أسلوب الحوار من خلال سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وتطبيقاته التربوية

عدنان الجابري

المملكة العربية السعودية وزارة التعليم العالي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة كلية الدعوة وأصول الدين قسم التربية (البرنامج المسائي) أسلوب الحوار من خلال سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وتطبيقاته التربوية بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير في التربية إعداد الطالب عدنان بن سليمان بن مسعد الجابري إشراف الدكتور / عبدالرحمن بن رجاء الله الأحمدي الأستاذ المشارك بقسم التربية 1433/ 1434هـ

المقدمة

المقدمة الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على النبي الأمين , وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن تربية الأجيال والاعتناء بهم من أهم ما ينبغي العناية به والتركيز عليه , وذلك من خلال عدة قنوات تساهم في السير بالأجيال الصاعدة إلى سلم الكمال , ومن تلك القنوات المهمة في تربية الناشئة العودة بهم إلى سير السلف الصالح رحمهم الله وقراءتها والاستفادة منها في واقعنا المعاصر , ويأتي على رأسهم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهم أفضل هذه الأمة على الإطلاق , والمثل العليا , والقدوات التي رسمت لمن جاء بعدهم الطريق الصحيحة للتعامل مع كافة المعطيات التي تواجه الإنسان في حياته , فقد أثنى الله عليهم في كتابه حيث قال عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} (¬1) , فصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل هذه الأمة وخيرها فقد قال عليه السلام: ((خير الناس قرني , ثم الذين يلونهم , ثم الذين يلونهم ...)) (¬2). ¬

_ (¬1) سورة الفتح: آية (29). (¬2) البخاري: صحيح البخاري , دار طوق النجاة , بيروت , ط1 , 1422هـ , كتاب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - , باب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - , 5/ 3 , رقم 3651.

وقد اشتملت حياة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين على كثير من الأساليب التربوية التي تساعد في توجيه الناشئة , وتعمل على إكسابهم الصفات الحميدة , وتحيي لديهم مهارات التفكير السليم , وتعطيهم مساحة من الحرية لإبداء آرائهم والتعرف على احتياجاتهم , ومن ذلك أسلوب الحوار الذي يساعد على تقريب وجهات النظر , و"إثارة دافعية المتعلم وتشويقه للعملية التربوية والتعليمية , ويدعم إيجابية المتعلم , ولا يدعه سلبياً يستمع فقط , ولكنه يدعو إلى اشتراكه في الحوار والمناقشة" (¬1). ومن هنا كان هذا البحث بعنوان " أسلوب الحوار من خلال سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وتطبيقاته التربوية " هذا والله أسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به الإسلام والمسلمين. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ,,, ¬

_ (¬1) آل عمرو , محمد عبدالله , والشيخ , محمود يوسف: مدخل إلى أصول التربية الإسلامية , مكتبة المتنبي , الدمام , ط1 , 1425هـ ,ص 198.

موضوع الدراسة

موضوع الدراسة: تحرص الدراسة على بيان جوانب السبق والأصالة في تربيتنا الإسلامية , وذلك من خلال تأصيل أسلوب الحوار كأحد الأساليب التربوية عن طريق تحليل سيرة أحد الصحابة - رضي الله عنهم - البارزين في هذا الجانب. فكان مصعب بن عمير - رضي الله عنه - أحد هؤلاء الصحابة فقد اتصفت شخصيته الفذة بالتكامل , وحوت الكثير من المقومات التربوية التي جعلت منه محاوراً ناجحاً. أهمية الدراسة: تأتي أهمية الدراسة من خلال النقاط الآتية: 1 - بيان مواقف مصعب بن عمير - رضي الله عنه - الحوارية ومدى نجاحها. 2 - أهمية أسلوب الحوار , وأنه من أفضل الأساليب التربوية ; إذ إنه يساعد على حل المشكلات , وتصحيح الأخطاء , ودعم أواصر التآلف والمحبة بين الناس. أهداف الدراسة: تهدف الدراسة إلى الهدف الرئيس الآتي , وهو: إبراز أسلوب الحوار من خلال سيرة الصحابي الجليل مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وتطبيقاته التربوية.

تساؤلات الدراسة

ويتفرع عن هذا الهدف الرئيس الأهداف الفرعية الآتية: - إظهار ضوابط أسلوب الحوار المتضمنة في حياة مصعب بن عمير - رضي الله عنه -. - بيان آداب أسلوب الحوار النفسية والعلمية واللفظية عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه -. - معرفة الآثار التربوية لأسلوب الحوار من خلال سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه -. - إبراز التطبيقات التربوية لأسلوب الحوار عبر الاستفادة من سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - والحوارات التي حفلت بها. تساؤلات الدراسة: تنطلق تساؤلات الدراسة من التساؤل الرئيس الآتي: ما أهمية الحوار من خلال سيرة الصحابي الجليل مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وتطبيقاته التربوية. ? ويتفرع عن هذا التساؤل عدة تساؤلات فرعيةٍ , وهي: - ما ضوابط أسلوب الحوار المتضمنة في حياة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ? - ما آداب أسلوب الحوار النفسية والعلمية واللفظية عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ? - ما الآثار التربوية لأسلوب الحوار من خلال سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ? - ما التطبيقات التربوية لأسلوب الحوار عبر الاستفادة من سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - والحوارات التي حفلت بها ?

منهج الدراسة

منهج الدراسة: استعمل الباحث مناهج البحث التي تتناسب مع دراسة وطبيعة بحثه , وهي كما يأتي: 1) المنهج الاستنباطي: وهو استخراج المعاني وإظهارها من خلال النصوص المختلفة (¬1) , وهذا يساعد الباحث في استخراج المعاني من خلال سيرة مصعب بن ... عمير - رضي الله عنه - والإفادة منها في تأصيل أسلوب الحوار في المنهج التربوي. 2) المنهج الوصفي التحليلي: وهو المنهج الذي يقوم على تحليل ووصف ما حصل عليه الباحث من معلومات تحليلاً كمياً , أو تحليلاً كيفياً (¬2) , وهذا يعين الباحث على القيام بتحليل ما جمعه من نصوص وآثار عن مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , مما يساعد في تكوين منظومة متكاملة عن أسلوب الحوار في المنهج التربوي. ¬

_ (¬1) الدغيمي , محمد راكان: أساليب البحث العلمي ومصادر الدراسات الإسلامية , مكتبة الرسالة , عمَّان , ط2 , 1417هـ , ص 88. (¬2) العساف , صالح حمد: المدخل إلى البحث في العلوم السلوكية , شركة العبيكان , الرياض , ط1 , 1409هـ , ص 206.

مصطلحات الدراسة

فضلاً عن قيام الباحث بالإجراءات الآتية: - عزو الآيات القرآنية الكريمة إلى مواقعها في المصحف الشريف بذكر اسم السورة ورقم الآية. - عزو الأحاديث النبوية إلى مصادرها. - التعريف بالأماكن والمواقع الغريبة أو غير المعروفة. - ذكر معاني الكلمات المبهمة والغامضة. مصطلحات الدراسة: أسلوب الحوار: الأسلوب في اللغة: "الفن , يقال أخذ فلان في أساليب من القول , أي: في فنونٍ منه" (¬1). والحوار في اللغة: "حديث يجري بين شخصين أو أكثر في العمل القصصي" (¬2). أما الحوار في الإصطلاح: "مراجعة للكلام والتجاوب بين طرفين , لأن الحوار محادثة بين شخصين , أو طرفين , حول موضوع محدد , لكل منهما وجهة نظر خاصة به , هدفها الوصول إلى الحقيقة , ولو ظهرت على يد الآخر" (¬3). ¬

_ (¬1) الجوهري , إسماعيل بن حماد: الصحاح , دار العلم للملايين , بيروت , ط4 , 1407هـ , 1/ 149. (¬2) مصطفى , إبراهيم وآخرون: المعجم الوسيط ,المكتبة الاسلامية , استانبول , ط2 , د. ت , 1/ 205. (¬3) السنيدي , إبراهيم بن عبدالكريم: الحوار والمناظرة في الإسلام أحمد ديدات نموذجا في العصر الحديث , مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة والدراسات الإسلامية , العدد (46) محرم 1430هـ , ص21.

الدراسات السابقة

والتعريف الإجرائي لأسلوب الحوار هو: الطريقة التي يستعملها المحاور مع الطرف الآخر في موضوع محدد بهدف الوصول إلى الحق من خلال إقناعه وتصحيح خطأه ما أمكن. الدراسات السابقة: من خلال تتبع الباحث للمصادر والمراجع في المكتبات العربية لم يقف على أي دراسة سابقة ذات صلةٍ مباشرةٍ بموضوع بحثه , إلا أن هناك بعض الدراسات السابقة غير المباشرة والتي يمكن أن تفيد البحث في بعض الجوانب , وهي: 1 - دراسة بعنوان "الحوار: آدابه وتطبيقاته في التربية الإسلامية" (¬1) الهدف من هذه الدراسة بيان أنواع الحوار في القرآن الكريم والسنة النبوية , وإظهار آداب الحوار , وتوضيح الفوائد التربوية للحوار في الأسرة والمدرسة والمجتمع , وبيان التطبيقات التربوية فيها , وقد استعمل الباحث المنهج الوصفي التحليلي , والمنهج الإستنباطي , واشتملت الدراسة على تمهيد وخمسة فصول وعدة مباحث , ثم الخاتمة والتي توصل فيها إلى نتائج من أهمها: أأن الحوار دون التحلي بآدابه لا ينفع , بل قد تكون نتائجه سيئة. ¬

_ (¬1) المغامسي ,خالد محمد وصل: الحوار آدابه وتطبيقاته في التربية الإسلامية , بحث مكمل لنيل درجة الماجستير , بجامعة أم القرى , بقسم التربية الإسلامية والمقارنة, عام 1423هـ.

ب أن من أفضل الطرائق لحل أسباب الإختلاف هو الحوار , ويعد الحوار طريقة ناجحة لعلاج الغلو. ت أن تطبيق الأبوين لآداب الحوار في أحاديثهم مع أبنائهم يساعد الأبناء على اكتساب هذه الآداب. ث أن طريقة الحوار من أفضل طرائق التدريس التي يجب على المعلم أن يستعملها في تعليمه للطلاب. 2 - دراسة بعنوان " آداب الحوار في ضوء الكتاب والسنة ". (¬1) ذكر الباحث في أهمية دراسته في بيان أن الحوار وسيلة ناجحة في دعوة الناس إلى هذا الدين القويم , وكذلك أنه سبيل للقضاء على كثير من الخلافات والحزازات القائمة بين فئات مختلفة من المسلمين , وأن الحوار فرصة سانحة للدفاع عن الدين ورد شبهات الطاعنين , واستعمل الباحث في دراسته المنهج الاستقرائي , وتضمنت الدراسة على تمهيد وخمسة أبواب وعدة مباحث ثم الخاتمة , وأهم النتائج والمقترحات , ومن النتائج المهمة التي توصل إليها الباحث ما يأتي: أإن الأدب في الحوار لا يقل أهمية عن الحوار نفسه , إذ فقدان الأدب وعدم مراعاة الظروف والمواقف قد يؤدي إلى نتائج سلبية , ويزيد التنافر والاختلاف , أو يقضي على الحوار ويهدمه من أساسه. ¬

_ (¬1) زمزمي , يحي محمد حسن: آداب الحوار في ضوء الكتاب والسنة , بحث مكمل لنيل درجة الماجستير , بجامعة أم القرى , بقسم الكتاب والسنة , عام 1413هـ.

ب لقد قام سلف الأمة من الصحابة والتابعين , ومن العلماء والدعاة , والقادة والأمراء بإجراء كثير من الحوارات , ظهر فيها الأدب الرفيع والخلق النبيل والمنهج القويم في ضبط الحوار والوصول به إلى نتيجة. ت إن للحوار شروطاً لا بد منها وأهمها: القدرة على إدارة الحوار والتزام آدابه لتحقيق نتائجه وتجنب سلبياته. ث إن كثرة الآداب وتعدد جوانبها ينبغي ألاّ تصد المحاور عن الأخذ بها ومراعاتها , بل عليه أن يجتهد في تحصيل ما يفتقده منها. 3 - دراسة بعنوان "ضوابط الحوار مع الآخر" (¬1). الهدف من هذه الدراسة بيان الرؤية الإسلامية في ضوابط الحوار وآدابه , وإبراز أهمية الحوار اقتداء بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية , وإظهار الأخلاق الحميدة التي يجب على المحاور المسلم أن يتحلى بها عند دعوة غير المسلمين ,وحوت الدراسة على مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة وتوصيات , ثم توصل الباحث إلى نتائج من أهمها: أإن فهم منهج الحوار والتعرف على ضوابطه يؤدي إلى سلامة الحوار وتحقق نتائجه. ¬

_ (¬1) عاشور , سعد عبدالله: ضوابط الحوار مع الآخر , مجلة الجامعة الإسلامية , غزة , فلسطين , سلسلة الدراسات الإسلامية , المجلد السادس عشر , العدد الأول , ص81 ,133 , يناير 2008.

ب للحوار أخلاق لا بد وأن يتعرف عليها المحاور قبل الحوار , ثم يلتزم بها. ت كشف هذا البحث عن الصفات والأخلاق الحميدة التي يجب على المحاور المسلم أن يتحلى بها عند دعوة غير المسلمين. 4 - دراسة بعنوان "حوار الآباء مع الأبناء في القرآن الكريم وتطبيقاته التربوية " (¬1). الهدف من الدراسة التعرف على مفهوم الحوار في التربية الإسلامية , وبيان أثر الحوار في العلاقة بين الآباء والأبناء , ودراسة جميع حواراتهم في القرآن الكريم , مع وضع تطبيقات تربوية لها , واستعملت الباحثة المنهج الوصفي والطريقة الاستنباطية , واشتملت الدراسة على خمسة فصول وخاتمة , وتوصلت الباحثة إلى جملة من النتائج منها: أيقوم حوار الآباء مع الأبناء على أساس حفظ كرامة الابن حتى في حال عصيانه أو كفره. ب الهدوء وإظهار الحرص سمتان غالبتان على حوارات الآباء مع الأبناء في القرآن الكريم. ت أثّر موقف المحاور في اختيار الأسلوب المستعمل في الحوار. ¬

_ (¬1) المطيري , سارة هليل دخيل الله: حوار الآباء مع الأبناء في القرآن الكريم وتطبيقاته التربوية , بحث مكمل لنيل درجة الماجستير , بجامعة أم القرى , بقسم التربية الإسلامية والمقارنة , , عام 1428/ 1429هـ

وقد أفاد الباحث من هذه الدراسات في بعض عناوين الحوار , كآدابه وضوابطه , وبعض التطبيقات التربوية له , ومعرفة مناهج البحث المتبعة في مثل هذه الدراسات. وتختلف الدراسة الحالية عن الدراسات السابقة فيما يأتي: 1 - تطرقت الدراسات السابقة للحوار من منظورٍ شامل , فبينت آدابه وضوابطه وأنواعه وفوائده. 2 - اقتصرت بعضها (الدراسة الرابعة) على الحوار من زاوية الآباء مع الأبناء في القرآن الكريم. بينما تخصصت الدراسة الحالية في دراسة أسلوب الحوار , وما يتعلق به من آداب وضوابط , وما ينتج عن استعماله من آثار حميدة , وذلك من خلال سيرة علم من أعلام الصحابة , وهو مصعب بن عمير - رضي الله عنه -.

خطة البحث

خطة البحث المقدمة: وقد اشتملت على: - أهمية الدراسة. - أهداف الدراسة. - تساؤلات الدراسة. - منهج الدراسة. - مصطلحات الدراسة. - الدراسات السابقة. الفصل الأول: ترجمة مصعب بن عمير - رضي الله عنه -: المبحث الأول: ولادته ونشأته - رضي الله عنه -. المبحث الثاني: إسلامه - رضي الله عنه -. المبحث الثالث: هجرته للحبشة , ثم للمدينة - رضي الله عنه -. المبحث الرابع: وفاته - رضي الله عنه -. الفصل الثاني: مفهوم أسلوب الحوار وأهميته: المبحث الأول: مفهوم أسلوب الحوار. المبحث الثاني: الحوار في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. المبحث الثالث: أهمية أسلوب الحوار.

الفصل الثالث: ضوابط وآداب أسلوب الحوار عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه -: المبحث الأول: ضوابط أسلوب الحوار المتضمنة في حياة مصعب بن عمير - رضي الله عنه -. المبحث الثاني: آداب أسلوب الحوار النفسية عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه -. المبحث الثالث: آداب أسلوب الحوار العلمية عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه -. المبحث الرابع: آداب أسلوب الحوار اللفظية عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه -. الفصل الرابع: الآثار التربوية لأسلوب الحوار من خلال سيرة مصعب ... بن عمير - رضي الله عنه -. الفصل الخامس: التطبيقات التربوية لأسلوب الحوار عبر الاستفادة من سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - والحوارات التي حفلت بها: المبحث الأول: تطبيقاته في الأسرة. المبحث الثاني: تطبيقاته في المدرسة. المبحث الثالث: تطبيقاته في المسجد. الخاتمة: - النتائج. - التوصيات والمقترحات.

الفصل الأول: ترجمة مصعب بن عمير - رضي الله عنه -: المبحث الأول: ولادته ونشأته - رضي الله عنه -. المبحث الثاني: إسلامه - رضي الله عنه -. المبحث الثالث: هجرته للحبشة , ثم للمدينة - رضي الله عنه -. المبحث الرابع: وفاته - رضي الله عنه -.

الفصل الأول: ترجمة مصعب بن عمير - رضي الله عنه -

الفصل الأول: ترجمة مصعب بن عمير - رضي الله عنه -: المبحث الأول: ولادته ونشأته - رضي الله عنه -: من خلال الاطلاع والقراءة في كتب التاريخ والتراجم, لم يقف الباحث -حسب جهده -على تاريخ يحدد مولد مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , ولكن بالنظر إلى وفاته - رضي الله عنه - , قيل أن عمره كان أربعين سنة , أو أكثر قليلاً (¬1) , وكان ذلك في السنة الثالثة من الهجرة عام 625م (¬2) ,فنستطيع معرفة ولادته - رضي الله عنه - , في أنه ولد بعد مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأربع عشرة سنة أو أكثر قليلاً؛ أي عام 585م (¬3). وأما نسبه فهو: مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي (¬4) بن كلاب العبدري (¬5) القرشي (¬6) , يكنى أبا عبدالله (¬7) ,وأبا محمد (¬8) , وكان يلقب (مصعب الخير) (¬9). ¬

_ (¬1) ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة , دار الكتب العلمية , د. م , ط1 , 1415هـ. 5/ 175. (¬2) الزركلي: الأعلام , دار العلم للملايين , بيروت , ط15 , 2002م , 7/ 248. (¬3) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولد عام 571م. المباركفوري , صفي الرحمن: الرحيق المختوم , دار الوفاء , المنصورة , د. ط , 1425هـ. ص61. (¬4) ابن هشام: السيرة النبوية لابن هشام , شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده , مصر , ط2 , 1375هـ ,1/ 434. ابن الأثير: مصدر سابق , 5/ 175. ابن عبدالبر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب , دار الجيل , بيروت , ط1 , 1412هـ , 4/ 1473. (¬5) ابن الأثير: مصدر سابق , 5/ 175. الحافظ الذهبي: سير أعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , بيروت , ط3 , 1405هـ , 1/ 145. ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1415هـ , 6/ 98. (¬6) الحافظ الذهبي: مصدر سابق , 1/ 145. ابن الأثير: مصدر سابق , 5/ 175. (¬7) ابن الأثير: مصدر سابق , 5/ 175. (¬8) ابن سعد: الطبقات الكبرى , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1410هـ , 3/ 86. (¬9) المصدر السابق , 3/ 85.

وأما أمه فهي: خناس بنت مالك بن المطرف بن وهيب بن عمرو بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر (¬1). وهي التي خرجت مع ابنها أبي عزيز بن عمير مع كفار قريش يوم أحد (¬2). وكان لمصعب بن عمير - رضي الله عنه - إخوة , منهم: أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة , وهو أخوه لأمه وأبو عزيز شقيقه لأبويه (¬3) واسمه زرارة بن عمير , وأبو الروم بن عمير أخوه لأبيه (¬4) واسمه منصور بن عمير (¬5). وأخواته أم جميل بنت عمير , واسمها هند (¬6) وأم شيبه (¬7) وهاتان شقيقتاه , وأما أخته لأمه فأم أبان بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس (¬8). ولقد كان - رضي الله عنه - فتى مكة شباباً وجمالاً وسبيباً (¬9) , وكان أبواه يحبانه , وكانت أمه مليئة كثيرة المال , وكان يلبس الحضرمي من النعال (¬10) , وتكسوه أمه أحسن ما يكون من الثياب , وكان أعطر أهل مكة (¬11) ,"وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكره , ويقول: ما رأيت بمكة أحداً أحسن لِمّةً ولا أرق حُلةً ولا ¬

_ (¬1) الزبيري , مصعب بن عبد الله: نسب قريش , دار المعارف , القاهرة , ط3 , 1982م , ص254. (¬2) الطبري: تاريخ الطبري ,دار التراث , بيروت , ط2 , 1387هـ , 2/ 501. (¬3) ابن عساكر: تاريخ دمشق , دار الفكر , بيروت , ط1 , 1415هـ , 67/ 291. (¬4) ابن الأثير: مصدر سابق , 6/ 109. (¬5) المصدر السابق , 5/ 260. (¬6) الشيباني, خليفة بن خياط: طبقات خليفة بن خياط , دار الفكر , بيروت , ط1 , 1414هـ, ص45. (¬7) ابن عساكر: مصدر سابق , 12/ 107. (¬8) البغدادي , محمد بن حبيب: المحبر , دار الآفاق الجديدة , بيروت , د. ط , د. ت , ص400. (¬9) أي الخصلة من الشَعر. ابن منظور: لسان العرب , دار صادر , بيروت , ط3 , 1414هـ , 1/ 459. (¬10) ابن سعد: مصدر سابق , 3/ 86. (¬11) ابن الأثير: مصدر سابق , 5/ 175.

أنعم نعمةً من مصعب بن عمير" (¬1). فلقد كان - رضي الله عنه - منعماً مدللاً من قبل أبويه , فيأكل أفضل الطعام ويلبس أحسن الثياب. عن عمر - رضي الله عنه - قال: نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مصعب بن عمير - رضي الله عنه - مقبلاً، عليه إهاب كبش قد تنطَّق به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «انظروا إلى هذا الذي نوَّر الله قلبه لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، ولقد رأيت عليه حلّة شراها أو شُريت بمائتي درهم، فدعاه حبُّ الله وحب رسوله إلى ما ترون» (¬2). وقد تزوج مصعب بن عمير - رضي الله عنه - حمنة بنت جحش بن رباب بن يعمر رضي الله عنها (¬3) وهي " أخت زينب بنت جحش زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (¬4) , وأمهما أميمة بنت عبدالمطلب بن هاشم (¬5) عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وولدت حمنة بزينب ¬

_ (¬1) الحاكم: المستدرك على الصحيحين , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1411هـ , كتاب الهجرة ... , باب ذكر مناقب مصعب الخير ... ,3/ 221 , رقم 4904. (¬2) الألباني: ضعيف الترغيب والترهيب , مكتبة المعارف , الرياض , ط1 , 1421هـ , كتاب اللباس والزينة , باب الترغيب في ترك الترفع في اللباس تواضعا ... , 2/ 43 , رقم 1270 , ضعيف. وفي لفظ آخر عن عمر - رضي الله عنه - قال: نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مصعب بن عمير مقبلا وعليه إهاب كبش قد تنطق به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «انظروا إلى هذا الرجل الذي نور الله قلبه لقد رأيته بين أبويه يغذوانه بأطيب الطعام والشراب فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون». الأصبهاني ,أبو نعيم: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ,السعادة , مصر , د. ط , 1394هـ , 1/ 108. وحسن إسناده العراقي في كتابه: المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، في تخريج ما في الإحياء من الأخبار ,دار ابن حزم , بيروت , ط1 , 1426هـ , ص 1657. (¬3) ابن سعد: مصدر سابق , 3/ 86. (¬4) ابن أبي خيثمة: التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة , الفاروق الحديثة للطباعة والنشر , القاهرة , ط1 , 1427هـ , 2/ 822. ... ابن الأثير: مصدر سابق , 5/ 93. الطبري , أحمد بن عبدالله: الرياض النضرة في مناقب العشرة , دار الكتب العلمية , بيروت , ط2 , 1424هـ , 4/ 259. (¬5) ابن سعد: مصدر سابق ,8/ 191.

المبحث الثاني: إسلامه - رضي الله عنه -

فزوجها أبوها بعبدالله بن عبدالله بن أبي أمية بن المغيرة , فولدت له محمداً , ومصعباً , وقريبة وعاتكة (¬1) , ولم يعقب مصعب بن عمير - رضي الله عنه - غير ابنته زينب حتى استشهد بأحد (¬2). ثم تزوج طلحة بن عبيد الله حمنة رضي الله عنها فولدت له محمداً السجاد وعمران (¬3). المبحث الثاني: إسلامه - رضي الله عنه -: عندما بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وبدأ الدعوة إلى الله آمن به كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين , فآمنت به زوجته خديجة رضي الله عنها , ثم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - , ثم زيد بن حارثة - رضي الله عنه - (¬4) , فكان هؤلاء قد آمنوا به قبل أن يدخل دار الأرقم ,ولما اشتد أذى كفار قريش دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم بن أبي الأرقم - رضي الله عنه - يعبد اللَّه تعالى فيها سرّا من قومه، ودخل معه جماعة حتى تكامل المسلمون أربعين رجلا (¬5) , وكانت هذه الدار في الصفا، بعيدة عن أعين كفار قريش ومجالسهم، فاختارها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليجتمع فيها بالمسلمين سرًا , وذلك في السنة ¬

_ (¬1) ابن سعد: الجزء المتمم لطبقات ابن سعد , مكتبة الصديق , الطائف , ط1 , 1414هـ , 2/ 169. (¬2) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة , مصدر سابق , 8/ 163. الزبيري , مصعب بن عبد الله: مصدر سابق , ص19. (¬3) ابن الجوزي: تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير , شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم , بيروت , ط1 , 1997م , ص230. ابن عبد البر: مصدر سابق , 4/ 1813. (¬4) ابن اسحاق: سيرة ابن سحاق , دار الفكر , بيروت , ط1 , 1398هـ , ص139. البيهقي: دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1405هـ , 2/ 165. المقريزي , أحمد بن علي: إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1420هـ , 9/ 95. (¬5) الشامي , محمد يوسف: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1414هـ , 2/ 319.

