها صفة تليق بذاته المقدسة. ثم قاموا بالتعطيل ثانية حيث نفوا ما وصف الله به نفسه خشية الوقوع فى صفات المحدثين، وتأولوا آيات الصفات على مذهبهم فى النفى. ثم وقعوا بعد ذلك فيما فروا منه حيث وصفوه بالسلب والنفى، فشبهوه بالمعدومات التى لا وجود لها خارج الأذهان وظنوا أن ذلك أكمل وأبلغ فى التنزيه من وصفه بما وصف به نفسه. ولكنّ هذا دأب الأشاعرة الكلابية، الوقوع فيما وقعت فيه المعتزلة والجهمية، وهم بذلك قد ضلوا سواء السبيل سبيل السلف الصالحين، وما أحسن ما رد به العلامة شيخ الإسلام على المتكلمة أمثال ابن عقيل الحنبلى، وبعض الأشاعرة (الكلابية) فى كتابه المناظرة لأهل البدع [بتحقيقنا] ط قرطبة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عمائم الشيطان، وقد كانت عبرته صلى الله عليه وسلم فى ملبسه، أتم وأنفع للبدن وأخف عليه، فإنه لم يكبر عمامته، إذ كبرها يعرض الرأس للآفات كما هو مشاهد، وخفتها لا يقى من ¬

= ثالثا: الردّ عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية. أولا: ابن تيمية رحمه الله: لقد أخذ ابن حجر كثيرا فى كتبه وفتاويه على ابن تيمية كوصفه بصفات غير موجودة فيه، ورميه، والدعاء عليه، وتقبيحه كما فعل هنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولكنّ هذا دأب العلماء المجتهدين، لا بد لهم من أقران يعادونهم لمجرد مخالفتهم فى رأى أو فكر أو مذهب، وهو أمر موجود فى كل زمان ومكان حتى فى زماننا هذا، من الفرقة، والتعصب الذى نتج عن أمرين: الظلم والجهل، عفانا الله منهما ومن كل ظالم جهول. وإن مكانة شيخ الإسلام بين أهل العلم لعالية رفيعة وسنذكر شيئا مما ذكره الشيخ ابن ناصر الدمشقى فى كتابه «الردّ الوافر على من زعم: بأن من سمّى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر. حيث أورد أقوال أهل العلم العاملين الربانيين فى تزكيتهم الإمام الهمام ابن تيمية رحمه الله تعالى، (ص 302) [سؤال وجواب]: ورد من حلب الشهباء فى شيخ الإسلام تقى الدين أحمد ابن تيمية رضى الله عنه وهو: ما تقول السادة العلماء أئمة الدين، رضى الله عنهم أجمعين، فى شيخ الإسلام تقى الدين ابن تيمية رحمه الله تعالى، هل هو من أهل العلم والدين الذين يقتدى بهم أم لا؟ فإذا قلتم إنه من أهل العلم والدين، هل يجوز لمغرور يأخذ الأشياء تقليدا، أن يقدح فى علمه وديانته؟ وهل يحرم عليه الطعن فى مثل هذا الإمام من غير فهم لكلامه؟ وهل يثاب الإمام على زجر هذا المغرور أم لا؟ أفتونا مأجورين رضى الله عنكم أجمعين. فأجاب الشيخ الإمام العالم العلامة فريد العصر، ووحيد الدهر، مفتى المسلمين، مظهر آثار المرسلين، شيخ الدنيا والدين، شهاب الدين أحمد بن الأذرعى الشافعى، بحلب المحروسة رحمه الله تعالى، فقال بعد الحمد لله: الشيخ تقى الدين ابن تيمية رحمه الله تعالى. أجل أئمة الإسلام الأعلام، كان رحمه الله تعالى بحرا من البحور فى العلم، وجبلا شامخا لا يختلف فيه اثنان من أهل العصر. ومن قال خلاف ذلك فهو جاهل أو معاند مقلد لمثله. وإن خالف الناس فى مسائل فأمره إلى الله تعالى، والوقيعة فى أهل العلم ولا سيما أكابرهم من كبائر الذنوب. وقد روى الخطيب البغدادى رحمه الله تعالى فى كتابه «الجامع فى آداب الراوى والسامع» بإسناده عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: «من آذى فقيها واحدا فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذى الله تعالى». وقد قال بعض العلماء الماضين: لحوم العلماء مسمومة. وعادة الله فى هتك أعراض منتقصيهم معلومة. ومن وقع فيهم بالثّلب. ابتلاه الله قبل موته بموت القلب؛ فَلْيَحْذَرِ اَلَّذِينَ يُخالِفُونَ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحر والبرد، بل كان يجعلها وسطا بين ذلك، وظاهر كلام صاحب المدخل أنها نحو سبعة أذرع، وقد أطنب فيه، لندب التحنيك، قال: وهى وإن أبيحت، لا بد فيها من ¬

= عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. ويثاب ولى أمور المسلمين أيده الله تعالى. على زجر هذا المعتدى الظالم لنفسه ولغيره. وكأن المسكين المفتون لم يبلغه قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبّوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» وغير ذلك مما جاء من التحذير من الوقيعة فى أعراض آحاد الناس فكيف فى أكابر العلماء، وكأنه لم يبلغه قول بعضهم للربيع بن خثيم: ما نراك تصيب أحدا!! فقال: لست عن نفسى براض فأتفرغ من عيبها إلى عيب غيرها. وقال بعض الأئمة: لى فى عيوب نفسى شغل عن عيوب الناس. والله سبحانه وتعالى أعلم. ومن ذلك أيضا ما قرظ به الحافظ ابن حجر العسقلانى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. «صورة تقريظ أمير المؤمنين فى الحديث العلامة ابن حجر الشافعى»: الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى. وقفت على هذا التأليف النافع. والمجموع الذى هو للمقاصد التى جمع لأجلها جامع. فتحققت سعة اطلاع الإمام الذى صنفه. وتضلعه من العلوم النافعة بما عظمه بين العلماء وشرفه. وشهرة إمامة الشيخ تقى الدين أشهر من الشمس، وتلقيبه بشيخ الإسلام فى عصره باق إلى الآن على الألسنة الزكية ويستمر غدا كما كان بالأمس، ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره، أو تجنب الإنصاف. فما أغلط من تعاطى ذلك وأكثر عثاره. فالله تعالى هو المسئول أن يقينا شرور أنفسنا وحصائد ألسنتنا بمنه وفضله. ولو لم يكن من الدليل على إمامة هذا الرجل إلا ما نبه عليه الحافظ الشهير علم الدين البرزالى فى تاريخه: أنه لم يوجد فى الإسلام من اجتمع فى جنازته لما مات ما اجتمع فى جنازة الشيخ تقى الدين. وأشار إلى أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جدا شهدها مئات ألوف. ولكن لو كان بدمشق من الخلائق نظير من كان ببغداد أو أضعاف ذلك. لما تأخر أحد منهم عن شهود جنازته. وأيضا فجميع من كان ببغداد إلا الأقل كانوا يعتقدون إمامة الإمام أحمد. وكان أمير بغداد وخليفة الوقت إذ ذاك فى غاية المحبة له والتعظيم. بخلاف ابن تيمية فكان أمير البلد حين مات غائبا، وكان أكثر من بالبلد من الفقهاء، قد تعصبوا عليه حتى مات محبوسا بالقلعة. ومع هذا فلم يتخلف منهم عن حضور جنازته والترحم عليه والتأسف [عليه] إلا ثلاثة أنفس. تأخروا خشية على أنفسهم من العامة. ومع حضور هذا الجمع العظيم فلم يكن لذلك باعث إلا اعتقاد إمامته وبركته، لا يجمع سلطان ولا غيره، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنتم شهداء الله فى الأرض». =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سنن كتناولها باليمين، والتسمية والذكر الوارد، وإن كانت جديدة وامتثال السنة فى فعل التعميم من فعل التحنيك، والعذبة، وتقصير العمامة-يعنى سبعة أذرع، أو نحوها- ¬

= ولقد قام على الشيخ تقى الدين جماعة من العلماء مرارا بسبب أشياء أنكروها عليه من الأصول والفروع، وعقدت له بسبب ذلك عدة مجالس بالقاهرة وبدمشق، ولا يحفظ من أحد منهم أنه أفتى بزندقته ولا حكم بسفك دمه، مع شدة المتعصبين عليه حينئذ من أهل الدولة، حتى حبس بالقاهرة ثم بالإسكندرية، ومع ذلك فكلهم معترف بسعة علمه وكثرة ورعه وزهده، ووصفه بالسخاء والشجاعة، وغير ذلك من قيامه فى نصر الإسلام والدعاء إلى الله تعالى فى السر والعلانية. فكيف لا ينكر على من أطلق: أنه كافر؟ بل من أطلق على من سماه شيخ الإسلام: الكفر. وليس فى تسميته بذلك ما يقتضى ذلك فإنه شيخ فى الإسلام بلا ريب. والمسائل التى أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهى، ولا يصر على القول بها بعد قيام الدليل عليه عنادا، وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم والتبرى منه، ومع ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب، فالذى أصاب فيه هو الأكثر يستفاد منه ويترحم عليه بسببه، والذى أخطأ فيه لا يقلد فيه بل هو معذور. لأن أئمة عصره شهدوا له بأن أدوات الاجتهاد اجتمعت فيه حتى كان أشد المتعصبين عليه، والقائمين فى إيصال الشر إليه، وهو الشيخ كمال الدين الزملكانى شهد له بذلك، وكذلك الشيخ صدر الدين ابن الوكيل الذى لم يثبت لمناظرته غيره. ومن أعجب العجب، أن هذا الرجل كان أعظم الناس قياما على أهل البدع من الروافض، والحلولية، والاتحادية، وتصانيفه فى ذلك كثيرة شهيرة، وفتاويه فيهم لا تدخل تحت الحصر، فيا قرة أعينهم إذا سمعوا بكفره، ويا سرورهم إذا رأوا من يكفر من لا يكفره!! فالواجب على من تلبّس بالعلم، وكان له عقل أن يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشتهرة. أو من ألسنة من يوثق به من أهل النقل، فيفرد من ذلك ما ينكر، فيحذّر منه على قصد النصح، ويثنى عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك، كدأب غيره من العلماء. ولو لم يكن للشيخ تقى الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية، صاحب التصانيف النافعة السائرة، التى انتفع بها الموافق والمخالف، لكان غاية فى الدلالة على عظم منزلته فكيف وقد شهد له بالتقدم فى العلوم، والتمييز فى المنطوق والمفهوم، أئمة عصره من الشافعية وغيرهم! فضلا عن الحنابلة. فالذى يطلق عليه مع هذه الأشياء: الكفر، أو على من سماه شيخ الإسلام، لا يلتفت إليه، ولا يعول فى هذا المقام عليه، بل يجب ردعه عن ذلك، إلى أن يراجع الحق، ويذعن للصواب. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يخرجون منها التحنيك، وتسامح فى زيادة يسيرة لحر أو برد، ثم قال: فعليك أن تتسرول قاعدا وتعتم قائما. ¬

= والله يقول الحق وهو يهدى السبيل. وحسبنا الله ونعم الوكيل. [صفة خطه أدام الله بقاءه]. قاله وكتبه أحمد بن على بن محمد بن حجر الشافعى، عفا الله عنه، وذلك فى يوم الجمعة التاسع من شهر ربيع الأول عام خمسة وثلاثين وثمانمائة حامدا لله، ومصليا على رسوله محمد وآله ومسلما. قلت: فإن شيخ الإسلام ابن تيمية، قد تتلمذ على يديه فطاحل العلماء الأقطاب النبهاء أمثال الحافظ ابن كثير، وابن رجب، والسراج البلقينى، وابن سيد الناس، وابن المحب السعدى، والعلائى، والجزرى، والحافظ العراقى، وغيرهم كثير، وانظر: الرد الوافر لابن ناصر. وما أحلى ما نظمه سراج الدين أبى حفص عمر بن موسى الحمصى القاهرى: الحمد لله، رفع إلىّ بدمشق حين نزلت اليونسية متوجها إلى طرابلس هذا السؤال المنظوم: ما قول أهل علوم الشرع والحسب ... فيمن يكفر شيخ العلم والأدب تقى دين إله العرش شهرته ... بابن تيمية حرانى النسب مع علمه ما حوى من حفظ ... سنتنا وذبّ عنها أهيل الزيغ والريب وزهده وتصانيف محررة ... وذو الكرامات والهمات والقرب وهل يكفر من أفتى بردته ... ويستتاب؟ وماذا قيل فى الكتب؟ وهل يباح مقال فى تنقصه ... مقلد الغير فى رد المعتصب؟ وقال من قال عنه من أئمتنا ... بشيخ الإسلام كفره بلا ريب؟ فأفت يا عالما فى ذا المصاب بما ... علمت وابسط بنظم واضح أجب قال: فكتبت بعض الجواب. وعاجلنى السفر. فأهملت ذلك إلى أن ورد علىّ بطرابلس الواقعة، واستفتاء علماء مصر، فوقفت على بعضها، فأحببت أن أجعل لى معهم قدما، وإن كنت أقلهم علما وقلما، فقلت: الحمد لله هادينا بلا نصب ... إلى الصواب بخير العجم والعرب عليه صلى مع التسليم خالقنا ... ناهيك عن شرف فى أعظم الكتب خذ الجواب مع الإيجاز منتظما ... كالدر من بحرك الوافى لذى طلب كبث جواهر من والى أئمتنا ... ونوره يخمد الأعداء بالرهب دليله قول خير الخلق شافعنا ... ثم القياس وإجماع من الصحب يضوع مسك ثناه من تكرره ... للسمع كالطيب فى نثر من الكتب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= له الضياء ووقع فى القلوب له ... شأن من الله فى فتح عن الحجب وسره جاء مثل السيف منتصلا ... كم مارد قد رمى للسمع بالشهب يسلمن لمقالى كل ذى عمل ... فى العلم والدين والإنصاف والقرب وينصرن لحزب الله ثم لمن ... قد أيد الدين بالتقوى مع الطلب نعم نكفر من أفتى بردته ... بغير تأويل إذ يفضى إلى العطب وصح من سنة المختار سيدنا ... معنى حديث البخارى ثم ذى الكتب لا يرمين رجل منكم لصاحبه ... بالكفر يكفر إن لم ردة تجب وفى القرآن دليل لا تكفر من ... على الذنوب سوى شرك، وسبّ نبى وأجمعوا بجواز فى شهادة من ... يكون ذا بدعة لا محلل الكذب ثم القياس جلى أن يكفر من ... أخرج من ديننا شخصا بلا سبب لمثل هذا الذى يضرب به مثل ... وطار شهرته فى الأفق كالسحب وشيخ الإسلام قد سماه أعلمنا ... فى عصره وتلا جمع من العقب والزملكانى وصدر الدين قد برزا ... وخاطبا ناظرا للشيخ بالأدب ويشهدان له بالحفظ فى سنن ... ولم يكن كافرا يوما من الحقب وكان فى عصره بالشام يومئذ ... سبعون مجتهدا من كل منتخب لم يروا أن الذى ردوا عليه لهم ... قول بتفكيره أو نسبة الكذب بل عاذر باطلاع فى مدارجه ... وقائل لعثار كالجواد ربى من نحن للخوض فى عرض لأعلمنا ... وما لنا من زقاق ضيق الجنب وإن يقل حجتى إنكار منكره ... فقل له سابق فى قول ذى النجب وإن تكن زلة أو غلطة وقعت ... مع اجتهاد فعفو الله منسحب حاشاه سبحانه من أن يعذب من ... حامى عن الدين فى رد على الصلب دين النصارى ودين لليهود وما ... قد اطردوه من التثليث باسم أب وأهل الحلول والأهواء ثم متحد ... والرافضى وللتجسيم ذو كلب وانظر عقيدته وافهم عبارته ... فى كتبه فتجده غاية العجب فى كل فن يد طولى وسيرته ... فى الزهد مثل النواوى كامل الرتب له الردود على الأهوا وذى بدع ... فى كتبه العاليات القدر والخطب من قال عنه بتجسيم بمعتقد ... فكاذب باء فى نار بمنقلب بل اعتقادى فيه أنه رجل ... كالأولياء ومن عاداه فى حرب إن لم يك العلماء أهل الولاية من ... يكن وليا سوى بالوهب والجذب؟ علم بلا عمل يهوى بصاحبه ... إلى جهنم مع حمالة الحطب كم عالم زل بالأقدام فى رجل ... يخوض فى عرضه بالذم والكذب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= ويمدحن لمذموم ببدعته ... مع ذم شيخ علوم الشرع والأدب ما كلمة قالها إلا اقشعر لها جلد ... وذاب لها قلب لمنتحب نبكى على زمن صرنا لرؤية من ... يفتى بكفر وهو فى الجهل منحجب يجازف القول فى أهل العلوم وهم ... سم لحومهم قد جربوا فتب من أجمعوا أنه البحر الإمام لنا ... مجدد الدين فى عصر لمضطرب وأنه حافظ الإسلام عالمه ... سارت فتاواه فى الآفاق والشعب له الكرامات كالأعلام شائعة ... تروى وتقرى وتنتحى لمنتحب له التصانيف دلت فى تفرده ... بالحفظ والفهم والإتقان والكتب له المحافل والسلطان يسمعه ... وقطع خصم بأعلا قطع منتصب وكم رأوه يصلى الفجر فى الأموى ... مع سجنه وكذا فى الأطهر النجب وإن أردت دليل الحس فهو إذن ... موجود يشهد مثل الشمس لم تغب مؤلفات عظام ثم شهرته ... وجعله مثل الباهى بذى نسب جنازة شهدت ما مثلها شهدوا ... بعد القرون التى بالخير فى القرب وابن القيم تلميذ ورفقته ... وصحبه كلهم فاقوا على الصحب فمثل هذا يكن بالكفر متصفا ... بقول من يدعى علما ولم يجب أما لنا غيرة فى الحق تأخذنا ... بقصم من يجترى بالفجر والثلب ويا شماتة أعداء به سمعوا ... رفعا وبشراهم فى خفض منتصب يا ضحك إبليس منا إذ نكفره ... من غير ما ردّة كلا ولا ريب منى العدا كفر من أطفا أدلتهم ... بنوره ودوام اللهو واللعب فلا جزى الله خيرا من يعينهم ... بالقول والكتب فى حلم وفى غضب ما حققوا العلم ما شموا روائحه ... إذ كفروا عالم الإسلام بالغضب تعصبوا بمقال فى تنقبهم ... ولثموا إثمه فى الرأس للذنب قد زانه لهم شيطان أنفسهم ... محسنا وانثنى من بعد ما غلب فقال: إنى برىء قولا بردته ... بل كنت فى ذمه معكم كمعتصب فيا أئمة دين الله هل أحد ... يرضيه قول بكفر العالم الدرب؟ تحتم الفحص والدعوى على رجل ... أفتى بكفر بأن يلجئ إلى السبب فإن أقام دليلا قاطعا عجبا ... فذاك أو ذا احتمال فيه فاستتب أو لم فكفره وأحكم إذ تنقصه ... تعزيره بسياط أو بذى الأدب وإن تحقق سجن قاصر فله ... طويل وقت إلى شعبان أو رجب وردع أمثاله والمقدمين على ... مقالة تبعا تقليد مصطحب فما يضرّ بنا غير التساهل فى ... أمر لهذا وقول العادل الندب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= إن تنصروا الله ينصركم ويخذلهم ... وإن عفوتم فلا لوم لمعتقب ما يسلم الشرف الأعلى لملتنا ... حتى يراق دم أو ضرب مرتكب وامنع شهادته أيضا روايته ... فإن مضى عامه فى الخير فانتهب وإن يصمم على تكفيره ويقل ... بكفر من قال شيخ الدين فاطلب بمجلس حفل وأفسد لصورته ... فكرر الضرب بالتكرار أو تعب ما خاب نقل لنجل العبد فى وبل ... أصاب فى القول كالإبريز بالذهب ونجل ناصر دين الله حافظه ... أجاد فى جمع من سماه فى الكتب بشيخ الإسلام فانظر فى مؤلفه ... صدقا وعدلا فما ينكره غير غبى أو حاسد عميت عنه بصيرته ... فخاض فى هوة تفضى إلى العطب الله أكبر، هل تنكر فضائل من ... سارت فضائله كالشمس لم تغب؟ يا ليتنى كنت فى يوم ألازمه ... حتى يرى الحق حقا بعض ما يجب وقد كفاه لهم أعلام شرعتنا ... فى مصر إذ شاهدوا التصنيف باللقب فصالح الوقت نجل البحر أعلمنا ... ورفقة بقضاء الحق لم يتب وذا جواب عبيد قاصر عمر ال‍ ... حمصى انتمى لبنى مخزوم بالنسب هو نقطة من بحار القوم خادمهم ... أحب نظما له فى سلك ذى نسب فالمرء مع من أحب الله يجمعهم ... يوم المعاد وناج يشفعن كنبى ويرحم الله مشغولا بعورته ... وعيب نفس عن الإسلام والكتب وما لنا ولمن قد مات من قدم ... وتم دين بدون النقص والعتب وما لنا وأصول الدين قد كملت ... وفى الفروع كفايات لذى أرب بشهرة وافتخار أو مناظرة ... أو قصد نفع ولا تكفير خير أب وإن تجد خللا فيما أجبت به ... أصلحه واستر عثارى سترة الهرب من عاب عيب ومن خطاه أخطأ من ... مقالة بجزاف لم يقع بغبى من أين يعلم كفرا فى الكمون لمن ... يأتى بمستقبل من قال ذاك صبى وإن يكن عنده حرف بحجته ... من قال كل أما يدرى ليجتنب والحق ما قلت من ضرب وتوبته ... إن لم وإلا فهو فى مشركى العرب وإن تكن هذه الدنيا قد انصرمت ... وهذه مبدأ الآيات والنّوب وإنها فتن من بعدها فتن ... والجهل فى صعد والعلم فى صبب فباطن الأرض خير من ظواهرها ... وما لذى أرب فى العيش من أرب وحسبنا الله والغفران يجمعنا ... فاسمع تسامح وصابر ثم فاحتسب تمت بحمد الله تعالى فى أوائل جمادى الأولى سنة ثمانمائة وخمس وثلاثين، ونظمت فى ليلة ونصف يوم، والحمد لله. =

113 - حدثنا يوسف بن عيسى، حدثنا وكيع، حدثنا أبو سليمان-وهو عبد الرحمن بن حنظلة الغسيل-عن عكرمة، عن ابن عباس: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم خطب النّاس وعليه عمامة دسماء». ـــــــــــــــــــــــــــــ 113 - (ابن حنظلة) الأنصارى الغسيل، استشهد يوم أحد جنبا فإنه لما سمع النفير، لم يصبر للغسل، فلما قتل رأى النبى صلى الله عليه وسلم الملائكة تغسله، فلذا قيل له: الغسيل، أى الذى غسلته الملائكة وهو عبد الرحمن المذكور، ثم لقب به أيضا سليمان بن عبد الله بن حنظلة والد عبد الرحمن (خطب الناس) أى فى مرض موته كما مرّ (دسماء) (¬1) أى ملطخة بدسومة شعره، إذا كان يكثر دهنه، كما مر والدسمة غبرة إلى سواد، وفى نسخة: «عمامة» بدل عصابة، فدسماء فيها كما ذكر، أى: بمعنى سوداء، على أن العصابة تأتى بمعنى العمامة، كما فى القاموس وغيره (¬2). ¬

= عدة من ترجم الشيخ تقى الدين بشيخ الإسلام من الأعيان خمس وثمانون رجلا. وعدة أبيات القصيدة سبعة وتسعون بيتا. الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. ثانيا: أما تقبيح المصنف وأخذه على الشيخ الإمام العلامة شمس الدين منارة المحققين، نابغة العلماء الربانيين، علم المصنفين، نادرة المفسرين، أبو عبد الله محمد بن قيم الجوزية الدمشقى، صاحب التصانيف الأنيقة، والتآليف التى فى علوم الشريعة والحقيقة. كان ذا فنون من العلوم وخاصة التفسير والأصول من المنطوق والمفهوم، ومنها «زاد المعاد فى هدى خير العباد صلى الله عليه وسلم»، و «سفر الهجرتين وباب السعادتين»، و «الداء والدواء»، و «الفوائد»، و «بدائع الفوائد»، و «جلاء الأفهام»، و «إعلام الموقعين»، وغيرها كثير. قال فيه الشيخ الحافظ المزى: ابن القيم فى درجة ابن خزيمة؟ فقال أبو بكر محمد بن المحب: هو فى هذا الزمان كابن خزيمة فى زمانه. انظر: الرد الوافر لابن ناصر (ص 124،125)، وآخرا: أذكر قولا لشيخ الإسلام ابن تيمية: العارف يسير إلى الله عز وجل بين مشاهدة المنة، ومطالعة عيب النفس. وكان يكثر أن يقول: أنا المكدى وابن المكدى ... وهكذا كان أبى وجدى قلت: ولو كتب فى مناقب شيخ الإسلام وترجمته، وما ذكر فيه من محاسن لفرغ المداد وكذلك أيضا شمس الدين ابن قيم الجوزية رحمهما الله رحمة واسعة، وقدس روحهما وسرهما. . آمين. 113 - إسناده صحيح: رواه الإمام أحمد فى «المسند» (1/ 233)، حدثنا وكيع به فذكره. (¬1) انظر: ترتيب القاموس المحيط (2/ 80)، ولسان العرب (وسم). (¬2) انظر: ترتيب القاموس المحيط (3/ 315)، واللسان (عمم).

18 - باب: ما جاء فى صفة إزار رسول الله صلى الله عليه وسلم

18 - باب: ما جاء فى صفة إزار رسول الله صلى الله عليه وسلم 114 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبى بردة، عن أبيه، قال: «أخرجت لنا عائشة رضى الله عنها كساء ملبّدا وإزارا غليظا. فقالت: قبض روح رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذين». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى صفة إزاره صلى الله عليه وسلم) فى القاموس: الإزار الملحفة، ويقال: ائتزر به وتأزر لا أتزر، وقد جاء فى بعض الأحاديث ولعله تحريف الرواة، انتهى (¬1)، وقوله: «لعله» فيه نظر لأنا لو فتحنا هذا الباب، أو جوّزنا الرواية بالمعنى، لم نثق بمروى قط، فالصواب: أن هذه الرواية تفيد أن ذلك لغة صحيحة، وإن كانت شاذة قياسا. 114 - (كساء) هو ما يستر أعلى البدن ضد الإزار، ويكون مفردا، وجمعه كسوة بالضم والكسر بمعنى الثوب. (ملبدا) أى: مرفقا، وقيل: هو ما ثخن وسطه حتى صار يشبه اللبد وأصل ذلك قول ثعلب: يقال لرقعة القميص لبدة، وقول غيره: هى التى خيط بعضها على بعض حتى يتراكب ويجتمع (غليظا) أى: خشنا فى هذين أى: فهما مع ما فيهما من الخشونة والرثاثة أيام كمال عزه، واستيلائه على أكثر أهل الأرض، وقهره لأعدائه، وإقبال الدنيا عليه بحذافيرها، ومع ذلك كله لم يلتفت لزخارفها، ولا لمتاعها، إيثارا للباقى على الفانى، وحملا للكمل من أمته على التأسى به سيما أواخر عمرهم فى مبادئ هذا المقام الصعب الذى لا يصل كماله إلا هو صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث أخرجه البخارى أيضا، وفى رواية: «إزارا غليظا مما يصنع باليمن، وكساء من هذه التى ¬

114 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (1733)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى اللباس (5818)، وكذلك مسلم (2080)، وأبو داود (4036)، وابن ماجه، (3551)، وأحمد فى المسند (6/ 32)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 453)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 111، 112)، كلهم من طرق عن حميد بن هلال به فذكره نحوه. (¬1) انظر: ترتيب القاموس المحيط (1/ 140)، ولسان العرب، مادة [أزر].

115 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، عن شعبة، عن الأشعث بن سليم، قال: سمعت عمتى، تحدث عن عمها، قال: «بينا أنا أمشى فى المدينة إذا إنسان خلفى يقول: ارفع إزارك، فإنّه أتقى وأنقى، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله، إنّما هى بردة ملحاء. قال: أما لك فىّ أسوة؟ فنظرت، فإذا إزاره إلى نصف ساقيه». ـــــــــــــــــــــــــــــ تدعونها ملبدة» (¬1). 115 - (بينا) أصلها بين وهو الوسط، وقد تشبع فتحتها فيتولد ألفا وقد يزاد فيها ميم، وهما مضافان لما بعدهما، وقيل: ما والألف عوضا عن المضاف إليه المحذوف. (إذا) للمفاجأة وكثيرا ما تذكر فى جواب بينما كما تذكر إذ فى جواب بينا، ويضاف كل إلى الجملة الاسمية والفعلية، خلافا لمن أنكره. (أتقى) يدل على التقوى والورع أكثر، لأنه يدل غالبا على انتفاء الكبر والخيلاء، ثم رأيت بعضهم فسره بما يؤول لذلك، فقال بعد أن نقل عن جمع: تفسيره بأوفق، وهذا لا يعرف له أصل، وإنما هو إسناد مجازى، إذ هو سبب لكون فاعله أتقى، وهو يوافق ما ذكرته، وأعنى من الدنس، وفى نسخة: «أبقى» أى أكثر بقاء ودواما، وفيه: إشارة إلى أنه ينبغى للابس وغيره الرفق بما ¬

115 - إسناده ضعيف [وهو صحيح]: رواه الإمام أحمد فى المسند (4/ 319)، من طريقين عن الأشعث وسمى عمه الأشعث فقال: عن عمته «رهم» وعمها: عبيدة بن خلف أو ابن خالد ورواه النسائى فى الكبرى (7/ 224 تحفة الأشراف) من طريق سليمان بن قرم عن الأشعث به فذكره نحوه، ورواه أبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 108) مختصرا، وذكره الحافظ فى الإصابة (2/ 443)، فى ترجمة (عبيدة) بن خالد ويقال: ابن خلف الخنظلى، أو المحاربى، وعزاه للمصنف فى الشمائل والنسائى. وقال: واختلف فيه على أشعث ولم يسم فى رواية الترمذى، ووقع فى التحرير-أى للذهبى-أنه عم أبى الأشعث المحاربى، قلت: ورهم عمة الأشعث لا تعرف. وللحديث شاهد صحيح من حديث الشريد بن سويد عند الإمام أحمد (4/ 390) والحميدى فى مسنده (810)، والطبرانى فى الكبير (7240،7241)، والطحاوى فى المشكل (1708). (¬1) رواه البخارى فى اللباس (8/ 58)، ومسلم (2080)، وأبو داود (4036)، والترمذى (1733)، وابن ماجه (3551)، وأحمد فى مسنده (4/ 66)، (5/ 71،391)، (6/ 32، 131).

116 - حدثنا سويد بن نصر، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن موسى بن عبيدة، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: «كان عثمان بن عفّان يأتزر إلى أنصاف ساقيه. وقال: هكذا كانت إزرة صاحبى. يعنى النّبىّ صلى الله عليه وسلم». ـــــــــــــــــــــــــــــ يستعمله، والاعتناء بحفظه وتعهده، لأن إهماله يؤدى إلى ضياعه، وفيه: أسواف أى: إسراف. (ملحاء) بضم أوله، قال فى الصحاح: الملحة أيضا من الألوان بياض يخالطه سواد، وأراد الصحابى أى مثل هذه لا خيلاء فيها، فأجابه صلى الله عليه وسلم بطلب الاقتداء به، وإن لم يكن إزاره فيه خيلاء وضعا ولا قصدا، سدا للذّريعة، ثم هذا الاعتذار، إنما يتم فى مقابلة قوله صلى الله عليه وسلم: (أتقى) بالفوقية لا «أنقى» بالنون، أو الموحدة؛ لأنه وإن لم يقصد الخيلاء يخشى من عدم الرفع الرثاثة والتقطع، وإنما أثر الاعتذار عن الأول فقط، لأنه الأهم والأحرى بالاعتناء به، إذ اختلاله يقدح نقصا فى الدين، فاعتذر عنه بما يقتضى عدم نقص فى دينه، ولم يعتذر عن الأخيرين، لأن الأمر فيهما أسهل وأخف، ولبعضهم هنا تخليط، فاجتنبه. (أسوة) بضم أوله وكسره أى: اقتداء واتباعا. 116 - (وقال) أى عثمان، ويحتمل على بعده سلمة وعلى الأول فإنما لم يقل ويقول، ليدل على الاستمرار، لأنه لم يسمع ذلك منه متكررا. (إزرة صاحبى) بكسر أوله اسم لهيئة الإزار، كالجلسة والركبة. (يعنى) أى عثمان، وقال ذلك عنه سلمة كما هو ظاهر على الاحتمال البعيد السابق فقائل ذلك عن سلمة ابنه، ونقل سلمة الإزرة على عثمان مرفوعة، ولم يرفعها هو بناء على ما مر ليفيد أنها سنة باقية من أكابر الصحابة، سيما الخلفاء الراشدون. ¬

116 - إسناده ضعيف: فيه موسى بن عبيدة الربذى: ضعيف. ورواه أبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 112) من طريق موسى بن عبيدة به فذكره، وللحديث المرفوع منه شواهد صحيحة ذكره شيخنا العلامة الألبانى-حفظه الله-فى المشكاة (4331).

117 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو الأحوص، عن أبى إسحاق، عن مسلم بن نذير، عن حذيفة بن اليمان، قال: «أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضلة ساقى. أو ساقه. فقال: هذا موضع الإزار فإن أبيت فلا حقّ للإزار فى الكعبين». ـــــــــــــــــــــــــــــ 117 - (نذير) بضم النون وفتح المعجمة مصغرا. (بعضلة) محركة وكسفينة وهى كل عصبة معه لحمة مكتنزة كما فى القاموس (ساقى أو ساقه) شك من راوى حذيفة، هل قال حذيفة أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ بعضلة حذيفة أو بعضلة نفسه؟ (فلا حق للإزار فى الكعبين) يعنى الخبر السابق: «ما أسفل من ذلك فهو فى النار» ومر أن الذى دل عليه مجموع الأحاديث أن جعل الثوب والإزار والسراويل، والقميص إلى نصف الساق سنة، وإلى الكعبين مباح، وإلى ما تحته مكروه تنزيها إن لم يقصد به خيلاء، وإلا فحرام، قال القاضى: ويكره كل ما زاد على الحاجة والمعتاد فى اللباس من الطول والسعة، وقضيته أن ما اعتيد لا يكره، وإن جاوز الكعبين، ومر لذلك مزيد فراجعه. تتمة: أخرج مسلم: «أنه صلى الله عليه وسلم لبس مرطا مرحلا من شعر أسود» (¬1) والمرط: بكسر فسكون كساء من صوف، أو خز يئتزر به، والمرحل: بضم ففتح المهملة المشددة: هو ما فيه صوف من وبر الإبل، ولا بأس بها، إذ لا يحرم، إلا تصوير الحيوان، وقول الجوهرى: إزار خز فيه علم قال فى القاموس: غير جيد، إنما ذلك تفسير المرجل- بالجيم-وروايته بالمهملة هو ما صوبه النووى، ونقله عن الجمهور (¬2)، وروى الدمياطى: «أن طول ردائه صلى الله عليه وسلم أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر، وأن ثوبه الذى كان يخرج به للوفود: رداء أخضر فى طول أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر، وأن عمر دخل وعليه إزار متقنع به، فإنه كان يرخى الإزار من بين يديه، ويرفع من ورائه» قيل: ولما كان صلى الله عليه وسلم لا يبدو منه إلا طيب، كان علامة ذلك أن لا يتسخ له ثوب، وسيأتى ¬

117 - صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (1783)، بسنده ومتنه سواء، ورواه ابن ماجه فى اللباس (3572)، والنسائى فى الزينة (8/ 206)، وفى سننه الكبرى (9686)، والإمام أحمد فى مسنده (5/ 382،396،400)، كلهم من طرق عن أبى إسحاق به فذكره. (¬1) رواه مسلم فى فضائل الصحابة (2424)، وفى اللباس (2081)، وأبو داود فى اللباس (4032)، والترمذى فى الأدب (2813)، وأحمد فى مسنده (6/ 162). (¬2) انظر: شرح النووى على مسلم (14/ 57،58).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن ثوبه لم يقمل، ونقل الفخر الرازى: أن الذباب كان لا يقع على ثيابه قط، وأنه لم يمتص دمه البعوض، واختلفوا هل لبس النبى صلى الله عليه وسلم السراويل؟ فجزم بعضهم: بعدمه، واستأنس له بأن عثمان لم يلبسه إلا يوم قتل، لكن صح «أنه صلى الله عليه وسلم اشتراه» قال ابن القيم: والظاهر: أنه [إنما] (¬1) اشتراه ليلبسه، قال وروى «أنه لبسه» وكانوا يلبسونه فى زمانه وبإذنه انتهى (¬2). واعترضه بعض من كتب على الشفاء فقال: قولهم: «أنه لبسه» قالوا: إنه سبق قلم، انتهى. وفيه نظر، فإنه لم يجزم بذلك، وإنما قال: الظاهر من شرائه ذلك، وهذا صحيح. فائدة: ملابس الأوبار، والأصواف تسخن، وتدفئ، وملابس الكتان، والحرير، والقطن تدفئ، ولا تسخن، فثياب الكتان باردة يابسة، وثياب الصوف حارة يابسة، وثياب القطن معتدلة الحرارة، وثياب الحرير ألين من القطن، وأقل حرارة منه، والإبريسم أسخن من الكتان، وأبرد من القطن يربى اللحم وكل لباس خشن، فإنه يهزل ويصلب البشرة، ولما كانت ثياب الحرير ليس فيها شىء من اليبس والخشونة، بخلاف غيرها صارت نافعة من الحكة، لأنها لا تكون إلا عن حرارة ويبس وخشونة فلذلك «رخص صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما فى لبس الحرير لحكة كانت بهما» (¬3) رواه البخارى، وفى رواية: «أنه رخص لهما فيه لما شكيا إليه القمل» (¬4) وجمع بأنه يحتمل أن العلتين كانتا بهما، وأن الحكّة أيضا نشأت عن الفمل، فنسبت العلة تارة للسبب، وتارة للمسبب. واعترض قول النووى: إنما وصف الحكة والقمل، لما فيه من البرودة، بأنه حار، قيل: فالصواب: أن ذلك لخاصة فيه، ويرد: بأنه كما علم مما مر معتدل الحرارة، ففيه نوع رطوبة وبرودة للبدن، وهما نافعان هنا، إذ العلة إنما تعالج بضدها. ¬

(¬1) الزيادة من (ش). (¬2) انظر: زاد المعاد فى هدى خير العباد (1/ 145). (¬3) رواه البخارى فى الجهاد (2921،2922)، وفى اللباس (5839)، ومسلم فى اللباس (2076)، وأبو داود فى اللباس (4056)، والنسائى فى الزينة (8/ 202)، وابن ماجه فى اللباس (3592)، والبغوى (3105)، وابن حبان فى صحيحه (5430)، (5431)، وأحمد فى مسنده (3/ 180،255،272،273)، وأبو يعلى فى مسنده (3249)، والطيالسى (1972)، والبيهقى فى السنن (3/ 268،269)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 268). (¬4) رواه أحمد فى مسنده (6/ 45،181).

19 - باب: ما جاء فى مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم

19 - باب: ما جاء فى مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم 118 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة، عن أبى يونس، عن أبى هريرة، قال: «ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنّ الشّمس تجرى فى وجهه، لا رأيت أحدا أسرع فى مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنّما الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا، وإنّه لغير مكترث». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهى بكسر فسكون: ما يعتاده الإنسان من المشى، كما هو وضع فعلة بالكسر. 118 - (ما رأيت) علمت وهو الأبلغ، أو أبصرت (أحسن) مفعولا ثانيا على الأول ووصفا، أو حالا على الثانى، وتنكير شيئا لا يضر على الحالية لأنها قد تأتى من النكرة، لنوع كالعموم هنا، فهى ح بمنزلة المعرفة، ومرّ أن أحسن، ليس المراد به ظاهره من أفعل التفضيل. (كأن الشمس) أى شعاعها، أو جرمها خلافا لمن نازع فى الثانى. (تجرى فى وجهه) شبه جريانها فى فلكها بجريان ماء الحسن ونضارته ورونقه فى وجهه، وعكس التشبيه للمبالغة كما مر، أو شبه لمعان وجهه وضوئه بلمعانها وضوئها، والقصد من هذا؛ إقامة البرهان على أحسنية، وإنما خص الوجه بذلك، لأنه الذى تظهر به المحاسن، ولأن حسن البدن تابع لحسنه غالبا، فتأمل ذلك لتدفع به ما وقع لبعضهم هنا من الخبط. (فى مشيته) بكسر فسكون وفى نسخة بلفظ المصدر. (تطوى له) أى تجمع، ومر أنه مع سرعته كان على غاية من الهون، والتأنى، وعدم الإتيان بسرعة فاحشة تذهب بهاؤه ووقاره. (لنجهد) بفتح أوله وضمه من جهد، وأجهد، أى حمل نفسه فوق طاقته، وعدلوا عن يجهدنا، لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يقصد إجهادهم، وإنما كان ذلك طبعه ¬

118 - حسن لغيره وهو صحيح: فيه ابن لهيعة صدوق اختلط بعد احتراق كتبه، قلت: تابعه عمرو بن الحارث عند ابن سعد. رواه الترمذى فى المناقب (3648)، بسنده ومتنه سواء، ورواه الإمام أحمد فى مسنده (2/ 350، 380)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 415)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 270)، كلهم من طريق ابن لهيعة عن أبى يونس به فذكره.

119 - حدثنا على بن حجر، وغير واحد: قالوا: أنبأنا عيسى بن يونس، عن عمر بن عبد الله مولى غفرة، قال: أخبرنى إبراهيم بن محمد-من ولد على بن أبى طالب-قال: «كان علىّ إذا وصف النّبىّ صلى الله عليه وسلم قال: كان إذا مشى تقلّع، كأنّما ينحطّ من صبب». 120 - حدثنا سفيان بن وكيع قال: حدثنا أبى، عن المسعودى، عن عثمان بن مسلم بن هرمز، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه، قال: «كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم إذا مشى تكفّأ تكفّؤا، كأنّما ينحطّ من صبب». ـــــــــــــــــــــــــــــ الشريف، (وإنه) هى للحال من الفاعل، أو المفعول، (لغير مكثرث) أى مبال بجهدنا، فلا يحمله على تغيير مشيته عن طبعها، لأنها كانت على أكمل الهيئات وأقومها، واستعمال مكترث فى النفى هو الأغلب، وفى الإثبات قليل شاذ. 119 - (تقلع) إلخ مرّ واضحا بما يعلم منه أن فيه بيان قوة مشيه، لأن التقلع رفع الرجل من الأرض بهمة وقوة لا مع الاختيال، وتقارب خطا، لأن تلك مشية النساء والمتشبهين بهن، وفى نسخة: «من تكفأ». مر معناه أيضا وأنه يعنى تقلع أى تمايل إلى أمامه ليرفعه عن الأرض بكليته جملة واحدة لا مع اهتزاز وتكثر وتثن وجر رجل فى الأرض. ... ¬

119 - إسناده ضعيف: وقد تقدم برقم (6). 120 - إسناده ضعيف وهو صحيح بشواهده: وقد تقدم برقم (5).

20 - باب: ما جاء فى تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم

20 - باب: ما جاء فى تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم 121 - حدثنا يوسف بن عيسى، حدثنا وكيع، حدثنا الربيع بن صبيح، حدثنا زيد بن أبان، عن أنس بن مالك، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر القناع، كأنّ ثوبه ثوب زيّات». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال شيخ الإسلام أبو زرعة: التقنع معروف وهو تغطية الرأس بطرف العمامة، أو برداء، أو نحو ذلك، فهو إلقاء القناع أى الخرقة على الرأس لتقى نحو العمامة عما به الدهن انتهى، وفى القاموس ما يفيد أنه أعم من ذلك وعبارته وتقنعت المرأة: لبست القناع وفلان تغشى بثوب انتهى، والتغشى بالثوب أعم من أن يكون فوق العمامة، أو تحتها ويؤيده: «أنه صلى الله عليه وسلم أتى بيت أبى بكر للهجرة فى القائلة متقنعا بثوبه» (¬1) الظاهر أنه كان متغشيا به فوق العمامة، ثم رأيت ما يأتى عن ابن القيم وغيره، وهو صريح فيما ذكرته قيل: جعل هذا بابا مع أنه لم يذكر فيه إلا حديثا واحدا مر فى الترجل والفصل بينه وبين اللباس غير ظاهر الوجه انتهى، ويرده: بأن التقنع يحتاج إليه الماشى كثيرا للوقاية من حرّ، أو برد، وقد كان صلى الله عليه وسلم يفعله لذلك، كما تقرر فى حديث الهجرة، فكان بينه وبين الماشى مناسبة تامة فلذا عقبه به. 121 - (يكثر. . .) إلخ مرّ تفسيره، وسيأتى له تفسير آخر، وفيه: ندب الإدهان غبا. كما مرّ (ثوبه) هو القناع كذا قيل، ويحتمل أنه أعالى ثوبه، لأنه وإن ألقى على رأسه القناع، لا بد أن يصل منه شىء إلى أعالى ثوبه. فائدة: أنكر ابن القيم لبس الطيلسان، واستدل بأنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم لبسه، ولا أحد من أصحابه، بل فى مسلم ذكر الدجال فقال: «معه سبعون ألفا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة، وبأن أنسا رأى جماعة عليهم الطيالسة» (¬2) فقال: «ما أشبههم بيهود ¬

121 - إسناده ضعيف: وقد تقدم برقم (32). (¬1) رواه أحمد فى مسنده (1/ 289). (¬2) رواه الإمام مسلم فى الفتن (2944)، باب فى بقية من أحاديث الدجال عن أنس بن مالك-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خيبر» (¬1)، وبأن جمعا من السلف والخلف كرهوه، لخبر أبى داود والحاكم: «من تشبه بقوم فهو منهم» (¬2) ولخبر الترمذى: «ليس منا من تشبه بغيرنا» (¬3) قال: وأما ما جاء فى حديث الهجرة «أنه صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبى بكر رضى الله عنه متقنعا بالهاجرة» فإنما فعله فى تلك الساعة ليحتبى بذلك للحاجة، ولم يكن عادته التقنع وذكر أنس «أنه كان يكثر القناع» هنا، وإنما كان يفعله للحاجة من حر ونحوه انتهى، ورد: بأن قوله: إنما فعله للحاجة، وقوله: لم يلبسه يرده خبر المصنف، والبيهقى، وابن سعد بلفظ: «ويكثر التقنع» وقوله: ولا أحد من أصحابه يرده خبر الحاكم على شرط الشيخين «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فتنة الدجال فقربها فمر رجل متقنع فى ثوب، فقال: «هذا يومئذ على الهدى»، فقمت، فإذا هو عثمان بن عفان» (¬4)، وأخرج سعيد بن منصور فى «سننه» عن أبى العلاء: «رأيت الحسن بن على يصلى وهو متقنع رأسه»، وابن سعد عن سليمان بن المغيرة: «رأيت الحسن يلبس الطيالسة»، وعن عمارة: «رأيت على الحسن طيلسانا أزرقيا» وبأن أنسا أنكر ألوان الطيالسة، لأنها كانت صفراء، كذا قيل، وفيه نظر، إذ الصفرة إنما حدثت لليهود فى الأزمنة المتأخرة، وقد كانت عمائم الملائكة يوم بدر صفراء، وما ذكره من قصة اليهود، إنما يصح الاستدلال به فى وقت كانت الطيالسة شعارا لهم، وقد ارتفع ذلك فى هذه الأزمنة، فصار مباحا، لما ذكره ابن عبد السلام، بل هو سنة فى الصلاة، كما قاله القاضى حسين من أصحابنا بل لو صار شعار قوم، كره تركه، لأنه إخلال بالمروءة. ... ¬

= مرفوعا، وانظر: كتاب زاد المعاد للإمام العالم العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى (1/ 142). (¬1) رواه ابن ماجه فى الفتن (4077). (¬2) رواه أبو داود (4031)، وأحمد فى مسنده (2/ 50،92)، وابن أبى شيبة (5/ 313،322)، وابن عبد البر فى التمهيد (6/ 80)، وأبو نعيم فى تاريخ أصفهان (1/ 129). (¬3) رواه الترمذى (2695)، والطبرانى فى الأوسط (7380)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (8/ 38،39)، وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه من لم أعرفه. (¬4) رواه الترمذى (3704)، وابن ماجه (111)، وأحمد فى مسنده (4/ 243).

21 - باب: ما جاء فى جلسته صلى الله عليه وسلم

21 - باب: ما جاء فى جلسته صلى الله عليه وسلم 122 - حدثنا عبد بن حميد، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا عبد الله بن حسان، عن جدتيه، عن قيلة بنت مخرمة، أنها: «رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد، وهو قاعد القرفصاء. قالت: فلمّا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشّع فى الجلسة فأرعدت من الفرق». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى جلسة رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر الجيم اسم للنوع، وظاهر ترجمته بهذا وسياقه لحديث قعود القرفصاء أنهما مترادفان، وهو كذلك عرفا، وكذا لغة، لكن ربما يفرق كما فى القاموس (¬1) فيجعل الجلوس لما هو من اضطجاع، والقعود لما هو من قيام. 122 - (القرفصاء) مفعول مطلق أى قعودا مخصوصا وهو بتثليث القاف والفاء مقصورا والضم ممدودا، وفيه ضم أولاها اتباعا [أن يجلس على أليته ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبى بيديه على ساقيه كما يحتبى بالثوب وقيل: هو] (¬2) أن يجلس على ركبتيه متكئا ويلصق بطنه بفخذيه، ويتأبط كفّيه، أى يجعل كلا تحت إبط وهى جلسة الأعراب. (المتخشع من الفرق) بالتشديد صفة، إن كان رأى بصرية، وهو الظاهر، ومفعولا ثانيا إن كانت علمية، بأن يتحمل، ويجعل منشأ العلم الإبصار، أى الساكن سكونا تاما فى جلسته تلك فهو متطامن، غاض البصر، والصوت، ساكن الجوارح، ¬

122 - إسناده ضعيف: رواه الترمذى فى الأدب (4847)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الأدب (2814)، والبخارى فى الأدب المفرد (1178)، كلاهما من طريق عفان به فذكره نحوه، وذكره الصالحى فى سبل الهدى (7/ 239)، وعزاه للبخارى فى الأدب وأبى يعلى وله شاهد من حديث أبى أمامة الحارثى عند أبى الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 269)، وهو ضعيف أيضا. وقال أبو عيسى: حديث قيلة لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن حسان. وذكره الصالحى فى سبل الهدى (7/ 239)، وعزاه لأبى نعيم من حديث أبى أمامة رضى الله عنه قال: كان رسول الله إذا جلس جلس القرفصاء. (¬1) انظر: ترتيب القاموس المحيط (3/ 655،657). (¬2) الزيادة من: (ش).

123 - حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومى، وغير واحد، قالوا: حدثنا سفيان، عن الزهرى، عن عباد بن تميم، عن عمه: «أنّه رأى النّبىّ صلى الله عليه وسلم مستلقيا فى المسجد، وواضعا إحدى رجليه على الأخرى». ـــــــــــــــــــــــــــــ والتفعل فيه ليس للتكلف، بل لزيادة المبالغة فى الخشوع كما فى وصفه تعالى بالمتوحد والمتقدس والمتكبر، «من الفرق» بتحريك الراء أى الخوف والفزع الناشئ، مما علاه صلى الله عليه وسلم من عظيم المهابة والجلالة، ومن توهم نزول عذاب على الأمة، ومن غضب عليهم، أو ليتأسى به، لأنه مع كماله إذا غشيه من هيبة الله وجلاله ما صيره كذلك، فغيره بذلك أحق وأولى، ومر لذلك قصة فى باب اللباس. 123 - (واضعا إحدى رجليه على الأخرى) مع نصب الأخرى، أو مدّها، والنهى فى مسلم عن رفع إحديهما فوق الأخرى، وهى منصوبة محمول جمعا بين الحديثين ما إذا خشى بذلك انكشاف العورة، فعلم حمل ذلك حيث أمن انكشاف العورة مطلقا فى المسجد وغيره، لكنه لا ينبغى بحضرة الناس إلا إذا كانوا ممن لا يحتشمهم كأولاده وأصاغر تلامذته، وزعم بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، إلا لمرض لما علم أن جلوسه كان على الوقار والتواضع، وهو غير سديد، بل مجرد تخمين من غير دليل ولا يثبته وإنما الصواب: إنما فعله لبيان الجواز، سيما مع نهيه عنه، والفعل لبيان الجواز واجب، فهو كذلك أفضل من القعود على هيئة التواضع والوقار قيل: ووجه إيراد الحديث فى باب الجلسة: خفى لم ينتبه له شارح، ويرد: بأنه لا خفاء فيه، بل له فى هذا الباب مناسبة تامة، لأن فيه دليلا على حل الجلوس على سائر كيفياته بالأولى، لأن هذا الاضطجاع إذا جاز فى المسجد مع ما فيه عرفا ما لا يخفى، فأولى أن يجوز سائر أنواع الجلوس فى المسجد وغيره، لأنه ليس فيها عند العامة ما فى ذلك. ¬

123 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأدب (2765)، بسنده ومتنه سواء، والبغوى فى شرح السنة (2357)، من طريق المصنف به فذكره، ورواه البخارى فى الاستئذان (6287)، ومسلم فى اللباس (2100)، وأبو داود فى الأدب (4866)، والنسائى فى المساجد (2/ 50)، وفى سننه الكبرى (800)، والدارمى فى الاستئذان (2/ 282).

124 - حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا عبد الله بن إبراهيم المدنى، ثنا إسحاق ابن محمد الأنصارى، عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبى سعيد، عن أبيه، عن جده أبى سعيد الخدرى، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس فى المسجد احتبى بيديه». ـــــــــــــــــــــــــــــ 124 - (شبيب) بمعجمة فموحدة فتحتية كطبيب. (ربيح) تصغير ربح براء فموحدة (الخدرى) بالدّال المعجمة. (بيديه) أى جعلهما مكان الاحتباء بالثوب، وهو أن يضم بها رجليه إلى بطنه فيشد عليهما وعلى ظهره، وهذا فى غير ما بعد صلاة الصبح لما صح «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح، تربع فى مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء» (¬1) أى بيضاء نقية. ... ¬

124 - إسناده ضعيف جدا، وهو صحيح بشواهده: فيه عبد الله بن إبراهيم: قال ابن عدى: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات، وقال ابن حبان: يحدث عن الثقات بالمقلوبات. وقال الحافظ: متروك، ونسبه ابن حبان إلى الوضع، وانظر: تهذيب الكمال (14/ 275)، والتقريب (3199)، (التقريب 383). وفيه: إسحاق بن محمد الأنصارى: قال فيه الحافظ: مجهول تفرد عنه الغفارى ورواه أبو داود فى الأدب (4846)، والبيهقى فى السنن (3/ 236)، وابن عدى فى الكامل (3/ 174)، والمزى فى تهذيب الكمال (14/ 276)، أربعتهم من طريق عبد الله بن إبراهيم به فذكره، وقال أبو داود: عبد الله بن إبراهيم شيخ منكر الحديث وفيه أيضا: ربيح بن عبد الرحمن قال فيه الحافظ: مقبول (التقريب 1881). والحديث يشهد له ما رواه البخارى (6272)، من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، ومن حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما عند مسلم (763). (¬1) رواه مسلم فى المساجد (287،670)، وأبو داود فى الصلاة (1294)، والترمذى (585)، والنسائى فى السهو (3/ 80)، وأحمد فى مسنده (5/ 91،100،101،105،107)، والبغوى فى شرح السنة (709،711)، وابن حبان فى صحيحه، (2028،2029)، وعبد الرزاق فى مصنفه (3202)، والطبرانى فى الكبير (1885،1888،1913،1927،1960، 2006،2013،2019،2045)، وفى الصغير (1189).

22 - باب: ما جاء فى تكأة رسول الله صلى الله عليه وسلم

22 - باب: ما جاء فى تكأة رسول الله صلى الله عليه وسلم 125 - حدثنا عباس بن محمد الدورى البغدادى، حدثنا إسحاق بن منصور، عن إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متّكئا على وسادة على يساره». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى تكأة رسول الله صلى الله عليه وسلم) بضم أوله كلمزة، ما يتكأ عليه من عصى وغيرها، أى ما هى معدة لذلك فخرج الإنسان إذا اتكأ عليه، فلا يسمى تكأة، ومن ثمة ترجم لهما المصنف ببابين فرقا بينهما، وقدم هذا، لأنه الأصل فى الاتكاء، وأما الاتكاء على الإنسان فعارض، وقليل، ولهذا ترجم هنا بالتكأة، والاتكاء عليهما، وفيما يأتى بالاتكاء دون المتوكأ عليه، وكان القياس استواءهما لاشتراكهما فى التعبير بالتكاة هنا والمتوكأ عليه، ثمة والتعبير بالاتكاء والمتكأ عليه، ووجهه ما تقرر من أن التكأة مقصود للاتكاء بطريق الذّات، فكان النص عليها فى الترجمة أولى للاتكاء (¬1) عليه، ثمة ليس كذلك، فكان حذفه لأجل ذلك، والنص على الاتكاء أولى، فاندفع الاعتراض عليه، بأن الكل باب واحد. 125 - (الدورى) نسبة للدور بضم فسكون محلة من بغداد، أو قرية من قراها. (متكئا) بدل من رسول بناء على ما عليه الجمهور، أنه لا يشترط فى إبدال (¬2) النكرة من المعرفة وصفها، أو نحوها، أو حال (وسادة) أى مخدّة. (على يساره) أى حال كونها موضوعة على يساره، أى جانبه الأيسر وهو بيان للواقع لا للتقييد، فيجوز الاتكاء على الوسادة يمينا ويسارا، وسيأتى للمصنف أنه بين انفرد إسحاق بن منصور، وزيدت ¬

125 - صحيح: رواه الترمذى فى الأدب (2770) بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى اللباس (4143)، وأحمد فى مسنده (5/ 86،87)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 270)، ثلاثتهم من طريق إسرائيل عن سماك بن حرب به فذكره بنحوه. قال الترمذى: حسن غريب. (¬1) فى (ش) [التوكأ]. (¬2) فى (أ): [البدل].

126 - حدثنا حميد بن مسعدة، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا الجريرى، عن عبد الرحمن بن أبى بكرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أحدّثكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى، يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين. قال: وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان متّكئا. قال: وشهادة الزّور. أو: قول الزّور. قال: فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها، حتّى قلنا: ليته سكت». ـــــــــــــــــــــــــــــ الزيادة، ومن ثمة قال فى صحيحه: حديث حسن غريب، لكن مع ذلك يحتج به، وسيأتى أيضا أن الخطابى اختار فى المتكئ خلاف ذلك بينما الحديث يرد عليه، إلا أن يجاب: بأن كلامه فى نوع خاص، وهو الاتكاء عند الأكل غالبا، فلا ينافى ها هنا. 126 - (الجريرى) بجيم مضمومة فراء مفتوحة فبتحتية فراء. (بأكبر الكبائر) جمع كبيرة، وهى عند ابن عباس ومن تبعه كالإسفرائينى: كل منهى عنه فليس عنده صغيرة نظرا لمن عصى، وقال جماعة منهم الواحدى: حدّها منبهم علينا كما انبهم الاسم الأعظم، ووقت إجابة الدعاء ليلا، ويوم الجمعة، وليلة القدر، وحكمته هنا؛ الامتناع من كل معصية خوفا من الوقوع فى الكبيرة والصحيح بل الصواب: أن من الذنوب كبائر وصغائر، وأن الكبيرة حدا، فقيل: هى ما فيه حدّ، وقيل: ما ورد فيه وعيد شديد فى الكتاب والسنة، وإن لم يكن فيه حد، وهذا هو الأصح، وهو بمعنى ما اختاره الإمام من أنها كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها. وقد عدّ الفقهاء منها جملا مستكثرة: كزنا، ولواط، وشرب خمر، وإن قلّ ولم يسكر، ونبيذ ولم يعتقد حله، وسرقة، وقذف، وهذه فيها حدود، وكقتل وكتم شهادة، وشهادة زور، ويمين غموس، وغصب ما لا يقطع بسرقته، وفرار من كافرين بلا عذر، وربا، وأخذ مال اليتيم، ورشوة، وعقوق أصل وقطع رحم، وكذب على رسول الله ¬

126 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى البر والصلة (1901)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الشهادات (2654)، وفى الأدب (5976)، وفى الاستتابة (6919)، ومسلم فى الأيمان (88)، والإمام أحمد فى المسند (5/ 36،38)، والبيهقى فى السنن (10/ 121)، وأبو نعيم فى المسند على مسلم (260)، كلهم من طريق الجريرى به فذكره نحوه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم عمدا، وإفطار فى رمضان عمدا، وبخس كيل، أو وزن، أو ذرع، تقديم مكتوبة على وقتها وتأخيرها عنه، وترك زكاة، وضرب مسلم، أو ذمى عدوانا فى الأربعة، وسب الصحابة، وغيبة عالم أو حامل، أو قارئ قرآن، وسعاية عند ظالم، ودياثة وقيادة، وترك أمر بمعروف أو نهى عن منكر من قادر، وتعلم سحر، أو تعليمه، أو عمله، أو نسيان حرف من القرآن بعد البلوغ، أو إحراق حيوان بلا ضرورة، إلا إن لم يندفع إلا بحرقه ونشوز زوجة، ولو بنحو خروج فيما يظهر، وإباء حليلة من حليلها عدوانا، والإياس من رحمة الله، أو من مكره، وأكل لحم نجس عدوانا وغية، وما عدا ذلك ونحوه صغيرة، كالغيبة من غير منّ، وعلى أن جمعا بل حكى فيه الإجماع قالوا: إنها كبيرة مطلقا نعم تباح لأسباب ستة مقررة فى عملها من كتب الفقه، وقد بينتها فى كتابى: تطهير العيبة من دنس الغيبة، وكقبلة أجنبية، ولعن ولو بهيمة، وكذب لا حد فيه ولا ضرر، وهجو مسلم، ولو تعريضا وصدقا، وإشراف على بيت غيره، وهجر مسلم فوق ثلاثة أيام عدوانا، ونحو نوم وجلوس مع فاسق لا يناسبه، وتنجيس بدن، أو ثوب عدوانا، ونجش واحتكار، وبيع معيب على عيبه، ولم يذكره، وحصر الصغائر متعذر. (يا رسول الله) فائدته مع عدم الاحتياج إليه الإشارة إلى عظيم الإذعان لرسالته، وما ينشأ عنها من بيان الشريعة والاستجلاب بشىء من كمالاته وعلومه التى أوتيها بعد رسالته. (الإشراك بالله) أى الكفر به. (وعقوق الوالدين) أو أحدهما أو جمعهما لأن عقوق أحدهما يستلزم عقوق الآخر غالبا ويجر إليه من العق وهو لغة: القطع والمخالفة، وأما شرعا فقيل: ضابطه أن يعصيه فى جائز، وليس هذا الإطلاق بمرضى ولقد قضى بعض من سلك هذا المسلك الوعر على نفسه فقال: وإتقان ذلك فرع إتقان الفقه أى فلا يعتد بقائل ذلك، لأنه لم يتقن الفقه ولذلك قال بعض محققى الفقهاء طالما بحثت عن ضابطه فلم أجده، والذى آل إليه أمر أئمتنا: أن ضابطه أن يفعل به ما يتأذى به تأذيا ليس بالهين، لكن هل المراد بقولهم ليس بالهين بالنسبة للوالد حتى أن ما تأذى به كثيرا، وهو عرفا بخلاف ذلك كبيرة، أو بالنسبة للعرف، فما عداه أهله من لا يتأذى به كثيرا ليس بكبيرة، وإن يتأذى به كثيرا؟ كل محتمل، ولم يبينوه، والذى يظهر أن المراد الثانى، بدليل أنه لو أمر ولده بنحو فراق حليلته، لم تلزم طاعته، وإن تأذى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك كثيرا، فعلمنا أنه ليس المناط وجود التأذى الكثير، بل أن يكون ذلك من شأنه أن يتأذى به كثيرا فإن قلت: أكبر الكبائر لا يكون إلا واحدا، وهو الشرك، فكيف تعدد هنا؟ وأيضا فنحو القتل والزنا أكبر من العقوق فلم حذفا وذكر هو؟ قلت: ادعاء أن الأكبر لا يكون إلا واحدا، إنما هو إن أريد الحقيقة أما إن أريد الأكبر النسبى فيكون تعددا، ولا شك أن الأكبر بالنسبة إلى بقية الكبائر أمور أشار إليها، وإلى أمثالها النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: «اتقوا السبع الموبقات. . .» (¬1) الحديث. وح فالأكبر هنا لتعدده فى الجواب يراد به الأمر النسبى، وإنما ترك ذكر القتل ونحوه، لأنه علم من الأحاديث الأخر أن ذلك أكبر الكبائر بعد الشرك على أنه صلى الله عليه وسلم كان يراعى فى مثل ذلك أحوال الحاضرين كقوله صلى الله عليه وسلم مرة: «أفضل الأعمال الصلاة لأول وقتها» وأخرى: «أفضل الأعمال بر الوالدين» (¬2) وغير ذلك من نظائر له لا تخفى، فتأمل ذلك تعلم به ما وقع فى كلام بعضهم هنا من التكلف والخبط الذى لا يجدى. (وجلس) تنبيها على عظم إثم وقبح شهادة الزور. (وكان متكئا) هذا وجه مناسبة الحديث للترجمة لأن فيه الاتكاء وهو مستلزم للتكاءة فكأنها مذكورة فاندفع الاعتراض بأن هذا الحديث لا مناسبة له بهذا الباب بوجه وفيه أن الاتكاء فى الذكر والعلم بمحضر المستفيدين منه لا ينافى الأدب والكمال فإن الواعظ والمستفيد، ينبغى له التكرار والمبالغة، وإتعاب النفس فى الإزادة حتى يزحمه السامعون، وإنما خص. (شهادة الزور) بذلك، قيل: لأنها تشمل الكافر إذ هو شاهد زور، وقيل: فى المستحل، وهو كافر، والذى يتجه أن سبب ذلك أن شهادة الزور يترتب عليها الزنا والقتل وغيرهما، فكانت أبلغ ضررا من هذه الحيثية فنبه صلى الله عليه وسلم على ذلك بجلوسه وتكريره فيها ذلك دون غيرها. (أو قول الزور) إلخ رواية البخارى لا شك فيها وهى: «ألا وقول الزور وشهادة الزور. (فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها حتى قلنا: ليته سكت) وبه يعلم أن الضمير فى يقولها هنا قوله «ألا» وبعدها خلافا لمن وهم فيه، وإنما تمنوا سكوته: شفقة عليه، وكراهة لما يزعجه، أو خوفا من أن يجرى على لسانه ما يوجب نزول البلاء عليهم. ¬

(¬1) ذكره ابن عبد البر فى التمهيد وعزاه لابن وهب (5/ 74). (¬2) رواه أبو داود (1/ 114) (426)، ورواه الترمذى (1/ 320) (170)، والدار قطنى فى سننه (1/ 246،247،248).

127 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا شريك، عن على بن الأقمر، عن أبى جحيفة، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمّا أنا فلا آكل متّكئا». 128 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا سفيان، عن على بن الأقمر، قال: سمعت أبا جحيفة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا آكل متّكئا، لا آكل متّكئا». ـــــــــــــــــــــــــــــ 127 - (أبى جحيفة) بالتصغير توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبلغ هو (أما) لتفصيل ما أجمل وقد ترد لمجرد التأكيد، وكما هنا. (أنا) خصص نفسه الشريفة بذلك، لأن من خصائصه كراهته له دون أمته على ما زعمه ابن القاص من أئمتنا، والأصح: كراهته لهم أيضا، وعليه فوجه ذلك أن قضية كماله صلى الله عليه وسلم عدم الاتكاء فى الأكل، إذ مقامه الشريف يأباه من كل وجه بخلاف غيره وامتاز عنهم. (فلا آكل متكئا) أى أقعد متكئا على وطاء تحتى لأن هذا فعل من يريد أن يستكثر من الطعام وإنما أكل علقة منه، فيكون قعودى له مستوقرا، فالمتكئ والمعتمد على وطاء تحته وكل من استوى قاعدا على وطاء تحته فهو متكئ، وليس المتكئ هنا المائل على أحد شقيه كما تظنه العامة، وكره الخطابى، ومراده أن المتكئ هنا لا ينحصر فى المائل، بل يشمل الأمرين، فيكون كل منهما، لأنه فعل المتكبرين الذين لهم نهمة وشره، واستكثار من الأطعمة، ويكره أيضا مضطجعا إلا فيما ينتقل به، ولا يكره قائما لكنه قاعدا أفضل، ووجه مناسبة هذا الحديث للترجمة بيان اتكاءه صلى الله عليه وسلم كان فى غير الأكل، ففيه نوع بيان للتكاءة فى الجملة. ¬

127 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (183)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الأطعمة (5398)، (5399)، وكذلك أبو داود (3769)، وابن ماجه (3262)، وأحمد فى المسند (4/ 308، 309)، والحميدى فى مسنده (832)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 288)، والبيهقى فى السنن (7/ 49)، كلهم من طريق على بن الأقمر به فذكره. 128 - إسناده صحيح: وتقدم فى الذى قبله.

129 - حدثنا يوسف بن عيسى، حدثنا وكيع، حدثنا إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة: «رأيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم متّكئا على وسادة». ـــــــــــــــــــــــــــــ ¬

129 - صحيح: رواه الترمذى فى الأدب (2771)، بسنده ومتنه سواء. وقال: حسن صحيح. وقد تقدم الحديث برقم (125). وانظر فى هديه صلى الله عليه وسلم فى جلوسه واتكائه: زاد المعاد للإمام الهمام العلامة شيخ الإسلام: ابن قيم الجوزية (1/ 70)، و «سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد» للإمام محمد بن يوسف الصالحى الشامى (7/ 239،241)، وجمع الوسائل فى شرح الشمائل للشيخ العلامة على القارئ (1/ 230،235)، مع شرح الشمائل للعلامة المناوى.

23 - باب: ما جاء فى اتكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

23 - باب: ما جاء فى اتكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم 130 - حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا حماد ابن سلمة، عن حميد، عن أنس: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان شاكيا، فخرج يتوكّأ على أسامة بن زيد، وعليه ثوب قطرئ، قد توشح به فصلّى بهم». 131 - حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا محمد بن المبارك، حدثنا عطاء ابن مسلم الخفاف الحلبى، حدثنا جعفر بن برقان، عن عطاء بن أبى رباح، عن الفضل بن عباس، قال: «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه الّذى توفّى فيه، وعلى رأسه عصابة صفراء، فسلّمت عليه. فقال: يا فضل. قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: اشدد ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى اتكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) 130 - (شاكيا) بمعنى المرض. (يتوكأ) أى يتحامل ويعتمد. (قطرئ قد توشح به) مرّ بيان هذين فى باب اللباس، والوشاح: بضم أوله وكسره ثوب عريض مرصع بنحو الجوهر، تتوشح به المرأة أى تجعله على عاتقها الأيمن إلى كشحها الأيسر (¬1). 131 - (برقان) بموحدة مضمومة فراء فقاف. (على عصابة) أى خرقة أو عمامة كما ¬

130 - صحيح: وقد تقدم برقم (58). 131 - إسناده ضعيف: فيه: عطاء بن مسلم قال فيه الحافظ: صدوق يخطئ كثيرا (التقريب 4599)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (9/ 25،26)، وقال: رواه أبو يعلى، والطبرانى فى الكبير والأوسط، وفى إسناد أبى يعلى عطاء بن مسلم وثقه ابن حبان وغيره وضعفه جماعة، وبقية رجال أبى يعلى ثقات، وفى إسناد الطبرانى من لم أعرفهم. (¬1) انظر: اللسان لابن منظور (6/ 4841) [وشح]، والنهاية لابن الأثير (5/ 187)، والمجموع المغيث فى غريبىّ القرآن والحديث للحافظ أبى موسى الأصفهانى (3/ 417).

بهذه العصابة رأسى. قال: ففعلت. ثمّ قعد، فوضع كفّه على منكبى. ثمّ قام فدخل فى المسجد». وفى الحديث قصة. ـــــــــــــــــــــــــــــ مرّ لكنّ قوله الآتى: «اشدد بهذه العصابة رأسى» يؤيد الأول بل يعينه. (فسلمت) أى فردّ علىّ السلام فهو أو غيره. (اشدد) فيه أن شد العصابة بالرأس لموجع لا ينافى الكمال والتوكل لأنه نوع من التداوى وإظهار الافتقار والمسكنة ثم وضع. (كفه على منكبى، ثم قام) فاعتماده عليه فى القيام يسمى اتكاء، إذ قد يراد به مطلق الاعتماد على الشىء. (فى المسجد) الشائع حذف فى وتعديه، دخل بنفسه كما فى نسخة قصته، تأتى فى باب الوفاة. ***

24 - باب: ما جاء فى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم

24 - باب: ما جاء فى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم 132 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، عن سفيان عن سعد بن إبراهيم، عن ابن لكعب بن مالك، عن أبيه: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان يلعق أصابعه ثلاثا». قال أبو عيسى: روى غير محمد بن بشار هذا الحديث قال: «يلعق أصابعه الثلاث». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى صفة أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم) هو إدخال غير المائع من الفم إلى المعدة، والشرب إدخال الماء إليها. 132 - (يلعق) بفتح العين مضارع لعق بالكسر أى يلحس بعد الأكل، فيسن قبل المسح، أو الغسل، وبعد الفراغ من الأكل لعقها، لرواية مسلم، ويلعق يده قبل أن يمسحها محافظة على البركة المعلومة بما يأتى، وتنظيفا لها لا فى أثناء الأكل، لأن فيه تقذير للطعام، وفى رواية: «يلعق، أو يلعقها غيره» فينبغى لمن يتبرك به أن يفعل ذلك مع من لا يستقذره، من نحو ولد، وخادم، وزوجة يحبونه، ويتلذذون بذلك منه، فإن فى ذلك بركة لحديث: «إذا أكل أحدكم طعامه فليلعق أصابعه، فإنه لا يدرى فى أيهن البركة» (¬1) أى: لا تعلم البركة فى أية واحدة منهن فليس فيه بحذف مضاف، خلافا لمن وهم فيه، وفسره بما ينبو عنه اللفظ. (ثلاثا) يؤخذ منه: ندب تثليث اللعق، وعليه فالذى يظهر أن الأكمل أن يلعق كل إصبع ثلاثا متوالية، لاستقلال كل، فناسب كمال ¬

132 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى الأشربة (2032،2033،2034)، وأحمد فى مسنده (2/ 7)، (3/ 177). قلت: وهو شاذ لمخالفته رواية الثقات، كما أشار إلى ذلك الترمذى عقب الحديث، وانظر تخريجه فى رقم (135). (¬1) رواه البخارى فى الأطعمة (5456)، جزء منه ومسلم فى الأشربة (2033،2035) بلفظه، وأبو داود فى الأطعمة (3845)، والترمذى (1801)، وابن ماجه (3270)، والدارمى (2/ 95،96،97)، وأحمد فى مسنده (1/ 221،293،346،370)، (2/ 341،415)، (3/ 301،331،337،366،394)، (6/ 386)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تنظيفها قبل الانتقال إلى البقية، وحمل هذه على الرواية الآتية وأن المراد ب‍ «ثلاثا» أصابعه الثلاث، ليس فى محله، لأنه إخراج اللفظ عن ظاهره بغير دليل، فالصواب: أن الملعوق ثلاث أصابع، كما بينته الرواية الآتية وأن اللعق ثلاث لكل من تلك الثلاث، كما بينته هذه الرواية ولهذا تجتمع الروايتان من غير إخراج للأولى عن ظاهرها بأصابعه الثلاث: الإبهام، والسبابة والوسطى، يبدأ بالوسطى، لأنها أكثر تلويثا إذ هى أطول، فيبقى فيها من الطعام أكثر من غيرها، ولأنها لطولها أول ما تنزل الطعام، ثم بالسبابة، ثم بالإبهام لخبر الطبرانى فى الأوسط. «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث بالإبهام، والتى تليها، والوسطى، ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث قبل أن يمسحها، الوسطى، ثم التى تليها، ثم الإبهام» (¬1) تعرض عليه حوائج المحتاجين فيخرجه فيها، فصدق أنه ادخر قوت سنة وأنهم لم يشبعوا كما ذكر، لأنه لم يبق عندهم ما ادخر لهم، وآل محمد: أهل بيته، فالخبر مطابق للترجمة، وبزعم أن فيها حذفا، أى خبر آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطابق الحديث، باطل «على أنا» وإن لم نجعله داخلا فيهم، فالترجمة لا حذف فيها، لأن ما يأكل عياله يسمى خبزه ومنسوب إليه. واعتراض ذلك بأن نسبة الثلاث للفم سوء غفلة عن الخبر والمعنى المذكورين وساق لعق الإناء أحمد والمصنف وابن ماجه وابن شاهين والدارمى وغيرهم: «من أكل فى قصعة ثم لحسها استغفرت له القصعة» (¬2)، قال المصنف: وهو حديث غريب وروى أبو الشيخ: «من أكل ما يسقط من القصعة أمن من الفقر والبرص والجذام وصرف عن ولده الحمق» (¬3) والديلمى: «من أكل ما يسقط من المائدة خرج ولده صباح الوجوه ونفى عنه الفقر» (¬4) وأورده فى الإحياء ¬

(¬1) من هنا بدأ سقط من (أ). (¬2) رواه الترمذى فى الأطعمة (1804)، وابن ماجه فى الأطعمة (3271،3272)، والدارمى (2/ 69)، وأحمد فى مسنده (5/ 76)، والبغوى فى شرح السنة (2876)، وذكره الهندى فى كنز العمال (40787)، وعزاه لأحمد فى مسنده والترمذى وابن ماجه عن نبيشة (15/ 247). (¬3) ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (5/ 224)، وقال: رواه أبو الشيخ من حديث جابر، بلفظ المائدة. (¬4) ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (5/ 224)، وقال: رواه أبو الحسن بن معروف فى فضائل بنى هاشم، والخطيب وابن النجار فى تاريخيهما، بلفظ الخوان، وذكره العجلونى فى كشف الخفاء (2393)، وقال: أخرجه الخطيب ثم ضعفه، وذكره الغزالى فى الإحياء بلفظ: عاش فى سعة وعوفى ولده (2/ 230).

133 - حدثنا الحسن بن على الخلال، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: «كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثّلاث». ـــــــــــــــــــــــــــــ بلفظ «عاش فى سعة وعوفى ولده» والثلاثة مناكير. نعم روى مسلم «إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها وليمط ما كان بها من أذى ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه لأنه لا يدرى فى أى طعامه البركة» (¬4). تنبيه: فى الأحاديث المذكورة الردّ على من كره لعق الأصابع استقذارا، ومن ثم قال الخطابى: عاب قوم أفسد عقولهم الترفه لعق الأصابع وزعموا أنه مستقبح كأنهم لم يعلموا أن الطعام الذى علق بالأصابع والصحفة جزءا مما أكلوه فإذا لم يستقذر كله فلا يستقذر بعضه وليس فيه أكثر من مصها ببطن الشفة ولا يشك عاقل أنه لا بأس بذلك وقد يدخل الإنسان أصابعه فى فيه فيدلكه ولم يستقذر من ذلك أحد، انتهى ملخصا ويؤيده أن الاستقذار إنما يتوهم فى اللعق أثناء الأكل لأنه يعيدها فى الطعام وعليها آثار ريقه وهذا غير سنة كما مر. واعلم أن الكلام فيمن استقذر ذلك من حيث هو لا مع نسبته للنبى صلى الله عليه وسلم وإلا خشى عليه الكفر إذ من استقذر شيئا من أحواله صلى الله عليه وسلم مع علمه بنسبته إليه صلى الله عليه وسلم كفر. ¬

133 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1803) بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الأشربة (2031)، وأبو داود فى الأطعمة، (3845)، وأحمد فى المسند (3/ 290)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 208)، أربعتهم من طرق عن حماد به فذكره، وعند أحمد لم يذكر لفظ: «الثلاث». (¬4) رواه مسلم فى الأشربة (2033)، وأحمد فى مسنده (3/ 177). وذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (5/ 220/221)، وقال: رواه أحمد ومسلم والنسائى وابن ماجه وعند أحمد والشيخين وأبى داود وابن ماجه من حديث ابن عباس الجملة الأولى فقط، ورواه أحمد ومسلم والترمذى من حديث أبى هريرة بلفظ: إذا أكل أحدكم طعاما فليلعق أصابعه فإنه لا يدرى فى أى طعامه تكون البركة، وكذلك رواه الطبرانى فى الكبير عن زيد بن ثابت وفى الأوسط عن أنس.

134 - حدثنا الحسين بن على بن يزيد الصدائى البغدادى، حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمى، حدثنا شعبة عن سفيان الثورى، عن على بن الأقمر، عن أبى جحيفة، قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: «أمّا أنا فلا آكل متّكئا». ـــــــــــــــــــــــــــــ (أما أنا فلا آكل متكئا) (¬1) رواه البخارى أيضا. وورد بسند حسن «أهديت للنبى صلى الله عليه وسلم شاة فجثا على ركبتيه يأكل. فقال له أعرابى: ما هذه الجلسة؟ فقال: إن الله جعلنى كريما ولم يجعلنى جبارا عنيدا» وإنما فعل صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا لله فمشى ثم قال: «إنما أنا عبد أجلس كما يجلس العبد وآكل كما يأكل العبد» (¬2) وفى خبر مرسل أو معضل عن الزهرى. «أتى صلى الله عليه وسلم ملك لم يأته قبلها فقال: إن الله يخيرك أن تكون عبدا نبيا أو نبيا ملكا فنظر إلى جبريل كالمستشير له فأومأ إليه أن تواضع. فقال: لا بل عبدا نبيا قال: فما أكل متكئا قط» (¬3). لكن أخرج ابن أبى شيبة عن مجاهد: أنه أكل متكئا مرة، فإن صح فهو زيادة مقبولة، ويؤيدها ما أخرجه ابن شاهين عن عطاء بن يسار: «أن جبريل رأى النبى صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا فنهاه» وروى ابن ماجه «أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الرجل منبطح ¬

134 - إسناده صحيح: وتقدم برقم (127). (¬1) رواه البخارى فى الأطعمة (5398،5399)، وأبو داود (3769)، والترمذى (1830)، وفى الشمائل (142)، وابن ماجه فى الأطعمة (3262)، والدارمى (2/ 106)، وأحمد فى مسنده (4/ 308،309)، والحميدى (891)، وابن حبان فى صحيحه (5240)، وأبو يعلى فى مسنده (884،888،889)، والبيهقى فى السنن (7/ 49)، وفى الآداب (671)، والطبرانى فى الكبير (22/ 254،340،341،342،343،344،345،346،347،348، 349،351)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 196)، والبغوى فى شرح السنة (11/ 286) (2838). (¬2) رواه أبو نعيم فى أخبار أصفهان (2/ 273)، وذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (5/ 214)، وقال العراقى: رواه أبو داود من حديث عبد الله بن بسر. (¬3) روى مرفوعا عن أبى هريرة. رواه أحمد فى مسنده (2/ 231)، وابن حبان فى صحيحه (6365)، والبزار فى مسنده (2462)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (9/ 19،20)، وقال: رواه أحمد والبزار وأبو يعلى ورجال الأولين رجال الصحيح.

135 - حدثنا هارون بن إسحاق الهمدانى، حدثنا عبدة بن سليمان، عن هشام ابن عروة، عن ابن لكعب بن مالك، عن أبيه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثّلاث ويلعقهنّ». ـــــــــــــــــــــــــــــ على وجهه» (¬1) وفسر الأكثر الاتكاء الميل على أحد الجانبين لأنه مضر بالأكل فإنه يمنع مجرى الطعام الطبيعى عن هيئته ويعوقه عن سرعة نفوذه إلى المعدة ويصفط المعدة فلا يستحكم فتحها للّقمة، ونقل فى الشفاء عن المحققين أنهم فسروه بالتمكن للأكل والقعود فى الجلوس كالمتربع المعتمد على وطاء تحته لأن هذه الهيئة تستدعى كثرة الأكل والكبر، وورد بسند ضعيف زجر النبى صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الأكل قال مالك رضى الله عنه: وهو نوع من الاتكاء. وقال بعض المتأخرين منا: وفى هذا إشارة من مالك إلى كراهة كل ما يعد الآكل فيه متكئا ولا يختص بصفة بعينها واختلفوا فى حكم الاتكاء فى الأكل، فقال ابن القاص: كراهته من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وقال غيره: يكره لغيره أيضا إلا لضرورة وعليه يحمل ما ورد عن جمع من السّلف، وتعقب الحمل المذكور بأن ابن أبى شيبة أخرج عن جمع منهم الجواز مطلقا لكن يؤيد الأول ما أخرجه ابن أبى شيبة أيضا عن النخعى: كانوا يكرهون أن يأكلوا تكأة مخافة أن تعظم بطونهم وإذا ثبت كون الاتكاء مكروها أو خلاف الأولى فالسنة أن يجلس على اليسرى. قال ابن القيم: ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجلس للأكل متوركا على ركبتيه ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر اليمنى تواضعا لله عز وجل وأدبا بين يديه، وقال: هذه الهيئة أنفع هيئات الأكل وأفضلها لأن الأعضاء كلها على وضعها الطبيعى الذى وضعها الله تعالى عليه. (يأكل بأصابعه الثلاث) (¬2) فيه ندب الأكل ومحله: إن كفت وإلا فكما فى المائع زاد ¬

135 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى الأشربة (2032)، وأبو داود فى الأطعمة (3848)، وأحمد فى المسند (3/ 454)، وابن أبى عاصم فى الآحاد والمثانى (2015)، والطبرانى فى الكبير (19/ 93)، (82)، أبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 209) من طريق ابن لكعب بن مالك به فذكره. (¬1) رواه أبو داود فى الأطعمة (3774)، بلفظ: بطنه. (¬2) رواه مسلم فى الأشربة (2032)، وأبو داود فى الأطعمة (3845)، والدارمى (2/ 97)، وأحمد فى مسنده (6/ 386).

136 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا مصعب بن سليم، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر، فرأيته يأكل وهو مقع من الجوع». ـــــــــــــــــــــــــــــ بحسب الحاجة وإنما اقتصر صلى الله عليه وسلم على الثلاث لأنه الأنفع إذ الأكل بأصبع أكل المتكبرين لا يستلذّ به الآكل ولا يستمرئه لضعف ما يناله منه كل مرة فهو كمن أخذ حبة حبة وبالخمس يوجب ازدحام الطعام على مجراه والمعدة فربما استد مجراه فأوجب الموت فورا. وفى حديث مرسل «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل أكل بخمس» (¬1) وهو محمول على المائع كما مر. (وهو مقع) أى جالس على أليتيه ناصب ساقيه هذا هو الإقعاء المكروه فى الصلاة وإنما لم يكره هنا لأن ثم فيه تشبّه بالكلاب وهنا تشبّه بالأرقاء ففيه غاية التواضع ولهم إقعاء ثان لكن مسنون فى الجلوس بين السجدتين لأنه صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه فعله فيه وهو أن ينصب ساقيه ويجلس على عقبيه. قيل: وهذا هو المراد هنا والأصح الأول؛ لأن هيئته تدل على أنه صلى الله عليه وسلم غير متكلف ولا معتن بشأن الأكل. وفى القاموس: أقعى فى جلوسه: تساند لما وراءه. وهذا يشعر بمزيد الرغبة عن الأكل المناسب لحاله صلى الله عليه وسلم وحينئذ فمعنى وهو مقع (من الجوع) ربما قدرته بعلم أن الاستناد ليس من مندوبات الأكل لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلا لذلك الضعف الحاصل له صلى الله عليه وسلم. ... ¬

136 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى الأشربة (2044)، وأبو داود فى الأطعمة (3771)، والدارمى فى الأطعمة (2/ 104)، وأحمد فى مسنده (3/ 180)، أربعتهم من طرق عن مصعب بن سليم به فذكره نحوه. (¬1) ذكره الحافظ فى فتح البارى (9/ 491)، والزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (5/ 273)، وقال: هو محمول على المائع، والله أعلم.

25 - باب: ما جاء فى صفة خبز رسول الله صلى الله عليه وسلم

25 - باب: ما جاء فى صفة خبز رسول الله صلى الله عليه وسلم 137 - حدثنى محمد بن المثنى ومحمد بن بشار، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبى إسحاق، قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد، يحدث عن الأسود بن يزيد، عن عائشة أنها قالت: «ما شبع آل محمّد صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير يومين متتابعين حتّى قبض رسول صلى الله عليه وسلم». 138 - حدثنا عباس بن محمد الدورى، حدثنا يحيى بن أبى بكير، حدثنا حريز ابن عثمان، عن سليم بن عامر، قال: سمعت أبا أمامة الباهلى، يقول: «ما كان يفضل عن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خبز الشّعير». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى صفة خبز رسول الله صلى الله عليه وسلم) 137 - (ما شبع) إلى آخره. قد قدمنا أنه صلى الله عليه وسلم كان يدخر قوت عياله سنة، ويجاب أخذا من كلام النووى فى شرح مسلم بأنه كان يفعل ذلك «أواخر حياته». 138 - (ما كان يفضل) أى لم يكثر ما يجدونه ويخبزونه من الشعير عندهم حتى يفضل عندهم منه شىء، بل كان ما يجدونه لا يشبعهم فى الأكثر، روى الشيخان عن عائشة: «توفى النبى صلى الله عليه وسلم، وليس عندى شىء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير فى زق لى، فأكلت منه حتى طال علىّ فكلته ففنى». ¬

137 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الزهد (2357)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الزهد (2970)، وابن ماجه فى الأطعمة (3346)، كلاهما من طريق محمد بن جعفر به فذكره. 138 - صحيح: رواه الترمذى فى الزهد (2359)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أحمد فى مسنده (5/ 260، 267)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 307)، كلاهما من طرق.

139 - حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحى، حدثنا ثابت بن يزيد، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت اللّيالى المتتابعة طاويا هو وأهله، لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشّعير». 140 - حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفى، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد، أنه قيل له: «أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النّقىّ-يعنى الحوّارى-؟ فقال سهل: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النّقىّ حتّى لقى الله عزّ وجلّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 139 - (طاويا) أى خالى البطن جائعا. (عشاء) هو بالفتح ما يؤكل عند العشاء وبالكسر بمعنى آخر النهار كما فى نسخة. 140 - (الحوّارى) بحاء مضمومة فواو مشددة فراء مفتوحة فزعم تشديد الياء غير صحيح ما حورى من الطعام أى بيض بنخله المرة بعد الأخرى، فهو الدقيق الأبيض، وكل ما بيض من الطعام ومن اقتصر على الأول لم يصب. (النقى) أى من النخالة ونقى رؤيته مبالغة فى أكله. (حتى لقى الله) كناية عن موته لأن الميت بمجرد خروج ¬

139 - إسناده حسن: رواه الترمذى فى الزهد (2360)، بسنده ومتنه سواء، ورواه ابن ماجه فى الأطعمة (3347)، وأحمد فى المسند (1/ 255،373،374)، وفى الزهد (30)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 306)، والشجرى فى أماليه (2/ 207)، كلهم من طريق ثابت بن يزيد به فذكره. انظر: غريب الصحيحين للحميدى (63/ 26)، النهاية لابن الأثير (5/ 112). 140 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الزهد (2364)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الأطعمة (5413)، وابن ماجه كذلك (3335)، والنسائى فى الكبرى (5715)، والإمام أحمد فى المسند (5/ 332)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 300)، وابن أبى شيبة فى مسنده (132) بتحقيقنا، وعبد بن حميد فى المنتخب (461)، والطبرانى فى الكبير (6/ 200)، والرويانى فى المسند (1024)، كلهم من طرق عن أبى حازم به فذكره نحوه.

فقيل له: هل كانت لكم مناخل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما كانت لنا مناخل. فقيل له: كيف كنتم تصنعون بالشّعير؟ فقال: كنّا ننفخه، فيطير منه ما طار، ثمّ نعجنه». ـــــــــــــــــــــــــــــ روحه يتأهل للقاء ربه ورؤيته وأجاب بعضهم عن هذه الغاية بما يتعجب منه (¬1). (بالشعير) أى بدقيقه مع ما فيه من النخالة وغيرها، وفى هذا تركه صلى الله عليه وسلم التكلف والاعتناء بشأن الطعام فإنه لا يعتنى به إلا أهل الحماقة والغفلة والبطالة، روى البخارى عن سهل نحو رواية المصنف، وفى رواية له عنه أيضا: «ما رأى النبى صلى الله عليه وسلم منخلا من حين بعثه الله حتى قبضه الله» (¬2)، وقال بعض المحققين: أظنه احترز عما قبل البعثة لكونه صلى الله عليه وسلم كان يسافر تلك المدة إلى الشام تاجرا، وكانت الشام إذ ذاك مع الروم، والخبز النّقى عندهم كثير، وكذا المناخل وغيرها من آلات الترفه ولا ريب أنه رأى ذلك عندهم، وأما بعد البعثة فلم يكن إلا بمكة والطائف والمدينة ووصل تبوك من أطراف الشام لكن لم يفتحها ولا طالت إقامته بها انتهى. وروى البزار بسند ضعيف: «قوتوا طعامكم يبارك لكم فيه» (¬3) وحكى البزار عن بعض أهل العلم، وصاحب النهاية عن الأوزاعى أنه تصغير الأرغفة، وهذا أولى من خبر الديلمى: «صغروا الخبز، وأكثروا عدده يبارك لكم فيه» (¬4) فإنه واه، ومن ثمة ذكره ابن الجوزى فى الموضوعات، ومن خبر: «البركة فى صغر القرص» فإنه كذب كما نقل عن النسائى. ¬

(¬1) انظر غريب الصحيحين للحميدى (63/ 26)، والنهاية لابن الأثير (5/ 112). (¬2) رواه البخارى فى الأطعمة (5410،5413)، والترمذى فى الزهد (2364)، والنسائى فى الرقاق (4/ 121)، وابن ماجه فى الأطعمة (6335)، والبغوى (2845)، وابن حبان فى صحيحه (6347،6360)، وأحمد فى مسنده (5/ 332)، والطبرانى فى الكبير (5796، 5846،5889،5999)، وأدرجه البوصيرى فى مصباح الزجاجة (2/ 206). (¬3) رواه السيوطى فى اللآلئ المصنوعة (2/ 216)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 35)، وقال: رواه البزار والطبرانى وفيه: أبو بكر بن أبى مريم وقد اختلط وبقية رجاله ثقات، وذكره العجلونى فى كشف الخفاء (1902)، وقال: رواه الطبرانى عن أبى الدرداء بسند ضعيف وسيأتى فى: كيلوا طعامكم (2/ 103). (¬4) ذكره الهندى فى كنز العمال (40782)، وعزاه للأزدى فى الضعفاء والإسماعيلى فى معجمه عن عائشة (15/ 246)، وذكره العجلونى فى كشف الخفاء (1601)، وقال: رواه الديلمى عن عائشة مرفوعا بسند واه، بحيث ذكره ابن الجوزى فى الموضوعات (2/ 25).

141 - حدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثنى أبى، عن يونس، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: «ما أكل نبىّ الله صلى الله عليه وسلم على خوان، ولا فى سكرجة، ولا خبز له مرقّق. قال: فقلت لقتادة: فعلام كانوا يأكلون؟ قال: على هذه السّفر». ـــــــــــــــــــــــــــــ 141 - (خوان) بكسر الأول المعجم ويجوز ضمه وهو المائدة ما لم يكن عليها طعام، وهو معرب (¬1)، يعتاد بعض المتكبرين والمترفهين الأكل عليه احترازا عن خفض رؤسهم، فالأكل عليها بدعة لكنها جائزة (سكرجة) بضم أحرفه الثلاثة مع تشديد الراء، وقيل: الصواب فتح رائه، لأنه معرب من مفتوحها، وهى إناء صغير يجعل فيها ما يشتهى ويهضم على الموائد حول الأطعمة (¬2). (مرقق) وهو المحسن الملين كخبز الحوارى، وشبهه، والترقيق: التليين وقد يراد بالمرقق الرقيق الموسع قاله القاضى، وجزم به ابن الأثير فقال: وهو السميد، وما يصنع من كعك وغيره، وقال ابن الجوزى: هو الخفيف كأنه أخذه من الرقاق، وهو الخشبة التى ترقق بها وهو الحوّارى السابق، وظاهره أنه لم يأكله قبل البعثة ولا بعدها فإنه كان يأكله إذا خبز لغيره، وهو محتمل لكن ظاهر الحديث الآتى آخر الباب أنه لم يأكله مطلقا، ويؤيده خبر البخارى عن أنس: «ما أعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رغيفا مرققا حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطا بعينيه حتى لحق بالله» والسميط: هو ما أزيل شعره بماء سخن وشوى بجلده، وإنما يفعل ذلك بصغير السن، وهو من فعل المترفهين قال ابن الأثير. ولعله يعنى أنه لم ير السميط فى مأكوله، إذ لو كان غير معهود لم يكن فى ذلك تمدح (¬3). (فعلام كانوا يأكلون) إن جعلنا الواو للتعظيم ¬

141 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1788)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الأطعمة (5385)، وابن ماجه (3292،3293)، وأحمد فى مسنده (3/ 130) من طريق قتادة به فذكره، وقال أبو عيسى: حسن صحيح غريب من طريق سعيد بن أبى عروبة. (¬1) أى فارسى معرب، انظر شرح الشمائل للمناوى (1/ 241). (¬2) وقال ابن العربى: «مائدة صغيرة ذات جدار» شرح المناوى على الشمائل (1/ 241). (¬3) انظر النهاية (2/ 400،401).

142 - حدثنا أحمد بن منيع، عن عباد بن عباد المهلبى، عن مجالد، عن الشعبى، عن مسروق، قال: «دخلت على عائشة، فدعت لى بطعام، وقالت: ما أشبع من طعام فأشاء أن أبكى إلا بكيت. قال: قلت لم؟ قالت: أذكر الحال التى فارق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم الدّنيا، والله ما شبع من خبز ولحم مرّتين فى يوم واحد». ـــــــــــــــــــــــــــــ كما فى رَبِّ اِرْجِعُونِ (¬1)، أى له صلى الله عليه وسلم ولأهل بيته فظاهر، أو للصحابة، فإنما عدل عن القياس، فإنهم يتأسون بأحواله، فكان السؤال عن أحوالهم كالسؤال عن حاله. (ولا خبز له مرقق) أى ولا لغيره فأكل منه كما يدل عليه الخبر الآتى: «ولا أكل خبزا مرققا حتى مات» (¬2) فزعم احتمال أكله له إذا خبز لغيره، ليس فى محله وظاهر النفى أنه لم يأكل ذلك قبل النبوة أيضا، لكن فى رواية: «من حين ابتعثه الله» (¬3) فيحتمل أنها للتقييد، لأنه قبل البعثة ذهب إلى الشام، وفيها المرقق، فيحتمل أنه أكله، ويحتمل أنها لبيان الواقع. (السفر) جمع سفرة واشتهرت لما يوضع عليه الطعام جلد كان، أو غيره ما عدا المائدة لما مر أنها شعار المتكبرين غالبا. 142 - (فدعت لى بطعام) أى خبز ولحم مرتين بدليل جوابها أو من مطلق الطعام ويتذكر من شبعها أنه صلى الله عليه وسلم لم يشبع من ذلك مرتين. (فأشاء) الذى دل عليه كلامها أن ¬

142 - إسناده ضعيف وهو صحيح بشواهده: فيه: مجالد بن سعيد: قال البخارى: كان يحيى بن سعيد يضعفه، وكان عبد الرحمن بن مهدى لا يروى عنه شيئا. وكان ابن حنبل لا يراه شيئا يقول: ليس بشىء، وقال الحافظ: ليس بالقوى، وقد تغير فى آخر عمره. وانظر: تهذيب الكمال (27/ 223)، والتقريب (6478). قلت: وإن كان قد روى له مسلم مقرونا بغيره، والباقون سوى البخارى، وله شاهد فى الصحيحين وغيرهما دون جملة البكاء من حديث عائشة وأبى أمامة وابن عباس وانظر: أرقام الأحاديث (137،138،139). (¬1) سورة المؤمنون: آية (99). (¬2) رواه البخارى فى الأطعمة (5385)، بلفظ حتى لقى الله، وفى الرقاق (6450) بلفظه والترمذى فى الزهد (2363) بلفظه. (¬3) رواه البخارى فى الأطعمة (5413).

143 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن أبى إسحاق، قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد، يحدث عن الأسود بن يزيد، عن عائشة، قالت: «ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز الشّعير يومين متتابعين حتّى قبض». 144 - حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا عبد الله بن عمرو (أبو معمر)، حدثنا عبد الوارث، عن سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، عن أنس، قال: «ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان، ولا أكل خبزا مرقّقا حتّى مات». ـــــــــــــــــــــــــــــ مرادها يحصل لى من شبع، إلا تسبب عنه شيئين للبكاء فيوجد منى فورا من غير تراخ، ومعنى قوله: ثقلته أى لم تسبب عن الشبع من تلك المشيئة المسبب عنها وجود البكاء فورا، وهذا أظهر ما قبل البكاء لازم الشبع الذى تعقبه المشيئة وليست المشيئة لازمة للشبع، ووجه الأولوية أن هذا وإن أشار إليه قوله أثقال، ولم يقتصر على «ما أشبع من طعام إلا بكيت» (¬1) لكنه ليس مرادا لها، لأن مقصودها أن تنبه على أن البكاء لازم الشبع بالقوة أى بتقدير المشيئة لا مطلقا، وقيل: بموت ما بكى لاستحضار صورة الحال الماضية و (بكيت) ليكون قرينة على ما أرادت. انتهى، وليس بسديد، وإنما سبب ذلك أن أبكى معمولا لأشاء المستقبل، فلزم كونه مستقبلا بخلاف بكيت بعده، لأن معناه إلا وجد كما تقرر فتأمل ذلك كله، فإنه مما كثر فيه الخبط وطال، (بكيت) أى تأسفا وتحزنا لتلك الشدة التى قاستها أو تحسرا على فوات ذلك المقام الأكمل الذى كانت أعينت عليه ورضيت به ببركة صحبة النبى صلى الله عليه وسلم. (مرتين فى يوم واحد) أى من أيام عمره، فلم يوجد يوم قط شبع فيه مرتين منهما ولا من أحدهما كما يشير إليه قولها ولا لحم بإعادة «لا» وفيه: إشارة إلى أنه شبع منه مرة فى يوم. ... ¬

143 - إسناده صحيح: وتقدم فى الحديث رقم (137). 144 - إسناده صحيح: وقد تقدم فى الحديث رقم (141). (¬1) رواه الترمذى فى الزهد (2356).

26 - باب: ما جاء فى إدام رسول الله صلى الله عليه وسلم

26 - باب: ما جاء فى إدام رسول الله صلى الله عليه وسلم 145 - حدثنا محمد بن سهل بن عسكر، وعبد الله بن عبد الرحمن، قالا: حدثنا يحيى بن حسان، حدثنا سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نعم الإدام الخلّ. قال عبد الله بن عبد الرّحمن فى حديثه: نعم الأدم-أو الإدام-الخلّ». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى صفة إدام رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر الهمزة، وهو ما يؤكل مع الخبز مائعا أو غيره لحديث: «سيد إدام أهل الدنيا والآخرة اللحم» (¬1)، قيل: ولا ينافيه عدم حنث من حلف لا يأتدم به لأن مبنى الإيمان على العرف وأهله ولا يعدون اللحم إداما لأنه كثير أما يقصد به لذاته لا للتوصل به إلى إساغة غيره انتهى، وليس كما زعم هذا القائل بل يحتمل لأن المعتمد من مذهبه، كما يأتى قبل باب الوضوء أن اللحم أدم، وسمى ذلك أدما، لإصلاحه الخبز، وجعله ملائما لحفظ الصحة أى فى الجسم الذى جملته الأديم أى الجلد. 145 - (رسول الله صلى الله عليه وسلم) اعلم أنه لم يكن من عادته صلى الله عليه وسلم الكريمة حبس نفسه الشريفة على نوع واحد من الأغذية، فإن ذلك يضر بالطبيعة ضررا بينا وإن كان أفضل الأغذية، بل كان يأكل ما اعتيد من لحم وفاكهة وتمر وغيره مما يأتى. (الأدم) بضم فسكون. (أو) شك من أحد رواته وزعم أنه تخير ليس فى محله لما يأتى من اتحادها. (الإدام) بالكسر وهما بمعنى واحد وجمعه أدم بضم أوليه: الخل، لأنه سهل الحصول قامع للصفراء نافع ¬

145 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الزهد (2372) بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الزهد (2051)، وابن ماجه (2049)، كلاهما من طريق يحيى بن حسان به فذكره. (¬1) رواه الطبرانى فى الأوسط (7477)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 35)، وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه: سعيد بن عيبة القطان ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات وفى بعضهم كلام لا يضر. وذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (5/ 255)، وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط وأبو نعيم فى الطب النبوى نحوه، وذكره السيوطى فى اللآلئ المصنوعة (2/ 224).

146 - حدثنا قتيبة، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، قال: سمعت النعمان بن بشير، يقول: «ألستم فى طعام وشراب ما شئتم، لقد رأيت نبيّكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدّقل ما يملأ بطنه». ـــــــــــــــــــــــــــــ لأكثر البدن، ورواية مسلم عن جابر: «أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدى ذات يوم إلى منزله فأخرج إليه فلقا من خبز فقال: «ما من أدم» فقالوا: إلا شىء من خل، فقال: «نعم الإدام الخل» (¬1) قال جابر: فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من النبى صلى الله عليه وسلم واستفيد من مدحته أنه أدم فاضل جيد، ومن الاقتصار عليه فى الأدم مدح الاقتصاد فى المأكل ومنع النفس من أملاذ الأطعمة وشهواتها المفسدة للدين والبدن وما ذكرته من مستفادة هذين من الحديث أولى من اقتصار القاضى كالخطابى على الثانى، ومن اعترض النووى عليهما بأن الحديث إنما يفيد الأول والثانى معلوم من قواعد أخر، ثم الثناء عليه بذلك إنما هو بحسب مقتضى الحال الحاضر لا لتفضيله على غيره خلافا لمن ظنه، لأن سبب الحديث أن أهله قدموا له خبزا فقال: «ما من أدم؟» فقالوا: ما عندنا إلا خل فقال: (نعم الإدام الخل) جبرا أو تطيبا لقلبه من قدمه، لا تفضيلا له على غيره إذ لو حضر نحو لحم أو عسل أو لبن لكان أحق بالمدح منه وبين صلى الله عليه وسلم بقوله: «ما من أدم» أن أكل الخبز مع الأدم من أسباب حفظ الصحة بخلاف الاقتصار على أحدهما، واستفيد من كونه أدما أن من حلف لا يأكل أدما حنث به وهو كذلك لقضاء العرف بذلك أيضا. 146 - (ألستم) إلى آخره الاستفهام فيه للإنكار والتوبيخ، ولذا عقبه بقوله «لقد». ¬

146 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الزهد (2372)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الزهد (2977)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 312)، كلاهما من طريق سماك بن حرب به فذكره، وروى ابن ماجه (4146)، وأحمد (1/ 24)، والطيالسى (ص 12)، وابن سعد (1/ 310،311)، جميعهم من طريق شعبة عن سماك سمع النعمان بن بشير يقول: سمعت عمر بن الخطاب وهو يذكر ما فتح على الناس، فقال عمر: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتوى يومه من الجوع ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه. (¬1) رواه مسلم فى الأشربة (2051،2052)، وأحمد فى مسنده (3/ 301،364)، والبيهقى فى السنن (7/ 280)، (10/ 63).

147 - حدثنا عبدة بن عبد الله الخزاعى، حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن محارب بن دثار، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم الإدام الخلّ». 148 - حدثنا هناد، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أيوب، عن أبى قلابة، عن زهدم الجرمى، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ (فى طعام وشراب) أى متنعمين فيهما بمقدار. (ما) أى الذى (شئتم) من السعة والإفراط، أو ما مصدرية، وزعم أنها للتقرير بعد متكلف. (رأيت) الظاهر أنها هنا بصرية، وقوله: (وما يجد) جملة حالية وقيل علمية فتلك مفعول ثانى ودخلت الواو إلحاقا له، بخبر كان على رأى الأخفش. (نبيكم) أضافه إليهم ليحثهم على الاقتداء به والإعراض عن الدنيا ومستلذاتها ما أمكن، فلذا لم يقل نبى ونبيكم، وأما قتل خالد رضى الله عنه مالك بن نويرة لما قال له كان صاحبكم يقول كذا فقال: صاحبنا وليس بصاحبك، ثم قتله فهو ليس لمجرد هذه اللفظة، بل لأنه بلغه عنه أنه ارتد، وقال ذلك عنده بما أباح له الإقدام على قتله. (الدقل) ردىء التمر ويابسه وما ليس له اسم خاص. 148 - (زهدم) بفتح أوله المعجم فأتى بنائب الفاعل ضمير أبى موسى وزعم أنه دجاج غلط فاحش. (فتنحّى) أى تباعد. (رجل) روى حديثه الشيخان أيضا، وسيأتى ¬

147 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1839)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الأشربة (2053)، وأبو داود فى الأطعمة (3820،3821)، والنسائى فى الأيمان (7/ 14)، وفى سننه الكبرى (6689)، وابن ماجه فى الأطعمة (3317)، وأحمد فى المسند (3/ 301،304،353، 371،400)، والدارمى فى الأطعمة (2/ 101)، وابن أبى شيبة فى المصنف (8/ 149)، والطبرانى فى الكبير (1749)، وفى الأوسط (621)، والبيهقى فى السنن (10/ 63)، والبغوى فى شرح السنة (11/ 309)، كلهم من طرق عن جابر به فذكره نحوه. 148 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1827) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الذبائح (5518)، ومسلم فى الأيمان (1649)، والنسائى فى الصيد (7/ 206)، وفى سننه الكبرى (4858)، (4859)، والدارمى فى الأطعمة (2/ 103)، وأحمد فى مسنده (4/ 394،397،401، 406)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 213)، كلهم من طريق أيوب به فذكره نحوه وبألفاظ متقاربة.

«كنّا عند أبى موسى الأشعرىّ، فأتى بلحم دجاج، فتنحّى رجل من القوم. فقال: مالك؟. فقال: إنّى رأيتها تأكل شيئا نتنا، فحلفت ألا آكلها. قال: ادن، فإنّى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم الدّجاج». 149 - حدثنا الفضل بن سهل الأعرج البغدادى، حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن ابن مهدى، عن إبراهيم بن عمر بن سفينة، عن أبيه، عن جده قال: «أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حبارى». ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه من تيم الله أحمر كان من الموالى، وزعم أنه زهزم وأنه عبر عن نفسه برجل ليس فى محله، لأن زهدم فى الرواية الآتية بينه بصفته ونسبه. (نتنا) أى من القاذورات فتوهم حرمتها لذلك، أو أتاها بطبق. (فحلف أن لا يأكلها) فبين له أبو موسى: أنه ينبغى له أن يأكل منها اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم ويكفر عن يمينه، فإن هذا خير له من بقائها عليها، فإن قلت: لعله فهم أن جنسها جلالة، وهى تحرم، ويكره أكلها على الخلاف فيه، فكيف يؤمر بالحنث؟ ح قلت: لا يلزم من ذلك كونها جلالة، لأن هجره أكل القذر لا يستلزم التغير الذى حصوله شرط فى تسميتها جلالة، حتى يجرى ذلك الخلاف فيها، نعم لو قيد يمينه بالجلالة لم يندب الحنث فيها، قيل: وكذا لو كان الحلف بالطلاق، فلا يندب الحنث، لأنه أبغض الحلال إلى الله، أو بالعتاق وهو محتاج إلى ثمن الرقيق. انتهى. والأول محتمل أكثر من الثانى، إذ ظاهر كلامهم أن العتق قربة مطلقا، نعم إن كان احتياجه إليه لنحو دين لا يرجو له وفاء، حرم الحنث لأنه ح يحرم عليه عتقه. 149 - (حبارى) طائر معروف كبير العنق، رمادى اللون شديد الطيران جدا يقع على ¬

149 - إسناده ضعيف: فيه إبراهيم بن عمر بن سفينة، ويقال له: برية. قال فيه البخارى: إسناده مجهول، وضعفه ابن حبان، والعقيلى والدار قطنى، وقال الذهبى: لين، وانظر تهذيب الكمال (4/ 57)، وميزان الاعتدال (1/ 306)، والمجروحين (1/ 111)، ورواه الترمذى فى الأطعمة (1828) بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الأطعمة (3797)، من طريق إبراهيم بن عمر بن سفينة عن أبيه به فذكره. قلت: وأورده العقيلى فى الضعفاء (3/ 168/1158)، وفى ترجمة إبراهيم بن عمر بن سفينة، عن أبيه، عن جده. وقال: حديثه غير محفوظ ولا يعرف إلا به. وكذلك ضعفه الحافظ فى التلخيص (4/ 1510).

150 - حدثنا على بن حجر، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن القاسم التميمى، عن زهدم الجرمى. قال: «كنّا عند أبى موسى الأشعرىّ. قال: فقدّم طعامه، وقدّم فى طعامه لحم دجاج وفى القوم رجل من بنى تيم الله، أحمر كأنّه مولى. قال: فلم يدن. فقال له أبو موسى: ادن فإنّى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل منه. فقال: إنّى رأيته يأكل شيئا فقذرته، فحلفت ألا أطعمه أبدا». 151 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو أحمد الزبيرى وأبو نعيم، قالا: حدثنا سفيان، عن عبد الله بن عيسى، عن رجل من أهل الشام يقال له: عطاء، عن أبى أسيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا الزّيت، وادّهنوا به، فإنّه من شجرة مباركة». ـــــــــــــــــــــــــــــ الذكر، والأنثى، والواحد، والجمع، وأنها ليست للإلحاق قال الجوهرى: ولا للتأنيث، وصوب غيره: أنها للتأنيث بدليل أنها غير منصرفة معرفة كانت أو نكرة، ولحمها بين لحم الدجاج والبط، وروى الشيخان: «أنه أكل لحم حمار الوحش، ولحم الجمل، سفرا وحضرا ولحم الأرنب» ومسلم: «أنه أكل دواب البحر». 150 - (تيم الله) هم حى من بنى بكر، وتيم الله معناه عبد الله. 151 - (أسيد) بفتح فكسر، لا ضم وفتح خلافا لمن زعمه، أنصارى. (كلوا الزيت) مناسبة للترجمة أن الأمر بأكل يستدعى أكله منه. (مباركة) كثيرة المنفعة، أو لأنها تنبت ¬

150 - إسناده صحيح: وتقدم برقم (148). 151 - إسناده حسن لغيره: رواه الترمذى فى الأطعمة (1852) بسنده ومتنه سواء، وقال: حديث غريب من هذا الوجه إنما نعرفه من حديث سفيان عن عبد الله بن عيسى، ورواه الدارمى فى الأطعمة (2/ 101)، والبغوى فى شرح السنة (6/ 87)، والحاكم (2/ 398)، وصححه ووافقه الذهبى، وأحمد فى المسند (3/ 497)، والطبرانى فى الكبير (19/ 270) من طريق عبد الله بن عيسى به فذكره نحوه، وقال الذهبى فى الميزان (3/ 77) بعد ذكره فى ترجمة عطاء وقال: لين البخارى حديثه، قال ابن حجر: عطاء الشامى أنصارى مقبول-يعنى عند المتابعة- (التقريب/4610).

152 - حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا الزّيت، وادّهنوا به، فإنّه من شجرة مباركة». (_152) م-حدثنا أبو داود سليمان بن معبد المروزى السنجى، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم نحوه ولم يذكر فيه عن عمر. 153 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الأرض المقدسة التى بارك الله فيها للعالمين، وقيل: بارك فيها سبعون نبيا منهم إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، ويلزم من بركة هذه الشجرة بركة ما يخرج منها من الزيت وكيف لا وفيه من الأكل والدهن، وفيهما نعمتان عظيمتان أشار إليهما بقوله: «كلوا الزيت وادهنوا به». فربما أسنده، وربما أرسله بيان للمراد بالاضطراب (¬1) هنا إذ هو مخالف روايتين أو أكثر إسنادا ومتنا مخالفة لا يمكن الجمع بينهما ما لم تترجح إحداهما بنحو كثرة طرق إحدى الروايتين أو لكونهما أصح أو أشهر أو رواتها أتقن أو معهن زيادة على ما هنا فإن إحداها المسند معه زيادة علم على المرسل سيما والمرسل أسنده مرة فوافق إسناد غيره له دائما وهو أبو أسيد فى الرواية السابقة. 152 م- (السنجى) بكسر أوله المهمل فنون فجيم منسوب إلى السنج قرية من أعمال مرو وذكره أولا وثانيا إشارة إلى أنه قد يقع فى كلام المحدثين ذكر نسبه فقط وقد يقع ذكر نسبه واسمه ونسبته أكثر. 153 - (الدباء) هو اليقطين بالمد على الأشهر ويجوز القصر وكان سبب محبته صلى الله عليه وسلم ¬

152 - حسن بما قبله: رواه الترمذى فى الأطعمة (1852) بسنده ومتنه سواء، وقال: حديث لا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق عن معمر، وكان عبد الرزاق يضطرب فى رواية هذا الحديث، وابن ماجه فى الأطعمة (3319)، والحاكم فى مستدركه (2/ 122)، كلهم عن عبد الرزاق به، وعبد الرزاق فى مصنفه (10/ 422) مرسلا عن زيد بن أسلم عن أبيه، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبى. 153 - إسناده صحيح: رواه الإمام أحمد فى مسنده (3/ 177،273،290)، والدارمى فى الأطعمة (2/ 101)، وأبو داود الطيالسى فى المسند (ص 266)، والنسائى فى السنن الكبرى (4/ 155،156). (¬1) فى (ش): [بالأطرار].

مهدى، قالا: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: «كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يعجبه الدّبّاء، فأتى بطعام، أو دعى له. فجعلت أتتبّعه، أضعه بين يديه لما أعلم أنّه يحبّه». 154 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حفص بن غياث، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن حكيم بن جابر، عن أبيه، قال: «دخلت على النّبىّ صلى الله عليه وسلم فرأيت عنده دبّاء يقطّع. فقلت: ما هذا؟ قال: نكثّر به طعامنا». ـــــــــــــــــــــــــــــ له ما فيه من زيادة العقل والرطوبة المعتدلة، وما كان يلحظه من السر الذى أودعه الله فيه إذ خصه بالإنبات على أخيه يونس عليه السلام حتى وقاه وتربى فى ظله، فكان له كالأم الحاضنة لفرخها. (أو) شك من أحد رواته لكن ظاهر السياق أنه من أنس. (أتتبعه) فيه أن الطعام إذا اختلفت أنواعه يجوز مد اليد إلى ما لا يليه وأنه يجوز للضيفان أن يناول بعضهم بعضا ومحل ذلك عندنا إن لم يخص بعضهم بنوع أعلى، وإلا لم يجز لغيره مد يده إليه، ولا لمن خص به أن يناول شيئا لمن لم يخص أما من خص بالأسفل فما له أن يناول منه من خص عملا بالقرائن المحكمة فى مثل ذلك (لما أعلم) أى أعطى أو للذى أعلمه. 154 - (غياث) بمعجمة مكسورة فتحتية ثم مثلثة. (يقطع) بالبناء للمفعول مع التضعيف. (نكثر) بالنون والتضعيف أيضا هذا ما فى كثير من الأصول وفى بعضها نقطع بالبناء للمفعول من القطع ويكثر مسند إلى. (طعامنا) فيه أن الاعتناء بأمر الطبخ وما يصلحه لا ينافى الزهد. (ما هذا) أى ما فائدته لا حقيقته وإن كان الأصل فى ما لأنه لا يجهل حقيقته، ويجر فيبنى للفاعل أو المفعول فيه انتهى، وليس فى محله، لأنه يحتمل أن حال أبى أسيد مشهور، فاكتفى عن ذلك فيه لشهرته أو أنه حفظ ذلك فى هذا دون ذلك فبين ما عرفه وسكت عما لا يعرفه. ¬

154 - إسناده صحيح: رواه ابن ماجه فى الأطعمة (3304)، والنسائى فى السنن الكبرى (4/ 156)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 231)، ثلاثتهم من طريق إسماعيل بن أبى خالد به فذكره نحوه.

155 - حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك بن أنس، عن إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة، أنه سمع أنس بن مالك يقول: «إنّ خيّاطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه. قال أنس: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطّعام. فقرّب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا من شعير، ومرقا فيه دبّاء وقديد. قال أنس: فرأيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم يتتبّع الدّبّاء حوالى القصعة، فلم أزل أحبّ الدّبّاء من يومئذ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 155 - (خياطا) لا يعرف له اسم، لكن فى رواية: «أنه كان من مواليه صلى الله عليه وسلم». (لطعام) قيل: كان ثريدا وقديدا، أو لحم مملوح مقدد أى مجفف فى الشمس، وفى السنن عن رجل: «ذبحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة ونحن مسافرون فقال: أملح لحمها، فلم أزل أطعمه منه إلى المدينة» (¬1). (قال أنس. . .) إلخ رواه مسلم أيضا وزاد. «أنها كانت تعجبه» وقدمه المصنف. (يتتبع الدباء) من (حوالى القصعة) بفتح اللام وسكون التحتية أى جوانبها، أما بالنسبة دون جوانب البقية أو مطلقا ولا يعارضه نهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك لأنه للتقذير والإيذاء وهذا منتف فيه صلى الله عليه وسلم إذ كانوا يودون منه ذلك، فتبركهم بإغماره حتى بصاقه ومخاطه يدلكون بها وجوههم وبوله ودمه يشربهما بعضهم، وفى الحديث فوائد منها: أنه يندب إجابة الدعوة، وإن قل الطعام أو كان المدعو شريفا، والداعى دونه لحرفة، أو غيرها، وأن كسب الخياط ليس بدنى، وأنه تسن محبة الدباء لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا كل شىء كان يحبه ذكره النووى، ومؤاكلة الخادم، وبيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من عظيم التواضع والتلطف والترفق بأصاغر الصحابة وتعاهدهم بالمجىء إلى منازلهم، وفى رواية: «صحفة» وهى ما تسع ضعفى ما تسع القصعة وقيل: هما واحد. ¬

155 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1850) بسنده ومتنه سواء، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والبخارى فى الأطعمة (5379،5436،5437،5439)، ومسلم فى الأشربة (2041)، وأبو داود فى الأطعمة (3782)، والدارمى فى الأطعمة (2/ 101)، وأبو الشيخ فى «أخلاقه صلى الله عليه وسلم» (ص 230) من طرق عن مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله عن أنس به فذكره. (¬1) رواه أحمد فى مسنده (6،8،9).

156 - حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقى، وسلمة بن شبيب، ومحمود بن غيلان، قالوا: حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن عائشة قالت: «كان النّبىّ يحبّ الحلواء والعسل». ـــــــــــــــــــــــــــــ 156 - (يحب الحلواء والعسل) رواه البخارى أيضا، وهى بالقصر فتكتب بالألف كل ما فيه حلاوة، فالعسل تخصيص بعد تعميم، وقال الخطابى: يختص بما دخلته الصنعة، وقال ابن سيده: هى ما عولج من الطعام الحلو، وقد تطلق على الفاكهة، وفى كتاب فقه اللغة للثعالبى: أن حلواه صلى الله عليه وسلم التى كان يحبها هى الجيع بالجيم كعظيم، وهى تمر يعجن بلبن، وفيه: أن محبّة أنواع الأطعمة النفيسة اللذيذة لا تنافى الزهد، لكن من غير قصد وتكلف لتحصيلها، ومن ثمة قال الخطابى: لم تكن بمحبته صلى الله عليه وسلم للحلواء على كثرة التشهى لها وشدّة نزع النفس، وإنما كان ينال منها إذا أحضرت إليه نيلا صالحا، فيعلم بذلك أنها تعجبه، ولم يصح أنه صلى الله عليه وسلم رأى السكر، وخبر «أنه صلى الله عليه وسلم حضر مالك الأنصارى، فجاءت الجوّارى معهن الأطباق عليها اللوز والسكر، فأمسكوا أيديهم فقال صلى الله عليه وسلم: «ألا تنتهبون؟» قالوا: إنك نهيت عن النهبة، قال: «أما العرسان فلا» قال معاذ: فرأيته يجاذبهم ويجاذبونه» (¬1) غير ثابت كما قاله البيهقى فى سننه، وشنع على احتجاج الطحاوى به لمذهبه أن القتار غير مكروه، وقضائه على الأحاديث الصحيحة الناهية عن النهبة القول فى ذلك جدا فى كتاب المعرفة (¬2)، وبين أن فيه ¬

156 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1831) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الأطعمة (5431)، ومسلم فى الطلاق (1474)، وأبو داود فى الأشربة (3715)، وابن ماجه فى الأطعمة (2075)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 59)، وابن أبى شيبة فى المصنف (8/ 36)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 391)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 219)، وأبو نعيم فى المسند على مسلم (3478)، جميعهم من طرق عن أبى أسامة به فذكره نحوه. (¬1) رواه الطحاوى فى «شرح معانى الآثار» (3/ 50) من طريق زياد بن المغيرة، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل. . . فذكره، وقال الطحاوى فيه: حديث منقطع قد فسر حكم النهبة المنهى عنها، والنهبة المباحة، وإنما أردنا بذكره هاهنا تفسيره لمعنى هذا المتصل. قلت: أى الأحاديث المتصلة المرفوعة التى رواها فى هذا الباب من كتابه. (¬2) قال البيهقى فى «معرفة السير والآثار» (5/ 420): فهذا حديث رواه عون بن عمارة وعصمة بن سليمان عن لمازة وكلاهما لا يحتج بحديثه، ولمازة بن المغيرة مجهول، وخالد بن معدان عن =

157 - حدثنا الحسن بن محمد الزعفرانى، حدثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: أخبرنى محمد بن يوسف، أن عطاء بن يسار أخبره، أن أم سلمة أخبرته: «أنّها قرّبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا، فأكل منه، ثمّ قام إلى الصّلاة وما توضّأ». ـــــــــــــــــــــــــــــ ضعيفين ومجهولا وانقطاعا، وأخرج الطبرانى فى رياضه: «أن أول من خبص فى الإسلام عثمان قدمت إليه عير تحمل دقيقا وعسلا فخلطهما» (1) وصحّ: «أن عيرا قدمت فيها جمل عليه دقيق حوارى وسمن وعسل، فأتى بها النبى صلى الله عليه وسلم، فدعى فيها بالبركة، ثم دعى ببرمة فنصبت على النار، وجعل فيها من العسل والدقيق والسمن، ثم عصد حتى كاد نضج، أو كاد ينضج، فقال صلى الله عليه وسلم: «كلوا هذا شىء تسميه فارس الخبيص» (2). 157 - (أم سلمة. . .) إلخ صححه المصنف. (جنبا) قال شارح: من شاة، ورد بأنه لا دليل لهذا التقييد. (مشويا) بين بذكر هذا عقب الحلواء والعسل أن هذه الثلاثة أفضل الأغذية، وأنفعها للبدن والكبد والأعضاء، ولا ينفر منها إلا من به علّة، أو آفة واللحم سيد طعام أهل الجنة، وروى ابن ماجه وغيره بسند ضعيف: «هو سيد الطعام لأهل الدنيا والآخرة» (3)، وله شواهد: منها عند أبى نعيم عن على رضى الله عنه مرفوعا: ¬

= معاذ منقطع. . ثم قال عن الطحاوى فى رواية للحديث: ثم احتج بمثل هذا الإسناد حين وافق مذهبه، كان تابعا لهواه غير سالك النصفة. 157 - صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1829)، بسنده ومتنه سواء، ورواه النسائى فى الطهارة (1/ 108)، وفى سننه الكبرى (189) (4689)، (4690)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 307)، ثلاثتهم من طريق ابن جريج به فذكره نحوه. وقال أبو عيسى: حسن صحيح غريب من هذا الوجه. (1) ذكره الزبيدى فى «الإتحاف» (7/ 117)، وعزاه للطبرانى والبيهقى فى الشعب من حديث ليث ابن أبى سليم، وقال: منقطع. (2) ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (7/ 117)، وعزاه للطبرانى والبيهقى فى الشعب من حديث عبد الله بن سلام. (3) رواه ابن ماجه فى الأطعمة (3305)، من حديث أبى الدرداء، وقال البوصيرى فى الزوائد: فى إسناده أبى مسجعة، وابن أخيه مسلمة بن عبد الله. لم أر من جرحهما ولا من وثقهما. وسليمان بن عطاء ضعيف. قال السندى. قلت: قال الترمذى: وقد اتهم بالوضع.

158 - حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن سليمان بن زياد، عن عبد الله بن الحارث، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ «سيد طعام أهل الدنيا اللحم، ثم الأرز» (¬1)، ومنها عند أبى الشيخ عن ابن السمعانى: سمعت علماءنا يقولون: كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللحم، ويقول: «هو يزيد فى السمع وهو سيد الطعام فى الدنيا والآخرة» (¬2) قال الزهرى: وأكله يزيد سبعين مرة، قال الشافعى: أكله يزيد فى العقل (¬3). وعن على «أنه يصفى اللون ويحسن الخلق، ومن تركه أربعين يوما ساء خلقه». (وما توضأ) فيه دليل لمذهبنا: أنه لا يجب الوضوء مما مسته النار، ويوافقه الخبر الصحيح: «كان آخر الأمرين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار» لكن اختار النووى من حيث الدليل وجوب الوضوء من لحم الإبل للحديث الصحيح فيه، وهو خاص فيقضى به على العام، ورد: بما ذكرته فى شرح العباب، وعلى المذهب، فيسن الوضوء منه كل ما مسته، اختلف فى النقص فيها كمس الأمرد والشعر والظفر والسن والميتة والنوم، ولو مع التمكن، وغير ذلك من الفروع الكثيرة المقررة فى محلها. 158 - (شواء) بكسر أو ضم أوله المعجم، وبالمد، ويقال فيه: شوى كفتى، قيل: ¬

158 - إسناده ضعيف وهو صحيح لغيره: فيه: ابن لهيعة صدوق اختلط بعد احتراق كتبه. رواه ابن ماجه فى الأطعمة (3311)، وأحمد فى المسند (4/ 190)، كلاهما من طريق ابن لهيعة به فذكره، وقال البوصيرى فى الزوائد (3/ 83)، هذا إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة، قلت: وقد تابع ابن لهيعة عمرو بن الحارث عن سليمان الحضرمى عند ابن ماجه (3300)، بنحوه، وكذلك الإمام أحمد (4/ 190) من طريق عقبة بن مسلم عن عبد الله بن الحارث فذكره بنحوه. (¬1) رواه أبو نعيم فى الحلية (5/ 362) بلفظ: أفضل طعام الدنيا والآخرة، وقال: غريب من حديث ربيعة وعمر تفرد به محمد بن داود الرملى، وذكره العجلونى فى «كشف الخفاء» (1/ 461)، وقال: فى سنده عمرو السكسكى ضعيف جدا، قال العقيلى: ولا يعرف هذا الحديث إلا به، ولا يصح فيه شىء، ومن ثم أدخله ابن الجوزى فى الموضوعات، لكن قال الحافظ ابن حجر: لم يتبين لى الحكم بالوضع على هذا المتن، قال فى المقاصد-أى السخاوى-، قلت: وقد أفردت فيه جزءا. (¬2) ذكره العجلونى فى كشف الخفاء (1/ 461)، وعزاه لأبى الشيخ الأصبهانى. (¬3) ذكره العجلونى أيضا فى كشف الخفاء (1/ 462). وضعفه.

«أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شواء فى المسجد». 159 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا وكيع، حدثنا مسعر، عن أبى صخرة: جامع بن شداد، عن المغيرة بن شعبة، قال: «ضفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأتى بجنب مشوىّ، ثمّ أخذ الشّفرة، فجعل يحزّ، فحزّ لى بها منه. قال: فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فألقى الشّفرة، فقال: ماله، تربت يداه؟ قال: وكان شاربه قد وفى. فقال له: أقصه لك على سواك، أو قصّه على سواك». ـــــــــــــــــــــــــــــ المراد لحما ذا شوى انتهى، وليس فى محله، لأن الشواء ليس مصدرا بل اسم اللحم المشوى فى النار. (فى المسجد) فيه: دليل لجواز أكل الطعام فى المسجد جماعة وفرادى، ومحله إن لم يحصل منه ما يقذر المسجد وإلا حرم. 159 - (مسعر) بكسر فسكون. (ضفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أى نزلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفين على رجل وزعم أن المراد جعلته ضيفا لى حال كونى معه غير صحيح؛ لأن معنى ضفت لغة ما قدمناه. (الشفرة) السكين العريضة. (فحز لى بها منه) أى من ذلك الجنب فيه كخبر البخارى: «أنه احتز من كتف شاة فى يده، فدعى الصلاة فألقاها والسكين التى يحتزّ بها، ثم قام للصلاة ولم يتوضأ» (¬1) دليل لحل قطع اللحم بالسكين والنهى عنه وأنه من صنع الأعاجم والأمر بنهشه، فإنه أهنئ وأمرئ. قال أبو داود والبيهقى: ليس بالقوى، أو مخصوص باللحم غير المشوى انتهى، والتخصيص إنما هو على فرض صحته. ولم يصح، فلم يكره ذلك مطلقا، نعم الأمر بالنهش، وأنه أهنئ وأمرئ، له شاهد أخرجه المصنف بلفظ: «انهشوا اللحم نهشا، فإنه أهنئ ¬

159 - إسناده صحيح: رواه أبو داود فى «الطهارة» (188)، والنسائى فى الكبرى (6655)، (4/ 153)، والإمام أحمد فى مسنده (4/ 252،255)، ثلاثتهم من طرق عن مسعر به فذكره نحوه. مختصرا وتاما. (¬1) رواه البخارى فى الوضوء (208)، وفى الأذان (675)، وفى الجهاد (2923)، وفى الأطعمة (5408)، (5422)، (5462)، وكذلك رواه مسلم فى الحيض (355)، والترمذى فى الأطعمة (1836)، وأحمد فى المسند (4/ 139،179)، (5/ 278،288)، ورواه أيضا ابن أبى شيبة فى المصنف (1/ 48)، وفى المسند (904) بتحقيقنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأمرئ» (¬1). وقال: لا نعرفه إلا من حديث عبد الكريم، وعبد الكريم هذا ضعيف، لكن له طريق أخرى فهو حسن، وغاية ما فيه أن النهش أولى، أو محمول على ما مر، أو على الصغير والاحتراز على الكبير لشدة لحمه، وإنما جزّ للمغيرة تواضعا منه صلى الله عليه وسلم، وإظهار المحبة له ليتألفه لقرب إسلامه وحملا لغيره على أنه وإن جلّت مرتبته فلا تمنعه جلالته عن مثل ذلك لأصحابه بل لأصاغرهم. (بلال) هو أبو عبد الرحمن كان يعذب فى ذات الله، واشتراه أبو بكر رضى الله عنه، وأعتقه، وهو أول من أسلم من الموالى شهد بدرا وما بعدها، ومات بدمشق سنة ثمان وعشرين من غير عقب. (يؤذنه) من الإيذان وهو الإعلام، وفى نسخة: بالهمز وتشديد الدال، وهو خاص استعمالا بالإعلام بوقت الصلاة، (تربت يداه) أى وصلت التراب من شدة الفقر، هذا أصل معناها، وجرت فى ألسنة العرب غير مراد بها ذلك، بل مجرد اللوم، كأنه صلى الله عليه وسلم كره تأذينه حين الاشتغال بالطعام مع بقاء وقت. (قال) أى المغيرة (وكان شاربه) أى بلال. (قد وفى) أى طال. (فقال) أى النبى صلى الله عليه وسلم. (له) أى لبلال. (أقصه لك) أى لأجل قربك منى أو لنفعك. (على سواك، أو قصه أنت على سواك) شك المغيرة فى أى اللفظين صدر من النبى صلى الله عليه وسلم قيل ورد: «أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا طويل الشارب، فدعى بسواك وشفرة، فوضع السواك تحت شاربه ثم حزّه» فيه دليل لما قاله النووى: أن السنة فى قصّ الشارب أى لا يبالغ فى احتفائه، بل يقتصر على ما يظهر به حمرة الشفة وطرفها، وهو المراد بإحفاء الشوارب فى الحديث، وما تقرر فى حمل (¬2) الحديث هو ما دل عليه ظاهره، وقيل: ضمير له للمغيرة وعدل به عن لى التفاتا، وقيل: ضمير قال الأول لبلال وفيه التفات أيضا، والثانى للنبى صلى الله عليه وسلم، وقيل: ضمير شاربه للنبى صلى الله عليه وسلم وضمير قال الأول للمغيرة، والثانى للنبى صلى الله عليه وسلم قال للمغيرة: أقص لك شاربك للتبرك به، وفى ذلك كله من التكلف ما لا يخفى، واعلم أن الناس اختلفوا: هل الأفضل حلق الشارب أو قصه؟ قيل: الأفضل حلقه لحديث فيه، وقيل: الأفضل القص، وهو ما عليه الأكثر، بل رأى مالك تأديب الحالق، وما مرّ عن النووى قيل: يخالفه قول الطحاوى عن المزنى والرّبيع أنهما ¬

(¬1) رواه الترمذى فى «الأطعمة» (1835)، باب ما جاء أنه قال: انهسوا اللحم نهسا (4/ 276)، بالسين، وكلاهما واحد، من باب: قطع. (¬2) فى (ش): [حمل] وهى غير مناسبة للسياق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كانا يحفيانه ويوافقه قول أبى حنيفة وصاحبيه: الإحفاء أفضل من التقصير، وعن أحمد: كان يحفيه شديدا ورأى الغزالى رحمه الله وغيره: أنه لا بأس بترك السبالين اتباعا لعمر رضى الله عنه وغيره، ولأن ذلك لا يستر الفم، ولا يبقى فيه غمر الطعام، إذ لا يصل إليه وكره الزركشى إبقاءه لخبر صحيح عن ابن حبان، وذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس فقال: «إنهم يوفرون-يوفون-سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم» (¬1) وكان يجزّ سباله، كما تجزّ الشاة والبعير، وفى خبر عند أحمد: «قصّوا سبالكم، وأوفروا لحاكم» (¬2). تتمة: فى خبر ضعيف «أنه كان صلى الله عليه وسلم لا يتنور، وكان إذا كثر شعره-أى شعر عانته- حلقه» (¬3) وصحّ لكن أعلّ بالإرسال «أنه كان إذا طلى عانته طلاها بعانته فطلاها بالنورة وسائر جسده» (¬4)، وخبر: «أنه دخل حمام الجحفة» موضوع باتفاق أهل المعرفة وإن زعم الدّميرى وغيره وروده، وفى مرسل عند البيهقى: «كان صلى الله عليه وسلم يستحب أن يأخذ من أظفاره وشاربه يوم الجمعة» (¬5) وله شاهد موصول سنده ضعيف، روى البزار. «كان صلى الله عليه وسلم يقلم أظفاره، ويقص شاربه يوم الجمعة قبل الخروج إلى الصلاة» (¬6)، وروى النووى ¬

(¬1) هكذا فى الأصل، والحديث رواه ابن حبان فى صحيحه (5476)، من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، بلفظ: «إنهم يوفون سبالهم،. . . الحديث. وعقبه: فكان ابن عمر يجزّ سباله، كما تجزّ الشاة أو البعير. ورواه البيهقى أيضا فى السنن الكبرى (1/ 151)، بلفظ «إنهم يوفرون». (¬2) رواه أحمد فى المسند (2/ 229)، والطبرانى فى الكبير (11/ 152)، بلفظ: «قصوا الشوارب، واعفوا اللحى، ولا تمشوا فى الأسواق وعليكم الإزار» من حديث أبى هريرة، ورواه الطبرانى فى الكبير (8/ 282)، بلفظ «قصوا سبالكم واعفوا». (¬3) رواه البغوى فى شرح السنة (12/ 113)، والبيهقى فى السنن (1/ 152)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 57)، وأبو نعيم فى أخبار أصبهان (1/ 321)، من حديث أنس. قلت: وفى إسناده مسلم الملائى، قال فيه أحمد: لا يكتب حديثه، وقال البخارى: يتكلمون فيه. (¬4) روى أبو نعيم فى الحلية (5/ 67) من حديث أم سلمة رضى الله عنها بلفظ «كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا اطلى ولى عانته بيده»، وذكره الهندى فى الكنز (6/ 682) (17387)، وعزاه لابن أبى شيبة. (¬5) ذكره الزبيدى فى الإتحاف (2/ 413)، وعزاه للبيهقى فى الكبرى. (¬6) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (2/ 170) وقال: رواه البزار والطبرانى فى الأوسط، وفيه إبراهيم بن قدامة، قال البزار: ليس بحجة إذا تفرد بحديث، وقد تفرد بهذا، قلت-يعنى الهيثمى-: ذكره ابن حبان فى الثقات.

160 - حدثنا واصل بن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن فضيل، عن أبى حيان التيمى، عن أبى زرعة، عن أبى هريرة قال: «أتى النّبىّ صلى الله عليه وسلم بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهش منها». 161 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو داود، عن زهير-يعنى: ابن محمد- عن أبى إسحاق، عن سعيد بن عياض، عن ابن مسعود، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ كالعبادى: «من أراد أن يأتيه القنا على كره فليقلم أظفاره يوم الخميس»، وفى حديث ضعيف: يا على قص الأظفار وانتف الإبط، واحلق العانة يوم الخميس، والغسل، والطيب، واللباس يوم الجمعة» (¬1). قيل: ولم يثبت فى كيفيته، ولا فى تعيين يوم شىء، وما يعزى من النظم فى ذلك لعلى رضى الله عنه، أو لغيره باطل (¬2). 160 - (حيان) بمهملة فتحتية. (تعجبه) لسرعة نضجها مع زيادة لينها وبعدها عن مواضع الأذى. (الذراع) هو من المرفق إلى أطراف الأصابع وزعم أنه الساعد ليس فى محله. (فنهش) بمهملة أو معجمة أى أخذ اللحم بأطراف أسنانه، وقيل: هو بالمهملة ما ذكر وبالمعجمة تناوله بجميع الأسنان كما فى النهاية وعبارة غيره فأتناولها بالأضراس، وهذا لكونه أكثر أحواله فأدل على التواضع أحب وأولى من القطع بالسكين. 161 - (وسمّ فى الذراع) أى فى فتح خيبر أى جعل فيه سم قاتل لوقته، فأكل منه ¬

160 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1837)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الأنبياء (3340)، ومسلم فى الإيمان (194)، من حديث الشفاعة والإمام أحمد فى المسند (2/ 435)، وابن ماجه فى الزهد (4308)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 215)، وأبو نعيم فى المسند على مسلم (483)، كلهم من طرق عن أبى حيان التيمى به فذكره نحوه وبزيادة حديث الشفاعة. 161 - إسناده صحيح: رواه أبو داود فى الأطعمة (3780،3781)، والإمام أحمد فى مسنده (1/ 394،397)، وأبو داود الطيالسى (388)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 216)، كلهم من طرق عن زهير به فذكره نحوه. (¬1) ذكره فى الإتحاف (2/ 413،414)، والهندى فى الكنز (17256)، (17383) وعزاه للديلمى وأبى القاسم التيمى فى مسلسلاته. (¬2) انظر: إتحاف السادة المتقين (2/ 413،414).

«كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يعجبه الذّراع. قال: وسمّ فى الذّراع. وكان يرى أنّ اليهود سمّوه». ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم لقمة، فأخبره جبريل بأنه مسموم فتركه ولم يضره ذلك السم. (وكان يرى أن اليهود سموه) لأن المرأة التى سمته لم تسمه إلا بعد أن شاورت يهود خيبر فى ذلك فأشاروا عليها به، واختاروا له ذلك السم القاتل لوقته وقد دعاها صلى الله عليه وسلم وقال لها: «ما حملك على ذلك؟» فقالت: قلت: إن كان نبيا لم يضره السم، وإلا استرحنا منه، فعفى عنها بالنسبة لحقه، فلما مات بعض أصحابه الذين أكلوا معه منها، وهو بشر بن البراء، قتلها فيه» (¬1) وبهذا جمع الأخبار المتعارضة فى ذلك كخبر البخارى «أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر فسألهم عن أبيهم فقالوا فلان قال: «كذبتم»، بل أبوكم فلان، فصدقوه، ثم قال لهم: من أهل النار؟ قالوا: نكون فيها يسيرا، ثم تخلفوننا فيها، قال: اخسئوا فيها، فو الله لا نخلفكم فيها أبدا، ثم قال لهم: هل جعلتم فى هذه الشاة سما؟ قالوا: نعم، قال: «فما حملكم على ذلك»؟ فذكروا نحو ما مرّ عن المرأة»، وكخبر أبى داود: «أن يهودية سمت شاة مصلية، ثم أهدتها إليه صلى الله عليه وسلم، فأكل منها وأكل معه رهط من أصحابه فقال صلى الله عليه وسلم: «ارفعوا أيديكم وأرسل إليها، فقال: سميت هذه الشاة، قالت: من خبرك؟ قال: هذه الذراع قالت: نعم، قلت: إن كان نبيا لم يضره السم، وإلا استرحنا منه، فعفى عنها، ولم يعاقبها، وتوفى أصحابه الذين أكلوا من الشاة، واحتجم صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذى أكل من الشاة» (¬2) ولخبر الدمياطى: «جعلت زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم تسأل أى الشاة أحب إلى محمد؟ فيقولون لها: الذراع فعمدت إلى عنز لها فذبحتها وصلتها ثم عمدت إلى سم قاتل يقتل عن ساعته وتشاورت يهود فى سموم فاجتمعوا لها على ذلك فسمت الشاة وأكثرته فى الذّراعين والكتف فوضعت بين يديه صلى الله عليه وسلم، ومن حضر من أصحابه فيهم: بشر بن البراء، وتناول صلى الله عليه وسلم الذراع، فانتهش منها، وتناول بشر عظما، فلما ازدرد صلى الله عليه وسلم لقمة ازدرد بشر ما فى فيه وأكل القوم، فقال ¬

(¬1) رواه الإمام أحمد فى المسند (1/ 305)، من حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، وذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (4/ 209)، وقال: تفرد به أحمد، وإسناده حسن، وذكره الهيثمى أيضا فى مجمع الزوائد (8/ 295)، وعزاه لأحمد، وقال: رجاله رجال الصحيح، غير هلال ابن خباب وهو ثقة اه‍. (¬2) رواه أبو داود فى سننه (4510،4512)، وكذا الدارمى فى سننه (1/ 33)، والطبرانى فى الكبير (2/ 21)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 202)، والبيهقى فى الدلائل (4/ 262).

