أشراط الساعة
عبد الله بن سليمان الغفيلي
المقدمة
[المقدمة] أشراط الساعة بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] (¬1) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] (¬2) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71] (¬3) (¬4) . أما بعد: فإن علم العقيدة الإسلامية من أشرف العلوم وأجلها؛ لأنه العلم بالله تعالى وآياته، وأسمائه، وصفاته، وحقوقه على عباده، وكذلك العلم بالنبوات، وكل ما يتعلق بأمور الآخرة من بعث وجنة ونار. . . الخ. وهذه هي المقاصد الثلاثة، التي نزلت بها الكتب السماوية، وأجمعت الرسل على الدعوة إليها. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] (¬5) . ¬
وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] (¬1) . وقال تعالى إشارة إلى اتفاق الرسل والكتب السماوية على إثبات اليوم الآخر: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر: 71] (¬2) . وقال تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا - وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى - إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى - صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: 16 - 19] (¬3) . والإيمان باليوم الآخر رأس هذه المقاصد، وأصل من أصول الإيمان وأركانه، كما قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177] (¬4) . فالحصول على البر، لا يتحقق إلا بالإيمان باليوم الآخر، ولذلك فإن للإيمان باليوم الآخر أثرا عظيما على الإنسان في الدنيا والآخرة. فإن الإيمان باليوم الآخر، والإكثار من ذكره، والتصديق الجازم بوقوعه، يزيد إيمان الإنسان، ويجعله من المتقين الذين قال الله عز وجل عنهم: {الم - ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ - الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ - أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 1 - 5] (¬5) . ¬
ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى، قد رتب حصول التقوى والفلاح للإنسان في الدنيا والآخرة، على الإيمان بما ذكره سبحانه وتعالى من الأمور الغيبية في هذه الآيات، واليوم الآخر من جملة الغيب الذي يجب علينا الإيمان به، لكن الله سبحانه وتعالى خصه بالذكر، لبيان أهميته وبيان أثر الإيمان به على الإنسان في الدنيا والآخرة. وكلما ازداد الإنسان يقينا باليوم الآخر، زاد إيمانه، وحرص على الأعمال الصالحة، وابتعد عن الأعمال السيئة، واستعد لهذا اليوم العظيم بما يحبه الله عز وجل، وهذا من أعظم آثار الإيمان باليوم الآخر على الإنسان، كما قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى - وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا - فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى - وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى - فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 37 - 41] (¬1) . ولأهمية الإيمان باليوم الآخر فقد ذكره الله عز وجل في القرآن الكريم كثيرا، وأقام الدليل عليه، ونوع الأدلة فيه، وبسطها وربطها بالفطرة والعقل، ورد على المنكرين له بأنواع الأدلة والأمثلة، وأمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقسم به على وقوع اليوم الآخر تأكيدا له، كما قال عز وجل: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7] (¬2) . والنصوص الدالة على هذا كثيرة جدا، وليس المقصود هنا التوسع في ذلك، وإنما المقصود بيان أهمية الإيمان باليوم الآخر، وأثر الإيمان على الإنسان. ولما كان اليوم الآخر من الأمور الغيبية، أعان الله سبحانه وتعالى خلقه على الإيمان به بأمور كثيرة، ومن ذلك ربط هذا الغيب بالأمور المحسوسة، فإن الغيب إذا ربط بالأمور المحسوسة سهل الإيمان به على الإنسان، ومن هذه الأمور المحسوسة التي تعين على الإيمان باليوم الآخر، أشراط الساعة. ¬
وأهمية معرفة هذه الأشراط والأمارات، تظهر من أهمية الإيمان باليوم الآخر، ولذلك فإن الإيمان بأشراط الساعة وعلاماتها الصحيحة الثابتة، جزء لا يتجزأ من الإيمان باليوم الآخر، والذي هو الآخر جزء لا يتجزأ من الإيمان بالغيب. والحديث عن أشراط الساعة مهم، ولا سيما إذا ابتعد الناس عن تذكر الآخرة واشتغلوا بالدنيا وملذاتها، فإن في أشراط الساعة المحسوسة التي تظهر ويراها الناس بأعينهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ما يعيد الناس إلى ربهم ويوقظهم من غفلتهم. يقول القرطبي (¬1) - رحمه الله -: قال العلماء رحمهم الله تعالى: الحكمة في تقديم الأشراط، ودلالة الناس عليها، تنبيه الناس من رقدتهم وحثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة والإنابة، كي لا يباغتوا بالحول بينهم وبين تدارك العوارض منهم، فينبغي للناس أن يكونوا بعد ظهور أشراط الساعة، قد نظروا لأنفسهم وانقطعوا عن الدنيا واستعدوا للساعة الموعود بها - والله أعلم (¬2) . وقد وفقني الله عز وجل للكتابة في هذا الموضوع المهم، وكان الفضل في ذلك لله سبحانه وتعالى أولا ثم لوزارة الشؤون الإسلامية ممثلة في إدارة التأليف والترجمة، التي قامت مشكورة بالموافقة على الكتابة في هذا الموضوع، الذي تظهر أهمية الكتابة فيه في الأمور التالية: 1 - حاجة الناس - خاصة في هذا العصر - لمعرفة أشراط الساعة، لعل ذلك يسهم في توجيه سلوكهم إلى سبيل الخير، والاستعداد ليوم المعاد. ¬
2 - وجود بعض الكتاب في هذا العصر، الذين أخذوا يشككون في بعض الأمور الغيبية، التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها أشراط الساعة، زاعمين أن هذا ينافي العقل ويصادمه، وهذه حجة واهية تدل على عدم الإيمان بالغيب، وعلى عدم تعظيم أمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. من أجل هذا كله استعنت بالله سبحانه وتعالى في إعداد هذا البحث وفق الخطة التالية: مقدمة: وتشتمل على أسباب اختيار الموضوع وخطة البحث والمنهج الذي سأسير عليه في كتابة البحث. تمهيد: ويشمل المباحث الآتية: المبحث الأول: أهمية الإيمان بالغيبيات. المبحث الثاني: وجوب الإيمان بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم. المبحث الثالث: الكتب المصنفة في أشراط الساعة. الفصل الأول: معنى أشراط الساعة وعلاماتها وأدلتها من الكتاب والسنة. وفيه المباحث الآتية: المبحث الأول: معنى الأشراط والعلامات لغة. المبحث الثاني: الأشراط والعلامات اصطلاحا. المبحث الثالث: الأدلة من الكتاب على أشراط الساعة وعلاماتها. المبحث الرابع: الأدلة من السنة على أشراط الساعة وعلاماتها. الفصل الثاني: أقسام أشراط الساعة. وفيه المباحث الآتية: المبحث الأول: أشراط الساعة الصغرى. وفيه المطالب الآتية: المطلب الأول: بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.
المطلب الثاني: انشقاق القمر. المطلب الثالث: نار الحجاز التي أضاءت أعناق الإبل ببصري لها. المطلب الرابع: الفتن. المطلب الخامس: خروج الدجالين الكذابين أدعياء النبوة. المطلب السادس: ولادة الأمة ربتها، وتطاول الحفاة العراة رعاء الشاء في البنيان. المطلب السابع: قبض العلم وظهور الجهل. المطلب الثامن: تكليم السباع والجماد للإنس. المطلب التاسع: قطع الأرحام وسوء الجوار وظهور الفساد. المطلب العاشر: كثرة الزلازل وظهور الخسف والقذف والمسخ، الذي يعاقب الله به بعض هذه الأمة. المبحث الثاني: أشراط الساعة الكبرى. وفيه المطالب الآتية: المطلب الأول: خروج المهدي. المطلب الثاني: فتنة المسيح الدجال. المطلب الثالث: نزولا عيسى ابن مريم عليه السلام. المطلب الرابع: خروج يأجوج ومأجوج. المطلب الخامس: طلوع الشمس من مغربها. المطلب السادس: خروج الدابة. المطلب السابع: الدخان الذي يكون في آخر الزمان. المطلب الثامن: الخسوفات الثلاثة. المطلب التاسع: النار التي تحشر الناس. الخاتمة: وتشتمل على أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث.
وسوف أتبع في هذا البحث المنهج الآتي: 1 - أجمع المادة العلمية المتعلقة بالبحث وأوزعها على حسب فصول خطة البحث ومباحثها مع التحقيق في القضايا والجمع والترجيح. 2 - تنظيم المادة العلمية وتنسيقها بأسلوب علمي مع بذل الجهد في جودتها وحسنها. 3 - عزو الآيات القرآنية التي ترد في البحث إلى سورها وأرقامها في كتاب الله تعالى. 4 - تخريج الأحاديث النبوية الواردة في البحث من كتب السنة المعتمدة، مع بذل الجهد في الإشارة إلى درجة الحديث، من خلال أقوال المحدثين إذا كان الحديث في غير الصحيحين أو أحدهما؛ لأن مجرد العزو إلى الصحيحين أو أحدهما معلم بالصحة. 5 - تخريج الآثار مع الحكم عليها من خلال كلام أهل العلم حسب استطاعتي. 6 - الترجمة للأعلام الذين يرد ذكرهم في البحث ما عدا المشهورين؛ فإني لن أترجم لهم لعدم خفاء حالهم ككبار الصحابة والأئمة الأربعة وأصحاب الكتب الستة وغيرهم. 7 - التعريف بالفرق والطوائف التي يرد ذكرها في البحث. 8 - شرح المفردات الغريبة الواردة في البحث من كتب الغريب والمعاجم اللغوية. 9 - توثيق النقول التي هي من كلام أهل العلم من مصادرها. 10 - التعليق على القضايا التي ترد في البحث حسب الحاجة. 11 - وضع فهارس علمية عامة تجعل القارئ يصل إلى بغيته بيسر وسهولة، وهذه الفهارس هي:
ا- فهرس الآيات القرآنية. ب - فهرس الأحاديث النبوية. ج - فهرس الآثار. د - فهرس الأعلام. هـ - فهرس الفرق والطوائف. و فهرس المصادر والمراجع. ز - فهرس الموضوعات. وفي الختام أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تمهيد
[تمهيد] [المبحث الأول أهمية الإيمان بالغيبيات] تمهيد ويشتمل على المباحث الآتية: المبحث الأول: أهمية الإيمان بالغيبيات المبحث الثاني: وجوب الإيمان بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم المبحث الثالث: الكتب المصنفة في أشراط الساعة
المبحث الأول: أهمية الإيمان بالغيبيات علم الغيبيات من الأمور التي استأثر الله تعالى بها، واختص بها نفسه جل وعلا، دون من سواه من ملك مقرب أو نبي مرسل، وهو يطلع من يرتضيه من رسله على بعض الغيب متى شاء وإذا شاء، وبذلك جاءت الآيات والأحاديث، قال سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} [هود: 123] (¬1) . وقال تعالى: {فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} [يونس: 20] (¬2) . وقال عز وجل: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الكهف: 26] (¬3) . وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: 179] (¬4) . وقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [الأنعام: 50] (¬5) يقول الإمام الطبري (¬6) - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: " قل لهؤلاء المنكرين نبوتك: لست أقول لكم إني الرب الذي له خزائن السماوات والأرض، فأعلم غيوب الأشياء الخفية، التي لا يعلمها إلا الرب الذي لا يخفى عليه شيء، فتكذبوني فيما أقول من ذلك؛ لأنه لا ينبغي أن يكون ربا إلا من له ملك كل شيء، وبيده كل شيء، ومن لا يخفى عليه خافية، وذلك هو الله الذي لا إله غيره " (¬7) . ¬
ومن الآيات في هذا المعنى قوله عز وجل: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65] (¬1) . يقول الإمام القرطبي في تفسيرها: " فإنه لا يجوز أن ينفي الله سبحانه وتعالى شيئا عن الخلق ويثبته لنفسه، ثم يكون له في ذلك شريك، ألا ترى إلى قوله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65] وقوله تعالى: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187] (¬2) فكان هذا كله مما استأثر الله بعلمه لا يشركه فيه غيره " (¬3) . ومن أصرح الآيات دلالة قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 59] (¬4) الآية، وتفسيرها في سورة لقمان، قال تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34] (¬5) يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسير آية سورة لقمان: هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها، فعلم وقت الساعة لا يعلمه إلا الله، ولكن إذا أمر به علم الملائكة الموكلون بذلك ومن يشاء الله من خلقه، وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه الله تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكرا أو أنثى أو شقيا أو سعيدا، علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء الله من خلقه، وكذا لا تدري نفس ماذا تكسب غدا في دنياها وأخراها، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] في بلدها أو غيره من أي بلاد الله كان، لا علم لأحد بذلك، وهذه - أي الآية - شبيهة بقوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59] وقد وردت السنة بتسمية هذه الخمس: مفاتيح الغيب (¬6) . ¬
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله» (¬1) . فالآيات والأحاديث المذكورة وغيرها مما لم أذكره، تدل دلالة قاطعه على اختصاصه سبحانه وتعالى بعلم الغيب دون سواه من الأنبياء والرسل والملائكة والأولياء. والإيمان بأشراط الساعة جزء من الإيمان باليوم الآخر الذي هو ركن من أركان الإيمان. والإيمان بالغيب هو أساس الإيمان كله؛ لأن أركان الإيمان كلها من الأمور الغيبية، وقد بين الله عز وجل في كتابه المبين أن الإيمان بالغيب من صفات المؤمنين المتقين فقال عز وجل: {الم - ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ - الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ - أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 1 - 5] (¬2) . ومعلوم - من الدين بالضرورة - أن علم الغيب من خصائص الله وحده - كما سبق بيان ذلك - ولقد شاء الله تبارك وتعالى أن يجعل علم الساعة غيبا من جملة علم الغيب الذي استأثر بعلمه فلم يطلع عليه أحدا من خلقه لا نبيا مرسلا، ولا ملكا مقربا، وذلك ليبقى الناس من الساعة على حذر دائم، وتوقع مستمر واستعداد كامل لاتخاذ الزاد المناسب لها، فهي الموعد المرتقب للجزاء الكامل، والإيمان بذلك من مقتضيات الإيمان باليوم الآخر. والرسل عليهم الصلاة والسلام مع أنهم أفضل الخلق وأحبهم إلى الله عز وجل، وقد خصهم الله بمزايا كثيرة وأكرمهم ¬
بمعجزات عديدة لم يدع أحد منهم علم الغيب، بل جميعهم كانوا يتبرؤون من ذلك، ويردون علم الغيب إلى الله سبحانه وتعالى، فنوح عليه السلام قال لقومه: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [هود: 31] (¬1) . ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو سيد الرسل والأنبياء أجمعين، ينفي عن نفسه معرفة العيب، فقد قال الله في كتابه: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: 9] (¬2) وقال تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 188] (¬3) . وعن مسروق قال: «كنت متكئا عند عائشة فقالت: يا أبا عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية (¬4) وذكرت منها: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65] » (¬5) (¬6) . وعلى الرغم من هذه الأدلة القاطعة الواضحة، عن عدم علم الرسول صلى الله عليه وسلم بالغيب، نجد من ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة الغيب ويستدلون على ذلك بالاستثناء الوارد في قوله عز وجل: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا - إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26 - 27] (¬7) وليس في ذلك حجة لأحد؛ لأن المراد بالغيب هنا ما يتعلق بالوحي خاصة. ¬
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: فإن بعض من لم يرسخ في الإيمان، كان يظن ذلك، حتى كان يرى أن صحة النبوة تستلزم اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على جميع المغيبات، كما وقع في المغازي لابن إسحاق (¬1) أن ناقة النبي صلى الله عليه وسلم ضلت، فقال زيد بن لصيت (¬2) يزعم محمد أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن رجلا يقول كذا وكذا، وإني والله لا أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها وهي في شعب كذا، قد حبستها شجرة» ، فذهبوا فجاءوه بها. فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله، وهو مطابق لقوله تعالى: {فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا - إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26 - 27] (¬3) . فهذا الرجل - زيد بن لصيت - عندما قال هذا كان مشركا، وكان يعتقد أن النبوة لا تصح إلا إذا كان النبي يعلم الغيب. ولكن ما بال بعض المسلمين ¬
اليوم، وما عذرهم بعد هذا البيان الشافي من الرسول صلى الله عليه وسلم مع وضوح الأدلة في هذه المسألة، وأما ما ثبت بالقرآن أن عيسى عليه السلام كان يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، كما في قوله تعالى: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 49] (¬1) وأن يوسف عليه السلام كان ينبئهم بتأويل الطعام قبل أن يأتي إليهم. والذي حدث لرسولنا صلى الله عليه وسلم منه الكثير، مثل ما مر علينا قبل قليل من خبر الناقة وغيره كل ذلك من باب المعجزات، فكما جاء في الآية السابقة على لسان عيسى عليه السلام نفسه {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 248] فالآية هي المعجزة. وبهذا تظهر لنا أهمية الإيمان بالغيب ومكانته في الإسلام، فهو صفة المؤمنين المتقين، وكل من يدعي علما بشيء من الغيب من تلقاء نفسه، يكون ضالا ومكذبا لخبر الله عز وجل. ونصوص الكتاب والسنة تبين أن علم الغيب من خصائص المولى تبارك وتعالى، وهذا يبين لنا حكم الذين يزعمون أنهم يخبرون عما سيقع في المستقبل من حوادث، أو يزعمون علم ما في نفس الإنسان، وغير ذلك من كذب ودجل وشعوذة، مما نجد له صورا في بعض الصحف والمجلات التي تحتوي على زاوية لقراءة حظ الإنسان، أو معرفة ما يقع له في المستقبل خلال معرفة الأبراج والكواكب، نسأل الله السلامة والعافية. ¬
المبحث الثاني وجوب الإيمان بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم
[المبحث الثاني وجوب الإيمان بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم] المبحث الثاني: وجوب الإيمان بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم التي جاء بها من عند الله عز وجل أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده أجمعين، والسعادة والفلاح والصلاح في الدنيا والآخرة لمن أطاعه صلى الله عليه وسلم واتبع هديه وسار على نهجه، وحاجة البشر إلى هذه الشريعة التي جاء الرسول بها صلى الله عليه وسلم أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب. يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى - عن الرسول صلى الله عليه وسلم: أرسله الله رحمة للعالمين، وإماما للمتقين، وحجة على الخلائق أجمعين، أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل، وافترض على العباد طاعته وتعزيره وتوقيره ومحبته، والقيام بحقوقه، وسد دون جنته الطرق، فلن تفتح لأحد إلا من طريقه، فشرح له صدره، ورفع له ذكره، ووضع عمه وزره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره (¬1) وقد أوجب الله سبحانه وتعالى على جميع الخلق، طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر به واجتناب ما نهى عنه، وحذرهم من مخالفة أمره، وجعل طاعته سبحانه وتعالى طاعة للرسول صلى الله عليه وسلم، ذلك أن التصديق الجازم بالرسول صلى الله عليه وسلم يقتضي التسليم المطلق والتام لما جاء له ويستلزم طاعته فيما بلغه عن الله تعالى، وهذا من أعظم لوازم محبته صلى الله عليه وسلم والإيمان به، وهو من مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله، وقد جاءت نصوص كثيرة في القرآن والسنة توجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وتبين العلاقة بينها وبين طاعة الله تعالى، وتحذر من معصيته ومخالفة أمره عليه الصلاة والسلام. ومن ذلك قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132] (¬2) وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31] (¬3) . ¬
وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32] (¬1) . وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] (¬2) . وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: 17] (¬3) وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] (¬4) وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] (¬5) وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: 23] (¬6) وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 14] (¬7) . والآيات في الأمر بطاعته والتحذير من معصيته كثيرة في كتاب الله عز وجل. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " وقد أمر الله بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن، وقرن طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته، كما قرن بين اسمه واسمه فلا يذكر الله إلا ذكر معه " (¬8) . ومن الأحاديث الدالة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم، ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله» (¬9) الحديث. ¬
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: " من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى» (¬1) . فهذه الآيات والأحاديث توجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وامتثال ما جاء به، وذلك بفعل ما أمر به وتجنب ما نهى عنه، وتبين أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي مفتاح الجنة وسبيل النجاة، فلا فلاح ولا سعادة ولا نجاة للعبد إلا بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن أطاعه فيما جاء به من الحق المبين، فقد نجا وزحزح نفسه عن النار، ومن أبى وتكبر وعصى، ولم يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به فقد خسر خسرانا مبينا، وعرض نفسه لعذاب الله عز وجل، فإنه ما من خير يوصل إلى الجنة إلا ودلنا عليه، وما من شر يوصل إلى النار إلا وحذرنا منه عليه الصلاة والسلام. فيجب على كل مسلم طاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه، واقتفاء أثره والسير على هديه، وعدم مخالفة أمره ونهيه، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64] (¬2) وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21] (¬3) . فعبادة الله وطاعته لم تترك للأهواء والأفكار، بل هي مقيدة باتباعه صلى الله عليه وسلم فيما شرعه لأمته، وهذا هو مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد رتب الله سبحانه وتعالى على اتباعه والاقتداء بسنته، الاهتداء والمغفرة، وجعله علامة على صدق المحبة لله تعالى، قال عز وجل: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] (¬4) ولما ادعى اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأحباؤه، أنزل آية المحبة، وهي قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 31 - 32] (¬5) . ¬
ولا شك أن مما يجب على العباد، محبة ربهم الذي خلقهم وأنعم عليهم، ولكن حصول هذه المحبة وقبولها متوقف على اتباع هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد جعل الله من ثواب اتباعه محبة الله تعالى لمن اتبعه ومغفرته له، ولكن علامة هذا الاتباع طاعته صلى الله عليه وسلم والسير على نهجه، والاقتداء به في سيرته وأعماله وقرباته، وتجنب كل ما نهى عنه، والحذر من مخالفته التي نهايتها الخروج عن التأسي به؛ لأن الله سبحانه وتعالى إنما تعبدنا بطاعته واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم بما شرع لنا من هذا الدين الكامل، ولهذا رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين أعرضوا عن الطيبات التي أنعم الله بها على عباده وهجروها تعبدا لله وتقربا إليه، وقال لهم صلى الله عليه وسلم: «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (¬1) . والمتأمل في حال كثير من المسلمين اليوم يرى أنهم تركوا الاتباع والاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أصبحت السنة عندهم أمرا مستغربا مستنكرا لجهلهم بها وبعدهم عنها، واستبدلوا ذلك بالبدع التي لا أصل لها ولا دليل عليها من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فاتخذوها دينا يدينون به، فانعكست بذلك الموازين لديهم فأصبحوا يرون الحق باطلا والباطل حقا، والمعروف منكرا والمنكر معروفا، وما ذلك إلا لكونهم لم يعرفوا من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، بسبب ما هم عليه من قلة العلم وعدم معرفتهم بالسنة، حتى وصل الحال إلى الوقوع في الشرك كما هو مشاهد في كثير من بلاد المسلمين، وذلك بصرف ما هو حق لله سبحانه وتعالى، لأصحاب القبور وإشراكهم مع الله فيما لا يستحقه ولا يقدر عليه إلا الله، وهذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله أبدا. ومن أصول الإيمان ولوازمه، التصديق الجازم بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم والتسليم بصحة كل ما أخبر به، وبأنه بلغ الرسالة؛ لأن ما جاء به وحي من الله تعالى، كما قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4] (¬2) . ¬
وقد قال الله تعالى في الرسول صلى الله عليه وسلم: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33] (¬1) . وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلقب قبل بعثته بالصادق الأمين، وكانت قريش تدعوه بذلك. لذا يجب علينا تصديقه صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر به، ومن رد شيئا مما أخبر به عليه الصلاة والسلام وكذبه فيه فهو كافر، سواء كان رده اتباعا للهوى، أو لشريعة منسوخة، أو لفلسفة موروثة، أو لعلم وضعي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار» (¬2) فكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بوقوعه فالإيمان به واجب على كل مسلم، وذلك من تحقيق الشهادة بأنه رسول الله، وقد قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4] (¬3) . وكل شيء أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون بعده، فوقع الأمر فيه طبق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فهو من معجزاته وأعلام نبوته عليه الصلاة والسلام. يقول الموفق أبو محمد المقدسي (¬4) - رحمه الله -: " ويجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح به النقل عنه فيما شهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه، مثل حديث الإسراء والمعراج، ومن ذلك أشراط الساعة مثل: خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام وقتله له، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل " (¬5) . ¬
المبحث الثالث الكتب المصنفة في أشراط الساعة
[المبحث الثالث الكتب المصنفة في أشراط الساعة] المبحث الثالث: الكتب المصنفة في أشراط الساعة من خلال النظر في بعض المؤلفات المستقلة في أشراط الساعة، يتبين أن التأليف في هذا الموضوع على وجه الاستقلال بدأ في وقت مبكر مع بداية حركة التأليف، إلى جانب تناول كبار المحدثين للموضوع، وإيرادهم للأحاديث الواردة فيه تحت كتب وأبواب خاصة به في كتبهم، كالكتب الستة. ثم استمر التأليف فيه متواصلا إلى العصور المتأخرة دون كلل أو ملل من قبل العلماء والأئمة، وهذا يدل على أهمية التأليف والتصنيف في هذا الموضوع. وفيما يلي أشير إلى بعض من ألف في هذا الموضوع حسب الأقدمية في الوفاة: 1 - الإمام عبد الرحمن بن مهدي (ت 198 هـ) له كتاب " السنة والفتن " (¬1) . 2 - الإمام نعيم بن حماد المروزي أبو عبد الله الخزاعي (ت 228 هـ) له كتاب " الفتن " (¬2) وهو مطبوع في مجلدين. 3 - إسماعيل بن عيسى العطار (ت 232 هـ) له كتاب " الفتن " (¬3) . 4 - عبد الله بن محمد بن أبي شيبة (ت 235 هـ) له كتاب " الفتن " (¬4) . 5 - أخوه عثمان بن أبي شيبة (ت 239 هـ) له أيضا كتاب " الفتن " (¬5) . 6 - حنبل بن إسحاق - ابن عم الإمام أحمد بن حنبل - (ت 273 هـ) وله كتاب " الفتن " (¬6) وهو مطبوع. 7 - أبو داود سليمان بن الأشعث (ت 275 هـ) له كتاب " الملاحم " (¬7) . ¬
8 - أبو الحسين أحمد بن جعفر - بن المنادي - (ت 336 هـ) له كتاب " الملاحم " (¬1) . 9 - محمد بن الحسين أبو بكر الآجري (ت 360 هـ) له كتاب " الفتن " (¬2) . 10 - أبو محمد عبد الله بن جعفر بن حيان - المعروف بأبي الشيخ - (ت 369 هـ) له كتاب " الفتن " (¬3) . 11 - أبو الحسن علي بن محمد القابسي (ت 403 هـ) له " المنبه للفطن من غوائل الفتن " (¬4) . 12 - أبو عمر عثمان بن سعيد المقرئ الداني (ت 444 هـ) له كتاب " السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها " وقد طبع هذا الكتاب سنة 1416 هـ في ستة أجزاء. 13 - أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي - المعروف في وقته بابن رندقه - (ت 520 هـ) له كتاب " الفتن " (¬5) . 14 - عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي (ت 600 هـ) له كتاب " أشراط الساعة " (¬6) . 15 - يوسف بن يحيى بن علي المقدسي السلمي (ت 685 هـ) له كتاب " عقود الدرر في أخبار المنتظر "، تحدث فيه عن أشراط الساعة الكبرى. 16 - شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (ت 671 هـ) له كتاب " التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة " ذكر فيه المؤلف كثيرا من أشراط الساعة وأمور الآخرة، وهو كتاب مطبوع في جزأين. ¬
17 - أبو الفداء إسماعيل بن عمر القرشي المعروف بابن كثير (ت 774 هـ) له كتاب " النهاية في الفتن والملاحم " وهو مطبوع عدة طبعات ويحتاج مع هذا إلى خدمة؛ لأن أغلب طبعاته غير لائقة بالكتاب ومكانته كما أن بعضها أفسدتها بعض أيدي التحقيق والتخريج لما ارتكبت من تصرفات سيئة في نص الكتاب وتأويله بتأويلات مخالفة لما عليه منهج أهل السنة والجماعة. 18 - أبو الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902 هـ) له كتاب " القناعة فيما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة " وهو مطبوع. 19 - جمال الدين يوسف بن عبد الهادي المقدسي الدمشقي (ت 909 هـ) له كتاب " أشراط الساعة " (¬1) . 20 - جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ) له كتاب " الحصر والإشاعة في أشراط الساعة " ذكره بنفسه أثناء ترجمته (¬2) . 21 - شمس الدين محمد بن علي بن أحمد بن طولون الصالحي الدمشقي (ت 953 هـ) له كتاب " درر البراعة في أشراط الساعة " (¬3) . 22 - محمد بن رسول البرزنجي (ت 1103 هـ) له كتاب " الإشاعة لأشراط الساعة " وهو كتاب مطبوع في جزء واحد. 23 - محمد صديق حسن القنوجي (ت 1307 هـ) له " الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة " وهو كتاب مطبوع. 24 - نصر الله بن عبد الله بن عبد المنعم التنوخي، مختصر في الملاحم والفتن، له نسخة خطية في الظاهرية. ذكره صلاح الدين المنجد (¬4) . ¬
25 - الشيخ حمود بن عبد الله التويجري - رحمه الله - له كتاب " إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " وهو كتاب مطبوع في ثلاثة أجزاء. 26 - عبد الله بن الشيخ سليمان المشعلي. له " مختصر الأخبار المشاعة في الفتن وأشراط الساعة وأخبار المهدي " وهو مطبوع. 27 - الشيخ يوسف بن عبد الله الوابل له كتاب " أشراط الساعة "، وهو كتاب مطبوع في مجلد واحد. 28 - مصطفي أبو النصر الشلبي له كتاب " صحيح أشراط الساعة ووصف ليوم البعث وأهوال يوم القيامة " وهو كتاب مطبوع في مجلد واحد. 29 - محمود عطية محمد علي له كتاب " فقد جاء أشراطها " وهو كتاب مطبوع في مجلد واحد. هذا بالإضافة إلى تناول العلماء بعضا من أشراط الساعة بالتأليف على وجه الانفراد مثل: خروج المهدي ونزول عيسى عليهما السلام والدجال وغيرها. ومنها: 1 - كتاب " نزول عيسى ابن مريم آخر الزمان " لجلال الدين السيوطي المتوفي سنة (911 هـ) ، وهو كتاب مطبوع. 2 - " عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام " لأبي الفضل عبد الله محمد صديق الغماري، وهو كتاب مطبوع. 3 - " التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح " للشوكاني المتوفي سنة (1250 هـ) ، وهو كتاب مخطوط، ويوجد صورة منه في مكتبة شيخنا الشيخ حماد الأنصاري - رحمه الله تعالى - في المدينة النبوية. 4 - كتاب " التصريح بما تواتر في نزول المسيح " لمحمد أنور شاه الكشميري الهندي المتوفي سنة (1352 هـ) ، وهو كتاب مطبوع.