الخامسة من البعثة، فيتلو عليهم آيات الله ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة؛ وليؤدي المسلمون عبادتهم وأعمالهم، ويتلقوا ما أنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهم في أمن وسلام، وليدخل من يدخل في الإسلام ولا يعلم به الطغاة من أصحاب السطوة والنقمة (¬1). ولقد كان مصعب بن عمير - رضي الله عنه - يعيش بين أفراد قبيلته على دينهم , وعلى ما كان عليه آباؤه وأجداده , فتلك الجاهلية العمياء قادتهم إلى عبادة الأصنام وشرب الخمور , وحضور مجالس المعازف والغناء , وغيرها من العبادات الباطلة , مع ما يصحب ذلك من سوء في الأخلاق , ودناءة في النفوس , وخرافة في الأفكار التي كانت منتشرة في المجتمع الجاهلي. ولكن مصعباً - رضي الله عنه - بعقله البصير ورؤيته الثاقبة , استطاع أن يميز بين ماهو عليه وما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الدين الحق الذي رأى فيه من التعاليم الإسلامية السمحة التي توافق العقل , ولا تعارض الفطرة الإنسانية. فعزم - رضي الله عنه - بنفسه من غير أن يدعوه أحد على الدخول في هذا الدين , فدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في دار الأرقم بن أبي الأرقم - رضي الله عنه - فأسلم وصدّق به وخرج , فكتم إسلامه خوفا من أمه وقومه , فكان يختلف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سراً (¬2). وقد كتم إسلامه - رضي الله عنه - كغيره من الصحابة - رضي الله عنهم - , ولأنه يعرف أنه أتى بدين يخالف دين قومه فسوف يلاقي من العذاب والأذى ما لاقاه الصحابة - رضي الله عنهم - , وكان اختلافه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دار الأرقم ليختفي عن أنظار المترصدين من كفار ¬

_ (¬1) المباركفوري , صفي الرحمن: مصدر سابق , ص97. (¬2) ابن سعد: مصدر سابق ,3/ 86. ابن عبد البر: مصدر سابق ,4/ 1474. ابن الأثير: مصدر سابق ,5/ 175.

قريش , ويشارك بقية الصحابة - رضي الله عنهم - في عبادة الله وحده , ويتلقى العلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فأخذ ينهل من معين الوحيين حتى أصبح من أعلم الصحابة - رضي الله عنهم - في ذلك الوقت؛ لذلك أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة مع من أسلم من الأنصار ليقرأ عليهم القرآن ويعلمهم أمور دينهم (¬1). ومما كان ظاهراً في مكة , هو الترصد لأتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - , لذلك بصر عثمان بن طلحة بمصعب بن عمير - رضي الله عنه - وهو يصلي , فأخبر أمه وقومه لتبدأ مرحلة جديدة من العذاب والنكال , فأخذوه فحبسوه فلم يزل محبوسا حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهِجرة الأولى (¬2). ولقد مر بمصعب - رضي الله عنه - ألواناً من العذاب كغيره من الصحابة - رضي الله عنهم - بل أشد , وذلك لفارق ما كان عليه في الجاهلية وما وقع عليه بعد إسلامه , فالأم التي كان لا يشغل بالها إلا ابنها من فرط حبها له, أصبحت معولاً هداماً لذلك الجسم المنعم , فلا تتردد في تعذيبه , وحرمانه مما كان عليه سابقا , بل وكانت تعين قومه عليه , حتى " أصابه من الشدة ما غَيَّر لونه وأذهب لحمه، ونهكت جسمه حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليه، وعليه فروة قد رفعها، فيبكي لما كان يعرف من نعمته، وحلفت أمه حين أسلم وهاجر ألا تأكل ولا تشرب ولا تستظل بظل حتى يرجع إليها، فكانت تقف للشمس حتى تسقط مغشيا عليها، وكان بنوها يحشون فاها بشجار، وهو عود فيصبون فيه الحساء لئلا تموت " (¬3). ¬

_ (¬1) يأتي ذكرها ص 26. (¬2) ابن سعد: مصدر سابق ,3/ 86. ابن عبد البر: مصدر سابق ,4/ 1474. ابن الأثير: مصدر سابق ,5/ 175. (¬3) السهيلي ,عبد الرحمن بن عبد الله: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام , دار إحياء التراث العربي , بيروت , ط1 , 1421هـ , 4/ 52.

ولذا تغيرت حياة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وتبدلت أحواله في ملبسه ومأكله وشأنه كله , فقد قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: إنا لجلوس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد إذ طلع علينا مصعب بن عمير - رضي الله عنه -، وما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكى للذي كان فيه من النعمة، والذي هو فيه اليوم، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة وراح في حلة، ووضعت بين يديه صحفة، ورفعت أخرى، وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة؟» قالوا: يا رسول الله، نحن يومئذ خير منا اليوم، نتفرغ للعبادة ونكفى المؤنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنتم اليوم خير منكم يومئذ» (¬2). وعن عروة بن الزبير عن أبيه - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً بقُباء ومعه نفر، فقام مصعب بن عمير - رضي الله عنه - عليه بردة ما تكاد تواريه، ونكَس القوم، فجاء فسلم فردوا عليه، فقال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - خيراً وأثنى عليه، ثم قال: «لقد رأيت هذا عند أبويه بمكة يكرمانه وينعمانه، وما فتى من فتيان قريش مثله , ثم خرج من ذلك ابتغاءَ مرضات الله ونصرة رسوله، أما أنه لا يأتي عليكم إلا كذا وكذا حتى يُفتح عليكم فارس والروم، فيغدوا أحدكم في حلة ويروح في حلة، ويُغدى عليكم بقصعة ويُراح عليكم بقصعة». قالوا: يا رسول الله، نحن اليوم خير أو ذلك اليوم , قال: «بل أنتم اليوم خيرٌ منكم ذلك اليوم أما لو تعلمون من الدنيا ما أعلم لاستراحت أنفسكم منها» (¬2). ¬

_ (¬1) الترمذي: سنن الترمذي , شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي , مصر , ط2 , 1395هـ , كتاب أبواب صفة القيامة والرقائق والورع , باب حديث علي في ذكر مصعب بن عمير ... , 4/ 647 , رقم 2476. (¬2) الحاكم: مصدر سابق , كتاب الإيمان , باب ذكر مصعب بن عمير العبدري - رضي الله عنه - ,3/ 728 , رقم 6640.

المبحث الثالث: هجرته للحبشة , ثم للمدينة - رضي الله عنه -

وأما في حصار الشعب فقد بلغ الجهد منه - رضي الله عنه - مبلغه , فلم يعد يقدر على المشي مع ما أصاب جسده من ضعف بعد ما كان مرفهاً مدللاً ,فقد قال سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: كان مصعب بن عمير أترف غلام بمكة بين أبويه، فلما أصابه ما أصابنا لم يقو على ذلك، ولقد رأيته وإن جلده ليتطاير عنه تطاير جلد الحية، ولقد رأيته يتقطع به، فما يستطيع أن يمشي، فنعرض له القِسِيَّ (¬1)، ثم نحمله على عواتقنا (¬2). المبحث الثالث: هجرته للحبشة , ثم للمدينة - رضي الله عنه -: لما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه وما يصيبهم من البلاء والشدة، وأن الله تعالى قد أعفاه من ذلك، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم من قومهم، وأنه ليس في قومهم من يمنعهم كما منعه عمه أبو طالب، أمرهم بالهجرة إلى أرض الحبشة، وقال لهم: «إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه» (¬3)، فهاجر رجال من أصحابه - رضي الله عنهم - إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة، وفروا إلى الله عز وجل بدينهم، واستخفى آخرون بإسلامهم (¬4) ,وكان ذلك في السنة الخامسة من البعثة النبوية (¬5). ¬

_ (¬1) القِسِيّ: بكسر القاف والسين وتشديد الياء جمع قوس. النووي: تحرير ألفاظ التنبيه , دار القلم , دمشق , ط1 , 1408هـ , ص188. (¬2) الأصبهاني, اسماعيل محمد: سير السلف الصالحين, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1 ,1425هـ, ص306. الحافظ الذهبي: مصدر سابق , 1/ 148. (¬3) البيهقي: السنن الكبرى , دار الكتب العلمية , بيروت , ط3 , 1424هـ , كتاب السير , باب الإذن في الهجرة , 9/ 16 , رقم 17734 , صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة , مكتبة المعارف , الرياض , ط1 , 1415هـ , 7/ 577 , رقم 3190. (¬4) ابن اسحاق: مصدر سابق , ص 174. ... ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 321. ابن كثير: السيرة النبوية ,دار المعرفة , بيروت , د. ط , 1395هـ , 2/ 4. (¬5) المصدر السابق , 2/ 3. ... المباركفوري , صفي الرحمن: مصدر سابق , ص 98.

وقد خرج مصعب بن عمير - رضي الله عنه - مع من خرج من الصحابة إلى الحبشة (¬1) , وكان معه أخوه منصور بن عمير (¬2). فعن ليلى بنت أبي حثمة رضي الله عنها , قالت: لما اجتمعوا على الخروج جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن مصعب بن عمير قد حبسته أمه , وهو يريد الخروج الليلة فإذا رقدوا , قال عامر بن ربيعة: فنحن ننتظره ولا نغلق بابا دونه فلما هدأت الرِّجْلُ جاءنا مصعب بن عمير فبات عندنا وظل يومه حتى إذا كان الليل خرج متسللا ووعدناه فلحقه فيه وأدركناه فاصطحبناه قال: وهم يمشون على أقدامهم , وأنا على بعير لنا وكان مصعب بن عمير رقيق البَشَرِ ليس بصاحب رِجْلِهِ ولقد رأيت رجليه يقطران دما من الرقة فرأيت عامرا خلع حذاءه فأعطاه حتى انتهينا إلى السفينة فنجد سفينة قد حملت ذُرَةً وفرَّغت ما فيها جاءت من مَوْرٍ (¬3) فتكارينا (¬4) إلى مَوْرٍ , ثم تكارينا من مَوْرٍ إلى الحبشة , ولقد كنت أرى عامر بن ربيعة يَرِقُّ على مصعب بن عمير رِقَّةً ما يرقُّها على ولده وما معه دينار ولا درهم وكان معنا خمسة عشر دينارا (¬5). ¬

_ (¬1) ابن اسحاق: مصدر سابق , ص 174. ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 322. ابن كثير , مصدر سابق , 2/ 5. (¬2) ابن عبد البر: مصدر سابق ,4/ 1475. (¬3) مور: قيل: هو اسم موضع، سمي به لِمَوْرِ الماء فيه: أي جريانه. الشيباني , مجد الدين: النهاية في غريب الحديث والأثر , المكتبة العلمية , بيروت , د. ط , 1399هـ , 4/ 372. (¬4) تكارينا: أي استأجرنا. عمر ,أحمد مختار: معجم اللغة العربية المعاصرة , عالم الكتب , القاهرة , ط1 , 1429هـ , 3/ 1927. (¬5) الشيباني , أبو بكر بن أبي عاصم: الآحاد والمثاني , دار الراية , الرياض , ط1 , 1411هـ , باب ليلى بنت أبي حثمة , 6/ 237 , رقم 3469.

"ثم رجع مع المسلمين حين رجعوا، فرجع متغيِّر الحال قد حرج - يعني غَلُظَ - فكفَّت أمه عنه من العذل" (¬1) (¬2) , وقد شهد - رضي الله عنه - مع الصحابة الهجرتين إلى الحبشة , فعن "عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال: كان مصعب بن عمير لي خدنا وصاحبا منذ يوم أسلم إلى أن قتل رحمه الله بأحدٍ , خرج معنا إلى الهجرتين جميعا بأرض الحبشة , وكان رفيقي من بين القوم، فلم أرَ رجلا قط كان أحسن خلقا، ولا أقل خلافا منه" (¬3). رجع مصعب بن عمير - رضي الله عنه - إلى مكة وأصبح الأمر أكثر استقرارا , ثم أتى ذلك الموسم الذي لقي فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - نفر من الأنصار "فعرض نفسه على قبائل العرب، كما كان يصنع في كل موسم , فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا" (¬4) , فعرض عليهم الإسلام فآمنوا به وصدقوه (¬5) , ثم جاء العام الذي بعده فوافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا فلقوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وبايعوه على بيعة النساء (¬6) ,عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، أنه قال: إني من النقباء الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: «بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل النفس التي حرم الله، ولا ننتهب، ولا نعصي، بالجنة، إن فعلنا ذلك، فإن غشينا من ذلك شيئا، كان قضاء ذلك إلى الله» (¬7). ¬

_ (¬1) العذل: الملامة. الجوهري , إسماعيل بن حماد: مصدر سابق , 5/ 1762. (¬2) ابن سعد: مصدر سابق , 3/ 86. (¬3) المصدر السابق , 3/ 87. (¬4) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 428. (¬5) المصدر السابق , 1/ 429 , (¬6) المصدر السابق , 1/ 431. (¬7) البخاري: مصدر سابق , كتاب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - , باب وفود الأنصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ... , 5/ 55 , رقم 3893.

فلما انصرف عنه القوم بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم مصعب بن عمير , وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين، فكان مصعب يسمى المقرئ بالمدينة، وكان منزله على أسعد بن زرارة بن عدس أبي أمامة، وكان يصلي بهم، وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض (¬1) , فكان - رضي الله عنه - أول من قدم على الأنصار في المدينة , فعن أبي إسحاق، سمع البراء - رضي الله عنه -، قال: «أول من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، ثم قدم علينا عمار بن ياسر، وبلال - رضي الله عنهم -» (¬2) , وفي رواية أخرى عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم وكانا يقرئان الناس .... (¬3). وعن أبي مسعود الأنصاري قال: أول من قدم من المهاجرين المدينة مصعب بن عمير، وهو أول من جمع بها أول يوم جمعة قبل أن يقدم رسول الله فصلى بهم (¬4). فهو أول من هاجر إلى المدينة - رضي الله عنه - للإقامة بها ولتعليم من أسلم من أهلها بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). وعن الأعمش، قال: سمعت شقيق بن سلمة، قال: حدثنا خباب، قال: «هاجرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبتغي وجه الله، ووجب أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير ... (¬6) , فقد هاجروا بإذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمره , والمراد بالمعية الاشتراك في حكم الهجرة، إذ لم ¬

_ (¬1) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 434. (¬2) البخاري: مصدر سابق , كتاب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ,باب مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - , 5/ 65 , رقم 3924. (¬3) المصدر السابق , كتاب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - , باب مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - , 5/ 66 , رقم 3925. (¬4) المخلِّص ,محمد بن عبدالرحمن: المخلصيات وأجزاء أخرى لأبي طاهر المخلص , وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية , قطر, ط1 ,1429هـ ,1/ 172 , رقم 166 , قال ابن صاعد: وهذا حديث غريبٌ. (¬5) ابن حجر: فتح الباري شرح صحيح البخاري , دار المعرفة , بيروت , ط1 , 1379هـ , 7/ 261. (¬6) البخاري: مصدر سابق , كتاب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - , باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - , 5/ 63 , رقم 3914.

يكن معه - صلى الله عليه وسلم - إلا أبو بكر وعامر بن فهيرة , وقد قتل مصعباً - رضي الله عنه - يوم أحد , ولم يأخذ من عرض الدنيا شيئا (¬1). فلما نزل مصعب بن عمير على أسعد بن زرارة رضي الله عنهما , بدأ - رضي الله عنه - في تعليم أهل المدينة ونشر الإسلام فيها , فضرب أروع الأمثلة حين اتخذ المنهج التربوي مسلكا , في حسن المعاشرة والمجالسة , وفي فن الحديث والاستماع له , وفي الصبر وسعة الصدر. وقد أعانه بعد توفيق الله له , ذكاؤه - رضي الله عنه - , وعلمه الذي نهله من النبي - صلى الله عليه وسلم - في دار الأرقم بن أبي الأرقم - رضي الله عنه - , وتلك المواقف التي مر بها بعد إسلامه من المحن والتعذيب. "قال ابن إسحاق: وحدّثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير، يريد به دار بني عبد الأشهل , ودار بني ظفر، وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل ابن خالة أسعد بن زرارة، فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر فجلسا فيه، واجتمع إليهما رجال ممّن أسلم، وسعد بن معاذ، وأُسيد بن حضير يومئذ سيّدا قومهما من بني عبد الأشهل، وكلاهما مشرك على دين قومه، فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير: لا أبا لك، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارنا ليسفّها ضعفاءنا، فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارنا، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة منّي حيث قد علمت كفيتك ذلك، فهو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدما. قال: فأخذ أسيد بن حضير حربته، ثم أقبل إليهما. فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير: هذا سيّد قومه فاصدق الله فيه, قال مصعب: إن يجلس أكلّمه. قال: فوقف عليهما ¬

_ (¬1) العيني ,محمود بن أحمد: عمدة القاري شرح صحيح البخاري , دار إحياء التراث العربي , بيروت , د. ط , 1348هـ , 23/ 56.

متشتّما، قال: ما جاء بكما إلينا تسفّهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة, فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته وإن كرهته كفّ عنك ما تكره؟ فقال: أنصفت. ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلّمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن, فقالا فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم به في إشراقه وتسهّله، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطّهّر وتطهّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلّي. فقام فاغتسل وطهّر ثوبيه وتشهّد بشهادة الحق، ثم قام فصلى ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلا إن اتّبعكما لم يتخلّف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن: سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه، وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم. فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلّمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسا وقد نهيتهما , فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدّثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك. قال: فقام سعد مغضبا مبادرا تخوّفا للذي ذكر له من أمر بني حارثة. فأخذ الحربة من يده، ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئاً. ثم خرج إليهما، فلما رآهما مطمئنّين عرف سعد أن أسيدا إنما أراد أن يسمع منهما. فوقف عليهما متشتّما، ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أمامة أما والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا منّي، أتغشانا في دارنا بما نكره؟ وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير: أي مصعب: جاءك والله سيّد من وراءه من قومه إن يتبعك لا يتخلّف عنك منهم اثنان , قال: فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره , قال سعد:

أنصفت , ثم ركز الحربة وجلس، فعرض عليه الإسلام , وقرأ عليه القرآن , قالا: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقه وتسهّله، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل فتطّهّر وتطهّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلّي ركعتين. ثم أخذ حربته فأقبل عامدا إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير، فلما رآه قومه مقبلا قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم , فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيّدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة , قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله , قال: فو الله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما أو مسلمة، حاشا الأصيرم , وهو عمرو بن ثابت بن وقش فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد فأسلم واستشهد , ولم يسجد لله سجدة، وأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه من أهل الجنة , قال ابن إسحاق: ورجع سعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة، فأقاما عنده يدعوان الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون ومسلمات إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف" (¬1). ¬

_ (¬1) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435. الحافظ الذهبي: مصدر سابق , 1/ 244. البيهقي: مصدر سابق , 2/ 438. ابن كثير: مصدر سابق , 2/ 181. الشامي , محمد بن يوسف الصالحي: مصدر سابق , 2/ 198. الحميري , سليمان موسى: الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1420هـ , 1/ 261. اليعمري , محمد بن محمد: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير , دار القلم , بيروت , ط1 , 1414هـ , 1/ 186.

وفي رواية, بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الأنصار مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار ,فنزل في بني غنم على أسعد بن زرارة ,فجعل يدعو الناس , ويفشو الإسلام ويكثر أهله, وهم في ذلك مستخفون بدعائهم ,ثم إن أسعد بن زرارة أقبل هو ومصعب بن عمير حتى أتيا بئر مري أو قريبا منها, فجلسوا هنالك وبعثوا إلى رهط من أهل الأرض فأتوهم مستخفين, فبينما مصعب بن عمير يحدثهم ويقص عليهم القرآن, أُخبر بهم سعد بن معاذ فأتاهم في الأرمة ومعه الرمح حتى وقف عليه فقال: علام يأتينا في دورنا بهذا الوحيد الفريد الطريح الغريب ,يسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم. لا أراكما بعد هذا بشيء من جوارنا. فرجعوا, ثم إنهم عادوا الثانية ببئر مري أو قريبا منها فأُخبر بهم سعد بن معاذ الثانية فواعدهم بوعيد دون الوعيد الأول فلما رأى أسعد منه لينا قال يا ابن خالة اسمع من قوله فإن سمعت منه منكرا فاردده يا هذا منه, وإن سمعت خيرا فأجب الله فقال: ماذا يقول فقرأ عليهم مصعب بن عمير {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)} (¬1) , فقال سعد وما أسمع إلا ما أعرف فرجع وقد هداه الله تعالى, ولم يظهر أمر الإسلام حتى رجع. فرجع إلى قومه فدعا بني عبد الأشهل إلى الإسلام وأظهر إسلامه وقال فيه من شك من صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى فليأتنا بأهدى منه نأخذ به فوالله لقد جاء أمر لتحزن فيه الرقاب فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد ودعائه إلا من لا يذكر فكانت أول دور من دور الأنصار أسلمت بأسرها ثم إن بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير واشتدوا على أسعد بن زرارة, فانتقل مصعب بن عمير إلى سعد بن معاذ فلم يزل يدعو ويهدي على يديه حتى قل دار من دور الأنصار إلا ¬

_ (¬1) سورة الزخرف: آية (1 - 3).

أسلم فيها ناس لا محالة وأسلم أشرافهم وأسلم عمرو بن الجموح وكسرت أصنامهم فكان المسلمون أعز أهلها وصلح أمرهم ورجع مصعب بن عمير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يدعى المقرئ (¬1). ثم خرج مصعب بن عمير - رضي الله عنه - من المدينة مع السبعين الذين وافوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العقبة الثانية مِن حَاجِّ الأوس والخزرج , ورافق أسعد بن زرارة في سفره ذلك, فقدم مكة فجاء منزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولاً ولم يقْرَب منزله, فجعل يخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأنصار وسرعتهم إلى الإسلام واستبْطَأَهُم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ,فسُرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكل ما أخبره. وبلغ أمه أنه قد قَدِمَ - رضي الله عنه - فأرسلت إليه: يا عاق , أتقدم بلدا أنا فيه لا تبدأ بي؟ فقال: ما كنت لأبدأَ بأحدٍ قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم ذهب إلى أمه فقالت: إنك لعلى ما أنت عليه من الصَّبْأَةِ بعدُ! (¬2) قال: أنا على دين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الإسلام الذي رضي الله لنفسه ولرسوله. قالت: ما شكَرْتَ ما رَثَيْتُكَ (¬3) , مرة بأرض الحبشة ومرة بيثرب , فقال: أفرُّ بديني إن تفتنوني. فأرادت حبسه, فقال: لئن أنتِ حبستَنِي لأحرصن على قتل من يتعرض لي , قالت: فاذهب لشأنك , وجعلت تبكي , فقال مصعب - رضي الله عنه -: يا أماه إني لكِ ناصحٌ عليك شفيقٌ , فاشهدي أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله , قالت: والثوَاقِبِ (¬4) لا أدخل في دينك فيُزرى برأيي , ويضعَّفَ عقلي, ولكني أدعُكَ وما ¬

_ (¬1) الهيثمي: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ,مكتبة القدسي , القاهرة , د. ط , 1414هـ , باب ابتداء أمر الأنصار ... , 6/ 41 , رقم 9876 , رواه الطبراني مرسل وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف وهو حسن الحديث، وبقية رجاله ثقات. الطبراني: المعجم الكبير , مكتبة ابن تيمية , القاهرة , ط2 , 1397هـ , 20/ 362 , رقم 849. (¬2) الصبأة: الخارج من دين إلى آخر. السبتي ,عياض بن موسى: مشارق الأنوار على صحاح الآثار , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1423هـ , 2/ 65. (¬3) من رَثَى لَهُ إذا رَقّ وتَوَجَّعَ. ابن منظور: مصدر سابق , 14/ 309. (¬4) الشهب المضيئة. الرازي: مختار الصحاح , المكتبة العصرية , بيروت , ط5 , 1420هـ , ص49.

المبحث الرابع: وفاته - رضي الله عنه -

أنت عليه وأُقيمُ على ديني. ثم أقام مصعب بن عمير مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وقَدِمَ قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة مهاجرًا لهِلال شهر ربيعٍ الأول , قبل مقدَمِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باثنتي عشرة ليلةً (¬1). وبعد هجرته - رضي الله عنه - إلى المدينة آخى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - (¬2). ثم جاءت غزوة بدر وقتل المسلمون من الكفار سبعين وأسروا سبعين (¬3) , وكان من بين الأسرى " أبو عزيز بن عمير، أسره أبو اليسر ثم اُقْتُرِعَ عليه فصار لمُحرِزِ بن نضلة، وأبو عزيز أخوه مصعب بن عمير لأمه وأبيه. فقال مصعب لمُحْرِزٍ: اُشدُدْ يديك به، فإن له أُمّا بمكة كثيرة المال. فقال له أبو عزيز: هذه وصاتُك بي يا أخي؟ فقال مصعب: إنه أخي دونك! فبَعَثَتْ أُمّهُ فيه بأربعةِ آلافٍ، وذلك بعد أن سألت أغلى ما تُفَادِي به قريش، فقيل لها أربعةُ آلافٍ" (¬4). المبحث الرابع: وفاته - رضي الله عنه -: عندما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - إلى المدينة , بدأت المجابهة الحقيقية مع كفار قريش , فجاءت غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة (¬5) , فخرجت ¬

_ (¬1) ابن سعد: مصدر سابق , 3/ 88. ... البلاذري , أحمد بن يحيى: جمل من أنساب الأشراف ,دار الفكر , بيروت , ط1 , 1417هـ , 9/ 407 - 408. ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1412هـ , 3/ 194. (¬2) ابن عبد البر: مصدر سابق ,2/ 425. ابن الأثير: مصدر سابق ,2/ 121. ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة , مصدر سابق, 2/ 200. (¬3) الواقدي: المغازي , دار الأعلمي , بيروت , ط3 , 1409هـ , 1/ 144. (¬4) المصدر السابق , 1/ 140. (¬5) ابن اسحاق: مصدر سابق , ص321. ... ابن هشام: مصدر سابق , 2/ 60.