162 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا مسلم بن إبراهيم، عن أبان بن زيد، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبى عبيد، قال: «طبخت للنّبىّ صلى الله عليه وسلم قدرا، وقد كان يعجبه الذّراع، فناولته الذّراع، ثمّ قال: «ناولنى الذّراع». فناولته. ثمّ قال: «ناولنى الذّراع». فقلت: يا رسول الله: وكم للشاة من ذراع؟ فقال: «والّذى نفسى بيده، لو سكتّ لناولتنى الذّراع ما دعوت». ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم: «ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع تخبرنى أنها مسمومة» (¬1) وفيه أن بشرا مات وأنه دفعها إلى أوليائه، فقتلوها، وأنه لم يعاقبها، وأجاب السهيلى: بما مرّ أنه تركها أولا لأنه كان لا ينتقم لنفسه فلما مات بشر قتلها فيه، وأيده البيهقى احتمالا، وعند الزهرى: أنها أسلمت فتركها، ولا ينافى ما مر لأنه تركها لإسلامها ولكونه لا ينتقم لنفسه فلما مات بشر فلزمها القصاص بشرطه، فدفعها إلى أوليائه فقتلوها قصاصا. وإسلامها رواه سليمان التميمى فى مغازيها وأنها استدلت بعدم تأثير السم فيه على أنه نبى. 162 - (عن أبى عبيد) رواه أحمد عن ابن رافع أيضا ولفظه: «أنه أهديت له شاة فى قدر، فدخل صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما هذا؟» قال: شاة أهديت لنا قال: ناولنى الذراع، فناولته، فقال: ناولنى الذراع الآخر، فناولته، فقال: ناولنى الذراع الآخر، فقلت: يا رسول الله إنما للشاة ذراعان، فقال صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو سكت لناولتنى ذراعا ما سكتّ. . .» (¬2) الحديث. (قدرا) أى طعاما فى قدر (فناولته الذراع) ظاهر السياق أنه لم يطلبه أول ¬

162 - إسناده ضعيف وهو صحيح: وعلته: شهر بن حوشب قال فيه الحافظ: صدوق كثير الأوهام والإرسال (التقريب 2830)، ورواه أحمد فى المسند (3/ 484،485)، والدارمى فى المقدمة (1/ 22)، كلاهما من طريقه، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (8/ 311)، وعزاه لأحمد والطبرانى وقال: رجالهما رجال الصحيح غير شهر بن حوشب وقد وثقه غير واحد. قلت: بل إسناده ضعيف كما بين الحافظ، وللحديث شاهد عند الإمام أحمد فى المسند (6/ 8)، والطبرانى فى الكبير (970)، من حديث عبد الرحمن بن أبى رافع عن عمته عن أبى رافع مرفوعا، وكذلك شاهد عند أحمد فى المسند (2/ 517)، من حديث أبى هريرة بإسناد حسن. (¬1) رواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى (2/ 202). (¬2) رواه أحمد فى مسنده (6/ 392).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مرة، وإنما ناوله بلا طلب لعلمه بأنه يعجبه. (وكم للشاة من ذراع) الظاهر أنه استفهام استبعاد أو تعجب لا إنكار، لأنه لا يليق فى هذا المقام. (بيده) أى بقوته وقدرته وإرادته وهذا من أحاديث الصفات، وفيها المذهبان المشهوران: التأويل إجمالا وهو تنزيه الله عن ظواهرها مع تفويض التفصيل إليه سبحانه، وهو مذهب السلف أى أكثرهم، وإلا فمالك وغيره من أكابرهم قد أولا تفصيلا حديث النزول وغيره، والتأويل تفصيلا هو مذهب الخلف أى أكثرهم، وإلا فجمع منهم اختاروا الأول، وبما قررته علم أنه لا خلاف بين الفريقين، لأنهم جميعا متفقون على التأويل، وإنما اختار السلف عدم التفصيل، لأنهم لم يضطروا إليه لقلة أهل البدع والأهواء فى زمانهم، والخلف التفصيل لكثرة أولئك فى زمانهم والإجمال لا يغنيهم، فاضطروا إلى التفصيل، وقد زل فى هذا المقام قدم جماعة من الحنابلة وغيرهم ممن كانوا أكابر أئمة زمنهم فأفضى بهم الأمر إلى تضليل الخلق، ومن أول السلف، فاتسع الخرق عليهم إلى أن ضلوا وأضلوا أسأل الله العفو والعافية فى الدين والدنيا والآخرة (¬1). (لو سكت) عما قاله وامتثل ¬

(¬1) قلت: لقد نقل هذا الكلام الذى أورده المصنف وكلا من: على القارئ، وعبد الرءوف المناوى فى شرحيهما للشمائل، ورموا أئمة الحنابلة كابن تيمية بالضلال والإضلال، لا حول ولا قوة إلا بالله. إننا لو استقرأنا كتاب الله تعالى لوجدنا أن لفظ (اليد) جاء فى القرآن على ثلاثة أنواع: مفردا بِيَدِكَ اَلْخَيْرُ [آل عمران:26]، ومثنى لِماخَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وجمعا مِمّاعَمِلَتْ أَيْدِينا [يس:71]. فإذا ما رجعنا هذه الاستعمالات الثلاثة لليد نجد أن الله إذا ذكر اليد مثناة، فيضيف الفعل إلى نفسه بضمير الإفراد، ويتعدى الفعل بالباء إليهما أى إلى اليدين لِماخَلَقْتُ بِيَدَيَّ. وإذا ذكرها تعالى بصيغة الجمع أضاف العمل إلى اليد، والفعل يتعدى بنفسه لا بالباء مِمّاعَمِلَتْ أَيْدِينا. وفى حالة الجمع يكون معنى عملت أيدينا، أى عملنا نحن، وهو يساوى عملنا وخلقنا ورزقنا وغير ذلك، ومن الجائز أن يضاف الفعل إلى يد ذى اليد بدلا من أن يضاف إليه مباشرة وهو أسلوب معروف عند العرب، وهو كقوله عز وجل بِماقَدَّمَتْ يَداكَ [الحج:101]، وفَبِماكَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، وأما إذا أضيف الفعل إليه تعالى ثم عدىّ الفعل بالباء إلى يده مثناة أو مفردة فهذا مما باشرته يده تبارك وتعالى ويشهد لما ذكرنا ما جاء فى حديث الشفاعة الطويل الذى فى البخارى عن أنس رضى الله عنه (13/ 422)، فى قوله صلى الله عليه وسلم فى حق آدم وموسى عليهما السلام يقال لآدم: «أنت الذى خلقك الله بيده»، ولموسى: «أنت الذى اصطفاك الله بكلامه وكتب لك التوارة بيده». والمعنى هنا لا يقصد به =

163 - حدثنا الحسن بن محمد الزعفرانى، حدثنا يحيى بن عباد، عن فليح بن ـــــــــــــــــــــــــــــ أمرى. (ما دعوت) أى ظلت مدة دوام طلبه، لأن الله سبحانه خلق فيها ذراعا بعد ذراع معجزة وكرامة له صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم، وإنما منع كلامه تلك المعجزة، قيل: لأنه شغل النبى صلى الله عليه وسلم عن التوجه إلى ربه بالتوجه إليه إلى جواب سؤاله، وأقول: يحتمل أن سبب معارضته لتلك الكرامة برأيه مع خشونة قوله: «وكم ذراع؟» ما كان ينبغى عدم إيراده لما فيه من عدم تفويض أمر نبيه إلى ربّه فمنعه هذا التعرض الغير اللائق من مشاهدة هذه الكرامة الجليلة، لأن شهودها فيه نوع تشريف لمن اطلع عليها، وذلك التشريف لا يليق، إلا بمن كمل تسليمه حتى لم يبق فيه أدنى حظ ولا إرادة. 163 - (ما كانت الذراع) هذا بحسب ما فهمته عائشة، وإلا فالذى دلت عليه ظواهر ¬

= القدرة وإلا لم يكن للتوراة اختصاص بما ذكر، ولا كانت أفضلية لآدم على كل شىء مما خلق بالقدرة فهذه الصفة يقصد بها العطاء والأخذ والقبض، وهى غير صفة القدرة وكذلك النعمة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم «يد الله ملائ لا يغيضها نفقة سحّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض فإنه لم ينقص ما فى يده وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع». فخلاصة ما يفهم من ذلك: أن النسبة التى بين اليد والقدرة كالتى بين الإرادة والمحبة. قال العلامة المحقق المدقق شمس الدين ابن قيم الجوزية: والذى يلوح فى معنى هذه الصفة-أى اليد-أنها قريبة من معنى القدرة، إلا أنها أخص منها معنى والقدرة أعم. ثم قال: كالمحبة مع الإرادة والمشيئة، وكل شىء أراده أحبه، وكذلك كل شىء حادث فهو واقع بالقدرة وليس كل شىء واقع بالقدرة واقعا باليد. فاليد أخص من معنى القدرة ولذلك كان فيها تشريف آدم اه‍. وقال ابن بطال عند تفسير قوله عز وجل: لِماخَلَقْتُ بِيَدَيَّ فى هذه الآية إثبات يدين لله تعالى، وهما صفتان من صفات ذاته، وليستا بجارحتين. اه‍. قلت: فإن اليد بمعنى القدرة لا ثبوت له عند أهل اللغة، إلا إذا كان من باب الكناية. . . والله أعلم. والخلاصة: أن مذهب السلف، والحنابلة هو الصواب وهو ما قال به شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومن تبعهما من أهل العلم. 163 - إسناده ضعيف: فيه: فليح بن سليمان، قال فيه الحافظ: صدوق كثير الخطأ (التقريب 5443) وكذلك فيه عبد الوهاب بن يحيى بن عباد قال فيه: مقبول (التقريب 4265)، قلت: وفى الحديث نكارة ومخالفة لما فى الحديث الصحيح أنه «كان أحب اللحم إليه الذراع» رواه أبو الشيخ فى «أخلاق النبى» (ص 251)، من طرق عن جمع من الصحابة رضوان الله عليهم. والحديث رواه الترمذى فى الأطعمة (1838) بسنده ومتنه سواء، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

سليمان، قال: حدثنى رجل من بنى عباد، يقال له: عبد الوهاب بن يحيى بن عباد، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة رضى الله عنها قالت: «ما كانت الذّراع أحبّ اللّحم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنّه كان لا يجد اللّحم إلا غبّا، وكان يعجل إليها، لأنّها أعجلها نضجا». ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحاديث السابقة وغيرها أنه كان يحبه محبة غريزية طبيعية سواء فقد اللحم أم لا، وكأنها أرادت بذلك تنزيه مقامه الشريف أن يكون له ميل إلى شىء من الملاذ، وإنما سبب المحبة سرعة نضجها فيقل الزمن فى الأكل ويتفرغ لمصالح نفسه والمسلمين، وعلى الأول، فلا محذور فى محبة الملاذ بالطبع لأن هذا من كمال الخلقة، وإنما المحذور المنافى لكمال [التفاوت] (¬1) النفس ومناها فى تحصيل ذلك وتأثيرها لفقده، ومما كان يحبه صلى الله عليه وسلم الرقبة على ما ورد عن ضباعة بنت الزبير «أنها ذبحت شاة فأرسل إليها أن أطعمينا من شاتك، فقالت: ما بقى عندنا إلا الرقبة، وإنى لأستحى أن أرسل بها فقال لرسوله: ارجع إليها فقال: أرسلى بها، فإنه هادية الشاة، وأقرب الشاة إلى الخير وأبعدها عن الأذى» (¬2) أى فهى كلحم الذراع، والعضد أخفها على المعدة، وأسرع هضما، ومن ثمة ينبغى أن يؤثر من الغذاء ما كثر نفعها وتأثيره فى القوى وخف على المعدة، وكان أسرع انحدارا عنها، وهضما، لأن ما جمع ذلك أفضل الغذاء، وورد بسند ضعيف «أنه صلى الله عليه وسلم كان يكره الكليتين لمكانهما فى البول» (¬3)، (لأنها) أى الذراع وتأنيثها بكونها قطعة من الشاة. (أعجلها) أى اللحوم المفهوم من قوله: «لا يجد اللحم» لأنه مفرد محلى بأل فهو فى معنى الجمع. ¬

(¬1) الزيادة من (ش). وما فى الأصل أنسب للسياق. (¬2) رواه أحمد فى مسنده (6/ 392). (¬3) ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (6/ 19)، وقال: رواه ابن السنى فى الطب النبوى وسنده ضعيف. (7/ 121). وذكره الهندى فى كنز العمال (18216)، وعزاه لابن السنى فى الطب عن ابن عباس (7/ 110).

164 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو أحمد، حدثنا مسعر، قال: سمعت شيخا من فهم، قال: سمعت عبد الله بن جعفر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ أطيب اللّحم لحم الظّهر». 165 - حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا زيد بن الحباب، عن عبد الله بن المؤمل، عن ابن أبى مليكة، عن عائشة رضى الله عنها، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «نعم الإدام الخلّ». 166 - حدثنا أبو كريب: محمد بن العلاء، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن ثابت أبى حمزة الثمالى، عن الشعبى، عن أم هانئ، قالت: ـــــــــــــــــــــــــــــ 164 - (الظهر) أى لأنه ألذ، وإنما آثر الذراع، لأنه انضم إلى محبته الغريزية التى لا تعلل بما مر من عدم احتياجه إلى طول زمن فى أكله، ووجه مناسبة هذه الترجمة أن أطيبيته تقتضى أنه صلى الله عليه وسلم ربما يتناوله فى بعض الأحيان. 166 - (قالت. . .) إلخ فى سنده ضعيف وهو ثابت المذكور. (لا) أى ليس شىء عندنا ¬

164 - إسناده ضعيف: للجهالة بالشيخ الذى من فهم. ورواه ابن ماجه فى الأطعمة (3308)، والإمام أحمد فى المسند (1/ 205)، كلاهما من طريق مسعر به فذكره نحوه، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 36)، وعزاه للطبرانى فى الأوسط وقال فيه: يحيى الحمانى وهو ضعيف. 165 - إسناده صحيح: وقد تقدم فى الحديث رقم (145). 166 - إسناده ضعيف: فيه: أبو حمزة الثمالى: وهو ضعيف. ورواه الترمذى فى الأطعمة (1841) بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو نعيم فى الحلية (8/ 312، 313)، وكذا فى معرفة الصحابة (2/ 245/ب) أتم الله تحقيقه، من طريق أبى بكر بن عياش به فذكره. قلت: ويشهد للحديث ما رواه مسلم وغيره من حديث عائشة وجابر رضى الله عنهما وقد تقدما برقم (145)، (147).

«دخل علىّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم فقال: أعندك شىء؟ فقلت: لا، إلا خبز يابس وخلّ. فقال: هاتى. ما أقفر بيت من أدم فيه الخلّ». 167 - حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مرة الهمذانى، عن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: «فضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام». ـــــــــــــــــــــــــــــ فليست لا التى لنفى الجنس. (إلا خبز يابس) فما بعد الاستثناء استثناء مفرغا مما قبلها الدال عليه التقدير المذكور، وبهذا يندفع ما نقل عن ابن مالك أن فى الحديث شاهد على جواز إبدال ما بعد إلا من محذوف، اللهم إلا أن يريد بالمحذوف ما ذكرناه، وهو الظاهر، فلا اعتراض عليه، وعدلت إلى هذا عن الجواب الأنسب بالسياق، وهو «خبز يابس وخل» إقامة لعذرها وإظهارا لحقارة ما عندها فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثمة طيب خاطرها بقوله: (ما أقفر. . .) إلخ أى: ما خلا من الإدام ولا عدم أهله الأدم والقفار الطعام بلا إدام من القفر، وهو الأرض الخالية من الماء. (من أدم) متعلق بأقفر. (فيه الخل) صفة لبيت، ولم يفصل بينهما بأجنبى من كل وجه، لأن أقفر ما حل فى بيت وصفته، وفيما فصل به بينهما، فقول حنشول الطيبى: فيه فصل بأجنبى أى من بعض الوجوه، وهو لا يضر خلافا لما يوهمه كلامه، ويصح كونه حالا منه، لأنه موصوف تقديرا، أى بيت من البيوت، قال الطيبى: أو لأنه نكرة سلط عليه نفى عام وذلك مسوغ لمجىء الحال منها، وهذا أولى وأحسن، وفى هذا الحديث: الحث على عدم النظر إلى الخبز والخل بعين الاحتقار، وأنه لا بأس بسؤال الطعام ممن لا يستحى السائل منه لصدق المحبة والعلم بود المسئول لذلك. 167 - (على النساء) أى حتى آسية، وأم موسى فيما يظهر، وإن استثنى بعضهم ¬

167 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1834) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الأطعمة (5418)، ومسلم فى فضائل الصحابة (2431)، والنسائى فى عشرة النساء (7/ 6817)، وفى سننه الكبرى (8895)، وابن ماجه فى الأطعمة (3280)، وأحمد فى المسند (4/ 394،409)، كلهم من طرق عن عمرو بن مرة به فذكره نحوه وفيه زيادة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ آسية، وضم إليها مريم، وفيما قاله محتمل لحديث: «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران» (¬1) وفى رواية لابن أبى شيبة بعد مريم بنت عمران «وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد» (¬2) فإذا فضلت فاطمة، فعائشة أولى، وذهب بعضهم: إلى تأويل النساء بنسائه صلى الله عليه وسلم ليخرج مريم، وأم موسى، وحواء، وآسية، ولا دليل له على هذا التأويل فى غير مريم، وآسية، نعم يستثنى خديجة، فإنها أفضل من عائشة على الأصح لتصريحه لعائشة بأنه لم يرزق خيرا من خديجة، وفاطمة أفضل منها، إذ لا يعدل ببضعته أحد، وبه يعلم أن بقية أولاده كفاطمة، وأن سبب الأفضلية: ما فيهن من البضعة الشريفة، ومن ثم حكى ابن السبكى عن بعض أئمة عصره: أنه فضل الحسن والحسين على الخلفاء الأربعة، من حيث البضعة، لا مطلقا، فهم أفضل منهم علما ومعرفة، وأكثر ثوابا، وآثارا فى الإسلام (الثريد) هو بفتح المثلثة أن يثرد الخبز بمرق اللحم، وقد يكون معه اللحم. (على سائر الطعام) من جنسته بلا ثريد، لما فى الثريد من النفع، وسهولة مساغه وتيسير تناوله، وأخذ الكفاية منه بسرعة، ومن أمثالهم: الثريد أحد اللحمين وروى أبو داود: «أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الثريد من الخبز والثريد من الحيس» (¬3)، وفى حديث: «سيد الإدام اللحم» (¬4) قضيته، بل صريحه: أن سيد الأطعمة اللحم، والخبز، ومرق اللحم فى الثريد قائم مقامه، بل ربما يكون أولى منه كما ذكره الأطباء فى مفاد اللحم بالكيفية التى يذكرونها فيه، قالوا: هو يفيد الشيخ إلى صباة، وروى الطبرانى فى الأوسط: «أن جبريل أطعمنى الهريسة يشدّ بها ظهرى لقيام الليل»، ورد: بأنه موضوع. ¬

(¬1) رواه النسائى فى خصائص على رضى الله عنه (127)، وابن أبى عاصم فى الآحاد والمثانى (2963،2970)، والطبرانى فى الكبير (1034). (¬2) رواه ابن أبى شيبة فى المصنف (12/ 126)، (12320)، وابن أبى عاصم فى الآحاد والمثانى (2961)، والطبرانى فى الكبير (1004)، ورواه أحمد فى المسند (1/ 293،316،322). (¬3) رواه أبو داود فى الأطعمة (3783)، باب فى أكل الثريد (3/ 350)، وقال أبو داود: وهو ضعيف. (¬4) ذكره العجلونى فى كشف الخفاء (1/ 461)، وعزاه لابن ماجه وابن أبى الدنيا فى إصلاح المال من حديث أبى الدرداء مرفوعا وبين وجه ضعفه، وقد تقدم تخريجه والكلام عليه.

168 - حدثنا على بن حجر، حدثنا إسماعيل بن جعفر، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصارى، أبو طوالة، أنه سمع أنس بن مالك قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «فضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام». 169 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة رضى الله عنه: «أنّه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضّأ من أكل ثور أقط. ثمّ رآه أكل من كتف ثمّ صلّى ولم يتوضّأ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 169 - (توضأ) قيل بغسل فمه وكفيه. (من ثور أقط) بالمثلثة أى من أجل أكل قطعة عظيمة من أقط ففى القاموس: الثور: القطعة من الأقط أى فالإضافة بيانية، وهو لبن مجمد بالنار وحمل الوضوء على ما ذكره فيه نظر وما المانع من حمله على الوضوء الشرعى وهو صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ مما مسته النار، ثم نسخ ذلك كما مر، فسلم إن ثبت أن الوضوء بعد النسخ، كان لحمله على الاستحباب اتجاه تام، وعلى غسل ما ذكر بعض اتجاه، وعليه ففيه دليل لمذهبنا: أنه يندب غسل اليدين بعد الطعام، إلا إن لم يعلق بها شىء ألبته، وكذا قبله، إلا إن تيقن نظافتها، وكان وحده، وإلا فيظهر أنه يسن غسلهما مطلقا تطيبا لخاطر جليسه، ومن العجيب قول بعضهم: يحتمل أن يكون الثور الأقط: من البعير فيكون الوضوء منه دون الشاة انتهى فإن إرادته من لبن البعير لأنه يشمل الناقة ¬

168 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى المناقب (3887)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى فضائل الصحابة (3770)، وفى الأطعمة، (5419،5428)، وابن ماجه فى الأطعمة (3281)، والدارمى فى سننه (2/ 106)، والإمام أحمد فى مسنده (3/ 156،264)، كلهم من طرق عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر به فذكره نحوه. 169 - إسناده حسن: رواه ابن ماجه فى الطهارة (493)، والطيالسى فى مسنده (1/ 58)، وابن خزيمة فى صحيحه (42)، والبزار فى مسنده (297)، والطحاوى فى شرح معانى الآثار (1/ 67)، وابن حبان فى صحيحه (1151 إحسان)، والبيهقى فى السنن (1/ 56)، كلهم من طرق عن سهيل بن أبى صالح به فذكره.

170 - حدثنا ابن أبى عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن وائل بن داود، عن ابنه وهو بكر بن وائل، عن الزهرى، عن أنس بن مالك، قال: «أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفيّة بتمر وسويق». ـــــــــــــــــــــــــــــ فلبنه لا يفارق لبن الشاة، وإن أراد أنه من لحمه خالف تفسيره المذكور فى القاموس وغيره. (ولم يتوضأ) أى الوضوء الشرعى، وعدم وجوبه، هو ما ذهب إليه جمهور الصحابة، وغيرهم، وأوجبته فرقة: لحديث الوضوء مما مسته النار، وردّه الجمهور، لأنه منسوخ بما صحّ عن جابر «أنه صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار آخر الأمرين من فعله صلى الله عليه وسلم (¬1)، أو يحمل الوضوء على غسل الفمّ واليدين، قيل: وأجمع من بعد الصدر الأول على عدم الوجوب. 170 - (أولم) من الولم وهو الاجتماع، والوليمة: طعام يصنع عند عقد النكاح، أو بعده، ويحتمل أنها إذا فعلت بعده يشترط قربها منه، بحيث تنسب إليه عرفا، ويحتمل استمرار طلبها، وإن طال الزمن، قياسا على ما قالوا فى العقيقة من بقائها إلى البلوغ مطالبا بها الأب، ثم ينتقل الطلب إلى الولد نفسه، وهى سنة مؤكدة، والأفضل فعلها بعد الدخول، اقتداء به صلى الله عليه وسلم، والإجابة إليها واجبة بالشروط المقررة فى محلها، وبقية الولائم سنة، وقال أهل الظاهر وبعض السلف: واجبة. (صفيّة) بنت حيى من نسل هارون أخى موسى عليهما السلام اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبى خيبر ورواية البخارى: «أنه تزوج بها وكان قد قتل زوجها؛ كنانة بن الربيع بن أبى الحقيق، وكانت عروسا، فذكر له جمالها فاصطفاها لنفسه، فخرج بها حتى بلغ سد الصهباء، حلت له، أى طهرت من الحيض، فبنى بها، فصنع حيسا فى نطع صغير، ثم قال لأنس: آذن من حولك وكانت تلك وليمته عليها قال: ثم خرجنا إلى المدينة، فرأيت النبى صلى الله عليه وسلم يحوى لها وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره، فيضع ركبتيه، وتضع صفية رجلها على ركبتيه حتى تركب»، وفى رواية: «أنها صارت إلى دحية، ثم للنبى صلى الله عليه وسلم فجعل عتقها ¬

170 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى النكاح (1095) بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الأطعمة (3744)، وابن ماجه فى الأطعمة (1909)، وأحمد فى المسند (3/ 110)، كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن وائل بن داود به فذكره. (¬1) تقدم تخريجه.

171 - حدثنا الحسين بن محمد البصرى، حدثنا الفضيل بن سليمان، حدثنا فائد-مولى عبيد الله بن على بن أبى رافع-مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حدثنى عبيد الله بن على، عن جدته سلمى: «أنّ الحسن بن علىّ، وابن عبّاس، وابن جعفر. أتوها، فقالوا لها: اصنعى لنا طعاما ممّا كان يعجب رسول الله ويحسّن أكله. فقالت: يا بنىّ، لا تشتهيه اليوم. ـــــــــــــــــــــــــــــ صداقها»، وفى رواية: «فأعتقها وتزوجها»، وفى رواية أنه قال له: «خذ جارية من السبىّ غير مأذون»، وفى رواية لمسلم: «أنه اشتراها منه بسبعة أرؤس» (¬1) وإطلاق الشرك هنا مجاز، ورواية: «سبعة» لا تنافى رواية البخارى: «خذ جارية من السبى غيرها»، لأن النفى فيها ما ينفى الزيادة فلعله قال له هذا أولا، ثم أكمل له سبعة، وحكمة أخذها منه: أنها بنت بعض ملوكهم فلقلة نظيرها فى السبى، وكثرة نظراء دحية، خشى من تغير خاطر بعضهم، فكان من المصلحة العلية ارتجاعها منه، واختصاصه بها، فإن ذلك من رضاء الجميع، وليس ذلك من الرجوع فى الهبة من شىء، وكانت رأت قبل أن القمر سقط فى حجرها فتأول بذلك قال الحاكم، وكذا جرى لجويرية أم المؤمنين. (¬2) 171 - (ويحسن أكله) من الإحسان، فى نسخة، ومن التحسين فى أخرى، (يا بنى) ¬

171 - إسناده ضعيف: ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/ 325)، وعزاه للطبرانى وقال: رجاله رجال الصحيح غير فائد مولى ابن أبى رافع فهو ثقة. قلت: بل إن فى إسناد الحديث راو ضعيف، وهو الفضيل بن سليمان قال فيه الحافظ: صدوق له خطأ كثير، (التقريب 5427)، وكذلك فيه: عبيد الله بن على: لين الحديث (التقريب 4322). (¬1) رواه البخارى فى البيوع (2235)، وفى المغازى (4195)، وأحمد فى المسند (3/ 159)، والبغوى فى شرح السنة (11/ 24)، (2677)، من حديث السويد بن النعمان، وأنس رضى الله عنهما. (¬2) رواه البخارى فى صلاة الخوف (947) وفى النكاح (5086) (5169) وفى المغازى (4200)، ومسلم فى النكاح (1365)، وأبو داود (2054)، والترمذى (1115)، وابن ماجه (1957)، والدارمى (2/ 154)، وأحمد فى مسنده (3/ 99،165،170،181،203،239،242، 280،291).

قال: بلى. اصنعيه لنا. قال: فقامت فأخذت شيئا من الشّعير فطحنته، ثمّ جعلته فى قدر، وصبّت عليه شيئا من زيت، ودقّت الفلفل والتّوابل فقرّبته إليهم، فقالت: هذا ممّا كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحسّن أكله». 172 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزى، عن جابر بن عبد الله، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ التصغير للشفقة، وأفردت مع أن الحق الجمع، إما إيثار الخطاب أكثرهم أو لأنهم لما اتحدت طلبتهم صاروا بمنزلة شخص واحد (لا تشتهيه اليوم) أى لاتساع العيش، وذهاب ضيقه الذى كان أولا. (والتوابل) جمع تابل أبزار الطعام وروى المصنف، وقال: حسن غريب «أنه صلى الله عليه وسلم أكل السلق مطبوخا بالشعير، وأكل الخزيرة» بمعجمة مفتوحة فزاى مكسورة فتحتية فراء قال القرطبى: كالعصيدة، إلا أنها أرق، وابن فارس: دقيق يخلط بشحم، والجوهرى: كالقتبى لحم يقطع صغارا، ويصب عليه ماء كثير، فإذا نضج در عليه دقيق، وقيل: هى بالإعجام من النخالة، وبالإهمال من اللبن «وأكل الكباث» رواه مسلم (¬1) وهو بفتح الكاف، وتخفيف الموحدة وبمثلثة آخره: النضيج من ثمر الأراك وقيل: ورقه (¬2)، فى نهاية ابن الأثير «أنه كان يحب جمار النخل» (¬3)، وروى أبو داود: «أنه صلى الله عليه وسلم أتى بجبنة فى تبوك فدعى بسكين فسمى وقطع». 172 - (نبيح) بضم النون وفتح الموحدة. (العنزى) بفتح المهملة والنون منسوب إلى ¬

172 - حديث صحيح: رواه الإمام أحمد فى المسند (3/ 353،397)، والدارمى فى المقدمة (1/ 45)، مختصرا ومطولا. (¬1) روى مسلم فى صحيحه (2050)، باب فضيلة الأسود من الكباث عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال: كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم بمر الظهران، ونحن نجنى الكباث، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالأسود منه». . . الحديث، وكذا رواه البخارى (5453). (¬2) انظر: الطب النبوى للإمام الذهبى (ص 180)، وزاد المعاد للإمام ابن قيم الجوزية (4/ 365). (¬3) لم أجده فى النهاية لابن الأثير مادة (جمر)، وقال أبو موسى الأصفهانى فى المجموع المغيث (1/ 347): وجمّار النخل: شحمه وقلبه، وكذا جامور النخل. وجمّرتها: أى قطعت ذلك منها، وروى البخارى فى العلم (72)، ومسلم (6/ 17،153،155) نووى، وأحمد فى المسند (2/ 12،41،61) عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى بجمار نخلة فقال: «إن من الشجر شجرة لها بركة كبركة المسلم».

«أتانا النّبىّ فى منزلنا، فذبحنا له شاة. فقال: كأنهم علموا أنّا نحب اللّحم». وفى الحديث قصة. ـــــــــــــــــــــــــــــ عنزة حى من ربيعة. (فقال) أى النبى صلى الله عليه وسلم. (لهم) أى لجابر وأهل منزله. (كأنهم علموا أنّا) يحتمل أنها للجمع، أو للتعظيم. (نحب اللحم) أى فأضافونا به، وقصد بذلك تأنيسهم، وجبر خواطرهم دون إظهار الشغف باللحم والإفراط فى محبته، وفيه: إرشاد المضيف إلى أنه ينبغى له أن يثابر على ما يحبه الضيف إن عرفه، والضيف إلى أن يخبر بما يحبه، حيث لم يوقع المضيف فى مشقة. (وفى الحديث قصة)، هى «أن جابر فى غزوة الخندق قال: انكفأت إلى امرأتى، فقلت: هل عندك شىء، فإنى رأيت بالنبى صلى الله عليه وسلم جوعا شديدا؟ فأخرجت جرابا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن أى شاة بينة فذبحتها أى: لنا، وطحنت أى: زوجتى الشعير حتى جعلنا اللحم فى البرمة، ثم جئته صلى الله عليه وسلم وأخبرته الخبر سرا له، وقلت: تعال أنت، ونفر معك، فصاح يا أهل الخندق: «إن جابرا صنع سورا» أى بسكون الواو بغير همز: طعاما يدعو إليه الناس، واللفظة فارسية فجئ هلا (¬1) بكم أى: هلموا مسرعين، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجىء، فجاء فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك [ثم قال: «ادع خابزة لتخبز معك، واقدحى» أى اغرفى. «من برمتكم ولا تنزلوها»، وهم ألف، فأقسم بالله! لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا] (¬2) وإن برمتنا لتغطّ-أى تغلى ويسمع تغطيطها-كما هى، وإن عجيننا ليخبز كما هو» (¬3) رواه البخارى ومسلم، ورويا أيضا (¬4): «أن أبا طلحة عرف الجوع فى صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل له مع أنس أقراصا من شعير فوجده فى المسجد-أى المعد للصلاة فيه حين حاصره الأحزاب فى غزوة الخندق-قال: «أرسلك أبو طلحة»؟ قلت: نعم، فقال لمن معه: «قوموا» ¬

(¬1) فى (أ): (فحيهلا). (¬2) ما بين [] ليس فى (ش): (¬3) رواه البخارى فى المغازى (4102)، ومسلم فى الأشربة (2039). (¬4) رواه البخارى فى الصلاة (422)، وفى المناقب (3578)، والأطعمة (5381)، والأيمان والنذور (6688)، ومسلم فى الأشربة (2040)، وكذلك رواه الترمذى فى المناقب (3630)، ومالك فى الموطأ فى صفة النبى صلى الله عليه وسلم (2/ 927،928)، وأحمد فى المسند (3/ 147،242)، والبغوى فى شرح السنة (3721)، وأبو عوانة فى المسند (5/ 380)، والفريابى فى الدلائل (6،7)، وكذا أبو نعيم فى دلائله (322)، واللالكائى فى الاعتقاد (1483)، وابن حبان فى صحيحه (6534)، والبيهقى فى الدلائل (6/ 88،89)، وفى السنن (7/ 273).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فانطلق وانطلقت بين أيديهم، فأخبرت أبا طلحة، فأعلم أم سليم بذلك مع أنه لا شىء عندهم فقلت له: الله ورسوله أعلم، فتلقاه أبو طلحة فلما جاء معه، قال: «هلمى يا أمّ سليم ما عندك؟» فأتت بذلك الخبز، فأمر به ففتّ وعصرت عليه أم سليم عكة فأدمته، ثم قال فيه صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن، ثم لعشرة، وهكذا حتى أكلوا كلهم وشبعوا، وكانوا سبعين، أو ثمانين»، وفى رواية لمسلم: «ثم أكل صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ثم ترك بقية»، وفى رواية للبخارى: «ثم أكل فجعلت أنظر هل نقص منها شىء»، وفى رواية: «ثمانية» بدل عشرة، وهى تدل على تعدد القصة، وكان حكمة ذلك العدد: أن تلك القصعة لا تسع أن يجلس عليها أكثر من ذلك، وفى رواية: «أنه لما انتهى إلى الباب قال لهم: اقعدوا، ثم دخل»، وفى أخرى: «أنه قال: هل من سمن؟ فقال: أبو طلحة: قد كان فى العكة شىء، فجعلا يعصرانها حتى أخرج، ثم مسح صلى الله عليه وسلم القرص، فانتفخ وقال: بسم الله، فلم يزل يفعل ذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص فى الجفنة يتسع»، وفى أخرى: «أن أبا طلحة لما بلغه أنه ليس عند النبى صلى الله عليه وسلم طعاما أجر نفسه بصاع من شعير ثم جاء به»، وفى رواية: «أنه رآه يقرئ أصحاب الصفة سورة النساء، وقد ربط بطنه حجرا»، وفى أخرى: «أنه وجده مضطجعا يتقلب ظهرا لبطن»، وهذا كله صريح فى تعدد القصة، وأول الحديث الأول يقتضى أن أنسا أرسل بالخبز ليأخذه صلى الله عليه وسلم فيأكل، لكنه لما رأى كثرة الناس استحى، وظهر له أنه يدعوه وحده إلى منزله ليحصل المقصود من إطعامه، ويحتمل أنه قيل له: «افعل ذلك إذا رأيت كثرة»، وفى رواية لأبى نعيم وأصلها عند مسلم: «أنهم أصابهم مجاعة فى غزوة تبوك، فقال عمر: يا رسول الله ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادعو الله لهم عليها بالبركة، فقال: نعم، ففعلوا فاجتمع شىء يسير، ثم قال: خذوا شيئا فى أوعيتكم، فما تركوا فى العسكر وعاء إلا ملوه وفضلت فضلة. وروى الشيخان: «أن أم سليم صنعت له صلى الله عليه وسلم وهو عروس بزينب حيسا من سمن وتمر وأقط، وجعلته فى ثوب، ثم أرسلته إليه مع أنس، فقال: ادع من لقيته، فاجتمع زهاء ثلاثمائة، فوضع النبى صلى الله عليه وسلم يده على تلك الحيسة، وتكلم بما شاء الله، ثم جعل يدعو عشرة عشرة يأكلون منه، ويقول لهم: اذكروا اسم الله عليه، وليأكل كل رجل مما يليه، وأكلوا كلهم حتى شبعوا، فقال: يا أنس ارفع، فرفعت، فما أدرى حين وضعت، فكان أكثرهم حين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رفعت» (¬1) وروى مسلم: «أنه أطعم رجلا وسقا من شعير، فأكلوا منه مدة حتى كالوه، فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم فقال: «لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم» (¬2) قال النووى: وإنما ذهب لما كالوه؛ عقوبة لهم، لأن كيله معناه التسليم، ومتضمن للتدبير وتكلف للإحاطة بأسرار الله، وصحّ «أنه صلى الله عليه وسلم أتى بقصعة من لحم، فتعاقبوها من غدوة حتى الليل يقوم قوم ويقعد آخرون وقال رجل لسمرة هل كانت تمد؟ قال: ما كانت تمد إلا من السماء» ومعجزاته صلى الله عليه وسلم كثيرة، ولا بأس بالكلام على شىء منها، وما يتعلق بها، فإن إخلاء هذا الكتاب منها غير لائق إذ هى أخصّ الشمائل كلّها وأكملها، واعلم أن أعظم معجزاته وأشهرها، وأعمها: القرآن، والكلام فى وجوه إعجازه، وما اشتمل عليه مما يناسب ذلك مستوفى فى كلام المفسرين والأصوليين، وأما غيره فمنه ما وقع التحدى به، وهو طلب المعارضة والمقابلة، ومنه ما وقع بدون طلب، ولا ينافى تسميته معجزة أن التحدى شرط فيها، لأنا نقول هو شرط فيها فى الجملة، لا فى كل من جزئياتها، وبها يرد ما أورد على مشترط ذلك كالباقلانى بما شنع به جمع عليه، وأطالوا، وهى ما قبل نبوته كقصة الفيل، والنور الذى خرج معه حتى أضاء له قصور الشام، وأسواقها، وحتى رؤيت أعناق الإبل ببصرى، ومسح الطائر لفؤاد أمه حتى لم تجد ألما لولادته والطواف به فى الأفاق، وغيض ماء بحيرة ساوة، وخمود نار فارس، وسقوط شرفات إيوان كسرى، وما سمع من الهواتف الصارخة بنعوته وأوصافه، وانتكاس الأصنام وخرورها لوجهها من غير دافع لها من أمكنتها إلى سائر ما نقل من العجائب فى أيام ولادته، وأيام حضانته وبعدها إلى أن بقاه الله؛ كإظلال الغمام أى فى السفر، وشق الصدر، وهذا القسم لا يسمى معجزة حقيقية، لتقدمه على التحدى جملة وتفصيلا، وإنما يسمى إرهاصا أى تأسيسا للنبوة، وهذا ما عليه أهل السنة، وقالت المعتزلة: لا يجوز تقديم المعجزة إلى الإرسال، وبما قررته يعلم أن الخلاف لفظى، وأما بعد موته، وهو غير محصور إذ كل خارق وقع لخواص أمته، إنما هو فى الحقيقة له، إذ هو السبب فيه وأما من حين نبوته إلى وفاته، وهذا هو الذى الكلام فيه فمنه: انشقاق القمر لما طلب منه ¬

(¬1) رواه البخارى فى النكاح (5163)، ورواه مسلم فى النكاح (1428)، والترمذى فى التفسير (3218)، والنسائى فى النكاح (6/ 110،111). (¬2) رواه مسلم فى الفضائل (2281)، والبيهقى فى الدلائل (6/ 114).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كفار قريش آية على صدقه، والدليل على وقوعه ظاهر الآية، وأجمع أهل السنة عليه، وهى من أمهات معجزاته وخواصها، إذ ليس فى معجزات الأنبياء ما يقاربه لأنه ظهر فى الملكوت الأعلى خارجا عن طباع هذا العالم، فلا حيلة فى الوصول إليه، وقد حقق التاج السبكى: أن انشقاقه متواتر، ذكر فى الصحيحين «أنه انشق فرقتين حتى رأوا حراء بينهما، فقالوا: هذا سحر كما سألوا السحار فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، فسألوهم، فأخبروا بذلك» (¬1) وفى رواية لمسلم: «أخبرهم بانشقاقه مرتين» (¬2)، وفى رواية لأبى نعيم: «فصار قمرين» (¬3) ولهذا المراد برواية مسلم مرتين، وأما ما اقتضاه كلام الحافظ أبى الفضل العراقى: من الإجماع على أنه انشق مرتين، فتعقب بأن ذلك لم يجزم له أحد من علماء الحديث، فضلا عن الإجماع، فالوجه أن مرتين بمعنى فرقتين جمعا بين الروايات، وفى البخارى عن ابن مسعود: «ونحن بمنى» (¬4) ولا يعارضه قول أنس: «أنه كان بمكة» (¬5) لأن المراد أنه كان بها لا بالمدينة، وقد أنكر جمهور الفلاسفة ذلك، لإنكارهم الخرق والالتئام فى الأجرام العلوية، وهؤلاء كفار، وتقرير بطلان مذهبهم فى الأصول، وأنكره أيضا بعض الملاحدة محتجين بأنه لو وقع لم يخف على أحد من أهل الأرض، ولم يختص بأهل مكة، ورد: بأنه وقع ليلا لحظة وقت النوم والغفلة والنوم، فلا مانع من خفائه على من بعد فى ذلك الإقليم، وليس هو دون الكسوف الذى يظهر بمحل دون آخر، على أنه لولا إخبار المنجمين به قبل وقوعه، لربما خفى على أكثر أهل الأرض، وحكمة قدم بلوغ معجزة من معجزاته غير القرآن تواتره أن نظير ذلك فى الأمم السابقة، أعقبت هلاك من كذب بها وهو صلى الله عليه وسلم رحمة عامة، فكانت معجزته غير عامة لئلا يعاجل المكذبون بما عوجل به من سبقهم، وحكى البدر ¬

(¬1) رواه البخارى فى المناقب (3637)، وفى التفسير (4864)، ورواه مسلم فى صفات المنافقين (2800)، وكذلك أحمد فى المسند (1/ 377،412،447)، (3/ 275،278)، (4/ 82)، وأبو نعيم فى الدلائل (1/ 201) من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه. (¬2) تقدم فى الذى قبله (¬3) رواه الحافظ أبو نعيم فى دلائل النبوة (1/ 202). (¬4) تقدم. (¬5) رواه البخارى فى المناقب (3637)، و (3868)، ومسلم فى صفة المنافقين (2802)، من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الزركشى عن شيخه العماد ابن كثير: أن ما حكى «أن القمر دخل فى جيبه صلى الله عليه وسلم وخرج من كمه» فليس له أصل، ومنه: رد الشمس، لخبر «لما كان رأسه صلى الله عليه وسلم فى حجر على رضى الله عنه حتى غربت، ولم يصلّ العصر، فدعا صلى الله عليه وسلم بردها حتى صلاها» وحديثها صححه الطحاوى وعياض، وأخرجه جماعة منهم الطبرانى بسند حسن (¬1)، وأخطأ من جعله موضوعا كابن الجوزى، وقد ذكرت فى ذلك زيادة فى شرح العباب أول الصلاة، ومنه: تسبيح الحصى فى كفه، ثم بكف أبى بكر، ثم عمر، ثم عثمان رضى الله عنهم أجمعين، حتى سمع الحاضرون فأخذوه، فلم يسبح معهم، وهذا وإن اشتهر، لكن سنده ضعيف، نعم فى البخارى عن ابن مسعود: «كنا نأكل الطعام مع النبى صلى الله عليه وسلم، ونحن نسمع تسبيح الطعام» (¬2) ومنه: تسليم الحجر عليه أخرج مسلم: «إنى لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علىّ قبل أن أبعث، إنى لأعرفه الآن» (¬3) وهذا الحجر قيل: الأسود، وقيل: الذى بزقاق المرفق المشهور بمكة، وذكر الفارسى ما يقويه، وصح عن على «كنت أمشى مع النبى صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا فى بعض نواحيها فما استقبله حجر ولا شجر، إلا قال: السلام عليك يا رسول الله»، ومنه: تأمين أسكفة الباب وحوائط البيت ثلاثا على دعائه للعباس، ونفيه أن يسترهم كسترة أباهم علاة، رواه البيهقى، وابن ماجه، ومنه: ما صح من كلامه مع أحد لما صعده هو وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم فضربه برجله وقال: «اثبت أحد، فإنما عليك نبى وصديق وشهيدان» (¬4) وسبب الرجف مما حصل له من الطرب والفرح، ومن ثمة صح: «أحد يحبنا ونحبه» قال الخطابى: كنى به عن أهل المدينة، وأجراه البغوى على ظاهره، وهو الأصح، إذ لا بعد ¬

(¬1) ذكره الحافظ الهيثمى فى مجمع الزوائد (8/ 297)، وعزاه للطبرانى من حديث أسماء بنت عميس مرفوعا، وذكر أكثر من رواية، وقال: رواه كله الطبرانى بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح عن إبراهيم بن حسن، وهو ثقة وثقه ابن حبان، وفاطمة بنت على بن أبى طالب لم أعرفها. (¬2) رواه البخارى فى المناقب (3579). (¬3) رواه مسلم فى الفضائل (2277). (¬4) رواه البخارى فى فضائل الصحابة (3675)، وفى المناقب (3699)، وأبو داود فى السنة (4651)، والترمذى فى المناقب (3697)، والنسائى فى فضائل الصحابة (32)، والبغوى (3901)، وابن حبان فى صحيحه (6908)، وأبو يعلى فى مسنده (2964،3171).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى محبة الجمادات للأنبياء والأولياء، ومن ثمة سمع حنين الجذع لما فارقه، وخرج النسائى، والترمذى، والدار قطنى: أن هذه القصة وقعت بعينها فى بر مكة، ومسلم أنها أيضا وقعت بحرا لكن بزيادة على وطلحة والزبير، وهؤلاء الثلاثة شهداء أيضا، وفى رواية له: «إبدال علىّ» بسعيد، وفى رواية للترمذى: أنه كان عليه العشرة إلا أبا عبيدة، وهذه الاختلافات محمولة على أنها قضايا تكررت، ونازع فيه بعض الحفاظ لاتحاد مخرجها، ثم قوى احتمال التعدد بروايات صحيحة ذكرها، ومنه: كلام الشجر وسلامه عليه، وأخرج البزار وأبو نعيم: «لما أوحى إلىّ جعلت لا أمر بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله» (¬1) وأحمد، والدارمى: «أنه صلى الله عليه وسلم لما خضبه أهل مكة بالدعاء، فحزن فجاءه جبريل، فقال: أتحب أن أريك آية؟ قال: نعم، فأمره بدعاء شجرة، فجاءت تمشى حتى قامت بين يديه، فقال: مرها فلترجع إلى مكانها، فأمرها فرجعت إليه، فقال صلى الله عليه وسلم: حسبى حسبى» (¬2)، وورد بسند جيد: «أن أعرابيا سأل النبى صلى الله عليه وسلم آية، فدعى شجرة فأقبلت تشق الأرض فقامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثا فشهدت، ثم رجعت إلى منبتها» (¬3) وروى البزار: «أنها تمايلت حتى قطعت عروقها، ثم جاءت فسلمت فقال الأعرابى: مرها فلترجع إلى منبتها فرجعت فدلت عروقها فيه فاستقرت، فقال الأعرابى: ائذن لى أن أسجد لك فقال: لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» (¬4) وصح: «أن أعرابيا قال: بم أعرف أنك رسول الله؟ فدعى له عذقا من نخلة فجاء إليه، ثم أمره بالرجوع فعاد فأسلم الأعرابى» (¬5) ¬

(¬1) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (8،259،260)، وقال: رواه البزار عن شيخه عبد الله بن شبيب وهو ضعيف. (¬2) رواه الدارمى (1/ 13)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (11/ 478). (¬3) رواه أحمد فى مسنده (4/ 173). (¬4) رواه ابن ماجه (1852)، والبغوى فى شرح السنة (9/ 158) وفى معرفة الصحابة (5/ 58، 518)، والحاكم فى المستدرك (4/ 172)، والبيهقى فى دلائل النبوة (138)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (4/ 310)، (9،7)، وقال: رواه البزار. وفيه الحكم بن طهمان أبو عزة الدباغ، وهو ضعيف وروى الترمذى طرفا من آخره وإسناده حسن. (¬5) رواه البخارى فى التاريخ (3/ 3)، والترمذى فى المناقب (3628)، والدارمى (1/ 13)، وأحمد فى مسنده (1/ 223)، وأبو يعلى فى مسنده (2530)، وابن حبان فى صحيحه (6523)، والبيهقى فى دلائل النبوة (6/ 15،16)، والطبرانى فى الكبير (12595،12622)، وذكره =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى البغوى: «أنه نام فجاءته شجرة فغشيته، ثم رجعت لمحلها، فلما استيقظ ذكر ذلك له فقال: هى شجرة استأذنت ربى أن تسلم علىّ فأذن لها» (¬1)، وروى مسلم: «أنه صلى الله عليه وسلم نزل بواد فسيح، فلم ير ما يستره لقضاء حاجته، ثم شجرتان فجر بعض أحدهما وقال: انقادى على، فانقادت، ثم فعل بالأخرى ذلك، فلما توسط بينهما قال: التئما على بإذن الله فالتئمتا» (¬2)، ومنه: حنين الجذع بالمعجمة. «وحنينه»: شوقه وانعطافه الدال عليها أصواتها المسموع منه كما فى الأحاديث. قال التاج السبكى: وحنينه متواتر، لأنه ورد عن جماعة من الصحابة أى نحو العشرين، من طرق صحيحة كثيرة تفيد القطع بوقوعه. . . (¬3) [وبينما، ثم قال: ورب متواتر عند قوم غير متواتر عند آخرين، وتبعه بعض الحفاظ فقال: وقد نقل انشقاق القمر نقلا مستفيضا] (¬4) يفيد القطع عند من يطلع على طرق الحديث دون غيرهم، وجرى [فى الشفاء على] (¬5) أنه متواتر، وقال البيهقى: قصة حنينه من الأمور الظاهرة التى نقلها الخلف عن السلف، وعن الشافعى: أنها أعظم فى المعجزة من إحياء الموتى، وحاصل قصته أن المسجد كان مسقوفا على جذع النخل، وكان صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع منها، فجعل له منبر ثلاث درجات، فلما رقاه سمع لذلك الجذع صوت كصوت الناقة التى انتزع منها ولدها حتى تصدع وتنشق فنزل وضمه إليه، فجعل يئن أنين الصبى الذى يسكن، ثم رجع للمنبر، وهذا دليل على أنه تعالى خلق فيه الحياة والعقل والشوق لا من جهة سماع صوته إذ الصوت لا يستلزم حياة ولا عقلا كما هو مذهب الأشعرى بل من جهة أن الشوق المعنوى دون الطبيعى [البهيمى] (¬6) الذى يستلزمهما، واطلاع الصحابة على حياته أنه حنين صريح فى إثبات الشوق المعنوى ¬

= الهيثمى فى مجمع الزوائد (9/ 10)، عزاه لأبى يعلى فقط وقال: رجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن الحجاج السامى وهو ثقة. (¬1) رواه أحمد فى مسنده (4/ 173)، والبيهقى فى دلائل النبوة (139)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (9/ 6)، وقال رواه أحمد بإسنادين والطبرانى بنحوه. (¬2) رواه مسلم فى الزهد (3012)، وابن حبان فى صحيحه (6524)، والبيهقى فى دلائل النبوة (6/ 7،10). (¬3) هنا تقديم وتأخير فى (ش). (¬4) ما بين [] ليس فى (ش). (¬5) ما بين [] طمس فى (أ)، وأثبت من (ش). (¬6) الزيادة من (ش).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ له، ويؤيده قول جابر: كانت تبكى على ما كان يسمع من الذكر عندها، ومن ثمة عامله صلى الله عليه وسلم معاملة المشتاق، فالتزمه كما يلتزم المغيب أهله وأعزته، ليبرد غليل شوقهم إليه، وفى رواية صحيحة: «أنه خار حتى ارتج المسجد لخوائره، وأنه صلى الله عليه وسلم قال: «والذى نفس محمد بيده، لو لم ألتزمه لما زال هكذا حتى تقوم الساعة حزنا على رسول الله» (¬1)، فأمر به صلى الله عليه وسلم فدفن، وفى رواية للبيهقى: «أنه خيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة» (¬2)، وفى أخرى للدارمى، قال له: «إن شئت أردك إلى حائطك تنبت كما كنت عليه، وإن شئت أغرسك فى الجنة، فتأكل أولياء الله من ثمرك»، ثم أصغى له قال: تغرسنى فى الجنة فتأكل منى أولياء الله، وأكون فى مكان لا أبلى فيه فسمعه من يليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد فعلت»، ثم قال: «قد اختار دار البقاء على دار الفناء» واعلم أن القصة واحدة، فما وقع فى ألفاظها مما ظاهره التغاير إنما هو من الرواة، عند التحقيق والتأويل يرجع لمعنى واحد، ومنه: سجود الجمل له كما رواه أحمد والنسائى والبغوى والطبرانى وله سند جيد عند البيهقى وحاصل قصته: «أن الأنصار شكوا جملا لهم استصعب ومنعهم ظهره وصار كالكلب، فجاء له النبى صلى الله عليه وسلم، فلما نظر إليه أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه فأخذ بناصيته أذل ما كان قط، حتى أدخله فى العمل فقالوا له: نحن أحق أن نسجد لك، فقال: لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، وإلا لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، من عظم حقه عليها» (¬3)، وصح أنه صلى الله عليه وسلم دخل حائط أنصارى، فإذا جمل فلما رآه حن وذرفت عيناه، فمسح المحل الذى يعرف من قفاه عند أذنيه، ثم قال لصاحبه: «ألا تتقى الله فى هذه البهيمة التى ملكك الله إياها، فإنه شكى إلى أنك تجيعه وتدميه» (¬4) ¬

(¬1) ذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (6/ 145). (¬2) رواه البخارى فى مناقب الأنصار (3904)، بلفظ: ما عنده، وفى فضائل الصحابة (3654) بلفظ: ما عند الله، وفى الصلاة (466) بلفظ: ما عند الله، ومسلم أيضا فى فضائل الصحابة (2382)، بلفظ البخارى والترمذى فى المناقب (3659،3660)، والدارمى فى المقدمة (1/ 36) بلفظه وأحمد فى مسنده (3/ 18،478)، (4/ 211) (5/ 139). (¬3) رواه أحمد فى مسنده (3/ 159)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (9/ 4)، وقال رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح غير حفص ابن أخى أنس وهو ثقة. وذكره الهندى فى كنز العمال (44777)، وعزاه لأحمد والترمذى عن أنس. (¬4) رواه أبو داود فى الجهاد (2549)، وأحمد فى مسنده (1/ 204،205)، (4/ 181).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى بسند ضعيف: «أنه صلى الله عليه وسلم دخل حائطا فيه غنم فسجدت له، فقال أبو بكر: نحن أحق بالسجود من هذه فقال صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغى لأحد أن يسجد لأحد» (¬1). ومنه: كلام الذئب، رواه جماعة، وأخرجه جماعة من الأئمة من عدة طرق منهم: أحمد، وإسناده جيد، وذلك: «أن ذئبا أخذ شاة فانتزعها منه راعيها فأقعى فقال: ألا تتقى الله تنزع منى رزقا ساقه الله إلىّ فقال: يا عجبا ذئب يتكلم فقال له الذئب: ألا أخبرك بالأعجب من ذلك؟ محمد بيثرب يخبر الناس بأنباء ما سبق فجاء الراعى إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمر فنودى بالصلاة جامعة ثم خرج فقال للأعرابى: «أخبرهم» فأخبرهم (¬2)، وفى رواية: «أن الراعى يهودى وأنه أسلم، وأن الذئب يخبركم بما مضى، وبما هو كائن بعدكم، وأنه صلى الله عليه وسلم صدق المخبر، ثم قال: «إنها أمارات بين يدى الساعة قد أوشك الرجل أن يخرج فما يرجع حتى يحدثه نعلاه وسوطه بما أحدثه أهله بعده» (¬3)، وذكر فى الشفاء طريقا فيها زيادة «أن الذئب قال: تركت نبيا لم يبعث الله قط نبيا أعظم منه عنده قد رأوا أنه، أمره أن يذهب إليه، ويحرس له غنمه حتى يرجع ففعلا، ثم جاء فذبح له شاة منها»، وروى ابن وهب، «أن ذئبا وقع له نظير ذلك مع أبى سفيان وصفوان بن أمية، وأنهما عجبا من إدباره عن ظبى لما دخل الحرم فقال لهما: أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم للجنة وتدعونه إلى النار»، وروى سعيد بن منصور: «أن ذئبا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأقعى بين يديه وجعل يبصبص بذنبه فقال صلى الله عليه وسلم: «هذا وافد الذئاب جاء يسألكم أن تجعلوا له من أموالكم شيئا» فقالوا: ألا والله لا نفعل، وأخذ رجل حجرا رماه به فأدبر وله عواء، فقال صلى الله عليه وسلم: «الذئب، وما الذئب؟» ومنه: كلام الحمار على ما أخرجه ابن عساكر، وأبو نعيم وفيه «أنه أسود، وأصابه يوم خيبر فكلمه بأنه من نسل ستين حمارا لم يركبها إلا نبى، وأنه كان يتعثر بصاحبه اليهودى عمدا، وكان يتوقع ركوبه صلى الله عليه وسلم، وأنه سماه يعفور، وكان يبعثه يستدعى أصحابه، وأنه لما توفى رسول الله ¬

(¬1) ذكره الزيبدى فى إتحاف السادة المتقين (7/ 193)، وقال: رواه جماعة من الصحابة وهم: أبو هريرة وأنس وابن عمر وأبو سعيد الخدرى. (¬2) ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (7/ 193،194)، وقال: رواه جماعة من الصحابة منهم: أبو سعيد الخدرى راوى هذا الحديث. (¬3) رواه البغوى فى شرح السنة (15/ 88)، وأحمد فى مسنده (2/ 306)، والبيهقى فى دلائل النبوة (133).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم رمى نفسه فى بئر حزنا عليه» ولكن الحديث مطعون فيه، وذكره ابن الجوزى فى الموضوعات، وفى غيره غنية عنه، وكلام الضبّ، وهو وإن اشتهر لكنّ سنده غريب ضعيف، بل قيل: إنه موضوع، والصحيح أنه ضعيف وحاصله: «أن أعرابيا طرحه بين يديه وحلف لا يؤمن به حتى يؤمن به، فكلمه النبى صلى الله عليه وسلم فأجابه بلسان مبين يسمعه القوم»، وتكلم بكلام طويل مذكور فى الشفاء وغيره، وكلام الغزالة، وطرقه وإن ضعفت، لكن بعضها يقوى بعضا، وقول ابن كثير أنها موضوعة مردود، وحاصلها «بينما هو بصحراء، إذ سمع: يا رسول الله ثلاثا، فالتفت، فإذا ظبية مشدودة بوثاق وتألم، فقال: ما حاجتك؟ قالت (¬1): صادنى هذا الأعرابى ولى ولدان فى هذا الجبل فأطلقنى حتى أذهب فأرضعهما وأرجع، فقال: وتفعلى؟ فقالت: عذبنى الله. عذاب الكفار إن لم أعد، فأطلقها فذهبت ورجعت فأوثقها صلى الله عليه وسلم فانتبه الأعرابى وقال: يا رسول الله ألك حاجة؟ قال: نعم تطلق هذه الظبية، فأطلقها فخرجت تعدو وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله» (¬2)، ومنه: نبع الماء الطهور من بين أصابعه، وهو أفضل المياه، قال القرطبى: وتكرر ذلك منه فى عدة مواطن فى مشاهد عظيمة ومجموع طرقه الكثيرة الصحيحة تفيد القطع المستفاد من التواتر المعنوى قال المزنى: وهو لعدم ألفه أصلا أبلغ من نبع الماء من الحجر، لأنه مألوف فمن تلك الطرق: «أن صلاة العصر حانت فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه فأتوه بوضوء فوضع يده الشريفة، فجعل الماء ينبع من بين أصابعها من أطرافها حتى توضأوا، وكانوا ثمانين وفى رواية ثلثمائة وفى رواية: «أن ذلك كان فى غزوة تبوك، فرووا منه إبلهم ودوابهم، وتزودوا مع كثرتهم، فإنهم كانوا سبعين ألف، أو ثلاثين، أو أربعين، -أقوال-وخيلهم عشرة آلاف، وإبلهم نحو ذلك، أو أكثر»، وفى أخرى: «أنه جىء له فى قباء بقدح صغير، وضع فيه غير إبهامه لضيقه، ثم قال: هلموا للشراب فلم يزل ينبع من بين أصابعه وهم يرون حتى رووا جميعا»، ووقع ذلك بالحديبية لعطش أصابهم، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) رواه أحمد فى مسنده (3/ 500) (4/ 59)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 48،61). (¬2) ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (7/ 195)، وقال: رواه الطبرانى بنحوه وساق الحافظ المنذرى حديثه فى الترغيب والترهيب من باب الزكاة، وقول ابن كثير فيما نقله السخاوى عنه: أنه لا أصل له مردود وقد أورد الحافظ ابن حجر له فى تخريج أحاديث المختصر طرقا بعضها يقوى بعض.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يده فى الركوة، ففار من بين أصابعه كأمثال العيون، فرووا وتوضأوا، وكانوا ألفا وخمسمائة» قال جابر: لو كنا مائة ألف لكفانا، ووقع أيضا فى غزوة بواط ولم يجد صلى الله عليه وسلم إلا قطرة غمرها وتكلم عليها بكلام قال عبادة: لا أدرى ما هو!، ثم أمر بصبها على يده، وقد بسطها فى جفنة، وقال: بسم الله ففار الماء من بين أصابعه حتى استقوا كلهم، وبقى فى جفنته كذلك» (¬1)، ولتكثير الماء القليل ووقوع الغيث الكثير ببركة دعائه طرق أخرى كثيرة، وفى ما يقتضى أن الماء لم يكن ينبع من بين أصابعه حقيقة، بل نظر الرائى، والأصح كما قال النووى وغيره، ودل عليه كثير من الروايات الصحيحة أنه يخرج منها حقيقة، وإنما لم يفعله من غير ماء ولا وضع إناء؛ تأدبا مع الله، إذ هو المنفرد بإنشاء المعدوم من غير أصل، وفى رواية للدارمى وغيره: «أنه لما لم يوجد شىء من ماء طلب شيئا، فبسط يده ففارت عين من تحته، فشربوا وتوضأوا»، ومنه: إحياء الموتى، أخرج البيهقى: «أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: لا أومن بك حتى تحيى لى ابنتى فجاء لقبرها، فقال: يا فلانة، قالت: لبيك وسعديك، فقال صلى الله عليه وسلم: أتحبين أن ترجعين إلى الدنيا، فقالت: لا والله يا رسول الله، إنى وجدت الله خيرا لى من أبوى ووجدت الآخرة خير لى من الدنيا» وحديث إحياء أمه حتى آمنت، رواه جماعة، وصححه بعض الحفاظ، وإن قال ابن كثير إنه منكر جدا، وروى ابن عدى وابن أبى الدنيا والبيهقى وأبو نعيم: «أن عجوزا عمياء مات ولدها، فلما عزيت به قالت: اللهم إن كنت تعلم أنى هاجرت إليك، وإلى نبيك رجاء أن تعيننى على كل شدة فلا تحملنى على هذه المصيبة، فكشف الثوب عن وجهه وطعم وطعموا»، وروى ابن أبى الدنيا: «أن زيد بن حارثة بينما هو يمشى، إذ خر فتوفى فجىء به إلى بيته، فلما كان بين المغرب والعشاء سمعوا على لسانه محمد رسول الله النبى الأمى خاتم النبيين لا نبى بعده، كان ذلك فى الكتاب الأول، ثم قال: صدق صدق ثم قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته» (¬2)، وأخرج أبو نعيم عن جابر: «أنه ذبح شاة وطبخها فجاء بها النبى صلى الله عليه وسلم، فأكل هو وأصحابه ونهاهم عن كسر العظم، ثم جمعه ووضع يده عليه، ثم تكلم بكلام، فإذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها» وللبيهقى: «أنه صلى الله عليه وسلم جىء له ¬

(¬1) رواه مسلم فى الزهد (2013). (¬2) رواه ابن سعد فى الطبقات (1/ 114)، والبيهقى فى السنن الكبرى (4/ 325).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بغلام يوم ولد، فقال: من أنا؟ قال: رسول الله، قال: صدقت بارك الله فيك لم يتكلم بعد حتى شئت، فكان يسمى مبارك اليمامة» وأصيبت عينا قتادة بن النعمان يوم أحد فسقطتا على وجنتيه فأتى بهما النبى صلى الله عليه وسلم فأعادهما مكانهما وبصق فيهما فعادتا تبرقان قال الدار قطنى: هذا حديث غريب عن مالك تفرد به عمار بن منصور وهو ثقة، وأخرج الطبرانى وأبو نعيم عن قتادة: «كنت يوم أحد أتقى السهام بوجهى دون وجه رسول الله، فكان آخرها سهما ندرت منه حدقتى فأخذتها بيدى وسعيت بها إلى رسول الله، فلما رآها فى كفى دمعت عيناه، فقال: اللهم ق وجه قتادة كما وقى وجه نبيك بوجهه، فاجعلها أحسن عينيه وأحدهما نظرا» (¬1)، وفى رواية: «أنه جىء بها قال: يا رسول الله: إن لى امرأة أحبها وأخشى إن رأتنى أن تقذرنى» وبين الأولى، والتى بعدها تعارض فى العين الأخرى، وقد يجاب على تقدير صحة الروايتين: بأنهما أصيبتا، وجاء بهما فى وقتين، فحكى مرة عنهما معا وهى الرواية الأولى، ومرة أخرى عن إحداهما، وهى الرواية الثانية، وروى ابن أبى شيبة والبغوى، والبيهقى، والطبرانى، وأبو نعيم: «أنه صلى الله عليه وسلم نفث فى عينى فديك كانتا مبيضتان لا يبصر بهما شيئا» (¬2). وكان وقع على بيض حية فنفث فيهما فعادتا أحسن ما كان فكان يدخل الخيط فى الإبرة وإنه لابن ثمانين سنة وإن عيناه لمبيضتان قال ابن إسحاق: وقاتل عكاشة بن محصن الأسدى يوم بدر بسيفه حتى انقطع فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جزلا من حطب، فقال له: «قاتل به» فهزّه فعاد فى يده سيفا طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين وكان يسمى العون ولم يزل يشهده المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل وهو عنده وذكر القاضى عياض عن ابن وهب أن عكرمة بن أبى جهل ضرب يد معاذ بن عمرو فتعلقت بجلدة فبصق صلى الله عليه وسلم عليها فلصقت، قال ابن إسحاق: ثم عاش حتى كان زمن عثمان ولما التقى الجمعان يوم بدر فأخذ صلى الله عليه وسلم كف حصى فرمى به فى وجوههم وقال: شاهت الوجوه أى قبحت وتغيرت فلم يبق مشرك وكانوا ألفا أو إلا خمسين إلا ودخل فى عينيه ومنخريه منها شىء فانهزموا من ذلك على الأصح وأنه فعل صلى الله عليه وسلم نظيره يوم حنين نزل قوله تعالى: وَمارَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اَللهَ رَمى واعلم أن جماعة ضلوا فى فهم ¬

(¬1) ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (7/ 187). (¬2) رواه أحمد فى مسنده (1/ 331).

173 - حدثنا ابن أبى عمر، حدثنا سفيان، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابرا. قال سفيان: وحدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا معه، فدخل على امرأة من الأنصار، فذبحت له شاة فأكل منها، وأتته بقناع من رطب فأكل منه، ثمّ توضّأ للظّهر وصلّى، ثمّ انصرف، فأتته من علالة الشّاة، فأكل ثمّ صلّى العصر، ولم يتوضّأ». ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه الآية حيث جعلوها أصلا فى إبطال نسبة الأفعال إلى العباد ولم يبالوا بما يلزم على ذلك إذ يقال: وما صليت إذ صليت ولكن الله صلى وَمارَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ. . . إلخ والمراد أن تلك الرمية لما لم تبلغ ذلك المبلغ عادة، بيّن تعالى أن من نبيه المبدأ، ومنه تعالى الغاية، وهو الإيصال، «وانقطع يوم أحد سيف عبد الله بن جحش فأعطاء صلى الله عليه وسلم عرجونا، فعاد فى يده سيفا فقاتل به، وكان يسمى العرجون ولم يزل يتوارثونه حتى بيع من بغاء التركى من أمراء المعتصم فى بغداد بمائتى دينار». 173 - (فذبحت شاة) أى حقيقة أو أمرت بذبحها، والجزم الثانى يحتاج لدليل. (بقناع) بقاف مكسورة فنون مهملة أى طبق من سعف النخل. (ثم انصرف) أى من صلاته أو من محلها. (علالة) بضم المهملة أى بقية. (من) تبعيضية وزعم أنها بيانية بعيد. (علالة الشاة) أى بقية لحمها، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم شبع من لحم فى يوم مرتين، فما مر عن عائشة من نفى ذلك إنما باعتبار علمها، كذا قيل، وهو غير جلى، إذ لا يلزم من أكله مرتين الشبع فى كل منهما، نعم فيه دليل على حل الأكل ثانيا، وإن لم ينهضم الأول، إذا أمن التخمة باعتبار عادته، أو لقلة المأكول، وقد يندب ذلك لخبر حاطب المضيف ونحوه. (ولم يتوضأ) فيه دليل على أن وضوء الأول، لم يكن مما مسته النار. ¬

173 - إسناده حسن لغيره وهو صحيح: رواه الترمذى فى الطهارة (80)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أحمد فى المسند (3/ 322)، وأبو داود فى الطهارة (191)، والطيالسى فى مسنده (1670)، ثلاثتهم من طريق سفيان به فذكره نحوه. قلت: عبد الله بن محمد بن عقيل: صدوق لين، ويقال: تغير بآخره (التقريب 3592)، وقد تابعه محمد بن المنكدر، وهو ثقة فاضل، [التقريب (6327)].

174 - حدثنا العباس بن محمد الدورى، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا فليح ابن سليمان، عن عثمان بن عبد الرحمن، عن يعقوب بن أبى يعقوب، عن أم المنذر، قالت: «دخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علىّ، ولنا دوال معلّقة. قالت: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلىّ معه يأكل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يا علىّ. فإنك ناقه. قالت: فجلس علىّ والنّبى صلى الله عليه وسلم يأكل. قالت: فجعلت لهم سلقا وشعيرا فقال النّبىّ صلى الله عليه وسلم لعلىّ: من هذا فأصب، فإنّ هذا أوفق لك». ـــــــــــــــــــــــــــــ 174 - (دوال) واوه منقلبة عن ألف إذ هو جمع دالية، وهو العذق من النخلة يقطع بسرا، ثم يعلق ليرطب، ويأكل رطبه على التدريج. (معلقة) أى لترطب ويؤكل من رطبها. (مه) اسم فعل بمعنى اكفف. (ناقه) هو قريب العهد بالمرض قبل أن يرجع إليه كمال صحته وقوته. (فجعلت) عطف على فقال أى بينت أمر صلى الله عليه وسلم عليا رضى الله عنه بالترك، لأنه يضره جعلت ما لا يضره ومن ثمة أمره صلى الله عليه وسلم بالإصابة منه لهم، أى له ولعلى ومن معهما من أهل بيتهما، وفى إرادية أى للنبى صلى الله عليه وسلم واقتصرت عليه، لأنه الأصل والمتبوع، وزعم أنه لعلى وهم، وإنما يرجع لأهلها أى ضيفانها هو الوهم، كما هو ظاهر. (فأصب) أى أما من هذا فأصب فالفاء هى جواب شرط محذوف، وتقديم من هنا يوجب الحصر أى من هذا لا من غيره. (هذا أوفق لك) إنما منعه من ذلك، لأن الفاكهة تغير بالناقه لسرعة استحالتها، وضعف الطبيعة من دفعها لعدم القوة فأوفق معنى موافق إذ الأوفقية فى الرطب له أصلا ويصح كونه على حقيقته بأن يدعى أن فى الرطب موافقة له من وجه وإن ضره وجه آخر ولم يمنعه من السلق والشعير لأنه من ¬

174 - إسناده ضعيف والحديث حسن: رواه الترمذى فى الطب (2037)، بسنده ومتنه سواء، والبغوى فى شرح السنة (11/ 306)، (2863)، من طريق المصنف به فذكره، وأبو داود فى الطب (3856)، وابن ماجه (3442)، وأحمد فى المسند (6/ 363،364)، والحاكم فى المستدرك (4/ 407)، كلهم من طريق فليح ابن سليمان به فذكره نحوه. قال أبو عيسى: حسن غريب. لا نعرفه إلا من حديث فليح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الشيخ الذهبى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنفع الأغذية للناقه لما فى الشعير من التغذية والتلطيف والتليين وتقوية الطبيعة وفى هذا الحديث فوائد كثيرة فلذا أطلت الكلام فيها وفى متعلقاتها فمن ذلك أنه ينبغى الحمية للمريض والناقه بل قال بعض الأطباء: أنفع ما تكون الحمية للناقه من المرض لأن التخليط يوجب انتكاسه وهو أصعب من ابتداء المرض والحمية للصحيح مضرة كالتخليط للمريض والناقه وقد تشتد الشهوة والميل إلى ضار فيتناول منه يسيرا فتقوى الطبيعة على هضمه فلا يضر بل ربما ينفع بل قد يكون أنفع من دواء يكرهه المريض ولذا أمر صلى الله عليه وسلم صهيبا وهو أرمد على تناول التمرات اليسيرة وخبره فى ابن ماجه قدمت على النبى صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر فقال: ادن وكل فأخذت تمرا فأكلت فقال: أتأكل تمرا وبك رمد؟ فقلت: يا رسول الله أمضغ من الناحية الأخرى فتبسم صلى الله عليه وسلم ففيه إشارة إلى الحمية وعدم التخليط وأن الرمد يضره التمر ما لم تصدق الشهوة وفى حديث الباب أيضا أصل عظيم للطب والتطبيب وأنه ينبغى التداوى فقد صح «إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء فتداووا» وفى رواية: «إن الله حيث خلق الداء خلق الدواء فتداووا» وصح أيضا: «تداووا يا عباد الله، فإن الله لم يضع داء، إلا وضع له شفاء، إلا داء واحد وهو الهرم» وفى رواية: «إلا السام» أى الموت أى: المرض الذى قدر الموت منه، وصح أيضا: «لكل داء دواء، فإذا أصاب الدواء الداء برئ بإذن الله»، وفسرته رواية الحميدى: «ما من داء إلا وله دواء، فإذا كان كذلك بعث الله عز وجل ملكا ومعه ستر، فجعله بين الداء والدواء، فكل ما شرب المريض من الدواء لم يقع على الداء، فإذا أراد الله تعالى برأه أمر الملك، فيرفع الستر، ثم يشرب المريض الدواء، فينفعه الله تعالى به»، وفى رواية لأبى نعيم وغيره: «إن الله لم ينزل داء إلا أنزل شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله» وفيه إشارة إلى أن قوله «لكل داء دواء» باق على عمومه حتى تتناوله الأدواء القاتلة وغيرها وإلى أن سبب عدم الشفاء منها هو الجهل بدوائها ومن ثمة علق الشفاء فيما مر على مصادفة الدواء الداء واستفيد من هذه الأحاديث أن رعاية الأسباب بالتداوى لا تنافى التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع بالأكل ومن ثمة قال المحاسبى بتداوى المريض اقتداء بسيد المتوكلين محمد صلى الله عليه وسلم والجواب عن خبر من استرقى واكتوى برئ من التوكل أى من توكل المتوكلين الذين من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فجعل بعض المتوكل أفضل من بعض وقال ابن عبد البر: برئ من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التوكل إن استرقى بمكروه أو علق شفاءه بوجوده نحو الكى، وغفل عن أن الشفاء من عند الله وأما من جعله على وفق الشرع ناظرا لرب الدواء متوقعا الشفاء من عنده قاصدا صحة بدنه للقيام بطاعة ربه فتوكله باق بحاله استدلالا بفعل سيد المتوكلين إذ عمل بذلك فى نفسه وغيره. انتهى ملخصها، على أنه قيل: لا يتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التى نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا فتعطيلها يقدح فى التوكل كما يقدح فى الأمر وفى قوله: لكل داء دواء تقويه لنفس المريض والطبيب وحث على طلب الدواء وتخفيف المرض فإن النفس إذا استشعرت أن لدائها دواء يزيله قوى رجائها وانبعث حارها الغريزى فتقوى الروح النفسانية والطبيعية والحيوانية أو بقوة هذه الأرواح تقوى القوى الحاملة لها فتدفع المرض وتثيره والمراد بالإنزال أنزل له دواء التقدير أو إنزال علمه على لسان الملك للأنبياء أو إلهام من يعتد بإلهامه على الأدوية المعنوية كصدق الاعتماد على الله والتوكل عليه والخضوع بين يديه من الصدقة، والإحسان والتفريج عن المكروب أصدق فعلا وأسرع نفعا من الأدوية الحسية ثم ربما تخلف الشفاء عن من استعمل طب النبوة لمانع قام به من نحو ضعف اعتقاد الشفاء وتلقيه بالقبول وهذا هو السبب أيضا فى عدم نفع القرآن لكثيرين مع أنه شفاء لما فى الصدور وقد طب صلى الله عليه وسلم كثيرا من الأمراض كالرمد فقد صح: «الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين» وهو نبت لا ورق له ولا ساق توجد فى الأرض من غير زرع وقوله من المن قيل أى: الذى أنزل على بنى إسرائيل ومنه الترلجين وقيل: ليست منه بل مثله بجامع أن كلا يحصل من غير تكلف وبعذر ولا سقى وماؤها شفاء إما بأن يخالطه فى الكمالات، وإما بأن يشق ويوضع على الجمر حتى يغلى ماؤها ثم يجعل الميل بذلك الشىء، وهو فاتر فيكتحل بمائها، وكوجع الحلق الذى يعترى الصبيان غالبا، وتسمى سقوط اللهاة، وهى لحمة بأقصى الحلق، وصح أنه صلى الله عليه وسلم وصف لذلك الكست وهو القسط الهندى يحل بماء، ثم يصب فى الأنف أياما وهى من غمر الخلق الذى يعتاده النساء لذلك، ومادة هذا الوجع دم يغلب عليه البلغم وفى القسط تخفيف لتلك الرطوبات وقد يكون نفعه فى هذا الدواء لخاصيته وإلا فالقسط حار، وأترجة أهل الحجاز حارة وكالإسهال فقد صح أنه وصف له العسل ثلاث مرات فيقال له: لم يزده إلا استطلاقا فوصفه فى الرابعة فقيل له ذلك فقال: «صدق الله وكذب بطن أخيك» أى: لم يصلح لقبول الشفاء وحكمة وصفه بذلك مع أنه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مسهل باتفاق الأطباء على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والعادة والزمن والغذاء المألوف والتدبير وقوة الطبيعة وعلى أن من أنواع الإسهال هيضة تنشأ عن تخمة وعلاجها بأتناقهم ترك الطبيعة وفعلها فإن احتاجت لمسهل أعينت ما دام بالعليل قوة فكان إسهال ذلك الرجل من تخمة فوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم العسل لدفع الفضول المجتمعة فى نواحى المعدة من أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها وللمعدة خمل كخمل المنشفة فإذا علقت بها أخلاط لزجة أفسدتها مع الغداء فكان دواءها باستعمال ما يجلوها ولا شىء فى ذلك مثل العسل سيما إن مزج بماء حار وإن لم يفده أول مرة لأن شرط إفادة الدواء أن لا ينقص عن الداء ولا يزيد عليه فكأنه شرب منه ما لا يقئ به فأمر بمعاودة شربه فلما تكرر بحسب مادة الداء برئ بإذن الله تعالى وبين بعضهم أن العسل تارة يقبض، وتارة يسهل فإطلاق كونه مسهلا خطأ، وفى الحديث إشارة إلى أن قوله تعالى: فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ على عمومه واعتمده بعض المفسرين وشرط استعماله بنية الشفاء، ويؤيده الحديث الصحيح: «عليكم بالشفائين العسل والقرآن» وليس الطبيعة فقد روى الحميدى: «إياكم والشبرم فإنه حار وعليكم بالسنا فتداووا به فلو الموت شىء لدفعه السنا» وفى رواية: «عليكم بالسنا والسنون فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام» والسنون: العسل أو رب عكة السمن أو الكمون الكرمانى والرازيانج أو الشبث أو العسل الذى فى زق السمن أقوال. قال بعض الأطباء: آخرها أجدر بالمعنى وأقرب للصواب لأن السنا إذ دق وخلط بالعسل المخالط للسمن، ثم لعق كان أصلح لإصلاح السمن والعسل له، وإعانتهما إياه على الإسهال واستفيد من التحذير من الشبرم ما قاله بعض الأطباء من منع استعماله لخطورته وفرط إسهاله، فإنه حار يابس فى الدرجة الرابعة، ولذا لما قالت أسماء بنت عميس: «كنت أستمش بالشبرم قال: حار» رواه البخارى فى تاريخه، والمصنف وقال: غريب وابن ماجه، فى سننه، والثانية بالجيم أى: يسهل، أو بالمهملة تأكيد للأولى بهذه كذات الجنب ففى البخارى مرفوعا: «عليكم بهذا العود الهندى فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب» وروى المصنف: «تداووا من ذات الجنب بالقسط البحرى والزيت» وذات الجنب إما حقيقة وهى دم حار يعرض فى الغشاء المستبطن للأعضاء وينشأ عنها خمسة أمراض: الحمى والسعال والنخس وضيق النفس والنبض المنشارى، وإما غير حقيقة: وهى ريح غليظة تعرض فى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نواحى الجنب تختفى بين الصفاقات والعضل التى فى الصدور والأضلاع وهذا هو المراد هنا لأن القسط وهو العود الهندى هو الذى يداوى به الريح الغليظة لأنه حار يابس قابض يقوى الأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد ويذهب فضل الرطوبة وقد ينفع الأولى إذا نشأت عن مادة بلغمية سيما وقت انحطاط العلة كالاستسقاء، ففى الصحيحين أنه وصف للعرنيين لبن الإبل وأبوالها وكان بهم هذا المرض فشربوا ذلك فصحوا لأن الإبل اللقاح جلاء وتليينا وإدرارا وتلطيفا وتفتيحا للمسدد إذا كثر رعيها من نحو الشيح والقيصوم والبابونج والأقحوان والإذخر سيما إذا استعمل حار بعد حلبه مع بول الفصيل وهو حار فإنه فى [ملوحية اللبن وتقلية] (¬1) الفصول وإطلاقه البطن وكعرق النساء، فقد روى ابن ماجه: دواؤه ألية شاة أعرابية تذاب ثم تجزء ثلاثة أجزاء ثم تشرب على الريق فى كل يوم جزء. فهذا خاص بنحو أهل الحجاز لأنه يحدث لهم من يبس وقد يحدث من مادة غليظة لزجة فعلاجه بالإسهال وفى الألية إنضاج وتليين، وهذا المرض يحتاج إليهما، وحكمة تعيين الأعرابية خاصة مرعاها الأعشاب الحارة، وصحّ أنه صلى الله عليه وسلم بعث لأبىّ بن كعب طبيبا فقطع له عرقا وكواه عليه وأنه حسم سعد بن معاذ لما رمى [فى أكحله] وأن أنسا قال: كوانى أبو طلحة فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم، قال فى فتح البارى: ولم أر فى أثر صحيح أنه صلى الله عليه وسلم اكتوى وإن نقل ذلك عن بعض كتب الطبرانى، وما روى أنه اكتوى يوم أحد فخلاف الكى المعهود، إذ الذى صح أن فاطمة رضى الله عنها أحرقت حصيرا وحشت به جرحه وروى الترمذى أنه صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن زرارة من الشوكة ولا ينافى ذلك خبر أحمد وأبى داود والترمذى عن عمران: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكى فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا وروى مسلم عنه: كان يسلم على حتى اكتويت فترك ثم تركت الكى فعاد، وفى رواية: «إن الذى كان انقطع عنى رجع إلىّ» يعنى تسليم الملائكة، قيل: لأن النهى خاص بعمران لأنه كان به باسور وموضعه خطر فنهى عن كيه، فلما اشتد عليه كواه فلم ينجح، وقيل: وصفه ثم نهى عنه لشدة المدّ، وعظم خطره، إذ لا يستعمل إلا فى داء أعيىّ ولم تنحسم مادته بغيره وقيل إنما نهى عنه مع إثباته الشفاء فيه لاعتقادهم حسمه للداء بطبعه، وقيل: فعله للجواز والنهى عنه للتنزيه، وقيل: يشرع إذا فسد الجرح، أو انقطع العضو، وينهى عنه إذا كان لأمر محتمل، ¬

(¬1) فى (ن) [ملوحة اللبن وتعليل الفضول].

175 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا بشر بن السرى، عن سفيان، عن طلحة ابن يحيى عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها. قالت: «كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يأتينى فيقول: أعندك غذاء؟ فأقول: لا. فيقول: إنّى صائم. قالت: فأتانى يوما. فقلت: يا رسول الله، إنّه أهديت لنا هديّة. قال: وما هى؟ قلت: حيس. قال: أما إنّى أصبحت صائما. قالت: ثمّ أكل». ـــــــــــــــــــــــــــــ وصح: «أنه صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى الإنسان، أو كانت به قرحة، أو جرح أخذ من ريق نفسه بأصبعه السبابة، ثم لصق به الأرض، ثم مسح به العليل قائلا: بسم الله تربة أرضنا وريقة بعضنا تشفى سقيمنا» قيل: السر فيه، أن التراب ليبسه وبرودته يمنع انصباب المادة لمحل العلة وتجفف الجرح والريق محلل ومنضج وتعقبه القرطبى لكن يويده قول البيضاوى: قد شهدت المباحث الطبية أن الريق ينضح ويعدل المزاج وتراب الوطن يحفظ المزاج ويمنع الضرر وقد ذكروا أنه ينبغى للمسافر استصحاب ماء أرضه وترابها ليضعه فى المياه المختلفة حتى يدفع ضررها والرقى لها له آثار عجيبة لا يدركها العقل وقيل: ذلك مخصوص بأرض المدينة وريقه صلى الله عليه وسلم ونظر فيه النووى، وروى ابن أبى شيبة «أنه صلى الله عليه وسلم لدغته عقرب فى أصبعه وهو ساجد فانصرف وقال: لعن الله العقرب، ما تدع نبيا ولا غيره، ثم دعى بإناء فيه ماء وملح، فوضع فيه أصبعه وقرأ: «قُلْ هُوَ اَللهُ أَحَدٌ، والمعوذتين حتى سكنت»، وفى الماء والملح لذلك غاية المناسبة الطبيعية، وروى النسائى: «أنه صلى الله عليه وسلم داوى بثرة بين أصبعى رجليه بذريرة ثم قال: اللهم مطفئ الكبير، ومكبر الصغير أطفأها عنى فطفت وأخرج جماعة: «أصل كل داء البردة» وفيه راو اختلف فى توثيقه وهى بفتح الراء كما صوبه أبو نعيم: التخمة، لأنها تبرد حرارة الشهوة، وفى حديث ضعيف: «أصل كل داء البرد وفى أخرى استدفئوا من الحر والبرد». 175 - (غذاء) هو ما يؤكل أول النهار. (صائم) فى رواية صحيحة: «إنى صائم ¬

175 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصوم (734)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الصيام (1154)، وأبو داود فى الصوم (2455)، والنسائى (4/ 194،195)، وفى السنن الكبرى (2632)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 49،207)، وابن خزيمة فى صحيحه، والبغوى فى شرح السنة (1745)، والبيهقى فى السنن الكبرى (4/ 275)، وأبو نعيم فى المسند على مسلم (2618)، كلهم من طرق عن طلحة بن يحيى به فذكره نحوه.

176 - حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا ـــــــــــــــــــــــــــــ إذن» هو صريح فى جواز نية صوم النفل من النهار، لكن إلى الزوال عند الشافعى، وأوجب ذلك التبييت فيه كالفرض لإطلاق غير من لم يبيت الصيام فلا صيام له، وكما لا فرق بين فرض الصلاة ونفلها فى وقت النية، ولا دليل فى: «إنى صائم إذن» لاحتمال إنى صائم إذن كما كنت، أو أنه عزم على الفطر لعذر، ثم تمم الصوم، ويجاب: بأن حمل إنى صائم على ما ذكر بعيد من ظاهر اللفظ فلا يعدل إليه، وح فيقيد إطلاق ذلك الخبر، والأصل تراخى رتبة النفل عن الفرض، فلا يشكل الفرق بينهما هنا، وإنما لم يفرقوا بينهما، ثم لأن الصوم خصلة واحدة، فيلزم من وقوع النية قبل الزوال انعطافها على ما قبلها، ولا كذلك فى الصلاة، وفى قوله: «إنى صائم» إشارة إلى أنه لا بأس بإظهار النوافل لحاضر كتعليمهم هنا جوازه بنية من النهار (حيس) هو التمر مع السمن أو أقط وقيل: هو مجموع الثلاثة، وقد يجعل بدل الأقط دقيق أو فتيت. (أصبحت) فيه التصريح بأنه نوى من الليل. (ثم أكل) فيه التصريح بجواز الخروج من صوم النفل، وهو مذهب الشافعى كالأكثرين، ويوافقه خبر «الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام، وإن شاء أفطر» (¬1) ومنعه لغير عذر أبو حنيفة، وفى رواية: «لوجب القضاء»، ومنعه مالك إلا لعذر لقوله تعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (¬2) وأمره صلى الله عليه وسلم بالقضاء، وجواب أن الآية محمولة على الفرض جمعا بين الأدلة والحديث مرسل، فلا حجة فيه، وعلى المتنزل: فيحمل الأمر بالقضاء على أنه للندب جمعا بين الأدلة أيضا. (هدية) فيه: حل أكله صلى الله عليه وسلم للهدية، وروى الشيخان «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى بطعام سأل عنه، فإن قيل: صدقة أمرهم بأكله، أو هدية أكل معهم» (¬3). 176 - (عن يوسف. . .) إلخ رواه عنه أبو داود بإسناد حسن. (هذه إدام هذه) إنما ¬

176 - إسناده ضعيف رواه البغوى فى شرح السنة (2880)، من طريق المصنف به فذكره نحوه. ورواه أبو داود فى الأطعمة (3259)، (3260)، والبيهقى فى سننه (10/ 63)، كلاهما من طريق يزيد بن أبى أمية الأعور به فذكره، ويزيد بن أبى أمية «مجهول». (¬1) رواه أحمد فى مسنده (6/ 341). (¬2) سورة محمد آية رقم (33). (¬3) رواه البخارى فى الهبة (2576)، ومسلم فى الزكاة (1077)، وأحمد فى مسنده (2/ 302، 305،338،406،492).

أبى، عن محمد بن أبى يحيى الأسلمى، عن يزيد بن أبى أمية الأعور، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز الشّعير، فوضع عليها تمرة. وقال: هذه إدام هذه. وأكل». 177 - حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا سعيد بن سليمان، عن عباد بن العوام، عن حميد، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان يعجبه الثّفل. قال عبد الله: يعنى ما بقى من الطّعام». ـــــــــــــــــــــــــــــ أخبره صلى الله عليه وسلم بذلك، لأن ذلك كان طعاما مستقلا غير متعارف بالأدومة فأخبر أنه يصلح لها، وفيه دليل لما قاله أئمتنا: فيمن حلف لا يأكل إداما أنه يحنث بما يؤتدم به كالخل وسائر الإدام، وبغيره كلحم وجبن وتمر وملح وبقول كفجل وبصل، وقيل: يؤخذ من وضعها عليها أنه لا بأس بوضع الإدام على الخبز انتهى، ومحله: إن سلم بما لم يقذره بحيث يعافه غيره. 177 - (الثفل) بمثلثة مضمومة ففاء ساكنة وأكل هذا من تدبير الغذاء فإن الشعير بارد جاف، والتمر حار رطب على الأصح، فإدام خبز الشعير به من أحسن التدبير وحكمة محبته دفع ما يقع لبعضهم من إرادته من أراد رأيه، أو أنه أنضج وألذ ما بقى من الطعام، وقيل: هو هنا الثريد، وأصل الثفل ما يرسب من كل شىء وقد يطلق على نحو الدقيق والسويق، قيل: لقد أعجب المصنف بختمه بهذا الحديث إشارة إلى أنه نقل الأحاديث وما بقى منها انتهى، وفيه: ما فيه بل فى تعبيره بالثفل ما قد يخشى منه، إذ فى القاموس: الثفل ما استقرضت الشىء من كدره، وكأنه هذا هو الحاصل على تفسير الراوى، إنما ذكر هكذا من أن يتوهم منه أيضا لهذا المعنى غير المراد. ... ¬

177 - إسناده صحيح: رواه الإمام أحمد فى المسند (3/ 220)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 393)، والحاكم فى المستدرك (4/ 115،116)، والبيهقى فى شعب الإيمان (5924)، أربعتهم من طريق سعيد ابن سليمان به فذكره.

27 - باب: ما جاء فى صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام

27 - باب: ما جاء فى صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام 178 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن ابن أبى مليكة، عن ابن عباس: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء، فقرّب إليه الطّعام. فقالوا: ألا نأتيك بوضوء؟ قال: إنّما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصّلاة». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب: ما جاء فى صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم) (عند) أى قبل وبعد. (الطعام) وهو ما قصد الطعم اقتياتا، أو تأدما أو تفكها وأما ما يقصد للتداوى، فسماه الفقهاء تارة طعاما نظرا إلى أنه يطعم أى: يؤكل، وتارة أنه غير طعام نظرا للعرف، وقد يختص الطعام بالبر، وليس مرادا هنا والوضوء فى الترجمة، قيل: غسل اليدين بدليل تقييده بعند الطعام، وقيل: حقيقته كما تدل عليه الأحاديث الآتية، وعليه ففائدة التقييد بيان أنه ليس بواجب عند الطعام، والوجه: أنه مراد به كل منهما بقاء على الأصح من جواز استعمال اللفظ فى حقيقته ومجازه، فإرادة الأول من حيث نفيه، والثانى من حيث إثباته، فكأنه قال: صفة وضوئه الشرعى عدم الوقوع وعدم الوجوب، وصفة وضوئه اللغوى الوقوع والندب، ويدل على ذلك أن الأحاديث الآتية فى الباب كلها بالمعنى الأخير فإنه بالمعنى الثانى كما سيأتى، وإن اشتمل الباب على أمرين كان تضمن الترجمة لهما أولى، وإن كانت الزيادة على ما فى الترجمة سائغة، وإنما المعيب النقص عما فيها من. 178 - (الخلاء) بالمد والفتح، وأصله المكان الخالى، وعبر بعن ذلك استحياء وتجملا. (ألا نأتيك) يحتمل أن سبب صدور ذلك منهم اعتقادهم وجوبه عند الطعام، وأجيبوا: بأن الأمر به منحصر أى أصالة فى القيام إلى الصلاة وما عداه إن ورد فيه ¬

178 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1847)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الأطعمة (3760)، والنسائى فى الطهارة (1/ 85)، والإمام أحمد فى مسنده (1/ 282،359)، وابن خزيمة فى صحيحه (35)، والطبرانى فى الكبير (11/ 122)، (12/ 82)، والبغوى فى شرح السنة (2835)، كلهم من طرق عن أيوب به فذكره نحوه، قال أبو عيسى: حسن صحيح.

179 - حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومى، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن الحويرث، عن ابن عباس، قال: «خرج رسول الله من الغائط، فأتى بطعام. فقيل له: ألا تتوضّأ؟ فقال: أصلّى فأتوضّأ؟». 180 - حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا قيس بن الربيع، (ح) وحدثنا قتيبة، حدثنا عبد الكريم الجرجانى، عن قيس بن الربيع، عن أبى هاشم، عن زاذان، عن سلمان، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ نص كان مثله، وإلا فلا تظهر بما قررته ظهور الاستدلال بالآية، وأن الجواب مطابق للسؤال وفى نسخة: «لا نأتيك» بحذف أداة الاستفهام، والمعنى على العرض نحو ألا تنزل عندنا. (بوضوء) بفتح الواو: الماء الذى يتوضأ به. (بالوضوء) بضمهما أى: يفعله، وهذا هو الأفصح فيهما، وقيل: بالضم فيهما، وقيل: بالفتح فيهما. (إذا) ظرف الوضوء لأنها مرت كما هو واضح. (قمت) أى أردت القيام، وخرج بإنما إلى آخره الوضوء عند الطعام، فإنه ليس مأمور به حقيقة، إذ هو لا يكون إلا واجبا. 179 - (من الغائط) هو هنا، وباعتبار الأصل المكان المطمئن من الأرض يقضى فيه الحاجة، وسمى الخارج به للمجاورة كراهة لذكره باسمه، إذ من عادة العرب تجنب النطق بمثل ذلك، والكناية عنه ما أمكن. (تتوضأ) كما فى نسخة: (فقال أصلى) إنكار لما سبق نحوه من إيجاب الوضوء للأكل، وفى نسخة: بحذف أداة الاستفهام. 180 - (زاذان) بزاى ثم معجمة. (بركة الطعام) أى استمراره على الأكل وغيره، ¬

179 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى الحيض (374)، والإمام أحمد فى المسند (1/ 467)، والدارمى فى الحيض (1/ 196)، وأبو نعيم فى مسنده على مسلم (821)، وفى حلية الأولياء (3318)، وفى معرفة الصحابة (2/ 61/ب)، والخطيب فى التاريخ (8/ 204)، (11/ 204)، كلهم من طرق عن سعيد بن الحويرث به فذكره. 180 - إسناده ضعيف: فيه قيس بن الربيع: ضعيف رواه الترمذى فى الأطعمة (1846) بسنده ومتنه سواء، ورواه الإمام أحمد فى مسنده (5/ 441) =

«قرأت فى التوراة: إنّ بركة الطّعام الوضوء بعده. فذكرت ذلك للنّبى صلى الله عليه وسلم، وأخبرته بما قرأته فى التّوراة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بركة الطّعام الوضوء قبله والوضوء بعده». ـــــــــــــــــــــــــــــ وحصول منافعه له، وزوال مضاره عنه. (الوضوء) أى غسل اليدين قبله وقول بعض الشافعية: المراد به هنا الوضوء الشرعى، ليس فى محله لتصريح أصحابنا بأن الوضوء الشرعى ليس صفة عند الأكل. (الوضوء) أى غسلهما (بعده) وجعله نفس البركة للمبالغة، وإلا فالمراد أنها تنشأ عنه فينمو ويزيد بالأول، وتعظم فائدته بالثانى لاستلزامه زوال نحو الغمر المستلزم، لبعد الشيطان ودحضه، وورد بسند ضعيف: «من أكل من هذه اللحوم شيئا فليغسل يده من ريح وغيره، ولا يؤذى من حذاءه فأعده» (¬1) روى الطبرانى: «أنه صلى الله عليه وسلم أتى بصحفة تفور فقال: إن الله لم يطعمنا نارا»، وأبو نعيم عن أنس مرفوعا «كان يكره الكى والطعام الحار ويقول: عليكم بالبارد، فإنه ذو بركة، ألا وإن الحار لا بركة له» (¬2)، وأحمد وأبو نعيم عن أسماء: «أنها كانت إذا ثردت غطته بشىء حتى تذهب فورته، ثم تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هو أعظم بركة» (¬3) ¬

= وأبو داود فى الأطعمة (3761)، والطيالسى فى مسنده (655)، والطبرانى فى الكبير (6/ 292)، والبغوى فى شرح السنة (2833،2834)، والحاكم فى المستدرك (4/ 106، 107)، والبيهقى فى السنن (10/ 14)، وأبو بكر بن أبى شيبة فى المسند (1/ 12/أ)، جميعهم من طرق عن قيس بن الربيع به فذكره. قال أبو عيسى: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث قيس بن الربيع، وقيس بن الربيع يضعف فى الحديث. وقال الحاكم: تفرد به قيس بن الربيع عن أبى هاشم، وانفراده على علو محله أكثر من أن يمكن تركه فى هذا الباب. وتعقبه الذهبى بقوله: مع ضعف قيس فيه إرسال. (¬1) رواه أبو يعلى فى مسنده (5567)، والطبرانى فى الأوسط (7115)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 30)، وقال: رواه أبو يعلى فى مسنده والطبرانى فى الأوسط وفيه الوازع بن نافع وهو متروك، وابن حجر فى المطالب العالية (2351) (2/ 315)، والهندى فى كنز العمال (40789)، وقال: عن ابن عمر (15/ 247). (¬2) رواه أبو نعيم فى الحلية (8/ 252)، وذكره الهندى فى كنز العمال (18359)، وعزاه لأحمد فى مسنده عن أنس (7/ 133)، والزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (7/ 116)، وقال: للطبرانى فى الكبير بسند فيه من لم يسم عن جويرية. (¬3) رواه أبو نعيم فى الحلية (8/ 177)، وذكره التبريزى فى مشكاة المصابيح (4241)، وقال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وصح عن أبى هريرة: «أتى النبى صلى الله عليه وسلم بطعام مسخن فقال: ما دخل بطنى طعام مسخن منذ كذا وكذا قبل اليوم» (¬1)، وروى أبو نعيم: «أنه صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن النوم على الأكل ويذكر أنه يغشى القلب»، ولذا قال الأطباء: من أراد حفظ الصحة فليمش بعد العشاء، ولو مائة خطوة ولا ينام عقبه، فإنه مضر جدا، ومما يسهل الهضم الصلاة بعد الأكل. ... ¬

= رواهما الدارمى (2/ 1223). (¬1) رواه البيهقى فى السنن (7/ 280)، وذكره ابن حجر فى الفتح (11/ 299)، وذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (7/ 116)، وقال: لأحمد بإسناد جيد والطبرانى والبيهقى فى الشعب.

28 - باب: ما جاء فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الطعام، وبعد الفراغ منه

28 - باب: ما جاء فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الطعام، وبعد الفراغ منه 181 - حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، عن راشد بن جندل اليافعى. عن حبيب بن أوس، عن أبى أيوب الأنصارى، قال: «كنّا عند النّبى صلى الله عليه وسلم يوما، فقرّب طعاما، فلم أر طعاما كان أعظم بركة أوّل ما أكلنا، ولا أقلّ بركة فى آخره. قلنا: يا رسول الله، كيف هذا؟ قال: إنا ذكرنا اسم الله تعالى حين أكلنا، ثمّ قعد من أكل ولم يسم الله تعالى فأكل معه الشّيطان». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الطعام) وهو التسمية (وبعد الفراع منه) وهو الحمد. 181 - (اليافعى) نسبة إلى يافع اسم موضع إلى قبيلة من رعين (إنا ذكرنا اسم الله) استفيد منه أن سنة البسملة تحصل ببسم الله وأما زيادة الرحمن الرحيم فهى أكمل كما قاله النووى وغيره، وإن اعترضه بعض المحدثين بأنه لم ير لأفضلية ذلك دليلا خاصا، وتندب حتى للجنب والنفساء، إن لم يقصدوا بها قرآنا وإلا حرمت، وكذا تندب التسمية عند كل أمر مهم ما عدا الأذكار والدعوات ولا تندب فى مكروه ولا حرام، بل لو سمى على خمر كفر على ما فيه مما هو مبين فى محله، وهو هنا سنة كفاية فإذا سمّى أحد من الأكلين أجزأ وإن لم يسم الباقون لحصول المقصود من امتناع الشيطان من الأكل منه بذلك كما فى الحديث، نعم قد يشكل على ذلك قوله. (ثم قعد. . .) إلخ فإنه ظاهر فى ¬

181 - إسناده ضعيف: فيه: ابن لهيعة صدوق اختلط بعد احتراق كتبه، وكذا فيه حبيب بن أوس: قال فيه الحافظ: مقبول (1082)، ورواه البغوى فى شرح السنة (2824)، من طريق المصنف به فذكره، ورواه أحمد فى المسند (5/ 415،416)، من طريق ابن لهيعة به فذكره نحوه. وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 23)، وعزاه لأحمد، وقال: فيه راشد بن جندل وحبيب ابن أوس وكلاهما ليس له إلا راو واحد. قلت: راشد بن جندل اليافعى المصرى: ثقة [التقريب (1852)].

182 - حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا أبو داود، حدثنا هشام الدستوائى، عن ـــــــــــــــــــــــــــــ أن الشيطان أكل معهم مع أنه لم يترك التسمية إلا هذا القاعد إلا أن يجاب بأنها واقعة حال محتملة لأن يكون قعوده هذا بعد انصرافهم بدليل ثم قعد فهذا الجواب متعين، وأما الجواب بأن لهذا الجائى شيطانا جاء معه، فلم يؤثر فيه تسميتهم ولا هو سمى فغير صحيح، لما علمت أن التسمية أوله إذا لم تكن متكفلة بمنع الشياطين منه إلى فراغ الآكلين، فإن قلت: قضية الحديث السابق أنه حيث بقى فى أوله امتنع الشيطان منه، وإن فرغ الأولون، ثم قعد غيرهم (¬1) ولم يسم، قلت: لو سلم أن ذلك قضية لكانت القاعدة أنه يستنبط من النص معنى يخصصه، وهو هنا أن المجتمعين، ومن لحقهم قبل فراغهم منسوبون للبسملة، وتابعون له فسرت إليهم بركة تقصيره، وإن فرض قيامه قبل مجىء الآخرين، لأن الأولين شملتهم بركة التسمية، فشملت من خلفهم، ومن لحقهم شملتهم بركتها تبعا، فشمل من لحقه هو أيضا وهكذا، وأما من جاء بعد فراغ الجميع فقد انقطعت نسبته عنهم، وهذا الطعام بالنسبة إليه بمنزلة الطعام الجديد، ولو أخذنا بعموم ذلك الحديث، أو إطلاقه لاقتضى أن الطعام إذا كثر وتناوبه أحد وجماعة أياما متعددة، كفت تسمية واحدة من الأولين عن جميع تلك المرات، وإن تباعد ما بينهما وكلام أئمتنا كالصريح فى خلاف ذلك، بل طال ما وقع التردد فيما لو كثر الآكلون كثرة مفرطة واتسعت خطتهم بحيث لا ينسب عرفا أولهم لآخرهم وسمى واحد حال اجتماع الجميع هل يكفى عنهم؟ ح، والذى يتجه أنه يكفى لأن انتفاء النسبة الحرفية لا تقتضى انتفاؤها حقيقة والمدار هنا ليس إلا عليها. (فأكل معه الشيطان) أى حقيقة كما عليه جمهور العلماء سلفا وخلفا من المحدثين والفقهاء والمتكلمين لإمكانه شرعا وعقلا، فإذا أثبته الشارع وجب قبوله واعتقاده، وكذا يقال فى: بال الشيطان فى أذنه، وقاء الشيطان ما أكله ونحو ذلك. 182 - (فنسى) لا ينافيه النهى عن أن يقول الإنسان نسيت، وإنما يقول: نسيت، إذ ¬

182 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1858)، بسنده ومتنه سواء، والدارمى فى الأطعمة (2/ 94)، والإمام أحمد فى مسنده (6/ 208)، والبغوى فى شرح السنة (2826)، كلهم من طريق هشام به فذكره نحوه. (¬1) فى (ش) بعدهم.

بديل العقيلى، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أم كلثوم، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أكل أحدكم فنسى أن يذكر الله تعالى على طعامه، فليقل: بسم الله أوّله وآخره». 183 - حدثنا عبد الله بن الصباح الهاشمى البصرى، حدثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمر بن أبى سلمة، أنه: «دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده طعام. فقال: ادن يا بنىّ، فسم الله تعالى، ـــــــــــــــــــــــــــــ الله هو الذى أنساه، لأن ذلك النهى يفهم حرمة هذا فوجب لبيان الجواز، وإنما المراد بالنهى الأدب اللفظى الذى لا حرمة فى مخالفته، وألحق به أئمتنا: ما إذا تعمد، أو جهل، أو أكره أو كان به عارض آخر، فإن قلت: يمكن الفرق بأن الناسى معذور، فأمكن أن يجعل له ما يتدارك به بخلاف المتعمد، قلت: القصد إدخال الضرر على الشيطان بمنعه أن ينال من طعامنا، ما تسببنا به، ولو نظرنا إلى العذر، لكنا نقول بامتناع مؤاكلة الشيطان مع الناس، ولم يحتج إلى أن يجعل له طريقا فلما جعل له طريقا علمنا أنه يؤاكل قبلها، وأن اللحظ هنا ليس العذر، بل ما قلناه، فظهر ما قاله أئمتنا، وإن لم أر لأحد منهم إشارة إلى ذلك (فليقل) أى أثناء الطعام وبعد فراغه، كما شمله إطلاق الحديث فقول بعض المتأخرين: لا يقول ذلك بعد فراغ الطعام، لأنه إنما شرع ليمنع الشيطان، وبالفراغ لا يمنع يرد، فإنما لا نسلم إنما شرع لذلك فحسب، وما المانع أنه شرع بعد الفراغ أيضا لقىء الشيطان ما أكله، والمقصود حصول ضرره، وهو حاصل فى الحالين. (بسم الله) أى آكل، والباء للاستعانة والمصاحبة. (أوله وآخره) أى على جميع أجزائه كما يشهد به المعنى الذى نص بدل التسمية، فلا يقال ذكره ما يخرج الوسط. 183 - (ادن) أى اقرب إلىّ أو إلى الطعام، ويؤخذ من ذلك من آدابه احترازا عن ¬

183 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (5376)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى (5376)، ومسلم فى الأشربة (2022)، وأبو داود فى الأطعمة (3777)، وابن ماجه (3267)، والإمام أحمد فى مسنده (4/ 26)، والدارمى فى الأطعمة (2/ 94)، والنسائى فى الكبرى (6758)، وابن السنى فى عمل اليوم والليلة (462)، كلهم من طرق عن عمر بن أبى سلمة مرفوعا فذكره نحوه.

وكل بيمينك وكل ممّا يليك». ـــــــــــــــــــــــــــــ تناوله من مكان بعيد، فإنه يشق، وربما آذى (يا بنى) تصغيره؛ للشفقة ومنه يؤخذ: أنه يسن للكبير ملاطفة الأصاغر، لا سيما على الطعام لشدة استحيائهم حينئذ. (فسم الله) الأمر فيه للندب، ويسن للمبسمل الجهر ليسمع غيره. (وكل بيمينك) أى ندبا على الأصح، وقيل: وجوبا، ويدل له ما فى مسلم: «أنه صلى الله عليه وسلم رأى من يأكل بشماله فنهاه، فقال: لا أستطيع فشلت يمينه فلم يرفعها إلى فيه حتى مات». وورد: «أن الشيطان يأكل بشماله» (¬1). (وكل مما يليك) أى ندبا على الأصح وقيل: وجوبا أيضا لما فيه من إلحاق الضرر بالغير ومر بيان الشره والنهمة، وانتصر له السبكى، ونص عليه الشافعى فى الرسالة ومواضع من الأم، ويؤخذ من الحديث: أنه يندب لمن على الطعام تعليم من ظهر منه إخلال بشىء من مندوباته، وفى مختصر البويطى يحرم الأكل من رأس الثريد، والتعريس أى النزول فى الجادة على الطريق، لأنها مأوى الهوام، والقران فى التمر بل ونحو السمسم كما قاله بعض متأخرى المحدثين والأصح أن هذه الثلاثة مكروهة لا محرمة ومحل ذلك إن لم يعلم رضى من يأكل معه، وإلا فلا حرمة ولا كراهة لما مر «أنه صلى الله عليه وسلم كان يتتبع الدباء من حوالى القصعة» (¬2)، لأنه علم أن أحدا لا يكره ذلك، ولا يتقذره والجواب: أنه كان يأكل وحده مردود بأن: إنسانا كان يأكل معه على أن قضية كلام أصحابنا أن الأكل مما يلى الآكل سواء كان وحده، وفى خبر ضعيف: التفصيل بين ما إذا كان الطعام لونا واحدا، فلا يتعدى الآكل مما يليه، وأما إذا أكثر فيتعداه نعم نحو الفاكهة مما لا يقذر فى الأكل من غير ما يلى الأكل للكراهة فيه، لأنه لا ضرر فى ذلك ولا تقذر، وبحث بعضهم التعميم غفلة عن المعنى والسنة، ولما كان الحمد عقب النعم يعتدها، ويؤذن باستمرارها وزيادتها بنص ولَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (¬3) أتى به صلى الله عليه وسلم بتلك الصفات البليغة عقب الحمد، تحريضا على التأسى به فى ذلك. ¬

(¬1) رواه مسلم فى الأشربة (2021)، وفى اللباس (2099) بمعناه، وأبو داود فى الأطعمة (3776)، والترمذى (1799،1800) بمعناه، وابن ماجه فى الأطعمة (3266) بمعناه، والدارمى فى الأطعمة (2/ 97) بلفظه. (¬2) رواه البخارى فى الأطعمة (5420) (5435)، وفى البيوع (2092) بلفظه ومسلم فى الأشربة (2041) بلفظ: الصحفة، وأبو داود فى الأطعمة (3782)، بلفظ: الصحفة، والدارمى فى الأطعمة (2/ 101)، نقص بقية الحديث، ومالك فى الموطأ فى النكاح (51). (¬3) سورة إبراهيم: آية رقم (7).

184 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو أحمد الزبيرى، حدثنا سفيان الثورى، عن أبى هاشم، عن إسماعيل بن رياح، عن رباح بن عبيدة، عن أبى سعيد الخدرى، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله الّذى أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين». 185 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا ثور بن يزيد، حدثنا خالد بن معدان، عن أبى أمامة، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفعت المائدة من بين يديه يقول: الحمد لله حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه، غير مودّع، ولا مستغنى عنه ربّنا». ـــــــــــــــــــــــــــــ 184 - (قال: الحمد لله. . .) إلخ وختمته بقوله. (وجعلنا من المسلمين) للجمع بين الحمد على النعم الدنيوية والأخروية، وإشارة إلى أن الحامد لا ينبغى أن يجود بحمده إلى أصاغر النعم، بل يتذكر جلائلها فيحمد عليها أيضا؛ لأنها بذلك أحرى وأحق وأولى. 185 - (المائدة) فسرت بالخوان، وعليه فلا ينافى خبر أنس السابق: «ما أكل على ¬

184 - إسناده ضعيف: فيه: إسماعيل بن رياح قال فيه الحافظ: مجهول [التقريب (444)]. رواه الترمذى فى الدعوات (3457)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الأطعمة (3850)، وابن ماجه فى الأطعمة (3283)، والإمام أحمد فى المسند (3/ 32،98)، والنسائى فى عمل اليوم والليلة (1291)، وعنه ابن السنى فى عمل اليوم والليلة (464)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى» (ص 237)، كلهم من طرق عن رباح بن عبيدة أو عن مولى لأبى سعيد أو على الشك عن رباح: وغيره مضطربا رواته. 185 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الدعوات (3456)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الأطعمة (5458)، وأبو داود (3849)، وابن ماجه (3284)، وأحمد فى مسنده (5/ 252،256،261،267)، والنسائى فى عمل اليوم والليلة (285)، والبغوى فى شرح السنة (2827،2828)، كلهم من طريق ثور بن يزيد به فذكره نحوه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خوان»، لأنه بحسب علمه وحينئذ يكون أكثر أحواله أنه لم يأكل على خوان وفى بعض الأحيان يأكل عليه لبيان الجواز، ويحتمل أن يكون فيها مطلق السفرة إذ المائدة من الثياب اللين الناعم، وفى القاموس: المائدة الطعام، فإطلاقها على ما تجعل عليه مجاز من إطلاق الحال على المحل وح، فلا إشكال. (غير مودع) بتشديد الدال مع فتحها أى غير متروك ومع كسرها أى حال كونى غير تارك له ومعرض عنه فمآل الروايتين واحد، وهو دوام الحمد واستمراره. (ولا مستغنى عنه) بفتح النون قيل: عطف تفسير، إذ المتروك المستغنى عنه، وفيه نظر، بل فيه فائدة لم تستفد من سابقه نصا، وهى أنه لا استغناء لأحد عن الحمد أوجبه على كل مكلف، إذ لا يخلو أحد عن نعمة، بل نعم لا تحصى، وهو فى مقابلة النعم واجب كما مر جوابه، لكن ليس المراد بوجوبه أن من تركه لفظا يأثم به، بل إن من أتى به فى مقابلة النعمة أثيب عليه ثواب الواجب، ومن أتى به لا فى مقابلة شىء أثيب عليه ثواب المندوب، أما شكر المنعم بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فهو واجب شرعا على كل مكلف، ويأثم بتركه إجماعا. (ربنا) بالجر بدل من الجلالة، والقول بأنها بدل من الضمير فى عنه واضح الفساد إذ ضمير عنه للحمد كما لا يخفى على من له أدنى ذوق، والرفع خبر مبتدأ محذوف أو عكسه والنصب على النداء يحذف أداته، أو المدح، أو الاختصاص، وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم أطعمت وسقيت وأغنيت وهديت وأحييت ذلك الحمد على ما أعطيت» (¬1) وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكل عند قوم لا يخرج حتى يدعو لهم، فدعى فى منزل عبد الله بن بشير بقوله: «اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم» (¬2) رواه مسلم، وفى منزل سعد بقوله: «أفطرت عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة» (¬3) رواه أبو داود، وسقاه آخر لبنا فقال: «اللهم أمتعه بشبابه، فمر عليه ثمانون ¬

(¬1) رواه أحمد فى مسنده (4/ 62،236،337)، (5/ 375). (¬2) رواه مسلم فى الأشربة (2042)، وأبو داود (3729)، والترمذى فى الدعوات (3576)، والنسائى فى عمل اليوم والليلة (292،293،294)، وابن حبان فى صحيحه (5297، 5298)، وأحمد فى مسنده (4/ 187،188،189،190)، والبيهقى فى السنن (7/ 274)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى (205). (¬3) رواه أبو داود فى الأطعمة (3854)، والنسائى فى عمل اليوم والليلة (296،297،298)، وابن ماجه فى الصيام (1747)، والبغوى (3320)، وابن حبان فى صحيحه (5296)، =

186 - حدثنا أبو بكر: محمد بن أبان، حدثنا وكيع، عن هشام الدستوائى، عن بديل بن ميسرة العقيلى، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أم كلثوم، عن عائشة قالت: «كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يأكل الطّعام فى ستّة من أصحابه، فجاء أعرابى فأكله بلقمتين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو سمىّ لكفاكم». ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة، فلم ير شعرة بيضاء» (¬1)، رواه ابن السنى وفى خبر مرسل عند البيهقى: «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل مع قوم كان آخرهم أكلا» (¬2) وروى هو كابن ماجه مرفوعا: «إذا وضعت المائدة فلا يقوم الرجل، وإن شبع حتى يفرغ القوم فإن ذلك يخجل جليسه وعسى أن يكون له فى الطعام حاجة» (¬3). 186 - (فجاء. . .) إلخ إخبارها هنا بذلك إما من رؤيتها قبل الحجاب، أو بعده واقتصرت فى الرواية على رؤية الإناء ولا يلزم منها رؤية بدن ذلك الأعرابى، أو عن إخبارها عن النبى صلى الله عليه وسلم. (لو سمى لكفاكم) وفى نسخة: «لكفانا» وفيه تصريح بعظيم بركة التسمية وفائدتها» والمعنى: أن هذا الطعام القليل كان الله يبارك فيه معجزة لى وكان بذلك يكفينا، لكن لما ترك التسمية انتفت البركة. ¬

= وأحمد فى مسنده (3/ 118،138،201،202)، والبيهقى فى السنن (7/ 287)، وابن السنى فى عمل اليوم والليلة (483)، والطحاوى فى مشكل الآثار (1/ 498،499)، والنووى فى الأذكار (290)، وفى الفتوحات الربانية (4/ 443). 186 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1858)، بسنده ومتنه سواء، ورواه ابن ماجه فى الأطعمة (426)، وأحمد فى المسند (6/ 246،265)، والدارمى فى الأطعمة (2/ 94)، والطيالسى فى مسنده (1566)، والبغوى فى شرح السنة (2825). (¬1) رواه ابن أبى شيبة فى مصنفه (11/ 494)، وابن السنى فى عمل اليوم والليلة (469). (¬2) رواه البغدادى فى تاريخ بغداد (10/ 240)، والبيهقى فى شعب الإيمان (6037،9634)، وذكره الهندى فى كنز العمال (25980)، وعزاه لعبد الرزاق فى مصنفه (9/ 271)، وذكره التبريزى فى مشكاة المصابيح (4255)، وقال: رواه البيهقى فى شعب الإيمان مرسلا (2/ 1228). (¬3) رواه ابن ماجه فى الأطعمة (3295)، وأبو نعيم فى حلية الأولياء (3/ 74)، والبيهقى فى شعب الإيمان (5864،5865)، وذكره الهندى فى كنز العمال (40751)، وعزاه لابن ماجه والبيهقى فى شعب الإيمان عن ابن عمر، وقال البيهقى: أنا براء من عهدته (15/ 241).

187 - حدثنا هناد، ومحمود بن غيلان، قالا: حدثنا أبو أسامة، عن زكريا بن أبى زائدة، عن سعيد بن أبى بردة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشّربة فيحمده عليها». ـــــــــــــــــــــــــــــ 187 - (ليرضى) أن لأجل أن (يأكل الأكلة) بالفتح اسم للمرة والضم اسم للقمة. (فيحمده عليها) فيه أن أصل سنة الحمد يجعل بأى لفظ اشتق من مادة: ح م د، بل بأى لفظ دل على الثناء على الله بما هو أهله، وما مر من حمده المشتمل على تلك الصفات البليغة، إنما هى لبيان الأكل. ... ¬

187 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1816)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الذكر (2734)، والإمام أحمد فى مسنده (3/ 100،117)، وأبو بكر بن أبى شيبة فى المصنف (8/ 119)، (10/ 344)، والبغوى فى شرح السنة (2831)، وابن السنى فى عمل اليوم والليلة (486)، كلهم من طرق عن زكريا بن أبى زائدة به فذكره

29 - باب: ما جاء فى قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم

29 - باب: ما جاء فى قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم 188 - حدثنا الحسين بن الأسود البغدادى، حدثنا عمرو بن محمد، حدثنا عيسى بن طهمان، عن ثابت، قال: «أخرج إلينا أنس بن مالك قدح خشب غليظ مضبّب بحديد. فقال: يا ثابت، هذا قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم) 188 - (قدح خشب) الإضافة فيه للبيان أو معنى من. (غليظ مضبب) وفى نسخ: «غليظا مضببا» والأولى موافقة لرواية جامع المؤلف وكلاهما جائز وأما ترجيح الثانية، لأن الحكم على المشار إليه بجميع خصوصياته وجعل الثانية من قبيل جحر ضب خرب مما جرى على المجاورة فبعيد والفرق بين ما هنا وبين جحر ضب خرب، أوضح من أن يلتبس على مثل هذا القائل بحد رواية البخارى عن عاصم الأحول: «رأيت قدح النبى صلى الله عليه وسلم عند أنس وكان قد انصدع فسلسله فضة» (¬1) قال: وهو قدح جيد عريض من نضار، قال أنس: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا القدح أكثر من كذا وكذا، قال ابن سيرين: إنه كان فيه حلقة من حديد فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة، فقال أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتركه واشترى هذا القدح من ميراث النضر بن أنس بثمانمائة ألف، وعن البخارى: أنه رآه بالبصرة وشرب منه، وروى أحمد عن عاصم: «رأيته عند أنس فيه ضبة من فضة» (¬2) قال فى القاموس: ¬

188 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الأشربة (5638) بسنده عن عاصم الأحول قال: رأيت قدح النبى صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك وكان قد انصدع فسلسله بفضة. قال: وهو قدح جيد عريض من نضار. قال: قال أنس: لقد سقيت رسول الله فى هذا القدح أكثر من كذا وكذا. وكذلك روى الإمام أحمد فى المسند (3/ 139،155،259) بسنده عن حميد الطويل قال: رأيت عند أنس قدحا كان للنبى صلى الله عليه وسلم فيه ضبة فضة. (¬1) رواه أحمد فى مسنده (3/ 139،155،259). (¬2) رواه أحمد فى مسنده (3/ 139،155،259).

189 - حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا حماد ابن سلمة، أنبأنا حميد، وثابت، عن أنس، قال: «لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القدح الشّراب كلّه: الماء، والنّبيذ. والعسل، واللّبن». ـــــــــــــــــــــــــــــ والنضار، والأنضر: الذهب، أو الفضة جمعه نضار بالكسر وآنضر والنضارة بالضم: الجوهر الخالص من التبر والخشب والأتل، إلا ما كان عذبا على غير ماء، أو الطويل المستقيم من الغصون، أو ما نبت منه فى الجبل، أو خشب للأوانى وبكسر، ومنه كان منبر النبى صلى الله عليه وسلم انتهى، ولونه يميل للصفرة، وينبغى تحرى الأكل فى ذلك اتباعا له صلى الله عليه وسلم، فإنه إنما آثر الأكل فيه، ذلك لكمال تواضعه، وعدم تكلفه. 189 - (بهذا القدح) أى المذكور، وهو الخشب الغليظ المضبب بحديد، فالتضبيب من فعله صلى الله عليه وسلم، كما هو ظاهر من الإشارة أنها ترجع إلى المذكورة بجميع خصوصياته المذكورة. «سقيت» يقال: سقاه وأسقاه بمعنى فى الأصل لكن جعلوا للخبر سقى، وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً واستقاه بضده لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً. (الشراب كله) أى أنواعه كلها، وأبدل منه الأربعة المذكورة بدل البعض من الكل اهتماما بها، أو لكونها أشهر أنواعه. (النبيذ) هو ماء مغلى يجعل فيه تمر أو رطب. «وكان ينبذ له أول الليل، ويشربه أول النهار إذا أصبح يومه ذلك والليلة التى تجىء والغد إلى العصر، فإن بقى منه شىء سقاه الخادم، أو أمر به فصب» رواه مسلم. وهذا النبيذ له نفع عظيم فى القوة ولم يكن شربه بعد الأكل، خوفا من تغيره إلى الإسكار. ... ¬

189 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى الأشربة (2008)، والحاكم فى المستدرك (4/ 105)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 240)، ثلاثتهم من طرق عن حماد بن سلمة به فذكره نحوه.

30 - باب: ما جاء فى صفة فاكهة رسول الله صلى الله عليه وسلم

30 - باب: ما جاء فى صفة فاكهة رسول الله صلى الله عليه وسلم 190 - حدثنا إسماعيل بن موسى الفزارى، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر، قال: «كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يأكل القثّاء بالرّطب». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى فاكهة) هى ما يتفكه أو يتنعم بأكله. (رسول الله صلى الله عليه وسلم). 190 - (الفزراى) بفاء فزاى اعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل من فاكهة بلده عند مجيئها، ولا يحتمى عنها وهذا من أعظم أسباب الصحة، فإن الله سبحانه وتعالى بباهر حكمته جعل فى كل بلدة من الفاكهة ما ينتفع به أهلها فى وقته لحفظ صحتهم، واستغنائهم به عن كثير من الأدوية، إذ من أكل منها ما ينبغى فى الوقت الذى ينبغى على الوجه الذى ينبغى كان له دواء أىّ دواء، ومن احتمى منها مطلقا كان ذلك سببا لبعده عن الصحة والقوة. (القثاء) بضم القاف وكسرها، وهو نوع من الخيار بالرطب، أشار صلى الله عليه وسلم فى الخبر الصحيح إلى عمل ذلك بقوله: «يكسر حر هذا برد هذا» (¬1) أى لأن القثاء بارد والرطب حار، فإذا جمع بينهما حصل الاعتدال وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم كان مراعيا فى أكله صفات الأطعمة، وطبائعها، واستعمالها على قاعدة الطب، فإن كان فى أحد الطعامين ما يحتاج لتعديل عدّله بضده، وإن أمكن كما ذكره، وهذا أصل كبير فى المركبات من الأغذية والأدوية، وإن لم يجد ذلك تناوله على حاجة من غير إسراف وهو غير ضارح، وفى الحديث حمل أكلهما معا من غير كراهة وحمل الجمع بين إدامين وأكثر، وأن ذلك لا ينافى الكمال والزهد، سيما إن كان لمصلحة دينية، وكراهة بعض السلف له ينبغى حمله على ما فيه إسراف، أو تكبر، أو خيلاء، أو تكلف، أو مباهاة، وقيل: ليس المراد ¬

190 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1844) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الأطعمة (5440)، ومسلم فى الأشربة (2043)، وأبو داود فى الأطعمة (3835)، وابن ماجه (3325)، وأحمد فى المسند (1/ 203)، والدارمى (2/ 103)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 231). (¬1) رواه البيهقى فى السنن الكبرى (7/ 281)، وذكره التبريزى فى مشكاة المصابيح (4225)، وقال: قال الترمذى: هذا حديث حسن غريب (2/ 1220)، وذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (7/ 101)، وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط والحاكم، وأبو نعيم فى الطب.

191 - حدثنا عبدة بن عبد الله الخزاعى البصرى، حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: «أن النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان يأكل البطّيخ بالرّطب». ـــــــــــــــــــــــــــــ بجمعهما مضغهما معا، لأن ذلك غير موافق لذائقه، كما هو ظاهر، وإنما المراد جمعهما فى المعدة، لأنه انتفع بهما، أو لرد ما اشتهر أنه يضر جمع الحلو مع الخربز وليس فى محله، لأنها صرف للأحاديث عن ظواهرها لمجرد الحزر والتخمين، وكأن قائل ذلك لم يحفظ حديث أبى نعيم الآتى: «فيأكل الرطب بالبطيخ» (¬1) وقوله: أو لرد. . إلخ، إنما يصح إن ثبت أن ذلك الاشتهار كان فى ذلك الزمن وأنى له بذلك، إلا أن يأخذه من الاستصحاب المعكوس، وهو ليس بحجة كما هو مقرر فى الأصول: على أن الذى اشتهر، ليس بما فى كل شىء خاص بالعسل لما نقل عن بعض الأطباء أنه يضر أكله مع الخربز. 191 - (البطيخ بالرطب) قال المصنف: حسن غريب، وزاد أبو داود: «يكسر حر هذا برد هذا وبرد هذا بحر هذا» والبطيخ هو الأصفر المعبر عنه فى الرواية الآتية. بالخربز مصدرها صحيح، وهو حار فليحمل هنا على نوع لم يتم نضجه، لأن فيه برودة يعدلها الرطب فاندفع، وأنه على قول من زعم أنه الأخضر محتجا بأن الأصفر فيه حرارة، على أن فى الأصفر بالنسبة للرطب برودة، وإن كان فيه بحلاوته طرافة حرارة، وفى خبر الطبرانى بسند ضعيف: «رأيت فى يمين النبى صلى الله عليه وسلم قثاء، وفى شماله رطبا، وهو يأكل من ذا مرة ومن ذا مرة» (¬2)، وفى خبر لأبى نعيم بسند ضعيف أيضا: «كان ¬

191 - صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1843) بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الأطعمة (3836)، والحميدى فى مسنده (255)، والنسائى فى الكبرى (6722)، وابن ماجه فى الأطعمة (3326)، وابن أبى شيبة فى المصنف (8/ 136)، والبيهقى فى السنن (7/ 281)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 215،216)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 367)، كلهم من طرق عن هشام بن عروة به فذكره. (¬1) رواه أبو داود فى الأطعمة (3836)، والترمذى (1843)، كلهم بلفظ البطيخ بالرطب، وابن ماجه فى الأطعمة (3326) بلفظه. (¬2) ذكره الهيثمى (5/ 38،170) وقال رواه الطبرانى فى الأوسط من حديث طويل وفيه أصرم بن حوشب وهو متروك.

192 - حدثنا إبراهيم بن يعقوب، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبى، قال: سمعت حميدا يقول-أو قال-حدثنى حميد قال وهب-وكان صديقا له-عن أنس بن مالك قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الخربز والرّطب». ـــــــــــــــــــــــــــــ يأخذ الرطب بيمينه، والبطيخ بيساره، فيأكل الرطب بالبطيخ، وكان أحب الفاكهة إليه» (¬1) وأخرج ابن ماجه عن عائشة: «أرادت أمى معالجتى للسمنة لتدخلنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما استقام لها ذلك حتى أكلت الرطب بالقثاء، فسمنت كأحسن سمنة» (¬2)، وفى رواية للنسائى: «التمر بالقثاء»، وروى فى فضل البطيخ أحاديث كلها باطلة، كما قاله الحفاظ، وأخرج أبو داود وابن ماجه: «قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمنا له زبدا وتمرا وكان يحب الزبد والتمر» (¬3) وأحمد: أنه صلى الله عليه وسلم سمى اللبن بالتمر الأطيبين وفى الثيلانيات عن ابن عباس: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل العنب فرطا» (¬4) أى يضع العنقود فى فمه ثم يأخذ حبة حبة وعين جوفه عاريا منه، وفى رواية: «بالضاد» بدل الطاء، ولكن قال العقيلى: لا أصل لهذا الحديث، وروى أبو داود فى سننه عن عائشة: آخر طعام أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بصل، ولا ينافيه نهيه عنه كالثوم والكراث والفجل؛ لأن محله فى النيّئ، على أن الأصح أن فى هذه مكروه عليه، وليس بمحرم. ¬

192 - إسناده صحيح: صححه الحافظ فى الفتح (9/ 485). رواه الإمام أحمد فى المسند (3/ 142،143)، والنسائى فى سننه الكبرى (6726)، من طريق وهب بن جرير به فذكره. (¬1) رواه الحاكم فى المستدرك (4/ 120)، والطبرانى فى الأوسط (7907)، وذكره ابن حجر فى الفتح (9/ 573)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 38)، وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه يوسف بن عطية الصفار وهو متروك، وذكره العجلونى فى كشف الخفاء (2012)، وقال: كذا رأيته فى رسالة مجهولة الاسم والمؤلف (¬2) رواه أبو داود فى الطب (3903)، وابن ماجه فى الأطعمة (3324). (¬3) رواه أبو داود فى الأطعمة (3837)، وابن ماجه (3334). (¬4) رواه العقيلى فى الضعفاء الكبير (455) بلفظ خرطا، ورواه ابن عدى فى الكامل (280/ 1) (1/ 141).

193 - حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن عبد العزيز الرملى، حدثنا عبد الله بن يزيد بن الصلت، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة رضى الله عنها: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم أكل البطّيخ بالرّطب». 194 - حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك بن أنس، (ح) وحدثنا إسحاق بن موسى، حدثنا معن، حدثنا مالك، عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة، قال: «كان النّاس إذا رأوا أوّل الثّمر جاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهمّ بارك لنا فى ثمارنا، وبارك لنا فى مدينتنا، وبارك لنا فى ـــــــــــــــــــــــــــــ 193 - (الرملى) نسبة إلى رملة، وهى مواضع، أشهرها بلدة بالشام كما فى القاموس. 194 - (جاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أى إيثارا له على أنفسهم حبا له وتعظيما لجنابه الرفيع، ونظرا إلى أنه أولى الناس بما سبق إليهم من الأرزاق، وطلبا لمزيد استدرار بركته، فيما تجدد عليهم من النّعم وينبغى أن خلفاءه مثله فى ذلك. (اللهم. . .) إلخ ينبغى الدعاء به إلى (ومدنا) لكل أخذ باكورة (وثمارنا) أى بالخير والحفظ من الآفات. (فى مدينتنا) أى تكثر الأرزاق ودوابها على أهلها، وبإقامة شعار الدين فيها، وإظهارها على غاية لا توجد فى غيرها، فهو تعميم بعد تخصيص. (فى صاعنا ومدنا) أى بحيث ¬

193 - إسناده ضعيف: فيه: محمد بن إسحاق صدوق يدلس وقد عنعن فحديثه ضعيف وعبد الله بن الصلت: ضعيف. ورواه النسائى فى الكبرى (6727)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 235)، كلاهما من طريق عبد الله بن الصلت به فذكره. 194 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الدعوات (3454) بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الحج (1373)، والإمام مالك فى «الموطأ» فى فضائل المدينة (2/ 885) (2) من طريق معن به فذكره، وأبو نعيم فى المسند على مسلم (3180) من طريق مالك به فذكره.

صاعنا، وفى مدّنا. اللهمّ إنّ إبراهيم عبدك وخليلك ونبيّك، وإنّى عبدك ونبيّك، وإنّه دعاك لمكّة، وإنّى أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكّة ومثله معه، قال: ثمّ يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثّمر». ـــــــــــــــــــــــــــــ يكفى الكيال فيها من لا يكفيهم أمثاله فى غيرها، كما هو مشاهد فالبركة فى نفس مكيالها، ويحتمل أنها فى إثارة الدينية بمعنى دوام أحكامه المتعلقة به فى نحو الزكاة والكفارات، ودوامها بدوام الشريعة والدنيوية من البركة فى نفس المكيل كما مر، وفى التصرف به فى التجارة حتى يزداد ريحها، وفى اتساع عيش أهلها، حتى صار يجىء إليها من كل الأرزاق التى بنحو الشام والعراق وغيرهما، مما منّ الله بفتحه على المسلمين استجابة لدعاء نبيه صلى الله عليه وسلم الذى تضمنه قوله: (وإنى أدعوك للمدينة) وما دعى به إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، ذلك هو قوله: رَبَّنا. . . فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ اَلنّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَاُرْزُقْهُمْ مِنَ اَلثَّمَراتِ (¬1) وقد أجاب الله دعوته ذلك، ولنبينا صلى الله عليه وسلم دعوته المحمدية فصار يجىء إليها فى زمان الخلفاء الراشدين من مشارق الأرض ومغاربها الثمرات، وزيادة رفعته عليها، استجابة لقوله: (ومثله معه) وهى شيئان: أحدهما: فى ابتداء أن المراد هو كنوز كسرى وقيصر وغيرهما وإنفاقهما فى سبيل الله على أهلهما، وأما آخر الأمر: وهو أن الإيمان يأرز إليها من أقطار الأرض وتتابع البلدان، كما تأرز الحية إلى وكرها. (ونبيك) ولم يقل: و (خليلك) وإن كان خليلا كما نص عليه صلى الله عليه وسلم فى غير هذا الموضع بل وأرفع من الخليل، لأنه خص بمقام المحبة الذى هو أرفع من مقام الخلة لأنه فى مقام التواضع إذ هو اللائق بمقام الدعاء، وأيضا فراعى الأدب مع أبيه صلى الله عليه وسلم على أنه أشار إلى تميزه بقوله: (ومثله معه) فى تنبيه بقوله فى مكة أنها حرام بحرمة الله من تحريم خلق السماوات والأرض على أن إبراهيم عليه السلام لم يوجد ويبتدئ تحريم مكة، وإنما إظهاره فقط بخلاف محمد صلى الله عليه وسلم فإنه الذى أوجد حرمة المدينة إذ لم يكن لها قبل دعائه بحلوله بها ذلك الاحترام الذى ترتب على وجوده ودعائه لها بذلك وشتان بين ما كان سببا لإظهار شىء موجود، إلا أنه كائن خفى، ومن كان سببا لإيجاد تحريم وتعظيم واحترام لم يكن موجودا قبل ذلك. (ثم يدعو) إنما لم يتناوله، لمزيد مكارم أخلاقه وكمال شفقته ورحمته وملاطفته لمن دون ¬

(¬1) سورة إبراهيم: آية رقم (37).

195 - حدثنا محمد بن حميد الرازى، حدثنا إبراهيم بن المختار، عن محمد ابن إسحاق، عن أبى عبيدة، عن محمد بن عمار بن ياسر، عن الرّبيّع بنت معوذ بن عفراء، قالت: «بعثنى معاذ بن عفراء بقناع من رطب وعليه أجر من قثّاء زغب-وكان صلى الله عليه وسلم يحب القثّاء-فأتيته به، وعنده حليّة قد قدمت عليه من البحرين، فملأ يده منها، فأعطانيه». ـــــــــــــــــــــــــــــ سيما الصغار، وإشارة لعدم تلفته إليه عند تشوق النفر من إليه، لأن الباكورة يكثر تلفت الناس إليها فتركها إلى تدعيم وجودها، وتيسر لكل أحد أكلها، (أصغر وليد) لأن بينه وبينها مناسبة تامة، من حيث حدثان عهدها بالإبداع، ولأنه أرغب فيه وأكثر تلفتا وحرصا عليه. 195 - (الربيع) براء مضمومة فموحدة مفتوحة فتحتية مكسورة مشددة. (معوذ) بضم ففتح فكسر مع التشديد آخره معجمة، إذ هو عمها. (بقناع) هو بكسر القاف الطبق الذى يؤكل عليه. (أجر) بفتح فسكون جمع جر وبتثليث أوله كأدل جمع دلو، وهو الصغير من كل شىء حتى الحنظل والبطيخ ونحوه وأصله أجر، وفى نسخة: آخر بالهمزة وبالخاء المعجمة أى قناع أخر. (من قثاء زغب) بضم الزاى وسكون المعجمة جمع أزغب من الزغب بالفتح وهو صغار الريش أول ما يطلع شبه به صغار القثاء أول ¬

195 - إسناده ضعيف: فيه: إبراهيم بن المختار: صدوق ضعيف الحفظ (التقريب 245)، محمد بن إسحاق: صدوق يدلس وقد عنعن حديثه فهو ضعيف، ومحمد بن عمار بن ياسر: مقبول، أى عند المتابعة، وقد تابعه شريك القاضى عند الإمام أحمد، وشريك صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه بعد توليته القضاء. وقد ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (9/ 13)، وعزاه للطبرانى واللفظ له، وأحمد بنحوه وقال: زاد فقال: «تحلى بهذا» وإسنادهما حسن. قلت: الحديث عند أحمد فى المسند (6/ 359)، من طريقين عن شريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع فذكره بنحوه مختصرا. قلت: والحديث ضعيف أيضا من هذا الطريق، فشريك بينا القول فيه، وابن عقيل: قال فيه الحافظ: صدوق فى حديثه لين، ويقال: تغير بآخره (التقريب 3592).

196 - حدثنا على بن حجر، أنبأنا شريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الرّبيّع بنت معوذ بن عفراء، قالت: «أتيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم بقناع من رطب وأجر زغب، فأعطانى ملء كفّه حليا-أو قالت: ذهبا». ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يطلع، وروى بالضم والكسر. (حلية) بكسر أو فتح فسكون. فتخفف (¬1)، وبكسرها فسكون [اسم] (¬2) فتشديد، لما يتزين به من نقد وغيره. (قدمت عليه) قدم بفتح الدال تقدم وبضمها صار قديما وبكسرها كما هنا عاد من السفر ففيه تجوز، (يده) فيه عظيم سخائه وجوده صلى الله عليه وسلم ورعايته المناسبة التامة فإن المرأة أحق بما يتزين به والله أعلم. ... ¬

196 - إسناده ضعيف: وقد تقدم الكلام عليه فى الحديث الذى قبله. (¬1) فى (ش): (فتحتية). (¬2) الزيادة من (ش).

31 - باب: ما جاء فى صفة شراب رسول الله صلى الله عليه وسلم

31 - باب: ما جاء فى صفة شراب رسول الله صلى الله عليه وسلم 197 - حدثنا ابن أبى عمر، حدثنا سفيان، عن معمر، عن الزهرى، عن عروة، عن عائشة، قالت: «كان أحبّ الشّراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو البارد». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب صفة شراب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أى ما جاء فيها كما صرّح به فى نسخة. 197 - (الحلو البارد) أى الماء البارد، وقيل: يحتمل أن المراد بالماء البارد الممزوج بالعسل، أو المنقوع فيه تمر أو زبيب، واستشكل ذلك بأن صريح الأحاديث منها الحديث الآتى «أنه يقول فى غير اللبن خيرا منه، وفيه زدنا منه» صفة أن اللبن كان أحبّ إليه من ذلك، ويجاب: بأن الأحبية هنا أحبية مخصوصة أى كان أحب الشراب الذى هو ماء، أو فيه ماء، وهذا كلّه لا ينافى كمال زهده صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك فيه مزيد الشهود لعظائم نعم الحق، وإخلاص الشكر له من غير أن يكون فيه إشعار بتكليف ولا خيلاء ألبتة، بخلاف الأكل فلذلك كان النبى صلى الله عليه وسلم يشرب نفس الشراب غالبا، ولا يأكل نفس الطعام غالبا، وروى أبو داود: «أنه كان صلى الله عليه وسلم يستعذب له من نبوت اسقيا» (¬1) وهو بضم المهملة ¬

197 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأشربة (1895)، بسنده ومتنه سواء، ورواه الإمام أحمد فى مسنده (6/ 38، 40)، والحميدى فى مسنده (257)، وابن أبى شيبة فى المصنف (8/ 36)، والحاكم فى المستدرك (4/ 137)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 247)، كلهم من طرق عن سفيان بهذا الإسناد فذكره نحوه. قال أبو عيسى: هكذا روى غير واحد عن ابن عيينة مثل هذا عن معمر عن الزهرى عن عروة عن عائشة، والصحيح ما روى عن الزهرى عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلا. وقال الرازى فى العلل (2/ 35)، (1585): سئل أبو زرعة عن حديث رواه ابن عيينة عن معمر عن الزهرى عن عروة عن عائشة قالت: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو البارد، وروى هشام بن يوسف وابن ثور عن معمر عن الزهرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أطيب الشراب الحلو البارد» فقال أبو زرعة: المرسل أشبه. (¬1) رواه أبو داود فى الأشربة (3735)، والبغوى فى شرح السنة (3049،3050) وذكره ابن عبد البر فى التمهيد (1/ 203).