5 - " عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر " لفضيلة شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر - حفظه الله -، وهو كتاب مطبوع. بالإضافة على ما تناوله علماء الحديث في كتبهم من ذكر أشراط الساعة في كتاب ضمن كتبهم، فالإمام البخاري - رحمه الله - ضمن كتاب الصحيح كتاب الفتن ذكر فيه بعض أشراط الساعة، والإمام أبو داود في سننه: كتاب المتن، وكتاب المهدي، وكتاب الملاحم، والإمام الترمذي في سننه: كتاب الفتن، ذكر فيه باب ما جاء في أشراط الساعة. وهكذا لا يكاد يخلو كتاب من كتب الحديث أو العقيدة عن ذكر أشراط الساعة أو بعض منها. وما سبق ذكره من المؤلفات في أشراط الساعة هو قليل من الكثير من الكتب التي لم أهتد إليها، وهذا يدل على اتصال حركة التأليف في الفتن وأشراط الساعة.
الفصل الأول معنى أشراط الساعة وعلاماتها وأدلتها من الكتاب والسنة
[الفصل الأول معنى أشراط الساعة وعلاماتها وأدلتها من الكتاب والسنة] [المبحث الأول معنى الأشراط والعلامات لغة] الفصل الأول: معنى أشراط الساعة وعلاماتها وأدلتها من الكتاب والسنة وفيه المباحث الآتية: المبحث الأول: معنى الأشراط والعلامات لغة المبحث الثاني: معنى الأشراط والعلامات اصطلاحا المبحث الثالث: الأدلة من الكتاب على أشراط الساعة وعلاماتها المبحث الرابع: الأدلة من السنة على أشراط الساعة وعلاماتها
المبحث الأول: معنى الأشراط والعلامات لغة الأشراط جمع شرط بالتحريك، والشرط العلامة، وأشراط الساعة أي علاماتها، وأشراط الشيء أوائله، ومنه شرط السلطان وهم نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من مجموع جنده. قال الجوهري (¬1) " أشراط الساعة علاماتها وأسبابها التي دون معظمها وقيامها " (¬2) . وقال ابن الأثير (¬3) " الأشراط: العلامات، واحدها شرط بالتحريك، وبه سميت شرط السلطان؛ لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون بها " (¬4) . وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [محمد: 18] (¬5) . " أشراطها أي أماراتها وعلاماتها، وقيل: أشراط الساعة أسبابها التي هي دون معظمها، وفيه يقال للدون من الناس الشرط. . . إلى أن قال: وواحد الأشراط شرط، وأصله الأعلام، ومنه قيل الشرط؛ لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها، ومنه الشرط في البيع وغيره " (¬6) . ¬
فتبين من هذا أن الأشراط في اللغة هي علامات الشيء المتقدمة عليه والدالة عليه، ومما يدل على تسمية هذه الأشراط في السنة بالعلامات ما جاء في حديث جبريل المشهور عند النسائي، قال: «يا محمد، أخبرني متى الساعة، قال: فنكس، فلم يجبه شيئا ثم أعاد فلم يجبه شيئا ثم أعاد فلم يجبه شيئا ورفع رأسه فقال: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ولكن لها علامات تعرف بها. . .» الحديث (¬1) . والساعة: هي جزء من أجزاء الليل أو النهار وجمعها ساعات وساع (¬2) . والساعة: الوقت الذي تقوم فيه القيامة، وقد سميت بذلك لسرعة الحساب فيها، أو لأنها تفاجئ الناس في ساعة فيموت الخلق كلهم بصيحة واحدة (¬3) . قال ابن منظور في لسان العرب: " وقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55] (¬4) يعني بالساعة: الوقت الذي تقوم فيه القيامة، فلذلك ترك أن يعرف أي ساعة هي، فإن سميت القيامة ساعة فعلى هذا، والساعة القيامة ". وقال الزجاج (¬5) " الساعة اسم للوقت الذي تصعق فيه العباد، والوقت الذي يبعثون فيه وتقوم فيه القيامة. سميت ساعة لأنها تفاجئ الناس في ساعة فيموت الخلق كلهم عند الصيحة الأولى. . . والساعة في الأصل تطلق بمعنيين: أحدهما: أن تكون عبارة عن جزء من أربعة وعشرين جزءا هي مجموع اليوم والليلة. والثاني: أن تكون عبارة عن جزء قليل من النهار أو الليل. قال الزجاج: معنى الساعة في كل القرآن الوقت الذي تقوم فيه القيامة، يريد أنها ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم فلقلة الوقت الذي تقوم فيه سماها ساعة " (¬6) . ¬
المبحث الثاني معنى الأشراط والعلامات اصطلاحا
[المبحث الثاني معنى الأشراط والعلامات اصطلاحا] المبحث الثاني: معنى الأشراط والعلامات اصطلاحا أشراط الساعة اصطلاحا: هي العلامات التي تسبق يوم القيامة وتدل على قدومها. يقول الحليمي (¬1) " أما انتهاء الحياة الأولى فإن لها مقدمات تسمى أشراط الساعة وهي أعلامها " (¬2) . ويقول البيهقي (¬3) في تحديد المراد من الأشراط: " أي ما يتقدمها من العلامات الدالة على قرب حينها " (¬4) . ويقول الحافظ ابن حجر المراد بالأشراط: " العلامات التي يعقبها قيام الساعة " (¬5) . ¬
المبحث الثالث الأدلة من الكتاب على أشراط الساعة وعلاماتها
[المبحث الثالث الأدلة من الكتاب على أشراط الساعة وعلاماتها] المبحث الثالث: الأدلة من الكتاب على أشراط الساعة وعلاماتها موعد قيام الساعة من الغيب الذي استأثر الله عز وجل بعلمه، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف: 187] (¬1) . وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أخفى الساعة عن الخلق، فقد جعل لها عز وجل علامات تدل على قرب وقوعها، ومن الآيات الدالة على ذكر الأشراط قوله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18] (¬2) . قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره عند هذه الآية: " فقد جاء أشراطها أي أمارات اقترابها كقوله تعالى: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى - أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} [النجم: 56 - 57] (¬3) وكقوله جلت عظمته: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] (¬4) وكقوله سبحانه وتعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1] (¬5) وقوله جل وعلا: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1] (¬6) فبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة؛ لأنه خاتم الرسل الذي أكمل الله تعالى به الدين وأقام به الحجة على العالمين، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأمارات الساعة وأشراطها، وأبان عن ذلك وأوضحه بما لم يؤته نبي قبله. . . " (¬7) . وقد ورد في القرآن الكريم ذكر الأدلة على بعض أشراط الساعة مثل: خروج يأجوج ومأجوج، ونزول عيسى ابن مريم، وغيرها، وسيأتي ذكر هذه الأدلة في موضعها عند ذكر هذه الأشراط مفصلة في المباحث القادمة إن شاء الله تعالى. ¬
المبحث الرابع الأدلة من السنة على أشراط الساعة وعلاماتها
[المبحث الرابع الأدلة من السنة على أشراط الساعة وعلاماتها] المبحث الرابع: الأدلة من السنة على أشراط الساعة وعلاماتها وردت أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ذكر جملة من أشراط الساعة وعلاماتها، ومن ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، المشهور بحديث جبريل، حيث سئل فيه صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان ووقت الساعة، وفيه قال جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «. . . فأخبرني عن الساعة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها؟ ، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان» (¬1) . ومنها حديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة أدم فقال: " اعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان (¬2) يأخذ فيكم كقعاص الغنم (¬3) ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر (¬4) فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية (¬5) تحت كل غاية اثنا عشر ألفا» (¬6) . ¬
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا» (¬1) . ومنها حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: «طلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: " ما تذاكرون "؟ قالوا: نذكر الساعة، قال: " إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات ". فذكر الدخان والدجال والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» (¬2) إلى غير ذلك من الأحاديث، وهي كثيرة جدا. وهذه العلامات منها ما هو قريب من قيام الساعة، وهو ما يسمى بعلامات الساعة الكبرى، مثل: نزول عيسى عليه السلام، وخروج الدجال، وطلوع الشمس من مغربها وغيرها، ومنها ما يكون قبل ذلك وهو ما يسمى بعلامات الساعة الصغرى. وهذه الأشراط والعلامات الواردة في الأحاديث السابقة وغيرها مما لم يرد سيأتي تفصيلها والكلام عليها وتوضيحها فيما يأتي ـ إن شاء الله تعالى. ¬
الفصل الثاني أقسام أشراط الساعة
[الفصل الثاني أقسام أشراط الساعة] الفصل الثاني: أقسام أشراط الساعة لقد تكلم العلماء رحمهم الله تعالى عن أشراط الساعة وقسموها إلى عدة أقسام: 1 - فبعضهم اعتبر خروج الأشراط وزمانها فقسمهما إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول من الأشراط: ظهر وانقضى وفق ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها: بعثته عليه الصلاة والسلام وموته، وفتح بيت المقدس، وظهور نار الحجاز، وغيرها من الأشراط التي وقعت وانقضت. القسم الثاني: أشراط ظهرت ولا تزال تتابع باستمرار وهي كثيرة منها: كثرة الزلازل، وتضييع الأمانة، وتوسيد الأمر إلى غير أهله، واتخاذ المساجد طرقا، ورفع العلم، وكثرة الجهل، وغيرها من الأشراط الكثيرة. القسم الثالث: العلامات العظام والأشراط الجسام التي لم تظهر بعد والتي يعقبها قيام الساعة، ومنها: خروج المسيح الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام، وخروج يأجوج ومأجوج، والدابة، وخروج الشمس من مغربها، ونحو ذلك. وممن سار على هذا التقسيم الحافظ ابن حجر حيث قال: " ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيقع قبل أن تقوم الساعة على أقسام: أولها: ما وقع على وفق ما قال. الثاني: ما وقعت مباديه ولم يستحكم. والثالث: ما لم يقع منه شيء ولكنه سيقع " (¬1) . ¬
وعلى هذا التقسيم درج البرزنجي (¬1) في الإشاعة (¬2) والسفاريني (¬3) في لوامع الأنوار (¬4) والشيخ صالح الفوزان في الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد (¬5) . وهناك من العلماء من اعتبر مكان وقوع الأشراط فقسمها إلى أشراط سماوية وأشراط أرضية. فمن الأشراط السماوية: انشقاق القمر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وانتفاخ الأهلة بحيث يرى الهلال لليلة فيقال هو ابن ليلتين، ومنها طلوع الشمس من مغربها. أما الأشراط الأرضية فهي كثيرة جدا ومنها: خروج المسيح الدجال، والدابة، وخروج النار، والريح التي تقبض أرواح المؤمنين وغيرها. وقد أشار إلى هذا التقسيم الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - حيث قال: " فأما خروج الدابة على شكل غريب غير مألوف، ومخاطبتها الناس، ووسمها إياهم بالإيمان أو الكفر، فأمر خارج عن مجاري العادات وذلك أول الآيات الأرضية ". " كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية " (¬6) كما أشار إلى هذا الحافظ ابن حجر أيضا في كتابه الفتح (¬7) . ¬
والبعض الآخر اعتبر الأشراط نفسها فقسمها إلى قسمين: 1 - أشراط صغرى: وهي التي تتقدم الساعة بأزمان متطاولة كقبض العلم وظهور الجهل والتطاول في البنيان وغيرها من الأشراط الصغرى. 2 - أشراط كبرى: وهي العلامات الكبيرة التي تظهر قرب قيام الساعة مثل: خروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وخروج يأجوج ومأجوج، وغير ذلك من العلامات الكبرى التي سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى في المباحث القادمة. وقد درج على هذا التقسيم الحافظ البيهقي - رحمه الله - حيث قال: " وبهذه الأشراط صغار وكبار، فأما صغارها فقد وجد أكثرها، وأما كبارها فقد بدت آثارها، ونحن نفرد بعضها بالذكر مفصلا في أبواب، ليكون أقرب إلى الإدراك " (¬1) . وعلى هذا التقسيم درج كثير من الذين تكلموا عن أشراط الساعة، وهو التقسيم الذي سرت عليه في هذا البحث. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. ¬
المبحث الأول أشراط الساعة الصغرى
[المبحث الأول أشراط الساعة الصغرى] [المطلب الأول بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم] المبحث الأول: أشراط الساعة الصغرى وفيه المطالب الآتية: المطلب الأول: بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم المطلب الثاني: انشقاق القمر المطلب الثالث: نار الحجاز التي أضاءت أعناق الإبل ببصرى لها المطلب الرابع: الفتن المطلب الخامس: خروج الدجالين الكذابين أدعياء النبوة المطلب السادس: ولادة الأمة ربتها وتطاول الحفاة العراة رعاة الشاة في البنيان المطلب السابع: قبض العلم وظهور الجهل المطلب الثامن: تكليم السباع والجماد للإنس المطلب التاسع: قطع الأرحام وسوء الجوار وظهور الفساد المطلب العاشر: كثرة الزلازل وظهور الخسف والقذف والمسخ الذي يعاقب الله به بعض هذه الأمة
المطلب الأول: بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعثته علامة من علامات الساعة ودليل على قرب قيامها، حيث إنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ولا نبي بعده. وقد دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة الواردة عنه عليه الصلاة والسلام. منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت أنا والساعة كهاتين - يعني أصبعين -» (¬1) . ومنها حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى» (¬2) . ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين، كفضل أحدهما على الأخرى "، وضم السبابة والوسطى» (¬3) . فهذه الأحاديث وغيرها مما هو في معناها تدل على أن بعثته صلى الله عليه وسلم أول أشراط الساعة، فهو خاتم النبيين وآخر المرسلين ولا نبي بعده، وإنما يليه قيام الساعة، كما يلي في الأصابع السبابة الوسطى، كما ورد هذا التشبيه في الأحاديث الماضية. قال القرطبي - رحمه الله - وهو يتحدث عن أشراط الساعة أولها النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه نبي آخر الزمان وقد بعث وليس بينه وبين القيامة نبي (¬4) . وقال الحافظ ابن رجب - رحمه الله - وقد فسر قوله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين» فقرن بين السبابة والوسطى، بقرب زمانه من الساعة كقرب السبابة من الوسطى، وبأن زمن بعثته تعقبه الساعة من غير تخلل نبي آخر بينه وبين ¬
الساعة كما قال في الحديث الصحيح: «أنا الحاشر يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب. . .» (¬1) . فالحاشر الذي يحشر الناس يوم القيامة على قدمه، يعني أن بعثهم وحشرهم يكون عقب رسالته، فهو مبعوث بالرسالة وعقيبه يجمع الناس لحشرهم، والعاقب الذي جاء عقيب الأنبياء كلهم وليس بعده نبي، فكان إرساله صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة (¬2) . ¬
المطلب الثاني انشقاق القمر
[المطلب الثاني انشقاق القمر] المطلب الثاني: انشقاق القمر قال الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ - وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 1 - 2] (¬1) . قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسيره عند هذه الآية {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] " قد كان هذا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات " (¬2) . وقال الحافظ ابن رجب - رحمه الله تعالى -: وقد جعل الله انشقاق القمر من علامات اقتراب الساعة كما قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] وكان انشقاقه بمكة قبل الهجرة (¬3) . وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن القمر انشق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، منها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى إذ انفلق القمر فلقتين، فكانت فلقة وراء الجبل وفلقة دونه، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اشهدوا» (¬4) . ومنها حديث أنس رضي الله عنه: «أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر» (¬5) . ¬
قال القاضي عياض (¬1) - رحمه الله -: " انشقاق القمر من أمهات معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد رواها عدة من الصحابة رضي الله عنهم مع ظاهر الآية الكريمة وسياقها. قال الزجاج: وقد أنكرها بعض المبتدعة المضاهين لمخالفي الملة، وذلك لما أعمى الله قلبه، ولا إنكار للعقل فيه؛ لأن القمر مخلوق لله تعالى يفعل فيه ما يشاء كما يفنيه ويكوره في آخر أمره " (¬2) . وقال الحافظ ابن حجر: " وقد أنكر جمهور الفلاسفة (¬3) انشقاق القمر متمسكين بأن الآيات العلوية لا يتهيأ فيها الانخراق والالتئام، وكذا قالوا في فتح أبواب السماء ليلة الإسراء، إلى غير ذلك من إنكارهم ما يكون يوم القيامة من تكوير الشمس وغير ذلك، وجواب هؤلاء: إن كانوا كفارا، أن يناظروا أولا على ثبوت دين الإسلام، ثم يشركوا مع غيرهم ممن أنكر ذلك من المعلمين، ومتى سلم المسلم بعض ذلك دون بعض ألزم التناقض، ولا سبيل إلى إنكار ما ثبت في القرآن من الانخراق والالتئام في القيامة، فيستلزم جواز وقوع ذلك معجزة لنبي الله صلى الله عليه وسلم " (¬4) . ¬
المطلب الثالث نار الحجاز التي أضاءت أعناق الإبل ببصرى لها
[المطلب الثالث نار الحجاز التي أضاءت أعناق الإبل ببصرى لها] المطلب الثالث: نار الحجاز التي أضاءت أعناق الإبل ببصرى لها وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين أن من علامات الساعة خروج نار من أرض الحجاز تضيء منها أعناق الإبل ببصرى (¬1) . فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى» (¬2) . قال النووي - رحمه الله -: " خرجت في زماننا نار بالمدينة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكانت نارا عظيمة جدا، من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة، تواتر العلم بها عند جميع الشام وسائر البلدان، وأخبرني من حضرها من أهل المدينة " (¬3) . وقال ابن كثير - رحمه الله -: وقد ذكر الشيخ شهاب الدين أبو شامة (¬4) . - وكان شيخ المحدثين في زمانه وأستاذ المؤرخين في أوانه - " في سنة أربع وخمسين وستمائة في يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة ظهرت نار بأرض المدينة النبوية في بعض تلك الأودية طول أربعة فراسخ، وعرض أربعة أميال، ¬
تسيل الصخر حتى يبقى مثل الآنك، ثم يصير كالفحم الأسود، وان ضوءها كان الناس يسيرون عليه بالليل إلى تيماء (¬1) وأنها استمرت شهرا، وقد ضبط ذلك أهل المدينة وعملوا فيها أشعارا " (¬2) . وهذه النار غير النار التي تخرج في آخر الزمان وتحشر الناس وتبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى في ذكر الأشراط الكبرى، قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - " والذي ظهر لي أن النار المذكورة في الحديث هي التي ظهرت في نواحي المدينة، كما فهمه القرطبي وغيره، وأما النار التي تحشر الناس، فنار أخرى " (¬3) . وقال البرزنجي: بعد ذكره لهذه النار: " وهذه النار غير النار التي تخرج آخر الزمان تحشر الناس إلى محشرهم، تبيت معهم وتقيل " (¬4) . ¬
المطلب الرابع الفتن
[المطلب الرابع الفتن] المطلب الرابع: الفتن الفتن بكسر الفاء وفتح التاء جمع فتنة، قال ابن فارس (¬1) الفاء والتاء والنون أصل صحيح يدل على الابتلاء والاختبار (¬2) . وقال الأزهري (¬3) جماع معنى الفتنة في كلام العرب الابتلاء والامتحان وأصلها مأخوذ من قولك " فتنت الفضة والذهب " أذبتهما بالنار ليتميز الرديء من الجيد، ومن هذا قول الله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13] (¬4) أي يحرقون بالنار (¬5) . وقد وردت كلمة الفتنة في القرآن الكريم بمعنى الابتلاء والامتحان، ومن ذلك قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ - وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2 - 3] (¬6) . " ومعنى: (وهم لا يفتنون) أي وهم لا يبتلون، ومعنى (فتنا) أي اختبرنا الذين من قبلهم من الأمم ممن أرسلنا إليهم رسلنا، فقالوا مثل ما قالته أمتك يا محمد بأعدائهم، وتمكيننا إياهم من أذاهم، كموسى إذ أرسلناه إلى بني إسرائيل فابتليناهم بفرعون وملئهم، وكعيسى إذ أرسلناه إلى بني إسرائيل فابتلينا من اتبعه بمن تولى عنه، فكذلك ابتلينا أتباعك بمخالفيك من أعدائك " (¬7) . ¬
وعرف الجرجاني (¬1) الفتنة بقوله: " الفتنة ما يتبين به ما للإنسان من الخير والشر، يقال: فتنت الذهب بالنار إذا أحرقته بها لتعلم أنه خالص أو مشوب، ومنه الفتان وهو الحجر الذي يجرب به الذهب والفضة " (¬2) . وأما الفتن التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، وأن أمته سوف تبتلى بالكثير منها، وأنها ترسل عليها إرسال القطر فهي من قبيل الاختبار والامتحان؛ ليتبين حال الإنسان فيها من الخير والشر وتعلقه بها، كما يوجد فيها بعض المعاني الأخرى المذكورة عند أهل اللغة من القتل والاختلاف والعذاب وتغير الأحوال والأزمنة. قال الحافظ ابن حجر: " وأصل الفتنة الامتحان والاختبار، واستعملت في الشرع في اختبار كشف ما يكره، ويقال فتنت الذهب إذا اختبرته بالنار لتنظر جودته، وفي الغفلة عن المطلوب كقوله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] (¬3) وتستعمل في الإكراه على الرجوع عن الدين كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج: 10] (¬4) واستعملت أيضا في الضلال والإثم والكفر والعذاب، ويعرف المراد حيثما ورد بالسياق والقرائن" (¬5) . وقد دلت نصوص كثيرة صحيحة على أن من علامات الساعة كثرة الهرج، وهو القتل واللغط وظهور الفتن وانتشارها ونزولها في البلاد وكبر بلائها وهولها، حتى يمسي المرء المسلم من شدة وقعها كافرا، ويصبح مؤمنا، ويصبح مؤمنا ويمسي كافرا، وتجيء الفتنة تلو الأخرى فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف وتظهر أخرى، فيقول هذه هذه إلى أن يشاء الله، فلا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، وكلما طال الزمان ¬
بأهله وبعد بهم كانت الفتن أشد ومصائبها أعظم، كما شهدت بذلك نصوص الشرع، ودلت عليه الحوادث والوقائع، فعن الزبير بن عدي قال: «أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه فشكونا إليه ما نلقي من الحجاج فقال: " اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم» (¬1) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا» (¬2) . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل (¬3) ومنا من هو في جشره (¬4) إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتن فيرقق (¬5) بعضها بعضا، ¬
وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي، ثم تنكشف فيقول المؤمن هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه. . .» الحديث (¬1) . وقد أرشد صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى ما يعصمهم من هذه الفتن والشرور والآثام فأمرهم بالتعوذ بالله منها وبالابتعاد عنها مع المبادرة بالأعمال الصالحة والإيمان الصحيح بالله واليوم الآخر ولزوم جماعة المسلمين. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن» (¬2) . وعن حذيفة رضي الله عنه قال: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أساله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ ، قال: " نعم "، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: " نعم، وفيه دخن "، قلت: وما دخنه؟ قال: " قوم يهدون بغير هدي، تعرف منهم وتنكر "، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: " نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها "، قلت: يا رسول الله صفهم لنا؟ قال: " هم من جلدتنا ويتكلمون بسنتنا "، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: " تلزم جماعة المسلمين وإمامهم "، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: " فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» (¬3) . إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي يطول حصرها وسردها في هذا المكان، وكلها دالة على هذا الأمر العظيم الذي نبه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذر أمته من عاقبته، وأرشدهم إلى ما يعصمهم من هذه الشرور والآثام بالتعوذ منها والابتعاد عنها مع صحة الإيمان بالله تعالى واتباع أمره ونهيه ولزوم جماعة المسلمين أهل السنة والجماعة، وإن كانوا في ضعف وقلة عدد. ¬
المطلب الخامس خروج الدجالين والكذابين أدعياء النبوة
[المطلب الخامس خروج الدجالين والكذابين أدعياء النبوة] المطلب الخامس: خروج الدجالين والكذابين أدعياء النبوة من أمارات الساعة وأشراطها خروج الدجالين الكذابين، الذين يدعون النبوة ويثيرون الفتنة بأباطيلهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن عدد هؤلاء قريب من ثلاثين فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله» (¬1) . وقد تحققت ووقعت هذه الآية، والعلامة من علامات الساعة، فخرج كثير من أدعياء النبوة قديما وحديثا، ولا يستبعد أن يظهر دجالون آخرون إلى أن يظهر الدجال الأعور الكذاب - نعوذ بالله من فتنته - فقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: «إنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا آخرهم الأعور الكذاب» (¬2) . وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان، وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي» (¬3) . " وقد ظهر من هؤلاء عدد كبير في الماضي، فادعى النبوة في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم الأسود العنسي في اليمن حيث كانت ردته أول ردة في الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬4) وقد تحرك بمن معه من المقاتلين واستولى على جميع أجزاء اليمن، وبعد أن علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حدث، بعث برسالة إلى المسلمين هناك يحثهم فيها على الوقوف في وجهه ومقاتلته، فاستجابوا لذلك وقتلوه في منزله بمعاونة زوجته التي تزوجها قسرا بعد أن قتل زوجها، وقد كانت مؤمنة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبمقتله ظهر الإسلام وأهله، وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أتى إليه الخبر في ليلته من السماء فأخبر أصحابه، وقد دامت فترة ¬
ملك هذا الكذاب من حين ظهوره إلى أن قتل ثلاثة أشهر، وقيل أربعة أشهر " (¬1) . ومنهم طليحة بن خويلد الأسدي الذي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد بني أسد سنة 9 هـ وأسلموا ورجعوا إلى بلادهم وقد تنبأ طليحة هذا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فوجه إليه ضرار بن الأزور عاملا على بني أسد وأمرهم بالقيام على من ارتد، فضعف أمر طليحة حتى لم يبق إلا أخذه فضربه بالسيف، فلم يصنع فيه شيئا، فظهر بين الناس أن السيف لا يعمل فيه، فكثر جمعه، ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك، ولما قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه بأمر الخلافة، أرسل إليه جيشا بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه فالتقى الجيشان، فهزم جيش طليحة ففر بعدها مع زوجته إلى الشام، ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه، ولحق بجيش المسلمين وأبلى في الجهاد في سبيل الله بلاء حسنا واستشهد بنهاوند رضي الله عنه (¬2) . ومنهم مسيلمة الكذاب، الذي وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام التاسع الهجري مع جماعة من بني حنيفة، وبعد عودة الوفد إلى اليمامة، ارتد عدو الله وتنبأ وقال: إني قد أشركت في الأمر معه - أي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان يزعم أن الوحي يأتيه في الظلام، وقد أرسل له أبو بكر الصديق جيشا بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه، وعكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه وشرحبيل بن حسنة رضي الله عنه فاستقبلهم مسيلمة بجيش كان قوامه أربعين ألف مقاتل ودارت بينهم معارك حاسمة كانت الدائرة فيها على مسيلمة وجيشه، وقتل مسيلمة بيد وحشي بن حرب رضي الله عنه وانتصر الحق وارتفعت راية التوحيد (¬3) . ¬