قريش بجيوشها ونسائها , وكان منهن خناس بنت مالك , ومعها ابنها أبو عزيز بن عمير (¬1) , ثم خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه - رضي الله عنهم - بعد ما أخذ برأيهم في الخروج إلى كفار قريش (¬2) , ومعهم بعض النسوة كان منهن حمنة بنت جحش كانت تسقي العطشى , وتداوي الجرحى (¬3). وعندما وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أرض المعركة دفع اللواء إلى مصعب بن عمير - رضي الله عنه - (¬4) , كما أن اللواء كان معه يوم بدرٍ , " ولم يختلف أهل السير أن راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر ويوم أحد كانت بيد مصعب بن عمير - رضي الله عنه - " (¬5) , ثم قاتل بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبلى بلاءً حسناً - رضي الله عنه - لإعلاء كلمة الله والدفاع عن دينه وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - , فعن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: أقبل أُبَيُّ بن خلف يوم أحد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يريده، فاعترض رجال من المؤمنين، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخلوا سبيله، فاستقبله مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترقوة أُبَيٍّ من ¬

_ (¬1) المصدر السابق , 2/ 62. الواقدي: مصدر سابق , 1/ 203. اليعمري , محمد بن محمد: مصدر سابق, 2/ 7. (¬2) ابن اسحاق: مصدر سابق , ص 324. ابن هشام: مصدر سابق , 2/ 63. الواقدي: مصدر سابق, 1/ 214. (¬3) المصدر السابق , 1/ 249 - 250. ابن سعد: مصدر سابق ,8/ 191. (¬4) ابن اسحاق: مصدر سابق, ص329. ابن هشام: مصدر سابق , 2/ 66. الواقدي: مصدر سابق, 1/ 221. (¬5) ابن عبد البر: مصدر سابق ,4/ 1475.

فُرجةٍ بين سابغة الدرع (¬1) والبيضة (¬2)، فطعنه بحربته فسقط أبي عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم، فكسر ضلعا من أضلاعه، فأتاه أصحابه , وهو يخور خوار الثور، فقالوا له: ما أعجزك إنما هو خدش , فذكر لهم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بل أنا أقتل أُبَيًّا» ثم قال: والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين. فمات أُبَيُّ إلى النار، فسحقا لأصحاب السعير قبل أن يقدم مكة فأنزل الله {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (¬3) (¬4). وما زال يقاتل مصعب بن عمير - رضي الله عنه - دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه لواؤه حتى قُتل، فكان الذي أصابه ابن قميئة الليثي، وهو يظن أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعن محمد بن شرحبيل قال حمل مصعب اللواء يوم أحد فلما جال المسلمون ثبت به مصعب فاقبل ابن قميئة فضرب يده اليمنى فقطعها ومصعب يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (¬5) ,وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه فضربها فقطعها فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} , ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه , وقد قال ابن سعد وقال عبد الله بن الفضل قتل مصعب وأخذ اللواء ملك في صورته فجعل ¬

_ (¬1) ودرع سابغة أي: تامة وافرة طويلة واسعة. الحسيني , محمد بن محمد: تاج العروس من جواهر القاموس, دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1428هـ , 22/ 263. (¬2) والبيضة من السلاح, سميت بذلك لأنها على شكل بيضة النعام. ابن منظور: مصدر سابق, 7/ 125. (¬3) سورة الأنفال: آية (17). (¬4) الحاكم: مصدر سابق ,كتاب التفسير , باب تفسير سورة الأنفال , 2/ 357 , رقم 3263. (¬5) سورة آل عمران: آية (144).

النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول له في آخر النهار تقدم يا مصعب فالتفت إليه الملك وقال لست بمصعب فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ملك أيد به (¬1). فرجع ابن قميئة إلى قريش فقال: قد قتلت محمداً، فلما قُتل مصعب - رضي الله عنه - أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب اللواء (¬2). فلما انتهت المعركة نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أرضها , وأخذ يتفقد أصحابه - رضي الله عنهم - , حتى وقف على مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , فدعا له , وأخبر أنه ومن معه من الصحابة - رضي الله عنهم - شهداء عند الله , فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين انصرف من أحد, مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، فوقف عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعا له، ثم قرأ هذه الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)} (¬3) , ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه» (¬4). عن سعد، عن أبيه، قال: أُتي عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - يوما بطعامه، فقال: «قتل مصعب بن عمير وكان خيرا مني، فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة ....» (¬5). ¬

_ (¬1) ابن الجوزي: صفة الصفوة , دار الحديث , القاهرة , د. ط , 1421هـ , 1/ 148. (¬2) ابن اسحاق: مصدر سابق , ص 329. ابن هشام: مصدر سابق , 2/ 73. (¬3) سورة الأحزاب: آية (23). (¬4) الحاكم: مصدر سابق , كتاب التفسير , باب من قراءات النبي - صلى الله عليه وسلم - ... , 2/ 271 , رقم 2977. (¬5) البخاري: مصدر سابق , كتاب الجنائز , باب الكفن من جميع المال ,2/ 77 , رقم 1274.

وقد قال خباباً عن مصعب رضي الله عنهما «.... قتل يوم أحد، وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نغطي رأسه، ونجعل على رجليه، شيئا من إذخر ....» (¬1). ثم جاءت حمنة بنت جحش رضي الله عنها , فنعوا لها أخاها وخالها فصبرت واسترجعت , ثم نعوا لها زوجها مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , فما استطاعت أن تملك نفسها , عن حمنة بنت جحش، أنها قيل لها: قتل أخوك , قالت: رحمه الله، إنا لله وإنا إليه راجعون، فقيل لها: قتل خالك حمزة , فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقيل لها: قتل زوجك، قالت: واحزناه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن للزوج من المرأة لشعبةً ما هي لشيءٍ» (¬2). هكذا كانت سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , ذلكم الذي ضحى بماله وجسده ووقته وحياته كلها في سبيل الله , فقد قدم للإسلام بكل ما يملك , وذلك بالدعوة إليه من خلال منهجٍ تربوي نهله من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فجزاه الله خيراً عن الإسلام والمسلمين. ¬

_ (¬1) المصدر السابق , كتاب مناقب الأنصار , باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة , 5/ 56 , رقم 3897. (¬2) الحاكم: مصدر سابق , كتاب معرفة الصحابة - رضي الله عنهم - ... , باب ذكر أم حبيبة واسمها حمنة بنت جحش رضي الله عنها ,4/ 68 , رقم 6906.

الفصل الثاني: مفهوم أسلوب الحوار وأهميته: المبحث الأول: مفهوم أسلوب الحوار. المبحث الثاني: أسلوب الحوار في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. المبحث الثالث: أهمية أسلوب الحوار.

الفصل الثاني: مفهوم أسلوب الحوار وأهميته

الفصل الثاني: مفهوم أسلوب الحوار وأهميته: المبحث الأول: مفهوم أسلوب الحوار: الأسلوب في اللغة: الأسلوب: هو " أخذ الشيء بخفة " (¬1) , "والأُسْلُوبُ، بِالضَّمِّ: الفَنُّ. يُقَال: أَخَذَ فُلَانٌ فِي أَسَالِيبَ من القَوْل، أَي أَفَانِين مِنْهُ " (¬2). ويقال كذلك أن " الأسلوب: الطَّرِيق , يُقَال: سلكت أسلوب فلَان فِي كَذَا , طَرِيقَته ومذهبه وَطَرِيقَة الْكَاتِب فِي كِتَابَته" (¬3). وهذا يفيد أن الأسلوب منهجية واضحة , ومعالم معروفة , يمكن اكتسابه عن طريق المحاكاة أو الممارسة أو التعلم حتى يصبح من عادة الإنسان التي يعرف بها , ولذا يعبر عن طريقة الإنسان في حياته بقولهم: أسلوبه في الحياة كذا بمعنى عادته وسيرته التي يسير عليها. الحوار في اللغة: "الحَوْرُ: الرُّجُوعُ عَنِ الشَّيْءِ وإِلى الشَّيْءِ " (¬4) ,وحاورت فلانا محاورة إِذا كلمك فأجبته (¬5). "وتَحاوَرُوا: تَراجَعُوا الكلامَ بينهمْ" (¬6). ¬

_ (¬1) القزويني , أحمد بن فارس: معجم مقاييس اللغة ,دار الفكر , بيروت , ط2 , 1399هـ , 3/ 92. (¬2) الحسيني , محمد بن محمد: مصدر سابق, 3/ 46. (¬3) مصطفى , إبراهيم وآخرون: مصدر سابق , 1/ 441. (¬4) ابن منظور: مصدر سابق , 4/ 217. (¬5) الأزدي , محمد بن الحسن: جمهرة اللغة ,دار العلم للملايين , بيروت , ط1 , 1987م , 1/ 525. (¬6) الفيروز آبادي: القاموس المحيط ,مؤسسة الرسالة , بيروت ,ط8 , 1426هـ , ص381.

الحوار في الإصطلاح

الحوار في الإصطلاح: تطرق الباحثون والكتّاب لمفهوم الحوار , وكانت هذه المفاهيم متقاربة في اللفظ والمعنى , فيورد الباحث بعضها , وهي كما يأتي: 1 - هو " نوع من الحديث بين شخصين أو فريقين , يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة؛ فلا يستأثر أحدهما دون الآخر به , ويغلب عليه الهدوء , والبعد عن الخصومة والتعصب " (¬1). 2 - هو " مناقشة بين طرفين أو أطراف , يُقصد بها تصحيح كلامٍ , وإظهار حُجَّةٍ , وإثبات حقٍ , ودفع شبهةٍ , وردُّ الفاسد من القول والرأي " (¬2). 3 - هو " مناقشة بين اثنين فأكثر في قضية مختلف عليها بينهم " (¬3). 4 - هو " محادثة بين شخصين أو فريقين حول موضوع محدد , لكل منهما وجهة نظر خاصة به , هدفها الوصول إلى الحقيقة , أو إلى أكبر قدر ممكن من تطابق وجهات النظر؛ بعيداً عن الخصومة أو التعصب , بطريق يعتمد على العلم والعقل , مع استعداد كلا الطرفين لقبول الحقيقة ولو ظهرت على يد الطرف الآخر " (¬4). والمتأمل في هذه المفاهيم , يجد أنها اتفقت في الحوار على ما يأتي: 1 - أنه عبارة عن مناقشة ومحادثة. 2 - أن يكون بين طرفين , سواءً شخصين أو فريقين , أو شخص وفريق. ¬

_ (¬1) الندوة العالمية للشباب الإسلامي: في أصول الحوار , مؤسسة الطباعة والصحافة والنشر , جدة , ط3 , 1408هـ , ص11. (¬2) بن حميد , صالح بن عبدالله: أصول الحوار وآدابه في الإسلام ,دار المنارة , جدة - مكة , ط1 , 1415هـ , ص6. (¬3) الشثري , سعد بن ناصر: أدب الحوار , دار كنوز اشبيليا , الرياض , ط1 , 1427هـ , ص9. (¬4) عجك , بسام: الحوار الإسلامي المسيحي ,دار قتيبة , دمشق , ط1 , 1418هـ , ص20.

3 - أن يكون في موضوع أو قضية محددة. وهذه الثلاثة تعدُّ أركاناً للحوار فضلاً عن الركن الرابع , وهو: الهدف من الحوار (الوصول إلى الحق) , والذي ذُكر في المفهوم الثاني والرابع. ويلاحظ كذلك من هذه المفاهيم , أن المفهوم الأول والثالث قد أهملا ذكر الهدف من الحوار , والذي من دونه تنعدم الرؤية , ويضيع أطراف الحديث , ويصبح ميدان الحوار مليء بالفوضى وعدم الاتزان. وعند النظر إلى المفهوم الرابع , يرى الباحث أنه قد اشتمل على أركان الحوار الأربعة , التي تساعد على سير عملية الحوار بشكلٍ منتظمٍ وسليم , وتقود إلى تحقيق التكاتف والترابط والتعاون بين أفراد المجتمع , أو بين المجتمعات المختلفة؛ نظراً لما تقتضيه طبيعة النفس البشرية من اختلاف , وتضارب في وجهات النظر , الأمر الذي يجرف بالأفراد والمجتمعات إلى النزاع والفرقة , بل إلى الحروب والدمار؛ مما يسبب ذلك في اختلال وزعزعة الأمن بشتى جوانبه , ولكن بالحوار تزول القلاقل وتضمحل , أو تقل وتهدأ. لذلك يتطلب إيجاد أسلوب يساعد على احتواء تلك الاختلافات والتقريب بين الأطراف المتحاورة وفق ضوابط الشريعة وآدابها, وذلك هو أسلوب الحوار الذي رسمت معالمه التربية الإسلامية وجعلت له أسساً يقوم عليها ترقى به إلى أعلى المستويات.

المبحث الثاني: أسلوب الحوار في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة

المبحث الثاني: أسلوب الحوار في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة: ذُكر الحوار بشتى صوره في القرآن الكريم والسنة النبوية في مواقف كثيرة , ومع فئات عمرية مختلفة , ومع المسلمين والكفار , وهذا كله يدل على أهمية الحوار في التعامل مع مختلف الأجناس البشرية , وأنه من أهم الأساليب التربوية التي تقود الإنسان إلى خيري الدنيا والآخرة , ولا شك أن الحوار في المصدرين التشريعيين منهج لكل محاور , ونبراس يهتدى به في الميادين الحوارية , فالقرآن الكريم كلام الله عز وجل {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} (¬1) , والسنة النبوية كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} (¬2). أولاً: الحوار في القرآن الكريم: جاء القرآن الكريم بعدة أساليب حوارية بما يقتضيه الموقف , وبما يصلح مع الطرف الآخر , وذلك للوصول إلى هدف معين من الحوار , إما لأخذ العبرة والعظة , وإما لإثبات قدرة الله .... وغيرها. فجاءت هذه الأساليب في مواضع متفرقة من القرآن الكريم , فنورد مثالاً لها , وهي كما يأتي: 1 - قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي ¬

_ (¬1) سورة النساء: آية (122). (¬2) سورة النجم: آية (3 - 4).

أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)} (¬1). جرى هذا الحوار بين الله عز وجل وبين الملائكة , فقد كان سؤال الملائكة سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء (¬2) , ثم بيّن الله سبحانه وتعالى حكمته في أنه يعلم من هذا المخلوق ما لا تعلمه الملائكة , وليبيّن لهم علمه الذي أحاط بكل شيء , فهو أراد جل وعلا " أن يجتبي منهم الأنبياء والصديقين، والشهداء والصالحين، ولتظهر آياته للخلق، ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة" (¬3). فيستفيد المربي من هذا الأسلوب ولا سيما الأب مع أبنائه , والمعلم مع طلابه , وذلك في طرح موضوع يشد انتباههم؛ لتتوق أنفسهم إلى استكشاف خباياه , ومعرفة مكنوناته , فتستهوي أنفسهم السؤال والنقاش؛ ليبدأ الحوار الذي تصاحبه آدابه في جوٍ يسوده الهدوء. ثم يبين لهم ذلك المربي ما أراده من هذا الموضوع , فيكون ذلك أدعى لاستيعابهم له , ورسوخه في أذهانهم , مما لو ألقاه لهم مباشرة. ¬

_ (¬1) سورة البقرة: آية (30 - 33). (¬2) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم , دار طيبة , الرياض , ط2 , 1420هـ , 1/ 216. (¬3) السعدي: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان , مؤسسة الرسالة , بيروت , ط1 , 1420هـ , ص48.

2 - قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)} (¬1). وهذا الحوار بين الله عز وجل وبين إبليس , فحينما خلق الله آدم عليه السلام , أمر ملائكته بالسجود له إكراما واحتراما، وإظهارا لفضله، فامتثلوا أمر ربهم , إلا إبليس استكبر فوبخه الله على ذلك (¬2). ثم بيّن الله عز وجل لنا عداوة إبليس وعزمه على إغوائنا "لنأخذ منه حذرنا ونستعد لعدونا, ونحترز منه بعلمنا، بالطريق التي يأتي منها، ومداخله التي ينفذ منها، فله تعالى علينا بذلك، أكمل نعمة" (¬3). فقد يستعمل المربي هذا الأسلوب من الحوار , عندما تكثر الأخطاء من ذلك الشخص , ولم يفد فيه اللين والرفق , فيستعمل معه التوبيخ , الذي يعدُّ أحد أنواع العقاب , مع أنه غالبا مؤثر ولكن نشاهد معظم الآباء يستعملونه ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: آية (11 - 18). (¬2) السعدي: مصدر سابق , ص284. (¬3) المصدر السابق , ص284.

بطريقة غير صحيحة (¬1) , فإذا استعمل بطريقة صحيحة, كأن يكون على انفراد , أفاد وأثمر , وهذا العقاب يعدُّ من الحزم ,ولكن يستعمل في بعض الأحيان (¬2). 3 - قال تعالى: {وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)} (¬3). وهذا الحوار دار بين الله عز وجل وبين آدم وزوجه عندما أسكنهما الجنة , ثم حذرهما من إبليس وفتنته, وذلك حينما نهاهما عن الأكل من تلك الشجرة , فما زال الشيطان يوسوس لهما حتى أوقعهما في معصية الله , ثم وبخهما الله عز وجل وعاتبهما على ذلك (¬4). ¬

_ (¬1) الشربيني , زكريا , صادق , يسرية: تنشئة الطفل وسبل الوالدين في معاملته ومواجهة مشكلاته , دار الفكر العربي , القاهرة , د. ط , 1421هـ , ص257. (¬2) إبراهيم , محمد قطب: منهج التربية الإسلامية , دار الشروق ,القاهرة ,ط14 ,1414هـ, 1/ 191. (¬3) سورة الأعراف: آية (19 - 24). (¬4) السعدي: مصدر سابق , ص285.

فيستطيع المربي أن يجعل من هذا الأسلوب الحواري مسلكاً لبيان الطريق الصحيح , والتحذير والتنبيه مما يُلحق بالمتربي الضرر , ولا بأس في استعمال التوبيخ أحياناً للمخالف بعد أن حُذر ونُبه. 4 - قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)} (¬1). دار هذا الحوار بين إبراهيم عليه السلام وبين ربه عز وجل, فكان عليه السلام يريد أن يرى قدرة الله سبحانه في إحياء الموتى , فأعطاه الله جل وعلا دلالة حسية وبرهاناً على قدرة الله سبحانه وتوحده جل وعلا بالإحياء (¬2). وهذا الأسلوب الحواري من أرقى الأساليب الحوارية المقنعة والناجحة؛ ذلك لأن المحاور يحرص على تدعيم كلامه بالبرهان الصحيح والدليل القاطع؛ ليصل إلى بيان الحقيقة وإقناع الطرف الآخر , وقد يكون البرهان آيةً أو حديثاً أو قولاً لعالم , وقد يكون من خلال التجربة الواقعية. فالقرآن الكريم مليء بالمواقف الحوارية , ولا يكاد يخلو جزءٌ منه من مواقف حوارية , وقد جاءت بصورٍ كثيرة , فهناك حوارات كثيرة تمثلت في حوار الله جل وعلا مع أنبيائه عليهم السلام , وكذلك ما كان بين رسل الله عليهم السلام وأقوامهم , كموسى عليه السلام مع قومه , ويوسف عليه السلام مع إخوته وإبراهيم عليه السلام مع والده وقومه وعيسى عليه السلام , وبعضها ¬

_ (¬1) سورة البقرة: آية (260). (¬2) السعدي: مصدر سابق , ص112.

ثانيا: الحوار في السنة النبوية الشريفة

في خبر من سبقنا من الصالحين وغيرهم , كالخضر عليه السلام وذي القرنين رحمه الله. ثانياً: الحوار في السنة النبوية الشريفة: جاءت السنة النبوية مليئة بالحوارات المختلفة وبأساليب عدة , فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قدوةً حسنةً لكل محاور , تمثل ذلك في تمكنه - صلى الله عليه وسلم - من أسلوب الحوار من خلال أدبه - صلى الله عليه وسلم - , واحترامه للطرف الآخر , ومعرفته لنفسيات المحاورين المختلفة. وقد كانت الأساليب الحوارية على صور مختلفة منها ما يأتي: 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءه أعرابي , فقال: يا رسول الله، إن امرأتي ولدت غلاما أسود، فقال: «هل لك من إبل» قال: نعم، قال: «ما ألوانها» قال: حمر، قال: «هل فيها من أورق» قال: نعم، قال: «فأنى كان ذلك» قال: أراه عرق نزعه، قال: «فلعل ابنك هذا نزعه عرق» (¬1). دار هذا الحوار اللطيف بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبين أعرابي , فكأن ذلك الأعرابي قد استنكر ابنه , وذلك عندما رأى تغير لون بشرته عن سائر أفراد الأسرة , فأتى أسلوب النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك الأعرابي بما يناسب حاله بضرب مثال توضيحي من خلال بيئته؛ ليكون أقوى في الإقناع , "حيث إن النبي شبه للأعرابي ما أنكر من لون الغلام بما عرف في نتاج الإبل" (¬2)،فجعله - صلى الله عليه وسلم - يجيب لسؤاله بنفسه , عندما اقتنع الأعرابي في اختلاف ألوان إبله من خلال نزع العرق , ¬

_ (¬1) البخاري: مصدر سابق , كتاب الحدود ,باب ما جاء في التعريض , 8/ 173 , رقم 6847. (¬2) العيني , محمود بن أحمد: مصدر سابق , 25/ 50.

ولذا قال ابن حجر رحمه الله " جاء سائلاً مستفتياً عن الحكم , لما وقع له من الريبة , فلما ضرب له المثل أذعن " (¬1). لذا يستطيع المربي أن يستعمل هذا الأسلوب التشبيهي ليكون أكثر إقناعاً , فإذا جعل المربي استكشاف الخطأ أو الوصول إلى الحل هدفاً يصل إليه الطرف الآخر , كان أكثر تأثيراً وتقبلاً , كما أن للمربي الأثر الواضح في هذا الأسلوب , كأن يضرب مثالاً أو يُعرّض بكلامه. 2 - عن أبي أمامة - رضي الله عنه -: أن فتى شاباً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله إئذن لي بالزنا؟ قال: فأقبل القوم عليه فزجروه. وقالوا: مه مه، فقال: «أدنه» فدنا قريباً. قال: فجلس. قال: «أتحبه لأمك؟» قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم». قال: «أفتحبه لإبنتك؟» قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم»، قال: «أفتحبه لأختك؟» قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم» قال: «أفتحبه لعمتك؟» قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم» قال: «أفتحبه لخالتك؟» قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: «ولا الناس يحبونه لخالاتهم». قال: فوضع يده عليه، وقال: «اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه». قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء (¬2). حوار النبي - صلى الله عليه وسلم - مع هذا الشاب اتضحت فيه الكثير من المواقف التربوية , فلم يزجره - صلى الله عليه وسلم - ,ولم يرفع صوته عليه , بل أدناه منه - صلى الله عليه وسلم - , وأخذ يحاوره بكل ¬

_ (¬1) ابن حجر: فتح الباري شرح صحيح البخاري , مصدر سابق , 9/ 444. (¬2) ابن حنبل: مسند الإمام أحمد , مؤسسة الرسالة , بيروت , ط1 , 1421هـ , 36/ 545 , رقم 22211.

هدوء , مع أن الشاب طلب أمراً محرماً , فأخذ - صلى الله عليه وسلم - بأسلوب الاستفهام .. أتحبه ... أفتحبه ... ؛ لكي يُشعر الشاب عِظَم ذلك الجُرم , حتى يقرر بمخالفة ما حدثته به نفسه , فكانت النتيجة اقتناع ذلك الفتى وإقلاعه عن هذه المخالفة تأثراً بهذا الأسلوب النبوي الرفيع الذي خاطب عقله وألهب مشاعره دون أن يتعرض له بشيء من السب أو السخرية والاستهزاء. فهذه الاستفهامات يستعملها المربي ليُشعر المُحاور بأهمية ذلك الأمر , وليستخرج منه القرارات السليمة , لأن هناك أموراً واضحة لا تتطلب جهداً , فإذا ضعفت النفس البشرية , وأرادت ما يخالف طبيعتها , رجعت بالاستفهامات إلى جبلتها الفطرية وحب الخير. 3 - عن البراء - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة، فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلا ثلاث ليال، ولا يدخلها إلا بجُلُبَّان السلاح، ولا يدعو منهم أحدا، قال: فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - , فكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقالوا: لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك، ولكن اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فقال: «أنا والله محمد بن عبد الله، وأنا والله رسول الله» قال: وكان لا يكتب، قال: فقال لعلي: «امح رسول الله» فقال علي - رضي الله عنه -: والله لا أمحاه أبدا، قال: «فأرنيه»، قال: فأراه إياه فمحاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده، فلما دخل ومضت الأيام، أتوا عليا، فقالوا: مر صاحبك فليرتحل، فذكر ذلك علي - رضي الله عنه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «نعم» ثم ارتحل (¬1). ¬

_ (¬1) البخاري: مصدر سابق , كتاب الجزية, باب المصالحة على ثلاثة أيام أو وقت معلوم, 4/ 103 , رقم 3184.

إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذ بأقل المصلحتين ضررا , فهو يداري - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحوار ذلك الكافر ويدفع الضرر بقدر المستطاع , قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (¬1). قال العز بن عبدالسلام: (الحسنة) المداراة و (السيئة) الغلظة , وادفع بحلمك جهل الجاهل عليك أو ادفع بالسلام إساءة المسيء (¬2). فأسلوب المداراة يعين المربي كثيراً وخاصة في المواقف الحرجة , وذلك في دفع ضرر أو الخروج بأقلهما ضررا. "قال ابن بطّال رحمه الله: المداراة: خفض الجناح للنّاس، ولين الكلام وترك الإغلاظ لهم في القول. وقال ابن حجر: المداراة الدّفع برفق" (¬3). ولا تزال السنة النبوية مليئة بالحوارات الكثيرة , فترى في جميع المراحل العمرية (الطفل-الشاب-الشيخ) , ومع الجنسين (الذكر-الأنثى) , وحتى مع غير المسلمين يتجلى فيها الخلق العظيم والأدب الرفيع في نبينا - صلى الله عليه وسلم - (¬4). ¬

_ (¬1) سورة فصلت: آية (34). (¬2) عبدالسلام , عز الدين عبدالعزيز: تفسير القرآن , دار ابن حزم , بيروت, ط1 , 1416هـ , 3/ 131. (¬3) بن حميد , صالح بن عبد الله: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - , دار الوسيلة جدة , ط4 , 1426هـ , 8/ 3358. (¬4) ينظر: سعيد إسماعيل صالح صيني: الحوار النبوي مع المسلمين وغير المسلمين ,مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني , الرياض , ط1 , 1426هـ.

المبحث الثالث: أهمية أسلوب الحوار

المبحث الثالث: أهمية أسلوب الحوار: يعد أسلوب الحوار من أهم أساليب التربية الإسلامية وأفضلها؛ ذلك لأنه يترك المجال للأطراف المتحاورة لإبداء وجهات النظر وتبادل الآراء وتلاقح الأفكار , مما ينتج عنه تصحيح المفاهيم وحل المشكلات وتجاوز العقبات , ومن ثم تسود المحبة والألفة بين أفراد المجتمع , ويمكن بيان هذه الأهمية لأسلوب الحوار من خلال النقاط الآتية: 1 - كثرة استعمال أسلوب الحوار في القرآن الكريم والسنة النبوية , وقد مضى ذكر بعض الأمثلة في الصفحات السابقة , مما يدل على عناية القرآن والسنة بهذا الأسلوب وأن له أثراً كبيراً في إقناع الطرف المقابل بالحق الذي تدعو إليه. 2 - يقضي على المشاكل والخلافات العالمية , أو يخفف منها. فقد "اقتضت الحكمة الإلهية جعل الناس مختلفين , تتعدد آراؤهم وأفهامهم وتتنوع عقائدهم ومعارفهم " (¬1) , وقد بيّن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض: جاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك، والسهل، والحزن، والخبيث، والطيب» (¬2) , ولكن بالحوار تتقارب وجهات النظر , وتقل الخلافات بين البشرية , وهو فرصة ¬

_ (¬1) القوسي , مفرح بن سليمان: ضوابط الحوار في الفكر الإسلامي , مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني , الرياض , ط4 , 1430هـ , ص19. (¬2) أبو داود: سنن أبي داود , المكتبة العصرية , صيدا - بيروت , د. ط , د. ت , كتاب السنة ,باب في القدر , 4/ 222 , رقم 4693 , صححه الألباني.

كبيرة لدعوة الناس إلى الإسلام , كما قال تعالى {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)} (¬1). 3 - يزيد من تماسك العالم الإسلامي , من خلال القضاء على المشاكل والعقبات التي تعترضه , ومن خلال اجتماع الكلمة وتوحيد الصف. 4 - يعين على تكاتف وتعاون أفراد المجتمع المسلم , والتغلب على المشاكل الاجتماعية؛ الأمر الذي يحقق لهم التكافل الاجتماعي , قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (¬2). 5 - يساهم في التنظيم والتنسيق بين المؤسسات الخيرية وبين الدوائر الحكومية , فيعين على الإنجاز وتحقيق الجودة في العمل. 6 - يساعد الفرد على إبداء الرأي والتعبير عن وجهات النظر , مما يكسبه الجرأة , والثقة بالنفس , ويعالج عيوب " النطق كالتلعثم والتأتأة " (¬3) , وكذلك يزيد الفرد في حصيلته الثقافية , كما يكسبه كماً من الآداب , في حسن الاستماع والمحادثة , وفي حسن المجالسة والمعاشرة , ويغذيه بالصبر والنظر في عواقب الأمور. ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: آية (64). (¬2) سورة المائدة: آية (2). (¬3) خوجة , محمد شمس الدين: الحوار آدابه ومنطلقاته وتربية الأبناء عليه , مركز الملك عدالعزيز للحوار الوطني , الرياض , ط6 , 1430هـ , ص 121.

7 - ينمي عند الفرد مهارة التفكير , من خلال الحراك الثقافي والفكري في أثناء ممارسته للحوار , وخاصة عند احتكاكه بأصحاب الخبرة والعلم والمعرفة , لذلك نجد صغار الصحابة امتازوا برجاحة العقل وصفاء الذهن , من خلال مجالستهم النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. 8 - يحقق الترابط الأسري , من خلال القضاء على الخلافات الزوجية , وغرس الثقة في نفوس أفراد الأسرة , ويخلق روح الفريق الواحد , فيجلب التعاون وتحمل المسؤولية , في جوٍ تسوده المحبة والسكينة. 9 - يساعد في التغلب على الأمراض النفسية , كالانطواء والعزلة والرهاب الاجتماعي, والتي تحد من المشاركات الاجتماعية , فمن خلال مشاركة الفرد مع أسرته , والطالب مع معلمه وزملائه؛ يذهب الخوف تدريجياً , وينطلق لسان الفرد بالكلام؛ مما يعينه على تخطي هذه المشاكل النفسية ومعالجتها. 10 - يعين المسلم على التغلب على بعض الصفات المذمومة , كالحسد والبغضاء والشحناء. فهذه الصفات تنشأ أحياناً من سوء ظن , أو فهم خاطئ , أو من خطأ غير مقصود , فإذا ما جاء المسلم إلى أخيه , حاوره في ذلك الأمر حتى يتبين له , ويذهب ما بنفسه من شر. 11 - يساعد المعلم على تنفيذ طرائق التدريس الحديثة , والتي جعلت من المتعلم محوراً للعملية التعليمية , فنجد أن هذه الطرائق لا بد لها من الحوار والنقاش والمحادثة , والتي من طبيعتها أن تعطي المتعلم فرصة لنشاط العمليات العقلية, فينمو عنده الفهم والتحليل والتفسير وغيرها.

الفصل الثالث: ضوابط وآداب أسلوب الحوار عند مصعب ... بن عمير - رضي الله عنه -: المبحث الأول: ضوابط أسلوب الحوار المتضمنة في حياة مصعب بن عمير - رضي الله عنه -: المبحث الثاني: آداب أسلوب الحوار النفسية عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه -: المبحث الثالث: آداب أسلوب الحوار العلمية عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه -: المبحث الرابع: آداب أسلوب الحوار اللفظية عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه -:

الفصل الثالث: ضوابط وآداب أسلوب الحوار عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه -

الفصل الثالث: ضوابط وآداب أسلوب الحوار عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه -: تمهيد: كما أن للحوار أركاناً؛ فله أيضاً ضوابط وآداب تسعى به نحو تحقيق الهدف من إقامة الحوار , فالضوابط تساعد الحوار على الاتزان وثبات منهجيته , فلا بد لكل مُحَاور التعرف على هذه الضوابط قبل الدخول في ميدان الحوار , فإن كان المحاور يتقنها حُق له المشاركة في الحوار مع الالتزام بآدابه وإلا فلا. فالضوابط لغةً: من " ضبط: الضَّبْطُ: لُزُومُ الشَّيْءِ وحَبْسُه، ضَبَطَ عَلَيْهِ .. ، وَقَالَ اللَّيْثُ: الضّبْطُ لزومُ شَيْءٍ لَا يُفَارِقُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وضَبْطُ الشَّيْءِ حِفْظُه بِالْحَزْمِ" (¬1). ويريد الباحث من الضوابط هنا: كل ما يلزم المحاور معرفته والالتزام به قبل الدخول في الحوار. وأما الآداب لغةً: " الأَدَبُ: مَلَكَةٌ تَعْصِمُ مَنْ قَامَت بِهِ عمَّا يَشِينُه ... وهُوَ: استعمالُ مَا يُحْمَدُ قَوْلاً وفِعْلا" (¬2). وقيل " الأدب: عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ " (¬3). ¬

_ (¬1) ابن منظور: مصدر سابق , 7/ 340. (¬2) الحسيني , محمد بن محمد: مصدر سابق , 2/ 7. (¬3) الجرجاني , علي بن محمد: كتاب التعريفات , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1403هـ , ص15.

المبحث الأول: ضوابط أسلوب الحوار المتضمنة في حياة مصعب بن عمير - رضي الله عنه -

والمقصود بالآداب: هي السمات التي يلتزم بها المحاور الناجح أثناء عملية الحوار بأنواعها الثلاث (العلمية , النفسية , اللفظية) قولاً وعملاً. ويرى بعض الباحثين أن هناك تشابهاً واتفاقاً بين ضوابط الحوار وآدابه (¬1) , ولكن الباحث يرى بأن هناك فرقاً بين ضوابط الحوار وآدابه , وإن كان بين بعض أجزائهما شيء من التداخل؛ فالضوابط تكون ضرورية ومتوافرة في المتحاور قبل البدء في الحوار وتكون معلومة لديه؛ أما الآداب بأنواعها فتكون في أثناء الحوار , وإن كانت الآداب من الضوابط , ولكن يتضح الفرق جلياً بين الضوابط والآداب حين الدخول في نقاطهما وبيان شيء من التفصيل. المبحث الأول: ضوابط أسلوب الحوار المتضمنة في حياة مصعب بن عمير - رضي الله عنه -: لقد اتضحت ضوابط لأسلوب الحوار من خلال حوارات مصعب بن عمير - رضي الله عنه - المختلفة (¬2) , كان منها ما يأتي (¬3): أولاً: ضرورة العلم بالقضية المطروحة للنقاش. ثانياً: وحدة الموضوع. ثالثاً: حسن الفهم. رابعاً: السعي وراء الهدف من الحوار ما أمكن, وهو الوصول إلى الحق , ¬

_ (¬1) الحازمي , خليل عبيد: الحوار الوطني ودوره في تعزيز الأمن الوطني للمملكة العربية السعودية , مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني , الرياض , ط3 , 1431هـ , ص25. (¬2) يجد القارئ جميع حوارات مصعب بن عمير - رضي الله عنه - والتي تُعد شواهد على التزامه بضوابط الحوار وآدابه وكذلك ما نتج عن تلك الحوارات من آثار تربوية ص27 - 30. (¬3) عاشور , سعد عبدالله: ضوابط الحوار مع الآخر , مجلة الجامعة الإسلامية - غزة - فلسطين , سلسلة الدراسات الإسلامية , المجلد السادس عشر , العدد الأول , يناير 2008 , ص 96.

أولا: ضرورة العلم بالقضية المطروحة للنقاش

مع عدم الإصرار على إقناع الطرف الآخر. وهذا شيء من الإيضاح لكل ضابطٍ كما يأتي: أولاً: ضرورة العلم بالقضية المطروحة للنقاش: لا بد للمحاور من معرفة القضية المطروحة للنقاش والعلم بها , بل وتكون واضحة المعالم , لأن " المطلوب هو الوضوح في طرح الأفكار والتدليل عليها " (¬1) , ولا يكون ذلك إلا إذا فهم المتحاورون موضوع الحوار المراد نقاشه , إذ كيف يعرض الإنسان أفكاره أو يناقش قضية لا يحيط بها علماً ,وهذا ما جعل مصعب بن عمير - رضي الله عنه - يجيد عرض ما يريد على من يتحاور معهم , فقضيته واضحة ومعلومة لديه وقد عرضها بأحسن أسلوب , وهو بيانها عن طريق قراءة آيات من القرآن الكريم على مسامعهم. فقد كان العلم بموضوع الحوار واضحاً عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وكذا عند صاحبيه رضوان الله عليهم , في أنه أتى بدين جديد يخالف ما هم عليه يريد أن يعرضه عليهم , فوافق أسيد بن حضير , وسعد بن معاذ رضي الله عنهما , فكان مما قاله مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , " أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته وإن كرهته كفّ عنك ما تكره؟ فقال: أنصفت " (¬2) , وهما يعلمان أن القضية التي سيطرحها , دين جديد يخالف دين آبائهم وأجدادهم , فقبلا ذلك فسار الحوار في أحسن حال , حتى تحقق الهدف المنشود عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , وهو نشر الدين الإسلامي. ¬

_ (¬1) عاشور , سعد عبدالله: مصدر سابق, ص97. (¬2) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435.

ثانيا: وحدة الموضوع

ثانياً: وحدة الموضوع: إن الالتزام بالموضوع الذي تم الاتفاق عليه من قبل المتحاورين , وعدم الخروج عن عناصره , يعين على استمرارية الحوار , ووضوح طريقه. فالخروج عن موضوع الحوار وكثرة الاستطرادات لا يأتي إلا من أحد شخصين: 1 - من لا يجيد الحوار , ولا يعرف ضوابطه. 2 - من يخشى الغلبة , ويريد التمويه وعدم الاستسلام للحق. " فالمحاور الناجح هو الذي يرتب أفكاره ويربط بينها ويحذر عند تزاحمها من اختلافها لأن هذا يؤدي إلى اضطرابها ومن ثم الانحراف عن موضوع النقاش والحوار " (¬1). لذا يرى الباحث أن مصعب بن عمير - رضي الله عنه - قد التزم بوحدة الموضوع , حينما أتاه أسيد بن حضير , ثم سعد بن معاذ رضي الله عنهما. فقد كان موضوعه - رضي الله عنه - دعوتهما إلى ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الدين الإسلامي , فكلم أسيد بن حضير - رضي الله عنه - بالإسلام , وقرأ عليه القرآن, وكذا فعله مع سعد بن معاذ - رضي الله عنه - (¬2) , فلم يخرج مصعب بن عمير - رضي الله عنه - عن هذا الموضوع , ولم يتطرق إلى موضوع آخر , مما جعل الأمر واضحاً لدى الطرف الآخر ومن ثم اقتناعه بما يدعو إليه , لذا أسلما جميعاً - رضي الله عنهم -. ¬

_ (¬1) عاشور , سعد عبدالله: مصدر سابق, ص 97. (¬2) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435.

ثالثا: حسن الفهم

ثالثاً: حسن الفهم: إن الفهم قدرة عقلية تتفاوت بين الناس في قوتها وضعفها , فحسن الفهم يجعل الحوار يسير بيسر وسهولة , وذلك من خلال وضوح أفكار الموضوع وأبعاده المطروحة لكلا المتحاورين , فتسلحهما بالفهم الصحيح يختصر الطريق ويقرب المسافات (¬1). وأما ضعيف الفهم , فهو يعيق سير الحوار , فقد يحتاج إلى تكرار الفكرة المطروحة وبيانها عدة مرات , مما يجعل الحوار يطول , وتتخلله السآمة والملل , وكذلك قد يفهم تلك الفكرة على غير مراد قائلها , فترتفع الأصوات ويُثار الغضب , ويخرج الحوار عن مساره الصحيح. ومما لا شك فيه , أن اختيار الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمصعب بن عمير - رضي الله عنه - لتبليغ الدين الإسلامي في المدينة كان موفقا , فقد اختاره من بين كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين , وذلك لما رأى - صلى الله عليه وسلم - فيه من الصفات العظيمة التي تؤهله لأداء رسالة الإسلام في المدينة على أكمل الوجوه , والتي كان منها حسن الفهم؛ من خلال ما يتلقاه من علم في دار الأرقم بن أبي الأرقم - رضي الله عنه - , وكذلك حسن فهمه في تعامله مع الناس , وتعامله مع الصعوبات التي واجهته بعد دخوله في الإسلام؛ الأمر الذي جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعزم على إرساله إلى المدينة (¬2). رابعاً: السعي وراء الهدف من الحوار ما أمكن, وهو الوصول إلى الحق , مع عدم الإصرار على إقناع الطرف الآخر: ومما يحقق للحوار أهدافه؛ رضا الطرفين في الحوار على ما يصلون إليه من الحق في حوارهم , حتى ولو كان ذلك في صالح الطرف الآخر؛ لأن الهدف ¬

_ (¬1) عاشور , سعد عبدالله: مصدر سابق, ص 101. (¬2) سبق الإشارة إليه ص 26.

المبحث الثاني: آداب أسلوب الحوار النفسية عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه -

هو الوصول إلى الحق , فلا يتقدم إلى الحوار من يحمل معه الإصرار على رأيه إن لم يكن الحق معه, قال الشافعي رحمه الله: " ما ناظرت أحداً إلا ولم أبال بيّن الله الحق على لساني أو لسانه" (¬1)؛ لأن مقصوده من المناظرة إظهار الحق والتوصل إليه , وليس الانتصار لنفسه أو لرأيه , وهذه منزلة عالية تحتاج إلى تربية جادة حتى يستطيع الإنسان تحقيقها. فمصعب بن عمير - رضي الله عنه - كان يسعى إلى تحقيق الهدف من حواره بدخول من يحاوره إلى الإسلام ما أمكنه ذلك , ولم يصر على إقناع محاوره , فعندما جاءه أسيد بن حضير - رضي الله عنه - , أخذ يشتمه ويأمره بالخروج , فقال له مصعب بن عمير - رضي الله عنه -: " أو تجلس فتسمع , فإن رضيت أمرا قبلته وإن كرهته كفّ عنك ما تكره فقال: أنصفت " (¬2). فرضي مصعب بن عمير - رضي الله عنه - بنتائج ما سيصل إليه الحوار. فإما أن يرضى أسيد بن حضير - رضي الله عنه - ويقبل , أو يلتزم مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ما اتفقا عليه بأن يكف عنه ما كرهه منه , مع أن الحق معه , فاستمع أسيد بن حضير - رضي الله عنه - واتبع الحق الذي جاء به مصعب بن عمير - رضي الله عنه -. المبحث الثاني: آداب أسلوب الحوار النفسية عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه -: تعتني الآداب النفسية للحوار بكل ما يعطي النفس ارتياحاً وهدوءاً , كتهيئة المكان , واختيار الزمان المناسب , وترفض كل ما يزعج النفس ويؤذيها , كالغضب والتوتر والقلق. ¬

_ (¬1) ابن الجوزي: صفة الصفوة , مصدر سابق , 1/ 435. (¬2) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435.

أولا: الإخلاص وصدق النية

ومن أهم تلك الآداب النفسية في الحوار والتي تمثلت في مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ما يأتي (¬1): أولاً: الإخلاص وصدق النيّة. ثانياً: تهيئة الجو المناسب. ثالثاً: الإنصاف والعدل. رابعاً: الحلم والصبر. خامساً: العزة والثبات على الحق. سادساً: حسن الاستماع. سابعاً: الجرأة والغضب لنصرة الحق. فهذه الآداب جعلت من مصعب بن عمير - رضي الله عنه - محاوراً ناجحاً , استطاع من خلالها ضبط مسيرة الحوار وتحقيق الهدف منه , وهذا بيان لها كما يأتي: أولاً: الإخلاص وصدق النيّة: إن الإخلاص لله تعالى من أهم الأمور النفسية التي يحرص عليها المحاور , فإن الله تعالى لا يقبل عملاً إلا به وبمتابعة نبيه - صلى الله عليه وسلم - (¬2) , قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا ¬

_ (¬1) زمزمي , يحيى بن محمد: الحوار آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة , دار التربية والتراث , مكة المكرمة , ط1 ,1414هـ ,ص 116. (¬2) حسين , حامد بن محمد بن: فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد , دار المؤيد , الرياض , ط1 , 1417هـ , ص146.

ثانيا: تهيئة الجو المناسب

إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (¬1). فيجب أن يكون الحق عند المحاور والوصول إليه هو المقصد , وهذا قد يكون في النظر سهل الاعتبار والمأخذ ولكنه عند التطبيق والتدقيق عزيز المنال صعب المدرك (¬2). ولذا ترك مصعب بن عمير - رضي الله عنه - دين آبائه , وما كان فيه من نعمة ودلال , وتحمل الأذى والتعذيب؛ من أجل دين الله. وقد رأى فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - حبه الصادق لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - , لذا قال عنه - صلى الله عليه وسلم -: «لقد رأيت هذا عند أبويه بمكة يكرمانه وينعمانه، وما فتى من فتيان قريش مثله , ثم خرج من ذلك ابتغاءَ مرضاة الله ونصرة رسوله ....» (¬3). وكذلك لم يشغل بال مصعب بن عمير - رضي الله عنه - عندما أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل المدينة إلا نشر الإسلام بينهم وتعليمهم , فلم ينظر إلى شيء من زينة الدنيا , ولم يطلب من أحد شيئا , رغم ما كان فيه من فقر وضعف , وهذا كله يدل على إخلاصه وصدق نيته ونزاهة نفسه. ثانياً: تهيئة الجو المناسب: إن الحوار الناجح يتطلب تهيئته قبل البدء فيه بعدة أمور , تجعل منه حواراً هادفاً بنّاءً , يؤتي ثماره المرجوة منه , ومن ذلك: 1 - اختيار المكان المناسب , بأن يكون هادئاً خالياً من الملهيات والمشتتات , جيد الإضاءة والتهوية. ¬

_ (¬1) سورة البينة: آية (5). (¬2) بن حميد , صالح بن عبدالله: أدب الاختلاف , مؤسسة آسام , الرياض , ط3 , 1412هـ , ص35. (¬3) الحاكم: مصدر سابق , كتاب الإيمان , باب ذكر مصعب بن عمير العبدري - رضي الله عنه - ,3/ 728 , رقم 6640.

2 - اختيار الزمان المناسب , بألا يكون في أوقات العمل أو أوقات الراحة والاستجمام , بل يكون في الأوقات التي يكون الإنسان فيها غالباً خالٍ من الارتباطات ونحو ذلك. 3 - بدء الحوار بالتعارف بين الطرفين؛ لأن ذلك يضفي على جو الحوار نوعاً من الهدوء والسكينة , وكذلك استعمال بعض المقدمات اللطيفة (¬1). 4 - الجلوس في أثناء الحوار؛ لأن الوقوف يوحي إلى عدم الرضا بالحوار , ويعطي صاحبه شيئاً من الأنفة والتعالي , فيقوده ذلك إلى رفع الصوت واستعمال بعض الأقوال والأفعال التي تخل بالحوار وتعطل سيره , وأما الجلوس فيعطي النفس شيئاً من الارتياح والاستقرار النفسي. ولقد كان من أمر مصعب بن عمير , وأسعد بن زرارة رضي الله عنهما أن دخلا حائطاً من حوائط بني ظفر (¬2) , عند بئر مرق (¬3) , ومن هنا سيكون الحوار مهيئاً , لما يحويه المكان من خضرة جميلة , ومياه وفيرة , تجلب الهدوء والروائح الزكية. فعندما أخبر أسعد بن زرارة مصعب بن عمير رضي الله عنهما بقدوم أسيد بن الحضير - رضي الله عنه - قال: " إن يجلس أكلمه " (¬4) , فحرص مصعب بن عمير - رضي الله عنه - على ¬

_ (¬1) زمزمي , يحيى بن محمد: مصدر سابق, ص126. (¬2) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435. وحوائط بني ظفر في الحرة الشرقية المعروفة بحرّة واقم (أي شرق المدينة). السمهودي: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1419هـ , 3/ 62. (¬3) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 436. وبئر مرق قريبة من دار بني ظفر. السمهودي: مصدر سابق , 4/ 23. (¬4) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435.

ثالثا: الإنصاف والعدل

هذا الأدب النفسي؛ لذلك كرره مرةً ثانية عندما وصل أسيد بن الحضير - رضي الله عنه - فقال له " أو تجلس فتسمع " (¬1). ثالثاً: الإنصاف والعدل: يحث الدين الإسلامي على العدل والإنصاف؛ لما ينتج عن العدل من رضا وقناعة , فيصلح الحال ويستقيم , وتنعدم بذلك أمراض النفوس , من حقد وظغينة , وعداوة وبغضاء , ولو كان العدل على حساب نفسك , أو على حساب قريب أو عزيز , قال تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} (¬2) , أي " أن تعدلوا في القول إذا قلتم قولاً في شهادة أو حكم على أحدٍ، ولو كان المقول في حقِّه ذلك القول صاحب قرابة منكم، فالعدل واجب في الأقوال كما أنه واجب في الأفعال كالوزن والكيل ; لأنه هو الذي تصلح به شؤون الناس، فهو ركن العمران وأساس الملك وقُطْبُ رحى النظام للبشر في جميع أمورهم الاجتماعية، فلا يجوز لمؤمن أن يحابِيَ فيهِ أحداً لقرابته ولا لغير ذلك" (¬3). إن العدل والإنصاف يعطيان الحوار ثقة ومتانة بين المتحاورين , فمصعب بن عمير - رضي الله عنه - ضمن ذلك في حواره مع سعد بن معاذ - رضي الله عنه - عندما أقبل عليه فقال له: " أو تقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمراً ورغبت فيه قبلته , وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره , قال سعد: أنصفت " (¬4) , رغم أن مصعباً - رضي الله عنه - كان على الحق بمجيئه ¬

_ (¬1) المصدر السابق , 1/ 435. (¬2) سورة الأنعام: آية (152). (¬3) الحسيني , محمد رشيد: تفسير القرآن الحكيم , دار الكتب العلمية , بيروت , ط2 , 1426هـ , 8/ 169. (¬4) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435.