198 - حدثنا أحمد بن منيع، أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، أنبأنا على بن زيد، عن عمر-هو ابن أبى حرملة-عن ابن عباس، قال: «دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وخالد بن الوليد على ميمونة. فجاءتنا بإناء من لبن، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا على يمينه، وخالد عن شماله، فقال لى: ـــــــــــــــــــــــــــــ وبالقاف عين بينها وبين المدينة يومان، قال ابن بطال: واستعذاب الماء لا ينافيه الزهد، ولا يدخل فى الترفه المذموم، بخلاف تطيبه بنحو المسك، فقد كرهه مالك لما فيه من السرف، وقد شرب الصالحون الماء الحلو وطلبوه، وليس فى شرب الماء الملح فضيلة، وكان صلى الله عليه وسلم يشرب العسل الممزوج بالماء البارد، وقال ابن القيم: وفيه من حفظ الصحة ما لا يهتدى لمعرفته إلا أفاضل الأطباء، فإن شرب العسل ويعقد على الريق: يزيل البلغم، ويغسل المعدة ويجلو لزوجتها، ويدفع عنها الفضلات، ويسخنها باعتدال، ويفتح سددها، والماء البارد رطب، ويقمح الحرارة، ويحفظ البدن، وكان صلى الله عليه وسلم ليشرب اللبن الخالص تارة، وبالماء البارد أخرى، لأن اللبن عند الحلب يكون حارا، وتلك البلاد حارة غالبا، وكان يكسر حرها بالماء البارد، وروى البخارى: «أنه صلى الله عليه وسلم دخل على أنصارى فى حائطه يحول الماء، فقال: «إن كان عندك ماء بات فى شن»، فقال: عندى ماء بات فى شن، فانطلق للعريش فسكب فى قدح ماء، ثم حلب عليه من داجن» (¬1). 198 - (فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا على يمينه وخالد عن شماله) قيل: دلت مخالفته ¬

198 - إسناده ضعيف وهو حسن: فيه: زيد بن على بن جدعان: ضعيف (التقريب 4734). ورواه الترمذى فى الدعوات (3455) بسنده ومتنه سواء. ورواه أحمد فى المسند (1/ 220، 225،284)، وكذلك ابن سعد فى الطبقات الكبرى، النسائى فى عمل اليوم والليلة (286)، وابن السنى فى عمل اليوم والليلة (474)، أربعتهم من طريق زيد بن على بن جدعان به فذكره، قلت: قال أحمد شاكر رحمه الله: إسناده صحيح. قلت: قد بينا أن على بن زيد بن جدعان: ضعيف، وقد تابعه ابن شهاب عند ابن ماجه فى الأطعمة والأشربة (3322)، (3426) فبمجموع الطريقين يصبح الحديث حسنا إن شاء الله تعالى. (¬1) رواه البخارى فى الأشربة (5613،5621)، وأبو داود فى الأشربة (3724)، وابن ماجه فى الأشربة (3432)، والدارمى (2/ 120)، وأحمد فى مسنده (3/ 343،344،355)، وابن حبان فى صحيحه (5314)، والبيهقى فى السنن الكبرى (7/ 284)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (8/ 228،229).

الشّربة لك، فإن شئت آثرت بها خالدا. فقلت: ما كنت لأوثر على سؤرك أحدا. ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أطعمه الله طعاما فليقل: اللهمّ بارك لنا فيه، وأطعمنا خيرا منه، ومن سقاه الله لبنا، فليقل: اللهمّ بارك لنا فيه، وزدنا منه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس شىء يجزى مكان الطعام والشراب غير اللبن». ـــــــــــــــــــــــــــــ بعلى فى حقه وعن فى خالد أنه كأنه أقرب للنبى صلى الله عليه وسلم من خالد وهو محتمل لصغره وقرابته، فقدم جبرا لخاطره، ويحتمل أن التخالف لمجرد التفنن فى العبارة، فهما بمعنى واحد وهو مجرد الحضور معه. (الشربة لك) أى لأنك صاحب اليمين فالحق لك، ومن ثم قال: «الأيمن فالأيمن، أو الأيمنون الأيمنون» (¬1) واستفيد منه تقديم اليمين ندبا ولو صغيرا مفضولا. (فإن شئت) فيه تطيب لخاطره، وبيان أن له الإيثار، وأنه لا ينافى الكمال، نعم قد يشكل على ذلك قول أئمتنا يكره الإيثار بالقرب، وقد يجاب: بأن محل الكراهة حيث آثر من ليس أولى منه بذلك، وإلا فكما هنا، وكتقديم غير الأفقه مثلا على الأفقه فى الإمامة فلا كراهة. (ما كنت) بيان لعذره فى عدم الإيثار، ودفع لما (¬2) يتوهم أنه كان الأولى [له أن يمتثل] (¬3) تمثيل إشارته صلى الله عليه وسلم بإيثار خالد رضى الله عنه، وقوله: (على سؤرك) أى ما بقى منك. (أحدا) أى يفوز به غيرى، ووقع لشارح أنه قال أى «سؤر أحد» فلا يتجه إذ المطابق للتأليف أن يقول: ما كنت لأوثر بسؤرك أحدا. انتهى، وهو فى غاية الخفاء، وكان مراده أنه قصد بقوله: سؤر أحد فى غاية الركاكة؛ لأن السؤر البقية، شارح آخر قاله المتجه المطابق للتأليف أن يقول: ما كنت لأوثر بسؤرك أحدا وأنت خبير بأن فى كل من هذين نظرا واضحا، أما الأول فلأن قوله أى سؤر أحد فى غاية الركاكة، لأن السؤر البقية فيخل التقدير إلى: ما كنت لأوثر ببقيتك بقية غيرك فكون بقية الغير مؤثرة ببقيته، يحتاج لتأويل وتكلف، لا حاجة إليه، بل عليه ما حصلت أبلغيه ولا مطابقة لما قاله ابن عباس، وأما الثانى: فزعمه أنه توقف ¬

(¬1) رواه البخارى فى الأشربة (5619،5620)، وفى الهبة (2571)، ومسلم فى الأشربة (2029)، وأبو داود فى الأشربة (3726)، والترمذى (1893)، وابن ماجه (3425)، وأحمد فى مسنده (3/ 110،113،229،231)، وابن حبان (5333،5334،5336،5337)، والبيهقى فى السنن الكبرى (7/ 285)، والبغوى (3053). (¬2) فى (ش): [لمن]. (¬3) الزيادة من [ش].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المطابقة لما سبقه على ما قدره ممنوع بل المطابقة حاصلة، ولو على موجود إما لأنها بمعنى الباء أو ضمن أوثر معنى أترك وسببه أن المطابقة المعنوية أولى من اللفظية فكأنه أشار بعدوله عن هذه العبارة، على مزيد المحافظة على آثاره صلى الله عليه وسلم، وأنه متى تمكن من ترك الاستعلاء غيره عليها قبل استحقاقه بها منعه عن ذلك. (فليقل) أى حال الأكل، فإن آخره إلى ما بعد فيه الأولى أن يكون بعد الحمد كما هو ظاهر. (لبنا) الظاهر أن يأتى بهذا، وإن كان وحده رعاية للفظ الوارد ما أمكن، وردتا منه فيه أنه لا خير من اللبن، بخلاف بقية الأطعمة [ومن ثم كان الذى يتجه أن المرأة تأتى فى دعاء الافتتاح بنحو حنيفا مسلما على إرادة الشخص رعاية للفظ الوارد. ووجه ذلك أنه يجزى مكان الطعام والشراب كما فى الحديث الآتى وليس غيره كذلك فكان خيرا من سائر الأطعمة وليس] (¬1) فيها خير منه، وبهذا اندفع قول بعضهم، ولا يلحق ما عدا اللبن من الأشربة به، أو بالطعام، ووجه اندفاعه أن الحديث، وكلام الأئمة صريحان فى اختصاص ذلك باللبن، لأنها كلها تسمى طعاما، ولم يستثن منه إلا اللبن. (يجزى) أى يكفى هكذا إلى آخره بيّن أن هذا الحديث روى مسندا أو مرسلا، ولم يبين حكم ذلك لشهرته وهو أن الحكم للإسناد، وإن كثرت رواية الإرسال لأن مع المسند زيادة علم، قال المصنف: وهو حديث حسن. هى خالة خالد. . . إلخ. فدخولهما عليها لأنهما محرماها وذكر يزيد استطرادا. ... ¬

(¬1) الزيادة من (ش)، وليست موجودة فى (أ).

32 - باب: ما جاء فى شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم

32 - باب: ما جاء فى شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم 199 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا هشيم، أنبأنا عاصم الأحول، ومغيرة. عن الشعبى، عن ابن عباس: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم. وهو قائم». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى صفة شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم) بتثليث الشين فبالفتح جمع شارب، وبمعنى المشروب، وبالكسر المشروب وبالضم المصدر، وهو المراد فى الترجمة. 199 - (شرب) رواية الشيخين قال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء زمزم فشرب وهو قائم. ورواية البخارى عن على: «أنه شرب قائما، وأن النبى صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت» (¬1). (وهو قائم) إنما فعله مع أن عادته الشرب قاعدا ونهيه عن الشرب قائما، وقوله: «لا يشربن أحدكم قائما فمن نسى فليستق» (¬2)، روى ذلك مسلم لبيان أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائما ليس للتحريم، بل للتنزيه، وأن الأمر بالاستقاء ليس للإيجاب، بل للندب، وقول من قال: يسن الشرب من ماء زمزم قائما اتباعا له صلى الله عليه وسلم، إنما يسلم له، إن لو لم يصح النهى عن الشرب وأما بعد صحته قائما يكون الفعل مبينا للجواز فهو ¬

199 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأشربة (1882)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الحج (1637)، والأشربة (5617)، ومسلم فى الأشربة (3027)، والنسائى فى المناسك (5/ 237)، وفى الكبرى (3956)، وابن ماجه فى الأشربة (3422)، والإمام أحمد فى المسند (1/ 214،243، 249،287،369،370،372)، كلهم من طرق عن عاصم الأحول ومغيرة عن الشعبى مرفوعا فذكره. (¬1) رواه البخارى فى الأشربة (5616)، ومسلم (2027) جزء منه، وأبو داود (3718) بلفظ: يفعل، والترمذى (1882،1883)، بمعناه، والنسائى فى المناسك (5/ 237) جزء منه، وفى السهو (3/ 82) جزء منه، وابن ماجه فى الأشربة (3422،3423)، والدارمى (2/ 120) جزء منه، وأحمد فى مسنده (1/ 101،102،204،220،243) (2/ 174،178،189، 190) (3/ 13،15،118،119)، (6/ 87). (¬2) رواه مسلم فى الأشربة (2026)، والبيهقى فى السنن الكبرى (7/ 282).

200 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا محمد بن جعفر، عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائما وقاعدا». ـــــــــــــــــــــــــــــ كبوله صلى الله عليه وسلم قائما فى بعض الأحيان لا يقال النهى مطلق وشربه من زمزم تمّ، ومضى فلم تتوارد على محل واحد، لا نقول ليس النهى مطلقا، بل هو عام، والشرب من زمزم قائما من أفراده، فدخل تحت النهى، فوجب حمله أنه لبيان الجواز ولو سلمنا أنه مطلق، لكان محمولا على التقيد، فلم يفد المقيد غير الجواز أيضا، لا يقال النبى صلى الله عليه وسلم ميزه عن فعل المكروه، كالمحرم، فكيف يشرب قائما؟ لأنّا نقول شربه قائما لبيان الجواز، وهو واجب عليه، فلم يفعل مكروها، بل واجبا، وهكذا يقال فى كل فعل فعله لبيان الجواز مع نهيه عنه، أو عما يشمله، واعلم أن كلا من حديث نهيه وفعله المذكورين صحيح، وأن الجمع بينهما ما قررناه، وحيث أمكن الجمع بين حديثين، وجب المصير إليه، ودعوى النسخ ليست فى محلها، وتضعيف خبر النهى غير مسموع مع إخراج مسلم له، والاستدلال لعدم الكراهة بفعل الخلفاء الأربعة غير جائز على قواعد الأصوليين، مع أنه لا يقام ما صح عنه صلى الله عليه وسلم سيما فى الشرب قائما ضرر، ومن ثمة ندب الاستسقاء منه حتى للناس، لأنه يحرك خلطا يكون القىء دواءه، قال ابن القيم: وللشرب قائما آفات منها: أنه لا يحصل به الرى التام، ولا يتسقر فى المعدة حتى يستقر الكبد على الأعضاء، وينزل بسرعة إلى المعدة، فيخشى منه أن يبرد حرارتها، ويسرع النفوذ إلى أسافل البدن بغير تدريج، وكل هذا يضر بالشارب قائما، وعند أحمد عن أبى هريرة: «أنه رأى رجلا يشرب قائما [فقال له: قه] (¬1)، قال: لمه؟ أيسرك أن يشرب معك الهر؟ قال: لا، قال: قد شرب معك من هو شر منه، الشيطان» (¬2). 200 - (عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص. (عن جده) ¬

200 - حسن: رواه الترمذى فى الأشربة (1883)، بسنده ومتنه سواء، والإمام أحمد فى مسنده (2/ 174، 178،180،181)، من طرق عن عمرو بن شعيب به فذكره. وقال الترمذى: حسن صحيح. وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. (¬1) ما بين [] سقط من (أ)، وصحف فى (ش). (¬2) رواه أحمد فى مسنده (2/ 301).

201 - حدثنا على بن حجر، حدثنا ابن المبارك، عن عاصم الأحول، عن الشعبى، عن ابن عباس، قال: «سقيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم من زمزم، فشرب وهو قائم». 202 - حدثنا أبو كريب: محمد بن العلاء ومحمد بن طريف الكوفى، قالا: أنبأنا ابن الفضيل، عن الأعمش، عن عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة قال: «أتى علىّ رضى الله عنه بكوز من ماء وهو فى الرّحبة، فأخذ منه كفا فغسل يديه ومضمض واستنشق، ومسح وجهه وذراعيه ورأسه، ثمّ شرب منه وهو قائم ـــــــــــــــــــــــــــــ المراد جده بواسطة، أو جد أبيه وهو عبد الله الصحابى الجليل الأفضل. (عن أبيه) والأكثر عنه ومن غيره تلقيا وأخذا للعلم عنه صلى الله عليه وسلم وح، فحديثه موصول ورواته محتج بهم وكذا احتج بهذا السند أكثر الحفاظ لا سيما البخارى، فإنه خرج له فى العذر ونقل عن أحمد وعلى بن المدينى وإسحاق أنهم احتجوا به، وإنما يكون ذلك لقرائن أثبتت عندهم سماعه من جد أبيه عبد الله، وكأنه خالف الأقلين نظرا لاحتمال الانقطاع، ويرده ما تقرر: أنه لا عبرة بهذا الاحتمال مع كون الأكثرين على خلافه وزعم أنه أخذ هذا الإسناد من صحيفة لا اعتداد بها، لم يثبت هو، ولا ما يشير إليه فلا يعول عليه، ومن ثمة أعرض المتأخرين كالمتقدمين عن ذلك، واحتجوا به. (قائما وقاعدا) أى مرة قائما لبيان الجواز ومرارا كثيرة بل هو الأكثر المعروف المستقر من أحواله صلى الله عليه وسلم قاعدا. 202 - (فى الرّحبة) أى رحبة مسجد الكوفة، ورحبة المسجد منه فلها أحكامه، وهى ¬

201 - إسناده صحيح: وقد تقدم برقم (6)، (119) بإسناد ضعيف. 202 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الأشربة (1615،1616)، وأبو داود فى الأشربة (3718)، والنسائى فى الطهارة (1/ 84،85)، وأحمد فى المسند (1/ 78،123،139،144،153)، والطيالسى فى مسنده (1/ 51)، والبغوى فى شرح السنة (3047)، والطحاوى فى شرح معانى الآثار (1/ 34)، وابن حبان فى صحيحه (1057،1058،5326)، والبيهقى فى السنن (1/ 75)، كلهم من طرق عن عبد الملك بن ميسرة به فذكره نحوه تاما ومختصرا.

ثمّ قال: هذا وضوء من لم يحدث، هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل». 203 - حدثنا قتيبة بن سعيد، ويوسف بن حماد، قالا: حدثنا عبد الوارث بن معبد، عن أبى عصام، عن أنس بن مالك رضى الله عنه: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان يتنفّس فى الإناء ثلاثا إذا شرب. ويقول: هو أمرأ وأروى». ـــــــــــــــــــــــــــــ عندنا المحوط عليه لأجله، وإن لم يعلم دخولها فى وقفه سواء فصل بينهما طريق علم حدوثه، أو شك فيه أم لا، وقيل: هى صحنه، وهو ضعيف أما حريمه: فهو ما هيئ لإلقاء القمامات المسجدية، وله حكم المسجد، (مضمض) أى وأخذ كفا فمضمض (ثم شرب) يحتمل أنه غسل يديه ثم شرب وح، فالمراد بهذا الوضوء أنه المتجدد، وتجديد الوضوء بعد الغسل بالرمز الأول سنة مؤكدة لقوله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات» (¬1)، وعلى هذا فالمراد بمسح الوجه والذراعين الغسل الحقيقى كما قيل به فى قوله تعالى: وَاِمْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ (¬2) بالجر والعطف. فالمراد بالوضوء فى كلامه الوضوء اللغوى، وهو مطلق التنظيف، معنى قوله: (وضوء من لم يحدث) أى لم يرد طهر الحدث به، الإشارة لما بعد الشرب. (هكذا رأيت) من بعض المشار إليه الشرب قائما، وهذا سبب إيراد هذا الحديث من هذا الباب. 203 - (يتنفس فى الإناء ثلاثا) أى بأن يشرب، ثم يزيله عن فمه، ثم يتنفس، ثم يشرب، ثم يفعل ذلك، ثم يشرب، ثم يفعل كذلك، فلا ينافى النهى عن التنفس فى جوف الإناء، لأنه يضر الماء إما لتغير الفم بمأكول، أو بسواك، أو لأن النفس يصعد ببخار المعدة، وورد بسند حسن: «أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب، ويقول: إذا أدنى الإناء من فيه ¬

203 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأشربة (1884)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الأشربة (2028)، وأبو داود (3727)، والنسائى فى الكبرى (6888)، وأحمد فى مسنده (3/ 118،119، 185،211،251)، وابن أبى شيبة فى المصنف (8/ 31)، والبيهقى فى السنن (1/ 40)، (7/ 284)، والحاكم فى المستدرك (4/ 138)، كلهم من طرق عن عبد الوارث بن سعيد به فذكره نحوه. (¬1) رواه أبو داود فى الطهارة (62)، والترمذى فى الطهارة (59)، وابن ماجه (512)، والعقيلى فى الضعفاء (2/ 322)، وقال أبو عيسى: محمد بن يزيد الواسطى عن الإفريقى وهو إسناد ضعيف. (¬2) سورة المائدة: آية رقم (6).

204 - حدثنا على بن خشرم، أنبأنا عيسى بن يونس، عن رشدين بن كريب، ـــــــــــــــــــــــــــــ سمى الله، فإذا آخره حمد الله، يفعل ذلك ثلاثا». (هو أمرأ وأروى) ورواية مسلم: أمرأ وأهنأ وأبرأ، ونبه صلى الله عليه وسلم بذلك على مجامع ما فى ذلك من الفوائد والحكم، فإن معنى أروى من الرى بالكسر من غير همز: أشد ريا وأبلغه وأنفعه، واشتقاقه من روى، بمعنى أنه مأخوذ منه، إذ الأخذ أوسع دائرة من الاشتقاق الغير المتأنى هنا، لأن الإرواء حقيقة صفة الشارب لا الماء، وإنما هو مشتق من الإرواء، لأن المراد أكثر إرواء، واسم التفضيل لا يشتق من المزيد فيكون شاذا، أو يكون إسناد روى إلى الماء مجازا، وفى القاموس: روى من الماء واللبن، أو من ريا وروى وتروى وارتوى بمعنى والاسم الرى بالكسر، ثم قال: وماء روى كفتى، وروى كإلى، وروى اسما انتهى، وأبراء أفعل من البرء بالهمز وهو الشفاء أى تبرئ، فالعطش لتردده على المعدة الملتهبة دفعات فتسكن كل دفعة ما عجزت عنه التى قبلها، وأيضا فهو أسلم لحرارة المعدة من أن يهجم عليها البارد دفعة واحدة فربما أطفاء الحرارة الغريزية لكثرة بردها، أو ضعفها فتضعد المعدة والكبد، ويؤدى لأمراض معدية خصوصا لأهل البلاد الحارة فى الأزمنة الحارة، و «أمرأ» بالهمز من مرى الطعام والشراب فى بدنه إذا خالطه بسهولة ولمدة ونفع، وأيضا فذلك أقمع على العطش، وأقوى على الهضم، ومن آفات الشرب نهلة واحد: أنه يخشى عنه الشرق، لانسداد مجرى الشراب لكثرة الوارد عليه، فإذا شرب على دفعات، أمن من ذلك، وقد روى البيهقى وغيره: «إذا شرب أحدكم فليمص الماء مصا، ولا يغبه غبا، فإنه يورث الكباد» (¬1) وهو بضم الكاف وتخفيف الموحدة: وجع الكبد. 204 - (رشدين) براء مكسورة فمعجمة ساكنة فمهملة فتحتية فنون. (مرتين) لا ¬

204 - إسناده ضعيف: رواه الترمذى فى الأشربة (1886)، بسنده ومتنه سواء، ورواه ابن ماجه فى الأشربة (3417)، وأحمد فى المسند (1/ 284)، والبيهقى فى السنن (7/ 384)، والخطيب فى التاريخ (8/ 110)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 242)، كلهم من طرق عن رشيدين بن كريب به فذكره. قال أبو عيسى: غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن كريب. قلت: رشدين بن كريب، قال فيه الحافظ: ضعيف (التقريب 1943). (¬1) رواه البيهقى فى السنن الكبرى (7/ 284)، وفى شعب الإيمان (6012)، وعبد الرزاق فى مصنفه (19594)، وذكره الهندى فى كنز العمال (41075)، وعزاه لابن السنى وأبى نعيم فى الطب، والبيهقى فى شعب الإيمان عن أبى حسين مرسلا (15/ 295).

عن أبيه، عن ابن عباس: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفّس مرّتين». 205 - حدثنا ابن أبى عمر، حدثنا سفيان، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن عبد الرحمن بن أبى عمرة، عن جدته كبشة، قالت: «دخل علىّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم فشرب من فى قربة معلّقة قائما. فقمت إلى فيها فقطعته». 206 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا عزرة بن ثابت الأنصارى، عن ثمامة بن عبد الله، قال: «كان أنس بن مالك يتنفّس فى الإناء ثلاثا. وزعم أنس أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان يتنفس فى الإناء ثلاثا». ـــــــــــــــــــــــــــــ ينافى ما مر لأنه فى بعض الأحيان، لبيان جواز النقص عن ثلاث أو أراد مرتى التنفس الواقعتين أثناء الشرب، وأسقط الثالثة، لأنها بعد الشرب. 205 - (كبشة) بموحدة ومعجمة، قال المصنف: حسن غريب صحيح. (من فى قربة معلقة) بين به أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك للتنزيه. (فقطعته) أى لتصون موضعا أصابه فم النبى صلى الله عليه وسلم أن يبتذل ويمسه (¬1) كل أحد، وتحفظه للتبرك والاستشفاء به. 206 - (عزرة) بمهملة مفتوحة فزاء ساكنة فراء. (وزعم) أى قال قائل وسبب تعبيره أن قوله كان آه يخالف ما مرّ. (أنه كان يتنفس فى الإناء ثلاثا) فأتينا به بما يفيد دوام ¬

205 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأشربة (1892)، بسنده ومتنه سواء، ورواه ابن ماجه فى الأشربة (2423)، من طريق سفيان بن عيينة به فذكره بزيادة «تبتغى بركة موضع فىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم». 206 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأشربة (1884)، (4/ 302)، بسنده ومتنه سواء، رواه البخارى فى الأشربة (5631)، ومسلم (2028)، والدارمى فى الأشربة (2/ 119)، وأبو نعيم فى الحلية (8/ 377)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى (ص 241،242)، كلهم من طرق عن عزرة بن ثابت به فذكره. (¬1) فى (أ) ويمتهنه.

207 - حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن عبد الكريم، عن البراء بن زيد ابن ابنة أنس بن مالك: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم دخل على أمّ سليم، وقربة معلّقة، فشرب من فم القربة وهو قائم. فقامت أمّ سليم إلى رأس القربة فقطعتها». 208 - حدثنا أحمد بن نصر النيسابورى، أنبأنا إسحاق بن محمد الفروى، حدثتنا عبيدة بنت نابل، عن عائشة بنت سعد بن أبى وقاص، عن أبيها: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان يشرب قائما». ـــــــــــــــــــــــــــــ التنفس أى فى الإناء هنا زعم، انتهى، وهو عجيب من قائله كيف، وقد وقع فى ورطة بنسبة الزعم على حقيقته إلى الصحابى بمجرد السفساف بل الصواب: أن لا زعم هنا، وأن معنى كان يتنفس آه ما مر آنفا، على أن ما ورد من أنه كان يتنفس مرتين فيه ما يفيد دوام التنفس فى الإناء أيضا، فلا فرق بينهما فى ذلك، وإنما هو فى ذكر المرتين والثلاث، واستدلاله بذلك؛ لبقاء الزعم على حقيقته، غلط فاحش كما هو واضح. 207 - (الفروى) [نسبة لفروة جده] (¬1) بفتح الفاء وسكون الراء. (قائم) حال منه صلى الله عليه وسلم (فقطعتها) أى رأس القربة، وأنث الرأس مع تذكيره، لإضافته لمؤنث وفى نسخة: «فقطعته»، وهى القياس، وقطعها بعلل بما مرّ. 208 - (نابل) أى بالباء الموحدة بعد الألف. ¬

207 - إسناده حسن: البراء بن زيد ابن ابنة أنس، مقبول، عند المتابعة، وقد تابعه حميد عند أبى الشيخ (ص 246)، فرفع حديثه إلى مرتبة الحسن، ورواه أحمد فى المسند (3/ 119)، (6/ 376،431)، والدارمى فى الأشربة (2/ 120)، كلاهما من طريق عبد الكريم به فذكره نحوه مختصرا وتاما. 208 - إسناده ضعيف وهو صحيح: رواه أبو الشيخ فى أخلاق النبى (ص 245)، من طريق عبيدة بنت نابل به فذكره، وأورده الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 80)، وعزاه للطبرانى والبزار وقال: ورجالهما ثقات. قلت: فيه إسحاق بن محمد الفروى قال فيه الحافظ: صدوق كفّ فساء حفظه (التقريب 381)، وأيضا: عبيدة بنت نابل: مقبولة (8639)، والحديث له شواهد فى الصحيح وغيره، انظر الأحاديث رقم (199،200،201،207). (¬1) الزيادة من (ش).

33 - باب: ما جاء فى تعطر رسول الله صلى الله عليه وسلم

33 - باب: ما جاء فى تعطر رسول الله صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى تعطر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أى: استعماله العطر وهو الطيب. اعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان طيب الرائحة دائما، وإن لم يمس طيبا، ومن ثمة قال أنس: «ما شممت ريحا قط ولا مسكا ولا عنبرا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه أحمد والبخارى لفظ: «مسكة، ولا عنبرة»، والمصنف فى باب الخلق بلفظ: «مسكا قط ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم» (¬1)، وروى الطبرانى: «أنه صلى الله عليه وسلم نفث فى يده ثم مسح على ظهر عتبة وبطنه فعبق به طيب حتى كان عنده أربع نسوة كلهنّ تجتهدن أن تساويه فيه، فلم تستطع مع أنه كان لا يتطيب» (¬2)، وروى هو وأبو يعلى: «أنه سلت لمن استعان به على تجهيز بيته من عرقه فى قارورة، وقال: مرها فلتصب به فكانت إذا تطيبت به شم أهل المدينة ذلك الطيب، فسموا بيت المطيبين» والدارمى والبيهقى وأبو نعيم: «أنه لم يكن يمر بطريق فيتبعه أحد، إلا عرف أنه مساكة من طيب عرقه ولم يكن يمر بحجر إلا سجد له»، وأبو يعلى، والبزار بسند صحيح: «أنه كان إذا مر من طريق وجدوا منه رائحة الطيب، وقالوا: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الطريق»، ومسلم: «أنه نام عند أم أنس فعرق فسلتت عرقه فى قارورتها فاستيقظ، فقال لها: ما الذى تصنعين يا أم سليم؟ فقالت: هذا عرقك نجعله لطيبنا، وهو أطيب الطيب»، وأما الخبر المروى فى مسند الفردوس وغيره: «أن الورد الأبيض خلق من عرقه، والأحمر من عرق جبريل، والأصفر من عرق البواق» فقال النووى: لا يصح، وقال آخرون إنه موضوع، وروى الطبرانى بسند حسن، أو صحيح: «أن عائشة قالت: يا رسول الله: إنى أراك تدخل الخلاء ثم يأتى الذى بعدك، فلا يرى لما يخرج منك أثر، فقال: يا عائشة: أما ¬

(¬1) رواه البخارى فى المناقب (3561)، وفى الصيام (1973)، ومسلم فى الفضائل (2330)، والترمذى فى البر والصلة (2015)، والدارمى (1/ 31)، وأحمد فى مسنده (3/ 107،222، 227،265،267)، وابن حبان فى صحيحه (6303،6304)، والبيهقى فى الدلائل (1/ 254،255)، وأبو يعلى فى مسنده (3761،3866)، وابن سعد فى الطبقات الكبرى (1/ 413،414)، والبغوى (3658)، وابن عساكر فى السيرة النبوية (240،241). (¬2) رواه البخارى فى الطب (5748)، وفى الدعوات (6319)، وابن ماجه فى الدعاء (3875).

209 - حدثنا محمد بن رافع، وغير واحد، قالوا: أنبأنا أبو أحمد الزبيرى، حدثنا شيبان، عن عبد الله بن المختار، عن موسى بن أنس بن مالك، عن أبيه قال: «كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سكّة يتطيّب منها». ـــــــــــــــــــــــــــــ علمت أن الله أمر الأرض أن تبتلع ما يخرج من الأنبياء؟»، ورواه ابن سعد من طريق آخر، والحاكم فى مستدركه من طرق أخرى فقول البيهقى: هذا من موضوعات الحسن ابن علوان، لا ينبغى ذكره ففى الأحاديث الصحيحة المشهورة فى معجزاته، كفاية عن كذب ابن علوان يحمل على متنه الذى ذكره بخصوصه، وهو: «أما علمت أن أجسادنا تنبت على أرواح أهل الجنة، وما يخرج منها تبلعه الأرض؟»، أو على أن الحكم عليه بالوضع خاص بتلك الطريق دون بقية الطرق، أو على أنه لم يطلع على تلك الطرق وهو أظهر. ثم ما ذكر إنما هو فى الغائط، أما البول فقد شاهده غير واحد، وشربته بركة أم أيمن مولاته وبركة أم يوسف خادمة أم حبيبة صحبتها من أرض الحبشة، وكان له قدح من عيدان تحت سرير فيه فشربته الثانية، فقال لها: صحّه يا أم يوسف فلم تمرض سوى مرض موتها» وصح عن الأولى قالت: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل إلى فخارة فى جانب البيت فبال فيها فقمت من الليل عطشانة فشربت ما فيه فضحك حتى بدت نواجذه قال: «أما والله لا يتّجعنّ بطنك أبدا»، وبهذا استدل جمع من أئمتنا المتقدمين وغيرهم على طهارة فضلاته صلى الله عليه وسلم وهو المختار، وفاقا لجمع من المتأخرين، فقد تكاثرت الأدلة عليه وعده الأئمة من خصائصه، قيل: وسببه شق جوفه الشريف. ¬

209 - (سكة) هى بالضم طيب يتخد من الرامكب بكسر الميم، وفتحها بوزن صاحب، وهو شىء أسود يخلط بالمسك يدق وينخل ويعجن بماء ويمسح بدهن الجيزى، ويترك ليلة، ثم يخلط بالمسك، ويعرك شديدا أو يقرص ويترك يومين، ثم ينظم فى خيط وكلما عتق عبق ريحه، وروى النسائى والبخارى فى تاريخه عن محمد بن على قال: «سألت عائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطيب؟ قالت: نعم تذكارة الطيب المسك أو العنبر». «لا يردّ الطيب» لئلا يتأذى المهدى مع قلة المنة فيه.

210 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا عزرة بن ثابت، عن ثمامة بن عبد الله، قال: «كان أنس بن مالك لا يردّ الطّيب. وقال أنس: إنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان لا يردّ الطّيب». 211 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن أبى فديك، عن عبد الله بن مسلم بن جندب، عن أبيه، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا تردّ: الوسائد، والدّهن، واللّبن». ـــــــــــــــــــــــــــــ 211 - (ثلاثة) مسوغة ما فهم من السياق أى قليلة المؤنة أو تهدى إلى الغير. (لا ترد) بالفوقية، وقيل: بالتحتية أيضا بالضم خبر بمعنى النهى، قيل: ويجوز الفتح فيكون نهيا صريحا. (الوسائد) جمع وسادة وهى ما تجعل تحت الرأس عند النوم. (والدهن) أى الذى له طيب كالزيت فى نسحة. (واللبن) وخصت هذه الثلاثة للمعنى السابق فى بعضها، وهو الطيب ويؤخذ من ذلك أن المراد بالوسادة التى لا منة فى قبولها، وح ¬

210 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأدب (2789)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الهبة (2582)، وفى اللباس (5929)، والنسائى فى الزينة، من الكبرى (9410)، وأحمد فى المسند (3/ 118، 133،261)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 102)، كلهم من طريق عزرة بن ثابت به فذكره نحوه. 211 - رواه الترمذى فى الأدب (2790)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البغوى فى مصابيح السنة (2241)، وفى شرح السنة (12/ 88)، والطبرانى فى المعجم الكبير (13279)، وابن حبان فى الثقات (1/ 10)، وأبو الشيخ فى طبقات المحدثين (457)، وأبو نعيم فى أخبار أصبهان (1/ 99)، والحافظ المزى فى تهذيب الكمال (16/ 128،129)، كلهم من طرق عن عبد الله ابن مسلم به فذكره. وقال أبو عيسى: حديث غريب. قلت: عبد الله بن مسلم بن جندب الهذلى، قال فيه الحافظ: «لا بأس به» (التقريب 3614)، وذكره ابن حبان فى الثقات (2/ 159)، وكذا العجلى فى تاريخ الثقات (887)، وقال: مدنى ثقه، وقال الذهبى فى الميزان (2/ 4600): مقل ما علمت لأحد فيه مغمزا، وقال أبو زرعة الرازى: «لا بأس به». =

212 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود الحفرى، عن سفيان، عن الجريرى، عن أبى نضرة، عن رجل، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طيب الرّجال ما ظهر ريحه، وخفى لونه، وطيب النّساء ما ظهر لونه وخفى ريحه». ـــــــــــــــــــــــــــــ يلحق بهذه الثلاثة كل ما لا منة عرفا فى قبوله ثم رأيت من حمل الوسائد على أن المراد أنها إذا بسطت لأحد ليجلس عليها، فلا ينبغى له الامتناع من ذلك. 212 - (الحفرى) بمهملة ففاء مفتوحتين منسوبة لحفر محل بالكوفة منزله فيه. (عن رجل) سيأتى فى المسند الآتى بدله «الطفاوى» بمهملة مضمومة ففاء مفتوحة مسنوب لطفاوة حى من قيس غيلان وهو مجهول أيضا ففى الحديث مجهول على تقدير (طيب الرجال) يستعمل بمعنى ما يتطيب به وهو المراد هنا ويستعمل مصدرا أيضا، قيل: وتصبح إرادته أيضا هنا. انتهى، وهو بعيد. (ما ظهر ريحه وخفى لونه) كماء الورد والمسك والعنبر والكافور وطيب السنا، قاله عيسى بن أبى عروة راوى الحديث عن قتادة أراهم حملوا هذا على ما إذا أرادت الخروج، فأما إذا كانت عند زوجها فلتطيب بما شاءت. انتهى، وفيه نظر لأنها عند الخروج لا يشرع لها تطيب مطلقا بل مكروه، وح ¬

= قلت: وللحديث طريقا أخرى عند الحافظ الرويانى فى مسنده (1441)، (2/ 424)، وعنه ابن عساكر فى التاريخ (5/ 427)، كلاهما من طريق أبى الربيع سليمان بن داود بن رشيد، نا خالد بن زياد الدمشقى، عن زهير بن محمد المكى، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبى صلى الله عليه وسلم فذكره، وفيه راو مجهول وهو خالد الدمشقى. وانظر: السلسلة الصحيحة للشيخ الألبانى (619). 212 - إسناده ضعيف وهو صحيح: للجهالة باسم الرجل، وإن ذكر نسبه فى بعض الطرق باسم «الطفاوى» أو رجل من طفاوة، فقد قال فيه الحافظ الطفاوى: شيخ لأبى نضرة، لم يسم ولم يعرف. ورواه المصنف فى الأدب (2787)، بسنده ومتنه سواء، وأبو داود فى الطلاق (2174)، والنسائى فى الطلاق (8/ 151)، وفى الكبرى (9408،9409)، والإمام أحمد فى المسند (2/ 540،541)، كلهم من طرق عن الجريرى به فذكره. قلت: ويشهد له ما رواه المصنف (2788)، وأحمد (4/ 442)، من حديث الحسن عن عمران بن الحصين، وهو منقطع، ويشهد له أيضا ما رواه الطبرانى من حديث أبى موسى الأشعرى كما فى مجمع الزوائد (5/ 158)، وفيه راو ضعيف، وصححه الألبانى فى المشكاة (2/ 443).

213 - حدثنا محمد بن خليفة، وعمرو بن على، قالا: حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا حجاج الصواف، عن حنان، عن أبى عثمان النهدى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أعطى أحدكم الرّيحان فلا يردّه، فإنه خرج من الجنّة». ـــــــــــــــــــــــــــــ بل وقد يحرم إن علمت أنه يجر إلى الفتنة كما هو ظاهر من كلام أئمتنا، وفى الحديث: «كل عين زانية» (¬1) أى غالبا فالمرأة إذا تعطرت فمرت بالمجلس أى بالرجال فهى كذا وكذا، بمعنى زانية، ثم رأيت من ثم من أيد احتمالا بحرمة التطيب عليها عند خروجها مطلقا أى سواء مرت برجال أو لا، وله وجه، لكن لا يوافق كلام الأئمة (ما ظهر لونه وخفى ريحه) كالزعفران قال غير واحد: كالحسناء، وهو عجيب منهم، إذ هم شافعيون، والمقرر من مذهبهم أن الحناء ليس من أنواع التطيب، خلافا للحنفية، ويتأكد للرجال الطيب فى يوم الجمعة، والعيد، وعند الإحرام، وحضور المحافل وقراءة القرآن، والعلم والذكر، ويكره للنساء عند خروجهن للمسجد وغيره، ويتأكد لكل منهما عند معاشرة الحليل. 213 - (ابن زريع) زاى مضمومة فراء مفتوحة، (حنان) بفتح المهملة وتخفيف النون. . (الريحان) فسره أهل اللغة وغريب الحديث: بأنه كل مشموم طيب الريح، وقيل: يحتمل أن يراد به الطيب كله اى ليوافق ما مر، ورواية أبى داود: «من عرض عليه طيب» (¬2)، وفى البخارى: «كان صلى الله عليه وسلم لا يرد الطيب» (¬3). (فلا يرده) بضم الدال ¬

213 - إسناده ضعيف: فيه حنان: مجهول. ورواه الترمذى فى الأدب (2791)، بسنده ومتنه سواء ورواه أبو داود فى المراسيل (532)، من طريق يزيد بن زريع به فذكره، وقال المصنف: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ولا نعرف حنانا إلا فى هذا الحديث، وأبو عثمان النهدى، اسمه عبد الرحمن بن مل، وقد أدرك زمن النبى صلى الله عليه وسلم ولم يره ولم يسمع منه. (¬1) رواه الترمذى (2786)، والإمام أحمد فى المسند (4/ 394،407،418)، والبغوى فى شرح السنة (12/ 81)، ورواه الدارمى أيضا فى سننه (2/ 279). (¬2) رواه أبو داود فى الترجل (4172)، باب فى رد الطيب (4/ 76،77). (¬3) رواه البخارى فى الهبة (2582)، وفى اللباس (5929)، ورواه الترمذى (2789)، والإمام =

214 - حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد الهمذانى، حدثنى أبى، عن بيان، عن قيس بن أبى حازم، عن جرير بن عبد الله قال: «عرضت بين يدى عمر بن الخطاب، فألقى جرير رداءه، ومشى فى إزار. فقال له: خذ رداءك. فقال للقوم: ما رأيت رجلا أحسن صورة من جرير، إلا ما بلغنا من صورة يوسف عليه السّلام». ـــــــــــــــــــــــــــــ على الفصيح المشهور خبر بمعنى النهى على حد قوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلاَّ اَلْمُطَهَّرُونَ (¬1) وقيل بفتحها، قال عياض: وهو غلط، وقال النووى فى شرح مسلم: هو اختيار من لا يحقق العربية، أى لأن المضارع المجزوم، إنما يجوز فتح آخره إن لم يتصل بضمير الغائب، وقول عياض: إن الفتح غلط لا يرده ما فى الشافية وشرحها أن وجوب الضم إنما هو على الأفصح لا غير، قيل: وبفرض صحة الفتح الضم أبلغ منه، لأن الخبر بمعنى النهى أبلغ من صريح النهى. انتهى، وفيه نظر. (فإنه خرج من الجنة) فى خبر مسلم تعليله بغير ذلك ولفظه «من عرض عليه ريحان فلا يرده، فإنه خفيف المحمل طيب الريح» والمحمل كالمجلس المراد به. 214 - (مجالد) بالجيم. (عرضت) أى نفسى كعرض الجيش على الأمير ليعرفهم ويتأملهم حتى يرد من لا يرضيه، أو هو بالبناء للمفعول أى عرضنى عليه من ولاه ذلك لينظر فى قوتى وجلادتى على القتال، وكان سبب ذلك أنه كان لا يثبت على الخيل حتى ضرب صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له بالتثبيت، وكان ذلك قبل موته صلى الله عليه وسلم بنحو أربعين يوما، ثم يحتمل أن جريرا غاب إلى خلافه فمر مختصر فأمر عمر بعرضه عليه لتبين حاله، وما ¬

= أحمد فى المسند (3/ 133،261)، والبغوى فى شرح السنة (12/ 87)، وأبو نعيم فى الحلية (9/ 46)، وفى ذكر أصبهان (1/ 175)، وأبو الشيخ فى الأخلاق (ص 99،230). 214 - إسناده ضعيف جدا: فيه عمر بن إسماعيل بن مجالد الهمذانى، شيخ المصنف، قال فيه الحافظ فى «تقريبه» متروك، وأبوه إسماعيل صدوق يخطئ. قلت: والحديث لا صلة له بأحاديث الباب. وهو مما تفرد به المصنف هنا فيما أعلم. (¬1) سورة الواقعة: آية (79).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقع له فى ركوب الخيل. (وألقى جرير ردائه) إن كان من كلام جرير وهو الظاهر، فهو التفات، والقياس فألقيت ردائى فمشيت فقال وإن كان من كلام قيس فظاهر أنه اعتراض منه، وإن كان بالفاء أوله، لكن السياق يأباه وإنما فعل جرير ذلك إظهارا لقوته وتجالده (¬1). (فقال) عطف على فعرضت. (ما رأيت) هى هنا علميّة بدليل الاستثناء إذ الأصل فيه الاتصال ويلزم البصرية أنه منقطع. (رجلا) يعلم من ذكر صورة المفضل أن يراد من رجلا المفضل عليه صورته، فزعم أنه على حذف مضاف أى صورة رجل غير محتاج إليه، ووجه مناسبة هذا الباب أن طيب الصورة يلزمه غالبا طيب ريحها ففيه إيماء إلى التعطر، فقول بعضهم لا خفاء أن هذا الحديث يعقد تحت عنوان الباب ليس فى محله، ثم ما ذكره عمر رضى الله عنه مشكل لاقتضائه أن صورة جرير أحسن من صورة محمد صلى الله عليه وسلم وقد مر عن كثيرين من الصحابة ما يرد ذلك، وقد يجاب: بأن صورته صلى الله عليه وسلم قد علم واستقر فى العقول أنها أجمل (¬2) من سائر المخلوقات حتى من صورة يوسف عليه السلام، فلم ينقل أن صورته، كان يقع من ضوئه على الجدران (¬3) ما يصيره كالمرآة تحكى ما يقابله، وقد حكى ذلك عن صورة نبينا صلى الله عليه وسلم، لكن ستر الله عن أصحابه كثيرا من ذلك الجمال الباهر، لأنه لو برز إليهم لم يطيقوا النظر إليه كما قال بعض المحققين، وأما جمال يوسف عليه السلام لم يستر منه شىء، وإذا تقرر أنها أحسن فلم يشملها قول عمر: ما رأيت رجلا، وكأن المراد بهذا النفى ما عداه صلى الله عليه وسلم، سواء كانت رأى علمية أم بصرية وإذا كان الكلام مفروضا فى من عداه، فعمن لم يعلم، أو ينظر فيمن عداه صورة أحسن من صورة جرير، إلا صورة يوسف على أن الظاهر باعتبار ما سبق من جمال دحية من أنه كان إذا دخل بلد أخرج لرؤيته حتى العذارى من خدرها أنه كان أجمل من جرير وح، فيشكل ما ذكر عن عمر أيضا اللهم إلا أن يقال كلامه صريح فى أنه أجمل باعتبار الوجه حتى من دحية، ولا محذور فى ذلك على أن يمكن الجمع بأن دحية كان أجمل باعتبار الوجه، وجرير كان أجمل باعتبار البدن بدليل: أن عمر لم يقل ما مر إلا عند تجرد جرير عن الرداء. ¬

(¬1) فى (ن) [جلادته]. (¬2) فى (ن) [أجل]. (¬3) فى (ن) الجدار.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: مناسبة لهذا الباب أن الطيب من دواعى الجماع، ولذا قال بعض أئمتنا: يسن لمريد الإحرام الجماع، لأنه يسن له التطيب وهو من دواعيه، وقالوا: يسن لمريد الذهاب للجمعة لينكف ببصره أى ولأنه يسن له التطيب أيضا، والحاصل أن كل من سن له التطيب سن له الجماع، فزيادة تعطره صلى الله عليه وسلم التى امتاز بها يدل على امتيازه بزيادة الجماع، وهو كذلك ففى البخارى: «كان صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه فى الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشر امرأة، قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين» وعند الإسماعيلى عن معاذ: «قوة أربعين» زاد أبو نعيم عن مجاهد: «كل رجل من رجال أهل الجنة» وصح: «يعطى الرجل فيها قوة مائة رجل» وإذا ضربت فى أربعين بلغت أربعة آلاف، وبه فضل سليمان لأنه لم يعط إلا قوة مائة، وإنما ضم لذلك القناعة فى الأكل مع استلزامها قلت: ليجمع الله له من صفات الكمال مع تضادها ما لم يجمعه لغيره، وروى الطبرانى: «ما احتلم نبى قط، وإنما الاحتلام من الشيطان» (¬1). ... ¬

(¬1) رواه ابن عدى فى الكامل فى الضعفاء (3/ 959). وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (1/ 267)، من حديث ابن عباس رضى الله عنهما، وعزاه للطبرانى فى الكبير والأوسط، وفيه عبد الكريم بن أبى ثابت وهو مجمع على ضعفه.

34 - باب: كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم

34 - باب: كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم 215 - حدثنا حميد بن مسعدة البصرى، حدثنا حميد بن الأسود، عن أسامة ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم) اعلم أنه صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق لسانا وأعذبهم كلاما وأسرعهم ردا وأحلاهم منطقا وأحكمهم جنانا وأوضحهم بيانا كيف ذلك ولسانه أعظم سيف من سيوف الله يبين عنه مراده ويقصم بساطع نوره حجج المبطلين ويهدى به الله عباده قال صلى الله عليه وسلم: «أنا أفصح العرب وإن أهل الجنة يتكلمون بلغة محمد صلى الله عليه وسلم» (¬1) وقد قال عمر: «ما لك أفصحنا، وقد خرجت من بين أظهرنا؟ قال: كانت لغة إسماعيل قد درست» أى متممات فصاحتها كما يدل عليه السياق والقرينة الخارجية «فجاءنى بها جبريل فحفظتها» (¬2) رواه أبو نعيم وروى العسكرى بسند ضعيف جدا: أنهم قالوا: نحن بنو أب واحد ونشأنا فى بلد واحد وإنك تكلم العرب بلسان ما نفهم أكثره فقال: إن الله أدبنى فأحسن تأديبى، ونشأت فى بنى سعد بن بكر» (¬3)، وروى الحاكم وصححه: «إن أهل الجنة يتكلمون بلغة محمد صلى الله عليه وسلم». 215 - (يسرد) أى لم يكن صلى الله عليه وسلم يستعجل ويوالى بين جمل كلامه بحيث يأتى بعضها ¬

215 - إسناده ضعيف وهو صحيح: فيه: حميد بن الأسود بن الأشقر البصرى: صدوق يهم (التقريب:1542). وأسامة بن زيد الليثى: صدوق يهم (التقريب:317). ورواه الترمذى فى المناقب (3639) بسنده ومتنه سواء، ورواه أحمد فى المسند (6/ 257)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 94)، كلاهما من طريق أسامة الليثى به نحوه، ورواه البخارى معلقا فى المناقب (3568)، وقال الحافظ: وصله الزهرى فى الزهريات عن أبى صالح، عن الليث، ومسلم فى فضائل الصحابة (2493)، وأبو داود فى العلم (3655)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 118،138)، كلهم من طرق عن يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة بلفظ: «أن رسول الله لم يكن يسرد الحديث كسردكم». (¬1) ذكره القاضى عياض فى الشفا (1/ 80)، وكذلك العجلونى فى كشف الخفاء (1/ 201)، وقال: أورده أصحاب الغرائب ولا يعلم من أخرجه ولا إسناده. اه‍. (¬2) ذكره الهندى فى كنز العمال (35462)، وعزاه للغطريفى فى جزئه (12/ 419). (¬3) ذكره الهندى فى كنز العمال (18673)، وعزاه لابن الجوزى فى الواهيات وقال: لا يصح (7/ 214).

ابن زيد، عن الزهرى، عن عروة، عن عائشة، قالت: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا، ولكنّه كان يتكلم بكلام بين فصل، يحفظه من جلس إليه». 216 - حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أبو قتيبة: سلم بن قتيبة، عن عبد الله ابن المثنى، عن ثمامة، عن أنس بن مالك، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاثا لتعقل عنه». ـــــــــــــــــــــــــــــ أثر بعض لأن ذلك يورث لبسا أى لبس على السامعين، بل كان يفصل بينهما بحيث لو أراد المستمع عدها أمكنه، وهذا أدعى لحفظه ورسوخه فى ذهن سامعه، سيما وهو صلى الله عليه وسلم مع هذا التأنى يوضح مراده ويبينه بيانا تاما حتى لا يبقى فيه شوبة. (فصل) إما بمعنى فاصل بين الحق والباطل، وإما بمعنى مفصول بعضه من بعض، والأول أبلغ والثانى أنسب بسياقها هذا، قيل: فيه إثبات سرد لكلماته ولقلة سرد الكلمات، واتصالها لا كسردهم. انتهى، وهو عجيب فإنها بينت مرادها بقوله ولكنه. . . إلخ التصريح فيه لما قررته أنه لم يكن فى كلامه اتصال يسمى به أصلا. 216 - (يعيد الكلمة) الصادقة بالجملة، أو الجمل على حد كلا أنها كلمة ونحو الكلمة مما لا يتنبه للفظه، أو لمعناه إلا بإعادته، أو أن ذلك محمول على ما إذا عرض للسامعين ما خلط عليهم فيعيده عليهم ليفهموه، أو على ما إذا كثروا، ولم يستيقن سماع جميعهم فيعيد ليسمعه الكل وتوقف بعضهم فى هذا بما ليس محلا للتوقف وقال: الكلام فيه محتاج لتوقيف، وقد علم بما قررته فيه أن مدلول اللفظ فلما يتوقف على توقيف، وإنما سبب توقف ذلك البعض أنه ذهب عنه أن الكلمة تطلق على ما مر ¬

216 - إسناده حسن، وهو صحيح: سلم بن قتيبة صدوق (التقريب 2472). رواه الترمذى فى المناقب (3640)، بسنده ومتنه سواء، ورواه الحاكم فى المستدرك (4/ 273)، من طريق عبد الله بن المثنى به فذكره نحوه، ورواه البخارى فى العلم (95)، من طريق ابن المثنى به فذكره وفيه «حتى تفهم عنه» بدل «لتعقل عنه» وهما سواء. قال المصنف: حسن صحيح غريب. وقال الحاكم: صحيح، وقال الذهبى: سوى قوله: «لتعقل عنه».

217 - حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلى، عن رجل من بنى تميم، من ولد أبى هالة زوج خديجة، يكنى أبا عبد الله، عن ابن لأبى هالة، عن الحسن بن على، قال: سألت خالى هند بن أبى هالة، وكان وصافا، قلت: «صف لى منطق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة. ليست له راحة. طويل السّكت، لا يتكلم فى غير حاجة، يفتح الكلام ويختمه باسم الله، ويتكلم بجوامع الكلم، كلامه فصل، لا فضول ولا تقصير، ليس بالجافى ولا بالمهين، يعظّم النّعمة وإن دقّت، لا يذمّ منها شيئا، غير أنّه لم يكن يذمّ ذواقا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدّنيا، ولا ما كان لها، فإذا تعدّى الحقّ لم يقم لغضبه شىء حتّى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفّه كلّها، وإذا تعجّب قلّبها، وإذا تحدث اتصل بها وضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه، جلّ ضحكه التبسّم. يفترّ عن مثل حبّ الغمام». ـــــــــــــــــــــــــــــ (ثلاثا) معمول لمحذوف أى يتكلم بها ثلاثا. (لتعقل عنه) أى لكمال هدايته وشفقته على أمته، وفى هذا وما قبله دليل على أنه يندب للمعلم أن يتأنى فى كلامه ويتحرى فى إيضاحه وبيانه ويعيده ثلاثا حتى يفهم عنه. 217 - (وصافا) أى للنبى صلى الله عليه وسلم لما علم من الرواية السابقة أوائل الكتاب. (متواصل الأحزان) وهذا وما بعده زيادة ما طلب منه وصفه ارتباطه وتعلقه ووضوح ما بينهما من المناسبة والملازمة كما تشغله وتواصل أحزانه صلى الله عليه وسلم لمزيد تعلقه واستغراقه فى شهود جلال الله وكبريائه، وذلك يستدعى دوام الصمت وعدم الراحة إذ من لازم اشتغال القلب انتفاؤها فقوله: (ليست له راحة) من لوازم ما قبلها صرح به للاهتمام به وتنبيها لما ينقل عنه وجعله بعضهم تأسيسا، فقال: لا يستريح لاشتغاله بالخيرات، وما ذكرته أوضح ¬

217 - إسناده ضعيف جدا: وقد تقدم برقم (7).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنسب وكذا قوله: (طويل السكت) بكسر أوله أى الصمت فهو من لوازم ما قبله وصرح به للتذكر. (لا يتكلم فى غير حاجة) عصمة أن ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى. (يفتح الكلام ويختمه باسم الله) ليكون كلامه محفوفا ببركة اسمه تعالى ومن ثمة بين ذلك لكل متكلم اتباعا له صلى الله عليه وسلم والمتصل له تلك البركة التامة أن المراد باسم الله فى الأول البسملة غالبا لندبها فى كل ذى بال غير ذكر وغير ما يجعله الشارع له ابتداء بغيرها كالأذان والصلاة وفى الآخرة الحمدلة، أو غيرها كالاستغفار وفهم بعضهم أن المراد باسم الله تعالى البسملة حتى فى الآخر فقال: لم يشتهر اختتام الأمور باسم الله، وهو غلط عجيب وفى نسخة: «بأشداقه» جمع شدق بكسر أوله، وهو طرف الفم أى أنه يستعمل جميع فمه فى التكلم، ولا يكتفى بأدنى تحرك للشفتين كما هو شأن المقصرين والمتكبرين. (ويتكلم بجوامع الكلم) أى بالكلمة القليلة الحروف الجامعة للمعانى الكثيرة بحيث يعجز الحصر عن استقصائها وقيل: هى القرآن. (فصل) أى فاصل بين الحق والباطل وآثره عليه لأنه أبلغ كعدل أبلغ من عادله. (لا فضول) أى زيادة فى كلامه على المحتاج إليه. (ولا تقصير) فيه عن أداء المراد، بل هو على غاية المطابقة لما اقتضاه المقام من إيجاز أو إطناب أو مساواة إذ هو شأن الفصيح، ولا أفصح منه بل لا مساوى له فى فصاحته صلى الله عليه وسلم، وقد جمع الناس من كلامه المفرد والموجز البديع الذى لم يسبقه إليه أحد دواوين كقوله «المرء مع من أحب»، «أسلم تسلم»، «وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين»، «السعيد من وعظ بغيره»، «ليس الخبر كالمعاينة» رواه أحمد، «المجالس بالأمانة» العقيلى، «الفأل موكل بالمنطق» (¬1) رواه جماعة، ولم يصب ابن الجوزى فى حكمه عليه بالوضع (¬2)، «أىّ داء أدوى من البخل» (¬3) البخارى، «لا ينطح ¬

(¬1) ذكره العجلونى فى كشف الخفاء (2/ 85)، وقال: ليس بحديث، وتقدم فى: أخذنا فألك من فيك، قلت: ذكره بعضا من الألفاظ المقاربة والواردة فى الفأل. انظر: كشف الخفاء (1/ 66، 67). (¬2) قلت: قد ورد فى الفأل أحاديث صحاح، لكن بغير هذا اللفظ منها: ما رواه البخارى فى الطب (5755)، باب الفأل (10/ 224)، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: «لا طيرة، وخيرها الفأل». قالوا: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: «الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم». (¬3) رواه البخارى فى فرض الخمس (3137)، وفى المغازى (4383)، والإمام أحمد فى مسنده (3/ 308)، وعبد الرزاق فى المصنف (20705)، والحاكم فى المستدرك (4/ 163).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها عنزان» أى: لا يقع فيها نزاع، «الحياء خير كله» (¬1)، «الخيل فى نواصيها الخير» (¬2)، «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (¬3)، «الحرب خدعة» (¬4)، «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب» (¬5)، «تنتفق عليها»، «يا خيل الله ¬

(¬1) رواه مسلم فى الإيمان (37)، وأبو داود (4796)، والإمام أحمد فى المسند (4/ 426،436، 440،442،445،446)، وابن أبى شيبة فى المصنف (8/ 335)، والبخارى فى التاريخ الكبير (3/ 30)، والطبرانى فى الكبير (18/ 171،202،205،222)، وفى المعجم الأوسط (1/ 85)، وابن عدى فى الكامل (3/ 892،945)، والعقيلى فى الضعفاء (2/ 201)، وأبو نعيم فى مسنده على مسلم (151)، والحلية (2/ 251)، (6/ 262). (¬2) رواه البخارى فى الجهاد (2849)، وفى المناقب (3624)، ومسلم فى الإمارة (1871)، والنسائى فى الجهاد (6/ 221،222)، وابن ماجه فى الجهاد (2787)، ومالك فى الموطأ (2/ 467)، والطيالسى فى مسنده (1844)، والإمام أحمد (2/ 13،28،49،57،101، 102،112). والبغوى فى شرح السنة (2644)، والبيهقى فى السنن (6/ 329). (¬3) رواه البخارى (6818)، ومسلم (1458)، والترمذى (1157)، والنسائى (6/ 180)، وابن ماجه (2006)، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، ورواه البخارى (2053)، ومسلم (1457) من حديث عائشة رضى الله عنها، ورواه ابن ماجه (2005)، والبيهقى (7/ 402)، من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ورواه ابن أبى شيبة فى المصنف (4/ 415)، وفى المسند بتحقيقنا (310)، من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه. (¬4) رواه البخارى فى الجهاد (3027،3028)، ومسلم فى الفتن (2918)، وأبو داود (2636)، والترمذى (1675)، وابن ماجه (2833)، وأحمد فى المسند (1/ 90) (2/ 312،314) (3/ 224،297،308) (6/ 387)، والحميدى فى مسنده (1237)، وابن أبى شيبة فى المصنف (12/ 529)، والبغوى فى شرح السنة (11/ 40)، (13/ 119)، وابن الجارود فى المنتقى (1051)، والطبرانى فى الكبير (3/ 83)، (5/ 149)، (11/ 300)، (18/ 53)، (19/ 43)، والبيهقى فى السنن (7/ 40)، (9/ 150)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 247). (¬5) رواه البخارى فى الأدب (6114)، ومسلم فى البر (2609)، وأحمد فى المسند (2/ 236، 268،517)، ومالك فى الموطأ (2/ 691)، وعبد الرزاق فى المصنف (20287)، والبغوى فى شرح السنة (13/ 159)، وفى مصابيح السنة (3963)، والطحاوى فى مشكل الآثار (1645)، والبيهقى فى السنن (10/ 235،341). فائدة: وقال أبو جعفر الطحاوى: ففى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الصرعة المستحق لهذا الاسم هو الذى يملك نفسه عند الغضب، فيصرعها بذلك عما تدعوه إليه من هواها، وليس ذلك عندنا-والله أعلم-بإخراج منه ذا القوة على صاحبه حتى يصرعه من أن يكون =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اركبى» (¬1) رواه جماعة، «كل الصيد فى جوف الفراء» وهو مرسل جيد والفراء بفتح الفاء حمار الوحش، «إياكم وخضراء الدمن المرأة الحسناء فى بيت السوء» (¬2) رواه جماعة، «لا يجنى جان إلا على نفسه» (¬3) أحمد وغيره، «استعينوا على الحاجات بالكتمان، فإن كل ذى نعمة محسود» (¬4) الطبرانى، «المستشار مؤتمن» (¬5) أحمد، وسيأتى عند المصنف، «الندم توبة» (¬6) الطبرانى، «الدال على الخير كفاعله» (¬7) العسكرى وغيره، ¬

= صرعة، إذا كان الذى يملك نفسه فيصرعها عما تريده منه من هواها فوق ذلك، ما استحق أن يكون هو الصرعة. وإن كان من سواه ممن ذكرنا صرعة أيضا اه‍، انظر: شرح مشكل الآثار (4/ 331،332) (¬1) ذكره الهندى فى الكنز (4363)، وعزاه لابن جرير الطبرى. وذكر العجلونى أيضا فى كشف الخفاء (2/ 379)، وقال: رواه أبو الشيخ فى الناسخ والمنسوخ عن عبد الكريم. قال: حدثنى سعيد بن جبير عن قصة المحاربين قال: كان ناس أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: نبايعك على الإسلام فذكر القصة وفيها: فأمر النبى صلى الله عليه وسلم فنودى فى الناس يا خيل الله اركبى فركبوا لا ينتظر فارس فارسا، وللعسكرى عن أنس فى حديث ذكره: فنادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خيل الله اركبى، وفى رواية له عن أنس أيضا: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لحارثة بن النعمان كيف أصبحت. . . الحديث. وعزاه أيضا لابن عائذ فى المغازى عن قتادة مرفوعا وكذا للبيهقى فى الدلائل (4/ 187)، وانظر: كشف الخفاء (2/ 379،380). (¬2) رواه الرامهرمزى فى الأمثال (84)، (ص 188)، وأورده أبو عبيد فى غريب الحديث (1/ 422)، وذكره العجلونى فى كشف الخفاء (1/ 272)، وقال: رواه الدار قطنى فى الأفراد، والرامهرمزى والعسكرى فى الأمثال، وابن عدى فى الكامل، والقضاعى فى مسند الشهاب والخطيب فى إيضاح الملبس، والديلمى من حديث الواقدى عن أبى سعيد مرفوعا وضعفوه. (¬3) رواه أحمد فى المسند (3/ 399)، والطبرانى فى الكبير (17/ 32) (¬4) رواه الجرجانى فى تاريخ جرجان (223)، والطبرانى فى الأوسط (2/ 149)، والعقيلى فى الضعفاء (2/ 109)، والخطيب فى التاريخ (8/ 57)، وأبو نعيم فى الحلية (6/ 96)، وابن عدى فى الكامل (3/ 1240). (¬5) رواه أحمد فى المسند (5/ 274)، وأبو داود (5128)، والمصنف (2822،2823)، وابن ماجه (3745،3746)، والدارمى (2/ 219)، وغيرهم. (¬6) رواه أحمد فى المسند (1/ 376،433)، وابن ماجه فى الزهد (4252)، والبغوى فى شرح السنة (1307)، والحميدى فى مسنده (105)، والحاكم فى المستدرك (4/ 243)، والبيهقى فى السنن (10/ 154)، وابن حبان (612،613،614)، وأبو نعيم فى الحلية (8/ 312). (¬7) رواه الطبرانى فى الكبير (6/ 230) (17/ 227،228)، وابن عدى فى الكامل (2/ 573)، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «حبك للشىء يعمى ويصم» (¬1) أبو داود وغيره، وهو حسن خلافا لمن زعم وضعه (¬2)، «لا ترفع عصاك عن أهلك أدبا» (¬3) أحمد، «من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه» (¬4) مسلم، «زر غبا تزدد حبا» (¬5) الطبرانى وغيره، «إنكم لن تشبعوا الناس بأموالكم ¬

= (3/ 1145)، (5/ 1744)، وأبو نعيم فى الحلية (6/ 266)، وفى أخبار أصفهان (1/ 334)، والخطيب فى التاريخ (7/ 383)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (1/ 166)، وعزاه لأحمد. وقال: فيه ضعيف ومع ضعفه لم يسم. وذكره أيضا فى (3/ 137)، وعزاه للطبرانى فى الأوسط، وقال: قال: الطبرانى: لا يروى عن سهل إلا بهذا الإسناد، قلت-أى الهيثمى-: وفيه من لم أعرفه. (¬1) رواه أبو داود (5130)، وأحمد فى المسند (5/ 194)، وعبد بن حميد فى المنتخب (205)، وأبو بكر بن أبى شيبة فى المسند (49)، بتحقيقى. (¬2) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/ 87)، وعزاه للطبرانى فى الكبير والأوسط وقال: «فيها أبو بكر بن أبى مريم وهو ضعيف»، قلت: وهو كذلك أبو بكر بن أبى مريم ضعيف جدا. (¬3) رواه الطبرانى فى الأوسط (1/ 44)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 322). وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (8/ 106)، وعزاه للطبرانى فى الأوسط والصغير وقال: فيه الحسن بن صالح بن حى وثقه أحمد وغيره وضعفه النووى وغيره وإسناده على هذا جيد. (¬4) ذكره البخارى فى ترجمة الباب رقم (10)، من كتاب العلم. ورواه مسلم (2699)، وأبو داود (3643)، والترمذى (2646)، وأحمد فى المسند (2/ 252،325،407)، وابن ماجه (225)، والدارمى فى سننه (1/ 99)، وابن أبى شيبة فى المصنف (8/ 541)، والبغوى فى شرح السنة (1/ 281،282)، والحاكم فى المستدرك (1/ 89)، والقضاعى فى مسند الشهاب (393،394)، وأبو خيثمة فى العلم (25)، وابن حبان فى صحيحه (84)، والخطيب فى تاريخ بغداد (12/ 114)، وابن عبد البر فى الجامع (44)، من حديث على بن أبى طالب مختصرا وتاما. (¬5) رواه الطبرانى فى الكبير (4/ 26)، وفى الأوسط (1/ 107)، والحاكم فى المستدرك (3/ 347)، (4/ 330)، وابن عدى فى الكامل (2/ 448)، (3/ 1006،1112،1138،1144)، (4/ 1424،1427)، والعقيلى فى الضعفاء (2/ 138،225)، (3/ 224)، (4/ 192)، والخطيب فى التاريخ (10/ 182)، (12/ 18،14،108)، وأبو نعيم فى الحلية (3/ 322)، وفى أخبار أصفهان (2/ 125،185،217)، وابن الجوزى فى العلل المتناهية (2/ 253، 254،255). وذكره الهيثمى فى الزوائد (8/ 175)، وقال: رواه البزار والطبرانى فى الأوسط-من حديث أبى هريرة-وقال: قال البزار: لا يعلم فيه حديث صحيح. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فشبعوهم بأخلاقكم» (¬1) أبو يعلى والبزار، «من شاد هذا الدين غلبه» العسكرى، «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه» (¬2) الحديث فى البخارى، «الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والفاجر من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأمانى» (¬3) صححه الحاكم، واعترض بأن فى سنده واهيا (¬4)، «الشتاء ربيع المؤمن قصر نهاره فصامه وطال ليله فقامه» البيهقى وغيره، «القناعة مال لا ينفذ وكنز لا يفنى» (¬5) الطبرانى وغيره، «الاقتصاد فى النفقة نصف المعيشة، والتودد للناس نصف العقل، وحسن ¬

= وأورده أيضا من حديث أبى ذر، وعزاه للبزار. وقال: فيه عويد بن أبى عمران وهو متروك، ومن حديث حبيب بن سلمة الفهرى، وعزاه للطبرانى فى معاجمه الثلاثة وفيه محمد بن مخلد الرعينى وهو ضعيف، ومن حديث عبد الله بن عمر للطبرانى فى الأوسط، وفيه ابن لهيعة وقال: حديث حسن، قلت: بل فى كلامه نظر، وبقية رجاله ثقات ومن حديث عبد الله بن عمرو للطبرانى وقال: إسناده جيد. انظر: مجمع الزوائد (8/ 175). (¬1) رواه أبو يعلى فى مسنده (6550)، وأبو نعيم فى الحلية (10/ 25)، والبزار فى مسنده (1977). وذكره الحافظ فى المطالب العالية (2539)، وعزاه لابن أبى شيبة فى مسنده، قلت: ليس فى المطبوعة بتحقيقنا وهو من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، وهو من المسانيد المفقودة. وكذا عزاه الحافظ لأبى يعلى فى مسنده، وأورده الحافظ الهيثمى فى مجمع الزوائد (8/ 22)، وعزاه لأبى يعلى والبزار، وقال: فيه عبد الله بن سعيد المقبرى وهو ضعيف. (¬2) رواه البخارى فى الإيمان (39)، والبغوى فى شرح السنة (935)، وفى مصابيح السنة (888). (¬3) رواه الإمام أحمد فى مسنده (4/ 124)، والطبرانى فى الكبير (7/ 338،341)، والبغوى فى شرح السنة (4/ 308،309)، وأبو نعيم فى حلية الأولياء، (1/ 267)، (8/ 174)، والخطيب فى التاريخ (12/ 50)، وابن عدى فى الكامل (2/ 472). (¬4) قلت: وتعقبه الذهبى بقوله: بأن فى سنده ابن أبى مريم وهو واه وانظر: كشف الخفاء للعجلونى (2/ 136). (¬5) قلت: ولم أقف عليه عند الطبرانى، ولا فى مجمع الزوائد، ورواه الشجرى فى الأمالى (2/ 198)، وابن عدى فى الكامل (4/ 1507)، وذكره العجلونى فى كشف الخفاء (2/ 102) وعزاه للطبرانى والعسكرى عن جابر وكذا عن القضاعى عن أنس، لكن بدون: وكنز لا يفنى، وقال الذهبى: وإسناده واه، والمشهور: القناعة كنز لا يفنى، وفى القناعة أحاديث كثيرة: منها ما رواه ابن عمر مرفوعا: «قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه. . .» إلخ. قلت: وقد صنف الحافظ ابن أبى الدنيا كتابا بعنوان «القناعة».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السؤال نصف العلم» (¬1) رواه كثيرون، وضعفه البيهقى، لكن له شواهد: «الاقتصاد نصف المعيشة، وحسن الخلق نصف الدين» (¬2) الطبرانى، «وخيرة السؤال نصف العلم، والرفق نصف المعيشة، وما عال امرؤ فى اقتصاد» العسكرى (¬3)، «لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكفّ، ولا حسب كحسن الخلق» (¬4) ابن حبان فى صحيحه والبيهقى، «التدبير نصف المعيشة، والتودد نصف العقل والهم نصف الهرم، وقلة العيال أحد اليسارين» (¬5) الديلمى، «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» (¬6) حديث حسن، وإن نازع ¬

(¬1) رواه الطبرانى فى مكارم الأخلاق (140)، والبيهقى فى شعب الإيمان (6568)، والقضاعى فى الشهاب (33)، وذكره السخاوى فى المقاصد الحسنة (140)، (ص 70)، وقال: رواه البيهقى فى الشعب والعسكرى فى الأمثال وابن السنى والديلمى من طريقه والقضاعى كلهم من حديث مخيس بن تميم عن حفص بن عمر، وضعفه البيهقى، ولكن له شاهد عند العسكرى من حديث خلاد بن عيسى عن ثابت عن أنس رفعه: الاقتصاد نصف العيش، وحسن الخلق نصف الدين، وكذا أخرجه الطبرانى وابن لال، ومن شواهده أيضا ما للعسكرى من حديث أبى بلال الأشعرى،. . . إلخ. وانظر: المقاصد (ص 70،71)، حديث أنس عند البيهقى فى الشعب (8061). (¬2) رواه الخطيب فى التاريخ (12/ 11)، والطبرانى فى مكارم الأخلاق (140)، وذكره الزبيدى فى الإتحاف (8/ 165)، وعزاه للعسكرى والطبرانى وابن لال من طريق خلاد بن عيسى عن ثابت عن أنس. انظر: الإتحاف (8/ 165). وانظر: تخريج الحديث السابق. (¬3) انظر: المقاصد الحسنة (ص 71)، والإتحاف (8/ 165) (¬4) رواه ابن حبان فى صحيحه (49)، وابن ماجه (4218)، وأبو نعيم فى الحلية (6/ 343)، وابن عدى فى الكامل (4/ 1413)، وأورده الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/ 283)، وعزاه للطبرانى فى الكبير وقال: فيه أبو رجاء الحنطى واسمه: محمد بن عبد الله وهو كذاب. (¬5) ذكره الزبيدى فى الإتحاف (8/ 165) وعزاه للديلمى فى الفردوس: وانظر: ما تقدم. (¬6) رواه أبو داود (3534)، والترمذى (1264)، وأحمد فى المسند (3/ 414)، والطبرانى فى الكبير (1/ 234)، (8/ 150)، وكذا فى الأوسط (1/ 171)، والبخارى فى التاريخ الكبير (4/ 360)، والطبرى فى التفسير، والبغوى فى شرح السنة (7/ 226)، (8/ 206)، والطحاوى فى مشكل الآثار (1831)، والخرائطى فى مكارم الأخلاق (30)، والحاكم فى المستدرك (2/ 46)، والدار قطنى فى سننه (3/ 35)، والبيهقى فى السنن الكبرى (10/ 271)، وأبو نعيم فى الحلية (6/ 132)، وفى أخبار أصبهان (1/ 269)، وابن عدى فى الكامل (1/ 354)، وابن الجوزى فى الواهيات (2/ 102،103). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه جمع، بل قال أحمد باطل، «النساء حبائل الشيطان» (¬1) الديلمى، «حسن العهد من الإيمان» (¬2) صححه الحاكم، «جمال المرء فصاحة لسانه» (¬3) رواه جماعة، «منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا» (¬4) له طرق حسنة (¬5) «لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعز من العقل، ولا وحشة أشد من العجب» (¬6) ابن ماجه «الذنب لا ينسى، والبر لا ¬

= وذكره فى مجمع الزوائد (4/ 145)، وعزاه للطبرانى فى الكبير والصغير من حديث أنس رضى الله عنه، وقال: ورجال الكبير ثقات وذكر الحديث الآخر بنحو ما ذكره المصنف، وعزاه للطبرانى من حديث أبى أمامة، وقال: فيه يحيى بن عثمان بن صالح المصرى، قال ابن أبى حاتم: تكلموا فيه. (¬1) ذكره العجلونى فى كشف الخفاء (2/ 315،316)، وعزاه للديلمى فى مسند الفردوس من حديث عقبة بن عامر. وقال أيضا فى (2/ 4): ورواه أبو نعيم عن ابن مسعود والديلمى عن عبد الله بن عامر وعقبة بن عامر فى حديث طويل مرفوعا. (¬2) رواه البخارى فى التاريخ الكبير (1/ 315)، وذكره السيوطى فى الدر المنثور (1/ 105)، وعزاه للبخارى فى التاريخ وللحاكم وقال: صححه من حديث عائشة رضى الله عنها وكذا ذكره الهندى فى الكنز (10937)، وعزاه للحاكم وذكره العجلونى فى كشف الخفاء (1/ 360)، وعزاه للحاكم والديلمى عن عائشة. . . فذكر الحديث. وقال: قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين وليس له علة، ورواه ابن عبد البر عن أبى عاصم. . وذكر حديثه. . . وقال: وروى البيهقى فى شعبه بسند غريب عن عائشة. . . الحديث وفيه: وإن حسن العهد من الإيمان. (¬3) ذكره العجلونى فى كشف الخفاء (1/ 333)، وقال: رواه القضاعى والعسكرى والخطيب عن جابر رضى الله عنه مرفوعا بلفظ: «جمال الرجل. . .» بدل «جمال المرء». (¬4) رواه الدارمى فى سننه (1/ 96)، وعبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد (ص 264)، وأبو بكر بن أبى شيبة فى المصنف، (8/ 541)، والبزار فى مسنده (163 كشف الأستار)، والطبرانى فى الكبير (11/ 76،77) (11195) من حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما. ورواه الحاكم فى المستدرك (1/ 92)، والبيهقى فى الشعب (10279)، وابن عدى فى الكامل (6/ 296)، وابن الجوزى فى الواهيات (113) من حديث أنس رضى الله عنه. (¬5) قلت: الحديث فى طرق إسناده ضعف، وهو صحيح بشواهده، وخرجنا منها عن عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك كلاهما مرفوعا. رواه أيضا عبد الله بن مسعود رضى الله عنه عند الطبرانى فى الكبير (10/ 223)، (10388)، والقضاعى فى مسنده (322)، وابن الجوزى فى الواهيات (111). قلت: فقد حسنه المصنف بمجموع طرقه (الضعيفة). (¬6) رواه الطبرانى فى الكبير (3/ 68)، وأبو نعيم فى الحلية (2/ 36). ذكره الهيثمى فى مجمع =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يبلى، والديان لا يموت، فكن كيف شئت» (¬1) الديلمى، «ما جمع إلى شىء أحب من علم إلى علم» (¬2) العسكرى، «وأفضل الإيمان التحبب إلى الناس ثلاث-من لم تكن فيه فليس منى، ولا من الله-: حلم يرد به جهل الجاهل، وحسن الخلق يعيش به فى الناس، وورع يحجزه عن معاصى الله» العسكرى، «كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعد نفسك من أهل القبور» (¬3) البيهقى وغيره، «صنائع المعروف تقى مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد فى العمر» (¬4) سنده حسن، «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» (¬5)، مسلم «إن الدنيا عرض حاضر يأكل فيها البر والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق ¬

= الزوائد (10/ 283)، وعزاه للطبرانى من حديث طويل عن الحارث أن الحسن سأل عليا. . . الحديث وقال فيه: أبو رجاء الحنطى واسمه محمد بن عبد الله وهو كذاب. (¬1) ذكره العجلونى فى كشف الخفاء (2/ 183) وعزاه للديملى فى مسند الفرودس. (¬2) ذكره العجلونى فى كشف الخفاء (2/ 185)، وعزاه للعسكرى عن على بزيادة. . . وذكر نحوه عن ابن السنى وأبى الشيخ. وأورده الهيثمى فى مجمع الزوائد (1/ 121)، وعزاه للطبرانى فى الأوسط والصغير من حديث على رضى الله عنه، من رواية حفص بن بشير عن حسن بن الحسين بن يزيد العلوى عن أبيه ولم أر من ذكر أحدا منهم. (¬3) رواه البخارى (6416)، والترمذى (2333)، وابن ماجه (4114)، وأحمد فى المسند (2/ 24) (3/ 41)، والبغوى فى شرح السنة (14/ 231)، والطبرانى فى الكبير (12/ 399، 418)، وفى الأوسط (1/ 30)، وابن حبان فى صحيحه (698)، والبيهقى فى سننه (3/ 369)، وأبو نعيم فى الحلية (1/ 313)، (3/ 301)، والخطيب فى التاريخ (4/ 96)، (13/ 473). (¬4) رواه الطبرانى فى الكبير (8/ 312)، والقضاعى فى الشهاب (101،102)، من حديث أبى أمامة، وأم سلمة وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (3/ 115)، وقال: رواه الطبرانى فى الكبير وإسناده حسن (من حديث أبى أمامة). وذكره أيضا من حديث أم سلمة وعزاه للطبرانى فى الأوسط، وقال: فيه عبيد الله بن الوليد الوصافى وهو ضعيف. وأورده السيوطى فى الدر المنثور (2/ 235)، وعزاه للحاكم من حديث أنس رضى الله عنه. (¬5) رواه مسلم فى البر والصلة (2588)، وأحمد فى المسند (2/ 235،386)، والبيهقى فى السنن (10/ 235)، (4/ 187)، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يحكم فيها ملك عادل قادر يحق فيها الحق، ويبطل الباطل فكونوا أبناء الآخرة، ولا تكونوا أبناء الدنيا، فإن كل أم يتبعها ولدها» أبو نعيم، «اليمين حنث لو ندم» (¬1) أبو يعلى وغيره، «لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك» (¬2) الترمذى، «من يضمن لى ما بين لحييّه، وما بين رجليه أضمن له الجنة» (¬3) البخارى، ومن جوامعه أنه جمع متفرقات الشرائع فى أربعة أحاديث: «إنما الأعمال بالنيات» (¬4)، «البينة على المدعى واليمين على من أنكر» (¬5)، «لا يكمل إيمان المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (¬6) الشيخان، «الحلال بين والحرام بين» (¬7) مسلم. (ليس بالجافى) أى القديم البر، بل بره عام للأقارب والأجانب إذ هو رحمة مهداة وَماأَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (¬8). (ولا بالمهين) المحتقر المبتذل، بل كان يغشاه من أنوار الوقار والمهابة والجلالة ما ترتعد به فرائص الجبابرة وتخضع عند رؤيته جفاة ¬

(¬1) رواه أبو يعلى فى مسنده (5587)، وابن ماجه فى الكفارات (2103)، والبخارى فى التاريخ الكبير (2/ 129)، والحاكم فى المستدرك (4/ 303)، والبيهقى فى السنن (10/ 30) (1169، 1170)، وابن حبان فى صحيحه (4356)، والقضاعى فى الشهاب (260،261). (¬2) رواه الترمذى (2506)، والبغوى فى شرح السنة (13/ 141)، والخطيب فى التاريخ (9/ 96). (¬3) رواه البخارى فى الرقاق (6474)، والبيهقى فى السنن (8/ 166)، والبغوى فى مصابيح السنة (3741)، من حديث سهل بن سعد رضى الله عنه. (¬4) رواه البخارى (1)، (54)، (2529)، (3898)، (5070)، (6689)، (6953)، ومسلم (1907)، والترمذى (1647)، وأبو داود (2201)، والنسائى (1/ 58)، (6/ 158)، (7/ 13)، وابن ماجه (4227)، وأحمد فى المسند (1/ 25)، والحميدى فى مسنده (28)، والبغوى فى شرح السنة (1/ 401)، والبيهقى فى السنن (1/ 41،215،298)، (2/ 14)، (6/ 331)، (7/ 341)، والخطيب فى التاريخ (4/ 244)، (6/ 153)، (9/ 326)، وأبو نعيم فى الحلية (6/ 342)، (8/ 42)، وفى أخبار أصبهان (2/ 15،227)، وأبو الفتوح الطائى فى (الأربعين) بتحقيقنا ط العلمية بيروت. (¬5) رواه الترمذى فى الأحكام (1341)، والدار قطنى فى سننة (4/ 218)، والبيهقى فى السنن (10/ 256)، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه. (¬6) رواه البخارى فى الإيمان (13)، ومسلم (45)، والترمذى (2515)، والنسائى (8/ 115، 125)، وابن ماجه (66)، والدارمى (2/ 307)، بألفاظ متقاربة عن أبى هريرة رضى الله عنه. (¬7) رواه البخارى فى الإيمان (52)، وفى البيوع (2051)، ومسلم فى المساقاة (1599). (¬8) سورة الأنبياء: آية (107).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعراب، وذل لعظمته عظاء الملوك. (يعظم النعمة) الظاهرة والباطنة الدنيوية والأخروية. (وإن دقت) أى صغرت: قلت. (ولا يذم منها شيئا) عنده من كمال شهوده وعظمة النعم المستلزم لعظم النعمة بسائر أنواعها (غير) تأكيد للمدح على حد بيد أنى من قريش (ذواقا) فعال بمعنى مفعول من الذوق أى: متذوقا مأكولا كان أو مشروبا، لأن ذمه شأن المتكبرين، والاعتناء بمدحه شأن ذوى الشرة والنهمة والحرص (ولا تغضبه الدنيا) الزائلة الفانية عنده حتى يؤثرها على الكمالات الباقية، وهو صلى الله عليه وسلم معصوم من ذلك منزه عنه. وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مامَتَّعْنابِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ اَلْحَياةِ اَلدُّنْيالِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (¬1) وكيف تغضبه وهو (ما كان خلق لها) أى للتمتع بلذاتها وشهواتها، بل لهداية الضالين، وإرشاد المسترشدين وتكميل من لا غناء له عن الكمال، والشقاء فيمن استحق العقاب والنكال. (لم يقم لغضبه شىء) أى لم يقاومه شىء، لأنه إنما كان يغضب للحق وهو لا قدرة للباطل على مقاومته بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى اَلْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذاهُوَ زاهِقٌ (¬2)، (لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها) لأنه لم يبق فيه حظ من حظوظها وشهواتها وإرادته، وإنما تحصنت حظوظه وأعراضه وإرادته لله سبحانه فهو قائم بها يمتثل لما أمر به فيها. خُذِ اَلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ اَلْجاهِلِينَ (¬3). (وإذا أشار) إلى شىء إنسان وغيره. (أشار) إليه (بكفه كلها) ولا يقتصر على الإشارة إليه ببعضها، لأنه شأن المتكبرين والمختالين، قيل: ولأن إيثار بعض الأصابع بالإشارة به دون بعض، فيه مزيد مؤنة لا يحتاج إليها. انتهى. وفيه ما فيه (قلبها) أى إلى ظاهرها بأن يجعل باطنها أعلى كما هو شأن كل متكبر متعجب وطبعه وبين بذلك المراد من أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى ضد التعجب، على خلاف المعتاد فيه، من قلب الكفّ، كما ذكر من غير أن يزيد على ذلك بكلام، أو غيره، لأن القصد إعلام الحاضرين تعجبه من الشىء، وهو حاصل بمجرد قلب كفه، أو من الهيئة التى كانت عليها حالة التعجب، سواء كانت إذ ذاك إلى ظاهرها وباطنها وكأن حكمة قلبها الإشارة إلى تقلب ذلك الأمر المتعجب منه وتغيره إلى الحال الأكمل ببركته صلى الله عليه وسلم (وإذا تحدث اتصل) حديثه المفهوم من (تحدث بها) ¬

(¬1) سورة طه: آية (131). (¬2) سورة الأنبياء: آية (18). (¬3) سورة الأعراف: آية (199).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أى بكفه، بمعنى أن حديثه يقارن تحريكها ثم بين ذلك التحريك المقارن للحديث بقوله: (وضرب براحته اليمنى باطن إبهامه) وكان هذا عادتهم أن الإنسان عند حديثه يحرك يمينه (ويضرب بها بطن إبهام يسراه) وكان حكمة ذلك أن فى تحريك اليمين مع الحديث وضرب الإبهام بها اعتناء بذلك الحديث، ودفع ما يعرض للنفس من الفتور عنه بذلك التحريك والضرب، ونظيره ما يعتاده كثيرون من مزيد التحريك جدتهم كله عند قراءة القرآن لدفع ذلك الفتور، أو لما يجدونه من أريحته نحو القرآن ولذته، وحكمة تحريك اليمين كلها والاكتفاء من اليسار بضرب باطنها إعمال كل الأشرف، ليدل على مزيد الاعتناء بذلك الحديث، والاكتفاء من غير الأشرف ببعضه، وخص بطن الإبهام، لأنه أقرب إلى العروق المتصلة بالقلب المقصود ولم يقطنه، واستحضاره لتتميم الحديث وتصنيفه، وهذا الذى قررته فى هذا المحل هو ما ظهر لى، ولعله أولى وأحسن مما قاله غيرى من الأراء البعيدة المتكلفة، منها قول بعضهم: وإذا تحدث اتصل بها يعنى إذا تحدث اتصل بطن (¬1) إبهامه بكفه ففى قوله اتصل ضمير راجع إلى بطن إبهامه اليسرى والتركيب من قبيل تنازع الفعلين فى الفاعلية والمفعولية مع إعمال الثانى وإضمار الأول، ومنها قول آخر: الباء فى «بها» للتعدية وحذف المفعول بواسطة إلى، أى أوصل كفه إليه أى: إلى بطن إبهامه اليسرى، ومنها قول آخر: فى هذا التركيب حزازة، لأن المقصود إيصال الراحة اليمنى إلى بطن إبهامه اليسرى، ويجعل ضربها إلى الكف لا يحصله هذا المعنى إلا بمزيد تكلف، ومنها قول آخر: اللائق بهذا المقصود جعل ضمير بها إلى راحته اليمنى ويلزم عليه الإضمار قبل الذكر وهو ممتنع، ومنها قول آخر منهم: من ضرب بطن إبهامه اليسرى براحته اليمنى الاتصال المذكور بلا حفاء فيلغى قوله اتصل بها ويكفى وإذا تحدث ضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى، ومنها الجواب عن هذا الاعتراض: بأن الاتصال مستمر والضرب أحيانا، هذا حاصل ما رأيته للمتكلمين فى هذا المحل بحسب آرائهم فقط وكله غير مقبول، لأن منه ما هو بعيد عن اللفظ، بل لا يناسبه وما هو بعيد عن المعنى، وما هو خارج عن أسلوب الفصاحة وقوانين البلاغة فتأمل ذلك وحقق النظر فيه ليظهر لك صحة ما ذكرته إن شاء الله تعالى، ومع ذلك ففوق كل ذى علم عليم جعلنا الله ممن امتن عليه بحقائق العلوم بمنه وكرمه (وإذا غضب أعرض) [وعفى ¬

(¬1) فى ش [بعض].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه] (¬1) بظاهره وباطنه لقوله تعالى وَأَعْرِضْ عَنِ اَلْجاهِلِينَ (وأشاح) أى زاد فى الإعراض والعفو والصفح فقابله بالجميل وتقنع من الرد والتأدب معه بالقليل (وإذا فرح غض طرفه) أى أطرفه، لأن الفرح لا يستخفه ولا يحركه ولا يجعله متكلما، وإنما غاية تأثيره فى ذلك الغض. (جل ضحكه) أى أكثره (التبسم) يأتى الكلام عليه فى الباب بعده، وغير مخل لأنه ربما ضحك حتى بدت نواجذه كما يأتى (يفتر) من أفتر بفاء ففوقية: ضحك ضحكا حسنا (عن مثل حب الغمام) وهو البرد الذى على هيئة اللؤلؤ شبه أسنانه صلى الله عليه وسلم فى بياضه وصفائه، وقيل: حب الغمام اللؤلؤ نفسه لأنه يحصل من الغمام كالبرد، ورد: بأنه مخالف للغة. ... ¬

(¬1) الزيادة من [ش].

35 - باب: ما جاء فى ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم

35 - باب: ما جاء فى ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم 218 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا عباد بن العوام، أخبرنا الحجاج-وهو ابن أرطأة-عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، قال: «كان فى ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم حموشة، وكان لا يضحك إلا تبسّما، فكنت إذا انظرت إليه قلت: أكحل العينين، وليس بأكحل». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) 218 - (حموشة) بضم أوله المعجم أى دقه، ودقتها مما يتمدح به وقد أكثر أهل القافية من ذكر مما يبين ذلك وفوائده. (لا يضحك) أى فى أكثر أحواله لرواية: «جل ضحكه» السابقة، ولا ينافيه رواية البخارى عن عائشة: «ما رأيته مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى لهواته» (¬1) إنما كان يتبسم، لأن معناه ما رأيته مستجمعا من جهة الضحك، بحيث يضحك ضحكا تاما مقبلا بكليته عليه، واللهوات بفتح اللام جمع لهات، وهى اللحمة التى بأعلى الحنجرة من أقصى الفم «إلا تبسما» جعله من الضحك مجازا، إذ هو مبدأه فهو كجعل السّنة من النوم بمعنى فتبسم ضاحكا أى: شارعا فى الضحك، إذ هو انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور إن كان بصوت وكان بحيث يسمع من بعيد فهو القهقهة، وإلا فالضحك، وإن كان بلا صوت فهو التبسم، وقد يرد على ذلك قول القاموس: الضحك: التبسم، وفسر الضحك بما يبدو فيه جميع الأسنان والأربع من الأضراس والثنايا كذا قاله شارح، وهو عجيب، والذى فى القاموس تبسم يتبسم تبسما وابتسم وتبسم، وهو أقل الضحك وأحسنه انتهى، وهو موافق لما تقرر، لأنه يرد عليه، لأن مراده بكونه أقله أنه مبتدأه وبكونه أحسنه، لأنه ليس فيه رفع صوت، ولا ¬

218 - إسناده ضعيف: فيه: الحجاج بن أرطأة: صدوق كثير الخطأ والتدليس وقد عنعنه [التقريب 1119). رواه الترمذى فى المناقب (3645)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أحمد فى المسند (5/ 105)، وعبد الله بن أحمد فى زوائد المسند (5/ 97،105)، والحاكم فى المستدرك (2/ 606)، والبيهقى فى دلائل النبوة (1/ 212)، كلهم من طرق عن الحجاج بن أرطأة به فذكره نحوه. (¬1) رواه مسلم فى صلاة الاستسقاء (899)، والحاكم فى المستدرك (456) (2/ 495).

219 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة، عن عبيد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن الحارث بن جزء، قال: «ما رأيت أحدا أكثر تبسّما من رسول الله صلى الله عليه وسلم». 220 - حدثنا أحمد بن خالد الخلال، حدثنا يحيى بن إسحاق السيلحانى، حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبى حبيب، عن عبد الله الحارث، قال: «ما كان ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسّما». ـــــــــــــــــــــــــــــ بدو للأسنان، وقوله وفسر الضحك. . . إلخ لم أره فى النسخة التى عندى. (فكنت) يصح ضم التاء وفتح الفاء فيه وفيما بعده (قلت: أكحل) من الكحل محركا وهو أن يعلو منابت الشعر سواد خلقى، أو أن يسود مواضع الكحل ذكره فى القاموس، والأول هو المشهور. (وليس بأكحل) حقيقة وإنما يظن به عند ابتداء الرؤية والنفى باعتبار الحقيقة ويؤخذ من ذلك أن اسوداد العين بحيث يوهم أنه أكحل أشرف من حقيقة الكحل، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يعطى إلا الأفضل مطلقا وقوله «وليس» آه يبنى على المذهبين المشهورين فى ليس فعلى ما عليه الأكثرون: أنها لنفى الحال تكون هنا لحكاية الحال الماضية، وعلى ما عليه الأقلون: أنها لمطلق النفى تكون هنا كذلك. 219 - (جزء) بجيم مفتوحة فزاى ساكنة فهمزة. (أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أى تبسمه أكثر من ضحكه بخلاف سائر الناس، فإن ضحكهم أكثر من تبسمهم وح، فلا ينافى هذا ما مر أنه كان متواصل الأحزان، وأنه كان متواصلها باطنا وفيما يبدو من ظاهره كان يكثر التبسم للناس تألفا لهم. 220 - (الخلال) بالمعجمة. (السيلحانى) نسبة لسيلحون قرية بفتح أو كسر أوله ¬

219 - إسناده ضعيف [وهو صحيح]: فيه: عبد الله بن لهيعة، مدلس وقد عنعن. رواه الترمذى فى المناقب (3641)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أحمد فى مسنده (4/ 190، 191)، من طريق ابن لهيعة به فذكره. 220 - إسناده صحيح: رواه المصنف فى المناقب (3642)، بسنده ومتنه سواء، وقال: حديث صحيح غريب. قلت: وهو مما تفرد به المصنف فيما أعلم.

221 - حدثنا أبو عمار: الحسين بن حريث، حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبى ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّى لأعلم أول رجل يدخل الجنة، وآخر رجل يخرج من النّار. يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، تخبأ عنه كبارها. فيقال له: عملت يوم كذا كذا وكذا. وهو يقرّ لا ينكر وهو مشفق من كبارها. فيقال: أعطوه مكان كل سيّئة عملها حسنة فيقول: إنّ لى ذنوبا ما أراها هاهنا». قال أبو ذرّ: «فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتّى بدت نواجذه». ـــــــــــــــــــــــــــــ المهملة فتحتية فلام مفتوحة فمهملة. (إلا تبسما) مر أن الحصر فيه إضافى لا حقيقى، لما صح أنه صلى الله عليه وسلم ضحك فى بعض الأوقات حتى بدت نواجذه. (ليث) أى أن غرابته شك من تفرد الليث به الجمع على جلالته وإمامته، فهى غرابة فى السند لا تنافى الصحة. 221 - (عن أبى ذر) جنادة بضم الجيم وتخفيف النون (لأعلم) أى بالوحى وهو ظاهر. (يؤتى بالرجل) أى الذى هو أول من يدخل الجنة، أو آخر خارج من النار، قيل: إن أول داخل الجنة النبى صلى الله عليه وسلم وعليه فلا يصح أن يراد بالرجل أول داخل لأنه صلى الله عليه وسلم لا ذنب له ويحتمل وهو الظاهر أن تكون هذه قضية أخرى فهى استئناف لا تعلق لها بما قبلها ثم رأيت شارحا جزم به، (اعرضوا) يؤخذ من قوله الآتى ما أراها هنا أن المعروض هو صحائف الأعمال. (وتخبأ) عطف على «فيقال» فاندفع ما قيل فيه عطف خبر على إنشاء توهما من غير تأمل أنه عطف على اعرضوا، إذ يلزمه أن يكون من مقول القول وهو فاسد كما هو واضح على أنه يحتمل أن هذا خبر بمعنى الأمر أى فيقال للملائكة: اعرضوا وخبئوا عنه ذلك ويخفى. (عنه كبارها) أى الذنوب للحكمة ¬

221 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى صفة جهنم (2596)، بسنده ومتنه سواء، ورواه الإمام مسلم فى الإيمان (190)، وأحمد فى مسنده (5/ 188)، وأبو نعيم فى مسنده على مسلم (471)، ثلاثتهم من طرق عن وكيع به فذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الآتية. (مشفق) أى خائفا لتعديه بمن وأما التعدى بعلى فهو بمعنى الرأفة والحنو. (أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة) أى لتوبته النصوح أو لكثرة طاعاته أو لغير ذلك مما يعلمه الله. «فيقول. . .» إلخ أن ما قال ذلك مع أنه كان مشفقا من الصغار فكيف بالكبار، لأنه لما قوبلت صغائره بالحسنات طمع أن يقابل كبائره بها أيضا فزاد رجاؤه فسأل لتتم عليه النعمة، فمن أجل هذا الطمع الدال على سعة فضل الله ورحمته. (ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه) بالمعجمة أى أضراسه وقيل: أربع آخر الأسنان كل منها يسمى ضرس العقل، لأنه لا ينبت إلا بعد البلوغ، وقيل: أنيابه، وقيل: ضواحكه، وفى القاموس: هى أقصى الأسنان أو الأنياب، أو التى تلى الأنياب أو الأضراس قيل: ضحكه إلى أن يبدو أواخر أسنانه بعيد من شيمته، فلذا قيل: المراد المبالغة فى كون ضحكه هذا فوق ما كان يصدر عنه، ويؤيد قول الصحاح يقال: ضحك حتى بدت نواجذه إذا أسفرت منه، وفيه دليل على أن الضحك فى مواطن التعجب سيما ما هو فى مثل تعجبه صلى الله عليه وسلم لا يكره ولا يخرم المروءة إذا لم يتجاوز به الحد المعتاد، ولا ينافى هذا ما مر عن عائشة لأنها إنما نفت رؤيتها، وأبو ذر راوى هذا الحديث أخبر بما شاهده والمثبت مقدم على النافى والحاصل من مجموع الأحاديث كما قاله بعض محققى المتأخرين من المحدثين أنه صلى الله عليه وسلم كان فى أغلب أحواله لا يزيد على التبسم، ربما يزيد على التبسم ذلك فضحك، والمكروه من ذلك إنما هو الإكثار منه والإفراط فيه؛ لأنه يذهب الوقار. قال بعضهم: والذى ينبغى أن يقتدى به من أفعاله ما واظب عليه من ذلك وروى البخارى فى الأدب المفرد وابن ماجه: «لا تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب» (¬1)، ومرّ «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحك يتلألأ كالبدر» (¬2) بضم أوليه أى يشرق نوره عليها إشراقا كإشراق الشمس عليها، واعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان محفوظا من التثاؤب كما فى تاريخ البخارى ومصنف ابن أبى شيبة، زاد الثانى أن ذلك عامّ فى الأنبياء. ¬

(¬1) رواه الترمذى فى الزهد (2305)، باب: من اتقى المحارم فهو أعبد الناس (4/ 551)، وكذلك ابن ماجه فى الزهد (4193)، باب الحزن والبكاء (2/ 1403)، وقال أبو عيسى: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان، والحسن لم يسمع من أبى هريرة شيئا. (¬2) سبق تخريجه.

222 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا زائدة، عن بيان، عن قيس بن أبى حازم، عن جرير بن عبد الله، قال: «ما حجبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآنى إلا ضحك». 223 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا زائدة، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس، عن جرير، قال: «ما حجبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا رآنى منذ أسلمت إلا تبسم». 224 - حدثنا هناد بن السرى، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة السلمانى، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ـــــــــــــــــــــــــــــ 222 - (ما حجبنى) منعنى من الدخول عليه فى الأوقات التى يدخل عليه فيها خواص أصحابه وخدمه. (ولا رآنى) أى (منذ أسلمت) إذ المحذوف الثانى لدلالة الأول كثير، ومذهبنا أن القيد يرجع إلى الجمل المتقدمة عليه والمتأخرة عنه، وأوّل ذلك شارح بما لا يقبله طبع سليم. (إلا ضحك) أى تبسم كما فى الرواية الآتية الموافقة للبخارى، وأراد بذلك إظهار خصوصيته صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يشهد فيه من مشاهد الفضل والرحمة المقتضى لفرحه المستلزم لتبسمه. قُلْ بِفَضْلِ اَللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا. (¬1) 224 - (عبيدة) بفتح فكسر. (زحفا) هو المشى على الأست مع إشرافه بصدره، ¬

222 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى المناقب (3820)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى مناقب الأنصار (3822)، ومسلم فى الفضائل (2475)، كلهم من طريق بيان به فذكره. 223 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى المناقب (3821)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الجهاد والسير (3035)، وكذا فى الأدب (6089)، ومسلم فى الفضائل (2475)، وأحمد فى مسنده (4/ 358،362،363)، وابن ماجه فى المقدمة (159)، وأبو بكر بن أبى شيبة فى المصنف (12/ 152)، جميعهم من طريق زائدة به فذكره. (¬1) سورة يونس: آية (58). 224 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى صفة جهنم (2595) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الرقاق (6571) -

«إنّى لأعرف آخر أهل النّار خروجا، رجل يخرج منها زحفا. فيقال له: انطلق فادخل الجنة. قال: فيذهب ليدخل. فيجد النّاس قد أخذوا المنازل، فيرجع. فيقول: يا ربّ قد أخذ النّاس المنازل. فيقال له: أتذكر الزمان الذى كنت فيه. فيقول: نعم. فيقال له: تمنّ. قال: فيتمنّى. فيقال له: فإنّ لك الّذى تمنيت، وعشرة أضعاف الدّنيا. قال: فيقول: أتسخر بى وأنت الملك؟ قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضحك حتّى بدت نواجذه». 225 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو الأحوص، عن أبى إسحاق، عن على ابن ربيعة قال: «شهدت عليا رضى الله عنه أتى بدابة ليركبها، فلمّا وضع رجله فى الركاب ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى رواية: «حبوا» وهو المشى على اليدين والرجلين والركبتين، أو والمقعد ولا تنافى، لأن أحدهما قد يراد به الآخر، أو أنه يزحف تارة ويحبو أخرى. (أتذكر. . .) إلخ أى: تقيس زمنك هذا الذى أنت فيه بزمنك الذى كنت فيه فى الدنيا، إن الأمكنة إذا امتلأت بالساكنين، لم يكن للآتى مكانا فيها، بل لم يك مع امتلائها لساكن كثيرة، والفرق أن تلك دار ضيق ومحنة وهذه دار سعة ومنة. (أتسخر منى) فأصدر منه هذا على جهة المندهش لما ناله من السرور، وسارع بما لا يخطر بباله فلم يكن ح ضابطا لما قال، ولا عالما بما يترتب عليه بل جرى على عادته فى مخاطبة المخلوق، فهو كمن قال صلى الله عليه وسلم فى حقه أنه لم يضبط نفسه فى الفرح فى الدعاء فقال: أنت عبدى وأنا ربك، وفى رواية: «أتسخر بى» والأولى أفصح وأشهر. 225 - (شهدت عليا) حضرته. (بدابة) أصلها لغة ما يدبّ على وجه الأرض، ثم ¬

224 - وفى التوحيد (7511)، ومسلم فى الإيمان (186)، وابن ماجه فى الزهد (4339)، وأحمد فى المسند (5/ 202)، والطبرانى فى الكبير (10339)، (10340)، وابن خزيمة فى صحيحه (ص 317،318)، وابن حبان فى صحيحه (7427)، وابن منده فى الإيمان (844)، والبغوى فى شرح السنة (4356)، وأبو نعيم فى المسند على مسلم (465)، (466)، كلهم من طرق عن إبراهيم به فذكره نحوه. 225 - صحيح: رواه الترمذى فى الدعوات (3446)، بسنده ومتنه سواء، رواه أبو داود فى الجهاد (2602)، =

قال: بسم الله. فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله. ثمّ قال: سبحان الذى سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنّا إلى ربنا لمنقلبون». ثم قال: الحمد لله، ثلاثا. والله أكبر، ثلاثا. سبحانك إنّى ظلمت نفسى فاغفر لى، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلا أنت. ثم ضحك. فقلت: من أى شىء ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت، ثمّ ضحك. فقلت: من أى شىء ضحكت يا رسول الله؟ قال: إن ربّك ليعجب من عبده إذا قال: ربّ اغفر لى ذنوبى، يعلم أنّه لا يغفر الذّنوب أحد غيرى». ـــــــــــــــــــــــــــــ خصصها العرف العام بذوات الأربع. (بسم الله) قيل: كأنه مأخوذ من قول نوح لما أراد أن يركب السفينة. «بسم الله» إلخ انتهى، وليس فى محله؛ لأن عليا رضى الله عنه نقل ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم وبين أنه تأسى فى ذلك فكيف مع ذلك يقال كأنه مأخوذ. . . إلخ. (الحمد لله) أى على هذه النعمة العظيمة، وهو بتسيير الدابة وتسخيرها للركوب، ويؤيده ذكر الذى إلخ. تنبيها على سر قوله لك هنا المتأيد به ما ذكرته بقولى؛ وكان إلخ. (سبحان) تنزيه من أن يكون له شريك فى ملكه، وكان وجه مناسبته أن تسخير الدواب لنا نعمة عظيمة لا يقدر عليها غير الله كمناسب شهود تنزيه عن شريك حينئذ. وقيل: إنه تنزيه عن الاستواء الحقيقى على العرش المذكور به الاستواء على الدابة. (مقرنين) مطيقين لولا تسخيره. (منقلبون) لراجعون إلى الدار الآخرة وناسب ذكره لأن الدابة سبب من أسباب التلف والهلاك إذ كثيرا ما يسقط راكبها عنها فيندق عنقه، فكان شهود الراكب للموت وقد اتصل به سبب من أسبابه حاملا له على تقوى الله فى ركوبه ومسيره. (ثلاثا) أى كرر الحمد ثلاثا لعظمة تلك النعمة التى لا يقدر عليها غير الله سبحانه، والتكبير كذلك لمزيد إعظام الله وتنزيهه. (سبحانك) زاد فى تكريره توطئة لما ¬

= وأحمد فى المسند (1/ 97،115،128)، وابن السنى فى عمل اليوم والليلة (497)، والحاكم فى المستدرك (2/ 98)، كلهم من طرق عن أبى إسحاق السبيعى به فذكره. قال أبو عيسى: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى، ورواه محمد بن فضيل فى الدعاء (56)، ثنا الأجلح، عن أبى إسحاق عن الحارث، عن على مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد ضعيف، فيه الحارث بن عبد الله الأعور، وهو ضعيف.

226 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصارى، حدثنا ابن عون، عن محمد بن محمد بن الأسود، عن عامر بن سعد قال: قال سعد: «لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك يوم الخندق حتّى بدت نواجذه. قال: قلت: كيف؟ قال: كان رجل معه ترس، وكان سعد راميا، وكان يقول كذا وكذا بالتّرس، يغطّى جبهته، فنزع له سعد بسهم، فلمّا رفع رأسه رماه فلم يخطئ هذه منه «يعنى جبهته» وانقلب وشال برجله فضحك النّبى صلى الله عليه وسلم حتّى بدت نواجذه. قلت: من أىّ ضحك؟ قال: من فعله بالرّجل». ـــــــــــــــــــــــــــــ طلبه بعد ليكون بعد اعترافه بالظلم أنجح لإجابة سؤاله ومحقق آماله. (إنى ظلمت نفسى) قيل: سبب ذكره تذكر ركوبه فى قضاء حاجته نفسها لا للجهاد فى سبيله انتهى، وهو غفلة عن أنه يسن قوله ذلك حتى للمجاهد، وكل من ركب لعبادة ولو ذا جبة والوجه أن سببه أن تذكر النعمة يحمل على شهود التقصير فى شكرها وأن العبد ظلم نفسه بعدم القيام بها فناسب ذكر هذا هنا. (ثم ضحك. . .) إلخ تعجبه تعالى المراد به لاستحالته ذاتية، وهى استعظام الشىء والرضى به المستلزم بجزيل الثواب وهذا الرضى المقتضى لفرح النبى صلى الله عليه وسلم ومزيد النعمة عليه. 226 - (ضحك) ولما تذكر على ذلك اقتضى مزيد فرحه وبشره فضحك. (الخندق) معرب ولذا اجتمع فيه الخاء والقاف والدال وهى لا تجتمع فى كلمة عربية. (قال) عامر: (قلت) لسعد: (كيف) أى ما سبب ضحكه صلى الله عليه وسلم؟ قال سعد. (وكان سعد راميا) الظاهر بل الصريح بمقتضى السياق الآتى أنه من كلام سعد فيكون التفاتا ويحتمل على بعد أنه ¬

226 - إسناده ضعيف: فيه: محمد بن محمد بن الأسود: قال فيه الحافظ «مستور» (التقريب 6269). ورواه أحمد فى مسنده (1/ 186)، والمزى فى تهذيب الكمال (26/ 375)، كلاهما من طريق ابن عون به فذكره، وأورده الهيثمى فى مجمع الزوائد (6/ 135،136) وقال: رواه أحمد والبزار ورجالهما رجال الصحيح، غير محمد بن محمد بن الأسود وهو ثقة، قلت: فى توثيق الهيثمى نظر! حيث لعله اعتمد فى توثيقه على ذكر ابن حبان له فى الثقات (7/ 404)، ولا يخفى تساهل ابن حبان، وقد ذكره البخارى فى التاريخ الكبير (1/ 243،706)، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكذلك ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل (8/ 368).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من كلام عامر، وكان هذا من كلام سعد على كل تقدير. (يقول) يفعل. (فنزع) إلخ هذا أيضا من كلام سعد وفيه التفات. (منه) أى من مجمل السهام (بسهم) الباء زائد لصحة المعنى وتعدى نزع بدونها وكأن المعنى أنه أخذ سهما من كنانته ومسكه أو وضعه فى الوتر فلما رفع رأسه رماه. (فضحك النبى صلى الله عليه وسلم) أى من قتل سعد وغرابة إصابته لعدوه فرحا بذلك وسرورا بما يترتب عليه من إطفاء نار الكفر، وذل أئمة الضلال، لا من رفعه رجليه حتى بدت عورته، لأن كشف عورة الحربى والنظر إليه قصدا حرام، نعم قياس مذهبنا: أنه يجوز السخرية واللهو بالحربى بسائر وجوههما، ومنها: التشفى ببدو سؤته زيادة فى نكاله، لا من حيث كونه عورة. ***

36 - باب: ما جاء فى صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم

36 - باب: ما جاء فى صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم 227 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو أسامة، عن شريك، عن الأحول، ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى مزاح) بكسر الميم مصدر مازح فهو بمعنى المازحة كالقتال بمعنى المقاتلة، وهو الانبساط مع الغير من غير إيذاء له وبه فارق اللهو والسخرية. (رسول الله صلى الله عليه وسلم) قيل: الأنسب الترجمة بباب كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المزاح، وأنه لا يفصل بينه وبين باب كيف كان كلام رسول الله بباب الضحك. انتهى، وليس كما زعم هذا القائل لأن مزاحه صلى الله عليه وسلم وقع بغير الكلام أيضا كما يأتى فى احتضائه لزاهر فتعين حذف كلام، وسر الفصل أن المزاح يتولد عنه الضحك غالبا فناسب ذكر الضحك ثم ذكر بعض أسبابه، اعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان مع أهله وأصحابه وغيرهم، ومع الغريب والقريب على غاية من سعة الصدر، ودوام البشر، وحسن الخلق، وإفشاء السلام، والبدار به من لقيه، والوقوف مع من يستوقفه والمشى مع من أخذ بيده حتى من الولدان والإماء، والمزاح بالحق مع الصغير والكبير أحيانا، وإجابة الداعى ولين الجانب حتى يظن كل أحد من أصحابه أنه أحبهم إليه، وهذا لميدان (¬1) ليس فيه إلا واجب أو مستحب، ولو لم يكن من مباستطه إلا أن الاستضاءة بنور هدايته والاقتداء به فى ذلك وتألفهم، حتى يزول ما عندهم من هيبته فيقدرون على الاجتماع عليه والأخذ عنه، كما يأتى تحقيقه وبسطه لكان ذلك هو الغاية العظمى فى الكمال، فكيف وقد انضم لذلك من عظيم البشرى ما تسمع بعضه، ومنه: أنه مج مجة فى وجه محمود بن الربيع وهو ابن خمس سنين يمازحه بها، فكان فيها من البركة أنه لما كبر لم يبق فى ذهنه من الروايات غيرها فعدّ بها من الصحابة، ونضح الماء فى وجه بنت أم سلمة فلم يزل رونق الشباب فى وجهها، وهى عجوز كبيرة. 327 - (يعنى يمازحه) أى كرامة منه صلى الله عليه وسلم وتلطفا به حيث سماه بغير اسمه مما قد ¬

227 - إسناده ضعيف: فيه شريك القاضى: ضعيف لسوء حفظه بعد توليته القضاء رواه الترمذى فى البر والصلة (1994)، وفى المناقب (3828)، وأبو داود فى الأدب (5200)، وأحمد فى المسند (3/ 127،260)، والطبرانى فى الكبير (1/ 211)، والبيهقى فى السنن (10/ 248)، كلهم من طرق عن شريك به فذكره نحوه. (¬1) فى (أ) ميزان.

عن أنس بن مالك قال: إنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم قال له: «يا ذا الأذنين». قال محمود: قال أبو أسامة: يعنى يمازحه. 228 - حدثنا هناد، حدثنا وكيع، عن شعبة، عن أبى التياح، عن مالك، قال: «إن كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم ليخالطنا، حتّى يقول لأخ لى صغير: يا أبا عمير ما فعل النّغير؟». ـــــــــــــــــــــــــــــ يوهم أنه ليس له من الحواس إلا الأذنان، وإن كان المقصود به المزاح فإنه سمعه يعى ما وصل إليه، فينقاد له ويعمل بمقتضاه، وقيل: معناه الحث على حسن الاستماع والوعى لما يقال لا المزاح، لأن السمع بحاسة الأذن، ومن خلق الله له أذنين سميعتين كان ذلك أدعى لحفظه ووعيه جميع ما يسمعه. 328 - (التياح) بفوقية مفتوحة فتحتية مشددة ثم حاء مهملة. (عن أنس) وأخرج حديثه بهذا الشيخان بلفظ: «كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا» وكان لى أخ يقال له أبو عمير وكان له نغير يلعب به فمات فدخل على النبى صلى الله عليه وسلم فرآه حزينا فقال: ما شأنه؟ فقالوا: مات نغيره فقال: يا أبا عمير ما فعل النغير؟»، (إن) مخففة من الثقيلة أى إنه، (ليخالطنا) أى أنسا وأهل بيته. (حتى) غائية انتهت مخالطته فيهم كلهم حتى الصبى، وحتى الملاعبة معه، وحتى السؤال عن فعل النغير. (لأخ لى) أى لأمه. (عمير) قيل: تصغيرا لعمر بالإشارة إلى أنه يعيش قليلا وبه يندفع الأخذ منه أنه يجوز تكنية الصغير بأبى فلان وأن يتصور منه الإيلاد، وفيه: اندفاعه من باب أبى الفضيل مما تقرر: أن عميرا تصغير عمر لا أنه اسم شخص آخر، انتهى ملخصا، وفيه نظر، ومن أين له ¬

228 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصلاة (333)، وفى البر (1989)، ورواه البخارى فى الأدب (6129)، وأبو داود (4969)، وأحمد فى المسند (3/ 115،119،171،188،190،101،212، 222)، وابن ماجه (273) (3720) والنسائى فى عمل اليوم والليلة (332،333،334)، وابن أبى شيبة فى المصنف (1/ 400)، (9/ 14)، والبغوى فى شرح السنة (1/ 347)، (7/ 309)، (13/ 179)، والبيهقى فى دلائل النبوة (1/ 313)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 32)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 162،310)، كلهم من طرق عن أنس رضى الله عنه به فذكره نحوه.

قال أبو عيسى: وفقه هذا الحديث: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يمازح. وفيه: أنه كان غلاما، فقال له: «يا أبا عمير». وفيه: أنه لا بأس أن يعطى الصبى الطير ليلعب به وإنما قال له النبى صلى الله عليه وسلم: «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟» لأنه كان له نغير يلعب به، فمات، فحزن الغلام عليه، فمازحه النبى صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟». ـــــــــــــــــــــــــــــ الجزم بأن عمير تصغير عمر وليس بعلم، مع أن المشهور أنه علم متعارف كثيرا، وح صح الأخذ ولم يندفع بما ذكر فتأمله. (النغير) بنون فمعجمة تصغير النغير جمع نغرة كبرة، وهو طائر كالعصفور. (ما فعل النغير) أى ما شأنه وحاله؟ (وفيه أنه كنى. . .) إلخ أى فلا يدخل ذلك فى باب الكذب، لأن القصد من الكنية التعظيم والتعادل لاحق فيه اللفظ من إثبات أبوه أو بنوه للصغر قال البغوى: وفيه جواز السجع فى الكلام، والنهى عنه، محمول على ما فيه تكلف. (لا بأس. . .) إلخ قيل يؤخذ منه: أن صيد المدينة مباح بخلاف صيد مكة اه وهو غلط، وأى دلالة على ذلك، فإن ذلك الطير من أين فى الحديث أنه اصطيد فى الحرم، وليس احتمال اصطياد فيه، أولى من احتمال اصطياده خارجه، وفيه أيضا: أنه لا بأس بحبس الطير فى القفص لرؤية لونه، أو سماع صوته واللعب المباح به، إذا قام بمؤنته وإطعامه على ما ينبغى، ولا بأس بتصغير الأسماء، والترفق، والتلطف، ولا بالدعابة والمزاح ما لم يكن إثما، وجواز دخول بيت به امرأة أجنبية إذا كان هناك مانع خلوة من نحو امرأة أخرى معها، وهما ثقتان يخشهما أو أحدهما، وإلا حرمت خلوة الرجل بها، أو محرم، وإن كان مراهقا، أو أعمى، على بحث فيهما بينته فى حاشية مناسك النووى وغيرها، وفى أخذ هذا من الحديث نظر، لأنه صلى الله عليه وسلم كان بالنسبة للنساء كالمحرم، فكان يجوز له الخلوة بهن، بل قال أئمتنا: إن سفيان وغيره كانوا يزورون رابعة ويجلسون إليها، قالوا: فلو وجدنا رجلا مثل سفيان وامرأة مثل رابعة أبحنا له الخلوة بها للأمن من المفسدة والفتنة، ح ويوجه: بأنه لا يشترط تحقق الأمن، بل يكفى مظنته ألا ترى أنهم جوزوا خلوة رجل بامرأتين دون عكسه؟ مع أنه قد يختلى بهما، وتقع منه الفاحشة فيهما أو فى أحدهما، لكنه بعيد، إذ المرأة تستحى من مثلها ويبعد وقوع الفاحشة منها بحضرتها بخلاف الرجل فعلمنا أن الشرط المظنة دون التحقق، وهو صلى الله عليه وسلم متحقق منه الأمن فهو كالمحرم النسبة إلى سائر

229 - حدثنا عباس بن محمد الدورى، أنبأنا على بن الحسن بن شقيق، أنبأنا عبد الله بن المبارك، عن أسامة بن زيد، عن سعيد المقبرى، عن أبى هريرة، قال: «قالوا: يا رسول الله إنّك تداعبنا. قال: إنّى لا أقول إلا حقا». ـــــــــــــــــــــــــــــ النساء، وجواز سؤال الإنسان عما السائل بما لم بحاله تعجبا منه، وكمال خلقه صلى الله عليه وسلم، وعطفه ورأفته، وتواضعه، وأن رعاية الضعفاء ومزيد التآنس بهم والتلطف بهم وإدخال السرور عليهم من مكارم الأخلاق المطلوبة المندوبة، وقوله: (ليلعب به) استشكل بأنه تعذيب للحيوان، وقد صح النهى عنه إلا لأكله، ويرد بمنع كون مجرد لعبه به تعذيبا له، بل ربما يكون فيه رفق بالطير بكون الصبى مبالغ فى إكرامه وإطعامه فى مقابلة لعبه وإعجابه به وقوله: (فمازحه) أى باسطه بذلك لتسلية ما حصل من الحزن الشديد على عادة الصغار إذا فات عليهم ما يلعبون به، وكأن هذا الصغير كان له قوة ذكاء وفطنة، فلذا خاطبه صلى الله عليه وسلم بذلك لذلك، وهذا الذى قررته أصوب مما قيل، ذكره على وجه المباسطة فيه ما يغضبه ويؤلمه، وإن كان فيه تجديد حزنه ليوطنه عليه ويسليه إياه، ويحتمل أن يراد بالنغير نفس أبى عمير، ويكون تصغير نغير بمعنى الممتلئ من الغضب، يعنى: (يا أبا عمير). (ما فعل) الممتلئ من الغضب من موت نغيره انتهى، وهو كلام غير ملائم الأطراف إذ كيف يلتئم عند المباسطة ذكر الغضب المؤلم الموجب لتجديد الحزن، وأيضا كيف يلتئم ذكره هذه الأشياء لمجرد التسلية عليها، وإنما المسلى هو الدعاء والأمر بالصبر ونحوهما، كما يصرح به كلام الأئمة فى حكمة ندب التعزية ومعناها، وقوله يحتمل، اه فى غاية الركاكة والغرابة، واستعمال النغير فى خلاف مدلوله، فلا يلتفت لهذا الاحتمال، ولا يعول عليه. 229 - (إنك تداعبنا) من المداعبة بدلل وغيره محلقين، فى القول بالمزاح وغيره، ¬

229 - إسناده حسن لغيره: رواه الترمذى فى البر والصلة (1990)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أحمد فى المسند (2/ 360)، من طريق ابن المبارك به فذكره، قلت: وفى الإسناد: أسامة بن زيد الليثى، قال فيه الحافظ: صدوق يهم. ورواه البخارى فى الأدب المفرد (265)، عن ابن عجلان إلا أنه قال: عن أبيه أو سعيد (شك)، وفيه عبيد الله بن صالح-كاتب الليث بن سعد-وهو ضعيف، وفى السنن (5/ 203)، (10/ 248)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 32)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 162،310)، وأبو عوانة فى المسند (2/ 72)، جميعهم من طرق عن أنس بن مالك رضى الله عنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكأنهم قصدوا بذلك، إما السؤال عن المداعبة هل هى من خواصه، فلا يتكلمون به؟ فبين لهم أنها ليست من خواصه، وأن جوازها منوط بقول الحق، وأما استبعادهم وقوع المزاح منه صلى الله عليه وسلم لجليل مكانته، وعظم مرتبته، فكأنهم سألوه عن حكمته فأجابهم، وهذا أولى من قول الطيبى، فكأنهم أنكروه فرد عليهم من باب القول بالموجب بأن المداعبة لا تنافى الكمال، بل هى من توابعه وتتماته إذا كانت جارية على القانون الشرعى بأن نكون على وفق الصدق والحق، وبقصد تألف قلوب الضعفاء، وخيرهم، وإدخال غاية السرور والرفق عليهم والمنهى عنه منها كما فى حديث الترمذى فى جامعه وقال: غريب «لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدا فتخلفه» (¬1) إنما هو الإفراط فيها والمدوامة عليها، لأنه بررت كثرة الضحك، وقسوة القلب، والإعراض عن ذكر الله، وعن التفكر فى مهمات الدين، بل ربما يأول كثرته إلى إيذاء ويورث حقدا، وربما يسقط المهابة والوقار ومزاحه صلى الله عليه وسلم سالم من جميع هذه الأمور، ويقع منه على جهة الندرة لمصلحة تامة من مؤانسة بعض أصحابه فهو بهذا القصد سنة، وما قيل: الأظهر أنه مباح لا غير فضعيف، إذ الأصل فى أفعاله وجوبا أو ندبا التأسى به فيها إلا لدليل يمنع من ذلك، ولا دليل هنا يمنع منه، فتعين الندب كما هو مقتضى كلام الفقهاء والأصوليين، وهذا الحديث حسنه المصنف، وقال: رجاله موثوقون، هذا وقد ألقى الله سبحانه عليه غاية المهابة ولم يؤثر فيه مزاحه، ولا مداعبته، «فقد قام رجل بين يديه فأخذته رعدة شديدة ومهابة فقال: هون عليك، فإنى لست بملك ولا جبار، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد بمكة فنطق الرجل بحاجته فقام صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس إنى أوحى إلى أن تواضعوا ألا فتواضعوا لا يبغى أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد كونوا عباد الله إخوانا» (¬2)، وروى مسلم عن عمرو بن العاص صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما ملأت عينى قط حياء منه وتعظيما، ولو قيل لى: صفه لما قدرت» فإذا كان هذا حاله، وهو من أجلاء أصحابه، فما ظنك بغيرهم، ومن ثمة لولا مزيد تألفه ومباسطته لهم لما قدر أحد منهم أن يجتمع به هيبة وفرقا منه سيما عقب ما كان يتجلى عليه من مواهب القرب وعوائد الفضل، لكن كان لا يخرج إليهم بعد ركعتى الفجر، إلا بعد الكلام مع عائشة، ¬

(¬1) رواه الترمذى فى البر (1995)، ما جاء فى المراء (4/ 359)، وأبو نعيم فى الحلية (3/ 344). (¬2) رواه أحمد فى مسنده (2،227).

230 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا خالد بن عبد الله، عن حميد، عن أنس ابن مالك: «أنّ رجلا استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنّى حاملك على ولد ناقة. فقال: يا رسول الله، ما أصنع بولد النّاقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الإبل إلا النّوق؟». 231 - حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن ثابت، ـــــــــــــــــــــــــــــ أو الاضطجاع بالأرض، إذ لو خرج إليهم على حالته التى تجلى بها من القرب فى مناجاته وسماع كلام ربه وغير ذلك ومن بعضه لما استطاع بشر أن يراه فكان يتحدث معها أو يضطجع بالأرض ليستأنس بجنسهم، أو بجنس أصل خلقهم، وهى الأرض، ثم يخرج إليهم بحالة يقدرون على مشاهدتها رفقا بهم ورحمة لهم. 230 - (أن رجلا) كان به بله. (استحمل) طلب الحمل فقال له صلى الله عليه وسلم مباسطا له بما عساه أن يكون شفاء لبلهه بعد ذلك. (إنى حاملك على ولد ناقة) فسبق لخاطره استصغار ما يصدق عليه البنوة. (الإبل) أى صغرت أو كبرت. (إلا النوق) جمع ناقة وهى أنثى الإبل أى فكأنه يقول: لو تدبرت لم تقل ذلك ففيه مع المباسطة له الإرشادة إلى إرشاده وإرشاد غيره بأنه ينبغى لمن سمع قوله أن يتأمله، ولا يبادر إلى رده إلا بعد أن يدرك عون، وما أشير [به] (¬1) إليه. 231 - (زاهرا) أى ابن حزام الأشجعى شهد بدرا. (الهدية) حاصله (من البادية) أى ¬

230 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى البر (1991)، بسنده ومتنه سواء، والبغوى فى شرح السنة (13/ 182)، من طريق المصنف به نحوه، ورواه أبو داود فى الأدب (4998)، وأحمد فى المسند (2/ 360)، وأبو الشيخ فى الأخلاق (ص 88)، كلهم من طرق عن خالد بن عبد الله به فذكره، وخالد بن عبد الله هو ابن عبد الرحمن بن يزيد الطحان، ثقة حافظ ثبت (التقريب 1647)، تهذيب الكمال (8/ 99)، وحميد هو الأعرج. 231 - إسناده صحيح: رواه عبد الرزاق فى المصنف (19688)، وأحمد فى مسنده (3/ 161)، وأبو يعلى فى مسنده (174)، والبيهقى فى السنن الكبرى (10/ 248)، من طرق عن معمر به فذكره نحوه. (¬1) الزيادة من [ش].

عن أنس بن مالك: «أنّ رجلا من أهل البادية، كان اسمه زاهرا، وكان يهدى إلى النّبى صلى الله عليه وسلم هدية من البادية، فيجهّزه النّبىّ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج. فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم: إنّ زاهرا باديتنا، ونحن حاضروه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبّه وكان رجلا دميما. فأتاه النبىّ صلى الله عليه وسلم يوما وهو يبيع متاعه واحتضنه من خلفه ولا يبصر. فقال: من هذا؟ أرسلنى. فالتفت، فعرف النبىّ صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبىّ صلى الله عليه وسلم حين عرفه. فجعل النّبىّ صلى الله عليه وسلم يقول: من يشترى العبد؟ فقال: يا رسول الله إذا والله تجدنى كاسدا. فقال النّبى صلى الله عليه وسلم: لكن عند الله لست بكاسد» أو قال: «أنت عند الله غال». ـــــــــــــــــــــــــــــ من ثمارها ونباتها وغير ذلك (فيجهزه) أى فيعطيه من الطرف والمستحسنات ما يتجهز به إلى أهله مما يعينه به على كفايتهم والقيام بتمام مصالحهم. (أن يخرج) أى إلى وطنه. (باديتنا) أى نستفيد منه ما يستفيد الرجل من باديته من أنواع الثمار والنبات فصار كأنه باديته وقيل: تأوه للمبالغة، وقيل: من إطلاق اسم المحل على الحال. (حاضروه) أى نعد له ما يحتاجه من البلد، وقيل: المراد أنه لا يقصد له الرجوع إلى الحضر إلا مخالطتنا، لا أن يهيأ له ما يريد من الحضر، لأنه لا يليق بالمنعم ذكر إنعامه انتهى، وفيه نظر، لأن ما قلناه هو مقتضى مقابلة باديتنا بنحن حاضروه، وزعم أنه لا يليق ليس فى محله، لأن محل ذلك إذا كان فيه منّ إيذاء للمنعم عليه، كأن كان لا يحب ذكر المنعم لما أنعم به عليه أما إذا كان يحب ذلك، بل هو مطلوب أى مطلوب وقد قال صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا» (¬1). والبادى: المقيم بالبادية والحاضر: المقيم بالحاضرة، وهى المدن والقرى فيما يقبح الوجه كريه المنظر. (واحتضنه) أى أدخله فى حضنه، وهو ما دون الإبط إلى الكشح. (من خلفه) أى جاء من ورائه وأدخل يده تحت إبطى زاهرا فاعتنقه. ¬

(¬1) رواه مالك فى الموطأ فى حسن الخلق (16)، والبيهقى فى السنن (6/ 169)، ورواه ابن عدى فى الكامل (4/ 104)، وأبو يعلى فى مسنده (6148)، (11/ 9)، ذكره ابن عبد البر فى التمهيد (6/ 116)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (6/ 116)، وقال: فيه المثنى أبو حاتم ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات وفى بعضهم كلام وذكره الهندى فى كنز العمال (15055،15056)، وعزاه لأبو يعلى فى مسنده وابن عساكر عن أبى هريرة (6/ 110).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (ولا يبصره) جملة حالية (فجعل) فطفق. (لا يألوما) مصدرية. (ألصق) أى لا يقصر فى إلصاقه ظهره بصدر النبى صلى الله عليه وسلم تحصيل الثمرات ذلك الإلصاق من الكمالات الناشئة عند (من يشترى العبد) وفى نسخة: هذا العبد ووجه تسميته عبدا واضح، فإنه عبد الله ووجه الاستفهام عن الشر الذى يطلق لغة على مقابلة الشىء بالشىء، وعلى الاستبدال أنه أراد من يقابل هذا العبد بالإكرام والتعظيم، أو من يستبد له منى بأن يأتينى بمثله؟ وقيل: المراد من يشترى مثل هذا العبد؟ وفيه ركاكة لا تخفى ويصح أن يريد التعريض له بأنه ينبغى له أن يشترى نفسه من الله ببذلها فى جميع مطالبه وما يرضيه. (إذا) جواب شرط محذوف أى إن بعتنى إذا والله تجدنى. (كاسدا) أى رخيصا لا يرغب أحد فى مقابلتى ولا الاستبدال وفى رواية: «إذا هذا والله» بزيادة هذا. (عند الله) متعلق بكاسد قدم عليه وعلى عامله للاهتمام والاختصاص، وكان من فوائد مزحه صلى الله عليه وسلم معه تلك البشرى العظيمة له وهى إخباره بعلى قدره ومرتبته عند الله، وذلك ببركة صحبة النبى له الناشئة عن مزيد تودد زاهر، وتقربه إليه صلى الله عليه وسلم وفى الحديث: جواز مصادقة أهل البادية ومهاداتهم، والدخول إلى السوق، والاعتناق من خلفه، وتسمية الحر عبدا. ورفع الصوت فى مقام العرض على البيع ومداعبة الأعلى الأدنى وعدم المبالاة بمنع المعانق من معانقيه فى مقام المداعبة، ومداعبة الأعلى للأدنى بمثل هذا المتنزل الذى فيه المعانقة من خلفه، والنداء على السمع وغيرهما، ومدح الصديق بما يناسبه لقوله «باديتنا»، وقوله أنت عند الله غال، أو لست بكاسد، وإعلامه بمحبته له، وقبول الهدية، والمجازاة عليها وجواز ذكرها حيث لا منّ ولا إيذاء ولا اعتناء بنفع الصديق الأخروى، فإنه صلى الله عليه وسلم لما وجده مشغولا عن ربه ببيع متاعه فعل معه ما استيقظ به إلى شهود جمال ربوبيته، وبثّ لقيه من معارفه ما حمله على أنه إذا علم به لم يرض بمجرد ذلك العناق بل زاد فى تمكين ظهره بذلك الصدر المكرم ليزداد إمداده له وتلقيه منه. فائدة: روى أبو يعلى: «أن رجلا كان يهدى إليه صلى الله عليه وسلم العكة من السمن أو العسل، فإذا طولب بالثمن جاء بصاحبه، فيقول للنبى صلى الله عليه وسلم أعطه متاعه، فما يزيد على أن يبتسم ويأمر به فيعطى» وفى رواية: «أنه كان لا يدخل المدينة طرف إلا اشترى منها، ثم جاءه بها فقال: يا رسول الله: هذا هدية لك، فإذا طالبه صاحبه بثمنه جاء به، فقال: اعط هذا الثمن فيقول له: ألم تهده لى؟ فيقول: ليس عندى، فيضحك ويأمر لصاحبه بثمنه».

232 - حدثنا عبد بن حميد، حدثنا مصعب بن المقدام، حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: «أتت عجوز النبىّ صلى الله عليه وسلم. فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يدخلنى الجنّة. فقال: يا أمّ فلان، إنّ الجنّة لا تدخلها عجوز. قال: فولّت تبكى. فقال: أخبروها أنّها لا تدخلها وهى عجوز. إنّ الله تعالى يقول: إِنّاأَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً* عُرُباً أَتْراباً». ـــــــــــــــــــــــــــــ 232 - (فضالة) بفتح الفاء: (عجوز) قيل: هى عمته صفية أم الزبير رضى الله عنها. (فلان) كأن الراوى نسيه فعبر عنه بذلك. (أنها) إلخ سد مسد ثانى وثالث مفاعيل أخبر، قيل: ضمير أنها إما بعده إما إليها أو إلى العجوز المطاقة انتهى، والثانى بعيد جدا (وهى عجوز) أى والحال أنها عجوز بل شابة، قيل: كأنه صلى الله عليه وسلم فهم أنها تطلب أن تدخل الجنة على هيئتها وقت موتها فرد اعتقادها منها، ويحتمل أن لا تكون مداعبة ويكون عدها مداعبة عن فهم الحاضرين، انتهى، وما قاله أولا فيه نظر، إذ لا يحتاج فى عده مداعبة إلى دعوى أنه صلى الله عليه وسلم فهم ذلك، بل لفظها أوهم ذلك، واحتماله المذكور ليس فى محله، لا سيما وفيه سر أدبه على الصحابة الحاضرين، بجعله نفسه أفهم أنه غير مداعبة، وهم فهموا المداعبة وهو فهم غير صحيح، وفى ذلك من قلة الأدب ما لا يخفى، بل عنه أيضا عدم حفظ القواعد الأصولية المصرحة: بأن فهم الصحابى مقدم على فهم غيره لأنه أعرف فرواه لمشاهدته من القرائن الحالية والمقالية ما لم يشاهده غيره، فوجب تقديم فهمه على فهم غيره، وتأمل مزحه صلى الله عليه وسلم تجده لا يخلو عن بشرى عظيمة، أو فائدة غزيرة، أو مصلحة تامة، فهو فى الحقيقة غاية الجد، وليس مزاحا إلا باعتبار الصورة فقط إِنّاأَنْشَأْناهُنَّ أى: خلقناهن من غير توسط ولادة، ثم يحتمل أن ¬

232 - إسناده ضعيف وهو حسن: لإرسال الحسن البصرى، وكذلك فيه: مصعب بن مقدام: صدوق له أوهام، والمبارك بن فضالة: مدلس. رواه البغوى فى التفسير (7/ 19)، وله شاهد من حديث أنس عند أبى الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 88)، وقد حسنه الشيخ الألبانى فى مختصر الشمائل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المراد ثم ربيناهن حتى وصلن الحد المتمتع، ويحتمل وهو الظاهر، أنهن خلقن ابتداء كاملات من غير تدريج فى التربية والسن، وهذا بناء على ما يصرح به السياق القرآنى لأن الضمير للحور، توجه للمطابقة بين هذا وما نحن فيه أنه يعلم به أن أهل الجنة كلهم أنشأهم الله خلقا آخر يناسب البقاء والدوام وذلك يستلزم كمال الخلق، وتوفر القوى البدنية كلها، وانتفاء صفات النقص عنها أَبْكاراً أى كلما جامعها الرجل وجدها بكرا. عُرُباً متحببات إلى أزواجهن بحسن التبعل. أَتْراباً عن سن ثلاثين، أو ثلاثة وثلاثين إذ هى أكمل أسنان نساء أهل الدنيا. ***

37 - باب: ما جاء فى صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى الشعر»

37 - باب: ما جاء فى صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى الشعر» 233 - حدثنا على بن حجر، حدثنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة: «قال: قيل لها: هل كان النبىّ صلى الله عليه وسلم يتمثّل بشىء من الشّعر؟ قالت: كان بشعر ابن رواحة. ويتمثل، ويقول: ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشعر) أصله من شعرت، أى أصبت، أو علمت علما دقيقا كدقة الشعر لفطنته ودقة معرفته فى الشعر، وليت شعرى: أى علمى، وأما فى التعارف فصار الشعر اسما للكلام الموزون المقفى، والشاعر: علم على المختص بإيجاد ذلك الموزون، وفى القاموس: الشعر العلم، وشاع فى الموزون لشرفه بالوزن القافية. 233 - (قالت كان يتمثل) فى رواية: «قالت: كان أبغض الحديث إليه الشعر، غير أنه يتمثل مرة ببيت أخى قيس بن طرفة فيجعل آخره أوله، ويقول: ويأتيك بالأخبار من لم تزود، فقال أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم ما أنا بشاعر» (¬1) وح فالمراد بالتمثيل فى هذه الرواية الإتيان بمادة البيت، أو المصراع، وجوهر لفظه دون ترتيبه الموزون وفى القاموس: تمثل: أنشد بيتا ثم آخر ثم آخر، وتمثل بشىء ضربه مثلا، وظاهر قوله ثم آخر ثم آخر: أنه لا يسمى تمثيلا، إلا إن أنشد ثلاثة أبيات، ويرده: هذا ¬

233 - إسناده ضعيف وهو صحيح: فيه: شريك القاضى وهو سيئ الحفظ. رواه الترمذى فى الأدب (2848)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أحمد فى المسند (6/ 138،156، 222)، ورواه البخارى فى الأدب المفرد (867)، كلاهما من طريق شريك به فذكره، ورواه أحمد فى المسند (6/ 31،146)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 264)، وفى إسنادهما ضعف، وصححه الألبانى فى السلسلة الصحيحة (2057). (¬1) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (8/ 128)، وقال: قلت: رواه الترمذى غير أنه جعل مكان طرفه عبد الله بن رواحة-ورواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وذكره العجلونى فى كشف الخفاء (2928)، وقال: رواه أحمد عن عائشة رضى الله عنها، وتقدم فى: ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا (2/ 341).

234 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا الثورى، عن عبد الملك بن عمير، حدثنا أبو سلمة، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أصدق كلمة قالها الشّاعر، كلمة لبيد: ألا كلّ شىء ما خلا الله باطل. وكاد أميّة بن أبى الصّلت أن يسلم». ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث، فإن عائشة من أفصح العرب، وقد أنطقت التمثيل على إنشاء شطر بيت (بشعر) عبد الله (ابن رواحة) الخزرجى الأنصارى وكان ممن يذب عن الإسلام ككعب ابن مالك وحسان وهذان أشد شعرائه صلى الله عليه وسلم وكان ابن رواحة يحدو بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم (ويتمثل، ويقول: ويأتيك بالأخبار من لم تزود) والمصراع الذى قبله: ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا، ونسخة: «يقول» أوفى من نسخة «بقوله»: لإيهامها أن هذا من شعر ابن رواحة، وليس كذلك كما تقرر عن عائشة: أنه من شعر أخى قيس بن طرفة وإنما قلت: لإيهامها لاحتمال أنها أعادت الضمير فى قوله على غير مذكور لشهرة قائله والعلم به عندهم. 234 - (كلمة) تطلق لغة على الجملة، والجمل المفيدة، ومنه ما هنا، وقوله تعالى: كَلاّ إِنَّهاكَلِمَةٌ (¬1) أى قول: رَبِّ اِرْجِعُونِ (¬2). (لبيد) أى ابن أبى ربيعة الصحابى، ورواية مسلم: «أشعر كلمة تكلمت بها العرب: كلمة لبيد» (¬3) وفى رواية: ¬

234 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأدب (2849)، ورواه البخارى فى الأدب (6147)، ومسلم (2256)، وابن ماجه فى الأدب (3757)، وأحمد فى المسند (2/ 248،391،393،444،458،470، 480،481)، والبخارى فى التاريخ (7/ 249)، كلهم من طرق عن سفيان الثورى به فذكره. (¬1) سورة المؤمنون: آية رقم (100). (¬2) سورة المؤمنون: آية رقم (99). (¬3) رواه مسلم فى الشعر (2256)، والبخارى فى الرقاق (6489)، والترمذى فى الأدب (2849)، وفى الشمائل (247)، وابن ماجه فى الأدب (3757)، وأحمد فى مسنده (2/ 391،444، 480،481)، وابن حبان فى صحيحه (5783،5784)، والبيهقى فى السنن (10/ 237)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (8/ 694،695)، والمقدسى فى أحاديث الشعر (1) وأبو نعيم فى الحلية (7/ 201)، وفى أخبار أصبهان (1/ 269،270).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «إن أصدق بيت قالته الشعراء» وذلك لأنه أوفق لأصدق الكلام كُلُّ مَنْ عَلَيْهافانٍ (¬1)، كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ (¬2). (ألا كل شىء ما خلا الله باطل)، «وكل نعيم لا محالة زائل» قال شارح: باطل يعنى: آيل إلى البطلان وكان باطلا لكونه بين العدمين وحينئذ يشكل بصفات الله لو كان من القائلين بوجود الصفات، لكن الظاهر أن يكون منهم، لأن الرجاء أن يكون الحق مع أهل السنة، فلا يمكن أن يرضى بأن تكون شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لغيرهم فالمعنى بالبطلان كونه فى معرضه، لكونه من أنباء الإمكان، ولأهل التوحيد تمسك به لكونه ظاهرا فى مذهبهم انتهى، وهو مع طوله لا تحقيق فيه لما فيه من التدافع، لأن قوله: «باطل» مساو لقوله تعالى: هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ. والمراد: قبوله للبطلان والهلاك إذ المتعقل إما واجب لعدم فهو المراد بالبطلان والهلاك ما بالفعل، فينعدم كل مخلوق ساعة لتصدق تلك الكلية ثم توجدا. كالمجال الذاتى، أو البقاء، كذات الله وصفاته، أو محتمل لهما كالعالم، وإنما لم يذكر فى الآية والبيت، الصفات، لأنها معلومة من ذكر الذات لما هو مقرر عند الأشعرى: أنها ليست غير قابلة، أى بالنسبة لجواز الانفكاك، كما أنها ليست عينا، أى باعتبار المفهوم فلكونها غير قابلة للانفكاك، كان المتبادر من ذكره ذكرها، وهذه نكتة بديعة تدفع تعلق المبتدعة بالبيت. والآية، وتعلم بأنهم، أهل التعطيل، لا أهل التوحيد الذى زعمه هذا الشارح موهما به حقيقة مذهبهم، لا سيما مع قوله: غفلة عما قررته ظاهر الآية يؤيدهم، ولم يتعقبه ولا قوله أهل التوحيد، وكان الواجب أن يقول عقب هذا فى زعمهم، فإذا حذفه أوهم ذلك قصورا عن أن يأتى بمطابق عقيدته الموافقة لأهل السنة (أمية بن الصلت) بن ربيعة الثقفى أدرك الإسلام ولم يوفق له مع أنه كان فى الشعر ينطق بالحقائق، وفوض فى المعانى البديعة ولذلك استشهد صلى الله عليه وسلم بشعره وقال فى حقه: أنه كاد يسلم، لا سيما وقد سمع مدحه صلى الله عليه وسلم للبيد بسبب الشعر الذى افتخر به إلخ لا يشكل هذا وأمثاله الصادرة منه صلى الله عليه وسلم على ما فى القرآن فى غير آية، من نفى الشعر عنه، ومن ثمة قال الأئمة: إنه كان يحرم عليه إنشاؤه، بل قال الماوردى من أئمتنا: يحرم عليه روايته، إما لأن ذلك من باب الرجز، وليس بشعر عند الأخفش، ورد به قول الخليل: أنه شعر، إذ ¬

(¬1) سورة الرحمن: آية رقم (26). (¬2) سورة القصص: آية رقم (88).

235 - حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن الأسود بن قيس، عن جندب بن سفيان البجلى قال: «أصاب حجر إصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدميت. فقال: هل أنت إلا إصبع دميت وفى سبيل الله ما لقيت». ـــــــــــــــــــــــــــــ لو كان شعر لم يقع منه صلى الله عليه وسلم لتحريمه عليه كما يأتى، وأما لأن معنى وَماعَلَّمْناهُ اَلشِّعْرَ (¬1)، وَماهُوَ بشاعر (¬2) ولا يقال لمن يتمثل ببيت شاعر، وأما لأن شرط تسميته شعرا، كما صرح به العروضيون أن يؤتى به بقصد رفعته ونفعيته وهو صلى الله عليه وسلم لم يقصد ذلك بدليل أنه كان ربما كثيرا غيره، وأخرجه عن النظم كما مر، وقد وقع الموزون الذى لم يقصد به ذلك حتى فى القرآن ك‍ لَنْ تَنالُوا اَلْبِرَّ (¬3)، نَصْرٌ مِنَ اَللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ (¬4) وهذا لا يسميه أحد من العرب شعرا لفقد القصد فيه، ولا يشكل أيضا ما قاله الماوردى على تمثله بأبيات لغيره، لأنه لا يسمى رواية، إلا إن قال: قال فلان كذا وأما مجرد التمثيل والحكم بالأصدقية على شعر مخصوص، فلا يسمى رواية، وكان الفرق أن قوله: قال فلان فيه رفعة للقائل بسبب قوله وهذا يتضمن لرفعة شأن الشعر، والثناء عليه من حيث كونه شعرا، والمطلوب منه صلى الله عليه وسلم الإعراض عن الشعر، وذمه من تلك الحيثية، لأن قلة الرفيع يأباه ويسفهه. 235 - (هل) بمعنى ما. (إلا) مستثنى من محذوف عام أى: ما أنت. (إصبع) موصوفة بشىء إلا بأن. (دميت) بفتح فكسر وبخطاب المؤنث ولتوجعها خاطبها حقيقة معجزة له، أو على سبيل الاستعارة تسلية لها وتخفيفا لما أصابها، إذ لم تبتل بقطع ونحوه مع أن ما ابتليت به لم يكن فى سبيل الله ورضاه، لأن ذلك كان فى غزوة أحد ¬

235 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى التفسير (3345)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الأدب (6146)، ومسلم فى الجهاد (1796)، والإمام أحمد فى المسند (4/ 313)، كلهم من طريق محمد بن جعفر به فذكره. (¬1) سورة يس: آية رقم (69). (¬2) سورة الحاقة: آية رقم (41). (¬3) سورة آل عمران: آية رقم (92). (¬4) سورة الصف: آية رقم (13).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على ما قيل، وقيل: كان قبل الهجرة، قال شارح: ويؤيده ما فى البخارى: «بينما النبى صلى الله عليه وسلم يمشى إذ أصابه حجر فعثر فدميت إصبعه، فقال: هل أنت. . .» (¬1) الحديث هكذا حكاه شارح، وهو عجيب، إذ لا تأييد فيه لهذا القول ولا لقائله، لأنه لا تصريح فيه، بل ولا اقتضاه أن ذلك كان قبل الهجرة أو بعدها، وهذا أولى بل أصوب من قول شارح آخر اعتراضا منه على الأول، ولا يخفى أن سوق كلام البخارى: أنه دميت إصبعه من العثار لا من إصابة الحجر، وإنما العثار من إصابة الحجر انتهى، وليس فى محله، لأنه قصد به رد ذلك التأييد، وليس فيه رد له بوجه على أنه كلام ساقط، والصواب أن يروى رواية البخارى والشمائل واحد، بناء على اتحاد الواقعة فيهما، وغاية الأمر أن راوى البخارى ذكر السبب الأول لظهور الدم، وهو إصابة الحجر والثانى وهو العثار بذلك الحجر الذى أصابه، فالدم هنا من إصابة الحجر قطعا، وهو ما فى رواية الترمذى، وأما قوله: وإنما. . . إلخ فغير متعقل، إذ العثار لا يحصل دما، وإنما الذى يحصله المعثور به، وهو الحجر الذى أصابه كما تقرر، وإن فهم هذا لم يقع منه هذه العبارة التى لا تليق ممن له أدنى مسكة من تدبر، وقيل بضمير الغائبة فى «دميت ولقيت» وعليه فهو ليس بشعر أصلا، لكن المشهور بل الصواب الرواية الأولى. (ما) موصولة أى الذى لقيه فى سبيل الله ما ترجى بذلك، أو نافيه أى: لم يقل فى سبيل الله شيئا، بل غيره فتمنى أن مثل ذلك، لو وقع لك يكون فى سبيل الله، وهذا إنما يأتى على القول بأنه كان قبل الهجرة، أو استفهامية، أى أىّ شىء لقيته فى سبيل الله؟ ورد: بأن الاستفهام له صدر الكلام، ويرد: بأن أصله؛ وما لقيتى فى سبيل الله. ¬

(¬1) رواه البخارى فى الجهاد (2802)، من ينكب فى سبيل الله، (6/ 23)، وفى الأدب (6146)، ما يجوز من الشعر، ومسلم فى الجهاد (1796)، باب: ما لقى النبى صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين (3/ 1421)، والترمذى فى التفسير (3345)، وابن حبان فى صحيحه (6577)، وأحمد فى مسنده (4/ 312،313)، والحميدى فى مسنده (776)، والبيهقى فى دلائل النبوة (7/ 43،44)، والبغوى (3401)، والطبرانى فى الكبير (1708)، والطحاوى فى مشكل الآثار (4/ 299).

236 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا سفيان، حدثنا أبو إسحاق، عن البراء بن عازب قال: قال له رجل: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا عمارة؟ فقال: لا، والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ولّى سرعان النّاس، تلقّتهم هوازن بالنّبل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته، وأبو سفيان بن عبد المطّلب آخذ بلجامها. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا النّبىّ لا كذب. أنا ابن عبد المطّلب». ـــــــــــــــــــــــــــــ 236 - (رجل) جاء أنه من قيس لكن لم يعرف اسمه. (لا) أى لم نفر جميعا، بل فر بعضنا، وبقى بعضنا، ثم أكد بقاء البعض بقوله: (ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ويلزم من بقائه بقاء طائفة معه، لما جبلوا عليه من إيثارهم نفسه الكريم على نفوسهم، وهذا من بديع أدب البراء رضى الله عنه، وبلاغته لأن الاستفهام ربما يتوهم منه، وإن دفع ذلك التوهم بتعبير السائل يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه هو معهم، وزاد فى التأدب بنفى التولى دون الفرار نزاهة لمقامه الرفيع عن أن يستعمل فيه لفظ الفرار فى النفى، فضلا عن الإثبات لأنه أشنع من لفظ التولى، إذ هو يكون لتميز أو تحرف بخلاف الفرار، فإنه لا يكون إلا للخوف والجبن غالبا وإلا ففرار الصحابة هنا لم يتمحض لذلك قطعا، ومن ثمة قال الطبرانى هنا: الانهزام المنهى عنه هو ما وقع على غير نية العود، وأما الاستطراد للكثرة فهو كالمتحيز إلى فئة، ويحتمل أن البراء أشار إلى قيام الحجة الواضحة والبينة الظاهرة على عدم فرار أكابر الصحابة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يقع منه تولّ فهم كذلك لمثابرتهم على بذلهم نفوسهم وعلمهم بأن الله تعالى لا يخذله، وأنه يعصمه من الناس، ولا ينافى ذلك ما فى مسلم عن سلمة بن الأكوع، «من قوله: فارجع منهزما. . . إلى قوله: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما فقال: لقد رأى ابن الأكوع ¬

236 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الجهاد (1688)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى المغازى (4315)، (4317)، ومسلم فى الجهاد (1776)، وأحمد فى المسند (4/ 289)، والبغوى فى شرح السنة (12/ 372)، والطبرانى فى الكبير (6/ 43)، وابن الجارود فى المنتقى (1066)، والبيهقى فى السنن (9/ 155)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 132)، كلهم من طريق أبى إسحاق عن البراء به فذكره نحوه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فزعا» فقال العلماء: قوله: منهزما حال من ابن الأكوع كما صرح به أولا بانهزامه، ولم يرد أنه صلى الله عليه وسلم انهزم، وقد قالت الصحابة كلهم: ما انهزم، ولم يقل أحد قط أنه انهزم فى موطن من المواطن، ومن ثمة أجمع المسلمون على أنه لا يجوز عليه الانهزام فمن زعم أنه انهزم فى موطن من مواطن الحرب، أدب تأديبا عظيما لائقا لعظم حرمته، إلا أن يقوله على جهة التنقيص، فإنه يكفر فيقتل ما لم يتب على الأصح عندنا، ومطلقا عند مالك وجماعة من أصحابنا، وبالغ بعضهم فنقل عليه الإجماع، بل وأطلق ذلك قتل عندهم على ما أشار إليه بعض محققيهم. (سرعان الناس) بفتح الراء، ويجوز إسكانها أى: أوائلهم الذين يسارعون إلى الشىء غفلة من خطرة وفيه تصريح بأن الفرار لم يكن من جميعهم، وإنما كان أولا ممن فى قلبه مرض من مسلمة الفتح ومؤلفتهم (¬1)، وأخلاطهم الذين لم يتمكن الإسلام من قلوبهم، بل كان فيهم من يتربص بالمسلمين الدوائر ونساء وصبيان خرجوا للقيه، فلما انكشفوا عن العدو، ظن من فرّ من الصحابة، أنه لم يبق فيهم غناء فكدّوا ليعرفوا الخبر، فأطلق على فعلهم الفرار أخذا بالظاهر. و (تلقتهم هوازن) قبيلة بحنين، ولد وراء عرنة، ودون الطائف، قيل: بينه وبين مكة ثلاث ليالى، وكان مسيره صلى الله عليه وسلم إليها يوم السبت لست ليال خلون من شوال، لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتح مكة وتمهيدها، وأسلم عامة أهلها، واجتمعت أشراف هوازن وثقيف وقصدوا حرب المسلمين، فسار صلى الله عليه وسلم إليهم فى اثنى عشر ألفا عشرة من أهل المدينة، وألفان من مسلمة الفتح، وهم الطلقاء أى عن الاسترقاق، وخرج معهم ثمانون مشركا منهم: صفوان بن أمية، وكان صلى الله عليه وسلم استعار منه مائة درع بأداتها، وورد بسند حسن: «أنه رجلا اطلع على جبل، فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم بأن هوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم، وبغنمهم، ونسائهم اجتمعوا إلى حنين، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله» (¬2) وقوله: «عن بكرة أبيهم» يريدون به الكثرة لا أن هناك بكرة حقيقية ويستقى عليه الماء، والظعن: النساء واحدتها ظعينة، ولكثرة المسلمين قال رجل من الأنصار-وزعم أنه الصديق رضى الله عنه من كذب من المبتدعة-: والله لن ¬

(¬1) فى (أ): [موافقيهم]. (¬2) رواه البيهقى فى السنن الكبرى (9/ 149)، وفى دلائل النبوة (5/ 126)، والطبرانى فى الكبير (6/ 116)، والحاكم فى المستدرك (2/ 84).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على النبى صلى الله عليه وسلم ثم ركب بغلته البيضاء، ولبس درعين والمغفر والبيضة، واستقبلهم من هوازن لم يروا مثله قط من السواد والكثرة، وذلك فى غلس الصبح وخرجت الكتائب من مضيق الوادى، فحملوا حملة واحدة فانكشفت خيل بنى سليم مولية، وتبعهم أهل مكة والناس، ولم يثبت معه صلى الله عليه وسلم يومئذ إلا عمه العباس، وأبو سفيان ابن عمه الحارث، وأبو بكر، وأمامة فى أناس من أهل بيته وأصحابه، قال العباس: وأنا آخذ بلجام بغلته أكفها مخافة إلى أن يصل إلى العدو، لأنه كان يتقدم إلى العدو وأبو سفيان آخذ بركابه، وجعل يأمر العباس بمناداة الأنصار وأصحاب الشجرة، أى شجرة بيعة الرضوان فناداهم، وكان صيتا يسمع صوته من ثمانية أميال، فلما سمعوه، أقبلوا كأنهم الإبل حنت إلى أولادها يقولون: يا لبيك يا لبيك، فتراجعوا حتى أن من لم يطاوعه بعيره نزل عنه ورجع ماشيا، فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يصدقوا الحلة واقتتلوا مع الكفار، ولما نظر إلى قتالهم قال: الآن حمى الوطيس، وهى تنور الخبز ضربه مثلا، إذ لم يسمع من أحد قبله لشدة الحرب التى شبه حرها حره وتناول حصيات من الأرض ثم قال: شاهت الوجوه» (¬1) أى: قبحت «ثم رمى بها فامتلأت عين كل مشرك منها»، وفى رواية مسلم: «من تراب الأرض» فأحداهما مجازا، ورمى بكل أو خلطهما ورمى بهما، وفى رواية عند أحمد وأبى داود والدارمى: «أن المسلمين لما ولوا نزل صلى الله عليه وسلم عن فرسه وضرب وجوههم بكف من تراب فحدث أبناؤهم عنهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد، إلا امتلأت عيناه وفيه ترابا سمعنا صلصلة رمى السماء كإمرار الحديد على الطشت الجديد» (¬2) بالجيم، ولأحمد والحاكم عن ابن مسعود «أن سرج بغلته مال، فقال: ارتفع يرحمك الله، فقال: ناولنى كفا من تراب فضرب وجوههم، وامتلأت أعينهم ترابا، وجاء المهاجرون والأنصار بسيوفهم بأيمانهم كأنهم الشهب فولى المشركون الأدبار» (¬3)، وفى رواية: «عن رجل كان منهم لما ¬

(¬1) رواه مسلم فى الجهاد (1777)، وأحمد فى مسنده (1/ 303،368)، وابن حبان فى صحيحه (6502،6520)، والبيهقى فى دلائل النبوة (5/ 140،6/ 240)، والحاكم فى المستدرك (3/ 157)، وأبو نعيم فى دلائل النبوة (139)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (8/ 228) وقال: رواه أحمد بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح قلت: بل رجال الإسنادين رجال الصحيح. (¬2) رواه الدارمى فى السير (2/ 220)، وأحمد فى مسنده (1/ 453) (5/ 286). (¬3) سبق تخريجه فى الذى قبله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لقيناهم لم يقدموا (¬1) لنا حلب شاة فجعلنا نسوقهم حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقانا عدة رجال بيض الوجوه حسان، فقالوا لنا: شاهت الوجوه، ارجعوا فانهزمنا وركبوا أكتافنا» (¬2)، وفى سيرة الدمياطى: «كان سيماء الملائكة يوم حنين عمائم حمرا رخوها بين أكتافهم، وأمر صلى الله عليه وسلم أن يقتل من قدر عليه، فأفضوا إلى الذرية، فنهاهم عنه وقال: من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه» (¬3)، واستلب أبو طلحة وحده ذلك اليوم عشرين رجلا، وكان فى إمساكه لقلوب هوازن عن الدخول فى الإسلام بعد الفتح المجعول علامة على دخول الناس فى دين الله أفواجا، إتماما لإقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومزيد النصرة بقهر هذه الشوكة العظيمة التى لم يلقوا قبلها مثلها، وأذيقوا أولا مرارة الهزيمة لتتواضع رءوس رفعت بالفتح، ولم يدخل بلده وحرمه على هيئة تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليقين من قال: لن نغلب اليوم من قلة، أن النصر إنما هو من عند الله، وأنه المتولى بنصرة دينه ورسوله دون كثرتهم التى أعجبتهم بأنها لم تغن عنهم شيئا فولوا مدبرين، فلما انكسرت قلوبهم أنزل الله على رسوله وعليهم، وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها (¬4) ولم يقاتل الملائكة معه إلا هنا وفى بدر، واختصتا أيضا برميه وجوه المشركين بالحصى، وأمر صلى الله عليه وسلم بطلب العدو، فانتهى بعضهم إلى الطائف، وبعضهم نحو بجيلة، وقوم منهم فروا إلى أعلى، واستشهد من المسلمين أربعة، وقتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلا (بالنبل) بالفتح السهام الأولى له من لفظه، أو جمع نبلة، ويجمع على نبال بالكسر، وأنبال وحين أرشقوهم بها ولى أولاهم على أخراهم من العمل، قول بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة لما مر، ومن ثمة لما بلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم شق عليه حتى أنزل الله سكينته على المؤمنين، وأنزل جنودا لم ¬

(¬1) فى (أ): [يقضوا]. (¬2) سبق تخريجه فى الحديث الأول. (¬3) رواه البخارى فى البيوع (2100)، وفى فرض الخمس (3142)، وفى المغازى (4321، 4322)، ومسلم فى الجهاد (1751)، وأبو داود فى الجهاد (2717)، والترمذى فى السير (1562)، وابن ماجه فى الجهاد (2837)، والبغوى (2724)، وابن حبان فى صحيحه (4805،4836،4837)، وأحمد فى مسنده (5/ 295،306)، والبيهقى فى السنن (6/ 306)، وابن الجارود فى مسنده (1076)، وعبد الرزاق فى مصنفه (9476). (¬4) سورة التوبة: آية رقم (26).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تروها من جنود الملائكة ما كان سببا للنصرة والطفر (على بغلته) زاد مسلم البيضاء، وهى دلدل وركوبه لها مع عدم صلاحيتها للحرب كر، أو فر، ومن ثمة لم يسهم لها، ومع أنها فى العادة إنما هى من راكب الطمأنينة، وأن الملائكة الذين قاتلوا معه فى ذلك اليوم لم يكونوا إلا على الخيل لا غير، ومع أنه كان له أفراس متعددة فى مواطن الحرب، سيما عند اشتعال نارها كهذا الاشتعال الذى هو النهاية المقصودة فى الشجاعة والثبات، إعلاما بأن سبب نصرته، وظفره، ومدده السماوى، وتأييده الإلهى الخارق للعادة وبأنه ظاهر الزمان والمكان، ليرجع إليه المسلمون، وتطمئن قلوبهم بمشاهدة جمال ذاته وجليل آياته كركضه بها فى نحر العدو مع فرار الناس عنه، ولم يبق معه إلا أكابر الصحابة، وأهل بيته، وكنزوله عنها إلى الأرض مبالغة فى الثبات والشجاعة، أو مواساة فى مثل هذا المقام للماضين معه من أصحابه. (بلجامها) ليكفها عن أن تقع به فى نحر العدو وتارة بركابها، والعباس بلجامها (أنا النبى لا كذب) أى: حتما فلا أفر ولا أزول، إذ صفة النبى يستحيل معها الكذب، فكأنه قال: أنا النبى والنبى لا يكذب، فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم، بل أنا متيقن أن ما وعدنى الله من النصر حق، فلا يجوز علىّ الفرار، ومن الشاهد هنا أيضا ما قيل: من فتح باء كذب وكسر الباء من المطلب. (أنا ابن عبد المطلب) فيه دليل لجواز قول الإنسان فى الحرب أنا فلان ابن فلان، ومنه قول على رضى الله عنه «أنا الذى سمتنى أمى حيدره» أى: أسد وقول سلمة أنا ابن الأكوع، والمنهى عنه قول ذلك على وجه الافتخار، كما كانت الجاهلية تفعله، وانتسب لجده عبد المطلب دون أبيه عبد الله، لأنه توفى شابا فى حياة أبيه، فلم يشتهر كاشتهار أبيه، إذ كانت شهرته ظاهرة شائعة، ومن ثم نسب إليه فى نحو قول ضمام: أيكم ابن عبد المطلب؟ وأيضا، فاشتهر عندهم أنه بشر بأن النبى صلى الله عليه وسلم سيظهر، ويكون له شأن عظيم لما أخبر به سيف بن ذى يزن، وأنه رأى رؤيان لعلى ظهوره، فأراد النبى صلى الله عليه وسلم يذكرهم بجميع ذلك بأنه لا بد من ظهوره على الأعداء ليقوى نفوس المؤلفة ونحوهم.

237 - حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا جعفر بن سليمان، حدثنا ثابت، عن أنس: أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم دخل مكة فى عمرة القضاء وابن رواحة يمشى بين يديه وهو يقول: خلّوا بنى الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله ضربا يزيل الهام من مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله فقال له عمر: يا ابن رواحة، بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى حرم الله تقول شعرا؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «خلّ عنه يا عمر، فلهى أسرع فيهم من نضح النّبل». ـــــــــــــــــــــــــــــ 237 - (القضاء) المراد به القضية أى المقاضات والمصالحة، لا القضاء الشرعى، لأن عمرتهم التى تحللوا فيها بالحديبية لم يلزمهم قضاؤها، كما هو شأن المحصر عندنا. (خلوا) أى دوموا على التخلية، لأنهم يومئذ تركوا مكة للنبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه. (نضربكم) بسكون الباء لضرورة النظم. (تنزيله) أى القرآن، وإن لم يتقدم له ذكر، لأنه ذكر ما يفهمه نحو توارت بالحجاب أو النبى صلى الله عليه وسلم أى إرسال الله إليكم، فهو كالأمر النازل من السماء أى على عدم الإيمان بذلك. (الهام) جمع هامة، وهى الرأس. (مقيله) هو مكان القيلولة، وهو محل راحة الإنسان، وكأنه شبه به العنق بجامع محل الرأس، وبقاءه، ويزيل الرأس عن العنق، وأراد بالمقيل: النوم لما علمت أنه محل الاستراحة، وهى موجودة فى النوم أى يمنع الرأس عن النوم، والاستراحة به لشدة ما يقاسيه من ألم الضرب، وفوات المراد، وروى هذا عبد الرزاق أيضا من وجهين، لكنه أبدل عجز الأول بقوله: «قد أنزل الرحمن فى تنزيله»، وزاد فى آخره «بأن خير القتل فى سبيله. نحن قتلناكم على تأويله. كما قتلناكم على تنزيله»، وأخرج الطبرانى والبيهقى بلفظ المصنف لكنه ابتدأ بعجز الأول، وجعل عجز الثانى «يا رب إنى مؤمن بقيله»، وزاد ابن إسحاق على هذا: «إنى رأيت الحق فى قبوله». (ويذهل الخليل عن ¬

237 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأدب (2847) بسنده ومتنه سواء، ورواه النسائى فى الحج (5/ 203)، وفى الكبرى (3856)، من طريق عبد الرزاق به فذكره نحوه.

238 - حدثنا على بن حجر، حدثنا شريك، عن سماك بن حرب، عن جابر ابن سمرة، قال: «جالست النبىّ صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة، وكان أصحابه يتناشدون الشّعر، ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية، وهو ساكت، وربّما تبسّم معهم». 239 - حدثنا على بن حجر، أخبرنا شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ خليله) أى يمنع من أن يتفقده، ويسأل عنه لشغله عنه بما هو أهم من ذلك، وهو خشية فوات نفسه وذهاب نفسه. (فلهى) أى هذه الأبيات أو الكلمات. (فيهم) أى فى إيذائهم، ونكايتهم. (أسرع) وصولا، وأبلغ نكاية. (من نضح النبل) رمى السهام، وفيه دليل لجواز، بل ندب استماع، وإنشاد الشعر الذى فيه مدح الإسلام، ومكارم الأخلاق، والحث على صدق اللقاء، ومبايعة النفس لله، وعدم المبالاة بأعدائه. 238 - (وهو ساكت) فيه حل استماع وإنشاد الشعر الذى لا فحش فيه ولا خفاء فيه، وإن كان مشتملا على ذكر شىء من أيام الجاهلية، ووقائعهم فى حروبهم، ومكارمهم ونحو ذلك، ويحتمل أن أشعارهم التى كانوا يتناشدونها فيها الحث على الطاعة، وذكر أمور الجاهلية للندم على فعلها، فيكون من القسم الأول الذى هو سنة لا مباح فقط، لكن قاعدة أن التأسيس خير من التأكيد، يريد أن المراد هنا الإباحة، وثم السنة كما قررته خلافا لشارح. 239 - (أشعر كلمة) أى أحسنها وأجودها وأدقها، فهو أبلغ من قولهم شعر شاعر ¬

238 - إسناده ضعيف: رواه الترمذى فى الأدب (2850)، بسنده ومتنه سواء، والنسائى فى السهو (3/ 81)، وفى الكبرى (1281)، من طريق زهير عن آخر عن سماك بن حرب به فذكره. قلت: الآخر هو شريك القاضى، وهو سيئ الحفظ. 239 - إسناده ضعيف وهو صحيح: فيه شريك بن عبد الله القاضى، وهو سيئ الحفظ. وقد تقدم برقم (134)، وهو من حديث أبى هريرة أيضا فى الصحيحين عند البخارى ومسلم بنحوه.

«أشعر كلمة تكلمت بها العرب، كلمة لبيد: ألا كلّ شىء ما خلا الله باطل». 240 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا مروان بعد معاوية، عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفى، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه، قال: «كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنشدته مائة قافية من قول أميّة بن الصّلت، كلما أنشدته بيتا قال لى النبىّ صلى الله عليه وسلم: هيه. حتى أنشدته مائة-يعنى بيتا-فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم: كاد ليسلم». ـــــــــــــــــــــــــــــ ومما ذكره بعد ذلك، وكل نعيم لا محالة زائل، ولما سمع هذا عثمان قال: كذب لبيد، نعيم الجنة لا يزول، فلما عقب لبيد ذلك مبينا لمراده وهو نعيم الدنيا بقوله: نعيمك فى الدنيا غرور وحسرة، فسمعه عثمان قال: صدق لبيد قافية أى بيت كما فى رواية مسلم، والرواية الآتية، والأول فيه إطلاق الجزء على الكل. 240 - (قال) رواه البخارى فى المفرد أيضا. (هيه) بكسر فسكون من غير تنوين وأصله أن يستعمل بلا استزادة من حديث، أو عمل معهود، فإن نونت لاتصالها بغيرها كأيه حديثا كانت للاستزادة من غير معهود، وكان تنوينها للتنكير وفى استحسانه صلى الله عليه وسلم لشعر أمية، وأمره بالاستزادة، دليل لما قدمناه من الندب بشرطه الموجود هنا لاشتمال شعره على الإقرار بالوحدانية وعلى الحكم الدقيقة والمعانى العويصة، وأنه لا فرق فى الشعر حيث سلم من الخناء والفحش بين شعر الجاهلية وغيرهم والمذموم مما سلم من ذلك، إنما هو الإكثار والغلبة على قائله (يعنى بيتا) مراده يعنى مائة بيت، وفى نسخة: «بيت» بالجر على الحكاية تفسير المضاف إليه مائة للمحذوف إن مخففة من الثقيلة واسمها إن عملت ضمير الشأن، فزعم أن من قال التقدير أنه كاد لا يعرف شيئا من النحو، ليس فى محله إذ مراده إذا عملت كما ذكرته، ومجرد حذف هذا القيد لا بخبر أن يقال فى حق من حذفه لا يعرف شيئا من النحو، (كاد) قرب. (يسلم) من سبب ذلك. ¬

240 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأدب (2846)، بسنده ومتنه سواء، ومسلم فى الشعر (2255)، وابن ماجه فى الأدب (2846)، وأحمد فى المسند (4/ 389،390)، وأبو بكر بن أبى شيبة فى المسند (910)، (913)، بتحقيقنا، كلهم من حديث الشريد بن سويد به فذكره.

241 - حدثنا إسماعيل بن موسى الفزارى، وعلى بن حجر-والمعنى واحد- قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أبى الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان بن ثابت منبرا فى المسجد يقوم عليه قائما، يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم-أو قال: ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم-ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله يؤيّد حسان بروح القدس ما ينافح أو يفاخر-عن رسول الله صلى الله عليه وسلم». ـــــــــــــــــــــــــــــ 241 - (كان صلى الله عليه وسلم يضع لحسان. . .) إلخ، فيه حل إنشاد الشعر فى المسجد، بل ندب إذا اشتمل على مدح الإسلام وأهله وإهجاء الكفار وتحقيرهم والتحريض على قتالهم، وندب الدعاء إن قال شعرا كذلك (يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) الظاهر من هذه العبارة عند من له ذوق سليم أنه يذكر مفاخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثالب أعدائه ورد لقولهم فى حقه، وما قيل بنسب نفسه إلى الشرف والكبر والعظمة لكونه من أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم الممتاز بالفضل على الخلائق من كل وجه فهو بعيد متكلف، وليته لم يذكر الكبر بأن ذكره فى هذا المقام فيه ما فيه. (ينافح) بالحاء المهملة أى: يدافع ويناضل ويتناول المشركين لهجائهم ومجاوبتهم. (بروح القدس) بضم الدال وسكونها وهو جبريل سمى بذلك، لأنه يأتى الأنبياء بما فيه الحياة الأبدية والطهارة الكاملة ومعنى تأييده، لأن يلقى فى روعه أفصح الشعر وأبلغه وأليقه بالمقام. (ما ينافح) بالحاء المهملة أى يدافع ويهجو المشركين ومجاوبتهم على أشعارهم، أى ما دام كذلك وفى رواية: «إن جبريل مع حسان ما نافح عنى» (¬1) قيل: ولما دعى له صلى الله عليه وسلم أعانه جبريل بسبعين بيتا، وهو حسان بن ثابت بن المنذر ابن عمرو بن حزام الأنصارى عاش مائة وعشرين سنة، نصفها فى الإسلام، وكذا عاش أبوه وجده وجد أبيه المذكورون، وتوفى سنة أربع وخمسين، ولما جاء صلى الله عليه وسلم وفد بنى تميم ¬

241 - صحيح: رواه الترمذى فى الأدب (2846) بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الأدب (5015)، وأحمد فى المسند (6/ 72)، والحاكم فى المستدرك (3/ 487)، من طريق عبد الرحمن بن أبى الزناد به فذكره نحوه، وقال أبو عيسى: حسن صحيح غريب، وقال أبو عبد الله الحاكم: صحيح ووافقه الذهبى. (¬1) رواه أبو داود فى الأدب (5015)، ما جاء فى الشعر (4/ 305).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشاعرهم الأقرع بن حابس فنادوه: يا محمد اخرج إلينا نفاخرك ونشاعرك، فإن مدحنا زين، وذمنا شين، فلم يزل النبى صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: «ذلك الله إذا مدح زان، وإذا ذم شان، إنى لم أبعث بالشعر ولم أؤمر بالفجر، ولكن هاتوا فأمر صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس أن يجيب خطيبهم فخطب فغلبهم»، فقام الأقرع بن حابس فقال: أتيناك كيما تعرف الناس فضلنا … إذا خالفونا عند ذكر المكارم وأنا رءوس الناس من معشر … وأن ليس فى أرض الحجاز كدارم فأمر صلى الله عليه وسلم حسان يجيبهم، فقال: بنى دارم لا تفخروا إن فخركم … يعود وبالا عند ذكر المكارم هبلتم علينا تفخرون وأنتم … لنا خول ما بين قن وخادم وكان أول من أسلم شاعرهم المذكور، وثابت خطيبه صلى الله عليه وسلم وخطيب الأنصار وهو خزرجى شهد صلى الله عليه وسلم له بالجنة واستشهد باليمامة سنة اثنتى عشرة. تتمة: فيها تأييد لما قررته وزيادة عليه، روى أبو داود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من البيان لسحرا، وإن من العلم لجهلا، وإن من الشعر لحكما» (¬1). قال بعض ¬

(¬1) رواه أبو داود (5010)، و (5011)، والبخارى (6145)، (6146،5767)، والترمذى (2847،2848)، وابن ماجه (3755)، وأحمد فى المسند (1/ 457)، (5/ 125)، والدارمى فى سننه (2/ 296،297)، والبخارى فى الأدب المفرد (864)، والشافعى فى مسنده (2/ 670)، وأبو بكر بن أبى شيبة فى المصنف (8/ 691،692)، وفى المسند بتحقيقنا (392)، (413)، (445)، والطيالسى فى مسنده (2220)، وعبد الرزاق فى المصنف (20499)، والبغوى فى شرح السنة (3398)، وفى التفسير (3/ 405)، والطبرانى فى الكبير (11/ 11759،11761،11763)، (12/ 12888)، وفى الأوسط (1475،2481، 8304،9021،9091)، وأبو يعلى فى مسنده (2332)، (2581)، والطحاوى فى شرح معانى الآثار (4/ 299)، وأبو الشيخ فى الأمثال (6،7)، والبيهقى فى السنن (10/ 237)، وابن حبان فى صحيحه (5718،5778،5780،5795)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 269)، وفى أخبار أصبهان (1/ 355)، جميعهم مختصرا وتاما، من أحاديث عائشة، وعبد الله بن مسعود، وعمار، وعبد الله بن عباس، وعمرو بن عوف، وأبو بكرة، وأبى بن كعب رضى الله عنهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السلف صدق رسول الله أما قوله «إن من البيان لسحرا» فالرجل يكون عليه الحق، وألحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وأما قوله «إن من العلم لجهلا» فيكلف العالم إلى علمه ما لم يعلم بجهله، وأما قوله: «إن من الشعر لحكما» فهو هذه المواعظ والأمثال التى يتعظ بها الناس، ومفهومه أن بعض الشعر ليس كذلك إذ «من» تبعيضية، وروى البخارى: «إن من الشعر حكمة» أى: قولا صادقا مطابقا للحق قال الطبرى: وبه يرد على من يكره الشعر مطلقا، ولا حجة له فى قول ابن مسعود: «الشعر لمزامير الشيطان» أى: لأنه محمول على شعر فيه سخف أو نحوهما مما غلب على الشعراء وبه ضلوا وأغووا، وعليه أيضا يحمل خبر: «إن إبليس لما هبط إلى الأرض قال: رب اجعل لى قرآنا قال: قرآنك الشعر» على أنه ضعيف قيل: وعلى تقدير ثبوته فهو محمول على الإفراط فيه والإكثار منه. ***

38 - باب: ما جاء فى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى السمر»

38 - باب: ما جاء فى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى السّمر» 242 - حدثنا الحسن بن صباح البزار، حدثنا أبو النضر، حدثنا أبو عقيل الثقفى، عبد الله بن عقيل، عن مجالد، عن الشعبى، عن مسروق، عن عائشة رضى الله عنها، قالت: «حدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نساءه حديثا. فقالت امرأة منهنّ: كان الحديث حديث خرافة. فقال: أتدرون ما خرافة؟ إنّ خرافة كان رجلا من عذرة، أسرته الجنّ، فمكث فيهم دهرا، ثمّ ردّوه إلى الإنس، وكان يحدّث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب. فقال النّاس: حديث خرافة». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السمر) بفتح الميم، وهو حديث الليل، قيل: وهو فى الأصل ضوء القمر ثم سمى به حديث الليل، لأنهم كانوا يتحدثون فى ضوء القمر انتهى، وفى القاموس: السمر محرك الليل وحديث، وظل القمر والدهر انتهى (¬1)، والمراد هنا الثانى، قيل: ويجوز تسكين الميم مصدرا بمعنى المسامرة، وهى المحادثة بالليل (البزار) بزاى ثم راء. 242 - (النضر) بنون فمعجمة. (ذات الليلة) لفظ ذات مقحم على ما مر فى نظيره. (كان الحديث. . .) إلخ لم يرد ما يراد به من هذا اللفظ، وهو الكفاية من ذكر الحديث بأنه كذب مستملح، لأنها تعلم أنه لا يجرى على لسانه إلا الحق، وإنما أرادت أنه حديث مستملح لا غير، وذلك لأن حديث خرافة يشتمل على وصفين بالكذب والاستملاح ¬

242 - إسناده ضعيف: فيه مجالد بن سعيد، قال فيه الحافظ: ليس بالقوى، وقد تغير فى آخر عمره (التقريب 6478). رواه أحمد فى المسند (6/ 157)، من طريق أبى النضر به فذكره. ورواه أبو يعلى فى مسنده (4442)، من طريق أبى عقيل به فذكره، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (4/ 315)، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، والطبرانى فى الأوسط عن عائشة. . . ورجال أحمد ثقات، وفى بعضهم كلام لا يقدح، وفى إسناد الطبرانى على بن أبى سارة وهو ضعيف. (¬1) انظر: ترتيب القاموس المحيط (2/ 611).

243 - حدثنا على بن حجر، أخبرنا عيسى بن يونس، عن هشام بن عروة، عن أخيه عبد الله بن عروة، عن عائشة رضى الله عنها، قالت: «جلست إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن، وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. فقالت الأولى: زوجى لحم جمل غثّ، على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. ـــــــــــــــــــــــــــــ فيصح التشبيه به فى أحدهما، أو فى كليهما، لكنه صلى الله عليه وسلم لما علم أن كلاهما يوهم بين المراد منه بقوله. (أتدرون. . .) إلخ، وخاطبهن بخطاب المذكر تنزيلا لهن منزلتهم فى كمال العقل ببركة صحبته صلى الله عليه وسلم، وزعم أن هذا بعيد، هو البعيد كما لا يخفى، وإنما البعيد هو قوله: يحتمل أنه كان عندهن محرم ذكر فغلبه عليهن، إذ تصور وجود محرم لجميع أمهات المؤمنين فى غاية البعد، لكن قائل ذلك غلب عليه رعايات الاحتمالات العقلية من غير نظر إلى الخارج، فيخرج الأحاديث عليها غفلة عما يترتب من الركة تارة، والفساد أخرى. (من عذرة) قبيلة من اليمن. (أسرته الجن) أى اختطفته فى الجاهلية أى قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم. (جلس) وجه تذكيره أنه على حد قال ثلاثا، الذى حكاه سيبويه عن بعض العرب استغناء بظهور تأنيثه عن علامته، أو أنه وعى فيه معنى الجمع لا الجماعة، أو حكم الإسناد إلى الجمع حكم الإسناد إلى الموت غير الحقيقى. 243 - (إحدى عشرة امرأة) أى فى بعض قرى مكة وقيل: عدن، عرف منهن أسماء ثمان فقط. (فتعاهدن) ألزمن أنفسهن. (وتعاقدن) أى على الصدق من ضمائرهن. (غث) مهزول روى بالجر صفة لجمل لقربه منه، وبالرفع صفة للحم، لأن المقصود منه المبالغة فى قلة نفعه وأنه مرغوب عنه. (على رأس جبل وعر) صعب الوصول إليه فلا تنتفع به زوجته فى العشرة ولا غيرها أى: فهو قليل الخير من أوجه منها كونه كلحم الجمل دون الضأن وهو مع ذلك مهزول، ردئ وكونه صعب التناول لا يصل إليه إلا بمشقة شديدة، وقال الخطابى معنى ذلك أنه يترفع ويسم نفسه فوق قدرها فجمع إلى قلة ¬

243 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى النكاح (5189)، ومسلم فى فضائل الصحابة (2448)، كلاهما من طريق هشام بن عروة به فذكره.

قالت الثّانية: زوجى لا أبثّ خبره، إنّى أخاف ألاّ أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره. ـــــــــــــــــــــــــــــ خيره تكبره وسوء خلقه. (لا) ذلك الجبل. (سهل) روى هو وما بعده بالرفع فلا بمعنى ليس. (فيرتقى) هو وما بعد بيان لوجه الشبه فى قولها: لحم جمل إلخ. (ولا) ذلك اللحم. (سمين فينتقل) أى فتنقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه بل يرغبون عنه لرداءته، فلا مصلحة فيه تسهل عشرة يقال: انتقلته بمعنى نقلته لكن قضية قول القاموس: نقلته فانتقل، أن للانتقال لازم مطلقا أبدا، وحينئذ فيشكل بنائه للمجهول، ويجاب بفرض صحة قضيته قول القاموس لأنه ضمن بتنقل، يؤخذ وفى رواية «فينتقى» أى فيختار الأكل أو يستخرج نقيته بكسر النون وإسكان القاف، وهو المخ، لأن مخ السمين مما يقصد ويثابر عليه فكنّت بنقى المخ عنه عن قلة خيره وعقله، وروى مجرورين، «فلا سهل» عطف على وعر، «ولا سمين» يمكن أن يكون عطفا على غث، بل يتعين، لأن المعنى ليس إلا عليه ولا نظر لما فضل به بينهما، لأنه غير أجنبى من كل وجه، ويصح عطفه على سهل بتكلف، أى لا جبل سهل، ولا لحم سمين، وتكلف بعضهم لعطفه عليه بما فيه مزيد تقدير ينبؤ عنه قوانين البلاغة، لأنه إذا أمكن الوجه السالم من مزيد مما لا معنى له عند التأمل ومبنين هذا التقدير تعين سلوكه والإعراض عما سواه على الفتح أى: لا سهل فى الجبل، لا سمين فى اللحم فينتقل. (لا أبث خبره) أى لا أنشره ولا أشيعه. (إنى أخاف ألا أذره) إن عادت الهاء على الخبر كان المعنى: إن خبره طويل إن فصلته لم أتمه لكثرته فأذر بمعنى أتم والمشهور أنها بمعنى أترك أو على الزوج كانت لا زائدة على حد قوله: مامَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ (¬1) أى: إنى أخاف إن بثثته طلقنى فأذره أى: أتركه، أى: أتركه ولى أولاد منه أخشى ضياعهم ويؤيد الأول قولها إن. . . إلخ. (عجرة وبجرة) بضم أول كل وفتح ثانيه جمع عجرة وهو العقد فى العروق، وبجرة كصفرة، وكذا التى قبلها، وهى السرة كانت ناتئة أولا والعقد فى الوجه والعنق أى عيوبه وأمره كله ذكره فى القاموس، وقضية قوله وأمره كله أنهما كما يطلقان على ذكر العيوب كلها الباطنة والظاهرة كذلك يطلقان على ذكر الأمور كلها، وإن كانت مدحا وعليه، فهل تصح إرادته هنا الظاهر، لا بقرينة السياق كما هو واضح لا يقال هذه كتمت خبر زوجها، فخانت العهد الذى يتحالفن على عدم الخيانة، لأنا نقول لم تكتم ¬

(¬1) سورة الأعراف: آية رقم (12).

قالت الثالثة: زوجى العشنّق، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق. قالت الرّابعة: زوجى كليل تهامة، لا حرّ ولا قرّ، ولا مخافة ولا سامة. قالت الخامسة: زوجى إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد. ـــــــــــــــــــــــــــــ منه شيئا، بل شرحته على أتم وجه، لكن بدقة لا تخفى على أولئك العرب العرباء، وكذا يقال فى التى بعدها فإنها جمعت كل العيوب فى قولها: العشنّق كما يعلم مما يأتى. (العشنق) بمهملة فمعجمة مفتوحتين فنون مشددة فقاف: الطويل من غير نفع لسوء خلقه وسفهه وبلادته. (إن أنطق) بعيوبه. (أطلق) أى: يطلقنى لسوء خلقه، وأنا لا أحب الطلاق لأولاد لى منه، أو لاحتياجى إليه، أو لغير ذلك من الأعذار على أن محبة المرأة للطلاق من غير ضرورة، وصمة عظيمة فيها، فإن قلت: طلاق من ذكرت عيوب زوجها ليس فيه سوء خلق، بل هو شأن أهل المرؤة والمغيرة قلت: الكلام فى ذكر عيوب بحق لا تعلق لها بالدين أصلا، وح فالطلاق لذكرها محض سوء خلق. (وإن أسكت) عنها. (أعلق) أى علقنى فيتركنى لا عزبا ولا مزوجة فإن قلت: لا ملازمة بين سكوتها عن عيوبه وتركه لها معلق فكيف لازمت بينهما؟ قلت: لما بينت أنه جمع سوء الخلق والسفه والبلادة، علم بذلك أنه إنما يطلق بلا سبب يوجب الطلاق، وإما يتركها معلقة بلا سبب أيضا يوجبه أيضا فتركها معلقة ليس لازما لسكوتها بل له مع ما فى الزوج من تلك الصفات القبيحة فتأمله، وأعرض عما سواه، (كليل تهامة) قال الحافظ أبو موسى: هى تهامة مكة وما حواليها من الأغوار، وقال الأزهرى: وأول تهامة من ذات عرق إلى البحر وجدة، وقيل: هى ما بين ذات عرق إلى مرحلتين من وراء مكة أى محاذاتها إذ الذى بين ذات عرق ومكة مرحلتان كما صرحوا به، وما وراء ذلك من الغرب فهو غور، والمدينة لا تهامية ولا نجدية؛ لأنها فوق الغور ودون النجد، وليل تهامة مشهور بالاعتدال وهو المقصود بوجه الشبه ومن ثمة عقبته بقوله: (لا حر ولا قر) بفتح القاف وضمها، أى ولا برد (ولا مخافة ولا سآمة) هذا من بقية أوصاف ليل تهامة الأعم من مكة، فلا يقال مكة لا مخافه فيها ولا سآمة فيها ليلا ولا نهارا، وهذا أبلغ من المدح، لأنها ما نفت عنه سائر أسباب الأذى، وأثبتت له جميع أنواع اللذة فى عشرته، ومنه أنه لا غائلة له تخاف لكرم أخلاقه، ولا قبيح يصدر منه فلا تسأم صحبته كما لا يسأم صحبتها، ويروى برفع الكل، وهو واضح، بل يجوز فيها بقية، الأوجه الخمسة فى: لا حول ولا قوة إلا بالله. (إن دخل فهد) بفتح فكسر فسكون وكنّت بذلك لما يقال

قالت السادسّة: زوجى إن أكل لفّ، وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أنوم من فهد عن نومته وغفلته عن أهل بيته فلا يتأثر لما ذهب منها وهذا معنى (ولا يسأل عما عهد) وح ففى كلامها نوع تكرار فلذلك قال ابن أبى أويس: إنما كنّت بذلك عن أنه إذا دخل وثب عليها وثوب الفهد لإرادة جماعها أو ضربها، ولم يرتض ذلك فى القاموس فقال: نام وتغافل عما يجب تعهده، فأشبه الفهد فى تمدده ونومه، فإن القصد إلى المدح، فالمراد التغافل عما أضاعته المرأة بما يجب عليها تعهده تكرما وحلما، وإن كان إلى المذمة فالمراد: النوم والكسالة وعدم المبالاة بضبط أمور أهل بيته. (وإن خرج أسد) بفتح فكسر أيضا، إذا صار بين الناس وخالط الحرب كان فى فضل قوته وشجاعته كالأسد، وفى القاموس: وكفرح دهش من رؤيته وصار كالأسد وغضب وسفه، وح فكلاهما يحتمل المدح بإرادة شجاعته ومهابته، والذم بإرادة غضبه وسفهه، وظاهر سياق كلامها الأول: ولا يسأل عما تعهد، يحتملها ما يعنيها أى: لا يؤاخذ عليه إكراما وتغافلا وتكاسلا. (لف) أى أكثر من الطعام وخلط من صنوفه حتى لم يبق معه شىء. (اشتف) استوعب جميع ما فى الإناء من الشفافة بضم الشين، وهى بقية الشراب يقال لمن شربها: اشتفها وتشافها، وهذا صريح فى ذمه، فكان الظاهر أن ما فيه كذلك كما ذكرته فاندفع ما قيل يحتمل أنها أرادت مدحه، بأنه فى غاية الكرم والتنعم بصنوف الأطعمة من غير أن يدخر منها شيئا مخافة الإملاق، (ولا يولج الكف ليعلم البث) قال أبو عبيدة: أحسب أنه كان بجسدها عيب، أو داء أحزنها وجوده بها إذ البث الحزن، فبذلك كان لا يدخل يده تحت ثيابها خوفا من حزنها بسبب مسه منها ما تكره اطلاعها عليه، وهذا وصف له بالمروءة وكرم الخلق، ورده ابن قتيبة: بأنها كيف تمدحه بهذا وقد ذمته فى صدر الكلام، وأجاب عنه ابن الأنبارى: بأنهن تعاهدن أن لا يكتمن شيئا من أخبارهن، فمنهن من تمحض قبح زوجها فذكرته، ومنهن من تمحض حسن زوجها فذكرته، ومنهن من جمع زوجها حسنا وقبحا فذكرتهما، وقال ابن الأعرابى: إنه ذم لأنها أرادت أنه يلتف فى ثيابه فى ناحية عنها ولا يضاجعها ليعلم ما عندها من محبته، وإلى هذا ذهب الخطابى وغيره، واختاره القاضى عياض، وقيل: البث المرض الشديد، أى إنه قليل الشفقة عليها حتى فى مرضها إذ لا يدخل يده ح تحت ثيابها ليعرف ما بها كما هو عادة الأصدقاء فضلا عن الزوجات، وقيل: البث باطن الشىء فهو متغافل عن

قالت السّابعة: زوجى عياياء-أو غياياء-طباقاء، كلّ داء له داء، شجّك. أو فلّك، أو جمع كلا لك. قالت الثّامنة: زوجى المسّ مسّ أرنب، والرّيح ريح زرنب. قالت التّاسعة: زوجى رفيع العماد، عظيم الرّماد، طويل النّجاد، قريب البيت من النّاد. ـــــــــــــــــــــــــــــ نفى أمرها وما تريد سره فهو تكرما وحلما منه. (عياياء) بمهملة وتحتيتين، وهو ما لا يلقح أو العنّين. (أو غياياء) بمعجمة، وإن أنكرها أبو عبيدة وغيره، وصوبوا المهملة لأنها صحيحة أيضا كما قاله القاضى عياض وغيره من الغياية، وهى الظلمة، وكل ما أظل الشخص، وهو من لا يهتدى إلى مسلك يسلكه لمصالحه أو أنه ثقيل الروح كالظل المتكاثف المظلم الذى لا إشراق فيه، أو غلبت عليه المودة، أو من الغى الذى هو الانهماك فى الشر الذى هو الخيبة وعدم الظفر بمطلوب، وقيل: يلزم على أنه من الغى غوايا لا غيايا، إذا لا وجه لقلب الياء ح واوا ويرد بأنه قلب على خلاف القياس وهو كثير. (طباقاء) أى منطبقة عليه أموره جمعا وغباوة أو شفتاه إذا أراد الكلام، لأنه من اللكنة، فهو عاجز عن الجماع، أو يطبق على المرأة إذا علاها بصدره لثقله، فلا يحصل لها منه إلا الإيذاء والعذاب، ويرجح فى القاموس الثانى، وقيل: الأرجح الأخير. (كل داء) فى الناس. (له داء) أى مجتمع فيه ففيه سائر النقائص والعيوب، فله داء خبر كل ويحتمل أن له صفة داء، وداء الثانى هو الخبر، والقاعدة أن المبتدأ والخبر إذا اتحد لفظهما، وجب اختلاف معناهما، كأنا أبو الجثم وشعرى شعرى أى كل داء قائم به أى بالغ متناه إلى أعلاه، ونظيره: هذا الرجل رجل عظيم أى: عظيم كامل الرجولة، ويحتمل أن يريد كل داء أى لأجله حصل لى داء عظيم لا يرجى برؤه. (شجك) أى كثير شجاج الرأس، إذ هى خاصة به بخلاف الجرح، فإنه يعم البدن. (أو فلك) أى: كثير الكسر والضرب فهى معه بين شج الرأس وضرب وكسر عضو وجمع بينهما أو كثير الخصومة. (المس مس أرنب) أى كريم الجانب لين العريكة والخلق حسن العشرة. (والريح) لجسده وثيابه. (ريح زرنب) نوع من الطيب معروف، أو نبات طيب الرائحة، أو هو الزعفران، أقوال، وقيل: إنها كنّت بذلك عن لين بشرته وطيب عرقه. (رفيع العماد) أى شريف سنى الذكر ظاهر الصيت، إذ العماد فى الأصل: عيدان ترفع بها

قالت العاشرة: زوجى مالك، وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر، أيقنّ أنهنّ هوالك. ـــــــــــــــــــــــــــــ البيوت وكنّت بذلك عن رفعة حسبه ونسبه، وقيل: بل أرادت بها حقيقتها، أى بيته مرتفع العمد ليراه الضيّفان، وذوو الحاجات فيقصدونه. (طويل النجاد) بكسر النون: حمائل السيف وهو كناية عن طول القامة، لأن طولها ملزوم لطول النجاد. (عظيم الرماد) كناية أيضا عن كثرة الجود المستلزم للإكثار من الضيافة المستلزم لكثرة الطبخ المستلزم لكثرة الرماد ولدوام وقود ناره ليلا يهتدى به الضيفان، والكرام يعظمون النيران ليلا ويرفعونها على نحو التلال والأيد، ليهتدى بها الضيفان. (قريب البيت من الناد) أصله من النادى حذف الياء للسجع أى: مجلس القوم ومتحدثهم، وقريب البيت منه دليل على الكرم، إذ الضيفان إنما يقصدون النادى تعرضا لمن يضيفهم من أهله. (وما ملك) فى رواية لمسلم. «فما مالك» وهو تعظيم لأمره وشأنه وأنه خبر مما يذكر به من الثناء عليه، كما أفاده الإبهام فى ما وضده. فَغَشِيَهُمْ مِنَ اَلْيَمِّ ماغَشِيَهُمْ. (خير من ذلك) أى مما ذكرت السابقات فى وصف أزواجهن من المدح، وقيل المشار إليه ما ستذكره هى بعد أى خير مما أقول فى حقه وذكر بعضهم هنا ما يمجه السمع فاحذره. (له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح) فهى كثيرة باركة بفنائه لا يسرحها، إلا قليلا قدر الضرورة، ومعظم أوقاتها حاضرة حتى إذا نزل به ضيفان كانت حاضرة عنده ليسرع إليهم بألبانها ولحومها، وح يصدق عليها أنها كثيرات فى مباركها قليلات فى مسارحها، لأنها إذا تركت نحر أكثرها، فلا يصل إلى المسرح إلا قليلها، وبهذا اندفع ما قيل: المراد كثيرة مباركها عند النحر لا مطلقا، إلا لماتت هزالا ووجه اندفاعه: أنها تسرح وقتا تأخذ فيه حاجتها، ثم تعود لمباركها، وقيل: مباركها فى الحقوق، ومآثر الجود كثيرة لكن صرفها فى هذه الوجوه ومراعيها قليلة، لا يقال هذه الإضافة معنوية تفيد التعريف فكيف وصفت النكرة بها؟ لأنا نقول لو سلمنا ذلك كان التقدير هى كثيرات المبارك فتكون الصفة هى الجملة. (إذا سمعن صوت المزهر) بكسر الميم: العود الذى يضرب به عند الغفلة. (أيقن أنهن هوالك) لما أنه عودهن أنه إذا نزل به ضيف نحر لهم منها وأتاه بالعيدان والمعازف والشراب، فلذلك إذا سمعن صوت المزهر علمن مجيئ الضيف، وأنهن منحورات هوالك، وأنكر أبو سعد النيسابوى ما ذكر فى المزهر، وقال: لم تكن العرب تعرف بكسر الميم للعود، وإنما كان يعرفه من خالط الحضر، قال: والمراد هنا:

قالت الحادية عشرة: زوجى أبو زرع، وما أبو زرع، أناس من حلىّ أذنى، وملأ من شحم عضدىّ، وبجّحنى فبجحت إلىّ نفسى. وجدنى فى أهل غنيمة بشقّ، فجعلنى فى أهل صهيل وأطيط، ودائس، ومنقّ، فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقمح. ـــــــــــــــــــــــــــــ المزهر بضم الميم وكسر الهاء، وهو موقد النار للأضياف فهن إذا سمعن صوته أيقن بالهلاك. خطأه القاضى؛ بأنه لم يرو أحد بضم الميم، وبأن كسرها مشهور فى أشعار العرب، وبأن لا نسلم له أن هؤلاء النسوة من غير الحاضرة، لما مر أنهن من قرى مكة، أو عدن. (وما أبو زرع) فيه ما مر فى: وما مالك. (أناس) بالنون والمهملة أى حرك. (من حلى) بضم أوله وبكسره، وبالتنكير للتعظيم. «أذنى» بالتثنية أى هما يزنيان أى يتحركان لكثرة ما فيهما من الحلى (وملأ من شحم عضدى) أى سمننى بالتربية فى التنعم، وملأ بدنى شحما، ولم ترد اختصاص العضدين، بل إنهما إذا سمنا سمن غيرهما، وقيل: إنما خصتهما لمجاورتهما للأذنين. (وبجحنى فبجحت إلىّ نفسى) بكسر الجيم وفتحها، والكسر أفصح أى وفرحنى ففرحت، أو عظمنى فعظمت عند نفسى، من تبجح بكذا أى تعظم وافتخر. (غنيمة) بضم أوله مصغرا للقليل. (بشق) بكسر المعجمة، وهو المعروف لأهل الحديث مع كونى وإياهم فى جهد ومشقة، وبفتحها وهو المعروف لأهل اللغة اسم موضع أى بناحية شاقة أهلها فى غاية الجهد لقلتهم وقلة غنمهم. (صهيل) هو صوت الخيل. (وأطيط) هو صوت الإبل، أرادت أن أهلها كانوا أصحاب غنم لا خيل ولا إبل، والعرب إنما يعدون بأصحابهما دون أصحاب الغنم (ودائس) اسم فاعل من الدوس وهو البقر الذى يدوس الزرع فى بيدره. (ومنق) بضم الميم أيضا وفتح النون وتشديد القاف أى ينقى الطعام بعد درسه من تبنه وقشوره بغربال أو غيره، وتقييد الهروى بالغربال، ليس بشرط، وأرادت بذلك أنه صاحب زرع تدوسه وتنقيه، وقيل: يجوز كسر نونه، وأنكره أبو عبيدة، ورد بأنه من النقيق: وهو صوت الدجاجة والزحمة، أى: جعلنى فى المطاردين للطيور عن الحب كناية عن كثرة زرعهم ونقيقهم، سمى هذا منقى، لأنه إذا طرد الطير نقق أى: صوت، فيصير هو أغنى المطارد ذوى نقيق، وقيل: الأولى تفسير النقق بمذابح الطير لا أنه عند ذبحه نقيق، فيصير هو ذا نقيقى أى: من أهل ذابحى الطير وطاعمى لحومها فهو كناية عن كونه رباها

أمّ أبى زرع، فما أمّ أبى زرع، عكومها رداح، وبيتها فساح. ابن أبى زرع، فما ابن أبى زرع، مضجعه كمسلّ شطبة، وتشبعه ذراع الجفرة. بنت أبى زرع، فما بنت أبى زرع، طوع أبيها، وطوع أمّها، وملء كسائها، وغيط جارتها. ـــــــــــــــــــــــــــــ بلحم الطير الوحشين، وهو أمرأ وأطيب من لحم غيره. (فلا أقبح) أى لا يقبح قولى، بل يقبله منى. (فأتصبح) أى أنام حتى الصبحة وهى ما بعد الصبح، لأنى مكفية عنده بمن يخدمنى، وهو يرفق بى، ولا يوقظنى، ولا يذهب لغيرى مع مرؤته وكمال عزته. (فاتقمح) بقاف ونون كما فى الصحيحين أيضا أى: أقطع الشرب وأتمهل فيه، لأن الماء كثير عنده، فلا أخاف أن تفوتنى حاجتى منه، ويجوز إبدال نونه ميما، قال البخارى: وهو أصح أى: أروى حتى أدع الشراب من الرى، وقال أبو عبيدة: لا أراها قالت هذا إلا لعزة الماء عندهم. (أم أبى زرع) انتقلت من مدحه إلى مدح أمه، مع ما جبل النساء عليه من كراهة أم الزوج، إعلاما بأنها فى غاية الإنصاف والخلق الحسن. (فما أم أبى زرع) تعجب منها وقرنت بالفاء، إشعارا بأنه سبب عن التعجب من ولدها أبى زرع. (عكومها) جمع عكم بكسر أوله أى: إعدالها وأوعية طعامها. (رداح) بفتح أوله، وروى بكسره عظام كثيرة ومنه امرأة رداح عظيمة الأكفال، ووصف الجمع بالمفرد على إرادة كل عكم منها رداح، أو على أن رداح هنا مصدر كالذهاب. (فساح) بفاء مفتوحة وروى بالضم فمهملة مفتوحة مخففة أى: واسع، أو كنّت بوسعه عن كثرة خيره ونعمته. (مضجعه كمسل) بفتح أوله وثانيه المهملة وتشديد اللام مصدر بمعنى المسلول من قشره. (شطبة) بشين معجمة فمهملة ساكنة فموحدة: ما شطب أى شق من جريد النخل، وهو السعف، أى: هو مهفهف خفيف اللحم كالشطبة، وهو ما يمدح به الرجل، وقيل: الشطبة: السيف أى إنه كالسيف يسل من غمده، والمسل: اسم المكان كما هو وضعه أى: إن مضجعه كغلاف السيف أو محل سل منه الغصن، أو إن موضع نومه نظيف طاهر لم يتلوث بقذر على خلاف الأطفال. (ذراع) مؤنثة، وقد تذكر. (الجفرة) بفتح الجيم: أنثى ولد المعز، وقيل: الضأن إذا بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها، والذكر جفر لأنه جفر جنباه، أى: عظما فهو قليل الأكل، وقلته محمودة شرعا وعرفا لا سيما عند العرب. (طوع أبيها وطوع أمها) أى مطيعة لهما غاية الإطاعة. (ملء

جارية أبى زرع، فما جارية أبى زرع لا تبث حديثنا تبثيثا، ولا تنقث ميرتنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا. قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخّض: فلقى امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمّانتين، فطلقنى ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريا، ـــــــــــــــــــــــــــــ كسائها) أى لسمنها، وفى رواية. «صفر درائها» قيل: ضامرة البطن، لأن الرداء ينتهى إليها. والصفر: الخالى، وقيل: ضعيفه أعلى البدن، وهو محل الرداء، أو ممتلئة أسفله، وهو محل الكساء لرواية: «وملء إزارها»، قال القاضى: والأول على أن المراد امتلاء منكبيها، وقيام نهديها بحيث يرفعان الرداء عن أعلى جسدها، فلا يمسه فيصير خاليا بخلاف أسفلها. (وغيظ جارتها) أى ضرتها لما ترى من جمالها ووضأتها وعفتها وأدبها، وفى رواية: «وعقر جارتها» بفتح العين وإسكان القاف، أى: تغيظها فتصير كمعتورة، أو تدهشها من غير دهش، أو عبر بضم العين وإسكان الموحدة من الاعتبار، أو العبرة أى: البكاء أى: ترى من ذلك ما تقهر به أو ما تقهر به أو ما يبكيها لغيظها وحسدها (لا تبث) بفوقية فموحدة أو نون فمثلثة أى تظهر وتشيع، بل تكتم (ولا تنقث) يروى تنقث من باب التفعيل. (ميرتنا) هى الطعام المجلوب، أى: لا تفسده بتفرقه لأمانتها. (تعشيشا) بالعين المهملة، أى: لا تترك الكناسة والقمامة مفرقة فيه كعش الطائر، بل تصلحه وتنظفه، ولا تجن الطعام فى مواضع منه بحيث تصيرها كأعشاش الطيور، وفى رواية: بالغين المعجمة أى «غشنا» بالخيانة فى الطعام، أو بالنهيمة. (والأوطاب) جمع وطب بفتح فسكون أى: أسقيه اللبن. (تمخض) أى: تتحرك لاستخراج الزبد. (يلعبان من تحت خصرها) وفى رواية: «صدرها» (برمانتين) أى ذات كفل عظيم، فإذا استلقت على قفاها ارتفع الكفل منها من الأرض حتى يصير تحتها فجوة يجرى فيها الرمان، أو ذات ثديين حسنين كالرمانتين قال القاضى: وهو أظهر لما روى من تحت درعها، ولأنه لم يعتد الصبيان يلعبون برمان تحت ظهر أمهاتهم، ولا باستلقاء النساء كذلك، ولك أن تقول: هذه ثلاث روايات: «من تحت صدرها» (¬1)، «من تحت درعها» (¬2)، وهما ¬

(¬1) ذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى فى شرحه لحديث (5189) (9/ 182)، وعزاه إلى (الهيثم بن كليب فى مسنده). (¬2) ذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى فى شرحه لحديث (5189) (9/ 182)، وعزاه إلى (الحارث بن أبى أسامة فى مسنده).

ركب شريا، وأخذ خطّيا، وراح علىّ نعما ثريا، وأعطانى من كلّ رائحة روجا وقال: كلى أمّ زرع وميرى أهلك. فلو جمعت كلّ شىء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبى زرع. قالت عائشة رضى الله تعالى عنها: فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت لك كأبى زرع لأم زرع». ـــــــــــــــــــــــــــــ متحدتان، «من تحت خصرها» (¬1) وهى مخالفة لهما، وقد يجمع: بأن الثديين كان فيهما طول بحيث يقربان إذا نامت من خاصرتها، ولا ينافيه قول القاضى صغيرين كالرمانتين، لأن ذلك باعتبار رأسيهما فهما من رأسيهما بشبهان الرمانتين وإن كان فيهما نوع من طول (سريا) بالمهملة وحكى إعجمامها شريا، وقيل: سخيا (ركب شريا خطيا) بالمعجمة أى فرسا يمضى بلا فتور ولا انكسارا أو فائقا خيارا. (وأخذ خطيا) بفتح أوله، وحكى كسره، وهو الرمح منسوب إلى الخط قرية بين البحر والساحل سميت بذلك، لأنها فى فاصلة بين الماء والتراب، وهى من ساحل بحر عمان يجمع فيها خشبات الرماح ويعمل فيها، لأنها تنبت فى أراضيها. (وراح على نعما) أتى بها لمراحها بالضم موضع بيتها وهى الإبل والبقر والغنم، ولعل المراد هنا بعضها وهى الإبل بل زعم القاضى أن أكثر أهل اللغة على أنها مختصة بالإبل. (ثريا) بمثلثة وتحتية أى: كثيرة ومنه الثروة فى المال أى كثرته. (رائحة) أى ما يروح من النعم بأصنافها والأرقاء. (زوجا) أى اثنين أو صنفا. (ميرى أهلك) بكسر الميم من الميرة أى: أعطيهم ما يميرهم، أى يغنيهم ويكفيهم (كنت لك كأبى زرع لأم زرع) تطييب لنفسها وإيضاح لحسن معاشرته لها، وكان هنا للدوام أى: أنا معك كذلك فيما مضى وفيما يأتى، أو زائدة واعترض الأول بأنه لا حاجة إليه لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر عما مضى إلى وقت تكلمه بذلك وأبقى المستقبل إلى علمه تعالى، فأى حاجة مع ذلك إلى جعلها للدوام إذ هو خروج عن الظاهر من غير دليل ولا ضرورة، والثانى بأن الزائدة غير عاملة ولا يوصل بها الضمير الذى هو مبتدأ فى الأصل، وافهم قوله: «لك» أنه كأبى زرع فى النفع لا فى الضرر الذى هو (¬2) الطلاق لا ¬

(¬1) رواه البخارى فى كتاب (النكاح) باب: (حسن المعاشرة مع الأهل) حديث رقم (5189) (9 - 182). (¬2) فى (ن) [من جملته].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التزوج عليها لأنها لم تزدد معه إلا كمالا وعزا فالنفع باق معه كيف وقد حباها من العلم وكمال التربية ما فاقت به سائر أمهات المؤمنين إلا خديجة رضى الله عنها وزعم بعضهم محتجا بأنه مما أفيض بها عليه أنه أراد أنه لها كأبى زرع حتى فى المفارقة لأنه سيفارقها وتحرم من منافع دينية كانت تأخذها منه انتهى، وأنت فى هذا لا يرضى نسبته إليه إلا من عدم تمييزه من وراء التأمل على أن هذا الزاعم يجهل أن أمهات المؤمنين بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فى حكم الزوجات ولذا وجبت نفقتهن وحرم نكاحهن فلم يحصل لعائشة بالموت إلا فراق صورى وليس هو كفراق أبى زرع بوجه فلا يراد ذلك من قوله: «كأبى زرع لأم زرع» لا يخفى ذلك على أدنى متبصر وفى هذا الحديث من الفوائد منها: ندب حسن المعاشرة للأهل، وحل الإخبار عن الأمم الخالية، وحل السمر فى الخير لملاطفة زوجة، وأن المشبه لا يعطى حكم المشبه به من كل وجه، لأن أبا زرع طلق أم زرع، وهو لم يطلق عائشة، وأن كناية الطلاق لا يقع بها الطلاق، إلا بالنية، إذ المشبه به يحتمل حتى فى الطلاق ومع ذلك لم يؤثر، لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينوه به، وذكر لك المفيد ما مر، لا يمنع كون اللفظ محتملا حتى الطلاق، فيؤثر بنيته، خلافا لمن نازع فى ذلك بما يحذره، فيه أنه لم يحط بكلام الأئمة فى الطلاق وأن الغيبة إنما تكون فى معين والحكاية على غير معين مما يكرهه كما هنا لا غيبة فيها والمراد: عدم التعيين عند المتكلم والسامع، فإن كان معينا عند المتكلم دون السامع، فالذى رجحه القاضى عياض: أنه لا حرمة، ح وقضية مذهبنا خلافه، لأن أئمتنا صرحوا بحرمة الغيبة بالقلب، وبالضرورة، إن الغيبة بالقلب لا يطلع عليها أحد، فإذا حرمت به فأولى حرمتها باللسان ولو بحضرة من لا يعرف المغتاب، وقول القاضى نقلا عن غيره: لا يكون غيبة ما لم يسم صاحبها باسمه، أو ينبه عليها بما لا يفهم منه غيبة، رأى له، وهؤلاء النسوة مجهولات الأعيان على أن أزواجهن لم يثبت لهم إسلام، أو أنا لن نحرم غيبتهم لو تعينوا، فكيف مع الجهل؟ وح، ففى أخذ الأخير من الحديث نظر، لأن عائشة إنما ذكرت نساء مجهولات ذكرن عن مساوئ أزواج مجهولين ومثل ذلك لا يتوهم أنه غيبة. ***

39 - باب: ما جاء فى صفة نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

39 - باب: ما جاء فى صفة نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم 244 - حدثنى محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن عبد الله بن يزيد، عن البراء بن عازب رضى الله عنهما: «أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه وضع كفّه اليمين تحت خدّه الأيمن وقال: ربّ قنى عذابك يوم تبعث عبادك». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم) اعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان ينام أوائل الليل ويستيقظ عند نصف الليل الثانى فيستاك ثم يتوضأ ثم يصلى إلى أن يبقى من الليل نحو سدسه فيضطجع مع أهله فإن كان له حاجة إلى أهله ألم بهن وإلا حدثهن أو نام إلى قبيل الفجر فلم يكن يأخذ من النوم فوق القدر المحتاج إليه ولا يمنع نفسه من المحتاج إليه منه وكان ينام على شقه الأيمن ذاكرا الله حتى تغلبه عيناه غير ممتلئ البدن من الطعام والشراب، وكان ينام تارة على الفراش المحشو بالليف كما مر فى بابه وتارة على النطع وتارة على الحصير وتارة على الأرض. 244 - (إذا أخذ مضجعه) بفتح الجيم محل الاضطجاع أى أراد النوم. (خده الأيمن) فيه دليل لندب التيمن فى النوم لأنه أسرع إلى الانتباه لعدم استقرار القلب ح لأنه معلق بالجانب الأيسر فيقلق ولا يستغرق فى النوم فيكون الاستراحة ح أبطأ للانتباه قالوا: والنوم عليه وإن كان أهنئ لكن إكثاره مضر بالقلب يسبب ميل الأعضاء إليه ¬

244 - صحيح: رواه الترمذى فى الدعوات (3399)، والنسائى فى عمل اليوم والليلة (449،451)، كلاهما من طريق أبى إسحاق عن طرق مختلفة من حديث البراء فذكره. قال أبو عيسى: حديث حسن غريب من هذا الوجه، وروى الثورى هذا الحديث عن أبى إسحاق عن البراء، لم يذكر بينهما أحدا. وروى شعبة عن أبى إسحاق، عن أبى عبيدة، ورجل آخر عن البراء، وروى شريك عن أبى إسحاق عن عبد الله بن يزيد عن البراء وعن أبى إسحاق عن أبى عبيدة عن عبد الله عن النبى صلى الله عليه وسلم مثله. وبالجملة فالحديث صحيح، وله شاهد عن عبد الله عند ابن ماجه (3877)، وأحمد فى المسند (1/ 394).

245 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعى بن حراش، عن حذيفة، قال: «كان النبىّ صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه، قال: اللهمّ باسمك أموت وأحيا وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور». ـــــــــــــــــــــــــــــ فينصب المواد، واعلم أن هذا التعليل، إنما هو بالنسبة إلينا دونه صلى الله عليه وسلم، فإنه لا ينام قلبه، فلا فرق فى حقه بين النوم على الشق الأيمن أو الأيسر، وإنما كان يؤثر الأيمن، لأنه كان يحب التيامن فى شأنه كله، ولتعليم أمته، وأراد فى النوم على الظهر بخلاف مجرد الاستلقاء عليه من غير نوم، واردا منه النوم منبطحا على الوجه، وروى ابن ماجه، «أنه صلى الله عليه وسلم لما مر بمن هو كذلك فى المسجد، فضربه برجله، وقال: قم، أو اقعد، فإنها نومة جهنمية» (¬1). (قنى عذابك) ذكر ذلك مع عصمته تواضعا، وإجلالا له، وتعليما لأمته، إذ يندب لهم التأسى به فى الإتيان بذلك عند النوم، لاحتمال أن هذا آخر عمره، وليكون آخر أعمالهم ذكر الله، مع الاعتراف بالتقصير الموجب للعذاب. 245 - (حراش) بالحاء المهملة. (باسمك) أى على ذكرى لاسمك مع اعتقادى لعظمة مدلوله، وتفرده بالألوهية والملك. (أموت وأحيا) أى يميتنى ويحيينى وقيل: الاسم هنا بمعنى المسمى، وقيل: الموت بمعنى النوم، لأنه مثله بجامع زوال العقل والحركة فى كل منهما، وأيضا فانتفاع الإنسان بالحياة إنما هو من حيث الفوز بالطاعة والبعد عن المعصية فمن لم ينتفع بها من هذه الحيثية كان كالميت ويدل لهذا القول قوله صلى الله عليه وسلم الآتى: بعد ما أماتنا وقد يطلق على السكون، يقال: ماتت الريح إذا سكنت وعلى الجهل نحو قوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ (¬2)، فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ اَلْمَوْتى (¬3) وقد ¬

245 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الدعوات (5/ 3417)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الدعوات (6312)، (6314)، وفى التوحيد (7394)، وأبو داود فى الأدب (5049)، والنسائى فى عمل اليوم والليلة (747)، وفى السنن الكبرى (10583)، وعنه ابن السنى فى عمل اليوم والليلة (701)، كلهم من طريق سفيان به فذكره نحوه. (¬1) رواه ابن ماجه فى سننه كتاب الأدب، باب: النهى عن الاضطجاع على الوجه (2 - 1228)، حديث رقم (3725). (¬2) سورة الأنعام: آية رقم (122). (¬3) سورة الروم: آية رقم (52).

246 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا المفضل بن فضالة، عن عقيل-أراه عن الزهرى، عن عروة، عن عائشة رضى الله عنها، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه كلّ ليلة جمع كفيه، فنفث فيهما، وقرأ فيهما قل هو الله أحد، وقل أعوذ بربّ الفلق، وقل أعوذ بربّ النّاس، ثمّ مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يصنع ذلك ثلاث مرات». ـــــــــــــــــــــــــــــ يستعار للفقر والذل والسؤال والهرم ونحو ذلك (الحمد لله. . .) إلخ إنما حمد على الحياة بعد النوم لأنها من أهم النعم إذ بها يتميز الإنسان من الحيوان ويتأهل للمعارف والعبادات قال الله تعالى: وَيُرْسِلُ اَلْأُخْرى أى نفس التمييز إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. (وإليه النشور) الإحياء للبعث يوم القيامة نبه صلى الله عليه وسلم على أنه ينبغى للإنسان أن يتذكر باليقظة بعد النوم البعث ووقوعه، وأن الأمر ليس غفلا بل لا بد من مرجع الخلق كلهم إلى تلك الدار التى هى دار الثواب والعقاب ليجزوا بأعمالهم، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ومر أن حكمة الدعاء عند النوم وقوع الذكر خاتمة أمره وعلمه وحكمته: إذا أصبح افتتح نهاره، ووقوع أول أعماله بذكر التوحيد والكلم الطيب، تذكيرا له بأنه ينبغى له فى جميع يومه أن يكون مستحضرا لعظمة الله وجلاله، وأن لا ينطق إلا بكلام طيب خالص من الإثم وشوائبه. 246 - (فضالة) بفتح الفاء. (فنفث فيهما) أى نفخ فيهما. (وقرأ) وفى رواية أخرى: «فقرأ» وبالأولى تبين أن الفاء فى الثانية، ليست لترتيب، بل بمعنى الواو، فلا فرق بين تقدم النفث على القراءة، وعكسه لكن يكون كل منهما متأخر عن جمع الكفين، وظاهر كلام بعضهم: أن الأولى تأخير النفث فيه على القراءة، وأنه حمل رواية الفاء، على أن المراد: فأراد أن ينفث فيهما قرأ فنفث، قيل: وكان اليهود يقرأون ¬

246 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الدعوات (3402)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى فضائل القرآن (5017)، ورواه أبو داود فى الأدب (5056)، وابن ماجه فى الدعاء (3875)، وأحمد فى المسند (6/ 116،154)، والنسائى فى الكبرى (10624)، وفى عمل اليوم والليلة (688)، كلهم من طرق عن عقيل عن الزهرى به فذكره.

247 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن كريب، عن ابن عباس: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتّى نفخ، وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة، فقام وصلّى ولم يتوضّأ». وفى الحديث قصة. 248 - حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه، قال: الحمد لله الذى أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممّن لا كافى له ولا مؤوى». ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا ينفثون، فزاد عليهم صلى الله عليه وسلم النفث مخالفة لهم. (يبدأ. . .) إلخ بيان لجملة. (يمسح) أو بدل منه. (يصنع ذلك) أى الجمع والنفث والقراءة. 247 - (نفخ) أى بفمه. (فآذنه) أعلمه. (ولم يتوضأ) لأنه كان من خصائصه أن وضوءه لا ينتقض بالنوم مطلقا، لأن عينيه تنامان، ولا ينام قلبه، فلو خرج منه حدث لأحس به. (قصة) تأتى تقريبا. 248 - (أطعمنا وسقانا) ذكرهما لأن الحياة لا تقم ولا تتم بدونهما، كالنوم، فالثلاثة من واد واحد، فكان ذكره مستدعيا لذكرهما، وأيضا النوم فرع الشبع والرى، وفراغ الخاطر عن المهمات، والأمن من الشرور. (وآوانا) بالمد بدليل قوله: (ولا مؤوى له) ويجوز فيه القصر، والأفصح فى اللازم القصر وفى المتعدى المد. (فكم) تعليل للإتيان بالحمد، وبيان سببه الحامل عليه، إذ لا تعرف النعم إلا بقيدها. (ممن لا كافى له ولا ¬

_ (247) -إسناده صحيح: رواه البخارى فى الوضوء (138)، وفى الأذان (859)، وفى الدعوات (6316)، وكذلك رواه مسلم فى صلاة المسافرين (763)، وأبو داود فى الأدب (5043)، والنسائى فى التطبيق (2/ 218)، وفى الكبرى (397)، (708)، وابن ماجه فى الطهارة (508)، وأحمد فى المسند (1/ 220،234،245،284،343)، والبغوى فى شرح السنة (4/ 12)، وأبو نعيم فى المسند المستخرج على مسلم (1748،1749)، وابن السنى فى عمل اليوم والليلة (760)، والخطيب فى تاريخ بغداد (7/ 332)، كلهم من طرق عن سلمة بن كهيل به فذكره نحوه.

249 - حدثنا الحسين بن محمد الحريرى، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن بكر بن عبد الله المزنى، عن عبد الله بن رباح، عن أبى قتادة: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان إذا عرّس بليل اضطجع على شقّه الأيمن، وإذا عرّس قبيل الصّبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفّه». ـــــــــــــــــــــــــــــ مؤوى) أى لا راحم له ولا عاطف عليه، ولا يعرف كافية ولا مؤوية أو لا كافى له ولا مؤوى على الوجه الأكمل عادة، فلا ينافى أنه تعليل كاف لجميع لخلقه ومرويهم، ونظيره. ذلِكَ بِأَنَّ اَللهَ مَوْلَى اَلَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ اَلْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (¬1) أى لا ناصر لهم، وبتأمل هذا يتعين ازدياد الشكر على من كفاه الله المهمات، ودفع عنه الأذيات وهيأ له مأوى ومسكنا فكم من خلق لم يكف أشر الأشرار، وكم من خلق لم يجعل الله لهم مأوى، بل تركهم يهيمون فى البرارى؟ واستشكل كم هنا للتكثير، ومن هذا حاله قليل، بل نادر، ويرد: بمنع قلته، وعلى التنزل، فالتكثير يصدق بثلاثة فأكثر، ومنه قول الفرزدق: كم عمة لك يا جرير وخالة … فدعاء قد حلبت علىّ عشارى 249 - (الحريرى) بالمهملة المفتوحة، كذا قيل، وصوابه: بضم الجيم نسبة إلى جرير مصغرا. (عرس بليل) من التعريس، وهو نزول المسافر آخر الليل للنوم، أو الاستراحة. (اضطجع على شقه الأيمن) أى وضع رأسه الشريف على لبنة كما فى رواية. (نصب. . .) إلخ حكمته تعليم أمته بذلك، لئلا يثقل بهم النوم، فتفوتهم صلاة الصبح أول وقتها، ويسن للمسافر تحرى ذلك، اقتداء به صلى الله عليه وسلم، وتحصيلا لفضيلة صلاة الصبح أول وقتها. ¬

249 - إسناده صحيح: رواه ابن خزيمة فى صحيحه (2558)، والبيهقى فى السنن الكبرى (5/ 256)، كلاهما من طريق حماد بن سلمة به فذكره، ورواه مسلم فى المساجد (681)، وابن خزيمة (410)، والحاكم فى المستدرك (1/ 445)، والإمام أحمد فى المسند (5/ 350) وأبو نعيم فى المستخرج (1533)، كلهم من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت البنانى، عن عبد الله بن رباح فذكره. (¬1) سورة محمد: آية رقم (47).

40 - باب: ما جاء فى عبادة النبى صلى الله عليه وسلم

40 - باب: ما جاء فى عبادة النبى صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم) عقّبه لنومه لأن عبادته صلى الله عليه وسلم المقصودة هنا كانت تعقب نومه على أن نومه من أجل العبادات ولكلها والأصل فى ذلك قوله تعالى: وَاُعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اَلْيَقِينُ أى: الموت سمى يقينا لأنه متيقن وفائدة الغاية الأمر بالدوام أى: اعبد ربك فى جميع أزمان حياتك ولا تخل لحظة من لحظة الحياة من هذه العبادة ولو حذفت تلك الغاية لاكتفى بالخروج عن عهدة الأمر بأدنى درجات العبادة إذ الأمر لا يفيد التكرار ولا ينافيه على الأصح كما حرر فى الأصول، وروى البغوى وأبو نعيم: «ما أوحى إلىّ أن أجمع المال وأكون من التاجرين، ولكن أوحى إلىّ أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين». ورتب التسبيح وما بعده على ضيق الصدر لأن الاشتغال بها يكشف رين القلوب فيستحقر الدنيا فلا يحزن لفقدها ولا يفرح لحصولها وح تزول جميع الهموم والغموم، وقوله تعالى: فَاعْبُدْهُ وَاِصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ أى: واصبر على مشاق التكليف فى الإنذار والإبلاغ وغيرهما، وعدى اصطبر باللام دون على لأن العبادة جعلت بمنزلة القرآن فى قولك لمحارب: اصطبر لقرانك أى لما يورده عليك من مشاق شجاعته، واعلم أنهم اختلفوا هل كان صلى الله عليه وسلم قبل متعبدا بشرع من قبله؟ فقال الجمهور: لا وإلا لنقل، ولما أمكن كتمه عادة، ولأنه يبعد أن يكون متبوعا من من عرف تابعا، قال إمام الحرمين بالوقف، وقال آخرون: نعم كان متعبدا بشرع، ثم أحجم بعضهم عن التعيين وجسر عليه بعضهم وعليه، فقيل: آدم، وقيل: نوح، وقيل: إبراهيم، وقيل: موسى وقيل: عيسى، وقيل: جميع الشرائع، والقول بأنه كان على شريعة إبراهيم، وليس له شرع ينفرد به، بل القصد من بعثه إحياء لشرع إبراهيم لقوله تعالى: أَنِ اِتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً (¬1) سخف وحماقة، إذ المراد: الاتباع فى أصل التوحيد كما فى قوله تعالى: فَبِهُداهُمُ اِقْتَدِهْ (¬2) وشرائعهم مختلفة، لا يمكن الجمع بينهما فلم يبق إلا ما أجمعوا عليه من التوحيد ومعنى متابعتهم فى التوحيد، المتابعة فى كيفية الدعوى إليه بطريق الرفق، وإيراد الدلائل المرة بعد الأخرى على ما هو المألوف ¬

(¬1) سورة النحل آية رقم (16). (¬2) سورة الأنعام آية رقم (6).

250 - حدثنا قتيبة بن سعيد، وبشر بن معاذ، قالا: حدثنا أبو عوانة، عن زياد ابن علاقة، عن المغيرة بن شعبة، قال: «صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى انتفخت قدماه. فقيل له: أتتكلّف هذا، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا». ـــــــــــــــــــــــــــــ فى القرآن، قال شيخ الإسلام السراج البلقينى فى شرح البخارى: ولم يجئ فى الأحاديث التى وقفنا عليها كيف كان تعبده؟ لكن روى ابن إسحاق وغيره. «أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى حراء فى كل عام شهرا يتنسك فيه، وكان من نسك قريش فى الجاهلية أن يطعم الرجل من جاءه من المساكين حتى إذا انصرف من مجاوزته، لم يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة، وقيل: عبادته الفكر. 250 - (علاقة) بكسر أوله وغلط من قال بفتحه وبالقاف. (عن المغيرة) خرجه الشيخان عن عائشة أيضا بلفظ «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه-وفى رواية: تفطرت-فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا» (¬1) قال: فلما بدن وكثر لحمه صلى جالسا، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع» (¬2). (حتى انتفخت قدماه) أى اجتهد فى الصلاة حتى حصل له ذلك. (أتتكلف هذا؟) أى أتلزم نفسك هذه الكلفة والمشقة التى لا تطاق؟ (ما تقدم من ذنبك وما تأخر) أتوا به على طبق ما فى الآية وح يأتى فيه ما قدمته فيها فى ¬

250 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصلاة (412)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى التهجد (1130)، وفى التفسير (4836)، ومسلم فى صفات المنافقين (2819)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 219)، وفى الكبرى (1325،11501)، وابن ماجه فى الإقامة (1419)، وأحمد فى المسند (4/ 251،255)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 291)، (2/ 161)، والبغوى فى شرح السنة (4/ 45)، والطبرانى فى الأوسط (2154) وابن خزيمة فى صحيحه (1182)، والبيهقى فى السنن (3/ 16)، وأبو نعيم فى الحلية (8/ 289) الخطيب فى التاريخ (14/ 306)، كلهم من طرق عن زياد بن علاقة به فذكره نحوه. قلت: وللحديث شواهد عن النعمان بن بشير، وعائشة وأنس رضى الله عنهم. (¬1) رواه البخارى (8/ 448) حديث (4836،4837)، ومسلم (4/ 2172) حديث (2819، 2820). (¬2) رواه البخارى (8/ 448) حديث (4837).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باب خاتم النبوة. (أفلا) الفاء للسببية عن محذوف أى: أترك الكلفة نظرا إلى عمدة المغفرة «أفلا أكون عبدا شكورا» لا بل ألزمها وإن غفر لى لأكون عبدا شكورا فالمعنى أن المغفرة سبب لكون ذلك التكليف شكرا فكيف أتركه؟ بل أفعله لأكون مبالغا فى الشكر بحسب الإمكان البشرى لحظر تلك النعمة العظيمة ومن ثمة أتى بلفظ العبودية لأنها أخص أوصافه ولذا ذكرها الله فى أعلى المقامات وأفضل الأحوال إذ هى تقتضى صحة النسبة المستلزمة للقيام على الخدمة وهو الشكر إذ العبد لحظ كونه عبدا، أو أن مالكه مع ذلك أنعم عليه بما لم يكن فى حسابه علم تأكد وجوب الشكر والمبالغة فيه عليه ولحيازة سائر أنواع الشرف وما قررته، ومعنى «أفلا»: واضح جلى وإن زعم زاعم أنه متكلف وأن التقدير الأولى إذا أنعم علىّ بالإنعام الواسع «أفلا أكون عبدا شكورا» أى: يصير هذا الإنعام سببا لخروجى عن دائرة المبالغين فى الشكر، والاستفهام للإنكار سببه مثل هذا الإنعام لعدم كونه عبدا شكورا. انتهى. وأنت خبير بأن هذا هو الذى فيه التكلف ويصح أن يكون التقدير أيضا: غفر لى ما تقدم وما تأخر لعلمه بأن أكون مبالغا فى عبادته فأكون عبدا شكورا أفلا أكون كذلك؟ وهذا أقرب من الأول وقد ظن من سأله عن سبب تحمله للمشقة فى العبادة أن سببها إما خوف الذنب أو رجاء المغفرة فأفادهم أن لها سببا آخر أتم وأكمل، هو الشكر على التأهل لها مع المغفرة، وأجر النعمة، ونفى الشكر نفى الاعتراف بالنعمة، والقيام فى الخدمة ببذل المجهود، فمن أدام ذلك كان شكورا، وقليل ما هم، ومن ثم قال تعالى. وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ اَلشَّكُورُ (¬1) ولم يفز بكمال هذه المرتبة غير نبينا صلى الله عليه وسلم ثم سائر الأنبياء، وإنما ألزموا أنفسهم بذلك من الجد فى العبادة وعظيم الخشية لعلمهم بعظيم نعمة ربهم عليهم ابتدأهم بها منه وفضلا من غير سابقة توجب استحقاقها أداء لبعض الشكر وإلا فحقوقه تعالى أعظم من أن يقوم بها أحد من خلقه، وفى هذه الأحاديث ينبغى تشمير ساق الجد فى العبادة، وإن أدى إلى كلفة، لأنه صلى الله عليه وسلم إذا فعل ذلك مع علمه بما سبق له فكيف ممن لم يعلم ذلك فضلا عمن لا يأمن النار؟ نعم محل ذلك؛ إن لم يفض إلى الإملال، وإلا فالأخذ بما لا يفضى إليه أولى للخبر الصحيح «عليكم من الأعمال ما تطيقونه، فإن الله لا يمل حتى تملوا» (¬2)، ¬

(¬1) سورة سبأ آية رقم (13). (¬2) رواه البخارى (1/ 124) حديث (43)، ومسلم (1/ 540) حديث (782)، وأبو داود (2/ 49) حديث (1368). ومالك فى الموطأ (1/ 116) (4).

251 - حدثنا أبو عمار: الحسين بن حريث، أخبرنا الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّى حتّى ترم قدماه. قال: فقيل له: تفعل هذا، وقد جاءك أنّ الله تعالى قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا». 252 - حدثنا عيسى بن عثمان بن عيسى بن عبد الرحمن الرملى، حدثنا عمى يحيى بن عيسى الرملى، عن الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتّى تنتفخ قدماه. فيقال له: تفعل هذا، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا». 253 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبى ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا ينبغى التأسى ح، لأنه صلى الله عليه وسلم منزّه عن الملل، لما أن حاله أكمل الأحوال سيما وقد جعلت قرة عينه فى الصلاة كما أخرجه النسائى وغيره. 251 - (تفعل هذا) أى أتفعله كما فى نسخة. 253 - (أول الليل) أى من بعد صلاة العشاء إلى تمام نصفه الأول. (ثم يقوم) ثم ¬

251 - إسناده حسن: رواه ابن خزيمة فى صحيحه (1184)، من طريق الفضل بن موسى به فذكره قلت: وذكره الحافظ فى الفتح (3/ 15) وقال: رواه البزار وإسناده حسن. 252 - حديث صحيح: رواه ابن ماجه فى الإقامة (1420)، من طريق يحيى بن عيسى به فذكره نحوه، وقال البوصيرى فى الزوائد: إسناد حديث أبى هريرة قوى، احتج مسلم بجميع رواته. ورواه أصحاب الكتب الستة: سوى أبى داود، من حديث المغيرة، والترمذى من حديث جابر. 253 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى التهجد (1146)، ومسلم فى صلاة المسافرين (739)، وأحمد فى المسند (6/ 176)، والترمذى فى الطهارة (118) مختصرا بنحوه، والنسائى فى عمل اليوم والليلة (739)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 230)، وأبو نعيم فى المستخرج على مسلم (1680)، كلهم من طرق عن أبى إسحاق به فذكره نحوه.

إسحاق، عن الأسود بن يزيد، قال: سألت عائشة رضى الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالليل، فقالت: «كان ينام أوّل الليل، ثمّ يقوم، فإذا كان من السّحر أوتر، ثمّ أتى فراشه، فإذا كان له حاجة ألمّ بأهله، فإذا سمع الأذان وثب، فإن كان جنبا أفاض عليه من الماء، وإلا توضّأ وخرج إلى الصّلاة». ـــــــــــــــــــــــــــــ يقوم السدس الرابع والخامس للتهجد. (فإن كان من السّحر) أى قريبا منه كذا قيل، ولا يصح، لأن حقيقة السحر آخر الليل، والسدس الأخير منه، وبهذا اندفع ما قيل كأنه جعل القلب الأخير كله سحرا ووجه اندفاعه أمر قيامه انتهى إلى السدس السادس، وهو من السحر كما تقرر، وأى شىء أفضى له، أنه جعل الثلث الأخير كله سحر. (أوتر) أى صلى ركعة من الوتر. (ثم أتى فراشه) للنوم فإنه سنة فى السدس السادس ليقوى به على صلاة الصبح وما بعدها من وظائف العبادات. (حاجة) أى مباشرة أهله. (ألم بأهله) أى قرب منهم لذلك. (وثب) أى قام بنهضة وسرعة، وفيه أن الأكمل فى القيام قيامه صلى الله عليه وسلم، وقد صرح صلى الله عليه وسلم بأن أفضل القيام: قيام داود، وكان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، فينبغى تحرى ذلك، والعمل به، وأن الأولى تأخير الجماع عن ابتداء النوم، ليكون على طهارة، فإنه ينبغى الاهتمام للعبادة وعدم التكاسل عنها بالنوم، والقيام إليها بنشاط، وفيه غير ذلك مما يأتى بعضه، وعن عائشة أيضا: «ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط، فدخل بيتى إلا صلى أربع ركعات، أو ست ركعات» (¬1) رواه أبو داود، وأيضا: «كان يقوم إذا سمع الصارخ» (¬2) أى وهو يصرخ فى النصف الثانى، وأيضا: «كان ينام أول الليل، ويقوم آخره، فيصلى فيرجع إلى فراشه، فإذا أذن المؤذن وثب، فإذا كانت به حاجة اغتسل، وإلا توضأ» رواهما الشيخان، وأيضا: «ربما اغتسل فى أول الليل، وربما اغتسل فى آخره، وربما أوتر فى أول الليل، وربما أوتر فى آخره، وربما جهر بالقراءة، وربما خفض» وعن أم سلمة: «كان يصلى بنا ثم ينام قدر ما يصلى ¬

(¬1) رواه أبو داود (1304) فى الصلاة بعد العشاء (2/ 302). (¬2) رواه البخارى (3/ 21) حديث (1132)، (11/ 300) حديث (6461)، ومسلم (1/ 511) حديث (741)، وأحمد بن حنبل فى مسنده (6/ 110)، وأبو داود (1317)، والنسائى (3/ 308)، وفى الكبرى (1225).

254 - حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك بن أنس: (ح) وحدثنا إسحاق بن موسى الأنصارى، حدثنا معن، عن مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس، أنه أخبره: «أنّه بات عند ميمونة «وهى خالته» قال: فاضطجعت فى عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى انتصف الليل أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النّوم عن وجهه، ثم قرأ العشر آيات الخواتيم من سورة آل عمران، ثمّ قام إلى شنّ معلّق فتوضّأ منها فأحسن الوضوء، ثمّ قام يصلّى. قال عبد الله بن عباس: فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسى ثمّ أخذ بأذنى اليمنى ففتلها، فصلّى ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين- قال: من ستّ مرات-ثمّ اضطجع. ثمّ جاءه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثمّ خرج فصلّى الصّبح». ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم يصلى قدر ما نام ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح» رواه أبو داود، والترمذى، والنسائى وفى رواية النسائى: «كان يصلى العتمة ثم يصلى بعدها ما شاء الله من الليل ثم ينصرف فيرقد مثل ما صلى، ثم يستيقظ من نومه ذلك، فيصلى مثل ما نام وصلاته تلك الأخرى تكون إلى الصبح». (توضأ) قيل: تجديدا لأن نومه لا ينقض (¬1) الوضوء. انتهى، والجزم بهذا تساهل، بل يحتمل ذلك، وأنه حصل له شىء آخر فتوضا منه (¬2). ¬

254 - (عن ابن عباس) رواه عنه [أيضا]-2 - الشيخان، وغيرهما مع اختلاف فى ألفاظه وسأنبه على ما يختلف به المعنى منهما. (ميمونة) بنت الحارث الهلالية العامرية قيل: كان اسمها برة فسماها النبى صلى الله عليه وسلم ميمونة تزوجها لما كان بمكة معتمرا سنة سبع بعد خيبر، وكانت أختها أم الفضل لبابة الكبرى تحت العباس وأختها لأمها أسماء بنت عميس تحت جعفر، وسلمى بنت عميس تحت حمزة رضى الله عنه، قيل: هى الواهبة نفسها، (¬1) فى (ش): [ناقض]. (¬2) الزيادة من: (ش).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنها لما جاءته خطبته وهى على بعيرها قالت: البعير وما عليه لله ولرسوله، وجعلت أمرها للعباس فأنكحها النبى صلى الله عليه وسلم وهو محرم، فلما رجع بنى بها بسرف حلالا وعند مسلم: «أنه تزوجها حلالا» (¬1) فرواية: «وهو محرم» (¬2) محمولة على أن المعنى وهو داخل الحرم على أن من خصوصياته أن له النكاح وهو محرم، وماتت بسرف المحل الذى تزوجها فيه، على عشرة أميال من مكة سنة إحدى وخمسين، وقيل: ست وستين، وقيل: ثلاث وستين، وصلى عليها ابن عباس ودخل قبرها. (وهى خالته) فهو محرم لها. (عرض) بفتح العين على أنه الأفصح الأشهر، وفى رواية: «بضمها» أى جانبها. (الوسادة) المعروفة تحت الرأس وقيل: هى هنا الفراش لقوله: «واضطجع فى طولها» (¬3) ورد: بأنه ضعيف أو باطل، ففى رواية مسلم «فاضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله فى طولها» (¬4) وبهذا يندفع ما قيل: كأنه نام تحت رجليه تأدبا وتبركا، وفيه دليل لحل نوم الرجل وأهله من غير مباشرة بحضرة رحم لها مميز، وفى رواية: «أنها كانت حائضا» (¬5) قال القاضى: وهذه اللفظة، وإن لم تصح فهى حسنة جدا، إذ لم يكن ابن عباس يطلب المبيت فى ليلة للنبى صلى الله عليه وسلم فيها حاجة إلى أهله للعلم بالتبرك مع حضوره، سيما وهو فى تلك الليلة مراقبا لأفعاله، إذ لم ينم أو نام قليلا جدا. (واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى طولها) أى هو وزوجته ميمونة كما مر من قبل، وقد جرى على عادته السنية من نومه مع أزواجه ومواظبته على ذلك، مع مواظبته على قيام الليل، فينام مع إحداهن، فإذا أراد القيام لوظيفته قام وتركها، فيجمع بين وظيفتى القيام وأداء حقها وحسن المعاشرة معها، إذ النوم معها فى فراش واحد فيه غاية الإيناس والملاطفة بها، ومن ثمة: واظب عليه صلى الله عليه وسلم، وتأكد التأسى به سيما إن حرصت عليه، واعتزالها فى النوم عادة الأعاجم والمتكبرين، والاقتداء بهم فيه قبيح مذموم. (فنام) رواية الصحيحين: «فتحدث ¬

(¬1) رواه الدارمى (2/ 38)، ورواه الترمذى فى سننه (3/ 191) (841 ح)، ورواه الإمام أحمد فى مسنده (6/ 393). (¬2) رواه الترمذى فى سننه (3/ 152) ج‍ 842. (¬3) رواه ابن ماجه فى سننه (1/ 433) ح (1363)، ورواه الإمام أحمد فى مسنده (1/ 242). (¬4) رواه الإمام البخارى فى صحيحه (2/ 554)، ورواه الإمام مالك فى الموطأ (1/ 119) ح (11)، ورواه ابن ماجه فى سننه (1/ 433) ح (1363). (¬5) عون المعبود (6/ 209) ح (2153).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مع أهله ساعة ثم رقد». (أو قبله بقليل أو بعده بقليل) الظاهر أن الشك من ابن عباس، ورواية الشيخين «فلما كان ثلث الليل الآخر أو بعضه قعد ينظر إلى السماء فقرأ». (يمسح النوم) أى أثره بما يعترى الوجه من الفتور ونحوه، وفيه ندب ذلك، لأنه به يزول الكسل ويقوى النشاط للعبادة. (ثم قرأ العشر آيات) فيه حل القراءة للمحدث حدثا أصغر وهو إجماعا، بل ندبها له، وفيه أيضا ندب مخصوص هذه الآيات عقب الاستيقاظ. (من سورة آل عمران) فيه حل قول ذلك، وكراهة بعض السلف له لا أصل لها. (شن) هو القربة الخلقة. (معلق) لتبريد الماء وحفظه وذكّره هنا وأنثه فى متنها على ما فى أكثر النسخ باعتبار لفظه فى الأولى ومعناه فى الثانى. (فتوضأ) رواية الشيخين: «وأطلق شناقها ثم صب فى الجفنة ثم توضأ»، وفى رواية النسائى: «فتوضأ واستاك، وهو يقرأ هذه الآيات حتى فرغ منها إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّماواتِ وَاَلْأَرْضِ. . .، ثم صلى ركعتين، ثم عاد فنام حتى نفخه، ثم قام فتوضأ واستاك ثم صلى ركعتين، ثم نام، ثم قام، فتوضأ واستاك وصلى ركعتين، وأوتر بثلاث، وسلم فاستيقظ، واستاك، وتوضأ، وهو يقول: إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّماواتِ وَاَلْأَرْضِ. . . حتى ختم السورة، فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود، وانصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات بست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ، ويقول: هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث» ولا تنافى بين هذه الروايات، لأن فى بعضها زيادة فيعمل بها، وإن سكت الرواة عنها، لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وليست الواقعة متعددة حتى يحمل الاختلاف عليها، وإنما هى واحدة، فوجب عند عدم التعارض الأخذ بالزيادة وعند العمل بالأصح من تلك الرواية، وهى رواية الشيخين ثم أخذهما. (فأحسن الوضوء) سبغه وأكمله وهو معنى رواية: «وضوءا حسنا بين الوضوئين لم يكثر وقد أبلغ» أى: فلم يكثر صب الماء، وقد أبلغ الوضوء ما أمكنه أى أسبغه. (فقمت إلى جفنة) رواية الشيخين: «فقمت وتوضأت فقمت عن يساره». (على رأسى) وضعها به أولا: ليتمكن من مسك الأذن، أولاتها لم تقع إلا عليه، أو لتترك بركتها به، ليعى جميع أفعاله فى ذلك المجلس وغيره. (ففتلها) رواية الشيخين: «فأخذ بأذنى فأدارنى عن يمينه» وفتلها، إما لينهه عن مخالفته للسنة، أو ليزداد تيقظه لحفظ تلك الأفعال، أو ليزيل ما عنده من النعاس لرواية: «فجعلت إذا غفيت يأخذ بشحمة أذنى ست مرات». (ثم أوتر) رواية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيخين: «فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة». (ثم اضطجع حتى جاء المؤذن) رواية الشيخين: «ثم اضطجع فنام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ فآذنه بلال بالصلاة فصلى ولم يتوضأ»، ووتره آخر الليل هو الأغلب، وإلا فقد رويا هما وغيرهما عن عائشة: «أوتر من كل الليل، من أوله وأوسطه وآخره، وانتهى وتره إلى السحر» والمراد بأوله: بعد صلاة العشاء، واختلاف هذه الروايات، لعله لاختلاف الأحوال والأعذار، فإيتاره أوله، لعله كان لمرض وأوسطه لعله لسفر، وفى الحديث فوائد كثيرة منها: أنه يسن للمأموم الواحد الوقوف عن يمين الإمام، والتحول إذا وقف عن يساره فإن لم يتحول حوله الإمام ندبا، وكذا يندب له حيث ارتكب المأموم خلاف السنة فى صلاته إرشاده إلى السنة بما يمكنه من فعل وغيره، وأن الفعل القليل لا يؤثر، بل قد يكون سنة كما علمت، وأن الصبى كالبالغ جماعة وموقفا وغيرهما، وصحة النافلة فى الجماعة، وندب السلام من كل ركعتين فى الوتر وغيره [من بقيته] (¬1) وأفضلية الوتر من بقيته، وصح الوصل فيه من فعله أيضا، لكن الأول أكثر وأصح فقدم، وندب إتيان المؤذن إلى الإمام، ليخرج إلى الصلاة، وتخفيف سنة الصبح، وصح «أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالاضطجاع بينها وبين الصبح» قيل: وإن الإيتار بثلاث عشر ركعة أكمل، ويرد: بأن أكثر الروايات الاقتصار على إحدى عشرة ورواية: «ثلاث عشرة» واقعة حال فعليه يحتمل أنه حسب منها ركعتى مقدما الوتر، إن صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتحه بركعتين، وزعم أن هذا تأويل ضعيف، ليس فى محله، كيف وفى رواية عن ابن عباس: «فصلى ركعتين خفيفتين، قلت: قرأ فيهما بأم القرآن فى كل ركعة، ثم سلم، ثم صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر؟ وفى أخرى عنه: «فصلى صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة، منها ركعتى الفجر حررت قيامه فى كل ركعة بقدر يا أيها المزمل»، وفى أخرى للنسائى: «أنه صلى الله عليه وسلم صلى إحدى عشر ركعة بالوتر» أن بعض الحنابلة قال: إذا اختلف ابن عباس وعائشة فى شىء من أمر قيامه بالليل، فالقول قول عائشة، لأنها أعلم الخلق بقيامه بالليل انتهى، ورواية: «خمس عشرة» حسب مع هاتين سنة قيام العشاء، ورواية: «سبع عشرة» حسب مع هؤلاء سنة الفجر، وكان ربما صلى تسعا، أو سبعا، وأن الأولى فى النافلة التى لا تندب فيها الجماعة أن تكون فى البيت، سواء فى ذلك أهل المدينة ومكة وغيرهم، إذ هى فيه ¬

(¬1) الزيادة من: (ش).

255 - حدثنا أبو كريب: محمد بن العلاء، حدثنا وكيع، عن شعبة، عن أبى جمرة، عن ابن عباس قال: «كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصلّى من الليل ثلاث عشرة ركعة». 256 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصلّ باللّيل؛ منعه من ذلك النّوم، أو غلبته عيناه، صلّى من النّهار ثنتى عشرة ركعة». ـــــــــــــــــــــــــــــ أفضل منها فى غيره حتى فى الكعبة. (خفيفتين) هما (¬1) سنة الصبح، قيل: وفيه دليل على جواز تخفيفها، وهو خير من الإلمام فى الفقه أصلا فالصواب على ندب تخفيفها» (¬2). ¬

255 - (جمرة) بالجيم والراء. (ثلاثة عشرة ركعة) مر تأويله. 256 - (زرارة) بضم الزاى أوله. (عن عائشة. . .) إلى آخره روى عنها مسلم وغيره بلفظ كان إذا قام من الليل من وجع أو غيره فلم يقم من الليل صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة وورد إحدى عشرة ركعة ولا ينافى لأن الأولى قضاء من التهجد وغير الوتر فكأنه فعل الوتر دون زيادة عليه وهى ثنتى عشرة كان يفعلها والثانية فى مرة أخرى قضاء عن الوتر ولكن يعكر على الأول قول عائشة «ما زاد صلى الله عليه وسلم فى رمضان ولا فى غيره على إحدى عشر ركعة» -2 - إلا أن يجاب أن ذلك باعتبار علمها فلا ينافى إثبات غيرها زيادة عليه ولم يرد أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى من الليل إحدى عشرة ركعة وترا واثنتى عشرة تهجدا حتى يحتاج للجواب بذلك مع أنه يخدشه قول عائشة فلم يقم من الليل الظاهر أو الصريح فى أنه لم يصلّ وترا ولا تهجدا ح فالأولى والأصوب أن صلاته نهارا لإحدى عشرة كان قضاء عن الوتر أو الاثنى عشر كانت فى مقابلة ما فات من الوتر لا على جهة (256) -إسناده صحيح: رواه المصنف فى الصلاة (445) بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى صلاة المسافرين (746)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 259)، كلاهما من طريق قتيبة بن سعيد به نحوه. (¬1) ليست موجودة فى المخطوط. (¬2) رواه البخارى (3/ 40) حديث (1147)، والترمذى (2/ 303) حديث (439)، وابن ماجه (1/ 432) حديث (1358)، ومالك فى الموطأ (1/ 118).

257 - حدثنا محمد بن العلاء، أنبأنا أبو أسامة، عن هشام-يعنى ابن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبى هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا قام أحدكم من الليل، فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين». ـــــــــــــــــــــــــــــ القضاء، لأنه لا بد فيه من حكاية المقضى بل على جهة التعبد لله بعبادة يعادل ثوابها ثواب ما فاته أو يقرب منه وأثر الشفع لما تقرر أنها نفل مطلق، والأفضل فيه أن يكون شفعا للحديث الصحيح «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» (¬1) وفى الحديث دليل على ندب قضاء النافلة فى أحاديث أخر توقيت القضاء بما بين الفجر والزوال، وهو بيان لوقته الأفضل. (منه) جملة مستأنفة لبيان ما قبلها، أو جواب عن سؤال مقدر فكأنه قيل: ما منعه من ذلك؟ قال منعه. . . إلخ. (أو) يحتمل أنها للشك وللتقسيم ومنع النوم قوة الرغبة فيه مع إمكان منعه. (وغلبته) العين أن لا يستطاع دفعه أو العكس وفيه دليل على ندب قضاء النافلة كما تقرر على أن صلاة الليل ثنتى عشرة ركعة خلافا لمن زعمه لأن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنها إحدى عشر ركعة أو ثلاث عشرة ركعة وأما وقوع اثنتى عشرة فى القضاء لا يدل إلا على أن القضاء لا يجب إلا أن يحاكى الأداء وهذه مسألة أخرى قيل ولم يرد فى شىء من الأخبار أنه قضى الوتر أو أمر بقضائه انتهى وهو وإن سلم وإلا فقد ورد ما يدل عليه وهو قضاء إحدى عشرة لا يقتضى منع قضائه لثبوته من دليل آخر وهو قياسه على ركعتى الفجر فإنه صلى الله عليه وسلم قضاها فى قصة الوادى بل فى خبر ابن خزيمة فلما انفجر الفجر قام فأوتر بركعة وحمله على الفجر الأول بعيد. 257 - (عن أبى هريرة) رواه أحمد ومسلم عن عائشة أيضا. (فليفتتح) إلخ فيه دليل لندب هاتين الركعتين، وأنهما مقدمة لصلاة الوتر، ليدخل فيه بعد مزيد يقظة وتأمل، وكما ندب قيام السنة القبلية على الفرض لنحو ذلك، فكذا ندب هنا بذلك لتأكد الوتر، حتى اختلف فى وجوبه، فالقول بأنهما شكر للوضوء، والتهجد إنما هو اسم للصلاة ¬

257 - إسناده صحيح: رواه الإمام مسلم فى «صفة صلاة المسافرين» (198،532)، وأبو داود فى «الصلاة» (1323)، والإمام أحمد فى «المسند» (2/ 232)، والبيهقى فى «سننه» (3/ 6) أربعتهم من طريق هشام بن حسان به فذكره. (¬1) رواه أبو داود (2/ 29) حديث (1295)، والترمذى (2/ 225) حديث (385)، والإمام مالك فى الموطأ (1/ 118)، وأحمد فى مسنده (1/ 211).

258 - حدثنا قتيبة بن سعيد؛ عن مالك بن أنس. (ح) وحدثنا إسحاق بن موسى، حدثنا معن، حدثنا مالك، عن عبد الله بن أبى بكر، عن أبيه، أن عبد الله بن قيس بن مخرمة أخبره، عن زيد بن خالد الجهنى، أنه قال: «لأرمقنّ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فتوسّدت عتبته، أو فسطاطه-فصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين خفيفتين، ثمّ صلّى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثمّ صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثمّ أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة». ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد النوم، فبينه وبين الوتر عموم وخصوص من وجه لاجتماعهما فى صلاة بعد النوم بنية الوتر، وانفرد الوتر بصلاة قبله بنيته، والتهجد بصلاة بعده بنية التهجد. 258 - (عن زيد) إلخ رواه عنه أيضا مالك، ومسلم، وأبو داود، وغيرهم، واتفق هؤلاء على أن قوله: «ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبله» (¬1) يكرر أربع مرات. (لأرمقن) الرمق: النظر للشىء شرزا نظر المعد، وأريد به هنا الكناية عن حدة النظر، ومزيد التأمل، فيه عدل للمضارع استحضارا لتلك الحالة، فيزداد تقررهما فى ذهن السامع، ومن ثم أكد باللام والنون. (أو) للشك. (فسطاطه) أى عتبه فسطاطه، وهى الخيمة العظيمة، والظاهر الثانى، وأن رموق زيد لا يتصور فى الحضر لأنه صلى الله عليه وسلم يكون عند نسائه. (خفيفتين) هما مقدمة الوتر. (طويلتين. . .) إلخ قيل: كون تكرار الوصف يفيد المبالغة فيه ليس أمرا لغويا انتهى، ويرد: بأن هذا يفيد أنه لغوى، وحكمة ذلك: أن أول الدخول فى الصلاة يكون النشاط أقوى، والخشوع أتم، فسن التطويل لوجود ¬

258 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى صلاة المسافرين (195)، وأبو داود فى الصلاة (1366)، وابن ماجه فى إقامة الصلاة (1362)، ومالك فى الموطأ (1/ 73)، وأبو نعيم فى المسند على مسلم (1753). (¬1) رواه الإمام مالك فى الموطأ (1/ 120)، ومسلم (1/ 532) حديث (765)، وأبو داود (2/ 48) حديث (1366).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مقتضيه، ومن ثم يسن فى الفرض تطويل الركعة الأولى على الثانية وأما بعد الأولى فينتقض كل من ذينك فسن التخفيف ح، ويدرج فى التخفيف بعد الست مع جعله لهن غطاء واحدا إشارة لما قلناه من توفر كل من ذينك فى الأوائل فكانت الست جميعها بمنزلة الأولى من الفريضة ثم وقع التدريج مطابقا لنقض ذلك فإنه إنما يقع على التدريج أيضا، ومن ثم كانت الثانية من الرباعية أطوال من الأخيرة وأقصر من الأولى. (ثلاث عشرة ركعة) مر الجواب عنه فلا دليل عليه خلافا لمن زعمه للوجه الضعيف عند الشافعية: أن أكثر الوتر كذلك ومما يؤيده أن المعتمد قول عائشة: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد فى رمضان ولا فى غيره على إحدى عشرة ركعة» (¬1) ثم ما رواه المصنف عنها من طريق أبى سلمة وعروة والأسود رواه غيره أيضا وزيادة، فلمسلم عن سعيد بن هشام عنها «كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله متى شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلى تسع ركعات ولا يجلس فيهما إلا فى الثانية فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم فيصلى التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلى ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة فلما أسن صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع فى الركعتين مثل ما صنعه فى الأولى فتلك تسع» (¬2) وفعله هاتين الركعتين قيل إن الأمر يجعل آخر صلاة الليل وترا للندب لا للوجوب زاد النسائى بعد ويحمد «ويصلى على نبيه» وفى رواية له «يصلى ست ركعات يخيل إلى أنه سوى بينهن فى القراءة والركوع والسجود ثم يوتر بركعة ثم يصلى ركعتين وهو جالس» (¬3) ولأبى داود «كان صلى الله عليه وسلم يصلى فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية. . . الحديث» (¬4) وللبخارى عن مسروق «أنه سألها عن صلاته صلى الله عليه وسلم فقالت: سبعا وتسعا وإحدى عشرة ركعة سوى ركعتى الفجر» (¬5) وعن القاسم عنها: «كان صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) سبق تخريجه. (¬2) رواه مسلم (1/ 513،514) حديث (746)، والنسائى (3/ 200،201)، وأحمد فى مسنده (6/ 54). (¬3) رواه النسائى (3/ 221). (¬4) أخرجه أبو داود فى سننه (1336). (¬5) أخرجه البخارى فى صحيحه (1139)، (1140).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة من الوتر وركعتى الفجر» (¬1) قال القرطبى: أشكل حديثها على كثير حتى ينسب للاضطراب، وربما يتم ذلك لو اتحد الراوى عنها والوقت، والصواب: أن ما ذكرته محمول على أوقات متعددة، وأحوال مختلفة بحسب النشاط وبيان الجواز انتهى، فكان تارة يصلى سبعا وتارة إحدى عشرة وهو الغالب، وكان تارة يصلى فيصلى الجميع بسلام واحد وتارة يصلى فيسلم من كل ركعتين، وهو الغالب أيضا وحكمة الاقتصار على إحدى عشرة أنها الباقية من جملة الفرائض بعد إسقاط العشاء والصبح لاكتنافهما صلاة الليل فناسب أن يحاكى ما عداهما جملة وتفصيلا، وعلم مما تقرر وغيره أن صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل كانت أنواعا ستا مفصولة ثم يوتر بثلاث، مسلم عن ابن عباس: «إحدى عشرة مفصولة وقبلها ركعتان خفيفتان» (¬2) الشيخان عن عائشة «ثلاث عشرة» (¬3) كذلك مسلم وغيره عن زيد «ثمانيا مفصولة وخمسا موصولة لا يجلس إلا فى آخرهن» (¬4) الشيخان عن ابن عباس «تسعا موصولة بتشهدين فى الأخيرتين ثم ركعتين جالسا سبعا كالشفع ثم ثنتين جالسا» (¬5) مسلم عن عائشة «ثنتين ثم يوتر بثلاث موصولة» (¬6) أحمد عنها «أربعا يطيل فيهن حتى جاء بلال آذنه بالغداة» (¬7) النسائى عن حذيفة، وسيأتى عند المصنف، وسيعلم مما يأتى أنه تارة كان يصلى قائما، وهو الأغلب وتارة جالسا ثم قبل الركوع يقوم، وبما تقرر علم أن صلاة الوتر موصولة ومفصولة ثلاثا وأقل وأكثر، وقال أبو حنيفة رحمه الله يتعين بثلاث موصولة، واحتج له بأن الصحابة أجمعوا على أن هذا أحسن واختلفوا فيما زاد ونقص وأخذ بالمجمع عليه وترك، ورد: بأن سليمان بن يسار كره الثلاث الموصولة فى الوتر ويؤيده الخبر الصحيح «لا توتروا بثلاث فتشبهوا بصلاة المغرب» (¬8) فكيف مع ذلك يقال أجمعوا على حسنه، وإن سلمنا ¬

(¬1) أخرجه البخارى فى صحيحه (1139)، (1140). (¬2) البخارى فى صحيحه (1139)، ومسلم فى صحيحه (122)، والنسائى فى سننه (3/ 223). (¬3) مسلم فى صحيحه (124)، (126). (¬4) مسلم فى صحيحه (123)، البخارى فى صحيحه (1159)، والنسائى (3/ 239). (¬5) مسلم فى صحيحه (139). (¬6) أخرجه الإمام أحمد فى مسنده (1/ 226،299). (¬7) النسائى فى سننه (3/ 229). (¬8) الدارقطنى فى سننه (2/ 24) والبيهقى (3/ 131) والطحاوى (1/ 292).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بحسنه لأنه فعله كما رواه الحاكم وغيره فهو لا يقتضى بطلان غيره كيف وقد روى الطحاوى بسند قوى «أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة» (¬1) وهو يرد على من زعم أن كل ما ورد من الثلاث محمول على الوصل، ومر عن عائشة كما فى الصحيحين «أنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين ثم يتم ورده إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بركعة» (¬2) وهذا نص فى محل النزاع، وفى رد قول الطحاوى يحمل هذا ومثله على أن الركعة مضمومة للركعتين قبلها للنهى عن الثنتين. انتهى، ولا حجة له فى النهى عنها، لأن حقيقتها أن يوتر بواحدة فردة ليس قبلها شىء، ونحن نقول بكراهة الاقتصار عليها قيل: ويدل لأفضلية الفصل أنه صلى الله عليه وسلم فعله، وأمر به بخلاف الوصل، فإنه فعله فقط، وقولها فى رمضان قد يعارضه رواية مسلم عنها «كان يجتهد فى رمضان ما لا يجتهد فى غيره وفى العشر الأواخر منه ما لا يجتهد فى غيره» (¬3) ويجاب: بأن المراد نفى الزيادة على عدد تلك الصلاة دون غيرها من سائر أنواع الطاعات ومن ثم كان يطيل القراءة فى قيام رمضان بالليل أكثر من غيره، لأن صلاة حذيفة الآتى حديثها كانت فى رمضان كما أخرجه أحمد والنسائى بلفظ: «أنه صلى معه ليلة فى رمضان قال: فقرأ بالبقرة، ثم النساء، ثم آل عمران لا يمر بآية تخويف إلا وقف وسأل قال: فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فآذنه بالصلاة» ورواه الشيخان: «أنه صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل فصلى فى المسجد فصلى رجال بصلاته فتحدث الناس بذلك فاجتمع أكثر منهم فخرج فى الثانية فصلوا رجال بصلاته فتحدثوا بذلك فكثروا من الليلة الثالثة فخرج فصلوا بصلاته فلما كان فى الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم فطفق رجال منهم يقولون: الصلاة، فلم يخرج إليهم حتى خرج لصلاة الفجر فلما قضى الفجر أقبل عليهم ثم تشهد فقال: أما بعد، فإنه لم يخف على شأنكم الليلة ولكن خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها» (¬4) وفى رواية ¬

(¬1) الطحاوى (1/ 279). (¬2) البيهقى (3/ 6)، وابن أبى شيبة (2/ 192). (¬3) مسلم فى صحيحه (1175)، والترمذى فى سننه (796)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، وابن ماجه (1767)، والإمام أحمد فى مسنده (6/ 82،123،256). (¬4) أخرجه: البخارى (1129) بنحوه، وأخرجه مسلم فى صحيحه (178).

259 - حدثنا إسحاق بن موسى، حدثنا معن، حدثنا مالك، عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، أنه أخبره، أنه سأل عائشة: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان؟ فقالت: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليزيد فى رمضان ولا فى غيره على إحدى عشرة ركعة، ويصلّى أربعا لا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ، ثمّ يصلّى أربعا لا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ، ثمّ يصلّى ثلاثا. ـــــــــــــــــــــــــــــ لها «وذلك فى رمضان» (¬1) وتوقع ترتب افتراض الصلاة بالليل جماعة على وجود المواظبة عليها بما أوحى إليه إن واظبت عليها معهم افترضها عليهم فأحب التخفيف عنهم أو خشى أن يظن أحد من مداومته عليها الوجوب، وإنما خشى مع أمنه من التبديل لقوله تعالى ليلة الإسراء كما يأتى فى «مبعثه هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدى» (¬2) لأنه يحتمل أن المخوف افتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد فى المسجد جماعة شرطا فى صحة التنفل بالليل ويومئ إليه رواية: «قد خشيت أن تكتب عليكم، ولو كتبه عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس فى بيوتكم» (¬3) أو المخوف افتراض قيام الليل على الكفاية وفرض الكفاية غير زائد على الخمس، لأنه ليس من جنسها، ولذا قال بذلك جمع فى العيد ونحوها، أو المخوف افتراض قيام رمضان خاصة لرواية «خشيت أن يفرض عليكم قيام هذا الشهر» (¬4)، وقيامه لا يتكرر كل يوم فى السنة فليس بزائد على الخمس. 259 - (لا تسأل. . .) إلخ أى: لأنهن من كمال الطول والحسن فى غاية ظاهرة مغنية عن السؤال وفيه، دليل الأفضلية تطويل القيام على تكثير الركوع والسجود ويدل عليه ¬

259 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى أبواب الصلاة (439)، والبخارى فى التهجد (1147)، وفى التراويح (2013)، وفى المناقب (3599)، ومسلم فى صلاة المسافرين (125/ 738)، وأبو داود فى الصلاة (1341)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 234)، والإمام مالك فى الموطأ فى صلاة الليل (1/ 118)، وأحمد فى المسند (6/ 40)، وأبو نعيم فى المسند على مسلم (1675). (¬1) البخارى فى صحيحه (1129)، ومسلم (179)، والنسائى فى سننه (3/ 198). (¬2) البخارى فى صحيحه (349)، والترمذى فى سننه (213). (¬3) و (¬4) النسائى فى سننه (3/ 198).

قالت عائشة: قلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال: يا عائشة، إنّ عينىّ تنامان ولا ينام قلبى». ـــــــــــــــــــــــــــــ خبر «أفضل الصلاة طول القنوت» (¬1) أى القيام، وقيل: الأفضل تكثير الركوع والسجود لخبر «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» (¬2) ويجاب: بأن الأول صريح فى الأفضلية، بخلاف الثانى لاحتمال أن الأقربية فيه بالنسبة للركوع؛ بل يتعين حمله على ذلك جمعا بينه وبين «أفضل الصلاة طول القنوت» (¬3) والحاصل: أن هذا لا يمكن رده لذلك بخلاف العكس، وقيل: تطويل القيام ليلا أفضل، وتكثير الركوع والسجود نهارا أفضل. (قالت عائشة. . .) إلخ رواه البخارى عنها أيضا. (أتنام. . .) إلخ إنما سألت عن ذلك، لأنها ظنت أنه يريد الاقتصار على الأربعة الأولى، فإن قضيته ثمّ أنه فصل بينها وبين ما بعدها. (فقال. . .) إلخ: أى إنما فعلت ذلك لأنى أخشى فوت الوتر (¬4)، ومن لا يخشى ليس (¬5) له تأخير كما فى غير هذا الحديث أيضا ولا يرد عليه يوم الوادى لما فيه والحاصل: أنه صلى الله عليه وسلم لأجل ما خصه الله به من هذه الخصوصية كان واثقا بقيامه وإن نام وإن نومه فى الوادى جاء على خلاف الوثوق للحكمة الآتية. (ولا ينام قلبى) هو من خصائص الأنبياء لحياة قلوبهم واستغراقها فى شهود جلال الحق وجماله ومر أن وضوئه صلى الله عليه وسلم لا ينتقض بالنوم لذلك، لأن القلب يقظان فيحس بالحدث وإنما فاتته الصبح فى قصة الوادى، لأن رؤية الفجر من وظائف البصر وقد علمت أنه ينام وأما الجواب بأنه كان له حال ينام فيه قلبه لكنه نادر فصادف يوم الوادى فضعيف بل شاذ لمخالفته تصريح ولا ينام قلبى الشامل لسائر الحالات، إذ الفعل المنفى يفيد العموم، ولا يلزم من استيقاظه إدراكه لذلك الزمن الذى هو من قبل طلوع الفجر إلى أن حميت الشمس لما مر آنفا؛ أن ذلك من وظائف البصر ولاحتمال أن قلبه إذ ذاك كان مستغرقا بالوحى واستغراقه به لا يستلزم وصفه، فقد كان يستغرق به فى اليقظة أيضا وحكمة ذلك بيان ¬

(¬1) مسلم (1/ 520) حديث (756)، والنسائى (5/ 58)، والبيهقى (3/ 8). (¬2) مسلم (1/ 350) حديث (482)، وأبو داود (1/ 231) حديث (875)، والنسائى (2 - 226). (¬3) سبق تخريجه. (¬4) فى (ش): [الوقت]. (¬5) فى (ش): (لا يسن).

260 - حدثنا إسحاق بن موسى، حدثنا معن، حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى من الليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ منها اضطجع على شقّه الأيمن». ـــــــــــــــــــــــــــــ التشريع بالفعل، إذ هو واقع كما فى سهوه بالصلاة، ومن ثمة قال ابن المنير: القلب يسهو يقظة لمصلحة التشريع فكذا نوما، وقال ابن العربى: إنه يقبل بقلبه على الله فى نومه كيقظته، ولذلك قالت الصحابة: «كان إذا نام لا نوقظه حتى يستيقظ لأنا لا ندرى ما هو فيه» (¬1) فلم يكن ذلك عن آفة بل بالتصرف من حال إلى مثله ليكون سنة، وزعم بعضهم: أن معنى «ولا ينام قلبى» لا يستغرقه النوم حتى لا يحس بالحدث، وهو تخصيص للنفى العام من غير دليل، كيف والحديث خرج جوابا لقول عائشة المذكور، وهو يبطل هذا الزعم، ولا ينافى استيقاظه قول بلال كما فى مسلم «أخذ بنفسى الذى أخذ بنفسك» وأقره مع أن نومه كان مستغرقا فيقتضى أن نومه صلى الله عليه وسلم كان كذلك، وذلك لأن مراده التشبيه من حيث مطلق النوم لما هو مقرر عندهم: من أن قلبه الشريف كان لا ينام، ومن ثمة كانوا لا يوقظونه كما علمت، وبالغ بعضهم فى الشذوذ فقال: كان قلبه يقظانا، وعلم بخروج الوقت، لكن ترك إعلامهم بذلك لمصلحة التشريع. 260 - (عن عائشة. . .) إلخ مر أنه فى الصحيحين. (يوتر منها بواحدة) صريح فى أن أقل الوتر ركعة، وأن الركعة المفردة صلاة صحيحة، ودعوى تأويل الحديث أو نسخه، لا دليل عليها ومر لذلك بقية. (على شقه الأيمن) مر ندبه وحكمته. ¬

260 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى «الصلاة» (440) بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى «صلاة المسافرين» (221)، وأبو داود فى «الصلاة» (1335) من طريق مالك به فذكره. وقال الحافظ فى الفتح (3/ 54): وأما ما رواه مسلم من طريق مالك عن الزهرى عن عائشة أنه اضطجع بعد الوتر فقد خالفه أصحاب الزهرى عن عروة، فذكروا الاضطجاع بعد الفجر، وهو محفوظ. (¬1) أخرجه: الإمام أحمد فى مسنده (4/ 434)، والبيهقى (1/ 218).

261 - حدثنا هنّاد، حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل تسع ركعات». 262 - حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، أنبأنا شعبة، عن عمرو ابن مرة، عن أبى حمزة-عن رجل من الأنصار-عن رجل من بنى عبس، عن حذيفة بن اليمان أنه: «صلّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلمّا دخل فى الصّلاة قال: الله أكبر ذو الملكوت والكبرياء والعظمة. ـــــــــــــــــــــــــــــ 262 - (عن رجل) عيّنه بعض الأئمة ووثقه. (عن حذيفة) رواه عنه أيضا الشيخان، وأبو داود، والنسائى مع مخالفة فى بعضه، وسأنبه على بعض ذلك. (فلما دخل فى الصلاة) أى أراد الدخول فيها. (الله أكبر) أى من كل شىء كما درجوا عليه قيل: والمراد: من كل شىء يعرف كنهه فيرد تنزيهه من معرفة كنهه وقيل المراد: من كل شىء يتعقل أن يكون ربا والمقصود أن لا يجعل على طبق من علمنا بل يجعل فوق كل ما تطيقه عقولنا وقيل: أكبر معناه: المتناهى فى الكبر أى العظيم فليس أفعل تفضيل لأنه تعالى أجل من أن يفضل على غيره، ولهذا لم يستعمل استعمال اسم التفضيل، وقيل: أكبر بمعنى: كبير، وزاد أبو داود: «ثلاثا»، ومنه يؤخذ ندب ذلك، وإن لم يذكروه فيما ¬

261 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصلاة (443)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 243)، وابن ماجه فى الإقامة (1360)، جميعهم من طريق المصنف من طريق هناد، ومسلم مطولا فى صلاة المسافرين (139،512،514)، من طريق سعد بن هشام عن عائشة، وفيه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع ركعات. 262 - إسناده صحيح: رواه أبو داود فى الصلاة (874)، والنسائى فى التطبيق (2/ 190)، وفى الكبرى (1/ 434)، والإمام أحمد فى مسنده (5/ 398)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 194) جميعا من طريق أبى حمزة عن رجل من الأنصار عن رجل من بنى عبس عن حذيفة به فذكره، ورواه أيضا أحمد فى مسنده (5/ 388،396)، من طريق عبد الملك بن عمير حدثنى ابن عم لحذيفة عنه به فذكره.

قال: ثمّ قرأ البقرة، ثمّ ركع، فكان ركوعه نحوا من قيامه. وكان يقول: سبحان ربى العظيم، سبحان ربى العظيم، ثمّ رفع رأسه، وكان قيامه نحوا من ركوعه، وكان يقول: لربّى الحمد، لربّى الحمد. ثمّ سجد فكان سجوده نحوا من قيامه، وكان يقول: سبحان ربى الأعلى، سبحان ربى الأعلى، ثمّ رفع رأسه، فكان ما بين السّجدتين نحوا من السّجود. وكان يقول: ربّ اغفر لى، ربّ اغفر لى. حتّى قرأ البقرة، وآل عمران، والنّساء، والمائدة». شعبة هو الذى شك فى المائدة والأنعام. ـــــــــــــــــــــــــــــ علمت، ومحل كراهة تكرير الركن القولى ما لم يرد تكريره، وروى البخارى عن ابن عمر «رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يفتتح التكبير فى الصلاة» (¬1) وفى رواية: «إنه كان ليفتتح الصلاة بالتكبير» (¬2)، وصح «كان إذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر» (¬3)، وصح «تحريمها بالتكبير، وتحليلها بالتسليم» (¬4) وهذه صرائح فى تعيين لفظ: الله أكبر، وهو مذهب الشافعى والجمهور، ولم يختلف أحد فى وجوب النية فى الصلاة، بل فى وجوب مقارنتها للتكبير، وفى لفظ ندب التلفظ بها قبيله، ولابن القيم هنا تشنيعات على القائلين بالندب، ليست فى محلها كما بينته فى شرح العباب، كيف وقد صح «أنه صلى الله عليه وسلم قال: لبيك حجا وعمرة» (¬5) وفى رواية للبخارى: «وقل: عمرة فى حجة» (¬6) فقد تلفظ صلى الله عليه وسلم بالنية، والصلاة مقيسة على الحج؟ بل الأولى، لأنه علمه التلفظ بذلك، لأنه أعون على استحضار القلب، ووسيلة المندوب مندوبة، ودعوى الفرق بين الحج والصلاة، لا يلتفت إليها. (ذو. . .) إلخ هذا من أدعية الاستفتاح، وهى كثيرة، وقد ¬

(¬1) رواه البخارى (2/ 259) حديث (738) والنسائى. (¬2) رواه أحمد بن حنبل (6/ 31). (¬3) رواه أبو داود (1/ 264) حديث (803)، وأحمد بن حنبل فى المسند (5/ 253). (¬4) رواه أبو داود (1/ 17)، حديث (61)، والترمذى (1/ 9)، وابن ماجه (1/ 101). (¬5) رواه الإمام أحمد فى مسنده (3/ 183،225،266،280)، والطبرانى (5/ 100) والحميدى فى مسنده (1215،1216). (¬6) رواه البخارى فى صحيحه (7343)، وأبو داود فى سننه (1800) وأحمد فى مسنده (1/ 24)، وابن خزيمة فى صحيحه (2617)، وشرح السنة (7/ 37).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ استوفى النووى أكثرها فى أذكاره. (الملكوت) بفتح أوليه الملك والعزة. (والجبروت) الجبر والقهر، والتاء فيهما زائدة للمبالغة، والجبار: هو الذى يقهر غيره على ما أراده. (والكبرياء) الترفع والتنزه عن كل نقص. (والعظمة) تجاوز القدر عن الإحاطة. (ثم قرأ البقرة) أى بعد الفاتحة. (من قيامه) أى قريبا منه وعجيب ممن زعم أن من هذه للبيان. (يقول) هى وأمثالها حكاية للحال الماضية، استحضارا لها فى ذهن السامع. (سبحان ربى العظيم سبحان ربى العظيم) أى كان يكرر هذه الكلمات فى هذا الركوع مع طوله، وهذا الذكر مطلوب فى كل ركوع وأقله مرة، وأدنى الكمال فيه ثلاث مرات، وأكمله: إحدى عشرة مرة أخذا من مجموع الأحاديث، ورواية ذلك أى الثلاثة أوفاه تحمل على أن الثلاثة أو فى الكمال باعتبار ما دونها وإن كانت أدناه باعتبار ما فوقها من الخمس فالسبع فالتسع فالإحدى عشرة ووقع لبعضهم هنا خبط نشأ من عدم إلمامه بكلام الفقهاء والمحدثين لا حامل له ولا معول عليه. (نحوا من ركوعه) فيه مع ما يأتى فى الجلوس بين السجدتين دليل لما اختاره النووى فى كتبه أنهما ركنان طويلان، لكن المذهب أنهما قصيران، لأنهما مقصودان لغيرهما لا لذاتهما وقد يجاب عن الأول بأن القرب من الركوع أمر نسبى فليس فيه نص على أنه يطوله أكثر من التطويل المشروع عندنا وهو ما يسع أذكاره الواردة فيه وقدر الفاتحة، وروى الشيخان «كان ركوعه صلى الله عليه وسلم وسجوده وبين السجدتين وإذا رفع من الركوع ما خلا القيام والقعود قريبا من السورة» (¬1) قال النووى: وهذا محمول على بعض الأحوال، وإلا فقد ثبت تطويل القيام، وقال غيره: المراد أن صلاته كانت معتدلة، فكان إذا أطال أطال الكل، وإذا خفف خفف الكل. (لربى الحمد لربى الحمد) إلى آخره فيه ما مر فى تكرير الركوع، ويجاب عن كون أئمتنا لم يأخذوا بقضية التكرير هنا وفيما مر، بل قالوا: الأكمل ثم الإحدى عشر واقتضى صريح كلامهم هنا: أنه لا يسن له التكرير بأن الذى واظب عليه النبى صلى الله عليه وسلم هو ما قالوه وأما فى هذا الحديث فإنه وقع نادرا فلم يغيروا به ما علم واستقرأ من أحواله، ومن ثم صرحوا بأن ربنا لك الحمد أو لك الحمد ربنا أفضل مما هنا، وقول ابن القيم: لم يصح الجمع بين اللهم والواو غلط، كيف وهو فى رواية البخارى؟ قال ابن دقيق العيد: وفى الواو معنى زائد أى: ربنا استجب، أو نحوه ولك الحمد فيجمع بين الدعاء والخير، ¬

(¬1) البخارى فى صحيحه (200،202) وشرح السنة (3/ 110).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حكى ابن قدامة عن الشافعى إسقاطها، لأن للمعطف وليس هنا شىء يعطف عليه وعن مالك وأحمد فى ذلك خلاف، وقال النووى: كلاهما جاءت به أخبار كثيرة والمختار أنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر. انتهى. كذا نقل بعضهم عنه والذى فى المجموع عن الشافعى والأصحاب، هو ما قاله ابن دقيق العيد، ووجهه: أنه يجمع بين معنيين: الدعاء والاعتراف أى: ربنا استجب لنا ولك الحمد على هدايتك إيانا بناء على أن الواو عاطفة لا زائدة خلافا للأصمعى، والحاصل: أن الحرف الزائد يقابله ثواب مع أنه يفيد ما لا يستفاد مع حذفه. (نحوا من قيامه) أى اعتداله. (الأعلى) خص بالسجود، والعظيم بالركوع للمناسبة، إذ الركوع الخضوع، ويقابله العظمة، والسجود صح فيه «أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجدا» (¬1) وهذا ربما توهم منه من لا معرفة له قرب المسافة والله سبحانه وتعالى متعال عن ذلك علوا كبيرا، فأشير إلى ذلك بذكر الأعلى ونظيره قول إمام الحرمين فى قوله صلى الله عليه وسلم «لا تفضلونى على يونس بن متى» (¬2) إنما خصّ يونس لأنه ربما توهم أن قربه من ربه وهو فى بطن الحوت دون قرب محمد صلى الله عليه وسلم من ربه، وهو فوق سبع سماوات ليلة الإسراء، وهو ليس كذلك بل قربهما مع ما بينهما من تباعد المكان سواء بالنسبة إليه تعالى لتعاليه عن المكان على حد سواء، كيف وهو موجود قبل خلق الزمان والمكان؟ إذ هما من جملة المحدثات والله سبحانه منزه عن سمات الحدوث متعال عن كل نقص تبارك وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا. (حتى) غاية لمحذوف أى: ولا يزال يطول. (حتى قرأ البقرة وآل عمران والنساء) ظاهره، أنه قرأ السور الأربع فى أربع ركعات، وبه صرحت رواية أبى داود. «فصلى أربع ركعات قرأ فيهن: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة والأنعام» (¬3) لكن رواية الشيخين: «فافتتح البقرة قلت: يركع عند المائدة ثم مضى قلت: يصلى بها فى ركعة فمضى، فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها مرتلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: ¬

(¬1) مسلم فى الصلاة (215)، وأبو داود (875)، والنسائى (2/ 226)، والإمام أحمد (2/ 241)، والبيهقى (2/ 110)، والطبرانى (10/ 96). (¬2) ذكره صاحب الشفاء (1/ 132)، وفى الإتحاف (2/ 105)، والبداية والنهاية لابن كثير (1/ 237). (¬3) أبو داود فى سننه (874).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سبحان ربى العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه ثم قال: سمع الله لمن حمده» (¬1) وظاهرها أنه قرأ الكل فى ركعة واحدة، وإما أن الواقعة متعددة، أو رواية أيتهما أصح فيقدم، وكذا يقال فى روايتهما أنه قرأ النساء قبل آل عمران، فإنها منافية لرواية المصنف وغيره، فإن ظاهرها تقديم آل عمران، وإن كانت الواو لا تقتضى ترتيبا، ثم الأولى لبيان الجواز، وإلا فالأفضل القراءة على ترتيب المصحف، لأنه المعروف المستقر من أحواله صلى الله عليه وسلم وإما على ترتيب الآية فواجبة، فيحرم بعكس الآية، لأن الترتيب بينهما توقيفى قطعا وبين السور فيه خلاف، وهذه القراءة كانت فى صلاة الليل كما علم من أول الحديث وأما قراءته فى الفرائض فوردت على أنحاء شتى منها: «فى الصبح ما بين الستين إلى المائة من المفصل قصار فى المغرب»، النسائى «وَاَللَّيْلِ إِذاعَسْعَسَ. . .» (¬2)، مسلم أى: سورته الرواية النسائى «إِذَا اَلشَّمْسُ كُوِّرَتْ. . . ونحوها وكان قراءته تعد تخفيفا» (¬3) مسلم، «وسورة المؤمنون فأخذته سعلة عند ذكر موسى وهارون، أو عيسى فركع» (¬4) مسلم، «وإِذازُلْزِلَتِ اَلْأَرْضُ. . . فى ركعتيها» (¬5) أبو داود، وفيه: أنه لا يكره قطع القراءة، ولا القراءة ببعض السور، ولا قراءة بعض الآية، ودعوى كراهة ذلك، يحتاج لدليل كيف، «وقدم أبو بكر بالصحابة، فقرأ البقرة فى ركعتيها والم* تَنْزِيلُ. . . السجدة وهَلْ أَتى عَلَى اَلْإِنْسانِ. . . فى صبح يوم الجمعة» (¬6) الشيخان وغيرهما وكان يديم ذلك كما رواه الطبرانى ورجاله ثقات، وهو وإن صوب أبو حاتم إرساله، لكن له شواهد من حديث ابن عباس: «كل جمعة» أخرجه الطبرانى فى الكبير، وبه يرد على من قال: الأولى تركهما فى بعض الجمع، لئلا يعتقد العامة وجوبهما، وروى الطبرانى أيضا: «أنه صلى الله عليه وسلم سجد فى الصبح يوم الجمعة فى الم* تَنْزِيلُ. . .» وبه يرد على من قال يحتمل أنه كان يقرؤها ولا يسجد، ومنها فى الظهر: ¬

(¬1) سبق تخريجه عند تخريج حديث المتن. (¬2) مسلم فى صحيحه (164). (¬3) أبو داود فى سننه (817)، والترمذى (306). (¬4) مسلم فى صحيحه (163). (¬5) أبو داود فى سننه (816). (¬6) ابن ماجه فى سننه (821،822،823،824).