ومنهم سجاح بنت الحارث التغلبية، كانت من نصارى العرب، وقد ادعت النبوة بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم فالتف حولها أناس كثير من قومها ومن غيرهم وغزت بهم القبائل المجاورة حتى وصلت إلى بني تميم، فاصطلحوا معها، وسارت حتى وصلت اليمامة والتقت بمسيلمة وصدقته وتزوجها، ولما قتل مسيلمة رجعت إلى بلادها وأقامت في قومها بني تغلب، ثم أسلمت وحسن إسلامها، ثم انتقلت بعد ذلك إلى البصرة وماتت بها (¬1) . وأما في عصر التابعين وما بعده فظهر المختار بن أبي عبيد الثقفي، الذي تظاهر بالتشيع أولا فالتف حوله جماعة كثيرة من الشيعة (¬2) وكان يقول بإمامة محمد بن الحنفية، وكان يدعو الناس إليه، وزعم أن جبريل عليه السلام ينزل عليه، وقد استولى على الكوفة ونواحيها وقتل كل من كان بالكوفة من الذين قاتلوا الحسين بن علي بكربلاء، وقد دارت بينه وبين مصعب بن الزبير عدة معارك كانت الدائرة فيها عليه والغلبة لمصعب، فقتل المختار، وفرح المسلمون بذلك (¬3) . ومنهم الحارث بن سعيد الكذاب الذي أظهر التعبد والتنسك في دمشق ثم زعم أنه نبي، ولما علم أن الخبر وصل إلى الخليفة عبد الملك بن مروان اختفى وجهل الناس خبره، فاستطاع رجل من أهل البصرة أن يعرف مكانه وتظاهر له بالتصديق فأمر الحارث ألا يحجب منه هذا الرجل متى ما أراد الدخول عليه، ¬
فاتصل هذا الرجل بعبد الملك وأخبره الخبر، فسير معه جنودا من العجم وتم القبض عليه وجيء به إلى عبد الملك، فأمر عبد الملك رجالا من أهل الفقه والعلم أن يعظوه ويعلموه أن هذا من الشيطان، فأبى أن يقبل منهم، فصلبه عبد الملك بعد ذلك (¬1) . وفي العصر الحديث قبل أكثر من قرن ظهر بالهند رجل يدعى ميرزا غلام أحمد القادياني - لعنة الله عليه - ادعى النبوة، وكان يزعم أنه يتلقى الوحي من السماء، كما زعم أن الله عز وجل أخبره بأنه سيعيش ثمانين سنة، وقد صار له أتباع وأعوان فانبرى له كثير من العلماء وردوا عليه وبينوا أنه دجال من الدجالين، وكان منهم العالم الكبير ثناء الله الأمر تسري الذي كان من أشد العلماء عليه حتى إنه في عام 1326 هـ تحدى القادياني الشيخ ثناء الله هذا، بأن الكاذب المفتري من الرجلين سيموت، ودعا الله أن يقبض المبطل في حياة صاحبه ويسلط عليه داء مثل الهيضة والطاعون يكون فيه حتفه، وبعد ثلاثة عشر شهرا وعشرة أيام تقريبا أصيب القادياني بدعوته. وقد ذكر أبو زوجته نهايته بقوله: ولما اشتد مرضه أيقظني فذهبت إلى حضرته ورأيت ما يعانيه من الألم فخاطبني قائلا: أصبت بالكوليرا ثم لم ينطق بعد هذا بكلمة صريحة حتى مات (¬2) . وهكذا سيستمر خروج هؤلاء الكذابين الدجالين واحدا بعد الآخر، حتى تستوفي عدتهم التي أخبرنا الصادق المصدوق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حتى يكون آخرهم المسيح الدجال الذي يخرج في آخر الزمان - نعوذ بالله من فتنته - وينزل عيسى ابن مريم عليه السلام للقضاء عليه وعلى فتنته، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى في أشراط الساعة الكبرى. ¬
المطلب السادس ولادة الأمة ربتها وتطاول الحفاة العراة رعاء الشاء في البنيان
[المطلب السادس ولادة الأمة ربتها وتطاول الحفاة العراة رعاء الشاء في البنيان] المطلب السادس: ولادة الأمة ربتها وتطاول الحفاة العراة رعاء الشاء في البنيان من علامات الساعة التي ظهرت وأخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم ولادة الأمة ولدا يكون له السيادة عليها، وتفاخر الناس بالبنيان الشاهق، وزخرفة البيوت بعد أن كانوا حفاة يعيشون في خيام الشعر ويرعون الشياه والبعير، كما دل على ذلك الحديث المشهور عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث جبريل الطويل وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة، «قال له جبريل عليه السلام:. . فأخبرني عن الساعة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل "، قال: فأخبرني عن أماراتها؟ ، قال: " أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان» (¬1) . ومضمون ما ذكر من أشراط الساعة في هذا الحديث أن تنقلب الموازين، وتصبح الأمور في غير محلها اللائق بها، كأن يصبح الولد سيدا ومولى لأمه، ويحدث هذا عندما يتسع الإسلام، ويكثر السراري، ويتخذ الناس السراري ويكثر منهن الأولاد، فيكون الرجل من أمته في معنى السيد لأمه، إذا كانت مملوكة لأبيه، وملك الأب راجع إلى الولد، وكذلك ابنتها؛ لأنها في الحسب كأبيها. وكذلك بالنسبة للحفاة العراة رعاء الشاء، أهل الجهل والجفاء عندما تختل الموازين بكثرة الأموال بين أيديهم، يصبحون هم رؤوس الناس فيتطاولون في البنيان ويتنافسون على وجه التفاخر والخيلاء، في زخرفة العمارات وعدد أدوارها بعد أن كانوا أهل تنقل وترحال لا تستقر بهم دار. يقول العلامة حمود التويجري - رحمه الله تعالى -: " والتطاول في البنيان يكون بتكثير طبقات البيوت ورفعها إلى فوق، ويكون بتحسين البناء وتقويته وتزويقه، ويكون بتوسيع البيوت وتكثير مجالسها ومرافقها، وكل ذلك واقع في زماننا حين كثرت الأموال وبسطت الدنيا على الحفاة العراة العالة، فالله المستعان (¬2) ". ¬
وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في تفسير هاتين العلامتين من أشراط الساعة، فقال الإمام النووي رحمه الله تعالى عن ولادة الأمة ربتها أو ربها الواردة في الحديث: «أن تلد الأمة ربتها» وفي الرواية الأخرى: " ربها " على التذكير، وفي الأخرى " بعلها " قال يعني السراري، ومعنى ربها وربتها: سيدها ومالكها وسيدتها ومالكتها. قال الأكثرون من العلماء: هو إخبار عن كثرة السراري وأولادهن، فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها؛ لأن مال الإنسان صائر إلى ولده، وقد يتصرف فيه في الحال تصرف المالكين، إما بتصريح أبيه له بالإذن، وإما بما يعلمه بقرينة الحال، أو عرف الاستعمال. وقيل معناه: أن الإماء يلدن الملوك، فتكون أمه من جملة رعيته، وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته. وقيل معناه: أن تفسد أحوال الناس فيكثر بيع أمهات الأولاد في آخر الزمان فيكثر تردادها في أيدي المشترين حتى يشتريها ابنها ولا يدري، ويحتمل على هذا القول أن لا يختص هذا بأمهات الأولاد فإنه متصور في غيرهن، فإن الأمة تلد ولدا حرا من غير سيدها بشبهة أو ولدا رقيقا بنكاح أو زنا ثم تباع الأمة في الصورتين بيعا صحيحا، وتدور في الأيدي حتى يشتريها ولدها، وهذا أكثر وأعم من تقديره في أمهات الأولاد. وقيل معناه غير ما ذكرناه، وكلها أقوال ضعيفة جدا أو فاسدة فتركتها (¬1) . ويقول الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في معنى ذلك، قال ابن التين: اختلف فيه على سبعة أوجه، فذكرها لكنها متداخلة، وقد لخصتها بلا تداخل فإذا هي أربعة أقوال: الأول: قال الخطابي (¬2) معناه اتساع الإسلام واستيلاء أهله على بلاد ¬
الشرك وسبي ذراريهم، فإذا ملك الرجل الجارية واستولدها كان الولد فيها بمنزلة ربها لأنه وليد سيدها (¬1) . قال النووي وغيره: إنه قول الأكثرين (¬2) قلت: لكن في كونه المراد نظر؛ لأن استيلاد الإماء كان موجودا حين المقالة، والاستيلاء على بلاد الشرك وسبي ذراريهم وقع أكثره في صدر الإسلام وسياق الكلام يقتضي الإشارة إلى وقوع ما لم يقع مما سيقع قرب قيام الساعة. الثاني: أن تبيع السادة أمهات أولادهم ويكثر ذلك فيتداول الملاك المستولدة حتى يشتريها ولدها ولا يشعر بذلك، وعلى هذا فالذي يكون من الأشراط غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد أو الاستهانة بالأحكام الشرعية. الثالث: وهو من نمط الذي قبله، قال النووي: لا يختص شراء الولد أمه بأمهات الأولاد، بل يتصور في غيرهن، بأن تلد الأمة حرا من غير سيدها بوطء شبهة، أو رقيقا بنكاح أو زنا، ثم تباع الأمة في الصورتين بيعا صحيحا وتدور في الأيدي حتى يشتريها ابنها أو ابنتها. الرابع: أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة بالسب والضرب والاستخدام فأطلق عليه ربها مجازا لذلك، أو المراد بالرب المربي فيكون حقيقة، وهذا أوجه الأوجه عندي لعمومه، ولأن المقام يدل على أن المراد حالة تكون - من كونها تدل على فساد الأحوال - مستغربة، ومحصلة الإشارة إلى أن الساعة يقرب قيامها عند انعكاس الأمور بحيث يصير المربى مربيا، والسافل عاليا (¬3) . وأما تطاول الناس في البنيان فهو ظاهر وبين في هذا العصر حيث تسابق الناس إلى التباهي بالعمران والزخرفة بسبب كثرة الأموال حتى إن أهل البادية من أهل الفقر والحاجة أخذوا في بناء الأبنية ذوات الطوابق المتعددة وتنافسوا ¬
في ذلك، وكل هذا قد وقع كما أخبر به رسولنا صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق كما سبق ذلك في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: فحدثني متى الساعة؟ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سبحان الله من خمس من الغيب لا يعلمهن إلا هو. . . ولكن إن شئت حدثتك بمعالم لها دون ذلك. . . "، قال: أجل يا رسول الله فحدثني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيت الأمة ولدت ربتها أو ربها، ورأيت أصحاب الشاء تطاولوا بالبنيان ورأيت الحفاة الجياع العالة كانوا رؤوس الناس فذلك من معالم الساعة وأشراطها "، قال: يا رسول الله ومن أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة؟ قال: " العرب» (¬1) . قال القرطبي: " المقصود الإخبار عن تبدل الحال بأن يستولي أهل البادية على أمر، ويتملكوا البلاد بالقهر فتكثر أموالهم وتنصرف هممهم إلى تشييد البنيان والتفاخر به، وقد شاهدنا ذلك في هذه الأزمان " (¬2) . وقال ابن رجب الحنبلي: " ومضمون ما ذكر من أشراط الساعة في هذا الحديث يرجع إلى أن الأمور توسد إلى غير أهلها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الساعة: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» (¬3) فإنه إذا صار الحفاة العراة رعاء الشاء وهم أهل الجهل والجفاء رؤوس الناس وأصحاب الثروة والأموال حتى يتطاولوا في البنيان فإنه يفسد بذلك نظام الدين والدنيا " (¬4) . ويقول الحافظ ابن حجر: " ومعنى التطاول في البنيان أن كل من يبني بيتا يريد أن يكون ارتفاعه أعلى من ارتفاع الآخر، ويحتمل أن يكون المراد: المباهاة في الزينة والزخرفة أو أعم من ذلك، وقد وجد الكثير من ذلك وهو في ازدياد " (¬5) . ¬
المطلب السابع قبض العلم وظهور الجهل
[المطلب السابع قبض العلم وظهور الجهل] المطلب السابع: قبض العلم وظهور الجهل من علامات الساعة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قبض العلم وظهور الجهل، فعن أبي موسى وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما - قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بين يدي الساعة لأياما ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج، والهرج: القتل» (¬1) . وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا» (¬2) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، قالوا: يا رسول الله، أيم هو؟ ، قال: القتل القتل» (¬3) . قال ابن العربي (¬4) " وأما ذهاب العلم، قال المشيخة: فيكون بوجوده، إما بمحوه من القلوب، وقد كان في الذين قبلنا، ثم عصم هذه الأمة، فذهاب العلم منها بموت العلماء، وقد قال جماعة من الناس: إن ذهاب العلم يكون أيضا بذهاب العمل به، فيحفظون القرآن ولا يعملون به فيذهب العلم. . . والذي عندي أن الوجوه الثلاثة في هذه الأمة، فقد يذنب الرجل حتى يذهب ذنبه علمه، وقد يقرؤه ولا يعمل به، وقد يقبض بعلمه فلا ينتفع أحد به، أو يمنع من بثه فيذهب لوقته " (¬5) . ¬
وقال القرطبي أثناء شرحه لحديث: «إن من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل» : وأما قلة العلم وكثرة الجهل فذلك شائع في جميع البلاد ذائع، أعني برفع العلم وقلته: ترك العمل به (¬1) . وقال ابن حجر: قيل: إن المراد نقص علم كل عالم بأن يطرأ عليه النسيان مثلا، وقيل: نقص العلم بموت أهله، فكلما مات عالم ولم يخلفه غيره نقص العلم من تلك البلد (¬2) . وقد ورد ما يدل على أن المراد برفع العلم وكثرة الجهل: موت العلماء فلا يبقى إلا الجهال الذين يتخذهم الناس رؤساء فيضلوا ويضلوا غيرهم، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» (¬3) . وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: «لما كان في حجة الوداع؛ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مردف الفضل بن عباس على جمل آدم، فقال: " يا أيها الناس خذوا من العلم قبل أن يقبض العلم وقبل أن يرفع العلم "، وقد كان أنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة: 101] (¬4) . قال: فكنا قد كرهنا كثيرا من مسألته واتقينا ذلك حين أنزل الله ذلك على نبيه صلى الله عليه وسلم. قال: فأتينا أعرابيا، فرشوناه بردا، فاعتم به، حتى رأيت حاشيته خارجة من ¬
حاجبه الأيمن، قال: ثم قلنا له: سل النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له: يا نبي الله كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف، وقد تعلمنا ما فيها وعلمناها نساءنا وذرارينا وخدمنا؟ قال: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه وقد علت وجهه حمرة من الغضب، قال: فقال: " أي ثكلتك أمك، هذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف، لم يصبحوا يتعلقون منها بحرف مما جاءتهم به أنبياؤهم، ألا وأن من ذهاب العلم أن يذهب حملته (ثلاث مرات) » (¬1) . يقول الحافظ النووي أثناء شرحه لحديث عبد الله بن عمرو السابق: " هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس محوه من صدور حفاظه ولكن معناه: أن يموت حملته ويتخذ الناس جهالا يحكمون بجهالتهم فيضلون ويضلون " (¬2) . وقد وقع ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم في زمان من قبل فكيف بزماننا، قال ابن بطال (¬3) " وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناها عيانا فقد نقص العلم وظهر الجهل، وألقي الشح في القلوب وعمت الفتن وكثر القتل " (¬4) . من أجل هذا حث السلف على طلب العلم، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «عليكم بالعلم قبل أن يقبض، وقبضه ذهاب أهله، وعليكم بالعمل، فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إليه، وعليكم بالعلم، وإياكم والتنطع والتعمق، وعليكم بالعتيق» (¬5) . وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون، فتعلموا قبل أن يرفع العلم، فإن رفع العلم ذهاب العلماء» (¬6) . وقد ظهر مصداق هذا كله في زماننا ولم يبق العلم إلا في أناس قليل، فحسبنا الله ونعم الوكيل. ¬
المطلب الثامن تكليم السباع والجماد للإنس
[المطلب الثامن تكليم السباع والجماد للإنس] المطلب الثامن: تكليم السباع والجماد للإنس من أشراط الساعة التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم تكليم السباع الإنس، وإخبار فخذ الرجل بما يحدث أهله بعده، وكلام النعل والسوط لصاحبهما. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، ثم أقبل على الناس فقال: " بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث، فقال الناس: سبحان الله بقرة تكلم؟ فقال: فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم، وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب، فذهب منها بشاة، فطلب حتى كأنه استنقذها منه، فقال له الذئب يا هذا: استنقذتها مني فمن لها يوم السبع؟ يوم لا راعي لها غيري! فقال الناس: سبحان الله! ذئب يتكلم؟ قال: فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم» (¬1) . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «عدا الذئب على شاة فأخذها، فطلبه الراعي، فانتزعها منه، فأقعى (¬2) الذئب على ذنبه، قال: ألا تتقي الله تنزع مني رزقا ساقه الله إلي، فقال: يا عجبي! ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الإنس، فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد صلى الله عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما سبق، قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي بالصلاة جامعة، ثم خرج، فقال للراعي: " أخبرهم "، ¬
فأخبرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صدق، والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس، ويكلم الرجل عذبة (¬1) سوطه وشراك (¬2) نعله، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده» (¬3) . قال القرطبي: وفي هذا الحديث ما يرد على كفرة الأطباء والزنادقة الملحدين، وأن الكلام ليس مرتبطا بالهيبة والبله، وإنما الباري جلت قدرته يخلقه متى شاء في أي شيء شاء من جماد أو حيوان على ما قدره الخالق الرحمن، فقد كان الحجر والشجر يسلمان عليه صلى الله عليه وسلم تسليم من نطق وتكلم، ثبت ذلك في غير ما حديث، وهو قول أهل أصول الدين في القديم والحديث. وثبت باتفاق حديث البقرة والذئب وأنهما تكلما على ما أخبر عنهما صلى الله عليه وسلم في الصحيحين، قاله ابن دحية (¬4) (¬5) . فهذه أخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها أمارات للساعة، وإن كانت أمورا خارقة للعادة جارية على غير المألوف إلا أنه يجب الإيمان بها وتصديقها لثبوتها عنه صلى الله عليه وسلم. ¬
المطلب التاسع قطع الأرحام وسوء الجوار وظهور الفساد
[المطلب التاسع قطع الأرحام وسوء الجوار وظهور الفساد] المطلب التاسع: قطع الأرحام وسوء الجوار وظهور الفساد من علامات الساعة التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم قطيعة الرحم وسوء الجوار وظهور الفساد والفحش، ومن الأحاديث الدالة على ذلك: ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش وقطيعة الرحم وسوء المجاورة» (¬1) . وقد وقع ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم فنرى الفساد ظاهرا بين الناس كما نرى التقاطع وسوء الجوار حاصلا بينهم، وحل التباغض والتنافر بينهم محل المحبة والصلة والمودة، حتى إن الجار لا يعرف جاره، والقريب لا يعرف عن بعض أرحامه هل هم من الأموات أم من الأحياء، ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل. وقد جاءت الأدلة في الكتاب والسنة بالتحذير من قطيعة الرحم، وبينت أنها سبب للعنة والحرمان من دخول الجنة، قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ - أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22 - 23] (¬2) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قاطع رحم» (¬3) . وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على صلة الرحم، وبين أنها سبب لطول العمر وكثرة ¬
الرزق ورضا الله سبحانه وتعالى كما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه» (¬1) . كما دلت الأدلة في الكتاب والسنة على وجوب الإحسان إلى الجيران وإكرامهم وعدم إيذائهم، قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: 36] (¬2) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره» (¬3) . وقال صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» (¬4) . وعن أبي شريح قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه» (¬5) . ¬
المطلب العاشر كثرة الزلازل وظهور الخسف والقذف والمسخ الذي يعاقب الله به بعض هذه الأمة
[المطلب العاشر كثرة الزلازل وظهور الخسف والقذف والمسخ الذي يعاقب الله به بعض هذه الأمة] المطلب العاشر: كثرة الزلازل وظهور الخسف والقذف والمسخ الذي يعاقب الله به بعض هذه الأمة من علامات الساعة وأماراتها التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم: كثرة الزلازل، وظهور الخسف، والقذف، والمسخ، وقد دل على هذا الأحاديث الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل. . .» (¬1) . يقول الحافظ ابن حجر: " وقد وقع في كثير من البلاد الشمالية والشرقية والغربية كثير من الزلازل، ولكن الذي يظهر أن المراد بكثرتها شمولها ودوامها " (¬2) . وقد كثرت الزلازل في عصرنا الحاضر في أماكن متعددة، وهذا مصداق لما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يكون في آخر هذه الأمة خسف (¬3) ومسخ (¬4) وقذف (¬5) " قالت: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: " نعم، إذا ظهر الخبث» (¬6) . ¬
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف " فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله، ومتى ذلك؟ قال: " إذا ظهرت المعازف وكثرت القيان وشربت الخمور» (¬1) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اتخذ الفيء دولا، والأمانة مغنما، والزكاة مغرما، وتعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه، وأدنى صديقه وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع» (¬2) . وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: أن وقوع الخسف والمسخ والقذف في الزنادقة وأهل القدر، فعن نافع قال: «بينما نحن عند عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قعودا إذ جاء رجل، فقال: إن فلانا يقرأ عليك السلام - لرجل من أهل الشام - فقال عبد الله: بلغني أنه أحدث حدثا، فإن كان كذلك فلا تقرأن عليه مني السلام، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه سيكون في أمتي مسخ وقذف وهو في الزنديقية والقدرية» (¬3) . فهذه الأحاديث السابقة التي فيها ذكر الخسف والقذف والمسخ فيها وعيد شديد للعصاة من أهل المعازف وشاربي الخمور بأن يعاقبهم الله تعالى بهذه العقوبات أو ببعضها على عصيانهم وتمردهم، وهي في نفس الوقت من أمارات الساعة التي كلما يقترب وقوعها يزداد ظهور المعاصي والذنوب؛ لأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق والله أعلم. ¬
المبحث الثاني أشراط الساعة الكبرى
[المبحث الثاني أشراط الساعة الكبرى] [المطلب الأول خروج المهدي] [المسألة الأولى معنى المهدي] المبحث الثاني: أشراط الساعة الكبرى وفيه المطالب الآتية: المطلب الأول: خروج المهدي المطلب الثاني: فتنة المسيح الدجال المطلب الثالث: نزول عيسى ابن مريم عليه السلام المطلب الرابع: خروج يأجوج ومأجوج المطلب الخامس: طلوع الشمس من مغربها المطلب السادس: خروج الدابة المطلب السابع: الدخان الذي يكون في آخر الزمان المطلب الثامن: الخسوفات الثلاثة المطلب التاسع: النار التي تحشر الناس
المطلب الأول: خروج المهدي من علامات الساعة وأماراتها الكبرى ظهور المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، ويلي أمر هذه الأمة ويجدد لها دينها، وهو رجل يحكم بالإسلام ويملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا وظلما، تنعم الأمة في عهده بالخيرات والنعم التي لم تنعم بمثلها قط، قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: في زمانه تكون الثمار كثيرة، والزروع غزيرة، والمال وافر، والسلطان قاهر، والدين قائم، والعدو راغم، والخير في أيامه دائم (¬1) . وسيكون الكلام عليه في المسائل الآتية: المسألة الأولى: معنى المهدي المهدي: لغة اسم مفعول من: هداه هدى وهديا وهداية، والهدى: هو الرشاد والدلالة، يقال: هداه الله للدين هدى، وهديته الطريق، وإلى الطريق هداية: أي عرفته (¬2) . وقال ابن الأثير: المهدي الذي هداه الله إلى الحق، وقد استعمل في الأسماء حتى صار كالأسماء الغالبة (¬3) . وقد وردت هذه الكلمة في أحاديث عديدة، منها حديث العرباض بن سارية، وفيه: «وسنة الخلفاء الراشدين المهديين» (¬4) . وقال ابن الأثير: " ويريد بالخلفاء المهديين أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم أجمعين وإن كان عاما في كل من سار سيرتهم " (¬5) . ¬
المسألة الثانية اسمه واسم أبيه ونسبه
والمراد بالمهدي هنا: هو الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجيء في آخر الزمان، ويؤيد الدين ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية، ويكون من أهل بيته صلى الله عليه وسلم، ويخرج في زمنه عيسى عليه السلام، والدجال. وقد وردت في شأن المهدي أحاديث كثيرة ما بين صحاح وحسان وضعاف تنجبر وضعاف شديدة الضعف (¬1) . وهذه الأحاديث توضح وتخبر عن خروجه في الناس، وذلك بعد ما يعم الأرض الظلم والفساد والطغيان؛ فيأتي ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت جورا وظلما. وهو من سلالة النبي صلى الله عليه وسلم ومن أبناء فاطمة - رضي الله عنها - وعلى خده شامة كأنها كوكب دري. [المسألة الثانية اسمه واسم أبيه ونسبه] المسألة الثانية: اسمه واسم أبيه ونسبه اسم المهدي (محمد) ، واسم أبيه (عبد الله) . فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا مني - أو من أهل بيتي - يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض. . .» الحديث. وفي رواية أخرى: «لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» . وفي رواية أخرى: «يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» ، قال: وقال أبو هريرة: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي. . .» (¬2) . ¬
المسألة الثالثة صفة المهدي
وأما نسبه: فالروايات الكثيرة تبين لنا أنه من ولد فاطمة البتول، ابنة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام - رضي الله عنها - وعن أولادها الطاهرين. عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المهدي من عترتي (¬1) من ولد فاطمة» (¬2) . وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة» (¬3) . فهذه الأخبار كلها تؤكد أن المهدي من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ولد فاطمة الزهراء، وهذا ما عليه جماهير الأمة، فلا يسوغ العدول عنه ولا الالتفات إلى غيره من الأحاديث الضعيفة والموضوعة. يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في المهدي: وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه (¬4) . [المسألة الثالثة صفة المهدي] المسألة الثالثة: صفة المهدي من صفات المهدي الواردة في السنة ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " المهدي مني، أجلى ¬
المسألة الرابعة مكان خروج المهدي وزمانه ومدة مكثه في الأرض
الجبهة (¬1) أقنى الأنف (¬2) يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، ويملك سبع سنين» (¬3) . ومن الأمور الدالة عليه، أنه يخرج في زمان ساد فيه الجور والظلم، فيقيم هو بأمر الله العدل والحق، ويمنع الظلم والجور، وينشر الله به لواء الخير على الأمة، حيث يسقيه الله الغيث فتمطر السماء كثيرا لا تدخر شيئا من قطرها، وتؤتي الأرض أكلها لا تدخر عن الناس شيئا من نباتها، وتكثر المواشي بسبب الخيرات، ويفيض المال فيقسمه بين الناس بالسوية. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحا، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعا، أو ثمانيا، يعني حججا» (¬4) . [المسألة الرابعة مكان خروج المهدي وزمانه ومدة مكثه في الأرض] المسألة الرابعة: مكان خروج المهدي وزمانه ومدة مكثه في الأرض ليست هناك روايات صحيحة صريحة تدل على مكان خروجه، أو الزمن الذي يخرج فيه، ولكن استأنس أهل العلم في بيان ذلك من مفهوم بعض الروايات وإن لم تكن قطعية. ¬
فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقتتل عند كنزكم ثلاثة، كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم ". ثم ذكر شيئا لا أحفظه فقال: " فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي» (¬1) . قال ابن كثير - رحمه الله -: والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة، يقتتل عنده ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء، حتى يكون آخر الزمان فيخرج المهدي، ويكون ظهوره من بلاد المشرق لا من سرداب سامرا، كما يزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الآن وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان، فإن هذا نوع من الهذيان، وقسط كبير من الخذلان، شديد من الشيطان؛ إذ لا دليل على ذلك، ولا برهان لا من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا استحسان، إلى أن قال: " ويؤيده بناس من أهل المشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه ويشدون أركانه، وتكون راياتهم سودا أيضا، وهو زي عليه الوقار؛ لأن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء يقال له العقاب " إلى أن قال: " والمقصود: أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية المشرق، ويبايع له عند البيت كما دل على ذلك نص الأحاديث " (¬2) . وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة فينزل عيسى فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة» (¬3) . ¬