رابعا: الحلم والصبر

بالدين الإسلامي , ولكن أراد أن يبين مدى تمسكه بالعدل ليرضى سعد بن معاذ - رضي الله عنه - , مع حرصه الشديد على إقناعه بما جاء به. رابعاً: الحلم والصبر: إن المتحاور سيلقى أفكاراً وآراء تخالف ما يسمو إلى تحقيقه في ذلك الحوار , ولربما واجه شيئاً من التصرفات المشينة؛ لذلك يكون سلاحه في مثل هذا المقام الحلم والصبر , فالصبر ثمرة الحلم وموجبه، فعلى قدر حلم العبد يكون صبره (¬1) , ومن لوازم الصبر والحلم على المتحاور عدم رفع الصوت , وكظم الغيظ , ومقابلة الإساءة بالإحسان , فقد قال سبحانه وتعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} (¬2) , وقد حث - صلى الله عليه وسلم - على الصبر والحلم , وعدم إنفاذ رغبات النفس ووساوس الشيطان , فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (¬3). ولقد كان مصعب بن عمير - رضي الله عنه - حليماً صبوراً , فعندما أقبل عليه أسيد بن حضير - رضي الله عنه - وقف عليه متشتماً وزاجراً له , وهدده وأمره باعتزال المكان , وما كان من مصعب - رضي الله عنه - إلا أن تلطف معه وأشار إليه بالجلوس ليسمع منه (¬4) , فما زجره وما انتقم لنفسه ولم يقابله بالمثل , بل أحسن إليه بالكلام الليّن , والمعاملة ¬

_ (¬1) التويجري , محمد بن إبراهيم: موسوعة فقه القلوب , بيت الأفكار الدولية , الأردن , د. ط , 1428هـ , 2/ 1951. (¬2) سورة آل عمران: آية (134). (¬3) البخاري: مصدر سابق , كتاب الأدب , باب الحذر من الغضب , 8/ 28 , رقم 6114. (¬4) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435.

خامسا: العزة والثبات على الحق

الحسنة؛ لأنه يعرف أن المقابلة بالمثل سيكون معولاً هداماً لسير عملية الحوار , فيتوقف بذلك الحوار , ويعجز عن تحقيق الهدف المنشود. خامساً: العزة والثبات على الحق: لا بد للمؤمن أن يعتز بدين الله ويثبت على الحق في جميع المواطن , ولا يرخص نفسه ولا يذلها , يقول تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (¬2) , فعندما يكون المؤمن معتزاً بدينه ثابتاً على الحق , يعينه ذلك على نجاحه في حواراته بإذن الله , فهو يرسل إلى مقابله من خلال شخصيته الإسلامية وثقته بموعود الله رسائل عزة وقوة وثقة بما جاء به , فتجد سريعاً ما يذعن مُحاوره إلى كلامه ورأيه , وإن أنكر ظاهره. لذا يجد الباحث أن مصعب بن عمير - رضي الله عنه - أعز نفسه بهذا الدين , وثبت على الحق , فعندما علمت أمه بمقدمه أرسلت إليه وقالت: " يا عاق , أتقدم بلدا أنا فيه لا تبدأ بي؟ فقال: ما كنت لأبدأَ بأحدٍ قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم ذهب إلى أمه , فقالت: إنك لعلى ما أنت عليه من الصَّبْأَةِ بعدُ! قال: أنا على دين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الإسلام الذي رضي الله لنفسه ولرسوله .... وجعلت تبكي , فقال مصعب - رضي الله عنه -: يا أماه إني لكِ ناصحٌ عليك شفيقٌ , فاشهدي أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله " (¬3). فلم يتوانَ مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ولم يتردد بالبدء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - , لأنه يعلم أن حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم من حق أمه فثبت على ذلك , ثم اعتز وافتخر ¬

_ (¬1) سورة المنافقون: آية (8). (¬2) ابن سعد: مصدر سابق , 3/ 88.

سادسا: حسن الاستماع

بانتسابه إلى هذا الدين , وأخيراً لم تؤثر فيه عاطفته تجاه أمه عندما بكت , ولم يفكر في التراجع , بل ازداد إصرارا على الثبات والعزة , وأراد من أمه أن تُعِز نفسها وتعلو بذاتها بدخولها الإسلام ولكنها أبت , ولله الأمر من قبل ومن بعد. سادساً: حسن الاستماع: إن الفن الحقيقي في الحديث يكمن في حسن الاستماع , فسيجد المحاور قبولاً واحتراماً , وإنصاتاً من مُحاوره إن أوجد ذلك من قبل , ولا يكون حسن الاستماع في عدم مقاطعة الكلام فحسب , فالنظر إلى المتحاور بين الحين والآخر , وتعبيرات الوجه الدالة على الاحترام والتقدير وحسن الإنصات , وكذلك تلك الألفاظ التي تتخلل كلام المحاور والتي توحي إلى الفهم والمتابعة لما يقول, كلها تدل على حسن الاستماع , فهو فن ينبغي على كل محاور أن يتقنه. وقد ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - أروع الأمثلة في حسن الاستماع والإنصات , وما حواره مع عتبة بن ربيعة إلا أكبر برهان على خلقه وعظيم أدبه - صلى الله عليه وسلم - , فقد طلب عتبة من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن يسمع منه , فسمع منه - صلى الله عليه وسلم - بكل أدب احترام , مع أن عتبة قد تطاول على النبي - صلى الله عليه وسلم - .... (¬1). قال عطاء بن أبي رباح رحمه الله: " إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط وقد سمعته قبل أن يولد " (¬2). ¬

_ (¬1) الغزالي: فقه السيرة , دار الكتب الحديثة , القاهرة , ط6 , 1965م , ص113 , وحسن إسناده الألباني. (¬2) الحافظ الذهبي: مصدر سابق ,5/ 86.

سابعا: الجرأة والغضب لنصرة الحق

أما مصعب بن عمير - رضي الله عنه - فقد أنصت لكلام أسيد بن حضير - رضي الله عنه - وهو واقفٌ عليه ومتشتماً , بل ويبدو أنه رافعٌ لصوته , فما قابل ذلك مصعبٌ - رضي الله عنه - إلا بحسن استماع وإنصات , وعندما انتهى أسيدٌ - رضي الله عنه - من كلامه , قال له مصعب - رضي الله عنه -: "أو تجلس فتسمع " (¬1) , فكأن لسان حاله يقول: فكما أني سمعت كلامك بإنصات فاسمع مني بإنصات كذلك. ومن خبر أمه - رضي الله عنه - كان في حسن استماع لها , مع أنها كانت تظهر له الكيد والعداوة , بل وأرادت التحريض عليه من قبل قومها لتعذيبه (¬2) , ومع هذا ما زال في حواره معها بحسن إنصات واستماع؛ لعلها تقتنع بكلامه فتدخل الإسلام. سابعاً: الجرأة والغضب لنصرة الحق: كما أن المحاور لا بد له من الحلم والصبر وعدم الغضب لنفسه , فهو كذلك لا بد أن تكون عنده جرأة في الحق والغضب له , فعندما يتجاوز المحاور المقابل حدوده ويتطاول على الدين , كأن يعتدي " على أصل من أصول الدين , أو يطعن في شيء من معالمه , أو ينال من حملته من الأنبياء أو الصحابة أو العلماء السائرين على نهجهم ... فإنه يجدر بالمحاور عندئذ أن يتجرأ في نصرة الحق , ويغضب لانتهاك محارم الله " (¬3) , وهذا كله يُعد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , والذي أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - , فعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ¬

_ (¬1) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435. (¬2) ابن سعد: مصدر سابق , 3/ 88. (¬3) زمزمي , يحيى بن محمد: مصدر سابق , ص269.

المبحث الثالث: آداب أسلوب الحوار العلمية عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه -

«والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم» (¬1). لذا لم يكن من حال مصعب بن عمير - رضي الله عنه - إلا أن يتجرأ ويغضب لدين الله , فعندما جاء إلى مكة قالت له أمه: " ما شكَرْتَ ما رَثَيْتُكَ (¬2) , مرة بأرض الحبشة ومرة بيثرب , فقال: أفرُّ بديني إن تفتنوني. فأرادت حبسه, فقال: لئن أنتِ حبستَنِي لأحرصن على قتل من يتعرض لي " (¬3) , فقد غضب - رضي الله عنه - لدين الله حين أرادت أمه حبسه بتحريض قومها عليه , وتجرأ إلى حد القتل لمن أراد أن يتعرض له ويريد صده عن دين الله. المبحث الثالث: آداب أسلوب الحوار العلمية عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه -: إن الآداب العلمية ينبغي أن يتأدب بها كل مسلم في جميع جوانب الحياة , فهي مهمة للعالِم وطالب العلم وللمفكر والكاتب وكذلك المحاور , ومن تلك الآداب العلمية التي اتسمت في كيان مصعب بن عمير - رضي الله عنه - في حواراته ما يأتي (¬4): أولاً: العلم. ثانياً: التدرج والبدء بالأهم. ثالثاً: الدليل. ¬

_ (¬1) الترمذي: مصدر سابق , كتاب أبواب الفتن , باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , 4/ 38 , رقم 2169 , قال الترمذي: هذا حديث حسن. (¬2) من رَثَى لَهُ إذا رَقّ وتَوَجَّعَ. ابن منظور: مصدر سابق , 14/ 309. (¬3) ابن سعد: مصدر سابق , 3/ 88. (¬4) زمزمي , يحيى بن محمد: مصدر سابق , ص276.

أولا: العلم

رابعاً: الوضوح والبيان. خامساً: الرد على الشبه بما يناسبها. وإليك بيان لهذه الآداب العلمية كما يأتي: أولاً: العلم: يأتي العلم في مقدمة الآداب العلمية , وما ذاك إلا لأنه منطلق لبقية الآداب , ويشتمل على ثلاثة أشياء وهي: 1 - العلم الشرعي: ويُعد العلم الشرعي من أهم العلوم التي ينبغي على المحاور أن يحرص عليها , فهو معين له بعد توفيق الله في إقامة الحجة على الطرف الآخر والرد على آرائه وأفكاره التي تخالف الشريعة وخاصةً إن كان مسلماً , وفضل العلم الشرعي ومعرفة مدى منفعته وبركته على صاحبه يطول المقام في ذكرها (¬1). 2 - العلم بقضية الحوار: فيلزم المحاور معرفةً بالعلم الذي أراد أن يحاور فيه , فلا يُعقل أن محاوراً يقدم إلى ميدان الحوار وهو جاهل في مجال العلم الذي وضع الحوار من أجله. ¬

_ (¬1) ينظر: ابن عثيمين: كتاب العلم , دار الثريا , الرياض , ط1 , 1423هـ.

ثانيا: التدرج والبدء بالأهم

3 - العلم بالشخص المقابل ومكانته العلمية: ليتمكن المحاور من معرفة كيفية التعامل معه والاستعداد لذلك , فلا بد من " العلم بالطرف الآخر من حيث منزلته ومقدار علمه ومعرفة ظروفه وأحواله " (¬1). لذا نجد أن مصعب بن عمير - رضي الله عنه - كان يحمل معه علماً شرعياً في حواراته قد نهله من النبي - صلى الله عليه وسلم - , عندما كان يتردد عليه سراً في دار الأرقم بن أبي الأرقم - رضي الله عنه - (¬2) , فعندما أقبل أسيد بن حضير - رضي الله عنه - على مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , أخذ مصعب - رضي الله عنه - يعلمه الإسلام , ويقرأ عليه القرآن, ولأن مصعب بن عمير - رضي الله عنه - متمكنٌ من العلم الشرعي أسلم كل من أسيد بن حضير, وسعد بن معاذ رضي الله عنهما (¬3). وكذلك علم مصعب بن عمير - رضي الله عنه - بظروف وأحوال الطرف الآخر , عندما قال له أسعد بن زرارة - رضي الله عنه -: " جاءك والله سيّد من وراءه من قومه إن يتبعك لا يتخلّف عنك منهم اثنان " (¬4). ثانياً: التدرج والبدء بالأهم: التدرج مبدأ تربوي يعين على تحقيق الأهداف والغايات المنشودة , ويعطي النفس قبولاً للآراء والأفكار المطروحة , ومن التدرج أن يبدأ المحاور بالأصول ثم الفروع , فالكافر مثلاً يدعوه إلى التوحيد , فالأهم ثم المهم , وهذا من الحكمة , قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ ¬

_ (¬1) زمزمي , يحيى بن محمد: مصدر سابق , ص 278. (¬2) ابن سعد: مصدر سابق ,3/ 117. (¬3) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435. (¬4) المصدر السابق , 1/ 435.

بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} (¬1) ,يقول السعدي رحمه الله تعالى: " ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل والبداءة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم ... " (¬2). وقد حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على تطبيق التدرج في حياته كلها (¬3) , ومن ذلك عندما أرسل معاذ بن جبل - رضي الله عنه - إلى اليمن أمره بالتدرج في دعوتهم إلى الإسلام فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذاً - رضي الله عنه - إلى اليمن، فقال: «إنك تأتي قوماً أهل كتابٍ، فادعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعْلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلواتٍ في كل يوم وليلةٍ، فإن هم أطاعوك لذلك فأعْلِمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهِم، وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب» (¬4). قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: وفيه " البداءة بالأهم فالأهم" (¬5). وفي المدينة حرص مصعب بن عمير - رضي الله عنه - في حواره مع الانصار على أن يبدأ بالأهم , ويتدرج معهم في الدعوة إلى الله , فعندما كان مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة رضي الله عنهما جالسين جاءهما سعد بن معاذ - رضي الله عنه - فاستقبله مصعب بن ¬

_ (¬1) سورة النحل: آية (125). (¬2) السعدي: مصدر سابق , ص452. (¬3) ينظر: المطلق , إبراهيم بن عبد الله: التدرج في دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - , وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - مركز البحوث والدراسات الإسلامية , ط1 , 1417هـ. (¬4) أبو داود: مصدر سابق , كتاب الزكاة , باب في زكاة السائمة , 2/ 104 , رقم 1584 , صححه الألباني. (¬5) التميمي , محمد بن عبدالوهاب: كتاب التوحيد , مجموعة التحف النفائس الدولية , الرياض , ط1 , 1416هـ , ص34.

ثالثا: الدليل

عمير - رضي الله عنه - ثم "عرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن , قالا: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقه وتسهّله، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل فتطّهّر وتطهّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلّي ركعتين " (¬1) , ولعل مصعب بن عمير - رضي الله عنه - حين عرضه للإسلام بيّن محاسنه ورحمته وعدله , وكذلك حرص على قراءة القرآن فهو أهم ما يُبدأُ به عند الدعوة إلى الله عز وجل , ثم عندما أراد سعد بن معاذ - رضي الله عنه - الدخول في الإسلام لم يأمره بالصيام أو الزكاة , بل بدأ بما هو أهم , من خلال التدرج بالاغتسال , فالتطهر , فالشهادة , ثم الصلاة. وأيضاً في حواره مع أمه , حينما دعاها إلى الإسلام بدأ بدعوتها إلى النطق بالشهادتين فقال لها: " اشهدي أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله " (¬2) , فلم يبدأ بفروع الدين , بل حرص على الأصل والأهم. ثالثاً: الدليل: إن المحاور الناجح من ثبّت كلامه وعلمه وآراءه بالدليل والبرهان , " فإن الإقناع لا بد أن يكون بالحجة والبرهان لا بمجرد الكلام , والرد من غير دليل , بمنزلة هدم العلم بالشك المجرد , وسوق الحقائق المجردة أقل تأثيراً في النفوس من سوقها مدعمة بالشواهد المعتمدة , سواء من الكتاب أو السنة أو أقوال الأئمة والعلماء " (¬3) , والقرآن الكريم من أعظم ما يتسلح به المحاور , قال تعالى: ¬

_ (¬1) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435. (¬2) ابن سعد: مصدر سابق , 3/ 88. (¬3) زمزمي , يحيى بن محمد: مصدر سابق , ص 309.

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174)} (¬1) , قال ابن كثير رحمه الله: " وهو الدليل القاطع للعذر والحجة المزيلة للشبهة " (¬2) , فالعلم لا بد له من دليل , قال ابن القيم رحمه الله: " العلم ما قام بدليل " (¬3) , فإيراد الدليل في الحوار يكون أدعى للقبول والإجابة , ويعطي المحاور ثقةً بنفسه , ويشعر الخصم قوة وحقيقة ما جاء به ذلك المحاور. وكذلك العلوم الإنسانية والطبيعية لا بد للمحاور أن يسوق معها في حواره ما يدعّم كلامه من تجارب وبراهين. وأما حوار مصعب بن عمير - رضي الله عنه - فقد ساق في عرضه للإسلام والدعوة إليه دليلاً يدعم العلم والدين الذي أُرسل من أجله , ومن العجيب أنه - رضي الله عنه - لم يقرأ أي آية , بل اختار ما يناسب الحال , وهذا من ذكائه - رضي الله عنه - , فعندما جاءه سعد بن معاذ - رضي الله عنه - قرأ عليه قول الله تعالى: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)} (¬4) (¬5) , يقول السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآيات: " هذا قسم بالقرآن على القرآن، فأقسم بالكتاب المبين وأطلق، ولم يذكر المتعلق، ليدل على أنه مبين لكل ما يحتاج إليه العباد من أمور الدنيا والدين والآخرة. {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} هذا المقسم عليه، أنه جعل بأفصح ¬

_ (¬1) سورة النساء: آية (174). (¬2) ابن كثير: مصدر سابق , 2/ 428. (¬3) ابن القيم: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين , دار الكتاب العربي , بيروت , ط3 , 1416هـ , 2/ 442. (¬4) سورة الزخرف: آية (1 - 3). (¬5) الهيثمي: مصدر سابق , باب ابتداء أمر الأنصار ... , 6/ 41 , رقم 9876.

رابعا: الوضوح والبيان

اللغات وأوضحها وأبينها، وهذا من بيانه. وذكر الحكمة في ذلك فقال: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ألفاظه ومعانيه لتيسرها وقربها من الأذهان " (¬1). رابعاً: الوضوح والبيان: " إن قوة التعبير وفصاحة اللسان وحسن البيان وجودة العرض , من عوامل نجاح الحوار , ويكون له الأثر الأكبر في إيضاح الفكرة وقبول الطرف الآخر لها ,وربما ضاع الحق لسوء التعبير عنه, وظهر الباطل لفصاحة قائله وبلاغته " (¬2). ففصاحة اللسان مهمة للمحاور الجيد؛ ولكن قد يحيد عنها أحياناً إذا كان الطرف الثاني لا يفهم الفصحى فيحاول أن يحدثه بما يعقل , ويهتم كذلك المحاور ببيان ما يود عرضه بالاقتصاد في السياق وتفصيل الألفاظ على قدر المعاني والدقة في اختيار الأدلة والشواهد الصحيحة الصريحة الواضحة الدلالة والإسهاب والتفصيل في الإجابة عند الحاجة بقصد التوضيح أو زيادة في التأكيد والتثبيت (¬3). ولا شك أن مصعب بن عمير - رضي الله عنه - كان فصيح اللسان , وهذا من طبيعة العرب في ذلك الزمان , وفي بيانه - رضي الله عنه - كان دقيقاً في اختيار الدليل , فيتضح لنا من خلال الآية السابقة أن مصعب بن عمير - رضي الله عنه - قد اختار ذلك الدليل , لأنه يعرف مدى فصاحة العرب وبلاغتهم , ومدى اهتمامهم باللغة العربية من خلال رجز الشعر والنثر , فتفتخر به القبائل وتتباهى به؛ لذلك أتى بهذا الدليل بما يناسب أحوالهم؛ وليعطي ما جاء به قوةً ومتانةً. ¬

_ (¬1) السعدي: مصدر سابق , ص762. (¬2) زمزمي , يحيى بن محمد: مصدر سابق , ص 325. (¬3) المصدر السابق , ص325 - 326.

خامسا: الرد على الشبه بما يناسبها

وقد كان - رضي الله عنه - يقتصد في كلامه , ولا يطيل إلا للبيان والتوضيح كما فعل مع سعد بن معاذ - رضي الله عنه - عندما عرض عليه الإسلام (¬1) , كما أنه لا يجادل ولا يكثر من الحشو في الكلام , فقد قال لسعد - رضي الله عنه -: " أو تقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره " (¬2). خامساً: الرد على الشبه بما يناسبها: إن الاختلاف سبب لقدوم المتحاورين إلى ميدان الحوار , فقد يسبب ذلك الاختلاف بعض الإشكالات , ومن ذلك " يكثر في الحوار إيراد الشبه التي ربما كانت عائقاً أمام اقتناع الخصم وإذعانه , وغالباً ما يطرح الخصم المعاند مثل هذه الشبه للإعراض عن الحق أو للتلبيس على محاوره , أو لتضييع الوقت والهروب من الحوار والمناقشة , وربما كان الأمر مشتبهاً فعلاً على الخصم ويحتاج إلى كشف الشبهات وإزالة الإشكالات " (¬3) , لذا وجب الرد على الشبه وتقريعها وعدم التهاون في ذلك ,وقد رد الله سبحانه وتعالى على كثير من الشبه في القرآن الكريم , ومن ذلك قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)} (¬4) , قال الشيخ السعدي رحمه الله: " فأخبر تعالى أنه سيعترض السفهاء من الناس، وهم الذين لا يعرفون مصالح أنفسهم، بل يضيعونها ويبيعونها بأبخس ثمن، وهم اليهود والنصارى، ومن أشبههم من المعترضين على أحكام الله ¬

_ (¬1) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435. (¬2) المصدر السابق. (¬3) زمزمي , يحيى بن محمد: مصدر سابق , ص 351. (¬4) سورة البقرة: آية (142).

المبحث الرابع: آداب أسلوب الحوار اللفظية عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه -

وشرائعه ... ولكنه تعالى مع هذا لم يترك هذه الشبهة، حتى أزالها وكشفها مما سيعرض لبعض القلوب من الاعتراض، فقال تعالى: {قُلْ} لهم مجيبا: {لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي: فإذا كان المشرق والمغرب ملكا لله، ليس جهة من الجهات خارجة عن ملكه، ومع هذا يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ومنه هدايتكم إلى هذه القبلة " (¬1). ولقد كان مصعب بن عمير - رضي الله عنه - يواجه الشبه بكل قوة , ولم يتوانَ ولم يتردد في الرد عليها , ففي ذلك اليوم الذي رجع فيه إلى مكة ذهب إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - , ثم جاء إلى أمه فقالت له: " إنك لعلى ما أنت عليه من الصَّبْأَةِ بعدُ! قال: أنا على دين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الإسلام الذي رضي الله لنفسه ولرسوله " (¬2) , فأرادت أمه من هذه الشبهة أن تلبس على ابنها وتصده عن الدين الإسلامي , فرد مصعبٌ - رضي الله عنه - مباشرةً وبكل قوة وثبات , فلم يكتفِ ويقول: أنا على دين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحسب , بل قال: الإسلام , ثم زاد وقال: الذي رضي الله لنفسه ولرسوله , وهذا من أعظم ما يدل على جرأة رده وقوته على الشبه ودحض الباطل. المبحث الرابع: آداب أسلوب الحوار اللفظية عند مصعب بن عمير - رضي الله عنه -: إن الآداب اللفظية ينبغي أن تتوافر في المحاور؛ ليضمن سلامة الحوار وسيره باتزان , ويضفي عليه الهدوء والاطمئنان , فيقوده ذلك إلى تحقيق الأهداف بكل يسر وسهولة. ¬

_ (¬1) السعدي: مصدر سابق , ص70. (¬2) ابن سعد: مصدر سابق , 3/ 88.

أولا: الكلمة الطيبة والعبارة المناسبة

وقد توافرت آداب لفظية في حوارات مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , استطاع من خلالها أن يحقق ما يصبو إليه , وهي كما يأتي (¬1): أولاً: الكلمة الطيبة والعبارة المناسبة. ثانياً: حسن العتاب. ثالثاً: التذكير والوعظ. رابعاً: أدب السؤال. خامساً: الإعراض اللفظي. سادساً: التعريض والتلميح بدل التصريح. سابعاً: البعد عن التعميم (¬2). فهذه الآداب اللفظية لها شأنها ومكانتها في الحوار , فنبيّن كل واحدة منها على حدة , ونشاهد مصعب بن عمير - رضي الله عنه - أنموذجاً تطبيقياً, فهي كما يأتي: أولاً: الكلمة الطيبة والعبارة المناسبة: إن الدين الإسلامي يحثنا على الكلمة الطيّبة , في جميع شؤوننا , وفي سائر أوقاتنا؛ لما في ذلك من تآلف القلوب , وشيوع المحبة بين الناس , فتستوجب لصاحبها القبول , ويبادل بالتقدير والاحترام , بل وحرص الإسلام أن يكون ¬

_ (¬1) زمزمي , يحيى بن محمد: مصدر سابق , ص 427. (¬2) عاشور , سعد عبدالله: مصدر سابق, ص 101.

ذلك مع جميع الناس بعيدهم وقريبهم, يقول سبحانه: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} (¬1) , وجعل القول الأحسن مرتبة عليا للمسلمين , قال جل وعلا: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)} (¬2) في كلامهم وحواراتهم وخطاباتهم بين بعضهم إلى بعض , يقول الطبري رحمه الله في هذه الآية: " وقل يا محمد لعبادي يقل بعضهم لبعض التي هي أحسن من المحاورة والمخاطبة " (¬3) , وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «الكلمة الطيبة صدقة» (¬4) , فقد كان - صلى الله عليه وسلم - قدوةً حسنةً في القول الحسن, وكان - صلى الله عليه وسلم - بعيداً كل البعد عن الفحش من القول , فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: «إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً» (¬5) , لذلك يلزم المحاور التحلي بالكلمة الطيبة والقول الحسن حتى مع غير المسلمين , ويختار كذلك العبارة المناسبة , التي تليق بمقام الطرف الآخر , وبما يكون مناسباً للجو العام في الحوار. وإذا تتبع القارئ حوارات مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , يجد حرصه على الكلمة الطيبة , وانتقاء العبارات المناسبة , رغم الذي يلاقيه من فحش القول. فعندما كان في المدينة ومعه أسعد بن زرارة - رضي الله عنه - , جاءهما أسيد بن حضير - رضي الله عنه - " فوقف عليهما متشتّما، قال: ما جاء بكما إلينا تسفّهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت ¬

_ (¬1) سورة البقرة: آية (83). (¬2) سورة الإسراء: آية (53). (¬3) الطبري: تفسير الطبري , دار هجر , الجيزة , ط1 , 1422هـ , 14/ 623. (¬4) البخاري: مصدر سابق , كتاب الأدب, باب كل معروف صدقة, 8/ 11 , رقم 6022. (¬5) المصدر السابق , كتاب المناقب, باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - , 4/ 189, رقم 3559.

ثانيا: حسن العتاب

لكما بأنفسكما حاجة, فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع " (¬1) , فهذا أسيد بن حضير - رضي الله عنه - , وقف على مصعب بن عمير - رضي الله عنه - يشتمه ويهدده , فما قابل ذلك مصعبٌ - رضي الله عنه - إلا بكلمةٍ طيبةٍ وبأسلوبٍ حسنٍ , فطلب منه الجلوس ليسمع منه , وترفع عن الكلام الفاحش؛ لأنه يعلم أنه طريق لقطع الحوار. ومع أمه لم يسمع منها إلا ألفاظاً سيئةً وأفعالاً مشينة , ولكنه استمر على خلقه الراقي , وطيبة نفسه , فلاطف أمه واختار أفضل العبارات وأحسنها , فكان مما دار بينهما " إنك لعلى ما أنت عليه من الصَّبْأَةِ بعدُ! ... فأرادت حبسه, ... فقال مصعب - رضي الله عنه -: يا أماه إني لكِ ناصحٌ عليك شفيقٌ " (¬2) , فهذه الكلمة الطيبة والعبارات الرنانة لها وزنها ووقعها في القلب , ولا بد أن يجني مصعبٌ - رضي الله عنه - من ورائها ثمرة. ثانياً: حسن العتاب: فكما يحرص المحاور على الكلمة الطيبة فهو كذلك يستعمل العتاب أحياناً ولا يكثر منه؛ قال أبو حاتم - رضي الله عنه -: " ... وإن من سوء الأدب كثرة العتاب كما أن من أعظم الجفاء ترك العتاب , والإكثار في المعاتبة يقطع الود ويورث الصد " (¬3) , فإذا أصر الطرف الآخر على ارتكاب الخطأ , لزم عتابه بما يصلح خطأه. ¬

_ (¬1) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435. (¬2) ابن سعد: مصدر سابق , 3/ 88. البستي , محمد بن حبان: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء , (¬3) دار الكتب العلمية , بيروت , د. ط , د. ت , ص182.

ثالثا: التذكير والوعظ

ويفضل استعمال العتاب في الحوارات الفردية , كأن يكون بين الزوجين أو بين صديقين أو نحوهما , وإلا تحول العتاب إلى توبيخ؛ لأن " العتاب ما كان في خلوة، والتوبيخ لا يكون إلاّ في جماعة " (¬1) , وقال العلامة محمود الزمخشري: " فإن العتاب مُسافهةٌ متى كان مشافهةً " (¬2)؛ لذا يحرص المحاور ألاّ يستعمل هذا الأدب إلاّ في حوارٍ فردي , بعيد عن الأسماع والأنظار , ولا يكثر منه , ولا يجعله ديدنه في كل حوار , وإنما يكون وقت الحاجة. (¬3) لذا فقد استعمل مصعب بن عمير - رضي الله عنه - العتاب في حواره مع أمه , وإنما كان ذلك بأسلوبٍ لطيف , بعد تهديد أمه له بالسجن والتعذيب , ثم كان ذلك في حوارٍ فردي , إذ قال لها: " لئن أنتِ حبستَنِي لأحرصن على قتل من يتعرض لي , قالت: فاذهب لشأنك" (¬4) , فهي أرادت حبسه كخطأ تكرر منها سابقاً , ثم عاتبها بتلك الألفاظ , فاستطاع - رضي الله عنه - تعديل ذلك الخطأ , فقد تركته أمه ولم تتعرض له. ثالثاً: التذكير والوعظ: إن للقلوب أدوية فعّالة تحييها من أمراضها وتنقذها من ضلالها, ومن ذلك التذكير والوعظ , فقد يكابر الطرف الآخر بعناده , أو تأخذه العزة بالإثم , ¬

_ (¬1) الحارثي , محمد بن علي: قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد , دار الكتب العلمية , بيروت , ط2 , 1426هـ , 2/ 371. (¬2) الزمخشري , محمود بن عمرو: الكلم النوابغ , مطبعة وادي النيل , القاهرة , ط1 , 1286هـ , ص22. (¬3) ينظر: التميمي , علي محمد: العتاب بين الأصدقاء , الناشر: غير معروف (فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية - الرياض) , ط1 , 1432هـ. (¬4) ابن سعد: مصدر سابق , 3/ 88.

أو يجد المحاور ليونة في قلب خصمه وانكسارا , فيكون للتذكير والوعظ في مثل هذه الأحوال مجالاً , فيحرص المحاور على استعمالهما أحياناً ولا يكثر منهما, فعن ابن مسعود، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - «يتخولنا بالموعظة في الأيام، كراهة السآمة علينا» (¬1) , ويكون هدف المحاور في التذكير والوعظ؛ انتفاع الطرف الآخر أو إقامة الحجة عليه, يقول سبحانه: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9)} (¬2) , قال القرطبي رحمه الله: " فذكر أي فعظ قومك يا محمد بالقرآن. إن نفعت الذكرى أي الموعظة. وروى يونس عن الحسن قال: تذكرة للمؤمن، وحجة على الكافر , وقال الجرجاني: التذكير واجب وإن لم ينفع. والمعنى: فذكر إن نفعت الذكرى، أو لم تنفع " (¬3) , وقد يكون التذكير والوعظ في نفس موضوع الحوار كالدعوة إلى الله كما هو الحال في بعض حوارات مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , وقد يكون في غير موضوع الحوار. فقد كان مصعبٌ - رضي الله عنه - يهتم بالوعظ والتذكير , وينتهز الفرص السانحة , والتي يتوقع فيها أن للوعظ أو التذكير أثراً في محاوره , فعندما أرادت أمه صده عن الدين , استعملت معه شتى الوسائل , ولم تستطع إلى ذلك سبيلا , " فجعلت تبكي , فقال مصعب - رضي الله عنه -: يا أماه إني لكِ ناصحٌ عليك شفيقٌ , فاشهدي أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله , قالت: والثوَاقِبِ (¬4) لا أدخل في دينك فيُزرى ¬

_ (¬1) البخاري: مصدر سابق , كتاب العلم, باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا ,1/ 25 , رقم 68. (¬2) سورة الأعلى: آية (9). (¬3) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن , دار الكتب المصرية , القاهرة , ط3 , 1387 , 20/ 20. (¬4) الشهب المضيئة. الرازي: مختار الصحاح ,المكتبة العصرية , بيروت , ط5 , 1420هـ , ص49.

رابعا: أدب السؤال

برأيي , ويضعَّفَ عقلي " (¬2) , فبكاء أمه كان مسلكاً للوعظ والتذكير , فاغتنم ذلك مصعبٌ - رضي الله عنه - ووعظها بالدخول في الإسلام , وإن لم يصل إلى ما يريد , ولكنه أقام عليها الحجة , وسَلِم مما كانت تريده من سجنٍ وتعذيب. رابعاً: أدب السؤال: قد لا يخلو حوارٌ من تساؤلات , إذ إن الحوارات قائمة على اختلاف المتحاورين , وكل محاور يدور في خاطره عدة تساؤلات يريد طرحها على خصمه , لذا يلزم المحاور الناجح أن يتأدب في طرحها , وذلك في اختيار السؤال المناسب في الوقت المناسب , مع مراعاة اختيار الألفاظ الحسنة , ونبرة الصوت الهادئة , وتعبيرات الوجه الطلقة , وقد ذُكر السؤال في القرآن الكريم في مواضع كثيرة , تبين مكانته وأهميته وآدابه (¬3) , والسؤال الحسن والتأدب بآدابه , طريق لنجاح المحاور , فضلاً عن اكتساب العلم ,قال ابن قيم الجوزية: " وللعلم ست مراتب اولها حسن السؤال " (¬4) , و " قال الحسن: حسن السؤال نصف العلم " (¬5). وفي حوار مصعب بن عمير - رضي الله عنه - تأدب في سؤاله مع أسيد بن حضير - رضي الله عنه - , رغم الذي لاقاه من شتم وتهديد , فاختار له من ألطف الأسئلة إذ قال له: " أوَ ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات الكبرى , 3/ 88. (¬2) ينظر: ضليمي ,أحمد بن عبدالفتاح: السؤال في القرآن الكريم وأثره في التربية والتعليم , الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ,الطبعة: السنة الثالثة والثلاثون , العدد 111 , 1421هـ/2001م. (¬3) ابن القيم: مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة , دار عالم الفوائد , مكة المكرمة , ط1 , 1432هـ , 1/ 482. (¬4) الدينوري , عبدالله بن مسلم: عيون الأخبار ,دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1418هـ,3/ 28.

خامسا: الإعراض اللفظي

تجلسُ فتسمعُ؟ " (¬1) , فكان أدباً لطيفاً يطلب منه الجلوس ليسمعه ما يريد , واستعمل معه أسلوب الاستفهام التقريري (¬2) , ولم يستعمل معه بعض الأسئلة القوية والتي قد يتضجر منها المحاور. خامساً: الإعراض اللفظي: إن الإعراض قد يكون بالجسد أو بالعين أو بالوجه أو باللفظ , ويستعمل المحاور هذا الأدب , حين لا يجدي الحوار , ولا يغني العتاب , ويكون ذلك عند كثرة أخطاء الخصم وإصراره , أو ارتكابه خطأً فادحاً قد يتضرر به المحاور , أو غير ذلك , ولا يكون استعماله إلا إذا اضطر إليه المحاور , ولا يكثر منه؛ لأن نتائجه أحياناً تكون غير جيدة , وقد أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالإعراض عن المستهزئين والذين يخوضون في آيات الله , قال سبحانه: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)} (¬3) , قال السعدي رحمه الله: " المراد بالخوض في آيات الله: التكلم بما يخالف الحق، من تحسين المقالات الباطلة، والدعوة إليها، ومدح أهلها، والإعراض عن الحق، والقدح فيه وفي أهله، فأمر الله رسوله أصلا وأمته تبعا، إذا رأوا من يخوض بآيات الله بشيء مما ذكر، بالإعراض عنهم، وعدم حضور مجالس الخائضين بالباطل، والاستمرار على ذلك، حتى يكون البحث والخوض في كلام غيره، فإذا كان في كلام غيره، زال النهي المذكور. فإن كان مصلحة كان مأمورا به، وإن كان غير ذلك، ¬

_ (¬1) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435. (¬2) الأزدي , محمد بن يزيد: المقتضب ,إحياء التراث الإسلامي , القاهرة , ط2 , 1415هـ , 3/ 308. (¬3) سورة الأنعام: آية (68).

كان غير مفيد ولا مأمور به، وفي ذم الخوض بالباطل، حث على البحث، والنظر، والمناظرة بالحق " (¬1). وفي حوارات النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعاملاته مع الناس يستعمل - صلى الله عليه وسلم - الإعراض أحياناً , فعندما تخلّف كعب بن مالك - رضي الله عنه - عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعرض عنه , يقول كعب - رضي الله عنه -: " ... فأعرض عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر الناس أن لا يكلمونا ... " (¬2) , فما أعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا لخطأ فادح قد ارتُكب. لذا أعرض مصعب بن عمير - رضي الله عنه - عن أخيه أبي عزيز , وذلك مقابل تأييده ووقوفه مع أمه ضد مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , فعندما وقعت غزوة بدر وانتصر المسلمون وكان من بين الأسرى " أبو عزيز بن عمير، أسره أبو اليسر ثم اُقْتُرِعَ عليه فصار لمُحرِزِ بن نضلة، وأبو عزيز أخوه مصعب بن عمير لأمه وأبيه. فقال مصعب لمُحْرِزٍ: اُشدُدْ يديك به، فإن له أُمّا بمكة كثيرة المال. فقال له أبو عزيز: هذه وصاتُك بي يا أخي؟ فقال مصعب: إنه أخي دونك! فبَعَثَتْ أُمّهُ فيه بأربعةِ آلافٍ، وذلك بعد أن سألت أغلى ما تُفَادِي به قريش، فقيل لها أربعةُ آلافٍ" (¬3) , فكان أبو عزيز يكلم أخاه مصعباً - رضي الله عنه - فلا يجيبه , فيعرض عنه مصعب بن عمير - رضي الله عنه - لفظاً ويجعل كلامه إلى محرزٍ - رضي الله عنه - , وما ذاك إلا من شنيع ما قابله مصعبٌ - رضي الله عنه - من سجنٍ وتعذيب , ولما يعرف من عداوة أخيه؛ لذا فدت به أمه بأربعة آلاف , ثم إن أبا عزيز خرج مع أمه مرة أخرى لقتال المسلمين في غزوة أحد (¬4). ¬

_ (¬1) السعدي: مصدر سابق , ص260. (¬2) ابن حنبل: مصدر سابق , (25/ 51) , رقم 15771. حديث صحيح. (¬3) الواقدي: مصدر سابق, 1/ 144. (¬4) ابن هشام: مصدر سابق , 2/ 60.

سادسا: التعريض والتلميح بدل التصريح

سادساً: التعريض والتلميح بدل التصريح: إن الحوار الناجح يقوم على الوضوح والصراحة بين المتحاورين , وذلك في طرح الآراء والأفكار؛ لما للوضوح من إعانة على فهم أبعاد الحوار , والوصول في الغالب إلى نتيجة مرضية , ولكن يحتاج المحاور في بعض آرائه أحياناً إلى التلميح في حواره دون التصريح؛ لأن بعض الآراء يجلب التصريح فيها أضراراً تعيق سير الحوار , فالمحاور الذكي لا بد أن يكون فطناً لتلك الآراء التي تحتاج إلى تلميح وتعريض , والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصرح في كلامه غالباً ويعرض أحياناً , ففي غزوة بدر أخذ يعرض بكلامه - صلى الله عليه وسلم - يريد به أناساً , فكلما تكلم أحد أعرض عنه ليُفهم منه أنه لا يريده , حتى نطق الذي يعنيه - صلى الله عليه وسلم - , فعن أنس - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاوَرَ حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر - رضي الله عنه -، فأعرض عنه، ثم تكلم عمر - رضي الله عنه -، فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة - رضي الله عنه -، فقال: إيَّانا تريد يا رسول الله؟ والذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها (¬1)، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد (¬2) لفعلنا، قال: فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدراً ... " (¬3) , فقد أثّر تعريض النبي - صلى الله عليه وسلم - , وكان لوقع هذا التعريض في قلب سعد بن عبادة - رضي الله عنه - كبيراً. ¬

_ (¬1) الْخَوْضُ: الْمَشْيُ فِي المَاء. الهروي , محمد بن أحمد: تهذيب اللغة , دار إحياء التراث العربي , بيروت , ط1 , 2001م , 7/ 196. (¬2) برك الغماد: مَوضِع فِي أقاصي هجر. السبتي , عياض موسى: مصدر سابق , 1/ 178. (¬3) مسلم: صحيح مسلم , دار الفكر , بيروت , ط1 , 1424هـ , كتاب الجهاد والسير , باب غزوة بدر , ص900 , رقم (1779).

سابعا: البعد عن التعميم

ولقد كان مصعب بن عمير - رضي الله عنه - فطناً ذكياً , ففي حواره مع أمه رأى أنه لا بد من التلميح في كلامه؛ نظراً لما يقضيه ذلك الحال , فقد جاء إليها وتطاولت عليه وأرادت صده عن الدين فأبى , " فأرادت حبسه, فقال: لئن أنتِ حبستَنِي لأحرصن على قتل من يتعرض لي , قالت: فاذهب لشأنك , وجعلت تبكي " (¬1) , فقد صرح مصعب بن عمير - رضي الله عنه - بقتل من يتعرض له , وفي الوقت نفسه في ذلك تلميحٌ لأمه , بأن قد يلحقها أذى؛ لأنه يصعب التصريح بأذية الأم , وإن كانت كافرة. سابعاً: البعد عن التعميم: " إن التعصب الأعمى , والغلو البعيد عن الإنصاف , يدفعان بعض الناس إلى إصدار الأحكام العامة المطلقة على الخصم دون تمييز بين حالة وحالة أو شخص وآخر " (¬2) , فإن آفة بعض المتحاورين أن يعمم الخطأ على مذهب بعينه , أو قبيلة بعينها؛ بسبب خطأ من يحاوره , فيجب أن يكون المحاور منصفاً؛ لأن التعميم لا يصلح أن يكون معياراً عاماً لكل الناس (¬3). لذلك كان مصعب بن عمير - رضي الله عنه - في حواره مع أمه , ورغم محاولاته الجادة في إسلامها إلا أنها أبت , بل أرادت حبسه والتضييق عليه , فقال - رضي الله عنه -: ¬

_ (¬1) ابن سعد: مصدر سابق , 3/ 88. (¬2) عاشور , سعد عبدالله: مصدر سابق, ص 101. (¬3) يالجن , مقداد: علم الأخلاق الإسلامية , دار عالم الكتب , الرياض ,ط2 , 1424هـ , ص 296.

" لئن أنتِ حبستِنِي لأحرصن على قتل من يتعرض لي " (¬1) , فلم يعمم - رضي الله عنه - على قومه كلهم , بل حدد في ذلك من يتعرض له , إذ إن من الإنصاف أن تكون العقوبة والجزاء على المخطئ , كما أن للمحسن الإحسان , ومن التعدي والظلم تعميم الخطأ , وإنزاله على أناس لم يكن لهم في ذلك مشاركة ولا تأييد , فلعل أمه اقتنعت بحسن أدب ابنها وإنصافه في حواره؛ لذلك قالت له: " فاذهب لشأنك " (¬2) , وفي ذلك يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - «إن أعظم الناس فرية لرجل هاجى رجلاً فهجا القبيلة بأسرها» (¬3) , فهذا من تمام العدل الذي أمر الله به , وحث عليه , إذ كيف يخطئ فرد من الأفراد فيؤاخذ بخطئه مجتمع كامل. ¬

_ (¬1) ابن سعد: مصدر سابق , 3/ 88. (¬2) المصدر السابق , 3/ 88. (¬3) ابن ماجه: سنن ابن ماجه , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1419هـ , كتاب الآداب , باب ما كره من الشعِر , 2/ 1237 , رقم 3761. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة , مكتبة المعارف , الرياض , ط1 , 1415هـ , 2/ 390 , رقم 763.

الفصل الرابع: الآثار التربوية لأسلوب الحوار من خلال سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه -.

الفصل الرابع: الآثار التربوية لأسلوب الحوار من خلال سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه -

الفصل الرابع: الآثار التربوية لأسلوب الحوار من خلال سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه -: إن لكل عملية ونشاط أثراً ونتيجة , إذ إن الجهود التي يقوم بها الإنسان لا بد لها من آثار تكون نتيجة لتلك الأعمال والجهود التي قام بها , وبحسب الجهد يكون الأثر , وفي القرآن الكريم جاء ذكر المطر وآثاره بعد نزوله , حين ذكر الله سبحانه وتعالى المطر , وما يعقبه من خيرات ونعم , وأنه يحيي الأرض بعد موتها , قال تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)} (¬1) , يقول الشيخ أبو بكر الجزائري: " أي فانظر يا رسولنا إلى آثار رحمة الله أي إلى آثار المطر كيف ترى الأرض قد اخضرت بعد يبس وحييت بعد موت. فإذا رأيت ذلك علمت أن الذي أحيا الأرض بعد موتها قادر على أن يحيي الموتى من قبورهم وذلك يوم القيامة " (¬2). والآثار في اللغة: من الْأَثَرُ وهي بَقِيَّةُ مَا يُرَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (¬3). والمقصود بالآثار التربوية: هي نتائج الجهود التربوية , التي تظهر بعد ممارسة المربي لأي عمل تربوي. ¬

_ (¬1) سورة الروم: آية (50). (¬2) الجزائري , جابر بن موسى أبو بكر: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير , مكتبة العلوم والحكم , المدينة المنورة , ط5 , 1424هـ , 4/ 189. (¬3) القزويني , أحمد بن فارس: مصدر سابق , 1/ 56.

والآثار تأتي بحسب العمل الذي قام به الشخص , فإن كانت الأعمال صالحة كانت الآثار كذلك , وإن كانت الأعمال سيئة كانت الآثار سيئة كذلك. وإذا كان العمل الصالح , وما يقوم به التربويون من جهود تربوية , تخرج آثارهم التربوية متفاوتة , وذلك بحسب إتقان المربي للعمل التربوي , وتوفيق الله فوق ذلك كله. ومما لا شك فيه , أن من أكبر الأخطاء استعجال بعض المربين لثمرة جهودهم التربوية , فالصبر والتريث أمران مطلوبان , فقد تكون الآثار قريبة وقد تكون بعيدة , وقد لا تكون؛ لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى , فقد يدخر سبحانه ذلك عنده , قال تعالى: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)} (¬1). فالواجب على المسلم المربي أن يخلص عمله لله سبحانه وتعالى , ولا ينتظر من أحدٍ شيئا , ثم يمارس جهوده التربوية متوكلاً على الله , واثقاً بموعوده , ولا ييأس إن لم يرَ أثراً لجهده؛ لأن الذي عليه التبليغ وإقامة الحجة , والتوفيق بيد الله , كما قال سبحانه لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} (¬2). أما في حياة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , فقد ظهرت آثار تربويةٌ كانت نتيجةً لتلك الجهود التي قام بها , وذلك من خلال حواراته المختلفة والتي كانت ناجحة ¬

_ (¬1) سورة الكهف: آية (30). (¬2) سورة الشورى: آية (48).

أولا: ظهور العلم

ومثمرة , وما ذاك إلا لالتزامه بضوابط الحوار وإتقانه لآدابه المختلفة , فهي كما يأتي (¬1): أولاً: ظهور العلم. ثانياً: تمييز الحق من الباطل. ثالثاً: كف عدوان المبطلين والمعاندين. رابعاً: توحيد الصفوف وجمع الكلمة. خامساً: الثواب والأجر من الله سبحانه. فهذه من الآثار التي يجنيها المحاور الناجح , وقد ظفر بها مصعب بن عمير - رضي الله عنه - في حياته , وهي كما يأتي: أولاً: ظهور العلم: إن العلم هو الذي ترقى به الأمة الإسلامية , ويرفع عنها الجهل , وينير لها الطريق الموصل إلى سعادة الدارين , وقد أمر الله بإظهار العلم ونشره , قال سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)} (¬2) , قال العلامة السعدي رحمه الله: " الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد، وهذا الميثاق أخذه الله ¬

_ (¬1) ينظر: الموصلي , فتحي بن عبدالله: فقه الحوار مع المخالف في السنة النبوية , الدار الأثرية , عمّان , ط1 , 1428 هـ , ص204 - 208. (¬2) سورة آل عمران: آية (187).

تعالى على كل من أعطاه [الله] الكتب وعلمه العلم، أن يبين للناس ما يحتاجون إليه مما علمه الله، ولا يكتمهم ذلك، ويبخل عليهم به، خصوصا إذا سألوه، أو وقع ما يوجب ذلك، فإن كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال أن يبينه، ويوضح الحق من الباطل. فأما الموفقون، فقاموا بهذا أتم القيام، وعلموا الناس مما علمهم الله، ابتغاء مرضاة ربهم، وشفقة على الخلق، وخوفا من إثم الكتمان. وأما الذين أوتوا الكتاب، من اليهود والنصارى ومن شابههم، فنبذوا هذه العهود والمواثيق وراء ظهورهم، فلم يعبأوا بها، فكتموا الحق، وأظهروا الباطل، تجرؤاً على محارم الله، وتهاونا بحقوق الله، وحقوق الخلق ... " (¬1). وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإظهار العلم والتحذير من كتمانه , فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: «من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار» (¬2)؛ لأن في كتم العلم ضرر على المسلمين من انتشار الجهل والأمية. والحوار المنهجي يساعد على ظهور العلم ونشره بين الناس؛ لأن الهدف الأسمى هو الحق والوصول إليه , فيسعى الجميع بعد ذلك إلى تعلم ذلك الحق وتعليمه , فينتشر بذلك العلم ويظهر. وفي حوارات مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ظهر العلم في المدينة حتى دخل أكثر دُورها , فعندما نجح في حواره مع أسيد بن حضير وسعد بن معاذ - رضي الله عنهم - وأسلما, بدأوا في إظهار هذا الدين ونشره في المدينة وتعليم الناس أمور دينهم , " قال ابن ¬

_ (¬1) السعدي: مصدر سابق , ص160. (¬2) ابن حبان: صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان , مؤسسة الرسالة , بيروت , ط2 , 1414هـ , كتاب العلم , باب الزجر عن كِتْبَةِ المرء السنن مخافة أن يتَّكِل عليها دون الحفظ لها , 1/ 298 , رقم 96 , قال الألباني: حسن صحيح. الألباني: التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان وتمييز سقيمه من صحيحه وشاذه من محفوظه , دار با وزير، جدة , ط1، 1424 هـ , كتاب العلم ,1/ 207 , رقم 96.

ثانيا: تمييز الحق من الباطل

إسحاق: ورجع سعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة، فأقاما عنده يدعوان الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون ومسلمات ... " (¬1) , فهذا أثرٌ عظيم في ظهور العلم , بل وتجد في ذلك سرعةً وإقبالاً من الناس في حين ظهور الحق , فعندما رجع مصعب بن عمير - رضي الله عنه - إلى مكة ذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بأمر الأنصار وسرعتهم في دخول الإسلام فسُرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكل ما أخبره (¬2). ثانياً: تمييز الحق من الباطل: إن الحق والباطل لا يجتمعان , والصراع بينهما قائم ومستمر , والواجب على المسلم إحقاق الحق وإبطال الباطل , قال تعالى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)} (¬3) , " (لِيُحِقَّ الْحَقَّ) أي يظهر دين الإسلام ويعزه. (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) أي الكفر. وإبطاله إعدامه، كما أن إحقاق الحق إظهاره " (¬4). والحوار الناجح قائم على هدف واضح , وهو الوصول إلى الحق , قال ابن القيم رحمه الله: " فالمحاجة والمجادلة إنما فائدتها طلب الرجوع والانتقال من الباطل إلى الحق ومن الجهل إلى العلم، ومن العمى إلى الإبصار " (¬5) , فبإمكان المحاور المسلم أن يطرح آراءه بما لا يخالف الشرع وأن يجعل الحق نصب عينيه, ¬

_ (¬1) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435. (¬2) ابن سعد: مصدر سابق , 3/ 88. (¬3) سورة الأنفال: آية (8). (¬4) القرطبي: مصدر سابق , 7/ 370. (¬5) ابن القيم: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان , دار الكتب العلمية , بيروت , ط3 , 1425هـ , 2/ 206.