263 - حدثنا أبو بكر بن نافع البصرى، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن إسماعيل بن مسلم العبدى، عن أبى المتوكل، عن عائشة، قالت: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن ليلة». ـــــــــــــــــــــــــــــ «وَاَللَّيْلِ إِذايَغْشى. . .، سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ اَلْأَعْلَى. . .» (¬1) مسلم «وَاَلسَّماءِ ذاتِ اَلْبُرُوجِ. . .، وَاَلسَّماءِ وَاَلطّارِقِ. . .» (¬2) وكذا فى العصر أبو داود، والترمذى «لقمان، والذاريات، سبح، وهل أتاك» (¬3) النسائى، ومنها فى المغرب: «المرسلات، والطور» (¬4) الشيخان وغيرهما «الأعراف» (¬5) البخارى وغيره: «حم، الدخان» (¬6) النسائى «الكافرون، والإخلاص» (¬7) ابن ماجه وفيه علة، والذى صح قصار المفصل من غير تعيين، وهذه الرواية فيها مبينة لجواز التطويل بل وندبه لغير الإمام وللإمام بشروطه المقررة فى الفقه، ودعوى نسخ التطويل ممنوعة، بأن آخر صلاة صلاها بهم فى مرض موته: المغرب بالمرسلات كما فى البخارى ومنها فى العشاء: وَاَلتِّينِ. . . (¬8) الشيخان. 263 - (محمد بن نافع) قيل: هو مجهول، لأنه لم يوجد فى كتب الرجال فلعله ¬

263 - إسناده صحيح: رواه المصنف فى الصلاة (448)، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وللحديث شاهد صحيح من حديث أبى ذر قال: «قام النبى صلى الله عليه وسلم بآية حتى أصبح يرددها» ورواه النسائى فى الافتتاح (2/ 177)، وابن ماجه فى إقامة الصلاة (1350)، وفى الزوائد قال: إسناده صحيح رجاله ثقات، وأحمد فى المسند (5/ 149)، والحاكم فى مستدركه (1/ 241)، وقال: هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه ووافقه الذهبى. (¬1) مسلم فى صحيحه (170،171)، وأبو داود فى سننه (807). (¬2) أبو داود فى سننه (805)، والترمذى فى سننه (307)، قال أبو عيسى: حديث جابر بن سمرة حديث حسن صحيح. والنسائى (4/ 212). (¬3) النسائى فى سننه (4/ 166). (¬4) البخارى فى صحيحه (763)، ومسلم (173)، وأبو داود (810،811)، والترمذى (308)، وقال: حديث أم الفضل حسن صحيح. (¬5) البخارى (764)، والترمذى فى سننه (308)، والنسائى (4/ 169). (¬6) النسائى فى سننه (4/ 169). (¬7) ابن ماجه فى سننه (833). (¬8) البخارى فى صحيحه (769)، ومسلم (175،176،177)، والترمذى فى سننه (309، 310)، والنسائى فى سننه (4/ 173)، وابن ماجه (834).

264 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن واسع البصرى. (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن) هى كما جاء فى طريق آخر قوله تعالى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ (¬1). (ليلة) يحتمل أن المراد: أنه صلى الله عليه وسلم استمر يكررها فى ركعات تهجده تلك الليلة، فلم يقرأ فيها بغيرها، وأنه صار يكررها فى قيامه، أو فى قيام ركعة واحدة إلى أن طلع الفجر، وأنه لم يكن فى صلاته، بل قرأها خارجها، فاستمر يكررها إلى الفجر، وهو قائم، أو قاعد، وعلى الأخير يكون من قام بالأمر أخذه وعزم من غير فتور، أو قامت الحرب على ساقها أى اشتدت وحمى وطيسها وح، فمعنى قام بها أى داوم على تكريرها، والتفكر فى معانيها إلى الفجر، لما أنه اعتراه عند قرأتها من هيبة ما ابتدئت به ما أوجب اشتعال نار الخوف، من حلاوة ما ختمت به ما أوجب اهتزاز أريحة طربا وسرورا، وفيها من الأسرار: أنه لما ذكر العذاب علل بوصف العبودية، إشارة إلى عظيم تحليه بوصف الاستحقاق والعدل، إذ لم يتصرف إلا فى ملكه، والمتصرف فى ملكه بأى نوع شاء، لا ينسب لجور ولا ظلم، ولما ذكر المغفرة علله بتحليه بوصف العزة والحكمة، إشارة ما هو تحليه بوصف التفضل والإنعام المقترن بغاية العزة والقهر والحكمة البالغة، وإن خفيت عن الخلق، ثم رأيت ما يرجح الاحتمال الأول من الاحتمالات السابقة فى معنى قيامه تلك الآية، وهو ما فى فضائل القرآن عن أبى ذر قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالى فقرأ آية واحدة الليل كله حتى أصبح، بها يقوم، وبها يركع، وبها يسجد» (¬2) ولا ينافيه خبر مسلم: «إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا وساجدا» (¬3) لاحتمال أن ذلك النهى كان بعد تلك الليلة. 264 - (فلم يزل قائما. . .) إلخ فيه أن صلاة النافلة جماعة، وأنه يسن للإمام ¬

264 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى التهجد (1135)، ومسلم فى المسافرين (204،537)، وابن ماجه فى الإقامة (1418)، والإمام أحمد فى المسند (1/ 385،396،415،440)، من طرق عن عبد الله بن مسعود به فذكره مرفوعا. (¬1) سورة المائدة: آية رقم (118). (¬2) رواه النسائى فى سننه (2/ 177)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (14/ 272). (¬3) رواه مسلم فى صحيحه (209،210،212،214).

الأعمش، عن أبى وائل، عن عبد الله، قال: «صلّيت ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل قائما حتّى هممت بأمر سوء. قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أقعد وأدع النّبىّ صلى الله عليه وسلم». 265 - حدثنا إسحاق بن موسى الأنصارى، حدثنا معن، حدثنا مالك، عن أبى النضر، عن أبى سلمة، عن عائشة: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان يصلّى جالسا فيقرأ وهو جالس، فإذا بقى من قراءته قدر ما ـــــــــــــــــــــــــــــ التطويل، إذا كان الجمع محصورون، ورضوا به، ولم يطرأ غيرهم، وإن ندر حضوره، ولم يتعلق بعين أحد منهم حق، بأن لا يكون فتى، ولا أجير عين ولا زوجة، وكانوا بمسجد غير مطروق، فإن اختل شرط من ذلك سن للإمام التخفيف ما أمكن، والاقتصار من القراءة على قصار المفصل، ومن نحو التسبيح على أدنى الكمال، وهو ثلاث، وكره له التطويل، نعم ما عين الشارع فيه سورة مخصوصة كالجمعة، والعيدين، والكسوفين، يسن قرأتها، وإن لم ينحصروا للاتباع. (بأمر سوء) بالإضافة وعدمها، وبفتح السين وضمها، قيل: المفتوحة غلبت وإيضافها لما يراد ذمه، والمضمومة شاعت فيما يقابل الخير انتهى، والذى فى الصحاح: المفتوح، مصدر نقيض المسرة، والمضموم: اسم، وساغ الإضافة إلى المفتوح كرجل سوء، ولا يقال: سوء بالضم انتهى، قوله: ولا يقال إلخ ردّ بالقراءة المتواترة. عَلَيْهِمْ دائِرَةُ اَلسَّوْءِ (¬1) بالضم ويرد بأن ما فيه من إضافة الاسم الجامد كرجل، وما فيها من إضافة المصدر، وبينهما فرق ظاهر. 265 - (عن عائشة. . .) إلخ أخرجه مسلم أيضا، وروى عنها الدارقطنى: «كان متربعا» وابن ماجه: «كان يوتر بواحدة، ثم يركع ركعتين يقرأ فيهما، وهو جالس فإذا ¬

265 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصلاة (374) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى التهجد (1119)، ومسلم فى صلاة المسافرين (112،505)، وأبو داود فى الصلاة (954)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 220)، وأحمد فى مسنده (6/ 178)، والإمام مالك فى الموطأ (1/ 23،238)، كلهم من طرق عن أبى النضر به فذكره نحوه. (¬1) سورة التوبة: آية رقم (98).

يكون ثلاثين أو أربعين آية، قام فقرأ وهو قائم، ثمّ ركع وسجد، ثمّ صنع فى الرّكعة الثّانية مثل ذلك». 266 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا هشيم، أنبأنا خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، قال: سألت عائشة، عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن تطوعه، فقالت: «كان يصلّى ليلا طويلا قائما، وليلا طويلا قاعدا، فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو جالس ركع وسجد وهو جالس». ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد أن يركع قام فركع» (¬1) ومر أن فعله ما بين الركعتين لبيان جواز الصلاة بعد الوتر، ولا ينافيه لفظ «كان» لأنها لا تفيد دواما، قيل: ولا أكثرية هنا وغلط من جعلهما سنة راتبة بعده، فإنه صلى الله عليه وسلم ما داومهما، ولا تشبه السنة بالفرض، حتى يكون للوتر راتبة بعده انتهى. وقد أنكرها مالك أيضا، وقال أحمد: لا أفعله، ولا أمنعه، وقال بعضهم: هما سنة والأمر بجعل آخر صلاة الليل وترا مختص بمن أوتر آخر الليل: «فيقرأ وهو جالس» إلخ فيه جواز جعل بعض قراءة النافلة فى القيام، وبعضها فى الجلوس كذا قيل والأولى أن يقال: فيه ندب ذلك لمن يشق عليه طول القيام فى النافلة كبيرا وغيره، ومن ما يعلم منه أنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، إلا لما كثر، وثقل باللحم. 266 - (عن تطوعه) بدل مما قبله بإعادة حرف الجر أى: عن كيفيته. (طويلا) صفة ليل ومن زعم أنها صفة صلاة وأنها لما حذفت حذف تأنيث صفتها فقد وهم وأراد بالليل بعضه أى زمنا طويلا من الليل وما يصله فى ذلك الزمن بعضه أطول وبعضه طويل وبعضه قصير. (قائما) حال من فاعل يصلى، أى: يصلى زمنا طويلا حال كونه قائما فيه وزمنا طويلا حال كونه قاعدا فيه، قائما مبينة أن المراد بطول زمن الصلاة طول ¬

266 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى أبواب الصلاة (375) بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى صلاة المسافرين (105،504)، وأبو داود فى الصلاة (1955)، وفى التطوع (1251)، وابن ماجه فى الإقامة (1228)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 219،220)، والإمام أحمد فى مسنده (6/ 30،98، 100،112،113،166،204،261،265)، من طرق عن عبد الله بن شقيق عن عائشة به فذكره. (¬1) رواه ابن ماجه فى سننه (1196)، وفى المشكاة (1285)، وذكره صاحب تاريخ بغداد (13/ 60).

267 - حدثنا إسحاق بن موسى الأنصارى، حدثنا معن، حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، عن المطلب بن أبى وداعة السهمى، عن حفصة زوج النبى صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى فى سبحته قاعدا حتّى كان قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بعام فإنّه كان يصلّى فى سبحته قاعدا، ويقرأ بالسّورة ويرتّلها حتّى تكون أطول من أطول منها». ـــــــــــــــــــــــــــــ قيامها أو قعودها. (وهو) أى والحال أن انتقاله لها كان وهو. (قائم) وكذا التقدير فى «وهو جالس» وفيه حلّ التنفل قاعدا مع القدرة، وهو إجماع لكن القاعد لغير عذر له نصف أجر القائم والمضطجع على جنبه له نصف أجر القاعد، وهذا فى حق غيره، إذ من خصائصه أن تطوعه قاعدا كتطوعه قائما، لأن الكسل مأمون فى حقه صلى الله عليه وسلم. (ركع وسجد وهو قائم) فائدة: وهو قائم هنا؛ للاحتراز عن جلوس قبل الركوع وبعده أى كان يستمر قائما إلى الركوع ثم يعتدل قائما ثم يسجد فهو احتراز عن جلوس قبلهما عكس الوارد فيما مر وكذا يقال فى. (ركع وسجد وهو جالس) فهو احتراز عن قيام قبل الركوع وعن قيام حال الاعتدال ولا ينافى هذا ما مر من أنه كان ببعض قراءته إلى جلوس ثم قيام، لأنه صلى الله عليه وسلم كان له أحوال مختلفة فى تهجده وغيره، فيحمل اختلاف الروايات وإن اتحد راويها على اختلاف تلك الأحوال. 267 - (فى سبحته) أى فى نافلته، وسميت سبحة لاشتمالها على التسبيح. (عن حفصة. . .) إلخ رواه عنها أيضا مسلم. (ويرتلها حتى تكون أطول من أطول منها) أى يرتل السورة القصيرة كالأنفال، حتى تصير لاشتمالها على الترتيل أطول من طويلة خالية عنه كالأعراف، وقيل: المراد أن تطويله يبلغ غايته يفوق لكل تطويل انتهى، وليس بشىء، وإن قال زاعمه أنه معنى دقيق. ¬

267 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى أبواب الصلاة (373)، وقال: حديث حسن صحيح، والإمام مسلم فى صلاة المسافرين (118/ 507)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 223)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 285)، ومالك فى الموطأ (137)، كلهم من طرق عن ابن شهاب الزهرى به فذكره.

268 - حدثنا الحسن بن محمد الزعفرانى، حدثنا الحجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرنى عثمان بن أبى سليمان، أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره، أن عائشة أخبرته: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم لم يمت حتّى كان أكثر صلاته وهو جالس». 269 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، رضى الله عنهما، قال: «صلّيت مع النّبىّ صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظّهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب فى بيته، وركعتين بعد العشاء فى بيته». ـــــــــــــــــــــــــــــ 268 - (أكثر صلاته) أى النافلة. (وهو) أى والحال أنه. (جالس) مكان قيامه أى حتى وجد أكثرنا نافلته فى جلوسه، وزعم أنها ناقصة والواو زائدة وجملة «وهو جالس» خبرها تكلف بعيد لا يعول عليه. 269 - (فى بيته) يحتمل رجوعه للثلاثة قبله، ولسنة المغرب فقط، وعليه فعلت أفضلية البيت للنافلة، حتى من جوف الكعبة للخبر الصحيح: «أفضل صلاة المرء فى بيته، إلا المكتوبة» (¬1). ¬

268 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى صلاة المسافرين (116،506)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 222)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 169)، ثلاثتهم من طريق عثمان بن أبى سليمان به فذكره. 269 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى المواقيت (425) بسنده ومتنه سواء، وقال حديث ابن عمر حديث صحيح، ورواه أحمد فى المسند (2/ 6)، من طريق إسماعيل بن إبراهيم به فذكره. (¬1) النسائى فى سننه (3/ 198)، والإمام أحمد فى مسنده (5/ 186)، وذكره فى التاريخ الكبير (1/ 292).

270 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال ابن عمر: وحدثتنى حفصة: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلّى ركعتين حين يطلع الفجر وينادى المنادى». قال أيوب: أراه قال: «خفيفتين». ـــــــــــــــــــــــــــــ 270 - (وحدثتنى) الواو عاطفة على محذوف أى حدثتنى غير حفصة وحدثتنى حفصة، وهذا أولى من دعوى زيادتها. (ركعتين حين يطلع الفجر) هما سنة. (قال: خفيفتين) صح ذلك من طرق فى الصحيحين وغيرهما فيسن تخفيفهما اقتداء به صلى الله عليه وسلم، والحديث المرفوع فى تطويلهما من مرسل سعيد بن جبير على أن فيه راويا لم يسمّ، فلا حجة فيه لمن قال: يندب تطويلهما ولو لمن فاته شىء من قراءته فى صلاة الليل أو إن صح ذلك عن الحسن البصرى ولا ينافى ذلك ما فى مسلم «كان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقرأ فى الأولى: قُولُوا آمَنّابِاللهِ وَماأُنْزِلَ إِلَيْناآية البقرة، وفى الثانية: قُلْ ياأَهْلَ اَلْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَناآية آل عمران» (¬1) لأن المراد بتخفيفهما عدم تطويلهما على الوارد فيهما، حتى لو قرأ الشخص فى الأولى آية البقرة وأَ لَمْ نَشْرَحْ. . .، والكافرون، وفى الثانية: آية آل عمران، وأَ لَمْ تَرَ كَيْفَ. . .، والإخلاص لم يكن مطولا تطويلا يخرج به عن حد السنة والاتباع، وروى أبو داود «أنه قرأ فى الثانية: رَبَّناآمَنّابِماأَنْزَلْتَ وَاِتَّبَعْنَا اَلرَّسُولَ فَاكْتُبْنامَعَ اَلشّاهِدِينَ، وإِنّاأَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ اَلْجَحِيمِ» (¬2) فيسن الجمع بينهما ليتحقق الإتيان بالوارد أخذا مما قاله النووى فى «إنى ظلمت نفسى ظلمت كثيرا»، والاعتراض عليه فى هذا رددته فى حاشية الإيضاح فى مبحث الدعاء يوم عرفة، وروى مسلم وغيره: «قرأ فيهما سورة الإخلاص» وصح: «نعم السورتان يقرأ بهما فى ركعتى الفجر: قُلْ ياأَيُّهَا ¬

270 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى أبواب الصلاة (433)، بسنده ومتنه سواء، وقال: حسن صحيح. والبخارى فى الأذان (618)، وفى التهجد (1173،1181)، ومسلم فى صلاة المسافرين (87،90، 500)، والنسائى فى المواقيت (1/ 283)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 45) من طرق عن نافع عن ابن عمر عن حفصة نحوه. (¬1) أخرجه مسلم فى صحيحه (99،100) والنسائى فى سننه (2/ 155). (¬2) أبو داود فى سننه (1260).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اَلْكافِرُونَ. . .، وقُلْ هُوَ اَللهُ أَحَدٌ. . .، وكان يقرأ بهما فى الوتر أيضا» (¬1) وعن على رضى الله عنه «كان يوتر بثلاث يقرأ فيهن تسع سور من المفصل يقرأ فى كل ركعة بثلاث سور آخرهن قُلْ هُوَ اَللهُ أَحَدٌ. . .» (¬2) رواه المصنف، وعن ابن عباس «كان يقرأ فى الوتر سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ اَلْأَعْلَى. . .، وقُلْ ياأَيُّهَا اَلْكافِرُونَ. . .، وقُلْ هُوَ اَللهُ أَحَدٌ. . . فى كل ركعة» (¬3) وعن عائشة «كان يقرأ فى الوتر: سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ اَلْأَعْلَى. . .، وفى الثانية ب‍ قُلْ ياأَيُّهَا اَلْكافِرُونَ. . .، وفى الثالثة: ب‍ قُلْ هُوَ اَللهُ أَحَدٌ. . . والمعوذتين» (¬4) رواه أبو داود والمصنف، وحكمة إيثاره سورة الإخلاص: جمعها لتوحيد العلم والإيمان وتوحيد المعرفة والإرادة، وتوحيد الاعتقاد، ف‍ قُلْ هُوَ اَللهُ أَحَدٌ. . . متضمنة للتوحيد العلمى والاعتقادى، لاشتمالها على ما يجب إثباته له تعالى من الأحدية والصمدية المثبتة له بجميع صفات الكمال الذى لا يلحقه نقص، ومن نفى الولد والوالد والكفؤ، المتضمن لنفى الشبيه والنظير فتضمنت إثبات أكمل كمال له، ونفى كل نقص عنه، ونفى كل شبيه، وهذه هى مجامع التوحيدين المذكورين، ومن ثمة عدلت ثلث القرآن، إذ هو إما إنشاء وهو أمر ونهى وإباحة، وهذا ثلث، وإما خبر: وهو عن الخلق وهو ثلث ثان، أو عن الخالق وصفاته وأحكامه، وهو ثلث ثالث مندرج فى سورة الإخلاص فلذا عدلت ثلث القرآن، وخلصت قارئها [المؤمن بها] (¬5) من الشرك العلمى، كما خلصته سورة قُلْ ياأَيُّهَا اَلْكافِرُونَ. . . من الشرك العملى. ¬

(¬1) أخرجه مسلم فى صحيحه (98)، وأبو داود فى سننه (1423)، والنسائى فى سننه (2/ 155)، والترمذى فى سننه (462،463). (¬2) الترمذى فى سننه (462)، والنسائى فى سننه (2/ 155). (¬3) الترمذى فى سننه (462). (¬4) أبو داود فى سننه (1423)، الترمذى (463)، والنسائى (2/ 155). (¬5) الزيادة من (ش).

271 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا مروان بن معاوية الفزارى، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر، قال: «حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانى ركعات: ركعتين قبل الظّهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء». قال ابن عمر: «وحدّثتنى حفصة بركعتى الغداة، ولم أكن أراهما من النّبىّ صلى الله عليه وسلم». ـــــــــــــــــــــــــــــ 271 - (عن ابن عمر. . .) إلخ رواه عنه أيضا البخارى لكن بزيادة ولفظه كان يصلى قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين فى بيته وبعد صلاة العشاء ركعتين فكان لا يصلى بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلى فى بيته ركعتين. (قال) وأخبرتنى حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح وبدا له صلاة الصبح صلى ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة فهذه عشر ركعات، لأن ركعتى الجمعة البعدية مع ركعتى الظهر البعدية لا يجتمعان إلا لعارض بأن تصلى الجمعة وسنتها البعدية فتبين له فسادها فيصلى الظهر وسنتها البعدية. (بركعتى الغداة) أى الفجر. (ولم أكن. . .) إلخ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يفصلهما دائما، أو غالبا عند أهله قبل خروجه بخلاف بقية الرواتب، فإنه ربما كان يفعلها فى المسجد على أن المصنف والنسائى رويا عنه: «رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا فكان يقرأهما» (¬1) أى: سورة الكافرون والإخلاص فى ركعتى الفجر ومن ثمة استدل بعضهم به على الجهر بالقراءة فيهما، وأجيب: بأنه لا حجة له فيه لاحتمال أنه عرف ذلك بقراءته بعض السورة على أنه صح عن عائشة «أنه كان يسر فيهما بالقراءة» (¬2) وهذا كله صريح فى أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يصليهما فينافى رواية المصنف فى هذا الكتاب أنه لم يره يصليهما، وروى الشيخان وغيرهما عن عائشة «لم يكن النبى ¬

271 - إسناده صحيح: تفرد به المصنف من هذا الطريق ورجاله ثقات، ورواه فى أبواب الصلاة (433)، والبخارى فى التهجد (11180)، والإمام أحمد فى مسنده (2/ 51،99)، من طرق عن ابن عمر بلفظ: «حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات. . .». (¬1) أخرجه: الترمذى فى سننه (417)، قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن وابن عدى فى الكامل (7/ 190). (¬2) أخرجه الإمام أحمد فى مسنده (6/ 184،238).

272 - حدثنا أبو سلمة: يحيى بن خلف، حدثنا بشر بن المفضل، عن خالد ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم على شىء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتى الفجر» (¬1) ولمسلم «لهما أحب إلىّ من الدنيا جميعها» (¬2) ومن ثمة قال أئمتنا: إنها أفضل من سائر الرواتب بعد الوتر وإن اختلف فى وجوبه ووجوبهما، لأن أدلة وجوبه أظهر، وروى الشيخان «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى ركعتى الفجر اضطجع على شقة الأيمن» (¬3) فسن هذه الضجعة بين سنة الفجر وفرضه لذلك، وأمره بها رواه أبو داود وغيره بسند لا بأس به، خلافا لمن نازع فيه وهو صريح فى ندبها لمن بالمسجد وغيره خلافا لمن خص ندبها بالبيت، وقول ابن عمر: إنها بدعة، وقول النخعى: إنها ضجعة الشيطان، وإنكار ابن مسعود لها، فهو لأنه لم يبلغهم ذلك، وحكمتها: الراحة والنشاط لصلاة الصبح، وأقول: لها حكمة أخرى أظهر من ذلك، وهو أن فاعلها يتذكر بها ضجعة القبر فيحمله استحضار ذلك فى أول نهاره على أن يستغرقه بالطاعة، أو يقل فيه من المخالفة ويؤيد ذلك: أنه لا فرق عندنا فى ندبها بين المتهجد وغيره، وقول ابن العربى: تختص بالتهجد ضعيف، ولا حجة له فى خبر عائشة «لم يضطجع لسنته ولكنه كان يدأب ليلته فليستريح» لأن فى سنده مجهولا وقد أفرط ابن حزم فى قوله بوجوبها على كل أحد وأنها شرط لصحة صلاة الصبح، واعلم أنا وإن قلنا إنها سنة لكن يحصل أصل تلك السنة بكل فصل بين سنة الفجر وفرضه بنحو مشى أو كلام. 272 - (قبل الظهر. . .) إلخ هذه العشرة هى السنن الرواتب المؤكدة، لأنه صلى الله عليه وسلم كان ¬

272 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى أبواب الصلاة (436) بسنده ومتنه سواء، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه مسلم فى صلاة المسافرين (105،504)، وأبو داود فى الصلاة (1251)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 30،216)، من طرق عن خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق به فذكره إلا أنه قال: «قبل الظهر أربعا» وهو المحفوظ. (¬1) أخرجه البخارى (1163)، ومسلم (94)، وأبو داود فى سننه (1254). (¬2) أخرجه مسلم فى صحيحه (97)، والإمام أحمد فى مسنده (6/ 149) بنحوه. (¬3) أخرجه البخارى فى صحيحه (1160)، وأبو داود (1261) بنحوه والنسائى (3/ 252، 253)، وابن ماجه (1198،1199)، والموطأ (8)، والإمام أحمد (2/ 173)، (6/ 34،35، 49،74،83،85،88،143،168،183،215،248،254)، والبيهقى (3/ 45)، والدارمى (1/ 337).

الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: «كان يصلّى قبل الظّهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ثنتين، وبعد العشاء ركعتين، وقبل الفجر ثنتين». ـــــــــــــــــــــــــــــ يداوم عليهن كما يعلم مما مر، ومما يأتى فى بعضهن وينافى الباقى على أن كان هذه الرواية، ورواية البخارى السابقة تقتضى التكرار، وهو ما صححه ابن الحاجب آخذا من قولهم: كان حاتم يكرم الضيف لكن الذى صححه الفخر الرازى، وقال النووى: إنه المختار الذى عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين: أنها لا تقتضيه لغة ولا عرفا، وقال ابن دقيق العيد: إنها تقتضيه عرفا، وبقيت رواتب أخرى، لكنها لم تتأكد تأكد تلك، وهى ركعتان أيضا لخبر مسلم عن عائشة «كان يصلى فى بيته قبل الظهر أربعا» (¬1) بل روى الشيخان «كان لا يدع أربعا قبل الظهر» (¬2) وهذا نص فى تأكد الأربعة وح فيشكل على جعل أئمتنا المتأكد منهن ثنتين فقط لكن يحتمل أن تلك الأربعة، لم تكن سنة الظهر بل صلاة مستقلة كان يصليها بعد الزوال، كما سيأتى أحاديثها، وبهذا يعلم أنه لا تنافى بين ما صح عن ابن عمر «صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها»، وعن عائشة «كان لا يدع أربعا قبل الظهر» فالأول: فى سنة الظهر، والثانى: فى سنة الزوال، أو الأول فيما إذا صلى فى المسجد والثانى: فيما إذا صلى فى بيته قيل: وهذا أظهر وركعتان بعدها، والجمعة مثلها قبلا وبعدا فى الثنتين والأربع، خلافا لمن نازع فى ذلك من أئمتنا، وإن طال فيه، وروى البزار: «كان يصلى قبل الجمعة وبعدها أربعا» (¬3) وهو وإن كان ضعيفا يعمل به هنا، وصح: «ما من صلاة مفروضة، إلا وبين يديها ركعتان» (¬4) وأربعا قبل العصر، وركعتان قبل المغرب، وسيأتيان، وركعتان قبل العشاء، وركعتان بعد المغرب، ندب الوصل بينهما وبين الفرض، وإن لم أر من ¬

(¬1) أخرجه مسلم فى صحيحه (105). وذكره فى الإتحاف (3/ 340،5/ 145). (¬2) أخرجه البخارى فى صحيحه (1182)، وأبو داود (1253)، والنسائى فى سننه (3/ 251)، والإمام أحمد فى مسنده (6/ 63،148)، والبيهقى (2/ 472)، وشرح السنة (3/ 447). (¬3) أخرجه ابن أبى شيبة فى مصنفه (2/ 40،41،42)، وذكره فى الإتحاف (3/ 276). (¬4) رواه الدار قطنى فى سننه (1/ 267)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (2/ 231)، وعزاه إلى الطبرانى فى الكبير والأوسط وفيه سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف، وفى الكنز (19335).

273 - حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبى إسحاق. قال: سمعت عاصم بن ضمرة يقول: سألنا عليا رضى الله عنه عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من النهار، قال: قال: «إنّكم لا تطيقون ذلك. قال، قلنا: من أطاق منّا ذلك صلّى. فقال: كان إذا كانت الشّمس من هاهنا، كهيئتها من هاهنا عند العصر صلّى ركعتين. وإذا كانت الشمس من هاهنا، كهيئتها من هاهنا عند الظّهر صلّى أربعا، ويصلّى قبل الظّهر أربعا وبعدها ركعتين، وقبل العصر أربعا يفصل بين كلّ ركعتين بالتّسليم على الملائكة المقرّبين والنّبيّين ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين». ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكره لخبر رزين: «من صلى بعد المغرب ركعتين قبل أن يتكلم-أى بغير الذكر الوارد كما هو ظاهر-رفعت صلاته فى عليين» (¬1). (وركعتين بعد العشاء) وهو ما فى مسلم عن عائشة والصحيحين عن ابن عمر، لكن روى أبو داود عنها. «ما صلى صلى الله عليه وسلم العشاء قط فدخل بيتى إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات» (¬2). 273 - (من النهار) أى عن كيفية نوافله التى كان يفعلها فيه، ولما فهم صلى الله عليه وسلم أن سؤالهم عنها للاقتداء به لا لمجرد العلم بها. (قال: إنكم لا تطيقون ذلك) أى من حيث الدوام والملازمة، سيما مع ما يصحب ذلك من الخضوع والخشوع. (صلى ركعتين) هما سنة الضحى، وسيأتى الكلام فيها. (وقبل العصر أربعا) لا ينافيه خبر أبى داود عن على رضى الله عنه أيضا: «كان يصلى قبل العصر أربعا» لا ينافى خبر أبى داود عن على ¬

273 - إسناده حسن: عاصم بن ضمرة: صدوق (التقريب 3063)، ورواه الترمذى فى أبواب الصلاة (424)، (429)، (598)، (599)، والنسائى فى الإمامة (2/ 120)، وفى السنن الكبرى (470)، (1/ 178)، وابن ماجه فى الإقامة (1161)، وأحمد فى المسند (1/ 85،143،147، 160)، وعبد الله بن أحمد فى الزوائد على المسند (1/ 142،143،146)، وابن خزيمة فى صحيحه (1211)، كلهم من طرق عن أبى إسحاق به فذكره نحوه. (¬1) ذكره فى المشكاة (1184)، وقال: مرسلا. (¬2) رواه أبو داود فى سننه (1303).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضا «كان يصلى قبل العصر ركعتين» (¬1) لاحتمال أنه كان تارة يصلى أربعا، وتارة ثنتين، وورد: «رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا» (¬2) واعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى ركعتين بعد العصر، وفى الصحيحين عن عائشة «ما تركهما بعد العصر عندى قط» (¬3) وفى مسلم عنها «كان يصليهما قبل العصر، ثم شغل عنهما ونسيهما فصلاهما بعد العصر، ثم نسيهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها» (¬4) أى داوم عليها، وفى أبى داود عنها «كان يصليهما وينهى عنهما» (¬5) وهو صريح فى أنه من خصوصياته لكن الذى اختص به إنما المداومة عليها لا أصل القضاء، وقول ابن عباس: إنه صلاهما مرة ولم يعدهما أخرى بحسب علمه لما مر عن عائشة من إثبات المداومة عليهما والمثبت مقدم وكذا قول أم سلمة صلاهما فى بيتى مرة واحدة وفى رواية عنها «لم أره يصليهما قبل ولا بعد» (¬6) ثم هاتان هما سنة الظهر البعدية شغل عنها بقسمة مال كما رواه المصنف وبإسلام جماعة من عبد القيس ولا مانع لاحتمال الاشتغال بكل منهما، وأما ما مر عن مسلم من أنهما اللتان قبل العصر فيمكن حمله على أنه كان يقضى اللتين قبل العصر أولا ثم شغل عنهما قبله أيضا فقضاهما بعده، واستمر على ذلك ومذهبنا ندب ركعتين خفيفتين قبل المغرب لما فى الصحيحين عن أنس أن الصحابة كانوا يصلونهما قبله زاد أبو داود «رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأمرنا ولم ينهنا» وهو لكونه شيئا مقدم على قول ابن عمر ما رأيت أحدا يصليهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أبو داود «صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء» خشيته أن يتخذها الناس سنة، أى: طريقة لازمة ولم يرد نفى ندبهما إذ لا يمكن الأمر بما لا يندب ودعوى النسخ لا دليل عليها وإنهما يخرجان المغرب عن أول وقتها فاسدة لمنابذتها للسنة مع أن زمنها يسير لا يفوت أول الوقت. (يفصل بين كل ركعتين) أى أن الأفضل فى صلاة النهار أن يسلم منها من كل ركعتين بالتسليم وخير صلاة الليل ¬

(¬1) رواه أبو داود (1272). (¬2) رواه أبو داود (1271)، والترمذى (430)، والبغوى فى شرح السنة (893)، والبيهقى (2/ 473)، وأحمد فى مسنده (2/ 117)، وابن خزيمة فى صحيحه (1193). (¬3) رواه البخارى (591)، ومسلم (835)، والدارمى (1/ 334). (¬4) رواه مسلم (835)، والنسائى (1/ 281). (¬5) رواه أبو داود (1273)، بهذا المعنى ولم أجده بنفس اللفظ. (¬6) رواه النسائى (1/ 282).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مثنى مثنى يحمل على أن الليل أولى بذلك وأفضل لا أنه خاص به. (بالتسليم. . .) إلخ قيل: أى فى التشهد وسمى تسليما لاشتماله عليه ويؤيده الخبر المتفق عليه أنهم كانوا يقولون فى تشهدهم: السلام على الله قبل عباده السلام على خير أهل السلام على ميكائيل السلام على فلان وفيه نظر ولفظ الحديث ينافى ذلك وإنما المراد بالتسليم فيه تسليم التحليل من الصلاة فيسن للمسلم منها أن ينوى بقوله السلام عليكم من على يمينه ويساره وخلفه وأمامه من الملائكة ومؤمنى الإنس والجن وأن يلتفت حتى يرى بياض خده وأن يسلم تسليمتين لخبر مسلم وغيره كان صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده وروى المصنف: كان يسلم عن يمينه ويساره السلام عليكم ورحمة الله، وقد روى التسليمتين عنه خمسة عشر صحابيا وخبر كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه الذى أخذ به مالك وطائفة لم يثبت من وجه صحيح وخبر عائشة «كان يسلم تسليمة واحدة، السلام عليكم، يرفع بها صوته حتى يوقظنا» معلول أيضا وإن كان فى السنن على أن غاية ما فيه أنه ساكت عن التسليمة الثانية إذ لم يصرح فى حكمها بشىء، وعلى التنزل فهو فى صلاة الليل، والذين رووا التسليمتين، رووا ما شاهدوه فى الفرض والنفل، فهم أولى بالاعتماد، وعلى فرض التساوى فالجمع بأنه: قد كان يترك الثانية متعين. ***

41 - باب: صلاة الضحى

41 - باب: صلاة الضحى 274 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود الطيالسى، أنبأنا شعبة، عن يزيد الرّشك، قال: سمعت معاذة، قالت: قلت لعائشة: «أكان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصلّى الضّحى؟ قالت: نعم، أربع ركعات ويزيد ما شاء الله». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب صلاة الضحى) هو بالضم والقصر لغة: فوق الضحوة كطلحة، والضحية: كعشية التى هى ارتفاع أول النهار، وبه سميت صلاة الضحى، فالإضافة بيانية، وقيل: الإضافة بمعنى فى، أو من باب إضافة السبب إلى المسبب كصلاة الظهر، والضحاء بالفتح والمد من حين الارتفاع إلى ربع السماء، وأما شرعا: فيدخل وقتها بخروج وقت الكراهة، بأن ترتفع الشمس كرمح، وسنة الإشراق فى غيرها، وهى ركعتان عند شروق الشمس، وصلاهما مع كونهما فى وقت الكراهة، لأنهما من ذوات السبب المقارن، بل جرى كثيرون من أئمتنا على أن الضحى يدخل بمجرد طلوع الشمس أيضا. 274 - (الرشك) بكسر الراء وضمها وسكون المعجمة، قيل: القسام الذى يقسم الدور، وكان يقسمها بمكة قبل الموسم بالمساحة أى يتصرف الملاك فى أملاكهم بالموسم، وقيل: كبير اللحية، وكان يزيد كبيرها وهو بالفارسية العقرب، قال ابن الجوزى وغيره: دخل عقرب لحيته فأقام بها ثلاثة أيام، وهو لا يشعر، واستشكل عرفة كونها ثلاثا، وأجيب: بأنه يحتمل أنه دخل مكانا كثير العقارب ثم رآها بعد الخروج منه بثلاثة أيام، فعلم أنها من ذلك المكان وبأنه يحتمل أن أحدا رآها حين دخل ولم يخبره بها، إلا بعد ثلاثة أيام ليعلم هل يحس بها أم لا؟ وزعم أن ما ذكر فى العقرب قد يقع لخفيف ¬

274 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى صلاة المسافرين (717)، وابن ماجه فى الإقامة (1381)، والنسائى فى الكبرى (1/ 180،181)، (481)، وأحمد فى المسند (6/ 95،120،124،168،228،265)، والطيالسى فى مسنده (1571)، والبيهقى فى السنن الكبرى (3/ 47)، وأبو نعيم فى المسند على مسلم (1617)، كلهم من طرق عن عائشة رضى الله عنها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللحية، فلا وجه لتسميته الرشك بذلك لكبر لحيته مكابرة بأن الوجود قاض بأن ذلك إنما يقع لكبير اللحية خبا وهو فى بعض الأصول مجرور نظير سعيد كرز، ومرفوع نظير أبو حفص عمر والله أعلم. (قالت: نعم) رواه عنها أيضا مسلم وأحمد، وفيه: ندب صلاة الضحى، وهو ما عليه جمهور العلماء، وأما ما صح عن ابن عمر من قوله: «بدعة ونعمت البدعة» (¬1)، ومن قوله: «قتل عثمان وما أحد نسخها، وما أحدث الناس شيئا أحب إلىّ منها» (¬2) فأولوه: بأنه لم يبلغه ما يأتى من الأحاديث أو أنه أراد أنه صلى الله عليه وسلم لم يداوم عليها، أو أن التجمع لها فى نحو المسجد هو البدعة، والحاصل أن نفيه لا يدل على عدم مشروعيتها، لأن الإثبات زيادة علم خفيت على النافى مقدم على المنفى رويته ويؤيده خبر البخارى: «قلت لابن عمر: أتصلى الضحى؟ قال: لا، قلت: فعمر؟ فقال: لا، قلت: فأبو بكر؟ قال: لا، قلت: فالنبى صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا أخاله» أى لا أظنه وهو بكسر الهمزة وحكى فتحها أو أراد نفى صفته كالتجمع المذكور، لا نفى أحد صلاها، لأن أحاديثها تكاد أن تكون متواترة كيف وقد رواه عن النبى صلى الله عليه وسلم من أكابر الصحابة تسعة عشر نفسا، كلهم شهدوا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصليها كما بينه الحاكم وغيره، ومن ثمة قال شيخ الإسلام أبو زرعة: ورد فيها أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة، حتى قال محمد بن جرير الطبرى: إنها بلغت حد التواتر، والسنة أن تفعل فى المسجد لحديث ورد بذلك فتكون مستثناه، ويجىء أنها مستثناة أيضا من أن الأفضل فى النوافل أن تفعل فى البيت (أربع ركعات) حمول ليصلى المدلول عليه بنظيره فى كلام السائل. (ويزيد ما شاء الله) يؤخذ من مجموع الأحاديث أن أقلها ركعتان كما فعل صلى الله عليه وسلم رواه ابن عدى، بل هو أصح شىء فى الباب كما نقله [المصنف] (¬3) عنه رضى الله عنه وأكثرها ثنتى عشرة ركعة لخبر: «من صلى الضحى ثنتى عشرة ركعة بنى الله له قصرا فى الجنة» (¬4) استغربه المصنف، وقول النووى فى مجموعه فى ذلك: حديث ضعيف كأنه يشير إليه فيه نظر لأن له طرقا تقويه وترقيه إلى درجة الحسن، ولكن أفضلها ثمان كما فى الروضة ¬

(¬1) رواه البخارى فى التراويح (2010)، بلفظ عمر، رواه مالك فى الموطأ فى رمضان (3) بلفظ عمر. (¬2) رواه أحمد فى مسنده (2/ 352) (4/ 235) بنحوه. (¬3) الزيادة من: (ش). (¬4) رواه الطبرانى فى المعجم الأوسط (3955)، بلفظ بيت (4/ 195).

275 - حدثنا محمد بن المثنى، حدثنى حكيم بن معاوية الزيادى، حدثنا زياد ابن عبيد الله بن الربيع الزيادى، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان يصلّى الضّحى ستّ ركعات». 276 - حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، أنبأنا شعبة، عن عمرو ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيرها، لأن حديثها الآتى خبر أصح من حديث اثنتى عشرة، بل قال كثيرون: أكثرها ثمان، ولا تجوز الزيادة فيها عليها، لكن الصحيح: أن أكثرها من حديث الجواز ثنتى عشرة، وأفضلها ثمان، وقد يفضل العمل القليل كما اشتمل عليه من مزيد فضل الاتباع العمل الكثير، «ويزيد» عطف على يصلى مقدارا بعد شاء الله، فتبين أنه لا تضر الزيادة، لكن باستقراء الأحاديث الصحيحة والضعيفة علم أنه لم يزد على الثمان، ولم يرغب فى أكثر من الثنتى عشر وفى جوابها بما ذكر زيادة على ما طلبه السائل، وهى محمودة فى الجواب لها تعلق بالسؤال. 276 - (ما أخبرنى. . .) إلخ إنما نفى علمه، فلا ينافى ما حفظه غيره على أنه يكفى ¬

275 - إسناده ضعيف [وهو صحيح بشواهده]: تفرد به المؤلف. وفى إسناده: حكيم بن معاوية الزيادى: مستور. وكذلك زياد من عبيد الله بن الربيع الزيادى: مقبول. قلت: وللحديث شواهد: منها: ما رواه الطبرانى فى المعجم الأوسط (2724)، من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال: «أتيت النبى صلى الله عليه وسلم أعرض عليه بعيرا فرأيته صلى الضحى ست ركعات، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد: رواه الطبرانى فى الأوسط من رواية محمد بن قيس عن جابر وقد ذكره ابن حبان فى الثقات، وشاهد آخر من حديث أم هانئ رضى الله عنها: أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح فصلى الضحى ست ركعات. رواه الطبرانى فى الأوسط (2727)، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد (2/ 238): رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط وإسناده حسن. وله شاهد أيضا من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه عند الطبرانى فى الأوسط (1276)، قال الهيثمى (2/ 237)، رواه فى الأوسط وفيه سعيد بن مسلم الأموى ضعفه البخارى وابن معين، وجماعة، وذكره ابن حبان فى الثقات وقال: يخطئ. 276 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الاستئذان (2734) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الصلاة (357)، =

ابن مرة، عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال: «ما أخبرنى أحد أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يصلّى الضّحى إلاّ أمّ هانئ، فإنّها حدّثت أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكّة فاغتسل، فسبّح ثمانى ركعات، ما رأيته صلّى صلاة قطّ أخفّ منها، غير أنّه كان يتمّ الرّكوع والسّجود». ـــــــــــــــــــــــــــــ إخبار. (أم هانئ فإنها حدثت. . .) إلخ رواه عنها البخارى، وفى رواية «ضحى»، ولمسلم: «أنه صلى الله عليه وسلم صلّى فى بيتها عام الفتح ثمان ركعات فى ثوب واحد قد خالف بين طرفيه»، وقد بينا فيهما رواية النسائى: «أنها ذهبت إليه صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل، وفاطمة تستره بثوب فسلمت فقال: من هذا؟ قلت: أم هانئ، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثمان ركعات ملتحفا فى ثوب واحد» (¬1)، إلا أن يجاب بتعدد الواقعة، فمرّة كان فى بيتها، وأخرى ذهبت إليه، ويحتمل أنه كان فى بيتها فى ناحية عنها وعنده فاطمة فذهبت إليه، وكان ذهابها إليه لشكوى أخيها على رضى الله عنه، إذ أراد أن يقتل من أجارته فقال صلى الله عليه وسلم «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ» (¬2)، وروى أبو داود: «أنه صلى الله عليه وسلم يوم ¬

= وفى الجزية (3171)، وفى الأدب (6158)، ومسلم فى الحيض (336)، والنسائى فى الطهارة (1/ 202)، وابن ماجه فى الإقامة (1379)، ومالك فى الموطأ (1/ 152)، والدارمى فى سننه (1/ 402)، وأحمد فى مسنده (6/ 341،342،343،423،425)، والنسائى فى الكبرى (1/ 115)، (229)، والطبرانى فى الكبير (1017)، والبيهقى فى السنن (1/ 305)، وأبو نعيم فى مستخرجه على مسلم (759،760،761)، كلهم من طريق أم هانئ رضى الله عنها به فذكره نحوه. (¬1) رواه البخارى فى الصلاة (357)، وفى الجزية (3171)، وفى الأدب (6158)، ومسلم فى الحيض (336)، والترمذى فى الأستئذان (2734)، والنسائى فى الطهارة (1/ 126،225)، وابن ماجه فى إقامة الصلاة (1379)، ومالك فى الموطأ (1/ 152) (27،28)، والدارمى (1، 338،339)، وأحمد فى مسنده (6/ 341،342،343،423،425). (¬2) رواه البخارى فى الغسل (280)، وفى الصلاة (357)، وفى الجزية (3171)، وفى الأدب (6158)، وفى التهجد (1176)، ومسلم فى الحيض (336)، وفى صلاة المسافرين (1/ 497، 498)، وأبو داود فى الصلاة (1291)، وفى الجهاد (2763)، والترمذى فى الاستئذان (2735)، والنسائى فى الطهارة (1/ 126)، وابن ماجه فى الإقامة (1323)، والدارمى فى الصلاة (1/ 339)، ومالك فى الموطأ فى الصلاة (1/ 152)، وأحمد فى مسنده (6/ 342، 343،423،425)، وابن حبان فى صحيحه (1188)، وابن خزيمة فى صحيحه (1233)، والبيهقى فى السنن (1/ 198)، والطبرانى فى الكبير (24/ 418) (1017)، وعبد الرزاق فى مصنفه (4861)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (2/ 409).

277 - حدثنا ابن أبى عمر، حدثنا وكيع، حدثنا كهمس بن الحسن، عن عبد الله ابن شقيق قال: قلت لعائشة: «أكان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصلّى الضّحى؟ قالت: لا إلاّ أن يجىء من مغيبه». ـــــــــــــــــــــــــــــ الفتح سبحة الضحى ثمان ركعات فسلم من كل ركعتين»، ولمسلم فى كتاب الطهارة: «ثم صلى ركعات سبحة الضحى» وبها بطل قول عياض وغيره: حديثها ليس بظاهر فى قصده سنة الضحى، ولابن عبد البر أنها قالت له صلى الله عليه وسلم: «ما هذه الصلاة؟ قال: صلاة الضحى»، وأما قول من قال: لا تفعل صلاة الضحى إلا بسبب، لأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلاها يوم الفتح من أجل الفتح، فيبطله ما مر من الأحاديث، وما صح عن أبى هريرة «أوصانى خليلى بثلاث لا أدعهن حتى أموت وذكر منهن: الضحى» (¬1)، والجواب: بأنه يروى «أنه كان يختار درس الحديث بالليل على الصلاة، فأمر بالضحى بدلا عن قيام الليل»، ولهذا أمر دون بقية أكابر الصحابة أن لا ينام إلا على وتر، يرده: بأن هذه القصة غير خاصة به، بل رواها مسلم عن أبى الدرداء والنسائى عن أبى ذر. (فاغتسل) أخذ منه أئمتنا أنه يسن لمن دخل مكة أن يغتسل أول يوم لصلاة الضحى اقتداء به صلى الله عليه وسلم. (فسبح) أى صلى من باب تسمية البعض باسم الكل لاشتمال الصلاة على التسبيح. (أخف منها) لا يؤخذ منه ندب التخفيف فى صلاة الضحى، لأنه لا يعلم من المواظبة على ذلك فيها، بخلافه فى سنة الفجر، بل الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى الضحى فطول فيها وإنما خفف يوم الفتح، لاحتمال أنه قصد التفرغ لمهمات الفتح لكثرة شغله به. 277 - (إلا أن يجىء من مغيبه) بفتح فكسر ثم هاء أى: من سفره، لما ورد: أنه صلى الله عليه وسلم ¬

277 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى صلاة المسافرين (717)، وأبو داود فى التطوع (1292)، والنسائى فى الكبرى (1/ 181) (481)، وأحمد فى مسنده (6/ 171،204،218)، ثلاثتهم من طريق عبد الله ابن شقيق به فذكره. (¬1) رواه البخارى فى التهجد (1178)، وفى الصوم (1981)، ومسلم فى صلاة المسافرين (721)، وأبو داود الطيالسى (2392)، والنسائى (3/ 229)، والدارمى (2/ 18،19)، وأحمد فى مسنده (2/ 459)، وابن حبان فى صحيحه (2536)، وابن خزيمة فى صحيحه (1222، 1223)، والبيهقى فى السنن (3/ 36)، (4/ 293).

278 - حدثنا زياد بن أيوب البغدادى، حدثنا محمد بن ربيعة، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبى سعيد الخدرى. قال: «كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصلّى الضّحى حتّى نقول لا يدعها، ويدعها حتّى نقول لا يصلّيها». ـــــــــــــــــــــــــــــ كان لا يقدم من سفره إلا نهارا وقت الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد أول قدومه، فصلى فيه ركعتين، ثم جلس فيه، وسمى السفر بذلك لأنه يستلزم الغيبة عن الأهل والوطن، وقول شارح: إنها تاء التأنيث، مردود: بأن الذى فى الأصول المصححة الأول، وقولها هنا «لا» موافق لقولها: «ما صلى سبحة الضحى قط»، وإن خالفه فى «إلا» إلخ، «وإنى لأصليها» رواه الشيخان، ولما صح عنها «ما رأيته يصلى سبحة الضحى» فينافى قولها السابق: «نعم»، على ما قيل، وليس كذلك بل قولها «ثم نعم» محمول على أنها علمت منه، أو من غيره أنه كان يفعلها، وقولها هنا: «لا وما صلاها وما رأيته» محمول على نفى رؤيتها فحسب، ومما يرجحه أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعلها أحيانا ويتركها أحيانا كما يأتى، ولم يكن عند عائشة دائما، بل فى نوبتها، وهى يوم من تسعة أيام، وربما اشتغل فى يومها عنها، أو صلاها بالمسجد، فصدق قولها: «لا وما رأيته» باعتبار المشاهدة وقولها: «نعم» باعتبار العلم، قيل: وقولها السابق: «ما رأيته يصليها ينازع من جعل من خصائصه أنها واجبة عليه، ورواية الدارقطنى «أمرت بصلاة الضحى ولم تؤمروا بها» (¬1) ضعيف، ويرد: بأن الذى من خصوصياته كما صرحوا به أصل صلاتها لا تكريرها كل يوم. ¬

278 - (حتى نقول. . .) إلخ بان بهذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يتركها أوقاتا ويفعلها أخرى، مخافة أن يعتقد الناس وجوبها لو واظب عليها. فائدة: من فوائد صلاة الضحى أنها تجزئ عن الصدقة التى تصبح على مفاصل الإنسان الثلاثمائة والستين مفصلا كما أخرجه مسلم وفيه؛ «وتجزئ عن ذلك ركعتى الضحى»، وحكى الحافظ أبو الفضل الزين العراقى: أنه اشتهر بين العوام: أنه من يقطعها يعمى فصار كثير منهم لا يتركها لذلك، وليس لما قالوه أصل، بل الظاهر أنه مما ألقاه الشيطان على نفوسهم ليحرمهم الخير الكثير، لا سيما إجزاؤها عن تلك الصدقة وروى الحاكم: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلى الضحى (¬1) رواه الدارقطنى (42) (4/ 282)، بلفظه والطبرانى فى الكبير (11803،12044) (11/ 301،373).

279 - حدثنا أحمد بن منيع، عن هشيم، أنبأنا عبيدة، عن إبراهيم، عن سهم ابن منجاب، عن قرثع الضبى-أو عن قزعة عن قرثع-عن أبى أيوب الأنصارى: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان يدمن أربع ركعات عند زوال الشّمس. فقلت: يا رسول الله، إنّك تدمن هذه الأربع الرّكعات عند زوال الشّمس. فقال: إنّ أبواب السّماء تفتح عند زوال الشّمس، فلا ترتج حتّى يصلّى الظّهر، فأحبّ أن يصعد لى فى تلك السّاعة خير. قلت: أفى كلّهنّ قراءة؟ قال: نعم. قلت: هل فيهنّ تسليم فاصل؟ قال: لا». ـــــــــــــــــــــــــــــ بسور منها: الشمس وضحاها، والضحى» ومناسبة ذلك ظاهرة. 279 - (منجاب) بكسر فسكون النون فجيم موحدة. (قرثع) بقاف فراء فمثلثة فمهملة كجعفر. (عن أبى أيوب. . .) إلخ، وروى البزار نحوه من حديث ثوبان، «وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يصلى حد نصف النهار، فقالت عائشة: يا رسول الله أراك تستحب الصلاة هذه الساعة، فقال: تفتح فيها أبواب، وينظر الله إلى خلقه بالرحمة، وهى صلاة كان يحافظ عليه: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى» (¬1). (يدمن) ¬

279 - إسناده ضعيف وهو صحيح بشواهده: فيه: عبيدة بن معتب الضبى: ضعيف اختلط بأخرة. قال الإمام أحمد: ترك الناس حديث عبيدة الضبى. .: وقال يحيى بن معين: ضعيف. انظر: تهذيب الكمال (19/ 273،276) ترجمة (3760). ورواه أبو داود فى الصلاة (1270)، وابن ماجه فى الإقامة (1157)، وأحمد فى المسند (5/ 416)، والحميدى فى مسنده (385)، وعبد بن حميد فى المنتخب (226)، وابن خزيمة فى صحيحه (221،222)، كلهم طريق عبيدة الضبى به فذكره نحوه. وقال أبو داود: «عبيدة ضعيف». وقال ابن خزيمة: «عبيدة رحمه الله ليس ممن يجوز الاحتجاج بخبره عند من له معرفة برواة الأخبار». قلت: وللحديث شواهد منها الحديثان الآتيان (280،281). (¬1) ذكر ابن حجر فى فتح البارى (4/ 306) جزء منه، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (2/ 219) قال: رواه البزار وفيه عتبه بن السكن، قال الدارقطنى: مذكور، وقد ذكره ابن حبان فى الثقات وقال: يخطئ ويخالف.

280 - حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو داود، حدثنا محمد بن مسلم بن أبى الوضاح، عن عبد الكريم الجزرى، عن مجاهد، عن عبد الله بن السائب: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلّى أربعا بعد أن تزول الشّمس قبل الظّهر، وقال: إنها ساعة تفتح فيها أبواب السّماء، فأحبّ أن يصعد لى فيها عمل صالح». ـــــــــــــــــــــــــــــ أى يواظب ويلازم. (ترتج) أى تغلق. (خير) فيه دليل على أن الصلاة خير موضوع، كما ذكره صلى الله عليه وسلم فى حديث آخر قالت: «نعم» إن حمل على قراءة الفاتحة فهو ظاهر وعلى قراءة السورة فكذلك لأن مذهبنا أنه إذا وصل بين ركعات واقتصر على تشهد واحد قرأ فى الجميع وإلا قرأ فيما قبل التشهد الأول تشبيها بالفرض. (قال: لا) فيه دليل لجواز سنة الزوال والظهر والعصر الأربع بتسليمة واحدة، ولا يشكل عليه امتناع صلاة أربع من التراويح بتسليمة واحدة، لأن تلك بطلب الجماعة فيها أشبهت الفرائض فاقتصر فيها على الوارد، بخلاف نحو سنة الظهر على أن الوارد فيها كما علمت، الفصل والوصل وسرّه ما تقرر من الفرق. 280 - (عن عبد الله بن السائب. . .) إلخ روى المصنف فى غير هذا الكتاب نحوه أيضا، وهو حديث: «أربع قبل الظهر وعند الزوال يحسب بمثلهن فى السحر، وما من شىء إلا وهو يسبح بحمد الله فى تلك الساعة» ثم قرأ: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ اَلْيَمِينِ وَاَلشَّمائِلِ سُجَّداً لِلّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (¬1) أى: صاغرون خاضعون. وهذه الأربع ورد مستقل سببه انتصاف النهار وزوال الشمس، لأن انتصافه مقابل لانتصاف الليل وعند زوالها. (تفتح أبواب السماء) فهو نظير النزول الإلهى المنزه عن الحركة والانتقال، وسائر سمات الحدوث، إذ كل منها وقت قرب ورحمة، واستشكلت المناسبة فى هذين الحديثين بصلاة الضحى، ويجاب: بأن يؤخذ عن مجموع صلاته صلى الله عليه وسلم للضحى ولهذه الركعات الأربع بعد الزوال، وتعليل فعلها بما ذكر فى الحديث: أن وقت صلاة الضحى يمتد إلى الزوال، وهو مذهبنا فكان فيه نوع إشارة إلى آخر وقتها، وأما أولها فاسمها ¬

280 - حديث صحيح: رواه الترمذى فى أبواب الصلاة (478)، بسنده ومتنه سواء، والبغوى فى شرح السنة (3/ 465) من طريق المصنف فى المسند (3/ 411)، من طريق أبى داود الطيالسى فذكره، قال المصنف: حديث عبد الله بن السائب حسن غريب. قلت: بل هو صحيح رجاله ثقات. (¬1) رواه الترمذى فى التفسير (3128)، والخطيب البغدادى فى تاريخ بغداد (1/ 253).

281 - حدثنا أبو سلمة: يحيى بن خلف، حدثنا عمر بن على المقدمى، عن مسعر بن كدام، عن أبى إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن على كرم الله وجهه: «أنّه كان يصلّى قبل الظّهر أربعا، وذكر أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان يصلّيها عند الزّوال، ويمدّ فيها». ـــــــــــــــــــــــــــــ مشارا إليه كما قدمته لك أول الباب، ثم رأيت بعضهم أجاب: بأن الضحى فى الترجمة أعم من الحقيقى والمجازى، وهو بعيد، إذ هذا التجوز أعنى تسمية سنة الظهر صلاة الضحى لم يصر إليه أحد من الفقهاء فيما علمت، فلا ينبغى أن يظن بالمصنف مع سعة علمه وإطلاعه الذهاب إلى ذلك الذى ليس فيه إلا محض حرف اصطلاحهم، وعجيب من قول هذا البعض بناء على ما قدمه أن قوله. 281 - (يمد فيها) أى يطول فيها، فيه دليل لاستحباب طول القراءة فى صلاة الضحى. ... ¬

281 - إسناده حسن: وقد تقدم تخريجه فى حديث رقم (273).

42 - باب: صلاة التطوع فى البيت

42 - باب: صلاة التطوع فى البيت 282 - حدثنا عباس العنبرى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن حرام بن معاوية، عن عمه عبد الله بن سعد، قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصّلاة فى بيتى والصّلاة فى المسجد. قال: قد ترى ما أقرب بيتى من المسجد، فلأن أصلّى فى بيتى أحبّ إلىّ من أن أصلّى فى المسجد، إلاّ أن تكون صلاة مكتوبة». ـــــــــــــــــــــــــــــ 282 - (قد ترى. . .) إلخ فيه زيادة الإيضاح فى الجواب إذ بين له صلى الله عليه وسلم ما يفعله، ليكون ذلك أدعى إلى الاقتداء به، وليفهمه أنه لا فرق فى أن كونها فى البيت أفضل منها فى المسجد من قرب المسجد من بيته وبعده عنه، وسبب ذلك أنها فيه مصونة عن أن يتطرق إليها نحو رياء، أو يجاب، وبها تعود البركة على البيت، ويحفظ من الشيطان، كما جاء فى روايات من ذلك، وبه علم أفضلية صلاة البيت حتى على جوف الكعبة، وأنه لا فرق بين أن يكون المسجد خاليا أو فيه الناس، لأنه وإن انتفى نحو الرياء بخلوة بقى طلبها بالبيت بعود الرحمة والبركة فيه، فكانت أفضل فيه مطلقا، نعم يستثنى من ذلك نوافل فى المسجد أفضل وأولى منها فى البيت صلاة الضحى كما مر وسنة الطواف، وما سن فيه جماعة من النوافل وغير ذلك وقوله. (ما أقرب) صيغة ¬

282 - إسناده ضعيف وهو صحيح بشواهده: فيه العلاء بن الحارث: قال فيه الحافظ: «صدوق، فقيه لكن رمى بالقدر، وقد اختلط [التقريب 5230]. قلت: بل هو ثقة، كان يرى القدر. وتغير عقله بآخره. وانظر: تهذيب الكمال (22/ 480،481،482) ترجمة (4560). ورواه ابن ماجه فى الإقامة (1378) وابن خزيمة فى صحيحه (1202)، والطحاوى فى شرح معانى الآثار (1/ 339)، ثلاثتهم من طريق معاوية بن صالح به فذكره. قال البوصيرى فى الزوائد (1/ 444)، (484): إسناده صحيح ورجاله ثقات. قلت: قد بينا ضعف حديث العلاء بن الحارث. وللحديث شاهد عند البخارى (186)، من حديث زيد بن ثابت رضى الله عنه مرفوعا بلفظ: «فصلوا أيها الناس فى بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعجب ابتدأ بها فى ضمن قوله: «قد ترى» زيادة فى الإيضاح والتأكيد بفضل النافلة فى البيت. (فلأن. . .) إلخ تفسير الإبهام الذى قصده بها، ليتقرر فى النفس بالتفسير بعد الإبهام أى: لأن أصلى فى بيتى مع قربه من المسجد أحب إلىّ. وقول: (إلا. . .) إلخ قيل تقديره: أحب إلى من أن أصلى فى المسجد أى وقت إلا وقت أن تكون الصلاة صلاة مكتوبة، انتهى، وفيه بعد وإبهام، والتقدير الأصوب: أن أصلى فى المسجد كل صلاة، إلا أن تكون الصلاة مكتوبة، فالأحبّ إلىّ صلاتها فيه. ***

43 - باب: ما جاء فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

43 - باب: ما جاء فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم) فرضا ونفلا، والصوم لغة: الإمساك، وشرعا: الإمساك عن المفطرات بشروطها والقصد به إمساك النفس عن شهواتها، وكفى بشرفه إضافته تعالى له فى خبر مسلم: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لى وأنا أجزى به» (¬1) وسبب اختصاصه بذلك لم يعبد به غير الله وما وقع من عبادة النجوم بالصوم فهو ليس مع اعتقاد أنها فعالة بأنفسها أو بعده عن الرياء، إذ لا يدخله الرياء إلا بالإخبار عن فعله بخلاف بقية الأعمال، فإن الرياء يدخلها بمجرد فعلها، وأنه لاحظ للنفس فيه أو أن الاستغناء عن نحو الطعام من صفاته تعالى فأضافه إليه لموافقته لصفاته فكأنه تعالى يقول: إن الصائم يتقرب إلىّ بأمر يتعلق بصفة من صفاتى، أو أنه من صفات الملائكة، أو أنه تعالى انفرد بعلم قدر ثوابه وغيره قد يطلع عليه بعض خلقه، ولذا قال: «وأنا أجزى به»، وتولى الكريم للجزاء يستدعى سعة العطاء، ولهذا وخبر النسائى: «عليك بالصوم، فإنه لا عدل له» (¬2) قيل: إنه أفضل حتى من الصلاة، لكن الأصح تفضيلها لخبر أبى داود: «واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة» فهى أفضل العبادات البدنية وللصوم أحكام كثيرة صحت عنه صلى الله عليه وسلم وأهملها المصنف، فلا بأس بالإشارة إلى بعضها فنقول: روى أبو داود: «كان صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عدّ ثلاثين يوما ثم صام» (¬3) وقوله: «عدّ ثلاثين» مفسر لقوله صلى الله عليه وسلم فى خبر مسلم: «فإن غم عليكم ¬

(¬1) رواه البخارى فى الصوم (1904) وفى التوحيد (7492)، وفى اللباس (5927)، ومسلم فى الصيام (1151)، والنسائى (4/ 164،304)، وابن ماجه فى الصيام (1638)، والبغوى (1710،1711،1712)، وابن حبان فى صحيحه (3422،3423،3424)، وابن خزيمة فى صحيحه (1896،1898،1899)، وأحمد فى مسنده (2/ 273،443،281،466، 467،503)، وعبد الرزاق فى مصنفه (7891،7893)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 5)، والبيهقى فى السنن (4/ 304)، والطيالسى (2485). (¬2) رواه النسائى (4/ 165،166)، وأحمد فى مسنده (5/ 249)، وابن حبان فى صحيحه (3426)، وابن خزيمة فى صحيحه (1893)، والحاكم فى المستدرك (1/ 421). (¬3) رواه أبو داود فى الصيام (2325)، وأحمد فى مسنده (6/ 149)، وابن حبان فى صحيحه (3444)، والبيهقى فى السنن (4/ 206)، والحاكم فى المستدرك (1/ 423)، والدارقطنى (2/ 156،157).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فاقدروا له» (¬1) أى: قدروا له تمام العدد ثلاثين يوما عند حيلولة غيم بينكم وبينه، ولا يجوز الصوم عندنا كالجمهور خلافا لإيجاب أحمد له، وصح «أنه صلى الله عليه وسلم صام بشهادة ابن عمر وحده، وأمر الناس بالصيام»، وروى الشيخان: «أنه كان يقبّل بعض نسائه وهو صائم» (¬2) ولا يقاس به غيره كما أشارت إليه عائشة، بل إن حركت شهوته حرم وإلا كرهت، وفى خبر ضعيف: «كان يقبل عائشة ويمص لسانها وهو صائم» (¬3) وعلى فرض صحته فهو محمول على أنه لم يبتلع ريقه المختلط بريقها وصح: «كان صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع لا حلم ثم لا يفطر ولا يقضى» (¬4)، وصح: «كان يكتحل بالإثمد وهو صائم» (¬5)، وروى أبو داود والترمذى: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أعد ولا أحصى» (¬6)، وصح: «أنه كان يفطر عقب غيبوبة الشفق» وإن بقى آثار ضياء وحمرة وظن بعض أصحابه أن هذه البقايا من النهار فقال: يا رسول الله إن عليك نهارا، فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله وأشار بيده: «إذا غابت الشمس من هاهنا، وجاء الليل من ههنا فقد أفطر الصائم» أى: دخل وقت إفطاره، وروى أبو داود: «أنه كان يفطر كل يوم على رطبات، فإن لم يجد رطبات فتمرات، فإن لم يجد رطبات فتمرات، فإن لم يجد تمرات حسى حسوات من ماء» (¬7)، وحكمة الأولتين أن الطبيعة مع خلوها أقبل للمساء، ولانتفاع القوى به، لا سيما قوة البصر وحكمة الماء أن الكبد تيبس من الصوم ¬

(¬1) رواه البخارى فى الصيام (1900،1906)، ومسلم فى الصيام (1080)، وأبو داود فى الصيام (2320)، والترمذى فى الصيام (684)، والنسائى (4/ 134)، والدارمى (2/ 3)، ومالك فى الموطأ (1/ 2). (¬2) رواه أحمد فى مسنده (6/ 192،232)، والحميدى فى مسنده (198)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 59)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 138). (¬3) رواه أبو حنيفة فى مسنده (1/ 488). (¬4) رواه مسلم فى الصيام (1109)، والبيهقى فى السنن (4/ 214). (¬5) رواه البيهقى فى السنن (4/ 262)، ورواه الطبرانى فى الأوسط (6911)، بلفظ رأيت، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (3/ 167)، وقال رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه جماعة لم أعرفهم وذكره الهندى فى كنز العمال (18084)، وعزاه للطبرانى فى الكبير والبيهقى فى السنن عن أبى رافع. (¬6) رواه أبو داود فى الصيام (2364). (¬7) رواه أبو داود فى الصيام (2356)، وأحمد فى مسنده (3/ 146)، والدارقطنى (2/ 185).

283 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عبد الله بن شقيق، قال: سألت عائشة عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: «كان يصوم حتّى نقول: قد صام، ويفطر حتّى نقول: قد أفطر قالت: وما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا منذ قدم المدينة، إلاّ رمضان». ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده، وإن كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ بشرب قليل من الماء، ثم يأكل بعده وصح من طرق «أنه صلى الله عليه وسلم نهاهم عن الوصال، وهو عدم تناول مفطر بين الصومين، فقالوا: إنك تواصل فقال: «إنى لست مثلكم إنى أظل عند ربى يطعمنى ويسقينى» (¬1)، وفى رواية: «إنى أبيت»، قيل: والإطعام والإستقاء على حقيقته فكان يؤتى بطعام وشراب له لا كرامة له، ورد بأنه لم يكن مواصلا، وح بأن أظل يدل على وقوع ذلك نهارا، فلو كان بالأكل والشرب حقيقة لم يكن صائما، وأجيب: بأن رواية «أبيت» هى الأكثر بل الأرجح «فأظل» محمولة عليها بأن يراد بها معنى أبيت مجازا، وعلى بقائها على ظاهرها فالإطلاق باق على حقيقته لأن ما يؤتى به من طعام الجنة، فلا تجرى عليه أحكام المكلفين فيه كما غسل صدره الشريف فى طست الذهب مع تحريمه على ما يأتى فى مبحث الإسراء، والجمهور أنه مجاز أى: يطيق قوة المطاعم والمشارب بأن يخلق فيه من الشبع والرى ما يعدل الطعام والشراب، أو ما يغذيه من معارفه وقرة عينه بقربه، قال النووى فى مجموعه: أو معناه أن محبة الله تشغلنى عن الطعام والشراب إذ الحب البالغ يشغل عنهما. 283 - (قالت: كان. . .) إلخ روى نحوه ونحو الأحاديث بعده الشيخان وغيرهما ولفظ مسلم: «حتى يقال: قد صام صام، ويفطر حتى يقال: أفطر أفطر» (¬2) وفى البخارى: «حتى يقول القائل: والله ما يفطر حتى يقول: لا والله ما يصوم» (¬3). (نقول) بالنون وتاء الخطاب أى: أيها السامع لو أبصرته، وبالنصب وهو الأفصح، ويجوز الرفع، لأن حتى هنا ليست للغاية حقيقة. (وما دام) أى داوم على الصوام وكذا يقال فى (قد أفطر) وهو معنى الرواية الأخرى: «كان يصوم حتى يقول: لا يفطر، ويفطر ¬

(¬1) رواه أحمد فى مسنده (2/ 253،257،377،396)، (3/ 253)، (5/ 364). (¬2) رواه مسلم فى الصيام (1158)، وأحمد فى مسنده (3/ 159). (¬3) رواه النسائى فى الصيام (69)، وأحمد فى مسنده (6/ 68،122،189)، والحاكم فى المستدرك (2/ 434).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى يقول: لا يصوم» (¬1). (منذ قدم المدينة) قيل: قيدت به لإفادة النفى لجميع الأزمنة فى المدينة، لا لنفى الصوم فى غيرها، لأنه لم يكن فى مكة من يعرف حاله صلى الله عليه وسلم انتهى، وفيه نظر لأنها عرفت كثيرا من أحواله بمكة بالسؤال عنها من غيرها فى ابتداء الوحى وغيره، فالأولى أن يقال: قيدت به، لأن الأحكام لما كثرت وتتابعت من حين قدومه، على أن رمضان لم يفرض إلا فيها فى شعبان فى السنة الثانية. (إلا رمضان) من الرمض، وهو شدة الحر، لأن العرب لما أرادوا أن يضعوا أسماء الشهور بناء على القول الضعيف أن الواضع غير الله، وأقول: إن الشهر المذكور شديد الحر فسموه بذلك كما سموا الربيعين لموافقتهما من الربيع، لا من رمض الذنوب أى: حرقها، لأن تلك التسمية قبل الشرع، وفى الحديث: دليل على أنه لم يصم شعبان كله، لكن فى الرواية الآتية «أنه صامه كله» (¬2) فيحمل على كثرة كما فى روايات أخر على أن صوم النفل لا يختص بزمن، وعلى أنه يسن أن لا يخلى شهر منه، وعلى أن كل السنة صالحة إلا رمضان، ويضم إليه العيدان، وكذ أيام التشريق مطلقا، وعلى تفصيل عند غيرنا والدليل يساعده، وعلى أن رمضان لا يقبل غيره حتى لو فرض أن فرضه سقط عن نحو مريض ومسافر، ثم أراد أن يصوم يوما منه نفلا من غير رمضان من نحو نذر، أو قضاء، أو نفل لم يصح منه، وعلى أنه لا يكره أن يقال: رمضان، وهو ما عليه أكثر العلماء، وقد جاء فى روايات كثيرة صحيحة عرفا عن لفظ شهر، ومن ثمة كان القول بالكراهة شاذا دليلا وقياسا، وزعم أنه من أسماء الله مردود، والحديث فيه ضعيف، وكذا القول بالتفصيل بين أن يكون هناك قرينة تصرفه عن أن يطلق على الله كصمت رمضان فلا يكره، وبين أن لا كجاء رمضان فيكره فهو شاذ كذلك، ففى الحديث: «إذا جاء رمضان فتحت له أبواب الجنة. . .» (¬3) الحديث. ¬

(¬1) رواه أبو داود فى الصيام (2430)، والنسائى فى الصيام (4/ 150،202)، والبغوى فى شرح السنة (1776،1777)، وأحمد فى مسنده (1/ 227،231،326) (3/ 179)، (6/ 107، 143،153،165،242)، والبيهقى فى السنن (4/ 291،292،299)، وابن كثير فى البداية والنهاية (6/ 68)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 101،103). (¬2) رواه ابن ماجه فى الصيام (1710)، رواه أحمد فى مسنده (6/ 39،84،107،128، 143،153،165،233،242،249،268). (¬3) رواه البخارى فى الصوم (1898)، ومسلم (1079)، وأحمد فى مسنده (2/ 357)، والبغوى فى شرح السنة (1703)، والبيهقى فى السنن (4/ 202،303).

284 - حدثنا على بن حجر، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس ابن مالك، أنه سئل عن صوم النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: «كان يصوم من الشّهر حتّى نرى ألا يريد أن يفطر منه، ويفطر حتّى نرى أنه لا يريد أن يصوم منه شيئا، وكنت لا تشاء أن تراه من اللّيل مصلّيا إلاّ رأيته مصليا، ولا نائما إلاّ رأيته نائما». ـــــــــــــــــــــــــــــ 284 - (نرى) أى نظن بالنون والياء متكلما أو غائبا. (أن) مخففة من الثقيلة. (لا تشاء. . .) إلخ، لا: نافية داخلة على محذوف أى: ليس من زمن من أزمنة الليل تريد أن تراه فيها متهجدا إلا رأيته كذلك، وليس من زمن تلك الأزمنة تريد أن تراه فيها نائما إلا رأيته نائما، والحصر فى ذلك إضافى باعتبار تفاوت هذين الحالين عليه مع غلبة التهجد على النوم تارة وعكسه أخرى فالحكم للغالب، فبهذا الاعتبار صح الحصر فى كل من الطرفين، وتبين أنه لم يكن له زمن معين لأحدهما لا يختل عنه، كما هو شأن أصحاب الأوراد الباقين مع نفوسهم، فعاداتهم التى توطنت نفوسهم عليها فلم يكن فى تركها كبير مشقة، وهذا الذى ذكرته، وإن لم أر من سبقنى إليه أولى وأظهر فى المعنى من قول بعضهم: لعل هذا التركيب من باب الاستثناء على البدل وتقديره على الإثبات أن يقال: إن شاء رؤيته متهجدا رأيته متهجدا، وإن شاء رؤيته نائما رأيته نائما، وقوله: «إلا إن رأيته» معناه: إلا وقت إن رأيته والتقدير: وقت مشيئتك أبدا يكون وقت الصلاة، أو النوم بالاعتبارين السابقين فى رواية: «إلا رأيته رأيته» هو على حذف مضاف أى: إلا زمان رؤيتك إياه، فالتقدير هنا كهو فيما قبله، وإيهام بعض الروايات خلاف ما تقرر غير مراد لما دل عليه مجموع الأحاديث، والحاصل: أن أمره صلى الله عليه وسلم فى صومه وصلاته كان على غاية من الاعتدال، ومجانبة الإسراف والتقصير، والإفراط والتفريط، ينام أو أن ينبغى أن ينام فيه كأول الليل ويصلى، أو أن يصلى فيه كأواخره، ¬

284 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصوم (769)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى التهجد (1141)، وفى غيره (1972،1973،3561)، والنسائى فى قيام الليل (2/ 213)، دون ذكر الصوم، وأحمد فى مسنده (3/ 104،114،182،236،264)، وابن خزيمة فى صحيحه (4134)، كلهم من طرق عن حميد به فذكره نحوه.

285 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن أبى بشر، قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: «كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصوم حتّى نقول: ما يريد أن يفطر منه، ويفطر حتّى نقول: ما يريد أن يصوم، وما صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا رمضان». 286 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، عن سفيان بن منصور، عن سالم بن أبى الجعد، عن أبى سلمة، عن أم سلمة، قالت: «ما رأيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان». قال أبو عيسى: هذا إسناد صحيح. أى أن هذا الإسناد المذكور سابقا صحيح على شرط الشيخين. وذكر ذلك ابن حجر. ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا فى الصوم، ومن ثمة: لما بلغه صلى الله عليه وسلم أن بعض أصحابه حلف ليصلين الليل أبدا وبعضهم حلف ليصومن الدهر قال: «أما أنا فأصلى وأقوم وأصوم وأفطر فمن رغب عن سنتى فليس منى» (¬1)، وزاد أنس فى الجواب حكم الصلاة فى الليل تنبيها للسائل على أنها إن لم تكن أحق بالسؤال عنها بالصوم كانت مثله. 286 - (عن أم سلمة. . .) إلخ رواية الشيخين عن عائشة. «ما رأيته صام شهرا قط إلا ¬

285 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الصوم (1971)، ومسلم فى الصيام (1157)، والنسائى فى الصيام (4/ 199)، وفى الكبرى (2655)، وابن ماجه فى الصيام (1711)، والإمام أحمد فى المسنده (1/ 227،221،326)، والبغوى فى شرح السنة (6/ 328)، والبيهقى فى سننه الكبرى (4/ 291،292،299)، وأبو نعيم فى المستخرج على مسلم (2625)، كلهم من طرق عن سعيد بن جبير نحوه. 286 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصوم (736)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الصوم (2336)، والنسائى فى الصوم (4/ 150)، وفى الكبرى (2485)، وابن ماجه فى الصيام (1648)، كلهم من طرق عن أبى سلمة، به فذكره نحوه. (¬1) رواه أحمد فى مسنده (3/ 259)، وعبد الرزاق فى مصنفه (1074) (6/ 167).

(وهكذا قال عن أبى سلمة، عن أم سلمة، وروى هذا الحديث غير واحد عن أبى سلمة، عن عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون أبو سلمة بن عبد الرحمن قد روى هذا الحديث عن عائشة، وأم سلمة جميعا عن النبى صلى الله عليه وسلم). وهذا صحيح، فإن أبا سلمة بن عبد الرحمن، كان يروى عن عائشة وأم سلمة، رضى الله عنهما. ـــــــــــــــــــــــــــــ شهر رمضان، وما رأيته فى شهر أكثر منه صياما فى شعبان» (¬1)، وفى رواية لهما: «لم يكن يصم شهرا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم كله» (¬2)، وفى أخرى لأبى داود: «كان أحب الشهور إليه أن يصوم شعبان، ثم يصل به رمضان» (¬3)، وفى أخرى للنسائى: «كان يصوم شعبان أو عامة شعبان» (¬4) وفى أخرى له أيضا: «كان يصوم شعبان كله حتى يصله برمضان» (¬5) أى أكثره كما مر بما فيه، ويحتمل أنه فى بعض السنين صامه كاملا فحفظته أم سلمة، ثم رأيت الطيبى صرح به فقال: يحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة ومعظمه أخرى، ولا يصح الجمع بأنه كان قبل قدومه المدينة قد يستكمل صوم شعبان أخذا من قول عائشة فيما مر منه منذ قدم المدينة، لأن صوم رمضان إنما فرض فى المدينة فى شعبان فى السنة الثانية من الهجرة، وفى مكة لم يحفظ منه صلى الله عليه وسلم سرد صوم لا فى شعبان ولا فى غيره فى التقييد بالمدينة فى كلام عائشة لا يستثنى رمضان لا لإفادة أنه بمكة كان يستكمل شهرا، أو شهورا بالصوم، ونقل المصنف عن ابن المبارك: أنه يجوز فى كلام العرب أن يعبر بصوم كل شهر عن صوم معظمه. (قال) كأنه جمع بين الحديثين بذلك. (صحيح على شرط الشيخين) وكذا (قال) أى ابن أبى الجعد. (ويحتمل. . .) إلخ يتعين هذا الاحتمال لتصح الروايتان ويسلما من الأخطاء أن أبا سلمة بن عبد الرحمن كان يروى عن كل من أم سلمة وعائشة. ¬

(¬1) رواه البخارى فى الصيام (1969)، صوم شعبان (4/ 251)، ومسلم فى الصيام (1156)، وأبو داود فى الصيام (2434)، والنسائى فى الصيام (4/ 151). (¬2) رواه النسائى فى الصيام (4/ 200،201). (¬3) رواه النسائى فى الصيام (4/ 199)، والبغوى فى شرح السنة (1779)، وأحمد فى مسنده (6/ 188). (¬4) رواه النسائى فى الصيام (4/ 150). (¬5) رواه الترمذى فى الصوم (745)، والنسائى (4/ 153،202،203)، وابن ماجه (1739)، وأحمد فى مسنده (6/ 80،89،106)، وابن حبان فى صحيحه (3643).

287 - حدثنا هنّاد، حدثنا عبدة، عن محمد بن عمرو، حدثنا أبو سلمة، عن عائشة، قالت: «لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فى الشّهر أكثر من صيامه فى شعبان، كان يصوم شعبان إلاّ قليلا بل كان يصومه كلّه». ـــــــــــــــــــــــــــــ 287 - (لم أر) الظاهر أنها علمية. و (أكثر) ثانى مفعولها. (من صيامه فى شعبان) فبأنه كان يصوم منه ومن غيره لكن صومه منه أكثر. (إلا قليلا بل كان يصومه كله) رواية البخارى: «كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلا» (¬1)، فالثانى تفسير الأول ومبين لأن المراد بالكل فى هذه الرواية الأكثر، وإن قيل: إنه مجاز قليل الاستعمال إذ التأكيد بكل الرفع المجاز، ويرد: بأن ذلك للغالب وأن التأكيد بها قد يكون لغير رفع المجاز، كما يعلم من قولى الآتى، وحكمة الاضطراب إلخ ومعلوم أن ضرورة الجمع بين الأحاديث، سيما إن اتحد راويها يسهل ارتكاب المجاز أو البعيدة والتأويلات المتكلفة، لأن هذا أسهل من إلغاء بعض الأحاديث من صحته، وقال ابن المنير: يجمع بأن قولها الثانى متأخر عن قولها الأول فأول أمره: كان يصوم أكثره، والآخر: كان يصوم كله انتهى، ولم أدر ما الحامل له على الجمع بهذا الذى هو عكس الترتيب اللفظى أوجه، أى: كان أول أمره يصوم كله، فلما أسن وضعف صار يصوم أكثره ويجزئ الجمع بذلك فى قولها هذا، بل يصومه كله، وحكمه الاضطراب: أن قولها: «إلا قليلا» ربما يتوهم منه أن ذلك القليل يصدق بماله وقع نحو ثلث الشهر، فيثبت بكله أنه لم يكن يفطر منه، إلا ما وقع له بحيث يظن أنه صامه كله وإن لم يكمله لئلا يظن وجوبه، واختار صومه على أشهر الحرم حتى على المحرم مع قوله: «إن أفضل الصوم ¬

287 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصوم (737)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الصوم (2434)، والنسائى فى الصيام (4/ 151)، وفى الكبرى (414،454)، (2664)، (2665)، وأحمد فى المسند (6/ 165)، والبغوى فى شرح السنة (6/ 329)، كلهم من طرق عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة به فذكره نحوه. (¬1) رواه البخارى فى الصوم (1970)، وأحمد فى مسنده (6/ 128،143،189،249)، والبيهقى فى السنن (4/ 210،292)، وعبد الرزاق فى مصنفه (7859)، والبغدادى فى تاريخ بغداد (4/ 437).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد رمضان صوم المحرم» (¬1) رواه مسلم، إما لاحتمال أنه لم يعلم أفضل الصوم المحرم إلا فى آخر حياته، وإن كان يعرض له فيه وفى بيته المحرم عذر يشق معه الصوم كسفر ومرض، وإما أنه كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو لغيره، لخبر الطبرانى بسند ضعيف عن عائشة «كان صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر» (¬2) فربما أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة فيصوم شعبان، وإما تعظيما لرمضان لخبر غريب عند المصنف قال: وفيه صدقة، وهو ليس بذلك القوى، وسئل صلى الله عليه وسلم: «أى الصوم أفضل بعد رمضان قال: شعبان» (¬3) لتعظيم رمضان، وإما لأنه يغفل عنه للخبر الصحيح عن أسامة «قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم شعبان قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملى وأنا صائم» (¬4) فبين صلى الله عليه وسلم حكمة إفراده: بأن لما اكتنفه شهران عظيمان اشتغل الناس بهما فصار مغفولا عنه مع ما انضم لذلك من رفع الأعمال فيه، أى: رفع جملة أعمال جميع السنة، فلا ينافى رفعها كل يوم وليلة ويوم الإثنين والخميس، لأن الأول خاص بأعمال اليوم والليلة، والثانى خاص بأعمال الأسبوع، قيل: ويؤخذ من هذا الحديث: أن صوم شعبان أفضل من صوم رجب انتهى، وله وجه، لكن مذهبنا أن رجب أفضل لأنه من الحرم وقد مر عن مسلم «أن المحرم أفضل» (¬5) فيقاس به رجب كيف وقد قال بعض الشافعية: إنه أفضل الحرم؟ لكنه ¬

(¬1) رواه مسلم فى الصيام (1163)، وأبو داود فى الصيام (2429)، والترمذى فى الصيام (740)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 206،207)، وأحمد فى مسنده (2/ 342،344). (¬2) رواه مسلم فى الصيام (1160)، وأبو داود (2453)، والترمذى فى الصوم (763)، والنسائى فى الصيام (4/ 222)، وابن ماجه فى الصيام (1709)، والبغوى فى شرح السنة (1802)، وابن حبان فى صحيحه (3654،3656،3657)، وابن خزيمة فى صحيحه (2130)، وأحمد فى مسنده (6/ 145،146)، والطيالسى فى (1572). (¬3) رواه الترمذى فى الزكاة (662)، وأحمد فى مسنده (2/ 303،329). (¬4) رواه أحمد فى مسنده (5/ 201)، وذكره الحافظ بن حجر فى فتح البارى (4/ 215)، وذكره الهندى فى كنز العمال (24587)، وعزاه لابن أبى شيبة وابن زنجويه وابن أبى عاصم والباوردى (8/ 655). (¬5) رواه مسلم فى الصيام (1163).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضعيف، وفى سنن أبى داود: «أنه صلى الله عليه وسلم ندب إلى الصوم من الأشهر الحرم» (¬1) ورجب أحدها، وعن عروة «أنه قال لعبد الله بن عمر: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فى رجب؟ قال: نعم وشرفه قالها ثلاثا» (¬2) أخرجه أبو داود وغيره، وعن أبى قلابة «إن فى الجنة قصرا لصوام رجب» قال البيهقى: أبو قلابة من كبار التابعين لا يقوله إلا عن بلاغ، وأما ما ذكره ابن ماجه من حديث ابن عباس «أنه نهى عن صيامه» فالصحيح: وقفه على ابن عباس، فلا حجة فيه، وإما لأنه ينسخ فيه الآجال لخبر ضعيف عن عائشة «قلت: يا رسول الله أرى أكثر صيامك فى شعبان، قال: إن هذا الشهر يكتب فيه لملك الموت من يقبض، فإنى أحب أن لا ينسخ اسمى إلا وأنا صائم»، وإما لأن صومه كالتمرن على صوم رمضان، والمنهى عن الصوم فى النصف الثانى من شعبان محله فى ما لم يصله بما قبله، ولم تكن له عادة، ولا قضاء عليه، ولا نذر. فائدة: روى أبو داود: «أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم تسع ذى الحجة» (¬3)، ولا ينافيه خبر مسلم عن عائشة: «ما رأيته صائما فى العشر قط» (¬4)، لأنه لا يلزم من انتفاء رؤيتها انتفاء وقوع ذلك كيف وقد أثبت غيرها؟ وفى البخارى «ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه فى هذه» (¬5) يعنى العشر الأول من ذى الحجة والصوم من العمل الصالح، وفى رواية: «ما من علم أزكى عند الله، ولا أعظم أجرا من خير يعمله فى عشر الأضحى» (¬6)، وفى ¬

(¬1) رواه أبو داود فى الصيام (2428) بمعناه، وابن ماجه (1741). (¬2) رواه مسلم فى الصيام (1157)، وأحمد فى مسنده (1/ 231،326). (¬3) رواه أبو داود فى الصيام (2437)، والنسائى فى الصوم (4/ 220)، وأحمد فى مسنده (5/ 271)، (6/ 288،423). (¬4) رواه مسلم فى الاعتكاف (1176)، وأبو داود فى الصيام (2439)، والترمذى فى الصيام (756)، وابن ماجه فى الصيام (1729)، والبغوى فى شرح السنة (1793)، وابن حبان فى صحيحه (1441،3608)، وابن خزيمة فى صحيحه (3103)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 41). (¬5) رواه البخارى فى العيدين (969)، وأبو داود فى الصوم (2438)، والترمذى (757)، وابن ماجه (1727،1728)، والدارمى (2/ 25)، والبغوى فى شرح السنة (1125،1126)، وأحمد فى مسنده (1/ 224،338)، وابن حبان فى صحيحه (324)، والبيهقى فى السنن (4/ 284)، والطيالسى فى مسنده (2631،2283). (¬6) رواه الدارمى فى الصيام (2/ 26)، والبيهقى فى شعب الإيمان (3752).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح أبى عوانة وابن حبان: «ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذى الحجة» (¬1) وهو صريح فى أن هذا العشر أفضل أيام السنة، ولا ينافيه خبر مسلم: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة يوم عرفة والنحر» (¬2) وما من جملة العشر، وسبب امتيازه: اجتماع أمهات العبادة فيه من نحو الصلاة والصوم والحج، كذا قيل وفيه وقفه من أن ظاهر الحديث أنه أفضل بالنسبة للحاج وغيره، إلا أن يقال: إن صلاحيته لذلك اقتضت أفضليته مطلقا، واستفيد من قوله: «ما من أيام» أن أيامه أفضل حتى من العشر الأخير من رمضان، لاشتماله على يوم عرفة لم ير الشيطان أحقر منه فيه، وأن صومه يكفر سنتين، وعلى أعظم الأيام عند الله وحرمته وهو يوم النحر الذى سماه الله يوم الحج الأكبر وليالى العشر الأخير أفضل من لياليه لاشتماله على ليلة القدر التى هى خير من ألف شهر، قال ابن النقاش وأطنب فى الانتصار له، وله وجه لكن الذى يصرح كلام الأئمة أن أيام العشر الأخير أفضل من أيام هذه أيضا بل أيام جميع رمضان أفضل لأنه سيد الشهور كما فى الحديث، ولأن الله اختارها لهذا الغرض الذى أضافه لنفسه دون بقية العبادات ومن ثم كان الصوم أفضل من الحج فتخصيص الشارع لها بالأفضل دليل على أنها أفضل، وح تعين حمل تلك الأحاديث على رمضان ويؤيده أن أفضلية الزمن ليس معناها، إلا أفضلية العبادة فيه، وقد تقرر أن عبادة أيام رمضان أفضل من عبادة أيام تلك العشر، فكانت تلك أفضل من هذه. ¬

(¬1) رواه مسلم فى الحج (1348)، والنسائى (5/ 251،252)، وابن ماجه (3014)، والبغوى فى شرح السنة (1931)، وابن حبان فى صحيحه (3853)، وابن خزيمة فى صحيحه (2840)، وأبو يعلى فى مسنده (2090)، والبزار فى مسنده (1128)، والطحاوى فى مشكل الآثار (4/ 114)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (3/ 253)، وقال: رواه أبو يعلى وفيه محمد بن مروان العقيلى وثقه ابن معين، وابن حبان وفيه بعض الكلام وبقية رجاله رجال الصحيح ورواه البزار. (¬2) رواه مسلم فى الصلاة (854)، وأبو داود فى الصلاة (1046)، والترمذى فى الصلاة (488/ 491)، والنسائى فى الجمعة (3/ 89،90) وابن ماجه فى إقامة الصلاة (1139)، والبغوى (1046،1050)، وابن حبان فى صحيحه (2772)، ومالك فى الموطأ (1/ 108، 110)، وأحمد فى مسنده (2،504،518،519،540)، وعبد الرزاق فى مصنفه (5583،5585)، والحاكم فى المستدرك (1/ 278،279)، (2/ 544).

288 - حدثنا القاسم بن دينار الكوفى، حدثنا عبيد الله بن موسى، وطلق بن غنام، عن شيبان، عن عاصم، عن زرّ، عن عبد الله، قال: «كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصوم من غرّة كلّ شهر ثلاثة أيّام، وقلما كان يفطر يوم الجمعة». ـــــــــــــــــــــــــــــ 288 - (من غرة كل شهر) أى من أوله. (ثلاثة أيام) رواه أيضا أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة، وإنما كان يفعل ذلك ليفتتح الشهر بما يحصل عليه، إذ الحسنة بعشر أمثالها، ومن ثمة: ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله» (¬1)، وروى مسلم: «ثلاثة أيام من كل شهر ورمضان إلى رمضان فصيام الدهر كله» (¬2). (وقلما كان يفطر يوم الجمعة) لا ينافى كراهة صومه لنهيه بقوله فى الحديث المتفق عليه: «لا يصوم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده» (¬3) لاحتمال أنه كان يصومه مضموما إلى الخميس والسبت، وعند ضمه إلى غيره ¬

288 - إسناده حسن: عاصم هو ابن بهدلة بن أبى النجود القارئ، حديثه حسن. وشيبان هو ابن عبد الرحمن التميمى مولاهم النحوى، ثقة ثبت صاحب كتاب. «تهذيب الكمال 12/ 592). ورواه الترمذى فى الصوم (742)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود (2450)، مختصرا على الجزء الأول من الحديث، ورواه ابن ماجه فى الصوم (1725)، مختصرا، على الشطر الأخير، ورواه أحمد فى المسند (6/ 106)، ورواه ابن أبى شيبة فى المسند (349)، بتحقيقنا، وابن خزيمة (1229)، كلهم من طرق عن عاصم بن أبى النجود به فذكره نحوه مختصرا وتاما، قال أبو عيسى: حسن غريب. (¬1) رواه البخارى فى الصوم (1974،1975)، وفى التهجد (1153)، وفى الصوم أيضا (1977، 1978،1979)، وفى الأدب (6134)، وفى النكاح (5199)، وفى فضائل القرآن (5052)، ومسلم فى الصيام (1159)، وأحمد فى مسنده (2/ 198،200)، وابن حبان فى صحيحه (3571،3638،3640،3658،3660،6226)، وابن خزيمة فى صحيحه (2109، 2110،2152)، والبيهقى فى السنن (3/ 16) (4/ 299)، والطحاوى فى مشكل الآثار (2/ 85،86). (¬2) رواه مسلم فى الصيام (1162)، والنسائى فى الصيام (4/ 209). (¬3) رواه البخارى فى الصوم (1985)، ومسلم فى الصيام (1144)، وأبو داود (2420)، والترمذى (743)، وابن ماجه (1723)، وأحمد فى مسنده (2/ 495)، والبغوى فى شرح =

289 - حدثنا أبو حفص: عمرو بن على، حدثنا عبد الله بن أبى داود، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن ربيعة الجرشى، عن عائشة قالت: «كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يتحرّى صوم الإثنين والخميس». ـــــــــــــــــــــــــــــ لا كراهة، وإنما المكروه: إفراده كما دل عليه الحديث، وسبب الكراهة أمور أصحها: أنه يوم عيد يتعلق به وظائف كثيرة دينية، والصوم يضعفه عنها، ومن ثمة كره صوم عرفة للحاج، لأنه يضعفه عن تلك الوظائف الدينية التى هى فيه بخلاف ما إذا ضم إلى غيره، فإن بصلة صوم ما قبله أو ما بعده يجبر ما فات سبب ذلك الضعف، لكن على هذا يصح أن يقال: أفضلية صوم يوم الجمعة يجبر ما فات من الوظائف، وكذا لا يكره إن وافق نذرا كأن نذر صوم يوم قدوم زيد فوافقه وأما دعوى: أن صوم يوم الجمعة بلا كراهة من خصائصه صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى دليل، ومجرد صومه مع نهيه لا يدل على الخصوصية، إلا لو ثبت أنه كان يفرده، ويداوم إفراده، وإلا احتمل أنه لبيان الجواز، وكذا دعوى: أن المراد بالصوم الإمساك إلى ما بعد صلاة الجمعة ثم يتعدى ح، ولم يبلغ مالكا النهى عن صومه فاستحسنه وأطال فى موطأه وهو وإن كان معذورا لكن السنة مقدمة على ما رواه هو وغيره قاله النووى. 289 - (الجرشى) بجيم مضمومة فراء مفتوحة فمعجمة. (قالت. . .) إلخ رواه ¬

= السنة (1804)، وأبو القاسم البغوى فى الجعديات (1820)، وابن حبان فى صحيحه (3614)، وابن خزيمة فى صحيحه (2610،2108)، والبيهقى فى السنن (4/ 302)، وعبد الرزاق فى مصنفه (7805)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 44)، والطحاوى فى مشكل الآثار (2/ 78،79). 289 - إسناده حسن: ثور بن يزيد: ثقة ثبت إلا أنه يرى القدر (التقريب 861)، خالد بن معدان: ثقة عابد يرسل كثيرا (التقريب 1678)، ربيعة بن عمرو الجرشى: مختلف فى صحبته، وثقه الدار قطنى التقريب (1915). ورواه الترمذى فى الصوم (845)، بسنده ومتنه سواء، ورواه النسائى فى الصيام (4/ 202)، وفى الكبير (2669)، (2670)، (2671)، (2672)، وابن ماجه (1739)، وأحمد فى المسند (6/ 106)، وابن خزيمة فى صحيحه (2116)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 122)، كلهم من طرق عن عائشة رضى الله عنها مرفوعا فذكره نحوه. وقال أبو عيسى: حسن غريب من هذا الوجه.

290 - حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أبو عاصم، عن محمد بن رفاعة، عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم قال: تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحبّ أن يعرض عملى وأنا صائم». ـــــــــــــــــــــــــــــ النسائى أيضا. (يتحرى) أى يقصد يوم. (الإثنين والخميس) من إضافة المسمى إلى الاسم أى: صومهما، لأن الأعمال تعرض فيهما كما فى الحديث الآتى قريبا، ولأن «الله يغفر فيهما لكل مسلم إلا المتهاجرين» (¬1) رواه أحمد، أى: المتقاطعين لمن تحرم مقاطعته واستشكل استعمال الإثنين فالنون مع قولهم أن المثنى وما ألحق به، إذا جعل علما وأعرب بالحركة يلزمه الألف كما أن الجمع، إذا جعل كذلك تلزمه الواو إلا ما شذ، واستثنوا من الأول البحرين فإن الأكثر فيه الياء انتهى، ويجاب: بأنه يؤخذ من هذا أن الإثنين كالبحرين فى ذلك، لأن عائشة من أهل اللسان فيستدل بنطقها كذلك على أن ذلك أى: لا الألف لغة فيه. 290 - (تعرض الأعمال. . .) إلخ أى: على الله كما فى رواية المصنف فى غير هذا ¬

290 - إسناده ضعيف وهو صحيح بشواهده: رواه الترمذى فى الصوم (747)، بسنده فذكره بأتم من هذا، وأحمد فى المسند (2/ 329)، ورواه ابن ماجه فى الصوم (1740)، والدارمى فى الصيام (2/ 20)، والبخارى فى التاريخ الكبير (5/ 109)، والبغوى فى شرح السنة (6/ 354)، كلهم من طرق عن محمد بن رفاعة به فذكره نحوه. قال أبو عيسى: حسن غريب. وقال البوصيرى فى الزوائد: إسناده صحيح غريب، ومحمد بن رفاعة ذكره ابن حبان فى الثقات، تفرد بالرواية عنه الضحاك بن مخلد، وباقى رجال إسناده على شرط الشيخين. قلت: فى إسناده محمد بن رفاعة: قال فيه الحافظ: مقبول (التقريب 5879). ولكن للحديث شاهد من حديث أسامة بن زيد رضى الله عنه عند أبى داود (2436)، وأحمد فى المسند (5/ 200،204،208)، والنسائى فى الكبرى (2781،2782)، والطيالسى فى مسنده (632)، وابن أبى شيبة فى مسنده بتحقيقنا (159)، وفى إسناده مولى قدامة بن مظعون وهو ضعيف لجهالة مولى قدامة، ورواه النسائى (4/ 202)، من طريق آخر عن سعيد بن المصرى عن أسامة مرفوعا، وحسنه المنذرى وله شاهد آخر من حديث حفصة رضى الله عنها عند النسائى فى الصغرى (4/ 203)، (204)، فبالجملة الحديث صحيح إن شاء الله بشواهده. (¬1) رواه أحمد فى مسنده (2/ 329).

291 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو أحمد، ومعاوية بن هشام، قالا: حدثنا سفيان عن منصور، عن خيثمة، عن عائشة قالت: «كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصوم من الشّهر: السّبت والأحد، والإثنين، ومن الشّهر الآخر: الثلاثاء والأربعاء، والخميس». ـــــــــــــــــــــــــــــ الكتاب وفى رواية النسائى: «على رب العالمين» ولا ينافيه عرضها ليلا ونهارا كما دل عليه حدوث نزول ملائكة الليل وملائكة النهار، لرفع ذلك وعرضه وخبر مسلم: «يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل» (¬1) لأن هذا عرض تفصيلى، وذلك عرض إجمالى، وتعرض أيضا ليلة النصف من شعبان، أول ليلة القدر عرضا إجماليا أيضا، لكنه أعم من ذلك الإجمال، لأنه عرض لأعمال السنة، وذلك عرض لأعمال الأسبوع كما مر قريبا، وروى مسلم: «أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الإثنين فقال: فيه ولدت وفيه أنزل علىّ» (¬2). 291 - (يصوم من الشهر السبت. . .) إلخ إنما فعل ذلك ليبين فيه أفضلية جميع أيام الأسبوع ولم يوالها من أسبوع واحد لئلا يشق على الأمة الاقتداء به فى ذلك وإنما ترك الجمعة هنا، لأنه كان يكثر صومه على ما مر، واختارت عائشة وآخرون العمل بقضية هذا فعينوا الثلاثة التى تعين فى كل شهر فى السبت وتالييه من شهر وفيه. (والثلاثاء) من شهر بعده وهكذا، وروى النسائى: «كان صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام الإثنين ¬

291 - إسناده ضعيف وهو صحيح بشواهده: فيه محمد بن عبد الله بن الزبير؛ أبو أحمد: ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ فى حديث الثورى (التقريب 6017) قلت: والحديث رواه هنا عن سفيان الثورى، وكذلك فيه: معاوية بن هشام صدوق له أوهام (التقريب 6771). وذكره الحافظ فى الفتح (4/ 267) وقال: وروى موقوفا وهو أشبه. وقال المصنف: حسن وروى عبد الرحمن بن مهدى هذا الحديث عن سفيان، ولم يرفعه، قلت: ويشهد له ما مرّ فى الباب أحاديث رقم (288،289)، والحديث صححه الشيخ الألبانى حفظه الله فى مختصر الشمائل. (¬1) رواه أبو عوانة فى مسنده (1/ 145،146). (¬2) رواه مسلم فى الصيام (1162)، وأحمد فى مسنده (5/ 299)، والبيهقى فى السنن (4/ 293)، وفى دلائل النبوة (2/ 133).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والخميس من هذه الجمعة، والإثنين من المقبلة» (¬1)، وفى رواية: «أول اثنين من الشهر ثم الخميس الذى يليه» (¬2) وروى أحمد والنسائى بسند فيه مجهول، أو مجهولان: «أنه صلى الله عليه وسلم كان أكثر الأيام: صياما السبت والأحد، ويقول: إنهما عيدا المشركين، وإنى أحب أن أخالفهما» (¬3)، ولا ينافيه خبر أحمد وجماعة: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا عود شجرة فليمضغه» (¬4) لأن محل النهى إن أفرد بالصوم. تنبيه: سمى يوم السبت بذلك، لأن السبت: القطع، وذلك أنه انقطع فيه الخلق، وقول اليهود لعنهم الله: إن الله استراح فيه تولى الله رده عليهم بقوله: وَمامَسَّنامِنْ لُغُوبٍ (¬5) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ومن ثمة: أجمعوا على أنه لا أبله من اليهود، والأحد بذلك؛ لأنه أول الأسبوع على خلاف فيه حررته فى شرح العباب، وتسمية الباقى إلى الجمعة ظاهر، وسمى يوم الجمعة بذلك؛ لأنه فيه تم خلق العالم فاجتمعت أجزاؤه فى الوجود، ثم هذه الأسماء من الأقلام الغالبة وهى تلزمها اللزم، والإضافة إلى علم، إلا ما شذ كإثنين، فإنه علم عند سيبويه علم لليوم بلام ودونها، لكن خالفه المبرد. (والإثنين) روى بكسر النون وهو القياس، لأن إعراب الأعلام الغالبة على أصلها، وبفتحها إعرابا له بالحركات وكذا يقال فى الجمع العلم، ومر فيه إشكال وجوابه: (الثلاثاء) يجوز فيه أيضا الثلثاء بوزن العلماء. (والأربعاء) بتثليث الباء. ¬

(¬1) رواه مسلم فى الصيام (1160)، متفق فى أول الحديث ومختلف فى آخره. والنسائى فى الصيام (4/ 203،220) بلفظه. (¬2) رواه النسائى فى الصيام (2/ 205) بلفظ: خمسين، وأحمد فى مسنده (2/ 91). (¬3) رواه أحمد فى مسنده (6/ 323،324)، وابن حبان فى صحيحه (3616،3646)، وابن خزيمة فى صحيحه (2167)، والطبرانى فى الكبير (23،616،964)، والحاكم فى المستدرك (1/ 436)، وعنه البيهقى (4/ 303) من طرق عن ابن المبارك بهذا الإسناد وصححه الحاكم ووافقه الذهبى. (¬4) رواه أبو داود فى الصوم (2421)، والترمذى (744)، والنسائى فى الكبرى كما فى التحفة (4/ 293)، وابن ماجه فى الصيام (1726)، والدارمى (2/ 19)، والبغوى فى شرح السنة (1806)، وابن حبان فى صحيحه (3615)، وابن خزيمة فى صحيحه (2164)، وأحمد فى مسنده (4/ 189) (6/ 368،369)، والحاكم فى المستدرك (1/ 435)، والبيهقى فى السنن (4/ 302) والطحاوى فى مشكل الآثار (2/ 80). (¬5) سورة ق: آية رقم (38).

292 - حدثنا أبو مصعب المدينى، عن مالك بن أنس، عن أبى نضر، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فى شهر أكثر من صيامه فى شعبان». 293 - حدثنا محمود-بن غيلان-، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن يزيد الرّشك، قال سمعت معاذة قالت لعائشة: «أكان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كلّ شهر؟ قالت: نعم. قلت: من أيّه كان يصوم؟ قالت: كان لا يبالى من أيه صام». ـــــــــــــــــــــــــــــ 292 - (أكثر من صيامه فى شعبان) مر أن الحرم أفضل منه للصوم، وأن إكثاره الصوم فى شعبان لا يدل على أنه أفضل كما مرّ. 293 - (الرشك) مر قريبا. (الضبعى) بضم المعجمة وفتح الموحدة، وهو أحمد ثقة روى عنه الستة فى صحاحهم، وقصد الترمذى بذلك: الرد على من زعم أنه لين الحديث، وذكر هذا هنا دون ما مر، لأن ما رواه هنا يعارضه ما مر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم الغرة والإثنين والخميس وأيام البيض ونحو ذلك مما فيه أنه يأتى ببعض أيامه وعينها لصومه، فربما طعن طاعن فى يزيد بهذا أفرده بتوثيقه مع الإشارة إلى أنه لا تعارض، ووجهه أن معنى كونه لا يبالى، وأنه كان كثيرا فى أوقاته، يترك تلك الأيام المذكورة ويصوم غيرها من بقية الشهر، فلم يكن يلزم أياما بعينها لا ينفك عنها نظير ما مر قريبا، ¬

292 - إسناده صحيح: وقد تقدم تخريجه فى الحديث رقم (287)، بزيادة عنه هنا. 293 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصوم (763)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الصيام (1160)، وأبو داود فى الصوم (2453)، وابن ماجه فى الصيام (1709)، وأحمد فى المسند (6/ 145، 146)، وابن خزيمة فى صحيحه (2130)، وأبو نعيم فى المسند المستخرج على مسلم (2644)، كلهم من طرق عن يزيد بن الرشك به فذكره نحوه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهما (¬1) ساعات الليل بالنسبة لقيامه ونومه. (قالت: قلت لعائشة. . .) إلخ رواه عنها كذلك أيضا مسلم. (من أيه) أى من أىّ أيامه، لأن أىّ إذا أضيفت إلى جمع معروف يكون السؤال عن تعيين بعض أجزائه كأى منهما جاء أى: زيد أم خالد فلا حاجة لتقدير شارح مضافا بينها وبين الضمير، قالوا: ولعله صلى الله عليه وسلم لم يواظب على ثلاثة معينة لئلا يظن تعيينها وما قيل (¬2) السنة يحصل بصوم أى ثلاثة أيام من الشهر، والأفضل صوم يوم الثالث عشر وتالييه، وعن صوم الثانى عشر احتياطا وسن أيضا: صوم ثلاثة أيام من أول الشهر، وثلاثة من آخره السابع والعشرين وتالييه، ومن اختار صوم البيض كثيرون من الصحابة والتابعين، وروى النسائى عن ابن عباس: «كان صلى الله عليه وسلم لا يفطر أيام البيض فى حضر ولا سفر» (¬3) وروى أحمد عن حفصة: «أربع لم يكن صلى الله عليه وسلم يدعهن: صيام عاشوراء، والعشر، وأيام البيض من كل شهر، وركعتى الفجر، وكأن المراد بالعشر ذى الحجة «للغالب كان. . .» (¬4) إلخ رواه عنها أيضا الشيخان وغيرهما مع بعض تخالف لا يغير المعنى، واستفيد منه تعيين وقت الأمر بصيامه وهو أول قدومه المدينة لها كان فى ربيع الأول، فيكون من الأمر به أول السنة الثانية، وفى شعبانها (¬5) فرض رمضان فلم يقع الأمر بصومه إلا سنة واحدة، ثم فرض صومه إلى رأى المتطوع، فعلى فرض صحته دعوى أنه كان قد فرض، فقد نسخ فرضه بهذا الحديث الصحيح، وروى الشيخان عن ابن عمر أنهم كانوا يصومونه وأنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن عاشوراء يوم من أيام الله فمن شاء صامه» (¬6) ومسلم عن سلمة بن الأكوع: «بعث صلى الله عليه وسلم رجلا من أسلم يوم عاشوراء فأمره أن يؤذن فى الناس من كان لم يصم فليصم، ومن أكل فليتم صومه إلى الليل» واختلفوا هل كان واجبا حين شرع صومه؟ فقال أبو حنيفة: نعم وقال أصحابنا: لا، لكنه كان متأكد الندب فلما فرض رمضان خفف ذلك التأكيد، احتج أبو حنيفة ¬

(¬1) فى (ش): [فى ساعات]. (¬2) فى (ش): [وأصل]. (¬3) رواه النسائى فى الصيام (4/ 198). (¬4) رواه النسائى فى الصيام (4/ 220)، وأحمد فى مسنده (6/ 287)، وابن حبان فى صحيحه (6422)، وأبو يعلى فى مسنده (7041)، والطبرانى فى الكبير (23،354،496). (¬5) فى (ش): [وفى شعابها]. (¬6) رواه مسلم فى الصيام (1126)، وأحمد فى مسنده (2/ 143).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بقوله أمر بصيامه، والأمر للوجوب، وبقوله فلما فرض رمضان، قال: «من شاء صامه ومن شاء تركه» (¬1) واحتج أصحابنا بقوله «هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه» (¬2) قالوا: ومعنى «فأمره أن يؤذن» اه أن من كان نوى صومه فليتمه ومن لا يمسك بقية يومه وإن أكل لحرمة اليوم فليس هذا الإمساك حقيقة صوم لأنهم أكلوا ثم أمروا بالإتمام، فلم يدفع الاحتجاج به على إجزائية صوم الفرض من النهار، سيما وقد وافق أبو حنيفة-القائل بالإجزاء-على أن شرطه أن لا يتقدم مفسد كأكل، ورجح بعض المتأخرين من محدثى الشافعية: أنه كان واجبا ثم نسخ الأمر به، ثم تأكيده تأكيد العام، ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن الأطفال، ثم بقول ابن مسعود فى مسلم لما فرض رمضان ترك صوم عاشوراء مع علمه، بأنه ما ترك ندبه، وبأن القول بالمنسوخ تأكد ندبه، والباقى مطلق ندبه ضعيف، بل تأكده باق سيما مع الاهتمام به حيث قال: «لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر» ولترغيبه فى صومه وأنه يكفر السنة فأىّ تأكيد أبلغ من هذا؟ انتهى، ولك رده: بأن قوله: «ولم يكتب عليكم صيامه» صريح فى نفس الوجود، وزيادة تلك التأكيدات كلها، لا تنافى عدم الوجوب، لأن المؤكد له مراتب، ونحن لا نقول: زاد تأكده بالكلية، بل الذى نقول أن تأكده بأىّ لكنه دون ذلك التأكيد، لأنه لما شرع صومه كان متفردا لا يشركه غيره، فكان تأكده أعظم من مشروعيته مع وجود غيره له، اندفع بذلك جميع ما احتج به فظهر ما قاله الأصحاب. ¬

(¬1) رواه البخارى فى مناقب الأنصار (3831)، وفى التفسير (5404)، وفى الحج (1592)، وفى الصوم (1893،2001،4502)، ومسلم فى الصيام (1125)، وأبو داود فى الصيام (2442)، والترمذى فى الصوم (753)، والدارمى (2/ 23)، ومالك فى الموطأ (1/ 299)، وابن حبان فى صحيحه (3621)، وابن خزيمة فى صحيحه (2080)، والبيهقى فى السنن الكبرى (4/ 288،290)، وعبد الرزاق فى مصنفه (7842،7844،7845)، والبغوى فى (1702)، والطحاوى (2/ 74)، والهمذانى فى الاعتبار (133). (¬2) رواه البخارى فى الصوم (2003)، ومسلم (1129)، والطبرانى فى الكبير (748،749، 751،752،753،754)، والبغوى فى شرح السنة (1785).

294 - حدثنا هارون بن إسحاق الهمدانى، حدثنا عبدة بن سليمان، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: «كان عاشوراء يوما تصومه قريش فى الجاهليّة، وكان رسول الله يصومه، فلمّا قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما افترض رمضان، كان رمضان هو الفريضة، وترك عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه». ـــــــــــــــــــــــــــــ 294 - (عاشوراء) بالمد على المشهور وهو عاشوراء المحرم عند جمهور العلماء سلفا وخلفا، لكن فى مسلم عن ابن عباس أنه قال لسائل عن صومه: «إذا رأيت هلال المحرم فاعدده وأصبح يوم التاسع صائما فقال: أهكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم يصومه؟ قال: نعم» (¬1)، وظاهره أن عاشوراء هو تاسع المحرم أخذا من أشاء الإبل، فإن العرب تسمى اليوم الخامس من الورود رابعا وهكذا سيأتى فى الحديث ما يرده على أنه، قيل: أراد بذلك العاشر لقوله فى رواية أخرى: «إذا أصبحت من تاسعه فأصبح صائما» إذ لا يصبح صائما بعد ما أصبح صائما تاسعه، إلا إذا نوى الصوم الليلة المقبلة، وهى ليلة العاشر، وقيل: إنما أمره بصوم التاسع والعاشر بمعرفته أن عاشوراء هو اليوم العاشر فإخباره بأن صلى الله عليه وسلم كان يصومه، إما على حقيقته، أو يأول بأنه حمل فعله على الأمر به، وعرفه عليه فى المستقبل انتهى، والثانى ممكن بخلاف الأول لمنافاته قوله صلى الله عليه وسلم لما صام عاشوراء فقالوا له: يا رسول الله: يوم تعظمه اليهود والنصارى: «فإن كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع» قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفى صلى الله عليه وسلم وفى رواية: ¬

294 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصوم (753)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الصوم (1893)، ومسلم فى الصيام (1131)، وأبو داود (2442)، وأحمد فى المسند (6/ 6،29،30،50، 162،248)، والدارمى فى الصوم (2/ 22)، ومالك فى الموطأ (1/ 248) (33)، والطيالسى فى مسنده (1211)، جميعهم من طرق عن عائشة رضى الله عنها مرفوعا فذكره نحوه. (¬1) رواه مسلم فى الصيام (1133)، وأبو داود (2446)، والترمذى (754)، وأحمد فى مسنده (1/ 239،249،247،280،344،360)، وابن حبان فى صحيحه (3633)، وابن خزيمة فى صحيحه (2096،2098)، والبيهقى فى السنن (4/ 287)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 58)، وعبد الرزاق فى مصنفه (7839،7840)، والطحاوى فى مشكل الآثار (2/ 75)، والبغوى (1786).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» (¬1) رواه مسلم، وفى الحديث أيضا تصريح بأن الذى كان يصومه ليس هو التاسع، فتعين كونه العاشر (تصومه قريش) هم ولد النضر ابن كنانة، وقيل: فهر بن مالك. (فى الجاهلية) هم من قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، ثم يحتمل أنهم تلقوه من أهل الكتاب وهم كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة، وعن عكرمة: «أنه سئل عن ذلك فقال: أذنبت قريش ذنبا فى الجاهلية فعظم فى صدورهم فقيل لهم: صوموا عاشوراء يكفر ذلك». (يصومه) يحتمل أن يكون موافقة لهم فى الحج، وفيه رد على من استشكل الخبر الآتى فى سؤاله صلى الله عليه وسلم اليهود لما قدم المدينة عن سبب صومه ثم موافقته لهم بأنه كيف يرجع لخبرهم، ووجه الرد: أنه كان يصومه كما تصومه قريش فى مكة فلما قدم المدينة ووجد اليهود يصومونه صامه أيضا بوحى، أو تواتر منهم أو اجتهاده مجرد أيضا إخبار آحادهم قاله النووى كالماوردى ردا على عياض، وقال القرطبى: يحتمل أن يكون استئلافا لهم كما استألفهم كاستعمال قبلتهم وعلى كل، فلم يصمه اقتداء بهم، فإنه كان يصومه قبل ذلك، وكان ذلك فى وقت يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه، سيما إذا كان فيه ما يخالف أهل الأوثان، فلما فتحت مكة، واشتهر الإسلام أيضا عزم على صوم التاسع لما قيل له: إنهم يعظمونه، فعلم أن سبب صومه عدم التشبه باليهود فى المراد العاشر، وقيل: سببه الاحتياط فى صوم العاشر، والأول أولى لخبر البزار: «صوموه وخالفوا فيه اليهود وصوموا قبله يوما وبعده يوما» (¬2) ولأحمد نحوه. (صامه وأمر بصيامه) سبب ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس أنه لما قدم ما رأى اليهود يصومونه فقال لهم: «ما هذا اليوم الذى تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم» وفى رواية صالح «أنجى الله فيه موسى وبنى إسرائيل من عدوهم، وأغرق فيه فرعون وقومه فصامه موسى فصامه وأمر بصيامه» (¬3) وفى رواية: «فنحن نصومه فقال صلى الله عليه وسلم فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه وأمر ¬

(¬1) رواه مسلم فى الصيام (1134)، وابن ماجه (1736)، وأحمد فى مسنده (1/ 225،345)، والطبرانى فى الكبير (10891). (¬2) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (3/ 188)، وقال: رواه أحمد والبزار وفيه محمد بن أبى ليلى وفيه كلام. (¬3) رواه أحمد فى مسنده (1/ 310)، والبيهقى فى السنن الكبرى (4/ 286)، والحميدى فى مسنده (515)، ورواه مسلم فى الصيام (1130).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بصيامه» (¬1) وفى رواية فنحن نصومه تعظيما له»، وفى رواية: «أنه لما قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء»، ولا إشكال فإن كان قدم فى شهر رفيع، لأن فى الكلام حذفا تقديره: قدمها، فأقام إلى يوم عاشوراء فوجد اليهود صياما، وهذا أصوب من تأويله بأنه يحتمل أن أولئك اليهود كانوا يحسبونه بحساب السنين الشمسية فصادف بحسابهم يوم قدومه المدينة، ثم ظاهر الحديث أن سبب صومه موافقتهم على الشكر، ولا ينافيه خبر البخارى «كان عاشوراء يوما تعده اليهود عيدا قال صلى الله عليه وسلم فصوموه أنتم» (¬2) إذ لا يلزم من تعظيمهم له واعتقادهم عيدا أنهم كانوا لا يصومونه، بل صومه من جملة تعظيمه لخبر مسلم «كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدا» (¬3)، وحاصل ما ورد فيه: «أنه صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة، ولا يأمر به ثم لما قدم المدينة صامه، أو أمر به، ثم لما فرض رمضان تركه» وقال: «إنه يوم من أيام الله فمن شاء صامه، ومن شاء تركه ثم عزم آخر عمره أن يضم إليه التاسع» (¬4)، وفى مسلم: «إنه يكفر سنة وصوم يوم عرفة يكفر سنتين» (¬5) وحكمته أنه منسوب لموسى وعرفة منسوب للنبى صلى الله عليه وسلم ولذلك كان أفضل وورد: «من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه السنة كلها» (¬6) وله طرق قال البيهقى: أسانيدها كلها ضعيفة، ولكن إذا انضم بعضها لبعض أفاد قوة وصحح بعضها الحافظ ابن ناصر الدين، وأقره الزين العراقى، وهو حسن عند ابن حبان، وله طرق أخرى. (فلما افترض رمضان) أى فى شعبان فى السنة الثانية من الهجرة. (فمن شاء صامه ومن شاء تركه) مر ما فيه. ¬

(¬1) رواه البيهقى فى السنن الكبرى (4/ 286)، ذكره التبريزى فى مشكاة المصابيح (2067)، وقال: متفق عليه (1،639)، ذكره الهندى فى كنز العمال (32372)، وعزاه لأحمد فى مسنده وللبخارى ومسلم ولأبى داود عن ابن عباس (11/ 507). (¬2) رواه البخارى فى الصيام (2005)، ومسلم (1131)، وأحمد فى مسنده (4/ 5)، والبيهقى فى السنن الكبرى (4/ 289). (¬3) رواه مسلم فى الصيام (1131)، والبخارى (2005). (¬4) تقدم تخريجه وهو فى مسلم (1131). (¬5) رواه مسلم فى الصيام (1162). (¬6) رواه الطبرانى فى الكبير (10007)، ابن عدى فى الكامل (5/ 211)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (3/ 89)، وقال رواه الطبرانى فى الكبير وفيه الهيصم بن الشداخ وهو ضعيف جدا.

295 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: «سألت عائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصّ من الأيام شيئا؟ قالت: كان عمله ديمة، وأيكم يطيق ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيق؟». 296 - حدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، ـــــــــــــــــــــــــــــ 295 - (يخص شيئا من الأيام) أى يعمل نافلة كصلاة أو صوم. (ديمة) بكسر فسكون أصله دومة قلبت واوه ياء لكسر ما قبلها، وهى فى الأصل: المطر الدائم مع سكون بحيث لا يكون فيه رعد ولا برق، فشبهت عمله صلى الله عليه وسلم فى دوامه مع اقتصاره، ومجانبته للغلو، وجعلت على صفة النوع من الدوام، لإفادة أنه كان له نوع دوام مخصوصة بديمة المطر وعدلت عن الجواب بنعم أو لا، المطابق للسؤال إلى ما قالت، لأنه أبلغ لتضمنه جواب السؤال المذكور، وتضمنه سؤال آخر مقدر، لأنها أفادت أنه كان يخص بعض الأيام بشىء كالإثنين والخميس بصوم، وهذا جواب للسؤال الأول ثم يداوم عليه، وهذا جواب عن السؤال الثانى المرتب على الأول وتقديره: إذا كان يخص بعضها بشىء هل كان يداوم عليه؟ (وأيكم يطيق ما) أى: العمل الذى (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيق) ويداوم عليه وخصت الصحابة بذلك، لأنهم مع علو همتهم واستنارة قلوبهم ببركة [صحبة] (¬1) النبى صلى الله عليه وسلم إذا عجزوا عن إطاقة ذلك، فغيرهم أعجز. 296 - (ما) أى العمل الذى (تطيقون) أى المداومة عليه من غير ضرر صلاة كان أو ¬

295 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الصوم (1987) وفى الرقاق (6466)، ومسلم فى صلاة المسافرين (2783)، وأبو داود فى التطوع (1370)، وأحمد فى مسنده (6/ 43،55،174،189)، وأبو نعيم فى المستخرج على مسلم (1778)، (1779)، كلهم من طرق عن منصور به فذكره نحوه. 296 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الإيمان (43)، وفى التهجد (1151)، ومسلم فى صلاة المسافرين (785)، وأبو داود فى الصلاة (1368)، والنسائى فى الصيام (4/ 151)، وفى الكبرى (1307)، (1/ 412،413)، وابن ماجه فى الزهد (4238)، وأحمد فى المسند (6/ 51)، وأبو نعيم فى مستخرجه (1783)، وفى الحلية (2/ 65)، كلهم من طرق عن هشام بن عروة به فذكره نحوه. (¬1) فى (ش): [صحبته].

عن عائشة قالت: «دخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندى امرأة. فقال: من هذه؟ قلت: فلانة، لا تنام اللّيل. فقال: عليكم من الأعمال ما تطيقون، فو الله لا يملّ الله حتّى تملّوا، وكان أحبّ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى يدوم عليه صاحبه». ـــــــــــــــــــــــــــــ صوما أو غيرهما. (فو الله) فى رواية: فإن الله (لا يمل حتى تملوا) بفتح أوليهما وثانيهما، وفى رواية: «لا يسأم حتى تسأموا» (¬1) بمعنى واحد، وهو فتور يعرض للنفوس كثرة مداومة شىء فيوجب الكلام فى الفعل أو النفرة عنه. ولاستحالة هذا فى حقه تعالى لتنزهه عن سائر سمات المحدثات، وإنما ذكر فيه للمشاكلة نحو. تَعْلَمُ مافِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مافِي نَفْسِكَ (¬2)، وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (¬3) وجب أن يراد به فى حقه تعالى غايته وهى أن لا يعامل عبيده معاملة المالّ فيقطع عنهم ثوابه وبسط جزائه وإنعامه حتى يقطعوا عملهم ثم يقطع عنهم ذلك فعلم أن المراد أمرهم بالاقتصاد فى العمل دون الزيادة فيه، لئلا يسأموا منه فيعرض الله عنهم، وقيل: المعنى: عليكم بالاقتصاد، فإن فعلتموه مع الملال يعرض الله عنه، فلا يتقبله، لأن فاعله كالغافل والساهى عنه بل أقبح بخلاف ما كان مع نشاط النفس وإقبالها عليه بكليتها، فإنه يقبله لتوجهه إليه على أكمل الأحوال، وقيل: المعنى لا يمل إذ لو مل حين تملوا لم يكن له عليهم مزية وفضل، ورده: بأن هذا المعنى لا يناسب اللفظ أصلا والمزية والفضل عليهم واضحان لمن له أدنى بصيرة، وقيل: المعنى لا يقطع عنكم فضله حتى تقطعوا سؤاله، وفى الحديث: الحث على الاقتصاد فى العمل وكمال شفقته ورأفته صلى الله عليه وسلم حيث أرشدهم لما يصلحهم مما يمكنهم المداومة عليه من غير كثير مشقة وضرر انبساط النفس وانشراح الصدر، وهو غاية الكمال فى العبادة بخلاف تعاطى المشاق، فإنه يصحبه ضد ذلك بتفوته الخير العظيم، وقد ذم الله تعالى من فرط فى عبادة اعتادها بقوله تعالى: فَمارَعَوْهاحَقَّ رِعايَتِها. (أحب) يجوز رفعه ونصبه وإن قل، لأنه خير من كثير منقطع، إلا بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله سبحانه وهذه ثمرات تزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة قيل: المناسب ذكر حديث المداومة ¬

(¬1) رواه مسلم فى صلاة المسافرين (785). (¬2) سورة المائدة: آية رقم (116). (¬3) سورة الشورى: آية رقم (40).

297 - حدثنا أبو هشام، محمد بن يزيد الرفاعى، حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن أبى صالح، قال: سألت عائشة وأم سلمة: «أىّ العمل كان أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالتا: ماديم عليه، وإن قلّ». 298 - حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنى معاوية بن صالح، عن عمرو بن قيس، أنه سمع عاصم بن حميد قال: سمعت عوف بن مالك، يقول: «كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فاستاك، ثمّ توضّأ، ثمّ قام يصلّى، فقمت معه، فبدأ فاستفتح البقرة، فلا يمرّ بآية رحمة إلاّ وقف فسأل، ولا يمرّ بآية عذاب إلا وقف فتعوّذ، ثمّ ركع فمكث راكعا بقدر قيامه ويقول فى ركوعه: سبحان ذى ـــــــــــــــــــــــــــــ فى قيام الليل وما قبله وما بعده فى باب العبادة، إذ لا اختصاص لها بصوم ولا بغيره، ويجاب: بأن تأخير ذلك إلى الصوم فيه مناسبة أيضا، لأن كثيرين يداومون عليه أكثر من غيره فذكر ذلك فيه زجرا لهم عن موجب الملال فيه وفى غيره. 298 - (فسأل) أى الرحمة. (فتعوذ) فيه أنه يندب للقارئ مراعاة ذلك فحيث ما مر بآية رحمة سأل الرحمة أو بآية عذاب استعاذ منه أو بآية تنزيه نحو فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ اَلْعَظِيمِ (¬1) نزّه أو نحو أَلَيْسَ اَللهُ بِأَحْكَمِ اَلْحاكِمِينَ (¬2)، أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ اَلْمَوْتى (¬3) قال: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين أو بنحو وَسْئَلُوا اَللهَ مِنْ ¬

297 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأدب (2856)، بسنده ومتنه سواء. وله شاهد فى الصحيحين تقدم من هذا الباب. 298 - إسناده جيد وهو صحيح: رواه أبو داود فى الصلاة (873)، والنسائى فى التطبيق (2/ 191،223)، وفى الكبرى (718)، وأحمد فى المسند (6/ 24)، كلهم من طرق عن معاوية بن صالح به فذكره نحوه. قلت: كلا من عبد الله بن صالح، ومعاوية بن صالح، وعاصم بن حميد صدوق. (¬1) سورة الواقعة: آية رقم (74). (¬2) سورة التين: آية رقم (8). (¬3) سورة القيامة: آية رقم (40).

الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة. ثمّ سجد بقدر ركوعه، ويقول فى سجوده: سبحان ذى الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة. ثمّ قرأ آل عمران، ثمّ سورة سورة، يفعل مثل ذلك فى كلّ ركعة». ـــــــــــــــــــــــــــــ فَضْلِهِ (¬1) قال: اللهم إنى أسألك من فضلك. (ثم ركع) عطف على فاستفتح فلطول قراءته المقتضى لتراخى الركوع عن أولها أى: بينهم، ثم سورة سورة فيه حذف حرف العطف بقرينة ما مر فى هذا الحديث: أنه قرأ النساء والمائدة، فزعم أنه تأكيد لفظ غفلة عن ذلك المذكور فى القراءة من أولها، وفى الركوع وما بعده من الأدعية المذكورة. (الجبروت والملكوت) فعلوت من الجبر والملك للمبالغة كما مر. (ثم) بعد ذلك الركعة الأولى والقيام للثانية. (قرأ آل عمران ثم سورة سورة) أى: ثم قرأ سورة فى الثالثة وأخرى فى الرابعة. (مثل ذلك) أى يركع فى كل ركعة بقدر قبلها، ومر أن صلاته صلى الله عليه وسلم كانت مختلفة باختلاف أحواله، فتارة يؤثر التخفيف كأن يكون وراءه من له شغل، أو لغرض مقتضى للتخفيف، وإن كان أراد التطويل، بل كان يسمع بكاء الصبى، وتارة يؤثر التطويل، كأن لا يكون وراءه أحد يؤثر التطويل، وحكمة ذلك: بيان جواز كل من الأمرين لكن الأفضل للإمام التخفيف، إلا إن وجدت الشروط السابقة، وقد أمر بذلك قال: «إن منكم منفرين، فأيكم صلى فليخفف، فإن فيهم السقيم والضعيف، وذا الحاجة» (¬2)، ووجه مناسبة الحديث للترجمة خلافا لمن زعم أنه لا يناسبها: أنه لما أنجز الكلام إلى أن أفضل الأعمال ما يطابق بالصفة السابقة بين بهذا الحديث: أن ارتكاب المشق فى نادر من الأحوال لا ينافى ذلك، لأن النفس لا تنفر من المشق مرة أو مرتين، وإنما تنفر من المداومة عليه ولذا قال أئمتنا: «ولا تكلفوهم» أى الأرقاء. «من العمل ما لا يطيقون» (¬3) فحمل النهى بإدامة ذلك الى تكليفهم المشق الذى لا يخشى عنه محذورتهم نادر من الأوقات. ¬

(¬1) سورة النساء: آية رقم (32). (¬2) رواه البخارى فى الأحكام (7159)، ومسلم فى الصلاة (466،467)، وأحمد فى مسنده (4/ 118،119) 5/ 273)، وابن خزيمة فى صحيحه (16050)، والحميدى فى مسنده (453)، والطبرانى فى الكبير (555،556،559)، والبيهقى فى السنن الكبرى (3/ 115)، وعبد الرزاق فى مصنفه (3726)، والبغوى فى شرح السنة (844). (¬3) ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (6/ 323)، وقال العراقى: هو مفرق فى عدة أحاديث، فروى أبو داود من حديث على.

44 - باب: ما جاء فى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم

44 - باب: ما جاء فى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم 299 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن ابن أبى مليكة، عن يعلى بن مملك، أنه سأل أم سلمة: «عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هى تنعت قراءة مفسّرة حرفا حرفا». 300 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا وهب بن جرير بن حازم، حدثنا أبى، عن قتادة، قال: «قلت لأنس بن مالك: كيف كان قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: مدّا». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم) 299 - (فإذا) هى للمناجاة إفادتها فى أنها أجابت بذلك على الفور، وأن ذلك يدل على ضبطها وقوة استحضارها لقراءته صلى الله عليه وسلم. (هى. . .) إلخ رواه عنها أيضا أبو داود والنسائى. (تنعت) تصف. (مفسرة) مبينة واضحة مفصولة الحروف عن المفسر، وهو البيان ووصفها لذلك، إما بأن تقول كانت قراءته كذا، أو بالفعل كأن تقرأ لقراءته صلى الله عليه وسلم، قيل: وظاهر السياق يدل على الثانى. 300 - (مدا) مصدر خلافا لمن حرفه أى: ذات مد، وهو هنا إشباع الحرف الذى بعد ¬

299 - إسناده ضعيف وهو صحيح: فيه: يعلى بن مملك، قال فيه الحافظ: مقبول (التقريب 7850)، وقال النسائى: ليس بذاك المشهور (السنن الكبرى 1284). ورواه الترمذى فى فضائل القرآن (2923)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الصلاة (1466)، من طريق الليث به فذكره بزيادة نحوه. وقال أبو عيسى: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد عن ابن أبى مليكة عن يعلى بن مملك عن أم سلمة. قلت: ويشهد له ما رواه قتادة عن أنس مرفوعا فى الحديث الذى بعده (300)، وكذا حديث أم سلمة (301). 300 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى فضائل القرآن (5045)، وأبو داود فى الصلاة (1465)، والنسائى فى الافتتاح (2/ 179)، وفى السنن الكبرى (1087) (8059)، وابن ماجه فى الإقامة (1353) =

301 - حدثنا على بن حجر، حدثنا يحيى بن سعيد الأموى، عن ابن جرير، عن ابن أبى مليكة عن أم سلمة قالت: «كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته يقول: الحمد لله ربّ العالمين. ثمّ يقف، ثمّ يقول: الرّحمن الرّحيم. ثمّ يقف. وكان يقرأ: مالك يوم الدّين». ـــــــــــــــــــــــــــــ ألف أو واو أو ياء من غير إفراط فى ذلك فإنه مذموم، وروى البخارى عن أنس «أنها كانت مدا يمد بسم الله ويمد بالرحمن الرحيم» (¬1). 301 - (يقطّع قراءته) بتشديد الطاء أى: يقف على فواصل الآى، قد بينت ذلك بقولها. (يقول: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ اَلْعالَمِينَ ثم يقف. . .) إلخ أى: وهكذا يفعل فى سائر الآيات، ومن ثم قال أئمتنا: ليس للمصلى أن يقف على كل آى من آى الفاتحة قال بعض المتأخرين: إلا البسملة، فلا يقف عليها، بل يصلها ب‍ اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ اَلْعالَمِينَ إعلاما بأنها منها انتهى، وبذلك صرح فى المجموع فقال: ويسن وصل البسملة بالحمدلة ¬

= وأحمد فى المسند (3/ 119،127،131،192،198،289)، وابن أبى شيبة فى المصنف (2/ 520) وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 184)، كلهم من طرق عن جرير بن حازم به فذكره نحوه. 301 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى القراءات (2927)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الحروف والقراءات (4001)، وأحمد فى المسند (6/ 302)، والبيهقى فى السنن (2/ 44)، والحاكم فى المستدرك (2/ 231،232)، والدار قطنى فى سننه (118)، وابن خزيمة فى صحيحه (493)، كلهم من طرق عن ابن جريج به فذكره نحوه. قال أبو عيسى: غريب وليس إسناده بمتصل. وقال: الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبى، وقال الدار قطنى: إسناده صحيح، وكلهم ثقات. وصححه ابن خزيمة. قلت: هو صحيح لولا عنعنة ابن جريج فهو مدلس، لكنه قد توبع عند أحمد فى المسند (6/ 288)، قال: ثنا وكيع، عن نافع بن عمر، وأبو عامر، ثنا نافع عن ابن أبى مليكة، عن بعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم قال أبو عامر: قال نافع: أراها حفصة أنها سألت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: إنكم لا تستطيعونها، قال: فقيل لها: أخبرينا بها! قال: فقرأت قراءة ترسلت فيها، قال أبو عامر: قال نافع: فحكى لنا ابن أبى مليكة. . . الحديث. (¬1) رواه البخارى فى فضائل القرآن (5045،5046).

302 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن معاوية بن صالح، عن عبد الله ـــــــــــــــــــــــــــــ للإمام وغيره، وأن لا يقف على أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، لأنه ليس بوقف ولا منتهى آية عندنا انتهى، وتعقبه فى شرح المنهاج وعبارته، وما ذكره فى الأولى عجيب فقد صح «أنه صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته آية آية يقول: بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ ثم يقف، اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ اَلْعالَمِينَ ثم يقف، اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ ثم يقف» (¬1) ومن ثم قال البيهقى والحليمى وغيرهما: يسن أن يقف على رءوس الآى، وإن تعلقت بما بعدها للاتباع انتهت وبقوله: «قد صح» يعلم رد ما قيل حديث المتن قيل وهذا الحديث يؤيد أن البسملة ليست من الفاتحة، ويرد: بأنه لا تأبيد فيه لذلك وعلى المتنزل، فقد صح: «أنه صلى الله عليه وسلم وقف على البسملة» كما تقرر وعد البسملة آية من الفاتحة فعلمنا بالتصريح وتركنا المحتمل وحكمة الوقف على اَلْعالَمِينَ واَلرَّحِيمِ مع أن فيه قطع الصفة عن الموصوف تعليم الأمة رءوس الآى فقد صرح بعضهم فى الحديث بأن محل الوقف يَوْمِ اَلدِّينِ غفلة منه عن القواعد، وحكمة فعله صلى الله عليه وسلم، ولو قدح فيه بأن فى إسناده انقطاعا لأصابت ثم رأيت صاحب القاموس، رد عليه بأنه صح عنه صلى الله عليه وسلم «أنه وقف على رأس كل آية، وإن كان متعلقا بما بعده» وغيره قال: قول بعض القراء الوقف على ما ينفصل فيه الكلام أولى غفلة عن السنة، وأن اتباعه صلى الله عليه وسلم أولى انتهى، والأولى أن يقال: ما قاله القراء محمول على ما علم فيه وقف له صلى الله عليه وسلم فهذا الوقف التام فيه أولى، وبهذا الحديث والذى قبله؛ علم أن قراءته كانت ترتيلا لا مدا ولا تعجلا، بل مفسرة الحروف مستوفية ما تستحقه من مد وغيره لأنه كان يقطعها آية آية. 302 - (كان) أى كان. (كل ذلك) روى بالرفع قيل: والأظهر النصب لئلا يحتاج ¬

302 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى أبواب الصلاة (449)، بسنده ومتنه سواء ورواه مسلم فى الحيض (307)، وأبو داود فى الصلاة (1437)، والبخارى فى خلق أفعال العباد (ص 101)، وأبو نعيم «المستخرج» (701) كلهم من طريق قتيبة بن سعيد به فذكره. ورواه النسائى فى الطهارة (1/ 163،164)، وأحمد (6/ 82،83)، وابن ماجه فى الإقامة (1354)، وابن خزيمة (1160)، والبيهقى (1/ 309)، كلهم من طرق عن عبد الله بن قيس به نحوه. (¬1) رواه أحمد فى مسنده (6/ 302) والحاكم فى المستدرك (232)، وذكره التبريزى فى مشكاة المصابيح (2205)، وقال رواه الترمذى (1/ 675)، وذكره الهندى فى كنز العمال (17913)

ابن أبى قيس، قال: «سألت عائشة رضى الله عنها عن قراءة النّبىّ صلى الله عليه وسلم: أكان يسرّ بالقراءة أم يجهر؟ قالت: كلّ ذلك قد كان يفعل، وربّما أسرّ وربّما جهر. قلت الحمد لله الذى جعل فى الأمر سعة». 303 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا وكيع، حدثنا مسعر، عن العلاء العبدى، عن يحيى بن جعدة، عن أم هانئ، قالت: «كنت أسمع قراءة النّبىّ صلى الله عليه وسلم وأنا على عريشى». ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى حذف المفعول، انتهى وليس بشىء؛ لأن الرواية لا تترك لأمر تحسينى ولا غيره. (ربما أسر، وربما جهر) فيجوز كل من الأمرين واختلفوا فى الأفضل خارج الصلاة ورجح كلا طائفة، والمختار أن ما كان أقرب للخشوع وأبعد عن الرياء هو الأفضل. (سعة) أى لأن النفس قد تنشط إلى أحد الأمرين، فلو ضيق عليها بتعين أحدهما ربما لم تنشط إليه فتحرم هذا الخير الكامل. 303 - (كنت أسمع. . .) إلخ فيه دليل للجهر حتى فى النافلة إذ الغالب من أحواله ¬

= وعزاه للترمذى والحاكم فى المستدرك عن أم سلمة (7/ 52). وذكره أيضا (22118) وعزاه للسلفى فى انتخاب حديث الفراء ورجاله ثقات (8/ 108). 303 - إسناده حسن: رواه النسائى فى الافتتاح (2/ 179)، وفى الكبرى (1086)، وابن ماجه فى الإقامة (1349)، وأحمد فى المسند (6/ 341،342،343،424)، والبيهقى فى دلائل النبوة (6/ 257)، كلهم من طرق عن مسعر به فذكره نحوه قال البوصيرى فى الزوائد (1/ 437): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه الترمذى فى الشمائل عن محمود بن غيلان، والنسائى فى الكبرى، عن يعقوب بن إبراهيم، كلاهما عن وكيع بن الجراح به. قلت: أبو العلاء العبدى هو هلال بن خباب، قال فيه الحافظ: صدوق تغير بأخرة. قلت: وثقه ابن معين، والإمام أحمد، وقال ابن القطان: أتيت هلال بن خباب وكان قد تغير قبل موته، وكذلك قال باختلاطه: سفيان الثورى، وقال ابن حبان: كان ممن اختلط فى آخر عمره فكان يحدث بالشىء على التوهم، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وأما فيما وافق الثقات، فإن احتج به محتج أرجو أن لا يجرح فى فعله ذلك، وانظر: الثقات (7/ 574)، والمجروحين (3/ 87). =

304 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، أخبرنا شعبة، عن معاوية بن قرة، قال: سمعت عبد الله بن مغفل، يقول: «رأيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم على ناقته يوم الفتح، وهو يقرأ: إِنّافَتَحْنالَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اَللهُ ماتَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه صلى الله عليه وسلم لما كان يقرأ ليلا داخل الصلاة، لكن الأفضل عندنا لمن يصلى ليلا التوسط فى النوافل المطلقة بين الجهر والإسرار، بأن يقرأ بهذا مرة وبهذا مرة، وبأن يكون بصفة لا تسمى عرفا إسرارا ولا جهرا. وإن كانت لا تخلو عن أحدهما فى الحقيقة، إذ لا واسطة بينهما، والإسرار فى غيرها إلا نحو الوتر فى رمضان، وحديث أم هانئ هذا لا ينافى ذلك، ولأنا لم نتحقق أنها سمعت فيه ذلك فى الصلاة، وعلى التنزل عمل بالغالب السابق فيحتمل أنه فى نافلة مطلقا، وعلى التنزل فيها لبيان الجواز وكلامنا إنما هو فى الأفضلية. (عريش) هو ما يستظل به، أو ما يهيأ ليرتفع عليه. 304 - (يقول: رأيت. . .) إلخ، رواه عنه أيضا البخارى. إِنّافَتَحْنالَكَ. . .: إلى آخر السورة كما اقتضته رواية قراءة سورة الفتح يوم الفتح. (ورجّع) والترجيع قيل: ترديد القرآن، ومنه ترجيع الأفان، وقيل: تقارب ضروب الحركات فى الصوت وهو المراد هنا، إذ المروى عن صفة ترجيعه هنا أنه كان يمد الصوت فى القراءة آآآ آآآ آآ، قال ابن الأثير: وإنما حصل منه هذا والله أعلم، لأنه كان راكبا فحركته ناقته وذبذبته فحدث الترجيع فى صوته، ويؤيده الحديث الآتى «كان لا يرجع» (¬1) أى لعدم الركوب فلم ¬

= وقال إبراهيم بن الجنيد: سألت يحيى بن معين عن هلال بن خباب، وقلت: إن يحيى القطان يزعم أنه تغير قبل موته واختلط، فقال يحيى: لا، ما اختلط ولا تغير. قلت ليحيى: فثقة هو؟ قال: ثقة، مأمون، قلت: فهو مختلف فى تغيره قبل موته، وهو فى الأصل: ثقة مأمون. انظر: تهذيب الكمال (30/ 332)، (6616)، وتاريخ بغداد (14/ 74). 304 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى فضائل القرآن (5047)، ومسلم فى صلاة المسافرين (794)، وأبو داود فى الصلاة (1467)، وأحمد فى مسنده (4/ 85،86)، (5/ 54،55،56)، والبيهقى فى الدلائل، (5/ 70)، وأبو نعيم فى مستخرجه على مسلم (1805،1806)، كلهم من طريق شعبة، عن معاوية بن قرة به فذكره نحوه. (¬1) رواه أبو نعيم فى أخبار أصفهان (1/ 157).

قال: فقرأ ورجّع». قال: وقال معاوية بن قرّة: لولا أن يجتمع النّاس علىّ لأخذت لكم فى الصّوت-أو قال: اللّحن. ـــــــــــــــــــــــــــــ يحدث فى قراءته ترجيع انتهى، وفيه نظر، والظاهر: أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك قصدا، وكان حكمته أن الترجيع ينشأ غالبا عن أريحة تحدث عن النفوس سرورا وانبساطا، ولا يشك أنه حصل له يوم الفتح حظ وافر، وكان سببا لترجيعه، ويؤيد ذلك أنه من تحسين الصوت بالقرآن، وهو متأكد الندب لأمره به، والحديث الآتى بعد صحته ينبغى عمله على أنه كان يترك الترجيع فى كثير من الأحيان [لعدم تفضيله] (¬1) له فى الذى ذكرته أو لبيان أن الأمر واسع فى فعله وتركه، ثم رأيت بعضهم رد على ابن الأثير بأنه: لو كان لهز الناقة كان بغير اختياره، وح فلم يكن عبد الله بن مغفل يحكيه ويفعله اختيارا للتأسى به، ولم ينسب الترجيع لفعله بقوله: كان يرجع فى قراءته، ويوافق هذا الحديث حديث «زينوا القرآن بأصواتكم» (¬2)، وحديث «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» (¬3)، وحديث «ما أذن الله لنبى-أى: استمع لنبى-كإذنه-أى بالتحريك-لنبى يتغنى بالقرآن» (¬4) وزعم أن الحديث الأول من باب القلب، أى زينوا أصواتكم بالقرآن لا دليل ¬

(¬1) فى: (ش) [لعدم مقتضيه]. (¬2) رواه أبو داود فى الصلاة (1468)، والنسائى (2/ 179،180)، وابن ماجه فى إقامة الصلاة (1342)، وأحمد فى مسنده (4/ 283،285،340)، وابن حبان فى صحيحه (749، 750)، وعبد الرزاق فى مصنفه (4175،4176)، والحاكم فى المستدرك (1/ 571،572)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (2/ 521)، (10/ 462)، والبيهقى فى السنن الكبرى (2/ 53)، والطيالسى فى مسنده (2/ 3)، وأبو نعيم فى الحلية (5/ 27). (¬3) رواه البخارى فى التوحيد (7527)، وأبو داود فى الصلاة (1469،1470)، وابن ماجه فى الإقامة (1337)، والدارمى (1/ 349،471)، وأحمد فى مسنده (1/ 172،179)، وابن حبان فى صحيحه (120)، والحميدى فى مسنده (76،77)، والبيهقى فى السنن الكبرى (10/ 230)، والحاكم فى المستدرك (1/ 569،570)، والطحاوى فى مشكل الآثار (2/ 127، 128)، والطيالسى فى مسنده (210)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (2/ 522)، والبغوى فى شرح السنة (1218). (¬4) رواه البخارى فى فضائل القرآن (5023،5024)، وفى التوحيد (7482،7544)، ومسلم فى صلاة المسافرين (792)، وأبو داود (1469،1473) والنسائى فى الافتتاح (2/ 180)، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه، ومما يؤيد أنه صلى الله عليه وسلم استمع لقراءة أبى موسى الأشعرى فلما أخبره بذلك قال: «لو كنت أعلم أنك تسمعه لحبرته تحبيرا» أى: حسنته وزينته بصوتى تزيينا، وحديث: «لكل شىء حلية وحلية القرآن حسن الصوت» (¬1) وقد كثر الخلاف فى التطريب والتغنى فى القرآن، والحق: أن ما كان منه طبيعة وسجية كان محمودا، وإن أعانته طبيعة على تحسين وتزيين كما مر عن أبى موسى لتأثر التالى والسامع به لخلوه عن التكلف والتصنع، وأما ما فيه تكلف وتمرين بتعليم أصوات الغناء بألحان وإيقاعات مخصوصة، فهذه هى التى كرهها السلف وعابوها، ومن تأمل أحوال السلف علم أنهم بريئون من التصنع والقراءة بالألحان المختومة دون التطريب والتحسين الطبيعى، وقد ندب إليه صلى الله عليه وسلم لما مر من الأحاديث، وزعم بعضهم أن معنى: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» (¬2) من لم يستغن به، وليس فى محله، وإلا لم يكن لحسن الصوت والجهر به معنى على أن المعروف فى كلام العرب؛ أن التغنى: حسن الصوت بالترجيع، وروى ابن أبى شيبة: «علموا القرآن وغنواته واكتبوه» (¬3)، وقد صح «أنه صلى الله عليه وسلم لما سمع أبا موسى يقرأ قال: لقد أوتى هذا مزمارا من مزامير آل داود» (¬4) أى داود نفسه، ومرّ عنه «لو علمت أنك ¬

= والدارمى فى الصلاة (1/ 350) (2/ 471)، وابن حبان فى صحيحه (751،752)، والحميدى فى مسنده (949)، وعبد الرزاق فى مصنفه (4166،4167،4168،4169)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (2/ 522) (10/ 464)، البزار فى مسنده (2332،2335) والبغوى فى شرح السنة (1217،1218). (¬1) رواه البغدادى فى تاريخ بغداد (7/ 268)، وابن عدى فى الكامل (4/ 133)، وعبد الرزاق فى مصنفه (4173)، والطبرانى فى الأوسط (7531)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (7/ 171)، وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه إسماعيل بن عمرو الأبجالى وهو ضعيف، ورواه البزار وفيه عبد الله بن محرز وهو متروك. (¬2) سبق تخريجه ورواه كثيرون. (¬3) رواه أحمد فى مسنده (4/ 146،150،153). (¬4) رواه مسلم فى صلاة المسافرين (793)، والنسائى فى الافتتاح (2،180،181)، وفى فضائل القرآن (76،83)، والدارمى (2/ 473)، وأحمد فى مسنده (5/ 349،351،359)، (6/ 37،167)، وابن حبان فى صحيحه (7195)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (10/ 463، 12،112)، وابن سعد فى الطبقات الكبرى (4/ 107)، (2/ 344)، والبيهقى فى السنن الكبرى (10/ 230)، والبغوى فى شرح السنة (4/ 489).

305 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا نوح بن قيس الحدّانى، عن حسام بن مصكّ، عن قتادة، قال: «ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه، حسن الصّوت، وكان نبيّكم حسن الوجه حسن الصّوت، وكان لا يرجّع». ـــــــــــــــــــــــــــــ تسمع لحبرته لك تحبيرا» وهو يدل على أنه كان يستطيع أن يتلو شهى من المزامير عند المبالغة فى التحبير فإنه تلى مثلها، وما بلغ حد استطاعته فكيف لو بلغه. (قال) أى شعبة. (لولا. . .) إلخ فيه دليل على أن ارتكاب أمر يوجب اجتماع الناس مكروه انتهى وفى هذا الإطلاق غفلة عن كلام الأئمة، والذى يصرح به كلامهم: أنه ينبغى إشاعة العلم وتعلمه، لا سيما إن اجتمع الناس لذلك وإنما الذى ينبغى تركه أن يخشى اجتماعا يؤدى إلى فتنة، أو معصية كاختلاط الرجال بالنساء، أو اختلال المروءة، كأن يكون بمحل يترتب على الاجتماع فيه ذلك، لأن اجتناب ما يخل منها متأكد بل يتحتم على من تحمل شهادة، إذ يحرم عليه تعاطى ما يخل بالمروءة، لأنه تسبب فى إسقاط واجب عليه يترتب على إسقاطه أذى الغير وضياع حقه. (لأخذت) أى لشرعت، أو للشك. (اللحن) هو بالفتح واحد اللحون بالضم، والإلحان: وهو التطريب وترجيع الصوت وتحسين نحو القراءة والشعر، ولحّن بالتشديد طرب، وفيه دليل على أن ابن مغفل بيّن له كيفية ذلك الترجيع. 305 - (الحدّانى) نسبة إلى حدان بضم أوله قبيلة من الأزد. (مصك) بكسر ففتح المهملة فتشديد الكاف. (وكان نبيكم. . .) إلخ. رواية المصنف فى غير هذا الكتاب من حديث أنس «ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وكان نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا» (¬1) ولا ينافى ذلك حديث البيهقى وغيره فى المعراج: «أنه صلى الله عليه وسلم قال فى يوسف: وإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله بعد محمد صلى الله عليه وسلم» جمعا بين الحديثين على أن ¬

305 - إسناده ضعيف: فيه نوح بن قيس: قال فيه الحافظ: صدوق رمى بالتشيع (التقريب 7207). وكذلك فيه حسام بن مصك: قال فيه الحافظ: ضعيف يكاد أن يترك (التقريب 1193). وذكره الإمام الذهبى فى ميزان الاعتدال (1/ 477)، عقب ترجمة حسام بن مصك، وقال: هذا الحديث من مناكيره اه‍. (¬1) رواه ابن عدى فى الكامل (2/ 434)، وذكره ابن حجر فى فتح البارى (7/ 251).

306 - حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أنبأنا يحيى بن حسان، حدثنا عبد الرحمن بن أبى الزناد، عن عمرو بن أبى عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: «كانت قراءة النّبىّ صلى الله عليه وسلم ربّما يسمعها من فى الحجرة وهو فى البيت». ـــــــــــــــــــــــــــــ لنا قولا عليه جماعة من الأصوليين: أن لا تكلم لا يدخل فى عموم الكلام، وحمل ابن المنير رواية مسلم: «أنه أعطى شطر الحسن» (¬1) على أن المراد أعطى شطر الحسن الذى أوتيه نبيّنا صلى الله عليه وسلم. (لا يرجع) مر فيه ما يعلم منه أنه لا تنافى بينه وبين الحديث السابق، وأن ذلك أولى من الجواب: بأن ترك الترجيع كان عن عمد، وفعله كان غير عمد، وقيل: المراد؛ ولا يرجع فى الغناء، ويرجع فى القراءة، وفيه من سوء الأدب فى التعبير ما هو ظاهر لإيهامه أنه صلى الله عليه وسلم كان يغنى بلا ترجيع. ... ¬

306 - إسناده حسن: عمرو بن أبى عمرو: قال فيه الحافظ: ثقة ربما وهم. ورواه أبو داود فى الصلاة (1327)، من طريق بن أبى الزناد به فذكره. (¬1) رواه مسلم فى الإيمان (162)، وأحمد فى مسنده (3/ 148،286).

45 - باب: ما جاء فى بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

45 - باب: ما جاء فى بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم 307 - حدثنا سويد بن نصر، أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن أبيه، قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلّى ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى بكاء) هو بالقصر خروج الدمع مع الحزن وبالمد خروجه مع رفع الصوت. (رسول الله صلى الله عليه وسلم) إن بكاءه صلى الله عليه وسلم كان من جنس ما مر فى ضحكه، إذ لم يكن بشهيق، ورفع صوت كما لم يكن ضحكه بقهقهة، ولكن تدمع عينه حتى تهملان، ويسمع لصدره أزيز يبكى رحمة على ميت، وخوفا على أمته، وشفقته من خشية الله، وعند سماع القرآن وأحيانا فى صلاة الليل، كما سيعلم ذلك كله مما يأتى. 307 - (مطرف) بضم أوله وفتح ثانيه المهمل، وكسر الراء مع تشديدها. (الشخير) بمعجمة فمعجمة فراء صحابى من مسلمة الفتح. (ولجوفه) فيه دليل على أن الصوت الذى لم يشتمل على الحروف لا يضر فى الصلاة. (أزيز) بمعجمتين صوت الرعد والقدر. (المرجل) بكسر فسكون ففتح القدر من الحجارة والنحاس، وقيل: كل قدر. (من البكاء) أى من أجله فصوته الناشئ عن عظيم الرهبة والخوف والإجلال لله سبحانه، هو ذلك الحنين المسموع من الجوف ويحبسه حتى يغلى به الجوف كغليان القدر، وهذا دليل على كمال خوفه وخضوعه لربه، ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم: «إنى لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية» (¬1) وروى مسلم: «والذى نفس محمد بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال: رأيت الجنة والنار» (¬2) فجمع له بين علم اليقين وعين اليقين مع الخشية القلبية واستحضار العظمة الإلهية ما ¬

307 - إسناده صحيح: رواه أبو داود فى الصلاة (904)، والنسائى فى السهو (3/ 13)، وفى السنن الكبرى (544)، (1135)، وأحمد فى المسند (4/ 25)، والبيهقى فى الدلائل (7/ 33)، أربعتهم من طريق ثابت به فذكره نحوه. (¬1) رواه البخارى فى صحيحه (10/ 529)، ورواه الإمام أحمد فى مسنده (6/ 45). (¬2) رواه الإمام مسلم فى صحيحه (1/ 320) ح (112)، ورواه الإمام أحمد فى مسنده (3/ 126، 217).

308 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا معاوية بن هشام، حدثنا سفيان، عن ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يجمع لغيره، ومن ثم صح عنه أنه قال: «وأنا أتقاكم وأعلمكم بالدارين (¬1) إن فائدة الخوف والوجل (¬2) والرهبة متقاربة، والأول توقع العقوبة على مجارى الأنفاس أو اضطراب القلب من ذكر الخوف والخشية أخص منه، إذ هى خوف مقرون بمعرفة ومن ثم قال تعالى: إِنَّمايَخْشَى اَللهَ مِنْ عِبادِهِ اَلْعُلَماءُ (¬3) وقيل: الخوف: حركة، والخشية: سكون ألا ترى أن من يرى عدوا له حالة تحرك للهرب منه وهى الخوف حركة، وحالة استقرار فى محل لا يصل إليه، وهو الخشية، والرهبة: الإمعان فى الهرب من المكروه، والوجل: خفقان القلب عند ذكر من يخاف سطوته، والهيبة تقترن بتعظيم وإجلال، وأكثر ما يكون مع المحبة والمعرفة والإبكاء مقترن بالحب، والخوف للعامة، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبين، والإجلال للمقربين، وعلى قدر العلم والمعرفة يكون العمل والخشية، ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم: «أنا أتقاكم لله وأشدكم له خشية» (¬4). 308 - (عبيدة) بفتح فكسر. (اقرأ. . .) إلخ، تعجب من طلبه صلى الله عليه وسلم قراءته يسمعها، ¬

308 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى التفسير (3025)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى التفسير (4582)، وفى فضائل القرآن (5050)، وكذلك مسلم فى صلاة المسافرين (800)، وأبو داود فى العلم (2668)، وأحمد فى المسند (1/ 380)، وابن أبى شيبة فى المصنف (10/ 563)، (13/ 254)، (14/ 10)، وكذلك فى المسند (213)، بتحقيقنا، ورواه البغوى فى شرح السنة (220)، (4/ 491)، والطبرانى فى الكبير (846)، (8461)، (8462)، وفى الصغير (196)، وفى الأوسط (1587)، وأبو يعلى فى مسنده (5069)، (5228)، والبيهقى فى السنن (10/ 231)، والبغوى فى التفسير (1/ 341)، وأبو نعيم فى مسنده (1819)، (1820)، كلهم من طرق عن إبراهيم، عن عبيدة به فذكره نحوه. ورواه ابن أبى شيبة فى المصنف (10/ 564)، وفى المسند (341)، والحميدى فى مسنده (101) والطبرانى فى الكبير (4859)، (8463)، (8464)، (8465)، (8467)، وأبو يعلى فى مسنده (5020)، (5150)، والحاكم فى المستدرك (3/ 319)، وابن أبى حاتم فى التفسير (5343)، وأبو نعيم فى الحلية، كلهم من طرق عن عبد الله بن مسعود به فذكره نحو. (¬1) فى (ش): [بالله]. (¬2) فى (ش): [الوجد]. (¬3) سورة فاطر: آية رقم (28). (¬4) سبق تخريجه.

الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله بن مسعود قال: «قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ علىّ. فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال: إنّى أحبّ أن أسمعه من غيرى، فقرأت سورة النّساء، حتّى بلغت وَجِئْنابِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً قال: فرأيت عينى النّبىّ صلى الله عليه وسلم تهملان». 309 - حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله ـــــــــــــــــــــــــــــ ويتلذذ بها مع أنه أنزل عليه، فلا لذة تعادل لذته به، إذا قرأه أو من كونه صلى الله عليه وسلم طلب قراءته عليه كمختبر صحة قراءته مع ملازمته له صلى الله عليه وسلم وكونه من أفاضل الصحابة وقرائهم، لا سيما وله مصحف معروف يرجع إليه فيه، ومن لازم ذلك صحة قراءته وإتقانها، أو من كونه طلبها لاعتقاده منه كما لا يحمل على استماع القرآن. (تهملان) بفتح فسكون فضم، أو كسر أى: تسيل دموعهما فيه كما فى ذلك تواضع الكبير حتى مع أتباعه وندب استماع القراءة، والإصغاء لها، وتدبرها، والبكاء عندها، وطلبها من الغير ليستمع منه، لأن ذلك أبلغ فى التفهم، والتدبر من قراءة الإنسان بنفسه، لأنه يشتغل بضبط الألفاظ، وإعطاء الحروف حقها، وفى رواية الصحيحين: «أنه صلى الله عليه وسلم حين قال له ذلك كان على المنبر» وأخذ منها حل استماع العالى لقراءة السافل، واستحباب القراءة فى مجلس الواعظ، وأنه لما بلغ شَهِيداً قال له: حسبك الآن» وأخذ منه حل أمر الغير بقطع قراءته لمصلحة، قيل: وفيه بحث، لأنه لا يدل إلا على جواز الأمر بقطع القراءة لمن يقرأ بالتماس الأمر بالقطع انتهى، وليس فى محله، لأن القطع إذا كان لمصلحة الأمر به لمن أمر بالقراءة، ولمن لم يرو خصوص أمره بها لا يمنع غيره إذا ظهرت المصلحة فى قطعها أن لا يأمر به، ومن قواعد الأصوليين التى لم يستحضرها هذا الباحث أنه يستنبط من النص معنى يعجبه، وهذا كذلك فإن المعنى، وأن إناطة الأمر بالقطع بالمصلحة اقتضى أنه لا فرق بين الأمر بالقراءة وغيره. 309 - (انكسفت الشمس) أى ذهب نور كلها، أو بعضها يوم مات إبراهيم ولد ¬

309 - إسناده صحيح: عطاء بن السائب، ثقة قبل الاختلاط، وقد رواه جرير وابن فضيل عنه بعد الاختلاط، وتابعهما سفيان وحماد قبل الاختلاط. رواه أبو داود فى الصلاة (1194)، والنسائى فى الكسوف، (3/ 149)، وفى الكبرى =

ابن عمرو، قال: «انكسفت الشّمس يوما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّى حتّى لم يكد يركع، ثمّ ركع فلم يكد يرفع رأسه، ثمّ رفع رأسه فلم يكد أن يسجد، ثمّ سجد فلم يكد أن يرفع رأسه، ثمّ رفع رأسه فلم يكد أن يسجد، ثمّ سجد فلم يكد أن يرفع رأسه فجعل ينفخ ويبكى ويقول: ربّ ألم تعدنى ألاّ تعذّبهم وأنا فيهم. ربّ ألم تعدنى ألاّ تعذّبهم وهم يستغفرون. ونحن نستغفرك. ـــــــــــــــــــــــــــــ النبى صلى الله عليه وسلم كما عند البخارى بلفظ: «كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتموها فصلوا وادعوا الله» (¬1) وجمهور أهل السير: أنه مات فى السنة العاشرة، قيل: فى ربيع الأول، وقيل: فى رمضان، وقيل: فى ذى الحجة، والأكثر: أنه كان فى يوم عاشر الشهر، وقيل: أربعة، وقيل: رابع عشرة، ولا يصح منها شىء على الأخير، لأنه صلى الله عليه وسلم إذ ذاك كان بمكة فى حجة الوداع، وقد شهد وفاته بالمدينة اتفاقا، نعم يصح ذلك على القول بأنه مات سنة تسع وجزم النووى: بأنها كانت سنة الحديبية، وصرح بعضهم بتعد الكسوف، فإنه جمع بين الروايات المتعارضة فى عدد الركعات فى كل ركعة، ففى رواية: «فى كل ركعة ركعتان» وفى أخرى: «ثلاث» وأخرى: «أربع» وأخرى «خمس» بأن الكسوف وقع مرارا فيكون كل من هذه الأوجه جائز كما عليه جمع من الشافعية، وقواه النووى فى شرح مسلم وأجاب القائلون بامتناع زيادة على الركوعين كما هو الأصح من مذهبنا: بأن كلا من الروايات الثلاث وما فوقها، لا يخلو واحدا منها عن علة، ونقل ابن القيم عن الشافعى وأحمد والبخارى: أنهم كانوا يعدون الزيادة على الركوعين غلطا من بعض الرواة، وأن أكثر طرق الحديث يمكن ردّ بعضها إلى بعض، ¬

= (1883)، وأحمد فى المسند (3/ 159،163،188،198)، وابن خزيمة فى صحيحه (1393)، وابن حبان فى صحيحه (2838)، والحاكم فى المستدرك (1/ 329)، كلهم من طرق عن عطاء بن السائب به فذكره. (¬1) رواه البخارى فى الكسوف (1060)، وفى الأدب (6199)، ومسلم فى الكسوف (915)، وابن حبان فى صحيحه (2838،2827،2832،2853،2833،2835)، والطبرانى فى الكبير (1014،1015،1016).

فلمّا صلّى، انجلت الشّمس. فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإن انكسفا فافزعوا إلى ذكر الله تعالى». ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجمعها: أن ذلك كان يوم موت إبراهيم، وإذا اتحدت القصة تعين الأخذ بالراجح، وبهذا اندفعت دعوى تعدد الواقعة، ثم استعمال الكسوف فيها والخسوف فى القمر، وهو الأشهر، وقد ينعكس، وكل منهما يستعمل فى إزالة الضوء كله، أو بعضه وقال جمع: الأول للبعض والثانى للجميع، وقيل: الأول للتغير والثانى ذهاب اللون، وكسوف الشمس حقيقى بخلاف القمر، فإنه مستمد منها فكسوفه حيلولة خط التقاطع بينهما، وليس جرمه مضيئا لذاته، وإنما هو كالمرآة يحكى ما قابله منها، ولذا ظهر بعض السواد فى أطرف جرمه بحسب انحرافه عنها، قال جمع: ولم يصلّ صلى الله عليه وسلم فى كسوف القمر، وليس كما زعموا فقد روى ابن حبان: «أنه صلى فى كسوف الشمس والقمر ركعتان مثل صلاتكم» (¬1) وأخرجه الدار قطنى أيضا، وتأويل صلى بأمر باطل، إذ لا دليل عليه، وقول ابن القيم: لم ينقل أنه صلى فيه جماعة، يرده قول ابن حبان فى سيرته: أنه خسف فى السنة الخامسة، فصلى صلى الله عليه وسلم وأصحابه صلاة الكسوف فكانت أول صلاة كسوف فى الإسلام وجزم به مغلطاى والزين العراقى. (يصلى حتى. . .) إلخ، جاء فيها كيفيات مختلفة فى مسلم وغيره والمعتمد عندنا أن لها كيفيات ثلاث أدناها أن تصلى ركعتين كسنة الظهر ويليها أن تصلى ركعتين كل ركعة فيها قيامان وركوعان مع الاقتصار على الفاتحة وسورة قصيرة وأعلاها أن يقرأ فى القيامان الأربع بما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قدر البقرة فى الأولى ونحو مائتى آية فى الثانية ومائة وخمسين فى الثالثة ومائة فى الرابعة، وإنكار تعدد القيام فى كل ركعة منابذ للسنة الصحيحة، فلا يعول عليه، وحديث الباب لا يدل على أن فى كل ركعة قياما واحدا، خلافا لمن زعمه وعلى التنزل فهو معارض بما هو أصح وأشهر، على أنا نقول بموجبه كما علمت، فإنا نجوز قياما وقيامين، فلم يخالف السنة بخلاف من أنكر تعدد القيام، فإنه خالف السنة الصريحة بلا مستند اللهم، إلا أن يقال لم يبلغه ذلك ويسبح فى كل من الركوع والسجود الأول قدر مائة، والثانى بقدر ثمانين، والثالث قدر سبعين والرابع قدر خمسين، ولا تجوز زيادة ركوع على ¬

(¬1) رواه ابن حبان (7/ 78،79).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأربع عندنا، والحديث الظاهر فى جواز ذلك من الجواب عنه، وأجمعوا على ندبها، واختلفوا فى فعلها جماعة والصحيح عندنا ندب الجماعة فيها. (ينفخ ويبكى) من غير أن يظهر من فمه حرفان، فإن ظهر من أنفه أن يتصور فهل يبطلان؟ فيه تردد، والأقرب: البطلان. (ألم تعدنى. . .) إلخ أى: بقولك: وَماكانَ اَللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ. . . (¬1) الآية. وذكر ذلك، لأن الكسوف ربما دل على وقوع عذاب، فخشى صلى الله عليه وسلم من وقوعه أو عمومه، ومن ثمة روى البخارى «فقام فربما يخشى أن تكون الساعة» (¬2) وفيه: تعليم الأئمة ذكر وعد الله للمؤمنين فى مقام طلب دفع البلاء، وكان فائدة الدعاء بعدم تعذيبهم مع الوعد الذى لا يخلف: تجويز أن ذلك الوعد منوط بشرط، أو قيد اختل، ولبعضهم هنا من الأجوبة ما لا يفهم، أو يمجه السمع فاحذرهما. (فقام. . .) إلخ فيه دليل ندب الخطبة فى الكسوف، وهو مذهبنا خلافا لكثيرين للأحاديث الصحيحة المصرحة بالخطبة فى الكسوف وحكاية شرائطها من الحمد والثناء والموعظة، والأصل مشروعية الاتباع إلا لدليل، وزعم أنه إنما قام ليرد على من يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس يبطله أنه لو كان كذلك لاقتصر على الإعلام بسبب الكسوف. (يحمد الله) فيه دليل لمذهبنا من تعين لفظ ح م د فى الخطبة لموت أحد ولا لحياته رد به على من قال: «كسفت الشمس لموت إبراهيم» (¬3) وعلى من يزعم أن أحدهما لا يخسف، إلا لموت عظيم، وعلى من زعم ألوهيتهما، أو ألوهية أحدهما، إذ فيه بيان أنهما مخلوقان من جملة المخلوقات يطرأ عليهما النقص والتغير والغنى والعجز، وغير ذلك مما لا يليق منه شىء بالإله، وإبطال ما كانت الجاهلية تعتقده من تأثير الكواكب، وأن الكسوف يوجب حدوث تغير فى الأرض من موت أو ضرر، فأعلم صلى الله عليه وسلم أنهما خلقان مسخران، لا قدرة لهما على الدفع عن أنفسهما فضلا عن غيرهما. (فافزعوا) أى فالجئوا. (إلى ذكر الله) أى الصلاة كما فى رواية أخرى، وسميت ذكرا: «لاشتمالها عليه وفى رواية لأبى داود والنسائى «إنما هذه الآيات يخوف الله بها عباده فإذا رأيتموها فصلوا» (¬4) وبذكر الخوف رد زعم أهل الهيئة أن الكسوف أمره أدى لا يتقدم ولا يتأخر، إذ لو كان ¬

(¬1) سورة الأنفال: آية رقم (33). (¬2) رواه البخارى (2/ 634). (¬3) رواه أبو داود (1/ 306)، ورواه ابن حبان (7/ 87). (¬4) رواه أبو داود (1/ 306)، ورواه النسائى (1/ 315).

310 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو أحمد، حدثنا سفيان-الثورى- ـــــــــــــــــــــــــــــ بالحساب لم يقع فزع ولا أمرنا بنحو العتق والصلاة كما فى خبر البخارى «فإذا رأيتم ذلك فافزعوا وكبروا وصلوا وتصدقوا» (¬1) إذ قضية أن ذلك يدفع به ما يخشى من أمر الخسوف الموجب للفزع، ومما يبطل به ما قالوه أيضا ما صحّ من خبر: «الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله وأن الله إذا تجلى لشىء من خلقه خشع له» (¬2) إذ ظاهره أن سبب الكسوف وخشوعهما له تعالى، وسره: أن النور والإضاءة من عالم الجمال الحيى، فإذا تجلت صفة الجلال انطمست الأنوار لهيبته، ومن ثم قال طاوس لما نظر للشمس وهى كاسفة فبكى حتى كاد يموت: هى أخوف لله منا، وبما تقرر من صحة الحديث، وظهور معناه اندفع قول الغزالى: أنه لم يثبت، فيجب تكذيب ناقله، ولو صح كان تأويله أسهل من مكابرة أمور قطعية لا تصادم أصلا من أصول الشريعة انتهى، لكن قال ابن دقيق العيد: لا تنافى بين ما قالوه والحديث، لأن لله أفعالا على حسب العادة وأفعالا خارجة عنها، وقدرة حاكمة على كل سبب يقطع ما شاء الله من الأسباب والمسببات بعضها من بعض، وح فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم فى عموم قدرته على خرق العادات، وأنه يفعل ما يشاء إذا وقع شىء غريب حدث عندهم الفزع والخوف لقوة ذلك الاعتقاد، وذلك لا يمنع أن ثمة أسبابا تجرى عليها العادة إلى أن يشاء الله خرقها، وحاصله أن ما ذكروه، وإن كان حقا فى نفس الأمر، لا ينافى أن يكون ذلك تخويفا لعباد الله. 310 - (تقضى) أصله قضى ما فاستعماله هنا للإشراف على الموت مجازة. ¬

310 - إسناده صحيح: رواه النسائى فى الجنائز (4/ 12)، وفى الكبرى (1970)، وأحمد فى المسند (1/ 268،273، 297)، وعبد بن حميد فى المنتخب (593)، كلهم من طرق عن عطاء بن السائب به فذكره. وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (3/ 18)، وقال: رواه البزار وفيه عطاء بن السائب لاختلاطه. قلت: بل رواه سفيان الثورى، وكذلك حماد بن زيد كلاهما رواه عن عطاء قبل الاختلاط. (¬1) سبق تخريجه ورواه البخارى فى الكسوف. (¬2) رواه مسلم فى الكسوف (904)، وأبو داود (1178،1179)، والنسائى (3/ 136)، وأحمد فى مسنده (3/ 217،218،374،382)، وابن حبان فى صحيحه (2843،2844)، وابن خزيمة فى صحيحه (1380،1381)، والبيهقى فى السنن (3/ 324)، وأبو عوانة فى مسنده (2/ 372،373)، والطيالسى فى مسنده (1754).

عن عطاء بن السائب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: «أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة له تقضى، تموت، فوضعها بين يديه، فماتت وهى بين يديه. وصاحت أمّ أيمن. فقال-يعنى النّبىّ صلى الله عليه وسلم-: أتبكين عند رسول الله؟ فقالت: ألست أراك تبكى؟ قال: إنّى لست أبكى، إنّما هى رحمة، إنّ المؤمن بكلّ خير على كلّ حال، إنّ نفسه تنزع من بين جنبيه وهو يحمد الله تعالى». 311 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا سفيان- ـــــــــــــــــــــــــــــ (احتضنها) وضعها فى حضنه بكسر أوله، وهو ما دون الإبط إلى الكشح والصدر والعضدان وما بينهما، قاله فى القاموس ثم قال: وحضن الصبى حضنا وحضانا وحضانة بكسرهما. (أم أيمن) هى حاضنته صلى الله عليه وسلم ومولاته زوجها لزيد مولاة فولدت له أسامة وتوفيت بعد عمر بعشرين يوما. (أتبكين؟) أى بكاء ممتنعا لاقترانه بالصياح مثلا، ولذا لم يقل: أتصيحين لإبهامه أن الممتنع الصياح وحده وليس كذلك بل كلما كان كالصياح فى إشعاره بالجزع حرام. (عند رسول الله) عدل إليه عن عندى لأنه أبلغ فى الزجر والصياح وهو رفع الصوت بالبكاء حرام، لكنها لما رأت دمع عينيه ظنت جواز البكاء وإن اقترن بالصياح، أو غيره ولهذا لما نهيت قالت: (ألست أرك تبكى؟) فبين لها بقوله: (لست أبكى) أى بكاء ممتنعا كبكائك، وزعم أن المراد: لست أبكى عن قصد، يفيد أن البكاء الجائز هو كبكائه، وهو ما كان فيه تدمع العين فقط، لأنه ليس فيه جزع وإنما هى رحمة بخلاف المقترن بنوح، وصياح، أو ضرب خدّ أو شق جيب أو نحو ذلك من أفعال الجاهلية التى تشعر بالجزع والهلع وأنّث المبتدأ نظرا لخبره أو لكون المراد به قطرات الدمع. (إن المؤمن) أى الكامل. (بكل) الباء للملابسة. (خير على كل حال) لأنه يشهد المحنة عين المنتقين حمده عليها كما قال صلى الله عليه وسلم. (إن نفسه تنزع من بين جنبيه وهو) أى والحال أنه. (يحمد الله). 311 - (قبّل عثمان بن مظعون) القرشى من المهاجرين الأولين، وهو أول من مات ¬

311 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الجنائز (989)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الجنائز (3163)، وابن ماجه (1456)، وأحمد فى المسند (6/ 43،55،206)، وعبد بن حميد فى المنتخب (1526)، كلهم من طرق عن سفيان الثورى به فذكره.

الثورى-عن عاصم بن عبيد الله، عن القاسم بن محمد، عن عائشة: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبّل عثمان بن مظعون وهو ميّت، وهو يبكى-أو قال: وعيناه تهراقان». 312 - حدثنا إسحاق بن منصور، أنبأنا أبو عامر، حدثنا فليح-وهو ابن سليمان، عن هلال بن على، عن أنس بن مالك، قال: «شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان. فقال: أفيكم رجل لم يقارف اللّيلة؟ قال أبو طلحة: أنا. قال: انزل. فنزل فى قبرها». ـــــــــــــــــــــــــــــ منهم وفيه ندب تقبيل الميت الصالح. (وهو) أى والحال أنه صلى الله عليه وسلم. (يبكى-أو) شك. (تهرقان) بفتح الهاء ويجوز إسكانها يصبان دموعهما وجاء فى رواية الجزم بالياء فى أولها: «سالت على وجه عثمان» ولا ينافى هذا ونحوه قول عائشة: «ما بكى صلى الله عليه وسلم على ميت قط حزنا وإنما غاية أن يمسك لحيته»، لأن مرادها ما بكى على ميت أسفا عليه، بل رحمة له كما مر فى «لست أبكى» إنما هى رحمة وخرج قولها بكى بكاء الخوف والتضرع، فإنها لم تنفه لوقوعه منه كثيرا. 312 - (ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم) هى أم كلثوم رضى الله عنها ومن روى نحو ذلك فى رقية رضى الله عنها فقد وهم، فإنها توفيت ودفنت وهو صلى الله عليه وسلم فى غزوة بدر. (لم يقارف) بقاف ثم فاء قال ابن المبارك: أراه يعنى الذنب، ورد بأنه لا وجه ح لتخصيصه بالليلة، وصوب الطحاوى: أنه تصحيف وأنه لم يقارف أى: ينازع غيره فى الكلام، لأنهم كانوا يكرهون الكلام بعد العشاء وقيل: لم يجامع، لأن المقارفة من كنايات الجماع، إذ أصلها الدنو واللصوق، وعثمان زوجها إنما منع من النزول معها، لأنه باشر تلك الليلة أمة له، فلم يعجب ذلك النبى صلى الله عليه وسلم لاشتغاله بها عن زوجته المريضة المحتضرة، فأراد أن لا ينزل فى قبرها معاتبة عليه، وكنى عن هذا السبب فى المنع بقوله ¬

312 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الجنائز (1285)، (1342)، وأحمد فى المسند (3/ 126،228)، كلاهما من طريق فليح بن سليمان به فذكره نحوه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يقارف وهو ظاهر إن صح ذلك، وإلا فالحكمة فى امتناع المجامع ضعفه عن إلحادها، والمطلوب فى الملحّد أن يكون قويا، أو قرب عهده بالنساء، فربما يتذكرهن بمخالطة بعضهن فيذهل عما يطلب من ملحّد الميت. (أبو طلحة) هو زيد بن سهل الأنصارى الخزرجى النجارى، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فى حقه: «لصوت أبى طلحة فى الجيش خير من مائة رجل»، وقتل يوم حنين عشرين رجلا وأخذ سلبهم. (قال: أنزل) فيه جواز نزول الأجنبى الصالح قبر المرأة بإذن وليها وح فلا إشكال فيه، ولا يحتاج لجواب الخطابى: بأنها بنت له صغيرة غير رقية وأم كلثوم ولا لجواب غيره: بأنه لم ينزل ليقبرها، بل ليعين غيره، بل لكل من هذين غير صحيح، إذ لم يثبت له صلى الله عليه وسلم ابنة طفلة كذلك، والذين أعانهم ليسوا من محارمها فيأتى فيهم ذلك الإشكال أيضا، ورواية المصنف هذه رواه البخارى أيضا فى رواية: «أن الذى نزل فى قبرها على، والفضل، وأسامة رضى الله عنهم» فإن صحت، فلا مانع من نزول الأربعة، وغسلتها: أسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطلب، وحضرت أم عطية غسلها، وروت قوله صلى الله عليه وسلم: «اغسلنها ثلاثا أو خمسا» (¬1) الحديث وفيه: «أنه ألقى إليهن حقوه» (¬2) أى: إزاره وأمرهن أن يجعلنه شعارها الذى يلى جسدها، وهذه كرقية رضى الله عنهما. «كانتا تحت ابنى أبى لهب فأمرهما بفراقهما قبل أن يدخلا بهما ففعلا»، زاد عتبة أحدهما شق قميص النبى صلى الله عليه وسلم وهو خارج تاجرا للشام، فدعى الله أن يسلط عليه كلبا فخرج فى نفر من قريش، فلما كانوا بالزرقاء طاف بهم الأسد ليلا فخرج عتبة ¬

(¬1) رواه أحمد فى مسنده (3/ 111،112)، والبغدادى فى تاريخ بغداد (13/ 224)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 309). (¬2) رواه البخارى فى الجنائز (1258،1259،1253،1256،1260،1262،1263، 1254،1257،1255)، ومسلم فى الجنائز (939)، وأبو داود فى الجنائز (3146،3142، 3143،3144،3145)، والترمذى فى الجنائز (990)، والنسائى فى الجنائز (4/ 31،28، 32،30)، وابن ماجه فى الجنائز (1458،1459)، ومالك فى الجنائز (1/ 222)، وأحمد فى مسنده (5/ 84)، (6/ 407)، والبيهقى فى السنن (3/ 389)، والبغوى (1472،1473)، وابن حبان فى صحيحه (3032)، والطبرانى فى الكبير (25،83،90،94،95،96، 14،155،156،157،158،159،160،161،165،166)، وابن الجارود فى المسند (519،520).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول: يا ويل أمى، والله كلبى كما دعى علىّ محمد، فعدى عليه الأسد من بين القوم، وأخذ برأسه فولى» وفى رواية: «فجعل يتشمم وجوههم، ثم لفّ ذنبه فضربه ضربة واحدة فخدشه فقتله فمات (¬1)»، وفى رواية عند الدولابى: «أنه أقبل يتخطاهم حتى أخذ برأسه»، وتزوج عثمان رقية بمكة قبل الإسلام، وقيل: بعده وهاجر بها الهجرتين وكانت ذا جمال بارع رضى الله عنها وأخرج الدولابى: «أنه صلى الله عليه وسلم لما عزى بها قال: الحمد لله ومن للبنات من المكرمات، ثم زوج صلى الله عليه وسلم عثمان أم كلثوم، وقال له: والذى نفسى بيده لو أن عندى مائة بنت من واحدة بعد واحدة لزوجتك واحدة بعد أخرى، هذا جبريل أخبرنى أن الله يأمرنى أن أزوجكها» (¬2) رواه الفضائلى، وبقى من بناته صلى الله عليه وسلم زينب وهى أكبرهن بلا خلاف، ماتت سنة ثمان تحت ابن خالتها أبى العاص ابن الربيع بن عبد العزى، هاجرت قبله، فلما هاجر ردها له صلى الله عليه وسلم بالنكاح الأول بعد سنتين، ولدت له عليا مات وقد ناهز الحلم، وكان رديف النبى صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وأمامة: وهى التى حملها صلى الله عليه وسلم فى صلاة الصبح على عاتقه وكان إذا ركع وضعها، وإذا رفع رأسه من السجود أعادها، وتزوجها على رضى الله عنه بعد فاطمة رضى الله عنهما، وفاطمة الزهراء البتول رضى الله عنها وهى أصغرهن، فإنها ولدت بعد النبوة، وقيل: قبلها بخمس سنين، وتزوجها علىّ بوحى فى السنة الثانية، وقيل: بعد أحد، وبنى بها بعد تزوجها بتسعة أشهر ونصف، وكان سنها نحو خمسة عشر سنة، وسنه نحو إحدى وعشرين، وقيل غير ذلك، وأخرج أبو حاتم وأحمد فى المناقب قصة تزوجها وحاصلها: «أن أبا بكر ثم عمر خطباها فسكت صلى الله عليه وسلم فذهبا لعلى ونبهاه لخطبتها فجاء وقال له: تزوجنى فاطمة؟ قال: وعندك شىء؟ قلت: فرسى وبزتى، قال: أما فرسك فلا بد لك منها وأما بزتك فبعها بأربعمائة وثمانين فجاء بها فوضعها فى حجره ثم قبض منها قبضة، وقال لبلال: اجمع لنا طيبا وأمرهم أن يجهزوها فجعل لها سريرا مشرطا ووسادة من أدم حشوها ليف وقال لعلى: إذا أتتك فلا تحدث شيئا حتى آتيك فجاءت مع أم أيمن حتى قعدت بجانب البيت وهو بجانب وجاء صلى الله عليه وسلم فقال هنا أخى ودخل فقال لفاطمة ائتينى بماء فقامت إلى قعب فى البيت فأتت فيه بماء فأخذه ومجّ فيه ثم قال لها: ¬

(¬1) فى النسخة (ش) فقال: «قتلنى فمات». (¬2) ذكره الهندى فى كنز العمال (36206)، وعزاه لابن عساكر فى تاريخ دمشق وقال كذا قال المحفوظ إن الأولى رقية (13،44).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدمى فتقدمت فنضح بين ثدييها وعلى رأسها، وقال: اللهم إنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ثم قال لها: أدبرى، فأدبرت فصّب بين كتفيها ثم فعل مثل ذلك بعلى ثم قال له: «ادخل بأهلك بسم الله والبركة» (¬1) وفى رواية عند القزوينى والحاكم «أن عليا لما خطبها» بعد الشيخين قال صلى الله عليه وسلم قد أمرنى ربى بذلك وأمر أنسا بأن يدعو له أبا بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن وعدّة من الأنصار فلما اجتمعوا وعلى غائب قال صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه وسطوته المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره فى سمائه وأرضه الذى خلق بقدرته ودبرهم بحكمته وأمرهم بأحكامه فيما غرهم بدينهم وأكرمهم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك اسمه وتعالت عظمته جعل المصاهرة سببا لاحقا وأمرا مفترضا وشج به الأرحام-أى: بالتشديد من الوشج وهو اشتباك القبائل الواشجة الرحم المشبكة وقد وشجت بكذا فرأيته يشيج، ووشجها شبكها (¬2) -وإزالة الآثام وأكرم الأنام فقال عز من قائل: وَهُوَ اَلَّذِي خَلَقَ مِنَ اَلْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (¬3) فأمر الله يجرى إلى فضائه وقضاؤه يجرى إلى قدره ولكل قضاء قدر ولكل قدر أجل ولكل أجل كتاب يَمْحُوا اَللهُ مايَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ اَلْكِتابِ (¬4) ثم إن الله عز وجل أمرنى أن أزوج فاطمة من على بن أبى طالب فاشهدوا أنى قد زوجته على أربعمائة مثقال فضة إن رضىّ بذلك علىّ ثم دعى صلى الله عليه وسلم بطبق فيه سرّ ثم أمرهم بالنهبة ودخل علىّ فتبسم فى وجهه ثم قال: «إن الله عز وجل أمرنى أن أزوجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضة إن رضيت» قال: قد رضيت بذلك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم: «جمع الله شملكما وأعزّ جدكما وبارك عليكما، وأخرج منكما كثيرا طيبا» (¬5) قال أنس: فو الله لقد أخرج الله منهما الكثير ¬

(¬1) رواه ابن حبان فى صحيحه (6944)، والطبرانى فى الكبير (22/ 1021)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (9/ 205،206) وقال: رواه الطبرانى وفيه يحيى بن يعلى الأسلمى وهو ضعيف (207)، وفيه محمد بن ثابت بن أسلم وهو ضعيف. ورواه البزار فى مسنده (1409). (¬2) انظر: لسان العرب (6/ 4841) [وشج]. وقال: ومنه حديث علىّ: ووشج بينها وبين أزواجها، أى: خلط وألف، يقال: وشج الله بينهم توشيجا، ورحم واشجة، ووشيجة: مشتبكة متصلة اه‍. (¬3) سورة الفرقان: آية (25). (¬4) سورة الرعد: آية (13). (¬5) رواه ابن الجوزى فى الموضوعات (1/ 416)، وأورده السيوطى فى اللآلئ المصنوعة (1/ 398) =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الطيّب، والعقد له بغيبته إما بحضور وكيله، أو قصد به مجرد الإعلام ثم عقد معه بعد أن حضر وقال: رضيت، والحاصل أنها واقعة حال محتملة، وأخرج الإمام أحمد: «كان جهاز فاطمة خميلة وقربة ووسادة أدم حشوها ليف وسميت فاطمة لأن الله فطمها وذريتها من النار، أخرجه الحافظ الدمشقى مرفوعا، ورواية النسائى ومجيبها وبتولا لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسنا، قال ابن عبد البر: هى وأم كلثوم أفضل بناته صلى الله عليه وسلم لكنّ فاطمة أحبّ أهله إليه ولم يكن له عقب إلا منها من جهة الحسن والحسين رضى الله عنهما، وأما بنتها أم كلثوم فتزوجت بعمر فولدت له رقية وزيدا ولم يعقبا ثم بعون ثم بمحمد ثم بعبد الله بنى جعفر ثم ماتت عند عبد الله من غير عقب فتزوج أختها زينب بنت فاطمة فولدت له عدة منهم: علىّ وأم كلثوم، وهى تزوجها ابن عمه القاسم بن محمد بن جعفر، فولدت له عدة منهم: فاطمة تزوجها حمزة بن عبد الله ابن الزبير بن العوام، وله منها عقب والحاصل: أن عقب عبد الله بن جعفر انتشر من على رضى الله عنه وأم كلثوم بنت زينب بنته الزهراء رضى الله عنها ولا ريب أن لهم شرفا لكنه دون شرف المنسوبين للحسن والحسين وفوق شرف أولاد عبد الله من غير زينب ويوصف العباسيون بالشّرف أيضا لشرف بنى هاشم، وأما أولاده صلى الله عليه وسلم الذّكور ففى عدتهم خلاف طويل والمتحصل من جميع الأقوال ثمانية ذكور: اثنان متفق عليهما: القاسم وإبراهيم، وستة مختلف فيهم: عبد مناف وعبد الله والطيب والمطيب والطاهر والمطهر والأصح: أن الذكور ثلاثة، وكلهم ذكورا وإناثا من خديجة، إلا إبراهيم فمن مارية القبطية، أهداها له المقوقس القبطى صاحب مصر والإسكندرية، ولدت إبراهيم فى ذى الحجة سنة ثمان، ومات وله سبعون يوما على خلاف فيه، وورد من طرق ثلاثة عن ثلاثة من الصحابة: «لو عاش إبراهيم لكان نبيا» (¬1) وتأويله: أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع، ولا يظن بالصحابة الهجوم على مثل هذا الظن، وأما إنكار النووى كابن عبد البر لذلك، فلعدم ظهور هذا التأويل وهو ظاهر. ¬

= وعزاه لأبى نعيم، وهو فى المعرفة بتحقيقنا يسّر الله طبعه. (¬1) رواه ابن ماجه فى الجنائز (1511)، وفى البداية والنهاية لابن كثير (5/ 310)، وذكره العجلونى فى كشف الخفاء (2101)، وقال: ورد عن ثلاثة من الصحابة لكن قال النووى فى تهذيبه فى ترجمة إبراهيم وأما ما روى عن بعض المتقدمين لو عاش إبراهيم لكان نبيا فباطل وجسارة على الكلام على المغيبات ومجازفة وهجوم على عظيم (2/ 156).

46 - باب: ما جاء فى فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

46 - باب: ما جاء فى فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى فراش) فعال بكسر أوله مبنى للمفعول كما هو الشائع وكذا لباس. (رسول الله صلى الله عليه وسلم) قيل: أراد ذكر خشونة فراشه صلى الله عليه وسلم ليقتدى به وهاهنا دقيقة وهى أنه لم يختر هذا الفراش لنفسه وإنما نام فيه رعاية لزوجته وإلا فالغالب أن ينام على التراب ويشهد لذلك أنه لما رأى عليا نائما على التراب ومدحه بأن كناه بأبى تراب، وليس معناه ما يفهم من التصاق التراب ببدنه فإن الأبوة تقتضى التربية فسماه بعمله وناداه يا مربى التراب يعنى أن الأرض فى حفظة تربية وجودك إياه لرياضة اخترتها وقبول حصل به لك من بين يدى ربك. انتهى بلفظه. وأنت فى هذا الكلام العقد ألبس فعلى مجرد الحزر والتخمين الحقيق بأن يوصف بأنه نخالة لا دقيق من وراء التأويل كيف وقوله الغالب أن ينام على التراب لا أصل له ولا وارد يعضده بل المعلوم من حاله صلى الله عليه وسلم كما سيعلم مما سأذكره أنه لم ينم إلا على شىء حصيرا وغيره وقوله ويشهداه فى غاية السقوط إذ لا شاهد فى تكنيته لعلى بأبى تراب على زعمه بأن الغالب أنه صلى الله عليه وسلم كان ينام على التراب وقوله وليس معناه اه ممنوع بل هذا هو الحاصل له على التكنية كما يشهد له أنه صار ينفض التراب عنه ويقول له: قم أبا تراب فما كناه بذلك إلا ح وإنما نام عليه لأنه كان بينه وبين فاطمة رضى الله عنها شىء فذهب غضبان إلى المسجد ونام على ترابه فجاء صلى الله عليه وسلم لفاطمة فسألها عنه فأخبرته فجاء إليه فوجده نائما وقد علاه الغبار فصار ينفضه عنه ويقول قم أبا تراب ويكفى مسوغا للتكنية هذه الحالة التى زاد عليها قوله فسماه بعمله إلى قوله يعنى اه كلام فى غاية السقوط لا يرضى بنسبته إليه إلا عدم التمييز وهو ممن يزعم أنه بلغ رتبة علية من العلم لم يبلغها غيره نعم بلغها فى الفلسفة وعلوم الأوائل التى لا تزيد صاحبها إلا ضلالا وبوارا، هذا واعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان قد أخذ من الفراش ما يحتاج إليه، وترك ما زاد عليه، وروى مسلم: «فراش الرجل، وفراش لامرأته، وفراش للضيف، والرابع للشيطان» (¬1) قالوا: وإنما أضافه للشيطان لأنه يضاف إليه كل مذموم، وما زاد على الحاجة مذموم، لأنه إنما يتخذ للخيلاء أو المباهات وقيل: أضيفت إليه، لأنه إذا لم يحتج إليه كان عليه مبيته ومقيله، وتعداد الفراش للزوج والزوجة، لا ينافى ¬

(¬1) رواه مسلم (2084)، وأحمد فى مسنده (3/ 293)، والبغوى فى شرح السنة (3127)، وذكره التبريزى فى المشكاة (4310).

313 - حدثنا على بن حجر، أخبرنا على بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «إنّما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الّذى ينام عليه من أدم، حشوه ليف». ـــــــــــــــــــــــــــــ أن السنة بياته معها فى فراش واحد لأنهما قد يحتاجان لذلك لمرض ونحوه. 313 - (عن عائشة) رواه عنها الشيخان أيضا. (من أدم) بفتحتين جمع أدمة أو أديم وهو الجلد الأحمر (¬1) المدبوغ أو مطلق الجلد أقوال. (حشوه) الضمير للأدم باعتبار لفظه، وإن كان معناه جمعا فاعله صفة لأدم، خلافا لمن منع ذلك وجعلها حالية من فراش. (ليف) أى: من ليف النّخل لأنه الكثير بل المعروف عندهم، وعليه فإن النوم على الفراش المحشو واتخاذه لا ينافى الزهد سواء كان من أدم أو غيره حشوه ليف أو غيره، لأن عين الأدم والليف المذكورين فى الحديث ليست شرطا بل لأنها المألوفة عندهم، فيلحق بها كل مألوف مباح نعم الأولى لمن غلب عليه الكسل وميل نفسه إلى الدعة والترفه أن لا يبالغ فى حشو الفراش لأنه سبب ظاهر فى كثرة النوم والغفلة والتعافى عن الخيرات والمهمات، ومن ثمّ قال صلى الله عليه وسلم فى الحديث الآتى على الأثر: رديه اه، وروى البيهقى عنها أن أنصارية دخلت فرأت فراشه قطيفة شنبة فبثت له بالفراش حشوه صوف فدخل عليها صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا» فذكرت له القصة فقال: «رديه فو الله لو شئت لأجرى الله معى جبال الذهب والفضة» وصح عن ابن مسعود: «نام صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر فى جنبه» ورواه الطبرانى بأبسط من ذلك وهو «أنه دخل عليه فى غرفة كأنها بنية حمام أى: لشدة حرها وكربها وهو نائم على الحصير أثر فى جنبه فبكى» فقال: «ما يبكيك يا عبد الله «فقال يا رسول الله: كسرى وقيصر ينامون على الديباج والحرير، وأنت نائم على هذا الحصير قد أثر بجنبك قال: فلا تبك يا عبد الله فإن لهم الدنيا ولنا الآخرة». وصحّ عن عمر معه صلى الله عليه وسلم نظير ذلك لكن بزيادة أنه لم يكن معه غير إزار، وإن كان مختلعا على خصفة وأن بعضه لعلى التراب وأنه كان بمشربة لم يكن بها غير ¬

313 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (1761)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الرقاق (6456)، ومسلم فى اللباس (2082)، وأبو داود (4147)، وابن ماجه فى الزهد (4151)، وأحمد فى المسند (6/ 48،56،73،207،212)، كلهم من طريق هشام بن عروة به فذكره. (¬1) فى (ش): [وهو الجلد المدبوغ أو الأحمر].

314 - حدثنا أبو الخطاب: زياد بن يحيى البصرى، حدثنا عبد الله بن ميمون، قال: أنبأنا جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: «سئلت عائشة: ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتك؟ قالت: من أدم حشوه ليف. وسئلت حفصة: ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتك؟ قالت: مسحا، نثنيه ثنيتين، فينام عليه، فلمّا كان ذات ليلة، قلت: لو ثنيته ـــــــــــــــــــــــــــــ حفصة، ووسادة من ليف ونحوه، ونحو صاع من شعير، وإهاب معلق، وأنه لما بكى قال له: يا ابن الخطاب، أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا» (¬1)، وفى رواية صحيحة أيضا أنه قال: «أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم، وهى وسيلة الانقطاع، وإنا أخرت لنا طيباتنا فى آخرتنا» (¬2)، وروى ابن ماجه فى صحيح: «أن أبا بكر وعمر دخلا عليه صلى الله عليه وسلم فإذا هو نائم على سرير له مزمل بالبردى، وعليه كساء أسود حشوه بالبردى، فلما رآهما استوى جالسا فنظراه، فإذا أثر السرير فى جنبه الشريف فقالا: يا رسول الله: ما يؤذيك خشونة ما ترى فى فراشك وسريرك، وهذا كسرى وقيصر فى فراش الحرير والديباج؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا هذا فإن فراش كسرى وقيصر فى النار، وأنا فراشى وسريرى هذا عاقبته إلى الجنة». 314 - (قالت: من أدم حشوه ليف) قيل جملة صفة لمحذوف لا لأدم، لأنه جمع، ولأنه لو كان صفة لأدم لاقتضى أن يكون ذلك الفراش مصنوعا من أدم حشو ذلك الأدم ليف وظاهره أنه ليس للأدم قبل الصنع حشو وإنما يكون بعدما صنع فراشا انتهى، ¬

314 - إسناده ضعيف جدا: فيه عبد الله بن ميمون، قال فيه الحافظ: منكر الحديث متروك، (التقريب 3653). وكذلك انقطاع السند بين محمد بن على بن الحسين وعائشة أم المؤمنين رضى الله عنها. (¬1) رواه أحمد فى مسنده (3/ 139،140)، وابن حبان فى صحيحه (6362)، وأبو يعلى فى مسنده (2782)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى (162،163)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/ 326)، وقال رواه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد رجال الصحيح غير مبارك بن فضالة وقد وثقه جماعة وضعفه جماعة. (¬2) رواه البخارى فى المظالم (2468)، ومسلم فى الطلاق (34)، وأحمد فى مسنده (1/ 34)، والبداية والنهاية لابن كثير (6/ 57)، والعقيلى فى الضعفاء (3/ 161).

أربع ثنيات لكان أوطأ له، فثنيناه أربع ثنيات، فلمّا أصبح قال: ما فرشتمونى اللّيلة؟. قالت: قلنا: هو فراشك، إلاّ أنا ثنيناه بأربع ثنيات. قلنا هو أوطأ لك. قال: ردّوه لحالته الأولى، فإنّه منعتنى وطأته صلاتى اللّيلة». ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه تكلف ظاهر وقوله: «لأنه جمع» مر الجواب عنه وقوله: «لاقتضى» اه فى هذه الملازمة التى زعمها نظر، بل لا تصح، لأن الفراش اسم لما يفرش، وهو تارة يكون أدما، وتارة يكون غيره، وإذا كان أدما؛ فتارة يكون محشوا، وتارة يكون بلا حشو فبينت بقولها حشو ليف أنه أدم محشو لا خال عن الحشو، فاندفع قوله: «وظاهر» اه وح فلا يلزم على كونه صفة لأدم محذور أصلا. (مسحا) بكسر فسكون فراش خشن من صوف. (ذات) بالرفع إن جعلت كان تامة، وإلا فالنصب، وح ففيها ضمير يعود للوقف، وعلى كل ذات زائدة. (تثنيه) أى عطفت بعضه على بعض. (أربع ثنيات) أى طباقات لاصقات، وإن اقتضاه كونه مفعولا مطلقا، لأن هذا مردود بقولها الآتى: (فثنيناه أربع ثنيات) الظاهر فيما قلناه. (أوطاء) ألين. (وطأته) أى لين. (صلاتى الليلة) أى صلاة التهجد. ***

47 - باب: ما جاء فى تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم

47 - باب: ما جاء فى تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم) اعلم أن العبد لا يبلغ حقيقة التواضع وهو التذلل والتخشع، إلا إذا دام تجلى نور الشهود فى قلب، لأنه ح يذيب النفس، ويصفيها عن غش الكبر والعجب، فتلين وتطمئن للحق والخلق لمحو آثارها، وسكون ريحها، ونسيان حقها، والذهول عن النظر إلى قدرها، ولما كان الحظ الأوفى من ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس تواضعا، وحسبك شاهدا على ذلك أن الله سبحانه خيره بين أن يكون نبينا ملكا، أو عبدا نبيا، فاختار أن يكون نبيا عبدا، ومن ثمه لم يأكل متكئا بعد حتى فارق الدنيا، ولم يقل لشىء فعله أنس خادمه أف قط، وما ضرب أحدا من عبيده، وإمائه، وهذا أمر لا يتسع له الطبع البشرى لولا التأييد الإلهى، وفى مسلم: «ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم» وورد عن عائشة: «أنها سئلت كيف كان إذا خلى فى بيته؟ قالت: ألين الناس سهاما ضاحكا، لم ير قط مادا رجليه بين أصحابه»، وعنها: «ما كان أحدا أحسن خلقا منه ما دعاه أحد من أصحابه إلا قال: لبيك، وكان يركب الحمار ويردف خلفه»، وروى أبو داود وغيره: «أن قيس بن سعد صحبه راكبا حمار أبيه، فقال له: اركب فأبى فقال: إما أن تركب، وإما أن تنصرف»، وفى رواية: «اركب أمامى فصاحب الدابة أولى بمقدمها» وفى مختصر السيرة للمحب الطبرى: «أنه ركب حمارا ليعود إلى قباء ومعه أبو هريرة فقال: أحملك فقال: ما شئت يا رسول الله فقال: اركب، فوثب ليركب فلم يقدر فاستمسك به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقعا جميعا، ثم ركب وقال له مثل ذلك، ففعل فوقعا جميعا، ثم ركب، وقال مثل ذلك، فقال: لا والذى بعثك بالحق ما رقيتك ثالثا، «وأنه صلى الله عليه وسلم كان فى سفر فأمر أصحابه بإصلاح شاة فقال رجل: علىّ ذبحها، فقال آخر: عليّ سلخها، وقال آخر: علىّ طبخها فقال صلى الله عليه وسلم علىّ جمع الحطب فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نكفيك العمل، فقال: قد علمت أنكم تكفونى، ولكنى كرهت أن أتميز عليكم، وإن الله يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه» انتهى، وروى ابن عساكر القصة الأخيرة مختصرة وروى أيضا أنه صلى الله عليه وسلم: «كان فى الطواف فانقطع شسعه فقال بعض أصحابه: ناولنى أصلحه فقال: هذه أثرة ولا أحب الأثرة هى بفتح أولها الاستبثار أى: الانفراد بالمشى»، وفى الشفاء: «أنه صلى الله عليه وسلم خدم وفد النجاشى، فقال له أصحابه: نكفيك، فقال:

315 - حدثنا أحمد بن منيع، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومى، وغير واحد، قالوا: أنبأنا سفيان بن عيينة، عن الزهرى، عن عبيد الله، عن عبد الله بن عباس، عن عمر بن الخطاب رضى الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تطرونى كما أطرت النّصارى عيسى ابن مريم، إنّما أنا عبد الله، فقولوا: عبد الله ورسوله». ـــــــــــــــــــــــــــــ إنهم كانوا لأصحابنا مكافئين، وأنا أحب أن أكرمهم». 315 - (لا تطرونى) أى لا تتجاوزوا الحدّ فى مدحى بغير الواقع، فيجركم ذلك إلى الكفر، كما جر النصارى إليه لما جاوزوا الحدّ فى مدح عيسى عليه السلام بغير الواقع واتخذوه إلها وحرفوا قوله فى الإنجيل عيسى ابنى، وأنا ولدته، فجعلوا الأول بتقديم الباء الموحدة، وجعلوا اللام فى الثانى فلعنة الله عليهم، وقد كان بعض أن يدعى نحو ذلك فى نبينا حين قالوا له: ألا نسجد لك فقال: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» (¬1) فنهاهم عما عساه يجرّهم لعبادته إنما لقصر القلب، أو القصر فيه إضافى فلا ينافى أن أوصافا غير العبودية والرسالة. (عبد الله) أى ملكه يتصرف فىّ بما شاء، فلا خروج لى عن دائرة العبودية بوجه كسائر العباد. (فقولوا: عبد الله ورسوله) أى قولوا ذلك، وما يلائمه مما يليق بالعبودية والرسالة وهذا من مزيد تواضعه صلى الله عليه وسلم وشفقته على أمته، ولقد أشار الإمام الشرف البوصيرى: إلى هذا المقام بقوله: دع ما ادعته النصارى فى نبيهم. . . الأبيات الثلاثة وأشار يعجز آخرها إلى ¬

315 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الأنبياء (3445)، وأحمد فى مسنده (1/ 23،24،55)، والدارمى فى الرقاق (2/ 320)، والطيالسى فى مسنده (ص 6)، والحميدى فى مسنده (27)، والبغوى فى شرح السنة (13/ 246)، (3681)، والطبرانى فى الأوسط (1937)، والبيهقى فى الدلائل (5/ 498)، كلهم من طرق عن سفيان بن عيينة عن الزهرى به فذكره نحوه. (¬1) رواه أبو داود فى النكاح (2140)، والترمذى فى الرضاع (1159)، وأحمد فى مسنده (4/ 381) (6/ 76)، والطبرانى فى الكبير (5116،5117)، (6590)، والحاكم فى المستدرك (187)، وابن عدى فى الكامل (4/ 75،316)، والبيهقى فى السنن الكبرى (7/ 291، 292)، وفى دلائل النبوة (136)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (2/ 409)، (3/ 398).

316 - حدثنا على بن حجر، أنبأنا سويد بن عبد العزيز. عن حميد، عن أنس ابن مالك: «أنّ امرأة جاءت إلى النّبىّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنّ لى إليك حاجة. فقال: اجلسى فى أىّ طريق المدينة شئت أجلس إليك». ـــــــــــــــــــــــــــــ مادحيه، وإن انتهوا إلى أقصى ما يمكنهم من الغايات لا يصلون لثناء علوه أن لا حد له، ولقد روى العارف ابن الفارض فقيل له: لم مدحت النبى صلى الله عليه وسلم أى: بأكثر مما أشرت إليه، وإلا فقد أشار إلى مدحه مما يعجز عنه الفحول خلافا لمن غلبه هوى فى هواه فأضله الله على علم فقال: أرى كل مدح فى النبى مقصرا، وإن بالغ المثنى عليه، أو أكثر اه، إذ الله أثنى بالذى هو أهله عليه فى مقدار ما تمدح الورى به، قال البدر الزركشى: ولهذا أحجم فحول الشعراء: كأبى تمام، والبحترى عن مدحه، لأنه عندهم من أصعب ما يحاولونه، فإن كل ما تخيلوه (¬1) من المعانى والأوصاف دون كماله، فكل غلو فى حقه تقصير، فيضيق على البليغ مجال النظم. انتهى. 316 - (أن امرأة) أى كان فى عقلها شىء، كما فى رواية مسلم. (فى أى طرق المدينة) أى فى طرق من طرق المدينة، أى: سكة من سككها كما فسرته رواية مسلم الآتية. (أجلس) بالجزم جواب الأمر. (إليك) أى معك أقضى حاجتك كما بينته أيضا رواية مسلم وهى: «انظرى أى السكك شئت حتى أقضى حاجتك، فخلى معها فى بعض الطرق حتى قضى حاجتها» (¬2) وفيه دليل على حل الجلوس فى الطريق لحاجة والمنهى عنه محله فيمن يؤذى، أو يتأذى بجلوسه فيها وروى البخارى «إن كانت الأمة لتأخذ بيده صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت»، وأحمد: «فتنطلق به فى حاجتها» (¬3) وعنده ¬

316 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الأدب (6072) معلقا، ومسلم فى الفضائل (2326)، وأبو داود فى الأدب (4818) (4819)، والإمام أحمد فى المسند (3/ 98،119،214)، والبغوى فى شرح السنة (3672) (13/ 240) كلهم من طرق عن أنس رضى الله عنه فذكره نحوه بألفاظ متقاربة وبمعناه. (¬1) فى (ش): [يخيلونه]. (¬2) رواه مسلم فى الفضائل (2326)، والبيهقى فى دلائل النبوة (1/ 247). (¬3) رواه البخارى فى الأدب (6072) وابن ماجه فى الزهد (4177) وأحمد فى مسنده (3/ 216).

317 - حدثنا على بن حجر، أنبأنا على بن مسهر، عن مسلم الأعور، عن ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضا: «إن كانت الوليدة من ولائد أهل المدينة، لتجيئ فتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ينزع يده منها حتى تذهب به حيث شاءت» (¬1) والمراد بالأخذ باليد، ما حقيقة لأنه كان محرما للأجنبيات، وبه يندفع قول شارح: إنما طلب الجلوس مع تلك المرأة فى الطريق لتنتفى الخلوة المحرمة فى الطريق، إما حقيقة، وإما لازمة من الانقياد، وعند النسائى: «كان صلى الله عليه وسلم لا يأنف أن يمشى مع الأرملة والمسكين فتقضى له الحاجة» (¬2)، وروى أبو داود: «وبايعت النبى صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها فى مكانها فنسيت فذكرته بعد ثلاث، فإذا هو فى مكانه، فقال: لقد شققت علىّ أنا هنا منذ ثلاث أنتظرك» (¬3) وفى هذا كله أنواع من المبالغة فى الوفاء بالعهد وفى التواضع للنص على المرأة والأمة دون الرجل والحرة وعلى أنها تذهب به حيث شاءت من الأمكنة، وعلى غاية التصرف فيه المشار إليها بالتعبير باليد، وهذا من مزيد تواضعه، وبراءته مع جميع أنواع الكبر وأفعاله، وفى ذلك أيضا بروزه للناس، وقربه منهم، ليصل إليه ذوو الحقوق إلى حقوقهم، ويسترشد الناس بأقواله وأفعاله، وفيه أيضا: معبرة على تحمل الإنسان لأجل غيره، بل رضاه بذلك، واستلذاذه به، فى هذا كله تنبيه منه حكام أمته ونحوهم على أن يتأسوا به فى ذلك. 317 - (يعود المريض) حتى لقد عاد غلاما يهوديا كان يخصصه، وعاد عمه وهو ¬

317 - إسناده ضعيف: فيه مسلم الأعور: ضعيف، ضعفه وكيع، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والبخارى، والترمذى، وأبو داود. وانظر: تهذيب الكمال (27،532). ورواه الترمذى فى الجنائز (1017)، بسنده ومتنه سواء، ورواه ابن ماجه فى الزهد (4178)، والطيالسى فى مسنده (ص 285)، (2148)، والبغوى فى شرح السنة (13/ 241)، (3673)، والحاكم فى المستدرك (2/ 466)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 62)، والبيهقى فى الدلائل (4/ 204)، كلهم من طرق عن مسلم الأعور به فذكره نحوه. (¬1) رواه أحمد فى مسنده (3/ 216). (¬2) رواه النسائى فى الجمعة (3/ 108،109)، والدارمى (1/ 35)، وابن حبان فى صحيحه (6423،6424)، والحاكم فى المستدرك (2/ 614)، وعنه البيهقى فى دلائل النبوة (1/ 329) من طريق على بن الحسين بن واقد عن أبيه به وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (¬3) رواه البيهقى فى السنن (10/ 198)، وابن سعد فى الطبقات الكبرى (7/ 41)، وذكره ابن كثير فى تفسيره (5/ 234).

أنس بن مالك قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المريض، ويشهد الجنائز، ويركب الحمار، ويجيب دعوة العبد. وكان يوم بنى قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف، عليه إكاف من ليف». ـــــــــــــــــــــــــــــ مشرك، وعرض عليهما الإسلام، فأسلم الأول وقصته فى البخارى وكان صلى الله عليه وسلم يدنو من المريض ويجلس عند رأسه، ويسأله عن حاله ويقول له: كيف تجدك؟ وفى الحديث المتفق عليه عن جابر: «مرضت فأتانى النبى صلى الله عليه وسلم يعودنى وأبو بكر وهما ماشيان فوجدانى أغمىّ علىّ فتوضأ النبى صلى الله عليه وسلم ثم صب وضوءه علىّ فأفقت، فإذا النبى صلى الله عليه وسلم» (¬1)، وعند أبى داود: «ونفخ فى وجهى فأفقت، وفيه أنه قال: يا جابر لا أراك ميتا من وجعك هذا» (¬2) وصح عند مسلم: «يجب للمسلم على المسلم أمور، وذكر منها: عيادة المريض» (¬3)، والمراد بالوجوب: الندب المتأكد كما فى «غسل الجمعة واجب على كل محتلم» (¬4) وصح: «أطعموا الجوائع، وعودوا المرضى» (¬5)، وافهم إطلاق الأمر ¬

(¬1) رواه البخارى فى الوصايا (2744)، روى جزءا منه وفى المرضى (5651)، بلفظه وفى الفرائض (6723)، (6733) جزء منه، (6743)، روى بعضا منه، وفى الاعتصام (7309) بلفظه. ومسلم فى الفرائض (1616)، وأبو داود فى الطب (3875)، روى بعضا منه والترمذى فى التفسير (3015)، روى جزء منه، والنسائى فى الطهارة (1/ 87)، وابن ماجه فى الفرائض (2728)، وأحمد فى مسنده (3/ 307). (¬2) رواه أبو داود فى الفرائض (2887). (¬3) مسلم فى البر والصلة (4/ 1990)، فضل عيادة المريض (2568)، (2599). (¬4) رواه البخارى فى الجمعة (879)، وفى الأذان (858)، وفى الشهادات (2665)، ومسلم فى الجمعة (846)، وأبو داود فى الطهارة (341)، والنسائى فى الجمعة (3/ 93،97)، وابن ماجه فى الإقامة (1089)، والدارمى فى الطهارة (1/ 361)، ومالك فى الموطأ (1/ 102)، وأحمد فى مسنده (3/ 60)، وابن حبان فى صحيحه (1228،1229،1233)، وابن خزيمة فى صحيحه (1742)، والبيهقى فى السنن (1/ 294) (3/ 188)، والطحاوى فى شرح معانى الآثار (1/ 116)، والشافعى (1/ 154)، وابن الجارود فى مسنده (284)، والحميدى فى مسنده (736)، وابن أبى شيبه فى مصنفه (2/ 92). (¬5) رواه البخارى فى الأطعمة (5373)، وفى النكاح (5174)، وفى الأحكام (7173) وفى الجهاد (3046)، وفى المرضى (5649)، وأبو داود فى الجنائز (3105)، والنسائى فى الكبرى كما =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ندب العيادة حتى للأرمد لما صح عن زيد بن أرقم: «عادنى رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعينى» (¬1) وأما خبر: «ثلاثة ليس لهم عيادة: الرمد، والدمل، والضرس» فصحح البيهقى أنه موقوف على يحيى بن أبى كثير، فأخذ بعضهم بقضيته ليس فى محله، وافهم أيضا: أنه لا فرق بين طول مرضه وقصره، وهو الأصح خلافا للغزالى فى إحيائه، وحديث ابن ماجه: «كان صلى الله عليه وسلم لا يعود مريضا إلا بعد ثلاث» (¬2) ضعيف، بل قال أبو حاتم: باطل، وورد فى فضل العيادة أحاديث كثيرة منها عند المصنف وحسنه: «من عاد مريضا ناداه مناد من السماء طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا» (¬3)، وعند أبى داود: «من توضأ فأحسن الوضوء، وعاد أخاه المسلم محتسبا بوعد من جهنم سبعين خريفا» (¬4) وعند أحمد: «من عاد مريضا فآمن فى الرحمة، فإذا جلس عنده استنقع فيها» (¬5) زاد الطبرانى: «وإذا قام من عنده، فلا يزال يخوض فيها حتى يرجع من حيث خرج» (¬6) لا يقال عيادته صلى الله عليه وسلم المرضى فيها قصد رضى الله، وحيازة هذا الثواب فأىّ ¬

= فى التحفة (6/ 418) والبغوى (1407)، وأحمد فى مسنده (4/ 394،406)، وابن حبان فى صحيحه (3324)، والبيهقى فى السنن (3/ 379) (9/ 226) (10/ 3). (¬1) رواه أبو داود فى الجنائز (3102). (¬2) رواه ابن ماجه فى الجنائز (1437)، والطبرانى فى الصغير (475)، والبيهقى فى شعب الإيمان (9216) وذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (6/ 299)، وقال أخرجه ابن ماجه وابن أبى الدنيا فى المرض والكفارات والبيهقى فى الشعب كلهم من طريق مسلمه بن على مصغرا. (¬3) رواه مسلم فى البر والصلة (2568)، وروى جزءا منه، والترمذى فى الجنائز (967) جزء منه، وفى البر والصلة (2008)، وابن ماجه فى الجنائز (1443)، بلفظه. (¬4) رواه أبو داود فى الجنائز (3098)، وذكره المنذرى فى الترغيب والترهيب (4/ 319،320) وقال: رواه أبو داود من رواية الفضل بن دلهم القصاب وذكره الهندى فى كنز العمال (25131)، عزاه لأبى داود عن أنس (9/ 93). (¬5) رواه أحمد فى مسنده (3/ 460)، والطبرانى فى الكبير (11481)، بلفظ: غمرته الرحمة (353)، بلفظ وذكره الهندى فى كنز العمال (25175)، وعزاه للطبرانى فى الكبير عن كعب ابن عجرة، ولأحمد فى مسنده، وابن جرير والطبرانى عن كعب بن مالك. (¬6) رواه البخارى فى الأدب المفرد (1138)، ومسلم فى السلام (2179)، وأبو داود فى الأدب (4853)، وابن ماجه فى الأدب (3717)، وأحمد فى مسنده (2/ 263،283،289) والدارمى (2/ 282)، والبيهقى فى السنن (3/ 233)، وعبد الرزاق فى مصنفه (19792)، وابن حبان فى صحيحه (588).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تواضع فيها لأنا نقول التواضع خروج الإنسان عن مقتضى جاهه، وتنزل من عادة مرتبته إلى ما هو دون ذلك، وعيادة المريض، وكونه بذلك القصد كذلك وافهم أيضا أن سائر الأيام يطلب فيها العيادة، وترك العيادة يوم السبت، من البدع ابتدعها يهودى ألزمه ملك بمرض بملازمته، فأراد يوم الجمعة الذهاب لسبته فمرض فخاف استحلاله على نفسه فقال له: إن المريض لا يدخل عليه يوم السبت، فتركه الملك، ثم أشيع ذلك، وصار بعض من لا علم عنده، يحسب أن ذلك أصلا، وقد علمت أصله، ومن الغريب ما نقله ابن الصلاح عن القراء: أنها تندب شتاء ليلا، وصيفا نهارا وحكمته تضرر المريض، بطول الليل شتاء والنهار صيفا فيحصل له بالعيادة من الاسترواح ما يزيل عنه تلك المشاق الكثيرة ومما كان يفعله صلى الله عليه وسلم حال العيادة ويأمر به تطييب نفس المريض وقلبه لخبر: «إذا دخلتم على مريض فنفسوا له فى أجله فإن ذلك يطيب نفسه» أو خبر: «لا بأس عليك طهور إن شاء الله حالك الآن أحسن» ويذكر ثواب المريض ككون المرض كفارة وأرشد صلى الله عليه وسلم بذلك إلى نوع من أشرف أنواع العلاج من كلام يقوى به الطبيعة وينبعث به الحار الغريزى إذ فى إدخال السرور عليه تأثير عجيب فى شفائه؛ لأن الروح تقوى بذلك فتساعد الطبيعة على دفع المؤذى وهذا غاية تأثير الطيب وربما سأله عن شكواه وكيف يحدو عما يشتهيه، فيدعو له ويصف له ما ينفعه فى علته وربما قال له: لا بأس عليك طهور إن شاء الله وربما قال كفارة وطهور، وورد بسند حسن: «كان إذا عاد مريضا يضع يده على المكان الذى يألم ثم يقول: بسم الله» (¬1) وفى حديث بسنده: «كان تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته ويسأله كيف هو» (¬2) وفى رواية: «كيف أصبحت وكيف أمسيت» (¬3). (ويشهد الجنائز) فيندب لنا بل يتأكد علينا التأسى به فى ذلك وأثر قوم العزلة ففاتهم بسببها خيرات كثيرة وإن حصل لهم بها خير كثير، لأن الأكمل العزلة عن الشر فقط، والمخالطة فى الخير مع التحفظ ما أمكن من تطرق الشر وأسبابه، وهذا ¬

(¬1) رواه ابن السنى فى عمل اليوم والليلة (551)، وذكره السيوطى فى اللآلئ المصنوعة (2/ 406)، وذكره ابن حجر فى فتح البارى (10/ 126). (¬2) رواه الترمذى فى الاستئذان (2731)، وابن عدى فى الكامل فى الضعفاء للرجال (4/ 324)، وذكره ابن حجر فى فتح البارى (1/ 126). (¬3) رواه الدينورى فى عمل اليوم والليلة (184)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (2/ 302)، وقال: إسناده حسن.

318 - حدثنا واصل بن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن أنس بن مالك قال: «كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يدعى إلى خبز الشّعير والإهالة السّنخة فيجيب، ولقد كانت له درع عند يهودىّ، فما وجد ما يفكّها حتّى مات». ـــــــــــــــــــــــــــــ حال الكمل من العلماء العالمين والأئمة الوارثين، فإن ضعف حال الإنسان من المخالطة كانت العزلة فى بعض الأحيان خيرا له، وللعيادة، وتشييع الجنائز شروط وآداب تطلب فى محلها من كتب الفقه. (دعوت العبد) وفى رواية: «المملوك» أى: إلى أى حاجة دعاه إليها قرب محلها أو بعد. (يوم بنى قريظة) خصه لأن الحمار يومئذ، وقد ظهر له صلى الله عليه وسلم من النصرة عليهم، والظفر بهم، وبأموالهم ما يدل على غاية التواضع، ونهاية الخضوع. (مخطوم بحبل) هو الخطام، وهو أن يجعل فى حلقه، ويسلك فيها طرفه الآخر حتى تصير كالحلقة ثم قاد بها البعير. (إكاف) هو بردعة لذوات الحوافر، ويغلب فى الحمر كالرحل لذوات الخفّ، والبردعة بفتح أوله وثالثة: حلسن يجعل تحت الرحل. 318 - (والإهالة) هى كل دهن يؤتدم به، وقيل: يختص بالألية والشحم، وقيل: هى الدسم الجامد. (السنخة) بالنون: المتغيرة وفيه حل أكل المنتن من اللحم وغيره حيث لا ضرر فيه. (كان) فى نسخة: «كانت» وهى الأولى لأن درع الحديد مؤنث، لأنها بمعنى اللائمة بالهمز بخلاف درع المرأة، فإنه يذكر، لأنه بمعنى القميص. (يهودى) هو أبو الشحم من الأوس «رهنها عنده صلى الله عليه وسلم فى ثلاثين صاعا من شعير» (¬1) رواه الشيخان، وروى المصنف «بعشرين صاعا من طعام أخذه لأهله»، وقد يجمع بأنه أخذ ¬

318 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى البيوع (1215)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى البيوع (2069)، وفى الرهن (2508)، والنسائى فى البيوع (7/ 288)، وفى الكبرى (6203)، وأحمد فى المسند (3/ 133،208،232،238،270)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 234)، كلهم من طرق عن قتادة به فذكره نحوه. (¬1) رواه البخارى فى الجهاد (2916)، وفى المغازى (4467)، والنسائى فى البيوع (7/ 303)، وابن ماجه فى الرهون (2439)، والدارمى فى البيوع (2/ 260)، وأحمد فى مسنده (1/ 236، 300،361) (6/ 227،457).

319 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود الجفرى، عن سفيان، عن ـــــــــــــــــــــــــــــ منه أولا عشرين، ثم عشرة، ثم رهنه إياها على الجميع، فمن روى العشرين، لم يحفظ العشرة الأخرى، ومن روى الثلاثين حفظها على أن روايتها أصح وأشهر، فكانت أولى بالاعتبار، قيل: ذكر هذه القصة لتمام الحديث لا لبيان التواضع فيها وانتهى، ويرد: بأن فيها غاية التواضع، ووجهه أنه صلى الله عليه وسلم لو سأل مياسرى أصحابه فى رهن درعه لرهنوها على أكثر من ذلك، أو لترك سؤالهم، وسأل يهوديا، ولم يبال بأن منصبه الشريف يأبى أن يسأل مثل يهودى فى ذلك، دل على غاية تواضعه، وعدم نظره لفوت مرتبته. (يفكها) أى يخلصها. (حتى مات) صلى الله عليه وسلم وفيه دليل على ضيق عيشه، لكن من اختيار لا من اضطرار، لأن الله فتح عليه فى أواخر عمر من الأموال ما لا يحصى، فأخرجها كلها لله، وصبر هو وأهله، وأهل بيته على مر الفقر والضيق والحاجة التامة، ولا ينافى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «نفس المؤمن معلّقة ما دام عليه دين» (¬1) أى: محبوسة عن مقامها الكريم حتى يقضى عنه دينه، لأنه فى غير الأنبياء على أن محله فيمن استدان لمعصية، وإلا لم يطالب قيل: إجماعا. 319 - (على رحل) هو للجمل كالسرج للفرس. (وعليه) أى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ¬

319 - إسناده ضعيف وهو صحيح بشواهده: فيه يزيد بن أبان الرقاشى: قال الحافظ فيه: «زاهد ضعيف» (التقريب 7683). رواه ابن ماجه فى المناسك (2890)، وابن أبى شيبة فى المصنف (4/ 106)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 134)، وأبو نعيم فى الحلية (3/ 54)، والعقيلى فى الضعفاء (2/ 8)، كلهم من طريق الربيع بن صبيح به فذكره نحوه. قلت: ويشهد له ما رواه الطبرانى فى المعجم الأوسط (1378)، من حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد (3/ 221): وفيه أحمد بن محمد بن القاسم ابن أبى بزّة ولم أعرفه. وما رواه البيهقى فى السنن (5/ 129)، من حديث ابن عمر رضى الله عنهما، وقال البيهقى: عبد الله بن حكيم ضعيف، ورواه أيضا بشر بن قدامة الضبابى رضى الله عنه كما عند ابن خزيمة فى صحيحه (2836)، وفيه سعيد بن بشير وهو مجهول. وبالجملة فللحديث شواهد، وإن كانت ضعيفة إلا أنها ترتقى به إلى الصحة إن شاء الله والله أعلم. وقد صححه الشيخ الألبانى حفظه الله. (¬1) رواه الترمذى فى الجنائز (1078،1079) وابن ماجه فى الصدقات (2413)، والدارمى (2/ 262)، والبغوى (2147)، وابن حبان فى صحيحه (3061)، وأحمد فى مسنده =

الربيع بن صبيح، عن يزيد بن أبان، عن أنس بن مالك، قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رثّ وعليه قطيفة لا تساوى أربعة دراهم فقال: «اللهمّ اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة». 320 - حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا عفان، أخبرنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس، قال: «لم يكن شخص أحبّ إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وكانوا إذا رأوه لم ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل، ويحتمل رجوع الضمير للرحل، بل السياق هنا، وفى الحديث الآتى آخر باب التواضع يدل عليه. (قطيفة) هى كساء له خمل وهى الخيوط بطرفه المرسلة من السدى من غير لحمة عليها. (ولا سمعة) هذا من عظيم تواضعه إذ لا يتطرق السمعة إلا لمن حج على المراكب النفيسة والملابس الفاخرة، وأما من تمن تمثيل حاله صلى الله عليه وسلم فلا يتطرف إلى حجه شىء من ذلك، والرياء: العمل لغرض مذموم كأن يعمل ليراه الناس، والسمعة: أن يعمل ليسمع الناس عنه بذلك، فيكرموه بإحسان، أو مدح أو تعظيم جاهه فى قلوبهم، وكل ذلك موجب للفسق، ومحبط لثواب العمل، فإن عمل لذلك بأن قصد بوضوئه التبرد مثلا، قال ابن عبد السلام: لا ثواب له أيضا قال تعالى فى الحديث القدسى: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه غيرى، فأنا منه برىء هو للذى أشرك» (¬1)، وقال الغزالى: إن غلبه باعث الأخيرة أثيب، وإلا فلا وبينت فى حاشية مناسك النووى الكبرى أن الذى دل عليه كلام الشافعى والأصحاب: أنه حيث خلى عن قصد محرم أثيب بقدر قصده للعبادة. 320 - (أحب) قيل: هذا مشكل لأن الأحبية لا تقتضى القيام، لأن الولد أحب من ¬

= (2/ 440،475،508)، والبيهقى فى السنن (6/ 76)، والطيالسى (2390)، والحاكم فى المستدرك (2/ 26،27). 320 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأدب (2754)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أحمد فى المسند (3/ 132)، والبخارى فى الأدب المفرد (946)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 63)، ثلاثتهم من طريق حماد بن سلمة به فذكره نحوه. (¬1) رواه مسلم فى الزهد (2985).

يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك». ـــــــــــــــــــــــــــــ الأب ولا يقوم له الأب انتهى، وليس فى محله، لأن الذى يصرح به كلام الأئمة هذا القائل أن الولد إن كان فيه فضيلة تقتضى القيام له سن حتى للأب القيام له، فبطل إشكاله المبنى عليها وهم فيه، وبأن الأحبية من حيث الدين اقتضى ندب القيام. (إليهم) أى إلى أصحابه. (وكانوا) أى والحال: أنهم كانوا مع تلك الأحبية المقتضية لمزيد الإجلال والتعظيم، ومنه القيام كانوا. (إذا رأوه لم يقوموا) له (لما يعلمون من كراهته) أى لأجل المعلوم المستقر عندهم وهو كراهته، وفى نسخة: «كراهيته» وهو مصدر كره كعلم. (لذلك) تواضعا وشفقه عليهم وإسقاطا لبعض حقوقه المتعينة عليهم، فاختاروا إرادته على إرادتهم، لعلمهم بكمال تواضعه، وحسن معاشرته لهم ولا يعارض ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار: «قوموا لسيدكم» (¬1) أى سعد بن معاذ سيد الأوس لما جاء على حمار لإصابة أكحله بسهم فى وقعة الخندق كان منه موته بعد، لأن هذا حق الغير فأعطاه صلى الله عليه وسلم له وأمرهم بفعله بخلاف قيامهم له فإنه صلى الله عليه وسلم حق لنفسه وتركه تواضعا، وهذا أولى، بل أصوب من قول زاعم: القيام الذى أمرهم به؛ هو إعانته حيث ينزل من حماره، لكونه كان مجروحا وهذا هو مذهبنا: من ندب القيام لكل قادم فيه فضيلة نحو نسب، أو علم، أو صلاح، أو صدقة قد ثبت «أنه صلى الله عليه وسلم قام لعكرمة بن أبى جهل لما قدم عليه، ولعدى بن حاتم كل ما دخل عليه» وضعفهما لا يمنع الاستدلال بهما هنا، خلافا لمن وهم فيه، لأن الحديث الضعيف يعمل به فى فضائل العلم اتفاقا، بل إجماعا كما قاله النووى: فى القيام للإكرام، لا للرياء، والإعظام، فإنه مكروه، ويفرق بينه وبين حرمة نحو الركوع للغير إعظاما؛ بأن صورة نحو الركوع لم يعهد، إلا عبادة بخلاف صورة القيام، ولبعضهم هنا ما لا يوافق مذهبنا فليحذر. ¬

(¬1) رواه البخارى فى الجهاد (3043)، وفى مناقب الأنصار (3804) وفى المغازى (4121)، وفى الاستئذان (6262)، ومسلم فى الجهاد (1768)، وأبو داود فى الأدب (5215،5216)، والنسائى فى الفضائل (118)، والبغوى (2718)، وابن حبان فى صحيحه (7026)، وأحمد فى مسنده (3/ 22،71)، وأبو يعلى فى مسنده (1188)، والبيهقى فى السنن (6/ 57،58)، (9/ 63) والطبرانى فى الكبير (523).

321 - حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلى، حدثنى رجل من بنى تميم من ولد أبى هالة زوج خديجة، يكنى أبا عبد الله، عن ابن لأبى هالة، عن الحسن بن على، قال: «سألت خالى هند بن أبى هالة، وكان وصّافا، عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أشتهى أن يصف لى منها شيئا، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخّما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر» فذكر الحديث بطوله. قال الحسن: فكتمتها الحسين زمانا. فسأله عمّا سألته، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله، ومخرجه، وشكله، فلم يدع منه. قال الحسين: فسألت أبى عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ 321 - (يكنى) بسكون فتخفيف، وبفتح فتشديد من كنى: ستر سميت بذلك لما فيها من ترك التصريح بالاسم. (أبا عبد الله عن أبى هالة) قيل: فيه انقطاع، لأن ابن أبى هالة من قدماء الصحابة. (وصّافا) أى كثير الوصف والمعرفة لما لم يصف به بالحق، وهذه الجملة كجملة. (وأنا أشتهى) إما معترضتان بين السؤال والجواب، لبيان كمال الوثوق والضبط لما يرويه حتى يتلقى منه القبول، أو حاليتان مترادفتان، أو متداخلتان عن الفاعل، أو المفعول، أو الأولى عن المفعول، والثانية عن الفاعل، وكذا قيل، وفى هذا غفلة وتكلف، فالأول أولى. (يتلألأ وجهه) أى يظهر لمعان نوره. (القمر) خصه دون الشمس لما مر أول الكتاب. (الحديث بطوله) قد مر الكلام عليه غير مرة. (فكتمتها) أى هذه الحلية. (الحسين زمانا) أى لأختبر اجتهاده فى تحصيل العلم بحلية جده صلى الله عليه وسلم. (أباه) فى نسخة: «أبى: وهو على كرم الله وجهه. (إليه) أى إلى السؤال عنها من خاله. (عن مدخله) لبيته. (ومخرجه) منه أى: عن حاله فيهما. (وشكله) بكسر أوله هو حسن طريقته وهيبته، ويجوز فتحه، ومعناه ح الميل والذهاب. (فلم يدع) أى على. (منه) أى مما سأله عنه أو فلم يدع الحسين منه أى من السؤال عن أحواله شيئا إلا سأل عنه وعجيب من جعل ضمير منه لعلى. (أوى) أى رجع وورد فيه ¬

321 - إسناده ضعيف: وقد تقدم تخريجه (7)، (217).

فقال: كان إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزء لله، وجزء لأهله، ـــــــــــــــــــــــــــــ القصر والمد. (جزّأ دخوله) أى زمان دخوله. (جزء لله) أى يستفرغ فيه وسعه للعبادة والفكر. (وجزء لأهله) أى يعاشرهم فيه ويتألفهم، لما أنه كان حسن المعاشرة معهن، ومن ثم صح: «أنه كان يرسل لعائشة بنات الأنصار يلعبن معها، وأنها إذا شربت من إناء أخذه فوضع فمه على موضع فمها وشرب، وأنه كان يتكئ فى حجرها، ويقبلها وهو صائم، وأنه كان يريها الحبشة-أى: لعبهم فى المسجد-وهى متكئة على منكبه، وهو يقول لها: أشبعت وهى تقول له: لا لا» (¬1) وروى أبو داود: «أنه صلى الله عليه وسلم سابقها فى سفر على رجلها فسبقته، قالت: فلما حملت اللحم سابقته فسبقنى، قال: هذه بتلك» (¬2) وكانوا يوما عنده صلى الله عليه وسلم فى بيتها، فأتى بصحفة خبز ولحم من بيت أم سلمة، فوضعت بين يديه فقال: «ضعوا أيديكم فأكل وأكلوا، وعائشة تصنع طعاما أعجلته، فوارت الصحفة التى أتى بها فلما فرغ ما فيها، جاءت بطعامها فوضعته، ورفعت تلك فكسرتها فقال صلى الله عليه وسلم: كلوا غارت أمكم، ثم أعطى صحفتها أم سلمة فقال: طعام مكان طعام وإناء مكان إناء» (¬3) رواه الطبرانى، ورواية البخارى: «فضربت به الخادم فسقطت الصحفة، وانقطع فجمع صلى الله عليه وسلم ثلثها، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذى كان فى الصحفة، ويقول: غارت أمكم، ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من عند التى هو فى بيتها، فدفع الصحفة إلى التى كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة فى بيت التى كسرت» (¬4). وعند أحمد وغيره عن عائشة: «ما رأيت صانعة طعاما مثل صفية، أهدت للنبى صلى الله عليه وسلم إناء من طعام فما ملكت نفسى أن كسرته فقلت: يا رسول الله؛ ما كفارته؟ فقال: إناء كإناء وطعام كطعام» (¬5)، وفى رواية: «فأخذتها من بين يديه فضربت بها الخادم وكسرتها فقام ¬

(¬1) رواه أحمد فى مسنده (4/ 236). (¬2) رواه أبو داود فى الجهاد (2578)، وأحمد فى مسنده (6/ 39،264)، والبيهقى فى السنن الكبرى (10/ 18)، والطحاوى فى مشكل الآثار (2/ 360). (¬3) رواه النسائى فى عشرة النساء (7/ 71)، وذكره الهندى فى كنز العمال (18663)، وعزاه لابن أبى شيبة (7/ 210). (¬4) رواه البخارى فى النكاح (5225)، وأبو داود فى البيوع (3567)، والنسائى فى عشرة النساء (7/ 70)، وابن ماجه فى الأحكام (2334)، وأحمد فى مسنده (3/ 105)، والبيهقى فى السنن الكبرى (6/ 96). (¬5) رواه أبو داود فى البيوع (3568)، والنسائى فى عشرة النساء (7/ 71)، وأحمد فى مسنده =

وجزء لنفسه. ثمّ جزّأ جزّأه بينه وبين النّاس، فردّ بالخاصّة على العامّة، ولا يدّخر ـــــــــــــــــــــــــــــ يلتقط اللحم والطعام ويقول: غارت أمكم، فوسع خلقه الكريم صفحات غيرتها ولم يتأثر، بل أنصف منها وهكذا كانت أحواله معهن يعذرهن، وينصف بعضهن من بعض من غير قلق ولا غضب، وفى خبر مسند، لا بأس به عن عائشة مرفوعا «إن الغير لا يبصر أسفل الوادى من أعلاه» (¬1)، وروى الملائى وابن غيلان: «أنها أتت بحزيرة-أى بلحم يقطع صغارا ويصب عليه ماء كثير فإذا نضج در عليه الدقيق-طبختها للنبى صلى الله عليه وسلم فقالت لسودة وهو قائم بينهما: كلى، فأبت، ثم قالت لها: كلى فأبت، فقالت: كلى أو لألطخن بها وجهك فأبت، فلطخت بها وجهها، فضحك النبى صلى الله عليه وسلم» وبالجملة: من تأمل سيرته مع أهله، ونحو الأيتام والأرامل، علم أنه بلغ من التواضع واللين، والرأفة غاية ما حظىّ بمثلها مخلوق. (جزء لهم) بدل بعض من كل إن كان ما عطفت عليه بعد الإبدال، وكل من كل إن كان قبله. (وجزء لنفسه) يفعل فيه ما يعود عليه بالتكميل الدنيوى والأخروى وفصله عن الجزء الأول بمحض الشهود، والتحلى بجمال الحق، فلم يصف للنفس وإن عاد عليها بجميل العوائد وأحلّها «بينه وبين الناس»، فصيرهن جزئين، لا ينافى قوله: «ثلاثة أجزاء» لأن كلا من هذين لما عادا لشىء واحد، وهو نفسه الشريفة كانا بمنزلة شىء واحد، فاتضح قوله: «ثلاثة أجزاء». (فيرد) وفى نسخة: فردّ ذلك إلى جزء الناس. (الخاصة) بسببهم. (على العامة) لأن خواصه الحاضرين لديه يستفيدون منه، ثم يبلغون ذلك لعموم الناس، وبين على رضى الله عنه قوله: «فرد» معنى كونه قسم جزئه بينه وبين الناس إذ لا يمكن تعميم الناس، إلا بتلك الوسائط، وأفهم أن المراد بالناس هنا؛ من جاء بعده إلى قيام الساعة، لأنك تجده صلى الله عليه وسلم قد رد عليهم أجمعين من علومه، بواسطة خاصية ما كان سببا لهدايتهم وأمنا من غوايتهم. (ولا يدخر عنهم) أى عن الناس الخاصة والعامة، وقيل: عن العامة بأن لا ¬

= (6/ 148)، والبغدادى فى تاريخ بغداد (4/ 132)، والبيهقى فى السنن الكبرى (6/ 96)، ذكره السيوطى فى جمع الجوامع (4486)، وقال رواه النسائى عن عائشة (3/ 1401)، وذكره الهندى فى كنز العمال (39824)، عزاه للنسائى عن عائشة (715). (¬1) رواه أبو يعلى فى مسنده (4670)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (4،322)، وقال: رواه أبو يعلى وفيه محمد بن إسحاق، وهو مدلس، وسلمه بن الفضل، وقد وثقه جماعة، وابن معين وابن حبان وأبو حاتم وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح، وذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى (9/ 236)، وقال: فيه قصة، وفى المطالب العالية أيضا (1540).

عنهم شيئا. وكان من سيرته فى جزء الأمّة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم فى الدّين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما يصلحهم والأمة من مسألتهم عنه. وإخبارهم بالذى ينبغى لهم، ويقول: ليبلّغ الشّاهد منكم الغائب، وأبلغونى حاجة من لا يستطيع ـــــــــــــــــــــــــــــ يخص الخاصة عنهم بشىء مما يشترك الكل فيه شيئا مما يتعلق بالنصح والهداية. (ويذخر) بذال معجمة، أو مهملة، إذ أصله: يذتخر، قلبت التاء ذالا معجمة ثم مهملة وهذا هو الأكثر ومهملة، ثم هى معجمة وأدغمت. (قد جزّأ الأجزاء) الذى يجلبه لهم وانظر تعبيره بالأمة فإنه يدل على ما مر فى الناس إيثار. (أهل الفضل) من الصلاح والعلم الشريف أى: تقديمهم على غيرهم فى نحو الاستفادة والدخول عليه لها وإبلاغه أحواله للعامة كل ذلك إنما كان بإذنه لهم فى ذلك، وفى رواية بفتح أولاه، وأصله صغار نحو الإبل والغنم، وأريد به هذا التحف التى يخصهم بها، وكان من سيرته فى ذلك الجزء أيضا. (قسمه) ما عنده من جزئى الدنيا والآخرة، وهو بفتح القاف مصدر قسم. (على قدر فضلهم فى الدين) دون أحسابهم وأنسابهم، لأن أولئك أكرم وأفضل. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اَللهِ أَتْقاكُمْ. (فيتشاغل بهم) أى بذى الحاجة وكان بعده، فيشتغل بهم، ويشتغلون به على قدر حاجتهم دنيا وأخرى. (ويشغلهم) بضم أوله وفتحه من شغله كمنعه، والأول لغة بعيدة أو قليلة، أو ردية ذكره فى القاموس. (فيما) وفى نسخة «بما» فالباء بمعنى فى أى فى الذى. (يصلحهم) ويصلح (الأمة) بتعليم ما استفادوه منه إليهم وفى نسخة «أصلحهم». (من) بيان لما كنا قبل وفيه نظر والأصوب أنها تعليلية. (مسألتهم) أى سؤالهم إياه. (عنه) أى عما يصلحهم وفى نسخة عنهم أى: عن أحوالهم. (وإخبارهم) مضاف أى: للمفعول وفاعله النبى صلى الله عليه وسلم أى ومن أجل إخبارة إياهم، فهو عطف على مسألتهم، وزعم عطفه على ما يصلحهم تكلف غير مرض، وفى نسخة: «بإخبارهم» عطف على «بهم»، وهو ظاهر، بل لو حمل عليه النسخة الأولى لكان أوضح. (ينبغى لهم) من الأحكام اللائقة بهم وبأحوالهم وبزمانهم ومكانهم، والمعارف التى تسعها عقولهم. (ويقول) لهم بعد أن يفيدهم ذلك (ليبلغ الشاهد) أى الحاضر. (منكم) عندى الآن. (الغائب) من بقية الأمة ويقول لهم أيضا. (وأبلغونى حاجة من لا يستطيع إبلاغها) إلىّ لعذر كمرض أو بعد أو غيرهما، وهذا من

إبلاغها، فإنّه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ثبّت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلاّ ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روّادا، ولا يفترقون إلا عن ذواق، ويخرجون أدلّة على الخير. قال الحسين: فسألته عن مخرجه، كيف كان يصنع فيه؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ كمال تواضعه صلى الله عليه وسلم وشفقته لأمته، واعتنائه بأمورهم وهدايتهم وإصلاحهم، ما استطاع، ومن ثمة حثهم على إبلاغه ذلك بقوله تعليلا لأمره بالإبلاغ. (فإنه) أى الشأن. (من أبلغ سلطانا) أى قادرا على إنفاذ ما يبلغه بفتح اللام وإن لم يكن له سلطنة، وهى القوة والمنعة. (حاجة من لا يستطيع إبلاغها) دنيوية كانت أو دينية. (ثبت الله قدميه يوم القيامة) لأنه حركها فى إبلاغ حاجة هذا الضعيف جوزى بعود صفة كاملة تامة لهما وهى ثباتهما على الصراط يوم تزل فيه الأقدام. (لا ذكى) أى المحتاج إليه دنيا وأخرى دون ما لا ينفع فيهما كالأمور المباحة التى لا فائدة فيها، فإنها كانت لا تذكر عنده غالبا، لأنه وإياهم فى شغل شاغل عن ذلك. (ولا يقبل) صلى الله عليه وسلم. (من) كلام. (أحد) شيئا. (غيره) أى غير المحتاج إليه، أى: لا يمش ويرضى ويشتغل إلا بذكر المحتاج إليه دون غيره. (روادا) أى طلابا للمنافع جمع رائد، وهو فى الأصل: من يتقدم القوم لينظر فى أمر الكلأ ومساقط الغيث، واستعير هنا؛ لتقدم أفاضل الصحابة فى الدخول عليه صلى الله عليه وسلم ليس تعبد منها ما يصلح شأن بقية الأمة، ويكون سببا لوقايتهم من مهالك الجهل وغوائل الهوى. (إلا عن ذواق) مطعوم حسىّ غالبا، ومعنوى من العلم والأدب دائما، فهو لأرواحهم مقام الطعام والشراب لأبنائهم، وعن بمعنى بعد. لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (¬1). (أدلة) هداة للناس يعنى. (على الخير) من العلم، والعمل، ومن ثمة قال صلى الله عليه وسلم: «أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» (¬2). (قال الحسين) رضى الله عنه. (فسألته) أى أبى. (عن مخرجه) أى عن صنعه فى حال خروجه من البيت. (يخزن) بضم الزاى وكسرها أى يحفظ عما لا. (يعنيه) أى يهمه ما لا يعود عليه، ولا غيره بنفع ¬

(¬1) سورة الانشقاق آية رقم (19). (¬2) رواه القضاعى فى مسند الشهاب (1346)، وابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله (898)، (909)، وذكره الحافظ ابن حجر فى تلخيص الحبير (2098)، وعزاه لعبد بن حميد فى مسنده، والدار قطنى فى غرائب مالك، وأبو ذر الهروى فى كتاب السنة، وضعفوه. وقال ابن حزم: هذا خبر مكذوب موضوع باطل.

قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا فيما يعنيه، ويؤلّفهم، ولا ينفّرهم، ويكرم كريم كلّ قوم، ويولّيه عليهم، ويحذّر النّاس ويحترس منهم، من غير أن يطوى عن أحد منهم بشره ولا خلقه، ويتفقّد أصحابه، ويسأل النّاس عمّا فى ـــــــــــــــــــــــــــــ دينى، ولا دنيوى «فكان صلى الله عليه وسلم كثير الصمت» (¬1) كما مر عن أبى هالة. (ويؤلفهم) أى يجعلهم ألفين له مقبلين عليه بكليتهم، ولا متسع فيهم لغيره لما كان يتنزل إليه معهم من مؤاسنتهم، ومباسطتهم، وربما يمازحهم، كل ذلك لسعة أخلاقه وعظيم تفضله وتكرمه، أو يؤلف بعضهم على بعض، حتى لا يبقى بينهم تباغض بوجه، ومن ثمة امتن الله تعالى عليهم بذلك فقال عز قائلا: وَاُذْكُرُوا نِعْمَتَ اَللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (¬2). وأما ما قيل: إن معنى؛ يؤلفهم: يعطيهم الوفاء فهو لا يوافق اللغة، ولا المراد، لأنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يتألف بالمال من جفاه من أصحابه، ممن لم يتمكن الإسلام فيهم تمكنه فى غيرهم ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم: «إنى لأعطى الرجل، وغيره أحب إلىّ مخافة أن يكبه الله على وجهه فى نار جهنم» (¬3)، ويؤيد إرادة المعنى الأول قوله: (ولا ينفرهم) أى لا يوجد فعلا من أفعاله يكون سببا فى تفرقهم، وإعراضهم عنه لما عنده من مزيد الصفح، والعفو، والرأفة عليهم، والحلم عنهم قال تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ اَلْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاِسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ. (كريم كل قوم) هو أفضل دينا وحسبا ونسبا ويوليه عليهم وهذا من تمام حسن نظره وعظيم تدبره، إذ القوم أطوع لكبيرهم، وأخشى منه مع ما فيه من الكرم المقتضى للرفق بهم ولاعتدال أموره معهم. (ويحذر الناس) أى يخوف الناس من عقاب الله وعذابه ويحثهم على طاعته. (ويحترس منهم) أى مخالطتهم المؤدية إلى سقوط هيبته وجلالته من قلوبهم، ولكن لا مطلقا بل إنما يحترس احتراسا (من غير أن يطوى عن أحد منهم بشره) أى طلاقة وجهه وبشاشته. (ويسأل الناس) وهو اتصاف الباطن بسائر صفات الكمال فاحتراسه وتحفظه إنما هو عن كثرة مخالطتهم كثرة تؤدى إلى ما مر، لا عن نوع مخالطة على أن تكون مقرونة بغاية البشر وسعة الخلق، فلا مشقة. ¬

(¬1) رواه أحمد فى مسنده (5/ 91)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/ 297)، وقال: رواه أحمد والطبرانى فى حديث طويل، ورجال أحمد رجال الصحيح غير شريك وهو ثقه. (¬2) سورة آل عمران آية رقم (103) (¬3) رواه مسلم فى الإيمان (132).

النّاس، ويحسّن الحسن ويقوّيه، ويقبّح القبيح ويوهّيه، معتدل الأمر غير مختلف، ولا يغفل مخافة أن يغفلوا ويملّوا، لكلّ حال عنده عتاد لا يقصّر عن الحقّ ولا ـــــــــــــــــــــــــــــ عليهم فى ذلك الاحتراس، بل فيه غاية المصلحة لهم. (ويتفقد أصحابه) يطلبهم عند غشيته. (فى الناس) يحتمل أن يراد بهم العموم، ويحتمل أن يراد بهم الخصوص، أى: ويسأل خواص أصحابه وأفاضلهم. (ويحسن الحسن) من المحاسن والمساوئ ليعامل كلا بما يقتضيه أفعاله وأوصافه، ومن ثمة قال: (ويحسن الحسن) الواقع من غيره أى: يظهر حسنه بمدحه، أو مدح فاعله. (ويقبح القبيح) الواقع من غيره أى: يظهر قبحه بذمه وذم فاعله، وإن بلغ من الجاه ما بلغ به، ثم سؤاله من ذلك سؤال يترتب عليه مصالح عامة فلا غيبة فيه، إذ من أنواع الغيبة الجائزة، بل الواجبة أن من أراد مخالطة إنسان وجب على من يعلم فيه عيبا أو منفرا أن يذكره لذلك المريد لمخالطته، وإن لم يسأل فكيف إذا سأل. (ويوهيه) معنى يوهيه يسقطه عن النظر والاعتبار وفى نسخة بالنون من الوهن. تنبيه: إنما لم يقل عما فهم كما هو القياس ليس الطريق الأوضح أن المسئول غير المسئول عنه، وفى هذا إرشاد منه صلى الله عليه وسلم إلى أكابر أمته من الحكام، والعلماء، والصحابة الذين يكثر أتباعهم، أنه ينبغى لهم أن يتعرفوا أحوالهم ليعاملوا كلا بما يستحقه، ولا يغفلون عن ذلك لئلا يترتب عليهم الضرر العظيم كما هو مشاهد. (معتدل الأمر) ظاهر السياق نصبه عطفا على خبر كان، وما عطف عليه بحذف حرف العطف وفى بعض الأصول المصححة: رفعه بتقدير مبتدأ محذوف وسببه أن ذلك الأخبار المتعاطفة، وأمور تطلق عليه تارة، وأضدادها أخرى لكونه يجرى لبيانه، وما عطف عليه، فإما كونه معتدل الأمر، وما بعده، فهى أمور لا رغد له لا ينفك عنها أبدا لرفادة ذلك قطعا عما قبل وذكرها على هذا الوجه البديع فتأمل، فإنه مهم وقد غفل عنه بعضهم فقال: وكأن جملة معتدل الأمر معترضة أى: بناء على ما فى بعض النسخ: «ولا يعتل» بالعطف، لكن الذى فى الأصول المصححة حذف الواو فتعين ما ذكرته. (غير مختلف) حال بمعنى أن جميع أفعاله وأقواله على غاية الاستواء والاعتدال، وجميع ذلك محفوظة عن أن يصدر به فيها أمور متخالفة المجامل، متناقضة الأواخر والأوائل، وأن ذلك إنما ينشأ عن خفة العقل، وسفاهة الرأى، وعدم المروءة وسوء الخلق وأيا من كملت فيه تلك المحاسن فحاشاه من ذلك. (لا يغفل) عن تذكيرهم وإرشادهم ونصحهم وتعليمهم. (مخافة أن يغفلوا) عن استفادة. (علىّ) أقواله وأحواله. (أو يلجئوا) إلى

يجاوزه، الذين يلونه من النّاس خيارهم، أفضلهم عنده أعمّهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة، أحسنهم مواساة وموازرة. ـــــــــــــــــــــــــــــ الدعة والرفاهية. (أو يميلوا) من الميل فى أخرى: «ويميلوا» بالواو لكل حال من أحواله وأحوال غيره. (عنده عتاد) بفتح أوله أى: عدة وتأهب بما يصلحه ويناسبه. (لا يقصر) من التقصير والقصور. (عن الحق) وسائر أحواله حتى يستوفيه لصاحبه إن علم منه عما فيه، ولا يعطى فيه رخصة ولا تهاونا. (ولا يجاوزه) فلا يأخذ أكثر منه، وزعم أن لا يقصر بالمعنى الثانى صفة عتاد ليس فى محله، لأن المقام ينبو عنه بكل وجه كما هو جلى ومن شرح جملة قوله: «ولا يقصر» والتى بعدها بقوله: «ولا إفراط ولا تفريط» فقد غفل، إذ لا مجال هنا لذكر إفراط ولا تفريط إثباتا ولا نفيا. (الذين يلونه من الناس) أى يقربون منه لاكتساب الفوائد وشرها وتعليمها لهم. (خيارهم) فيه دليل على أن الأولى للعالم أن يجعل الذين يقربون منه ويتلقون عنه خيار أصحابه، لأنهم الذين يؤتمنون ويوثق بهم علما وفهما أو تبليغا ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم: «ليلينى منكم-أى فى الصلاة-أولى الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم» (¬1) فكذا حلق العلم ومجالسيه ينبغى أن يكون أهله كذلك. (أفضلهم عنده أعمهم نصيحة) للمسلمين أى: أكثرهم نفعا، وبهذا وما بعده علم أن الأفضل عند الله من الصحابة رتب الخلفاء الأربعة فى الفضل على ما عليه أهل السنة والجماعة، إلا بعضا منهم: فضلوا عليا على عثمان رضى الله عنهم، ومن تتبع سير أحوالهم وانكشفت له مناقبهم علم ذلك علما يقينا، وأما من انطمست بصيرته وفسدت سريرته، فإنه يجرى فى ميادين ضلالته وشقائه. (مواساة) أى بالنفس والمال. (ومؤازرة) مهموز الفاء أى معاونة فى مهمات الأمور بالنفس والمال أيضا: كما وقع للإنصار مع المهاجرين فى كل من الأمرين. تنبيه: مخرجه صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى ثلاثة أجزاء أيضا قسم لله، وهو وقت إقامة الصلاة، وتعلم العلوم، وقسم لنفسه، وهو ما تدعو إليه ضرورة، وقسم للناس، وهو السعى فى حوائجهم، فلم خص تلك النعمة بمدخله فقط، ويجاب: بأنهم يعلمون أحواله فى ¬

(¬1) رواه مسلم فى الصلاة (432)، وأبو داود (675)، والترمذى (228)، والدارمى (1/ 290)، وأحمد فى مسنده (1/ 475)، وابن حبان فى صحيحه (2180)، وابن خزيمة فى صحيحه (1572)، والطبرانى فى الكبير (10041)، والبيهقى فى السنن الكبرى (3/ 96،97)، وأبو عوانة فى مسنده (2/ 42)، والبغوى فى شرح السنة (821).

قال: فسألته عن مجلسه. فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهى به المجلس، ويأمر بذلك، يعطى كلّ جلسائه بنصيبه، لا يحسب جليسه أنّ أحدا أكرم عليه منه، من جالسه، أو فاوضه، فى حاجة صابره حتّى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يردّه إلاّ بها، أو بميسور من القول، ـــــــــــــــــــــــــــــ خروجه فلم يحتج إلى ذكرها لهم بخلافها فى دخوله، فاحتاج إلى ذكرها وأيضا فالغالب فى من فى بيته أنه يشتغل بعياله وحوائجه فى أكثر الزمن فتبين أنه صلى الله عليه وسلم ليس كذلك، وأيضا فهو فى خروجه أكثر زمنه مصروف للنفع العام، وفى دخوله بالعكس فكان بيان هذا أهم، ثم رأيت بعضهم أجاب عن ذلك بما لا يفهم بعضه ولا ينفع باقيه، فاجتنب. (عن مجلسه) أى أحواله فى وقت جلوسه مع الناس وهذا من ذكر الأخص بعد الأعم إذ ذكر أحوال مخرجه يدخل فيه ذكر أحوال مجلسه المذكور. (إلا على ذكر) أى ذكر الله كما فى نسخة إلا حال كونه متلبسا بالذكر. (حيث ينتهى به) صلى الله عليه وسلم خلافا لمن زعم أن الضمير للجلوس. (المجلس) لكرم أخلاقه ومزيد تواضعه إذ لم يتكلف خطوة زائدة على الحاجة لحظ نفسه حتى يجلس صدر المجلس. (ويأمر بذلك) أى بالجلوس حيث انتهى المجلس إعراضا عن رعونات النفس وأغراضها الفاسدة، المنبئة عن مزيد التكبر والترفع. (بنصيبه) من البشر والكرامة اللائقين به، وأفرد الضمير؛ لأن كل إذا أضيفت إلى الجمع دلت على أن المراد كل فرد من أفراد ذلك الجمع، وأدخل الباء على المفعول الثانى تأكيدا، ويصح أنه محذوف، وأن بنصيبه صفته أى: شيئا بقدر نصيبه (لا يحسب جليسه. . .) إلخ فلكمال خلقه وحسن معاشرته ظن كل أنه من جلسائه لما ظهر له من عظيم بشره وقربه أنه أقرب الناس إليه، وهذا هو الغاية فى الكمال وقوله: (أحدا) أى من أمثاله كما هو ظاهر لا مطلقا وإلا فمن المعلوم المستقر أن الصحابة بأسرهم كانوا يعتقدون أن أبا بكر مثلا كان أكرم عليه منهم. (صابره) أى يصبر على ما يصدر منه، ولا يبادر بالقيام عنه، ولا يقطع كلامه، بل يستمر معه. (حتى يكون هو المنصرف) عنه صلى الله عليه وسلم وهذا من عظيم خلقه وكريم تواضعه وهذا يتعلق بمجالسه، وأما فاوضه فالمراد بمصابرته فيه أنه يصبر لمفاوضته حتى ينقضى كلامه. (إلا بها) أى يتسرب عنده. (أو بميسور) أى حسن. (من القول) ليكون ذلك علاقته مسلاة له عن حاجته، وهذا من

قد وسع النّاس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده فى الحقّ سواء، مجلسه مجلس علم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه كمال سخائه، ومروءته، وحيائه، ومن ذلك الميسور: أن يعده العطاء إذا جاء أحد شىء، كما وقع له مع كثيرين، بل لما استخلف أبو بكر وجاءه مال قال: من كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليأتنا، فجاءه الذين كان وعدهم صلى الله عليه وسلم فوفى لهم أو يرغبه عن الدنيا وزينتها، حتى يخرج حبها عن قلبه أو يشفع له إلى من يعطيه من مياسير أصحابه بسطه بشره، وطلاقة وجهه وخلقه، أى: أمر ذاته الظاهرة والباطنة. (فصار لهم أبا) فى الشفقة والرحمة وأعظم من أب، لأن غاية الأب أن يسعى فى صلاح الظاهر، وهو ساع فى صلاح الظاهر والباطن، ومن ثم أشفق على أهل الكبائر من أمته وأمرهم بالستر فقال: «من بلى بهذه القاذورات-يعنى المحرمات-فليستتر» وأمر أمته أن يستغفروا للمحدود، ويترحموا عليه لما سبوه ولعنوه، فقال: «قولوا: اللهم اغفر له اللهم ارحمه»، وقال لهم فى رجل كان كثيرا ما يؤتى به سكران بعد تحريم الخمر فلعنوه مرة، فقال: «لا تلعنوه فإنه يحبّ الله ورسوله». (وصاروا عنده فى الحق سواء) أى سواء توصل إليهم من معارفه وعلومه ما يستحقونه من غير أن يميزّ أحدا منهم على مساويه فى التأهل لقبول ذلك والاستعداد له لكمال عدالته صلى الله عليه وسلم. (مجلس علم) نبيهم إياه. (وحياء) عظيم يتحلون به، ومن ثم كانوا يجلسون فيه على غاية من الأدب كأن على رءوسهم الطير. (وصبر) منه على جفائهم. (وأمانته) منهم على ما يقع فيه بحيث لا يمكن أحدا أن يزيد على ذلك، أو ينقص منه شيئا وإن قل، وذلك لما أنه كان فى مجلس تذكير بالله، وترغيب فيما عنده، وترهيب من سطوات انتقامه، إما بإقرائهم القرآن غضا طريا، أو بما آتاه الله من الحكمة والموعظة الحسنة، وتعليمهم أحكام دينهم وأسراره الظاهرة والباطنة، فترق قلوبهم ويزهدون فى الدنيا، ويرغبون فى الآخرة، ومن ثم قال أبو هريرة كما عند أحمد وغيره: «قلنا: يا رسول الله ما لنا إذا كنا عندك رقت قلوبنا وزهدنا فى الدنيا، وكنّا من أهل الآخرة، فإذا خرجنا من عندك وعافينا أهلنا وشمّنا أولادنا، أنكرنا قلوبنا فقال صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم إذا خرجتم من عندى كنتم على حالكم ذلك لزارتكم الملائكة فى بيوتكم» الحديث. (لا ترفع فيه الأصوات) لأنهم كانوا على غاية الخضوع والتأدب والإطراق كأنما على رءوسهم الطير، فليسوا ككثيرين من طلبة العلم يرفعون به أصواتهم فى درسهم ومجالسهم، إما لرياء، أو لعدم فهم، أو

الحرم، ولا تنثنى فلتاته، متعادلين، يتفاضلون فيه بالتّقوى، متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصّغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب». ـــــــــــــــــــــــــــــ لعدم علم، أو صبر، أو أمانة. (ولا تؤبن) من الأبن وهو العيب. (فيه الحرم) أى المحارم، أى: لا يعبن ولا يرمين محلة سوء لصون مجلسه عن رفث القول وقبيحه. (لا تنثنى) بفوقية فنون فمثلثة من الثنو من ثنى يثنو إذا تكلم بقبيح أى: لا يشاع ولا يذاع. (فلتاته) أى زلاته، أى: إن وقع من أحد فيه زلة سترت فلا تذكر فى مجلس غيره، أو أن المراد كما قال ابن الأعرابى: إنه لا فلتات فيه تثنى فانثنى، فالنفى للفلتات نفسها لا لوصفها من الإذاعة، فالنفى لا يقيد لا للقيد وحده على حد لا يَسْئَلُونَ اَلنّاسَ إِلْحافاً أى لا سؤال منهم فلا إلحاف، فإن قلت: قد وقع فيه فلتات من أجلاء فالعرب يقول بعضهم له: «أعطى من مال الله الذى أتاك لا من مال أبيك وجدك». وقول الأنصارى: للزبير فى السقى فقضى صلى الله عليه وسلم للزبير: «أن كان ابن عمتك» قلنا: مثل هذه الأجلاف لا تسمى فلتة، كيف وهى دأبهم ونشأتهم؟ وإنما تسمى فلتة ما وقع من كامل على خلاف طبعه وعادته، وهذه لم يحفظ وقوع شىء منها فى مجلسه، فإن حفظ، كان المراد بها،؛ لو وقعت نادرا سترت على صاحبها. (متعادلين) قيل: بنصب بتقدير كانوا وأولى منه؛ أنه حال متقدمة من ضمير. (يتفاضلون) أى متساوين فيما بينهم، فلا ترى أحدا منهم له تميز على جليسه وإن كان أجل منه علما وأقدم صحبة. (الكبير) أى هنا وقد لا: (الصغير) أى كذلك وورد: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا». (ويؤثرون ذا الحاجة) على أنفسهم فى تقربه من النبى صلى الله عليه وسلم وتحدثه معه وغير ذلك. (ويحفظون الغريب) من الفوائد أى: يعتنون بحفظه وإتقانها، ومن الرجال، أى: يحفظون وده وإكرامه، ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن له بواب كما فى البخارى، لكنه اتخذ أبا موسى الأشعرى بوابا لما جلس على البئر ولا تنافى، بل الأول فيما إذا لم يكن فى شغل من أهله ولا انفراد فى أمره ح، فكان يرفع الحجاب بينه وبين الناس، والثانى فيما إذا كان فى شىء من ذلك، ومن ثم لما حلف النبى صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل على نسائه شهرا، وانفرد فى المشربة استأذن عليه عمر رضى الله عنه فقال: «يا رباح استأذن لى».

322 - حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أهدى إلىّ كراع لقبلت، ولو دعيت عليه لأجبت». 323 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن محمد ابن المنكدر، عن جابر، قال: «جاءنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس براكب بغل ولا برذون». 324 - حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا يحيى بن الهيثم العطار، قال: سمعت يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: «سمّانى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوسف، وأقعدنى فى حجره، ومسح على رأسى». ـــــــــــــــــــــــــــــ 322 - (كراع) هو ما دون الركبة من الساق. (عليه) أى إليه كما فى نسخة. (لأجبت) فيه: ندب قبول الهدية وإجابة الدعوة، ولو بشىء قليل فى كمال خلقه وحسن تواضعه. 323 - (ولا برذون) هو الأعجمى، وهو أصبر من العربى، والعربى أسرع منه، ومجيئه صلى الله عليه وسلم بدونهما دليل على تواضعه. 324 - (فى حجره) هو بالكسر ما بين يديك من بدنك، وبالفتح فرج الرجل والمرأة، وحكى أنه بهما الحسن، وهو ما دون الإبط إلى الكشح، وأنه روى هنا بهما، والمصدر الذى هو المنع بالفتح لا غير، وفى الحديث: أنه يندب لمن يقتدى به، ويتبرك به تسمية ¬

322 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأحكام (1338)، بسنده ومتنه سواء. 323 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى المناقب (3851)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى المرضى (5664)، وأبو داود فى الجنائز (3096)، وأحمد فى المسند (3/ 373)، ثلاثتهم من طريق عبد الرحمن به فذكره. 324 - إسناده صحيح: رواه الإمام أحمد فى المسند (4/ 35)، (6/ 6)، من طريق يحيى بن الهيتم به فذكره.

325 - حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا أبو داود، أنبأنا الربيع بن صبيح، حدثنا يزيد الرقاشى، عن أنس بن مالك: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم حجّ على رحل رث وقطيفة، كنّا نرى ثمنها أربعة دراهم، فلمّا استوت به راحلته قال، لبّيك بحجّة لا سمعة فيها ولا رياء». 326 - حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن ثابت البنانى وعاصم الأحول، عن أنس بن مالك: «أنّ رجلا خيّاطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرّب له ثريدا عليه دبّاء فكان صلى الله عليه وسلم يأخذ الدّبّاء، وكان يحبّ الدّبّاء. قال ثابت: فسمعت أنسا يقول: فما صنع لى طعام أقدر على أن يصنع فيه دبّاء إلا صنع». ـــــــــــــــــــــــــــــ ولد أصحابه، وتحسين الاسم، وأن أسماء الأنبياء من الأسماء الحسنة، ووضعه فى الحجر، ومسح رأسه وفى فعله صلى الله عليه وسلم هذين كمال خلقه وعظيم رحمته وتواضعه وملاطفته. 325 - (راحلته) هى من الإبل البعير القوى على الأسفار والأحمال، الذكر والأنثى فيه سواء. (لبيك) أى إقامة على إجابتك بعد إقامة من ألب بالمكان أقام، والأصل: ألبيت على خدمتك إلبابا أى: قمت عليها إقامة بعد إقامة. (لا سمعة فيها ولا رياء) بل خالص لوجهه تعالى. 326 - (خياطا) مر حديثه فذكر هنا، لأن فيه دلالة على مزيد تواضعه صلى الله عليه وسلم. (يقول. . .) إلخ فيه أنه يندب محبة ما كان صلى الله عليه وسلم يحبه، ويندب أيضا تحرى طبخه وأكله. ¬

325 - صحيح: وسبق برقم (319). 326 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى الأشربة (2041)، وأحمد فى المسند (3/ 225)، وعبد بن حميد فى المنتخب (1277)، ثلاثتهم من طريق ثابت به فذكره.

327 - حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنى معاوية بن صالح، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، قالت: قيل لعائشة: ماذا كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيته، قالت: «كان بشرا من البشر، يفلى ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه». ـــــــــــــــــــــــــــــ 327 - (قالت. . .) إلخ صح عنها أيضا: «كان يخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه ويخصف نعله» فى رواية أحمد: «ويرقع دلوه»، وفى أخرى له أيضا: «ويفلى ثوبه» أى: فى أوقات لما صح «أنه صلى الله عليه وسلم كان له خدم». (بشرا من البشر) أى واحدا من أولاد آدم يعتريه ما يعتريهم من الاحتياج لنحو الأكل والشرب والمشى فى الأسواق ومن المحن والضرورات ومن الاشتغال فى مهنة أهله ونفسه، بما أرشد أمته إلى التواضع، وترك الترفع، ولأنه قد شرفه الله بالوحى والنبوة وكرمه بالمعجزات والرسالة قُلْ إِنَّماأَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ وردت بذلك على من يعتقد فى النبى أنه إله، أو ابنه، كما اعتقدت النصارى فى عيسى، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وقوله: «لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم». (ويفلى ثوبه) أى يلتقط ما فيه من القمل ونحوه وظاهر ذلك أن نحو القمل كان يؤذى بدنه الشريف، إلا أن يقال لا يلزم من التفلية وجوده بالفعل، على أنه يحتمل أن التفلية من وسخ ونحوه، ثم رأيت ابن وسيع ونحوه قالوا: لم يكن القمل يؤذيه تعظيما له، وبعضهم أجاب بما يعلم رده مما قررته. ... ¬

327 - إسناده ضعيف وهو صحيح: فيه: عبد الله بن صالح: صدوق كثير الغلط، ومعاوية صدوق له أوهام. رواه أحمد فى المسند (6/ 256)، والبخارى فى التاريخ الكبير (1/ 541)، والبغوى فى شرح السنة (3570)، ثلاثتهم من طريق معمر به فذكره نحوه. وللحديث طريق أخرى عند الإمام أحمد كما سبق.

48 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

48 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بضم فسكون أو ضم مراد وفى الأصل المفتوح الأول كالشرب والشرب، لكن خص المفتوح بالهيئات والسور المدركة بالبصر، والمضموم بالقوى المدركة بالبصيرة، فهو ملكة إنسانية ينشأ عنها جميل الأفعال، وكمال الأحوال، وهو الصورة الباطنة من النفس، وأوصافها، ومعانيها المختصة بها، بمنزلة خلق للصورة الظاهرة، وأوصافها، ومعانيها، وأوصافها حسنة وقبيحة، لكن تعلق الكمال وضده، بأوصاف الأولى أكثر منه بأوصاف الثانية، ومن ثم تكررت الأحاديث فى مدح حسن الخلق، وأصل هذا الباب أن الله خلق الإنسان، وجعل له قلبا يعقل منه فيه فبكمال العقل؛ تقتبس الفضائل، وتجتنب الرذائل، وإن كان خبر: «إن الله لما خلق العقل قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال: أدبر فأدبر، قال: ما خلقت خلقا أشرف منك، فبك آخذ، وبك أعطى» كذبا موضوعا باطلا من سائر طرقه، ومدح العقل للعلم به عند كل أحد، غنى عن مثل هذا الكذب ومحله القلب على الأصح، ومن ثم كان إذا صلح القلب صلح سائر الجسد كله كما فى الحديث، وجعل سبحانه القلوب محل السر والإخلاص الذى هو سر الله يودعه قلب من يشاء من عباده، فأجل قلب أودعه ذلك قلبه صلى الله عليه وسلم، وقد جعل تعالى النفوس أعلاما على أسرار القلوب، فمن تحقق قلبه بسر الله الأكبر اتسعت أخلاقه بجميع الخلق والمحاسن الظاهرة، مما لم يشاركه فيه مخلوق أيضا، وتلك آيات على سر قلبه الشريف، كما تقرر، ومن ثم ورد: «أنه أوسع قلب اطلع الله عليه» أى: لما حباه به من شرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر، والشق المتكرر كما مر بيانها، واختلف: هل حسن الخلق غريزة، أو مكتسب؟ فقيل: غريزة، لخبر البخارى: «إن الله قسم أخلاقكم بينكم كما قسم أرزاقكم»، وقيل: مكتسب، لما صح فى خبر الأشج: إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة، قال: يا رسول الله قديمان كان فىّ، أو حديثان؟ قال: قديما، قال: الحمد لله الذى جبلنى على خلقين يحبهما» فترديد السؤال عليه، وتقريره يشعر بأن منه ما هو جبلى ومنه ما هو مكتسب، وهذا هو الحق، ومن ثم قال القرطبى: هو جبلة فى نوع الإنسان، وهم متفاوتون فيه، فمن غلبه حسنه فهو المحمود، وإلا أمر بالمجاهدة حتى يصير حسنا، وبالرياضة حتى يزيد حسنه وصح: «اللهم حسنت خلقى

328 - حدثنا عباس بن محمد الدورى، حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا ليث بن سعد، حدثنى أبو عثمان: الوليد بن أبى الوليد، عن سليمان بن خارجة، عن خارجة بن زيد بن ثابت، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ فحسن خلقى»، وفى مسلم فى دعاء الافتتاح: «واهدنى لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت» والظاهر أنه لما أراد بذلك العبودية، والخضوع لله، وإلا فهو مجبول على الأخلاق الكريمة فى أصل جبلته بالفضل الوهبى والجود الإلهى، من غير رياضة ولا تعب، بل لم تزل أنوار المعارف تشرق فى قلبه حتى اجتمع فيه من خصال الكمال ما لا يحيط به حد ولا يحصره عد، ومن ثم أثنى الله تعالى عليه فى كتابه العزيز فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ، وَعَلَّمَكَ مالَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اَللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً، فوصفه بأنه عظيم فى قوته العملية والعلمية، وبأنه مغمور فى الثانية، مستغرق فيهما، مشتغل عن الأولى، ووصفه بالعظيم مع أن الغالب وصف الخلق بالكرم أى: السماحة والدعابة، إشارة إلى أن خلقه لم يقصر على ذلك؛ بل كان رحيما بالمؤمنين رءوفا بهم، شديدا على الكفار، غليظا عليهم، مهابا فى صدور الأعداء، منصورا بالرعب منه مسيرة شهر، فوصف بالعظيم، ليعم الإنعام والانتقام، لكن مظاهر الأول فيه أكثر، ومن ثم ورد بسند ضعيف: «إن الله بعثنى بمكارم الأخلاق، وكمال محاسن الأفعال». وفى الموطأ بلاغا. «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» كيف وقد أدب بالقرآن؟ كما قالت عائشة: «كان خلقه القرآن» قال العارف الشهاب السهروردى: فيه رمز غامض، وإيما خفى إلى الأخلاق الربانية، فاحتشمت الحضرة الإلهية أن تقول: كان متخلقا بأخلاق الله، فعبرت عن هذا بأن خلقه القرآن، استحياء من سبحات الجلال، وستر اللحان، بلطيف المقال، لوفور عقلها، وكمال أدبها انتهى، فأوصاف خلقه العظيم لا تتناهى، كما أن معانى القرآن لا تتناهى، وهذا غاية فى الاتساع لا ينتهى لانتهائها، ومن ثمة سعت أخلاقه أخلاق هذا العالم فلهذا أرسله الله إلى الثقلين الإنس والجن، وكذا الملائكة، بل وإلى كافة الخلق كما فى مسلم. 328 - (نفر) يقع على الثلاثة إلى العشرة لا واحد له من لفظه. (ماذا أحدثكم) ¬

328 - إسناده ضعيف: فيه: سليمان بن خارجة: مجهول. رواه الطبرانى فى الكبير (4882)، والبغوى فى شرح السنة (3573)، كلاهما من طريق سليمان بن خارجة به فذكره.

«دخل نفر على زيد بن ثابت، فقالوا له: حدّثنا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا أحدّثكم؟. كنت جاره فكان إذا نزل عليه الوحى بعث إلىّ فكتبته له، فكنّا إذا ذكرنا الدّنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطّعام ذكره معنا، فكلّ هذا أحدّثكم عن النّبىّ صلى الله عليه وسلم». 329 - حدثنا إسحاق بن موسى، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن ـــــــــــــــــــــــــــــ كأنهم طلبوا الإحاطة بأحواله صلى الله عليه وسلم فتعجب من ذلك، لأنها لا يمكن الإحاطة بها، بل ولا ببعضها من حيث الحقيقة والكمال الذى لا نهاية له، فأفادهم بهذا التعجب رد ما وقع فى نفوسهم، ثم أفادهم بعض ذلك على وجه يدل على غاية ضبط وإتقان لما يرويه، فقال: (كنت جاره. . .) إلخ أى: بيتى قريب من بيته فلى خبرة وإحاطة بأحواله أتم من غيرى. (بعث إلى) فيه مزيد اعتنائه بأمر الدين. (فكتبته) أى الوحى فهو من جملة كتبة الوحى بل أجلهم، ومن ثم كان يكتب له أيضا الكتب التى يرسلها للملوك وغيرهم، وهو أحد الأربعة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الثلاثة الذين جمعوا الصحف فى خلافة أبى بكر بأمره لعمر لهم بذلك، وهذا هو الجمع الأول، والثانى كان فى زمن عثمان، وهو الذى استمر عليه الأمر، وهو أيضا أعلم الصحابة بالفرائض، كما فى الحديث الصحيح: «أفرضكم زيد». (ذكره معنا. . .) إلى آخره فيه دليل ظاهر على كمال خلقه، وحسن معاشرته، وغاية تلطفه بأصحابه صلى الله عليه وسلم ليزيد إقبالهم عليه، واستفادتهم منه. (فكل) بالرفع كما هو الرواية، ويجوز النصب فالتقدير: أحدثكم إياه. (هذا. . .) إلخ أعاده ليؤكد به الحديث، ويظهر اهتمامه به، ولا ينافى هذا ما تقرر فى الباب قبل هذا فى أحواله فى مجلسه، لأن ذكر الدنيا والطعام، قد يقترن به فوائد علمية، أو أدبية، وتقرير خلوه منهما، ففيه بيان جواز تحدث الكبير مع أصحابه فى المباحات، ومثل هذا البيان واجب عليه صلى الله عليه وسلم. 329 - (العاصى) الجمهور على كتابته بالياء وحذفها لغة، كما قرأ به السبعة فى ¬

329 - إسناده ضعيف: فيه محمد بن إسحاق وهو مدلس، وقد عنعنه ولم يصرح بالتحديث. وقد رواه الهيثمى فى مجمع الزوائد (9/ 15)، وقال: رواه الطبرانى، وإسناده حسن. قلت: بينا علة الضعف. وهى تدليس محمد بن إسحاق، وعدم تصريحه بالتحديث.