وهناك رواية أوردها ابن القيم - رحمه الله - في المنار المنيف حدد فيها اسم الأمير الذي يصلي إماما وأنه المهدي بلفظ: «فيقول أميرهم المهدي: تعال صلّ بنا» . . . إلى آخر الحديث. ثم قال ابن القيم - رحمه الله - بعد أن أورد الحديث: وهذا إسناد جيد (¬1) . وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث، فإذا كانوا ببيداء من الأرض (¬2) خسف بهم، فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان كارها؟ قال: يخسف به معهم، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته» (¬3) . وعن حفصة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيعوذ بهذا البيت - يعني الكعبة - قوم ليست لهم منعة ولا عدد ولا عدة، يبعث إليهم جيش، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم» (¬4) . وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، فقلنا: يا رسول الله، صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله؟ فقال: " العجب أن ناسا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش، قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم "، فقلنا: يا رسول الله، إن الطريق قد تجمع الناس، فقال: " نعم، فيهم المستبصر (¬5) والمجبور (¬6) وابن السبيل يهلكون مهلكا ¬
واحدا، ويصدرون مصادر شتى (¬1) يبعثهم الله عز وجل على نياتهم» (¬2) . ففي هذه الروايات الثلاث عن أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن - جميعا، إشارة صريحة للعائذ بالبيت وأنه من قريش، وأنه يؤيد بنصر الله، فيهلك الله أعداءه بالخسف. وقد ورد أيضا في الأحاديث الصحيحة ذكر خليفة يكثر الخير في زمانه حتى إنه يحثو المال حثوا ولا يعده عددا ويعطيه للناس بدون عدد، ولكن الروايات هنا أيضا لم تحدد اسم هذا الخليفة. فعن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده» . وفي رواية: «يكون في آخر أمتي خليفة يحثو المال حثوا» (¬3) . وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج من بني هاشم فيأتي مكة فيستخرجه الناس من بيته بين الركن والمقام، فيجهز إليه رجل من قريش، أخواله من كلب، فيجهز إليه جيش فيهزمهم الله، فتكون الدائرة عليهم، فذلك يوم كلب، الخائب من خاب من غنيمة كلب، فيستفتح الكنوز ويقسم الأموال، ويلقي الإسلام بجرانه (¬4) إلى الأرض، فيعيشون بذلك سبع سنين أو قال: تسعا» (¬5) . ¬
المسألة الخامسة تواتر أحاديث المهدي
وفي رواية أبي داود: ". . . «فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام» . . . " (¬1) الحديث. ومن مجمل الروايات السابقة يتبين لنا أن المهدي رجل صالح يخرج في آخر الزمان، ويأوي إلى مكة هاربا من المدينة، فيبايع بين الركن والمقام عند الكعبة المشرفة، فيبعث إليه جيش لقتله فيخسف بهم، وينصره الله ويؤيده فيحكم بالإسلام، وينشر العدل بين الناس، ويعم الرخاء والنعمة بزمانه، ويلتقي مع نبي الله عيسى عليه السلام فيؤم الأمة وعيسى عليه السلام يصلي خلفه، ويخرج معه ويساعده على قتل الدجال، ويعيش سبعا أو تسع سنين، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون. [المسألة الخامسة تواتر أحاديث المهدي] المسألة الخامسة: تواتر أحاديث المهدي لقد نص على تواتر الأحاديث في المهدي تواترا معنويا عدد من الأئمة والعلماء: يقول الحافظ أبو الحسن الآبري (¬2) " وقد تواترت الأخبار واستفاضت وكثرت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بخروجه، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلا، وأنه يخرج مع عيسى عليه السلام فيساعده على قتل الدجال بباب لد (¬3) بأرض فلسطين، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه " (¬4) . ¬
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم " (¬1) . ويقول الحافظ ابن كثير: " فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان، وهو أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، وليس بالمنتظر الذي تزعم الروافض وترتجي ظهوره من سرداب في سامرا، فإن ذاك ما لا حقيقة له ولا عين ولا أثر. . . وأما ما سنذكره فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه في آخر الدهر، وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى ابن مريم كما دلت على ذلك الأحاديث " (¬2) . ويقول العلامة محمد السفاريني في المهدي: " وقد كثرت بخروجه - أي المهدي - الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة، حتى عد من معتقداتهم " (¬3) . ويقول أيضا: " وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد بمجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب، كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة " (¬4) . ويقول العلامة محمد البرزنجي في كتابه - الإشاعة لأشراط الساعة -: " قد علمت أن أحاديث المهدي وخروجه آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة عليها السلام بلغت حد التواتر المعنوي فلا معنى لإنكارها " (¬5) . ¬
ويقول العلامة محمد صديق خان بن حسن القنوجي (¬1) في كتابه - الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة -: " الأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف روايتها كثيرة جدا تبلغ حد التواتر المعنوي، وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد " (¬2) . وقال العلامة الشوكاني: " الأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثا، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك وشبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضا، لها حكم الرفع؛ إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك " (¬3) . وقال العلامة محمد بن جعفر الكتاني (¬4) " والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، وكذا الواردة في الدجال وفي نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام " (¬5) . ويقول العلامة أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي: " واعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل ¬
من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على إثره، وأن عيسى عليه السلام ينزل من بعده فيقتل الدجال، أو ينزل معه فيساعده على قتله، ويأتم بالمهدي في صلاته. وخرج أحاديث المهدي جماعة من الأئمة منهم: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبزار، والحاكم، والطبراني، وأبو يعلى الموصلي، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل: علي، وابن عباس، وابن عمر، وطلحة، وعبد الله بن مسعود، وأبي هريرة، وأنس، وأبي سعيد الخدري، وأم حبيبة، وأم سلمة، وثوبان، وقرة بن إياس، وعلي الهلالي، وعبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنهم (¬1) . ويقول سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ما ملخصه: " أمر المهدي معلوم، والأحاديث فيه مستفيضة، بل متواترة متعاضدة، وقد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها، وتواترها تواتر معنوي، لكثرة طرقها، واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها، فهي بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق، وهو محمد بن عبد الله العلوي الحسني من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وهذا الإمام من رحمة الله عز وجل بالأمة في آخر الزمان، يخرج فيقيم العدل والحق، ويمنع الظلم والجور، وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلا وهداية وتوفيقا وإرشادا للناس. وقد اطلعت على كثير من أحاديثه فرأيتها كما قال الشوكاني وغيره، وكما قال ابن القيم وغيره: فيها الصحيح، وفيها الحسن، وفيها الضعيف المنجبر، وفيها أخبار موضوعة، ويكفينا من ذلك ما استقام سنده، سواء كان صحيحا لذاته أو لغيره، وسواء كان حسنا لذاته أو لغيره، وهكذا الأحاديث الضعيفة إذا ¬
المسألة السادسة أقسام الناس في المهدي
انجبرت وشد بعضها بعضا، فإنها حجة عند أهل العلم. . . والحق أن جمهور أهل العلم - بل هو كالاتفاق - على ثبوت أمر المهدي، وأنه حق، وأنه سيخرج في آخر الزمان، أما من شذ عن أهل العلم في هذا الباب فلا يلتفت إلى كلامه في ذلك " (¬1) . وقد أحصى فضيلة شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر - حفظه الله - في كتابه القيم عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر عدد الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي فبلغوا ستة وعشرين صحابيا، كما أحصى عدد الأئمة الذين خرجوا هذه الأحاديث والآثار في كتبهم فبلغوا ستة وثلاثين إماما، منهم أصحاب السنن الأربعة والإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وغيرهم، كما ذكر بعض من ألف في شأن المهدي، والذين حكموا على أحاديث المهدي بالتواتر، كما ذكر بعض العلماء المحققين الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها وهم جمع كبير. وفي الجملة: فهي رسالة جيدة وقيمة في هذا الموضوع يحسن الرجوع إليها وقراءتها لما اشتملت عليه من فوائد عظيمة. [المسألة السادسة أقسام الناس في المهدي] المسألة السادسة: أقسام الناس في المهدي انقسم الناس في أمر المهدي إلى طرفين ووسط: 1 - أما المذهب الوسط: فهو معتقد أهل السنة والجماعة الذين يثبتون خروج المهدي على ما دلت عليه النصوص الثابتة التي ذكر فيها اسمه واسم أبيه ونسبه وصفاته وأنه خليفة راشد ومصلح يظهر في آخر الزمان يؤيده الله ويصلح به العباد والبلاد. يقول الحافظ ابن القيم - رحمه الله - حينما تكلم عن أقسام الناس في المهدي عن معتقد أهل السنة والجماعة: " القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت ¬
النبي صلى الله عليه وسلم من ولد الحسن بن علي، يخرج في آخر الزمان، وقد امتلأت الأرض جورا وظلما، فيملؤها قسطا وعدلا، وأكثر الأحاديث على هذا تدل (¬1) ". وقد سبق ذكر الأدلة التي تدل على خروجه وجملة من أقوال أهل العلم التي تبين معتقد أهل السنة والجماعة في المهدي. 2 - وأما الطرف الأول: فهم الذين ينكرون خروج المهدي قديما وحديثا من الذين ليس لهم خبرة بالنصوص وأقوال أهل العلم، تمشيا مع مذهبهم الباطل في نفي الأمور الغيبية التي لا تدركها عقولهم ولا توافق أهواءهم ويقولون: إن المهدي أسطورة وخرافة دخلت على أهل السنة من جهة الشيعة، ويقولون أيضا: إن الأحاديث الواردة فيه بعضها باطل والبعض الآخر متناقض. وقد رد العلماء على هؤلاء وبينوا فساد قولهم ومخالفته لما ثبت في النصوص الصحيحة. ومن أجمل الردود في هذا الباب ما كتبه فضيلة شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد - حفظه الله - في رسالته: الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي، وما كتبه فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله بن حمد التويجري - رحمه الله - في كتابه الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر. يقول شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر - حفظه الله -: " أما الجواب عن السؤال الثاني فهو أني لم أقف على تسمية أحد في الماضين أنكر أحاديث المهدي أو تردد فيها سوى رجلين اثنين، أما أحدهما فهو أبو محمد بن الوليد البغدادي الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة، وقد مضى حكاية كلام شيخ الإسلام عنه وأنه قد اعتمد على حديث: «لا مهدي إلا عيسى ابن مريم» ، وقال ابن تيمية: وليس مما يعتمد عليه لضعفه، انتهى، وسبق في أثناء كلام الذين نقلت عنهم أنه لو صح هذا الحديث فالجمع بينه وبين ¬
أحاديث المهدي ممكن. ولم أقف على ترجمة لأبي محمد المذكور. وأما الثاني: فهو عبد الرحمن بن خلدون المغربي المؤرخ المشهور، وهو الذي اشتهر بين الناس عنه تضعيفه أحاديث المهدي، وقد رجعت إلى كلامه في مقدمة تاريخه فظهر لي منه التردد لا الجزم بالإنكار، وعلى كل حال فإنكارها أو التردد في التصديق بما دلت عليه شذوذ عن الحق ونكوب عن الجادة المطروقة، وقد تعقبه الشيخ صديق حسن في كتابه الإذاعة حيث قال: " لا شك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر وعام؛ لما تواتر من الأخبار في الباب واتفق عليه جمهور الأمة خلفا عن سلف إلا من لا يعتد بخلافه " وقال: " لا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود والمنتظر المدلول عليه بالأدلة، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر " (¬1) انتهى. ولعل المنكرين في عصرنا الحاضر للمهدي متأثرون بهذين الرجلين. 3 - وأما الطرف الثالث: فهم من يغالي في أمر المهدي من الطوائف الضالة حتى ادعت كل طائفة منهم أن زعيمهم هو المهدي المنتظر، وقد أشار الحافظ ابن القيم - رحمه الله - إلى هؤلاء بقوله: وأما الرافضة الإمامية فلهم قول رابع وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر، من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن، الحاضر في الأمصار، الغائب عن الأبصار، الذي يورث العصا، ويختم الفضا، دخل سرداب سامراء طفلا صغيرا من أكثر من خمسمائة سنة، فلم تره بعد ذلك عين، ولم يحس فيه بخبر ولا أثر، وهم ينتظرونه كل يوم!! يقفون بالخيل على باب السرداب ويصيحون به أن يخرج إليهم: اخرج يا مولانا، اخرج يا مولانا، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان، فهذا دأبهم ودأبه، ولقد أحسن من قال: ما آن للسرداب أن يلد الذي ... كلمتموه بجهلكم ما آنا؟ فعلى عقولكم العفاء فإنكم ... ثلثتم العنقاء والغيلانا ¬
ولقد أصبح هؤلاء عارا على بني آدم، وضحكة يسخر منهم كل عاقل (¬1) . وبهذا يتبين أنه لا يلتفت إلى ضعف مَن ضعَّف أحاديث المهدي أو كذب بها ممن ليس من فرسان هذا العلم ولا يعتد بخلافه. وأما الذين أنكروا خروج المهدي في آخر الزمان وأنه لا مهدي سوى عيسى ابن مريم احتجاجا بحديث: «لا مهدي إلا عيسى ابن مريم» (¬2) فإن هذا الحديث لا تقوم به حجة؛ لأنه حديث ضعيف ومداره على محمد بن خالد الجندي وهو رجل ضعيف. قال القرطبي: " قيل إن هذا الحديث لا يصح لأنه انفرد بروايته محمد بن خالد الجندي، قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ الجندي هذا مجهول، واختلف عليه في إسناده. . . والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم لها دونه " (¬3) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " الحديث الذي فيه «لا مهدي إلا عيسى ابن مريم» رواه ابن ماجه وهو حديث ضعيف، رواه عن يونس عن الشافعي عن شيخ مجهول من أهل اليمن لا تقوم بإسناده حجة " (¬4) . وقال الحافظ الذهبي في ترجمة محمد بن خالد الجندي: قال الأزدي: منكر الحديث، وقال أبو عبد الله الحاكم: مجهول. ¬
قلت: - القائل الذهبي - حديثه: «لا مهدي إلا عيسى ابن مريم» ، وهو خبر منكر أخرجه ابن ماجه. وقال الحافظ الذهبي أيضا: " فأما حديث «لا مهدي إلا عيسى ابن مريم» فضعيف، فلا يعارض هذا الأحاديث (¬1) . فهذا الحديث الضعيف لا يعارض به الأحاديث الصحيحة الثابتة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في شأن المهدي، وعلى فرض صحة هذا الحديث فإنه كما قال الإمام القرطبي: يحتمل أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام: «ولا مهدي إلا عيسى» : أي لا مهدي كاملا معصوما إلا عيسى، وعلى هذا تجتمع الأحاديث ويرتفع التعارض (¬2) ويقول العلامة ابن قيم الجوزية: ولو صح لم يكن فيه حجة؛ لأن عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الساعة، وقد دلت السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على نزوله على المنارة البيضاء شرقي دمشق، وحكمه بكتاب الله، وقتله اليهود والنصارى، ووضعه الجزية، وإهلاك أهل الملل في زمانه، فيصح أن يقال: لا مهدي في الحقيقة سواه وإن كان غيره مهديا، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا ما وقى وجه صاحبه، وكما يصح أن يقال: إنما المهدي عيسى ابن مريم، يعني المهدي الكامل المعصوم " (¬3) . ويقول الحافظ ابن كثير: " وعند التأمل لا يتنافيان، بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حقا هو عيسى ابن مريم، ولا ينفي ذلك أن يكون غيره مهديا أيضا، والله أعلم " (¬4) . ¬
المطلب الثاني فتنة المسيح الدجال
[المطلب الثاني فتنة المسيح الدجال] المطلب الثاني: فتنة المسيح الدجال لفظ الدجال على وزن فعال بفتح أوله والتشديد من الدجل وهو التغطية، وأصل الدجل معناه: الخلط، يقال: دجل إذا لبس وموه، وجمع دجال: دجالون، ودجاجلة. وسمي الدجال دجالا؛ لأنه يغطي الحق بباطله، أو لأنه يغطي على الناس كفره بكذبه وتمويهه وتلبيسه عليهم (¬1) . المراد بالدجال هنا: الدجال الأكبر الذي يخرج قبيل قيام الساعة في زمن المهدي وعيسى عليه السلام. وخروجه من الأشراط العظيمة المؤذنة بقيام الساعة، وفتنته من أعظم الفتن والمحن التي تمر على الناس، ويسمى مسيحا؛ لأن إحدى عينيه ممسوحة أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يوما، ولفظة المسيح تطلق على الصديق، وهو عيسى عليه السلام، وعلى الضليل الكذاب وهو الأعور الدجال (¬2) . قال القرطبي: " واختلف في لفظة المسيح لغة على ثلاثة وعشرين قولا، ذكرها الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه مجمع البحرين، وقال: لم أر من جمعها قبلي ممن رحل وجال ولقي الرجال " (¬3) . والمقصود بالمسيح هنا مسيح الضلالة الذي يفتن الناس بما يجري على يديه من الآيات، كإنزال المطر وإحياء الأرض، وبما يظهر على يديه من عجائب وخوارق للعادات، وأما مسيح الهدى فهو عيسى ابن مريم عليه السلام الذي سيأتي الكلام عليه. ¬
وقد تواترت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر خروج الدجال في آخر الزمان والتحذير منه، حيث وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته وصفا دقيقا لا يخفى على ذي بصيرة، كما حذر منه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله أممهم ووصفوه لهم أوصافا ظاهرة. ومن الأحاديث الواردة في ذلك حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: " إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه، إنه أعور، وان الله ليس بأعور» (¬1) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم عن الدجال حديثا ما حدثه نبي قومه؟ إنه أعور، وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذرتكم به كما أنذر به نوح قومه» (¬2) . وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوما بين ظهراني الناس الدجال فقال: " إن الله تعالى ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية» (¬3) " (¬4) . ¬
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما يحدثنا به أنه قال: " يأتي الدجال، وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينتهي إلى بعض السباخ (¬1) التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس - أو من خير الناس - فيقول له: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، أتشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه، فيقول: والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم الآن، قال: فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه» (¬2) . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بعث نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، ومكتوب (¬3) بين عينيه ك. ف. ر» (¬4) . وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: «ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه، عرف ذلك فينا، فقال: " ما شأنكم؟ " قلنا: يا رسول الله، ذكرت الدجال الغداة، فخفضت فيه ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: " غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط (¬5) عينه طافئة، كأني ¬
أشبهه بـ (عبد العزى بن قطن) فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينا، وعاث شمالا، يا عباد الله فاثبتوا. قلنا: يا رسول الله، وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله فذاك اليوم الذي كسنة: أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره، قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به، ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كان ذرا وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله. قال: فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين (¬1) ليس بأيديهم شيء من أحوالهم، ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك، فيتبعه كنوزها كيعاسيب (¬2) النحل، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين، رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل، ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك، إذ بعث الله المسيح ابن مريم عليه السلام، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين (¬3) واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ (¬4) فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى ¬
يدركه بباب لد، فيقتله، ثم يأتي عيسى ابن مريم قوما قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم: إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم، فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار، فيرغب نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف (¬1) في رقابهم فيصبحون فرسى، كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم (¬2) ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة (¬3) ثم يقال للأرض أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ كل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها (¬4) ويبارك في الرسل، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك، إذ بعث الله ريحا طيبا، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن ومسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة» (¬5) . ¬
قال الخطابي - رحمه الله -: " هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده، وأنه شخص بعينه ابتلى الله به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى، من إحياء الميت الذي يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا، والخصب معه، وجنته وناره ونهريه، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ويبطل أمره ويقتله عيسى صلى الله عليه وسلم ويثبت الله الذين آمنوا. هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار، خلافا لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج (¬1) والجهمية (¬2) وبعض المعتزلة (¬3) وخلافا للبخاري المعتزلي وموافقيه من الجهمية وغيرهم في أنه صحيح الوجود، ولكن الذي يدعي مخارق وخيالات لا حقائق لها. وزعموا أنه لو كان حقًّا لم يوثق بمعجزات الأنبياء صلى الله عليه وسلم ¬
، وهذا غلط من جميعهم؛ لأنه لم يدع النبوة فيكون ما معه كالتصديق له، وإنما يدعي الإلهية وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله، ووجود دلائل الحدوث فيه ونقص صورته وعجزه عن إزالة العور الذي في عينيه، وعن إزالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه، ولهذه الدلائل وغيرها لا يغتر به إلا رعاع من الناس لسد الحاجة والفاقة رغبة في سد الرمق أو تقية وخوفا من أذاه؛ لأن فتنته عظيمة جدا تدهش العقول وتحير الألباب مع سرعة مروره في الأرض فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء حاله، ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من فتنته ونبهوا على نقصه ودلائل إبطاله. وأما أهل التوفيق فلا يغترون ولا يخدعون بما معه لما ذكرناه من الدلائل المكذوبة له مع ما سبق لهم من العلم بحاله، ولهذا يقول الذي يقتله ثم يحييه: ما ازددت فيك إلا بصيرة " (¬1) . وقد دلت الأحاديث علي أن المسيح الدجال يدخل كل بلد إلا مكة والمدينة، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق» (¬2) . قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: " قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال» هو على ظاهره وعمومه عند الجمهور، وشذ ابن حزم (¬3) فقال: المراد: إلا يدخله بعثه وجنوده، وكأنه استبعد إمكان دخول الدجال جميع البلاد لقصر مدته، وغفل عما ثبت في صحيح مسلم أن بعض أيامه يكون قدر سنة " (¬4) . ¬
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم مدة مكثه في الأرض بعد خروجه، وأن قتله يكون على يد عيسى ابن مريم عليه السلام كما في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه، وقد سبق ذكره (¬1) . فظهور الدجال - أخسأه الله وأخزاه - وشدة فتنته وهوله وبلاء الناس به، وبما يجري على يديه من علامات الساعة العظيمة وأشراطها الجسيمة، وقد سبق إيراد الأحاديث النبوية في شأنه والخبر عنه وبيان وصفه ونعته والتحذير منه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ في صلاته وغيرها من فتنة الدجال وشره وأمر أمته بذلك. فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن: " اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات» (¬2) . وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط بني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة فقال: " من يعرف أصحاب هذه الأقبر "؟ فقال رجل أنا: قال: " متى مات هؤلاء "؟ قال: ماتوا في الإشراك، فقال: " إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر "، قالوا: نعوذ بالله من النار، قال: " تعوذوا بالله من عذاب القبر "، قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال: " تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن "، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال: " تعوذوا بالله من فتنة المسيح الدجال "، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال» (¬3) . ¬
وقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين إلى ما يعصمهم من فتنة المسيح الدجال كما جاء في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال» . قال مسلم: قال شعبة: من آخر الكهف، وقال همام: من أول الكهف (¬1) . قال المناوي مبينا سبب العصمة: " وذلك لما في قصة أهل الكهف من العجائب، فمن علمها لم يستغرب أمر الدجال فلا يفتن، أو لأن من تدبر هذه الآيات وتأمل معناها حذره فأمن منه أو هذه خصوصية أودعت في السورة " (¬2) . فسورة الكهف لها شأن عظيم وفيها من العجائب والآيات الباهرات التي من تدبرها عصم من فتنة الدجال، وقد ورد الحث على قراءتها وخاصة في يوم الجمعة، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين» (¬3) . فينبغي على المسلم أن يحرص على قراءة هذه السورة وحفظها وخاصة في يوم الجمعة. وقبل الانتهاء من الكلام على الدجال أحب أن أشير إلى مسألتين لهما علاقة بالكلام على موضوع الدجال وهما: 1 - هل ابن صياد (¬4) هو الدجال؟ . 2 - الحكمة من عدم ذكر الدجال في القرآن. ¬
أما المسألة الأولى - وهي: هل ابن صياد هو الدجال؟ - فقد اختلف العلماء في ذلك اختلافا شديدا، واضطربت فيه الروايات والآراء، وقبل الدخول في ذكر أقوال العلماء في ذلك أحب أن أشير إلى بعض الروايات الواردة في شأنه، من ذلك: رواية عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط قبل ابن صياد حتى وجده يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صياد: " أتشهد أني رسول الله "؟ فنظر إليه ابن صياد، فقال: أشهد أنك رسول الأميين، فقال ابن صياد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " آمنت بالله وبرسله "، ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ماذا ترى "؟ قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خلط عليك الأمر "، ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني خبأت لك خبيئا " فقال ابن صياد: هو الدخ (¬1) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اخسأ فلن تعدو قدرك ". فقال عمر بن الخطاب: ذرني يا رسول الله أن أضرب عنقه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن يكنه فلن تسلط عليه، وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله» (¬2) . وقال سالم بن عبد الله: سمعت عبد الله بن عمر يقول: «انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب الأنصاري إلى النخل التي فيها ابن صياد حتى ¬
إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل طفق يتقي بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه ابن صياد، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراش في قطيفة له فيها زمزمة (¬1) فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتقي بجذوع، فقالت لابن صياد: يا صاف (وهو اسم ابن صياد) هذا محمد، فثار ابن صياد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو تركته بين» (¬2) " (¬3) . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر - يعني ابن صياد - في بعض طرق المدينة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتشهد أني رسول الله "؟ فقال هو: أتشهد أني رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " آمنت بالله وملائكته وكتبه، ما ترى "؟ قال: أرى عرشا على الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ترى عرش إبليس على البحر، وما ترى "؟ قال: أرى صادقين وكاذبا - أو كاذبين وصادقا - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لبس (¬4) عليه، دعوه» (¬5) . وعنه أيضا: «خرجنا حجاجا أو عمارا ومعنا ابن صياد، قال: فنزلنا منزلا، فتفرق الناس وبقيت أنا وهو. فاستوحشت منه وحشة شديدة مما يقال عليه، قال: وجاء بمتاعه فوضعه مع متاعي، فقلت: إن الحر شديد، فلو وضعته تحت تلك الشجرة. قال: ففعل، قال: فرفعت لنا غنم، فانطلق فجاء بعس (¬6) فقال: اشرب أبا سعيد! فقلت: إن الحر شديد واللبن حار، ما بي إلا أني أكره أن أشرب عن يده - أو قال آخذ عن يده - فقال: أبا سعيد! لقد هممت أن آخذ ¬
حبلا فأعلقه بشجرة ثم أختنق مما يقول لي الناس، يا أبا سعيد: من خفي عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفي عليكم معشر الأنصار، ألست من أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو عقيم لا يولد له، وقد تركت ولدي بالمدينة؟ أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل المدينة ولا مكة، وقد أقبلت من المدينة، وأنا أريد مكة؟ . قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: حتى كدت أن أعذره، ثم قال: أما والله إني لأعرف مولده وأين هو الآن. قال: قلت له: تبا لك سائر اليوم» (¬1) (¬2) . ومن أقوال العلماء في ابن صياد هل هو الدجال الأكبر أم لا، قوله البيهقي في سياق كلامه على حديث تميم الداري السابق فيه أن الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان غير ابن صياد، وكان ابن صياد أحد الدجالين الكذابين الذين أخبر صلى الله عليه وسلم بخروجهم، وقد خرج أكثرهم، وكأن الذين يجزمون بأن ابن صياد هو الدجال لم يسمعوا بقصة تميم، وإلا فالجمع بينهما بعيد جدا؛ إذ كيف يلتئم أن يكون من كان في أثناء الحياة النبوية شبه محتلم، ويجتمع به النبي صلى الله عليه وسلم ويسأله أن يكون في آخرها شيخا كبيرا مسجونا في جزيرة من جزائر البحر موثقا بالحديد يستفهم عن خبر النبي صلى الله عليه وسلم هل خرج أو لا؟ فالأولى أن يحمل على عدم الاطلاع، أما عمر فيحتمل أن يكون ذلك منه قبل أن يسمع قصة تميم ثم لما سمعها لم يعد إلى الحلف المذكور، وأما جابر فشهد حلفه عند النبي صلى الله عليه وسلم فاستصحب ما كان اطلع عليه من عمر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم (¬3) . وقال النووي: قال العلماء: وقصته مشكلة وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره، ولا شك في أنه دجال من الدجاجلة. قال العلماء: وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوصف إليه بأنه المسيح الدجال ولا ¬
غيره، وإنما أوحي إليه بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره، ولهذا قال لعمر رضي الله عنه: إن يكن هو فلن تستطيع قتله. وأما احتجاجه هو بأنه مسلم والدجال كافر، وبأنه لا يولد للدجال وقد ولد له هو، وأنه لا يدخل مكة والمدينة وأن ابن صياد دخل المدينة وهو متوجه إلى مكة، فلا دلالة له فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه في الأرض، ومن اشتباه قصته وكونه أحد الدجاجلة الكذابين قوله للنبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ ودعواه أنه يأتيه صادق وكاذب، وأنه يرى عرشا فوق الماء، وأنه لا يكره أن يكون هو الدجال، وأنه يعرف موضعه، وقوله: إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن، وانتفاخه حتى ملأ السكة، وأما إظهاره الإسلام وحجه وجهاده وإقلاعه عما كان عليه فليس بصريح في أنه غير الدجال " (¬1) . أقوال العلماء في ابن صياد: قال أبو عبد الله القرطبي: " الصحيح أن ابن صياد هو الدجال بدلالة ما تقدم، وما يبعد أن يكون بالجزيرة في ذلك الوقت، ويكون بين أظهر الصحابة في وقت آخر " (¬2) . ويفهم من كلام النووي والقرطبي السابق أنهما يرجحان كون ابن صياد هو الدجال. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في معرض كلامه على الأحوال الشيطانية: " وهذا بخلاف الأحوال الشيطانية مثل حال عبد الله بن صياد الذي ظهر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد ظن بعض الصحابة أنه الدجال، وتوقف النبي صلى الله عليه وسلم في أمره حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال، لكنه من جنس الكهان " (¬3) . ¬
وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - بعد أن ساق الأحاديث الواردة في ابن صياد وهل هو الدجال الأكبر أم لا، قال: وقد قدمنا أن الصحيح أن الدجال غير ابن صياد وأن ابن صياد كان دجالا من الدجاجلة ثم تاب بعد ذلك فأظهر الإسلام، والله أعلم بضميره وسيرته (¬1) . ولعل ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - والحافظ ابن كثير - رحمه الله - هو الراجح في ابن صياد، وأنه دجال من الدجاجلة وليس هو الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان - والله أعلم. وأما المسألة الثانية: وهي الحكمة من عدم ذكر الدجال في القرآن صراحة، فقد أجاب على ذلك الحافظ ابن حجر - رحمه الله - بقوله: اشتهر السؤال عن الحكمة في عدم التصريح بذكر الدجال في القرآن مع ما ذكر عنه من الشر، وعظم الفتنة به، وتحذير الأنبياء منه، والأمر بالاستعاذة منه حتى في الصلاة، وأجيب بأجوبة: أحدها: أنه ذكر في قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158] (¬2) فقد أخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة رفعه: «ثلاثة إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل: الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها» . الثاني: قد وقعت الإشارة في القرآن إلى نزول عيسى ابن مريم في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: 159] (¬3) وفي قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف: 61] (¬4) وصح أنه الذي يقتل الدجال فاكتفي بذكر أحد الضدين عن الآخر، ولكونه يلقب المسيح كعيسى، لكن الدجال مسيح الضلالة وعيسى مسيح الهدى. ¬
الثالث: أنه ترك ذكره احتقارا، وتعقب بذكر يأجوج ومأجوج وليست الفتنة بهم بدون الفتنة بالدجال والذي قبله، وتعقب بأن السؤال باق وهو ما الحكمة في ترك التنصيص عليه؟ وأجاب شيخنا الإمام البلقيني بأنه اعتبر كل من ذكر في القرآن من المفسدين فوجد كل من ذكر إنما هم ممن مضى وانقضى أمره، وأما من لم يجئ بعد فلم يذكر منهم أحدا، انتهى. وهذا ينتقض بيأجوج ومأجوج. وقد وقع في تفسير البغوي (¬1) أن الدجال مذكور في القرآن في قوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر: 57] (¬2) وأن المراد بالناس هنا الدجال، من إطلاق الكل على البعض، وهذا إن ثبت أحسن الأجوبة فيكون من جملة ما تكفل النبي صلى الله عليه وسلم ببيانه والعلم عند الله تعالى (¬3) . ومما سبق يتضح لنا أن خروج الدجال من أشراط الساعة الكبرى الثابتة، ومن الأخبار المتواترة التي يجب الإيمان بها، وفي ما مضى من الأدلة رد على من أنكر خروج الدجال بالكلية من الخوارج والجهمية والمعتزلة وغيرهم ممن سار على نهجهم قديما وحديثا، أو قال إن ما يأتي به الدجال خيالات لا حقيقة لها، فكل هؤلاء قد ردوا ما تواترت به الأحاديث الصحيحة من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم. قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في معرض رده على هؤلاء: " وقد تقدم حديث حذيفة وغيره أن ماءه نار وناره ماء بارد، وإنما ذلك في رأي العين، وقد تمسك بهذا الحديث طائفة من العلماء كابن حزم، والطحاوي وغيرهما في أن الدجال ممخرق (¬4) مموه لا حقيقة لما يبدي للناس من الأمور التي تشاهد في زمانه بل كلها خيالات عند هؤلاء ". ¬
وقال الشيخ أبو علي الجبائي (¬1) - شيخ المعتزلة -: لا يجوز أن يكون كذلك حقيقة؛ لئلا يشتبه خارق السحر بخارق النبي، وقد أجابه القاضي عياض وغيره بأن الدجال إنما يدعي الإلهية، وذلك مناف للبشرية فلا يمتنع إجراء الخارق على يديه والحالة هذه. وقد أنكرت طوائف كثيرة من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة خروج الدجال بالكلية، وردوا الأحاديث الواردة فيه فلم يصنعوا شيئا، وخرجوا بذلك عن حيز العلماء لردهم ما تواترت به الأخبار الصحيحة من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم، وإنما أوردنا بعض ما ورد في هذا الباب؛ لأن فيه كفاية ومقنعا، والله المستعان. والذي يظهر من الأحاديث المتقدمة أن الدجال يمتحن الله به عباده بما يخلقه معه من الخوارق المشاهدة في زمانه، كما تقدم أن من استجاب له يأمر السماء فتمطرهم والأرض فتنبت لهم زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم وترجع إليهم سمانا، ومن لا يستجيب له ويرد عليه أمره تصيبهم السنة والجدب والقحط والعلة وموت الأنعام ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وأنه تتبعه كنوز الأرض كيعاسيب النحل، ويقتل ذلك الشاب ثم يحييه، وهذا كله ليس بمخرقة بلِ له حقيقة امتحن الله به عباده في ذلك الزمان، فيضل به كثيرا ويهدي به كثيراَ، يكفر المرتابون، ويزداد الذين آمنوا إيمانا، وقد حمل القاضي عياض وغيره على هذا المعنى معنى الحديث «هو أهون على الله من ذلك» . أي هو أقل من أن يكون معه ما يضل به عباده المؤمنين، وما ذاك إلا لأنه ظاهر النقص والفجور والظلم، وإن كان معه من الخوارق، وبين عينيه مكتوب كافر كتابة ظاهرة، وقد حقق ذلك الشارع في خبره بقوله: ك - ف - ر. وقد دل ذلك على أنها كتابة حسية لا معنوية، كما يقوله بعض الناس، وعينه الواحدة ¬
عوراء شنيعة المنظر ناتئة، وهو معنى قوله: «كأنها عنبة طافية» أي طافية على وجه الماء، ومن روى ذلك طافئة فمعناه: لا ضوء فيها. وفي الحديث الآخر: «كأنها نخامة على حائط مجصص» أي بشعة الشكل، وقد ورد في بعض الأحاديث أن عينه اليمنى عوراء رحا (¬1) اليسرى، فإما أن تكون إحدى الروايتين غير محفوظة، أو أن العور حاصل في كل من العينين، ويكون معنى العور النقص والعيب. ويقوي هذا الجواب: ما رواه الطبراني قال: حدثنا محمد بن محمد التمار وأبو خليفة قالا: حدثنا أبو الوليد، حدثنا زائدة، حدثنا سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدجال جعد هجان أقمر، كأن رأسه غصن شجرة، مطموس عينه اليسرى، والأخرى كأنها عنبة طافية» الحديث (¬2) وكذلك رواه سفيان الثوري عن سماك بنحوه، لكن قد جاء في الحديث المتقدم: «وعينه الأخرى كأنها كوكب دري» ، وعلى هذا فتكون الرواية الواحدة غلطا، ويحتمل أن يكون المراد أن العين الواحدة عوراء في نفسها، والأخرى عوراء باعتبار انبرازها، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب (¬3) . ¬
المطلب الثالث نزول عيسى ابن مريم عليه السلام
[المطلب الثالث نزول عيسى ابن مريم عليه السلام] [المسألة الأولى الأدلة على نزوله من الكتاب والسنة] المطلب الثالث: نزول عيسى ابن مريم عليه السلام من أمارات الساعة العظام وأشراطها الكبار نزول عيسى ابن مريم عليه السلام آخر الزمان من السماء، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أنه ينزل قبل قيام الساعة فيقتل الدجال ويكسر الصليب ويحكم بالقسط ويقضي بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، ويحيي من شأنها ما تركه الناس، ثم يمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يموت ويصلى عليه ويدفن. والكلام على عيسى عليه السلام يتضمن عدة مسائل: المسألة الأولى: الأدلة على نزوله من الكتاب والسنة: ورد في القرآن الكريم ثلاث آيات تدل على نزول عيسى عليه السلام: الآية الأولى: قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف: 61] (¬1) . أي أن نزول عيس عليه السلام قبل القيامة علامة على قرب الساعة، ويدل على هذا: القراءة الأخرى (وإنه لَعَلَم للساعة) بفتح العين واللام، أي خروجه علم من أعلام الساعة وشرط من شروطها وأمارة على قرب قيامها. وروى الإمام أحمد والحاكم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في تفسير هذه الآية {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف: 61] قال: هو خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة (¬2) . وهذا المعنى مروي عن عدد من أئمة التفسير واختاره - الحافظ ابن كثير وغيره (¬3) . الآية الثانية: قوله تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] (¬4) . ¬
قال البغوي - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: معنى الآية: " أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يدخل أهل الملل كلها في الإسلام، ويكون الدين كله لله، فلا يكون بعده جهاد ولا قتال، وذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام " (¬1) . والآية الثالثة: قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159] (¬2) . قرر كثير من المفسرين أن الضميرين في (به) ، و (موته) لعيسى ابن مريم عليه السلام (¬3) . وقد روى ابن جرير الطبري - رحمه الله - عن أبي مالك - رحمه الله - في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: 159] قال: " ذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمن به " (¬4) . يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: " ولا شك أن هذا هو الصحيح؛ لأنه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه، وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك، فأخبر الله أنه لم يكن الأمر كذلك، وإنما شبه لهم، فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك، فأخبر الله أنه رفعه إليه، وأنه باق حي، وأنه سينزل قبل يوم القيامة، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة التي سنوردها إن شاء الله قريبا، فيقتل مسيح الضلالة، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، يعني: لا يقبلها من أحد من أهل الأديان، بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فأخبرت هذه الآية الكريمة أنه ¬
يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ ولا يتخلف عن التصديق به واحد منهم " (¬1) . وأما الأدلة من السنة المطهرة على نزوله فهي كثيرة جدا منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، لا يقبلها من كافر، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها» (¬2) . ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرأوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159] (¬3) . ومنها حديث جابر رضي الله عنه: قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة "، قال: " فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله لهذه الأمة» (¬4) . ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأنبياء إخوة لعلات (¬5) أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وإني أولى الناس بعيسى ابن مريم؛ لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران (¬6) كأن رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام، ويهلك الله ¬
في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال، ثم تقع الأمنة على الأرض، حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، فيمكث أربعين سنة، ثم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون» (¬1) إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة. قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - معلقا على أحاديث نزول عيسى عليه السلام: " فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة وابن مسعود، وعثمان بن أبي العاص، والنواس بن سمعان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومجمع بن جارية، وأبي سريحة حذيفة بن أسيد رضي الله عنهم، وفيها دلالة على صفة نزوله ومكانه، وأنه بالشام، بل بدمشق عند المنارة الشرقية، وأن ذلك يكون عند الإقامة لصلاة الصبح. . . فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام كما تقدم في الصحيحين، وهذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وتقرير وتشريع وتسويغ له على ذلك في ذلك الزمان، حيث تنزاح عللهم، وترتفع شبههم من أنفسهم، ولهذا كلهم يدخلون في دين الإسلام متابعة لعيسى عليه السلام وعلى يديه، ولهذا قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159] (¬2) . وهذه الآية كقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف: 61] (¬3) وقرئ " لَعَلَم بالتحريك، أي أمارة ودليل على اقتراب الساعة، وذلك لأنه ينزل بعد خروج المسيح الدجال فيقتله الله على يديه ويبعث الله في أيامه يأجوج ومأجوج فيهلكهم الله ببركة دعائه " (¬4) . ¬
المسألة الثانية صفات عيسى عليه السلام
وقد أجمعت الأمة على نزول عيسى عليه السلام علما من أعلام الساعة، ولم يخالف في ذلك إلا من شذ ممن لا يلتفت إليه ولا يعتد بخلافه (¬1) . قال السفاريني - رحمه الله -: " أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة، ممن لا يعتد بخلافه، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل ويحكم بهذه الشريعة المحمدية، وليس ينزل بشريعة مستقلة عند نزوله من السماء، وإن كانت قائمة به وهو متصف بها " (¬2) . [المسألة الثانية صفات عيسى عليه السلام] المسألة الثانية: صفات عيسى عليه السلام أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن صفات عيسى عليه السلام فجاء في الروايات أنه رجل مربوع القامة ليس بالطويل ولا بالقصير، جعد أحمر اللون، عريض الصدر، أقرب الناس شبها به عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه. عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت عيسى وموسى وإبراهيم، فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر» (¬3) . وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم (¬4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم يكن بيني وبينه نبي - يعني عيسى - وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع، إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران، كأن رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام، فيهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام. . .» الحديث. ¬
المسألة الثالثة مكان نزوله
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عرض علي الأنبياء فإذا موسى. . . ورأيت عيسى ابن مريم، فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود. . .» الحديث (¬1) . [المسألة الثالثة مكان نزوله] المسألة الثالثة: مكان نزوله ينزل عيسى عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق واضعا كفيه على أجنحة ملكين، وعليه مهرودتان، ويكون هذا مع صلاة الفجر حيث اصطف المسلمون للصلاة، وقد تقدم إمامهم - والغالب أنه المهدي كما سبق - للصلاة بهم، فعندما يعلم بعيسى عليه السلام يتأخر ويطلب من عيسى أن يتقدم ليؤمهم فيأبى، فيصلي بهم المهدي، فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «. . . فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلب بباب لد فيقتله، ثم يأتي عيسى ابن مريم قوما قد عصمهم الله منه، فيسمح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة» (¬2) . يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: " الأشهر في موضع نزوله أنه على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق، وقد رأيت في بعض الكتب أنه ينزل على المنارة البيضاء شرقي جامع دمشق، فلعل هذا هو المحفوظ، وتكون الرواية فينزل على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق، فتصرف الراوي في التعبير بحسب ما فهم، وليس بدمشق منارة تعرف بالشرقية سوى التي إلى شرق الجامع الأموي، وهذا هو الأنسب والأليق؛ لأنه ينزل وقد أقيمت الصلاة " (¬3) . ¬
ويقول الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: " وبالشام ينزل عيسى ابن مريم في آخر الزمان، وهو المبشر بمحمد صلى الله عليه وسلم ويحكم به ولا يقبل من أحد غير دينه، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويصلي خلف إمام المسلمين ويقول: إن هذه الأمة أئمة بعضهم لبعض " (¬1) . وأما مدة بقاء عيسى عليه السلام إذا نزل: ففي بعض الروايات أنه يمكث سبع سنين، وفي الروايات الأخرى أنه يمكث أربعين عاما ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون، ففي حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فيبعث الله عيسى ابن مريم. . . ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته» (¬2) . وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق: «ثم يمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون» . وقد جمع الحافظ ابن كثير - رحمه الله - بين الروايتين فقال: " هكذا وقع في الحديث: أنه يمكث أربعين سنة، وثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أنه يمكث في الأرض سبع سنين، فهذا مع هذا مشكل، اللهم إلا إذا حملت هذه السبع على مدة إقامته بعد نزوله، وتكون مضافة إلى مدة مكثه فيها قبل رفعه إلى السماء، وكان عمره إذ ذاك ثلاثا وثلاثين سنة على المشهور، والله أعلم " (¬3) . وقد عارض السفاريني هذا الجمع فقال بعد أن ذكره بدون عزو: وهذا - والله أعلم - ليس بشيء لما مر من حديث عائشة عند الإمام أحمد وغيره «فيقتل الدجال، ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة» ، ثم حكى عن البيهقي أنه ¬
المسألة الرابعة الأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه السلام متواترة
اعتمد رواية " أربعين "، كما نقل عن السيوطي أنه ذهب إلى ترجيحها؛ لأن زيادة الثقة يحتج بها، ولأنهم يأخذون برواية الأكثر ويقدمونها على رواية الأقل لما معها من زيادة العلم، ولأنه مثبت والمثبت مقدم (¬1) . وقال البرزنجي: " إن القليل لا ينافي الكثير " (¬2) . ولعل الراجح أن يقال: إن رواية " أربعين سنة " هي المعتمدة؛ لأنها رواية الأكثر، كما أشار إلى ذلك السفاريني، ولعل هذه السنين تمر كأنها سبع سنين، ويستأنس لذلك بما رواه عبد بن حميد عن أبي هريرة رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف: 61] (¬3) . قال: خروج عيسى، يمكث في الأرض أربعين سنة، وتكون تلك الأربعون كأربع سنين، يحج ويعتمر (¬4) . والله أعلم. [المسألة الرابعة الأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه السلام متواترة] المسألة الرابعة: الأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه السلام متواترة سبق ذكر بعض الأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه السلام، وهي تدل دلالة واضحة على ثبوت نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، ولا حجة لمن ردها أو قال: إنها أحاديث آحاد لا تقوم بها الحجة أو أن نزوله ليس عقيدة من عقائد المسلمين التي يجب عليهم أن يؤمنوا بها؛ لأنه إذا ثبت الحديث وجب الإيمان به وتصديق ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ولا يجوز لنا رد قوله لكونه حديث آحاد؛ لأن هذه حجة واهية؛ لأن حديث الآحاد إذا صح وجب تصديق ما فيه، وإذا قلنا إن حديث الآحاد ليس بحجة، فإننا نرد كثيرا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون ما قاله عليه الصلاة والسلام عبثا لا معنى له، كيف والعلماء قد نصوا على تواتر الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام. ¬
قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - " أصوله السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة ثم ذكر جملة من عقيدة أهل السنة ثم قال: والإيمان أن المسيح الدجال خارج مكتوب بين عينيه " كافر"، والأحاديث التي جاءت فيه، والإيمان بأن ذلك كائن، وأن عيسى ينزل فيقتله بباب لد " (¬1) . وقال أبو الحسن الأشعري (¬2) - رحمه الله - في سرده لعقيدة أهل الحديث والسنة " الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء من عند الله وما رواه الثقّات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردون من ذلك شيئا ويصدقون بخروج الدجال وأن عيسى يقتله، ثم قال في آخر كلامه: وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول: وإليه نذهب " (¬3) . وقال ابن جرير الطبري بعد ذكره الخلاف في معنى وفاة عيسى عليه السلام، " وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال: معنى ذلك: إني قابضك من الأرض ورافعك إلي؛ لتواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال " (¬4) ثم ساق بعض الأحاديث الواردة في نزوله. وقال ابن كثير " تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بنزول عيسى ¬
عليه السلام قبل يوم القيامة إماما عادلا وحكما مقسطا " (¬1) . وقال صديق حسن خان "والأحاديث في نزوله عليه السلام كثيرة، ذكر الشوكاني منها تسعة وعشرين حديثا ما بين صحيح وحسن وضعيف منجبر، منها ما هو مذكور في أحاديث الدجال. . . ومنها ما هو مذكور في أحاديث المنتظر، وتنضم إلى ذلك أيضا الآثار الواردة عن الصحابة فلها حكم الرفع؛ إذ لا مجال للاجتهاد في ذلك، ثم ساقها وقال: جميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع " (¬2) . وقال الغماري: " وقد ثبت القول بنزول عيسى عليه السلام عن غير واحد من الصحابة والتابعين وأتباعهم والأئمة والعلماء من سائر المذاهب على ممر الزمان إلى وقتنا هذا (¬3) وقال: تواتر هذا تواترا لا شك فيه بحيث لا يصح أن ينكره إلا الجهلة الأغبياء كالقاديانية ومن نحا نحوهم؛ لأنه نقل بطريق جمع عن جمع حتى استقر في كتب السنة التي وصلت إلينا تواترا بتلقي جيل عن جيل " (¬4) . وممن جمع الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام الشيخ محمد أنور شاه الكشميري (¬5) في كتابه " التصريح بما تواتر في نزول المسيح " فذكر أكثر من سبعين حديثا. وقال صاحب عون المعبود شرح سن أبي داود: " تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم ¬
المسألة الخامسة الحكمة من نزول عيسى عليه السلام دون غيره
في نزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم من السماء بجسده العنصري إلى الأرض عند قرب الساعة، وهذا هو مذهب أهل السنة " (¬1) . وقال الشيخ أحمد شاكر: " نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان مما لم يختلف فيه المسلمون لورود الأخبار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. . . وهذا معلوم من الدين بالضرورة لا يؤمن من أنكره " (¬2) . وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: " اعلم أن أحاديث الدجال، ونزول عيسى عليه السلام متواترة، يجب الإيمان بها، ولا تغتر بمن يدعي فيها أنها أحاديث آحاد، فإنهم جهال بهذا العلم، وليس فيهم من تتبع طرقها ولو فعل لوجدها متواترة كما شهد بذلك أئمة هذا العلم كالحافظ ابن حجر وغيره، ومن المؤسف حقا أن يتجرأ البعض على الكلام فيما ليس من اختصاصهم لا سيما والأمر دين وعقيدة " (¬3) . [المسألة الخامسة الحكمة من نزول عيسى عليه السلام دون غيره] المسألة الخامسة: الحكمة من نزول عيسى عليه السلام دون غيره ذكر بعض العلماء - رحمهم الله تعالى - الحكمة من نزول عيسى عليه السلام دون غيره، ومن أقوالهم في ذلك: 1 - الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوا عيسى عليه السلام، فبين الله تعالى كذبهم، وأنه الذي يقتلهم ويقتل رئيسهم الدجال، ورجح الحافظ ابن حجر هذا القول على غيره (¬4) . 2 - أن عيسى عليه السلام وجد في الإنجيل فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح: 29] (¬5) فدعا الله أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى ينزل ¬