فقد أعطى الله الحرية في ابداء الرأي على شرط ألا يتنافى ذلك الرأي مع تعاليم الإسلام، فأمر المسلم أن يقول كلمة الحق أمام كل أحد لا تأخذه في الله لومة لائم، وجعل ذلك من أفضل الجهاد، وأمره أن يناصح ولاة أمور المسلمين، وينهاهم عن المخالفات، وأمره أن يرد على من يدعو إلى الباطل وينهاه، وهذا أعظم وأجمل نظام لاحترام الرأي، أما الرأي المخالف لشريعة الله فلا يسمح لصاحبه بإظهاره؛ لأنه هدم وفساد ومحاربة للحق (¬1) , فبذلك يستطيع المحاور المسلم أن يميز بين الحق والباطل , ويستطيع الطرف الآخر كذلك أن يميز. ولا يقتصر هذا الأثر على الدين فحسب , ففي العلوم الدنيوية لا بد فيها من تمييز الصواب من الخطأ , وذلك بحسب الأدلة والبراهين التي تقوي جانب الصواب وتظهره. أما مصعب بن عمير - رضي الله عنه - فقد ميّز بنفسه الحق من الباطل , فترك دين آبائه ودخل الدين الإسلامي معلناً إسلامه , ثم في حواراته المنهجية استطاع أن يبيِّن للطرف الآخر الحق , وأن يجعله يميز الحق من الباطل الذي كان عليه , فعندما جاءه أسيد بن حضير - رضي الله عنه - أخذ يكلمه عن الإسلام , ويعلمه شيئاً من تعاليمه السمحة , وقرأ عليه من القرآن , فعرف بذلك أسيد بن حضير - رضي الله عنه - الحق , فأشرق وجهه وتهلل ودخل الإسلام , وكذا فعل مصعب بن عمير - رضي الله عنه - مع سعد بن معاذ - رضي الله عنه - فأسلم (¬2) , فكان لمعرفتهم الحق أثرٌ كبيرٌ في دحض الباطل وأهله. ¬

_ (¬1) آل عمر , عبد الرحمن بن حماد: دين الحق ,وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد , المملكة العربية السعودية , ط6 , 1420هـ , ص95. (¬2) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435.

ثالثا: كف عدوان المبطلين والمعاندين

ثالثاً: كف عدوان المبطلين والمعاندين: إن الأعداء يتربصون بنا , ويخططون لهدم قواعد الإسلام , فلا بد من كف خطرهم والتصدي لهم؛ لذا حذرنا الله سبحانه وتعالى من عدوان المنافقين , فقال سبحانه: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)} (¬1) , أي "هم العدوّ يا محمد فاحذرهم، فإن ألسنتهم إذا لَقُوكم معكم وقلوبهم عليكم مع أعدائكم، فهم عين لأعدائكم عليكم " (¬2) , فلا بد من الحذر من الأعداء وكف أذاهم. لذا كانت هناك طرق يستعملها المسلم في كف أيدي الأعداء وأذاهم , فكان الحوار الفعال الذي ينطلق من مصدريه القرآن الكريم والسنة النبوية من الطرق والأساليب التي تعين على ذلك , فعندما يرى الطرف الآخر مدى قوة مُحاوِرِه وتمكنه من متطلبات الحوار اللازمة , ومدى تمسكه بدينه وثقته بنفسه , يذعن ويكف أذاه , فيسلم بذلك المسلم من عداوة المبطلين والمعاندين. وفي حياة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وعندما أسلم لاقى ألواناً من التعذيب من أمه وقومه (¬3) , حتى هاجر إلى الحبشة (¬4). فعندما جاء من المدينة إلى مكة أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما جرى مع الأنصار (¬5) , ثم ذهب إلى أمه فدار بينهما حوارٌ استطاع فيه - رضي الله عنه - أن يكف عدوان أمه وقومه , فكان مما دار بينهما أن قالت له أمه: " إنك لعلى ما أنت عليه من الصَّبْأَةِ بعدُ! قال: أنا على دين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ¬

_ (¬1) سورة المنافقون: آية (4). (¬2) الطبري: تفسير الطبري , مصدر سابق, 23/ 395. (¬3) السهيلي , عبد الرحمن بن عبد الله: مصدر سابق , 4/ 52. (¬4) ابن اسحاق: مصدر سابق , ص 174. (¬5) ابن سعد: مصدر سابق , 3/ 88.

رابعا: توحيد الصفوف وجمع الكلمة

الإسلام الذي رضي الله لنفسه ولرسوله. قالت: ما شكَرْتَ ما رَثَيْتُكَ (¬1) , مرة بأرض الحبشة ومرة بيثرب , فقال: أفرُّ بديني إن تفتنوني. فأرادت حبسه, فقال: لئن أنتِ حبستَنِي لأحرصن على قتل من يتعرض لي , قالت: فاذهب لشأنك , وجعلت تبكي " (¬2) , فكانت الثقة والجرأة والأسلوب الحكيم سلاحاً استعمله مصعب بن عمير - رضي الله عنه - لكف الشر والخطر الذي كاد أن ينزل به. رابعاً: توحيد الصفوف وجمع الكلمة: لقد حثت الشريعة الإسلامية على اجتماع الكلمة , وتوحيد صفوف المسلمين , وحذرت من الفرقة وما يوصل إليها من الحسد والحقد والبغضاء ... ؛ وما ذاك إلا لخطر الفرقة , وما ينتج عنها من تناحر بين المسلمين , فتضعف قواهم وتتفشى المشاكل بينهم , مما يتيح للأعداء فرصة في الانقضاض على الأمصار الإسلامية واحدة تلو الأخرى كغنيمة باردة؛ لذلك جاء القرآن الكريم بالحث على الترابط واجتماع الكلمة , قال سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)} (¬3) , قال العلامة السعدي رحمه الله: " أمرهم تعالى بما يعينهم على التقوى وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله، وكون دعوى المؤمنين واحدة مؤتلفين ¬

_ (¬1) من رَثَى لَهُ إذا رَقّ وتَوَجَّعَ. ابن منظور: مصدر سابق , 14/ 309. (¬2) ابن سعد: مصدر سابق , 3/ 88. (¬3) سورة آل عمران: آية (103).

غير مختلفين، فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، من التعاون على البر والتقوى، كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدى إلى الضرر العام " (¬1). وقد حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على اجتماع كلمة المسلمين وحثهم على ذلك , فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم: أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ...» (¬2) , وحذر - صلى الله عليه وسلم - من الخروج على ولاة الأمور وإن رأى ما يكره , فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من رأى من أميره شيئاً فكرهه فليصبر، فإنه ليس أحدٌ يفارق الجماعة شبراً فيموت، إلا مات ميتةً جاهليةً» (¬3) , فهذا كله من حرص الشريعة على الاجتماع ووحدة الصف؛ لتقوى بذلك شوكة المسلمين , ويصلح به حالهم. ومما يعين على ذلك , الحوار المنهجي الذي يجعل من المبادئ الإسلامية منهجيته , وآدابه مسلكاً له إلى تحقيق الهدف؛ لذلك أثمرت حوارات مصعب بن عمير - رضي الله عنه - مع الأنصار , فقد توحدت صفوفهم واجتمعت كلمتهم , بعد أن كانت الحروب والصراعات قائمة بين الأوس والخزرج , فقد دخلوا الإسلام وأصبحوا ¬

_ (¬1) السعدي: مصدر سابق , ص141. (¬2) مسلم: مصدر سابق , كتاب الأقضية , باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة ... , ص864 , رقم (1715). (¬3) البخاري: مصدر سابق , كتاب الأحكام, باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية , 9/ 62 , رقم (7143).

خامسا: الثواب والأجر من الله سبحانه

إخوةً مجتمعين (¬1) , وكان مصعب بن عمير - رضي الله عنه - يصلي بهم , وكان يسمى المقرئ بالمدينة (¬2) , وبذلك أصبح الأنصار من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وكانوا منطلقاً لغزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - , فشع نور الإسلام من المدينة حتى بلغ أقاصي الأرض , كل ذلك كان توفيقاً من الله وحده , ثم جهود مصعب بن عمير - رضي الله عنه - في توحيد صفوفهم واجتماع كلمتهم من خلال حواراته البناءة والهادفة. خامساً: الثواب والأجر من الله سبحانه: يسير المسلم في حياته بين الرجاء والخوف , فيرجو من الله الثواب والجنة ويخافه من عذابه والنار , ولكن ثمة أمور يتحتم على المسلم معرفتها لينال الثواب والأجر من الله سبحانه , فقبول العمل يحتاج إلى أمرين: الإخلاص لله سبحانه , والمتابعة لنبيه - صلى الله عليه وسلم - , قال ابن عثيمين رحمه الله: " وللعبادة شرطان: أحدهما: الإخلاص لله عز وجل بألا يريد بها سوى وجه الله والوصول إلى دار كرامته، وهذا من تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله. الثاني: المتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بألا يتعبد لله تعالى بغير ما شرعه، وهذا من تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله" (¬3) , وقد قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)} (¬4) , قال الفضيل بن عياض رحمه الله في هذه الآية: " أخلصه وأصوبه. قيل له: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إنَّ العمل إذا كان خالصاً ولم ¬

_ (¬1) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435. (¬2) المصدر السابق , 1/ 434. (¬3) ابن عثيمين: تقريب التدمرية ,دار ابن الجوزي , الدمام , ط1 , 1419هـ , ص113. (¬4) سورة الملك: آية (2).

يكن صواباً لم يقبل؛ وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً والخالص: أن يكون لله. والصواب: أن يكون على السنة." (¬1). فالثواب والأجر لا يحصل إلا بالإخلاص والمتابعة , قال العلامة ابن باز رحمه الله: " أن الإخلاص لله في العبادة واتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيها، أصلان أساسيان في صحتها وقبولها، واستحقاق الثواب عليها " (¬2) , فهذا ما يجب على كل مسلم معرفته , والحرص على تضمينه في حياته كلها؛ لعله ينال من الله الأجر والمثوبة. ومن أعظم الأعمال التي ينال بها المسلم الثواب , الدعوة إلى الله؛ لأن من دل على خير كان له أجر من عمل به , قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الدال على الخير كفاعله» (¬3) , ومن الدعوة إلى الله أن يستعمل الداعية أسلوب الحوار؛ لأنه من أقوى الأساليب في استمرار الناس على الخير , فإذا اقتنع الطرف الآخر بما تدعو إليه , كان تمسكه به متين , بل وسيدعو إلى الحق الذي أتيت به , وهذا ما حصل مع مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , فقد أسلم على يده خلق كثير من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ففي حواره مع الأنصار أسلم أسيد بن حضير , وسعد بن معاذ - رضي الله عنهم - , وبإسلامهما أخذوا جميعاً يدعون إلى الله وينشرون الإسلام في المدينة حتى لا يكاد يخلو دار من مسلم (¬4). ¬

_ (¬1) ابن تيمية: مجموع الفتاوى ,مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف , المدينة المنورة , د. ط , 1416هـ , 28/ 23. (¬2) ابن باز: مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله , أشرف على جمعه وطبعه محمد بن سعد الشويعر , موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء , http://www.alifta.com , 16/ 292 . (¬3) الترمذي: مصدر سابق ,كتاب أبواب العلم , باب ما جاء الدال على الخير كفاعله , 5/ 41 , رقم 2670 , قال الألباني: حسن صحيح. (¬4) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435.

وما قام به مصعب بن عمير - رضي الله عنه - نحسبه عند الله مخلصاً , فما ترك دين آبائه , ولا النعمة التي كان فيها ,وما تحمل السجن والتعذيب , إلا دليلاً على إخلاصه ومحبته لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - , وقد شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ,فقد قال - صلى الله عليه وسلم - «لقد رأيت هذا عند أبويه بمكة يكرمانه وينعمانه، وما فتى من فتيان قريش مثله , ثم خرج من ذلك ابتغاءَ مرضات الله ونصرة رسوله ...» (¬1) , ثم ما أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة إلا عندما رأى فيه الإخلاص , والصدق في متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وطاعته؛ لذا استحق مصعب بن عمير - رضي الله عنه - من عند الله ثواباً عظيماً , وأجراً كبيراً , فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه شهيد عند الله يوم القيامة , فعندما استُشهد مصعب بن عمير - رضي الله عنه - في غزوة أحد , مر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال فيه ومن معه من الصحابة - رضي الله عنهم -: «أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه» (¬2) , فرضي الله عن مصعب بن عمير وأجزل له المثوبة , وجعل الفردوس الأعلى مسكنه , إنه سميع مجيب. ¬

_ (¬1) الحاكم: مصدر سابق , كتاب الإيمان , باب ذكر مصعب بن عمير العبدري - رضي الله عنه - ,3/ 728 , رقم 6640. (¬2) الحاكم: المصدر سابق , كتاب التفسير , باب من قراءات النبي - صلى الله عليه وسلم - ... , 2/ 271 , رقم 2977.

الفصل الخامس: التطبيقات التربوية لأسلوب الحوار عبر الاستفادة من سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - والحوارات التي حفلت بها: المبحث الأول: تطبيقاته في الأسرة. المبحث الثاني: تطبيقاته في المدرسة. المبحث الثالث: تطبيقاته في المسجد.

الفصل الخامس: التطبيقات التربوية لأسلوب الحوار

الفصل الخامس: التطبيقات التربوية لأسلوب الحوار: أسلوب الحوار المنهجي القائم بأركانه وضوابطه وآدابه , له أهمية كبيرة وخاصة في مثل هذا الزمن , نظراً لكثرة الاختلافات والصراعات القائمة وبخاصة في المجتمعات الإسلامية , فالحروب وإثارة الفتن وغيرها ليست حلاً , فضلاً عن أنها مدمرة؛ لذا استشعر العالم أجمع بمختلف الأديان والأجناس والعادات والتقاليد , تلك الأهمية الكبيرة للحوار في حل مشاكلهم , فأخذوا ينادون إلى الحوار , ولكن يعجز الكثير في الوصول إلى الحل , وذلك ناشئ عن خلل كبير في معرفة ضوابط الحوار وآدابه والالتزام بها , وكذا الحال في أوساط المجتمع الواحد بدءاً بالأسرة والمسجد والمدرسة؛ لذلك لا بد من بيان الكيفية الصحيحة في تطبيق الحوار المنهجي الهادف. المبحث الأول: تطبيقاته في الأسرة: الأسرة نواة المجتمع الأولى وبصلاحها يصلح المجتمع , فهي التي تُنشِّئ الأجيال وتربيهم , وقد حرص الإسلام على الأسرة بدءاً باختيار الزوجة , ومن ثم قيام كل فرد بمهامه ,كمسؤولية الوالدين الذي يقع على كاهلهم شيء عظيم. والحوار الأسري مهم في نجاح الأسرة متى تم تطبيقه بشكل سليم , وإليك شيئاً من تلك التطبيقات. إن الجلوس للحوار أمر مطلوب , فيلاحظ أن مصعب بن عمير - رضي الله عنه - حرص على ذلك بقوله: " إن يجلس أكلّمه " (¬1) , لذا على الوالدين أن يعلموا أولادهم أسلوب الحوار المنهجي , من خلال الجلوس له وتدريبهم وتمثيل الأدوار حتى ¬

_ (¬1) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435.

يتقنوا لوازم الحوار تدريجياً , وبخاصة الابن الأكبر لما له من تأثير كبير على بقية أفراد الأسرة. ويقوم الوالدان كذلك بممارسة الحوار أمام أبنائهم أثناء الجلسات والاجتماعات العائلية مع أي فرد من أفراد الأسرة , أسلوباً لحل المشاكل والاختلافات وتقريب لوجهات النظر. ويحرص الوالدان على الالتزام بضوابط الحوار وآدابه؛ لأن الحوار العقيم والنقاش المخل بهذه الضوابط والآداب , يؤثر على الأبناء سلباً؛ " لأنه ثبت طبياً بقول أهل الخبرة أنه يؤثر في نفسيات الأولاد أعظم التأثير، ولو كانت مناقشة بسيطة " (¬1). وقد يضعا جلسةً شهريةً لقراءة بعض القصص الحوارية , وبخاصة ما ذُكر في القرآن الكريم كحوارات الأنبياء مع أقوامهم , وما ذُكر في السنة النبوية كحواراته - صلى الله عليه وسلم - مع أزواجه رضي الله عنهن أو مع أصحابه - رضي الله عنهم - أو مع المشركين , وكذلك من حياة الصحابة - رضي الله عنهم - كمصعب بن عمير , وأبي الدرداء , ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهم - رضي الله عنهم - , ولا تكون القراءة من شخص واحد بل من شخص إلى شخص لتعم الفائدة. وقد حرص مصعب بن عمير - رضي الله عنه - على تهيئة مكان الحوار عندما دخل هو ومن معه في حائط من حوائط بني ظفر (¬2) , لذا ينبغي على الوالدين الحرص على أبنائهم في حثهم على الالتحاق بالدورات التدريبية واشتراكهم فيها , وذلك في ¬

_ (¬1) الشنقيطي , محمد بن محمد المختار: فقه الأسرة , دروس صوتية , موقع الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net , 5/ 6 . (¬2) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435.

دورات فن الاتصال والتعامل مع الآخرين وفن إدارة الوقت وغيرها , والتي تثري عقولهم وتكسبهم مهارات في العلاقات الإنسانية. وكذلك يوفر الوالدان بعض الكتب الحوارية في مكتبة الأسرة , والتي اهتمت بالحوار المنهجي بما يتوافق مع تعاليم الإسلام , ويحثوا أفراد الأسرة على قراءتها , ككتاب (قواعد ومبادئ الحوار الفعال - محمد عبدالله الشويعر وآخر) وكتاب (الحوار الناجح في ضوء حوارات الأنبياء والرسل - عيسى الدريبي) والمتوفرة في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بمدينة الرياض. وكذلك يوفر الوالدان بعض القنوات الفضائية التي تحرص على تطبيق الشريعة الإسلامية وآدابها , للاستفادة منها ومن برامجها الثقافية والأسرية , كقناة المجد , وقناة بداية. ولقد تميزت حوارات مصعب بن عمير - رضي الله عنه - بمعالجة الأخطاء , فعندما جاءه أسيد بن حضير - رضي الله عنه - متشتما لم يعنفه ولم يزجره , بل طلب منه الجلوس لتهدأ نفسه وعامله بالحسنى , فقال له: " أو تجلس فتسمع " (¬1) , لذلك يتطلب من الوالدين معالجة السلوكيات الخاطئة التي يقع فيها أبنائهم والتي تعرقل سير الحوار , كعدم احترام الطرف الآخر , ورفع الصوت وغيرها , ويغرسا في أبنائهم الكلمة الحسنة والابتسامة والتواضع وغيرها من الآداب الإسلامية. ¬

_ (¬1) المصدر سابق , 1/ 435.

المبحث الثاني: تطبيقاته في المدرسة

المبحث الثاني: تطبيقاته في المدرسة: لا شك أن للمدرسة تأثيراً كبيراً على الطالب , ولها جانب تعليمي وتربوي لا تمتلكه الأُسر , ولا الكثير من المؤسسات الاجتماعية , فهي صرح تعليمي تربوي لها القدرة الكافية في تنشئة الأجيال وتربيتهم؛ لما لها من إمكانات ومصادر تعليمية مهيأة؛ وما تحويه من كوادر بشرية متخصصة. فالمدرسة لها أثر كبير في التأثير بأبنائنا , وغرس القيم الإسلامية والآداب الشرعية في نفوسهم , وإكسابهم المهارات والفنون. والحوار فن ومهارة يحتاج إلى تعليم وتطبيق , والمدرسة كفيلة في ذلك كله؛ لذلك لا بد من بيان بعض التطبيقات التربوية للحوار في المدرسة. فمن خلال اجتماعات مصعب بن عمير - رضي الله عنه - مع الأنصار في المدينة حرص على تفعيل أسلوب الحوار التربوي من بين الأساليب التربوية الأخرى؛ لما له من تأثير ونتائج إيجابية , بل حرص على تهيئة المكان للحوار من خلال دخوله في حائط من حوائط بني ظفر (¬1). فمن هنا يتعين على مدير المدرسة تفعيل الحوار وتضمينه في الاجتماعات المدرسية مع زملائه المعلمين , وإعطاء الحرية لكل معلم في إبداء رأيه؛ لما في ذلك من حل للمشكلات المدرسية , وتقارب للقلوب وتماسكها. كما يحرص المعلم أن يكون ممتثلاً لتطبيق الحوار مع أبنائه الطلاب وبخاصة في داخل حجرة الصف , سواءً في المنهج المدرسي , أو كأسلوب تربوي لحل الإشكالات بينه وبين طلابه. ¬

_ (¬1) ينظر: ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435.

وكذلك يستعمل المعلم الحوار مع أولياء الأمور لمعرفة ما يعترض أبناءهم من مشاكل أسرية أو نفسية , وكذلك ليعرفوا ما يعيق أبناءهم في الميدان المدرسي من مشكلات تعليمية وتربوية. كما نهيب بالمرشد الطلابي استعمال الحوار والتركيز عليه مع طلابه كأسلوب لحل المشكلات من خلال الإرشاد الفردي والجمعي , إذ لا غنى عنه على الإطلاق في كون عمله يقوم على الأخذ والعطاء مع طلابه والنقاش في المشاكل التي تعترضهم؛ لهذا يتحتم على المرشد الطلابي تطوير نفسه من خلال الدورات التدريبية , وكتب الحوار , وذوي الخبرة. ومن خلال حرص مصعب بن عمير - رضي الله عنه - على تهيئة المكان للحوار , ينبغي على مدير المدرسة تهيئة مكان لإقامة دورات تدريبية في الحوار للمعلمين وللطلاب , بمشاركة أحد معلمي المدرسة لمن يجيد مثل هذه الدورات كاغتنام للمواهب , أو باستضافة خارجية. ويفعِّل مدير المدرسة الحوار المنهجي ضمن الإذاعة المدرسية , وذلك بمشاركة المعلمين والطلاب ووضع مسابقة وجوائز على هذه الإذاعة. كما يحرص رائد النشاط على اختيار نخبة من الطلاب وإقامة مسرحيات تمثيلية على مسرح المدرسة لتطبيق الحوار , وذلك خلال الحفلات التي تقيمها المدرسة لتعم الفائدة والنفع لأكبر عدد. ويدل اختيار الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمصعب بن عمير - رضي الله عنه - وإرساله إلى أهل المدينة وتعليمهم الإسلام على أن الله - عز وجل - قد وهب هذا الصحابي الجليل من التكامل والمقومات جعلته الأكفأ من بين الصحابة - رضي الله عنهم -؛ لذلك يتعين على مشرف الموهوبين

المبحث الثالث: تطبيقاته في المسجد

اكتشاف الطلاب الذين يمتلكون مهارةً في إتقان الحوار؛ لتتم رعايتهم والاهتمام بهم من خلال تكثيف الدورات التدريبية , ومن ثم تطبيق الحوار في المدرسة , وفي المنزل مع أفراد الأسرة , حتى يكونوا قُواد المستقبل , ثم يتم تكريمهم أمام زملائهم في الإذاعة المدرسية. ويحسن من معلم التاريخ أن يبرز لطلابه تلك المواقف الحوارية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام - رضي الله عنهم - , وأن يثير فيهم الحماسة لاستنباط الفوائد منها. وكذلك معلم المواد الدينية يقرأ على طلابه بعض القصص الحوارية التي ذُكرت في القرآن الكريم , ومن ثم الرجوع إلى كتب التفسير لمعرفة ما تتضمنه تلك الآيات الكريمة , ومن ثم استخراج الدروس والفوائد. المبحث الثالث: تطبيقاته في المسجد: المسجد مركز للنور والهداية , ومحطة إيمانية وروحانية , فيه يلتقي المسلمون خمس مرات في اليوم , وقد رغب الله في بنائها وعمارتها، حساً ومعنى، وجعل أصل وظائفها ذكره، وإقام الصلاة له، وهي أهم أركان عبادته بعد الشهادتين، اللتين هما عبادته وذكره (¬1) , قال سبحانه: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)} (¬2) , ولا يقتصر دور المسجد على الصلاة فيه فقط , بل له " دور تعليمي، وتربوي، ¬

_ (¬1) السهلي , عبدالله بن معتق: القول الأحمد في أحكام في حرمة المسجد , الجامعة الإسلامية , المدينة المنورة , الطبعة: السنة السادسة والثلاثون , العدد 125 , 1424هـ , ص368. (¬2) سورة النور: آية (36).

واجتماعي مستمر من طبيعة رسالة المسجد ذات الجوانب المتعدد " (¬1) , فعلى إمام المسجد وأهل الحي أن يعوا أهمية المسجد ودوره الفعّال في التأثير بالإصلاح والتعديل , والتنمية والتزكية. فالأدوار التعليمية والتربوية التي يقوم بها المسجد إذا فُعّلت بشكل سليم ءاتت أُكُلها , ونفعت أهالي المسجد , فتقوى الروابط بينهم. ومن أهم تلك الأدوار التربوية , الحوار الهادف بتطبيق المنهج الصحيح , ومن تلك التطبيقات له في المسجد ما يأتي: لقد حرص مصعب بن عمير - رضي الله عنه - على ما يعين في سير الحوار المنهجي بشكله السليم , وذلك من خلال الجلوس للحوار بقوله: " إن يجلس أكلّمه " (¬2) وكذلك تهيئة المكان الهادئ والمناسب له. فيستطيع إمام المسجد تنسيق زيارات وجلسات أسبوعية لأهالي المسجد في منازلهم؛ وذلك ليزداد ترابطهم وتماسكهم؛ ليكون ذلك طريقاً لاستعمال الحوار في مجالسهم؛ ليعتادوا عليه ويصبح أسلوباً يُستعمل في جميع البيوت. كما يشاركهم في حل المشكلات الاجتماعية ويجعل أسلوب الحوار مرتكزاً أساسياً في النقاش لحل تلك المشكلات؛ لئلا يشعر الأهالي بأنانية الإمام وانفراده بالكلام؛ ولكي يشارك الجميع في طرح الحلول , فيكون هناك تعاون وتكاتف في التنفيذ والتطبيق على أرض الواقع. ¬

_ (¬1) عسيري , علي بن حسن بن ناصر: مسئولية إمام المسجد , وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد , المملكة العربية السعودية , ط1 , 1419هـ , ص66. (¬2) ابن هشام: مصدر سابق , 1/ 435.

وكما أن المسجد مكان مهيأ للحوار يحرص إمام المسجد على أن يجالس طلاب التحفيظ ويتحاور معهم؛ ليكسبهم الثقة ويشاركهم في حل الإشكالات التي تعترضهم في الحفظ , بل والمشاكل الاجتماعية والأسرية. ويحث إمام المسجد أساتذة التحفيظ على استعمال الحوار مع طلابهم في حل مشاكلهم. ويحاول إمام المسجد قراءة بعض القصص الحوارية وذلك من خلال تضمين السيرة النبوية من خلال دروس المسجد؛ لما في السيرة النبوية من فوائد جمة , ومن ذلك حوارات النبي - صلى الله عليه وسلم - المختلفة , التي تبرز الخلق العظيم الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع جميع الفئات العمرية والأجناس البشرية حتى مع الكفار. وكذلك يحث المصلين على الاطلاع والقراءة من مكتبة المسجد , بحيث يجعل كتب الحوار من ضمن تلك الكتب. ويقرأ إمام المسجد في الصلوات الجهرية أحياناً بعض الحوارات القرآنية وخاصة في صلاة الفجر , كحوار الله - عز وجل - مع آدم ومع موسى عليهما السلام , وحوار يوسف عليه السلام مع إخوته وغيرها. وينبغي على مؤذن المسجد أن يستعمل الحوار المنهجي في نقاشه مع أهالي الحي , فإنه قد يحصل أحياناً بعض الاختلافات بينهما. كما نهيب بخطيب الجمعة بتخصيص خطبة عن أسلوب الحوار المنهجي والهادف , فيبين لهم أركان الحوار وضوابطه وآدابه وآثاره التربوية على الفرد والمجتمع , ويذكر لهم بعض القصص والمواقف الحوارية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وبعض صحابته الكرام - رضي الله عنهم -. ثم يحاول جاهداً أن يحرص على مثل هذه الخطب بعد كل مدة زمنية.

الخاتمة

الخاتمة -النتائج. -التوصيات والمقترحات.

النتائج

النتائج: من خلال استعراض الباحث لفصول الدراسة؛ فإنه يمكن إجمال أهم النتائج التي توصل إليها كما يأتي: 1 - أن لأسلوب الحوار أهمية كبيرة للفرد والمجتمع , وقد اتضحت أهميته كثيراً من خلال كثرة استعماله في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. 2 - هناك ضوابط لأسلوب الحوار تضمنتها حوارات مصعب بن عمير - رضي الله عنه - المختلفة , وهي تعين على سير الحوار بشكلٍ سليمٍ نحو الهدف , وأن الإخلال بها يعرقل الحوار عن منهجه الصحيح , ومن تلك الضوابط: وحدة الموضوع , وضرورة العلم بالقضية المطروحة للنقاش , وحسن الفهم. 3 - أن لأسلوب الحوار آداباً نفسية وعلمية ولفظية اتضحت في حوارات مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , ويستعملها المحاور أثناء حواره , وهي تحتاج إلى اتقان ليستمر الحوار نحو الهدف المنشود , فمن الآداب النفسية: الإخلاص وصدق النيّة , وتهيئة الجو المناسب , والإنصاف والعدل. ومن الآداب العلمية: العلم , والتدرج والبدء بالأهم , والدليل. ومن الآداب اللفظية: الكلمة الطيبة والعبارة المناسبة , وحسن العتاب , والتذكير والوعظ. 4 - أثمرت حوارات مصعب بن عمير - رضي الله عنه - آثاراً تربويةً كانت ناتجة عن حوارات منهجية سليمة تبينت في حياته - رضي الله عنه - , ومن تلك الآثار: ظهور العلم , وتمييز الحق من الباطل , وكف عدوان المبطلين والمعاندين.

التوصيات والمقترحات

5 - لأسلوب الحوار تطبيقات تربوية في الأسرة والمدرسة والمسجد , يكون لها أثراً تربوياً كبيراً متى ما طُبقت على أساس منهجي سليم. التوصيات والمقترحات: بناء على نتائج الدراسة التي توصل إليها الباحث فإن الدراسة توصي بما يأتي: 1 - دراسة سير السلف الصالح وبخاصة الصحابة - رضي الله عنهم - , واستنباط الفوائد من الجوانب التعليمية والتربوية. 2 - إعادة دراسة سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - واستنباط الفوائد التربوية منها , والتركيز على بعض الأصول الأسلوبية والتي تمثلت في حواراته , كأسلوب القدوة وأسلوب الموعظة , والتي تحتاج إلى تحليل عميق. 3 - إجراء دراسات مشابهة في أسلوب الحوار من خلال سير الصحابة - رضي الله عنهم - , كأبي بكر الصديق ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. 4 - إجراء دراسة مقارنة في أسلوب الحوار بين شخصيتين إسلاميتين , إحداهما في العصر الحديث والأخرى من عصر الصحابة - رضي الله عنهم -؛ وذلك للجمع بين الأصالة والمعاصرة.

الفهارس

الفهارس -فهرس الآيات القرآنية. -فهرس الأحاديث النبوية. -فهرس المصادر والمراجع. -فهرس الموضوعات.

فهرس الآيات القرآنية

فهرس الآيات القرآنية م ... الآية ... السورة ورقم الآية ... الصفحة 1 ... {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ} ... البقرة:30 ... 42 2 ... {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} ... البقرة:83 ... 78 3 ... {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} ... البقرة:142 ... 75 4 ... {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ} ... البقرة:260 ... 45 5 ... {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} ... آل عمران:64 ... 51 6 ... {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} ... آل عمران:103 ... 96 7 ... {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} ... آل عمران:134 ... 64 8 ... {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} ... آل عمران:144 ... 34 9 ... {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} ... آل عمران:187 ... 91 10 ... {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} ... النساء:122 11 ... {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} ... النساء:174 ... 73 12 ... {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} ... المائدة:2 ... 51 13 ... {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} ... الأنعام:68 ... 83 14 ... {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} ... الأنعام:152 ... 63 15 ... {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} ... الأعراف:11 ... 43 16 ... {وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ... الأعراف:19 ... 44 17 ... {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} ... الأنفال:8 ... 93

18 ... {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} ... الأنفال:17 19 ... {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} ... النحل:125 ... 71 20 ... {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ... الإسراء:53 ... 78 21 ... {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)} ... الكهف:30 ... 90 22 ... {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} ... النور:36 ... 107 23 ... {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ} ... الروم:50 ... 89 24 ... {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} ... الأحزاب:23 25 ... {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} ... فصلت:34 ... 49 26 ... {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} ... الشورى:48 ... 90 27 ... {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)} ... الزخرف:1 - 2 28 ... {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} ... الفتح:29 29 ... {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)} ... النجم:3 30 ... {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)} ... المنافقون:4 ... 95 31 ... {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} ... المنافقون:8 ... 65 32 ... {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} ... الملك:2 ... 98 33 ... {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9)} ... الأعلى:9 ... 81 34 ... {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} ... البينة:5 ... 61

فهرس الأحاديث النبوية

فهرس الأحاديث النبوية م ... الأحاديث ... الصفحة 1 ... أتحبه لأمك؟ ... 47 2 ... أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة ... 35 3 ... إن أعظم الناس فرية لرجل هاجى رجلاً ... 87 4 ... إنَّ الدال على الخير كفاعله ... 99 5 ... إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ... 50 6 ... إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً ... 97 7 ... إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده ... 23 8 ... إن للزوج من المرأة لشعبةً ما هي لشيءٍ ... 35 9 ... إن مصعب بن عمير قد حبسته أمه ... 24 10 ... إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً ... 78 11 ... أنا والله محمد بن عبد الله ... 48 12 ... انظروا إلى هذا الذي نوَّر الله قلبه ... 18 13 ... إنك تأتي قوماً أهل كتابٍ ... 71 14 ... بل أنا أقتل أُبَيًّا ... 34 15 ... خير الناس قرني ... 2 16 ... الكلمة الطيبة صدقة ... 78 17 ... كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة ... 22 18 ... لقد رأيت هذا عند أبويه بمكة ... 22 19 ... ليس الشديد بالصرعة ... 64 20 ... ما رأيت بمكة أحداً أحسن لِمّةً ... 17 21 ... من رأى من أميره شيئاً فكرهه فليصبر ... 97

22 ... من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ... 92 23 ... هل لك من إبل ... 46 24 ... والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ... 68

فهرس المصادر والمراجع

فهرس المصادر والمراجع 1) القرآن الكريم. 2) إبراهيم , محمد قطب: منهج التربية الإسلامية , دار الشروق ,القاهرة , ط14 ,1414هـ. 3) الأزدي , محمد بن الحسن: جمهرة اللغة ,المحقق/رمزي منير بعلبكي , دار العلم للملايين , بيروت , ط1 , 1987م. 4) الأزدي , محمد بن يزيد: المقتضب ,المحقق/محمد عبدالخالق عظيمة , إحياء التراث الإسلامي , القاهرة , ط2 , 1415هـ. 5) الأصبهاني , اسماعيل محمد: سير السلف الصالحين , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1425هـ. 6) الأصبهاني ,أبو نعيم أحمد بن عبد الله: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ,السعادة , مصر , د. ط , 1394هـ. 7) الألباني , محمد ناصر الدين: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها , مكتبة المعارف , الرياض , ط1 , 1415هـ. 8) الألباني , محمد ناصر الدين: ضعيف الترغيب والترهيب , مكتبة المعارف , الرياض , ط1 , 1421هـ. 9) الألباني , محمد ناصر الدين: التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان وتمييز سقيمه من صحيحه وشاذه من محفوظه , دار باوزير، جدة , ط1، 1424 هـ.

10) ابن باز , عبدالعزيز بن عبدلله: مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله , أشرف على جمعه وطبعه محمد بن سعد الشويعر , موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء , http://www.alifta.com . 11) البخاري , محمد اسماعيل: صحيح البخاري , المحقق/محمد زهير الناصر , دار طوق النجاة , بيروت , ط1 , 1422هـ. 12) البستي , محمد بن حبان: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء , المحقق/محمد محي الدين عبدالحميد , دار الكتب العلمية , بيروت , د. ط , د. ت. 13) البغدادي , محمد بن حبيب: المحبر ,تحقيق/إيلزة ليختن شتيتر , دار الآفاق الجديدة , بيروت , د. ط , د. ت. 14) البلاذري , أحمد بن يحيى: جمل من أنساب الأشراف , تحقيق/سهيل زكار وآخر , دار الفكر , بيروت , ط1 , 1417هـ. 15) البيهقي , أحمد بن الحسين بن علي: دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1405هـ. 16) البيهقي , أحمد بن الحسين بن علي: السنن الكبرى ,المحقق/محمد عبدالقادر عطا , دار الكتب العلمية , بيروت , ط3 , 1424هـ. 17) الترمذي , محمد بن عيسى: سنن الترمذي , تحقيق وتعليق / أحمد محمد شاكر , محمد فؤاد عبدالباقي , إبراهيم عطوة , شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي , مصر , ط2 , 1395هـ. 18) التميمي , محمد بن عبدالوهاب: كتاب التوحيد , مجموعة التحف النفائس الدولية , الرياض , ط1 , 1416هـ.

19) التويجري , محمد بن إبراهيم: موسوعة فقه القلوب , بيت الأفكار الدولية , الأردن , د. ط , 1428هـ. 20) ابن تيمية , أحمد بن عبدالحليم: مجموع الفتاوى ,المحقق/عبدالرحمن بن محمد بن قاسم , مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف , المدينة المنورة , د. ط , 1416هـ. 21) الجرجاني , علي بن محمد: كتاب التعريفات , المحقق/ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1403هـ. 22) الجزائري , جابر بن موسى أبو بكر: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير , مكتبة العلوم والحكم , المدينة المنورة , ط5 , 1424هـ. 23) الجزري , علي بن أبي الكرم محمد الشيباني: أسد الغابة في معرفة الصحابة , المحقق/ علي محمد معوض _ عادل أحمد عبدالموجود , دار الكتب العلمية , ط1 , 1415هـ. 24) ابن الجوزي , جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك , المحقق/محمد عبدالقادر عطا وآخر , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1412هـ. 25) ابن الجوزي , جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن: تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير , شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم , بيروت , ط1 , 1997م. 26) ابن الجوزي , جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن: صفة الصفوة , المحقق/أحمد بن علي , دار الحديث , القاهرة , د. ط , 1421هـ.

27) الجوهري , إسماعيل بن حماد: الصحاح , تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار , دار العلم للملايين , بيروت , ط4 , 1407هـ. 28) الحارثي , محمد بن علي: قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد , المحقق/عاصم إبراهيم الكيالي , دار الكتب العلمية , بيروت , ط2 , 1426هـ. 29) الحازمي , خليل عبيد: الحوار الوطني ودوره في تعزيز الأمن الوطني للمملكة العربية السعودية , مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني , الرياض , ط3 , 1431هـ. 30) ابن حبان: محمد بن حبان بن أحمد: صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان , المحقق/شعيب الأرنؤوط , مؤسسة الرسالة , بيروت , ط2 , 1414هـ. 31) حسين , حامد بن محمد بن: فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد ,المحقق/بكر بن عبدالله أبو زيد , دار المؤيد , الرياض , ط1 , 1417هـ. 32) الحسيني , محمد بن محمد: تاج العروس من جواهر القاموس, المحقق/مجموعة من المحققين , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1428هـ. 33) الحسيني , محمد رشيد: تفسير القرآن الحكيم , دار الكتب العلمية , بيروت , ط2 , 1426هـ. 34) بن حميد , صالح بن عبدالله: أدب الاختلاف , مؤسسة آسام , الرياض , ط3 , 1412هـ.

35) بن حميد , صالح بن عبدالله: أصول الحوار وآدابه في الإسلام ,دار المنارة , جدة - مكة , ط1 , 1415هـ. 36) الحميري , سليمان موسى: الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1420هـ. 37) خوجة , محمد شمس الدين: الحوار آدابه ومنطلقاته وتربية الأبناء عليه , مركز الملك عدالعزيز للحوار الوطني , الرياض , ط6 , 1430هـ. 38) ابن أبي خيثمة , أبو بكر أحمد: التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة , المحقق / صلاح فتحي هلال , الفاروق الحديثة للطباعة والنشر , القاهرة , ط1 , 1427هـ. 39) الدغيمي , محمد راكان: أساليب البحث العلمي ومصادر الدراسات الإسلامية , مكتبة الرسالة , عمَّان , ط2 , 1417هـ. 40) الدينوري , عبدالله بن مسلم: عيون الأخبار ,دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1418هـ. 41) الذهبي , شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أحمد: سير أعلام النبلاء , المحقق / مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط , مؤسسة الرسالة , بيروت , ط3 , 1405هـ. 42) الرازي , زين الدين محمد بن أبي بكر: مختار الصحاح ,المحقق/يوسف الشيخ محمد , المكتبة العصرية , بيروت , ط5 , 1420هـ. 43) الزبيري , مصعب بن عبدالله: نسب قريش , المحقق / ليفي بروفنسال , دار المعارف , القاهرة , ط3 , 1982م.

44) الزركلي , خيرالدين بن محمود: الأعلام , دار العلم للملايين , بيروت , ط15 , 2002م. 45) الزمخشري , محمود بن عمرو: الكلم النوابغ , مطبعة وادي النيل , القاهرة , ط1 , 1286هـ. 46) زمزمي , يحيى بن محمد: الحوار آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة , دار التربية والتراث , مكة المكرمة , ط1 ,1414هـ. 47) السبتي ,عياض بن موسى: مشارق الأنوار على صحاح الآثار , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1423هـ. 48) السجستاني , سليمان بن الأشعث: سنن أبي داود , تحقيق/محمد محيي الدين عبدالحميد , المكتبة العصرية , صيدا - بيروت , د. ط , د. ت. 49) السعدي , عبدالرحمن بن ناصر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان , المحقق/عبدالرحمن بن معلا اللويحق , مؤسسة الرسالة , بيروت , ط1 , 1420هـ. 50) السمهودي , علي بن عبدالله: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1419هـ. 51) السنيدي , إبراهيم بن عبدالكريم: الحوار والمناظرة في الإسلام أحمد ديدات نموذجا في العصر الحديث , مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة والدراسات الإسلامية , العدد (46) محرم 1430هـ , ص13 - 81. 52) السهلي , عبدالله بن معتق: القول الأحمد في أحكام في حرمة المسجد , الجامعة الإسلامية , المدينة المنورة , الطبعة: السنة السادسة والثلاثون , العدد 125 , 1424هـ.

53) السهيلي , عبدالرحمن بن عبدالله: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية , تحقيق / عمر عبدالسلام السلامي , دار إحياء التراث العربي , بيروت , ط1 , 1421هـ. 54) الشامي , محمد يوسف: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد , تحقيق / عادل أحمد عبدالموجود , علي محمد معوض , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1414هـ. 55) الشثري , سعد بن ناصر: أدب الحوار , دار كنوز اشبيليا , الرياض , ط1 , 1427هـ. 56) الشربيني , زكريا وأخرى: تنشئة الطفل وسبل الوالدين في معاملته ومواجهة مشكلاته , دار الفكر العربي , القاهرة , د. ط , 1421هـ. 57) الشنقيطي , محمد بن محمد المختار: فقه الأسرة , دروس صوتية , موقع الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net . 58) الشيباني , أبو بكر بن أبي عاصم , الآحاد والمثاني ,المحقق/باسم فيصل الجوابرة , دار الراية , الرياض , ط1 , 1411هـ. 59) الشيباني , احمد بن محمد بن حنبل: مسند الإمام أحمد , المحقق/ شعيب الأرنؤوط وآخرون , مؤسسة الرسالة , بيروت , ط1 , 1421هـ. 60) الشيباني , خليفة بن خياط بن خليفة: طبقات خليفة بن خياط , المحقق/سهيل زكار , دار الفكر , بيروت , ط1 , 1414هـ.

61) الشيباني , مجد الدين أبو السعادات: النهاية في غريب الحديث والأثر , تحقيق / طاهر أحمد الزاوي وآخر , المكتبة العلمية , بيروت , د. ط , 1399هـ. 62) الطبراني , سليمان بن أحمد بن أيوب: المعجم الكبير , مكتبة ابن تيمية , القاهرة , ط2 , 1397هـ. 63) الطبري , أحمد بن عبدالله بن محمد: الرياض النضرة في مناقب العشرة , دار الكتب العلمية , بيروت , ط2 , 1424هـ. 64) الطبري , محمد بن جرير: تاريخ الطبري , دار التراث , بيروت , ط2 , 1387هـ. 65) الطبري , محمد بن جرير: تفسير الطبري , تحقيق/عبدالله بن عبدالمحسن التركي , دار هجر , الجيزة , ط1 , 1422هـ. 66) عبدالسلام , عز الدين عبدالعزيز: تفسير القرآن , المحقق/عبدالله إبراهيم الوهبي , دار ابن حزم , بيروت, ط1 , 1416هـ. 67) العثيمين , محمد بن صالح: تقريب التدمرية ,دار ابن الجوزي , الدمام , ط1 ,1419هـ. 68) عجك , بسام: الحوار الإسلامي المسيحي ,دار قتيبة , دمشق , ط1 , 1418هـ. 69) عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - , دار الوسيلة جدة , ط4 , 1426هـ. 70) العراقي , أبو الفضل زين الدين: المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، في تخريج ما في الإحياء من الأخبار ,دار ابن حزم , بيروت , ط1 , 1426هـ.

71) العساف , صالح حمد: المدخل إلى البحث في العلوم السلوكية , شركة العبيكان , الرياض , ط1 , 1409هـ. 72) ابن عساكر , علي بن الحسن: تاريخ دمشق , المحقق/ عمرو بن غرامة العمروي , دار الفكر , بيروت , ط1 , 1415هـ. 73) العسقلاني , أحمد بن علي بن محمد: الإصابة في تمييز الصحابة , تحقيق / عادل أحمد عبدالموجود _ علي محمد معوض , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1415هـ. 74) العسقلاني , أحمد بن علي بن محمد: فتح الباري شرح صحيح البخاري , دار المعرفة , بيروت , ط1 , 1379هـ 75) عسيري , علي بن حسن بن ناصر: مسئولية إمام المسجد , وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد , المملكة العربية السعودية , ط1 , 1419هـ. 76) علي , مقداد يالجن محمد: علم الأخلاق الإسلامية , دار عالم الكتب , الرياض , ط2 , 1424هـ. 77) عمر ,أحمد مختار: معجم اللغة العربية المعاصرة , عالم الكتب , القاهرة , ط1 , 1429هـ. 78) آل عمر , عبد الرحمن بن حماد: دين الحق ,وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد , المملكة العربية السعودية , ط6 , 1420هـ. 79) آل عمرو , محمد عبدالله وآخر: مدخل إلى أصول التربية الإسلامية , مكتبة المتنبي , الدمام , ط1 , 1425هـ.

80) العيني ,محمود بن أحمد: عمدة القاري شرح صحيح البخاري , دار إحياء التراث العربي , بيروت , د. ط , 1348هـ. 81) الغزالي: فقه السيرة , دار الكتب الحديثة , القاهرة , ط6 , 1965م. 82) الفيروز آبادي , محمد بن يعقوب: القاموس المحيط , تحقيق/مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة , مؤسسة الرسالة , بيروت ,ط8 , 1426هـ. 83) القرطبي , محمد بن أحمد بن أبي بكر: الجامع لأحكام القرآن , تحقيق/أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش , دار الكتب المصرية , القاهرة , ط3 , 1387هـ. 84) القرطبي , يوسف بن عبدالله بن محمد النمري: الاستيعاب في معرفة الأصحاب , دار الجيل , بيروت , ط1 , 1412هـ. 85) القزويني , أحمد بن فارس: معجم مقاييس اللغة , المحقق/ عبد السلام محمد هارون , دار الفكر , بيروت , ط2 , 1399هـ. 86) القوسي , مفرح بن سليمان: ضوابط الحوار في الفكر الإسلامي , مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني , الرياض , ط4 , 1430هـ. 87) ابن قيم الجوزية , محمد بن أبي بكر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ,المحقق/محمد حامد الفقي , دار الكتب العلمية , بيروت , ط3 , 1425هـ. 88) ابن قيم الجوزية , محمد بن أبي بكر: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين , المحقق/محمد المعتصم بالله البغدادي , دار الكتاب العربي , بيروت , ط3 , 1416هـ.

89) ابن قيم الجوزية , محمد بن أبي بكر: مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة , دار عالم الفوائد , مكة المكرمة , ط1 , 1432هـ. 90) ابن كثير , اسماعيل بن عمر: السيرة النبوية , تحقيق /مصطفى عبدالواحد , دار المعرفة , بيروت , د. ط , 1395هـ. 91) ابن كثير , اسماعيل بن عمر: تفسير القرآن العظيم , تحقيق/سامي محمد سلامة , دار طيبة , الرياض , ط2 , 1420هـ. 92) ابن ماجه , محمد بن يزيد: سنن ابن ماجه , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1419هـ. 93) المباركفوري , صفي الرحمن: الرحيق المختوم , دار الوفاء , المنصورة , د. ط , 1425هـ. 94) المخلِّص ,محمد بن عبدالرحمن: المخلصيات وأجزاء أخرى لأبي طاهر المخلص , المحقق/نبيل سعد الدين , وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية , قطر, ط1 ,1429هـ. 95) مصطفى , إبراهيم وآخرون: المعجم الوسيط ,المكتبة الاسلامية , استانبول , د. ط , د. ت. 96) المطلبي , محمد بن اسحاق بن يسار: سيرة ابن اسحاق , تحقيق / سهيل زكار , دار الفكر , بيروت , ط1 , 1398هـ. 97) المعافري , عبدالملك بن هشام: السيرة النبوية لابن هشام , تحقيق/ مصطفى السقا وآخران , شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده , مصر , ط2 , 1375هـ.

98) المقريزي , أحمد بن علي: امتاع الاسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع , المحقق / محمد عبدالحميد النميسي , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1420هـ. 99) ابن منظور , محمد بن مكرم: لسان العرب , دار صادر , بيروت , ط3 , 1414هـ. 100) الموصلي , فتحي بن عبدالله: فقه الحوار مع المخالف في السنة النبوية , الدار الأثرية , عمّان , ط1 , 1428 هـ. 101) الندوة العالمية للشباب الإسلامي: في أصول الحوار , مؤسسة الطباعة والصحافة والنشر , جدة , ط3 , 1408هـ. 102) النووي , محيي الدين يحي بن شرف: تحرير ألفاظ التنبيه , تحقيق / عبدالغني الدقر , دار القلم , دمشق , ط1 , 1408هـ. 103) النيسابوري , الحاكم محمد بن عبدالله: المستدرك على الصحيحين , تحقيق / مصطفى عبدالقادر عطا , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1411هـ. 104) النيسابوري , مسلم بن الحجاج: صحيح مسلم , دار الفكر , بيروت , ط1 , 1424هـ. 105) الهاشمي , محمد بن سعد بن منيع: الجزء المتمم لطبقات ابن سعد , تحقيق / محمد صامل السلمي , مكتبة الصديق , الطائف, ط1 , 1414هـ. 106) الهاشمي , محمد بن سعد بن منيع: الطبقات الكبرى , تحقيق / محمد عبدالقادر عطا , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1410هـ.

107) الهروي , محمد بن أحمد: تهذيب اللغة , المحقق/محمد عوض مرعب , دار إحياء التراث العربي , بيروت , ط1 , 2001م. 108) الهيثمي , أبو الحسن نور الدين: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد , المحقق/حسام الدين القدسي , مكتبة القدسي , القاهرة , د. ط , 1414هـ. 109) الواقدي , محمد بن عمر: المغازي , تحقيق/مارسدن جونس , دار الأعلمي , بيروت , ط3 , 1409هـ. 110) اليعمري , محمد بن محمد: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير , دار القلم , بيروت , ط1 , 1414هـ.

§1/1