إسحاق، عن زياد بن أبى زياد، عن محمد بن كعب القرظى، عن عمرو بن العاص، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه على أشرّ القوم، يتألفهم بذلك. فكان يقبل بوجهه وحديثه علىّ، حتّى ظننت أنّى خير القوم. فقلت: يا رسول الله: أنا خير أو أبو بكر؟ فقال: أبو بكر. فقلت: يا رسول الله: أنا خير أم عمر؟ فقال، عمر. فقلت: يا رسول الله: أنا خير أم عثمان؟ فقال: عثمان: فلمّا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدقنى، فلوددت أنّى لم أكن سألته». ـــــــــــــــــــــــــــــ الكبير المتعال. (أشر القوم) استعمال الألف فيه لغة قليلة هكذا والأكثر شر، وكذا يقال فى خير وأخير. (يتألفهم) جملة استئنافية من أسلوب الحكيم كأنه قيل: لما يفعل ذلك؟ قال: يتألفهم أى يستأنفهم لتزداد رغبتهم فى الإسلام، والضمير للأشر، لأنه جمع فى المعنى، أو للقوم، لأن التألف كان عاما لجميعهم، لكنه يزيد فى الأشر، ولا ينافى هذا ما تقدم مما يدل على استواء أصحابه فى إقباله عليهم، لأن ذلك حيث لا عذر هنا تخصيص بالإقبال بالأشر، إنما هو لعذر التألف. (حتى ظننت أنى خير القوم) هذا من عظيم تألفه، وحسن معاشرته، وكريم خلقه صلى الله عليه وسلم فى التألف مر هنا، وظنه ذلك لأنه كان حديثا فى الإسلام، إذ إسلامه قريب فتح مكة كخالد بن الوليد رضى الله عنه فكان لا يعرف شيمته صلى الله عليه وسلم من التألف، فظن بكثرة إقباله عليه أنه خير القوم فسأله عما يأتى قبل التفريع فى قوله: «فكان يقبل» اهه يقتضى كما هو الظاهر أن يقال: حتى ظننت أنى أشر القوم، ولذا فسر بعضهم إلى خلاف ذلك الظاهر فقال: الفاء تعليلية لا تفريعية انتهى، ويجاب: بأنه رضى الله عنه حكى شيمته صلى الله عليه وسلم باعتبار ما فى باطن الأمر لما عرضها بعد وباعتبار ما ظنه لجهله بهذا أولا فالتفريع بالاعتبار الأول، والظن بالاعتبار الثانى، وحاصله: أنه لما أقبل عليه ظن أنه خير القوم، وفى الحقيقة: أن إقباله عليه يدل على أنه شر القوم كما هو عادته فى التألف، فتأمل ذلك، فإنه مهم ليزيد إقبالهم عليه، واستفادتهم منه. (فصدقنى) أجاب سؤالى بجواب خفى، والفاء فى جواب لما مر على ما فى أكثر النسخ سائغة كما صرح به بعض أئمة النحو أى لكنها خلاف الغالب، ولم يزدد ذلك من قال: إنها زائدة، والجواب بعدها مقدر أى: لما سألته فصدقنى ندمت، وح فقوله: (فلوددت) عطف على فصدقنى على الأول، وعلى ندمت المقدر على

330 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعى، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: «خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لى: أفّ قطّ، وما قال لشىء صنعته لم صنعته، ولا لشىء تركته لم تركته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا، ولا مسست خزا ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكا قطّ، ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم». ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانى. (أنى لم أكن سألته) أعاد ذلك لأنه قبل السؤال كان يظن أن إقباله صلى الله عليه وسلم لخيريته، فلما سأل وبان له أن إقباله إنما هو للتألف، وأن زيادته ينبئ عن الشر، فإن الإقبال ربما أنبأ عن شر عنده، فندمه لذلك، بل ولظهور خطأ ظنه الذى يستحق منه مثله، وهذا جواب ظاهر، ووقع لبعضهم هنا ما لا يفهم بعضه، ولا ينبغى نقله فاجتنبه، والحامل لعمرو على ذلك: بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من عظيم التألف، ليقتدى به أمته فى ذلك، وإرشادا للسائل إلى أنه ينبغى أن لا يسأل عن شىء، إلا بعد تحقق أمره، وإلا بان خطؤه، وظهرت فضيحته وفى نسخة مصححة: «فصدّقنى» بالتشديد، قيل: وجهه غير ظاهر انتهى، ويوجه: بأنه صدقه فى ظنه أنه خير أصحابه لجهله بعادته، فلذلك لم يعمقه فى تطلعه إلى أفضليته حتى على الشيخين، وهذا معنى صحيح، فليحمل التشديد عليه، وعلى نسخة: «صدقنى» بلا فاء تكون جملة حالية بتقدير قد سواء فى ذلك المخفف والمشدد. 330 - (عشر سنين) هى أكثر الروايات، ورواية مسلم: «تسع سنين» وهى محمولة على التحديد، والأولى على التقريب الفاء للكسر، إذ خدمة أنس له إنما هى فى أثناء السنة الأولى. (أف) اسم فعل للتضجر والتأوه يستعمل فى كل ما يستقذر للواحد والاثنين، والجمع، والمذكر، والمؤنث بلفظ واحد ولغاتها عشر معروفة. (قط) بضم الطاء المشددة مع فتح أوله، وضمه وبفتح فسكون، ثم الكسر مع التشديد وعدمه، وهى لتوكيد نفى الماضى. (وما قال. . .) إلخ فيه بيان كمال خلقه، وحسن عشرته، ¬

330 - صحيح: رواه الترمذى فى البر والصلة (2015)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البغوى فى شرح السنة (3558)، من طريق المصنف به فذكره.

331 - حدثنا قتيبة بن سعيد، وأحمد بن عبدة الضبى، والمعنى واحد، قالا: حدثنا حماد بن زيد، عن سلم العلوى، عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنّه كان عنده عليه السّلام رجل به أثر صفرة. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يواجه أحدا بشىء يكرهه، فلمّا قام، قال للقوم: لو قلتم له يدع هذه الصّفرة». ـــــــــــــــــــــــــــــ وعظيم حلمه، وصبره وفى ذلك فضيلة تامة لأنس، لأنه لم يرتكب فى تلك السنين من أمور الخدمة ما يقتضى المؤاخذة شرعا، إذ سكوته صلى الله عليه وسلم عن الاعتراض عليه يستلزم ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يسكت على حرام. (وكان) تعميم بعد تخصيص، لئلا يتوهم أن هذا شأنه مع أنس فقط. (من أحسن) لا ينافى كونه أحسن ألا ترى أنك لو قلت: زيد من أفضل علماء البلد لم يناف ذلك كونه أفضلهم؟ إذ الأفضل المتعدد بعضه أفضل من بعض، فتأمله مع جواب بعضهم عنه: بأن كان للاستمرار والدوام، فإذا كان دائما من أحسن الناس خلقا كان أحسن الناس خلقا انتهى، يظهر لك مما لا يخفى على ذى ذوق سليم. (خزا) هو مركب من حرير وغيره، وهو مباح إن لم يزد الحرير وزنا، ولا عبرة بزيادة الظهور فقط. (ولا شيئا) تعميم بعد تخصيص. (شممت) بكسر الميم الأولى ويجوز فتحها. (ولا عطرا) تعميم بعد تخصيص أيضا. 331 - (لا يكاد يواجه) أى لا يقرب من أن يقابل أحدا بشىء يكرهه، وهذا لتضمنه نفى القرب من المواجهة أبلغ من لا يواجه. (لو قلت) للشرط فالجزاء محذوف أى: لكان أحسن أى: لأن فيه نوع تشبه بالنساء، وهو من غير قصد التشبه بهن مكروه، أو ¬

331 - إسناده ضعيف: رواه أبو داود فى الترجل (4182)، وفى الأدب (4789)، من طريق حماد بن زيد به فذكره ورواه أحمد فى المسند (3/ 133،154)، والنسائى فى اليوم والليلة (236)، كلاهما من طريق حماد بن زيد به فذكره. وقال أبو داود: سلم ليس هو علويا، كان يبصر فى النجوم، وشهد عندى عدى بن أرطأة على رؤية الهلال، فلم يجز شهادته. قلت: ضعف الحافظ سلم العلوى، وقال ابن حبان: منكر الحديث على قلته لا يحتج به إذا وافق الثقات، فكيف إذا انفرد. وكان شعبة شديد الحمل عليه اه‍، انظر: المجروحين (1/ 343)، وتهذيب التهذيب (4/ 135).

332 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبى ـــــــــــــــــــــــــــــ للتمنى. (يدع هذه الصفرة) الظاهر أن ذلك الأثر لم يكن محرما، وإلا لم يؤخره صلى الله عليه وسلم أمره بتركه إلى مفارقته للمجلس، فزعم بعضهم: أن غضبه صلى الله عليه وسلم عند انتهاك المحارم لا ينافى تفويضه لغيره، والأمر بإزالتها، وإن أدى إلى ترافيها غفلة عن كلام الأئمة فى بحث الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر أنه يجب على القادر إزالة المنكر فورا بلسانه، أو بيده، ولا يجوز له أن يستنيب غيره فى ذلك إن أدت إلى الاستنابة تأخير ذلك المنكر ولو حظة، وهو صلى الله عليه وسلم قد سمع كلام هذا الرجل، ولم يأمرهم أن يقولوا له: أزل هذا، إلا بعد قيامه من المجلس، فأخّر الإزالة إلى انقضاء المجلس، وهذا لا يقوله إلا جاهل بالفقه وقواعده، فتعين ما ذكرته، أن ذلك الأثر الذى كان عليه لم يكن محرما، ويؤيد ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى على عمرو بن العاص ثوبين معصفرين أمره فورا بإزالتهما، فإن قلت: لم أمر هنا عمرا ومن ثمة أقامهم فى ذلك؟ قلت: بالتقرر أن عمرا عليه المحرم بخلاف ذلك الرجل، وبفرض عدم تحريم المعصفر الذى قال به كثيرون فوجهه: أن عمرا يفرح بذلك ويبادر إلى امتثاله، وذلك الرجل لعله كان قريب عهد بالإسلام، فخشى عليه أن يأمره بإزالة ما عليه ففوضه لغيره، لا على وجه الإلزام به، وهذا مما يصرح أيضا به لم يكن محرما، وقول بعضهم: إنما كره الصفرة، لأنها علامة لليهود، ومخصوصة بهم، ليس فى محله، لأن جعل الصفرة علامة لهم إنما حدثت فى بعض البلاد كمصر منذ زمن قريب، ففى الأوائل للجلال السيوطى: أول من أمر بتغيير أهل الذمة زيهم المتوكل، وفى السكردان لابن أبى حجلة: لبس النصارى العمائم الزرق، واليهود العمائم الصفر، والسامرة العمائم الحمر سنة سبع ومائة، وسبب ذلك: أن مغربيا كان جالسا بباب القلعة عند بيبرس الحاسنكرد سلام فحضر بعض كتاب النصارى بعمامة بيضاء، فقام له المغربى، وتوهم أنه مسلم، ثم ظهر أنه نصرانى، فدخل للسلطان الملك، الناصر محمد بن قلاوون يفاوضه فى تغيير زى أهل الذمة، ليمتاز المسلمون عنهم، فأجابهم لذلك انتهى. 332 - (الجدلى) يفتح الجيم والدال المهملة، نسبة إلى جديلة قبيلة. (فاحشا) ذا ¬

332 - صحيح: رواه المصنف فى البر والصلة (2016)، بسنده ومتنه سواء، ورواه الإمام أحمد فى مسنده (6/ 174)، وأبو داود الطيالسى فى مسنده (1520)، كلاهما من طريق شعبة به فذكره.

إسحاق، عن أبى عبد الله الجدلى، واسمه عبد بن عبد، عن عائشة أنها قالت: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا، ولا متفحّشا، ولا صخّابا فى الأسواق ولا يجزى بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح». ـــــــــــــــــــــــــــــ فحش فى أقواله وأفعاله، وهو ما يخرج عن مقداره حتى يستقبح، واستعماله فى القول أكثر منه فى الفعل والصفة. (ولا متفحشا) أى متكلفا للفحش من ذلك، وهذا من عظيم فصاحة عائشة وبلاغتها وسعة علمها وفقهها، فإنها نفت عنه صلى الله عليه وسلم قول الفحش والتفوه به طبعا وتكلفا. (ولا صخابا) من الصخب بالصاد والخاء محركة، وهو الضجر واضطراب الأصوات للخصام. (فى الأسواق) لأنه ليس ممن يتنافس فى الدنيا وجمعها حتى يحضر الأسواق لذلك، فذكر، إما لكونها محل ارتفاع الأصوات لذلك، لا لإثبات الصخب فى غيرها، أو لأنه إذا انتفى فيها انتفى فى غيرها بالأولى، والمراد بالمبالغة هنا: فى أصل الفعل على حد قوله تعالى: وَمارَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ وفى الآية أجوبة أخرى ذكرتها فى شرح همزية صاحب بردة المديح، ولكن وجهه أن ما قبل لكن ربما يتوهم أنه ترك الجزاء عجزا فاستدركه بذلك. (يعفو) بباطنه. (ويصفح) يعرض بظاهره امتثالا لقوله تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاِصْفَحْ إِنَّ اَللهَ يُحِبُّ اَلْمُحْسِنِينَ وحسبك عفوه عن أعدائه المحاربين له المبالغين فى أذاه حتى كسروا رباعيته، وشجوا وجهه يوم أحد، فشق ذلك على أصحابه فقالوا: لو دعوت عليهم، فقال: «إنى لم أبعث لعّانا ولكن بعثت داعيا ورحمة اللهم اغفر لقومى» أو «اهد قومى فإنهم لا يعلمون» أى اغفر لهم ذنب الشجة لا مطلقا، وإلا لأسلموا، قاله ابن حبان، وانظر لجميل العفو مع قوله يوم الخندق: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، اللهم املأ بطونهم نارا» لأن ذلك حقه فعفى عنه، وهذا حق الله، فلم يعف عنه، إذ عفوه وصفحه، إنما كان فيما يتعلق بحقه، وقد روى الطبرانى، وابن حبان، والحاكم، والبيهقى عن أحد أحبار اليهود الذين أسلموا أنه قال: «لم يبق من علامة النبوة شىء، إلا وقد عرفته فى وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله، أى: لو تصور منه جهل، أو مراده بالجهل الغضب ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما فكنت أنظر به، لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله، فابتعت منه تمرا إلى أجل فأعطيته الثمن، فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة أتيته، فأخذت بمجامع قميصه، ونظرت إليه بوجه غليظ ثم قلت: ألا تقضى يا محمد حقى، فو الله إنكم يا بنى عبد المطلب مطل، فقال

333 - حدثنا هارون بن إسحاق الهمدانى، حدثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قطّ، إلا أن يجاهد فى سبيل الله، ولا ضرب خادما ولا امرأة». ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر: أى عدو الله، أتقول لرسول الله ما أسمع؟ فو الله لولا ما أحاذر قومه لضربت بسيفى رأسك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر فى سكون وتودد وتبسم، ثم قال: أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، تأمرنى بحسن الأداء، وتأمره بحسن التقاضى اذهب به يا عمر فاقضه حقه، وزد عشرين صاعا مكان مفازعته» ففعل فقلت: يا عمر كل علامات النبوة قد عرفتها فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما-يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الغضب عليه إلا حلما-فقد اختبرتهما فأشهدك أنى قد رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، ومحمد نبيا، وروى أبو داود: «أن أعرابيا جره بردائه حتى أثر فى رقبته الشريفة لخشونته، وهو يقول: احملنى على بعيرى هاتين-أى: حملهما لى طعاما-فإنك لا تحملنى من مالك، ولا مال أبيك فقال له صلى الله عليه وسلم: لا، وأستغفر الله ثلاث مرات لا أحملك حتى تقيدنى من جذبتك، فقال: لا والله أقيدكها ثم دعى رجلا فقال له: احمل له على بعيريه هذين على بعير تمرا، وعلى الآخر شعيرا» ورواه البخارى وفيه: «أنه لما جذبه تلك الجذبة الشديدة التفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء» وفى هذا عظيم عفوه، وصفحه، وصبره على الأذى نفسا ومالا، وتجاوزه عن جفاة الأعراب، وحسن تدبيره لهم مع أنهم كالوحش الشاردة، والطبع المتنافر البارد، والحمر المستنفرة التى فرت من قسورة، فمع ذلك سامحهم، واحتمل جفاهم، وصبر على أذاهم، إلى أن انقادوا إليه جميعا واجتمعوا، وقاتلوا دونه أهلهم، وآباءهم، وأبناءهم، واختاروه على أنفسهم وأوطانهم. 333 - (شيئا) أى داعيا، لأنه صلى الله عليه وسلم ربما ضرب مركوبه وقد وكز بعير جابر حتى سبق ¬

333 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى الفضائل (2328)، وابن ماجه فى النكاح (2218)، وأحمد فى المسند (6/ 32، 229،232)، والدارمى فى النكاح (2/ 147)، أربعتهم من طريق هشام بن عروة به فذكره نحوه.

334 - حدثنا أحمد بن عبدة الضبى، حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن الزهرى، عن عائشة، قالت: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة ظلمها قطّ، ما لم ينتهك من محارم الله شىء، فإذا انتهك من محارم الله شىء كان من أشدّهم فى ذلك غضبا، وما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن مأثما». ـــــــــــــــــــــــــــــ القافلة بعد أن كان متأخرا عنها، إلا أن يجاب بأن وقع فى بعير جابر كالمعجزة وضربه لمركوبه لم يكن مؤذيا فالكلام إنما هو فى المؤذى. (إلا أن يجاهد) احتاج إليه، لأنه وقع منه ذلك فى الجهاد حتى أنه قتل اللعين أبى بن خلف بأحد. (ولا ضرب خادما ولا امرأة) خصهما مع دخولهما فى شيئا اهتماما بشأنهما، ولكثرة وقوع ضرب هذين، والاحتياج إليه، ويؤخذ من تركه صلى الله عليه وسلم له فيه؛ أن ضربهما وإن جاز بشرطه المذكور فى الفقه، الأولى تركه، قالوا: بخلاف الولد، فالأولى تأديبه، ويوجه: بأن ضربه لمصلحة تعود إليه، فلم يندب العفو، بخلاف ضرب ذينك، فإنه لحظ النفس، فالعفو فيهما مخالفة لهواها، وكظما لغيظها. 334 - (ما رأيت) ما علمت إذ هو الأنسب بالمقام. (منتصرا) منتقما. (مظلمة) هى بفتح الميم واللام مصدر، وبكسر اللام أو ضمها: ما أخد أو أحل من معصوم عدوانا، سواء كان فى البدن، أم العرض، أم المال، أم الاقتصاص. (ظلمها) المنصوب على الأول مفعول مطلق، وعلى الثانى مفعول به، وظلم يتعدى لمفعولين كما فى القاموس، خلافا لمن زعم قصره على واحد، فقد ظلم بها، وإن لم ينتقم صلى الله عليه وسلم منها، مع أن مرتكبها قد باء بإثم عظيم سيما لبيد بن الأعصم الذى سحره، واليهودية التى سمته، لأنه حق آدمى يسقط بعفوه بخلاف حقوق الله التى ذكرها بقوله: (ما لم تنتهك) ترتكب. (محارم الله) جمع محرم أى شىء حرمه الله على عباده، فإن قلت: مظلمته صلى الله عليه وسلم إيذاء، وإيذاؤه كفر، وهو حق الله كيف يسقط بعفوه؟ قلت: لا، ثم إن مطلق ¬

334 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى المناقب (3560)، وفى الأدب (6126)، وفى الحدود (6786)، ومسلم فى الفضائل (2327)، وأبو داود فى الأدب (4785)، وأحمد فى المسند (6/ 114،116،182، 223،262)، ومالك فى الموطأ (2/ 902)، خمستهم من طرق عن عائشة رضى الله عنها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إيذائه كفر ألا ترى إلى عامر ممن جذب رداءه حتى أثر فى عنقه فعفى عنه وأعطاه وحمل بعيره؟ والحاصل: أن إيذائه إنما يصدر من مسلم جاف، وهذا له نوع عذر، فلم يكفر وعفى عنه، أو من منافق وقد أمر بتحمل أذاهم لئلا تنفر الناس عنه كما قيل ذلك له، وقد قيل له: «ألا تقتلهم؟ فقال: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» أو من كافر معاهد فمصلحة تألفه اقتضته عدم مؤاخذته لجريمته أو حربى وهو غير ملتزم للأحكام، ولبعضهم هنا ما لا يفهم لعدم إحاطته لكلام الأئمة فاجتنبه. (من أشدهم) من زائدة، لأنه كان أشدهم كما صرحت به روايات أخر كذا قيل: ومر فى «من أحسنهم» ما يرده، وإن كونه من أشدهم، لا ينافى كونه أشدهم غضبا فينتقم ممن ارتكب ذلك لما علمت، أنه لا يقبل العفو من المحارم التى ينتقم لها، ولا يعفو عنها حتى الآدمى، إذا صمم فى طلبه، وفيه الحث على العفو، والحلم واحتمال الأذى، والانتصار لدين الله، وأنه يسن لكل ذى ولاية التخلق بهذا الخلق الكريم، فلا ينتقم لنفسه، ولا يهمل حق الله، على أنهم أجمعوا على أن القاضى لا يجوز له أن يقضى لنفسه، ولا لمن تقبل شهادته له، ولا ينافى ما فى الحديث، أمره صلى الله عليه وسلم بقتل ابن خطل ونحوه، ممن كان يؤذيه، لأنهم كانوا مع ذلك ينتهكون حرمات الله، أو أن عفوه إنما كان فى ذنب لا يكفر به مرتكبه، كمن جفى فى رفع صوته عليه، ومن جذبه بردائه حتى أثر فى رقبته صلى الله عليه وسلم، بخلاف أولئك، فإنهم كفروا بإيذائه، فلم يمكن العفو عنهم، ومن ثم اقتص صلى الله عليه وسلم ممن نال من عرضه، ولا يرد ذلك مجاوزته عن المنافقين مع ما قصه الله عنهم، وما هو مشهور من أحوالهم معه، لأنهم كانوا مسلمين ظاهرا فخشى من تحدث الناس بأن محمدا يقتل أصحابه، وروى الحاكم «ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما بذكر-أى بصريح اسمه-وما ضرب بيده شيئا قط، إلا أن يضرب فى سبيل الله، ولا سئل شيئا قط فمنعه، إلا أن يسأل مأثما، ولا انتقم لنفسه من شىء، إلا أن تنتهك حرمات الله فتكون لله فينتقم». (وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم. . .) إلخ أى إما بأن يخبره الله فيما فيه عقوبتان، فيختار الأخف، أو فى قتال الكفار وأخذ الجزية، فيختار أخذها، أو فى حق أمته فى المجاهدين فى العبادة والاقتصاد، فيختار الاقتصاد، وإما بأن يهمزه المنافقون والكفار فعلى هذا يتضح قولها. (ما لم يكن مأثما) أى مؤثما أى: إثما، كما فى رواية البخارى، ومنها أيضا: «فإن كان إثما كان أبعد الناس منه»، وفى رواية للطبرانى: «ما لم يكن لله

335 - حدثنا ابن أبى عمر، حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن عروة، عن عائشة، قالت: «استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده، فقال: بئس ابن العشيرة، أو أخو العشيرة، ثمّ أذن له، فألان له القول. فلما خرج، قلت: يا رسول الله قلت ما قلت، ثمّ ألنت له القول: فقال: يا عائشة، إنّ شرّ النّاس من تركه النّاس-أو ودعه النّاس-اتّقاء فحشه». ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه سخط» فالإثم: المعصية، وزعم أنه يشمل ترك المندوب، إنما ينشأ مثله عن الجهل بكلام الفقهاء والأصوليين، وعلى الأول يكون الاستثناء منقطعا، إذ لا يتصور تخيير الله إلا بين جائزين. 335 - (رجل) هو عيينة بن حصين الفزارى قاله جمع منهم النووى، وكان يقال له الأحمق المطاع، وفى رواية: أنه مخرمة، ولا يبعد أنهما قضيتان، ولم يكن أسلم حقيقة، بل ظاهرا، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يبين حاله ليعرفه من جهله، وكان بينه فى حياته وبعد وفاته، ما دل على ضعف إيمانه. (أو) للشك، ورواية البخارى. «بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة» من غير شك. (العشيرة) القبيلة وإضافة الابن والأخ إليها، كإضافة الأخ للعرب، فى يا أخا العرب، ووصفه له بأنه بئس أخو العشيرة، إما لأنه بين ذلك حاله للجاهل به المريد مخالطته، وهذا من أنواع الغيبة الجائزة الواجبة ثم رأيت الخطابى قال: ليس قوله صلى الله عليه وسلم فى أمته بالأمور التى يتسميهم بها ويضيفها إليهم من المكروه غيبة، وإنما يكون ذلك من بعضهم فى بعض، بل الواجب عليه أن يبين ذلك وينصح به، ويعرف الناس أمرهم فإن ذلك من باب النصيحة والشفقة على الأمة، وقال القرطبى: فى الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق والفحش ونحو ذلك من جواز مدارتهم اتقاء شرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة فى دين الله، والقاضى عياض قال: لم تكن غيبة ¬

335 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى البر والصلة (1996)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الأدب (6032)، (6054)، (6131)، ومسلم فى البر والصلة (2591)، وأبو داود فى الأدب (4791)، وأحمد فى المسند (6/ 38،158،159)، جميعهم من طريق هشام بن عروة به فذكره نحوه.

336 - حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا جميع بن عمير بن عبد الرحمن العجلى، حدثنى رجل من بنى تميم من ولد أبى هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد الله، عن ابن لأبى هالة، عن الحسن بن على رضى الله عنهما، قال: قال الحسين بن على رضى الله عنهما: سألت أبى عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جلسائه، فقال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والله أعلم، ح لم يسلم فلم يكن القول فيه غيبة، أو كان أسلم، فلم يكن إسلامه ناصحا، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك، لئلا يغتر به من لم يعرف باطنه، وقد كانت فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم وبعده أمور تدل على ضعف إيمانه فيكون ما وصفه به صلى الله عليه وسلم من علامات النبوة انتهى، ويؤيد ذلك أنه ارتد فى زمن الصديق رضى الله عنه وحارب، ثم رجع فأسلم، ثم حضر بعد الفتوح فى عهد عمر رضى الله عنه. (فألان له القول) رواية البخارى «تطلق فى وجهه، وانبسط إليه»، وتطلقه فى وجه عيينة إنما هو للتألف له ليسلم قومه، لأنه كان رئيسهم، وتقتدى به الأمة فى اتقاء شر من هذا سبيله، ومن مداراته، ليسلموا من شره، وغائلته، ولا مداهنة فى ذلك، لأنه كما قال القرطبى كالقاضى حسين: بذل الدنيا لصلاح الدين، وهو صلى الله عليه وسلم إنما بذل له من دنياه حسن عشرته، والرفق فى مكالمته ومع ذلك فلم يمدحه بقول فلم يناقض قوله فيه فعله، فإن قوله فيه قول حق وفعله معه حسن عشرة، فيزول معه مع هذا التقدير الإشكال، ولله الحمد قالا: وأما المدارة: فهى بذل الدنيا لصلاح الدنيا، أو الدين، أو هما معا، وهى مباحة، وربما استحسنت. (قلت: ما قلت: ثم ألنت له القول) حاصله: أنك خالفت بين الغيبة والحضور، فلم لم تذمه فى الحضور كما ذممته فى الغيبة فأجابها: بأن عدم ذمه فى حضوره، إنما هو تألفه اتقاء شره. (إن. . .) إلخ رواية البخارى: «متى عهدتينى فحاشا، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره». (أو ودعه) فيه كقراءة. «ما ودعك ربك»، بالتخفيف رد لقولهم، أماتوا ماض يدع، إلا أن يريدوا بإمانته ندرته فهو يعتاد استعمالا فصيحا قياسا. 336 - (دائم البشر): بكسر أوله طلاقة الوجه، وبشاشته وحسن الخلق. (سهل ¬

336 - ضعيف: وتقدم برقم (7)، (217)، (321).

ولا غليظ، ولا صخّاب ولا فحاش، ولا عيّاب، ولا مشاح، يتغافل عمّا يشتهى، ولا يؤيس منه، ولا يجيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكبار ومالا ـــــــــــــــــــــــــــــ الخلق لين الجانب): سريع العطف جميل الصفح وسهولة خلقه، إما من صعوبته فمعناها أن خلقه الحسن يتعادل فى كل شىء إرادة أو خشونته فمعناها: أنه لا يصدر عن خلقه مؤذ بغير حق. (ليس بفظ): صفة مشبهة ذكرت تأكيدا، أو مبالغة فى المدح، وإلا فهو معلوم من سهل الخلق، إذ هو ضده، لأنه السيئ الخلق وكذا القول فى (غليظ) إذ هو الجافى الطبع القاسى القلب. (ولا صخاب ولا فحاش): مر. (ولا عياب): أى ذى عيب، والمراد هنا بصخاب وما بعده: نفى أصل الفعل، نظير ما مر على حد. وَمارَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ، وروى الشيخان «أنه صلى الله عليه وسلم ما عاب ذواقا قط، ولا عاب طعاما قط، إن اشتهى أكله، وإلا تركه» وهذا فى المباح أما الحرام فكان يعيبه ويذمه، وينهى عنه، وأخذ أئمتنا وغيرهم من هذا، أن من آداب الطعام المتأكدة: أن لا يعاب كمالح، حامض، قليل الملح، غير ناضج، ومن التمثيل بذلك صرح به النووى يعلم أنه لا فرق بين عيبه من جهة الخلقة، ومن جهة الصنعة، وله وجه لكسر قلب الصانع، اللهم إلا إن قصد تأديبه بذلك فلا بأس، وعليه يحمل قول بعضهم: إنما يكره ذمه من جهة الخلقة لا من جهة الصنعة، لأن صنعة الله لا تعاب، وصنعة الآدميين تعاب. (ولا مشاح): اسم فاعل من المفاعلة من الشح أى: ولا بخيل، إذ الشح البخل، وقيل: البخل أشده، وقيل: البخل مع الحرص، وقيل: البخل فى الجزئيات، كذا قيل فى حكاية هذين، وفى الفرق بين الحرص والبخل نظر كالتخصيص بالجزئيات، إذ من بخل بها بخل بالكليات من باب أولى، فإن أريد بالجزئى الأمر الحقير كان القول فيه وجه، وفى نسخة «ولا مزاح» والمراد: نفى المبالغة فى هذين لا نفى أصلهما لوقوعه أى: المزاح عنه صلى الله عليه وسلم. (يتغافل): أى يتكلف الغفلة والإعراض. (عما لا يشتهى): من فعل لا ينبغى صدوره عن فاعله، وسؤال شىء منه لا ينبغى سؤاله عنه، ومع ذلك، (ولا يؤيس منه) راجيه أى: لا يصيره أيضا من بره وخيره ويؤيس من قيد فى الأصول بهمزة قبل السين من يئس، أى: قنط وآيسته جعلته قانطا، وفيه لغة أخرى: آيسته بالمد، فهو من أيس، مقلوب يئس، صرح به الصرفيون، وأجمعوا عليه، فهو مهموز العين لا غير، وبهذا رد شارح، وزعم آخر: أن أيس مهموز الفاء أى: لكن عذره أنه نظر إليه بعد القلب وهم نظروا إليه قبله، فقول الأول عن الثانى الويل كل الويل كيف اختير لشرح

يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذمّ أحدا، ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ـــــــــــــــــــــــــــــ كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بضاعته هذه؟ تشنيع فى غير محله على أنه لو سلم خطاؤه فى هذا، هو أخف من الغلط الفاحش فى الأحكام الشرعية والقواعد الأصولية التى وقع فيها هذا الرد، كما قدمت الإشارة إليه فى محالها. (لا يخيبه): إليه لأنه المشرع الأعظم، فلا يفعل، إلا ما يقتدى به فيه، بل يسكت عنه عفوا وتكرما، وفى نسخة «ولا يخيّبه» بالتشديد من التخيب، أى: لا يجعله محروما بالكلية، وفى أخرى: بالتخفيف من الخيبة بمعنى الحرمان، وهى ترجع إلى التى قبلها خلافا لمن أوهم بينهما فرقا فى أصل المعنى. (ترك نفسه من ثلاث): أى منعها من ثلاث فضمن ترك معنى منع، وهذا أولى من بقائه على أصله لما يلزم عليه من التكلف البعيد الذى وقع لشارح حيث قال ما حاصله: من زائدة فى التعبير أى: ترك ثلاث نفسه، فثلاثة تمييز من النسبة، ولا ينافيه إبدال المعرفة منه لجواز إبدالها من التمييز، وإن لم يصلح تمييزا وبفرض امتناعه هو بدل بعد رده إلى أصله، فالثلاثة بدل عن المفعول فى المعنى بدل كل، إن قدمنا العطف على الربط، وبعض إن أخرناه عنه انتهى. (المراء): الجدال بالباطل فاندفع ما قيل، هذا مشكل بقوله تعالى: وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (¬1). (والإكبار): بالمثلثة طلب الكثير من مال أو نحوه، وبالموحدة جعل الشىء كبيرا بالباطل فلا ينافيه «أنا سيد ولد آدم» (¬2). (وترك الناس): خصهم لأن القصد بهذه الثلاث رعايتهم كما أن القصد بالثلاث الأولى رعاية نفسه فزعم أنه لا فرق بينهما ليس فى محله وغائر فى ترك الأسلوب بينهما تفننا. (لا يعنيه): يهمه. (لا يذم أحدا): أى بغير حق المرة. (ولا يعيبه): أى يلحق به عيبا لا يستحقه وهذا تأكيد، إذ الذم والعيب مترادفان، إلا أن يقال: الذم إنما يكون اختيارى أو لا ينافى ذلك كونه نقيض المدح، بناء على أنه يكون بالاختيار أيضا والعيب يكون بأعم من الاختيارى وغيره، ثم رأيت من فرق بينهما بأن الذم: يكون فى المواجهة، والعيب: ما كان بالغيبة، وهو مجرد تحكم من غير معنى يساعده. (ولا يطلب عورته): أى أموره الباطنة التى لا يؤدى اطلاع الناس عليها، ولا ينافى هذا ما مر من قوله: «ولا يسأل الناس عما فى الناس» لأن ذلك فى الأمور ¬

(¬1) سورة النحل: آية (125). (¬2) رواه الحاكم فى المستدرك (3/ 124)، والطبرانى فى الكبير (3/ 90)، والبخارى فى التاريخ الكبير (7/ 400).

ولا يتكلّم إلا فيما رجا ثوابه، وإذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رءوسهم الطّير، فإذا سكت تكلّموا، لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلّم عنده أنصتوا له حتّى يفرغ. حديثهم عنده حديث أوّلهم. يضحك ممّا يضحكون، ويتعجّب مما يتعجّبون، ويصبر للغريب على الجفوة فى منطقه ومسألته، حتّى إن كان أصحابه ـــــــــــــــــــــــــــــ الظاهرة التى ترتبط بها مصالح وأحكام شرعية كما قدمته، وهذا فى التجسيس، والاطلاع على العورات وهذا لم يقع منه صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا (¬1). (رجاء ثوابه): أثره على ثياب عليه لأنه أليق بالأدب، إذ لا يتحتم على الله إثابة أحد وإن بلغ ما بلغ من العظم. (أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير): كناية عن كونهم عنده كانوا على غاية تامة من السكون، وإطراق الرأس، وعدم الحركة والالتفات، أو عن كونهم مهابين مدهوشين فى هيبته صلى الله عليه وسلم ما إن كلامه عليه أهبة الوحى، وجلالة الرسالة، وأصل ذلك، أن سليمان كان إذا أمر الطير بأن يظلوا أصحابه، غضوا أبصارهم، ولم يتكلموا حتى يسألهم، مهابة منه، قيل للقوم إذا سكتوا مهابة: كأنما على رؤسهم الطير، أو عن كونهم متلذذين بكلامه، وأصل ذلك: أن الغراب يقع على رأس البعير، يلقط منه صغار القراد، فيسكن سكون راحة ولذة، لا يحرك رأسه، خوفا من طيرانه عنه. (وإذا سكت تكلموا): هذا كالذى قبله وبعده، من عظيم أدبهم فى حضرته وخضوعهم بين يديه وإجلالهم له وهيبته عندهم وتوقيرهم له، لشهودهم على شأنه، وكمال مرتبته صلى الله عليه وسلم، وتخلقهم بأخلاقه. (لا يتنازعون عنده الحديث): أى لا يتخاصمون فيه. (حديثهم عنده حديث أولهم): أى أفضلهم، إن كان لا يتقدم غالبا بالكلام بين يديه، إلا أكابر الصحابة فكان يصغى لحديث كل منهم، كما يصغى لحديث أولهم، ويحتمل أن المراد: إذا تكلم بشىء قبله منه، وعلم أنهم موافقوه عليه غالبا لمن من الله به عليهم من تألف قلوبهم، وكمال اتفاقها. (يضحك) إلخ: أى هو تابع لهم ضحكا وتعجبا، لكن علم مما مر أن غالب ضحكه التبسم، وهذا من خلقه العظيم على الجفوة هى الجفاء، والغلظة، وسوء الأدب، مما كان يصدر من جفاة العرب فى منطقهم ومسألتهم. (ليستجلبونهم): أى إلى مجلسه حتى يستفيدون من أسئلتهم ما لا يستفيدونه فى غيبتهم، لأنهم ح يهابون سؤاله والغرباء لا يهابونه، فيسألونه عما بدا لهم فيجيبهم. ¬

(¬1) سورة الحجرات: آية (12).

ليستجلبونهم ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه ولا يقبل الثّناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتّى يجوز فيقطعه بنهى أو قيام». 337 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: «ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قطّ فقال: لا». ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأرفدوه): أى أعينوه بالعطاء والصلة. (إلا من مكافئ): أى مقارب فى مدحه غير مفرط بنحو مما أطرت النصارى به عيسى، أو من متحقق الإسلام يمدحه مما يوافق الواقع، وما من يطريه بوصف مما ليس له عما يستحيل على البشر فلا يقبله منه، بل يعنفه ويزجره عنه، وكذلك غير المتحقق الإسلام من المنافقين، ومن قصر فى الثناء عليه، إن لم يصفه بما يليق به بما رفعه الله إليه وأهله. (لا يقبل ثناؤهم): أى لا يفتخر به ولا يعول عليه، وقيل: المراد: لا يقبل الثناء، إلا ممن عليه سابقة نعمة وغلط قائله، بأن أحدا لا ينفك عن نعمته صلى الله عليه وسلم، فالثناء عليه فرض عين. (حتى يجوز): بالجيم والزاى أى: يتجاوز الحد والحق فيقطعه عليه ح، وفى بعض النسخ «بالراء» من الجور والميل. (بنهى أو قيام): عن المجلس فى هذا الحديث من نهاية كماله وعظيم خلقه ورفقه ولطفه، وحلمه، وصبره، وعفوه، وصفحه، وشفقته، ورأفته ورحمته ما لا تعد فوائده، ولا تقضى فوائده. 337 - (فقال: لا): وكذا رواه الشيخان عن جابر، بل إما أن يعطيه أو يقول له: ميسورة من القوم فيعده، ويدعو له، فعلم أنه ليس المراد أنه يعطى ما طلب منه جزما، وإنما المراد: أنه لا ينطق بالرد، بل إن كان عنده ما يسأله وساغ الإعطاء أعطاه، وإلا سكت كما فى حديث مرسل لابن الحنفية عند ابن سعد، وقال العز بن عبد السلام: معناه لم يقل لا مانعا للعطاء، بل اعتذارا كما فى قوله: لا أَجِدُ ماأَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ (¬1)، وفرق بين هذا: «ولا أحملكم» انتهى، ولا يشكل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للأشعريين لما ¬

337 - إسناده صحيح: رواه البغوى فى شرح السنة (3579) من طريق المصنف فذكره، رواه البخارى فى الأدب (6034)، ومسلم فى الفضائل (2311)، كلاهما من طريق سفيان به فذكره نحوه. (¬1) سورة التوبة: آية (92).

338 - حدثنا عبد الله بن عمران أبو القاسم القرشى المكى، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبيد الله، عن ابن عباس، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود النّاس بالخير، وكان أجود ما يكون فى شهر رمضان حتّى ينسلخ، فيأتيه جبريل فيعرض عليه القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الرّيح المرسله». ـــــــــــــــــــــــــــــ طالبوه الحملان «والله لا أحملكم» لأن هذا وقع كالتأدب لهم لسؤالهم ما ليس عنده مع تحققهم ذلك بقوله: لا أَجِدُ ماأَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ومن ثم حلف قطعا لطمعهم فى تكلفه الفصيل نحو قرض، أو استيهاب، وعدم الاضطرار له، وأيضا فمحل ذلك، ما إذا قنع السائل بالسكوت، ولم يقنع بنحو وعد أو دعاء للاضطرار ح إلى قوله: لا بمعنى ما قال: «لا»: أى فى حال الاختيار مع عدم تعنت السائل، والاحتياج إلى تألفه أو نحوه. 338 - (وكان أجود): بالرفع فى الأصح الأظهر على حد أخطب ما يكون الأمير قائما، والتقدير: كان أجود أكوانه إذا كان مستقرا فى رمضان. (حتى ينسلخ): أى يفرغ ففيه تجوز حيث جعل كونه جود، أو مبالغة لا تخفى، وبالنصب فما مصدرية ظرفية والمفضل عليه نفسه باعتبارين، أى: كان مدة كونه فى رمضان أجود منه فى غيره من حيث زيادة اجتهاده، وجوده فيه «وأجود» أفعل تفضيل من الجود، وهو إعطاء ما ينبغى لمن ينبغى، وسبب ذلك: أن نفسه أشرف النفوس، ومزاجه أعدل الأمزجة، ومن هو كذلك يكون فعله أحسن الأفعال، وخلقه أحسن الأخلاق، ومن هو كذلك يكون أجود الناس، وروى الشيخان عن أنس: «كان أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس» (¬1) واقتصاره على هذه الثلاثة من جوامع الكلم فإنها أمهات الأخلاق، إذ لا يخلو كل إنسان من ثلاث قوى: الغضبية: وكمالها الشجاعة، والشهوية: وكمالها الجود، ¬

338 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى بدء الوحى (6)، وفى الصوم (1902)، وفى المناقب (3554)، ورواه مسلم فى الفضائل (2308)، والنسائى فى الصيام (4/ 125)، وفى الكبرى (2405)، وأحمد فى المسند (1/ 131،288،326،363،366،367،373)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 368،369)، والبغوى فى شرح السنة (3581)، جميعهم من طرق عن ابن عباس رضى الله عنهما. (¬1) رواه البخارى (10/ 381)، ومسلم (2307).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والعقلية: وكمالها النطق بالحكمة، وفى حديث ضعيف «أنا أجود بنى آدم» (¬1) وهو بلا ريب أجودهم مطلقا، كما أنه أكملهم فى سائر الأوصاف، ولأن جوده لم يقصر على نوع، بل كان بجميع أنواع الجود من بذل العلم والمال، وبذل نفسه لله فى إظهار دينه، وهداته عباده، وإيصال النفع إليهم بكل طريق من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم، وكان جوده صلى الله عليه وسلم كله لله فى ابتغاء مرضاته، إذ بذله المال لمحتاج، أو لمن يتألفه، أو ينفقه فى سبيل الله، وكان يؤثر على نفسه وأولاده، فيعطى عطاء يعجز عنه الملوك، وعيشه فى نفسه عيش الفقراء، فربما مر عليه الشهران لا يوقد فى بيته نارا، وربما ربط الحجر على بطنه الشريف من الجوع، وقد أتاه سبى، فشكت إليه فاطمة رضى الله عنها ما تلقاه من الخدمة، وطلبت منه خادما يكفيها ذلك، فأمرها أن تستعين بالتسبيح والتحميد والتكبير، وقال: «لا أعطيك وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع»، و «كسته امرأة بردة فلبسها محتاجا إليها فسأله فيها بعض أصحابه فأعطاه إياها» رواه البخارى واستنبط منه الصوفية جواز استدعاء المريد من الشيخ خرقة التصوف تبركا بهم وبلباسهم، كما استدلوا لإلباس الشيخ للمريد بإلباسه صلى الله عليه وسلم أم خالد خميصة سوداء ذات علم، وما يذكره بعضهم من أن الحسن البصرى لبسها من على رضى الله عنه باطل، مع أن الحسن لم يسمع من على رضى الله عنه ولم يرد ولا فى خبر ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم ألبس الخرقة على الصورة المتعارفة بين الصوفية لأحد من أصحابه، ولا أمر أحدا منهم بفعلها، وكل ما يروى فى ذلك صريحا فباطل، ذكر ذلك أحد المتأخرين من المحدثين، نعم لبسها وألبسها بعض منهم تشبيها بالقوم، وتبركا بطريقهم، إذ ورد لبسهم لها مع الصحبة المتصلة إلى كميل بن زياد، وهو صحب عليا اتفاقا، وفى بعض الطرق، اتصالها بأويس القرنى، وهو قد اجتمع بعمر وعلى رضى الله عنهما، وكثير منهم يكتفى بمجرد الصحبة، وتلقين الذكر، وهو الذى آثرناه عن العارفين ممن رأيناه منهم، وفى هذا الحديث والأحاديث التى بعده عظيم سخائه، وجوده وكرمه صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما رواه مسلم: «أنه ما سئل شيئا إلا أعطاه، فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدا يعطى عطاء من لا ¬

(¬1) رواه عبد الرزاق فى المصنف (20706)، بلفظ (البشر)، ورواه البغوى فى شرح السنة (13/ 258)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 59،60) بلفظ (الخلق).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يخاف الفقر»، وأعطى صفوان بن أمية يوم حنين مائة من الغنم، ثم مائة، ثم مائة حتى صار أحب الناس إليه بعد أن كان أبغضهم إليه، فكان ذلك سببا لحسن إسلامه، وروى المصنف: «أنه حمل إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير ثم قام إليها فقسمها فما رد سائلا قط حتى فرغ منها» وجاءته امرأة يوم حنين أنشدته شعرا تذكر فيه أيام رضاعته فى هوازن، فرد عليهم ما قيمته خمسمائة ألف ألف. قال ابن دحية: وهذا نهاية الجود الذى لم يسمع بمثله فى الوجود، وفى البخارى «أنه أتى بمال من البحرين فأمر بصبه فى المسجد، وكان أوتى به فخرج إلى المسجد، ولم يلتفت إليه فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحدا إلا أعطاه إذ جاء العباس فسأله فقال له: خذ، فحثى فى ثوبه، ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعضهم يرفعه، فقال: لا، فقال: ارفعه أنت على، فقال: لا، فنشر منه، ثم ذهب يقله، فلم يستطع، فقال: كالأول، فقال: لا، ثم نثر منه، ثم احتمله، فاتبعه صلى الله عليه وسلم بصره حتى غاب عجبا من حرصه فما قام منها بدرهم»، وفى خبر مرسل «أنه كان مائة ألف». (فيأتيه): فاؤه للتعليل لكونه أجود الناس، أى: سبب أجوديته إتيان جبريل له كل ليلة من رمضان كما فى الصحيحين، وإنما كان إتيانه سببا لذلك، لأنه رسول ربه إليه، بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ومنه أنه أمين حضرته، والمتولى لقسمة مواهبه وعطيته «إنما أنا قاسم، والله معط» وذلك موجب نهاية الأجودية، وأيضا فإنه إذا جاءه، وعرض عليه القرآن، تجدد تخلقه بأخلاق ربه، وأفيض عليه غاية جوده، ونهاية قربه ح ويزداد جوده ويتسع، ولا ينافى هذا أن نفس كونه فى رمضان، له دخل فى الأجودية أيضا، باعتبار أنه تخلق بأخلاق الله تعالى وضع رمضان لإفاضته رحمته على عباده فيه أضعاف ما يفيضها عليهم فى غيره، ومن ثم أمر العباد كلهم فيه بمزيد الإنفاق على المحتاجين، والتوسعة على العيال، والأقارب، والمحبين. (من الريح): متعلق بأجود لتضمنه معنى أسرع، ويصح عدم التضمين نظرا لكون المرسلة ينشأ عنها جود كثير أيضا، لأنها تنشر نشر السحاب وتلقحها حتى تملأها ماء، ثم تبسطها حتى تعم الأرض فيصب ماؤها عليها، فيحيى به أموات الأرض. (المرسلة): بفتح السين أى: المطلقة بمعنى أنه فى الإسراع فى الجود أجود منها وعبر بالمرسلة: إشارة إلى دوام هبوها بالرحمة، وإلى عموم النفع بجوده صلى الله عليه وسلم كما تعم الريح

339 - حدثنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس ابن مالك، قال: «كان النبىّ صلى الله عليه وسلم لا يدّخر شيئا لغد». 340 - حدثنا هارون بن موسى بن أبى علقمة المدينى، حدثنى أبى، عن هشام ـــــــــــــــــــــــــــــ المرسلة جميع ما تهب إليه، وفيه ندب إكثار الجود فى رمضان، وعند ملاقاة الصالحين، وعقبه فراقهم شكرا لنعمة الاجتماع بهم، وندب مدارسة القرآن وغير ذلك. (عن ابن عباس) إلخ: رواه عنه أيضا الشيخان، لكن مع تخالف فى بعض الألفاظ، وأحمد بزيادة: «لا يسأل شيئا إلا أعطاه» وفى معارضة جبريل النبى صلى الله عليه وسلم بالقرآن فى رمضان الإشارة إلى تأكد معاهدته، وإلى بقية ما لم ينسخ منه، ورفع ما نسخ فكان رمضان طرقا لتنزيله عرضا وأحكاما، كما أنه طرق له جملة وتفصيلا، إذ ابتداء نزوله فيه، وكذا نزوله إلى السماء جملة واحدة، وفى المسند خبر: «إن الصحف نزلت أول ليلة منه، والتوراة لثلاث عشرة، والقرآن لأربع وعشرين»، وروى الطبرانى وغيره أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو ببلوغ رمضان فكان إذا دخل شهر رجب وشعبان قال: «اللهم بارك لنا فى رجب وشعبان وبلغنا رمضان». 339 - (لا يدخر شيئا): أى لنفسه، وأما لعياله، فكان يدخر لهم قوت سنة على أنه مع ذلك كان ينوبه أشياء يخرج فيها ما ادخره لهم، فلا تنافى بين ادخاره، ومضى الزمن الطويل عليه، وليس عنده شىء له ولا لهم، ووجه مناسبة الحديث للترجمة: أن عدم الادخار يدل على عظيم التوكل والإيثار، وهما من محاسن الأخلاق. 340 - (ابتع على): اشتر شيئا بثمن فى الذمة على أداؤه. (فأعطيه): أى شيئا مرة ¬

339 - صحيح: رواه الترمذى فى الزهد (2362)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البغوى فى شرح السنة (3584)، من طريق المصنف به فذكره. وقال أبو عيسى: غريب وقد روى هذا الحديث عن جعفر بن سليمان بن ثابت عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلا. 340 - إسناده ضعيف: فيه موسى بن أبى علقمة الفروى: مجهول [التقريب:6993]. ورواه أبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 51)، من طريق هشام بن سعيد. قلت: وإسناده ضعيف أيضا، ففيه عبد الله ابن شبيب «واه»، وكذلك فيه يحيى بن محمد بن حكيم، لم أعرفه.

ابن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب: «أنّ رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه. فقال النّبىّ صلى الله عليه وسلم: ما عندى شىء، ولكن ابتع علىّ، فإذا جاءنى شىء قضيته. فقال عمر: يا رسول الله قد أعطيته، فما كلّفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النّبىّ صلى الله عليه وسلم قول عمر. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق ولا تخف من ذى العرش إقلالا فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف فى وجهه البشر، لقول الأنصارىّ. ثمّ قال: بهذا أمرت». 341 - حدثنا على بن حجر، أخبرنا شريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ بن عفراء، قالت: «أتيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم بقناع من رطب، وأجر زغب، فأعطانى ملء كفّه حليا وذهبا». ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد أخرى، قيل: هذه أو الميسور من القول، وهو قولك: ما عندى شىء، فاكتفت بذلك، ولا تجعل فى ذمتك دينا، فقيل: كلا هذين بعيد، والأقرب، أن المعنى قد أعطيته سؤاله، وجعلت له دينا فى ذمتك، فلا تفعل غير ذلك، لأن الله لم يكلفك بذلك انتهى، وليس كما زعم، بل البعيد ما ذكره، بل لا يطابق اللفظ أصلا، لأن الذى دل عليه كلام عمر أنه أعطاه بالفعل والقول، فلا يعطيه ثانيا بالتزام دين له فى ذمته. (قول عمر): أى من حيث التزامه قنوط السائل وحرمانه، لا لمخالفته الشرع، وعلل بعضهم هذا بغير ما ذكر مما لا ينفع فاحذره. (إقلالا): أى شيئا من الفقر. (بهذا): أى الإنفاق وعدم الخوف. (أمرت): لا بما قال عمر كما أفاده تقديم الظرف المقيد للقصر أى قصر القلب وردا لاعتقاد عمر، وأفاد صلى الله عليه وسلم بذكره أمره بالإنفاق فى هذه الحالة، أنه مأمور به فى كل حال دعت إليه المصلحة بالاستئلاف ونحوه، لأنه يمكنه بقرض ونحوه، فإن عجر فبعده، وهى إنفاق لأنها التزام للنفقة، وإن لم يلزم ذلك عندنا ويلزم عند غيرنا. 341 - (قالت) إلخ: تقدم بلفظه مع الكلام عليه فى فاكهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبق هذا، أن له مناسبة تامة لعظيم خلقه. ¬

341 - إسناده ضعيف: وانظر حديث رقم (195)، (196).

342 - حدثنا على بن خشرم، وغير واحد، قالوا: حدثنا عيسى بن يونس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهديّة ويثيب عليها». ـــــــــــــــــــــــــــــ 342 - (كان يقبل الهدية ويثيب): أى يجازى عليها، وأصل الإثابة تكون فى الخير والشر، لكن خصها العرف بالخير. (عليها): فسن التأسى به صلى الله عليه وسلم فى ذلك، لكن محل الندب القبول حيث لا شبهة قوية فيها، وندب الإثابة حيث لم يظن المهدى إليه لغير حياء إلا فى مقابل، أما إذا ظن الباعث على الإهداء إنما هو الحياء، قال الغزالى: من يقدم من سفر ويفرق هداياه من العار فلا يجوز القبول إجماعا، لأنه «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس» ولأنه مكروه فى الباطن فهو كالمكره فى الظاهر، وإما إذا ظن أن الباعث عليه إنما هو الإثابة، فلا يجوز القبول، إلا إن أثابه بقدر ما فى ظنه مما تدل عليه قرائن حاله، وإنما أطال فى ذلك، لأن أكثر الناس يستهترون فيه، فيقبلون الهدية من غير بحث عن شىء مما ذكرته، وهذا من عظيم خلقه أيضا، واستشكال هذا واللذين قبله أنها إنما تدل على سخائه، مع أن الباب فى الخلق ليس فى محله، لأن السخاء من محاسن الأخلاق فله مناسبة بالترجمة أى مناسبة. ... ¬

342 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى البر والصلة (3536) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الهبة (2585)، وأبو داود فى البيوع (3536)، وأحمد فى المسند (6/ 90)، ثلاثتهم من طريق عيسى بن يونس به فذكره.

49 - باب: ما جاء فى حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم

49 - باب: ما جاء فى حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو هنا بالمدّ من الحياة، ومنه الحياء للمطر، لكنه مقصور، وبحسب حياة القلب يزداد الحياء، فكلما كان القلب حيا كان الحياء أتم. وهو لغة: تغير وانكسار يعترى الإنسان من خوف ما يعاب به. وشرعا: خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويحضّ على ارتكاب الحسن، ومجانبة التقصير فى الحق. وهو أقسام: منها: حياء الكرم: كاستحيائه صلى الله عليه وسلم أن يقول لمن طوّلوا القيام عنده فى وليمة زينب انصرفوا، وفيه نزلت: وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ. . . الآية. حياء المحبّ من محبوبه: حتى إذا خطر بقلبه هاج الحياء منه، فيخجل من غير أن يدرى سببه. وحياء العبودية: بأن يشهد تقصيره فيها، فيزداد خوفه وخجله. وحياء المرء من نفسه: بأن تشرف همته فيستحى من رضى نفسه بالنقص فيجد نفسه مستحيا من نفسه، حتى كأن له نفسين فيستحى. فهذا أكمل أنواع الحياء، إذ المستحى من نفسه أقدر بالاستحياء من غيره. والحياء المحمود: من جملة الخلق الحسن فإفراده بباب للتنبيه على عظم شأنه، والاعتناء له، لأن به ملاك الأمر، وحسن المعاشرة للخلق، والمعاملة للحق، ومن ثمّ قال صلى الله عليه وسلم: «الحياء خير كله» (¬1). وقال: «إن لم تستح فاصنع ما شئت» (¬2). ¬

(¬1) رواه مسلم فى الإيمان (37)، وأبو داود (4796)، والإمام أحمد فى مسنده (4/ 426،436، 440،442،445،446)، وابن أبى شيبة فى المصنف (8/ 335)، والطبرانى فى الكبير (18/ 171،202،205،222)، وفى الصغير (1/ 85)، والبخارى فى التاريخ الكبير (3/ 30)، والشجرى فى أماليه (2/ 196)، وابن عدى فى الكامل (3/ 892،945)، وأبو نعيم فى الحلية (2/ 251)، (6/ 262)، وكذلك فى المسند المستخرج على مسلم (1/ 152، 153)، والعقيلى فى الضعفاء (2/ 201). (¬2) رواه البخارى فى الأنبياء (3483)، والإمام أحمد فى المسند (4/ 121،122)، (5/ 273)، =

343 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن قتادة قال: سمعت عبد الله بن أبى عتبة، يحدث عن أبى سعيد الخدرى قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدّ حياء من العذراء فى خدرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه فى وجهه». ـــــــــــــــــــــــــــــ 343 - (أشد حياء): آثره على إحيا لأن المبالغة فيه أكثر. (من العذراء): البكر لأن عذرتها وهى جلدة بكارتها باقية. (فى خدرها): هو-بكسر الخاء المعجمة-ستر يجعل لها فى جنب البيت، تكون فيه وحدها، حتى من النساء، وهى فيه أشد حياء منها خارجه، إذ الخلوة مظنة وقوع الفعل بها، فعلم أن المراد الحالة التى تعتريها عند دخول أحد عليها فيه، لا التى تكون عليها حالة انفرادها، أو اجتماعها بمثلها فيه. وفيه: بيان عظيم حيائه صلى الله عليه وسلم، وأن الحياء من الأوصاف المحمودة المطلوبة المرغبّ فيها، وهو كذلك، إذ هو شعبة من شعب الإيمان، كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «والحياء شعبة من الإيمان» (¬1). وروى البخارى «أنه من الإيمان، وأنه لا يأتى إلا بخير» (¬2). قال ¬

= والطبرانى فى الكبير (17/ 235)، والخطيب فى التاريخ (12/ 136)، من حديث عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه. 343 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى المناقب (3562)، وفى الأدب (6102،6119)، ومسلم فى الفضائل (2320)، وابن ماجه فى الزهد (4180)، وأحمد فى المسند (3/ 71،79،88،91،92)، والطيالسى فى مسنده (2222)، وابن سعد فى الطبقات الكبرى (1/ 368)، وأبو بكر بن أبى شيبة فى المصنف (8/ 336)، والطبرانى فى الكبير (18/ 206)، والخرائطى فى مكارم الأخلاق (49)، والبيهقى فى دلائل النبوة (1/ 316)، وكذلك فى السنن (10/ 192،199)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 38)، كلهم من طرق عن قتادة به فذكره نحوه. (¬1) رواه البخارى فى الإيمان (9)، ومسلم فى الإيمان (35)، وأبو داود فى السنة (4676)، والنسائى (8/ 110)، وابن ماجه (57)، والإمام أحمد فى المسند (2/ 414،442)، وابن أبى شيبة فى المصنف (8/ 334)، والبغوى فى شرح السنة (1/ 29)، والخطيب فى التاريخ (4/ 338)، (6/ 292،293)، وابن منده فى الإيمان (66). (¬2) رواه البخارى فى الأدب (6117)، ومسلم فى الإيمان (37)، والإمام أحمد فى مسنده (4/ 427)، والطبرانى فى الكبير (18/ 206)، والبغوى فى شرح السنة (13/ 173)، والخطيب فى التاريخ (11/ 295).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القاضى عياض وغيره: إنما جعل الحياء من الإيمان، وإن كان غريزة، لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب وعلم. وقال القرطبى: الحياء المكتسب: هو الذى جعله الشارع من الإيمان، وهو المختلق دون الغريزى، غير أن من كان فيه غريزة منه، فإنها تعينه على المكتسب، حتى يكاد أن يكون غريزيا. وقد جمع له صلى الله عليه وسلم النوعان، فكان الغريزى أشد حياء من البكر فى خدرها. وروى عنه: «كان من حيائه لا يثبت بصره فى وجه أحد». واعلم: أن الحياء إنما يتمدح به حيث لم ينته بصاحبه إلى ضعف وجبن وخروج عن الحق، وإلا كان مذموما، وحياؤه صلى الله عليه وسلم كان منزّها عن جميع ذلك. فقد قال ابن عمر: «ما رأيت لا أشجع ولا أعبد من رسول الله صلى الله عليه وسلم». وقال أنس «كان أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس» (¬1)، وذكر قصة «فزع أهل المدينة فانطلق ناس قبل الصّوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم وحده، واستبرأ الخبر على فرس لأبى طلحة عرى والسيف فى عنقه، وهو يقول: لن تراعوا»: أى روعا مستقرا أو روعا يضرّكم، وكان ذلك الفرس تطوفا أى: ضيق الخطى، فلما قال: وجدناه بحرا صار واسع الجرى. ببركة ركوبه. وصرع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركانة ثلاث مرات متواليات، بشرط إن صرع أسلم، فزاد تعجبه لشدة قوته وقصد النّاس له لذلك، وصارع جمعا غيره منهم ابن الأسود الجهمى فصرعه، مع أنه بلغ من شدّته أنه كان يقف على جلد البقرة، ويتجاذب أطرافه عشرة لينزعوه من تحت قدميه، فيتفرى الجلد، ولم يتزحزح منه. وفى الحديث «إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم»: أى جعلناه قدّامنا واستقبلنا العدو به وقمنا خلفه ومر فى باب الشعر ركوبه للبغلة فى الحرب، وأن ذلك دليل أى دليل على عظم شجاعته. ¬

(¬1) رواه الإمام أحمد فى المسند (3/ 147)، والبغوى فى شرح السنة (13/ 258)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (59،60)، والبيهقى فى الدلائل (1/ 325)، وأبو نعيم فى الحلية (9/ 19)، وذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (6/ 43)، عن أنس قال: كان أحسن الناس وجها، وأنورهم لونا، وكان أجود الناس وكان أشجع الناس. . وذكر القصة.

344 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن منصور، عن موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمى، عن مولى لعائشة، قال: قالت عائشة: «ما نظرت إلى فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم-أو قالت: ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قطّ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 344 - (الخطمى): بفتح أوله المعجم نسبة إلى خطم قبيلة من العرب. (أو): شك المشكوك فيه لفظ. (نظرت ورأيت): لا. (قط): بل الظاهر ذكرها فى الروايتين. وهذا من كمال حيائه صلى الله عليه وسلم، إذ لم يفعل ما يقتضى نظرها لفرجه، بل فعلها (¬1) ما يقتضى منعها من رؤيته، وهو عظيم حيائه، إذ لا تتجرئ المرأة على رؤية عورة زوجها، إلا من استهتاره فى ذلك وعلمها رضاه ويؤيده رواية: «ما رأيت منه ولا رأى منى» تعنى: الفرج، وبهذا أعنى قولى: إذ لم [إلى آخره] (¬2) يندفع قول شارح، لا وجه لذكر هذا فى باب حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أجاب عما لا ينفع، على أنه زعم أن فيه خفاء والله أعلم. ... ¬

344 - إسناده ضعيف: للجهالة بمولى عائشة رضى الله عنها. ورواه ابن ماجه فى الطهارة (662)، وفى النكاح (1922)، وأحمد فى المسند (6/ 93، 190)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 384)، من طريق سفيان به فذكره، وقال البوصيرى فى الزوائد: وهذا إسناده ضعيف. (¬1) فى (ش): [فعل]. (¬2) الزيادة من: [ش].

50 - باب: ما جاء فى حجامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

50 - باب: ما جاء فى حجامة رسول الله صلى الله عليه وسلم 345 - حدثنا على بن حجر، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد قال: سئل أنس بن مالك عن كسب الحجام، فقال أنس: «احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حجمه أبو طيبة فأمر له بصاعين من طعام، وكلّم أهله فوضعوا من خراجه، وقال: إنّ أفضل ما تداويتم به الحجامة». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى حجامة رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو تفرق اتصال إرادى يتبعه استفراغ الدم من نواحى الجلد غالبا، وهو ينقى سطح البدن أكثر من الفصد ويستخرج الدم الرقيق، ويستحب للصبيان ولمن لا يتقوى على الفصد، فهى أولى منه فى البلاد الحارة. إذ هو تفرق اتصال إرادى يتبعه استفراغ كلى من العروق خاصة. وقد احتجم صلى الله عليه وسلم كثيرا. ومن ذلك «أنه احتجم وهو صائم» (¬1) رواه الشيخان وغيرهما. ومن ثم قال الجمهور: لا فطر بها. وقال جمع من الشافعية كأحمد: يفطر الحاجم والمحجوم والخبر صحيح بذلك. ورد بالخبر الصحيح «أنه صلى الله عليه وسلم نهى عنها ولم يحرمها أبدا على أصحابه» فمعنى أفطر فى ذلك الحديث تعرض للإفطار بالمص للحاجم والضعف للمحجوم أو أن ذلك كان أولا ثم نسخ كما ورد من غير طريق وصححه ابن حزم. 345 - (فقال أنس): كما رواه عنه الشيخان أيضا مع بعض مخالفة، يأتى التنبيه عليها. وفيه: جواز كسب الحاجم، وتناوله للحر، والعبد، والحجامة نفسها والتكسب بها، وأنها من أفضل الأدوية، بل أفضلها على ما يأتى، وجواز التداوى، بل استحبابه ¬

345 - صحيح: رواه الترمذى فى البيوع (1278)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الطب (5696)، ومسلم فى المساقاة (1577)، وأبو داود فى البيوع (3424)، والإمام أحمد فى مسنده (4/ 174،182)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 443)، من طرق عن جميع الطويل عن أنس مرفوعا به فذكره. (¬1) رواه البخارى فى الصوم (1939)، (5694)، وفى الطب (2372)، والترمذى (775)، وأبو داود فى الصيام (2373)، وابن ماجه (1682)، وأحمد فى المسند (1/ 215،222،286).

346 - حدثنا عمر بن على، حدثنا أبو داود، حدثنا ورقاء بن عمر، عن عبد الأعلى، عن أبى جميلة، عن على رضى الله عنه: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم احتجم وأمرنى فأعطيت الحجّام أجره». ـــــــــــــــــــــــــــــ بالحجامة، وجواز أخذ الأجرة على المعالجة بالطبّ وإعطائها، ومخارجة الرقيق، بأن يقول له سيّده: أعطنى من كسبك كل يوم كذا ولك الباقى فيقول: رضيت أو نحوه، والشفاعة إلى صاحب حق من دين أو غيره. بالتخفيف فيه (أبو طيبة): هو قن لبنى بياضة أو لبنى حارثة، اسمه نافع، وقيل: غير ذلك، ويكون لبنى بياضة، صرّح به النووى ومن تبعه واعترض. (فأمر له): وفى رواية البخارى «فأعطاه» ولا تنافى إذ الأمر بالإعطاء يسمى عطيا. (بصاعين): مثنى صاع، وهو خمسة أرطال وثلث عندنا وثمانية أرطال عند الحنفية. وفى رواية البخارى رواية «بصاع أو صاعين أو مدّ أو مدّين»، وصح فى رواية «أن خراجه صاعان، وأنه أمر أن يوضع منه صاع، وإعطائه صاعا» قيل: وبها تجمع الأحاديث أى التى فيها ذكر الصاع لا المدّ. وفى أخرى «ثلاثة آصع»: وجمع بأنه صاعان وشىء، فمن قال صاعان ألغى الكسر، ومن قال ثلاثة جبره من (خراجه): هو ما يوظف على القن فى كل يوم كما مرّ. (أو) للشك. (أمثل): أخير دوائكم الحجامة رواية الشيخين: «خير ما تداويتم به الحجامة» من غير شك، والخطاب فيه لأهل الحجاز، لأن دمهم رقيق، وهو أميل إلى ظاهر أبدانهم لجذب الحرارة الخارجة له فتجتمع فى نواحى الجلد، ولأن مسام أبدانهم واسعة، وقواهم متخلخلة، فيكون الخطر فى الحجامة أقل من الفصد بكثير، فيكون بما يقع لهم من الفصد، قيل الفرق بين أفضل وبين أمثل، أن الأولى لا يثبت للفصد أفضلية بخلاف الثانية. ويرد: بأن هذا مبنى على وهم وقع فى [من أحسن الناس خلقا] والصواب: أنه لا فرق فى الحقيقة بين العبارتين وإنما المشكوك فيه اللفظ دون المعنى. 346 - (جميلة): بالجيم. (أجره): وهو الصاعان السابقان على ما مر، وهذه لا تخالف تلك خلافا لمن وهم فيه، وإنما تلك فيها زيادة أنه كلّم أهله حتى وضعوا عنه. ¬

346 - صحيح: رواه ابن ماجه فى التجارات (2163)، وأحمد فى مسنده (1/ 90،134،135)، كلاهما من طريق ورقاء بن عمر به فذكره.

347 - حدثنا هارون بن إسحاق الهمدانى، حدثنا عبدة، عن سفيان الثورى، عن جابر، عن الشعبى، عن ابن عباس، قال: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم احتجم فى الأخدعين وبين الكتفين، وأعطى الحجّام أجره، ولو كان حراما لم يعطه». ـــــــــــــــــــــــــــــ 347 - (الشعبى): هو عامر بن شراحبيل، منسوب إلى شعب بطن من همدان، ولد لست سنين خلت من خلافة عثمان، ومات سنة ثلاثة أو أربع أو سبع ومائة. (الأخدعين): هما عرقان فى جانبى العنق، وهذا الحديث حسّنه المصنف وغيره وصححه الحاكم. وقد قال الأطباء: الحجامة على الأخدعين فيما ينفع من أمراض الرأس والوجه والأذنين والعينين والأسنان والأنف. وفى خبر ضعيف جدا: «الحجامة فى الرأس تنفع من سبع: من الجنون والجذام والبرص والنعاس والصداع ووجع الضرس والعين» (¬1) نعم فى البخارى «احتجم صلى الله عليه وسلم وهو محرم من شقيقة كانت به» (¬2) وكان ذلك فى وسط رأسه كما فى رواية الطيالسى. وقد قال الأطباء: إنها نافعة لذلك جدا (¬3)، وقد أخرج أحمد «أنه صلى الله عليه وسلم كان ربّما أخذته الشقيقة فيمكث اليوم واليومين لا يخرج» (¬4) وصح أنه قال فى مرض موته: «وا رأساه، وأنه خطب وقد عصب رأسه» (¬5). فعصبته تنفع ¬

347 - إسناده حسن لغيره وهو صحيح: فيه جابر الجعفى، وهو ضعيف. ورواه أحمد فى المسند (1/ 316،324)، من طريقين عن جابر به فذكره. وقد تابعه عاصم الأحول عند الإمام أحمد فى المسند (1/ 315)، ورواه أبو داود (4323)، وأحمد (1/ 333)، من حديث ابن عباس رضى الله عنهما. (¬1) رواه الطبرانى فى الكبير (11/ 29)، وابن عدى فى الكامل (5/ 1708)، وابن الجوزى فى العلل المتناهية (2/ 359). (¬2) رواه البخارى فى الطب (5701). (¬3) انظر: زاد المعاد لشمس الدين ابن قيم الجوزية رحمه الله (4/ 50)، والطب النبوى للحافظ الذهبى (ص 86)، وتسهيل المنافع فى الطب والحكمة للشيخ إبراهيم الأزرق (ص 53)، ومسائل الطب لحنين بن إسحاق. وكتاب جالينوس. (¬4) ذكره الحافظ ابن حجر فى الفتح (10/ 162)، وعزاه لأحمد من حديث بريدة الأسلمى رضى الله عنه. (¬5) رواه البخارى فى الجمعة (927)، وفى مناقب الأنصارى (3628)، وفى اللباس (3800).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس، وروى عبد الرزاق «أنه صلى الله عليه وسلم لما سم بخيبر احتجم ثلاثة على كاهله». وقد ذكر أن الاستفراغ ينفع السم، وأنفعه الحجامة لا سيما فى بلد أو زمن حار، فإن السمية تسرى فى الدم، فتتبعه فى العروق والمجارى حتى تصل للقلب، وبخروجه يخرج ما خالطه من السم. ثم إن كان استفراغا عاما أبطله، وإلا أضعفه فتقوى الطبيعة عليه وتقهره، وإنما احتجم صلى الله عليه وسلم الكاهل، لما يأتى مبسوطا. ومنه: أنه أقرب إلى القلب، لكن لم تخرج المادة كلها به، لما أراده الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم من تكميل مراتب الفضل بالشهادة التى ودهاصلى الله عليه وسلم. والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق، والأخدعين تنفع من أمراض الرأس، ونحو الوجه والأسنان والأذنين والعينين والأنف والحلق، لذا حدث من كثرة الدم أو فساده، أو منهما جميعا، وروى أنه صلى الله عليه وسلم: «كان يحتجم بين الأخدعين والكاهل» (¬1). وفى الصحيحين «أنه كان يحتجم ثلاثة واحدة على كاهله واثنتين على الأخدعين». وروى ابن ماجه عن على كرم الله وجهه قال: «نزل جبريل على النبى صلى الله عليه وسلم لحجامة الأخدعين والكاهل» (¬2). وروى أبو داود «أنه صلى الله عليه وسلم احتجم فى وركه من وتى كان به» (¬3) وروى فى الحجامة فى المحل الذى إذا استلقى الإنسان، أصابته الأرض من رأسه «أنه صلى الله عليه وسلم قال: إنها شفاء من اثنين وسبعين داء». وفى رواية لأبى نعيم الأصبهانى مرفوعا «أنها فيها شفاء من خمسة أدواء -وذكر منها-الجذام». فقيل: الحجامة فى نقرة القفا تنفع من جحوظ العين والضيق العارض فيها، وكثير من أمراضها، ومن ثقل الحاجبين والجفن، لكن نقل عن أحمد أنه لم يحتجم فيها، وعلل ابن سينا، أن الحجامة فيها تورث النسيان حقا، ونقله حديثا، ولفظه «مؤخر الدماغ موضع الحفظ ويضعفه الحجامة». قال غيره: إن ثبت هذا الحديث، فهى إنما تضعفه إذا كان لغير ضرورة، أما لها كغلبة الدم فإنها نافعة طبا وشرعا، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم «أنه احتجم فى عدة أماكن من قفاه وغيره، بحسب ما دعته ضرورته إليه». وهى تحت الذّقن، تنفع من وجع الأسنان والوجه والحلقوم وتنقى ¬

(¬1) رواه ابن سعد فى الطبقات (1/ 2،145)، والبخارى فى التاريخ الكبير (1/ 268)، والبغوى فى شرح السنة (12/ 149). (¬2) رواه ابن ماجه فى الطب (3482)، وقال البوصيرى فى الزوائد: فى إسناده أصبغ بن نباته التيمى الحنظلى، وهو ضعيف. (¬3) رواه أبو داود فى الطب (3863).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرأس والعينين، وعلى الساقين، تنفع من دماميل الفخذ وبثوره ومن النقرس والبواسير وداء الفيل وحكة الظهر. وعلى ظهر القدم، تنفع من قروح الفخذين والساقين وانقطاع الطمث والحكة العارضة فى الأنثيين، ومنافع الحجامة كثيرة، إذا استعملت عند الحاجة إليها فى أى يوم أو وقت كان، فقد نقل الخلال عن أحمد: أنه كان يحتجم فى أى وقت هاج به الدم وأى ساعة كانت. قال ابن سينا: ويجب أن يتوقى بعد الحجم الحمام فيمن دمه غليظ، قال غيره، وتكره على الشبع فإنها ربما أورثت سددا أو أمراضا ردية، لا سيما إذا كان الغذاء رديا غليظا. وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: «الحجامة على الريق دواء وعلى الشبع داء، وفى سبعة عشر من الشهر شفاء، ويوم الثلاثاء صحة للبدن، ولقد أوصانى خليلى جبريل بالحجامة حتى ظننت أنه لا بد منها» (¬1). وأخرج ابن ماجه: «أنه صلى الله عليه وسلم قال: ما مررت ليلة أسرى بى بملأ، إلا قالوا: يا محمد مر أمتك بالحجامة» (¬2) وفى رواية عند الترمذى وغيره «عليك بالحجامة يا محمد» (¬3)، والأمر فيه للندب والاحتياط، والتحرز لحفظ الصحة، لقوله فى الحديث الآتى على الأثر «لا يتبيغ بكم الدم فيقتلكم» أى: يزيد. ف‍ «لا» فيه بمعنى: لئلا فيخلص المعنى للاستقبال. وأما فى مداواة الأمراض، فحيث وجد الاحتياج إليها وجبت طبا، لما مر عن أحمد أنه كان يفعلها إذا هاج به الدم، أى وقت كان وأى ساعة كانت. وأخرج الترمذى «نعم العبد الحجام يذهب الدم، ويجفف الصلب، ويجلو عن البصر». وروى أبو داود «أنه صلى الله عليه وسلم لما أكل من الشّاة التى سمتها اليهودية زينب بنت الحارث، أخت مرحب اليهودى بخيبر احتجم على كاهله من أجله» وإذا احتجم على كاهله الذى هو موصل العنق بالصلب من أجل أن يجذب السم الذى حصل فى البدن، وقصد القلب الذى مركز الحياة إلى ضد الجهة التى آل السم إليها، بامتصاص الحاجم وإخراجه من البدن بأسهل طريق حى يمكن فى ذلك الوقت. . . إلخ، وهو فى الصحيحين. وفيه رد على من حرم كسب الحجام مطلقا، أو الأحرار فقط، إذ الحرام لا يفرق فيه بين الحر والعبد ولا يجوز للسيد أن يطعم عبده ¬

(¬1) رواه ابن ماجه فى الطب (3487،3488)، والحاكم فى المستدرك (4/ 209،211)، والخطيب فى التاريخ (10/ 39)، وابن عدى فى الكامل، (2/ 721). (¬2) رواه ابن ماجه فى الطب (3477)، (3479). (¬3) رواه الترمذى (2053)، وابن ماجه (3478)، والحاكم فى المستدرك (4/ 212).

348 - حدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا عبدة، عن ابن أبى ليلى، عن نافع، عن ابن عمر: «أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم دعا حجّاما، فحجمه، وسأله: كم خراجك فقال: ثلاثة آصع فوضع عنه صاعا، وأعطاه أجره». 349 - حدثنا عبد القدوس بن محمد العطار البصرى، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا همام، وجرير بن حازم، قالا: حدثنا قتادة، عن أنس بن مالك، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم فى الأخدعين والكاهل وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة، وإحدى وعشرين». ـــــــــــــــــــــــــــــ ما حرم عليه. وهذا الذى احتج به ابن عباس يعلم أن ما ورد من النهى عن ذلك، محمول على التنزيه، إيثارا، وكونه خبيثا محمول على التنزيه إيثارا للترفع عن دنىء الاكتساب، والحث على مكارم ومعالى الأمور، أو على ما استوجب بعمل مجهول. 348 - (حجّاما): قيل: هو أبو طيبة السابق. (آصع): اعترض هذا الجمع بأنه ليس فى القاموس، ولا فى الصحاح، وإنما الذى فيهما أصوع بالواو وأصح بالهمز وأجيب: بأن آصع مقلوب، أصع بالهمز، فصار أصع بهمزتين ثم قلبت الثانية ألفا فوزنه أعفل. 349 - (الكاهل): هو ما بين الكتفين. (لسبع عشرة): إلى آخره وروى المصنف أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن خير ما تحتجمون فيه يوم سابع عشرة أو تاسع عشرة، ويوم إحدى وعشرين» (¬1). وأخرج ابن ماجه وغيره: «من أراد الحجامة فليتحر سبع عشرة أو ¬

348 - إسناده ضعيف وهو صحيح بشواهده: وعلته: محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى: سيئ الحفظ. وقد تفرد به المصنف. ويشهد له ما رواه الإمام أحمد فى المسند (3/ 353)، من حديث أنس بسند صحيح. 349 - صحيح: رواه الترمذى فى الطب (2051)، بسنده ومتنه سواء ورواه الحاكم فى المستدرك (4/ 210)، من طريق همام وجرير بن حازم قالا: حدثنا قتادة به فذكره. قال أبو عيسى: حسن غريب. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبى. (¬1) رواه الترمذى فى الطب (2053).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تسعة عشرة، أو إحدى وعشرين لا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله» (¬1). وأبو داود فى سننه «من احتجم لسبعة عشر أو تسعة عشر أو إحدى وعشرين كان شفاء من كل داء» (¬2)، قال بعضهم: يريد والله أعلم من كل داء سببه غلبة الدم، واختيار الأوقات المذكورة، لحركة الدم وهيجانها، ومن ثم اختاروا لها الربع الثالث من الشهر، لأن الدم فى أوله لم يكن بعد قد هاج، وفى آخره يكون قد سكن، وأما فى وسطه وبعيده، فيكون فى نهاية النضج والقوة والتزايد، كما صرّح بذلك الأطباء وعبارة رئيسهم ابن سينا، ويؤمر باستعمال الحجامة لا فى أول الشهر لأن الأخلاط لا تكون قد تحركت وهاجت، ولا فى آخره لأنها تكون قد نقصت، بل فى وسطه حتى تكون الأخلاط هائجة، مبالغة فى تزايدها ليزيد النور فى جرم القمر. انتهى. وقد ورد النهى عنها فى أيام بعينها، قال الخلال عن حرب: قلت لأحمد تكره الحجامة فى شىء من الأيام؟ قال: قد جاء فى الأربعاء والسبت. وروى عن الحسين بن حسان أنه سأل عبد الله عن الحجامة أى يوم يكره؟ قال: يوم السبت ويوم الأربعاء. ويقولون يوم الجمعة. وروى (¬3) «من احتجم يوم الأربعاء ويوم السبت فأصابه بياض أو برص فلا يلومن إلا نفسه» (¬4). ونقل الخلال عن أحمد أيضا أنه سئل عن النورة والحجامة يوم السبت ويوم الأربعاء فكرههما، وقال: بلغنى عن رجل أنه تنور واحتجم، فأصابه المرض، وكأنه تهاون بالحديث. وعن نافع «أن ابن عمر قال له: قد تبيّغ فىّ الدم فأبغنى حجاما ولا يكون صبيا ولا شيخا كبيرا، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحجامة تزيد الحافظ حفظا، أو العاقل عقلا، فاحتجموا على اسم الله، ولا تحتجموا الخميس والجمعة والسبت والأحد، واحتجموا الإثنين، وما كان من جذام ولا برص إلا فى يوم الأربعاء»، وقال الدار قطنى: تفرد به زياد بن يحيى، وقد رواه أيوب عن نافع قال فيه: «واحتجموا الإثنين والثلاثاء فإنه اليوم ¬

(¬1) رواه ابن ماجه (3486)، وإسناده فيه النهاس بن قهم وهو ضعيف، ويشهد له حديث أبى داود الذى بعده. (¬2) أبو داود فى الطب (3861)، والبيهقى (9/ 340). (¬3) فى (ش): [ويقولون]. (¬4) رواه ابن أبى شيبة فى «المصنف» (7/ 440)، وعبد الرزاق فى مصنفه (19816)، والحاكم فى المستدرك (4/ 409)، والبيهقى فى السنن (9/ 140)، وابن الجوزى فى الموضوعات (3/ 212).

350 - حدثنا إسحاق بن منصور، أنبأنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن أنس: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم بملل على ظهر القدم». ـــــــــــــــــــــــــــــ الذى صرف فيه عن أيوب من البلاء» (¬1). وروى أبو داود عن أبى بكرة «أنه كان يكره الحجامة يوم الثلاثاء، ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يوم الثلاثاء يوم الدم، وفيه ساعة لا يرقأ فيها» وقد ظهرت من مجموع هذه الأحاديث، أن أفضل الأيام للحجامة يوم الإثنين، فإذا وافق يوم السابع عشر أو التاسع عشر أو الحادى والعشرين، وأما يوم الثلاثاء فاختلفت الرواية، فينبغى أن يتوقى ما لم يكن إليها فيه ضرورة. قال ابن سينا: أوقاتها فى النهار، الساعة الثانية أو الثالثة (¬2). 350 - (وهو محرم): فيه جواز الحجامة للمحرم، إن لم يكن فيها إزالة الشعر، وإلا حرمت، إلا أن يضطر فيجوز ويفدى. (بملل): بفتح لاميه وميمه موضع بين مكة والمدينة بينه وبين المدينة سبعة عشر ميلا. ... ¬

350 - صحيح: رواه أبو داود فى المناسك (1837)، والنسائى فى المناسك (5/ 194)، كلاهما من طريق عبد الرزاق به فذكره. وعند أحمد والنسائى بدون قوله: «بملل» وزاد من وجع كان به والنسائى بلفظ «وثء» بدل «وجع». (¬1) ذكره ابن القيم فى زاد المعاد (1/ 60،61)، وعزاه للدر اقطنى فى كتابه «الأفراد». (¬2) رواه أبو داود فى الطب (3862)، وفى سنده راو مجهول.

51 - باب: ما جاء فى أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم

51 - باب: ما جاء فى أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم 351 - عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومى، وغير واحد، قالوا: حدثنا ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم) جمع اسم، وهو كلمة وضعت بإزاء شىء متى أطلقت فهم منها، إذ هى إما معرفة أو مخصصة، قيل: والاسم عين المسمى لقوله تعالى: سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ اَلْأَعْلَى (¬1)، وقوله تعالى: بِغُلامٍ اِسْمُهُ يَحْيى (¬2) ثم قال: يايَحْيى (¬3) فنادى الاسم. وردّ بأنه يلزم عليه أن من قال النار احترق لسانه، والعسل ذاق حلاوته وهو بديهى البطلان. ولا حجة فى الآيتين، لأن سبح بمعنى اذكر أو على حقيقته، وأريد بتنزيه الاسم نفسه، إذ أسماؤه تعالى توقيفية، فيجب تنزيهها عن أن يخترع له تعالى ما لم يصح عنه أو عن رسوله لقصور من عداهما عن أن يحيط بما يناسب جلاله العلى. ومعنى النداء بأيها الغلام المسمى بيحيى، فالصواب أنه غيره، كما عرف من الحديث، إن أريد اللفظ وهو الذى فيه ومنه وعلم الأسماء كلها، فإن أراد به الذات فعينه ومنه، ما تعبدون من دونه إلا أسماء أو الصفة كما يقوله الأشعرى انقسم عنده انقسامها، فإن رجع للذات كالله فعينه، أو الفعل كالخالق فغيره، أو لصفات الذات كالعليم، فليس عينه إذ علمه تعالى زائدا على ذاته ولا غيره لعدم انفكاكه عنه من الجانبين، بناء على أن الغيران موجودان يجوز الانفكاك بينهما، وفيه كلام بينت حاصله فى أول شرح العباب 351 - (عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه. . .) إلخ، رواه عنه الشيخان أيضا. ¬

(¬1) سورة الأعلى: آية (1). (¬2) سورة مريم: آية (7). (¬3) سورة مريم: آية (12). 351 - إسناده صحيح: رواه الترمذى، ورواه البخارى فى المناقب (3533)، (4896)، ومسلم فى الفضائل (2354)، والإمام أحمد فى مسنده (4/ 80،81)، والدارمى فى الرقاق (2/ 317،318)، والحميدى فى مسنده (555)، وأبو بكر بن أبى شيبة فى المصنف (11/ 457)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 105)، والبغوى فى شرح السنة (3629،3630)، والطبرانى فى الكبير (1520، 1521،1522،1523،1524،1526،1527،1528،1529،1530)، وابن حبان =

سفيان، عن الزهرى، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ لى أسماء، أنا محمّد، وأنا أحمد، وأنا الماحى الذى يمحو الله بى الكفر، وأنا الحاشر الذى يحشر النّاس على قدمى، وأنا العاقب، والعاقب الذى ليس بعده نبىّ». ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى رواية «إن لى خمسة أسماء» أى اختص بها لم يتسم بها أحد قبلى، أو هى مشهورة فى الأمم الماضية، فالحصر الذى أفاده تقديم الجار والمجرور إضافى لا حقيقى، لورود الروايات بزيادة على ذلك، منها ما يأتى عند المصنف وصح منها ستة: الخمسة المذكورة والخاتم. وفى رواية: «لى فى القرآن سبعة أسماء: محمد وأحمد ويس وطه والمزمل والمدثر وعبد الله» إن لى أسماء: تعرّض جماعة لتعدادها فمنهم من بلغها تسعة وتسعين موافقة لعدد أسمائه الحسنى الواردة فى الحديث. فقال عياض: خصّه تعالى بأن سماه من أسمائه الحسنى بنحو ثلاثين اسما. وقال ابن دحية: إذا فحص عنها فى الكتب المتقدمة والقرآن والسنة بلغت ثلاث مائة، وبلغها بعض الصوفية إلى ألف كأسمائه تعالى، والمراد حينئذ ما يشمل الأوصاف، فإذا اشتق له من كل وصف من أوصافه المختصة به، أو الغالبة عليه أو المشتركة بينه وبين الأنبياء، بلغت من ذلك العدد بزيادة، وقد وصلها جماعة كالقاضى عياض وابن العربى وابن سيد الناس إلى أربع مائة. (محمد): علم منقول من اسم المفعول المضعف، سمى به نبينا صلى الله عليه وسلم، لكثرة خصاله، المحمودة، أى سماه جده عبد المطلب بإلهام من الله بذلك، رجاء أن يحمده أهل السماء والأرض وقد حقق الله تعالى رجاءه، ولرؤيا رآها، هى أن سلسلة من الفضة، خرجت من بين ظهره، لها طرف بالسماء وطرف بالمشرق وطرف بالمغرب، ثم عادت شجرة على كل ورقة منها نور وأهل المشرق والمغرب يتعلقون بها فعبرت بمولود يتبعه أهلها، ويحمده أهل السماء والأرض، وينبغى تحرى التسمية باسم من أسمائه لخبر أبى نعيم. قال الله: «وعزتى وجلالى لا عذّبت أحدا يسمى باسمك فى النّار». وو ورد «إنى آليت على نفسى أن لا يدخل النار من اسمه أحمد ولا محمد». وروى الديلمى عن على «ما من مائدة ¬

= فى صحيحه (6313)، والبيهقى فى الدلائل (1/ 152،153،154)، والآجرى فى الشريعة (ص 462)، وأبو نعيم فى الدلائل (19)، كلهم من طرق عن الزهرى به فذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وضعت فحضر عليها من اسمه أحمد أو محمد إلا قدس الله ذلك المنزل كل يوم مرتين». (أحمد): ابتداء هذين لإنبائهما عن كمال الحمد المنبئ عن كمال ذاته، والراجع إليه سائر أوصافه، إذ صيغة التفضيل منبئة عن التضعيف والتكثير إلى ما لا نهاية له، وصيغة أفعل منبئة عن الوصول لغاية ليس ورائها منتهى، إذ معناه أحمد الحامدين لربه، لأنه يفتح عليه يوم القيامة عما به لم يفتح على أحد قبله، فيحمد ربه بها، ولذلك يعقد له لواء الحمد، ثم لم يكن محمدا حتى كان أحمد حمد ربه، فنبأه وشرفه ولذلك تقدم فى قول موسى: اللهم اجعلنى من أمة محمد، وقول عيسى: اسمه أحمد على محمد، لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس له، فلما وجد وبعث كان محمد بالفعل. فبأحمد ذكر قبل أن يذكر محمد، وكذلك فى الشفاعة يحمد ربه بتلك المحامد التى لم يفتح بها على أحد قبله، فيكون أحمد الحامدين لربه، ثم يشفع فيحمد على شفاعته، فتقدم أحمد ذكرا أو وجودا دنيا وأخرى يبدأ حاصل كلام السهيلى، وجرى عليه القاضى فى الشفاء وغيره، وهو فهم من دعوى ابن القيم فى أحمد أنه قيل فيه أنه بمعنى مفعول، أى: أنه أولى الناس بأن يحمد فهو بمعنى محمد وإن تفارقا فى أن محمدا كثير خصاله يحمد عليها وأحمد هو الذى يحمد أفضل مما يحمد غيره. ولو أريد أنه أكثر حمدا لربه لكان الأولى به الحماد انتهى. ومن مزاياهما: مساواتهما الجلالة حروفا. ومن مزايا الأول: موافقته لمحمود من أسمائه تعالى، ومن ثم قال حسان: وشق له من اسمه ليجله … فذو العرش محمود وهذا محمد وورد عن أبى نعيم «أنه سمى بهذا الاسم قبل الخلق بألفى عام» وهذا إن صح يعكر على ما فى السهيلى (¬1) تأخره عن أحمد وجودا، وورد «عن كعب أن اسم محمد مكتوب على ساق العرش، وفى السماوات السبع، وفى قصور الجنة وغرفها، وعلى نحور الحور العين، وعلى قصب آجام الجنة وورق طوبى وسدرة المنتهى، وعلى أطراف الحجب، وبين أعين الملائكة». قيل: ووجد مكتوب على ورد بالهند وعلى جنب سمكة وأذن أخرى. قال ابن قتيبة: ومن أعلام نبوته أنه لم يسم أحد به قبله صيانة لهذا الاسم، كما صين يحيى عن ذلك، خشية من وقوع لبس، نعم لما قرب زمنه، وبشر أهل الكتاب بقربه، سمى قوم أولادهم بذلك، رجاء أن يكون هو، وغفلوا عن أنه ¬

(¬1) فى (ش): (فى).

352 - حدثنا محمد بن طريف الكوفى، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (¬1). وأشهرهم خمسة عشر، خلافا لمن قال: ثلاثة، ومن قال ستة. (يمحو الله بى الكفر) (¬2) من مكة والمدينة وسائر بلاد العرب وغيرهما، مما رئى له صلى الله عليه وسلم، ووعد أن يبلغه ملك أمته. أو المراد أن يمحوه بمعنى يدحضه ويظهر عليه بالحجة والغلبة، قال تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ (¬3). أو أنه يمحو سيئات من اتبعه أى: آمن به، فيمحو عنه ذنب كفره، وسائر ما عمله فيه، قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ماقَدْ سَلَفَ (¬4). وقال صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يهدم ما قبله» (¬5). وخص صلى الله عليه وسلم بهذا بأنه لم يمح الكفر بأحد مثل ما محى به صلى الله عليه وسلم، إذ بعث وقد عم الكفر الأرض وأكثرهم لا يعرفون ربا ولا معادا بل منهم من يعبد الحجر أو الكوكب أو النار، فمحى ذلك كله به صلى الله عليه وسلم، وظهر دينه على كل دين، وبلغ مبلغ الجديدين، وسار مسار القمرين. (على قدمى): بتخفيف الياء على الإفراد، وتشديدها على التثنية، وفى رواية «على عقبى»: أى على أثرى وزمان نبوتى ورسالتى إذ لا نبى بعدى، أو تقدمهم وهم خلفه أى: على أثره فى المحشر إذ هو أول من تنشق الأرض عنه. (العاقب): هو الذى يعقب من خلفه فى الخير ومنه عقب الرجل لولده. والعاقب يفسر أيضا بأنه (الذى ليس بعده نبى): لأن العاقب هو الآخر فهو عقب الأنبياء أى: آخرهم صلى الله عليه وسلم. 352 - (نبى الرحمة): أى التراحم بين الأمة الحاصل ببركته، قال تعالى: فَأَلَّفَ ¬

(¬1) سورة الأنعام آية رقم (124). (¬2) رواه البخارى فى المناقب (3532)، وفى التفسير (4896)، والترمذى فى الأدب (2840)، والدارمى فى الرقاق (2/ 317،318)، ومالك فى الموطأ فى أسماء النبى1، وأحمد فى مسنده (4/ 80،81،84). (¬3) سورة التوبة آية رقم (33)، وسورة الفتح آية رقم (28)، وسورة الصف آية رقم (9). (¬4) سورة الأنفال: آية رقم (38). (¬5) رواه مسلم فى الإيمان (121). 352 - إسناده حسن: فيه: عاصم بن بهدلة فهو صدوق. ورواه أحمد فى المسند (5/ 405)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 104)، وأبو بكر بن أبى شيبة فى المصنف (11/ 457)، والبزار فى مسنده (2379)، وابن حبان فى صحيحه (6315)، والآجرى فى الشريعة (ص 462)، قال البزار: لا نعلم يروى عن حذيفة إلا من حديث عاصم =

عن أبى وائل، عن حذيفة، قال: «لقيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم فى بعض طرق المدينة، فقال أنا محمّد، وأنا نبىّ الرّحمة، ونبىّ التّوبة، وأنا المقفّى، ونبى الملاحم». ـــــــــــــــــــــــــــــ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ (¬1)، رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (¬2) أو المراد أنه جعل ذاته رحمة وَماأَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (¬3)، ومن ثم أخبر عن نفسه بأنه «رحمة مهداة»، رواه البيهقى بلفظ «إنما أنا رحمة مهداة» (¬4) فرحم الله به الخلق مؤمنهم وكافرهم ولتكرار الرحمة وتضاعفها فيه وبه سمى نبى الرحمة. (ونبى التوبة): أى أن قبول التوبة بشروطها المذكورة فى كتب الفقه من جملة ما حققه الله ببركته على هذه الأمة. (المقفى): أى التابع للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فكان آخرهم، من قفوته إذا اتبعته وقافية كل شىء آخره. (الملاحم): جمع ملحمة وهى الحرب لاشتباك الناس فيها كاشتباك السدى باللحمة ولكثرة لحوم القتلى فيها. ولم يجاهد نبى وأمته قط ما جاهد صلى الله عليه وسلم وأمته كيف وهم يقاتلون الكفار فى أقطار الأرض على تعاقب الأعصار حتى يقاتلون الأعور الدجال ومن تبعه من اليهود الكثيرين وغيرهم. وفى القاموس سمى نبى الملاحم لأنه سبب لالتيامهم واجتماعهم، واقتصر على هذه الأسماء مع أن له غيرها، لأنها معلومة للأمم السابقة، إذ هى فى كتبهم. ... ¬

= عن أبى وائل، وإنما أتى هذا الاختلاف من اضطراب عاصم، لأنه غير حافظ. وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (8/ 284)، وعزاه لأحمد والبزار، وقال: رجال أحمد رجال الصحيح، غير عاصم بن بهدلة وهو ثقة، وفيه سوء حفظ. (¬1) سورة آل عمران: آية رقم (103). (¬2) سورة الفتح آية رقم (29). (¬3) سورة الأنبياء آية رقم (107). (¬4) رواه البغوى فى شرح السنة (3631)، ورواه البيهقى فى دلائل النبوة (1/ 158)، رواه ابن أبى شيبة فى مصنفه (144)، رواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى (1/ 151)، وابن عدى الكامل فى ضعفاء الرجال (4/ 231)، والشجرى فى الأمالى (11/ 504).

52 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

52 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم) ذكر المصنف هذا الباب فيما مر فى كثير من النسخ ثم أعاده هنا بزيادات أخر، أخرجته عن التكرار المحض على أن ذلك إن توجهه أيضا، بأن حكمة التكرار أن عيشه صلى الله عليه وسلم إى: معيشته فيها ما يناسب خلقه، لأن الاعتدال فى المأكول وتناوله فى أولى الأوقات به على ما ينبغى فى تناوله مع عدم الإكثار منه، ومع الصبر على فقده فى الزمن الطويل دليل، أى: دليل على اعتدال الطبائع الأربعة. واعتدالها موجب لاعتدال سائر الصفات الذاتية وهذا هو غاية حسن الشكل والخلق وما يناسب خلقه كما يأتى فلذا أكررها فى مبحثها ولما كان لها بالخلق بضم أوله أتم ارتباط ومناسبة ذكرها بعده وأطال فيها بما لم يطل به هناك، إذ الموجب للصبر على الفقر والجوع الشديد ومقاساة ما يتولد منه، إنما هو عظيم الخلق، ويصح أن يوجد التكرار أيضا بأنه مر أن العيش له ثلاث إطلاقات: منها: الحياة، وهى المرادة، ثم من حيث بيان أنه مدة حياته كان قد يتناول منه مستمر الفقر. ومنها: الطعام الذى يعاش به، وهو المراد هنا. من حيث بيان أنه كان قد يتناول منه لذيذا أو خشنا، وقد يشبع، وقد لا يشبع، وقد لا يجد منه شيئا إلا أن يشد الحجر على بطنه، وقدمت ثم أواخر الكلام على حديث ذلك الباب نحو هذا الجمع فتأمل ذلك وأعرض عما سواه مما لا يجدى نفعا. واعلم أن تناول الطعام يحتاج لعلوم كثيرة، من حيث وصفه وزمنه وغيرهما، لاشتماله على المصالح الدينية والدنيوية، أو به قوام القلب والبدن، وبهما عمارة الدنيا والآخرة، لأن البدن بمفرده على طبع الحيوان فيستعان به على عمارة الدنيا، والقلب على طبع الملائكة فيستعان به على عمارة الآخرة باجتماعهما يصلحان لعمارة الدارين، ومن ثم قال الغزالى: لا طريق للبقاء إلا بالعلم والعمل، ولا يكن المواظبة عليهما إلا بسلامة البدن، ولا تصفو سلامة البدن إلا بتناول مقدار الحاجة على تكرر الأوقات. ولهذا قال بعض السلف الصالحين: الأكل من الدين وعليه نبه بقوله تعالى: كُلُوا مِنَ اَلطَّيِّباتِ وَاِعْمَلُوا صالِحاً (¬1). فمن أكل ليتقوى على الطاعة لا ينبغى أن يسترسل فيه استرسال البهائم فى المرعى، فإنما هى درجة (¬2) إلى ¬

(¬1) سورة المؤمنون: آية (51). (¬2) فى (ش): [ذريعة].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدين، ينبغى أن تظهر أنواره عليه ولا تظهر إلا إن وزن بميزان الشرع شهوة الطعام إقداما وإحجاما. والشبع بدعة ظهرت منذ القرن الأول، وصح أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه، حسب الآدمى لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمى نفسه، فثلث للطعام، وثلث للشراب وثلث للنفس» (¬1) وخصت الثلاثة بالذكر لأنها أسباب الحياة ولا يدخل الباطن سواها. وظاهر الخبر تساوى الأثلاث، ويحتمل أن المراد تقاربها وصح «أن المؤمن يأكل فى معاء واحد» (¬2) أى بكسر الميم والقصر: المصارين، «والكافر فى سبعة أمعاء» والمراد المبالغة فى شرهه ونهمه، لا حقيقة العدد، وحقيقته لأهل الشرع، لأن للآدمى سبعة أمعاء فالمؤمن يكتفى بملء واحد منها، والكافر، لا يكتفى إلا بملء جميعها والمراد الجنس، وإلا فكثير من المؤمنين يأكل أكثر من كثير من غيرهم، وقيد المراد بالمؤمن الكامل وهو لكثرة فكره وإشفاقه من المناقشة فى الحساب حتى على المباح، يقلل أكله دائما، وفى حديث: «من كثر تفكره قل مطعمه، ومن قل تفكره كثر مطعمه وقسى قلبه» (¬3). وقالوا: لا تدخل الحكمة معدة ملئت طعاما، ومن قل أكله قل شربه فخف نومه فظهرت بركة عمره، ومن كثر أكله فبالعكس. وروى الطبرانى: «إن أهل الشبع فى الدنيا هم أهل الجوع فى الآخرة» (¬4)، ومن ثم قالت عائشة: «لم يشبع صلى الله عليه وسلم قط، وما كان يسأل أهله طعاما ولم يتشهاه، إن أطعموه أكل، وما أطعموه قبل» قيل: وما سقوه شرب، والمراد نفى الشبع المفرط المثقل المثبط عن ¬

(¬1) رواه الترمذى فى الزهد (2380)، وابن ماجه فى الأطعمة (3349)، والبغوى فى شرح السنة (4048)، وأحمد فى مسنده (4/ 132)، وابن حبان فى صحيحه (674)، (5263)، والطبرانى فى الكبير (20/ 644)، وابن المبارك فى الزهد (603). (¬2) رواه البخارى فى الأطعمة (5393)، (5394)، (5397)، وأحمد فى مسنده (2/ 145) (3/ 333)، وعبد الرزاق فى مصنفه (19558)، (19559)، والخطيب البغدادى فى تاريخ بغداد (2/ 190). (¬3) ذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى (9/ 450)، وذكره الشيخ الألبانى فى الضعيفة وعزاه لأبى بكر بن النقور فى الفوائد وابن بشران فى الأمالى وابن الجوزى فى الموضوعات. انظر السلسلة الضعيفة (90). (¬4) رواه الطبرانى فى الكبير (11/ 267)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/ 250)، وعزاه للطبرانى وفيه يحيى بن سليمان الحفرى، وقد تقدم الكلام عليه فى أول هذه الورقة وبقية رجاله ثقات.

353 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير، يقول: «ألستم فى طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيّكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدّقل ما يملأ بطنه». 354 - حدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة، قالت: «كنّا-آل محمّد-نمكث شهرا، ما نستوقد بنار، إن هو إلاّ التّمر والماء». ـــــــــــــــــــــــــــــ العبادة لا مطلق الشبع النسبى الذى لا يؤدى لذلك لما يأتى فى قصة أبى الهيثم فلما شبعوا وروى الأحوص بالحاء المهملة يقول إلى آخره مر الكلام عليه. وروى مسلم «يظل اليوم يلتوى وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه» (¬1). 353 - (ما شئتم): بدل مما قبله أى: أى شىء شئتم شيئتموه منها تناولتموه. أو التقدير. (الستم): متنعمين فى طعام وشراب مقدار المأكول أو المطعوم الذى تشاؤنه من التوسعة والإفراط، والمقصود من هذا الكلام التقريع والتوبيخ، ولذا عقبه بقوله: «لقد رأيت نبيكم» الإضافة لإلزام المشى على طريقته والتسلية عن التطلع إلى الدنيا ونعيمها. (الدقل): هو ردىء التمر. (ما يملأ بطنه): الإضافة للتشريف وقد سبق شرحه. 354 - (آل محمد): يشمله صلى الله عليه وسلم لفظا وقياسا أولويا لأنهم إذا صبروا على ما يأتى. (شهرا): فهو أحق وأولى لتعذر شبعه دونهم وللقطع بأنه عند الضيق يؤثرهم على نفسه. (نمكث): يشكل عليه نقل الرضى الاتفاق على لزوم اللام فى الخبر من الفعل ¬

353 - إسناده صحيح: وقد تقدم فى حديث (146). 354 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الرقاق (6458)، ومسلم فى الزهد (2972)، وابن ماجه أيضا (4144)، والإمام أحمد فى مسنده (6/ 50)، وابن سعد فى الطبقات الكبرى (1/ 402،403)، خمستهم من طريق عبدة بن هشام به فذكره نحوه. (¬1) رواه مسلم فى الزهد (2977)، (2978)، ورواه الترمذى فى الزهد (2372)، وابن ماجه فى الزهد (4146)، والإمام أحمد فى مسنده (1/ 24) (4/ 368).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الواقع فى خبر أن المخففة من الثقيلة. ويجاب بحمل هذا على الغالب (ما نستوقد) جملة حالية، وقيل: خبر بعد خبر. (وإن هو): ما هو أى المأكول. (التمر والماء) وفى رواية «إلا الأسودان»، وفى رواية «إلا الماء والتمر» وفيه دليل على ضيق عيشهم المستلزم لضيق عيشه صلى الله عليه وسلم. وروى الشيخان عن عائشة: «أنها كانت تقول لعروة: والله يا ابن أختى إنا كنا ننتظر إلى الهلال ثم الهلال إلى ثلاثة أهلة فى شهرين، وما أوقد فى أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نارا، قال: قلت يا خالة فما كان يقيتكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقيناه» (¬1). وروى أيضا: «ما شبع آل محمد ثلاثة أيام إشباعا حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم» (¬2)، وروى المصنف وصححه ومر فى باب خبزه «كان صلى الله عليه وسلم يبيت بالليالى المتتابعة وأهله طوا لا يجدون عيشا، وإنما كان خبزهم الشعير» (¬3). وروى مسلم «ما شبع آل محمد يومين من خبز البر إلا وأحدهما تمر» (¬4)، وروى ابن سعد «خرج-يعنى النبى صلى الله عليه وسلم-من الدنيا، ولم يملأ بطنه فى يوم من طعامين، كان إذا شبع من التمر لم يشبع من الشعير، وإذا شبع من الشعير لم يشبع من التمر» (¬5). وقولها: (طعامين) أى قوتين غالبا، وإلا فقد جمع بين القثاء والرطب واللحم كما مر ويأتى. وروى مسلم «مات صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبز وزيت فى يوم واحد مرتين» (¬6)، ومر أيضا فى باب خبزه. ما شبع من خبز ولحم مرتين فى يوم، وروى ¬

(¬1) رواه البخارى فى الهبة (2567)، ورواه أيضا فى الرقاق (6459)، ورواه مسلم فى الزهد (2972). (¬2) رواه البخارى فى الأطعمة (5374)، (5414)، وعنه البغوى (4076)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 403)، ووكيع فى الزهد (107). (¬3) رواه الترمذى فى الزهد (2360)، ورواه ابن ماجه فى الأطعمة (3347)، والبغوى فى شرح السنة (6/ 162)، وأحمد فى مسنده (1/ 255)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 113)، والشجرى فى الأمالى (2/ 207). (¬4) رواه مسلم فى الزهد (2971)، وأحمد فى مسنده (2/ 98،434)، (4/ 442)، (6/ 128، 156،187،255،277). (¬5) رواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى (1/ 311). (¬6) رواه البخارى (5416،6454،6455)، ومسلم فى الزهد (2971،2974،2970)، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدمياطى عن الحسين خطب صلى الله عليه وسلم فقال: «والله ما أمسى فى آل محمد صاع من طعام، وإنها لتسعة أبيات» والله ما قالها استقلالا لرزق الله، ولكن أراد أن يتأسى به أمته. وأخرج أحمد وأبو نعيم عن معاذ رفعه: «إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين» (¬1). وروى أبو الشيخ وابن شاهين والطبرانى وأبو نعيم: «تمعددوا واخشوشنوا واخلولقوا وامشوا حفاة» (¬2) وفيه اضطراب، ومداره على عبد الله بن سعيد وهو ضعيف، لكنه صح عن عمر رضى الله عنه، ومعنى تمعددوا: اتبعوا معد بن عدنان فى الفصاحة، وتشبهوا بعيشه فى الغلظ والتقشف، فكونوا مثله، ودعوا التنعم، ويشهد له حديث «عليكم باللبسة المعدية»: أى بخشونة اللباس، والحاصل: أنه يتسير إلى النهى عن الإفراط فى الترفه والتنعم وإلى الحث على التقلل ما أمكن مع التواضع. وروى الدار قطنى حديث: «إذا تسارعتم إلى الخير، فامشوا حفاة» (¬3). وروى مسلم عن عائشة: «كان يعجبه من الدنيا الطيب والنساء والطعام، فأصاب الأولين دون الثالث» (¬4)، وخبر «حبب إلىّ من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عينى فى الصلاة» (¬5) رواه النسائى فى سننه والطبرانى فى الأوسط، وزيادة: ثلاث الواقعة فى كلام الغزالى وغيره، لا أصل لها كما قاله الحفاظ، وإن تكلف الإمام ابن فورك فى توجيهها. ¬

= والترمذى (2356)، (2357)، والبغوى فى شرح السنة (4072)، (4073)، وأحمد فى مسنده (6/ 156،255)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 402،403،405)، وعبد الرزاق (26020)، والطيالسى (1389)، ووكيع (108،109،110)، وهناد بن السرى (725، 728)، وفى الشمائل (145،150،151). (¬1) رواه ابن كثير فى البداية والنهاية (5/ 101)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/ 250)، وعزاه لأحمد ورجاله ثقات. (¬2) ذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى (10/ 298)، وذكره ابن حجر فى المطالب العالية (2171،2642)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 136) وعزاه للطبرانى وفيه عبد الله ابن سعيد وهو ضعيف. (¬3) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (1/ 133)، وعزاه للطبرانى فى الأوسط وفيه سليمان بن عيسى العطار كذاب. (¬4) رواه أحمد فى مسنده (6/ 72)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/ 315)، وعزاه لأحمد وفيه راو لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح. (¬5) رواه النسائى فى الإيمان (7/ 61)، ورواه أحمد فى مسنده (3/ 199،285)، ورواه الحاكم فى المستدرك (2/ 160).

355 - حدثنا عبد الله بن أبى زياد، حدثنا سيار، حدثنا سهل بن أسلم، عن يزيد بن أبى منصور، عن أنس، عن أبى طلحة، قال: «شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه حجرين». (قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من حديث أبى طلحة، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ومعنى قوله: ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر. قال: كان أحدهم يشد فى بطنه الحجر من الجهد والضعف، الذى يعنى به الجوع). ـــــــــــــــــــــــــــــ 355 - (عن بطوننا): متعلق برفعنا لتضمنه معنى كشفنا أثيابنا. (عن حجر): بدل اشتمال عما قبله بإعادة الجار أى: عن حجر مشدود كعادة العرب، أو أهل الرياضة، أو أهل المدينة كانوا يفعلون ذلك، إذا خلت أجوافهم، لئلا تسترخى أمعاؤهم فتثقل عليهم الحركة، وبربط الحجر يشد البطن والظهر، فتسهل عليهم فى الحركة، فإذا زاد اشتداد الجوع ربط (حجرا آخر): صفة لمصدر محذوف أى: كشفا صادرا (عن حجر حجر): أى لكل منا حجر واحد دفع عنه فالتكرير باعتبار تعدد المخبر عنهم بذلك، فزعم أن هاهنا حرف عطف محذوف غير محتاج إليه بل ربما يفسد المعنى لإنهائه حينئذ أن لكل حجرين، وكذا زعم أن التقدير: عن حجر منفصل عن حجر آخر، فالحجر الأخير صفة الأول، وأشرت بقول مشدود عليها، إلى رد ما قيل بدل اشتمال لا يخلو عن ضمير المبدل منه ولا ضمير ها هنا فلا يصح البدل. ووجه الرد: أن الضمير هنا مقدر، وبقولى بدل. . . إلخ رد ما قيل أيضا تعلق جزء فى جزء متحد المعنى بعامل واحد ممنوع. ووجه رده أن هذين الحرفين فى حكم حرف واحد لأن المبدل منه فى نية المطروح كما هو مقرر مع معناه فى محله. (عن بطنه عن حجرين): استشكل بما فى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تواصلوا، قالوا: إنك تواصل، قال: إنى لست كأحدكم، إنى أطعم وأسقى» (¬1). وبهذا تمسك ابن حبان فى حكمه ببطلان الأحاديث الواردة بأنه صلى الله عليه وسلم كان ¬

355 - إسناده ضعيف: رواه الترمذى فى الزهد (2371)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 288) من طريق سيار بن حاتم به فذكره. (¬1) رواه ابن حبان فى صحيحه (3574،3575،3579)، وابن خزيمة فى صحيحه (2069)، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوع ويشد الحجر على بطنه من الجوع. قال: وإنما معناها: الحجز بالزاى وهو طرف الإزار، وما يغنى عن الجوع. ويجاب: بأن هذا خاص بالمواصلة، فكان إذا وصل أعطى قوة الطاعم والشارب، أو يطعم ويسقى حقيقة على الخلاف فى ذلك، وأما فى غير حالة المواصلة فلم يزدد فيه ذلك، فوجب الجمع بين الأحاديث، بحمل الأحاديث الناصة على جوعه على غير حالة المواصلة. وروى ابن أبى الدنيا «أصاب النبى صلى الله عليه وسلم جوع يوما فعمد إلى حجر فوضعه على بطنه ثم قال: ألا ربّ نفس طاعمة ناعمة فى الدنيا، جائعة عارية يوم القيامة ألا رب مكرم لنفسه، وهو لها مهين، ألا رب مهين لنفسه. وهو لها مكرم» (¬1). وفى الصحيح عن جابر: «كنا يوم الخندق فقام يحفر فعرضت كدية-وهى بضم مهملة فتحتية: قطعة صلبة-فجاءوا للنبى صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذه كدية عرضت فى الخندق، فقام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا» فأخذ صلى الله عليه وسلم المعول فضربه فعاد كثيبا أهيلا، أو أهيم» (¬2) أى وهما بمعنى واحد. زاد أحمد والنسائى بإسناد حسن: «أن تلك الصخرة لا تعمل فيها المعاول، وأنه صلى الله عليه وسلم قال: بسم الله، وضربها ضربة، فنشر ثلثها، فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إنى لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر، فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، وإنى والله لأبصر قصور المدائن البيض، ثم ضرب الثالثة، فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، وإنى لأبصر أبواب صنعاء من مكانى الساعة» (¬3). وبما تقرر: علم أن الصواب، صحة الأحاديث، وأنه صلى الله عليه وسلم شد الحجر بالرّاء شدا خفيفا، وأنه لم يفعل ذلك ليعلم الصحابة بأنه صلى الله عليه وسلم ليس عنده ما يستأثر به عليهم فحسب كما زعمه بعضهم، بل فعله لذلك، ولما يحس به ألم الجوع اختيارا لثواب الآخرة. ومن حكمة شد الحجر، أنه يسكن بعض ألم الجوع، لأن حرارة المعدة الغريزية ما دامت المعدة مشغولة بالطعام، بتلك الحرارة به، فإذا نفذ اشتغلت برطوبات الجسم وجواهره فيحصل ¬

= وأحمد فى مسنده (3/ 173،202،276)، والدارمى (2/ 8)، وأبو يعلى فى مسنده (2972،3052،3215). (¬1) رواه ابن أبى الدنيا فى كتاب الجوع. (¬2) رواه البخارى فى المغازى (4101)، والدارمى فى المقدمة (1/ 20). (¬3) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (6/ 130،131)، وقال: رواه أحمد وفيه ميمون أبو عبد الله، وثقه ابن حبان وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات.

356 - حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا آدم بن أبى إياس، حدثنا شيبان أبو معاوية، حدثنا عبد الملك بن عمير، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، عن أبى هريرة، قال: «خرج النّبىّ صلى الله عليه وسلم فى ساعة لا يخرج فيها، ولا يلقاه فيها أحد، فأتاه أبو بكر، فقال: ما جاء بك يا أبا بكر؟ فقال: خرجت ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنظر فى وجهه، والتّسليم عليه، فلم يلبث أن جاء عمر. فقال: ما جاء بك يا عمر؟ قال: الجوع يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا قد وجدت بعض ذلك. فانطلقوا إلى منزل أبى الهيثم بن التّيهان الأنصارىّ، وكان رجلا كثير النّخل والشّاء، ولم يكن له خدم. فقالوا لامرأته: أين صاحبك؟ فقالت انطلق يستعذب الماء، فلم ـــــــــــــــــــــــــــــ التألم حينئذ ويزداد ما لم ينضم على المعدة الأحشاء والجلد فإن نارها حينئذ تخمد بعض الخمود فيقل الألم. وقيل: حكمة ذلك أن البطن إذا خلى ضعف صاحبه عن القيام لتقوس ظهره فاحتيج لربط الحجر لشدة وإقامة صلبه، وما أكرم الله به نبيه، أنه مع تألمه بالجوع ليضاعف له الأجر، حفظ قوته ونضارة جسمه، حتى أن من رآه لا يظن أن به جوعا بل كان جسمه الشريف مع ذلك يرى أشد نضارة ورونقا من أجسام المترفين بنعيم الدنيا. (غريب): هو ما يتفرد بروايته عدل ضابط من رجال النقل، ثم إن كان التفرد برواية متنه، فهو غريب متنا، أو بروايته عن غير المعروف بمتنه، كأن يعرف عن صحابى فيرويه عدل وحده عن صحابى آخر، فهو غريب إسنادا، وهذا هو الذى يقول فيه الترمذى غريب من هذا الوجه، العدل الضابط عمن يجمع حديثه (حديث أبى طلحة) فغرابته ناشئة من طريق أبى طلحة لا من سائر الطرق. 356 - (محمد بن إسماعيل): هو البخارى فهو من مشايخ الترمذى. (فى ساعة من ¬

356 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الزهد (2370)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الأدب المفرد (1/ 256)، والحاكم فى المستدرك (4/ 131)، والبيهقى فى شعب الإيمان (4604)، من طريق آدم بن إياس به فذكره نحوه تاما مختصرا. قال أبو عيسى: حسن صحيح غريب. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبى.

يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها، فوضعها، ثمّ جاء يلتزم النّبىّ صلى الله عليه وسلم ويفديه بأبيه وأمه، ثمّ انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بساطا، ثمّ انطلق إلى نخلة، فجاء بقنو فوضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا تنقّيت من رطبه. فقال: يا رسول الله إنى أردت أن تختاروا، أو تخيّروا من رطبه وبسره. فأكلوا وشربوا من ذلك الماء، فقال النّبىّ صلى الله عليه وسلم: هذا والذى نفسى بيده من النّعيم الذى تسألون عنه يوم القيامة، ظل «بارد»، ورطب طيّب، وماء بارد. فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاما. فقال النّبىّ صلى الله عليه وسلم: لا تذبحنّ لنا ذات درّ. فذبح لهم عناقا-أو جديا- فأتاهم بها فأكلوا. فقال النّبىّ صلى الله عليه وسلم: هل لك خادم؟ قال: لا. قال: فإذا أتانا سبى فأتنا، فأتى النّبىّ صلى الله عليه وسلم برأسين ليس معهما ثالث فأتاه أبو الهيثم، فقال النّبىّ صلى الله عليه وسلم: اختر منهما. فقال: يا نبىّ الله: اختر لى. فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم: إنّ المستشار مؤتمن، خذ هذا، فإنّى رأيته يصلى، واستوص به معروفا، فانطلق أبو الهيثم إلى امرأته، فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت امرأته: ما أنت ببالغ ما قال فيه النبىّ صلى الله عليه وسلم إلاّ أن تعتقه. قال: فهو عتيق. فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم: إنّ الله لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر. وبطانة لا تألوه خبالا، ومن يوق بطانة السّوء فقد وقى». ـــــــــــــــــــــــــــــ الجهد): أى من أجله، وهو بضم أوله وفتحه بمعنى المشقة، وقيل: الوسع والطاقة، وقيل: بالضم للوسع والطاقة وبالفتح للمشقة. (ولا يلقاه فيها أحد): أى باعتبار عادته. (ما جاء بك يا أبا بكر. . .) إلخ. رواية مسلم عن أبى هريرة أيضا. (فإذا هو بأبى بكر وعمر رضى الله عنهما. فقال: «ما أخرجكما من بيوتكما الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال: والذى نفسى بيده لأخرجنى الذى أخرجكما» (¬1) وفيه مخالفة لرواية ¬

(¬1) رواه مسلم (2038)، والترمذى (2369)، والنسائى (1/ 467)، وابن حبان فى صحيحه (5216)، والبيهقى فى دلائل النبوة (1/ 362)، وأبى يعلى فى مسنده (250)، والبزار فى مسنده (3681)، والطبرانى فى الكبير (10496)، وفى الصغير (185)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/ 317،318،319،321)، وقال: رواه الطبرانى فى الصغير والأوسط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف وسيأتى أنهما قضيتان، وحينئذ فلا إشكال فى تخالف الروايتين فى هذا وما يأتى، وعلى التنزل وأن القضية واحدة فقد يجاب بأن رواية مسلم أولى بالتقديم، وعلى فرض التساوى، يحتمل أن أبا بكر قال ما فى رواية المصنف، قبل مجىء عمر، فلما جاء عمر وذكر الجوع ذكره أبو بكر أيضا وأما الحلف فزيادة فى رواية مسلم. وأما قوله فيها «لأخرجنى الذى أخرجكما» وفى رواية المصنف (وأنا قد وجدت بعض ذلك) فيحتمل أنه جمع بين هاتين المقالتين. وفيه أنه لا بأس بذهاب المحتاج إلى بعض أغنياء أصدقائه لقضاء حاجته. (بعض ذلك): أى الجوع، فيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وكبار أصحابه من التقلل من الدنيا وما ابتلوا به من ضيق العيش أحيانا حتى بعد فتح الفتوح والقرى عليهم لذا راوى الحديث أبو هريرة، وإسلامه بعد فتح خيبر، واحتمال أنه رواه عن غيره بعيد، فعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان تارة موسر وتارة يفقد ما عنده، لإخراجه فى وجوه البر من إيثار المحتاجين وتجهيز السرايا والبعوث وغير ذلك، ومن ثم صح كما مر: «أنه خرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير، وتوفى ودرعه مرهونة على آصع من شعير استدانه لأهله من أبى الشحم اليهودى»، وكان أكابر الصحابة على مثل حاله المذكور من الفقر تارة واليسار أخرى حتى أغنياؤهم كان قد يحصل لهم ذلك، لإخراج ما عندهم فى وجوه البر، فلا يستبعد جوعه مع وجودهم، وما نقل عنهم من إيثارهم له على نفوسهم وإهدائهم إليه وإتحافهم له بالظرف ونحوها. وبهذا اندفع استشكال جوعه وجوعهم مع أنه كان يدخر لأهله قوت سنة، وأنه قسم بين أربعة من أصحابه ألف بعير مما أفاء الله عليه، وأنه ساق فى عمرته مائة بدنة فنحرها وأطعمها المساكين، وأنه أمر لأعرابى بقطيع من الغنم وغير ذلك، مع من كان معه من أصحاب الأموال، كأبى بكر وعمر وعثمان وطلحة وغيرهم مع بذلهم أنفسهم وأموالهم بين يديه، وأمر بالصدقة فجاءه أبو بكر بجميع ماله وعمر بنصفه، وحث على تجهيز جيش العسرة فجهزه عثمان بألف بعير وسبعين فرسا، وفى رواية: ومائتى أوقية، وفى أخرى عند الملا فى سيرته والطبرى فى رياضه، وبعثه بعشرة آلاف دينار فصب بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقلبها، ويقول: «غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما هو كائن إلى يوم القيامة، ما يبالى ما عمل بعدها» (¬1). وأما جواب الطبرى عنه بأنه ذلك كان منهم فى بعض الحالات لا لعذر ¬

(¬1) رواه ابن عدى فى الكامل فى الضعفاء من الرجال (1/ 340)، وذكره الهندى فى كنز العمال =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وضيق، بل تارة للإيثار وتارة لكرامة الشبع وكثرة الأكل فمعترض، بأنه مخالف للأحاديث السابقة والآتية الناصة على جوعه وجوعهم، بل الحق، أن كثيرين منهم، كانوا فى حال الضيق قبل الهجرة بمكة، فلما هاجروا للمدينة كان أكثرهم كذلك، فواساهم الأنصار بالمنازل والمنائح، فلما فتحت أموال بنى النضير وما بعدها ردوا عليهم منائحهم. وقد أخرج ابن حبان فى صحيحه عن عائشة: «من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر فقد كذبكم، فلما فتحت قريظة، أصبنا شيئا من التمر والودك» (¬1) وسيأتى: «لقد أتت علينا ثلاثون من بين يوم وليلة، ما لى ولبلال طعام يأكله أحد إلا شىء يواريه إبط بلال» صحح الحديث المصنف. نعم كان صلى الله عليه وسلم يختار ذلك مع إمكان حصول التوسع والبسط فى الدنيا. فقد أخرج المصنف: «عرض على ربى ليجعل لى بطحاء مكة ذهبا، قلت: لا يا رب، أشبع يوما، فإذا جعت نظرت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك» (¬2). وحكمة هذا التفصيل: هو الاستلذاذ بالخطاب مع بيان تلك الحكمة لأمته، وإلا فهو تعالى عالم بالأشياء جملة وتفصيلا. وروى الطبرانى بإسناد حسن: «كان صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجبريل على الصفا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: يا جبريل والذى بعثك بالحق ما أمسى لآل محمد سفة من دقيق، ولا كف من سويق فلم يكن كلامه بأسرع من يسمع هدة من السماء أفزعته فقال النبى صلى الله عليه وسلم: أمر الله القيامة أن تقوم قال: لا ولكن إسرافيل نزل إليك حين سمع كلامك، فأتاه إسرافيل، فقال: إن الله سمع ما ذكرت فبعثنى إليك بمفاتيح خزائن الأرض وأمرنى أن أعرض عليك أسير معك جبال تهامة زمردا أو ياقوتا وذهبا وفضة، فإن شئت نبيا ملكا، وإن شئت نبيا عبدا، فأومأ إليه جبريل أن تواضع فقال: بل نبيا عبدا-ثلاثا» (¬3). ¬

= (32847)، وعزاه لأبو نعيم عن حسان بن عطية عن أبى موسى الأشعرى (11/ 594)، (36189)، وعزاه لابن عدى والدار قطنى وأبو نعيم فى فضائل الصحابة وابن عساكر فى تاريخ دمشق (36245)، وعزاه لابن أبى شيبة وأبى نعيم فى فضائل الصحابة (13،38،57). (¬1) رواه ابن حبان فى صحيحه (684)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى (277). (¬2) رواه الترمذى (2347)، والبغوى فى السنة (14/ 246)، وأحمد فى مسنده (5/ 254)، والطبرانى فى الكبير (8/ 245)، والشجرى فى الأمالى (2/ 208)، وأبو نعيم فى الحلية (8/ 133)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 2/101). (¬3) ذكره المنذرى فى الترغيب والترهيب (4/ 196)، وقال: رواه الطبرانى بإسناد حسن والبيهقى فى الزهد وغيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمّة: قال الحليمى فى شعب الإيمان: من تعظيمه صلى الله عليه وسلم أن لا يوصف بما هو عند الناس من أوصاف الضعة، فلا يقال كان فقيرا، ومن ثم أنكر بعضهم إطلاق الزهد فى حقه. ولقد قيل لمحمد بن واسع: فلان زاهد فقال: وما قدر الدنيا حتى يزهد فيها. ونقل السبكى عن الشفاء وأقره: أن فقهاء الأندلس أفتوا بقتل من استخف بحقه فسماه أثناء مناظرته باليتيم، وزعم أن زهده لم يكن قصدا، ولو قدر على الطيبات أكلها. وذكر البدر الزركشى عن بعض الفقهاء المتأخرين أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فقيرا من المال قط ولا حاله حال فقير بل كان أغنى الناس بالله فقد كفى أمر دنياه فى نفسه وعياله، وكان يقول فى قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أحينى مسكينا» (¬1) والمراد استكانة القلب لا المسكنة الشرعية، وكان يشدد النكير على خلاف من يعتقد خلاف ذلك انتهى. وخبر: «الفقر فخرى يوم أفتخر» باطل وفيه أيضا أن ذكر الألم ونحوه، لا ينافى الزهد حيث كان للتسلية والتصبر، وهو حاله صلى الله عليه وسلم أو لالتماس الدعاء والإمداد على تحمل تلك المشاق، وهو حال صاحبه رضى الله عنه بخلاف ما إذا كان لشكوى أو جزع فإنه فى غاية القبح والذم. (ألقى): أى أريد ذلك والجملة حال أو التسليم [بالنصب أى: أسلم أو أريد أو معطوف على ما قبله بحسب المعنى أى: أريد اللقاء والنظر والتسليم] (¬2). (فلم يلبث أن جاء عمر): أى لم يمكث النبى صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر، أو أبو بكر عند النبى صلى الله عليه وسلم زمنا يسيرا إلا وعمر قد جاء إليهما، وجعل ضمير يلبث لعمر أو مجيئه بعيد ويؤيد عود الضمير له صلى الله عليه وسلم أو لأبى بكر فقوله الآتى فلم يلبثوا. (أبى الهيثم): وفى رواية عند الطبرانى وابن حبان فى صحيحه «عن أبى أيوب الأنصارى» ولا مانع من أنهما قضيتان اتفقتا لهم مع كل منهما. وفى رواية مسلم: «رجلا من الأنصار» وهى محتملة لهما وفيه منقبة عظيمة لكل منهما إذ أهله صلى الله عليه وسلم بذلك وأنه لا بأس بالإدلال على الصاحب الموثوق به المعلوم منه الرضى والفرح بذلك. (التيهان): بفوقية مفتوحة فتحتية مشددة. (الأنصارى) قيل: هو قضاعى، ولذا هو حليف الأنصار، فلذا نسب إليهم (والشاء): ¬

(¬1) رواه البخارى فى التاريخ (7/ 194) (9/ 75)، والترمذى (2352)، وابن ماجه (4126)، والبيهقى فى السنن (7/ 12) والحاكم فى المستدرك (4/ 322)، والبغدادى فى تاريخ بغداد (4/ 111)، وابن الجوزى فى الموضوعات (3/ 141،142). (¬2) هذه الزيادة من: (ش).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جمع شاة. (خدم) ليس المراد نفى الجمع بل الإفراد إذ لم يكن له خادم لا ذكر ولا أنثى. (قالت. . .) إلخ زاد مسلم: «فلما رأته المرأة، قالت: مرحبا وأهلا» وفيه جواز سماع كلام الأجنبية مع أمن الفتنة، وإن وقعت فيه مراجعة من دخول منزل الزوج المعلوم رضاه بإذن زوجته إذا انتفت الخلوة المحرمة، إذ وجه انتفائها أنه صلى الله عليه وسلم محرم لكل أنثى، وإذنها فى منزل زوجها إذا علمت رضاه بذلك. (يستعذب) لنا (الماء): أى يستسقى لنا ماء عذبا من بئر ثم يأتينا به، واستعذب الماء أسقاه عذبا كذا فى الصحاح، وبه يعلم الفرق بين استعذب لنا الماء، واستعذبه من غير لنا أى: بماء عذب فيه جواز استعذابه وتطييبه وأن ذلك لا ينافى الزهد. ومن ثم نقل عن الشافعى أنه قال: شرب الماء البارد يخلص الحمد لله. (يزعبها): بتحتية مفتوحة فزاى ساكنة فمهملة فموحدة أى: يتدافع بها ويحملها لثقلها، فيه أن خدمة الغنى أهل بيته وتوليه حوائجهم بنفسه لا ينافى المروءة بل هو من كمال الخلق والتواضع. (ثم جاء. . .) إلخ زاد مسلم «فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه وقال: الحمد لله، ما أحد أكرم أضيافا منى». فيه أنه يتأكد إكرام الضيف وإظهار السرور والبشر والفرح بقدومه فى وجهه، ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» (¬1). (يلتزم النبى صلى الله عليه وسلم): أى يعانقه ويتبرك به ويفديه بضم ففتح فتشديد أى يقول: فداك أبى وأمى وفى نسخة يفديه كيرضيه وفى أخرى يفديه من الإفداء وكلاهما بعيد. (بهم): الباء للتعدية أو المصاحبة. (بقنو): أى عذق كما عند مسلم وهو الغصن من النخلة فيه بسر وتمر ورطب. (أردت أن تختاروا. . .) إلخ حاصله أنه أتى بكماله ليكون أظرف، وليجمعوا بين أكل الأنواع ولاختلاف الأغراض، وفيه ندب تقديم الفاكهة قبل الطعام لأنها أسرع هضما منه، والمبادرة للضيف بما تيسر لا سيما إن ظن احتياجه للطعام حالا، وربما يشق عليه الانتظار، وقد كره جماعة من السلف التكلف للضيف ومحله إن شق ذلك على المضيف مشقة ظاهرة، لأن ذلك منعه من الإخلاص وكمال السرور بضيفه بل ربما ظهر من ذلك ما يتأذى الضيف بسببه ونغص عليه أكله مما قدمه له، فينبغى إكرامه المأمور به، ¬

(¬1) رواه البخارى فى الإيمان (12/ 28)، وفى الاستئذان (6236)، وفى الأدب (6018،6136)، ومسلم فى الإيمان (47،75،76)، وابن حبان فى صحيحه (506)، وأحمد فى مسنده (2/ 433)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (8/ 546)، وابن منده فى مسنده (301)، والبزار فى مسنده (2031).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس من ذلك ذبح أبى الهيثم الشاة فى هذا الحديث، لأنه كان يود ذلك ويحبه، فلا كلفة عليه فيه، أسرعت. (أفلا تنقيت لنا من رطبه): أى وتركت ما فيه حتى يترطب وينتفع به، فيه أنه ينبغى للمضيف أن يأتى للضيف بأحسن ما عنده، وإن أبطأ قليلا ومحله إن ظن مزيد حاجة الضيف للطعام، وأنه لا بأس بسؤال الضيف لذلك إذا علم أن الضيف يحب طلبه لذلك ويفرح به. (أو): للشك. (تخيروا): هو بمعنى يختاروا وأو تكلف فرق بينهما بعيد. (من): الأحسن هنا أنها لابتداء الغاية، وترجيح التبعيض بأنه قصد بقاء بعضه عنده ليتبرك به بعيد، إذ اللائق بالمضيف أن يقدم النظر إلى شبع الضيف، على النظر إلى ترك بعض الطعام المقدم له للتبرك هذا المقدم. (والذى نفسى بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم) (¬1) فيه جواز الشبع، وما ورد فى ذمه محمول على شبع مضر، أو على المداومة عليه، لأنه يقسى القلب، وينسى المحتاجين. وأما السؤال عن النعيم الذى تضمنه قوله: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ اَلنَّعِيمِ (¬2) قال القاضى: هو سؤال عن القيام بحق شكره. وقال النووى: الذى نعتقده أيضا أنه سؤال تعداد النعم وإعلام بالامتنان بها، وإظهار الكرامة بإسباغها، لا سؤال توبيخ وتقريع ومحاسبة (¬3). (النعيم): أى الذى يتنعم به ويترفه به. (ظل. . .) إلخ بدل من هذا لئلا يتوهم أن المشار إليه واحد، وكان عدم ذكر البسر لكونهم لم يختاروا منه شيئا. (طعاما): لا ينافى أن ما قبله طعام أيضا، عملا بالعرف العام، أن ذاك عن قبيل الفاكهة لا الطعام، وهذا مجمل ما نقل عن الشافعى أنه استدل بهذا على أن نحو الرطب فاكهة لا طعام، فاعترضه بأن هذا لا يدل على أنه ليس طعاما مصنوعا لا مطلقا ليس فى محله. والحاصل: أن عرف الشرع فى الربا والأيمان أن الفاكهة من الطعام، وأن الشافعى إنما جرى فى كلامه المذكور على عرف الناس لا الشرع. (ذات در): أى لبن ولو فى المستقبل، بأن تكون حاملا لكن فى رواية مسلم: «إياك والحلوب» (¬4) وإنما نهاه من ذبحها، شفقة على أهله بانتفاعهم باللبن ¬

(¬1) رواه مسلم فى الأشربة (2538)، وابن ماجه (5). (¬2) سورة التكاثر: آية رقم (8). (¬3) انظر: شرح النووى على مسلم (13/ 208،209). (¬4) رواه مسلم فى الأشربة (2038)، وابن ماجه (3180)، (3181)، والطبرى فى التفسير (30/ 185) وذكره القرطبى (20/ 175)، وابن كثير (8/ 495)، فى التفسير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مع حصول المقصود بغيرها، ومن ثم لو لم يكن عنده إلا هى لم يتوجه هذا النهى إليه، على أن الظاهر، أنه نهى إرشاد بلا كراهة فى مخالفته، لأنه زيادة فى إكرام الضيف، وإن أسقط حقه بصدور نحو ذلك النهى منه. (عناقا): هى أنثى المعز لها أربعة أشهر. (أو): شك. (جديا): هو ذكر المعز لم يبلغ سنة. (هل لك خادم): الحامل عليه رؤيته له، وهو يتعاطى خدمة بيته بنفسه (مؤتمن) أى أمين فيلزمه رعاية حال المستشير، والأليق والأنسب به، ولا يجوز له أن يكتم عنه أمرا فيه صلاحه. (خذ هذا فإنى): تعليل، وفيه أنه ينبغى للمستشار أن يبين سبب إشارته بأحد الأمرين ليكون ذلك أعون للمستشير على الامتثال، وأنه يستدل على خيرية الإنسان بصلاته، وسره قوله تعالى: إِنَّ اَلصَّلاةَ تَنْهى عَنِ اَلْفَحْشاءِ وَاَلْمُنْكَرِ (¬1). (واستوص به معروفا): أى اقبل وصيتى فيه فى حقه وكافئه بالمعروف، وكذا قيل، وظاهره أن معروفا ليس منصوبا باستوص، وعليه جرى صاحب المغرب حيث جعل خير فى حديث «استوصوا بالنساء خيرا» (¬2)، مفعولا مطلقا أى استيصاء معروفا. واعترض: بأن الحق تعديته إليه بنفسه، ومعناه: افعل فى حقه معروفا وصية منى. (ما أنت): أى لو صنعت معه ما صنعته مما عدى العتق، لم تبلغ فيه المعروف الذى أمرك به النبى صلى الله عليه وسلم. (قال): فبسبب ما قلته الذى هو الحق. (فهو عتيق): فرعه على قولها إعلاما بأن لها تسببا عظيما فى عتقه، وقد صح فى الحديث: «الدال على الخير كفاعله». (فقال): أى فأخبره. (أبو الهيثم): بمقالة امرأته التى كانت سببا للعتق. (فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يبعث نبيا قط، ولا خليفة إلا ومعه بطانتان) (¬3) بطانة الرجل صاحب سره الذى يطلعه على خفايا أحواله، ويستشيره فيها ثقة به، شبه ببطانة الثوب. (لا تألوه): من الألو وهو التقصير فيكون لازما ولا يتعدى لمفعولين، إلا إن ضمن معنى من كما فى لا ألوك جهدا. (خبالا): بفتح المعجمة فموحدة أى: لا يمنعه من فساد ما يفعله، أو لا يقصر من إدخال الخبال أى: الفساد عليه فى أحواله إذ أقواله وأفعاله بهذا، وفى بطانة الخير بما مرّ إشارة إلى أنه يكفى من الشر السكوت عن الفساد، ¬

(¬1) سورة العنكبوت: آية رقم (45). (¬2) رواه البخارى فى النكاح (5186)، ومسلم فى الرضاع (60)، وابن ماجه (1851)، والبيهقى فى السنن (7/ 295)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (5/ 276). (¬3) رواه الترمذى (2369)، والبغوى فى السنة (13/ 190)، (7/ 287)، والألبانى فى السلسلة الصحيحة (1641)، والحاكم فى المستدرك (4/ 131)، وفى الشمائل (71،188).

357 - حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد، حدثنى أبى، عن بيان، حدثنى قيس بن حازم، قال: سمعت سعد بن أبى وقاص يقول: «إنى لأول رجل أهراق دما فى سبيل الله، وإنّى لأول رجل رمى بسهم فى ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنه لا يكفى فى الخير إلا الأمر به والحث عليه، فقيل: وهذا لا يتأتى إلا فى الأنبياء بل فى بعض الخلفاء، نعم إن كان المراد ببطانة الخير الملك، وببطانة الشر الشيطان، يأتى ويكن، ويؤيده قوله فى الحديث: «والمعصوم من عصمه الله» فإنه بمنزلة قوله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياى إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم، ولا يأمرنى إلا بخير» (¬1) انتهى. ويحتمل إبقاء الحديث على عمومه، وأن للنبى صلى الله عليه وسلم بطانة شر من الإنس أيضا. إلا أن الله عصمه منهم، وظاهر سياق الحديث، أن المراد بالخليفة هنا كل من جعلت له خلافة ونظر فى شىء، فإن ذكره صلى الله عليه وسلم ذلك فى هذا السياق يشعر بمدحه لزوجة أبى الهيثم وأنها بطانة خير. (فقد وقى): أى النساء لأن الغالب أنه لا يحصل إلا من بطانة الشر. وفى الحديث الإحسان للمضيف بالفعل إن وجد شيئا وإلا فبالوعد، وأنه لا بأس له أن يطالب بما وعدته به وتأكد النصح للمسلمين لا سيما المستشير، والوصية بالمعروف فى حق الضعفاء، وإخبار الزوجة بما حصل له من الخير. يقول: وجه مناسبة هذا الحديث لهذا الباب أن ضيق عيش أصحابه يدل على ضيق عيشه صلى الله عليه وسلم. 357 - (أهراق): بفتح الهاء وسكونها من الإراقة والهاء زائدة، وفى لغة أخرى «يهراق الماء يهرقه»: بفتح الهاء-والهاء بدل من الهمزة، وعلى الأول لغتان يهرق ¬

357 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى فضائل الصحابة (3728)، وفى الأطعمة (5412)، وفى الرقاق (6453)، ومسلم فى الزهد (2365)، وابن ماجه فى المقدمة (131)، والإمام أحمد فى المسند (1/ 174، 181،186)، والنسائى فى الفضائل (111،112)، وفى اليوم والليلة (195،196)، والبغوى فى شرح السنة (3920)، كلهم من طرق عن إسماعيل بن قيس به فذكره نحوه مختصرا وتاما. (¬1) رواه مسلم فى صفات المنافقين (2814)، وأحمد فى مسنده (1/ 385،397،401،460)، والدارمى (2/ 306)، وابن حبان فى صحيحه (6417)، والبغوى (4211)، والمزى فى تهذيب الكمال (9/ 39)، وأبو يعلى فى مسنده (5143)، والبيهقى فى الدلائل (7/ 100، 101)، والطبرانى (10522،10523،10524)، والطحاوى فى مشكل الآثار (109).

سبيل الله، لقد رأيتنى أغزو فى العصابة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما نأكل إلا ورق الشّجر والحبلة، حتّى تقرّحت أشداقنا، وإنّ أحدنا ليضع، كما تضع الشّاة والبعير، وأصبحت بنو أسد يعزّروننى فى الدّين، لقد خبت إذن وخسرت وضلّ عملى». ـــــــــــــــــــــــــــــ يهريق، والهاء على هذا بدل من ذهاب حركة العين إذ أصله أروق أو أريق فجبر ما لحق هذه الكلمة من التغيير بزيادة الهاء. (دما فى سبيل الله) (¬1) أى من شجة شجها المشرك كما رواه ابن إسحاق أن الصحابة كانوا فى ابتداء الإسلام على غاية من الاستخفاء، كانوا يستخفون بصلاتهم فى الشعاب، فبينما هو فى نفر منهم فى بعض شعاب مكة، ظهر عليهم مشركون وهم يصلون، فعابوهم واشتد الشقاق بينهم، فضرب سعد رجلا منهم بلحى بعير فشجه، فكان أول دم أريق فى الإسلام. (وإنى لأول رجل رمى بسهم فى سبيل الله): لأنه كان فى أول سرية فى الإسلام مع (¬2) ستين من المهاجرين أميرهم عبيدة ابن الحارث بن المطلب، عقد له النبى صلى الله عليه وسلم لواء، وهو أول لواء عقد لقتال أبى سفيان ابن حرب والمشركين، وكانوا جمعا كثيرا. فلم يقع منهم قتال، غير أن سعدا رمى إليهم بسهم فكان أول سهم رمى إليهم فى الإسلام. (العصابة) الجماعة من الناس والطير والخيل كذا فى الصحاح والذى فى القاموس الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين. (الحبلة) بضم المهملة وسكون الموحدة شبه الثمر يشبه اللوبيا، وقيل: ثمر العضاة. (حتى تقرحت أشداقنا): هى أطراف الفم أى: صار فيها قروح من حرارة ذلك الثمر (كما تضع الشاة) أى: من البعير ليبسه وعدم ألف المعدة له وهذا فى غزوة الخبط سنة ثمان، وأميرهم أبو عبيدة وكانوا ثلاث مائة زودهم صلى الله عليه وسلم جرابا وكانوا جراب تمر فكان أبو عبيدة يعطيهم حفنة حفنة ثم قلل ذلك إلى أن صار يعطيهم تمرة تمرة، ثم أكلوا ¬

(¬1) رواه البخارى فى فضائل الصحابة (3728)، وفى الأطعمة (5412)، وفى الرقاق (6453) ومسلم فى الزهد (2966)، والترمذى فى الزهد (2366)، وفى الشمائل (135)، والنسائى فى الفضائل (114)، وفى الرقاق (3/ 309)، وابن ماجه فى المقدمة (131)، والبغوى (3923)، وابن حبان فى صحيحه (6989)، وأحمد فى مسنده (1/ 174،181،186)، والدارمى (2/ 208)، ووكيع فى الزهد (123)، وفى الفضائل (1307،1310)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (12/ 87)، وابن سعد فى الطبقات الكبرى (3/ 140). (¬2) فى (ش): (بين).

358 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا صفوان بن عيسى، حدثنا محمد بن عمرو ابن عيسى أبو نعامة العدوى، قال: سمعت خالد بن عمير، وشويسا، أبا الرقاد، قالا: «بعث عمر بن الخطّاب عتبة بن غزوان وقال: انطلق أنت ومن معك، حتّى إذا كنتم فى أقصى أرض العرب، وأدنى بلاد أرض العجم، فأقبلوا، حتّى إذا كانوا ـــــــــــــــــــــــــــــ الخبط حتى صارت أشداقهم كأشداق الإبل، ثم ألقى إليهم البحر سمكة عظيمة جدا فأكلوا منها شهرا أو نصفه، وقد وضع منها فدخل تحته البعير براكبه واسمها العنبر. وقيل: كان ذلك أى ما أشار إليه سعد فى غزاة فيها النبى صلى الله عليه وسلم لما فى الصحيحين «كنا نغزو مع النبى صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا الحبلة» (¬1) الحديث. (يعزروننى): وفى نسخة بحذف نون الرفع، وفى نسخة: «يعزرونى» أى هى على، وفى نسخة: «فى الدين» أى يؤدبوننى ويعلموننى الصلاة، إذ من معان التعزير التوقيف على أحكام الدين، وسماها دينا؛ لأنها أصله وعماده وكان إذ ذاك أميرا لهم بالبصرة شكوه إلى عمر وقالوا: إنه لا يحسن الصلاة. (إذن): أى إن كنت ممن يحتاج لتأديبهم وتعليمهم. وفى الحديث بيان ما كان عليه أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم من ضيق العيش المستلزم غالبا لضيق عيشه صلى الله عليه وسلم كما مر. 358 - (شويسا): بمعجمة أوله ومهملة آخره. (الرقاد): بضم فقاف مخففة. (فأقبلوا): من الإقبال أى: توجهوا. (بالمربد): بكسر فسكون ففتح من أحبس الإبل، ¬

358 - إسناده صحيح لغيره: أبو نعامة: وثقه أحمد، إلا أنه اختلط قبل موته، وكذا وثقه النسائى، ويحيى بن معين، وقال الحافظ: صدوق اختلط قبل موته. [تهذيب الكمال (22/ 181)]. رواه ابن ماجه فى الزهد (4156)، وأحمد فى مسنده (4/ 174)، (5/ 61)، كلاهما من طريق أبى نعامة قال: سمعت خالد بن عمير به فذكره تاما ومختصرا. وقال أحمد عقب هذا الحديث: ما حدث بهذا الحديث غير وكيع. أى أنه حديث غريب. ورواه مسلم فى الزهد (2967)، والإمام أحمد فى المسند (5/ 61)، كلاهما من طريق حميد بن هلال عن خالد بن عمير به فذكره نحوه. قلت: فقد تابع حميد بن هلال أبا نعامة عند مسلم وأحمد، وحميد بن هلال: ثقة. (¬1) رواه البخارى فى الرقاق (6453)، ومسلم فى الزهد (2966)، والترمذى فى الزهد (2365، 2366)، والدارمى فى الجهاد (2/ 208).

بالمربد وجدوا هذا المكان، فقالوا: ما هذه؟ هذه البصرة. فساروا حتّى إذا بلغوا حيال الجسر الصغير. فقالوا: ههنا أمرتم، فنزلوا فذكروا الحديث بطوله. قال: فقال عتبة بن غزوان: لقد رأيتنى وإنّى لسابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشّجر حتّى تقرّحت أشداقنا. فالتقطت بردة فقسمتها بينى وبين سعد بن أبى وقّاص، فما منّا من أولئك السّبعة أحد إلا وهو أمير مصر منّ الأمصار، وستجربون الأمراء بعدنا». ـــــــــــــــــــــــــــــ وبه سمى مربد البصرة، وفى القاموس أصله الحبس من ربده حبسه، وهو الموضع الذى تحبس فيه الإبل أو يجمع فيه الرطب حتى يجف. (الكذان): بالمعجمة حجارة رخوة بيض كأنها مدر ونونه أصليه أو زائدة. (فقالوا): أى قال بعضهم لبعض. (ما هذه): أى ما اسم هذه الأرض. (هذه البصرة): أى قالوا كما فى نسخة، والبصرة: لغة الحجارة الرخوة (حيال) بمهملة فتحتية أى: مقابل (أمرتم) أى: بالمقام فيه حفظا له عن عد وتحرك لأخذه. (فذكروا): فيه إطلاق الجمع على ما فوق الواحد، وهما خالد وشويس وفى نسخة: «فذكروا»: أى محمد بن بشار. (بطوله): لم يذكره لأنه لا غرض لمد إلا الكلام فى عيشه ما يدل على ضيق عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم المناسب للباب. (رأيتنى): بصرته. (لسابع سبعة): أى واحد من سبعة جعل نفسه سابعا لأنه يتبع الستة لكن تعينه قوله لأنى بينى وبين سبعة أنه ثامن، ويؤيده مذهب ابن عباس أن يوم عاشوراء هو تاسع الشهر كما تقتضيه اللغة، فقياسه أن الناس تسمى سابع سبعة، لكن قوله «أولئك السبعة» يدل للأول، وأن المراد بقوله بينا وسبعة أى: وبقية سبعة. (تقرحت): أى طلع فيها قروح. (حتى صارت كأشداق الإبل): كما فى رواية القصة السابقة له. (فالتقطت بردة): أى عثرت عليها من غير قصد وطلب، وهى شملة مخططة، وقيل: كساء أسود مربع. (وبين سبعة): فيه دليل لضيق عيشهم وعيشه صلى الله عليه وسلم كما مر. (الأمراء بعدى): إخبار بأن من بعدهم من الأمراء ليسوا مثلهم فى العدل والديانة والإعراض عن الدنيا، وكان الأمر كذلك، وأشار للفرق بأنهم رأوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان سببا لرياضتهم وتقللهم من الدنيا، فمضوا على ذلك بعده وغيرهم من بعدهم ليسوا كذلك، فلا يكونون إلا على قضية طباعهم المجبولة على الأخلاق القبيحة، وأبدى بعضهم هنا ما لا ينفع فاحذره.

359 - حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا روح بن أسلم-أبو حاتم البصرى-حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أخفت فى الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت فى الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت علىّ ثلاثون من بين يوم وليلة ما لى ولبلال طعام يأكله ذو كبد، إلا شىء يواريه إبط بلال». 360 - حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أنبأنا عفان بن مسلم حدثنا أبان بن يزيد العطار، حدثنا قتادة، عن أنس بن مالك: «أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف». قال عبد الله: قال بعضهم: «هو كثرة الأيدى». ـــــــــــــــــــــــــــــ 359 - (أخفت): ماض مجهول من أخاف بمعنى خوف أى: كنت وحيدا إذ ذاك. (من بين ليلة ويوم): تأكيد للشمول أى: متواليات لا ينقص منها شىء. (ذو كبد): أى من حيوان وآدمى. (إلا شىء): قليل، ومن أجل قلته جدا. (كان يواريه إبط بلال رضى الله عنه)، قال المصنف: وهذا لما كان خرج صلى الله عليه وسلم من مكة هاربا. 360 - (غداء): بالمد والفتح ما يؤكل أول النهار وسمى السحور غداء لأنه بمنزلة ¬

359 - إسناده صحيح لغيره: روح بن أسلم: ضعيف. انظر: تهذيب الكمال (9/ 233). رواه الترمذى فى صفة القيامة والرقائق (2472)، بسنده ومتنه سواء قلت: وقد تابعه وكيع بن الجراح عند الإمام أحمد فى مسنده (3/ 120)، وابن ماجه فى المقدمة (151)، وأبو يعلى فى مسنده (3423)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (11/ 464)، (14/ 300)، جميعهم من طريق وكيع عن حماد به فذكره نحوه. 360 - إسناده صحيح: رواه أحمد فى مسنده (3/ 270)، وابن حبان فى صحيحه (6359)، كلاهما من طريق عفان به فذكره. ورواه ابن سعد فى الطبقات (1/ 404)، من طريق أبان به فذكره، ورواه أبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 300)، من طريق سعيد عن قتادة به فذكره، وأورده الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 20)، وعزاه لأحمد وأبى يعلى وقال: رجالهما رجال الصحيح.

361 - حدثنا عبد بن حميد، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبى فديك، حدثنا ابن أبى ذئب، عن مسلم بن جندب، عن نوفل بن إياس الهذلى، قال: «كان عبد الرحمن بن عوف لنا جليسا، وكان نعم الجليس، وإنه انقلب بنا ذات يوم، حتّى إذا دخلنا بيته، ودخل فاغتسل، ثمّ خرج، وأتينا بصحفة فيها خبز ولحم، فلما وضعت، بكى عبد الرّحمن. فقلت له: يا أبا محمد، ما يبكيك؟ فقال هلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشّعير، فلا أرانا أخّرنا لما هو خير لنا». ـــــــــــــــــــــــــــــ غداء الفطر. (ولا عشاء): بالمد والفتح أيضا ما يؤكل عند العشاء. (هو كثرة الأيدى) مر الكلام عليه فى باب العيش السابق. 361 - (بنا): هى بالتعدية. (حتى): ابتدائية والجملة بعدها بدل على أن الانقلاب معه صار سببا لمشاهدة هذه الأمور. (بصحفة): إناء كالقصعة كما مر. (هلك): فيه جواز استعمال هذا اللفظ فى الأنبياء، وقد استعمله فيهم النبى صلى الله عليه وسلم فى غير حديث. (ولم يشبع): أى دائما وفى بيته أو يومين متواليين كما فى حديث عائشة فلا يشكل بما مر قريبا فى قصة أبى الهيثم وكان يذكر ذلك لأن ما فى الصحفة كان مشبعا له ولمن معه. (فلما أرانا) إلخ: أى لم يوسع علينا، ويضيق عليه صلى الله عليه وسلم لأن ذلك. (خير لنا من حاله): كلا بل أكمل الأحوال هو حاله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه من ضيق العيش إلى أن توفاه الله، وأما ما صرنا إليه من السعة فهو ما تخشى عاقبته، ومن ثم كان عمر وغيره، يخافون أن من هو كذلك ربما عجلت له طيباته فى الحياة الدنيا. ... ¬

361 - إسناده ضعيف: أخرجه: أبو نعيم فى الحلية (1/ 99،100) من طريق ابن أبى فديك به فذكره، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/ 312) مختصرا وعزاه للبزار وقال: إسناده حسن. قلت: فيه نوفل بن إياس: قال الحافظ: قال أبو جعفر الطبرى فى تهذيب الآثار: ونوفل هذا غير معروف فى نقلة العلم والآثار، وقال الحافظ أيضا: مقبول. انظر: التهذيب (10/ 491).

53 - باب: ما جاء فى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم

53 - باب: ما جاء فى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم 362 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا زكريا بن إسحاق، حدثنا عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: «مكث النبىّ صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة، يوحى إليه، وبالمدينة عشرا، وتوفّى وهو ابن ثلاث وستين». 363 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبى إسحاق، عن عامر بن سعد، عن جرير، عن معاوية، أنه سمعه يخطب، قال: «مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستّين وأبو بكر وعمر رضى الله عنهما، وأنا ابن ثلاث وستّين سنة». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم) 362 - (ثلاثة عشر سنة): ومن أول الكتاب أن هذا هو الأصح، وأن ما خالفه عن الروايات محمول عليه. (يوحى إليه): أى باعتبار مجموعها، فلا ينافى أن من جملة هذه الثلاث عشرة مدة فترة الوحى، وهى سنتان ونصف سنة. (ثلاث وستين): أى باعتبار هذا هو الأصح أيضا، وأن ما خالفه محمول عليه إلغاء الكسر تارة، وحسابه أخرى. 363 - (وأبو بكر وعمر): أى وفاة كل منهما وعمره ثلاث وستون سنة ثم استأنف فقال: (وأنا ابن ثلاث وستين) ثم عاش بعد ذلك، فلم يمت حتى بلغ ثمان وسبعين ¬

362 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى المناقب (3621)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى مناقب الأنصار (3902)، ومسلم فى الفضائل (2352)، وأحمد فى مسنده (1/ 371)، كلهم من طريق روح ابن عبادة به فذكره. 363 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى المناقب (3653)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الفضائل (2352)، وأحمد فى مسنده (4/ 96،97،100)، كلاهما من طريق شعبة به فذكره.

364 - حدثنا حسين بن مهدى البصرى، حدثنا عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن الزهرى، عن عروة، عن عائشة: «أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم مات وهو ابن ثلاث وستين سنة». 365 - حدثنا أحمد بن منيع، ويعقوب بن إبراهيم الدورقى، قالا: حدثنا إسماعيل ابن عليّة، عن خالد الحذّاء، حدثنى عمارة، قال: سمعت ابن عباس رضى الله عنهما، يقول: «توفّى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستّين». 366 - حدثنا محمد بن بشار، ومحمد بن أبان، قالا: حدثنا معاذ بن هشام، ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة، وقيل: ثمانين سنة، فأرجو اللحوق بهما لموافقتى لهما فى العمر الموافق لعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. 365 - (عمارة): قيل: سهو وصوابه: عمار، وعمار هذا صدوق وربما أخطأ. (وابن علية): اسم أمه، وكان يكره هذه النسبة (وهو ابن خمس وستين سنة)، نسبت هذه الرواية إلى الغلط، وعلى تسليم صحتها فقد مر تأويلها، بأن روايتها حسب سنتى الولادة والموت. ¬

364 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى المناقب (3654)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى المغازى (4466)، ومسلم فى الفضائل (2349)، وأحمد فى المسند (6/ 93)، ثلاثتهم من طريق ابن جريج به فذكره. 365 - إسناده صحيح، وهو حديث شاذ: رواه الترمذى فى المناقب (3650)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الفضائل (2353)، من طريق خالد الحذاء به فذكره. قلت: وقد استنكرت هذه الرواية. قال البخارى: رواية ثلاث وستين أكثر، وقال النووى: هى أصحها وأشهرها، وأنكر عروة رواية ابن عباس وقال: إنه لم يدرك النبوة. وقال الحافظ: إن رواية الثلاث والستين موافقة للجمهور. 366 - إسناده ضعيف: تفرد بإخراجه المصنف هنا فى الشمائل. والحسن البصرى: ثقة فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرا ويدلس (التقريب 1227) وقد عنعن =

حدثنى أبى، عن قتادة، عن الحسن، عن دغفل بن حنظلة: «أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قبض وهو ابن خمس وستّين سنة». (قال أبو عيسى: ودغفل لا نعرف له سماعا من النبى صلى الله عليه وسلم، وكان موجودا فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم). 367 - حدثنا إسحاق بن موسى الأنصارى، حدثنا معن، حدثنا مالك بن أنس، عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن، عن أنس بن مالك، أنه سمعه يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، ولا بالأبيض الأمهق، ولا بالأدم، ولا بالجعد القطط، ولا بالسّبط، بعثه الله تعالى على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفّاه الله تعالى، على رأس ستّين سنة، وليس فى رأسه، ولحيته عشرون شعرة بيضاء». ـــــــــــــــــــــــــــــ 367 - (عن أنس) إلخ: هو الخبر السابق أول الكتاب بعينه إلا أن الإسناد مختلف. ... ¬

= وذغفل: لم تصح له صحبة (التقريب 1826). قلت: والحديث شاذ كما بينا فى الحديث السابق. 367 - إسناده صحيح: وقد تقدم تخريجه برقم (1).

54 - باب: ما جاء فى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

54 - باب: ما جاء فى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أى: موته من وفى بالتخفيف بمعنى: تم، أى: تم أجله، اعلم أن الموت لما كان مكروها بالطبع، لم يمت نبى حتى خير لما فى البخارى عن عائشة: «كان صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول: إنه لم يقبض نبى قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيى ويخير» (¬1) وفى رواية لأحمد «ما من نبى يقبض إلا رأى الثواب ثم يخير» (¬2)، وله أيضا: «أوتيت مفاتيح خزائن الأرض والخلد ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنة، فاخترت لقاء ربى والجنة» (¬3)، ولعبد الرزاق: «خيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتى وبين التعجيل فاخترت التعجيل» (¬4). وروى: «ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قبض ثم رأى مقعده فى الجنة ثم ردت إليه نفسه ثم خير». ففى المسند عن عائشة: «كان صلى الله عليه وسلم يقول: ما نبى إلا تقبض نفسه ثم يرى الثواب ثم يرد إليه، فيخير بين أن يرد إليه إلى أن يلحق، فكنت قد حفظت ذلك، وإنى لمسندته إلى صدرى فنظرت إليه حين مالت عنقه فقلت قبض (¬5)، قالت: فعرفت الذى قال، فنظرت إليه حين ارتفع ونظر، فقلت: إذا والله لا يختارنا فقال: مع الرفيق الأعلى فى الجنة، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا» (¬6). وأول ما أعلم الله النبى صلى الله عليه وسلم باقتراب أجله بنزول. إِذاجاءَ نَصْرُ اَللهِ (¬7) فإن المراد: إذا فتح الله عليك البلاد ودخل الناس فى دين الله ¬

(¬1) رواه البخارى فى المغازى (4463)، ورواه فى الرقاق (6509)، وأحمد فى مسنده (6/ 89). (¬2) ذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى (7/ 743). (¬3) رواه البخارى فى الجنائز (1344)، وفى الجهاد (2977)، وفى المغازى (4085)، (4375)، وفى الرقاق (6426)، (6590)، وفى التعبير (6998)، (7013)، (7037)، وفى الاعتصام (7273)، بألفاظ مختلفة ومسلم فى المساجد (523)، وفى الفضائل (2296)، والنسائى (6/ 3)، والإمام أحمد فى مسنده (2/ 264،268،319،455،502) (4/ 149،153). (¬4) فى (ش): [قضى]. (¬5) ذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى (7/ 744)، وذكره الزبيدى (10/ 287)، وقال: ورواه ابن السنى فى عمل يوم وليلة من حديث أبى المعلى بلفظ: «إن عبدا خيره الله بين أن يعيش فى الدنيا ما شاء أن يعيش. . .» رواه بنحوه. (¬6) ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (10/ 288)، وعزاه لأحمد فى مسنده (6/ 274). (¬7) سورة النصر: آية رقم (1).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أفواجا، فقد اقترب أجلك فتهيأ للقاء بالتحميد والاستغفار لحصول ما أمرت به من أداء الرسالة والتبليغ، ومن ثم قيل: إنها آخر سورة نزلت لأنها يوم النحر بمنى من حجة الوداع. وقيل: عاش بعدها أحد وثمانين يوما وعند ابن أبى حاتم: تسع ليال، وقيل: سبعا، وقيل: ثلاثا. ولأبى يعلى أنها نزلت وسط أيام التشريق فعرف النبى صلى الله عليه وسلم أنه الوداع. وللدارمى عن ابن عباس: «لما نزلت طه دعى فاطمة قال: نعيت إلى نفسى فبكت، قال: لا تبكى، فإنك أول أهل بيتى لحوقا بى فضكحت. . .» (¬1) الحديث. وللطبرانى عنه: «لما نزلت طه نعت إليه نفسه فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادا فى أمر الآخرة» (¬2) وفى هذه السنة عرض القرآن على جبريل مرتين واعتكف عشرين يوما، وكان قبل يعرضه مرة ويعتكف العشر الأخير فقط. وروى الشيخان: «أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع المنبر فقال: «إنى بين أيديكم فرط وأنا عليكم شهيدا، وإن موعدكم الحوض، وإنى لأنظر إليه وأنا فى مقامى هذا، وإنى قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، وإنى لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدى، ولكنى أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها» (¬3) وما زال صلى الله عليه وسلم يعرّض باقتراب أجله فى آخر عمره، فإنه لما خطب فى حجة الوداع، قال للناس: «خذوا عنى مناسككم فلعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا» (¬4) وطفق يودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع، وجمع الناس فى رجوعه إلى المدينة بماء يدعى جما بالجحفة فخطبهم فقال: «يا أيها الناس إنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتينى رسول ربى فأجيب» ثم حض على التمسك بكتاب الله، ¬

(¬1) رواه أحمد فى مسنده (1/ 217،449)، وعبد الرزاق فى مصنفه (20646)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 185)، وقال: رواه الطبرانى وفيه مينا وهو كذاب وذكره أيضا (7/ 144)، وذكر الحديث وفى إسناده هلال بن خباب قال يحيى: ثقة مأمون لم يتغير، ووثقه ابن حبان وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح، وفى إسناده أحمد بن عطاء بن السائب وقد اختلط. وذكره أيضا (9/ 23)، وقال: رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح غير هلال بن خباب وهو ثقة وفيه ضعف. وذكره أبو نعيم فى تاريخ أصفهان (2/ 32). (¬2) تقدم تخريجه فى الذى قبله. (¬3) رواه البخارى فى المغازى (4042) ورواه البغوى فى شرح السنة (14/ 39)، ورواه البيهقى فى الكبرى (4/ 14). (¬4) رواه البيهقى فى السنن الكبرى (5/ 125).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ووصى بأهل بيته، ولما وصل إلى المدينة مكث قليلا ثم مرض، وفى هذا المرض، خرج كما عند الدارمى وهو معصوب الرأس فصعد المنبر ثم قال كما رواه الشيخان «إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده فاختار ما عنده، فبكى أبو بكر رضى الله عنه وقال: يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا قال أبو سعيد الخدرى فعجبنا، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخبر، وكان أبو بكر أعلمنا به، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن أمنّ الناس علىّ فى صحبته وماله أبو بكر فلو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام لا يبقى فى المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبى بكر» (¬1) زاد مسلم: «أن ذلك كان قبل موته بخمس ليال» وأنه صريح فى أنه أعلم الأمة بمقاصده، لأنه المنفرد بفهم المقصود من هذه الإشارة، وحيث بكى وقال: بكى وقال: نفديك. . إلخ، فسكّن صلى الله عليه وسلم جزعه وأثنى عليه على المنبر ليعلم الناس كلهم فضله، ولا يختلفون فى خلافته بقوله: «إن أمنّ الناس. . . إلخ» ثم أشار إلى خلافته بقوله: «لا يبقى فى المسجد خوخة إلا سدت. . إلخ» فإن الإمام يحتاج إلى سكنى المسجد والاستطراق فيه بخلاف غيره، ثم أكد هذا المعنى بأمره صريحا أن يصلى بالناس خرج، وهو يقول: «مروه فليصلّ» فولاه إمامة الصلاة ولذا قالت الصحابة عند بيعته رضيه صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاه لدنيانا. وصح أن ابتداء مرضه فى بيت ميمونة، وقيل: زينب، وقيل: ريحانة. وصح أيضا أن مدته عشرة أيام وقيل: ثلاثة عشر وعليه الأكثرون وقيل أربعة عشر وصدر به فى الروضة. وفى البخارى عن عائشة «لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد وجعه استأذن أزواجه أن يمرض فى بيتى فأذنّ له» (¬2). وفيه عنها أيضا قالت: وا رأساه، فقال صلى الله عليه وسلم: «ذلك لو كان وأنا حى فأستغفر لك وأدعو لك» (¬3) فقالت عائشة: وا ثكلياه والله ¬

(¬1) رواه البخارى فى مناقب الأنصار (3904)، ومسلم فى فضائل الصحابة (2382)، والترمذى فى المناقب (3660)، والنسائى فى فضائل الصحابة (2). (¬2) رواه البخارى فى الوضوء (198)، وفى الأذان (665)، وفى الهبة (2588)، وفى فرض الخمس (3099)، وفى المغازى (4442)، وفى الطب (5714)، ورواه ابن ماجه فى الجنائز (1618)، بألفاظ مختلفة ورواه الإمام أحمد فى مسنده (6/ 124،256). (¬3) رواه البخارى فى المرضى (5666)، بلفظ: ذاك، وفى الأحكام (7217)، رواه البغوى فى =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إنى لأظنك تحب موتى فلو كان ذلك لظلت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك، فقال صلى الله عليه وسلم: «بل أنا وا رأساه، لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبى بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون» (¬1) وقوله: «بل أنا وا رأساه» إضراب أى: دعى ذكر ما تجدينه من وجع رأسك فاشتغلى بى، وفى قوله: «وا رأساه»: رد لقول جمع من أئمتنا يكره تأوه المريض، نعم: إن أرادوا خلاف الأولى اتجه لأنه يدل على ضعف اليقين، ويشعر بالتسخط، ويورث شماتة الأعداء، ولا بأس اتفاقا بإخبار طبيب أو صديق، إذ لا نظر لعمل اللسان بل لعمل القلب فكم من ساكت ساخط وشاك راض. وبهذا الحديث علم أن ابتداء مرضه كان صداع الرأس، وكان مع حمى، فقد صح أنه كان عليه قطيفة فكانت الحمى تصيب من وضع يده عليها من فوقها، فقيل له فى ذلك فقال: «إنا كذلك يشدد علينا البلاء ويضاعف لنا الأجر» (¬2). وفى البخارى «إنى أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك أن لك أجرين، قال: أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله سيئاته. كما تحت (¬3) الشجرة ورقها» (¬4) والوعك بفتح فسكون أو فتح الحمى، وقيل: أشدها وقيل: إرعادها. وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان عليه سقاء يقطر من شدة الحمى فقال: «إن من أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» (¬5). ¬

= شرح السنة (1411)، والبيهقى فى السنن الكبرى (3/ 378)، وفى دلائل النبوة (7/ 168)، وفى حلية الأولياء لأبى نعيم الأصفهانى (2/ 185). (¬1) رواه البخارى فى المرضى (5666)، وفى الأحكام (7217)، وأحمد فى مسنده (6/ 228)، والبغوى فى شرح السنة (1411)، والبيهقى فى السنن الكبرى (3/ 378)، وأبو نعيم فى حلية الأولياء (2/ 185)، والدار قطنى فى سننه (2/ 74)، والألبانى فى الغليل (3/ 160)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 11،24). (¬2) ذكره المنذرى فى الترغيب والترهيب (4/ 281)، وقال: رواه ابن ماجه، وابن أبى الدنيا فى كتاب المرض والكفارات، والحاكم واللفظ له وقال: صحيح على شرط مسلم وله شواهد كثيرة. ورواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى (2/ 161). (¬3) فى (ش): (تحط). (¬4) رواه البخارى فى المرضى (5648)، (5660) ومسلم فى البر (2571)، والبغوى فى شرح السنة (1432)، وأحمد فى مسنده (1/ 441،445)، والدارمى فى الرقاق (2/ 316)، وأبو نعيم فى حلية الأولياء (4/ 128). (¬5) رواه الترمذى فى الزهد (2398)، وابن ماجه فى الفتن (4023،4024)، والدارمى فى الرقاق =

368 - حدثنا أبو عمار: الحسين بن حريث، وقتيبة بن سعيد، وغير واحد، قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهرى، عن أنس بن مالك، قال: «آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كشف السّتارة يوم الإثنين، فنظرت إلى وجهه كأنّه ورقة مصحف، والنّاس خلف أبى بكر، فأشار إلى النّاس أن اثبتوا، وأبو بكر يؤمّهم، وألقى السّجف، وتوفّى من آخر ذلك اليوم». ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى البخارى عن عائشة: «أنه لما اشتد وجعه قال أهريقوا علىّ من سبع قرب لم تحلل أوعيتهن لعلى أعهد إلى الناس، فأجلسناه فى مخضب لحفصة ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب، حتى طفق يشير إلينا بيده إن فعلتن. . .» (¬1) الحديث. قيل: ولهذا خاصية فى دفع السم والسحر. وفى البخارى: «ما زلت أجد ألم الطعام الذى أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهرى من ذلك السم» (¬2). وفى رواية: «ما زالت أكلة خيبر تعاودنى» (¬3) وهى بالضم وأخطأ من فتح إذ لم يأكل إلا لقمة واحدة أى: أن سم تلك الشاة التى أهديت له ثم كان يثور عليه أحيانا، والأبهر عرق مستبطن بالصلب يتصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه، وقد كان ابن مسعود وغيره يروى «أنه صلى الله عليه وسلم مات شهيدا من السم». 368 - (عن أنس. . . إلخ): رواه أيضا عن البخارى بلفظ: «أن المسلمين بينما هم فى ¬

= (2/ 320)، وكلهم راووه بألفاظ مختلفة، ورواه أحمد فى مسنده (1/ 172،174،180، 185) (6/ 369)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (2/ 292)، وقال: رواه أحمد والطبرانى فى الكبير بنحوه وقال فيه: إنا معاشر الأنبياء يضاعف علينا البلاء، وإسناد أحمد: حسن. 368 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى الصلاة (419)، والنسائى فى الجنائز، وابن ماجه كذلك (1624)، وأحمد فى المسند (3/ 110)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 216)، وأبو نعيم فى المستخرج على مسلم (936)، كلهم من طرق عن الزهرى به فذكره نحوه. (¬1) رواه البخارى فى الوضوء (198)، وفى المغازى (4442)، وفى الطب (5714)، ورواه البخارى فى التاريخ (1/ 408)، ورواه البيهقى فى السنن الكبرى (1/ 31)، ورواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى (2/ 179). (¬2) رواه البخارى فى المغازى (4428)، ورواه أبو داود فى الديات (4512) بألفاظ مختلفة، ورواه البيهقى فى دلائل النبوة (4/ 264). (¬3) رواه البيهقى (10/ 11)، ورواه ابن عدى فى الكامل فى ضعفاء الرجال (3/ 403).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صلاة الفجر يوم الإثنين، وأبو بكر يصلى بهم لم يفجأهم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم كشف ستر حجرة عائشة، فنظر إليهم، وهم فى صفوف الصلاة ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبه ليصلى بالصف، وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة، قال أنس: وهم المسلمون أن يفتنوا فى صلاتهم وجىء برسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليهم بيده أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر» (¬1). وفى رواية: «فتوفى عن يومه»: وفى أخرى ولمسلم عن أنس أيضا: «لم يخرج إلينا ثلاثا، فذهب أبو بكر يتقدم، فرفع صلى الله عليه وسلم الحجاب، فلما وضح لنا وجهه ما نظرنا منظرا قط كان أعجب إلينا منه حين وضح لنا، فأومأ إلى أبى بكر أن يتقدم، وأرخى الحجاب. . .» (¬2) الحديث. ولفظ مسلم عنه: «أن أبا بكر كان يصلى بهم حتى إذا كان يوم الإثنين، وهم صفوف فى الصلاة فكشف ستر الحجرة فنظرنا إليه، وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم ضاحكا. . .» (¬3) الحديث. (آخر نظرة): القياس نصب آخر بنظرتها ونظيره إِنّاكُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (¬4) ويلزم من عود ضميرها إلى نظرة أنه مفعول مطلق لا مفعول به على التوسع ¬

(¬1) رواه البخارى فى العمل فى الصلاة (1205)، وفى الأذان (680)، (754)، وفى المغازى (4448)، وفى الجنائز (1241،1242)، (4452،4453،4454)، وفى الأحكام (7219)، وفى الاعتصام (7269)، ورواه النسائى فى الجنائز (4/ 11)، وأحمد فى مسنده (3/ 163)، والبيهقى فى دلائل النبوة (70،215،216)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 269، 271)، (2/ 265،266)، (2/ 268)، والبغدادى فى تاريخ بغداد (4/ 77)، ورواه ابن حبان فى صحيحه (6620)، وفى الثقات (8/ 11) والرازى فى الجرح والتعديل (2/ 44). (¬2) رواه البخارى فى الأذان (680،681،754)، وفى العمل فى الصلاة (1205)، وفى المغازى (4448)، ورواه مسلم فى الصلاة (100،419)، ومسلم والترمذى فى الشمائل (367) (419)، ورواه النسائى فى الجنائز (4/ 7)، وابن ماجه كذلك (1624)، والبغوى فى شرح السنة (3824)، وأحمد فى مسنده (3/ 110،163،196،197،202)، وابن حبان فى صحيحه (2065)، وابن خزيمة فى صحيحه (1488)، والبيهقى فى السنن الكبرى (3/ 75)، والحميدى فى مسنده (1188)، وأبو عوانة (2/ 118،119)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 216). (¬3) رواه البخارى فى العمل فى الصلاة (1205)، ومسلم فى الصلاة (418،419)، والنسائى فى الإمامة (2/ 101)، وفى القضاه (8/ 243). (¬4) سورة القمر: آية رقم (49).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمبالغة، والذى فى الأصول المصححة بالرفع فهو مبتدأ، وخبره ما دل عليه قوله: «كشف» أى آخر نظرى إلى وجهه حين كشف الستارة عن وجهه، أو آخر نظرى إلى وجهه هذا الذى أذكره، وهو «أنه كشف. . إلخ» فهو بيان أو آخر نظرى إلى وجهه فى مرضه حال كونه قد كشف إلى آخره. وأما زعم أن نظرتها خبر آخر فهو لا يصدر ممن له إلمام بشىء من النحو (كشف الستارة): وقع لفظا خبر عن آخر من غير رابطة بينهما، فوجب تأويله بما يصححه كأن يقال: أريد بكشفها زمن كشفها، وعجيب من قول بعضهم: أنه حال بتقدير قد، ولم يتعرض لما أشرت إليه من الإشكال، والخبر والمبتدأ أصلا (كأنه ورقة مصحف): بتثليث ميمه، والأشهر ضمها. قال النووى: وكسرها، وقال غيره: بل هو شاذ كالفتح أى: فى الجمال البارع، وحسن البشرة، وصفاء الوجه واستنارته. (يؤمهم): فى صلاة الصبح بأمره صلى الله عليه وسلم. (السجف): بفتح أوله وكسره أى الستر، وقيل: لا يسمى سجف إلا إن شق وسطه. (من آخر ذلك اليوم): الذى هو يوم الإثنين ثانى عشر ربيع الأول فى السنة الحادية عشرة من الهجرة لكن الصحيح بعد اتفاقهم، على أنه توفى حين اشتد الضحى، وحكى عليه الاتفاق أيضا، وجزم موسى ابن عقبة عن ابن شهاب أنه مات حين زاغت الشمس، وكذا لأبى الأسود عن عروة، وهنا إشكال، هو أنه أجمع المسلمون على أن وقوفه بعرفة فى حجة الوداع كان يوم الجمعة تاسع من الحجة، وهذا ينافى أنه يوم الإثنين المذكور ثانى عشر ربيع الأول، لأن الحجة والمحرم وصفر إن نقص أحدهم، لم يكن أن يكون الإثنين ثانى عشر ربيع الأول، وكذا إن لم ينقص واحد منهم، بل يكون ثانى عشر ربيع الآخر فلم يصح أن يكون ثانى عشر الإثنين على كل تقدير. وأجيب: بأن ذلك مبنى على اختلاف المطالع فى مكة والمدينة، بأن يكون أول الحجة بالمدينة الجمعة، وبمكة الخميس. واعترضه شارح فقال: هذا الجواب ليس بشىء لأنه ينبغى أن لا تساعده الشافعية، لعدم اختلاف المطالع عندهم، وينبغى أن تخالفهم أهل مكة فى كونه ثانى عشر، بل ينبغى أن يجعلوه ثالث عشر انتهى. وجرى فى هذا الجواب على عادته من الرد بما لا يصح تارة، ولا يفهم أخرى، وبيانه: قوله لعدم اختلاف المطالع عندهم، إن أراد به أن مكة والمدينة غير مختلفى المطالع عندهم فهو باطل، لأن العبرة فى ذلك بأهل علم الميقات، وهما مختلفا المطالع عندهم، وإن أراد أن الشافعية لا يقولون باختلاف المطالع فهو باطل أيضا، لأن

369 - حدثنا حميد بن مسعدة البصرى، حدثنى سليم بن أخضر، عن ابن عوف، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: «كنت مسندة النّبىّ صلى الله عليه وسلم إلى صدرى-أو قالت: إلى حجرى-فدعا بطست ليبول فيه، ثمّ بال، فمات». 370 - حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن ابن الهاد، عن موسى بن سرجس، عن ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك مذكور حتى فى مختصراتهم، غاية الأمر أن شيخى مذهبهم اختلفا فى الترجيح. فالرّافعى: رجح مسافة القصر، والنووى: باختلاف المطالع، وهما موجودان هنا إذ بين مكة والمدينة مسافات قصر، وهما مختلفا المطالع. وقوله: ينبغى أن يخالفهم أهل مكة. . إلخ كلام لا محصل له، ثم قال: والأقرب ما قاله بعض العلماء أن المراد بقولهم لاثنى عشر خلت منه أى لا أنها كاملة، والدخول فى الثانية انتهى. وهذا فى غاية البعد، بل لا يصح فكيف يجعله الأقرب. 369 - (كنت. . .) إلخ: فيه حل الاستناد للزوجة والبول فى الطست ولو مع الزوجة. (والحجر) بالفتح والكسر الحضن، هو ما دون الإبط إلى الكشح. (والطست): أصله الطسس أبدلت أحد سينه تاء للخفة، فترد عند الجمع، والتصغير. (ثم بال فمات): ظاهره أنه مات فى حجرها ويوافقه رواية البخارى عنها: «توفى فى بيتى وفى يومى وبين سحرى ونحرى»، وفى رواية: «بين حاقنتى وذاقنتى»: أى كان رأسه صلى الله عليه وسلم بين حنكها وصدرها، ولا يعارضه ما للحاكم وابن سعد من طرق «بأن رأسه المكرم كان فى حجر على» لأن كل طريق منها لا يخلو عن شىء قاله الحافظ ابن حجر وبتقدير صحتها المراد أنه كان فى حجره قبيل الوفاة. 370 - (بالموت): أى مشغول أو متلبس به وما بعدها أحوال متداخلة. (ثم يمسح ¬

369 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الوصايا (2741)، وفى المغازى (4459)، ومسلم فى الوصية (1636)، وابن ماجه فى الجنائز (1626)، دون ذكر البول. وفيه زيادة، كلهم من طرق عن ابن عوف به فذكره. 370 - إسناده ضعيف: فيه موسى بن سرجس: قال فيه الحافظ: مستور، التقريب (6964). =

القاسم بن محمد، عن عائشة، أنها قالت: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالموت، وعنده قدح فيه ماء، وهو يدخل يده فى القدح، ثمّ يمسح وجهه بالماء، ثمّ يقول: اللهمّ أعنّى على منكرات الموت-أو قال: على سكرات الموت-». ـــــــــــــــــــــــــــــ وجهه بالماء): لأنه كان يغمى عليه من شدة الوجع، ثم يفيق، ويؤخذ منه أنه ينبغى فعل ذلك لكل مريض، وإن لم يفعله فعل به غيره، لأن فيه نوع تخفيف للكرب كالتجريع بل يجب التجريع إن اشتدت حاجة المريض إليه، وأغمى عليه صلى الله عليه وسلم مرة، فظنوا أن به ذات الجنب فلدوه أى من اللدود، وهو ما يجعل فى جانب الفم من الدواء، وأما ما يصب فى الحلق فهو الوجور، فجعل يشير إليهم أن لا يلدوه، فقالوا: كراهة المريض للدواء، فلما أفاق قال: «ألم أنهكم أن تلدونى» فقالوا: كراهية المريض للدواء فقال: «لا يبقى أحد فى البيت إلا لد وأنا انظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم» رواه البخارى، «وكان بقسط مذاب فى زيت» رواه الطبرانى، وفعل بهم ذلك لتركهم امتثال نهيه تأديبا لا انتقاما خلافا لمن ظنه. وظاهر سياق الخبر كما قاله بعض المحققين أن سبب كراهته لذلك مع أنه كان يتداوى، عدم ملائمة ذلك لدائه، فإنهم ظنوه ذات الجنب، ولم تكن به، لخبر ابن سعد: «ما كان الله ليجعل لها-أى لذات الجنب-علىّ سلطانا» والخبر «بأنه مات منها» ضعيف على أنه جمع بأنها تطلق على ورم حار يعرض فى الغشاء المستبطن، وهو المنفى، وعليه تحمل رواية الحاكم: «ذات الجنب من الشيطان» وعلى ريح تحتقن بين الأضلاع، وهو المثبت. (سكرات الموت): أى شدائد الموت ومكروهاته، وما يحصل للعقل من التغطية المشابهة للسكر، وقد يحصل من الغضب والعشق نظير ذلك، فهو بمعنى منكرات الآتية، والشك إنما هو فى اللفظ ولشارح هنا ما لا ينبغى، وهو قوله: لعل المراد بها الأمور المخالفة للشرع حرمة أو كراهة الواقعة حال شدة الموت. انتهى. فقوله: المخالفة للشرع، ليس فى محله، لأنه صلى الله عليه وسلم لعصمته لا يخشى شيئا فى ذلك، فإن قلت: الشيطان تغلب عليه فى صلاته، قلت: تغلبه عليه فى حال ¬

= ورواه الترمذى فى الجنائز (978) بسنده ومتنه سواء، ورواه ابن ماجه (1623)، وأحمد فى المسند (6/ 64،70،77،151)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 198)، والخطيب البغدادى فى التاريخ (7/ 208)، كلهم من طرق عن موسى بن سرجس به فذكره نحوه. وقال المصنف: حسن غريب.

371 - حدثنا الحسن بن صبّاح البزار، حدثنا مبشر بن إسماعيل عن عبد الرحمن ابن العلاء، عن أبيه، عن ابن عمر، عن عائشة، قالت: ـــــــــــــــــــــــــــــ صحته لا يقتضى تغلبه عليه فى هذا الحال، وبفرض وقوعه، هو آمن منه قطعا. فقوله: حرمة أو كراهة غلط صريح وتجرء قبيح وفى تلك الشدائد زيادة ارتفاع لدرجاته العلية صلى الله عليه وسلم (أو منكرات الموت) هو ما جاء فى رواية أحمد من غير شك، وفى رواية: «جعل يقول: لا إله إلا الله إن للموت سكرات» فقيل: هى سكرات طرب لقاء ربه لأن بلالا إذا قال وهو فى السياق: وا طرباه غدا ألقى الأحبة محمدا وصحبه» فما بالك لربه، لكن يؤيد ما قررته أولا الخبر المرسل: «اللهم إنك تأخذ الروح من بين العصب والأنامل فأعنّى عليه وهوّنه علىّ» (¬1). وفى البخارى عن عائشة: «أن أخاها عبد الرحمن دخل عليها، وهى مسندة النبى صلى الله عليه وسلم صدرها، ومعه سواك رطب يستن به، فأتبعه صلى الله عليه وسلم بصره فأخذته وقصمته ورطبته بالماء، ثم دفعته إليه فاستن به، قالت: فما رأيته استن استنانا قط أحسن منه» (¬2). وفيه أيضا: «أن من نعم الله علىّ أن جمع بين ريقى وريقه عند موته». وفى رواية: «أنه كان من جريد النخل» وللعقيلى: «آتينى بسواك رطب فامضغيه، ثم آتينى به أمضغه لكى يختلط ريقى بريقك، لكى يهون علىّ عند الموت». وفى المسند عنها: «إنه ليهون علىّ لأنى رأيت بياض كف (¬3) عائشة فى الجنة». 371 - (لا أغبط): من الغبطة، وهو اشتهاء أن يكون لك مثل من غبطته، ويدوم ¬

371 - صحيح: رواه الترمذى فى الجنائز (979) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى المغازى (4446)، وأحمد فى المسند (6/ 64،77)، كلاهما من طريق ابن الهاد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة قالت: «مات النبى صلى الله عليه وسلم وإنه لبين حاقنتى وذاقنتى، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبى صلى الله عليه وسلم». (¬1) ذكره الهندى فى كنز العمال (2/ 204)، وعزاه لابن أبى الدنيا فى ذكر الموت عن طعمة بن غيلان الجعفى. وذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (10/ 260) وقال العراقى رواه ابن أبى الدنيا فى كتاب الموت من حديث طعمة بن غيلان الجعفى وهو معضل سقط منه الصحابى والتابعى. (¬2) رواه البخارى فى الوصايا (2741)، بمعناه، ومسلم فى الوصية (1636)، بمعناه. وابن ماجه فى الجنائز (1626) بمعناه وأحمد فى مسنده (6/ 32،74،231). (¬3) فى (ش): (سن).

«لا أغبط أحدا بهون موت، بعد الذى رأيت من شدّة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم». ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه حال. (بهون موت): أى أرفقه وأخفه، وهذا من إضافة الصفة للموصوف وأرادت أنها لما رأت شدة وفاته، علمت أنها ليست من العلامات الدالة على سوء، وضدها لا يدل على الكرامة، وإلا لكان أولى الناس به فلم يكره الشدة لأحد، ولم يغبط أحد يموت من غير شدة. وبهذا يندفع قول بعضهم: الأنسب أن تقول: أغبط كل من يموت بشدة وجه الاندفاع ما علمت أن الشدة لا تدل على خير والرفق لا يدل على سوء وبالعكس. وفى البخارى: «أنه صلى الله عليه وسلم لما حضره القبض، ورأسه على فخذ عائشة، غشى عليه، فلما أفاق، شخص بصره نحو سقف البيت، ثم قال: اللهم فى الرفيق الأعلى» (¬1)، وصح «أسأل الله الرفيق الأعلى، مع الأسعد جبريل وميكائيل وإسرافيل» (¬2). وظاهره أن الرفيق مكان يرافق فيه المذكورين، وفى النهاية: هو جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين. وقيل: هو الله لأنه رفيق بعباده، وقيل: حظيرة القدس، وختم كلامه بهذه الكلمة، لتضمنها التوحيد والذكر بالقلب، وإشارة إلى أن من منع لسانه مانع عن الذكر وقلبه مشغول به لم يضره ذلك، وأفرده لأن أهل الجنة يدخلونها على قلب واحد. وفى دلائل النبوة للبيهقى حديث طويل فيه أنه لما بقى من أجله صلى الله عليه وسلم ثلاث جاءه جبريل يعوده فقال: أجدنى مغموما أجدنى مكروبا ثم جاءه فى اليوم الثانى وفى الثالث، وهو يقول له ذلك، ثم أخبره أن ملك الموت يستأذن، وأنه لم يستأذن على آدمى قبله ولا بعده، فأذن له فوقف بين يديه، يخيره بين قبض روحه وتركه، فقال له جبريل: يا محمد إن الله قد اشتاق للقائك، فأذن له فى القبض فلما قبضه، وجاءت التعزية، سمعوا صوتا من ناحية البيت، السلام عليكم أهل البيت، وذكر تعزية طويلة» وأنكر النووى وجود هذه التعزية فى كتب الحديث، وقال الحافظ العراقى: لا تصح، وبين أن ما رواه ابن أبى الدنيا فى ذلك بطوله فيه انقطاع ومتكلم ¬

(¬1) رواه البخارى فى المغازى (4463)، وفى الدعوات (6348)، ورواه مسلم فى فضائل الصحابة (2444)، وأحمد فى مسنده (6/ 89)، والبغوى فى شرح السنة (14/ 46)، رواه البيهقى فى دلائل النبوة (7/ 208)، وابن كثير فى البداية والنهاية (5/ 240)، وابن حبيب فى مسنده (2/ 26). (¬2) ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (9/ 210)، وقال العراقى: متفق عليه من حديث عائشة.

372 - حدثنا أبو كريب: محمد بن العلاء، حدثنا أبو معاوية: محمد بن حازم، عن عبد الرحمن بن أبى بكر-هو ابن المليكى-عن ابن أبى مليكة، عن عائشة، قالت: «لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فى دفنه. فقال أبو بكر: سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما نسيته، قال: ما قبض الله نبيّا إلا فى الموضع الذى يحبّ أن يدفن فيه. ادفنوه فى موضع فراشه». ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه. وما رواه البيهقى فى دخول ملك الموت روى نحوه الطبرانى أيضا، ومعنى اشتياق الله للقائه، أراد لقاءه بأن يرده من دنياه إلى معاده، زيادة فى قربه وكرامته. 372 - (ابن اللجاج): بجيمين. (فى دفنه) (¬1): أى فى المحل الذى يدفن فيه فقيل: يدفن فى مسجده، وقيل: بالبقيع بين أصحابه، وقيل: ابنه إبراهيم، وقيل: بمكة «فقال مروا أبو بكر. .» (¬2) إلخ رواه عنه أيضا مالك فى الموطأ وابن ماجه أى «الذى يحب» الله ¬

372 - إسناده ضعيف وهو صحيح موقوفا: فيه: عبد الرحمن بن أبى بكر المليكى: يضعف من قبل حفظه. رواه الترمذى فى الجنائز (1018)، بسنده ومتنه سواء، ورواه ابن ماجه فى الجنائز (1628)، وابن عدى فى الكامل (2/ 349)، من طريق الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، وهو ضعيف جدا، ورواه ابن سعد فى الطبقات (2/ 223) موقوفا على أبى بكر بسند صحيح. وذكره الحافظ فى الفتح فقال: وقد روى: أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون. قلت-أى الحافظ-: هذا الحديث رواه ابن ماجه مع حديث ابن عباس عن أبى بكر مرفوعا. . . وفى إسناده حسين بن عبد الله الهاشمى وهو ضعيف، وله طريق أخرى مرسلة ذكرها البيهقى فى الدلائل، وروى الترمذى فى الشمائل والنسائى فى الكبرى من طريق سالم بن عبيد الله الأشجعى الصحابى، عن أبى بكر أنه قيل له: «فأين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فى المكان الذى قبض الله فيه روحه، فإنه لم يقبض روحه إلا فى مكان طيب» إسناده صحيح لكنه موقوف. والذى قبله أصرح بالمقصود. (¬1) ما بين [] سقط من الأصل (أ)، وما أثبت من النسخة (ب)، وكذا هو فى (ش)، وبداية السقط من هنا. (¬2) رواه البخارى فى الأذان (713،682)، وفى المغازى (4445)، ومسلم فى الصلاة (418)، والترمذى فى الشمائل (378)، والنسائى فى الإمامة (2/ 99،100)، وابن ماجه (1232، 1234)، فى إقامة الصلاة، وابن حبان فى صحيحه (2118،2120،6601،6873، 6874)، والبيهقى فى السنن الكبرى (2/ 304)، (3/ 81).

373 - حدثنا محمد بن بشار، وعياش العنبرى، وسوار بن عبد الله، وغير واحد، قالوا: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سفيان الثورى، عن موسى بن أبى عائشة، عن عبيد الله، عن ابن عباس وعائشة: «أنّ أبا بكر قبّل النّبىّ صلى الله عليه وسلم بعدما مات». ـــــــــــــــــــــــــــــ أو النبى «فى فراشه»: أى فى المحل الذى تحت فراشه الذى مات وهو عليه، ولا يشكل على هذا نقل موسى ليوسف صلى الله عليه وسلم من مصر إلى آبائه بفلسطين لأن يوسف هو قبر فى المحل الذى قبض فيه، وأما نقله منه بعد هذا الحديث لا يدل على امتناعه لا سيما وموسى إنما فعله بوحى كما هو الظاهر وأن محبة يوسف لدفنه بمصر كانت مغياة بفقد من ينقله إلى آبائه؟ وجاء أن عيسى صلى الله عليه وسلم يدفن بجنب نبينا صلى الله عليه وسلم، وأنه ترك له موضع، ثم يؤخذ منه بفرض صحته، أن عيسى صلى الله عليه وسلم يقبض فى الحجرة إلا أن يقال أنه يقبض فى الحجرة، ولا يخلو عن بعد، فهو اشتقاق مشتمل على إيهام تناقض وعدم تأمل لأن من سلّم به صحة ما ورد أنه يدفن فى الحجرة يلزمه أن يسلّم موته فيها، لما علمت أن لفظ الحديث: «ما قبض الله نبيا إلا فى الموضوع الذى يحب أن يدفن فيه» (¬1)، وهذا صريح فى التلازم الذى ذكرته بناء على صحه رواية دفنه ثم، ومبطل لذلك الاعتراض فتأمله، قيل: يؤخذ من الحديث أن عيسى يدفن بجنب نبينا صلى الله عليه وسلم فى حجرته، ولذا ترك له ثم موضع انتهى. وفى هذا الأخذ نظر ظاهر، ومن يستنبط من هذا الاستنباط حقيق بأن لا يرفع له راية. 373 - (أن أبا بكر قبل النبى صلى الله عليه وسلم بعد ما مات): رواه البخارى وغيره أيضا ولأحمد أتاه قبل رأسه فحدر فاه فقبل جبهته ثم قال: وا نبياه، ثم رفع رأسه فحدر فاه وقبل جبهته ثم قال: وا صفياه ثم رفع رأسه وحدر فاه وقبل جبهته وقال: وا خليلاه (¬2)، ولابن ¬

373 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى المغازى (4456)، وفى الطب (5709)، وابن ماجه فى الجنائز (1457)، وأحمد فى المسند (6/ 55)، كلهم من طرق عن يحيى بن سعيد به فذكره. (¬1) رواه الترمذى فى الجنائز (1018). (¬2) رواه البخارى فى المغازى (4455،4456،4457)، وفى الطب (5709،5710،5711)، والنسائى فى الجنائز (4/ 11)، وابن ماجه فى الجنائز (1457)، وأحمد فى مسنده (6/ 55)، وابن حبان فى صحيحه (3029)، والبغوى (1471).

374 - حدثنا نصر بن على الجهضمى، حدثنا مرحوم بن عبد العزيز العطار، عن أبى عمران الجونى، عن يزيد بن بابنوس، عن عائشة: «أنّ أبا بكر دخل على النّبىّ صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فوضع فمه بين عينيه، ووضع يديه على ساعديه، وقال: وا نبيّاه، وا صفياه، وا خليلاه». 375 - حدثنا بشر بن هلال الصواف البصرى، حدثنا جعفر بن سليمان، عن ـــــــــــــــــــــــــــــ أبى شيبة فوضع فاه على جبينه فجعل يقبله ويبكى ويقول: بأبى أنت وأمى طبت حيا وميتا فعل ذلك اتباعا له صلى الله عليه وسلم، فى تقبيله لعثمان بن مظعون رضى الله عنه، وبه علم ندب تقبيل وجه الميت الصالح. 374 - (الجونى): بفتح الجيم، والجون بطن من الأزد. (بابنوس): بموحدتين فألف بينهما ثم نون مضمومة وواو ساكنة، فمهملة، (ووضع يديه على ساعديه): فيه حل نحو ذلك بالميت. (وا نبياه. . .) إلخ، فيه حل نحو ذلك من غير نوح ولا ندب، وأصله، يا نبى الحق آخره ألفا للندب ليمتد بها الصوت وليتميز المندوب عن المنادى وهاؤه للسكت تزاد وقفا لأرادة ظهور الألف لخفائها. وتحذف وصلا، قال الطبرى ولا ينافى هذا ما يأتى من ثباته لاحتمال أنه قال من غير انزعاج ولا قلق بخفض صوته. 375 - (لما كان اليوم. .) إلخ: رواه عنه أيضا الدارمى بلفظ: «ما رأيت يوما كان أقبح ¬

374 - إسناده ضعيف: فيه يزيد بن بابنوس البصرى. قال فيه البخارى: كان من الذين قاتلوا عليا، وقال ابن عدى: أحاديثه مشاهير، وقال الدار قطنى: لا بأس به. وذكره ابن حبان فى الثقات. قلت: وعلى ذلك حسنه الشيخ الألبانى فى مختصر الشمائل، وفى ذلك نظر: حيث لا يعتمد على توثيق ابن حبان، لتساهله المعلوم، ولقد قال الحافظ فيه: مقبول. انظر: تهذيب الكمال (23/ 92،93)، ميزان الاعتدال (4/ 420). ورواه أحمد فى مسنده (6/ 31،220)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 302)، كلاهما من طريق أبى عمران الجونى به فذكره نحوه. 375 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى المناقب (3618)، بسنده ومتنه سواء. ورواه ابن ماجه فى الجنائز (1631)، والبغوى فى شرح السنة (3834)، وابن حبان فى صحيحه (6634)، ثلاثتهم من طريق بشر بن هلال الصواف به فذكره. =

ثابت، عن أنس، قال: «لما كان اليوم الذى دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أضاء منها كلّ شىء، فلما كان اليوم الذى مات فيه أظلم منها كلّ شىء، وما نفضنا أيدينا عن التراب، وإنّا لفى دفنه صلى الله عليه وسلم حتّى أنكرنا قلوبنا». 376 - حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا عامر بن صالح، عن هشام بن عروة، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا أظلم من يوم مات فيه صلى الله عليه وسلم». (أظلم منها كل شىء): فيه نوع تجريد ظاهره أن الإضاءة والإظلام محسوسان، وأن الإضاءة دامت إلى موته فعقبها الإظلام وقيل: هما معنويان، والأول أولى لما فيه من المعجزة والحال أن ما نافية (نفضنا) (وإنا) الواو هنا للحال أيضا فهى مع التى قبلها من المتداخلة بين بهما أن ذلك الإظلام وقع عقب موته صلى الله عليه وسلم من غير مهلة «معتما» غاية للإظلام يعنى: أظلم منها كل شىء حتى قلوبنا لأننا أنكرناها لفقد ما كان يغشاها من إمداداته العلية، وأنواره السنية، ولانقضاء ما كانت عليه من الصفاء والألفه والرأفة والرحمة، دون التصديق والإيمان، لأن إيمانهم لم يتناقض منه شىء مطلقا، وقيل: إنكارها لعدم امتناعها من حثى التراب عليه صلى الله عليه وسلم، ومن ثم قالت: «أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب» (¬1) وأخذت من تراب القبر الشريف، فوضعته على عينها، وأنشدت ما يأتى، وهذا قول بعيد، وفاطمه إنما قالت ذلك عند غلبة الحزن عليها، بحيث أذهلها كغيرها. 376 - (يوم الإثنين): ثانى عشر ربيع الأول حين اشتد الضحى وقت دخوله صلى الله عليه وسلم فى هجرته. ¬

= ورواه أحمد فى المسند (3/ 221،268)، من طريق سيار وعفان كلاهما عن جعفر بن سليمان به فذكره. ورواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى (2/ 210)، من طريق جعفر بن سليمان به فذكره. ورواه أحمد (3/ 240،287)، والدارمى فى سننه (1/ 41)، وابن أبى شيبة فى المصنف (11/ 516)، ثلاثتهم من طريق حماد عن ثابت به فذكره نحوه. (¬1) رواه الدارمى فى المقدمة (1/ 41)، وأحمد فى مسنده (3/ 122،287). 376 - إسناده ضعيف، وهو صحيح: فيه عامر بن صالح: قال فيه الحافظ: متروك الحديث أفرط فيه ابن معين فكذبه، وكان عالما بالأخبار. =

عن أبيه، عن عائشة، قالت: «توفّى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين». 377 - حدثنا محمد بن أبى عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: «قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، فمكث ذلك اليوم، وليلة الثّلاثاء، ودفن من الليل». قال سفيان: وقال غيره «يسمع صوت المساحى من آخر اللّيل». قال أبو عيسى: (هذا حديث غريب). ـــــــــــــــــــــــــــــ 377 - (ودفن من الليل): أى ليلة الأربعاء، وقال غيره، أى: غير محمد الباقر رضى الله عنه: قال: (يسمع. . .) إلخ. وفى هذه زيادة على ما قبلها، وهى أن الدفن كان من آخر الليل ودفن «يوم الثلاثاء»، وجمع بينه وبين ما قبله بأنهم شرعوا فى تجهيزه آخر يوم الثلاثاء فلم يفرغوا منه إلا آخر ليلة الأربعاء، وعلى كل فإنما أخروا دفنه إلى ذلك مع قوله صلى الله عليه وسلم لأهل بيت أخروا دفن ميتهم «عجلوا دفن ميتكم ولا تؤخروه» إما لعدم اتفاقهم على موته أو محل دفنه، فقوم قالوا: يدفن فى البقيع، وقوم فى المسجد، وقوم يحمل إلى ابنه إبراهيم عليه، حتى قال العالم الأكبر صديق الأمة وواحد الخلافة ما يأتى عنه، أو لاشتغالهم بما هو أهم منه، وهو أمر البيعة لّما اختلف المهاجرون والأنصار فيها ¬

= ورواه البخارى فى الجنائز (1387)، وأحمد فى المسند (6/ 45،118،132)، والطيالسى فى مسنده (2400)، ثلاثتهم من طريق هشام بن عروة به فذكره من حديث مطولا. ورواه ابن سعد فى الطبقات (2/ 209)، من طريق عروة به فذكره بزيادة. قلت: وقد صححه فضيلة الشيخ الألبانى حفظه الله فى مختصر الشمائل، وأخرجه للبخارى مصححا إياه. وفيه نظر: لما فيه من راو ضعيف فى إسناد المؤلف كما بينا والله أعلم. 377 - إسناده مرسل صحيح: رجاله ثقات، وقد أرسله محمد الباقر بن على بن الحسين بن على رضى الله عنهم، ويبدو أنه تلقاه عن آبائه الطاهرين. وقد رواه ابن سعد فى الطبقات (2/ 209)، من حديث على بن أبى طالب رضى الله عنه. ورواه أحمد فى المسند (6/ 62،274)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 209)، من حديث عائشة رضى الله عنها. وقد صححه الشيخ الألبانى فى مختصر الشمائل (ص 197).

378 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن شريك بن عبد الله بن أبى نمر، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، قال: «توفّى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، ودفن يوم الثّلاثاء». 379 - حدثنا نصر بن على الجهضمى، أنبأنا عبد الله بن داود، قال: حدثنا سلمة بن نبيط، أخبرنا عن نعيم بن أبى هند، عن نبيط بن شريط، عن سالم بن عبيد-وكانت له صحبة، قال: «أغمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه، فأفاق، فقال: حضرت الصلاة؟ قالوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ ليكون لهم إمام يرجعون إليه عند التنازع فى شىء من أحواله ولو تركوا البيعة لربما وقع خلاف وأدى إلى فتنه عظيمة فمن ثم انتظروا فيها حتى استقر الأمر فبايعوا أبا بكر، ثم بايعوه بالغد بيعة أخرى عن ملاء منهم، وكشف الله به الكربة من أهل الردة، ثم رجعوا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فنظروا فى أمره فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه بملاحظة أبى بكر ورأيه. (المساحى) (¬1) جمع مسحاة كالمجرفة إلا أنها من حديد. (من آخر الليل): أى ليلة الأربعاء (غريب) أى بل المشهور ما مر أن دفنه آخر ليلة الأربعاء. 379 - (نبيط): بنون مضمومة فموحدة فتحتية. (شريط): بفتح المعجمة. (أغمى): على رسول الله صلى الله عليه وسلم أى: ستر عقله لشدة ما حصل له من تناهى الضعف وفتور الأعضاء عن تمام الحركة، وفيه جواز الإغماء على الأنبياء، وهو كذلك، لأنه من جملة المرض الجائز عليهم قطعا بخلاف الجنون فإنه نقص، وحكمة ما يعتريهم من المرض ومصائب الدنيا تكثير أجرهم وتسلية الناس بأحوالهم ولئلا يفتتنوا بهم ويعبدونهم لما ظهر على أيديهم من خوارق المعجزات وواضح منعه وهذا الحديث روى الشيخان بعضه ومنه ¬

378 - إسناده ضعيف: وعلته: إرسال أبى سلمة ولم يدرك النبى صلى الله عليه وسلم. ولمخالفته أيضا حديث عائشة المشار إليه فى تخريج الحديث السابق. 379 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى المناقب (3672)، بسنده ومتنه سواء، ورواه ابن ماجه فى الإقامة (1324)، والطبرانى فى الكبير (6367)، من طريق سلمة بن نبيط به فذكره تاما ومختصرا. (¬1) ذكره القرطبى فى التفسير (4/ 224)، (5/ 298).

نعم. فقال: مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصلّ للناس-أو قال: بالنّاس- ثمّ أغمى عليه، فأفاق فقال: مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصلّ بالناس-، فقالت عائشة: إنّ أبى رجل-أسيف، فإذا قام ذلك المقام بكى، فلا يستطيع، فلو أمرت غيره. قال: ثمّ أغمى عليه، فأفاق، فقال: مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصلّ بالناس، فإنكنّ صواحب -أو صواحبات- يوسف. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (مروا أبا بكر فليصلّ بالناس). وأن عائشة أجابته بما سيأتى وأنه كرر ذلك فكررت الجواب وأنه قال: (إنكن صواحبات يوسف مروا أبا بكر فليصلّ بالناس)، وفى البخارى: «فمر عمر فليصلّ بالناس» وأنها قالت لحفصة أنها تقول ما قالت عائشة فقالته فقال لها: «مه إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس» فقالت لها حفصة: ما كنت لأصيب منك خيرا. وفى الحديث جواز الإغماء على الأنبياء كما مر لكن قيده الشيخ أبو حامد من أئمتنا بغير الطويل، وجزم به البلقينى، قال السبكى: وليس كإغماء غيرهم لأنه إنما يستر حواسهم الظاهرة دون قلوبهم، لأنها إذا عصمت من النوم الأخف فالإغماء أولى، أما الجنون فيمتنع عليهم قليله وكثيره لأنه نقص. وألحق السبكى العمى قال: ولم يعم نبى قط، وما ذكر عن شعيب أنه كان ضريرا فلم يثبت، وأما يعقوب فحصلت له غشاوة وزالت انتهى. وحكى الرازى عن جمع فى يعقوب ما يوافقه. (حضرت): أى أحضرت. (فليؤذن): بسكون الهمزة وتخفيف الذال فليعلمه، وبفتح وتشديد أى: فليدعوه. وفيه أنه ينبغى أن لا يقدم القوم للإمامة إلا أفضل القوم فقها وقراءة وورعا، وفى تكرير أمره بتقديمه الدلالة الظاهرة عند من له أدنى ذوق، بل إيمان على أنه أحق الناس بخلافته، وقد وافق على ذلك علىّ رضى الله عنه وغيره من أهل البيت وهو أن عليهم. (أسيف): فعيل بمعنى فاعل من الأسف، وهو شدة الحزن والبكاء والمراد به: رقيق القلب. ولابن حبان عن عاصم أحد رواته، والأسيف: الرقيق الرحيم (يبكى): أى لتدبره القرآن ولفقده خليله صلى الله عليه وسلم وما كان يجد من أنسه وأنواره. (فلو): للتمنى أو للشرط والجزاء محذوف. (صواحب أو صواحبات): كل منهما جمع صاحبة لكن الثانى قليل (يوسف) على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة والسلام أى فى إظهار خلاف ما فى الباطن، أو التعاون على ما يرونه وكثرة إلحاحكن على ما تملن إليه، ثم هذا الخطاب، وإن كان بلفظ الجمع، فالمراد به واحدة،

قال: فأمر بلال فأذن، وأمر أبو بكر فصلى بالناس. ثمّ إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد خفة، فقال: انظروا من أتكئ عليه. فجاءت بريرة، ورجل آخر، فاتكأ عليهما، فلما رآه أبو بكر ذهب لينكص، فأومأ إليه أن يثبت مكانه، حتّى قضى أبو بكر صلاته. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهى عائشة ووجه الشبه، أن زليخا استدعت النسوة، وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة، ومرادها زيادة على ذلك، وهى أن ينظرن حسن يوسف فيعذرنها فى محبته، وعائشة أظهرت أن سبب محبتها، صرف الإمامة عن أبيها، عدم استماعه القرآن، ومرادها زيادة على ذلك، هى أن لا يتشاءم الناس به. فقد روى البخارى عنها: «لقد راجعته وما حملنى على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع فى قلبى أن يحب الناس رجلا قام مقامه أبدا، وإلا كنت أرى أنه لن يقوم أى أحد مقامه، إلا يتشائم الناس به» «فصلى بالناس سبع عشرة صلاة» كما نقله الدمياطى. (بريرة ورجل آخر): فى رواية الشيخين «فى سياق آخر رجلين وعباس وعلى»، ورواية مسلم «العباس وولده الفضل»، وفى أخرى «العباس وأسامة»، وعند الدار قطنى «أسامة والفضل»، وعند ابن حبان «بريرة ونوبة» بضم فسكون أمة، وقيل: عبد، وعند ابن سعد «الفضل وثوبان» رضى الله عنهم. وجمعوا بين هذه الروايات على تقدير ثبوتها بأن خروجها تعدد فيتعدد من اتكئ عليه، وهذا أولى من الجواب بأن العباس لكبر سنه وشرفه، كان ملازما للأخذ بيده، ولذا ذكرته عائشة، وأما الباقون فتناوبوا يده الشريفة وخصوا بذلك، لأنهم خواص أهل بيته وأكابرهم، ولما لم يلازمه أحد فى جميع الطريق، أبهمت عائشة الرجل الذى مع العباس. ووجه أولوية الجمع الأول أن الثانى لا يجتمع به الروايات كلها، لأن بعضها لم يذكر فيه العباس. «لينكص»: ليرجع إلى ورائه القهقرى. (فأومأ): أشار إليه النبى صلى الله عليه وسلم. (أن. . .) إلخ: ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم اقتدى به، والذى رواه الشيخان «أنه صلى الله عليه وسلم جاء حتى جلس عن يساره، فكان يصلى قاعدا وأبو بكر قائما يقتدى أبو بكر بصلاة النبى صلى الله عليه وسلم والناس يقتدون بصلاة أبى بكر» (¬1). وفيه ما يدل على أنه إمام ومأموم، وجاء فى رواية ¬

(¬1) رواه البخارى فى الأذان (664،712)، ومسلم فى الصلاة (418)، وابن ماجه فى الإقامة (1232)، وابن حبان فى صحيحه (2120)، وابن خزيمة فى صحيحه (1616)، وأحمد (2/ 210)، وأبو عوانة فى مسنده (2/ 115،116)، والبيهقى فى (3/ 81،82)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (2/ 329).

ثمّ إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض. فقال عمر: والله لا أسمع أحدا يذكر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض إلا ضربته بسيفى هذا. قال: وكان النّاس أمّيّين، لم يكن فيهم نبىّ قبله. فأمسك الناس. فقالوا: يا سالم، انطلق إلى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فادعه. فأتيت أبا بكر وهو فى المسجد، فأتيته أبكى دهشا. ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يقتضى كلا الأمرين. وفى رواية لهما «أنه كان يسمع الناس تكبيره صلى الله عليه وسلم» فيكون أبو بكر مقتديا به، وبه يندفع زعم العكس، ويتضح ما قاله الشافعى من جواز مفارقة الإمام، وإنشاء الاقتداء فى أثناء الصلاة، وقوله: (حتى قضى) معطوف على محذوف دل عليه ما قبله، أى فثبت صلى الله عليه وسلم حتى فرغ أبو بكر من صلاته. (قبض) وأبو بكر غائب بالعالية عند زوجته بنت خارجة، وكان صلى الله عليه وسلم، قد أذن له فى الذهاب إليها. (فقال عمر): وقد سل سيفه. (والله لا أسمع. . .) إلخ وكان يقول: إنما أرسل إليه كما أرسل إلى موسى، فلبث عن قومه أربعين ليلة، والله إنى لأرجو أن تقطع أيدى رجال وأرجلهم وسيأتى رجوعه عن هذه المقالة، وأن الحامل له عليها، ما ظنه أن ما عرض له صلى الله عليه وسلم إنما هو الغشى، أو ذهوله عن حسه، فأحال الموت عليه، وخوفه ووقوع فتنة. (الناس): أى العرب بقرينة المقام، والمعنى قال تعالى: بَعَثَ فِي اَلْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ (¬1) أميين أى لم يتعلموا الكتابة وتنشأ عليها فطرتهم، حتى لا يذهلهم عظائم المحسن عن معلوماتهم، بخلاف من فطر عليها فإن معلوماته لا تضل عنه عند طروق أى محنة أصابته. (لم يكن فيهم نبى قبله): أى لأن سبب العلم بموت النبى صلى الله عليه وسلم إما وراثة كتب الأنبياء أو مشاهدة موتهم، وكل منها منفى عند العرب. (فأمسك الناس): أى عن التفوه بموته، وكل ذلك لذهولهم الحاصل له عند سماع خبر موته، فضلت عنهم بعض معلوماتهم، ومن جملتها أنه صلى الله عليه وسلم ميت، أى: بالنظر إلى أحكام الدنيا وإلا فهو حى عند الله، نص عليه الغزالى فى المستصفى حيث قال: وهو صلى الله عليه وسلم معدوم عن عالمنا هذا، وإن كان حيا عند الله انتهى. وقد نص الله تعالى على ذلك فى غير آية: (إلى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ذكرهم ذلك دون أبى بكر دليل على شهرته فيما بينهم بهذا الوصف دون غيره، وكأنهم اتفقوا فى ذلك أنه تعالى أثبت له فى كتابه العزيز دون غيره. (فى المسجد): أى مسجد محلته التى ¬

(¬1) سورة الجمعة: آية رقم (2).

فلما رآنى، وقال لى: أقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: إنّ عمر يقول: لا أسمع أحدا يذكر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض، إلا ضربته بسيفى هذا. قال لى: انطلق، فانطلقت معه، فجاء هو، والنّاس قد دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أيّها النّاس أفرجوا لى، فأفرجوا له، فجاء حتّى أكبّ عليه، وخرّ على ـــــــــــــــــــــــــــــ كان فيها، وهو بالعوالى. (دهشا): بفتح فكسر أى: متحيرا مما استولى عليه من الذهول والوله. وفى رواية «أن أبا بكر أرسل غلامه ليأتيه بالخبر، فعاد وقال: سمعت الناس يقولون: مات محمد فركب من فوره وقال: وا محمداه، وا نقطاع ظهراه، ثم أقبل يبكى». (فقال: إن الناس أفرجوا. . .) إلخ: قد ينافيه رواية البخارى عن عائشة «أقبل أبو بكر على فرس من مسكنه بالسنخ، حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، فبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مسجى ببردة فكشف عن وجهه وأكب عليه فقبله ثم بكى، فقال: بأبى أنت وأمى لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التى كتبت عليك فقد متها». وقد يجاب بحمل قولها: (فلم يكلم الناس): على من بالمسجد وقول غيرها. (أفرجوا لى): على من كان حاضرا عنده صلى الله عليه وسلم، إذ لم يكلمهم بغير أفرجوا لى، ونفيه الموتتين إما حقيقة. ردا على عمر فى قوله بما مر، إذ يلزم منه أنه إذا جاء أجله يموت موتة أخرى، وهو أكرم على الله من أن يجمعهما عليه، كما جمعها على الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف، وعلى الذى مر على قرية. وهذا أوضح وأسلم من حمله على أنه لا يموت موتة أخرى فى القبر كغيره، أو لا يجمع الله عليه بين موت نفسه وموت شريعته أو الموتة الثانية: الكرب أى: يلقى كربا بعد كرب، فهذا الموت كربا آخر. (أكب): أقبل ولزم، وأما كب فبمعنى قلب وسرع، وأخرج البيهقى وغيره من طريق الواقدى: «أنهم اختلفوا فى موته، فوضعت أسماء بنت عميس يديها بين كتفيه فقالت: توفى قد رفع الخاتم من بين كتفيه» فكان هذا هو الذى عرف به موته، ولا ينافيه ما مر، لإمكان حمله على الحاضرين عنده، وحمل ما وقع لأبى بكر على بقية الناس، فقال: ورواية غير المصنف «أن عمر قام يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أبو بكر فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، فقال: بأبى أنت وأمى طبت حيا وميتا، والذى نفسى بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا، ثم خرج، فقال: أيها الحالف على رسلك، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه،

ساعده ومسّه، فقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال: ألا من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت، وقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، وقال: وَمامُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ. . . الآية، قال: فنشج الناس يبكون» رواه البخارى. (ونشجوا): غصّوا بالبكاء من غير انتحاب. وفى رواية «لما مات صلى الله عليه وسلم كان أجزع الناس كلهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وفيها أن أبا بكر لما جاء، كشف البردة عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع فاه على فيه، واستنشق الريح-أى ريح الموت-ثم سجاه، والتفت إلينا ثم قال ما مر، قال عمر: فو الله لكأنى لم أتل هذه الآيات قط». وروى أحمد «سجيت النبى صلى الله عليه وسلم ثوبا فجاء عمر، والمغيرة بن شعبة، فاستأذنا، فأذنت لهما وجذبت الحجاب، فنظر إليه عمر وقال: وا غشيتاه، ثم قام، فقال المغيرة: يا عمر مات، فقال: كذبت، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفنى الله المنافقين، ثم جاء أبو بكر، فرفعت الحجاب، فنظر إليه، فقال: إنا الله وإنا إليه راجعون، مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. والبخارى عن ابن عباس: «أن أبا بكر خرج، وعمر يكلم الناس، فقال: اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه، وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حى لا يموت، قال الله عز وجل: وَمامُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ قال: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها الناس كلهم منه، فما أسمع بشرا من الناس، إلا يتلوها»، زاد ابن أبى شيبة عن ابن عمر: «أن عمر إنما قال ما مر فى المنافقين، لأنهم كانوا أظهروا الاستبشار، ورفعوا رءوسهم وأن أبا بكر ضم إلى تلك الآيات: وَماجَعَلْنالِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ اَلْخُلْدَ. وفى هذا أدل دليل على شجاعة الصديق رضى الله عنه، إذ ثبوت القلب عند حلول المصائب، ولا مصيبة أعظم من هذه، فعندها ظهرت شجاعته وعلمه، قالوا: لم يمت، واضطربوا فكشف لهم الأمر بتلك الآيات، فرجع عمر عن مقالته كما ذكره الوائلى عن أنس: «أنه سمعه حين بويع أبو بكر فى المسجد على المنبر وقد تشهد ثم قال: أما بعد: فإنى قلت لكم أمس مقالة، وإنها لم تكن كما قلت وإنى والله ما وجدتها فى كتاب الله ولا فى عهد عهده إلىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنى كنت أرجو أن يعيش حتى يكون آخرنا موتا، فاختار الله عز وجل لرسوله الذى عنده على الذى عندكم، وهذا الكتاب الذى يهدى الله به رسوله، فخذوا به تهتدوا لما هدى

ثمّ قالوا: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، فعلموا أن قد صدق. قالوا: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيصلّى على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قالوا: وكيف؟ قال: يدخل قوم فيكبرون، ويدعون، ويصلون، ثمّ يخرجون، ثمّ يدخل قوم فيكبّرون ويصلون، ويدعون، ثمّ يخرجون، حتّى يدخل النّاس. ـــــــــــــــــــــــــــــ الله له رسوله». والمقالة التى رجع عنها هى قوله: «لم يمت صلى الله عليه وسلم، ولا يموت حتى تقطع أيدى وأرجل» وكان ذلك لعظيم ما ورد عليه، وخشى الفتنة، وظهور المنافقين. فلما شاهد قوة يقين الصديق الأكبر وقراءته تلك الآيات سكن. ومن عظيم تلك المصائب، أن بعض الصحابة خبل كعمر رضى الله عنه، وبعضهم أقعد فلم يطق القيام، كعبد الله ابن أنيس، بل أضنى فمات كمدا، وبعضهم أخرس فلم يطق الكلام كعثمان وكان أثبتهم أبو بكر، وجاء وعيناه تهملان، وزفراته تتصاعد فكشف الثوب عن وجهه، وقال «طبت حيا وميتا، وانقطع بموتك، ما لم ينقطع بموت أحد من الأنبياء، فعظمت عن الصفة، وجللت عن البكاء، ولو أن موتك كان اختيارا، لجدنا لموتك بالنفوس، اذكرنا يا محمد عند ربك ولتكن من بالك» إن: أى أنه [قد] (¬1) صدق فى إخباره بموته صلى الله عليه وسلم لاستدلاله بالآيات التى قد ذكرها هو، لما عنده من نور اليقين، المانع لاستيلاء المحن والنوائب على قلبه، بخلافهم، فإن ذلك النور لما لم يكمل عليهم استولى عليهم عظيم ذلك المصاب فأوجب ذهولهم وولههم. (قال نعم. . .) إلخ، روى ابن ماجه «أنهم لما فرغوا من جهازه يوم الثلاثاء، وضع على سريره فى بيته، ثم دخل الناس أرسالا يصلون عليه، حتى إذا فرغوا، دخل النساء حتى إذا فرغن، دخل الصبيان، ولم يؤم الناس عليه أحد». وفى رواية «أول من صلى عليه الملائكة أفواجا ثم أهل بيته، ثم النساء فوجا فوجا، ثم نساؤه آخرا فيكبرون ويدعون ويصلون». فيه وجوب هذه الثلاثة، ومن ثم كانت أركانا عند الشافعى، أما التكبير فهو أربع، ويجوز أكثر لا أقل، وأما الدعاء، فلا بد أن يكون للميت بخصوصه، وأما الصلاة، فهى هنا فى هذا السياق لا يفهم منها، غير الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، فمن ثم أوجبها الشافعى هنا لذلك، وقياسا عليها فى الصلاة المعهودة. (يدخل قوم. . .) إلخ: فيه أن تكرير الصلاة على الميت لا بأس بها وإن لم يصلوا كلهم ¬

(¬1) الزيادة من: (ش).

قالوا: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أيدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قالوا: أين؟ قال: فى المكان الذى قبض الله فيه روحه صلى الله عليه وسلم فإنّ الله لم يقبض روحه إلا فى مكان طيّب، فعلموا أن قد صدق، ثمّ أمرهم أن يغسّله بنو أبيه. ـــــــــــــــــــــــــــــ بإمام واحد، لأنهم كانوا لم يتفقوا على خليفة، فتكون الإمامة له. (قالوا أين؟ قال: فى المكان الذى قبض الله فيه روحه. . .) إلخ: ورد أيضا أنه استدل على ذلك، بقوله: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما هلك نبى قط إلا يدفن حيث تقبض روحه». وقال على رضى الله عنه: وأنا أيضا سمعته. وحفر أبو طلحة لحده فى موضع فراشه حيث قبض واختلفوا فيمن أدخله فى قبره. وأصح ما روى فى ذلك أنه نزل فيه على والعباس وابناه قثم والفضل رضوان الله عليهم، وكان آخر الناس عهدا به قثم. وورد أنه بنى فى قبره تسع لبنات وفرش تحته قطيفة نجرانية كان يتغطى بها فرشها شقران فى القبر، وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك. وأخذ البغوى أنه لا بأس بفرشها لكنه شاذ، والصواب كراهته. وأجابوا عن فعل شقران، بأنه شىء انفرد به، ولم يوافقه أحد من الصحابة، ولا علموا به، وإنما فعله لما ذكر من كراهته أن يلبسها أحد بعده، على أن ابن عبد البر قال: إنها أخرجت من القبر، لما فرغوا من وضع اللبنات التسع. قال رزين: ورشّ قبره صلى الله عليه وسلم، رشّه بلال بقربة، بدأ من قبل رأسه، وجعل عليه من حصى العرصة حمراء وبيضاء ورفع قبره من الأرض [قدر] (¬1) شبرا. وروى البخارى عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال فى مرض موته: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» لولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشى أن يتخذ مسجدا. ورواية الفتح صريحة فى أنه أمرهم بذلك، بخلاف رواية الضم فإنها تشعر بأن ذلك اجتهاد منهم، ومعنى: «لأبرز قبره» أى: كشف ولم يتخذ عليه حائل، وهذا قالته عائشة رضى الله عنها قبل أن يوسع المسجد، ولهذا لما وسع جعلت حجرتها مثلثة الشكل، حتى لا يتأتى لأحد أن يصلى إلى جهة القبر الشريف مع استقبال القبلة. وما فى البخارى عن سفيان التمار: «أنه رأى قبر مسنما» أى مرتفعا، زاد أبو نعيم فى المستخرج: «وقبر أبى بكر وعمر كذلك» فهو وإن قال بقضيته من ندب التسنيم الأئمة الثلاثة والمزنى وكثير من الشافعية، بل ادعى القاضى حسين اتفاق الأصحاب عليه. رده البيهقى: بأن قول التمار لا حجة فيه لاحتمال أنه لم ¬

(¬1) الزيادة من: (ش).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكن فى أول أمره مسنما، فقد روى أبو داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد بن أبى بكر قال: «دخلت على عائشة فقلت: يا أمه، اكشفى لى عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكشفت لى عن ثلاثة قبور لا مشرفة، ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء» زاد الحاكم: «فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدما وأبا بكر رأسه بين كتفى النبى صلى الله عليه وسلم، وعمر رأسه عند رجل النبى صلى الله عليه وسلم» وهذا كان فى خلافة معاوية، فكأنها كانت فى الأول مسطحة. ثم لما بنى جدار النبى صلى الله عليه وسلم، فى إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة، من قبل الوليد بن عبد الملك صيروها مرتفعة. وروى فى صفة القبور ثلاثة غير ما ذكر، لكن حديث القاسم أصح، وما مر عن القاضى مردود، بل قدماء الشافعية ومتأخروهم، على أن التسطيح أفضل، لما فى مسلم من حديث فضالة بن عبيد: «أنه أمر بقبر فسوى، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها». وفى البخارى عن عروة: «لما سقط عليهم حائط الحجرة فى زمن الوليد، أخذوا فى بنائه، فبدت لهم قدم، ففزعوا وظنوا أنها قدمه صلى الله عليه وسلم، فما وجدوا أحدا يعلم ذلك، حتى قال عروة: والله ما هى إلا قدم عمر رضى الله عنه». زاد الآجرى عنه: «أن الناس كانوا يصلون إلى القبر الشريف، فأمر عمر بن عبد العزيز، فرفع حتى لا يصل إليه أحد، فلما تهدمت، بدت قدم بساق وركبة، ففزع عمر بن عبد العزيز فقال عروة: هذا ساق عمر وركبته، فسر عمر بن عبد العزيز بنو أبيه أى: عصابته من النسب، إذ الحق فى الغسل لهم فغسله على رضى الله عنه» الحديث رواه جماعة، منهم ابن سعد والبزار والبيهقى، والعقيلى، وابن الجوزى فى الوصيات عن على كرم الله وجهه بلفظ: «أوصانى النبى صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيرى، فإنه لا يرى أحد عورتى إلا طمست عيناه». زاد ابن سعد «فكان الفضل وأسامة يناولان الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين، قال على: فما تناولت عضوا إلا كان يقلبه (¬1) معى ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله». وفى رواية: «يا على لا يغسلنى إلا أنت، فإنه لا يرى أحد عورتى إلا طمست عيناه، والعباس وابنه الفضل، يعينانه، وقثم وأسامة وشقران مولاه صلى الله عليه وسلم يصبون الماء وأعينهم معصوبة، من وراء الستر». وصح عن على رضى الله عنه «غسلته صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر ما يكون من الميت، فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا وميتا». وفى رواية ابن سعد: «وسقطت ريح طيبة، لم يجدوا مثلها قط». ¬

(¬1) فى ش: [يقيله].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر ابن الجوزى عن جعفر بن محمد قال: «كان الماء يستنقع فى جفون النبى صلى الله عليه وسلم، فكان على يحسوه». وأما ما روى: «أن عليا لما غسل اقتلص ماء محاجر عينيه فشربه، وأنه ورث بذلك علم الأولين والآخرين» فقال النووى: ليس بصحيح. ومن عجيب ما اتفق ما رواه البيهقى فى الدلائل عن عائشة: «أنهم لما أرادوا غسله صلى الله عليه وسلم قالوا: لا ندرى، أن نجرده من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا، ألقى الله عليهم النوم، حتى ما منهم رجلا إلا ذقنه فى صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو، غسلوا النبى صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه، فقاموا وغسلوه وعليه قميصه، يصبون الماء فوق القميص، ويدلكون بالقميص». وصح: «إذا أنا مت، فاغسلونى بسبع قرب من بئرى بئر غرس» بفتح المعجمة وبضمها، وسكون الراء وسين مهملة بئر مشهورة فى المدينة. وصح عن عائشة: «أنه كفن فى ثلاثة أثواب سحولية بيض من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة، وإنما اشتريت له حلة ليكفن فيها فتركت فأخذها عبد الله بن أبى بكر ليكفن فيها ثم قالوا: لو رضيها الله عز وجل لنبيه لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها». ومن ثم روى مسلم» أدرج النبى صلى الله عليه وسلم فى حلة يمنية كانت لعبد الله بن أبى بكر رضى الله عنه، ثم نزعت عنه». وصح أيضا: «أنه ذكر لها قولهم فى ثوبين وبردة حبرة، قالت: قد أتى بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه». قال الترمذى: وروى فى كفنه روايات مختلفة، وحديث عائشة أصح الأحاديث فى ذلك والعمل عليه عند أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم. ونقل البيهقى عن الحاكم تواترت الأخبار عن على وابن عباس وابن عمر وعائشة وجابر وعبد الله بن مغفل رضى الله عنهم فى تكفين النبى صلى الله عليه وسلم فى ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة. وخبر أحمد: «أنه كفن فى سبعة أثواب» وهم راويه، ومعنى: «ليس فيها قميص ولا عمامة» أنهما ليسا فى الكفن أصلا، كما قاله الشافعى والجمهور. قال النووى: وهو الصواب الذى تقتضيه ظاهر الأحاديث، فلم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم كفن فى قميص وعمامة انتهى. وقيل: ليس فيها أى: الثلاثة، بل كانا زايدين عليها، وهو محتمل إن لو ثبت ما يدل عليه، وإلا فظاهر اللفظ كما قال ابن دقيق العيد وغيره ما مر خلافا للمالكية فى قولهم: إنهما مندوبان للرجال والنساء. وفى الحديث دلالة على أن القميص الذى غسل فيه نزع عند تكفينه، وصوبه النووى، فإنه لو بقى مع رطوبته أفسد الأكفان، قال: وخبر: «أنه كفن فى ثلاثة أثواب، الحلة ثوبان

واجتمع المهاجرون يتشاورون، فقالوا: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار ندخلهم معنا فى هذا الأمر. فقالت الأنصار: منّا أمير، ومنكم أمير. فقال عمر بن الخطّاب: من له مثل هذه الثّلاث؟ ثانِيَ اِثْنَيْنِ إِذْ هُمافِي اَلْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اَللهَ مَعَنامنهما. قال: ثمّ بسط يده، فبايعه، وبايعه النّاس بيعة حسنة جميلة. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقميصه الذى توفى فيه» ففيه مجمع على ضعفه، لا سيما وقد خالف بروايته الثقات. والسحولية: بالفتح على الأشهر الأكثر فى الروايات منسوب إلى السحول، وهو القصار لأنه يسحلها أى: يغسلها، أو إلى السحول قرية باليمن، وبالضم جمع سحل، وهو الثوب الأبيض النقى، ولا يكون إلا من قطن، وفيه شذوذ لأنه نسب إلى الجمع. وقيل: اسم القرية بالضم أيضا، والكرسف: بضم فسكون فضم القطن. (فى هذا الأمر): أى أمر الخلافة. (من له مثل هذه الثلاثة): استفهام إنكار على الأنصار، حيث توهموا أن لهم حقا فى الخلافة، الأولى ثانِيَ اِثْنَيْنِ إِذْ هُمافِي اَلْغارِ: الثانية إثبات الصحبة فى قوله تعالى: إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ. الثالثة إثبات المعية فى قوله تعالى: إِنَّ اَللهَ مَعَنا، فإثبات الله تعالى تلك الفضائل الثلاث بنص القرآن دون غيره دليل ظاهر على أحقيته بالخلافة من غيره. (من هما): أى من الاثنان المذكوران فى هذه الآية المتضمنة لذلك هل هما إلا النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، والاستفهام فى ذلك للتقرير والتفخيم. ويحتمل أن المراد من هما أى: الأمران اللذان ذكرتموهما، فالاستفهام للتحقير. (حسنة جميلة): قيل جميلة تأكيد، واعترض بأن التأكيد اللفظى بالمرادف لم يثبته النحاة إلا فى نحو: ضربت أنت، وبأنه لا يصح كونه نعتا للتأكيد، لأنهم حصوره فيما إذا فهم من متبوعه متضمنا أو التزاما انتهى. ويرد بأن المراد بالتأكيد هنا ثبوته الحكمى لا اللفظى، وتقويته تحصل بالمرادف أيضا. وبأنه يصح كونه هنا نعتا قصد به التأكيد، لأن الجمال يفهم من الحسن تضمنا أو التزاما، وعلى كل فالمغايرة بينهما أولى بأن يجعل حسنها من حيث دفعها للفتنة، ويوافقه الحديث: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن». وجمالها من حيث رضى نفوسهم بها وإقبالهم عليها وشهودهم لجمال الحق فيها إذا رضاهم بها.

380 - حدثنا نصر بن على، حدثنا عبد الله بن الزبير، حدثنا ثابت البنانى، عن أنس بن مالك، قال: «لما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كرب الموت، قالت فاطمة: وا كرباه. فقال النّبىّ صلى الله عليه وسلم: لا كرب على أبيك بعد اليوم، إنه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك منه أحدا، الموافاة يوم القيامة». ـــــــــــــــــــــــــــــ 380 - (فقالت فاطمة): رواه عنهم أيضا إلى قوله: اليوم، البخارى، قال الخطابى، زعم من لا يعد فى أهل العلم أن المراد بنفى الكرب، أن كربه كان شفقته على أمته بموته. والواقع أنها باقية إلى يوم القيامة، لأنه مبعوث إلى من جاء بعده، وأعمالهم معروضة عليه، وإنما الكلام على ظاهره، وأن المراد بالكرب ما كان يجده صلى الله عليه وسلم من شدة الموت، لأنه كان فيما يصيب جسده من الألم، كالبشر ليتضاعف له الأجر، انتهى. (بعد اليوم): أى للانتقال إلى العالم الأخروى والتلذذ بما أعد الله فيه، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (إنه قد حضر. .) إلخ: رواه أيضا ابن ماجه، وقوله (إنه): تأكيد وتقرير لما فى ذهن فاطمة رضى الله عنها، لأن ذلك الأمر عام لكل أحد، وقوله: (من أبيك): أى من أمره كما قيل: والأحسن، من جسمه منه، أى الوصول إليه ما أى شىء عظيم ليس الله بتارك منه أى: الوصول إليه أحد، وذلك الأمر العظيم. هو الموافاة يوم القيامة، أى: لحضور ذلك اليوم المستلزم للموت. وهذا التقدير الذى (¬1) من جعله اليوم منصوبا بنزع الخافض أى: إلى، وأوضح من تقدير ذكره بعضهم متبجحا بأنه من المهمات، مع أنه لا يفهم منه معنى يستفاد كما يعلم بتأمله. وفى نسخة: «الوفاة يوم القيامة»: أى الموت قيامته لأنه من مات قامت قيامته. ¬

380 - إسناده حسن وهو صحيح: فيه عبد الله بن الزبير الباهلى، مقبول، أى: عند المتابعة. وقد تابعه المبارك بن فضالة عند أحمد فى المسند (3/ 141) وصرح بالتحديث. والحديث رواه ابن ماجه فى الجنائز (1629)، من طريق عبد الله بن الزبير أبو الزبير به فذكره، ورواه البخارى فى المغازى (4462)، من طريق حماد بن سلمة عن ثابت به فذكره بنحوه. (¬1) فى (ش): [أولى].

381 - حدثنا أبو الخطاب: زياد بن يحيى البصرى، ونصر بن على، قالا: حدثنا عبد ربه بن بارق الحنفى، قال: سمعت جدى أبا أمى: سماك بن الوليد، يحدث، أنه سمع ابن عباس يحدث: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «من كان له فرطان من أمتى أدخله الله تعالى بهما الجنّة. فقالت له عائشة: فمن كان له فرط من أمتك؟ قال: ومن كان له فرط يا موفّقة. قالت: فمن لم يكن له فرط من أمتك؟ قال: فأنا فرط لأمتى، لن يصابوا بمثلى». ـــــــــــــــــــــــــــــ 381 - (فرطان): تثنية فرط بالتحريك، وهو السابق المهيئ للمنزل فهو بمعنى فاعل كتبع بمعنى تابع، شبه سبق الطفل أبويه فى الجنة لهما فيها منزلا ونزلا بفرط قافلة يتقدمهم ليهيئ لهم الماء وما يحتاجون إليه. وروى مسلم: «إذا أراد الله بأمة خيرا قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حى فأهلكها وهو ينظر، فأقر الله عينه بهلكها حين كذبوه وعصوا أمره» (يا موفقة): أى فى الخير ووقوع السؤال موقعه، أو المعنى: وفقك الله لما يحصل بسبب السؤال عنه، تفضل الله سبحانه على عباده بحصول الفرط بولد واحد ولمن لا ولد له بى ونعم الفرط أنا، (لن يصابوا بمثلى) جملة استئنافية كالتعليل لقوله. (فأنا فرط لأمتى): أى فمصيبة وفاتى أشد عليهم من مصائب حياتهم، ومن ثم أنشدت فاطمة رضى الله عنها: ماذا على من شمّ تربة أحمد … أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا صبت علىّ مصائب لو أنها … صبت على الأيام عدنّ لياليا ¬

381 - إسناده ضعيف: فيه عبد ربه بن بارق الحنفى: صدوق يخطئ. ورواه الترمذى فى الجنائز (1062) بسنده ومتنه سواء، وأحمد فى المسند (1/ 334)، والخطيب فى التاريخ (12/ 208)، كلاهما من طريق عبد ربه به فذكره. وقال أبو عيسى: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد ربه وقد روى عنه غير واحد من الأئمة. وصححه الشيخ أحمد شاكر (3098)، معتمدا على توثيق ابن حبان قلت: ولا يخفى تساهل ابن حبان. ولذلك قال الحافظ فى الفتح (3/ 143): وليس فى شىء من هذه الطرق ما يصلح للاحتجاج.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى سنن ابن ماجه «أنه صلى الله عليه وسلم قال فى مرض موته: أيها الناس، إن أحدا من الناس أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته فىّ عن المصيبة التى تصيبه (¬1) بعدى، فإن أحدا من أمتى لن يصاب بمصيبة بعدى، أشد عليه من مصيبتى». وقال ابن الجوزى: كان الرجل من أهل المدينة إذا أصابته مصيبة، جاء أخوه فصافحه، ويقول: يا عبد الله اتق الله فإن فى رسول الله أسوة حسنة. ... ¬

(¬1) فى (ش): [أصابته].

55 - باب: ما جاء فى ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم

55 - باب: ما جاء فى ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم 382 - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا حسين بن محمد، حدثنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن عمرو بن الحارث، أخى جويرية، له صحبة، قال: «ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سلاحه، وبغلته، وأرضا جعلها صدقة». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم) مصدر بمعنى الموروث أى: المخلف من المال، أى: ما جاء فى بيان أنه لا يملك، هذا معنى العنوان كما تدل عليه أحاديث الباب، وبهذا يندفع زعم أنه لا بد فى صحة العنوان من تقدير مضاف أى: ما جاء فى نفى ميراث، وشذ من قال: المراد الموروث هنا العلم أو المال وكأنه غفل عن أن العلم يورث، وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ (¬1)، يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ (¬2)، والمال لا يورث، ويلزمه فى نحو حديث: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» أى: فى العلم والمال، وهو خلاف القرآن والإجماع. 382 - (جويرية): هى أم المؤمنين، (إلا): الظاهر أن الحصر إضافى لأنه ترك ثياب بدنه، وأمتعة بيته أيضا. ولعل حكمة سكوت الراوى عن هذه كونها حقيرة بالنسبة للمذكورات، فلم يعتد بها، لكن ذكر بعض أهل السير: «أنه صلى الله عليه وسلم خلف إبلا كثيرة، وأنه كان له عشرون ناقة يرعونها حول المدينة، ويأتون بألبانها إليه كل ليلة، وكان له سبع معز يشربون لبنها كل ليلة» (سلاحه): أى الذى كان يختص بلبسه من نحو رمح وسيف ودرع ومغفر وحربة (وبغلته): أى البيضاء التى كان يختص بركوبها وهى دلدل. (وأرضا): لم يضفها إليه كالأولين، لاختصاصهما به دونها، ونفعها كان عاما له ولعياله، وفقراء المسلمين. (جعلها): قيل الضمير للجميع، لئلا يلزم كون السلاح أو ¬

382 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الوصايا (2739)، وفى الجهاد (2873)، (2912)، وفى الخمس (3098)، وفى المغازى (4461)، وكذلك النسائى فى الأحباس (6/ 229)، وفى سننه الكبرى (6422)، وأحمد فى المسند (4/ 279)، كلهم من طريق أبى إسحاق به فذكره. (¬1) سورة مريم: آية رقم (6). (¬2) ذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (2/ 154).

383 - حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو الوليد، حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة، قال: «جاءت فاطمة إلى أبى بكر رضى الله عنهما. فقالت: من يرثك؟ فقال، أهلى، وولدى. فقالت: ما لى لا أرث أبى؟ فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث. ولكنّى أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله، وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق عليه». ـــــــــــــــــــــــــــــ البغلة ميراثا انتهى. وفيه نظر لأن قوله صلى الله عليه وسلم: «لا نورث ما تركناه صدقة» صريح فى أنها خلفة تصير صدقة بنفس الموت، وإن لم يتصدق به، فلا يلزم ما ذكر من كون ذلك ميراثا. وعلم من قوله: بنفس الموت. أن معنى قوله: (جعلها صدقة): أنه بين فى حياته أن حكمها كذلك، فإن قلت: إذا كان الضمير للأرض، وحملنا الجعل على حقيقته، فلم خص ذلك بها؟ قلت: لأنها دائمة تبقى إلى يوم القيامة فيدوم ثواب الصدقة بدوامها، بخلاف الآخرين (لا نورث) بسكون الواو وفتح الراء وحكى فتح الواو وكسر الراء، أى: لا يترك ميراثا لأحد، قيل: هذا خطأ رواية لا دراية وبه زعم بعضهم أن الأظهر فى معنى: «لا نورث» قيل: لبقائه على ملكه، وعليه صاحب التلخيص من أئمتنا، وقيل: لمصيره صدقة. وحكى الرويانى وجهين فى أنه يصير وقفا على ورثته وأنه إذا صار وقفا هل هو الواقف. والصواب كما فى زوائد الروضة: الجزم بزوال ملكه، وإنما تركه صدقة على المسلمين لا يختص به الورثة، وتناقض كلام الرافعى فى الخمس الذى كان له صلى الله عليه وسلم ينفق منه على نفسه وعياله فقال فى قسم الفئ: لم يكن يملكه ولا ينتقل لورثته وقال فى المضايق (¬1): يملكه، وهو الأصح، والأول مؤول أو ضعيف. 383 - (ما لى لا أرث أبى): إنما قالته لأنها سمعت عن أبى بكر أنه. (لا يورث): فجاءته تستدل عليه، بأنها ترثه قياسا على غيره، إذ الأصل عدم الخصوصية، وعذرها ¬

383 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى السير (1608)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أحمد فى المسند (1/ 10) منقطعا عن أبى سلمة، ووصله فى (1/ 13)، عن أبى هريرة فذكره مختصرا. (¬1) فى (ش): [الخصائص].

384 - حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن كثير العنبرى، أبو غسان، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبى البخترى: «أنّ العبّاس وعليا جاءا إلى عمر يختصمان، يقول كلّ واحد منهما لصاحبه، ـــــــــــــــــــــــــــــ واضح، فإنه لم يبلغها الحديث الذى ذكره لها أبو بكر، وبفرض أنه لو بلغها، فلعلها تأولت ما تأوله بعض الشافعية، أن الورثة يختصون به وقفا. (لا نورث): أصله لا يورث منا بناء على أنه لا يتعدى إلى المفعول الثانى بنفسه. حذف الجار فاستتر الضمير فى الفعل، وأسند للمتكلم، وجعله بعض اللغويين متعديا إليه بنفسه، وعليه فلا حذف ولا تحويل على الإسناد للغائب إلى المتكلم. والحكمة فى أنهم لا يورثون، أنهم لو ورثوا لربما توهم منهم الرغبة فى الدنيا وجمعها لورثتهم، فيهلك الظّان، وتنفر الناس عنهم، ويقتدون بهم فى جمع الدنيا، أو خشية أن يتمنى بعض ورثتهم موتهم فيهلك. وقيل: لأنهم لا ملك لهم، وهذا ما قاله بعض الشافعية كما علم مما مر ضعيف جدا، ومر أن المراد ب‍ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ويَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ إرث النبوة، وعلم الدين، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر». وأما ما حكى فى تفسيره عن ابن عباس، يرثنى وأخرين: أن المراد يرث مالى، فهو بناء على أن لا نورث، خاص بنبينا صلى الله عليه وسلم، والجمهور على خلافه لقوله: نحن معاشر الأنبياء كما يأتى. (أعول) من عال بمعنى أنفق، وفيه رد على من قال: الأفصح: أعال، لأن أعال معناه كثرت عياله، ومنه قوله تعالى: أَلاّ تَعُولُوا: أى تكثر عيالكم انتهى. ولا مانع أن عال مشترك، وهو بمعنى أنفق، إن أريد بالإنفاق. وما يشمل الكسوة ونحوها، وإلا لكان أعول أعم، وعلى كل فإنما جمع بينهما تأكيدا. (من كان. . .) إلخ: قيل: أراد دخول فاطمة فى ذلك، لأنها أفضل أولاده صلى الله عليه وسلم، وأحبهن إليه انتهى. وفيه نظر واضح، لأن المراد هنا ليس على الأفضلية، بل على أنه ينفق على من كان صلى الله عليه وسلم ينفقه، ومن المعلوم، أن نفقة فاطمة رضى الله عنها، إنما كانت على علىّ رضى الله عنه لا عليه صلى الله عليه وسلم. 384 - (البحترى): بالحاء المهملة منسوب إلى البحتر وهو حسن المشى. (أنت كذا ¬

384 - إسناده صحيح: رواه أبو داود فى الخراج (2975)، من طريق شعبة به فذكره.

أنت كذا، أنت كذا. فقال عمر لطلحة، والزّبير، وعبد الرّحمن بن عوف، وسعد: نشدتكم بالله، أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلّ ما لنبى صدقة، إلا ما أطعمه، إنّا لا نورث، وفى الحديث قصة». 385 - حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا صفوان بن عيسى، عن أسامة بن زيد، عن الزهرى، عن عروة، عن عائشة: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورّث، ما تركنا فهو صدقة». ـــــــــــــــــــــــــــــ أنت كذا): لم يقع من أحدهما سب الآخر، وإنما المراد: أنت لا تستحق الولاية على هذه الصدقة ونحو ذلك، مما يذكر المخاصم لمخاصمه، فى رد حجته، من غير شتم ولا سب، فقول شارح: هذا كناية عما وقع بينهما من السب والشتم، ليس فى محله. (نشدتكم بالله): أى سألتكم وأقسمت عليكم به، ويجوز تعديته للثانى متضمنة معنى: ذكرتكم كل مال نبى، كل هذا إنما يفيد العموم فى إفراد مال النبى الواحد لا فى إفراد الأنبياء، لكن الرواية الأخرى الصحيحة: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» تبين أن المراد العموم فى المضاف والمضاف إليه (إلا ما أطعمه الله): وفى أخرى: «أطعمه» بضم الهمزة أى: أنا لكونى المتصرف فى أموال المسلمين، وضمير أطعمة عائد للنبى صلى الله عليه وسلم أو لله أى: إلا ما نص على أنه يأكل منه كعامله وزوجاته. (قصة): وسيأتى محلها. 385 - (ما): موصولة. (تركنا): صلة، والعائد محذوف، أى: تركناه. (فهو صدقة): خبر ما، وهو جواب عن سؤال مقدر، كأنه قيل: إذا لم تورثوا فما يفعل بما خلفتموه؟ فأجاب بقوله فهو صدقة، وهذه الرواية تبين أن صدقة فى رواية: «ما تركنا صدقة» مرفوعة خبر ما أيضا. وأن قول الشيعة، أن ما نافية، وصدقة مفعول تركنا بهتان وزور. نعم على أنها موصولة. قيل: روى بالنصب بناء على أنها مفعولة، والخبر محذوف أى: الذى تركناه مبذول صدقة. ¬

385 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الفرائض (6727)، ومسلم فى الجهاد والسير (1758)، وأبو داود فى الإمارة، (2976)، (2977)، والنسائى فى الكبرى (6311)، وأحمد فى المسند (6/ 145، 262)، كلهم من طرق عن الزهرى به فذكره. قلت: وفى الباب: عن عمر بن الخطاب، وأبى بكر الصديق وعائشة رضى الله عنهم فى الصحيحين وغيرهما.

386 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا سفيان، عن أبى الزناد، عن الأعرج، عن أبى هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقسم ورثتى دينارا ولا درهما، ما تركت بعد نفقة نسائى، ومؤونة عاملى، فهو صدقة». ـــــــــــــــــــــــــــــ 386 - (لا تقسّم): رواية مسلم: «لا يقسم» وهو نفى لا نهى، لأن المنهى عنه شرطه الإمكان ووارث النبى صلى الله عليه وسلم غير ممكن فيتمحض هذا للإخبار بأنهم لا يقتسمون شيئا لأنه لا يورث، ورثنى: أى من يصلح لوراثتى لو أمكنت. (دينارا ولا درهما): نكتة التقييد بهما، التنبيه على أن ما فوقهما أولى بذلك، وهذا عام فى الأنبياء كما تقرر، وخالف الحسن البصرى، فقال: يختص بنبينا لقوله تعالى: يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وهى وراثة مال، لا نبوة، وإلا لم يقل: وَإِنِّي خِفْتُ اَلْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي إذ لا يخافهم على النبوة. وصوب الجمهور خلاف قوله لخبر النسائى: «إنا معاشر الأنبياء لا نورث» والمراد وراثة النبوة كما تقدم، دون حقيقة الإرث، بل قيامه مقامه، وحلوله مكانه، وعليه فإنما خاف من استيلاء الموالى على مرتبته الظاهرة بالقهر والتغلب، نقله النسائى. قال ابن عيينة: كن فى معنى المعتدات لحرمة النكاح عليهن أبدا، فجرت لهن النفقة. وقيل: لا عدة لهن، لأنه صلى الله عليه وسلم حى فى قبره وكذلك الأنبياء، ويؤيده ما مر عن صاحب التلخيص. وقد نقل إمام الحرمين عنه: أما خلافة ما بقى على ما كان فى حياته فكان ينفق منه أبو بكر على أهله وخدمه، وكان يرى أنه باق على ملكه، فإن الأنبياء أحياء، وقصته أن حياتهم زائدة على حياة الشهداء، فإنها قد تعطى بعض أحكام الدنيا. وقد صح أن الأنبياء يحجون ويلبون، فأعمالهم ليست بتكليفية، بل يتلذذون بها، ومن ذلك سجوده صلى الله عليه وسلم وقت الشفاعة، ولا ينافى ذلك إطلاق الكتاب والسنة والإجماع الموت عليه صلى الله عليه وسلم. قال السبكى: لأنه أحيى بعده، وعليه فانتقال الملك مشروط بموت مستمر، وقد ثبت أن أجسام الأنبياء لا تبلى، وأن الروح تعود للجسد فى سائر الموتى، وإنما النظر فى استمرارها فى البدن وفى الأجساد هل يصير حيا كهو فى الدنيا أو حيا بدون روح، وهى ¬

386 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الوصايا (2776)، ومسلم فى الجهاد (3/ 1382) رقم (1760)، وأبو داود فى الإمارة (2974)، ومالك فى الموطأ (2/ 758)، وأحمد فى المسند (2/ 242،376)، كلهم من طرق عن الزهرى به فذكره.

387 - حدثنا الحسن بن على الخلال، حدثنا بشر بن معمر، قال: سمعت مالك بن أنس، عن الزهرى، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: «دخلت على عمر، فدخل عليه عبد الرّحمن بن عوف، وطلحة، وسعد، وجاء علىّ والعبّاس يختصمان، فقال لهم عمر: أنشدكم بالذى بإذنه تقوم السّموات والأرض. أتعلمون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورّث، ما تركنا صدقة، فقالوا: اللهمّ نعم»، وفى الحديث قصة طويلة. ـــــــــــــــــــــــــــــ حيث شاء الله، فإن ملازمة الحياة لها أمر عادى، فالعقل يجوز خلاف ذلك، فإن صح به سمع اتبع، وقد ذكره جماعة من العلماء، ويشهد له صلاة موسى فى قبره، فإن الصلاة تستدعى جسدا حيا، وكذلك صفات الأنبياء المذكورة ليلة الإسراء، كلها صفات للأجساد، ولا امتناع من أنها حياة حقيقية، وإن لم يحتج إلى نحو طعام، وأما نحو العلم والسماع فثابت لهم، بل لسائر الموتى بلا شك. (ومؤنة عاملى): هو الخليفة بعده، وقيل: هو القائم على الصدقات، والناظر فيها، وقيل: كل عامل للمسلمين، إذ هو عامل له صلى الله عليه وسلم، وهو نائب عنه فى أمته، وكان صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله من صفاياه، كأموال بنى النضير وفدك، والباقى يصرفه للمسلمين، ثم وليها أبو بكر رضى الله عنه، ثم عمر رضى الله عنه، فإنها كذلك، فلما آلت لعثمان أقطعها لاستغنائه عنها أقاربه، فلم تزل فى أيديهم، حتى ردها عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه. 387 - (أنشدكم): أسألكم وأقسم عليكم، من النشد وهو رفع الصوت. (بإذنه): بإرادته وقدرته. (وفى الحديث قصة طويلة): بسطها مسلم فى صحيحه فى أبواب التى لا تحتملها هذه العجالة. وقد استوفينا الكلام على ما وقع لفاطمة رضى الله عنها مع أبى ¬

387 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى السير (1610)، بسنده ومتنه سواء ورواه البخارى فى الجهاد (2904)، وفى المغازى (4033)، مطولا، ورواه مسلم فى الجهاد (1757)، وأبو داود فى الإمارة (2963)، وأحمد فى المسند (1/ 25،48،162،164،179،191،333،425)، والنسائى فى الكبرى (6307)، (6308)، (6309)، (6310)، كلهم من طرق الزهرى به فذكره تاما ومختصرا، ورواه النسائى فى الفىء (7/ 136)، وفى الكبرى (4450)، من طريق عكرمة بن خالد، عن مالك بن أوس به فذكره.

388 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا سفيان عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عائشة، قالت: «ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما، ولا شاة ولا بعيرا». قال: وأشكّ فى العبد والأمة. ـــــــــــــــــــــــــــــ بكر، ولعلى والعباس مع عمر رضى الله عنهم فى كتابى الصواعق المحرقة، فاطلبه فإنك تنجو به عن ضلالات وقع فيها المبتدعة، وعمايات خذل بها من أضله الله ووضعه. 388 - (قال): أى زر بن حبيش. ... ¬

388 - إسناده حسن: من أجل عاصم بن بهدلة القارئ، وهو حسن الحديث. ورواه ابن حبان فى صحيحه (6606)، والبيهقى فى دلائل النبوة (7/ 274)، كلاهما من طرق عن عاصم به فذكره والحديث رواه أيضا مسلم فى الوصية (1635)، وأبو داود فى الوصايا (3863)، والنسائى (6/ 240)، وابن ماجه (2695)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 260)، والبغوى فى شرح السنة (3836)، (3837)، وابن حبان (6369)، والبيهقى فى الدلائل (7/ 273)، وفى السنن (6/ 266)، كلهم من طرق عن الأعمش عن أبى وائل شقيق بن سلمة، عن عائشة به فذكره نحوه.

56 - باب: ما جاء فى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم

56 - باب: ما جاء فى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم 389 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا سفيان، عن أبى إسحاق، عن أبى الأحوص، عن عبد الله، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من رآنى فى المنام فقد رآنى، فإنّ الشّيطان لا يتمّثل بى». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما جاء فى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم) سيأتى فى أول مبحث الإسراء الخلاف فى أن الرؤيا والرؤية متحدان أو مختلفان. 389 - (فقد رآنى): رواية مسلم «فسيرانى فى اليقظة، أو فكأنما رآنى فى اليقظة». وروى جماعة وصححه المصنف «فقد رآنى فى اليقظة» بدل قوله: «فسيرانى». وعند مسلم «فقد رأى الحق»: وسيذكره المصنف. (أن من رآنى نوما): بأى صفة كنت. (فليبشر وليعلم أنه رآنى الحق): أى رؤية الحق لا الباطل، وكذا قوله: (فقد رآنى) لأن اتحاد الشرط والجزاء، أدل على الغاية فى الكمال، أى فقد رآنى رؤيا ليس بعدها شىء فهو على التشبيه والتمثيل لقوله: «فكأنما رآنى فى اليقظة». قال ابن بطال: وقوله: «فسيرانى فى اليقظة» يريد تصديق تلك الرؤيا فى اليقظة وصحتها وخروجها على الحق، لأنه يراه فى الآخرة، لأن كل أمته كذلك. وقال المازرى: إن كان المحفوظ «فكأنما رآنى فى اليقظة» فمعناها ظاهر أو فسيرانى فى اليقظة احتمل أن معناه أنه أوحى إليه. بأن من رآه من أهل عصره نوما ولم يهاجر إليه، كان ذلك على أنه سيهاجر وينظره. وقال عياض: يحتمل أن رؤياه نوما بصفته المعروفة. موجبة لتكرمة الرائى برؤية خاصة فى الآخرة، إما بقرب أو شفاعة أو بعلو درجة ونحو ذلك، قال: ولا يبعد أن يعاقب بعض المذنبين بالحجب عنه صلى الله عليه وسلم فى القيامة مدة. وقيل: معناه فسيرانى فى المرات التى كانت له، إن أمكنه كذلك، كما حكى عن ابن عباس أنه لما رآه نوما دخل على بعض أمهات ¬

389 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الرؤيا (2276) بسنده ومتنه سواء. ورواه ابن ماجه فى الرؤيا (3900)، والدارمى فى الرؤيا (2/ 124)، وأحمد فى مسنده (1/ 400،440،450)، وابن أبى شيبة فى المصنف (11/ 55)، وفى المسند (266)، كلهم من طرق عن سفيان عن أبى إسحاق به فذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤمنين، فأخرجت له مرآته صلى الله عليه وسلم فرأى صورته، ولم ير صورة نفسه. قال بعض الحفاظ: وهذا من أبعد المحامل. وقال الغزالى: ليس المراد بقوله: «فقد رآنى» رؤية الجسم، بل رؤية المثال الذى صار إليه، فيتأدى بها المعنى الذى فى نفسى إليه، وكذا قوله: «فسيرانى»: أى فى اليقظة. قيل: [ليس] (¬1) المراد: أنه يرى جسمى وبدنى، قال: والآلة إما حقيقية أو خيالية، والنفس غير المثال المتخيل، والشكل المرئى ليس روحه صلى الله عليه وسلم ولا شخصه، بل مثاله على التحقيق، وكذا رؤيته تعالى نوما. قال: فإن ذاته تعالى منزهة عن الشكل والصورة، ولكن ينتهى تعريفه تعالى إلى العبد بواسطة مثال محسوس، من نور أو غيره، وهو آلة حقا فى كونه واسطة فى التعريف، فيقول الرائى: رأيت الله نوما، لا يعنى، أنى رأيت ذاته تعالى، كما يقول فى حق غيره. وقال السيوطى أيضا: من رآه صلى الله عليه وسلم نوما، لم يرد رؤية حقيقة شخصه المودع روضة المدينة بل مثال، وهو مثال روحه المقدسة عن الصورة والشكل (فإن الشيطان لا يتمثل بى): فى رواية مسلم «إنه لا ينبغى للشيطان أن يتمثل فى صورتى» وفى رواية للبخارى: «فإن الشيطان لا يتكوننى، أو لا يتكون كونى» فحذف المضاف ووصل المضاف إليه بالفعل، وفى أخرى: «لا يتراءى بى» بالراء بوزن لا يتراءى، أى: لا يستطيع أن يتمثل بى لما أنه تعالى وإن أمكنه فى التصور فى أى صورة أراد، لم يمكنه من التصور بصورته صلى الله عليه وسلم. قال جماعة: ومثال هذا أن رؤيا صلى الله عليه وسلم فى صورته التى كان عليها. وبالغ بعضهم فقال: فى صورته التى قبض عليها حتى عدد شيبه الشريف، ومن هؤلاء ابن سيرين فإن صح عنه أنه كان إذا قصت عليه رؤياه قال للرائى: صف الذى رأيته، فإن وصف له صفة لم يعرفها، قال: لم تره، ويؤيد هؤلاء حديث المصنف لأبى عاصم بن كليب ولفظه عند الحاكم بسند جيد. «قلت: لابن عباس رأيت النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام، فقال: صفه لى، قال: فذكرت الحسين بن على فشبهته به، فقال: قد رأيته». ولا يعارضه خبر «من رآنى فى المنام فقد رآنى فإنى أرى فى كل صورة» لأنه ضعيف. وقال آخرون: لا يشترط ذلك، منهم ابن العربى حيث قال ما حاصله: رؤيته بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة وبغير ما أدرك للمثال، فإن الصواب أن الأنبياء عليهم السلام لا تغيرهم الأرض، فإدراك الذات الحقيقية، وإدراك الصفات إدراك للمثال، وشذ من قال من القدرية، لا حقيقة ¬

(¬1) الزيادة من: (ش).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للرؤيا أصلا، ومعنى قوله: «فسيرانى»: فسيرى تفسير ما رآه لأنه حق وغيب، وقوله: «فكأنما رآنى» أنه لو رآنى يقظة لطابق ما رآه نوما فيكون الأول حقيقة، والثانى حقا وتمثيلا، هذا كله إن رآه بصفته المعروفة، وإلا فهى مثال، كأن رآه مقبلا عليه مثلا، فهو خير للرائى وعكسه بعكسه. ومنهم القاضى عياض حيث قال: قوله «فقد رآنى أو فقد رأى الحق» يحتمل أن المراد به أن من رآه بصورته المعروفة فى حياته، إن كانت رؤياه حقا ومن رآه بغير صورته كانت رؤيا تأويل. وتبعهم النووى فقال متعقبا كلام القاضى: هذا ضعيف، بل الصحيح، أنه يراه حقيقة سواء كانت على صفته المعروفة أو غيرها. وأجاب عنه بعض الحفاظ، بأن كلام القاضى لا ينافى ذلك، بل ظاهر كلامه، أنه يراه حقيقة فى الحالين، لكن فى الأولى لا تحتاج تلك الرؤيا إلى تعبير، وفى الثانى تحتاج إليه. ومنهم الباقلانى وغيره فإنهم ألزموا الأولين، أن من رآه بغير صفته تكون رؤيته أضغاثا، وهو باطل، إذ من المعلوم، أنه يرى نوما على حالته اللائقة به مخالفة لحالته فى الدنيا، ولو تمكن الشيطان من التمثل بشىء فيما كان عليه أو ينسب إليه، لعارض عموم قوله: «فإن الشيطان لا يتمثل بى» فالأولى تنزيه رؤياه، ورؤيا شىء مما ينسب إليه عن ذلك، فإنه أبلغ فى الحرمة، وأليق بالعصمة، كما عصم من الشيطان فى يقظته. فالصحيح: أن رؤيته فى كل حال ليست باطلة ولا أضغاثا، بل هى حق فى نفسها، وإن رأى بغير صفته، إذ تصور تلك الصورة من قبل الله تعالى انتهى. فعلم أن الصحيح، بل الصواب كما قال بعضهم: أن رؤياه حق على أى حالة فرضت، ثم إن كان بصورته الحقيقية فى وقت كان سواء كان فى شبابه أو رجوليته أو كهوليته أو أواخر عمره لم يحتج لتأويل، وإلا احتيجت لتعبير يتعلق بالرائى، ومن ثم قال بعض علماء التعبير: من رآه شيخا فهو عام سلم، ومن رآه شابا فهو عام حرب، ومن رآه متبسما فهو متمسك بسنته. وقال بعضهم: من رآه على حاله وهيئته، كان دليلا على صلاح الرائى وكمال جاهه وظفره بمن عاداه، ومن رآه متغير الحال عابسا مثلا كان دليلا على سوء حال الرائى. وقال ابن أبى جمرة: رؤياه فى صورة حسنة حسن فى دين الرائى ومع شين أو نقص فى بعض بدنه خلل فى دين الرائى، لأنه كالمرآة الصقيلة ينطبع فيها ما قابلها، وإن كانت ذاتها على أحسن حال وأكمله، وهذه هى الفائدة الكبرى فى رؤيته، إذ بها يعرف حال الرائى. وقال غيره: أحوال الرائين بالنسبة إليه مختلفة، إذ هى رؤيا بصيرة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعين، ورؤيا البصيرة، لا تستدعى حصر المرئى، بل يرى شرقا وغربا، وأرضا وسماء، كما ترى الصورة فى مرآة قابلتها، وليس جرمها مستقبلا لجرمه، فاختلاف رؤيته، كأن يراه إنسان شيخا، أو آخر شابا فى حالة واحدة، كاختلاف الصورة الواحدة فى مرآة مختلفة الأشكال والمقادير، فيكبر ويصغر ويعوج ويطول فى الكبيرة والصغيرة والمعوجة والطويلة، وبهذا علم جواز رؤية جماعة له فى آن واحد من أقطار متباعدة وأوصاف مختلفة. وقد أجاب عن هذا أيضا البدر الزركشى، بأنه صلى الله عليه وسلم سراج ونور الشمس فى هذا العالم، مثال نور فى العوالم كلها، فكما أن الشمس يراها كل من فى الشرق والغرب فى ساعة واحدة، وبصفات مختلفة، كذلك هو صلى الله عليه وسلم. ومن الغلو والحماقة كما قاله ابن العربى فى قول بعضهم: أن الرؤيا فى النوم بعين الرأس. وعن بعض المتكلمين: أنها مدركة بعينين فى القلب وأنه ضرب من المجاز. تنبيه: حكى ابن أبى جمرة والمازرى واليافعى وغيرهم عن جماعات من الصالحين، أنهم رأوا النبى صلى الله عليه وسلم يقظة. وذكر ابن أبى جمرة عن جمع: أنهم حملوا ذلك رواية: «فسيرانى فى اليقظة» وأنهم رأوه نوما فراؤه بعد ذلك يقظة، وسألوه عن تشويشهم من أشياء فأخبرهم بوجوه تفريجها فكان كذلك بلا زيادة ولا نقص. قال: ومنكر ذلك إن كان ممكن يكذب بكرامات الأولياء، فلا بحث معه، لأنه يكذب بما أثبتته السنة، وإلا فهذه منها إذ يكشف لهم بخرق العادة عن أشياء فى العالم العلوى والسفلى. وحكيت رؤيته صلى الله عليه وسلم كذلك عن أمثال الإمام عبد القادر الجيلانى كما فى عوارف المعارف، والإمام أبى الحسن الشاذلى كما حكاه عنه التاج بن عطاء الله، وكصاحبه الإمام أبى العباس المرسى، والإمام على الوفائى، والقطب القسطلانى، والسيد نور الدين الإيجى، وجرى على ذلك الغزالى فقال فى كتابه المنقذ من الضلال: وهم يعنى: أرباب القلوب، فى يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء، ويسمعون منهم أصواتا، ويقتبسون منهم فوائد انتهى. وأنكر ذلك جماعة منهم الأهذل اليمنى حيث قال: القول بذلك يدرك فساده بأوائل العقول، لاستلزامه خروجه من قبره، ومشيه فى الأسواق، ومخاطبتة للناس ومخاطبتهم له، وخلو قبره عن جسده المقدس، فلا يبقى منه شىء حيث يزار مجرد القبر ويسلم على غائب أشار لذلك القرطبى فى الرد على القائل، بأن الرائى له فى المنام حقيقة، ثم يراه كذلك فى اليقظة، قال: وهذه جهالات لا يقول بشىء منها من له أدنى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مسكة فى العقول، وملتزم شىء من ذلك مخبل مخبول انتهى. وهذه الإلزامات كلها ليس شىء منها يلازم لذلك، ودعوى استلزامه لذلك عين الجهل والعناد، وبيانه: أن رؤيته صلى الله عليه وسلم لا تستلزم خروجه من قبره، لأن من كرامات الأولياء كما مر، أن الله يخرق لهم الحجب فلا مانع عقلا ولا شرعا، ولا عادة أن الولى، وهو بأقصى المشرق أو المغرب يكرمه الله بأن لا يجعل بينه وبين الذات الشريفة، وهى فى محلها من القبر الشريف، ساترا ولا حجابا بأن يجعل تلك الحجب كالزجاج الذى يحكى ما وراءه. وح فيمكن بأن الولى يقع نظره عليه صلى الله عليه وسلم، ونحن نعلم أنه حى فى قبره يصلى، وإذا أكرم إنسان بوقوع بصره عليه، فلا مانع من أن يكرم بمحادثته ومكالمته وسؤاله عن أشياء، وأنه يجيبه عنها، وهذا كله غير مناف شرعا ولا عقلا، وإذا كانت المقدمات والنتيجة غير منكرين عقلا ولا شرعا، فإنكار أحدها أو إنكار أحدهما غير ملتفت إليه، ولا معول عليه، وبهذا يعلم أن ما ذكره من إشارة القرطبى غير لازم أيضا. كيف وقد مرّ القول بأن الرؤيا فى النوم، رؤيا بالحقيقة عن جماعة من الأئمة، ومنهم أيضا صاحب فتح البارى، فقال بعد ما مرّ عن ابن أبى جمرة، وهذا مشكل جدا، ولو حمل على ظاهره، لكان هؤلاء صحابة، ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة انتهى. ويرد: بأنا قررنا ما يعلم به أنه لا إشكال فى ذلك بوجه، ودعواه تلك الملازمة ليست فى محلها، كيف والشرط فى الصحابى أن يكون رآه فى حياته، حتى اختلفوا فيمن رآه بعد موته وقبل دفنه، هل يسمى صحابيا أو لا؟ على أنه هذا أمر خارق للعادة والأمور التى كذلك لا يغير لأجلها القواعد الكلية. ونوزع فى ذلك أيضا، بأنه لم يحك ذلك عن أحد من الصحابة ولا من بعدهم، ولأن فاطمة رضى الله عنها اشتد حزنها عليه صلى الله عليه وسلم حتى ماتت كمدا بعده بستة أشهر وبيتها مجاور لضريحه، ولم ينقل عنها رؤيته تلك المدة انتهى. ويرده أيضا بأن عدم نقله لا يدل على عدم وقوعه فلا حجة فى ذلك كما هو مقرر فى محله، وكذلك موت فاطمة رضى الله عنها كمدا لأنه قد يكرم به المفضول بما لم يكرم به الفاضل. وتأويل الأهذل وغيره ما وقع للأولياء من ذلك، إنما هو فى حال غيبته، فيظنونه يقظة، فيه إساءة ظن بهم حيث تشتبه عليهم رؤية المغيبة برؤية اليقظة، وهذا لا يظن بأدون العقلاء، فكيف بالأكابر؟ وعجيب قوله فى قول العارف أبى العباس المرسى: لو حجب عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسى من المسلمين هذا فيه تجوز،

390 - حدثنا محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، قالا: حدثنا محمد بن ـــــــــــــــــــــــــــــ أى: لم يحجب عنى حجاب غفلة، ولم يرد أنه لم يحجب عن الروح المشخصة طرفة عين، فذلك مستحيل انتهى. فيقال لرد دعواك الاستحالة إن عنيت بها الاستحالة العقلية فباطل، أو الشرعية فمن أى دليل أو قاعدة أخذت ذلك، كلا لا استحالة فى ذلك بوجه كما قدمناه (¬1). ¬

(¬1) قال الحافظ: إن ابن أبى جمرة نقل عن جماعة من الصالحين أنهم رأوا النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام، ثم رأوه بعد ذلك فى اليقظة، وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين، فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك. قلت-أى الحافظ-: وهذا مشكل جدا، ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة، ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة، ويعكر عليه أن جمعا جما رأوه فى المنام، ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه فى اليقظة، وخبر الصادق لا يتخلف، وقد اشتد إنكار القرطبى على من قال: من رآه فى المنام فقد رأى حقيقته، ثم يراها كذلك فى اليقظة كما تقدم قريبا، وقد تفطن ابن أبى جمرة لهذا الحال بما قال على كرامات الأولياء، فإن يكن كذلك تعين العدول عن العموم فى كل رآء، ثم ذكر أنه عام فى أهل التوفيق، وأما غيرهم فعلى الاحتمال، فإن خرق العادة قد يقع للزنديق بطرق الإملاء والإغواء، كما يقع للصديق بطريق الكرامة والإكرام، وإنما تحصل التفرقة بينهما باتباع الكتاب والسنة اه‍. انظر: فتح البارى (12/ 402). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فمن ظن أن المرئى هو الميت فإنما أتى من جهله، ولهذا لم يقع مثل هذا لأحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وبعض من رأى هذا-أو صدق من قال إنه رآه-اعتقد أن الشخص الواحد يكون بمكانين فى حالة واحدة مخالف صريح المعقول اه‍. انظر: التوسل والوسيلة (ص 53). قلت: إنه بالرغم من وقوع الخلافات والفتن المظلمة الشديدة بين صحابة النبى صلى الله عليه وسلم، كاختلاف أبى بكر مع فاطمة على الميراث، وكالفتنة التى وقعت بين معاوية وعلى رضى الله عنهما، وحرب أهل الردة، ومسألة جمع القرآن، وغيرها من الأمور الشديدة، لم يظهر لهم النبى صلى الله عليه وسلم، فكيف برب الكعبة يظهر لمن دونهم باتفاق، فإن قولهم شاذ، وهم من شواذ أهل العلم لما دخل على قلوبهم ومعتقداتهم من البدع، والضلالات التى لا أصل لها فى الكتاب ولا فى السنة، ومن العجب العجاب أن السيوطى له مؤلف فى ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. 390 - إسناده صحيح: رواه البخارى (42)، ومسلم (2266)، وأبو داود (5023)، وابن ماجه (3900)، وأحمد فى مسنده (2/ 261،425)، (5/ 306)، والبغوى فى شرح السنة (3288)، والبيهقى فى الدلائل (7/ 45)، وابن أبى شيبة فى المصنف (11/ 56)، كلهم من طرق عن أبى هريرة رضى الله عنه وبزيادة ألفاظ متقاربة.

جعفر، حدثنا شعبة، عن أبى حصين، عن أبى صالح عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رآنى فى المنام فقد رآنى، فإنّ الشيّطان لا يتصوّر-أو يتشبّه-بى». 391 - حدثنا قتيبة، حدثنا خلف بن خليفة، عن أبى مالك الأشجعى، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رآنى فى المنام فقد رآنى». قال أبو عيسى: (وأبو مالك هذا هو سعد بن طارق بن أشيم، وطارق بن أشيم هو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أحاديث). (وسمعت على بن حجر يقول: قال خلف بن خليفة: رأيت عمرو بن حريث صاحب النبى صلى الله عليه وسلم وأنا غلام صغير). 392 - حدثنا قتيبة-هو ابن سعيد-حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن عاصم بن ـــــــــــــــــــــــــــــ 391 - (أشيم): بهمزة مفتوحة فمعجمة ساكنة فتحتية مفتوحة. (قال أبو عيسى. . .) إلخ بين به الترمذى أنه من تابع التابعين. 392 - (قال) أى عاصم. (أبى): أى كليب. (قد رأيته): أى النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام. ¬

391 - إسناده ضعيف: خلف بن خليفة: صدوق اختلط بآخره. رواه أحمد فى المسند (6/ 394،472)، والخطيب فى تاريخ بغداد (10/ 35،454)، كلاهما من طريق خلف بن خليفة به فذكره نحوه. قلت: وفى كلام الترمذى تعقيب ونظر: فقد روى ابن عدى فى الكامل (3/ 63)، عن حماد قال: حدثنى عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سمعت أبى يقول: قال رجل لسفيان بن عيينة: يا أبا محمد عندنا رجل يقال له: خلف بن خليفة يزعم أنه رأى عمرو بن حريث فقال: لعله رأى جعفر بن عمرو بن حريث، وذكره المزى فى تهذيب الكمال (8/ 286، 287)، وزاد «كذب» وذكر أقوالا أخرى مماثلة تدل على عدم رؤيته لعمرو بن حريث. 392 - إسناده جيد، وهو صحيح بشواهده: رواه أحمد فى المسند (2/ 232،342)، والحاكم فى المستدرك (3/ 393)، كلاهما من طريق =

كليب، حدثنى أبى، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رآنى فى المنام فقد رآنى، فإنّ الشّيطان لا يتمثّلنى». قال كليب: «فحدّثت به ابن عبّاس، فقلت: قد رأيته، فذكرت الحسن بن على، فقلت: شبّهته به. فقال ابن عباس: إنّه كان يشبهه». 393 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا ابن أبى عدى، ومحمد بن جعفر، قالا: حدثنا عوف بن أبى جميلة، عن يزيد الفارسى-وكان يكتب المصاحف. قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام، زمن ابن عبّاس رضى الله عنهما. فقلت لابن عباس: إنّى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى النّوم. فقال ابن عبّاس: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إنّ الشّيطان لا يستطيع أن يتشبّه بى، فمن رآنى فى النّوم فقد رآنى. هل تستطيع أن تنعت هذا الرّجل الذى رأيته فى النوم؟ قال: نعم، أنعت لك رجلا بين الرّجلين، جسمه ولحمه، أسمر إلى البياض، أكحل العينين، حسن الضحك، جميل دوائر الوجه، قد ملأت لحيته ما بين هذه إلى هذه، قد ملأت نحره». ـــــــــــــــــــــــــــــ (إنه كان يشبهه): كذلك ورد فى أحاديث مشابهة الحسن وغيره له صلى الله عليه وسلم ومر الجواب عن ذلك. 393 - (وكان يكتب المصاحف): إشارة إلى بركة عمله وحلمه، فلذا رأى تلك الرؤية العظيمة. (بين الرجلين): أى ليس ببائن ولا قصير كما مر. (جسمه): مبتدأ مؤخر وبين الرجلين خبره، وهو فاعل الظرف. (ما بين هذه إلى هذه): إشارة لعرضها. (ملأت نحره): إشارة لطولها. (ما كان مع هذا النعت): أى لا أعلم الذى وجد من ¬

= عبد الواحد من زياد به فذكره. قال الحافظ فى الفتح (12/ 400): إسناده جيد، وعاصم بن كليب: صدوق رمى بالإرجاء (التقريب 3075)، وأبيه كليب بن شهاب: صدوق (التقريب 5660). 393 - إسناده ضعيف والحديث صحيح: يزيد الفارسى قال فيه الحافظ: مقبول. ورواه أحمد فى المسند (1/ 361،362)، من طريق محمد بن جعفر به فذكره. والحديث المرفوع يشهد له ما تقدم.

قال عوف: ولا أدرى ما كان مع هذا النّعت. فقال ابن عباس: «لو رأيته فى اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق هذا». 394 - حدثنا عبد الله بن أبى زياد، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعيد، قال: حدثنا ابن أخى ابن شهاب الزهرى، عن عمه الزهرى قال: قال أبو سلمة: قال أبو قتادة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رآنى-يعنى فى النّوم-فقد رأى الحقّ». ـــــــــــــــــــــــــــــ صفاته فى الخارج مع هذا النعت هل هو مطابق له أو لا. وهذا ظاهر لا غبار عليه، ولم يهتد إليه من أبدى فيه تردد أن لغيره كلها متكلفة بل أكثرها تهافت. (وهو أقدم) إلخ: أى فمن توهم اتحادهما لاتحاد اسمهما أو بلدهما فقد وهم. 394 - (أنا أكبر من قتادة): عرف من الذى روى هذا لكون قتادة يروى عن ابن عباس، أنه إذا كان راوى يزيد الذى هو عوف أكبر من راوى ابن عباس، لزم أن يزيد أدرك ابن عباس، فصح ما قدمه الترمذى، أن يزيد روى عن ابن عباس وأدركه، وإن لم يلزم رؤيته، إلا أنه يستأنس به لذلك. (فقد رأى الحق): أى الرؤيا الصحيحة كما مر. (والحق): مفعول به أى رأى الأمر الثابت الذى هو أنا بدليل رواية: «فقد رآنى رؤيا المؤمن الصالح» لرواية البخارى «الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» والمراد فإنه رؤيا الصالحين وإلا فقد يرى الصالح الأضغاث نادرا لقلة تسلط الشيطان عليه. ¬

394 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى التعبير (6996)، ومسلم فى الرؤيا (67)، وأحمد فى المسند (5/ 306)، والدارمى فى الرؤيا (2/ 124)، والبغوى فى شرح السنة (3287)، كلهم من طرق عن يعقوب ابن إبراهيم بن سعيد به فذكره.

395 - حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أنبأنا معلّى بن أسد، حدثنا عبد العزيز ابن المختار، حدثنا ثابت، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رآنى فى المنام فقد رآنى، فإنّ الشّيطان لا يتخيّل بى». قال: «ورؤيا المؤمن جزء من ستّة وأربعين جزءا من النّبوّة». ـــــــــــــــــــــــــــــ 395 - (من ستة وأربعين جزءا من النبوة): استشكل كونها جزءا من النبوة، مع أن النبوة انقطعت بموته صلى الله عليه وسلم. وأجيب: بأنها من غير النبوة جزءا من أجزائها مجازا، أو أنها جزء من علم النبوة، لأنها وإن انقطعت، فعلمها باق، ولا ينافية قول مالك رحمه الله لما سئل أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبالنبوة يلعب؟ ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة، لأنه لم يرد أنها نبوة باقية، بل أنها لما أشبهتها من جهة الاطلاع على بعض الغيب، لا ينبغى أن يتكلم فيها بغير علم، فكذلك الشبه سميت جزءا من النبوة ولا يلزم من إثبات الجزء لشىء إثبات الكل له، ألا ترى أنا نقول: الله أكبر جزء من الأذان، ولا يسمى أذانا. وصح: «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات». وعند أحمد: «لم يبق بعدى من المبشرات إلا النبوة»، وعند مسلم «أنه صلى الله عليه وسلم لما كشف الستارة فى مرض موته، والناس خلف أبى بكر قال: أيها الناس لم يبق من مبشرات النبوة، إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم، أو ترى له». والتعبير بالمبشرات الغالب فإن من الرؤيا ما تكون منذرة أى: وهى صادقة يريها الله للمؤمن رفقا به يستعد لما سيقع به، وقوله: «من الرجل فى هذا» وأمثاله لا مفهوم له اتفاقا والمرأة الصالحة كذلك، وقوله: «من ستة وأربعين، هو ما فى أكثر كتب الأحاديث. وعند مسلم: «من خمسة وأربعين» وفى رواية له أيضا: «من سبعين جزءا»: وعند الطبرانى: «من ستة وسبعين» وهو ضعيف، وعند ابن عبد البر: «من ستة وعشرين»، وعند النووى: «من أربعة وعشرين»، وهذا أقل ما ورد فى ذلك، وأكثرها رواية-ستة وسبعين-، وبقيت روايات أخرى. وحكمة كونها جزءا من ستة ¬

395 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى التعبير (6994)، ومسلم فى الرؤيا (2267)، وأبو داود (5018)، وأحمد فى مسنده (5/ 316،619)، والبغوى فى شرح السنة (12/ 226)، (3286)، من طريق معلّى بن أسد به فذكره.

396 - حدثنا محمد بن على، قال: سمعت أبى يقول: قال عبد الله بن المبارك: «إذا ابتليت بالقضاء فعليك بالأثر». 397 - حدثنا محمد بن على، حدثنا النضر بن عون، عن ابن سيرين، قال: «هذا الحديث دين، فانظروا عمّن تأخذون دينكم». ـــــــــــــــــــــــــــــ وأربعين، أن زمن الوحى ثلاثة وعشرون سنة، منها ستة أشهر كانت زمن رؤيا النوم، فصارت جزءا من ستة وأربعين. وورد: بأن زمن الرؤيا لم يصح أنه ستة أشهر، ويؤيده قول الخطابى: لم يسمع فى ذلك أثر، وكأن قائل ذلك قاله على سبيل الظن، والظن لا يغنى من الحق شيئا، وليس كل ما خفى علينا علمه، لزمنا حجته كأعداد الركعات، وأيام الصيام انتهى. وبأنه اختلف فى قدر مدة الوحى يقظة، وبأنه ينفى رواية السبعين جزءا وغيرها بغير معنى. 396 - (إذا ابتليت بالقضاء): عده بلية لشدة خطره. (بالأثر): أى الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين فى أحكامهم وأقضيتهم. 397 - (هذا الحديث. . .) إلخ: وجه الختم بهذا والذى قبله الترغيب فى علم السنة لا سيما عند الارتباك فى البلايا والمحن، والاحتياط فى أخذه، فيتحرى له أهل الدين دون غيرهم. جعلنا الله منهم بمنه وكرمه وأجزل لنا من مدد سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ما تقر به أعيننا، وتزكو بصفائه نفوسنا، إنه ولى ذلك، والقادر عليه، آمين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. وصلى الله على السيد الأعظم، والرسول الأكمل الأفخم سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين، نعم المولى ونعم النصير. ... ¬

396 - أثر صحيح. 397 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى المقدمة (1/ 84 نووى) بلفظ.

قال مؤلفه-العلامة الرحلة الفهامة شيخ مشايخنا الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر رحمه الله-: وافق الفراغ منه، ثامن عشرين رمضان سنة تسع وأربعين وتسعمائة بعد عصر الجمعة، تجاه الكعبة بالمسجد الحرام، وكان الابتداء فيه ثالث رمضان المذكور من السنة، ختمها بخير آمين، والحمد لله رب العالمين. ... وافق الفراغ من كتابته على يد أحقر العباد مصطفى جعله الله ممن اصطفى، ثانى عشرين رمضان سنة خمس وعشرين ومائة بعد الألف، بين الصلاتين من يوم الخميس، وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد، الذى جعل إرساله رحمة، وقوله حكمة، اللهم ارزقنا رؤيته، واجعلنا من متقى أمته، واسقنا من حوضه كأسا لا نظمأ بعده أبدا، واحشرنا، واجعلنا من السابقين السابقين. . . آمين. ***

§1/1