آخر الزمان مجددا لما درس من دين الإسلام دين محمد عليه الصلاة والسلام، فتوافق خروج الدجال فيقتله (¬1) . 3 - أن نزول عيسى عليه السلام من السماء لدنو أجله ليدفن في الأرض؛ إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها، فيوافق نزوله خروج الدجال فيقتله عيسى عليه السلام (¬2) . 4 - أنه ينزل مكذبا للنصارى فيظهر زيفهم في دعواهم الأباطيل، ويهلك الله الملل كلها في زمنه إلا الإسلام فإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية. 5 - أن خصوصيته بهذه الأمور المذكورة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، ليس بيني وبينه نبي» (¬3) فرسول الله صلى الله عليه وسلم أخص الناس وأقربهم إليه، فإن عيسى مبشر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي من بعده ودعا الخلق إلى تصديقه والإيمان به (¬4) . كما في قوله تعالى: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6] (¬5) وفي الحديث: «قالوا يا رسول الله أخبرنا عن نفسك، قال: " نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى أخي عيسى» (¬6) . ¬
المسألة السادسة الأمور التي تكون في زمن عيسى عليه السلام
[المسألة السادسة الأمور التي تكون في زمن عيسى عليه السلام] [قتل المسيح الدجال] المسألة السادسة: الأمور التي تكون في زمن عيسى عليه السلام 1 - قتل المسيح الدجال: سبق ذكر أن نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل والمسلمون في حال إعداد أنفسهم لحرب الدجال، وعلمنا أن الصلاة تقام في ذلك الوقت، فيصلي عيسى ابن مريم عليه السلام خلف الرجل الصالح، وعند ما يعلم الدجال بنزول عيسى عليه السلام يهرب، فيلحقه نبي الله إلى بيت المقدس فيدركه وقد حاصر عصابة من المسلمين، فيأمرهم عيسى عليه السلام بفتح الباب فيفعلون ويكون وراءه الدجال فينطلق هاربا، فيلحقه نبي الله عليه السلام فيدركه عند باب لد الشرقي فيقضي عليه وعلى من معه من يهود. ففي الحديث الصحيح عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح، إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى، فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول له: تقدم فصل، فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم، فإذا انصرف قال عيسى: افتحوا الباب، فيفتحون ووراءه الدجال، معه سبعون ألف يهودي، كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هاربا، فيقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها، فيدركه عند باب لد الشرقي، فيقتله، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله عز وجل ليتوارى به يهودي إلا أنطق ذلك الشيء، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة إلا الغرقدة، فإنها من شجرهم لا تنطق، إلا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال اقتله. . .» (¬1) . ¬
هلاك يأجوج ومأجوج
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «. . . فبينما هم يعدون للقتال ويسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكنه يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته» (¬1) ". وهكذا يكون أول عمل يقوم به نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام بعد نزوله من السماء هو مواجهة الدجال والقضاء عليه وعلى من يتبعه من يهود. [هلاك يأجوج ومأجوج] إن خروج قوم يأجوج ومأجوج علامة من علامات الساعة الكبرى، وسيأتي الكلام على هذه العلامة، والمراد هنا بيان أن عيسى عليه السلام بعد أن يقضي على الدجال وفتنته، يفسد هؤلاء القوم في الأرض فسادا كبيرا، فيتضرع نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الله تعالى فيهلكهم شر هلكة، ويصبحون موتى لا يبقى منهم أحد، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله في الكلام على يأجوج ومأجوج. [القضاء على كل الشرائع والحكم بالإسلام] عيسى عليه السلام عندما ينزل من السماء يكون تابعا لشرع الإسلام، فيحكم بكتاب الله عز وجل، وبسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبذلك يقضي على كل الشرائع التي تحكم الناس سوى الإسلام، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، فإن شريعة الإسلام ناسخة للشرائع قبلها، وقد أخذ الله العهد والميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويتابعوه إذا بعث وهم أحياء، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81] (¬2) . ¬
رفع الشحناء والتباغض من بين الناس وانتشار الأمن والرخاء بين الخلق
ومن أجل هذا فهو يكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية فلا يقبل من أحد إلا الإسلام، أو القتل. يقول القرطبي - رحمه الله -: " ذهب قوم إلى أنه بنزول عيسى عليه السلام يرتفع التكليف لئلا يكون رسولا إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم، وهذا أمر مردود بالأخبار التي ذكرناها. . . وبقوله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] (¬1) وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا نبي بعدي» (¬2) وقوله صلى الله عليه وسلم: «أنا العاقب» (¬3) . يريد آخر الأنبياء وخاتمهم، وإذا كان ذلك فلا يجوز أن يتوهم أن عيسى ينزل نبيا بشريعة متجددة غير شريعة محمد نبينا صلى الله عليه وسلم، بل إذا أنزل فإنه يكون يومئذ من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لعمر: «لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي» (¬4) . فعيسى عليه السلام إنما ينزل مقررا لهذه الشريعة مجددا لها؛ إذ هي آخر الشرائع ومحمد صلى الله عليه وسلم آخر الرسل (¬5) . [رفع الشحناء والتباغض من بين الناس وانتشار الأمن والرخاء بين الخلق] من الأمور التي أخبرنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تحدث في زمن عيسى عليه السلام: أن الشحناء والتباغض والتحاسد ترفع من بين الناس حيث تجتمع كلمة الجميع على الإسلام، وتعم البركة، وتكثر الخيرات، حيث تنبت الأرض نبتها، ولا يرغب في اقتناء المال لكثرته، وينزع الله في ذلك الوقت سم كل ذي سم حتى يلعب الأولاد بالحيات والعقارب فلا تضرهم، وترعى ¬
الشاة مع الذئب فلا يضرها، فتملأ الأرض أمنا وسلما، وينعدم القتال بين البشر فترخص الخيل لعدم القتال، وترتفع أسعار الثور؛ لأن الأرض تحرث كلها. ففي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه السابق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «. . . ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة، ثم يقال للأرض أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرِسْل (¬1) حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس. . .» الحديث (¬2) . ومن حديث أبي أمامة الطويل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «. . . فيكون عيسى ابن مريم في أمتي حكما عدلا، وإماما مقسطا يدق الصليب، ويذبح الخنزير ويضع الجزية ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض، وتنزع حمة كل ذات حمة، حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره، وتضر الوليدة الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور (¬3) الفضة، تنبت نباتها بعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرس بالدريهمات. . .» (¬4) . ¬
المسألة السابعة موت عيسى عليه السلام ودفنه
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لينزلن عيسى ابن مريم حكما عادلا. . . وليضعن الجزية ولتتركن القلاص (¬1) فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد» (¬2) . قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى -: ومعناه أن يزهد الناس فيها، ولا يرغب في اقتنائها لكثرة الأموال وقلة الآمال وعدم الحاجة والعلم بقرب القيامة، وإنما ذكرت القلاص لكونها أشرف الإبل التي هي أنفس الأموال عند العرب وهي شبيهة بمعنى قول الله عز وجل: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير: 4] (¬3) . ومعنى لا يسعى عليها: لا يعتني بها (¬4) . [المسألة السابعة موت عيسى عليه السلام ودفنه] المسألة السابعة: موت عيسى عليه السلام ودفنه لم يرد عن الشارع نص يبين لنا مكان موت عيسى عليه السلام، ولكن ذكر بعض العلماء أنه يموت عليه السلام في المدينة النبوية، وقيل إنه يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما. قال القرطبي - رحمه الله -: " واختلف حيث يدفن فقيل: بالأرض المقدسة ذكره الحليمي، وقيل: يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكرناه من الأخبار" (¬5) . ¬
المطلب الرابع خروج يأجوج ومأجوج
[المطلب الرابع خروج يأجوج ومأجوج] [المسألة الأولى أصل يأجوج ومأجوج ونسبهم] المطلب الرابع: خروج يأجوج ومأجوج من علامات الساعة الكبرى التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم خروج يأجوج ومأجوج، والكلام على هذه العلامة يتضمن المسائل التالية: المسألة الأولى: أصل يأجوج ومأجوج ونسبهم اختلف في اشتقاق الكلمتين: فقيل: هما اسمان أعجميان منعا من الصرف للعلمية والعجمة، وعلى هذا فليس لهما اشتقاق؛ لأن الأعجمية لا تشتق من العربية. وقيل: بل هما عربيان، واختلف في اشتقاقهما، فقيل: من أجيج النار وهو التهابها، وقيل: من الأجاج وهو الماء الشديد الملوحة، وقيل: من الأج وهو سرعة العدو، وقيل: من الأجة بالتشديد وهي الاختلاط والاضطراب. وعند جمهور القراء: ياجوج وماجوج بدون همز، وأما قراءة عاصم فهي بالهمزة الساكنة فيهما (¬1) . والخلاصة من هذا: أن جميع ما ذكر في اشتقاقهما مناسب لحالهم، ويؤيد الاشتقاق من ماج قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: 99] (¬2) . وذلك حين يخرجون من السد (¬3) . وقد اختلف في نسبهم، فقيل: إنهم من ذرية آدم. والذي رجحه الحافظ ابن حجر - رحمه الله - أنهم قبيلتان من ولد يافث بن نوح (¬4) . فهما من ولد آدم وحواء، ويؤيد ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ¬
المسألة الثانية الأدلة على خروجهم من القرآن والسنة
قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم، يقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار، قال: يا رب، وما بعث النار؟ قال: من كل ألف (أراه قال) تسعمائة وتسعة وتسعين، فحينئذ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2] (¬1) . فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد. . .» الحديث (¬2) . [المسألة الثانية الأدلة على خروجهم من القرآن والسنة] المسألة الثانية: الأدلة على خروجهم من القرآن والسنة ورد ذكرهم في القرآن الكريم في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا - قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا - قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا - آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا - فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا - قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف: 93 - 98] (¬3) . وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ - وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 96 - 97] (¬4) . فدلالة الآيتين على كون خروجهم من أشراط الساعة: أن فيهما التصريح بأنه إذا فتحت يأجوج ومأجوج فإن ذلك دليل على اقتراب الوعد الحق والمراد به يوم القيامة (¬5) . ¬
فقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} [الأنبياء: 96] حتى " فيه متعلقة بما قبل الآية، أي كل قرية أهلكت تبقى في الهلاك حتى قيام الساعة، أو تبقى في عدم الرجعة إلى الدنيا، أو إلى التوبة حتى قيام الساعة، وهذه الأقوال مُفرعة على معنى الآية السابقة (¬1) وهي قوله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95] (¬2) . وقيل: إن "حتى" متعلقة بقوله تعالى: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [الأنبياء: 93] (¬3) أي استمر الخلاف بين الأمم حتى قيام الساعة (¬4) وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} [الأنبياء: 96] المراد إذا فتح الردم عن هاتين القبيلتين العظيمتين وتمكنوا من الخروج، فيخرجون من كل حدب وهو المرتفع من الأرض (¬5) يسرعون في المشي إلى الفساد. وأما الأدلة من السنة على خروجهم فهي كثيرة: منها: حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها، عن زينب بنت جحش رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوما فزعا يقول: " لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه "، وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: فقلت يا رسول الله أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: " نعم، إذا كثر الخبث» (¬6) . ¬
ومنها: حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه الذي تقدم ذكره كثيرا، وفيه: «إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب إلى الله عيسى وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله» (¬1) وفي رواية بعد قوله " لقد كان بهذه مرة ماء ": «ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخَمَر (¬2) وهو جبل ببيت المقدس فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما» (¬3) . ومنها حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه في ذكر أشراط الساعة فذكر منها: يأجوخ ومأجوج (¬4) . ومنها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «لما كان ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى - عليهم السلام - فتذاكروا الساعة إلى أن قال: فردوا الحديث إلى عيسى، فذكر قتل الدجال ثم قال: ثم يرجع الناس إلى ¬
بلادهم فيستقبلهم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون لا يمرون بماء إلا شربوه ولا بشيء إلا أفسدوه. يجأرون إلي فأدعو الله فيميتهم فتجوى الأرض من ريحهم، فيجأرون إلي فأدعو الله فيرسل السماء بالماء فيحملهم فيقذف بأجسامهم في البحر» (¬1) . ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث وفيه: «ويخرجون على الناس فيستقون المياه ويفر الناس منهم فيرمون سهامهم في السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون: قهرنا أهل الأرض وغلبنا من في السماء قوة وعلوا، قال: فيبعث الله عز وجل عليهم نغفا في أقفائهم، قال: فيهلكهم، والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتبطر وتشكر شكرا (¬2) وتسكر سكرا (¬3) من لحومهم» (¬4) . إلى غير ذلك من الأدلة التي تدل على خروجهم وأنه يجب الإيمان بها وتصديقها. قال ابن قدامة المقدسي - رحمه الله -: " ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به النقل فيما شاهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وما جهلناه، ولم نطلع على حقيقة معناه مثل حديث ¬
المسألة الثالثة السد ويأجوج ومأجوج
الإسراء والمعراج. . . إلى أن قال: ومن ذلك أشراط الساعة مثل خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله وخروج يأجوج ومأجوج. . . " (¬1) . وقال القاضي عياض: " الأحاديث الواردة في يأجوج ومأجوج: هذه الأخبار على حقيقتها يجب الإيمان بها؛ لأن خروج يأجوج ومأجوج من علامات الساعة، وقد ورد في خبرهم أنه لا قدرة لأحد على قتالهم من كثرتهم، وأنهم يحصرون نبي الله عيسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين الذين نجوا من الدجال، فيدعو عليهم فيهلكهم الله عز وجل أجمعين بالنغف - وهو دود في رقابهم - فيؤذون الأرض والمؤمنين بنتنهم، فيدعو عيسى وأصحابه ربهم فيرسل الله طيرا فتحملهم حيث شاء الله " (¬2) . وقال السفاريني - رحمه الله -: " إن خروجهم من وراء السد على الناس حق ثابت لوروده في الذكر وثبوته عن سيد البشر، ولم يحله عقل فوجب اعتقاده " (¬3) . [المسألة الثالثة السد ويأجوج ومأجوج] المسألة الثالثة: السد ويأجوج ومأجوج بنى ذو القرنين (¬4) سد يأجوج ومأجوج ليحجز بينهم وبين جيرانهم الذين استغاثوا به منهم. وقد ورد في القرآن الكريم ذكر هذا السد، فقال تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا - قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف: 94 - 95] (¬5) . ¬
هذا ما ورد في القرآن على بناء هذا السد. أما مكانه: ففي جهة المشرق (¬1) لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ} [الكهف: 90] (¬2) . وقد ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - قصة عن السد ومحاولة بعض الملوك الوصول إليه فقال: وقد بعث الخليفة الواثق (¬3) في دولته بعض أمرائه وجهز معه جيشا سرية لينظروا إلى السد ويعاينوه وينعتوه له إذا رجعوا، فوصلوا من بلاد إلى بلاد ومن ملك إلى ملك حتى وصلوا إليه ورأوا بناءه من الحديد ومن النحاس، وذكروا أنهم رأوا فيه بابا عظيما وعليه أقفال عظيمة، ورأوا بقية اللبن والعمل في برج هناك، وأن عنده حراسا من الملوك المتاخمة له وأنه عال منيف شاهق، لا يستطاع ولا ما حوله من الجبال، ثم رجعوا إلى بلادهم وكانت غيبتهم أكثر من سنتين وشاهدوا أهوالا وعجائب (¬4) . ولم يذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - سندا لهذه القصة، ولم يتكلم عليها بشيء. والذي تدل عليه الآيات السابقة أن هذا السد بني بين جبلين لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} [الكهف: 93] والسدان: هما جبلان متقابلان، ثم قال: {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [الكهف: 96] أي حاذى به رؤوس الجبلين (¬5) وذلك بزبر الحديد ثم أفرغ عليه نحاسا مذابا فكان سدّا محكما. ¬
قال الإمام البخاري - رحمه الله -: «قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: رأيت السد من البرد المحبر. قال: " قد رأيته» (¬1) . ويمكن أن يكون هذا السد هو السور المحيط بمدينة ترمذ (¬2) الذي ذكره ياقوت الحموي (¬3) في معجم البلدان، وليس هو سد ذي القرنين. وأيضا: فإن البحث في تحديد مكان السد لا يهم كثيرا؛ ولا يحصل بعدم معرفته خلل في الاعتقاد؛ لأن المقصود بيان أن ما أخبرنا الله تعالى به، وما جاء في الأحاديث الصحيحة من أن سد يأجوج ومأجوج موجود إلى أن يأتي الوقت المحدد لدك هذا السد وخروج يأجوج ومأجوج، وذلك عند دنو الساعة بهما في قوله عز وجل: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا - وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} [الكهف: 98 - 99] (¬4) كل ذلك: حقيقة يجب التصديق به. والذي يدل على أن السد موجود ولم يندك، حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في السد قال: «يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا، قال: فيعيده الله عز وجل كأشد ما كان حتى إذا بلغوا مدتهم وأراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا إن شاء الله تعالى واستثنى، قال: فيرجعون وهو كهيئته حين تركوه فيخرقونه ويخرجون على الناس، فيستقون المياه ويفر الناس منهم» (¬5) . ¬
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في الفتح: قال ابن العربي - رحمه الله: " في هذا الحديث ثلاث آيات: الأولى: أن الله منحهم أن يوالوا الحفر ليلا ونهارا، والثانية: منعهم أن يحاولوا الرقي على السد بسلم أو آلة فلم يلهمهم ذلك ولا علمهم إياه، الثالثة: أنه صدهم عن أن يقولوا: إن شاء الله حتى يجيء الوقت المحدد " (¬1) . فخروجهم الذي هو من أشراط الساعة الكبرى في آخر الزمان لم يقع؛ لأن الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن خروجهم بعد نزول عيسى عليه السلام، وهو الذي يدعو الله عز وجل بأن يهلكهم فيهلكون ويسلم الناس من شرهم. فيجب على كل مسلم الإيمان بما جاء في الكتاب والسنة عن السد ويأجوج ومأجوج، ولا عبرة بمن أنكر وجود يأجوج ومأجوج ووجود السد الذي بناه ذو القرنين بينهم وبين الناس بحجة ظهور دول الكفر المتقدمة في الصناعة، وأن هؤلاء استطاعوا أن يكتشفوا كل ما في الأرض ولم يتركوا منها شيئا إلا أتوا عليه، ولكنهم لم يعثروا على يأجوج ومأجوج، ولم يروا سد ذي القرنين، ولا شك أن هذا قول فاسد؛ لأنه تكذيب صريح لما جاء في كتاب الله عز وجل، ولما أخبر به رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، ومن كذب بشيء جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد كفر، كما قال تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} [العنكبوت: 47] (¬2) . وأما دعواهم أن الأرض اكتشفت كلها ولم يجدوا فيها يأجوج ومأجوج والسد، فهي دعوى باطلة تدل على عجز البشر وقصورهم؛ لأن معرفة جميع بقاع الأرض والإحاطة بما فيهما من المخلوقات لا يقدر عليها إلا الله عز وجل الذي ¬
المسألة الرابعة هلاك يأجوج ومأجوج وطيب العيش وبركته بعد موتهم
أحاط بكل شيء علما، ولا يلزم من عدم رؤيتهم عدم وجودهم؛ لأنه قد يكون الله عز وجل صرفهم عن رؤية يأجوج ومأجوج ورؤية السد، أو جعل بينهم وبين الناس أشياء تمنع من الوصول إليهم كما حصل لبني إسرائيل حين ضرب الله عليهم التيه في فراسخ قليلة من الأرض، فلم يطلع عليهم الناس حتى انتهى أمد التيه، والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، جعل لكل شيء أجلا ووقتا، قال تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ - لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 66 - 67] (¬1) . وما عجز الأوائل عن اكتشاف ما اكتشفه المتأخرون إلا لأن الله عز وجل جعل لكل شيء أجلا (¬2) . [المسألة الرابعة هلاك يأجوج ومأجوج وطيب العيش وبركته بعد موتهم] المسألة الرابعة: هلاك يأجوج ومأجوج وطيب العيش وبركته بعد موتهم بعد طغيان يأجوج ومأجوج وإفسادهم وعتوهم في الأرض وإهلاكهم للحرث والنسل، يتضرع نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام وأصحابه إلى الله سبحانه وتعالى، ليكشف عنهم ما حل بهم من البلاء والمحن التي لم يجدوا بأنفسهم حيلة ولا قوة لدفعها، فيستجيب الله لهم، فيسلط الله عليهم الدود الصغير فيهلكهم فيصبحون موتى موت الجراد، يركب بعضهم بعضا، فتمتلئ الأرض من نتنهم، فيؤذون الناس بنتنهم أشد من حياتهم، فيتضرع نبي الله عيسى وأصحابه ثانية إلى الله عز وجل فيرسل طيرا تحملهم وتطرحهم في البحر، ثم يرسل مطرا تغسل آثارهم، ثم يأمر الله الأرض لترد بركتها وتنبت ثمارها، فيعم الرخاء، وتطرح البركة فيعيش عيسى ابن مريم وأصحابه في عيش رغيد. ففي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه الطويل الذي مر ذكره فيما سبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال فيه: «ويحاصر عيسى ابن مريم وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى عليه ¬
السلام وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم، ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس» (¬1) . وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «. . . ثم يهز أحدهم حربته ثم يرمي بها إلى السماء، فترجع متخضبة دما للبلاء والفتنة، فبينا هم على ذلك، بعث الله دودا في أعناقهم كنغف الجراد الذي يخرج في أعناقه، فيصبحون موتى لا يسمع لهم حسٌّ، فيقول المسلمون: ألا رجل يشري لنا نفسه، فينظر ما فعل هذا العدو، قال: فيتجرد رجل منهم لذلك محتسبا لنفسه قد أطنها على أنه مقتول، فينزل فيجدهم موتى، بعضهم على بعض، فينادي: يا معشر المسلمين: ألا أبشروا، فإن الله قد كفاكم عدوكم، فيخرجون من مدائنهم وحصونهم، ويسرحون مواشيهم، فما يكون لها رعيٌ إلا لحومهم، فتشكر عنه كأحسن ما تشكر عن شيء من النبات أصابته قط» (¬2) . ¬
المطلب الخامس طلوع الشمس من مغربها
[المطلب الخامس طلوع الشمس من مغربها] المطلب الخامس: طلوع الشمس من مغربها طلوع الشمس من مغربها من علامات الساعة الكبرى كما هو ثابت بالكتاب والسنة وإجماع العلماء. قال الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} [الأنعام: 158] (¬1) . قال ابن جرير الطبري - رحمه الله - بعد ذكره لأقوال المفسرين في الآية: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ذلك حين تطلع الشمس من مغربها» (¬2) . ومن الأحاديث على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمن الناس أجمعون، فذلك حيث لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا» (¬3) . ومنها حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» (¬4) . ومنها حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله فتح بابا قبل المغرب، عرضه سبعون عاما للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه» (¬5) . ¬
ومنها حديث عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر ومعاوية رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه وكفي الناس العمل» (¬1) . ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا وذكر منها طلوع الشمس من مغربها» (¬2) . وقد ذكر القرطبي - رحمه الله - عدم قبول التوبة بعد طلوع الشمس من مغربها فقال: " قال العلماء: وإنما لا ينفع نفسا إيمانها عند طلوع الشمس من مغربها؛ لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس، وتفتر كل قوة من قوى البدن، فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم وبطلانها من أبدانهم، فمن تاب في مثل هذه الحالة لم تقبل توبته كما لا تقبل توبة من حضره الموت " (¬3) . ومنها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها. . .» الحديث (¬4) . قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: " الذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض، ¬
وينتهي ذلك بموت عيسى ابن مريم، وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة، ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب " (¬1) . قال البرزنجي في الإشاعة: وهذا جمع حسن - رحمه الله - (¬2) . وعن أبي ذر رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما: " أتدرون أين تذهب هذه الشمس "؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك، حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها: ارتفعي اصبحي طالعة من مغربك، فتصبح طالعة من مغربها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون متى ذاكم؟ ذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا» (¬3) . وهذا السجود للشمس لا ندري كيفيته ولا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى الذي يسجد له كل من في السماوات والأرض كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] (¬4) . ¬
وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ - وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ - يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 48 - 50] (¬1) . قال ابن كثير: " يخبر تعالى عن عظمته وكبريائه الذي خضع له كل شيء ودانت له الأشياء بأسرها جماداتها وحيواناتها ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة، فأخبر أن كل ما له ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال، أي: بكرة وعشيا، فإنه ساجد بظله لله تعالى " (¬2) . وقد تكلم العلماء - رحمهم الله تعالى - عن حديث سجود الشمس تحت العرش وردوا على من أول ذلك، وبينوا أن سجودها تحت العرش سجود حقيقي. قال أبو سليمان الخطابي - رحمه الله - في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مستقرها تحت العرش» قال: " لا ننكر أن يكون لها استقرار تحت العرش من حيث لا ندركه ولا نشاهده وإنما أخبرنا عن غيب فلا نكذب به ولا نكيفه؛ لأن علمنا لا يحيط به. . . ثم قال عن سجودها تحت العرش: وفي هذا إخبار عن سجود الشمس تحت العرش فلا ينكر أن يكون ذلك عند محاذاتها العرش في مسيرها والتصرف لما سخرت له، وأما قوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86] (¬3) . فهو نهاية مدرك البصر إياها حالة الغروب ومصيرها تحت العرش للسجود، وإنما هو بعد الغروب " (¬4) . قال القاضي عياض عقب شرحه للحديث السابق: " وهو على ظاهره عند ¬
أهل الفقه والحديث والمتكلمين من أهل السنة خلافا لمن تأوله من المبتدعة والباطنية، وهو أحد أشراط الساعة العظام المنتظرة " (¬1) . وقال الإمام النووي - رحمه الله -: " وأما سجود الشمس فهو بتمييز وإدراك يخلقه الله تعالى " (¬2) . وقال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: يسجد لعظمته تعالى كل شيء طوعا وكرها، وسجود كل شيء مما يختص به (¬3) . وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله -: وظاهر الحديث أن المراد بالاستقرار وقوعه في كل يوم وليلة عند سجودها ومقابل الاستقرار المسير الدائم المعبر عنه بالجري - والله أعلم (¬4) . ¬
المطلب السادس خروج الدابة
[المطلب السادس خروج الدابة] [المسألة الأولى الأدلة على خروجها من الكتاب والسنة] المطلب السادس: خروج الدابة من أشراط الساعة الكبرى خروج دابة من الأرض في آخر الزمان تكلم الناس وتسميهم مؤمنا وكافرا، وذلك عند فساد الناس وتركهم أوامر الله تعالى. والكلام على هذه العلامة يشتمل على المسائل التالية: المسألة الأولى: الأدلة على خروجها من الكتاب والسنة قال تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل: 82] (¬1) . عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن معنى تكلمهم: تجرحهم، بمعنى تكتب على جبين الكافر كافرا، وعلى جبين المؤمن مؤمنا. وروي عنه أيضا بمعنى تخاطبهم. قال الحافظ ابن كثير: " هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق. يخرج الله لهم دابة من الأرض فتكلم الناس على ذلك " (¬2) . وقال الألوسي (¬3) " أي تكلمهم بأنهم لا يتيقنون بآيات الله تعالى الناطقة بمجيء الساعة ومباديها أو بجميع آياته التي من جملتها تلك الآيات " (¬4) . ¬
وأما الأدلة من السنة: فمنها حديث أبي أمامة رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثم تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل البعير، فيقال: ممن اشتريت؟ فيقول اشتريته من أحد المخطمين» (¬1) . ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال ستا: الدجال، والدخان، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة، وخويصة (¬2) أحدكم» (¬3) . ومنها حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال: «اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: " ما تذاكرون "؟ : قالوا: نذكر الساعة قال: " إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» (¬4) . ومنها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد، سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيتهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا» (¬5) . ¬
المسألة الثانية صفة الدابة
[المسألة الثانية صفة الدابة] المسألة الثانية: صفة الدابة اختلف العلماء في صفة الدابة إلى عدة أقوال: القول الأول: أنها فصيل ناقة صالح، قال القرطبي: " أولى الأقوال أنها فصيل ناقة صالح وهو أصحها، والله أعلم " (¬1) واستدل بحديث أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن حذيفة قال: «ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال: " لها ثلاث خرجات من الدهر، فتخرج في أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية - يعني مكة - ثم تكمن زمنا طويلا، ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك فيفشو ذكرها في البادية، ويدخل ذكرها القرية، يعني مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة خيرها وأكرمها على الله المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام تنفض رأسها عن التراب فتركض الناس منها شتى ومعا، وتثبت عصابة من المؤمنين عرفوا أنهم لم يعجزوا الله فبدأت بهم، فجلت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدري، وولت في الأرض لا يدركها طالب ولا ينجو منها هارب حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه، فتقول: يا فلان: الآن تصلي!؟ فتقبل عليه فتسمه في وجهه. . .» (¬2) . ووجه الدلالة من هذا الحديث قوله: وهي ترغو والرغاء للإبل. وقال القرطبي في التذكرة: " وقد قيل إن الدابة التي تخرج هي الفصيل الذي كان لناقة صالح عليه السلام، فلما قتلت الناقة هرب الفصيل بنفسه فانفتح له الحجر فدخل فيه ثم انطبق عليه، فهو فيه إلى وقت خروجه، حتى يخرج بإذن الله تعالى، ويدل ¬
على هذا القول حديث حذيفة. . . "، ولقد أحسن من قال: واذكر خروج فصيل ناقة صالح ... يسم الورى بالكفر والإيمان (¬1) القول الثاني: أنها دابة جمعت من خلق كل حيوان. القول الثالث: أنها إنسان متكلم يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم حتى يتبين الصادق من الكاذب فيحيا من حيَّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، وقد رد القرطبي - رحمه الله تعالى - على هذا القول وبين أنه قول فاسد مخالف لظاهر الآية والأحاديث الصحيحة فقال - رحمه الله -: " وإنما كان هذا القائل الأقرب لقوله تعالى: {تُكَلِّمُهُمْ} [النمل: 82] وعلى هذا فلا يكون في هذه الدابة آية خاصة خارقة للعادة، ولا تكون من العشر آيات المذكورة في الحديث؛ لأن وجود المناظرين والمحتجين على أهل البدع كثير، فلا آية خاصة بها، فلا ينبغي أن تذكر مع العشر، وترتفع خصوصية وجودها إذا وقع القول، ثم فيه العدول عن تسمية هذا الإنسان المناظر الفاضل العالم الذي على أهل الأرض أن يسموه باسم الإنسان أو بالعالم أو بالإمام إلى أن يسمى بدابة، وهذا خروج عن عادة الفصحاء، وعن تعظيم العلماء، وليس ذلك دأب العقلاء، فالأولى ما قاله أهل التفسير، والله أعلم بحقائق الأمور " (¬2) . القول الرابع: أنها الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعتها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة (¬3) . القول الخامس: أنها دابة مزغبة شعراء ذات قوائم، طولها ستون ذراعا، ويقال: إنها الجساسة (¬4) المذكورة في حديث تميم الداري رضي الله عنه والذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ¬
تقول فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وهي تحكي قصة اعتدادها بعد وفاة زوجها ابن المغيرة عند ابن عمها عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم: «فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي - منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم - ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك فقال: " ليلزم كل إنسان مصلاه "، ثم قال: " أتدرون لم جمعتكم "؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: " إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال: حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر ثم أرفؤوا (¬1) إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قُبلُهُ من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟! فقالت: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه وما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك، ما أنت؟! قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهرا ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرى ما قُبلُهُ من دبره من كثرة الشعر. فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة: قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في ¬
الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعا، وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة، فقال: أخبروني عن نخل بَيْسان؟ (¬1) . قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا يثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثير الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زُغَر (¬2) ؟ قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال كيف صنع بهم؟ ، فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه. وإني مخبركم عني، إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما استقبلني ملك بيده سيف صلتا (¬3) يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها ". قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر: " هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة "يعني المدينة " ألا هل كنت حدثتكم ذلك "؟ فقال الناس: نعم. قال: " فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ألا إنه في بحر ¬
الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل الشرق ما هو من قبل الشرق، ما هو من قبل الشرق، ما هو " وأوما بيده إلى المشرق، قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم» (¬1) . وسميت بالجساسة؛ لأنها تجس الأخبار للدجال (¬2) . القول السادس: أنها الدابة، اسم جنس لكل ما يدب وليست حيوانا مشخصا معينا يحوي العجائب والغرائب، ولعل المقصود من هذا ما ذهب إليه بعض المتأخرين من أن الدابة نوع من الحشرات الموجودة الآن، وأنها ستكثر لأي سبب من الأسباب، فيكون هجومها على الناس على ضعفها وصغر حجمها وتحميلهم الأذى الكبير وعجزهم عن مقاومتها مع ما أوتوه من بسطة العلم والحيلة، آية من آيات الله، وبعضهم قال إنها الجراثيم الخطيرة التي تفتك بالإنسان، وهذه لا شك أنها تأويلات فاسدة وباطلة؛ لأنها تكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن هذه الدابة (¬3) . قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله -: " والآية صريحة بالقول العربي أنها (دابة) ، ومعنى الدابة في لغة العرب معروف واضح، لا يحتاج إلى تأويل، وقد بين الحديث بعض فعلها، ووردت أحاديث كثيرة في الصحاح وغيرها بخروج هذه الدابة الآية، وأنها تخرج آخر الزمان، ووردت آثار أخر في صفتها لم تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن ربه والمبين آيات كتابه، فلا علينا أن ندعها. ولكن بعض أهل عصرنا من المنتسبين إلى الإسلام، الذين فشا فيهم المنكر من القول، والباطل من الرأي، الذين لا يريدون أن يؤمنوا بالغيب، ولا يريدون إلا أن يقفوا عند حدود المادة التي رسمها لهم معلموهم وقدوتهم من ملحدي ¬
المسألة الثالثة مكان خروج الدابة
أوربا الوثنيين الإباحيين، المتحللين من كل خلق ودين، فهؤلاء لا يستطيعون أن يؤمنوا بما نؤمن به، ولا يستطيعون أن ينكروا إنكارا صريحا، فيجمجمون ويحاورون ويداورون، ثم يتأولون فيخرجون الكلام عن معناه الوضعي الصحيح للألفاظ في لغة العرب، يجعلونه أشبه بالرموز، لما وقر في أنفسهم من الإنكار الذي يبطنون! . بل إن بعضهم لينقل التأويل عن رجل هندي معروف أنه من طائفة تنتسب للإسلام، وهي له عدو مبين، وعبيد لأعدائه المستعمرين!! فانظر إليهم أنى يترددون ويصرفون؟ وأي نار يقتحمون؟ ذلك بأنهم بآيات الله لا يوقنون " (¬1) أ. هـ. فالواجب على كل مؤمن الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى سيخرج للناس دابة مخالفة لما يعتاده الناس تكلمهم وتختم على الكافر بالكفر وعلى المؤمن بالإيمان، وهذا من الإيمان بالغيب الذي مدح الله به المؤمنين. يقول العلامة عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله -: " وهذه الدابة هي الدابة المشهورة التي تخرج في آخر الزمان وتكون من أشراط الساعة، كما تكاثرت بذلك الأحاديث ولم يذكر الله ورسوله كيفية هذه الدابة، وإنما ذكر أثرها والمقصود منها، وأنها من آيات الله تكلم الناس كلاما خارقا للعادة حين يقع القول على الناس، وحين يمترون بآيات الله فتكون حجة وبرهانا للمؤمنين وحجة على المعاندين " (¬2) . [المسألة الثالثة مكان خروج الدابة] المسألة الثالثة: مكان خروج الدابة اختلف العلماء في مكان خروج الدابة إلى عدة أقوال: القول الأول: أنها تخرج من جبل الصفا أو من المسجد الحرام بمكة المكرمة. قال القرطبي: " واختلف من أي موضع تخرج، فقال عبد الله بن عمر: تخرج من جبل الصفا بمكة، يتصدع فتخرج منه، وقال عبد الله بن عمرو نحوه، قال: ¬
لو شئت أن أضع قدمي على موضع خروجها لفعلت " (¬1) . ومما يدل على خروجها من أعظم المساجد، ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن حذيفة بن أسيد - أراه رفعه - قال: «تخرج الدابة من أعظم المساجد، فبينا هم إذ دبت الأرض فبينا هم كذلك إذ تصدعت» . قال ابن عيينة (¬2) تخرج حين يسوي الإمام الجمع، وإنما جعل سابقا ليخبر الناس أن الدابة لم تخرج (¬3) . قال محمد صديق حسن خان: وهو المشهور (¬4) . القول الثاني: أن لها خرجات، الأولى من أقصى البادية، ثم تختفي، ثم تخرج من بعض أودية تهامة، ويصدق عليها أنه من وراء مكة، وفي المرة الأخيرة تخرج من مكة. وهذا القول الأخير هو الذي يجمع بين الأقوال في خروجها. يقول السخاوي - رحمه الله - " وتخرج كما في بعض المرفوعات أو الموقوفات ثلاث خرجات من الدهر، فمرة من أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية، يعني مكة، ثم تكمن زمانا طويلا ثم تخرج مرة أخرى دون تلك فيعلو ذكرها في أهل البادية ويدخل ذكرها القرية، يعني مكة، " (¬5) . ويقول محمد صديق حسن خان بعد ذكره للأقوال في خروج الدابة: ويجمع بين هذه الأقوال بما جاء في الأحاديث المرفوعة والموقوفة كما قال السخاوي وغيره من أنها تخرج ثلاث خرجات (¬6) ثم ذكر كلام السخاوي السابق. ¬
المسألة الرابعة عمل الدابة
[المسألة الرابعة عمل الدابة] المسألة الرابعة: عمل الدابة عمل هذه الدابة كما جاءت به الأحاديث أنها تسم الناس المؤمن والكافر، حتى إنه جاء في بعض الروايات: فتلقى المؤمن فتسمه في وجهه، ويشترك الناس في الأقوال ويصطحبون في الأمصار، يعرف المؤمن الكافر وبالعكس. قال ابن كثير: وعن ابن عباس: تكلمهم، تجرحهم، يعني تكتب على جبين الكافر كافر، وعلى جبين المؤمن مؤمن، ومنه تخاطبهم، وتخرجهم، وهذا القول ينتظم من مذهبين وهو قوي حسن جامع، والله تعالى أعلم (¬1) . ويتلخص عمل الدابة في الأمور التالية: 1 - أنها دابة تكلم الناس. 2 - أنها تسم المؤمن بعلامة وتجلو وجهه حتى ينير. 3 - أنها تسم الكافر بعلامة قيل: هي خطم الأنف. قال ابن الأثير: يعني تصيبه فتجعل له أثرا مثل أثر الخطام (¬2) . ¬
المطلب السابع الدخان الذي يكون في آخر الزمان
[المطلب السابع الدخان الذي يكون في آخر الزمان] [المسألة الأولى الأدلة من الكتاب والسنة] المطلب السابع: الدخان الذي يكون في آخر الزمان من علامات الساعة وأشراطها العظمى ظهور دخان قبل قيام الساعة. والكلام على هذه العلامة يتضمن المسائل التالية: المسألة الأولى: الأدلة من الكتاب والسنة قال تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ - يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ - رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ - أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} [الدخان: 10 - 13] (¬1) . أما الأدلة من السنة على هذا الأمر فهي كثيرة: منها حديث حذيفة بن أسيد الغفاري المتقدم، قال: «اطلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر الساعة فقال: " ما تذاكرون "؟ قلنا: نذكر الساعة، قال: " إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آَيات فذكر الدخان والدجال والدابة. . .» الحديث (¬2) . ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها أو الدخان أو الدجال. . .» الحديث (¬3) . ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم أنذركم ثلاثا: الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه، والثانية: الدابة، والثالثة: الدجال» (¬4) . [المسألة الثانية اختلاف العلماء حول المراد بالدخان ومتى يحدث] ¬
لقد اختلف العلماء - رحمهم الله - في المراد بالدخان الوارد في الآية والأحاديث المتقدمة على قولين: 1 - فذهب بعضهم إلى أن هذا الدخان هو ما أصاب قريشا من الشدة والجوع عندما دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يستجيبوا له، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان، وإلى هذا القول ذهب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وتبعه جماعة من السلف ورجحه ابن جرير الطبري رحمه الله (¬1) . وقد استدل هؤلاء بما جاء في حديث مسروق بن الأجدع (¬2) - رحمه الله - قال: «كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، إن قاصا يقص ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام " فقال عبد الله، وجلس وهو غضبان: " يا أيها الناس اتقوا الله، من علم منكم شيئا فليقل بما يعلم، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: " قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ " (¬3) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارا قال لهم: " اللهم سبع كسبع يوسف " (¬4) قال: فأخذتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوعِ، وينظر إلى السماء أحدهم فيرى كهيئة الدخان» (¬5) . وقال ابن مسعود أيضا: «خمس قد مضين: ¬
اللزام (¬1) والروم (¬2) والبطشة (¬3) والقمر (¬4) والدخان» (¬5) . 2 - وذهب كثير من العلماء سلفا وخلفا إلى أن الدخان هو من الآيات المنتظرة التي لم تأت بعد، وسيقع قرب يوم القيامة، وإلى هذا ذهب علي بن أبي طالب وابن عباس وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم وغيرهم، وكثير من التابعين. وقد رجح الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هذا، مستدلا بالأحاديث التي سبق ذكرها عند الاستدلال على هذه الآية (آية الدخان) ، وبغيرها من الأحاديث، وأيضا بما أخرجه ابن جرير وغيره عن عبد الله بن أبي مليكة (¬6) قال: غدوت على ابن عباس - رضي الله عنهما - ذات يوم فقال: " ما نمت البارحة حتى أصبحت، قلت: لم؟ قال: قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب، فخشيت أن يكون الدخان قد طرق، فما نمت حتى أصبحت " (¬7) . قال ابن كثير - رحمه الله - بعد ذكره لهذا الأثر: " وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما حبر وترجمان القرآن، وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرها ¬
التي أوردوها مما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة مع أنه ظاهر القرآن، قال الله تبارك وتعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] أي بين واضح، يراه كل أحد، وعلى ما فسر به ابن مسعود رضي الله عنه إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد، وهكذا قوله تعالى: {يَغْشَى النَّاسَ} [الدخان: 11] وقوله تعالى: {هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 11] أي يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا " (¬1) . 3 - وقد ذهب بعض العلماء (¬2) إلى الجمع بين هذه الآثار بأن قالوا هما دخانان ظهر أحدهما وبقي الآخر الذي سيقع في آخر الزمان، فأما الآية الأولى التي ظهرت فهي ما كانت قريش تراه كهيئة الدخان، وهذا الدخان غير الدخان الحقيقي الذي يكون عند ظهور الآيات التي هي من أشراط الساعة. قال القرطبي - رحمه الله -: قال مجاهد: كان ابن مسعود يقول: " هما دخانان قد مضى أحدهما، والذي بقي يملأ ما بين السماء والأرض ولا يجد المؤمن إلا كالزكمة، وأما الكافر فتثقب مسامعه " (¬3) . وقال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله -: " وبعد فإنه غير منكر أن يكون أحل بالكفار الذين توعدهم بهذا الوعيد ما توعدهم، ويكون محلا فيما يستأنف بعد بآخرين دخانا على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا كذلك؛ لأن الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تظاهرت بأن ذلك كائن، فإنه قد كان ما روى عنه عبد الله بن مسعود، فكلا الخبرين اللذين رويا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح " (¬4) . وقال النووي رحمه الله تعالى: ويحتمل أنهما دخانان للجمع بين هذه الآثار " (¬5) . ولا شك أن الجمع هو أفضل الطرق ولا منافاة بين الرأيين حينئذ - والله تعالى أعلم، ورد العلْم إليه أسلم. ¬
المطلب الثامن الخسوفات الثلاثة
[المطلب الثامن الخسوفات الثلاثة] المطلب الثامن: الخسوفات الثلاثة من العلامات الكبرى التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بحدوثها في آخر الزمان الخسوفات الثلاثة، وقد دلت على هذا حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه - وقد سبق ذكره - وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، وذكر منها ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب» (¬1) . ومنها حديث أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون بعدي خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب "، قلت: يا رسول الله أيخسف بالأرض وفيها الصالحون؟ قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أكثر أهلها الخبث» (¬2) . فهذه الخسوفات الثلاثة من الأشراط الكبرى التي لا تظهر إلا في آخر الزمان، وهي غير الخسوفات التي وقعت في الماضي وفي أماكن متعددة؛ لأن هذه من أشراط الساعة الصغرى، أما هذه الخسوفات الثلاثة فهي خسوفات عظيمة. قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: " وقد وجد الخسف في مواضع، ولكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدرا زائدا على ما وجد، كأن يكون أعظم منه مكانا أو قدرا " (¬3) . ¬
المطلب التاسع النار التي تحشر الناس
[المطلب التاسع النار التي تحشر الناس] [المسألة الأولى الأدلة على خروجها] المطلب التاسع: النار التي تحشر الناس آخر الآيات الكبرى والعلامات العظمى لأشراط الساعة وأول الآيات المؤذنة بقيام القيامة خروج نار تحشر الناس إلى محشرهم، والكلام عليها في عدة مسائل: المسألة الأولى: الأدلة على خروجها جاءت الروايات بأن خروج هذه النار يكون من اليمن من قعرة عدن، وجاءت روايات أخرى بأنها تخرج من بحر حضرموت، ومن الأحاديث التي تبين ذلك: 1 - حديث حذيفة بن أسيد في ذكر أشراط الساعة وآخره قوله صلى الله عليه وسلم: «وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» ، وفي رواية: «نار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس» (¬1) . 2 - حديث ابن عمر رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستخرج نار من حضرموت أو من بحر حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس» (¬2) . 3 - حديث أنس رضي الله عنه: «أن عبد الله بن سلام لما أسلم سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مسائل ومنها: ما أول أشراط الساعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب» (¬3) . [المسألة الثانية الجمع بين الأحاديث الواردة في مكانها] المسألة الثانية: الجمع بين الأحاديث الواردة في مكانها الجمع بين ما جاء أن هذه النار هي آخر أشراط الساعة الكبرى وما جاء أنها أول أشراطها بأن يقال: إن آخريتها باعتبار ما ذكر معها من الآيات الواردة معها في حديث حذيفة، وأوليتها باعتبار أنها أول الآيات التي لا شيء بعدها من ¬
المسألة الثالثة مكان الحشر
أمور الدنيا أصلا، بل يقع بانتهاء هذه الآيات النفخ في الصور بخلاف ما ذكر معها من الآيات الواردة في حديث حذيفة، فإنه يبقى بعد كل آية منها أشياء من أمور الدنيا (¬1) . أما ما جاء في بعض الروايات بأن خروجها يكون من اليمن، وفي بعضها الآخر أنها تحشر الناس من المشرق إلى المغرب فيجاب عن ذلك بأجوبة: 1 - أنه يمكن الجمع بين هذه الروايات بأن كون النار تخرج من قعر عدن لا ينافي حشرها الناس من المشرق إلى المغرب، وذلك أن ابتداء خروجها من قعر عدن فإذا خرجت انتشرت في الأرض كلها، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم: «تحشر الناس من المشرق إلى المغرب» إرادة تعميم الحشر لا خصوص المشرق والمغرب. 2 - أن النار عندما تنتشر يكون حشرها لأهل المشرق أولا، ويؤيد ذلك أن ابتداء الفتن دائما من المشرق، وأما جعل الغاية المغرب فلأن الشام بالنسبة إلى أهل المشرق مغرب. 3 - يحتمل أن تكون النار المذكورة في حديث أنس كناية عن الفتن المنتشرة التي أثارت الشر العظيم والتهبت كما تلتهب النار، وكان ابتداؤها من قبل المشرق حتى خرب معظمه وانحشر الناس من جهة المشرق إلى الشام ومصر وهما من جهة الغرب، كما شوهد ذلك مرارا في عهد التتر والمغول وغيرهم، وأما النار التي في حديثي حذيفة بن أسيد وابن عمر فهي نار حقيقية، والله أعلم (¬2) . [المسألة الثالثة مكان الحشر] المسألة الثالثة: مكان الحشر المكان الذي يكون الحشر إليه في آخر الزمان هو الشام كما صحت بذلك الأحاديث الكثيرة منها: 1 - حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬
يقول: «إنكم محشورون رجالا وركبانا، وتجرون على وجوهكم ها هنا، وأومأ بيده إلى الشام» (¬1) . 2 - حديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشام أرض المحشر والمنشر» (¬2) إلى غير ذلك من الأحاديث. قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: " وفي تفسير ابن عيينة عن ابن عباس رضي الله عنهما: «من شك أن المحشر ههنا، يعني الشام، فليقرأ أول سورة الحشر، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يومئذ اخرجوا "، قالوا: إلى أين؟ قال: " إلى أرض المحشر» (¬3) . والسبب في كون الشام هي أرض المحشر أن الأمن والإيمان حين تقع الفتن في آخر الزمان يكون بالشام، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم للشام بالبركة فقال: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا» (¬4) . وقد وردت أحاديث كثيرة في فضائل الشام والترغيب في سكنها لا مجال لذكرها هنا (¬5) وقد تقدم أن نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان يكون بالشام وبه يكون اجتماع المؤمنين لقتال الدجال، وهناك يقتله المسيح عليه السلام بباب لد، هذا بالإضافة إلى أن أرض الشام مهبط الأنبياء ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ¬
المسألة الرابعة زمان الحشر
[المسألة الرابعة زمان الحشر] المسألة الرابعة: زمان الحشر وأما عن زمن الحشر: فقد اختلف أهل العلم فيه، فذهب بعض العلماء كالبيهقي والغزالي (¬1) وغيرهما إلى أن هذا الحشر ليس في الدنيا وإنما هو في الآخرة عند الخروج من القبور (¬2) . وذهب جماهير العلماء (¬3) إلى أن هذا الحشر يكون في الدنيا قبل قيام الساعة حيث يحشر الناس أحياء إلى الشام، وأما الحشر من القبور إلى الموقف فهو على خلاف الصورة الواردة في حشر الناس إلى الشام حيث جاء في وصف حشر الدنيا ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين راهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا» (¬4) إلى غير ذلك من الأحاديث التي تدل على أن المراد به حشر الموجودين في آخر الدنيا من أقطار الأرض إلى محلة المحشر بأرض الشام، وقد ورد في هذا الحديث وغيره الركوب والأكل والنوم وإماتة النار من يتخلف، ولو كان هذا بعد نفخة البعث لم يبق موت ولا ظهر يركب ويشترى ولا أكل ولا لبس في عرصات القيامة، وأيضا: فإن حشر الآخرة قد جاءت به الأحاديث تبين بأن الناس مؤمنهم وكافرهم يحشرون حفاة عراة لا عاهات فيهم، ففي الصحيح عن ابن عباس ¬
رضي الله عنهما قال: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا بموعظة فقال: " يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا (¬1) {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] (¬2) ألا وأن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام» (¬3) . فمن أين للذين يبعثون بعد الموت حفاة عراة حدائق يدفعونها في الشوارف، أو أبعرة يركبها من يساق من الموقف إلى الجنة، إن هذا في غاية البعد (¬4) . وبهذا يتبين أن الحشر الوارد في الأحاديث السابقة إنما يكون في الدنيا قبل يوم القيامة، أما حشر يوم القيامة فقد بينه حديث ابن عباس السابق، فمن ذهب إلى خلاف ذلك فقد أخطأ وجانب الحق والصواب - والله أعلم. قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: " فأما شرار الخلق فتخرج نار في آخر الزمان تسوقهم إلى الشام قهرا حتى تجمع الناس كلهم بالشام قبل قيام الساعة " (¬5) . وقد سبق التنبيه إلى أن هذه النار غير النار التي خرجت في المدينة والتي تعد من الأشراط الصغرى، والله أعلم. ¬
الخاتمة
[الخاتمة] الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد: فقد انتهيت - بعون الله تعالى وتوفيقه - من إتمام هذا البحث وإكماله، وقد بحثت فيه جهدي وطاقتي، واستفدت منه فوائد كثيرة، وخرجت بنتائج طيبة، وذلك من خلال قراءتي لكثير من كتب العقيدة والتفسير والحديث والتراجم وغيرها من مختلف العلوم المتعلقة بهذا البحث. هذا ويمكن أن أجمل أهم النتائج والفوائد التي توصلت إليها في الأمور التالية: 1 - أن بحث أشراط الساعة ودراستها وتعلمها وتعليمها من أهم الأمور في الوقت الحاضر؛ لإقبال الناس على الدنيا والجري وراءها، مما جعل الكثير منهم ينسى الحياة الآخرة، والاستعداد لها، فالبحث في أشراط الساعة ودراستها وعرضها على الناس يقوي الإيمان في القلوب ويحثهم على الإكثار من الأعمال الصالحة، والاستعداد للقدوم على الدار الآخرة. 2 - أهمية الإيمان بالغيب ومكانته في الإسلام، فهو صفة المؤمنين المتقين، وكل من يدعي علما بشيء من الغيب من تلقاء نفسه يكون ضالا مكذبا لخبر الله تعالى، ونصوص الكتاب والسنة التي تبين أن علم الغيب من خصائص الله تبارك وتعالى. 3 - يجب على كل مسلم طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم واتباعه واقتفاء أثره والسير على هديه، وعدم مخالفة أمره ونهيه، فعبادة الله سبحانه وتعالى لم تترك للأهواء والأفكار، بل هي مقيدة باتباعه صلى الله عليه وسلم، فيما شرعه لأمته.
4 - من خلال النظر في بعض المؤلفات المستقلة في أشراط الساعة يتبين أن التأليف في هذا الموضوع على وجه الاستقلال بدأ في وقت مبكر مع بداية حركة التأليف. 5 - أن أشراط الساعة الصغرى ظهر كثير منها ولم يبق منها إلا القليل. 6 - أنه يجب الإيمان بكل الأحاديث والأخبار التي ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة سواء كانت متواترة أم آحادا. 7 - أن المراد بأشراط الساعة هي العلامات التي تسبقها، ولا دليل في ذلك على كون شيء منها محرما أو ممنوعا، إنما وقوعه دليل على قرب الساعة ودنو قيامها، ومنها بعثته صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة الصغرى، وهي كذلك نور وخير للبشرية. 8 - أن النار التي ظهرت في الحجاز وأضاءت لها أعناق الإبل ببصرى، من أشراط الساعة الصغرى، وقد ظهرت وانتهت، أما النار التي تحشر الناس وتقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، فهي من أشراط الساعة الكبرى التي لم تأت بعد. 9 - أن أشراط الساعة وعلاماتها التي ظهرت ووقعت هي من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم حيث إنها وقعت كما أخبر بها صلى الله عليه وسلم. 10 - أن كثيرا من الدجالين الكذابين المدعين للنبوة والمثيرين للفتنة قد ظهروا قديما وحديثا، ولا يزال هذا الظهور حتى يكون آخرهم المسيح الدجال الأعور الكذاب. 11 - أن أشراط الساعة الكبرى إذا خرجت تتابعت كتتابع الخرز في النظام. 12 - أن الراجح في أمر ابن صياد أنه دجال من الدجاجلة، وليس هو الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان. 13 - أن عيسى ابن مريم عليه السلام عندما ينزل يقتل الدجال، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويقضي بشريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
14 - أن طلوع الشمس من مغربها هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وأنه بطلوعها يقفل باب التوبة. 15 - أن آخر أشراط الساعة الكبرى هو خروج النار التي تحشر الناس إلى أرض المحشر، والذي يكون بعده قيام الساعة. وأخيرا أحمد الله تعالى وأشكره أن أعانني على إتمام هذا البحث وإخراجه بهذه الصورة التي أرجو أن أكون قد وفقت بها في عرضه، وبيان أهم جوانبه على الوجه المطلوب، ولا شك أن الإنسان معرض للخطأ في عمله والكمال لله وحده. وإنني أعترف هنا بالتقصير، فإن كان ما ذكرته في بحثي هذا وما عرضته فيه حقا وصوابا فهذا فضل الله وحده وله الحمد والشكر أولا وآخرا، وما كان فيه من خطأ وزلل فهو مني ومن الشيطان، وأستغفر الله وأتوب إليه من ذلك. وفي الختام أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل واتباع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم اتباعا نقيا خاليا من البدع والأهواء، كما كان عليه سلف هذه الأمة، وأن يجنبنا الزلل ومزالق الأهواء، وأن يأخذ بنواصينا لما فيه رضاه وسعادتنا في الدارين، وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه به، وأن يغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصادر والمراجع
[المصادر والمراجع] المصادر والمراجع 1 - القرآن الكريم. 2 - الأدب المفرد للبخاري، ترتيب: كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، بيروت، ط 1، سنة 1404هـ. 3 - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، ط دار الإفتاء، الرياض، سنة 1403هـ. 4 - أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري للخطابي، من مطبوعات مركز إحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى بمكة المكرمة، تحقيق: د محمد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود. 5 - الأعلام للزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط 5، سنة 1990 م. 6 - الأنساب، للسمعاني، الناشر: محمد أمين دمج، بيروت، سنة 1400 هـ. 7 - إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة للشيخ حمود بن عبد الله التويجري، دار الصميعي، الطبعة الثانية، سنة 1414 هـ. 8 - الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، ترتيب الأمير علاء الدين الفارسي، تقديم وضبط: كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، سنة 1407 هـ. 9 - الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة للعلامة محمد صديق حسن القنوجي، دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1399 هـ. 10 - الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للعلامة صالح بن فوزان الفوزان، ط الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، الرياض، سنة 1410هـ. 11 - الإشاعة لأشراط الساعةً للشريف محمد بن رسول البرزنجي، دار المنهاج، ط 1، سنة 1417 هـ.
12 - إكمال إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم، لأبي عبد الله الأبي، مكتبة طبرية الرياض، بدون تاريخ. 13 - اقتضاء الصراط المستقيم ومخالفة أصحاب الجحيم تحقيق د / ناصر بن عبد الكريم العقل، مطابع العبيكان الرياض، ط1، سنة 1404 هـ. 14 - البحر المحيط: لأبي حيان الأندلسي، دار الفكر - بيروت. 15 - البداية والنهاية لابن كثير، اعتناء: عبد العزيز النجار، مكتبة الأصمعي وغيرها، الرياض. 16 - البدر الطالع لمحاسن من بعد القرن السابع للشوكاني، مطبعة السعادة، القاهرة ط 1، سنة 1348 هـ. 17 - البعث والنشور للبيهقي. 18 - بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس، للضبي، دار الكتاب العربي، بيروت، سنة 1967م. 19 - بغية الوعاة للسيوطي، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، دار الفكر بيروت، ط 2، سنة 1399 هـ. 20 - تاج العروس في جواهر القاموس لمحمد مرتضى الزبيدي، تحقيق مجموعة من المحققين، طبعة وزارة الإعلام الكويتية، سنة 1385 هـ. 21 - تاريخ ابن جرير الطبري - طبعة دار المعارف - الطبعة الثانية - تحقيق / محمد أبو الفضل. 22 - تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت. 23 - تبيين كذب المفتري لابن عساكر، دار الكتاب العربي، بيروت، سنة 1399 هـ. 24 - تذكرة الحفاظ للذهبي، تصحيح عبد الرحمن المعلمي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
25 - التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، للقرطبي، تحقيق أحمد حجازي، مكتبة الكليات الأزهرية، سنة 1400 هـ. 26 - ترتيب القاموس للزاوي - دار الكتب العلمية - سنة 1399 هـ. 27 - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للقاضي عياض تحقيق سعيد أحمد أعرابي، طبعة وزارة الأوقاف بالمملكة المغربية. 28 - التصريح بما تواتر في نزول المسيح لمحمد أنور شاه الكشميري، مطبعة الأصيل، حلب، سنة 1385 هـ. 29 - التصريح للشيخ عبد الفتاح أبي غدة - مقدمة الكتاب السابق -. 35 - التعريفات للجرجاني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، سنة 1403 هـ. 31 - تفسير أبي السعود - نشر وتوزيع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، سنة 1401 هـ. 32 - تفسير ابن سعدي - نشر وتوزيع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، سنة 1401 هـ. 33 - تفسير البغوي، تحقيق خالد عبد الرحمن العك، ومروان سوار، دار المعرفة بيروت، ط1، سنة 1406 هـ. 34 - تفسير القرآن العظيم لابن كثير، دار المعرفة بيروت، سنة 1403 هـ. 35 - تلبيس إبليس لابن الجوزي، دار الطباعة المنيرة، مصر، سنة 1396 هـ. 36 - تلخيص المستدرك على الصحيحين للذهبي، بذيل المستدرك للحاكم، دار الكتاب العربي، بيروت. 37 - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر، طبع وزارة الأوقاف بالمملكة المغربية، تحقيق جماعة من العلماء. 38 - تهذيب التهذيب لابن حجر، طبع دائرة المعارف النظامية، الهند، ط1، سنة 1326.
39 - تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري، مطبعة الدار المصرية للتأليف والنشر والترجمة، سنة 1966م. 40 - تهذيب سيرة ابن هشام لعبد السلام هارون، طبع المجمع العلمي العربي الإسلامي، بيروت. 41 - التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح. 42 - جامع البيان في تأويل القرآن، لابن جرير الطبري، طبعة الحلبي، القاهرة، ط 3، سنة 1388 هـ. 43 - جامع العلوم والحكم لابن رجب، من منشورات المؤسسة السعيدية، الرياض. 44 - جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله لابن عبد البر - راجعه وصححه عبد الرحمن حسن، دار الكتب الحديثة، مصر. 45 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، دار الكتاب العربي، القاهرة، سنة 1387 هـ. 46 - حاشية العقيدة الطحاوية للشيخ الألباني. 47 - حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، للسيوطي، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، ط1، سنة 1387هـ. 48 - الحكم الجديرة بالإذاعة لابن رجب - تقديم الألباني - دار مرجان للطباعة مصر. 49 - خطبة الحاجة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه، للألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، الطبعة الرابعة، سنة 1400هـ. 50 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1403 هـ. 51 - الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب لابن فرحون، القاهرة، تحقيق: محمد الأحمدي أبي النور.
52 - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، لأبي بكر البيهقي (ت 458 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1405هـ. 53 - ذيل الروضتين لأبي شامة، القاهرة، سنة 1366 هـ. 54 - الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد - مطابع الرشيد - المدينة المنورة، الطبعة الأولى، سنة 1402 هـ. 55 - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور السنة المشرفة للكتاني، دار البشائر الإسلامية ط4، سنة 1406 هـ. 56 - روح المعاني للألوسي، مصورة عن الطبعة المنيرية. 57 - زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت ط1، سنة 1399 هـ. 58 - سلسلة الأحاديث الصحيحة لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، الدار السلفية، الكويت، المكتبة الإسلامية، الأردن، الطبعة الأولى. 59 - سلسلة الأحاديث الضعيفة لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى. 65 - سنن أبي داود السجستاني، تحقيق: عزت عبيد الدعاس، وعادل السيد، دار الحديث - حمص، الطبعة الأولى، سنة 1393 هـ. 61 - سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي بيروت، سنة 1395 هـ. 62 - سنن الترمذي: للإمام الترمذي - تحقيق: أحمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقي، وإبراهيم عطوة عوض، القاهرة، ط2، سنة 1395هـ. 63 - سنن الدارقطني، اعتناء عبد الله هاشم اليماني المدينة المنورة، سنة 1386هـ. 64 - السنن الكبرى للبيهقي، دار الفكر، بيروت. 65 - السنن الكبرى للنسائي، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري، وسيد كسروي
حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، سنة 1406 هـ. 66 - سنن النسائي، للإمام النسائي، المكتبة السلفية، لاهور، الطبعة الثانية، سنة 1396 هـ. 67 - السنن للدارمي، طبعة مصورة في بيروت. 68 - سير أعلام النبلاء للذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، سنة 1401 هـ. مجموعة من المحققين. 69 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي، دار المسيرة، بيروت. 75 - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، تحقيق: د أحمد سعد حمدان الغامدي، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض. 71 - شرح السنة للبغوي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وزهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، سنة 1971 م. 72 - شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي حققه وراجعه جماعة من العلماء، خرج أحاديثه الألباني، المكتب الإسلامي، ط5، سنة 1399هـ. 73 - شرح سنن أبي داود للعلامة ابن القيم، مطبوع على حاشية عون المعبود، ط2، الناشر: عبد المحسن الكتبي، صاحب المكتبة السلفية. 74 - شرح صحيح مسلم للنووي، القاهرة، سنة 1349هـ. 75 - الشرح والإبانة لابن بطة - تحقيق رضا نعسان - المكتبة الفيصلية مكة المكرمة - سنة 1404هـ. 76 - الشريعة للآجري، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، سنة 1410هـ. 77 - الصحاح للجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الثانية، سنة 1402هـ. 78 - صحيح الإمام مسلم بن الحجاج، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء
التراث العربي، بيروت، سنة 1374 هـ. 79 - صحيح البخاري، المكتبة الإسلامية، تركيا، سنة 1981م. 80 - صحيح الجامع الصغير وزياداته للألباني، المكتب الإسلامي، بيروت. 81 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي، دار مكتبة الحياة، بيروت. 82 - طبقات الحفاظ للسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1403هـ. 83 - طبقات الحنابلة للقاضي ابن أبي يعلى، طبع دار المعرفة، بيروت. 84 - طبقات المفسرين للداودي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، سنة 1403 هـ. 85 - عقيدة أهل السنة في نزول عيسى عليه السلام لفضيلة الشيخ عبد المحسن العباد البدر - مطابع الرشيد - المدينة المنورة، سنة 1402 هـ. 86 - عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر للشيخ عبد المحسن العباد - مطابع الرشيد -، ط1، سنة 1402هـ. 87 - عمدة التفسير، اختيار وتحقيق الشيخ أحمد شاكر، دار المعارف مصر، سنة 1377 هـ. 88 - عون المعبود شرح سنن أبي داود للعلامة أبي الطيب شمس الحق العظيم آبادي، المكتبة السلفية، ط 3، سنة 1399 هـ. 89 - غريب الحديث للخطابي تحقيق د عبد الكريم العزباوي، جامعة أم القرى بمكة المكرمة. 90 - الفتاوى للشيخ شلتوت، طبع دار الشروق ط 8، بيروت، سنة 1395 هـ. 91 - فتح الباري لابن حجر، المكتبة السلفية ومطبعتها، القاهرة، سنة 1380هـ. 92 - فتح الباري لابن رجب، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، دار ابن الجوزي، ط1. 93 - فتح المعبود بترتيب مسند الطيالسي. 94 - الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد،
مطبعة المدني، القاهرة. 95 - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لشيخ الإسلام ابن تيمية، مطابع الرياض، ط2. 96 - فضائل الشام لابن رجب، مخطوط - توجد منه في المكتبة البلدية بالإسكندرية. نسخة برقم 108. 97 - فضائل الشام للربعي. 98 - فهرس الفهارس لعبد الحي الكتاني، دار الكتب العلمية، بيروت. 99 - الفهرست لابن النديم، تحقيق: رضا تجدد، طهران، سنة 1391هـ. 100 - فيض القدير للمناوي - دار المعرفة - بيروت، سنة 1391هـ. 101 - القاديانية دراسات وتحليل للعلامة إحسان إلهي ظهير، إدارة ترجمان السنة - لاهور - باكستان، الطبعة الثالثة. 102 - القاموس المحيط للفيروزآبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، سنة 1406هـ. 103 - القناعة فيما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة للعلامة السخاوي، تحقيق: مجدي فتحي السيد، مكتبة القرآن، القاهرة. 104 - الكامل في التاريخ لابن الأثير، دار الكتاب العربي، بيروت، ط4، سنة 1403 هـ. 105 - الكشاف للزمخشري، مطبعة الحلبي، القاهرة، سنة 1385 هـ. 106 - كشف الأستار عن زوائد البزار - للهيثمي - مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، سنة 1399هـ. 107 - كشف الخفاء ومزيل الإلباس للعجلوني، دار إحياء التراث العربي، ط 3 بيروت، سنة 1351 هـ. 108 - كشف الظنون، حاجي خليفة، بيروت، سنة 1402 هـ. 109 - اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي - دار المعرفة - بيروت. 110 - لسان العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت.
111 - لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي - طبع دار الجيل - بيروت. 112 - لمعة الاعتقاد لابن قدامة المقدسي - المطبعة الماددية - مكة، سنة 1385 هـ. 113 - لوامع الأنوار البهية للسفاريني - طبعة المنار - سنة 1385 هـ. 114 - مجلة معهد المخطوطات - مجلد 26 الجزء الثاني. 115 - مجمع الزوائد للهيثمي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 3، سنة 1402 هـ. 116 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد. 117 - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للعلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، جمع وترتيب: محمد بن سعد الشويعر، مطابع الفرزدق، ط2، الرياض، سنة 1409. 118 - المختصر في أخبار البشر، لعماد الدين أبي الفداء، المطبعة الحسينية، المصرية، سنة 1325 هـ. 119 - المستدرك على معجم المؤلفين، لمحمد رضا كحالة، مؤسسة الرسالة ط1، بيروت، سنة 1406هـ. 120 - المستدرك للحاكم، دار الكتاب العربي، بيروت. 121 - مسند أبي يعلى الموصلي، تحقيق: حسين سليم، دار المأمون، ط1، بيروت سنة 1404هـ. 122 - المسند للإمام أحمد، المكتب الإسلامي بيروت، ودار صادق، تحقيق: أحمد شاكر، دار المعارف، القاهرة، سنة 1954م. 123 - مشاهير علماء الأمصار، لابن حبان، دار الكتب العلمية، بيروت. 124 - مشكاة المصابيح، للتبريزي، تحقيق: الألباني، المكتب الإسلامي، ط2 بيروت، 1399 هـ. 125 - مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، للبوصيري، دار المعرفة، بيروت، سنة 1403هـ.
126 - معارك القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد، لحافظ الحكمي، المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة. 127 - المعالم الأثيرة في السنة والسيرة، إعداد وتصنيف: محمد محمد حسن شراب - الطبعة الأولى - سنة 1411 هـ. 128 - معالم السنن، للخطابي المكتبة العلمية، ط 2، بيروت، سنة 1401هـ. 129 - معجم الأدباء، لياقوت الحموي، دار الفكر، ط 3، بيروت، سنة 1400 هـ. 130 - المعجم الأوسط، للطبراني، تحقيق: محمود الطحان، مكتبة المعارف - ط1، الرياض، سنة 1405 هـ. 131 - معجم البلدان، لياقوت الحموي، دار الكتاب العربي، بيروت. 132 - المعجم الصغير للطبراني، دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1403هـ. 133 - المعجم الكبير للطبراني، مطبعة الوطن، ط1، بغداد، سنة 1400 هـ. 134 - معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 135 - المعجم الوسيط - جماعة من العلماء - الطبعة الثانية. 136 - المغازي، للواقدي (ت 207 هـ) ، تحقيق: د. مارسدن جونس - عالم الكتب -. 137 - المغني، لابن قدامة، مكتبة الجمهورية العربية مصر. 138 - المفردات للراغب الأصفهاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، طبعة الحلبي القاهرة، سنة 1381 هـ. 139 - المقاصد الحسنة للسخاوي، دار الكتب العلمية - بيروت، سنة 1399 هـ. 140 - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة النهضة المصرية، ط2، سنة 1389هـ. 141 - المنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن القيم، مكتبة المطبوعات الإسلامية حلب، سنة 1390 هـ.
142 - المنتظم لابن الجوزي، طبعة دار المعارف العثمانية، ط1، سنة 1359 هـ. 143 - منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ط1. 144 - المنهاج في شعب الإيمان للحليمي، تحقيق: حلمي محمد فودة، دار الفكر، ط1، سنة 1399 هـ. 145 - الموطأ للإمام مالك بن أنس، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقى، دار إحياء الكتب العربية، الحلبي، القاهرة، بدون تاريخ. 146 - ميزان الاعتدال للذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت. 147 - نظم المتناثر من الحديث المتواتر للعلامة محمد بن جعفر الكتاني، دار الكتب العلمية، بيروت. 148 - نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري، تحقيق: إحسان عباس، بيروت، سنة 1968م. 149 - النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير - تحقيق: محمد أحمد عبد العزيز، دار إحياء التراث الإسلامي بالأزهر. 155 - النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، تحقيق: محمد أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، المكتبة الإسلامية، بيروت، بدون تاريخ. 151 - الوافي بالوفيات للصفدي عناية، س. ريد. رينغ، الطبعة الثانية. 152 - وفيات الأعيان لابن خلكان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت.