أسباب النزول ت الحميدان
الواحدي
مقدمة المحقق
أسباب النزول المقدمة مقدمة المحقق بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا أما بعد. فإن كان لا بد لي من تمهيد فأقول إن أسباب النزول مظلومة بحق، إذ مع كل هذه الأهمية التي تحظي بها، وكل هذه النقول والمصادر التي تعتمد عليها - إذ لا يخلو باحث في مجال علوم القرآن خاصة، وعلوم الشريعة عامة من الاقتباس منها - أقول: مع كل ذلك، لم يكلف أحد نفسه عناء تخريجها، وبيان صحيحها من سقيمها، اللهم إلا محاولة متواضعة قام بها الأخ الشيخ مقبل الوادعي، وهي خطوة في طريق الكمال يشكر عليها. وقد وقع اختياري على أشهر كتاب في هذا الفن وهو كتاب "أسباب النزول" للواحدي النيسابوري، الذي قلما تخلو منه مكتبة باحث، وقد صرح العلماء بتفوقه في هذا المجال كالزركشي (البرهان: 1/22) والسيوطي (الإتقان: 1/38، لباب النقول: 16) وغيرهما (مباحث في علوم القرآن للقطان: 75 علوم القرآن لزرزور: 133) ، وأنا أعلم أن هذا الكتاب المهم لم تمتد إليه يد العناية، اللهم إلا ما كان من الأستاذ الشيخ السيد أحمد صقر - رحمه الله - وهي مع دقتها وقلة أخطائها لم تستوف جانب تخريج الأحاديث، مع أن هذه الخطوة هي الخطوة الأهم في تحقيق هذا الكتاب، إذ اعتماده أساسًا على الإسناد، من أجل كل هذا قمت بتوفيق الله وحده بتخريج أحاديث الكتاب تخريجا مستوفى على ما ذكر العلماء أو ما توصلت إليه من
خلال نقد تلك الأسانيد، فما كان من عملي من صواب فمن الله وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله منه بريئان. والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم إنه جواد كريم. عصام بن عبد المحسن الحميدان الدمام - الطبيشي 21 - 12 - 1407 هـ
مقدمة المؤلف
مقدمة المؤلف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رب يسر ولا تعسر قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاحِدِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ، هَازِمِ الْأَحْزَابِ، وَمُفَتِّحِ الْأَبْوَابِ، وَمُنْشِئِ السَّحَابِ، وَمُرْسِي الْهِضَابِ، وَمُنْزِلِ الْكِتَابِ، فِي حَوَادِثَ مُخْتَلِفَةِ الْأَسْبَابِ. أَنْزَلَهُ مُفَرَّقًا نُجُومًا وَأَوْدَعَهُ أَحْكَامًا وَعُلُومًا قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} (¬1) أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ محمد الأصفهاني، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن حيان، قال: حَدَّثَنَا أَبُو يحيى الرازي، قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عثمان العسكري، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زريع، قال: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، أُنْزِلَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَ سِنِينَ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ. أخبرنا أحمد قال: أَخْبَرَنَا عبد الله قال: أَخْبَرَنَا أَبُو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ دَاوُدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: فَرَّقَ اللَّهُ تَنْزِيلَهُ فَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ عِشْرُونَ أَوْ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً أَنْزَلَهُ قُرْآنًا عَظِيمًا، وَذِكْرًا حَكِيمًا وَحَبْلًا مَمْدُودًا، وَعَهْدًا مَعْهُودًا، وَظِلًّا عَمِيمًا، وَصِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، فِيهِ مُعْجِزَاتٌ بَاهِرَةٌ، وَآيَاتٌ ظَاهِرَةٌ، وَحُجَجٌ صَادِقَةٌ، ¬
وَدَلَالَاتٌ نَاطِقَةٌ، أَدْحَضَ بِهِ حُجَجَ الْمُبْطِلِينَ، وَرَدَّ بِهِ كيد الكائدين، وَقَوِيَ بِهِ الْإِسْلَامُ والدين، فلمع مِنْهَاجُهُ، وَثَقُبَ سِرَاجُهُ وشملت بركته، ولمعت حِكْمَتُهُ عَلَى خَاتَمِ الرِّسَالَةِ، وَالصَّادِعِ بِالدَّلَالَةِ، الْهَادِي لِلْأُمَّةِ، الْكَاشِفِ لِلْغُمَّةِ، النَّاطِقِ بِالْحِكْمَةِ، الْمَبْعُوثِ بِالرَّحْمَةِ، فَرَفَعَ أَعْلَامَ الْحَقِّ، وَأَحْيَا مَعَالِمَ الصِّدْقِ، وَدَمَغَ الْكَذِبَ وَمَحَا آثَارَهُ، وَقَمَعَ الشِّرْكَ وَهَدَمَ مَنَارَهُ، وَلَمْ يَزَلْ يُعَارِضُ بِبَيِّنَاتِهِ أَبَاطِيلَ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى مَهَّدَ الدِّينَ، وَأَبْطَلَ شُبَهَ الْمُلْحِدِينَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ صَلَاةً لَا يَنْتَهِي أَمَدُهَا، وَلَا يَنْقَطِعُ مَدَدُهَا، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ هَدَاهُمْ وَطَهَّرَهُمْ، وَبِصُحْبَتِهِ خَصَّهُمْ وَآثَرَهُمْ، وَسَلَّمَ كَثِيرًا. وَبَعْدَ هَذَا فَإِنَّ عُلُومَ الْقُرْآنِ غَزِيرَةٌ، وَضُرُوبَهَا جَمَّةٌ كَثِيرَةٌ، يَقْصُرُ عَنْهَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا وَيَتَقَلَّصُ عَنْهَا ذَيْلُهُ وإن كان سابقًا، وَقَدْ سَبَقَتْ لِي وَلِلَّهِ الْحَمْدُ مَجْمُوعَاتٌ تَشْتَمِلُ عَلَى أَكْثَرِهَا، وَتَنْطَوِي عَلَى غَرَرِهَا، وَفِيهَا لِمَنْ رَامَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا مَقْنَعٌ وَبَلَاغٌ، وَعَمَّا عَدَاهَا مِنْ جَمِيعِ الْمُصَنَّفَاتِ غُنْيَةٌ وَفَرَاغٌ، لِاشْتِمَالِهَا عَلَى عُظْمِهَا مُتَحَقِّقًا، وَتَأْدِيَتِهِ إِلَى مُتَأَمِّلِهِ مُتَّسِقًا، غَيْرَ أَنَّ الرَّغَبَاتِ الْيَوْمَ عَنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ صَادِفَةٌ كَاذِبَةٌ فِيهَا، قَدْ عَجَزَتْ قُوَى الْمَلَامِ عَنْ تَلَافِيهَا، فَآلَ الْأَمْرُ بِنَا إِلَى إِفَادَةِ الْمُبْتَدِئِينَ بِعُلُومِ الْكِتَابِ، إِبَانَةَ مَا أُنْزِلَ فِيهِ مِنَ الْأَسْبَابِ، إِذْ هِيَ أَوْفَى مَا يَجِبُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا، وَأَوْلَى مَا تُصْرَفُ الْعِنَايَةُ إِلَيْهَا، لِامْتِنَاعِ مَعْرِفَةِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَقَصْدِ سَبِيلِهَا، دُونَ الْوُقُوفِ عَلَى قِصَّتِهَا وَبَيَانِ نُزُولِهَا. وَلَا يَحِلُّ الْقَوْلُ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ الْكِتَابِ، إِلَّا بِالرِّوَايَةِ وَالسَّمَاعِ مِمَّنْ شاهدوا التنزيل، ووققوا عَلَى الْأَسْبَابِ، وَبَحَثُوا عَنْ عِلْمِهَا وَجَدُّوا فِي الطِّلَابِ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالْوَعِيدِ لِلْجَاهِلِ ذِي الْعِثَارِ فِي الْعِلْمِ بِالنَّارِ. أَخْبَرَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إبراهيم الواعظ قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حامد العطار قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عبد الجبار قال: حَدَّثَنَا لَيْثُ بن حماد قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "اتَّقُوا الْحَدِيثَ عَنِّي
إِلَّا مَا عَلِمْتُمْ فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَى الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" وَالسَّلَفُ الْمَاضُونَ رَحِمَهُمُ الله كانوا من أَبْعَدِ الْغَايَةِ احْتِرَازًا عَنِ الْقَوْلِ فِي نُزُولِ الْآيَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ الله المخلدي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بن نجيد قال: أَخْبَرَنَا أبو مسلم قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن حماد قال: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ محمد بن سيربن قَالَ: سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ عَنْ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَقُلْ سَدَادًا ذَهَبَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ فِيمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ. وَأَمَّا الْيَوْمُ فَكُلُّ أَحَدٍ يَخْتَرِعُ شَيْئًا وَيَخْتَلِقُ إِفْكًا وَكَذِبًا مُلْقِيًا زِمَامَهُ إِلَى الْجَهَالَةِ غَيْرَ مُفَكِّرٍ فِي الْوَعِيدِ لِلْجَاهِلِ بِسَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ وَذَلِكَ الَّذِي حَدَا بِي إِلَى إِمْلَاءِ هَذَا الْكِتَابِ الْجَامِعِ لِلْأَسْبَابِ، لِيَنْتَهِيَ إِلَيْهِ طَالِبُوا هَذَا الشَّأْنِ وَالْمُتَكَلِّمُونَ فِي نُزُولِ الْقُرْآنِ، فَيَعْرِفُوا الصِّدْقَ وَيَسْتَغْنُوا عَنِ التَّمْوِيهِ وَالْكَذِبِ وَيَجِدُّوا فِي تَحَفُّظِهِ بَعْدَ السَّمَاعِ وَالطَّلَبِ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْقَوْلِ أَوَّلًا فِي مَبَادِئِ الْوَحْيِ وَكَيْفِيَّةِ نُزُولِ الْقُرْآنِ ابْتِدَاءً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَعَهُّدِ جِبْرِيلَ إِيَّاهُ بِالتَّنْزِيلِ، وَالْكَشْفِ عَنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ وَالْقَوْلُ فِيهَا عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ، ثُمَّ نَفْرَغُ لِلْقَوْلِ مُفَصَّلًا فِي سَبَبِ نُزُولِ كُلِّ آيَةٍ رُوِيَ لَهَا سَبَبٌ مَقُولٌ، مَرْوِيٌّ مَنْقُولٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَالسَّدَدِ وَالْآخِذُ بِنَا عَنِ الْعَاثُورِ إِلَى الْجَدَدِ.
القول في أول ما نزل من القرآن
القول في أول ما نزل من القرآن أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بن إبراهيم المقري قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حامد الأصفهاني قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحسن الحافظ قال: حدثني مُحَمَّدُ بن يحيى قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ شهاب الزهري قال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: "أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانِ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءً فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى فَجَأَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: "اقْرَأْ" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ" قَالَ: "فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ: فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطِّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ: فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} حَتَّى بَلَغَ {مَا لَمْ يَعْلَمْ} (¬1) فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ، فَقَالَ: "زَمِّلُونِي" فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ: "يَا خَدِيجَةُ ما لي؟ " وأخبرها الْخَبَرَ، وَقَالَ: "قَدْ خَشِيتُ عَلَيَّ" فَقَالَتْ لَهُ: كَلَّا أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. ¬
أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الحسين الطبري قال: أَخْبَرَنَا جَدِّي حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ الحسن الحافظ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن بشر قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّبْغِيِّ عَنْ بِشْرِ بْنِ مُوسَى عَنِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن إبراهيم المقري قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ محمد الجرجاني قال: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ محمد الحافظ قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إسحاق حدثهم قال: حَدَّثَنَا يعقوب الدورقي قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بن زياد قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بن واقد قال: حدثني أبي قال: حَدَّثَنِي يَزِيدُ النَّحْوِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ قَالَا: أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فَهُوَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ وَأَوَّلُ سُورَةٍ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ محمد الفارسي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الفضل التاجر قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحسن الحافظ قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يحيى قال: حَدَّثَنَا أبو صالح قال: حدثني الليث قال: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابن شهاب قال: أخبرني مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ عُلَمَائِهِمْ يَقُولُ: كَانَ أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} قالوا: هَذَا صَدْرُهَا الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حِرَاءٍ، ثُمَّ أُنْزِلَ آخِرُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا شاء الله. فأما الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي رُوِيَ: "أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ" فَهُوَ مَا أَخْبَرَنَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إسحاق الثعالبي قال: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بن حامد قال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يعقوب قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ زيد التنيسي، قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ الأوزاعي قال: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قبل؟ قال: {يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّرُ} قُلْتُ: أَوْ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ: أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قبل؟ قال: {يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّرُ} قَالَ قُلْتُ: أَوْ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} قَالَ جَابِرٌ: أُحَدِّثُكُمْ مَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إِنِّي جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الْوَادِي، فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فِي الْهَوَاءِ - يَعْنِي جِبْرِيلَ - فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَأَمَرْتُهُمْ فَدَثَّرُونِي ثُمَّ صَبُّوا عَلَيَّ الْمَاءَ فَأَنْزَلَ الله عليّ {يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} (¬1) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ. وَهَذَا لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَذَلِكَ أَنَّ جَابِرًا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْقِصَّةَ الْأَخِيرَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَوَّلَهَا فَتَوَهَّمَ أَنَّ سُورَةَ الْمُدَّثِّرِ أَوَّلُ مَا نَزَلَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ سُورَةِ (اقْرَأْ) . وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن أبي حامد قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن عبد الله بْنِ محمد بن زكريا قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يحيى قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرزاق قال: حدثنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرٍ قال: سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ فَقَالَ في حديثه: "فبينما أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جاءني بحراء جالسًا عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَجَثَثْتُ مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَدَثَّرُونِي فأنزل الله {يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّرُ} ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلَاهُمَا عَنْ ¬
عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَبَانَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَحْيَ كَانَ قَدْ فَتَرَ بَعْدَ نُزُولِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ثم نزل {يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّرُ} وَالَّذِي يُوَضِّحُ مَا قُلْنَا إِخْبَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمَلَكَ الَّذِي جَاءَ بِحِرَاءٍ جَالِسٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ إِنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ نُزُولِ (اقْرَأْ) . أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بن محمد المقري قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بن محمد المقري قال: حَدَّثَنَا أبو الشيخ قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بن أيوب قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بن شقيق قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ واقد قال: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ يَقُولُ: أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وآخر سورة نزلت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ: الْمُؤْمِنُونَ، وَيُقَالُ: الْعَنْكَبُوتُ؛ وَأَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} (¬1) وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِي الْمَدِينَةِ: {بَرَاءَةٌ} وأول سورة علمها رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ: {وَالنَّجْمِ} ؛ وَأَشَدُّ آيَةٍ عَلَى أَهْلِ النَّارِ {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} (¬2) وَأَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} الْآيَةَ (¬3) . وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} (¬4) وَعَاشَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهَا تِسْعَ لَيَالٍ. ¬
القول في آخر ما نزل من القرآن
القول في آخر ما نزل من القرآن أَخْبَرَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاعِظُ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بن مطر قال: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الحباب الجمحي قال: حَدَّثَنَا أَبُو الوليد قال: حَدَّثَنَا شعبة قال: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} (¬1) وآخر سورة أنزلت: {بَرَاءَةٌ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَرَوَاهُ في موضع آخرعن أَبِي الْوَلِيدِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بكر التميمي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو محمد الحياني قال: حَدَّثَنَا أَبُو يحيى الرازي قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ بن عثمان قال: حَدَّثَنَا ابن الْمُبَارَكِ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ سَمِعْتُ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيَّ يَقُولُ: آخر آية أنزلت: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ} أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن النحوي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن سنان المقري قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عليّ الموصلي قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن الأحمس قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن فضيل قال: حَدَّثَنَا الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ¬
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} قَالَ: ذَكَرُوا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَآخِرَ آيَةِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ نَزَلَتَا آخِرَ الْقُرْآنِ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إبراهيم الصوفي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن يعقوب، قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الله العبدي، قال: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بن إبراهيم قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} وَقَرَأَهَا إِلَى آخِرِ السُّورَةِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ بَكَّارِ ابن قُتَيْبَةَ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عن شعبة. أخبرني أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي كِتَابِهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ الْحَدَّادِيَّ أَخْبَرَهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بن يزيد قال: أخبرنا إِسْحَاقُ بن إبراهيم قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: أَحْدَثُ الْقُرْآنِ بِاللَّهِ عَهْدًا {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} (¬1) الْآيَةَ، وَأَوَّلُ يَوْمٍ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِيهِ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَبُو إسحاق الثعالبي، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زكريا الشيباني، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن الدغولي، قال: حدثنا ابْنُ أبي خيثمة قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن إسماعيل، قال: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بن ميمون، قال: حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ رجلا قال: يا رسول اللَّهِ أَرَأَيْتَ صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ قَالَ: "فِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ الْقُرْآنُ وَأَوَّلُ شَهْرٍ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ شَهْرُ رَمَضَانَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (¬2) أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حمدان النصروي، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن ماسي قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عبد الله قال: ¬
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءِ بْنِ الهيثم الغداني قال: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ وَاثِلَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "نَزَلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الزَّبُورُ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ".
القول في آية التسمية وبيان نزولها
القول في آية التسمية وبيان نزولها أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن إبراهيم المقري قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ محمد الجرجاني قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن الجوهري قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بن مندة قال: حَدَّثَنَا أبو كريب قال: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن سعيد قال: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "يَا مُحَمَّدُ اسْتَعِذْ ثُمَّ قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ". أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ أبي إسحاق قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن أحمد الخلال قال: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زيد البجلي قال: حَدَّثَنَا أبو كريب قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَعْرِفُ خَتْمَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طاهر البغدادي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بن مطر قال: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ علي الذهلي قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن يحيى قال: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَجَّاجِ الْعَبْدِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ ذَكَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا لَا نَعْلَمُ فَصْلَ مَا بَيْنَ السُّورَتَيْنِ حَتَّى تَنْزِلَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن جعفر قال: أخبرنا جدي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ محمد الحرشي قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يحيى قال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَتْ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فِي كُلِّ سُورَةٍ.
سورة الفاتحة
القول في سورة الفاتحة اخْتَلَفُوا فِيهَا فَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ هِيَ مَكِّيَّةٌ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ من القرآن. حدثنا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أحمد الزاهد قال: أخبرنا جدي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عمرو الحِيري قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ وَعَلِيُّ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بكير قال: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا بَرَزَ سَمِعَ مُنَادِيًا يُنَادِيهِ: "يَا مُحَمَّدُ، فَإِذَا سَمِعَ الصَّوْتَ انْطَلَقَ هَارِبًا، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ فَاثْبُتْ حَتَّى تَسْمَعَ مَا يَقُولُ لَكَ: قَالَ: فَلَمَّا بَرَزَ النِّدَاءَ: "يَا مُحَمَّدُ"، فَقَالَ: لَبَّيْكَ، قَالَ: قُلْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: قُلْ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} حَتَّى فَرَغَ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ" وَهَذَا قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُفَسِّرُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسن بن جعفر المفسر قال: أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ محمود المروزي قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمود السعدي قال: حَدَّثَنَا أَبُو يحيى القصري قال: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب عليه السلام قَالَ: نَزَلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ بِمَكَّةَ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ السَّعْدِيِّ حَدَّثَنَا عَمْرُو بن صالح قال: حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ فَقَالَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: دَقَّ اللَّهُ
فَاكَ أَوْ نَحْوَ هَذَا. قَالَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، وَعِنْدَ مُجَاهِدٍ أَنَّ الْفَاتِحَةَ مَدَنِيَّةٌ. قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: لِكُلِّ عَالِمٍ هَفْوَةٌ وَهَذِهِ بَادِرَةٌ مِنْ مُجَاهِدٍ لِأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَالْعُلَمَاءُ عَلَى خِلَافِهِ. وَمِمَّا يُقْطَعُ بِهِ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} يَعْنِي: الْفَاتِحَةَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن النحوي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عليّ الحيري قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بن المثنى قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن أيوب قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن جعفر قال: أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَرَأَ عَلَيْهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أُمَّ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلَهَا، إِنَّهَا لَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ". وَسُورَةُ الْحِجْرِ مَكِّيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَمْتَنَّ عَلَى رَسُولِهِ بِإِيتَائِهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَهُوَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ يُنْزِلُهَا بِالْمَدِينَةِ وَلَا يَسَعُنَا الْقَوْلُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ بِمَكَّةَ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً يُصَلِّي بِلَا فَاتِحَةِ الْكِتَابِ هَذَا مِمَّا لَا تَقْبَلُهُ الْعُقُولُ!.
سورة البقرة
سورة البقرة مَدَنِيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن إبراهيم قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن حامد قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن يوسف قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سفيان الصغير قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سفيان الكبير قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بن عمار قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بن مسلم قال: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ زُرَيْقٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ البقرة. (¬1) - قوله - عز وجل - {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ} {1، 2} . أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الثقفي الزعفراني قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بن مطر قال: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بن الليث قال: أخبرنا أبو حذيفة قال: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَرْبَعُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ نَزَلَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَآيَتَانِ بَعْدَهَا نَزَلَتَا في الكافرين، وثلاث عَشْرَةَ بَعْدَهَا نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ. (¬2) - وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} {6} . قَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ وَخَمْسَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الْيَهُودَ. ¬
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا} {14} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا شَيْبَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ عَنِ الكلبي عن أبي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَرَجُوا ذَاتَ يَوْمٍ فَاسْتَقْبَلَهُمْ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: انْظُرُوا كَيْفَ أَرُدُّ هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءَ عَنْكُمْ؟ فَذَهَبَ فَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالصِّدِّيقِ سَيِّدِ بَنِي تَيْمٍ، وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَثَانِي رَسُولِ اللَّهِ فِي الْغَارِ الْبَاذِلِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ؛ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عُمَرَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِسَيِّدِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، الْفَارُوقِ الْقَوِيِّ فِي دِينِ اللَّهِ، الْبَاذِلِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ؛ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ وَخَتَنِهِ، سَيِّدِ بَنِي هَاشِمٍ مَا خَلَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ افْتَرَقُوا؛ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَصْحَابِهِ: كَيْفَ رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ؟ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَافْعَلُوا كَمَا فَعَلْتُ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْرًا، فَرَجَعَ المسلمون إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. قوله تعالى: {يَا أَيّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} {21} . أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أحمد الزاهد قال: أخبرنا أبو عَلِيُّ بْنُ أحمد الفقيه قال: أَخْبَرَنَا أبو تراب الهستاني قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن بشر قال: حدثنا روح قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ نَزَلَ فِيهِ: {يَا أَيّهَا النَّاسُ} فَهُوَ مَكِّيٌّ وَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فَهُوَ مَدَنِيٌّ يَعْنِي أَنَّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ خِطَابُ أَهْلِ مَكَّةَ وَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} خِطَابُ أهل المدينة قوله: {يَا أَيّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} خِطَابٌ لِمُشْرِكِي مَكَّةَ إِلَى قَوْلِهِ: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} ¬
وَهَذِهِ الْآيَةُ نَازِلَةٌ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ جَزَاءَ الْكَافِرِينَ بِقَوْلِهِ: {النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} ذَكَرَ جَزَاءَ الْمُؤْمِنِينَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} {26} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ: لَمَّا ضرب الله سبحانه هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ لِلْمُنَافِقِينَ يَعْنِي قَوْلَهُ: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} وَقَوْلَهُ: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} قَالُوا: اللَّهُ أَجَلُّ وَأَعْلَى مِنْ أَنْ يَضْرِبَ الْأَمْثَالَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ الذُّبَابَ والعنكبوت في كتاب وَضَرَبَ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ الْمَثَلَ ضَحِكَتِ الْيَهُودُ وَقَالُوا: مَا يُشْبِهُ هَذَا كَلَامَ اللَّهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ فى كتابه قال: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أيوب الطبراني قال: حَدَّثَنَا بَكْرُ بن سهل قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ ¬
آلِهَةَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا} وَذَكَرَ كَيْدَ الْآلِهَةِ فَجَعَلَهُ كَبَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ، فَقَالُوا: أَرَأَيْتَ حَيْثُ ذَكَرَ اللَّهُ الذُّبَابَ وَالْعَنْكَبُوتَ فِيمَا أَنْزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى مُحَمَّدٍ، أَيُّ شَيْءٍ يَصْنَعُ بِهَذَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} {44} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذُكِرَ: نَزَلَتْ فِي يَهُودِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَقُولُ لِصِهْرِهِ وَلِذَوِي قَرَابَتِهِ وَلِمَنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ رَضَاعٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: اثْبُتْ عَلَى الدِّينِ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ وَمَا يَأْمُرُكَ بِهِ وهذا الرَّجُلُ يَعْنُونَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ أَمْرَهُ حَقٌّ، فَكَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِذَلِكَ وَلَا يَفْعَلُونَهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} {45} . عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ خِطَابٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَدَبٌ لِجَمِيعِ الْعِبَادِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَجَعَ بِهَذَا الْخِطَابِ إِلَى خِطَابِ الْمُسْلِمِينَ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} الْآيَةَ {62} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أحمد الحافظ قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جعفر الحافظ قال: حَدَّثَنَا أَبُو يحيى الرازي قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ العسكري قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَمَّا قَصَّ سَلْمَانُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِصَّةَ أَصْحَابِ الدَّيْرِ قَالَ: "هُمْ فِي النَّارِ" قَالَ سَلْمَانُ: فَأَظْلَمَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} إِلَى قَوْلِهِ: {يَحْزَنُونَ} قَالَ: فَكَأَنَّمَا كُشِفَ عَنِّي جَبَلٌ. ¬
(¬1) - أَخْبَرَنَا محمد بن عبد العزيز المروزي قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الحسين الحدادي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو يَزِيدَ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بن إبراهيم قال: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو عَنْ أَسْبَاطٍ عَنِ السُّدِّيِّ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} الْآيَةَ. قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ لَمَّا قَدِمَ سَلْمَانُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ يُخْبِرُ عَنْ عِبَادَتِهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانُوا يُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ وَيُؤْمِنُونَ بِكَ وَيَشْهَدُونَ أَنَّكَ تُبْعَثُ نَبِيًّا. فَلَمَّا فَرَغَ سَلْمَانُ مِنْ ثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "يَا سَلْمَانُ هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} وَتَلَا إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ". (¬2) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن جعفر قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن زكرياء قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن الدغولي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي خيثمة قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بن حماد قال: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، ¬
وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} الْآيَةَ، نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَكَانَ من أهل جندي سابور مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَمَا بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ نَازِلَةٌ فِي الْيَهُودِ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} الْآيَةَ {79} . نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ غَيَّرُوا صِفَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَدَّلُوا نَعْتَهُ، قَالَ الْكَلْبِيُّ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرْنَا: إِنَّهُمْ غَيَّرُوا صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِهِمْ وَجَعَلُوهُ آدَمَ سِبْطًا طَوِيلًا، وَكَانَ رَبْعَةً أَسْمَرَ، وَقَالُوا لِأَصْحَابِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ: انْظُرُوا إِلَى صِفَةِ النَّبِيِّ، الَّذِي يُبْعَثُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، لَيْسَ يُشْبِهُ نَعْتَ هَذَا، وَكَانَتْ لِلْأَحْبَارِ وَالْعُلَمَاءِ مَأْكَلَةٌ مِنْ سَائِرِ الْيَهُودِ، فخافوا أن يذهبوا مَأْكَلَتُهُمْ إِنْ بَيَّنُوا الصِّفَةَ، فَمِنْ ثَمَّ غَيَّرُوا. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} {80} . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن أَبِي القاسم الصوفي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد العطار قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عبد الجبار قال: حدثني أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سعد الزهري قال: حَدَّثَنِي أَبِي وَعَمِّي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابن إسحاق قال: حدثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة ويهود تَقُولُ: إِنَّمَا هَذِهِ الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ، إنما يُعَذَّبُ النَّاسُ فِي النَّارِ لِكُلِّ أَلْفِ سَنَةٍ مِنْ أيام الدنيا يوم واحد فِي النَّارِ مِنْ ¬
أَيَّامِ الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ سَبْعَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ يَنْقَطِعُ الْعَذَابُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} . (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَيَّانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي قَوْلِهِ: " وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً " قَالَ وَجَدَ أَهْلُ الْكِتَابِ مَا بَيْنَ طَرَفَيْ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ أربعين عامًا قالوا: لَنْ نُعَذَّبَ فِي النَّارِ إِلَّا مَا وَجَدْنَا فِي التَّوْرَاةِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ اقْتَحَمُوا فِي النَّارِ، فَسَارُوا فِي الْعَذَابِ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى سَقَرَ وَفِيهَا شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، إِلَى آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَةِ، فَقَالَ لَهُمْ خَزَنَةُ النَّارِ: يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ لَنْ تُعَذَّبُوا فِي النَّارِ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، فَقَدِ انْقَضَى الْعَدَدُ وَبَقِيَ الْأَبَدُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ} الْآيَةَ {75} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي السَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مُوسَى لِيَذْهَبُوا مَعَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا ذَهَبُوا مَعَهُ إِلَى الْمِيقَاتِ وَسَمِعُوا كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ، رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، فَأَمَّا الصَّادِقُونَ فَأَدَّوْا مَا سَمِعُوا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: سَمِعْنَا اللَّهَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ يَقُولُ: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَفْعَلُوا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَافْعَلُوا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَفْعَلُوا وَلَا بَأْسَ. ¬
وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ غَيَّرُوا آيَةَ الرَّجْمِ وَصِفَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} {89} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَتْ يَهُودُ خَيْبَرَ تُقَاتِلُ غَطَفَانَ، فَكُلَّمَا الْتَقَوْا هُزِمَتْ يَهُودُ خَيْبَرَ، فَعَاذَتِ الْيَهُودُ بِهَذَا الدُّعَاءِ وَقَالَتْ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِحَقِّ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي وَعَدْتَنَا أَنْ تُخْرِجَهُ لَنَا فِي آخِرِ الزَّمَانِ إِلَّا نَصَرْتَنَا عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَكَانُوا إِذَا الْتَقَوْا دَعَوْا بِهَذَا الدُّعَاءِ، فَهَزَمُوا غَطَفَانَ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَرُوا بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} أَيْ بِكَ يَا مُحَمَّدُ، إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَمُرُّ بِيَهُودَ فَيَلْقَوْنَ مِنْهُمْ أَذًى، وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَجِدُ نَعْتَ مُحَمَّدٍ فِي التَّوْرَاةِ، وَيَسْأَلُونَ اللَّهَ أَنْ يَبْعَثَهُ فَيُقَاتِلُونَ مَعَهُ الْعَرَبَ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَرُوا بِهِ حَسَدًا، وَقَالُوا: إِنَّمَا كَانَتِ الرُّسُلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَمَا بَالُ هَذَا مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدوًّا لِجِبْرِيلَ} الآية {97} . أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أحمد الزاهد قال: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أحمد الشيباني قال: أَخْبَرَنَا ¬
الْمُؤَمَّلُ بْنُ الْحَسَنِ بن عيسى قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بن سالم قال: أَخْبَرَنَا أبو نعيم قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ بُكَيْرٍ بن شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلَتِ الْيَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ نَسْأَلُكَ عَنْ أَشْيَاءَ فَإِنْ أَجَبْتَنَا فِيهَا اتَّبَعْنَاكَ، أَخْبِرْنَا مَنِ الَّذِي يَأْتِيكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا يَأْتِيهِ مَلَكٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - بِالرِّسَالَةِ بالوحيّ فَمَنْ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: "جِبْرِيلُ" قَالُوا: ذَاكَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْحَرْبِ وَبِالْقِتَالِ، ذَاكَ عَدُوُّنَا لَوْ قُلْتَ مِيكَائِيلُ الذي ينزل بالمطر والرحمة اتبعناك، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ} الْآيَةَ {98} . أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الأصفهاني قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الشيخ الحافظ قال: حَدَّثَنَا أَبُو يحيى الرازي قال: ¬
حَدَّثَنَا سَهْلُ بن عثمان قال: حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ دَاوُدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُنْتُ آتِي الْيَهُودَ عِنْدَ دِرَاسَتِهِمُ التَّوْرَاةَ فَأَعْجَبُ مِنْ مُوَافَقَةِ الْقُرْآنِ التَّوْرَاةَ، وَمُوَافَقَةُ التَّوْرَاةِ الْقُرْآنَ، فَقَالُوا: يَا عُمَرُ مَا أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْكَ، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالُوا: لِأَنَّكَ تَأْتِينَا وَتَغْشَانَا، قُلْتُ: إِنَّمَا أَجِيءُ لِأَعْجَبَ مِنْ تَصْدِيقِ كِتَابِ اللَّهِ بَعْضِهِ بَعْضًا وَمُوَافَقَةِ التَّوْرَاةِ الْقُرْآنَ، وَمُوَافِقَةِ القرآن التوراة، فبينما أَنَا عِنْدَهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَ ظهري، فقالوا: إن هَذَا صَاحِبُكَ فَقُمْ إِلَيْهِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ دخل خوخة في الْمَدِينَةِ، فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِمْ فقلت: أنشدكم بالله وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابٍ أَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ سَيِّدُهُمْ: قد نشدكم الله فَأَخْبِرُوهُ. فَقَالُوا: أَنْتَ سَيِّدُنَا فَأَخْبِرْهُ، فَقَالَ سَيِّدُهُمْ: إِنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ الله قال: فقلت: فَأَنْتَ أَهْلَكُهُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَمْ تَتَّبِعُوهُ، قَالُوا: إِنَّ لَنَا عَدُوًّا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَسِلْمًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَقُلْتُ: مَنْ عَدُوُّكُمْ، وَمَنْ سِلْمُكُمْ؟ قَالُوا: عَدُوُّنَا جِبْرِيلُ وَهُوَ مَلَكُ الْفَظَاظَةِ وَالْغِلْظَةِ وَالْآصَارِ وَالتَّشْدِيدِ؛ قُلْتُ: ومن سلمكم؟ قالوا: مِيكَائِيلُ وَهُوَ مَلَكُ الرَّأْفَةِ وَاللِّينِ وَالتَّيْسِيرِ قُلْتُ: فَإِنِّي أَشْهَدُ مَا يَحِلُّ لِجِبْرِيلَ أَنْ يُعَادِيَ سِلْمَ مِيكَائِيلَ، وَمَا يَحِلُّ لِمِيكَائِيلَ أَنْ يُسَالِمَ عدو جبريل، وإنهما جَمِيعًا وَمَنْ مَعَهُمَا أَعْدَاءٌ لِمَنْ عَادُوا وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمُوا. ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ الْخَوْخَةَ الَّتِي دَخَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَقْبَلَنِي فَقَالَ: يَا ابْنَ الخطاب ألا أقرؤك آيات نزلت عَلَيَّ قَبْلُ؟ قُلْتُ: بَلَى فَقَرَأَ: " {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ} الْآيَةَ حَتَّى بَلَغَ {وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} " قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُ إِلَّا أُخْبِرُكَ بِقَوْلِ الْيَهُودِ، فَإِذَا اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ قَدْ سَبَقَنِي بِالْخَبَرِ. قَالَ عُمَرُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَشَدَّ فِي دِينِ اللَّهِ مِنْ حَجَرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ حَبْرًا مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ مِنْ فَدَكَ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صوريا حاج النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَلَمَّا اتَّجَهَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ قَالَ: أيَّ ملك يأتي مِنَ السَّمَاءِ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ: وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا وَهُوَ وَلِيُّهُ قَالَ:
ذَاكَ عَدُوُّنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَلَوْ كَانَ مِيكَائِيلُ مَكَانَهُ لَآمَنَّا بِكَ، إن جبريل نزل بِالْعَذَابِ والقتال والشدة، فإنه عَادَانَا مِرَارًا كَثِيرَةً، وَكَانَ أَشَدُّ ذَلِكَ عَلَيْنَا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّنَا أَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَيُخَرَّبُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ بُخْتُنَصَّرَ، وَأَخْبَرَنَا بِالْحِينِ الَّذِي يُخَرَّبُ فِيهِ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُهُ بَعَثْنَا رَجُلًا مِنْ أَقْوِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي طَلَبِ بُخْتُنَصَّرَ لِيَقْتُلَهُ، فَانْطَلَقَ يَطْلُبُهُ حَتَّى لَقِيَهُ بِبَابِلَ غُلَامًا مِسْكِينًا لَيْسَتْ لَهُ قُوَّةٌ، فَأَخَذَهُ صَاحِبُنَا لِيَقْتُلَهُ فَدَفَعَ عَنْهُ جِبْرِيلُ، وَقَالَ لِصَاحِبِنَا: إِنْ كَانَ رَبُّكُمُ الَّذِي أَذِنَ في هلاككم فلا تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ تَقْتُلُهُ؟ فَصَدَّقَهُ صَاحِبُنَا وَرَجَعَ إِلَيْنَا، وَكَبُرَ بُخْتُنَصَّرَ وَقَوِيَ وَغَزَانَا وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَلِهَذَا نَتَّخِذُهُ عَدُوًّا فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّ جِبْرِيلَ عَدُوُّنَا أُمِرَ أَنْ يَجْعَلَ النُّبُوَّةَ فِينَا فَجَعَلَهَا فِي غَيْرِنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} {99} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا جَوَابٌ لِابْنِ صُورِيَّا حَيْثُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا مُحَمَّدُ مَا جِئْتَنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ، ما أُنْزِلَ عَلَيْكَ مِنْ آية بيّنة فنتبعك، بِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سلَيْمَانَ} الآية {102} . أخبرني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ العزيز القنطري قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الفضل الحدادي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو يزيد الخالدي قال: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بن إبراهيم قال: حدثنا جرير قال: أَخْبَرَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذْ قَالَ: إِنَّ الشَّيَاطِينَ كَانُوا يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ مِنَ السَّمَاءِ، فَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ بِكَلِمَةِ حَقٍّ فَإِذَا جَرَّبَ مِنْ أَحَدِهِمُ الصِّدْقَ كَذَبَ مَعَهَا سَبْعِينَ ¬
كَذْبَةً فَيُشْرِبُهَا قُلُوبَ النَّاسِ، فَاطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ سُلَيْمَانُ، فَأَخَذَهَا فَدَفَنَهَا تَحْتَ الْكُرْسِيِّ؛ فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ قَامَ شَيْطَانٌ بِالطَّرِيقِ فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كنز سليمان المنيع الَّذِي لَا كَنْزَ لَهُ مِثْلُهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: تَحْتَ الْكُرْسِيِّ فَأَخْرَجُوهُ، فَقَالُوا: هَذَا سِحْرٌ. فَتَنَاسَخَتْهُ الْأُمَمُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَ سُلَيْمَانَ {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ الشَّيَاطِينَ كتبوا السحر والنارنجيات عَلَى لِسَانِ آصِفَ: هَذَا مَا عَلَّمَ آصِفُ بْنُ بَرْخِيَا الْمَلِكَ ثُمَّ دَفَنُوهَا تَحْتَ مُصَلَّاهُ حِينَ نَزَعَ اللَّهُ مُلْكَهُ، وَلَمْ يَشْعُرْ بذلك سليمان؛ ولما مَاتَ سُلَيْمَانُ اسْتَخْرَجُوهُ مِنْ تَحْتِ مُصَلَّاهُ، وَقَالُوا لِلنَّاسِ: إِنَّمَا مَلَكَكُمْ سُلَيْمَانُ بِهَذَا فَتَعَلَّمُوهُ، فَأَمَّا عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا عِلْمَ سُلَيْمَانَ، وَأَمَّا السَّفَلَةُ فَقَالُوا: هَذَا عِلْمُ سُلَيْمَانَ، وَأَقْبَلُوا عَلَى تَعَلُّمِهِ، ورفضوا كتب أنبيائها فَفَشَتِ الْمَلَامَةُ لِسُلَيْمَانَ، فَلَمْ تَزَلْ هَذِهِ حَالُهُمْ حَتَّى بَعَثَ الله محمدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنزل اللَّهُ، عُذْرَ سُلَيْمَانَ عَلَى لِسَانِهِ وَأَظْهَرَ بَرَاءَتَهُ مِمَّا رُمِيَ بِهِ فَقَالَ: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ} الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْقُرَشِيُّ كِتَابَةً أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ زَكَرِيَّاءَ حَدَّثَهُمْ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ نَجْدَةَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَتَّابُ بن بشير عن خُصَيْفٌ قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ إِذَا نَبَتَتِ الشَّجَرَةُ قَالَ: لِأَيِّ دَاءٍ أَنْتِ؟ فَتَقُولُ لِكَذَا وَكَذَا؛ فَلَمَّا نَبَتَتْ شَجَرَةُ الْخُرْنُوبَةِ قَالَ: لِأَيِّ شَيْءٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: لِمَسْجِدِكَ أُخَرِّبُهُ قَالَ: تُخَرِّبِينَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: بِئْسَ الشَّجَرَةِ أَنْتِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ تُوُفِّيَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ فِي مَرْضَاهُمْ: لَوْ كَانَ لَنَا مِثْلُ سُلَيْمَانَ، فَأَخَذَتِ ¬
الشَّيَاطِينُ فكتبوا كتابًا وجعلوه فِي مُصَلَّى سُلَيْمَانَ وَقَالُوا: نَحْنُ نَدُلُّكُمْ عَلَى مَا كَانَ سُلَيْمَانُ يُدَاوِي بِهِ فَانْطَلَقُوا فَاسْتَخْرَجُوا ذَلِكَ الْكِتَابَ فَإِذَا فِيهِ سِحْرٌ رُقَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَا تَكْفُرْ} . قَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّ النَّاسَ فِي زَمَنِ سُلَيْمَانَ اكْتَتَبُوا السِّحْرَ فَاشْتَغَلُوا بِتَعَلُّمِهِ فَأَخَذَ سُلَيْمَانُ تِلْكَ الْكُتُبَ وَجَعَلَهَا فِي صُنْدُوقٍ فَدَفَنَهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ وَنَهَاهُمْ عن ذلك ولما مَاتَ سُلَيْمَانُ وَذَهَبَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْرِفُونَ دفنه الكتب، فتمثل شَيْطَانٌ عَلَى صُورَةِ إِنْسَانٍ فَأَتَى نَفَرًا مِنْ بني إسرائيل وقال: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزٍ لَا تَأْكُلُونَهُ أَبَدًا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَاحْفُرُوا تَحْتَ الْكُرْسِيِّ فَحَفَرُوا فَوَجَدُوا تِلْكَ الْكُتُبَ فَلَمَّا أَخْرَجُوهَا قَالَ الشَّيْطَانُ: إن سليمان ضبط الْجِنَّ والإنس والشياطين والطيور بِهَذَا، فَاتَّخَذَ بَنُو إِسْرَائِيلَ تِلْكَ الْكُتُبَ، فَلِذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يُوجَدُ السِّحْرُ فِي الْيَهُودِ، فَبَرَّأَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - سُلَيْمَانَ مِنْ ذَلِكَ وَأَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قوله تعالى: {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} الْآيَةَ {104} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِهَا، فَلَمَّا سَمِعَتْهُمُ الْيَهُودُ يَقُولُونَهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ وَكَانَ {رَاعِنَا} فِي كلام اليهود سبًّا قبيحًا فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا نَسُبُّ مُحَمَّدًا سِرًّا فَالْآنَ أَعْلَنُوا السَّبَّ لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِمْ، فَكَانُوا يَأْتُونَ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ {رَاعِنَا} وَيَضْحَكُونَ فَفَطِنَ بِهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَكَانَ عَارِفًا بلغة اليهود وقال: ¬
يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَئِنْ سَمِعْتُهَا مِنْ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ فَقَالُوا: أَلَسْتُمْ تَقُولُونَهَا لَهُ؟ فَأَنْزَلَ الله تعالى: {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الْآيَةَ {105} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا إِذَا قَالُوا لِحُلَفَائِهِمْ مِنَ الْيَهُودِ: آمِنُوا بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: هَذَا الَّذِي تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ لَيْسَ بِخَيْرٍ مِمَّا نَحْنُ عَلَيْهِ وَلَوَدِدْنَا لَوْ كَانَ خَيْرًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَكْذِيبًا لَهُمْ هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} {106} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ المشركين قالوا: أتَرَون إِلَى مُحَمَّدٍ يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ، بِأَمْرٍ ثُمَّ يَنْهَاهُمْ عَنْهُ وَيَأْمُرُهُمْ بِخِلَافِهِ وَيَقُولُ الْيَوْمَ قَوْلًا ويرجع عنه عَنْهُ غَدًا مَا هَذَا الْقُرْآنُ إِلَّا كَلَامَ مُحَمَّدٍ يَقُولُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَهُوَ كَلَامٌ يُنَاقِضُ بَعْضَهُ بَعْضًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} [النحل: 101] . الْآيَةَ: وَأَنْزَلَ أَيْضًا: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ} الْآيَةَ {108} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ وَرَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ اجْعَلْ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، وَوَسِّعْ لَنَا أَرْضَ مَكَّةَ، وَفَجِّرِ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا نُؤْمِنْ بِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ الْيَهُودَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ تَمَنَّعُوا عَلَى ¬
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنْ قائل يقول: يأتينا بِكِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ جُمْلَةً كَمَا أَتَى مُوسَى بِالتَّوْرَاةِ، وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ - وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَية المخزومي - إئتني بِكِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ: مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، إِلَى ابْنِ أَبِي أُمية، اعلم أني قَدْ أَرْسَلْتُ مُحَمَّدًا إِلَى النَّاسِ؛ وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الْآيَةَ {109} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ بعد وقعة بدر (¬1) أَلَمْ تَرَوْا إِلَى مَا أَصَابَكُمْ وَلَوْ كُنْتُمْ عَلَى الْحَقِّ مَا هُزِمْتُمْ، فَارْجِعُوا إِلَى دِينِنَا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. (¬2) - أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ محمد الفارسي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن الفضل قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن الحسن قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يحيى قال: حَدَّثَنَا أبو اليمان قال: حدثنا شُعَيْبٌ عن الزهريّ قال: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيَّ، كَانَ شَاعِرًا وَكَانَ يَهْجُو النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحَرِّضُ عَلَيْهِ كُفَّارَ قُرَيْشٍ فِي شِعْرِهِ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤْذُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ أَشَدَّ الْأَذَى، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ ¬
بِالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ} {113} . نَزَلَتْ فِي يَهُودِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ وَذَلِكَ أَنَّ وَفْدَ نَجْرَانَ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُمْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ فَتَنَاظَرُوا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ وَكَفَرُوا بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ وَقَالَتْ لَهُمُ النَّصَارَى: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، فَكَفَرُوا بِمُوسَى وَالتَّوْرَاةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ} الْآيَةَ {114} . نَزَلَتْ فِي طَطُوسَ الرُّومِيِّ وَأَصْحَابِهِ مِنَ النَّصَارَى، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ غَزَوْا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَتَلُوا مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَوْا ذَرَارِيهِمْ، وَحَرَقُوا التَّوْرَاةَ، وَخَرَّبُوا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَقَذَفُوا فِيهِ الْجِيَفَ. وَهَذَا قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: هُوَ بُخَتُنَصَّرُ وَأَصْحَابُهُ غَزَوُا الْيَهُودَ وَخَرَّبُوا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَأَعَانَتْهُمْ عَلَى ذَلِكَ النَّصَارَى مِنْ أَهْلِ الرُّومِ. (¬2) - وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ. نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْعِهِمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. ¬
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} {115} . اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُزُولِهَا. فَأَخْبَرَنَا أَبُو منصور المنصوري قال: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عمر الحافظ قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بن عليّ قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَبِيبٍ الْعُمَرِيُّ قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الملك العرزمي قال: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً كَنْتُ فِيهَا فَأَصَابَتْنَا ظُلْمَةٌ فَلَمْ نَعْرِفِ الْقِبْلَةَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَّا: قَدْ عَرَفْنَا الْقِبْلَةَ هِيَ هَاهُنَا قِبَلَ الشَّمَالِ، فَصَلَّوْا وَخَطُّوا خُطُوطًا وَقَالَ بَعْضُنَا: الْقِبْلَةُ هَاهُنَا قِبَلَ الْجَنُوبِ فَصَلَّوْا وَخَطُّوا خُطُوطًا فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ أَصْبَحَتْ تِلْكَ الْخُطُوطُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَلَمَّا قَفَلْنَا مِنْ سَفَرِنَا سَأَلْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، فَسَكَتَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (¬2) - أَخْبَرَنَا أبو منصور قال: أخبرنا علي قال: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بن صاعد قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل الأحمسي قال: حدثنا وكيع. قال: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ السَّمَّانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّفَرِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَلَمْ نَدْرِ كَيْفَ الْقِبْلَةُ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ منا على حاله، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ إلى ¬
النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} وَمَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْآيَةَ نَازِلَةٌ فِي التَّطَوُّعِ بِالنَّافِلَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بن عبدان قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الحافظ قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يعقوب قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بن شاكر قال: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أُنْزِلَتْ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أَنْ تُصَلِّيَ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ فِي التَّطَوُّعِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: إن النجاشي لما توفي قال جبريل للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّ النَّجَاشِيَّ تُوُفِّيَ، فَصَلِّ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْضُرُوا وَصَفَّهُمْ ثُمَّ تَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهُمْ: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُصَلِّيَ عَلَى النَّجَاشِيِّ وَقَدْ تُوُفِّيَ فَصَلُّوا عَلَيْهِ" فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْفُسِهِمْ: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ، وهو يصلي على غير قِبْلَتِنَا؟ وَكَانَ النَّجَاشِيُّ يُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى مَاتَ وَقَدْ
صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} وَمَذْهَبُ قَتَادَةَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وجوهَكمْ شَطْرَه} فهذا قَوْلُ ابن عباس عند عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَقَالَ: أَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ شَأْنُ الْقِبْلَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} قَالَ: فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَتَرَكَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ، ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. (¬1) - وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أبي طلحة لوالبي: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَكَانَ أَكْثَرُ أَهْلِهَا الْيَهُودَ، أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَفَرِحَتِ الْيَهُودُ. فَاسْتَقْبَلَهَا بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ، فَلَمَّا صَرَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهَا ارْتَابَ مِنْ ذَلِكَ الْيَهُودُ وَقَالُوا: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} {116} . نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حَيْثُ قَالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَفِي نَصَارَى نَجْرَانَ حَيْثُ قَالُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَفِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ حَيْثُ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} {119} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: "لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ أَبَوَايَ؟ " فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. ¬
وَهَذَا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: {وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} جَزْمًا وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَوْ أنزل اللَّهَ بَأْسَهُ بِالْيَهُودِ لَآمَنُوا" فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى} الْآيَةَ {120} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الهدنة ويطمعون أنهم إذا هَادَنَهُمْ وَأَمْهَلَهُمُ اتَّبَعُوهُ وَوَافَقُوهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا فِي الْقِبْلَةِ وَذَلِكَ أَنَّ يَهُودَ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ كَانُوا يَرْجُونَ أَنْ يُصَلِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى قِبْلَتِهِمْ فَلَمَّا صَرَفَ اللَّهُ الْقِبْلَةَ إِلَى الْكَعْبَةِ شَقَّ ذلك عليهم، فيئسوا مِنْهُ أَنْ يُوَافِقَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} {121} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَالْكَلْبِيِّ: نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ السَّفِينَةِ الَّذِينَ أَقْبَلُوا مَعَ جَعْفَرِ ابن أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ كَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنَ الْحَبَشَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِيمَنْ آمَنَ مِنَ الْيَهُودِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ¬
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} الْآيَةَ {133} . نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ يَعْقُوبَ يَوْمَ مَاتَ أَوْصَى بَنِيهِ بِالْيَهُودِيَّةِ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} {135} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي رُؤُوسِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ: كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَمَالِكِ بْنِ الصَّيْفِ، وَوَهْبِ بْنِ يَهُوذَا، وَأَبِي يَاسِرِ ابن أَخْطَبَ؛ وَفِي نَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَاصَمُوا الْمُسْلِمِينَ فِي الدِّينِ، كُلُّ فِرْقَةٍ تَزْعُمُ أَنَّهَا أَحَقُّ بِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِهَا، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: نَبِيُّنَا مُوسَى أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ، وَكِتَابُنَا التَّوْرَاةُ أَفْضَلُ الْكُتُبِ، وَدِينُنَا أَفْضَلُ الْأَدْيَانِ، وَكَفَرَتْ بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ وَمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ وَقَالَتِ النَّصَارَى: نَبِيُّنَا عِيسَى أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَكِتَابُنَا الْإِنْجِيلُ أَفْضَلُ الْكُتُبِ وَدِينُنَا أَفْضَلُ الْأَدْيَانِ وَكَفَرَتْ بِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ. وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لِلْمُؤْمِنِينَ: كُونُوا عَلَى دِينِنَا فَلَا دِينَ إِلَّا ذَلِكَ وَدَعَوْهُمْ إِلَى دِينِهِمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} {138} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ النَّصَارَى كَانَ إِذَا وُلِدَ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ فَأَتَى عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ، صَبَغُوهُ فِي مَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ له: المعمودي ليظهروه بِذَلِكَ، وَيَقُولُونَ: هَذَا طَهُورٌ مَكَانَ الْخِتَانِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ قَالُوا: الْآنَ صَارَ نَصْرَانِيًّا حَقًّا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. نَزَلَتْ فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ. ¬
(¬1) - قوله تعالى: {سَيَقول السّفَهَاء مِنَ النَّاسِ} الآية {142} . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن جعفر قال: أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بن أحمد قال: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بن مصعب قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن حكيم قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رجاء قال: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} إِلَى آخر الآية، فقال السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ - وَهُمُ الْيَهُودُ - مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} {143} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ: كَانَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ مَاتُوا عَلَى الْقِبْلَةِ الْأُولَى، ¬
مِنْهُمْ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَأَبُو أُمَامَةَ أَحَدُ بَنِي النَّجَّارِ، وَالْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ أَحَدُ بَنِي سَلَمَةَ، وَأُنَاسٌ آخَرُونَ، جَاءَتْ عَشَائِرُهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوُفِّيَ إِخْوَانُنَا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى الْقِبْلَةِ الْأُولَى، وَقَدْ صَرَفَكَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ، فَكَيْفَ بِإِخْوَانِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} الْآيَةَ. ثُمَّ قَالَ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ صَرَفَنِي عَنْ قِبْلَةِ الْيَهُودِ إِلَى غَيْرِهَا" وَكَانَ يُرِيدُ الْكَعْبَةَ، لِأَنَّهَا قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: "إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِثْلُكَ لَا أَمْلِكُ شَيْئًا فَسَلْ رَبَّكَ أَنْ يُحَوِّلَكَ عَنْهَا إِلَى قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ" ثُمَّ ارْتَفَعَ جِبْرِيلُ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدِيمُ النَّظَرَ إِلَى السَّمَاءِ رَجَاءَ أَنْ يَأْتِيَهُ جِبْرِيلُ بِمَا سَأَلَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ محمد المنصوري قال: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى قال: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ ¬
قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عياش قال: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ عَلِمَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - هَوَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} الْآيَةَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ؛ ورواه الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ زُهَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} الْآيَةَ {146} . نَزَلَتْ فِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ كَانُوا يَعْرِفُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنعته وصفته وبعثه فِي كِتَابِهِمْ كَمَا يَعْرِفُ أَحَدُهُمْ وَلَدَهُ إِذَا رَآهُ مَعَ الْغِلْمَانِ؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: لَأَنَا أَشَدَّ مَعْرِفَةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنِّي بِابْنِي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَكَيْفَ ذَاكَ يَا ابْنَ سَلَامٍ؟ قَالَ: لِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا يَقِينًا، وَأَنَا لَا أَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَى ابْنِي، لِأَنِّي لَا أَدْرِي مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَفَّقَكَ اللَّهُ يَا ابْنَ سَلَامٍ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ} الْآيَةَ {154} . نَزَلَتْ فِي قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانُوا بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، ثَمَانِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ وَسِتَّةً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ لِلرَّجُلِ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَاتَ فُلَانٌ وَذَهَبَ عَنْهُ نَعِيمُ الدُّنْيَا وَلَذَّاتُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الْآيَةَ {158} . أَخْبَرَنَا سَعِيدُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ أحمد الزاهد قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي بكر الفقيه قال: أَخْبَرَنَا ¬
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد العزيز قال. حدثنا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الله الزبيري. قال: حدثني مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الأنصار، كانوا يهلون لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ. (¬1) - أخبرنا أَبُو بكر التميمي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الشيخ الحافظ قال: حَدَّثَنَا أَبُو يحيى الرازي قال: حَدَّثَنَا سهل العسكري قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي نَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، كَانُوا إِذَا أَهَلُّوا أَهَلُّوا لِمَنَاةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا قَدِموا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَجِّ ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. (¬2) - وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: كُنَّا نَكْرَهُ الطَّوَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّهُمَا كانا من مشاعر قُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَرَكْنَاهُ فِي الْإِسْلَامِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
(¬1) - وَقَالَ عَمْرُو بْنُ حُبْشِيٍّ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: انْطَلِقْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَلْهُ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كَانَ عَلَى الصَّفَا صَنَمٌ عَلَى صُورَةِ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: إِسَافٌ، وَعَلَى الْمَرْوَةِ صَنَمٌ عَلَى صُورَةِ امْرَأَةٍ تُدْعَى نَائِلَةَ، زَعَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُمَا زَنَيَا فِي الْكَعْبَةِ فَمَسَخَهُمَا اللَّهُ تعالى حجرين، ووضعهما عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيُعْتَبَرَ بِهِمَا، فَلَمَّا طَالَتِ الْمُدَّةُ عُبِدَا مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا طَافُوا بَيْنَهُمَا مَسَحُوا عَلَى الْوَثَنَيْنِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ وَكُسِرَتِ الْأَصْنَامُ كَرِهَ الْمُسْلِمُونَ الطَّوَافَ لِأَجْلِ الصَّنَمَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَعْزِفُ الشَّيَاطِينُ بِاللَّيْلِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا آلِهَةٌ، فَلَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ قَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا نَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ شِرْكٌ كُنَّا نَصْنَعُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الوهاب البزار قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن سنان قال: أَخْبَرَنَا حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن شعيب قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن بكار قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانُوا يُمْسِكُونَ عَنِ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَكَانَا مِنْ شَعَائِرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَكُنَّا نَتَّقِي الطَّوَافَ بِهِمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الْآيَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَاصِمٍ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} {159} . نَزَلَتْ فِي عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكِتْمَانِهِمْ آيَةَ الرَّجْمِ وَأَمْرِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الْآيَةَ {164} . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ طاهر التميمي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بن مطر قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الزيادي قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ النهدي قال: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عطاء قال: أنزلت بالمدينة على النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} فَقَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ: كَيْفَ يَسَعُ ¬
النَّاسَ إِلَهٌ وَاحِدٌ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} حَتَّى بَلَغَ {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الأصبهاني قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد الحافظ قال: حَدَّثَنَا أَبُو يحيى الرازي قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عثمان العسكري قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} تَعَجَّبَ الْمُشْرِكُونَ وَقَالُوا: إِلَهٌ وَاحِدٌ؟ إِنْ كَانَ صَادِقًا فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. قوله تعالى: {يَا أَيّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} {168} . قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ: نَزَلَتْ فِي ثَقِيفٍ وَخُزَاعَةَ وَعَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ وَحَرَّمُوا الْبَحِيرَةَ وَالسَّائِبَةَ وَالْوَصِيلَةَ وَالْحَامِي. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ} {174} . قَالَ ¬
الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ وَعُلَمَائِهِمْ، كَانُوا يُصِيبُونَ مِنْ سَفَلَتِهِمُ الْهَدَايَا وَالْفُضُولَ، وَكَانُوا يَرْجُونَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ الْمَبْعُوثُ مِنْهُمْ، فَلَمَّا بُعِثَ مِنْ غَيْرِهِمْ خَافُوا ذَهَابَ مَأْكَلَتِهِمْ وَزَوَالَ رِيَاسَتِهِمْ، فَعَمَدُوا إِلَى صِفَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَيَّرُوهَا ثُمَّ أَخْرَجُوهَا إِلَيْهِمْ، وَقَالُوا: هَذَا نَعْتُ النَّبِيِّ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، لَا يُشْبِهُ نَعْتَ هَذَا النَّبِيِّ الَّذِي بِمَكَّةَ فَإِذَا نَظَرَتِ السَّفَلَةُ إلى النعت المتغير وَجَدُوهُ مُخَالِفًا لِصِفَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَتْبَعُونَهُ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} الْآيَةَ {177} . قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْبِرِّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَالَ: وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ قَبْلَ الْفَرَائِضِ إِذَا شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - قوله تعالى: {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الْآيَةَ {178} . قَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ قِتَالٌ، وَكَانَ لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ طُولٌ عَلَى الْآخَرِ، فَقَالُوا: نَقْتُلُ بِالْعَبْدِ مِنَّا الْحُرَّ مِنْكُمْ، وَبِالْمَرْأَةِ الرَّجُلَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. (¬3) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} {187} . قَالَ ابْنُ ¬
عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ: وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِذَا صَلَّوُا الْعِشَاءَ حَرُمَ عَلَيْهِمُ النِّسَاءُ وَالطَّعَامُ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْقَابِلَةِ، ثُمَّ إِنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَصَابُوا مِنَ الطَّعَامِ وَالنِّسَاءِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فشكوا ذلك لرسول اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الأصفهاني قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الشيخ الحافظ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ محمد الرازي قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عثمان العسكري قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى ابن أبي زائدة قال: حَدَّثَنِي أَبِي وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا أَفْطَرُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَمَسُّونَ النِّسَاءَ مَا لَمْ يَنَامُوا فَإِذَا نَامُوا لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْقَابِلَةِ، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَأَتَى أَهْلَهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ، فَانْطَلَقَتِ امْرَأَتُهُ تَطْلُبُ شيئًا وغلبته عيناه فَنَامَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ مِنْ غَدٍ غشي عليه، قال: وَأَتَى عُمَرُ امْرَأَتَهُ وَقَدْ نَامَتْ، فَذُكِرَ ذلك للنبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزلت: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {الْفَجْرِ} فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ. (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي حامد قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محمد الشيباني قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن الدغولي قال: حدثنا الزعفراني قال: حَدَّثَنَا شبابة قال: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَطْعَمَ، لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ ¬
الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمُهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، وَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: خَيْبَةٌ لَكَ فَأَصْبَحَ صَائِمًا فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ محمد الفارسي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن الفضل قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ¬
قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بن عمار قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن حمزة قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: إِنَّ بَدْءَ الصَّوْمِ كَانَ يَصُومُ الرَّجُلُ مِنْ عِشَاءٍ إِلَى عِشَاءٍ، فَإِذَا نَامَ لَمْ يَصِلْ إِلَى أَهْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ، حَتَّى جَاءَ عُمَرُ إلى امرأته فقالت: إِنِّي قَدْ نِمْتُ، فَوَقَعَ بِهَا وَأَمْسَى صِرْمَةُ بْنُ أَنَسٍ صَائِمًا فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ، وَكَانُوا إِذَا نَامُوا لَمْ يَأْكُلُوا وَلَمْ يَشْرَبُوا، فَأَصْبَحَ صَائِمًا وكاد الصوم يقتله فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الرُّخْصَةَ قَالَ: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ قال: أَخْبَرَنَا جَدِّي قال: أخبرنا أبو عمرو الحيري قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يحيى قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أبي مريم قال: أَخْبَرَنَا أَبُو غسان قال: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} ¬
وَلَمْ يَنْزِلْ {مِنَ الْفَجْرِ} وكان رِجَالٌ إِذَا أَرَادُو الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلَيْهِ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ فَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ: {مِنَ الْفَجْرِ} فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَمَا يَعْنِي بِذَلِكَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} الْآيَةَ {188} . قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَابِسٍ الْكِنْدِيِّ، وَفِي عَبْدَانَ بْنِ أَشْوَعَ الْحَضْرَمِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَرْضٍ وَكَانَ امْرُؤُ الْقَيْسِ الْمَطْلُوبَ وَعَبْدَانُ الطَّالِبَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَحَكَمَ عَبْدَانُ فِي أَرْضِهِ، وَلَمْ يُخَاصِمْهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} الْآيَةَ {189} . قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ تَغْشَانَا وَيُكْثِرُونَ مَسْأَلَتَنَا عَنِ الْأَهِلَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ سَأَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَ خَلَقْتَ هَذِهِ الْأَهِلَّةَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَثَعْلَبَةَ بْنِ عَنْمَةَ وَهُمَا رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْهِلَالِ يَبْدُو فَيَطْلُعُ دَقِيقًا مِثْلَ الْخَيْطِ ثُمَّ ¬
يَزِيدُ حَتَّى يَعْظُمَ وَيَسْتَوِيَ وَيَسْتَدِيرَ، ثُمَّ لَا يَزَالُ يَنْقُصُ وَيَدِقُّ حَتَّى يَكُونَ كَمَا كَانَ، لَا يَكُونُ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ؟! فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} {189} . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبراهيم المزكي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بن مطر قال: أَخْبَرَنَا أَبُو خليفة قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ وَالْحَوْضِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: كَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَجَاءُوا لَا يَدْخُلُونَ مِنْ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، وَلَكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ فَدَخَلَ مِنْ قِبَلَ بَابٍ، فَكَأَنَّهُ عُيِّرَ بِذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو بكر التميمي قال: حَدَّثَنَا أبو الشيخ قال: حَدَّثَنَا أَبُو يحيى الرازي قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ بن عبيد قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تُدْعَى الْحُمْسَ، وَكَانُوا يَدْخُلُونَ مِنَ الْأَبْوَابِ فِي الْإِحْرَامِ وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ وَسَائِرُ الْعَرَبِ لَا يَدْخُلُونَ مِنْ بَابٍ فِي الْإِحْرَامِ، فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بُسْتَانٍ، إِذْ خَرَجَ مِنْ بَابِهِ وَخَرَجَ مَعَهُ قُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قُطْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رَجُلٌ فَاجِرٌ وَإِنَّهُ خَرَجَ مَعَكَ مِنَ الْبَابِ فَقَالَ لَهُ: "مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ " قَالَ: رَأَيْتُكَ فَعَلْتَهُ فَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتَ. فَقَالَ: "إِنِّي أَحْمَسِيٌّ" قَالَ: فَإِنَّ دِينِي دِينُكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} ¬
وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إِذَا أَحْرَمَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَدْخُلْ حَائِطًا وَلَا بَيْتًا وَلَا دَارًا مِنْ بَابِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمُدُنِ نَقَّبَ نَقْبًا فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ مِنْهُ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ، أَوْ يَتَّخِذُ سُلَّمًا فَيَصْعَدُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَبَرِ خَرَجَ مِنْ خَلْفِ الْخَيْمَةِ وَالْفُسْطَاطِ وَلَا يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ وَيَرَوْنَ ذَلِكَ دِينًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحُمْسِ، وَهُمْ قُرَيْشٌ وَكِنَانَةُ وَخُزَاعَةُ وَثَقِيفٌ وَخَثْعَمُ وَبَنُو عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَبَنُو النَّضْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ سُمُّوا حُمْسًا لِشِدَّتِهِمْ فِي دِينِهِمْ، قَالُوا: فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ بَيْتًا لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى أَثَرِهِ مِنَ الْبَابِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لِمَ دَخَلْتَ مِنَ الْبَابِ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ؟ " فَقَالَ: رَأَيْتُكَ دَخَلْتَ مِنَ الْبَابِ فَدَخَلْتُ عَلَى أَثَرِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إِنِّي أَحْمَسِيٌّ" قَالَ الرَّجُلُ: إِنْ كُنْتَ أَحْمَسِيًّا فَإِنِّي أَحْمَسِيٌّ، دِينُنَا وَاحِدٌ رَضِيتُ بِهَدْيِكَ وَسَمْتِكَ وَدِينِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} الْآيَةَ {190} . قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، نَحَرَ الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ صَالَحَهُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَامَهُ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَابِلَ عَلَى أَنْ يُخْلُوا لَهُ مَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ ويفعل ما شاء، وَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ تَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ لِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَخَافُوا أَنْ لَا تَفِيَ لَهُمْ قُرَيْشٌ بِذَلِكَ، وَأَنْ يَصُدُّوهُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَيُقَاتِلُوهُمْ، وَكَرِهَ أَصْحَابُهُ قِتَالَهُمْ فِي الشَّهْرِ الحرام، في الْحَرَامِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} يَعْنِي قُرَيْشًا. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} الْآيَةَ {194} . قَالَ قَتَادَةُ: أَقْبَلَ ¬
نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ دَخَلُوا مَكَّةَ، فَاعْتَمَرُوا فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَأَقَامُوا بِهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ فَخَرُوا عَلَيْهِ حِينَ رَدُّوهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَقَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى منهم، فأنزل الله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} {195} . أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ محمد الزاهد قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي بكر الفقيه قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بن الجنيد قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أيوب قال: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ دَاوُدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ، أَمْسَكُوا عَنِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ هُشَيْمٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: نَزَلَتْ فِي النَّفَقَاتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو بكر المهرجاني قال: أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللَّهِ بن بطة قال: أَخْبَرَنَا أَبُو القاسم البغوي قال: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بن خالد قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ¬
عَنْ دَاوُدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ ابن أَبِي جُبَيْرَةَ قَالَ: كَانَتِ الْأَنْصَارُ يَتَصَدَّقُونَ وَيُطْعِمُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ، فَأَمْسَكُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو منصور البغدادي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسن السراج قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الحضرمي قال: حدثنا هدبة قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَقُولُ: لَا يُغْفَرُ لِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بن عبدان قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بن هانئ قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَنَسٍ الْقُرَشِيُّ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ ¬
المقري قال: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بن شريح قال: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حبيب قال: أَخْبَرَنِي أَسْلَمُ أَبُو عِمْرَانَ قَالَ: كُنَّا بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى أَهْلِ الشَّامِ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ صَفٌّ عَظِيمٌ مِنَ الرُّومِ، وَصَفَفْنَا لَهُمْ صَفًّا عَظِيمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا مُقْبِلًا، فَصَاحَ النَّاسُ، فَقَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ أَلْقَى بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى غَيْرِ التَّأْوِيلِ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، إِنَّا لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ تَعَالَى دينه وكثر ناصروه، قُلْنَا بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ، فَلَوْ أَنَّا أَقَمْنَا فِيهَا وَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا هَمَمْنَا بِهِ، فَقَالَ: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فِي الْإِقَامَةِ الَّتِي أَرَدْنَا أَنْ نُقِيمَ فِي الْأَمْوَالِ فَنُصْلِحَهَا، فَأَمَرَنَا بِالْغَزْوِ، فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} {196} . أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر الزيادي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الحسن المحمدأباذي قال: حَدَّثَنَا العباس الدوري قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بن موسى قال: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصْفَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: فِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} وَقَعَ الْقَمْلُ فِي رَأْسِي فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " احْلِقْ وَافْدِهِ صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوِ النُّسُكَ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعٌ". أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبراهيم المزكي قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مطر إملاء قال: أَخْبَرَنَا أبو خليفة قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عن بشر قال: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: قَالَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "ادْنُهْ" فَدَنَوْتُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ: "أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ " قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: نَعَمْ؛ فَأَمَرَنِي بِصِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُكِ مَا تَيَسَّرَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الله المخلدي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسن السراج قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سليمان المروزي قال: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ علي قال: حَدَّثَنَا شعبة قال: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأصفهاني قال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ قَالَ: قَعَدْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ ¬
نُسُكٍ} قَالَ: حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: "مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْكَ هَذَا، مَا تَجِدُ شَاةً؟ " قُلْتُ: لَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} قَالَ: "صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ". فَنَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً، وَلَكُمْ عَامَّةً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ وَأَبِي الْوَلِيدِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ غُنْدَرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إبراهيم الصوفي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ علي الغفاري قال: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ محمد الرسعني قال: حَدَّثَنَا جدي قال: حدثنا المغيرة الصقلابي قال: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ بِشْرٍ الْمَكِّيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلْنَا الْحُدَيْبِيَةَ، جَاءَ كَعْبُ بن عجرة تنتثر هَوَامُّ رَأْسِهِ عَلَى جَبْهَتِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَمْلُ قَدْ أَكَلَنِي، قَالَ: "احْلِقْ وَافْدِهِ" قَالَ: فَحَلَقَ كَعْبٌ فَنَحَرَ بَقَرَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "الصِّيَامُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالنُّسُكُ شَاةٌ، وَالصَّدَقَةُ الْفَرْقُ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ". (¬1) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ محمد المنصوري قال: أخبرني عَلِيُّ بْنُ عمر الحافظ قال: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بن المهتدي قال: حَدَّثَنَا طَاهِرُ بْنُ عيسى التميمي قال: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ ابن عباد قال: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ مَاهَانَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، ¬
عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: مَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ لَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ: "أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ. "احْلِقْ" فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} قَالَ: "فَالصِّيَامُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالصَّدَقَةُ فَرَقٌ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَالنُّسُكُ شَاةٌ". أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الْهَرَوِيُّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ الْفَضْلِ بْنِ زَكَرِيَّا حَدَّثَهُمْ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ نَجْدَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْفَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ فَجَلَسَ إِلَيْنَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ شَأْنُكَ؟ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْرِمِينَ فَوَقَعَ الْقَمْلُ فِي رَأْسِي وَلِحْيَتِي وَشَارِبِي حَتَّى وَقَعَ في حاجبي فذكر ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْكَ هَذَا. ادْعُوا الْحَالِقَ". فَجَاءَ الْحَالِقُ فَحَلَقَ رَأْسِي. فَقَالَ: "هَلْ تَجِدُ نَسِيكَةً؟ " قُلْتُ: لَا وَهِيَ شَاةٌ. قَالَ: "فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ". قَالَ: فَأُنْزِلَتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهِيَ لِلنَّاسِ عَامَّةً.
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} {197} . أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عمرو المزكي قال: حدثنا محمد بن مكي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن يوسف قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن إسماعيل قال: حدثني يَحْيَى بْنُ بشير قال: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ يَقُولُونَ: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: كَانَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ فَيَحْمِلُ كَلَّهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} الْآيَةَ {198} أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْبَزَّارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ عليّ الزَّراع قال: أخبرنا عِيسَى بْنُ مساور قال: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الفزاري قال: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ التَّيْمِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ فَقُلْتُ: إِنَّا قَوْمٌ نُكْرَى فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنَّ ¬
قَوْمًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا حَجَّ لَنَا قَالَ: أَلَسْتُمْ تُلَبُّونَ؟ أَلَسْتُمْ تَطُوفُونَ؟ أَلَسْتُمْ تَسْعَوْنَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ أَلَسْتُمْ أَلَسْتُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى قَالَ: إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا سَأَلْتَ عَنْهُ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ حَتَّى نَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فَدَعَاهُ فَتَلَا عَلَيْهِ حِينَ نَزَلَتْ. فَقَالَ: "أَنْتُمُ الْحُجَّاجُ". (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بكر التميمي قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن خشنام قال: حَدَّثَنَا أَبُو يحيى الرازي قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ بن عثمان قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ ذُو الْمَجَازِ وَعُكَاظُ مَتْجَرًا لِلنَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا، ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ. وَرَوَى مُجَاهِدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانُوا يَتَّقُونَ الْبُيُوعَ وَالتِّجَارَةَ فِي الْحَجِّ يَقُولُونَ أَيَّامُ ذِكْرِ اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فَاتَّجَرُوا. ¬
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} {199} . أَخْبَرَنَا التَّمِيمِيُّ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي ذَكَرْنَا، عَنْ يَحْيَى بْنِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتِ الْعَرَبُ تُفِيضُ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَقُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ بِدِينِهَا تُفِيضُ مِنْ جَمْعٍ مِنَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} (¬2) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جعفر المزكي، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن زكريا قال أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن السرخسي قال: أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي خيثمة قال: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عيينة قال: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دينار قال: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي يَوْمَ عَرَفَةَ، فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ بِعَرَفَةَ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِفًا مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ، فَقُلْتُ: هَذَا مِنَ الحمس ماله هنا؟ !. ¬
قَالَ سُفْيَانُ: وَالْأَحْمَسُ: الشَّدِيدُ الشَّحِيحُ عَلَى دِينِهِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُسَمَّى الْحُمْسَ، فَجَاءَهُمُ الشَّيْطَانُ فَاسْتَهْوَاهُمْ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ عَظَّمْتُمْ غَيْرَ حَرَمِكُمُ اسْتَخَفَّ النَّاسُ بِحَرَمِكُمْ فَكَانُوا لَا يَخْرُجُونَ مِنَ الْحَرَمِ وَيَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} يَعْنِي عَرَفَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} الْآيَةَ {200} . قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا اجْتَمَعُوا بِالْمَوْسِمِ ذَكَرُوا فِعْلَ آبَائِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَيَّامِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ فَتَفَاخَرُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَتِ الْأَعْرَابُ إِذَا حَدَّثُوا وتكلموا يَقُولُونَ: وَأَبِيكَ إِنَّهُمْ لَفَعَلُوا كَذَا وَكَذَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الْآيَةَ {204} . قَالَ السُّدِّيُّ نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ الثَّقَفِيِّ، وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَظْهَرَ لَهُ الْإِسْلَامَ وَأَعْجَبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ مِنْهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا جِئْتُ أُرِيدُ الْإِسْلَامَ، وَاللَّهُ يعلم إني صادق، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ} ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَرَّ بِزَرْعٍ لِقَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَحُمُرٍ فَأَحْرَقَ الزَّرْعَ وَعَقَرَ الْحُمُرَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} الْآيَةَ {207} . ¬
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَقْبَلَ صُهَيْبٌ مُهَاجِرًا نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاتَّبَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ وَنَثَرَ مَا فِي كِنَانَتِهِ وَأَخَذَ قَوْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْمَاكُمْ رَجُلًا، وَايْمُ اللَّهِ لَا تَصِلُونَ إِلَيَّ حَتَّى أَرْمِيَ بِمَا فِي كِنَانَتِي، ثُمَّ أَضْرِبُ بِسَيْفِي مَا بَقِيَ فِي يَدِي مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ افْعَلُوا ما شئتم قالوا: دُلَّنَا عَلَى بَيْتِكَ وَمَالِكَ بِمَكَّةَ وَنُخْلِي عَنْكَ، وَعَاهَدُوهُ إِنْ دَلَّهُمْ أَنْ يَدَعُوهُ فَفَعَلَ. فَلَمَّا قدم على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "أَبَا يَحْيَى رَبِحَ الْبَيْعُ رَبِحَ الْبَيْعُ"، وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ صُهَيْبًا فَعَذَّبُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ صُهَيْبٌ: إِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَضُرُّكُمْ أَمِنْكُمْ كُنْتُ أَمْ مِنْ غَيْرِكُمْ، فَهَلْ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مَالِي وَتَذَرُونِي وَدِينِي؟ فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَكَانَ قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ رَاحِلَةً وَنَفَقَةً، فَخَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَتَلَقَّاهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي رِجَالٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: رَبِحَ بَيْعُكَ أَبَا يَحْيَى، فَقَالَ صُهَيْبٌ: وَبَيْعُكَ فَلَا يَخْسَرُ، مَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ كَذَا، وَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَتَدْرُونَ فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؟ فِي أَنَّ الْمُسْلِمَ يَلْقَى الْكَافِرَ فَيَقُولُ لَهُ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قُلْتَهَا عَصَمْتَ مَالَكَ وَدَمَكَ فَأَبَى أَنْ يَقُولَهَا فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَاللَّهِ لَأَشْرِيَنَّ نَفْسِي لِلَّهِ فَتَقَدَّمَ فقاتل حتى يقتل. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِيمَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ. قَالَ أَبُو الْخَلِيلِ: سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنْسَانًا يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّا لِلَّهِ قَامَ رَجُلٌ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَقُتِلَ.
(¬1) - قَوْلُهُ - عز وجل - {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} الآية {208} . أَخْبَرَنِي أبو نعيم الأصبهاني فيما أذن لي فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّنْعَانِيِّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ حِينَ آمَنُوا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامُوا بِشَرَائِعِهِ وَشَرَائِعِ مُوسَى، فَعَظَّمُوا السَّبْتَ وَكَرِهُوا لُحْمَانَ الإبل وألبانها بعدما أَسْلَمُوا، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: إِنَّا نَقْوَى عَلَى هَذَا وَهَذَا وقالوا للنبيّ لله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّ التَّوْرَاةَ كِتَابُ اللَّهِ فَدَعْنَا فَلْنَعْمَلْ بِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} الْآيَةَ {214} . قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ حِينَ أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْجَهْدِ وَالشِّدَّةِ وَالْحَرِّ والخوف والبرد وسوء الْعَيْشِ وَأَنْوَاعِ الْأَذَى، وَكَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} (¬3) وَقَالَ عَطَاءٌ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ الْمَدِينَةَ اشْتَدَّ الضرّ عليهم، بأنهم خَرَجُوا بِلَا مَالٍ وَتَرَكُوا دِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، وَآثَرُوا رِضَا اللَّهِ وَرَسُولَهُ، وَأَظْهَرَتِ الْيَهُودُ الْعَدَاوَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَسَرَّ قَوْمٌ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ النِّفَاقَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ {أَمْ حَسِبْتُمْ} الْآيَةَ. (¬4) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} الْآيَةَ {215} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ: نَزَلَتْ فِي عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا ذَا مَالٍ ¬
كَثِيرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَاذَا نَتَصَدَّقُ؟ وَعَلَى مَنْ نُنْفِقُ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّ لِي دِينَارًا فَقَالَ: "أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ" فَقَالَ: إِنَّ لِي دِينَارَيْنِ، فَقَالَ: "أَنْفِقْهُمَا عَلَى أَهْلِكَ " فَقَالَ: إِنَّ لِي ثَلَاثَةً فَقَالَ: "أَنْفِقْهَا عَلَى خَادِمِكَ" فَقَالَ: إِنَّ لِي أربعة، فقال: "أنققها عَلَى وَالِدَيْكَ" فَقَالَ: إِنَّ لِي خَمْسَةً، فَقَالَ: "أَنْفِقْهَا عَلَى قَرَابَتِكَ" فَقَالَ: إِنَّ لِي سِتَّةً فَقَالَ: "أَنْفِقْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُوَ أَحْسَنُهَا". (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} الْآيَةَ {217} . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله الشيرازي قال: حدثنا أبو الفضل محمد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خميرويه الهروي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الخزاعي قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قال: أَخْبَرَنِي شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ سَرِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى هَبَطُوا نَخْلَةَ، وَوَجَدُوا بِهَا عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فِي عِيرِ تِجَارَةٍ لِقُرَيْشٍ فِي يوم بقي في الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَاخْتَصَمَ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: لَا نَعْلَمُ هَذَا الْيَوْمَ إِلَّا مِنَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَلَا نرى أن تستحلوا لِطَمَعٍ أَشْفَيْتُمْ عَلَيْهِ. فَغَلَبَ عَلَى الْأَمْرِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا، فَشَدُّوا عَلَى ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَقَتَلُوهُ وَغَنِمُوا، عِيرَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَكَانَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، فَرَكِبَ وَفْدٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: أَتُحِلُّ الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قلْ قِتَالٍ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. ¬
(¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ محمد الحارثي قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن جعفر قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ محمد الرازي قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عثمان قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَقَتَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقَدٍ اللَّيْثِيُّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ، وَأَسَرُوا رَجُلَيْنِ وَاسْتَاقُوا الْعِيرَ، فَوَقَفَ عَلَى ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: "لَمْ آمُرْكُمْ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ"، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ الشَّهْرَ الْحَرَامَ فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} أَيْ قَدْ كَانُوا يَفْتِنُونَكُمْ وَأَنْتُمْ فِي حَرَمِ اللَّهِ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، وَهَذَا أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ تَقْتُلُوهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ مَعَ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَمَّا نَزَلَ هَذَا قَبَضَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العير، ونادى الْأَسِيرَيْنِ وَلَمَّا فَرَّجَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ تِلْكَ السَّرِيَّةِ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ غَمٍّ طَمِعُوا فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ ثَوَابِهِ، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَنَطْمَعُ أَنْ تَكُونَ غَزْوَةً وَلَا نُعْطَى فِيهَا أَجْرَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَأَنْزَلَ الله تعالى فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا} الْآيَةَ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ - وَهُوَ ابْنُ عَمَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ قَبْلَ قِتَالِ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيَّ وَعُكَاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيَّ وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ السُّلَمِيَّ وَأَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَسُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ وَعَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ وَوَاقِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَخَالِدَ بْنَ بُكَيْرٍ، وَكَتَبَ لِأَمِيرِهِمْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ كِتَابًا وَقَالَ: "سِرْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ وَلَا ¬
تَنْظُرْ فِي الْكِتَابِ حَتَّى تَسِيرَ يَوْمَيْنِ فَإِذَا نَزَلْتَ مَنْزِلَيْنِ فَافْتَحِ الْكِتَابَ وَاقْرَأْهُ عَلَى أَصْحَابِكَ، ثُمَّ امْضِ لِمَا أَمَرْتُكَ، وَلَا تَسْتَكْرِهَنَّ أحدًا من أصحابه عَلَى الْمَسِيرِ مَعَكَ"، فَسَارَ عَبْدُ اللَّهِ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ نَزَلَ وَفَتَحَ الْكِتَابَ فَإِذَا فِيهِ:. "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَمَّا بَعْدُ، فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ بِمَنِ تَبِعَكَ مِنْ أَصْحَابِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بَطْنَ نَخْلَةٍ فَتَرْصُدَ بِهَا عِيرَ قُرَيْشٍ لَعَلَّكَ أَنْ تَأْتِيَنَا مِنْهُ بِخَبَرٍ" فَلَمَّا نَظَرَ عَبْدُ اللَّهِ الْكِتَابِ قَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً، وقال لِأَصْحَابِهِ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نَهَانِي أَنْ أَسْتَكْرِهَ واحدًا مِنْكُمْ. حَتَّى إِذَا كَانَ بِمَعْدِنٍ فَوْقَ الْفَرْعِ وَقَدْ أَضَلَّ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا لَهُمَا كَانَا يَعْتَقِبَانِهِ فَاسْتَأْذَنَا أَنْ يَتَخَلَّفَا فِي طَلَبِ بَعِيرِهِمَا فَأَذِنَ لَهُمَا فَتَخَلَّفَا فِي طَلَبِهِ، وَمَضَى عَبْدُ اللَّهِ بِبَقِيَّةِ أصحابه حتى وصل بَطْنَ نَخْلَةٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ مَرَّتْ بِهِمْ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأُدْمًا وَتِجَارَةً مِنْ تِجَارَةِ الطَّائِفِ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيَّانِ؛ فَلَمَّا رَأَوْا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَابُوهُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ: إِنَّ الْقَوْمَ قَدْ ذُعِرُوا مِنْكُمْ فَاحْلِقُوا رَأْسَ رَجُلٍ مِنْكُمْ فَلْيَتَعَرَّضْ لَهُمْ فَإِذَا رَأَوْهُ مَحْلُوقًا أَمِنُوا وَقَالُوا: قَوْمٌ عُمَّارٌ، فَحَلَقُوا رَأْسَ عُكَاشَةَ ثُمَّ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا: قَوْمٌ عُمَّارٌ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ فَأَمِنُوهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ جُمَادَى أَوْ هُوَ رَجَبٌ، فَتَشَاوَرَ الْقَوْمُ فِيهِمْ وَقَالُوا: لَئِنْ تَرَكْتُمُوهُمْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَيَدْخُلُنَّ الْحَرَمَ فَلَيَمْتَنِعُنَّ مِنْكُمْ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ فِي مُوَاقَعَةِ الْقَوْمِ فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ بسهم فقتله، وكان أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَاسْتَأْسَرَ الْحَكَمُ وَعُثْمَانُ، فَكَانَا أَوَّلَ أَسِيرَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَفْلَتَ نَوْفَلٌ وَأَعْجَزَهُمْ، وَاسْتَاقَ الْمُؤْمِنُونَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدِ اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ الشَّهْرَ الْحَرَامَ شَهْرًا يَأْمَنُ فِيهِ الْخَائِفُ وَيَبْذَعِرُّ (¬1) ¬
النَّاسُ في معايشهم فَسَفَكَ فِيهِ الدِّمَاءَ وَأَخَذَ فِيهِ الْحَرَائِبَ، وَعَيَّرَ بِذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ مَنْ كَانَ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الصُّبَاةِ اسْتَحْلَلْتُمُ الشَّهْرَ الْحَرَامَ فَقَاتَلْتُمْ فِيهِ؟ وَتَفَاءَلَتِ الْيَهُودُ بِذَلِكَ وَقَالُوا: وَاقِدٌ وَقَدَتِ الْحَرْبُ وَعَمْرٌو عَمَرَتِ الْحَرْبُ، وَالْحَضْرَمِيُّ حَضَرَتِ الْحَرْبُ، وَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِابْنِ جَحْشٍ وَأَصْحَابِهِ: "مَا أَمَرْتُكُمْ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ"، وَوَقَّفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ السَّرِيَّةِ وَظَنُّوا أَنْ قَدْ هَلَكُوا، وَسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَتَلْنَا ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ ثُمَّ أَمْسَيْنَا فَنَظَرْنَا إِلَى هِلَالِ رَجَبٍ، فَلَا نَدْرِي أَفِي رَجَبٍ أَصَبْنَاهُ أَوْ فِي جُمَادَى، وَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} الْآيَةَ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِيرَ فَعَزَلَ مِنْهَا الْخُمُسَ، فَكَانَ أَوَّلَ خُمُسٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَقَسَّمَ الْبَاقِي بَيْنَ أَصْحَابِ السَّرِيَّةِ، فَكَانَ أَوَّلَ غَنِيمَةٍ فِي الْإِسْلَامِ وَبَعَثَ أَهْلَ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسِيرِيهِمْ، فَقَالَ: بَلْ نَقِفُهُمَا حَتَّى يَقْدَمَ سعد وعتبة، وإن لَمْ يَقْدَمَا قَتَلْنَاهُمَا بِهِمَا، فَلَمَّا قَدِمَا فَادَاهُمَا؛ وَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ وَأَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ، فَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا؛ وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا؛ وَأَمَّا نَوْفَلٌ فَضَرَبَ بَطْنَ فَرَسِهِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ لِيَدْخُلَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَوَقَعَ فِي الْخَنْدَقِ مَعَ فَرَسِهِ فَتَحَطَّمَا جَمِيعًا، فَقَتَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَطَلَبَ الْمُشْرِكُونَ جِيفَتَهُ بِالثَّمَنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "خُذُوهُ فَإِنَّهُ خَبِيثُ الْجِيفَةِ خَبِيثُ الدِّيَةِ"، فَهَذَا سَبَبُ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} وَالْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} الْآيَةَ {219} . نَزَلَتْ فِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَنَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: أَفْتِنَا فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فَإِنَّهُمَا مَذْهَبَةٌ لِلْعَقْلِ مَسْلَبَةٌ لِلْمَالِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} {220} . أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ ¬
طَاهِرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الحسن السراج قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْمُثَنَّى بن معاذ قال: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مسعود قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظلْمًا} [النساء: 10] عَزَلُوا أَمْوَالَهُمْ عَنْ أَمْوَالِهِمْ. فَنَزَلَتْ: {قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} فَخَلَطُوا أَمْوَالَهُمْ بِأَمْوَالِهِمْ. (¬1) - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أحمد الزاهد قال: أَخْبَرَنَا أَبُو علي الفقيه قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد البغوي قال: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شيبة قال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (¬2) وَ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالُ يَتِيمٍ فَعَزَلَ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ، وَجَعَلَ يُفَضِّلُ الشَّيْءَ مِنْ طَعَامِهِ فَيُحْبَسُ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَهُ أَوْ يَفْسَدَ، وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تخَالِطوهمْ} فتخلطوا طعامكم بطعامهم وشرابكم بشرابهم. ¬
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} الْآيَةَ {221} . أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ ابن أَبِي عمرو الحافظ قال: أَخْبَرَنَا جَدِّي أخبرنا أبو عمر أَحْمَدُ بن محمد الحرشي قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن قتيبة قال: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ، اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَنَاقَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَهِيَ امْرَأَةٌ مِسْكِينَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَتْ ذَاتَ حَظٍّ مِنْ جَمَالٍ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ وَأَبُو مَرْثَدٍ مُسْلِمٌ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّهَا لَتُعْجِبُنِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (¬2) - أَخْبَرَنَا أبو عثمان قال: أخبرنا جدي قال: أَخْبَرَنَا أبو عمرو قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يحيى قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بن حماد قال: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وَكَانَتْ لَهُ أَمَةٌ سَوْدَاءُ وَإِنَّهُ غَضِبَ عَلَيْهَا فَلَطَمَهَا، ثُمَّ إِنَّهُ فَزِعَ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا هِيَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُحْسِنُ الْوُضُوءَ، وَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُهُ، فَقَالَ: "يَا عَبْدَ اللَّهِ هذه مؤمنة" قال عَبْدُ اللَّهِ: فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَأَعْتَقِنَّهَا وَلَأَتَزَوَّجَنَّهَا، فَفَعَلَ فَطَعَنَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: نَكَحَ أَمَةً، وَكَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَنْكِحُوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَيَنْكِحُوهُمْ رَغْبَةً فِي أَحْسَابِهِمْ فَأَنْزَلَ الله تعالى فيه: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ} الْآيَةَ. (¬3) - وَقَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ رَجُلًا مِنْ غَنِيٍّ يُقَالُ لَهُ: مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ حَلِيفًا لِبَنِي هَاشِمٍ إِلَى مَكَّةَ، لِيُخْرِجَ ¬
نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِهَا أُسَرَاءَ؛ فَلَمَّا قَدِمَهَا سَمِعَتْ بِهِ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا: عَنَاقُ، وَكَانَتْ خَلِيلَةً لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَعْرَضَ عَنْهَا، فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: وَيْحَكَ يَا مرثد ألا تخلو؟ فَقَالَ لَهَا: إِنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ وَحَرَّمَهُ عَلَيْنَا، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتِ تَزَوَّجْتُكِ، إِذَا رَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَأْذَنْتُهُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ تَزَوَّجْتُكِ، فَقَالَتْ لَهُ: أَبِي تَتَبَرَّمُ؟ ثُمَّ اسْتَغَاثَتْ عَلَيْهِ فَضَرَبُوهُ ضَرْبًا شَدِيدًا ثُمَّ خَلَّوْا سَبِيلَهُ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ بِمَكَّةَ انْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاجِعًا وَأَعْلَمَهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ عَنَاقَ وَمَا لَقِيَ فِي سَبَبِهَا، فَقَالَ: يَا رسول الله، أتحل أن أتزوجها؟ فأنزل اللَّهِ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} الْآيَةَ {222} . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن جعفر قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بن زكريا قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن الدغولي قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن مشكان قال: حدثنا حيان قال: حدثنا حماد حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إِذَا حَاضَتْ مِنْهُمُ امْرَأَةٌ أَخْرَجُوهَا مِنَ الْبَيْتِ، فَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُشَارِبُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادٍ. (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْخَشَّابُ قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ ¬
حَمْدَانَ قال: أخبرنا أبو عمران مُوسَى بْنُ العباس الجويني قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْقَرْدُوَانِيُّ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سَابِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقِّيِّ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ: مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ، فَكَانَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَا يَدَعْنَ أَزْوَاجَهُنَّ يأتونهن من أدبارهن، فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلُوهُ عَنْ إِتْيَانِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، وَعَمَّا قَالَتِ الْيَهُودُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} يَعْنِي الِاغْتِسَالَ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} يَعْنِي الْقُبُلَ {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فَإِنَّمَا الْحَرْثُ حَيْثُ يَنْبُتُ الْوَلَدُ وَيَخْرُجُ مِنْهُ. وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ منهم لم تؤاكلها ولم تشاربها ولم تساكنها فِي بَيْتٍ كَفِعْلِ الْمَجُوسِ، فَسَأَلَ أَبُو الدَّحْدَاحِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَصْنَعُ بِالنِّسَاءِ إِذَا حِضْنَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الْآيَةَ {223} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الحسن القاضي قال: أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بن أحمد قال: حَدَّثَنَا ¬
عَبْدُ الرَّحِيمِ بن منيب قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا: إِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ أَحْوَلَ، فَنَزَلَ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زيد البجلي قال: حَدَّثَنَا أبو كريب قال: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: عَرَضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلَاثَ عرضات من فاتحته إِلَى خَاتِمَتِهِ، أُوقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ. فَأَسْأَلُهُ عَنْهَا، حَتَّى انْتَهَى إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ بِمَكَّةَ وَيَتَلَذَّذُونَ بِهِنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ، فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ تَزَوَّجُوا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَذَهَبُوا لِيَفْعَلُوا بِهِنَّ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِمَكَّةَ، فَأَنْكَرْنَ ذَلِكَ وَقُلْنَ: هَذَا شَيْءٌ لَمْ نَكُنْ نُؤْتَى عَلَيْهِ، فَانْتَشَرَ الْحَدِيثُ ¬
حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قَالَ: إِنْ شِئْتَ مُقْبِلَةً وَإِنْ شِئْتَ مُدْبِرَةً وَإِنْ شِئْتَ بَارِكَةً، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ لِلْحَرْثِ يَقُولُ: ائْتِ الْحَرْثَ حَيْثُ شِئْتَ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْمُحَارِبِيِّ. (¬1) - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ محمد الحياني قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي بكر الفقيه قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ البغوي قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ جعد قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ ابن المنكدر قال: سمعت جابر قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَتَى امْرَأَتَهُ بَارِكَةً كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الْآيَةَ. (¬2) - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ محمد الحياني قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن حمدون قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الشرقي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الأزهر قال: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جرير قال: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ رَاشِدٍ يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ: إِذَا نَكَحَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مُجَبِّيَةً جَاءَ وَلَدُهَا أَحْوَلَ، فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حامد بن الشرفي: هَذَا حَدِيثٌ جَلِيلٌ يُسَاوِي مِائَةَ حَدِيثٍ، لَمْ يَرْوِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَّا النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ. (¬3) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المطوعي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ ¬
حَمْدَانَ قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ قال: حدثنا زهير قال: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ محمد قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ القمي قال: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَلَكْتُ، فَقَالَ: "وَمَا الَّذِي أَهْلَكَكَ؟ " قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي اللَّيْلَةَ، قَالَ. فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَأُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه الْآيَةُ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يَقُولُ: أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ محمد الأصفهاني قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد الحافظ قال: حَدَّثَنَا أَبُو يحيى الرازي قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ بن عثمان قال: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْعَزْلِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ: نَزَلَتْ فِي الْمُهَاجِرِينَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، ذَكَرُوا إِتْيَانَ النِّسَاءِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَالْأَنْصَارَ وَالْيَهُودَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِنَّ وَمِنْ خَلْفِهِنَّ إِذَا كَانَ الْمَأْتِيُّ وَاحِدًا فِي الْفَرْجِ، فَعَابَتِ الْيَهُودُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِنَّ خَاصَّةً، وَقَالُوا: إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ التَّوْرَاةِ أَنَّ كُلَّ إِتْيَانٍ يُؤْتَى النِّسَاءَ غَيْرَ مُسْتَلْقِيَاتٍ دَنَسٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَمِنْهُ يَكُونُ الْحَوَلُ وَالْخَبَلُ، فَذَكَرَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا في الجاهلية وبعدما أَسْلَمْنَا نَأْتِي النِّسَاءَ كَيْفَ شِئْنَا، وَإِنَّ الْيَهُودَ عَابَتْ عَلَيْنَا ذَلِكَ، وَزَعَمَتْ لَنَا كَذَا وَكَذَا فَأَكْذَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْيَهُودَ وَنَزَلَ عَلَيْهِ يُرَخِّصُ لَهُمْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} يَقُولُ: الْفَرْجُ مَزْرَعَةٌ لِلْوَلَدِ {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يَقُولُ: كَيْفَ شِئْتُمْ، مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا وَمِنْ خَلْفِهَا فِي الْفَرْجِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} {224} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَنْهَاهُ عَنْ قَطِيعَةِ خَتَنِهِ بَشِيرِ بْنِ النُّعْمَانِ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ رَوَاحَةَ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَلَا يُكَلِّمَهُ، وَلَا يُصْلِحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَيَقُولُ: قَدْ حَلَفْتُ بِاللَّهِ أَنْ لَا أَفْعَلَ، وَلَا يَحِلُّ لِي إِلَّا أَنْ أَبِرَّ فِي يَمِينِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} الْآيَةَ {226} . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بن الفضل قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يعقوب قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن مرزوق قال: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبراهيم قال: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عبيد قال: حَدَّثَنَا عَامِرٌ الْأَحْوَلُ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ إِيلَاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَوَقَّتَ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَمَنْ كَانَ إِيلَاؤُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانَ الْإِيلَاءُ مِنْ ضِرَارِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ لَا يُرِيدُ الْمَرْأَةَ وَلَا يُحِبُّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ فَيَحْلِفُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا أَبَدًا، وَكَانَ يَتْرُكُهَا كَذَلِكَ لَا أَيِّمًا وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَجَلَ الَّذِي يَعْلَمُ بِهِ مَا عِنْدَ الرَّجُلِ فِي الْمَرْأَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} الْآيَةَ {229} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحسن القاضي قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يعقوب قال: أخبرنا الربيع قال: حدثنا الشافعي قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عن أبيه، قال: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا ¬
أَلْفَ مَرَّةٍ، فَعَمَدَ رَجُلٌ إِلَى امْرَأَةٍ لَهُ فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ أَمْهَلَهَا حَتَّى إِذَا شَارَفَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا ارْتَجَعَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا آوِيكِ إِلَيَّ وَلَا تَحِلِّينَ أَبَدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بكر التميمي قال: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن المرزبان قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبراهيم الحزوري قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سليمان قال: حَدَّثَنَا يَعْلَى الْمَكِّيُّ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَتَتْهَا امْرَأَةٌ فَسَأَلَتْهَا عَنْ شَيْءٍ مِنَ الطَّلَاقِ، قَالَتْ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فَنَزَلَتْ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} الْآيَةَ {231} . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بن الغازي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق الحافظ قال: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن الحسين قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ الله قال: حَدَّثَنَا أبي قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا} الْآيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ قَالَ: كُنْتُ زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا حَتَّى إِذَا ¬
انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ وَأَفْرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ فَطَلَّقْتَهَا، ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا؟ لَا وَاللَّهِ لَا تَعُودُ إليها أبدًا قال: وَكَانَ رَجُلًا لَا بأس به، وكانت الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - هَذِهِ الْآيَةَ فَقُلْتُ: الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَزَوَّجْتُهَا إِيَّاهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصٍ. (¬1) - أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ محمد المنصوري قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بن مهدي قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ البختري قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جعفر قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العقدي قال: حدثنا عباس بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ: كَانَتْ لِي أُخْتٌ فَخُطِبَتْ إِلَيَّ وَكُنْتُ أَمْنَعُهَا النَّاسَ، فَأَتَانِي ابْنُ عَمٍّ لِي فَخَطَبَهَا فأَنكحتها إياه فاصطحبا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا لَهُ رَجْعَةٌ، ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَخَطَبَهَا مَعَ الْخُطَّابِ، فَقُلْتُ: مَنَعْتُهَا النَّاسَ وَزَوَّجْتُكَ إِيَّاهَا، ثُمَّ طَلَّقْتَهَا طَلَاقًا لَهُ رَجْعَةٌ، ثُمَّ تَرَكْتَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَلَمَّا خُطِبَتْ إِلَيَّ أَتَيْتَنِي تَخْطُبُهَا، لَا أُزَوِّجُكَ أَبَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} فَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ. (¬2) - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي القاسم النصرأباذي قال: أخبرنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ ماسي البزاز، أخبرنا أَبُو مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الله ¬
البصري قال: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بن منهال قال: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ زَوَّجَ أُخْتَهُ مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتْ، عِنْدَهُ مَا كَانَتْ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً ثُمَّ تَرَكَهَا وَمَضَتِ الْعِدَّةُ، فَكَانَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا، فَخَطَبَهَا مَعَ الْخُطَّابِ فَرَضِيَتْ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَخَطَبَهَا إِلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، فَغَضِبَ مَعْقِلٌ وَقَالَ: أَكْرَمْتُكَ بِهَا فَطَلَّقْتَهَا، لَا وَاللَّهِ لَا ترجع إلي بَعْدَهَا، قَالَ الْحَسَنُ: عَلِمَ اللَّهُ حَاجَةَ الرَّجُلِ إِلَى امْرَأَتِهِ وَحَاجَةَ الْمَرْأَةِ إِلَى بَعْلِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْقُرْآنَ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ فَقَالَ: سَمْعًا لِرَبِّي وَطَاعَةً، فَدَعَا زَوْجَهَا فَقَالَ: أُزَوِّجُكَ وَأُكْرِمُكَ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ. (¬1) - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الشَّاهِدُ أَخْبَرَنَا جَدِّي أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الحيري قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يحيى قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حماد قال: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ كَانَتْ لَهُ بِنْتُ عَمٍّ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ رَجَعَ يُرِيدُ رَجْعَتَهَا فَأَبَى جَابِرٌ وَقَالَ: طَلَّقْتَ ابْنَةَ عَمِّنَا ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَهَا الثَّانِيَةَ وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ زَوْجَهَا قَدْ رَضِيَتْ بِهِ فَنَزَلَتْ فِيهِمُ الْآيَةُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ} الْآيَةَ {234} . أخبرنا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو ¬
الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَدَّادِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُ أَوْلَادٌ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ، وَمَعَهُ أَبَوَاهُ وَامْرَأَتُهُ، فَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَى الْوَالِدَيْنِ وَأَعْطَى أَوْلَادَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَمْ يُعْطِ امْرَأَتَهُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهَا مِنْ تَرِكَةِ زَوْجِهَا إِلَى الْحَوْلِ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} {256} . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ مصعب قال: حدثني يَحْيَى بن حكيم قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ تَكُونُ مِقْلَاةً فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ، فَلَمَّا أُجْلِيَتِ النَّضِيرُ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا: لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بن الفضل فال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يعقوب قال: أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بن مرزوق قال: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الْأَنْصَارِ لَا يَكَادُ يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ فَتَحْلِفُ لَئِنْ ¬
عَاشَ لَهَا وَلَدٌ لَتُهَوِّدَنَّهُ فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ إِذَا فِيهِمْ أُنَاسٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْنَاؤُنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فَمَنْ شَاءَ لَحِقَ بِهِمْ وَمَنْ شَاءَ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ لَهُ غُلَامٌ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ: صُبَيْحٌ وَكَانَ يُكْرِهُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ. (¬1) - وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا الْحُصَيْنِ، وَكَانَ لَهُ ابْنَانِ، فَقَدِمَ تُجَّارُ الشَّامِ إِلَى الْمَدِينَةِ يَحْمِلُونَ الزَّيْتَ، فَلَمَّا أَرَادُوا الرُّجُوعَ مِنَ الْمَدِينَةِ أَتَاهُمُ ابْنَا أَبِي الْحُصَيْنِ فَدَعَوْهُمَا إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَتَنَصَّرَا وَخَرَجَا إِلَى الشَّامِ فَأَخْبَرَ أَبُو الْحُصَيْنِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "اطْلُبْهُمَا" فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَبْعَدَهُمَا اللَّهُ هُمَا أَوَّلُ من كفر"؛ قال: وَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ نُسِخَ قَوْلُهُ: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} وَأُمِرَ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ. وَقَالَ مَسْرُوقٌ: كَانَ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ ابْنَانِ فَتَنَصَّرَا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَدِمَا الْمَدِينَةَ فِي نَفَرٍ مِنَ النَّصَارَى يَحْمِلُونَ الطَّعَامَ فَأَتَاهُمَا أَبُوهُمَا فَلَزِمَهُمَا وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَدَعُكُمَا حَتَّى تُسْلِمَا فَأَبَيَا أَنْ ¬
يُسْلِمَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أيدخل بعض النَّارَ وَأَنَا أَنْظُرُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} فَخَلَّى سَبِيلَهُمَا. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بن إبراهيم المقري أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن عبدوس قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بن محفوظ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هاشم قال: أخبره عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مُسْتَرْضَعِينَ فِي الْيَهُودِ: قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، فَلَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ قَالَ أَبْنَاؤُهُمْ مِنَ الْأَوْسِ الَّذِينَ كَانُوا مُسْتَرْضَعِينَ فِيهِمْ، لَنَذْهَبَنَّ مَعَهُمْ وَلَنَدِينَنَّ بِدِينِهِمْ، فَمَنَعَهُمْ أَهْلُهُمْ وَأَرَادُوا أَنْ يُكْرِهُوهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَنَزَلَتْ: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} الْآيَةَ {260} . ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ السَّبَبَ فِي سُؤَالِ إِبْرَاهِيمَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن جعفر قال: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ بْنُ محمد قال: أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بْنُ عبدان قال: حَدَّثَنَا أَبُو الأزهر قال: حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ مَيْتَةٍ قد تَوَزَّعَتْهَا دَوَابُّ الْبَرِّ والبحر قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَالضَّحَاكُ وَابْنُ جُرَيْجٍ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ مَرَّ عَلَى دَابَّةٍ مَيْتَةٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَتْ جِيفَةَ حِمَارٍ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ. قَالَ عَطَاءٌ: بُحَيْرَةُ طَبَرِيَّةَ قَالُوا: فَرَآهَا قد تَوَزَّعَتْهَا دَوَابُّ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فَكَانَ إِذَا مَدَّ الْبَحْرُ جَاءَتِ الْحِيتَانُ وَدَوَابُّ الْبَحْرِ فَأَكَلَتْ مِنْهَا، فَمَا وقع منها يقع في الماء وإذا جذر البحر جاءت السِّبَاعُ فَأَكَلَتْ منها فما وقع منها يصير ترابًا، فإذا ذهبت السباع جاءت الطير فأكلت ¬
مِنْهَا، فَمَا سَقَطَ قَطَّعَتْهُ الرِّيحُ فِي الْهَوَاءِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ تَعَجَّبَ مِنْهَا وَقَالَ: "يَا رَبِّ قَدْ عَلِمْتُ لَتَجْمَعَنَّهَا. فَأَرِنِي كَيْفَ تُحْيِيهَا لِأُعَايِنَ ذَلِكَ؟ ". وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مَرَّ إِبْرَاهِيمُ بِحُوتٍ مَيِّتٍ نِصْفُهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفُهُ فِي الْبَحْرِ فَمَا كَانَ فِي الْبَحْرِ فَدَوَابُّ الْبَحْرِ تَأْكُلُهُ وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْبَرِّ فَدَوَابُّ الْبَرِّ تَأْكُلُهُ، فَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ الْخَبِيثُ: مَتَى يَجْمَعُ اللَّهُ هَذِهِ الْأَجْزَاءَ مِنْ بُطُونِ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} بِذَهَابِ وَسْوَسَةِ إِبْلِيسَ مِنْهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ فِيمَا أَذِنَ لِي في روايته قال: حدثناعبد اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن جعفر قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سهل قال: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شبيب قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أبان قال: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عِكْرِمَةَ عِنْدَ السَّاحِلِ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: إِنَّ الَّذِينَ يَغْرِقُونَ فِي الْبِحَارِ تُقَسِّمُ الْحِيتَانُ لُحُومَهُمْ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ شَيْءٌ إِلَّا الْعِظَامُ فَتُلْقِيهَا الْأَمْوَاجُ عَلَى الْبَرِّ فَتَصِيرُ حَائِلَةً نَخِرَةً، فَتَمُرُّ بِهَا الْإِبِلُ فَتَأْكُلُهَا فَتَبْعَرُ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ فيأخذون ذلك البعر فَيُوقِدُونَ فَتُخْمَدُ تِلْكَ النَّارُ فَتَجِيءُ رِيحٌ فَتَسْفِي ذَلِكَ الرَّمَادَ عَلَى الْأَرْضِ، فَإِذَا جَاءَتِ النَّفْخَةُ خَرَجَ أُولَئِكَ وَأَهْلُ الْقُبُورِ سَوَاءً، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا احْتَجَّ عَلَى نُمْرُوذَ فَقَالَ: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} وَقَالَ نُمْرُوذُ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، ثُمَّ قَتَلَ رَجُلًا وَأَطْلَقَ رَجُلًا، قَالَ: قَدْ أَمَتُّ ذَلِكَ وَأَحْيَيْتُ هَذَا، قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: "فَإِنَّ اللَّهَ يُحْيِي بِأَنْ يَرُدَّ الرُّوحَ إِلَى جَسَدٍ مَيِّتٍ" فَقَالَ لَهُ نُمْرُوذُ: هَلْ عَايَنْتَ هَذَا الَّذِي تَقُولُهُ؟ وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ رَأَيْتُهُ، فَانْتَقَلَ إِلَى حُجَّةٍ أُخْرَى، ثُمَّ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يريه إحياء الميت لِكَيْ يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ عِنْدَ الِاحْتِجَاجِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُخْبِرًا عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيُّ: لَمَّا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا اسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْمَوْتِ رَبَّهُ أَنْ يَأْتِيَ إِبْرَاهِيمَ فَيُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: جِئْتُكَ أُبَشِّرُكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اتَّخَذَكَ خَلِيلًا فَحَمِدَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَقَالَ: "مَا علامةُ ذلك؟ " قال: أَنْ يُجِيبَ الله دعاءك وتحيي الْمَوْتَى بِسُؤَالِكَ، ثُمَّ انْطَلَقَ وَذَهَبَ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} قَالَ: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} قَالَ: {بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} بِعِلْمِي أَنَّكَ تُجِيبُنِي إِذَا دَعَوْتُكَ، وَتُعْطِينِي إِذَا سَأَلْتُكَ، أَنَّكَ اتَّخَذْتَنِي خَلِيلًا. قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الْآيَةَ {262} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَإِنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ صَدَقَةً، فَقَالَ: كَانَ عِنْدِي ثَمَانِيَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَأَمْسَكْتُ منها لنفسي ولعيالي أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَأَرْبَعَةَ آلَافٍ أَقْرَضْتُهَا رَبِّي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيمَا أَمْسَكْتَ وَفِيمَا أَعْطَيْتَ". وَأَمَّا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: عَلَيَّ جِهَازُ مَنْ لَا جِهَازَ لَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَجَهَّزَ الْمُسْلِمِينَ بِأَلْفِ بَعِيرٍ بِأَقْتَابِهَا وَأَحْلَاسِهَا، وَتَصَدَّقَ بِرُومَةَ - رَكِيَّةٍ كَانَتْ لَهُ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَنَزَلَتْ فِيهِمَا هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَافِعًا يَدَهُ يَدْعُو لِعُثْمَانَ وَيَقُولُ: "يَا رَبِّ إِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيتُ عَنْهُ فَارْضَ عَنْهُ" فَمَا زَالَ رَافِعًا يَدَهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الْآيَةَ. (¬1) - قوله تعالى: {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} الْآيَةَ {267} . ¬
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ أحمد الصيدلاني قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بن نعيم قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَهْلِ بن حمدويه قال: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ أَنِيفٍ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ: قَالَ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَكَاةِ الْفِطْرِ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِتَمْرٍ رَدِيءٍ، فنزل القرآن: {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ محمد الواعظ قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حامد الأصفهاني قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل الفارسي قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن موسى الجماز قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طلحة قال: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ، كَانَتْ تُخْرِجُ إِذَا كَانَ جُذَاذُ النَّخْلِ مِنْ حِيطَانِهَا أَقْنَاءً مِنَ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ، فَيُعَلِّقُونَهَا عَلَى حَبْلٍ بَيْنَ أُسْطُوَانَتَيْنِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَأْكُلُ مِنْهُ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَعْمِدُ فَيُخْرِجُ قِنْوَ الْحَشَفِ وَهُوَ يَظُنُّ ¬
أَنَّهُ جَائِزٌ عَنْهُ فِي كَثْرَةِ مَا يُوضَعُ مِنَ الْأَقْنَاءِ فَنَزَلَ فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} يَعْنِي الْقِنْوَ الَّذِي فِيهِ حَشَفٌ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيْكُمْ مَا قَبِلْتُمُوهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ} الْآيَةَ {271} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ} الْآيَةَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَدَقَةُ السِّرِّ أَفْضَلُ أَمْ صَدَقَةُ الْعَلَانِيَةِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} الْآيَةَ {272} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لَا تَصَدَّقُوا إِلَّا عَلَى أَهْلِ دِينِكُمْ" فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ". أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سَهْلٌ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ سَلْمَانَ الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَكْرَهُونَ أَنْ يتصدقوا على الفقراء الْمُشْرِكِينَ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَأُمِرُوا أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِمْ. ¬
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ وَكَانَتْ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، فَجَاءَتْهَا أُمُّهَا قُتَيْلَةُ وَجَدَّتُهَا يَسْأَلَانِهَا، وَهُمَا مُشْرِكَتَانِ، فقالت: لا أعطيكم شَيْئًا حَتَّى أَسْتَأْمِرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّكُمَا لَسْتُمَا عَلَى دِينِي. فَاسْتَأْمَرَتْهُ فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، أَنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمَا، فَأَعْطَتْهُمَا وَوَصَلَتْهُمَا. قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَلَهَا وَجْهٌ آخَرُ، وَذَلِكَ أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَتْ لَهُمْ قَرَابَةٌ وَأَصْهَارٌ وَرَضَاعٌ فِي الْيَهُودِ، وَكَانُوا يَنْفَعُونَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا فَلَمَّا أَسْلَمُوا كَرِهُوا أَنْ يَنْفَعُوهُمْ وَأَرَادُوهُمْ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا فَاسْتَأْمَرُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَأَعْطَوْهُمْ بَعْدَ نُزُولِهَا. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} الْآيَةَ {274} . أَخْبَرَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النَّصْرَابَاذِيُّ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بن نجيد قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بن الخليل قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بن عمار قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَرِيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} فِي أَصْحَابِ ¬
الْخَيْلِ" وَقَالَ: "إِنَّ الشَّيَاطِينَ لَا تَخْبِلُ أَحَدًا فِي بَيْتِهِ فَرَسٌ عَتِيقٌ مِنَ الْخَيْلِ" وَهَذَا قَوْلُ أَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَمَكْحُولٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَرَبَاحِ بْنِ زَيْدٍ، قَالُوا: هم الذين يرتبطون الْخَيْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى يُنْفِقُونَ عَلَيْهَا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، نَزَلَتْ فِيمَنْ لَمْ يَرْتَبِطْهَا خُيَلَاءُ وَلَا لِضِمَارٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبراهيم الثعلبي قال: أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ محمد الدينوري قال: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله النهرواني قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مهرويه القزويني قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ داود القنطري قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صالح قال: حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ حَنَشِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّنْعَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} قَالَ: فِي عَلَفِ الْخَيْلِ. وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا مَا أَخْبَرَنَا أبو إسحاق المقري قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن عبدوس قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يعقوب الكرماني قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زكريا الكرماني قال: حَدَّثَنَا وكيع قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَنِ ارْتَبَطَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ احْتِسَابًا كَانَ شِبَعه وجُوعه ورِبه وَظَمَؤُهُ وَبَوْلُهُ وَرَوَثُهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وَأَخْبَرَنَا أبو إسحاق قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عمرو الفراتي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو مُوسَى عِمْرَانُ بن موسى قال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عثمان الجزري قال: حَدَّثَنَا فَارِسُ بن عمر قال: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ محمد قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "الْمُنْفِقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى فَرَسِهِ كَالْبَاسِطِ كَفَّيْهِ بِالصَّدَقَةِ". أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ الحسن الكاتب قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شاذان الرازي. قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي حاتم قال: حَدَّثَنَا أَبُو سعيد الأشج قال: حَدَّثَنَا زَيْدُ بن الحباب قال: أَخْبَرَنَا رَجَاءُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ عَجْلَانَ بْنِ سَهْلٍ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ: مَنِ ارْتَبَطَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَمْ يَرْتَبِطْهُ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً كَانَ مِنَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. قَوْلٌ آخَرُ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مالك الضبي قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل الجرجاني قال: حَدَّثَنَا عبد الرزاق قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَانَ عِنْدَهُ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، فَأَنْفَقَ بِاللَّيْلِ وَاحِدًا وَبِالنَّهَارِ وَاحِدًا وَفِي السِّرِّ وَاحِدًا وَفِي الْعَلَانِيَةِ وَاحِدًا. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحسن الكاتب قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
أَحْمَدَ بن شاذان قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي حاتم قال: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشج، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، فَأَنْفَقَ دِرْهَمًا بِاللَّيْلِ، وَدِرْهَمًا بِالنَّهَارِ، وَدِرْهَمًا سِرًّا، وَدِرْهَمًا عَلَانِيَةً فَنَزَلَتْ: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} . وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ غَيْرَ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ لَيْلًا، وَبِدِرْهَمٍ نَهَارًا، وَبِدِرْهَمٍ سِرًّا، وَبِدِرْهَمٍ عَلَانِيَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ " قَالَ: حَمَلَنِي أَنْ أَسْتَوْجِبَ عَلَى اللَّهِ الَّذِي وَعَدَنِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَلَا إِنَّ ذَلِكَ لَكَ" فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
(¬1) - قوله تعالى: {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} {278} . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن جعفر قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بن حمدان قال: أَخْبَرَنَا أبو يعلى قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن الأخنس قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن فضيل قال: حَدَّثَنَا الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بَلَغَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عَوْفٍ مِنْ ثَقِيفٍ، وَفِي بَنِي الْمُغِيرَةِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، وَكَانَتْ بَنُو الْمُغِيرَةِ يُرْبُونَ لِثَقِيفٍ، فَلَمَّا أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ عَلَى مَكَّةَ، وُضِعَ يَوْمَئِذٍ الرِّبَا كُلُّهُ، فَأَتَى بَنُو عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ وَبَنُو الْمُغِيرَةِ إِلَى عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ وَهُوَ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ بَنُو الْمُغِيرَةِ: مَا جَعَلَنَا أَشْقَى النَّاسِ بِالرِّبَا وُضِعَ عَنِ النَّاسِ غَيْرَنَا، فَقَالَ بَنُو عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ: صُولِحْنَا عَلَى أَنَّ لَنَا رِبَانَا، فَكَتَبَ عَتَّابٌ فِي ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَالَّتِي بَعْدَهَا: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} فَعَرَفَ بَنُو عَمْرٍو أَنْ لَا يُدَانَ لَهُمْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ} فَتَأْخُذُونَ أَكْثَرَ {وَلَا تُظْلَمُونَ} فَتُبْخَسُونَ مِنْهُ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَلِّبِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَكَانَا قَدْ أَسْلَفَا فِي التَّمْرِ، فَلَمَّا حَضَرَ الْجُذَاذُ قَالَ لَهُمَا صَاحِبُ التَّمْرِ: لَا يَبْقَى لِي مَا يَكْفِي عِيَالِي إِذَا أَنْتُمَا أَخَذْتُمَا حَظَّكُمَا كُلَّهُ، فَهَلْ لَكُمَا أَنْ تَأْخُذَا النِّصْفَ وَتُؤَخِّرَا النِّصْفَ وَأُضْعِفُ لَكُمَا فَفَعَلَا؛ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ طَلَبَا الزِّيَادَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَهَاهُمَا وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَسَمِعَا وَأَطَاعَا وَأَخَذَا رُؤُوسَ أَمْوَالِهِمَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي الْعَبَّاسِ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَكَانَا شَرِيكَيْنِ فِي ¬
الْجَاهِلِيَّةِ يُسْلِفَانِ فِي الرِّبَا فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَلَهُمَا أَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ فِي الرِّبَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَلَا إِنَّ كُلَّ رِبًا مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ". قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} {280} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالَتْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ: هَاتُوا رؤوس أموالنا ولكن الرِّبَا نَدَعُهُ لَكُمْ، فَقَالَتْ بَنُو الْمُغِيرَةِ: نَحْنُ الْيَوْمَ أَهْلُ عُسْرَةٍ فَأَخِّرُونَا إِلَى أَنْ تُدْرِكَ الثَّمَرَةُ، فَأَبَوْا أَنْ يُؤَخِّرُوهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} {285} . أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْقَاهِرِ بن طاهر قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بن زياد قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبراهيم البوشنجي قال: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بن بسطام قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زريع قال: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا أُنزل على رسول اللَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} الْآيَةَ، اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ: الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْجِهَادَ والصدقة، وقد أنزلت عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةَ وَلَا نُطِيقُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ؟ " أَرَاهُ قَالَ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا "قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" فَلَمَّا اقترأها القوم وجرت بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إِثْرِهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} الْآيَةَ كُلَّهَا، وَنَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} الْآيَةَ إِلَى آخِرِهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ بِسْطَامٍ. ¬
(¬1) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بن يحيى قال: حدثنا والدي قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق الثقفي قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَيُوسُفُ بْنُ موسى قالا: أخبرنا وكيع قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ، لَمْ يَدْخُلْهُ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا". فَأَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَقَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} حَتَّى بَلَغَ {أَوْ أَخْطَأْنَا} فَقَالَ: "قَدْ فَعَلْتُ" إِلَى آخِرِ الْبَقَرَةِ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: "قَدْ فَعَلْتُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} جَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَنَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَثَوْا عَلَى الرُّكَبِ وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ أَشَدُّ عَلَيْنَا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، إِنَّ أَحَدَنَا لَيُحِدِّثُ نَفْسَهُ بِمَا لَا يُحِبُّ أَنْ يَثْبُتَ فِي قَلْبِهِ وَأَنَّ له ¬
الدنيا وما فيها وإنا لمؤاخذون بِمَا نُحَدِّثُ بِهِ أَنْفُسَنَا هَلَكْنَا وَاللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "هَكَذَا أُنْزِلَتْ" فَقَالُوا: هَلَكْنَا وَكُلِّفْنَا مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا نُطِيقُ قَالَ: "فَلَعَلَّكُمْ تقولون كما قال بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا، قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا" فَقَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَمَكَثُوا بِذَلِكَ حَوْلًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْفَرَجَ وَالرَّاحَةَ بِقَوْلِهِ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} الْآيَةَ، فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَا قَبْلَهَا، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ مَا لَمْ يَعْمَلُوا أَوْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ".
سورة آل عمران
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ، وَكَانُوا سِتِّينَ رَاكِبًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَفِي الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ إِلَيْهِمْ يؤول أمرهم، "فالعاقب" أَمِيرُ الْقَوْمِ وَصَاحِبُ مَشُورَتِهِمُ الَّذِي لَا يُصْدِرُونَ إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ وَاسْمُهُ: عبد المسيح، و"السيد" إمامهم وَصَاحِبُ رَحْلِهِمْ وَاسْمُهُ: الْأَيْهَمُ، "وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ" أُسْقُفُهُمْ وَحَبْرُهُمْ، وَإِمَامُهُمْ وَصَاحِبُ مِدْرَاسِهِمْ، وَكَانَ قَدْ شَرُفَ فِيهِ وَدَرَسَ كُتُبَهُمْ حَتَّى حَسُنَ عِلْمُهُ فِي دِينِهِمْ، وَكَانَتْ مُلُوكُ الرُّومِ قَدْ شَرَّفُوهُ وَمَوَّلُوهُ وَبَنَوْا لَهُ الْكَنَائِسَ لِعِلْمِهِ وَاجْتِهَادِهِ، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَخَلُوا مَسْجِدَهُ حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ، عَلَيْهِمْ ثياب الحبرات جُبّات وَأَرْدِيَةٌ فِي جَمال رجال بين الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، يَقُولُ بَعْضُ مَنْ رَآهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَأَيْنَا وَفْدًا مِثْلَهُمْ، وَقَدْ حَانَتْ صَلَاتُهُمْ، فَقَامُوا فَصَلَّوْا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "دَعُوهُمْ" فَصَلَّوْا إِلَى الْمَشْرِقِ، فَكَلَّمَ السَّيِّدُ وَالْعَاقِبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَسْلِمَا"، فَقَالَا: قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلَكَ، قَالَ: "كَذَبْتُمَا مَنَعَكُمَا مِنَ الْإِسْلَامِ دُعَاؤُكُمَا لِلَّهِ وَلَدًا، وَعِبَادَتُكُمَا الصَّلِيبَ، وَأَكْلُكُمَا الْخِنْزِيرَ"، قَالَا: إِنْ لَمْ يكن عيسى ولد الله فَمَنْ أَبُوهُ؟ وَخَاصَمُوهُ جَمِيعًا فِي عِيسَى، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَلَدٌ إِلَّا وَهُوَ يُشْبِهُ أَبَاهُ؟ " قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَبَّنَا حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وأن عيسى أتى عَلَيْهِ الْفَنَاءُ؟ " قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَبَّنَا قَيِّمٌ عَلَى كَلِّ شَيْءٍ يَحْفَظُهُ وَيَرْزُقُهُ؟ " قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "فَهَلْ يَمْلِكُ عِيسَى مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا؟ " قَالُوا: لَا، قَالَ: "فَإِنَّ رَبَّنَا صَوَّرَ عِيسَى فِي
الرَّحِمِ كَيْفَ شَاءَ، وَرَبُّنَا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يُحْدِثُ" قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كَمَا تَحْمِلُ الْمَرْأَةُ، ثُمَّ وَضَعَتْهُ كَمَا تَضَعُ الْمَرْأَةُ وَلَدَهَا، ثُمَّ غُذِّيَ كَمَا يُغَذَّى الصَّبِيُّ، ثُمَّ كَانَ يَطْعَمُ وَيَشْرَبُ وَيُحْدِثُ؟ " قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا كَمَا زَعَمْتُمْ؟ " فَسَكَتُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِيهِمْ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عمران إلى بضعة وثمانية آيَةٍ مِنْهَا. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} الْآيَةَ {12} . قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ يَهُودَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالُوا لَمَّا هَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ: هَذَا وَاللَّهِ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الَّذِي بَشَّرَنَا بِهِ مُوسَى، وَنَجِدُهُ فِي كِتَابِنَا بِنَعْتِهِ وَصِفَتِهِ، وَإِنَّهُ لَا تُرَدُّ لَهُ رَايَةٌ، فَأَرَادُوا تَصْدِيقَهُ وَاتِّبَاعَهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا تَعْجَلُوا حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى وَقْعَةٍ لَهُ أُخْرَى فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَنُكِبَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَكُّوا، وَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِهِ، وَغَلَبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءُ فَلَمْ يُسْلِمُوا، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهْدٌ إِلَى مُدَّةٍ، فَنَقَضُوا ذَلِكَ الْعَهْدَ، وَانْطَلَقَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ فِي سِتِّينَ رَاكِبًا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ فَوَافَقُوهُمْ وَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ، وَقَالُوا: لَتَكُونَنَّ كَلِمَتُنَا وَاحِدَةً، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ: لَمَّا أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشًا بِبَدْرٍ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ جمع اليهود وقال: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ احْذَرُوا مِنَ اللَّهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَسْلِمُوا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ، فَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنِّي نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ وَعَهْدِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، لَا ¬
يَغُرَّنَّكَ أَنَّكَ لَقِيتَ قَوْمًا أَغْمَارًا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ، فَأَصَبْتَ فِيهِمْ فُرْصَةً، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ قَاتَلْنَاكَ لَعَرَفْتَ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} يَعْنِي الْيَهُودَ {سَتُغْلَبُونَ} تُهْزَمُونَ {وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ} فِي الْآخِرَةِ، هذه رِوَايَةُ عِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} {18} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ قَدِمَ عَلَيْهِ حَبْرَانِ مِنْ أَحْبَارِ أَهْلِ الشَّامِ، فَلَمَّا أَبْصَرَا الْمَدِينَةَ، قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ بِصِفَةِ مَدِينَةِ النَّبِيِّ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَلَمَّا دَخَلَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَاهُ بِالصِّفَةِ وَالنَّعْتِ، فَقَالَا لَهُ: أَنْتَ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَا: وَأَنْتَ أَحْمَدُ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَا: إِنَّا نَسْأَلُكَ عَنْ شَهَادَةٍ، فَإِنْ أَنْتَ أَخْبَرْتَنَا بِهَا آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "سَلَانِي"، فَقَالَا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَعْظَمِ شَهَادَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} فَأَسْلَمَ الرجلان وصدّقا برسول اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} الْآيَةَ {23} . اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُزُولِهَا، فَقَالَ السُّدِّيُّ: دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ ابن أَوْفَى: هَلُمَّ يَا مُحَمَّدُ نُخَاصِمْكَ إِلَى الْأَحْبَارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "بَلْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ"، فَقَالَ: بَلْ إِلَى الْأَحْبَارِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْتَ الْمِدْرَاسِ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ نُعَيْمُ بْنُ عَمْرٍو وَالْحَارِثُ بْنُ زَيْدٍ: عَلَى أَيِّ دِينٍ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: ¬
"عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ"، قَالَا: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيًّا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "فَهَلُمُّوا إِلَى التوراة فهي بينا وَبَيْنَكُمْ فَأَبَيَا عَلَيْهِ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ اللَّذِينَ زَنَيَا مِنْ خَيْبَرَ، وسؤال اليهود للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حَدِّ الزَّانِيَيْنِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} الْآيَةَ {26} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ وَوَعَدَ أُمَّتَهُ مُلْكَ فَارِسَ وَالرُّومِ، قَالَتِ الْمُنَافِقُونَ وَالْيَهُودُ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، مِنْ أَيْنَ لِمُحَمَّدٍ مُلْكُ فَارِسَ وَالرُّومِ هم أَعَزُّ وَأَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، أَلَمْ يكفِ محمدًا مكبة وَالْمَدِينَةَ حَتَّى طَمِعَ فِي مُلْكِ فَارِسَ وَالرُّومِ؟! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَدَّادِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ مُلْكَ فَارِسَ وَالرُّومِ فِي أُمَّتِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} الْآيَةَ. (¬2) - حَدَّثَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعَالِبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْوَزَّانُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفر المطيري قال: قال حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، حَدَّثَنِي ¬
أَبِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخَنْدَقِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، ثم قطع كل عَشَرَةٍ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، قَالَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ: كُنْتُ أَنَا وَسَلْمَانُ وَحُذَيْفَةُ وَالنُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيُّ وَسِتَّةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، فَحَفَرْنَا حَتَّى إِذَا كنا تحت ذي ناب، أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْ بَطْنِ الْخَنْدَقِ صَخْرَةً مَرْوَةً كَسَرَتْ حَدِيدَنَا وَشَقَّتْ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا سَلْمَانُ ارْقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبِرْهُ خَبَرَ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَإِمَّا أَنْ نَعْدِلَ عَنْهَا، وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَنَا فِيهَا بِأَمْرِهِ، فَإِنَّا لَا نُحِبُّ أَنْ نُجَاوِزَ خَطَّهُ، قَالَ: فَرَقِيَ سَلْمَانُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ضَارِبٌ عَلَيْهِ قُبَّةً تُرْكِيَّةً، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَتْ صَخْرَةٌ بَيْضَاءُ مَرْوَةٌ مِنْ بَطْنِ الْخَنْدَقِ فَكَسَرَتْ حَدِيدَنَا وَشَقَّتْ عَلَيْنَا حَتَّى مَا يَحِيكُ فِيهَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، فمرنا فيها بأمر، فَإِنَّا لَا نُحِبُّ أَنْ نُجَاوِزَ خَطَّكَ، قَالَ: فَهَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ سَلْمَانَ الْخَنْدَقَ وَالتِّسْعَةُ عَلَى شَفَةِ الْخَنْدَقِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِعْوَلَ مِنْ سَلْمَانَ فَضَرَبَهَا ضَرْبَةً صَدَّعَهَا، وَبَرَقَ مِنْهَا بَرْقٌ أَضَاءَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، يَعْنِي المدينة، حتى كأن مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ، وَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تكبير فتح، وكبَّر الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ ضَرَبَهَا رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثانية فكسرها، وَبَرَقَ مِنْهَا بَرْقٌ أَضَاءَ ما بين لابيتها حتى كأن مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ، وَكَبَّرَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تكبير فتح، وكبَّر الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ ضَرَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَرَقَ مِنْهَا بَرْقٌ أَضَاءَ ما بين لابيتها، حتى كأن مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ، وَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكْبِيرَ فَتْحٍ وَكَبَّرَ المسلمون، وأخذ يد سَلْمَانَ وَرَقِيَ، فَقَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ شَيْئًا مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْقَوْمِ فَقَالَ: "رَأَيْتُمْ مَا يَقُولُ سَلْمَانُ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الْأُولَى فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ أَضَاءَتْ لِي مِنْهَا قُصُورُ الْحِيرَةِ وَمَدَائِنُ كِسْرَى كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، وَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثَّانِيَةَ فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ، أَضَاءَتْ لِي مِنْهَا الْقُصُورُ الْحُمْرُ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، وَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ
عَلَيْهَا، ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثَّالِثَةَ فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ أَضَاءَتْ لِي مِنْهَا قُصُورُ صَنْعَاءَ كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ. وَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، فَأَبْشِرُوا"، فَاسْتَبْشَرَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَوْعِدُ صِدْقٍ وَعَدَنَا النَّصْرَ بَعْدَ الْحَفْرِ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: أَلَا تَعْجَبُونَ يُمَنِّيكُمْ وَيَعِدُكُمُ الْبَاطِلَ، وَيُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ يُبْصِرُ مِنْ يَثْرِبَ قُصُورَ الْحِيرَةِ وَمَدَائِنَ كِسْرَى وَأَنَّهَا تُفْتَحُ لَكُمْ، وَأَنْتُمْ إِنَّمَا تَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ مِنَ الْفَرَقِ، وَلَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَبْرُزُوا؟ قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا} [الأحزاب: 12] . وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَوْلَهُ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} {28} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو وَكَهْمَسُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ وَقَيْسِ بْنِ زَيْدٍ - وَهَؤُلَاءِ كَانُوا مِنَ الْيَهُودِ يُبَاطِنُونَ نَفَرًا مِنَ الْأَنْصَارِ لِيَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ - فَقَالَ رِفَاعَةُ ابن الْمُنْذِرِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ خَيْثَمَةَ لِأُولَئِكَ النَّفَرِ: اجْتَنِبُوا هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ وَاحْذَرُوا لُزُومَهُمْ وَمُبَاطَنَتَهُمْ لَا يَفْتِنُوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ، فَأَبَى أُولَئِكَ النَّفَرُ إِلَّا مُبَاطَنَتَهُمْ وَمُلَازَمَتَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ، كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ الْيَهُودَ وَالْمُشْرِكِينَ وَيَأْتُونَهُمْ بِالْأَخْبَارِ وَيَرْجُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الظَّفَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَنَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِمْ. (¬2) - وَقَالَ جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ بَدْرِيًّا نَقِيبًا، وَكَانَ لَهُ حُلَفَاءُ مِنَ الْيَهُودِ، فَلَمَّا خَرَجَ ¬
النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْأَحْزَابِ. قَالَ عُبَادَةُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ مَعِي خَمْسَمِائَةِ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ يَخْرُجُوا مَعِي فَأَسْتَظْهِرُ بِهِمْ عَلَى الْعَدُوِّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ} الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ} الْآيَةَ {31} . قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ جُرَيْجٍ: زَعَمَ أَقْوَامٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّهَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا نُحِبُّ رَبَّنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - وَرَوَى جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قُرَيْشٍ وَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَقَدْ نَصَبُوا أَصْنَامَهُمْ وَعَلَّقُوا عَلَيْهَا بَيْضَ النَّعَامِ، وَجَعَلُوا فِي آذَانِهَا الشُّنُوفَ وَالْقِرَطَةَ، وَهُمْ يَسْجُدُونَ لَهَا، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَقَدْ خَالَفْتُمْ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ، وَلَقَدْ كَانَا عَلَى الْإِسْلَامِ"، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّمَا نَعْبُدُ هَذِهِ حُبًّا لِلَّهِ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} وَتَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ لِتُقَرِّبَكُمْ إِلَيْهِ {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} "فَأَنَا رَسُولُهُ إِلَيْكُمْ وَحُجَّتُهُ عَلَيْكُمْ، وَأَنَا أَوْلَى بِالتَّعْظِيمِ مِنْ أَصْنَامِكُمْ. (¬3) - وَرَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا قَالُوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ؛ فَلَمَّا نَزَلَتْ عَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْيَهُودِ، فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوهَا. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: ¬
نَزَلَتْ فِي نَصَارَى نَجْرَانَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّمَا نُعَظِّمُ الْمَسِيحَ وَنَعْبُدُهُ حُبًّا لِلَّهِ وَتَعْظِيمًا لَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ رَدًّا عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ} الْآيَةَ {59} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ وَفْدَ نَجْرَانَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَكَ تَشْتُمُ صَاحِبَنَا؟ قَالَ: "وَمَا أَقُولُ؟ " قَالُوا: تَقُولُ: إِنَّهُ عَبْدٌ، قَالَ: "أَجَلْ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ"، فَغَضِبُوا وَقَالُوا: هَلْ رَأَيْتَ إِنْسَانًا قَطُّ مِنْ غَيْرِ أَبٍ؟ فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَأَرِنَا مِثْلَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ محمد الحارثي قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى وَوَكِيعٌ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: جَاءَ رَاهِبَا نَجْرَانَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الْإِسْلَامَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إِنَّا قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلَكَ، فَقَالَ: "كَذَبْتُمَا إِنَّهُ يمنعكما من الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةٌ: عِبَادَتُكُمُ الصَّلِيبَ، وَأَكْلُكُمُ الْخِنْزِيرَ، وَقَوْلُكُمْ لِلَّهِ وَلَدٌ"؛ قَالَا: مَنْ أَبُو عِيسَى؟ وَكَانَ لَا يَعْجَلُ حَتَّى يَأْمُرَهُ رَبُّهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى} الْآيَةَ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} الْآيَةَ، {61} . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزِّمْجَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا أبي قال: حَدَّثَنَا حسين قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: جَاءَ رَاهِبَا نَجْرَانَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُمَا: "أَسْلِمَا تَسْلَمَا"، فَقَالَا: قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلَكَ، فَقَالَ: "كَذَبْتُمَا، يَمْنَعُكُمَا مِنَ الْإِسْلَامِ ثَلَاثٌ: سُجُودُكُمَا لِلصَّلِيبِ، وَقَوْلُكُمَا اتَّخَذَ اللَّهُ ¬
وَلَدًا وَشُرْبُكُمَا الْخَمْرَ"، فَقَالَا: مَا تَقُولُ فِي عِيسَى؟ قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَزَلَ الْقُرْآنُ: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} الْآيَةَ، فَدَعَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمُلَاعَنَةِ، وَجَاءَ بِالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَفَاطِمَةَ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ قال أحدهما لصاحبه: أَقْرِرْ بِالْجِزْيَةِ وَلَا تُلَاعِنْهُ، فَأَقَرَّ بِالْجِزْيَةِ، قَالَ: فَرَجَعَا فَقَالَا: نُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ وَلَا نُلَاعِنُكَ فَأَقَرَّا بِالْجِزْيَةِ. (¬1) - أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْحَافِظُ فِيمَا أَذِنَ لِي فِي رِوَايَتِهِ حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَاتِمٍ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مِهْرَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ أَهْلِ نَجْرَانَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَاقِبُ وَالسَّيِّدُ، فَدَعَاهُمَا إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَا: أَسْلَمْنَا قَبْلَكَ، قَالَ: "كَذَبْتُمَا إِنْ شِئْتُمَا أَخْبَرْتُكُمَا بِمَا يَمْنَعُكُمَا مِنَ الْإِسْلَامِ؟ " فَقَالَا: هَاتِ أَنْبِئْنَا، قَالَ: "حُبُّ الصَّلِيبِ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَأَكْلُ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ"، فَدَعَاهُمَا إِلَى الْمُلَاعَنَةِ، فَوَعَدَاهُ عَلَى أَنْ يُغَادِيَاهُ بِالْغَدَاةِ فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَبِيَدِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمَا فَأَبَيَا أَنْ يُجِيبَا، فَأَقَرَّا لَهُ بِالْخَرَاجِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَوْ فَعَلَا لَمُطِرَ الْوَادِي نَارًا". قَالَ جَابِرٌ: فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ¬
وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَبْنَاءَنَا: الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَنِسَاءَنَا: فَاطِمَةَ، وَأَنْفُسَنَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ} الْآيَةَ {68} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رُؤَسَاءُ الْيَهُودِ: وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا أَوْلَى بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ مِنْكَ وَمِنْ غَيْرِكَ، وَأَنَّهُ كَانَ يَهُودِيًّا، وَمَا بِكَ إِلَّا الْحَسَدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَرَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَى أَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وَقَدْ دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ قَالُوا: لَمَّا هَاجَرَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَاسْتَقَرَّتْ بِهِمُ الدَّارُ، وَهَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ بَدْرٍ مَا كَانَ، اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ فِي دَارِ النَّدْوَةِ وَقَالُوا: إِنَّ لَنَا فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ الَّذِينَ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ ثَأْرًا بِمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ بِبَدْرٍ، فَاجْمَعُوا مَالًا وَأَهْدُوهُ إِلَى النَّجَاشِيِّ لَعَلَّهُ يَدْفَعُ إِلَيْكُمْ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ قَوْمِكُمْ، وَلْيَنْتَدِبَ لِذَلِكَ رَجُلَانِ مِنْ ذَوِي آرَائِكُمْ، فَبَعَثُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعُمَارَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ مَعَ الْهَدَايَا: الْأُدْمِ وَغَيْرِهِ، فَرَكِبَا الْبَحْرَ وَأَتَيَا الْحَبَشَةَ؛ فَلَمَّا دَخَلَا عَلَى النَّجَاشِيِّ سَجَدَا لَهُ وَسَلَّمَا عَلَيْهِ وَقَالَا لَهُ: إِنَّ قَوْمَنَا لَكَ نَاصِحُونَ شَاكِرُونَ، وَلِصَلَاحِكَ مُحِبُّونَ، وَإِنَّهُمْ بَعَثُونَا إِلَيْكَ لِنُحَذِّرَكَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيْكَ، لِأَنَّهُمْ قَوْمُ رَجُلٍ كَذَّابٍ خَرَجَ فِينَا يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ مِنَّا إِلَّا السُّفَهَاءَ، وَكُنَّا قَدْ ضَيَّقْنَا عَلَيْهِمُ الْأَمْرَ وَأَلْجَأْنَاهُمْ إِلَى شِعْبٍ بِأَرْضِنَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَدْ قَتَلَهُمُ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ بَعَثَ إِلَيْكَ ابْنَ عَمِّهِ لِيُفْسِدَ عَلَيْكَ دِينَكَ وَمُلْكَكَ وَرَعِيَّتَكَ، فَاحْذَرْهُمْ وَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا لِنَكْفِيَكَهُمْ، قَالُوا: وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا عَلَيْكَ لَا يَسْجُدُونَ لك ولا يحيوك بِالتَّحِيَّةِ الَّتِي يُحَيِّيكَ بِهَا النَّاسُ رَغْبَةً عَنْ دِينِكَ وَسُنَّتِكَ. قَالَ: فَدَعَاهُمُ النَّجَاشِيُّ، فَلَمَّا حَضَرُوا صَاحَ جَعْفَرٌ بِالْبَابِ: يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ حِزْبُ اللَّهِ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: نَعَمْ، فَلْيَدْخُلُوا بِأَمَانِ اللَّهِ وَذِمَّتِهِ، فَنَظَرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى صَاحِبِهِ، فَقَالَ: أَلَا تَسْمَعُ كَيْفَ يَرْطُنُونَ بِحِزْبِ اللَّهِ وَمَا أَجَابَهُمْ بِهِ النَّجَاشِيُّ، فَسَاءَهُمَا ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْجُدُوا لَهُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَعُمَارَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ: أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَسْتَكْبِرُونَ أَنْ يَسْجُدُوا لَكَ؟ فَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَسْجُدُوا لِي وَتُحَيُّونِي بِالتَّحِيَّةِ الَّتِي يُحَيِّينِي بها من أتاني مَنْ الْآفَاقِ؟ قَالُوا: نَسْجُدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَمَلَّكَكَ، وَإِنَّمَا كانت تلك التحية لَنَا وَنَحْنُ نَعْبُدُ الْأَوْثَانَ، فَبَعَثَ اللَّهُ فِينَا نَبِيًّا صَادِقًا وَأَمَرَنَا بِالتَّحِيَّةِ الَّتِي يَرْتَضِيهَا اللَّهُ لَنَا، وَهِيَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ فَعَرَفَ النَّجَاشِيُّ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ وَأَنَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، قَالَ: أَيُّكُمُ الْهَاتِفُ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ
حِزْبُ اللَّهِ؟ قَالَ جَعْفَرٌ: أَنَا، قَالَ: فَتَكَلَّمْ. قَالَ: إِنَّكَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَا يَصْلُحُ عِنْدَكَ كَثْرَةُ الْكَلَامِ وَلَا الظُّلْمُ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُجِيبَ عَنْ أَصْحَابِي، فَمُرْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فليتكلم أحدهما وليسكت الْآخَرُ فَتَسْمَعُ مُحَاوَرَتَنَا، فَقَالَ عَمْرٌو لِجَعْفَرٍ: تَكَلَّمْ، فَقَالَ جَعْفَرٌ لِلنَّجَاشِيِّ: سَلْ هَذَا الرَّجُلَ أَعَبِيدٌ نَحْنُ أَمْ أَحْرَارٌ؟ فَإِنْ كُنَّا عَبِيدًا أَبَقْنَا مِنْ أَرْبَابِنَا فَارْدُدْنَا إِلَيْهِمْ، فقال النجاشي: أعبيدهم أَمْ أَحْرَارٌ؟ فَقَالَ: بَلْ أَحْرَارٌ كِرَامٌ؟ فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: نَجَوْا مِنَ الْعُبُودِيَّةِ. قَالَ جَعْفَرٌ: سَلْهُمَا هَلْ أَهْرَقْنَا دَمًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَيُقْتَصُّ مِنَّا؟ فَقَالَ عَمْرٌو: لَا، وَلَا قَطْرَةٌ، قَالَ جَعْفَرٌ: سَلْهُمَا هَلْ أَخَذْنَا أَمْوَالَ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَعَلَيْنَا قَضَاؤُهَا؟ قَالَ النَّجَاشِيُّ: يَا عَمْرُو إِنْ كَانَ قِنْطَارًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، فَقَالَ عَمْرٌو: لا، ولا قيراط، قَالَ النَّجَاشِيُّ: فَمَا تَطْلُبُونَ مِنْهُمْ؟ قَالَ عَمْرٌو: كُنَّا وَهُمْ عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ عَلَى دِينِ آبَائِنَا، فَتَرَكُوا ذَلِكَ الدِّينَ واتبعوا غيره ولزمنا نَحْنُ، فَبَعَثَنَا إِلَيْكَ قَوْمُهُمْ لِتَدْفَعَهُمْ إِلَيْنَا، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي كُنْتُمْ عَلَيْهِ وَالدِّينُ الَّذِي اتَّبَعْتُمُوهُ؟ اصْدُقْنِي، قَالَ جَعْفَرٌ: أَمَّا الدين الذي كنا عليه فتركناه فهو دين الشيطان وأمره، كنا نكفر بالله - عز وجل - ونعبد الحجارة؛ وأما الدِّينُ الَّذِي تَحَوَّلْنَا إِلَيْهِ، فَدِينُ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، جَاءَنَا به الله رَسُولُ وَكِتَابٌ مِثْلُ
كِتَابِ ابْنِ مَرْيَمَ مُوَافِقًا لَهُ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: يَا جَعْفَرُ لَقَدْ تَكَلَّمْتَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ فَعَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ أَمَرَ النَّجَاشِيُّ فَضُرِبَ بِالنَّاقُوسِ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ كُلُّ قِسِّيسٍ وَرَاهِبٍ؛ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ قَالَ النَّجَاشِيُّ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى هَلْ تَجِدُونَ بَيْنَ عِيسَى وَبَيْنَ الْقِيَامَةِ نَبِيًّا مُرْسَلًا فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَدْ بَشَّرَنَا بِهِ عِيسَى وَقَالَ: مَنْ آمَنَ بِهِ فَقَدْ آمَنَ بِي، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِي؛ فَقَالَ النَّجَاشِيُّ لِجَعْفَرٍ: مَاذَا يَقُولُ لَكُمْ هَذَا الرَّجُلُ وَيَأْمُرُكُمْ بِهِ وَمَا يَنْهَاكُمْ عَنْهُ؟ قَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْنَا كِتَابَ اللَّهِ وَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَأْمُرُ بِحُسْنِ الْجِوَارِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَبِرِّ الْيَتِيمِ، وَيَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَقَالَ: اقْرَأْ عَلَيْنَا شَيْئًا مما كان يقرأعليكم، فقرأ عَلَيْكُمْ سُورَةَ "الْعَنْكَبُوتِ" "وَالرُّومِ"، فَفَاضَتْ عَيْنَا النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ مِنَ الدَّمْعِ وَقَالُوا: يَا جَعْفَرُ زِدْنَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الطَّيِّبِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ "الْكَهْفِ" فَأَرَادَ عَمْرٌو أَنْ يَغْضَبَ النَّجَاشِيُّ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ يَشْتُمُونَ عِيسَى وَأُمَّهُ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: مَا يَقُولُونَ فِي عِيسَى وَأُمِّهِ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ جَعْفَرٌ سُورَةَ "مَرْيَمَ"، فَلَمَّا أَتَى عَلَى ذِكْرِ مَرْيَمَ وَعِيسَى رفع النجاشي بقية مِنْ سِوَاكٍ قَدْرَ مَا يَقْذِي الْعَيْنَ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زَادَ الْمَسِيحُ عَلَى مَا تَقُولُونَ هَذَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي، يَقُولُ: آمِنُونَ، مَنْ سَبَّكُمْ أَوْ آذَاكُمْ غَرِمَ؛ ثُمَّ قَالَ: أَبْشِرُوا وَلَا تَخَافُوا، وَلَا دَهْوَرَةَ الْيَوْمَ عَلَى حِزْبِ إِبْرَاهِيمَ؛ قَالَ عَمْرٌو: يَا نَجَاشِيُّ وَمَنْ حِزْبُ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ وَصَاحِبُهُمُ الَّذِي جَاءُوا مِنْ عِنْدِهِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ وَادَّعَوْا دِينِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ رَدَّ النَّجَاشِيُّ عَلَى عَمْرٍو وَصَاحِبِهِ الْمَالَ الَّذِي حَمَلُوهُ وَقَالَ: إِنَّمَا هَدِيَّتُكُمْ إِلَيَّ رِشْوَةٌ فَاقْبِضُوهَا، فَإِنَّ اللَّهَ مَلَّكَنِي وَلَمْ يَأْخُذْ مِنِّي رِشْوَةً؛ قَالَ جعفر: وانصرفنا فكنا فِي خَيْرِ دَارٍ وَأَكْرَمِ جِوَارٍ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي خُصُومَتِهِمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} عَلَى مِلَّتِهِ وَسُنَّتِهِ {وَهَذَا النَّبِيُّ} يَعْنِي مُحَمَّدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدُ أحمد بن الحسن الورّاق، أخبرنا أبو أحمد محمد بْنُ أَحْمَدَ الْجَزَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي حاتم، أخبرنا أَبُو سَعِيدٍ الأشجّ قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلَاةً مِنَ النَّبِيِّينَ، وَأَنَا وَلِيِّي مِنْهُمْ أَبِي وَخَلِيلُ رَبِّي إِبْرَاهِيمُ"، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ} الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} الْآيَةَ {69} . نَزَلَتْ فِي مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَحُذَيْفَةَ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ حِينَ دَعَاهُمُ الْيَهُودُ إِلَى دِينِهِمْ، وَقَدْ مَضَتِ الْقِصَّةُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا} الْآيَةَ {72} . قَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: تَوَاطَأَ اثْنَا عَشَرَ حَبْرًا مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ وَقُرَى عُرَيْنَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْخُلُوا فِي دِينِ مُحَمَّدٍ أَوَّلَ النَّهَارِ بِاللِّسَانِ دُونَ الِاعْتِقَادِ، وَاكْفُرُوا بِهِ فِي آخِرِ النَّهَارِ وَقُولُوا: إِنَّا نَظَرْنَا فِي كُتُبِنَا وَشَاوَرْنَا عُلَمَاءَنَا فَوَجَدْنَا مُحَمَّدًا لَيْسَ بِذَلِكَ وَظَهَرَ لَنَا كَذِبُهُ وَبُطَلَانُ دِينِهِ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ شَكَّ أَصْحَابُهُ فِي دِينِهِمْ، وَقَالُوا: إِنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَهُمْ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، فَيَرْجِعُونَ عَنْ دِينِهِمْ إِلَى دِينِكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَخْبَرَ بِهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ. وقال مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: هَذَا فِي شَأْنِ الْقِبْلَةِ لَمَّا صُرِفَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى اليهود لمخالفتهم، قال كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَأَصْحَابُهُ: آمِنُوا ¬
بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ مِنْ أَمْرِ الْكَعْبَةِ، وَصَلُّوا إِلَيْهَا أَوَّلَ النَّهَارِ، ثُمَّ اكْفُرُوا بِالْكَعْبَةِ آخِرَ النَّهَارِ، وَارْجِعُوا إِلَى قِبْلَتِكُمُ الصَّخْرَةِ، لَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ هَؤُلَاءِ أَهْلُ كِتَابٍ وَهُمْ أَعْلَمُ مِنَّا، فَرُبَّمَا يَرْجِعُونَ إِلَى قِبْلَتِنَا فَحَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ مَكْرَ هَؤُلَاءِ، وَأَطْلَعَهُ عَلَى سِرِّهِمْ، وَأَنْزَلَ: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الْآيَةَ {77} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هو فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"، فَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: فِيَّ وَاللَّهِ نَزَلَتْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ أَرْضٌ، فَجَحَدَنِي، فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "لك بَيِّنَةٌ؟ " قُلْتُ: لَا، فَقَالَ لليهودي: "أتحلف"، قلت يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِذَنْ يَحْلِفُ فَيَذْهَبُ بِمَالِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الْآيَةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدَانَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمِهْرَجَانِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ البغوي قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سليمان قال: حدثني صَالِحُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْطَعَ بِهَا ¬
مَالًا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَأَتَى الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قُلْنَا: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: لَفِيَّ نَزَلَتْ؛ خَاصَمْتُ رَجُلًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ " قُلْتُ: لَا، قَالَ: "فَيَحْلِفُ؟ " قُلْتُ: إِذَنْ يحلف، قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالًا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الْآيَةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ، وَعَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. كُلُّهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّاذْيَاخِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لَا يَحْلِفُ رَجُلٌ عَلَى يمين صبر ليقطع بِهَا مَالًا فَاجِرًا إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} قَالَ: فَجَاءَ الْأَشْعَثُ وَعَبْدُ اللَّهِ يحدثهم، قال: فِيَّ نَزَلَتْ، وَفِي رَجُلٍ خَاصَمْتُهُ فِي بِئْرٍ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ " قُلْتُ: لَا، قَالَ: "فَلْيَحْلِفْ لك"، قلت: إذن يَحْلِفُ، قَالَ: فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا} الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ¬
عَبْدِ اللَّهِ سَمِعَ هُشَيْمًا يَقُولُ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَةً فِي السُّوقِ، فَحَلَفَ: لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا ما لم يُعْطَ؛ لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ نَاسًا مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ أُولِي فَاقَةٍ أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ فَاقْتَحَمُوا إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ بِالْمَدِينَةِ، فَسَأَلَهُمْ كَعْبٌ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ رَسُولُ اللَّهِ فِي كِتَابِكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، وَمَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا، فَقَالُوا: فَإِنَّا نَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، قَالَ كَعْبٌ: لَقَدْ حَرَمَكُمُ اللَّهُ خَيْرًا كَثِيرًا، لَقَدْ قَدِمْتُمْ عَلَيَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَبَرَّكُمْ وَأَكْسُوا عِيَالَكُمْ، فَحَرَمَكُمُ اللَّهُ وَحَرَمَ عِيَالَكُمْ، قَالُوا: فَإِنَّهُ شُبِّهَ لَنَا، فَرُوَيْدًا حتى نلقاه، فانطلقوه فَكَتَبُوا صِفَةً سِوَى صِفَتِهِ، ثُمَّ انْتَهَوْا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ فَكَلَّمُوهُ وَسَأَلُوهُ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى كَعْبٍ وَقَالُوا: لَقَدْ كُنَّا نَرَى أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَلَمَّا أَتَيْنَاهُ إِذَا هُوَ لَيْسَ بِالنَّعْتِ الَّذِي نُعِتَ لَنَا، وَوَجَدْنَا نَعْتَهُ مُخَالِفًا لِلَّذِي عِنْدَنَا، وَأَخْرَجُوا الَّذِي كَتَبُوا فَنَظَرَ إِلَيْهِ كَعْبٌ، ففرح ومارهم وأنقق عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي أَبِي رَافِعٍ كنانة بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وغيرهم من رؤوساء الْيَهُودِ، كَتَمُوا مَا عَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ شَأْنِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَدَّلُوهُ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ غَيْرَهُ، وَحَلَفُوا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِئَلَّا يَفُوتَهُمُ الرِّشَا وَالْمَآكِلُ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ عَلَى أَتْبَاعِهِمْ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ} الْآيَةَ {79} . قَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي نَصَارَى نَجْرَانَ عَبَدُوا عِيسَى، وَقَوْلُهُ: {لِبَشَرٍ} يَعْنِي عِيسَى، {أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ} يَعْنِي الْإِنْجِيلَ. ¬
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ وَعَطَاءٍ: إِنَّ أَبَا رافع اليهودي والرئيس مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ قَالَا: يَا مُحَمَّدُ أَتُرِيدُ أَنْ نَعْبُدَكَ وَنَتَّخِذَكَ رَبًّا؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "معاذ بالله أَنْ يُعْبَدَ غَيْرُ اللَّهِ أَوْ نَأْمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، مَا بِذَلِكَ بَعَثَنِي، وَلَا بِذَلِكَ أَمَرَنِي"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - وَقَالَ الْحَسَنُ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ كَمَا يُسَلِّمُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ، أَفَلَا نَسْجُدُ لَكَ؟ قَالَ: "لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ لِأَحَدٍ مِنْ دُونِ الله، ولكن أكزموا نَبِيَّكُمْ وَاعْرِفُوا الْحَقَّ لِأَهْلِهِ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} {83} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اخْتَصَمَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا اخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ مِنْ دِينِ إِبْرَاهِيمَ، كُلُّ فِرْقَةٍ زَعَمَتْ أَنَّهَا أَوْلَى بِدِينِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "كِلَا الْفَرِيقَيْنِ بَرِيءٌ مِنْ دِينِ إِبْرَاهِيمَ" فَغَضِبُوا، وَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَرْضَى بِقَضَائِكَ وَلَا نَأْخُذُ بِدِينِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} الْآيَةَ {86} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ خَالِدٍ وَدَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ ارْتَدَّ فَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فَبَعَثَ بِهَا قَوْمَهُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قُرِئَتْ عَلَيْهِ قَالَ: وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي قُومِي ¬
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَصْدَقُ الثَّلَاثَةِ، فَرَجَعَ تَائِبًا، فَقَبِلَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَرَكَهُ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى، حَدَّثَنَا سَهْلٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ارْتَدَّ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِالشِّرْكِ، فَنَدِمَ، فَأَرْسَلَ إِلَى قَوْمِهِ أَنْ يَسْأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ، فَإِنِّي قَدْ نَدِمْتُ، فَنَزَلَتْ: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا} حَتَّى بَلَغَ {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فَكَتَبَ بِهَا قَوْمُهُ إِلَيْهِ، فَرَجَعَ فَأَسْلَمَ. (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ زَكَرِيَّا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مَسْرَهَدٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ قَدْ أَسْلَمَ، وَكَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَحِقَ بقومه وكفر فأنزلت فيه هَذِهِ الْآيَةَ: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} حملها إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ الْحَارِثُ: وَاللَّهِ إِنَّكَ مَا عَلِمْتُ لَصَدُوقٌ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَصْدَقُ مِنْكَ، وَإِنَّ اللَّهَ لَأَصْدَقُ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَسْلَمَ إِسْلَامًا حَسَنًا. ¬
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} {90} . قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ كَفَرُوا بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ، ثُمَّ ازْدَادُوا كفرًا بمحمد وَالْقُرْآنِ. (¬2) - وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ إِيمَانِهِمْ بِنَعْتِهِ وَصِفَتِهِ، ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا بِإِقَامَتِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} {93} . قَالَ أَبُو رَوْقٍ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ حِينَ قال النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنه عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: كَيْفَ وَأَنْتَ تَأْكُلُ لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لِإِبْرَاهِيمَ، فَنَحْنُ نُحِلُّهُ"، فَقَالَتِ اليهود: كل شي، أَصْبَحْنَا الْيَوْمَ نُحَرِّمُهُ فَإِنَّهُ كَانَ عَلَى نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - تَكْذِيبًا لَهُمْ: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} الْآيَةَ {96} . قَالَ مُجَاهِدٌ: تَفَاخَرَ الْمُسْلِمُونَ وَالْيَهُودُ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ أَفْضَلُ وَأَعْظَمُ مِنَ الْكَعْبَةِ لِأَنَّهُ مُهَاجَرُ الْأَنْبِيَاءِ وَفِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: بَلِ الْكَعْبَةُ أَفْضَلُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬3) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا} الْآيَةَ {100} . أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْقَنْطَرِيُّ فِيمَا أَذِنَ لِي فِي روايته قال: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بن الحسين الحداد ¬
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بن خالد قال: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبراهيم قال: أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إسماعيل قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ قتال في الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ اصْطَلَحُوا وَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَجَلَسَ يَهُودِيٌّ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ نَفَرٌ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، فَأَنْشَدَ شِعْرًا قَالَهُ أَحَدُ الْحَيَّيْنِ فِي حَرْبِهِمْ، فَكَأَنَّهُمْ دَخَلَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ الْحَيُّ الْآخَرُونَ: وقد قَالَ شَاعِرُنَا فِي يَوْمِ كَذَا: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ الْآخَرُونَ: وَقَدْ قَالَ شَاعِرُنَا فِي يَوْمِ كَذَا: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَقَالُوا: تَعَالَوْا نَرُدُّ الْحَرْبَ جَذَعًا كَمَا كَانَتْ، فَنَادَى هَؤُلَاءِ: يَا آلَ أَوْسٍ، وَنَادَى هَؤُلَاءِ يَا آلَ خَزْرَجٍ؛ فَاجْتَمَعُوا وَأَخَذُوا السِّلَاحَ وَاصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قَامَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَقَرَأَهَا وَرَفَعَ صَوْتَهُ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ أَنْصَتُوا لَهُ وَجَعَلُوا يَسْتَمِعُونَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا فَرَغَ أَلْقَوُا السِّلَاحَ وَعَانَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَجَثَوْا يَبْكُونَ. (¬1) - وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: مِرْشَاسُ بْنُ قَيْسٍ الْيَهُودِيُّ وكان شيخًا قد عسا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَظِيمَ الْكُفْرِ شَدِيدَ الضَّغْنِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَدِيدَ الْحَسَدِ لَهُمْ، فَمَرَّ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فِي مَجْلِسٍ قَدْ جَمَعَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ، فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ جَمَاعَتِهِمْ وَأُلْفَتِهِمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْعَدَاوَةِ، فَقَالَ: قَدِ اجْتَمَعَ مَلَأُ بَنِي قَيْلَةَ بِهَذِهِ الْبِلَادِ، لَا وَاللَّهِ مَا لَنَا مَعَهُمْ إِذَا اجْتَمَعُوا بِهَا مِنْ قَرَارٍ، فَأَمَرَ شَابًّا مِنَ الْيَهُودِ كَانَ مَعَهُ، فَقَالَ: اعْمَدْ إِلَيْهِمْ فَاجْلِسْ مَعَهُمْ، ثُمَّ ذَكِّرْهُمْ بِيَوْمِ ¬
بُعَاثٍ وَمَا كَانَ فِيهِ، وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ مَا كَانُوا تَقَاوَلُوا فِيهِ مِنَ الْأَشْعَارِ، وَكَانَ بُعَاثٌ يَوْمًا اقْتَتَلَتْ فِيهِ الْأَوْسُ والخزرج، وكان الظافر فِيهِ لِلْأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَجِ، فَفَعَلَ فَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَتَنَازَعُوا وَتَفَاخَرُوا حَتَّى تَوَاثَبَ رَجُلَانِ مِنَ الْحَيَّيْنِ أَوْسِ بْنِ قَيْظِيٍّ أَحَدِ بَنِي حَارِثَةَ مِنَ الْأَوْسِ، وَجَبَّارِ بْنِ صَخْرٍ أَحَدِ بَنِي سَلَمَةَ مِنَ الْخَزْرَجِ فَتَقَاوَلَا وَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إِنْ شِئْتَ وَاللَّهِ رَدَدْتُهَا الْآنَ جَذَعَةً، وَغَضِبَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا وَقَالَا: قَدْ فَعَلْنَا، السِّلَاحَ السِّلَاحَ، مَوْعِدُكُمُ الظَّاهِرَةُ وَهِيَ حَرَّةٌ، فخرجوا إليها فانضمت الأوس والخزرخ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ عَلَى دَعْوَاهُمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى جَاءَهُمْ فَقَالَ: "يَا معشر المسلمين، بدعوى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ أَنْ أَكْرَمَكُمُ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَلَّفَ بَيْنَكُمْ، فَتَرْجِعُونَ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ كُفَّارًا؟ اللَّهَ اللَّهَ". فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنَّهَا نَزْغَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ وَكَيْدٌ مِنَ عَدُوِّهِمْ فَأَلْقَوُا السِّلَاحَ من أيديهم وكبوا، وَعَانَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عز وجل - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} يَعْنِي الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} يَعْنِي شَاسًا وَأَصْحَابَهُ {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: مَا كَانَ مِنْ طَالِعٍ أَكْرَهَ إِلَيْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَوْمَأَ إِلَيْنَا بِيَدِهِ، فَكَفَفْنَا وَأَصْلَحَ اللَّهُ تَعَالَى مَا بَيْنَنَا، فَمَا كَانَ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا رَأَيْتُ قَطُّ يَوْمًا أَقْبَحَ وَلَا أَوْحَشَ أَوَّلًا وَأَحْسَنَ آخِرًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} الْآيَةَ {101} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحسن الحيري قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ¬
الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنِ الْأَغَرِّ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ شَرٌّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَذَكَرُوا مَا بَيْنَهُمْ، فَثَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ بِالسُّيُوفِ فأتي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذ كر ذَلِكَ لَهُ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ النَّقِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحسن الحافظ قال: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ يونس الجرجاني قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الليث قال: حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ يَتَحَدَّثُونَ، فَغَضِبُوا، حَتَّى كَادَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ، فَأَخَذُوا السِّلَاحَ وَمَشَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَنَزَلَتْ: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} الْآيَةَ {110} . قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ مالك بن الضيف، وَوَهْبَ بْنَ يَهُوذَا الْيَهُودِيَّيْنِ قَالَا لَهُمْ: إِنَّ دِينَنَا خير مما تدعونا إِلَيْهِ، وَنَحْنُ خَيْرٌ وَأَفْضَلُ مِنْكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} {111} . قَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ رُؤُوسَ الْيَهُودِ كَعْبٌ وَبَحْرَى وَالنُّعْمَانُ وَأَبُو رَافِعٍ وَأَبُو يَاسِرٍ وَابْنُ صُورِيَّا عَمَدُوا إِلَى مُؤْمِنِهِمْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ فَآذَوْهُمْ لِإِسْلَامِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسُوا سَوَاءً} الْآيَةَ {113} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: لَمَّا أَسْلَمَ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْيَةَ وَأَسِيدُ بْنُ سَعْيَةَ وَأَسَدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْيَهُودِ، قَالَتْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ: مَا آمَنَ لِمُحَمَّدٍ إِلَّا شِرَارُنَا، وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَخْيَارِنَا لَمَا تَرَكُوا دِينَ آبَائِهِمْ، وَقَالُوا لَهُمْ: لَقَدْ خَسِرْتُمْ حِينَ اسْتَبْدَلْتُمْ بِدِينِكُمْ دِينًا غَيْرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسُوا سَوَاءً} الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي صَلَاةِ الْعَتَمَةِ يُصَلِّيهَا الْمُسْلِمُونَ، وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يُصَلِّيهَا. (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن الغازي قال. أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أحمد الحيري قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بن المثنى قال: حَدَّثَنَا أَبُو خيثمة قال: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ القاسم قال: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ صلاة العشاء، تم خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فَقَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ أَحَدٌ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ غَيْرُكُمْ"، قَالَ: فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} (¬3) - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن نوح قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ ¬
أحمد الفقيه قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن المسيب قال: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عبد الأعلى قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن وهب قال: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ زَحْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: احْتَبَسَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَكَانَ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِهِ أَوْ نِسَائِهِ فَلَمْ يَأْتِنَا لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَجَاءَ وَمِنَّا الْمُصَلِّي وَمِنَّا الْمُضْطَجِعُ، فَبَشَّرَنَا فَقَالَ: "إِنَّهُ لَا يُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ"، وَأُنْزِلَتْ: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} (¬1) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} الْآيَةَ {118} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا يُصَافُّونَ الْمُنَافِقِينَ وَيُوَاصِلُونَ رِجَالًا مِنَ الْيَهُودِ لِمَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ وَالصَّدَاقَةِ وَالْحِلْفِ وَالْجِوَارِ وَالرَّضَاعِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ يَنْهَاهُمْ عَنْ مُبَاطَنَتِهِمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} الْآيَةَ {121} . نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ محمد الزاهد قال: أَخْبَرَنَا أَبُو علي الفقيه قال: أَخْبَرَنَا أَبُو القاسم البغوي قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الحماني قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن جعفر المخزمي، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَيْ خَالِي أَخْبِرْنِي عَنْ قِصَّتِكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: اقْرَأِ الْعِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ تَجِدْ {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} ¬
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} {128} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ محمد التميمي قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد جعفر قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ محمد الرازي قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ العسكري قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُسِرَتْ رَبَاعِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَدُمِيَ وَجْهُهُ، فَجَعَلَ الدَّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ وَيَقُولُ: "كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَّبُوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ بِالدَّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ؟ " قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} (¬2) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن الغازي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بن حمدان قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بن المثنى قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إسرائيل قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ محمد قال: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فُلَانًا وَفُلَانًا نَاسًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، ورواه مسلم من طَرِيقِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. ¬
(¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إبراهيم الفارسي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بن عمرويه قال: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بن محمد قال: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بن الحجاج قال: حدثنا القعنبي قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُسِرَتْ رَبَاعِيَّتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَشُجَّ فِي رَأْسِهِ وَجَعَلَ يَسِيلُ الدَّمُ عَنْهُ وَيَقُولُ: "كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَّتَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو إسحاق الثعالبي، أخبر عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حامد الوزان قال: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ ابن الشرقي قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يحيى قال: حدثناعبد الرزاق قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ: "رَبَّنَا لَكَ ¬
الْحَمْدُ، اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا"، دَعَا عَلَى نَاسٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسِيَاقُهُ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا. أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: قُرِئَ عَلَى بن وَهْبٍ، أَخْبَرَكَ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ يَفْرَغُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَيُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ ويقول: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنِ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ" ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: "اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، اللَّهُمَّ الْعَنْ لَحْيَانَ وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعَصِيَّةَ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ"، ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ لَمَّا نَزَلَتْ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} الْآيَةَ {135} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي نَبْهَانَ التَّمَّارِ، أَتَتْهُ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ تَبْتَاعُ مِنْهُ تَمْرًا فَضَمَّهَا إِلَى نَفْسِهِ وَقَبَّلَهَا ثُمَّ نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ: إِنَّ رَجُلَيْنِ أَنْصَارِيًّا وَثَقَفِيًّا آخَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا، فَكَانَا لَا يَفْتَرِقَانِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، وَخَرَجَ مَعَهُ الثَّقَفِيُّ وَخَلَّفَ الْأَنْصَارِيَّ فِي أَهْلِهِ وَحَاجَتِهِ، وَكَانَ يَتَعَاهَدُ أَهْلَ الثَّقَفِيِّ، فَأَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَبْصَرَ امْرَأَةَ صَاحِبِهِ قَدِ اغْتَسَلَتْ وَهِيَ نَاشِرَةٌ شَعْرَهَا، فَوَقَعَتْ فِي نَفْسِهِ، فَدَخَلَ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ حَتَّى انْتَهَى إليها، فذهب ليقبلها فَوَضَعَتْ كَفَّهَا عَلَى
وَجْهِهَا، فَقَبَّلَ ظَاهِرَ كَفِّهَا ثُمَّ نَدِمَ وَاسْتَحْيَا، فَأَدْبَرَ رَاجِعًا فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ! خُنْتَ أَمَانَتَكَ، وَعَصَيْتَ رَبَّكَ، وَلَمْ تُصِبْ حَاجَتَكَ، قَالَ: فَنَدِمَ عَلَى صَنِيعِهِ، فَخَرَجَ يَسِيحُ فِي الْجِبَالِ وَيَتُوبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَنْبِهِ حَتَّى وَافَى الثَّقَفِيَّ، فَأَخْبَرَتْهُ أَهْلُهُ بِفِعْلِهِ، فَخَرَجَ يَطْلُبُهُ حَتَّى دُلَّ عَلَيْهِ، فَوَافَقَهُ سَاجِدًا وَهُوَ يَقُولُ: رَبِّ ذَنْبِي ذَنْبِي! قَدْ خُنْتُ أَخِي، فَقَالَ لَهُ: يا فلان ثم فَانْطَلِقْ إِلَى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسله عَنْ ذَنْبِكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لك فرجًا وتوبًا، فَأَقْبَلَ مَعَهُ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِتَوْبَتِهِ، فَتَلَا عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} إِلَى قَوْلِهِ: {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَاصٌّ هَذَا لِهَذَا الرَّجُلِ أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: "بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً". أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ المروزي إجازة قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحسين الحدادي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن يحيى قال: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بن إبراهيم قال: أخبرنا روح قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قالوا للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبَنُوا إِسْرَائِيلَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنَّا؟ كَانُوا إِذَا أَذْنَبَ أَحَدُهُمْ أَصْبَحَتْ كَفَّارَةُ ذَنْبِهِ مَكْتُوبَةً فِي عَتَبَةِ بَابِهِ: اجْدَعْ أُذُنَكَ، اجْدَعْ أَنْفَكَ، افْعَلْ كَذَا، فَسَكَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ " فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَاتِ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا} الْآيَةَ {139} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: انْهَزَمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أُحُد، فبينما هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِخَيْلِ الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُ أَنْ يَعْلُوَ عَلَيْهِمُ الْجَبَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "اللَّهُمَّ لَا يَعْلُونَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ لَا قُوَّةَ لَنَا إِلَّا بِكَ، اللَّهُمَّ لَيْسَ يَعْبُدُكَ بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ غَيْرُ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَاتِ، وَثَابَ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رُمَاةٌ، ¬
فَصَعِدُوا الْجَبَلَ وَرَمَوْا خَيْلَ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى هَزَمُوهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} الْآيَةَ {140} . قَالَ رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ: لَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ كَئِيبًا حَزِينًا يَوْمَ أُحُدٍ، جَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تَجِيءُ بِزَوْجِهَا وَابْنِهَا مَقْتُولَيْنِ وَهِيَ تَلْتَدِمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَهَكَذَا يُفْعَلُ بِرَسُولِكَ؟ " فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ} الآيات {144} . قَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: قَدْ أُصِيبَ مُحَمَّدٌ فَأَعْطُوهُمْ بِأَيْدِيكُمْ، فَإِنَّمَا هم إخوانكم، وقاد بَعْضُهُمْ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ أُصِيبَ ألا ما تَمْضُونَ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ نَبِيُّكُمْ حَتَّى تَلْحَقُوا بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إِلَى {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا} لِقَتْلِ نَبِيِّهِمْ إِلَى قَوْلِهِ: {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا} قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} الْآيَةَ {151} . قَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا ارْتَحَلَ أبو سفيان والمشركين يَوْمَ أُحُدٍ مُتَوَجِّهِينَ إِلَى مَكَّةَ، انْطَلَقُوا حَتَّى بَلَغُوا بَعْضَ الطَّرِيقِ ثُمَّ إِنَّهُمْ نَدِمُوا وَقَالُوا: بِئْسَ مَا صَنَعْنَا قَتَلْنَاهُمْ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا الشَّرِيدُ تَرَكْنَاهُمْ، ارْجِعُوا فَاسْتَأْصِلُوهُمْ، فَلَمَّا عَزَمُوا عَلَى ذَلِكَ أَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ حَتَّى رَجَعُوا عَمَّا عَزَمُوا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} الْآيَةَ {152} . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ ¬
الْقُرَظِيُّ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَدْ أُصِيبُوا بِمَا أُصِيبُوا يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: مِنْ أَيْنَ أَصَابَنَا هَذَا وَقَدْ وَعَدَنَا اللَّهُ النَّصْرَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} يَعْنِي الرُّمَاةَ الَّذِينَ فَعَلُوا مَا فَعَلُوا يَوْمَ أُحُدٍ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} الْآيَةَ {161} . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن المطوعي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أحمد الحيري قال: أَخْبَرَنَا أبو يعلى قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أبان قال: حَدَّثَنَا ابْنُ المبارك قال: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَقَدْتُ قَطِيفَةً حَمْرَاءَ يَوْمَ بَدْرٍ مِمَّا أُصِيبَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ أُنَاسٌ: لَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} قال حصيف: فَقُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ، فَقَالَ: بَلْ يُغَلُّ وَيُقْتَلُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ إبراهيم النجار قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أيوب الطبراني قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَزِيدَ النَّرْسِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الدُّورِيُّ عَنْ أَبِي محمد اليزيدي قال عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} وَيَقُولُ: كَيْفَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُغَلَّ وَقَدْ كَانَ يُقْتَلُ؟ قَالَ اللَّهُ ¬
تَعَالَى: {وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ} (¬1) ولكن المنافقين استهموا النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} (¬2) - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أحمد الأصفهاني قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأصفهاني قال: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الرازي قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عثمان قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سَلَمَةَ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَائِعَ، فَغَنِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَنِيمَةً وَقَسَّمَهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلَمْ يُقَسِّمْ لِلطَّلَائِعِ شَيْئًا، فَلَمَّا قَدِمَتِ الطَّلَائِعُ قَالُوا: قَسَّمَ الْفَيْءَ وَلَمْ يُقَسِّمْ لَنَا، فَنَزَلَتْ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} قَالَ سَلَمَةُ: قَرَأَهَا الضَّحَّاكُ يُغَلَّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَقَعَ فِي يَدِهِ غَنَائِمُ هَوَازِنَ يَوْمَ حُنَيْنٍ غَلَّهُ رَجُلٌ بِمَخِيطٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ وَقَدْ غَلَّ طَوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: نزلت حين ترك الرُّمَاةُ الْمَرْكَزَ يَوْمَ أُحُدٍ طَلَبًا لِلْغَنِيمَةِ، وَقَالُوا: نَخْشَى أَنْ يَقُولَ رسول الله صلى الله عيه وسلم: "مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ"، وَأَنْ لَا يُقَسِّمَ الْغَنَائِمَ كَمَا لَمْ يُقَسِّمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "ظَنَنْتُمْ أَنَّا نَغُلُّ وَلَا نُقَسِّمُ لَكُمْ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أَشْرَافَ النَّاسِ اسْتَدْعَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَخْصُصَهُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْغَنَائِمِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. (¬3) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} الْآيَةَ {165} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ عُوقِبُوا بِمَا صَنَعُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَفَرَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬
وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَّتُهُ وَهُشِمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ، وَسَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} قال: يأخذكم الْفِدَاءَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} {169} . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن يحيى قال: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أحمد الخلالي قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدَانَ بْنِ يزيد البجلي قال: حَدَّثَنَا أبو كريب قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا: مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّا فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ، لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلَا يَنْكُلُوا فِي الْحَرْبِ"، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ ¬
وَجَلَّ: "أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن الغازي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن حمدان قال: أَخْبَرَنَا حَامِدُ بْنُ شعيب البلخي قال: حدثناعثمان بْنُ أبي شيبة قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ فَذَكَرَهُ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى الْحِيرِيِّ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الشيخ الحافظ قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَذَّاءُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ المديني قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَشِيرٍ الْفَاكِهُ الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ خِرَاشٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَظَرَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "مَا لِي أَرَاكَ مُهْتَمًّا؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُتِلَ أَبِي وَتَرَكَ دَيْنًا وَعِيَالًا، فَقَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكَ؟ مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَإِنَّهُ كَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي سَلْنِي أُعْطِكَ، قَالَ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ، قَالَ: يَا رَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} الْآيَةَ. ¬
(¬1) - أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو الْقَنْطَرِيُّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن الحسين قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بن يحيى قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إبراهيم قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} قَالَ: لَمَّا أُصِيبَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ، وَرَأَوْا مَا رُزِقُوا مِنَ الْخَيْرِ، قَالُوا: لَيْتَ إِخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ مَا أَصَابَنَا مِنَ الْخَيْرِ كَيْ يَزْدَادُوا فِي الْجِهَادِ رَغْبَةً، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} وَقَالَ أَبُو الضُّحَى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ أُحُدٍ خَاصَّةً. (¬2) - وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي شُهَدَاءِ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَقِصَّتُهُمْ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ فِي الْمَغَازِي. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ أَوْلِيَاءَ الشُّهَدَاءِ كَانُوا إِذَا أَصَابَتْهُمْ نِعْمَةٌ أَوْ سُرُورٌ تَحَسَّرُوا وَقَالُوا: نحن في نعمة وَالسُّرُورِ وَآبَاؤُنَا وَأَبْنَاؤُنَا وَإِخْوَانُنَا فِي الْقُبُورِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ تَنْفِيسًا عَنْهُمْ وَإِخْبَارًا عَنْ حَالِ قَتْلَاهُمْ. (¬3) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} الْآيَةَ {172} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن إبراهيم المقري قال: أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بن محمد قال: أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بن عبدان قال: حَدَّثَنَا أبو الأزهر قال: حدثنا روح قال: حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ الْقُشَيْرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَنْفَرَ النَّاسَ بَعْدَ أُحُدٍ حِينَ انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ، فَاسْتَجَابَ لَهُ سَبْعُونَ رَجُلًا، فَطَلَبَهُمْ فَلَقِيَ أَبُو سُفْيَانَ عِيرًا مِنْ ¬
خُزَاعَةَ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنْ لَقِيتُمْ مُحَمَّدًا يَطْلُبُنِي فَأَخْبِرُوهُ أَنِّي فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، فَلَقِيَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُمْ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالُوا: لَقِينَاهُ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ وَنَرَاكَ فِي قِلَّةٍ وَلَا نَأْمَنُهُ عَلَيْكَ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا أَنْ يَطْلُبَهُ، فَسَبَقَهُ أَبُو سُفْيَانَ، فَدَخَلَ مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} حَتَّى بَلَغَ {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (¬1) - أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أبي عمرو قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن مكي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن يوسف قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن إسماعيل قال: أخبرنا محمد قال: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} إِلَى آخِرِهَا قَالَ: قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ أَبَوَاكَ مِنْهُمُ الزُّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ، لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ مَا أَصَابَ وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ، خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا، فَقَالَ: "مَنْ يَذْهَبُ فِي أَثَرِهِمْ؟ "، فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رجلا كان فيهم أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} الْآيَةَ {173} . أَخْبَرَنَا أَبُو إسحاق الثعالبي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ شُعَيْبُ بن محمد قال: أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِمٍ التميمي قال: ¬
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الأزهر قال: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عبادة قال: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذَاكَ يَوْمُ أُحُدٍ بَعْدَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحَةِ وَبَعْدَمَا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ: "أَلَا عِصَابَةٌ تُشَدِّدُ لِأَمْرِ اللَّهِ فَتَطْلُبُ عَدُوَّهَا فَإِنَّهُ أَنَكَى لِلْعَدُوِّ وَأَبْعَدُ لِلسَّمْعِ"، فَانْطَلَقَ عِصَابَةٌ عَلَى مَا يَعْلَمِ اللَّهُ مِنَ الْجَهْدِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ جَعَلَ الْأَعْرَابُ وَالنَّاسُ يأتون عليهم، يقولون هَذَا أَبُو سُفْيَانَ مَائِلٌ بِالنَّاسِ، فَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} {179} . قَالَ السُّدِّيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "عُرِضَتْ عَلَيَّ أُمَّتِي فِي صُوَرِهَا كَمَا عُرِضَتْ عَلَى آدَمَ، وَأُعْلِمْتُ من يؤمن لي ومن يَكْفُرُ"، فَبَلَغَ ذلك المنافقين فاستهزأوا وَقَالُوا: يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرُ، وَنَحْنُ مَعَهُ وَلَا يَعْرِفُنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالَتْ قُرَيْشٌ: تَزْعُمُ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ مَنْ خَالَفَكَ فَهُوَ فِي النَّارِ وَاللَّهُ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، وَأَنَّ مَنِ اتَّبَعَكَ عَلَى دِينِكَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَاللَّهُ عَنْهُ رَاضٍ، فَأَخْبِرْنَا بِمَنْ يُؤْمِنُ بِكَ وَمَنْ لَا يُؤْمِنُ بِكَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: سَأَلَ الْمُؤْمِنُونَ أَنْ يعطوا علامة يفرق بِهَا بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُنَافِقِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ} الْآيَةَ {180} . أَجْمَعَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ. ¬
وَرَوَى عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَحْبَارِ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَتَمُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنُبُوَّتِهِ، وَأَرَادَ بِالْبُخْلِ: كِتْمَانَ الْعِلْمِ الَّذِي آتَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا} الْآيَةَ {181} . قَالَ عِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَاتَ يَوْمٍ بَيْتَ مِدْرَاسِ الْيَهُودِ، فَوَجَدَ نَاسًا مِنَ الْيَهُودِ قد اجتمعوا إلى رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: فنحاص بن عازوراء، وَكَانَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِفِنْحَاصَ: اتَّقِ اللَّهَ وَأَسْلِمْ، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ جَاءَكُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ، فَآمِنْ وَصَدِّقْ وَأَقْرِضِ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ وَيُضَاعِفُ لَكَ الثَّوَابَ، فَقَالَ فِنْحَاصُ: يَا أَبَا بَكْرٍ تَزْعُمُ أَنَّ رَبَّنَا يَسْتَقْرِضُنَا أَمْوَالَنَا وَمَا يَسْتَقْرِضُ إِلَّا الْفَقِيرُ مِنَ الْغَنِيِّ فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا، فَإِنَّ اللَّهَ إِذًا لَفَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا مَا اسْتَقْرَضَنَا أَمْوَالَنَا، فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَضَرَبَ وَجْهَ فِنْحَاصَ ضَرْبَةً شَدِيدَةً وَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَذَهَبَ فِنْحَاصُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، انْظُرْ إِلَى مَا صَنَعَ بِي صَاحِبُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ: "مَا الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا، زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَأَنَّهُمْ عَنْهُ أَغْنِيَاءُ، فَغَضِبْتُ لِلَّهِ وَضَرَبْتُ وَجْهَهُ، فَجَحَدَ ذَلِكَ فِنْحَاصُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - رَدًّا عَلَى فِنْحَاصَ وَتَصْدِيقًا لِأَبِي بَكْرٍ: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا} الْآيَةَ. ¬
(¬1) - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ بن طاهر قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بن مطر قال: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ اللَّيْثِ الزيادي قال: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مسعود قال: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ صَكَّ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجْهَ رَجُلٍ مِنْهُمْ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ، قَالَ شِبْلٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ فِنْحَاصُ الْيَهُودِيُّ وَهُوَ الَّذِي قَالَ: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا} الْآيَةَ {183} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ ومالك بن الضيف وَوَهْبِ بْنِ يَهُوذَا وَزَيْدِ بن تابوة وفي فنحاص بن عازوراء وَحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَكَ إِلَيْنَا رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ كِتَابًا، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ عَهِدَ إِلَيْنَا فِي التَّوْرَاةِ أَنْ لَا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ، فَإِنْ جِئْتَنَا بِهِ صَدَّقْنَاكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} الْآيَةَ {186} . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ محمد الفارسي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن حمدون قال: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بن ¬
الحسن قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يحيى قال: حَدَّثَنَا أبو اليمان قال: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عن الزهري قال: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ: أَنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيَّ كَانَ شَاعِرًا وَكَانَ يَهْجُو النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحَرِّضُ عَلَيْهِ كُفَّارَ قُرَيْشٍ فِي شِعْرِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَهْلُهَا أَخْلَاطٌ، مِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَمِنْهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَمِنْهُمُ الْيَهُودُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يستصلحهم كلهم، فكان الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ يُؤْذُونَهُ وَيُؤْذُونَ أَصْحَابَهُ أَشَدَّ الْأَذَى، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عمرو المزكي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن مكي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البخاري قال: أَخْبَرَنَا أَبُو اليمان قال: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَرَاءَهُ وَسَارَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ، وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسُ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تَغْبُرُوا علينا، فسلم رسور اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ وَقَفَ، فَنَزَلَ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: أَيُّهَا الْمَرْءُ إِنَّهُ لَا أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ إِنْ كَانَ حَقًّا فَلَا تُؤْذِنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا؟ ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاغْشَنَا به في مجلسنا فَإِنَّا نُحِبُّ ¬
ذَلِكَ، وَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَسَاوَرُونَ، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَابَّتَهُ وَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ: "يَا سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ؟ " - يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَالَ: كَذَا وَكَذَا فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ، لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْكَ، وَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ وَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ، فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} الْآيَةَ {188} . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن جعفر قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الهيثم المروزي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن يوسف قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل البخاري قال: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أبي مريم قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جعفر قال: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ، فَإِذَا قَدِمَ اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَحَلَفُوا وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا، فَنَزَلَتْ: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} الْآيَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ. (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرحمن الشاذياخي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ¬
مُحَمَّدِ بن زكريا قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن الدغولي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن جهم قال: أَخْبَرَنَا جعفر بن عوف قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بن سعيد قال: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَوْمًا وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ عِنْدَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ زيد بْنُ ثَابِتٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، فَقَالَ مَرْوَانُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} وَاللَّهِ إِنَّا لَنَفْرَحُ بِمَا أَتَيْنَا، وَنُحِبُّ أَنْ نُحْمَدَ بِمَا لَمْ نَفْعَلْ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَيْسَ هَذَا فِي هَذَا، إِنَّمَا كَانَ رِجَالٌ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَخَلَّفُونَ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ فِي الْمَغَازِي، فَإِذَا كَانَتْ فِيهِمُ النَّكْبَةُ وَمَا يَكْرَهُونَ فَرِحُوا بِتَخَلُّفِهِمْ، فَإِذَا كَانَ فِيهِمْ مَا يُحِبُّونَ حَلَفُوا لَهُمْ وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا. (¬1) - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ قال: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ حَمْدُونَ قال: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأزهر قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ لِرَافِعٍ بَوَّابِهِ: اذْهَبْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَقُلْ لَهُ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ مِنَّا فَرِحَ بِمَا أَتَى وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ عُذِّبَ، لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعِينَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا لَكُمْ وَلِهَذَا، إِنَّمَا دعا النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يهود فَسَأَلَهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ، فَأَرَوْهُ أَنْ قَدِ اسْتَحْمَدُوا إليه بما أَخْبَرُوهُ ¬
عَنْهُ فِيمَا سَأَلَهَمْ، وَفَرِحُوا بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانِهِمْ إِيَّاهُ، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَتَبَ يَهُودُ الْمَدِينَةِ إِلَى يَهُودِ الْعِرَاقِ وَالْيَمَنِ وَمَنْ بَلَغَهُمْ كِتَابُهُمْ مِنَ الْيَهُودِ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا أَنَّ مُحَمَّدًا لَيْسَ نَبِيَّ اللَّهِ فَاثْبُتُوا عَلَى دِينِكُمْ وَأَجْمِعُوا كَلِمَتَكُمْ عَلَى ذَلِكَ، فأجمعت كلمتهم على الكفر بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقُرْآنِ، فَفَرِحُوا بِذَلِكَ وَقَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَمَعَ كلمتنا ولم نَتَفَرَّقَ وَلَمْ نَتْرُكْ دِينَنَا، وَقَالُوا: نَحْنُ أَهْلُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْنُ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} بِمَا فَعَلُوا {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} يَعْنِي بِمَا ذَكَرُوا مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الْآيَةَ {190} . أَخْبَرَنَا أبو إسحاق المقري قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن حامد قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ يحيى العنبري قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن نجدة قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الحميد الحماني قال: حدثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَتْ قُرَيْشٌ الْيَهُودَ فَقَالُوا: مَا جَاءَكُمْ بِهِ مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ؟ قَالُوا: عَصَاهُ، وَيَدُهُ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ، وَأَتَوُا النَّصَارَى فَقَالُوا: كَيْفَ كَانَ عِيسَى فِيكُمْ؟ فَقَالُوا: يُبْرِئُ ¬
الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُحْيِي الْمَوْتَى؛ فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَجْعَلْ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} الْآيَةَ {195} . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إبراهيم النصراباذي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو إِسْمَاعِيلُ بن نجيد قال: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بن سوار قال: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُمَرَ ابن أَبِي سَلَمَةَ، رَجُلٍ مِنْ وَلَدِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَسْمَعُ اللَّهَ ذَكَرَ النِّسَاءَ فِي الْهِجْرَةِ بِشَيْءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} الْآيَةَ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَاهَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ سُفْيَانَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ} {196} . نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي رَخَاءٍ وَلِينٍ مِنَ الْعَيْشِ، وَكَانُوا يَتَّجِرُونَ وَيَتَنَعَّمُونَ، فَقَالَ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ فِيمَا نَرَى مِنَ الْخَيْرِ، وَقَدْ هَلَكْنَا مِنَ الْجُوعِ وَالْجَهْدِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} الْآيَةَ {199} . قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ نَعَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ ¬
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ: "اخْرُجُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخٍ لَكُمْ مَاتَ بِغَيْرِ أَرْضِكُمْ"، فَقَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: "النَّجَاشِيُّ"، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْبَقِيعِ وَكُشِفَ لَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَأَبْصَرَ سَرِيرَ النَّجَاشِيِّ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: "اسْتَغْفِرُوا لَهُ"، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا يُصَلِّي عَلَى عِلْجٍ حَبَشِيٍّ نَصْرَانِيٍّ لَمْ يَرَهُ قَطُّ وَلَيْسَ عَلَى دِينِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَطَرٍ إملاء قال: أخبرني جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سنان الواسطي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو هَانِئٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ الباهلي قال: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ: "قُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمُ النَّجَاشِيِّ"، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَأْمُرُنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَى عِلْجٍ مِنَ الْحَبَشَةِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} الْآيَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ كُلِّهِمْ. قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} الْآيَةَ {200} . أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عمرو الحافظ قال: أَخْبَرَنَا أَبُو علي الفقيه قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ معاذ الماليني قال: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ حرب المروزي قال: حَدَّثَنَا ابْنُ المبارك قال: أَخْبَرَنَا مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير قال: حَدَّثَنِي دَاوُدُ بن صالح فال: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: يَا ابْنَ أَخِي هَلْ تَدْرِي فِي ¬
أَيِّ شَيْءٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: إِنَّهُ يَا ابْنَ أَخِي لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزْوٌ يُرَابَطُ فِيهِ، وَلَكِنِ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ خَلْفَ الصَّلَاةِ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ نَجْدَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ.
سورة النساء
سُورَةُ النِّسَاءِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} الْآيَةَ {2} . قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ غَطَفَانَ كان عنده مالك كَثِيرٌ لِابْنِ أَخٍ لَهُ يَتِيمٍ، فَلَمَّا بَلَغَ الْيَتِيمُ طَلَبَ الْمَالَ، فَمَنَعَهُ عَمُّهُ، فَتَرَافَعَا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَلَمَّا سَمِعَهَا الْعَمُّ قَالَ: أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْحُوبِ الْكَبِيرِ، فَدُفِعَ إِلَيْهِ مَالُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ وَرَجَعَ بِهِ هَكَذَا فَإِنَّهُ يَحُلُّ دَارَهُ"، يَعْنِي جَنَّتَهُ، فَلَمَّا قَبَضَ الْفَتَى مَالَهُ أَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "ثَبَتَ الْأَجْرُ وَبَقِيَ الْوِزْرُ" فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَرَفْنَا أَنَّهُ ثَبَتَ الْأَجْرُ، فَكَيْفَ بَقِيَ الْوِزْرُ وَهُوَ يُنْفِقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "ثَبَتَ الْأَجْرُ لِلْغُلَامِ وَبَقِيَ الْوِزْرُ عَلَى وَالِدِهِ". (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الْآيَةَ {3} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن محمد قال: حَدَّثَنَا أبو يحيى قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ بن عثمان قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا} الْآيَةَ. قَالَتْ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الْيَتِيمَةُ وَهُوَ وَلِيُّهَا وَلَهَا مَالٌ وَلَيْسَ لَهَا أَحَدٌ يُخَاصِمُ دُونَهَا، ¬
فَلَا يُنْكِحُهَا حبًّا لمالها، ويضربها وَيُسِيءُ صُحْبَتَهَا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} يَقُولُ: مَا أَحْلَلْتُ لَكُمْ وَدَعْ هَذِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ. (¬1) - وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ عَنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَيَتَرَخَّصُونَ فِي النِّسَاءِ، وَيَتَزَوَّجُونَ مَا شَاءُوا، فَرُبَّمَا عَدَلُوا وَرُبَّمَا لَمْ يَعْدِلُوا، فَلَمَّا سَأَلُوا عن اليتامى، فنزلت آيَةُ الْيَتَامَى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} الْآيَةَ، أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الْآيَةَ. يَقُولُ: كما خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى، فَكَذَلِكَ فَخَافُوا فِي النِّسَاءِ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فيهن، فلا تزوجوا أَكْثَرَ مِمَّا يُمْكِنُكُمُ الْقِيَامُ بِحَقِّهِنَّ، لِأَنَّ النِّسَاءَ كَالْيَتَامَى فِي الضَّعْفِ وَالْعَجْزِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} الْآيَةَ {6} . نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ رِفَاعَةَ وَفِي عَمِّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ رِفَاعَةَ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنَهُ ثَابِتًا وَهُوَ صَغِيرٌ، فَأَتَى عَمُّ ثَابِتٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ أَخِي يَتِيمٌ فِي حِجْرِي، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْ مَالِهِ، وَمَتَى أَدْفَعُ إِلَيْهِ مَالَهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} الْآيَةَ {7} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ أَوْسَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ امْرَأَةً يُقَالُ ¬
لها: أم كجة وَثَلَاثَ بَنَاتٍ لَهُ مِنْهَا، فَقَامَ رَجُلَانِ: هُمَا ابْنَا عَمِّ الْمَيِّتِ وَوَصِيَّاهُ، يُقَالُ لَهُمَا: سُوَيْدٌ وَعَرْفَجَةُ، فَأَخَذَا مَالَهُ وَلَمْ يُعْطِيَا امْرَأَتَهُ شيئًا وَلَا بَنَاتَهُ، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلَا الصَّغِيرَ وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا، إِنَّمَا يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ الْكِبَارَ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: لَا يُعْطَى إِلَّا مَنْ قاتل على ظهور الْخَيْلِ وَحَازَ الْغَنِيمَةَ، فجاءت أم كجة إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أَوْسَ بْنَ ثَابِتٍ مَاتَ وَتَرَكَ عَلَيَّ بَنَاتٍ وَأَنَا امْرَأَتُهُ وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِنَّ، وَقَدْ تَرَكَ أَبُوهُنَّ مَالًا حَسَنًا وَهُوَ عِنْدَ سُوَيْدٍ وَعَرْفَجَةَ لَمْ يُعْطِيَانِي وَلَا بَنَاتِهِ مِنَ الْمَالِ شَيْئًا وَهُنَّ فِي حِجْرِي، وَلَا يُطْعِمَانِي وَلَا يَسْقِيَانِي وَلَا يَرْفَعَانِ لَهُنَّ رَأْسًا. فَدَعَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَدُهَا لَا يَرْكَبُ فَرَسًا وَلَا يَحْمِلُ كَلًّا وَلَا يُنْكِي عَدُوًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "انْصَرِفُوا حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُحْدِثُ اللَّهُ لِي فِيهِنَّ"، فَانْصَرَفُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} الْآيَةَ {10} . قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ غَطَفَانَ يُقَالُ لَهُ: مَرْثَدُ بْنُ زَيْدٍ وَلِيَ مَالَ ابْنِ أَخِيهِ وَهُوَ يَتِيمٌ صَغِيرٌ، فَأَكَلَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} الْآيَةَ {11} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جعفر قال: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ المخلدي قال: أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ ¬
قَالَ: عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلَمَةَ يَمْشِيَانِ، فَوَجَدَنِي لَا أَعْقِلُ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ مِنْهُ فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَنَزَلَتْ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} الْآيَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَنْصُورِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ ¬
قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْنَتَيْنِ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ بِنْتَا ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، أَوْ قَالَتْ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قُتِلَ مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَدِ اسْتَفَاءَ عَمُّهُمَا مَالَهُمَا وَمِيرَاثَهُمَا، فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا إِلَّا أَخَذَهُ، فَمَا تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا يُنْكَحَانِ أَبَدًا إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ، فَقَالَ: "يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ وَفِيهَا: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "ادْعُ لِيَ الْمَرْأَةَ وَصَاحِبَهَا، فَقَالَ لِعَمِّهِمَا: أَعْطِهِمَا الثُّلُثَيْنِ، وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَلَكَ". (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} الْآيَةَ {19} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَصْفَهَانِيُّ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَصْفَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ: وَذَكَرَهُ عَطَاءُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّوَائِيُّ، وَلَا أظنه إلا ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - فِي هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} قَالَ: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ ¬
تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا، وَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ. وَرَوَاهُ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَسْبَاطٍ. (¬1) - قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَلَهُ امْرَأَةٌ جَاءَ ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ قَرِيبُهُ مِنْ عَصَبَتِهِ فَأَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَى تِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَصَارَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ نَفْسِهَا وَمِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ، إِلَّا الصَّدَاقَ الَّذِي أَصْدَقَهَا الْمَيِّتُ، وَإِنْ شَاءَ زَوَّجَهَا غَيْرَهُ وَأَخَذَ صَدَاقَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا، وَإِنْ شَاءَ عَضَلَهَا وَضَارَّهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَا وَرِثَتْ مِنَ الْمَيِّتِ، أَوْ تَمُوتُ هِيَ فَيَرِثُهَا، فَتُوُفِّيَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ الْأَنْصَارِيُّ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ كُبَيْشَةَ بِنْتَ مَعْنٍ الْأَنْصَارِيَّةَ، فَقَامَ ابْنٌ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا يُقَالُ لَهُ: حِصْنٌ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ أَبِي قَيْسٍ، فَطَرَحَ ثَوْبَهُ عَلَيْهَا، فَوَرِثَ نِكَاحَهَا ثُمَّ تَرَكَهَا، فَلَمْ يقربها ولم ينقق عَلَيْهَا يُضَارُّهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَالِهَا، فَأَتَتْ كُبَيْشَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا قَيْسٍ تُوُفِّيَ وَوَرِثَ ابْنُهُ نِكَاحِي وَقَدْ أَضَرَّ بِي وَطَوَّلَ عَلَيَّ، فلا هو ينقق عَلَيَّ، وَلَا يَدْخُلُ بِي، وَلَا هُوَ يُخْلِي سَبِيلِي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "اقْعُدِي فِي بَيْتِكَ حَتَّى يَأْتِيَ فِيكِ أَمْرُ اللَّهِ" قَالَ: فَانْصَرَفَتْ وَسَمِعَتْ بِذَلِكَ النِّسَاءُ فِي الْمَدِينَةِ، فَأَتَيْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُلْنَ: مَا نحن إلا كهيأة كُبَيْشَةَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَنْكِحْنَا الْأَبْنَاءُ وَنَكَحَنَا بَنُو الْعَمِّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} الْآيَةَ {22} . نَزَلَتْ فِي حِصْنِ ابن أَبِي قَيْسٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ: كُبَيْشَةَ بِنْتَ مَعْنٍ، وَفِي الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَفٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ، وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ: فَاخِتَةَ بِنْتَ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، وَفِي مَنْظُورِ بْنِ زَبَّانٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ: مُلَيْكَةَ بِنْتَ خَارِجَةَ. (¬1) - وَقَالَ أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ: تُوُفِّيَ أَبُو قَيْسٍ وَكَانَ مِنْ صَالِحِي الْأَنْصَارِ، فَخَطَبَ ابْنُهُ قَيْسٌ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَعُدُّكَ وَلَدًا، وَلَكِنِّي آتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْتَأْمِرُهُ، فَأَتَتْهُ فَأَخْبَرَتْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبُنَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ لَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَكَرِهْنَا أَنْ نَقَعَ عَلَيْهِنَّ، فسألنا النبي عليه الصلاة والسلام فَنَزَلَتْ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فَاسْتَحْلَلْنَاهُنَّ. (¬3) - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ¬
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ. لَمَّا سَبَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ أَوْطَاسٍ قُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ نَقَعُ عَلَى نِسَاءٍ قَدْ عَرَفْنَا أَنْسَابَهُنَّ وَأَزْوَاجَهُنَّ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي صالح أبي الخيل، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيِّ. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسٍ وَلَقِيَ عَدُوًّا فَقَاتَلُوهُمْ، فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا، وَكَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَرَّجُوا مِنْ غِشْيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} {32} . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن أَبِي الْقَاسِمِ الصُّوفِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ، حَدَّثَنَا ¬
جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ، أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رسول الله تغزو الرِّجَالُ وَلَا نَغْزُو، وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} (¬1) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ أَخْبَرَهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ النِّسَاءَ سَأَلْنَ الْجِهَادَ، فَقُلْنَ: وَدِدْنَا أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَنَا الْغَزْوَ فَنُصِيبُ مِنَ الْأَجْرِ مَا يُصِيبُ الرِّجَالُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} (¬2) - وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} قَالَ الرِّجَالُ: إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ نُفَضَّلَ عَلَى النِّسَاءِ بِحَسَنَاتِنَا فِي الْآخِرَةِ كَمَا فُضِّلْنَا عَلَيْهِنَّ فِي الْمِيرَاثِ فَيَكُونُ أَجْرُنَا عَلَى الضِّعْفِ مِنْ أَجْرِ النِّسَاءِ، وَقَالَتِ النِّسَاءُ: إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْوِزْرُ عَلَيْنَا نِصْفَ مَا عَلَى الرِّجَالِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا لَنَا الْمِيرَاثُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ نَصِيبِهِمْ فِي الدُّنْيَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} ¬
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} الْآيَةَ {33} . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّوَيْهِ الْهَرَوِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَبَنَّوْنَ رِجَالًا غَيْرَ أَبْنَائِهِمْ وَيُورِثُونَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: أَنْ يُجْعَلَ لَهُمْ نَصِيبٌ فِي الْوَصِيَّةِ وَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى الْمِيرَاثَ إِلَى الْمَوَالِي مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ وَالْعَصْبَةِ، وَأَبَى أَنْ يجعل للمدعين ميراث من ادعاهم ويتبناهم، وَلَكِنْ جَعَلَ لَهُمْ نَصِيبًا فِي الْوَصِيَّةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} الْآيَةَ {34} . قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَكَانَ مِنَ النُّقَبَاءِ، وَامْرَأَتِهِ حَبِيبَةَ بِنْتِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، وَهُمَا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا نَشَزَتْ عَلَيْهِ فَلَطَمَهَا، فَانْطَلَقَ أَبُوهَا مَعَهَا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَفْرَشْتُهُ كَرِيمَتِي فَلَطَمَهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لِتَقْتَصَّ مِنْ زَوْجِهَا"، وَانْصَرَفَتْ مَعَ أَبِيهَا لِتَقْتَصَّ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "ارْجِعُوا، هَذَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَانِي"، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَرَدْنَا أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا، وَالَّذِي أَرَادَ اللَّهُ خَيْرٌ"، وَرَفَعَ الْقِصَاصَ. (¬2) - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الزَّاهِدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ ¬
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ رَجُلًا لَطَمَ امْرَأَتَهُ، فَخَاصَمَتْهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ مَعَهَا أَهْلُهَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانًا لَطَمَ صَاحِبَتَنَا، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "الْقِصَاصَ الْقِصَاصَ، وَلَا يَقْضِي قَضَاءً"، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} قال النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَرَدْنَا أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ غَيْرَهُ". أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلٌ الْعَسْكَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَطَمَ رِجْلٌ امْرَأَتَهُ، فَانْطَلَقَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي لَطَمَنِي فَالْقِصَاصُ، قال: "القصاص"، فبينا هُوَ كَذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَرَدْنَا أَمْرًا فَأَبَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا غَيْرَهُ، خُذْ أَيُّهَا الرَّجُلُ بِيَدِ امْرَأَتِكَ". (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} {37} . قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حِينَ كَتَمُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُبَيِّنُوهَا لِلنَّاسِ، وَهُمْ يَجِدُونَهَا مَكْتُوبَةً عِنْدَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمُ الْيَهُودُ بَخِلُوا أَنْ يُصَدِّقُوا من أتاهم صفة مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَعْتِهِ فِي كِتَابِهِمْ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْآيَاتُ الثَّلَاثُ إِلَى قَوْلِهِ: {عَلِيمًا} نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ. ¬
(¬1) - وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْيَهُودِ كَانُوا يَأْتُونَ رِجَالًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُخَالِطُونَهُمْ وَيَنْصَحُونَهُمْ وَيَقُولُونَ لَهُمْ: لَا تُنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ فَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَقْرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} الْآيَةَ {43} نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَحْضُرُونَ الصَّلَاةَ وَهُمْ نَشَاوَى، فَلَا يَدْرُونَ كَمْ يُصَلُّونَ وَلَا مَا يَقُولُونَ فِي صَلَاتِهِمْ. (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَصْفَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَفْرِيقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَطَاءٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: صَنَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَامًا وَدَعَا أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَعِمُوا وَشَرِبُوا، وَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَتَقَدَّمَ بَعْضَ الْقَوْمِ فَصَلَّى بِهِمُ الْمَغْرِبَ، فقرأ: {قُلْ ¬
يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فَلَمْ يُقِمْهَا، فَأَنْزَلَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} {43} . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابن أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالنَّاسِ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: أَحَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ وَالنَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ؟ قَالَتْ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ أن يقول، فجعل يَطْعَنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فَخِذِي، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ
حُضَيْرٍ وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَاتِ الْجَيْشِ وَمَعَهُ عَائِشَةُ زَوْجَتُهُ، فَانْقَطَعَ عِقْدٌ لَهَا مِنْ جِذْعِ ظِفَارٍ، فَحَبَسَ النَّاسَ ابْتِغَاءَ عِقْدِهَا ذَلِكَ حَتَّى أَضَاءَ الفجر وليس معهم مَاءٌ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِصَّةَ التَّطَهُّرِ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ، فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ فَضَرَبُوا بِأَيْدِيهِمُ الْأَرْضَ، ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ فَلَمْ يَقْبِضُوا مِنَ التُّرَابِ شَيْئًا، فَمَسَحُوا بِهَا وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيهِمْ إِلَى الْمَنَاكِبِ وَبُطُونَ أَيْدِيهِمْ إِلَى الْآبَاطِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعَائِشَةَ: وَاللَّهِ إِنَّكِ مَا عَلِمْتُ لَمُبَارَكَةٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} الْآيَةَ {49} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي رِجَالٍ مِنَ الْيَهُودِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَطْفَالِهِمْ وَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ. هَلْ عَلَى أَوْلَادِنَا هَؤُلَاءِ مِنْ ذَنْبٍ؟ قَالَ: لَا، فَقَالُوا: وَالَّذِي نَحْلِفُ بِهِ مَا نَحْنُ إِلَّا كَهَيْئَتِهِمْ، مَا مِنْ ذَنْبٍ نَعْمَلُهُ بِالنَّهَارِ إِلَّا كُفِّرَ عَنَّا بِاللَّيْلِ، وَمَا مِنْ ذَنْبٍ نَعْمَلُهُ بِاللَّيْلِ إِلَّا كُفِّرَ عَنَّا بِالنَّهَارِ، فهذا الذين زَكَّوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ ¬
بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} {51} . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا وَالِدِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ العلاء قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: جَاءَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَقَالُوا لَهُمْ: أَنْتُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ وَأَهْلُ الْعِلْمِ الْقَدِيمِ، فَأَخْبِرُونَا عَنَّا وَعَنْ مُحَمَّدٍ، فَقَالُوا: مَا أَنْتُمْ وَمَا مُحَمَّدٌ؟ قَالُوا: نَحْنُ نَنْحَرُ الْكَوْمَاءَ، وَنَسْقِي اللَّبَنَ عَلَى الماء، ونفك العاني، وَنَصِلُ الْأَرْحَامَ، وَنَسْقِي الْحَجِيجَ، وَدِينُنَا الْقَدِيمُ وَدِينُ محمد الحديث؛ قالا. بَلْ أَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُ وَأَهْدَى سَبِيلًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: خَرَجَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا مِنَ الْيَهُودِ إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ لِيُحَالِفُوا قُرَيْشًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَنْقُضُوا الْعَهْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ كَعْبٌ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، وَنَزَلَتِ الْيَهُودُ فِي دُورِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ أَهْلُ مَكَّةَ: إِنَّكُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَمُحَمَّدٌ صَاحِبُ كِتَابٍ، وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَكْرًا مِنْكُمْ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ نَخْرُجَ مَعَكَ فَاسْجُدْ لِهَذَيْنَ الصَّنَمَيْنِ وَآمِنْ بِهِمَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} ثُمَّ قَالَ كَعْبٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ: لِيَجِيءَ مِنْكُمْ ثَلَاثُونَ وَمِنَّا ثَلَاثُونَ فَنَلْزَقُ أكبادنا بالكعبة، فنعاهد رَبَّ الْبَيْتِ لَنَجْهَدَنَّ عَلَى قِتَالِ مُحَمَّدٍ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَلَمَّا فَرَغُوا، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِكَعْبٍ: إِنَّكَ امْرُؤٌ تَقْرَأُ الْكِتَابَ وَتَعْلَمُ وَنَحْنُ أُمِّيُّونَ لَا نَعْلَمُ، فَأَيُّنَا أَهْدَى
طَرِيقًا وَأَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ؟ أَنْحَنُ أَمْ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ كَعْبٌ: اعْرِضُوا عَلَيَّ دِينَكُمْ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: نَحْنُ نَنْحَرُ لِلْحَجِيجِ الْكَوْمَاءَ، وَنَسْقِيهِمُ الْمَاءَ، وَنَقْرِي الضَّيْفَ، وَنَفُكُّ الْعَانِيَ، وَنَصِلُ الرَّحِمَ، وَنَعْمُرُ بَيْتَ رَبِّنَا، وَنَطُوفُ بِهِ، وَنَحْنُ أَهْلُ الْحَرَمِ، وَمُحَمَّدٌ فَارَقَ دِينَ آبَائِهِ، وَقَطَعَ الرَّحِمَ، وَفَارَقَ الْحَرَمَ، وَدِينُنَا الْقَدِيمُ وَدِينُ مُحَمَّدٍ الْحَدِيثُ؛ فَقَالَ كَعْبٌ: أَنْتُمْ وَاللَّهِ أَهْدَى سَبِيلًا مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} يَعْنِي كَعْبًا وَأَصْحَابَهُ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} الْآيَةَ {52} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن إبراهيم المقري قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ - رَجُلَيْنِ مِنَ الْيَهُودِ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ - لَقِيَا قُرَيْشًا بِالْمَوْسِمِ، فَقَالَ لَهُمَا الْمُشْرِكُونَ؟ أَنَحْنُ أَهْدَى أَمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ؟ فَإِنَّا أَهْلُ السِّدَانَةِ وَالسِّقَايَةِ، وَأَهْلُ الْحَرَمِ، فَقَالَا: بَلْ أَنْتُمْ أَهْدَى من محمد فهما يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ إِنَّمَا حَمَلَهُمَا عَلَى ذَلِكَ حَسَدُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} فَلَمَّا رَجَعَا إِلَى قَوْمِهِمَا قَالَ لَهُمَا قَوْمُهُمَا: إِنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ نَزَلَ فِيكُمَا كَذَا وَكَذَا، فَقَالَا: صَدَقَ وَاللَّهِ، مَا حَمَلَنَا عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بُغْضُهُ وَحَسَدُهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} {58} . نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ الْحَجَبِيِّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ كَانَ سَادِنَ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، أَغْلَقَ عُثْمَانُ بَابَ الْبَيْتِ وَصَعِدَ السَّطْحَ، فَطَلَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِفْتَاحَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ مَعَ عُثْمَانَ، فَطَلَبَ مِنْهُ فَأَبَى، وَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رسول الله لم أمنعه الْمِفْتَاحَ، فَلَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَدَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ الْمِفْتَاحَ وَفَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْتَ وَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلَهُ الْعَبَّاسُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمِفْتَاحَ لِيَجْمَعَ لَهُ بَيْنَ السِّقَايَةِ وَالسِّدَانَةِ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا أَنْ يَرُدَّ الْمِفْتَاحَ إِلَى عُثْمَانَ وَيَعْتَذِرَ إِلَيْهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ عَلِيٌّ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: يَا عَلِيُّ أَكْرَهْتَ وَآذَيْتَ ثُمَّ جِئْتَ تَرْفُقُ؟ فَقَالَ: لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِكَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَسْلَمَ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: "مَا دَامَ هَذَا الْبَيْتُ فَإِنَّ الْمِفْتَاحَ وَالسِّدَانَةَ فِي أَوْلَادِ عُثْمَانَ"، وَهُوَ الْيَوْمُ فِي أَيْدِيهِمْ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو حَسَّانَ الْمُزَكِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِسْتِرَابَاذِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} قَالَ: نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ، قَبَضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ، فَدَخَلَ الْكَعْبَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ، فَدَعَا عُثْمَانَ فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْمِفْتَاحَ وَقَالَ: "خُذُوهَا يَا بَنِي أَبِي طَلْحَةَ بِأَمَانَةِ اللَّهِ لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إِلَّا ظَالِمٌ". أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ المهرجاني قال: حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ قال: حدثنا أبو القاسم المقري قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُصْعَبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: دَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِفْتَاحَ إِلَيَّ وَإِلَى عُثْمَانَ وَقَالَ: "خُذُوهَا يَا بَنِي أَبِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَأْخُذُهَا مِنْكُمْ إلا ظالم"، فبنوا أَبِي طَلْحَةَ الَّذِينَ يَلُونَ سِدَانَةَ الْكَعْبَةِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} {59} . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْعَدْلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ¬
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي زَكَرِيَّا الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَرِيَّةٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ صدقة بن فضل، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، كِلَاهُمَا عَنْ حَجَّاجٍ. (¬1) - وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ بَاذَانَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي سَرِيَّةٍ إِلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، وَكَانَ مَعَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَسَارَ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ عَرَّسَ لِكَيْ يُصَبِّحَهُمْ، فَأَتَاهُمُ النَّذِيرُ، فَهَرَبُوا غَيْرَ ¬
رَجُلٍ قَدْ كَانَ أَسْلَمَ، فَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يَتَأَهَّبُوا لِلْمَسِيرِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى عَسْكَرَ خَالِدٍ وَدَخَلَ عَلَى عَمَّارٍ فَقَالَ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ إِنِّي مِنْكُمْ، وَإِنَّ قَوْمِي لَمَّا سَمِعُوا بِكُمْ هَرَبُوا، وَأَقَمْتُ لِإِسْلَامِي، أَفَنَافِعِي ذَلِكَ، أَوْ أَهْرُبُ كَمَا هَرَبَ قَوْمِي؟ فَقَالَ: أَقِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ نَافِعُكَ، وَانْصَرَفَ الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِالْمُقَامِ وأصبح خالد فغار عَلَى الْقَوْمِ، فَلَمْ يَجِدْ غَيْرَ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَأَخَذَهُ وَأَخَذَ مَالَهُ، فَأَتَاهُ عَمَّارٌ فَقَالَ: خَلِّ سَبِيلَ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ، وَقَدْ كُنْتُ أَمَّنْتُهُ وَأَمَرْتُهُ بِالْمُقَامِ، فَقَالَ خَالِدٌ: أَنْتَ تُجِيرُ عَلَيَّ وَأَنَا الْأَمِيرُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَنَا أَجِيرُ عَلَيْكَ وَأَنْتَ الْأَمِيرُ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ، فَانْصَرَفُوا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَ الرَّجُلِ، فَأَمَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَجَازَ أَمَانَ عَمَّارٍ وَنَهَاهُ أَنْ يُجِيزَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَمِيرٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، قَالَ: وَاسْتَبَّ عَمَّارٌ وَخَالِدٌ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ فَأَغْلَظَ عَمَّارٌ لِخَالِدٍ، فَغَضِبَ خَالِدٌ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَدَعُ هَذَا الْعَبْدَ يَشْتُمُنِي، فَوَاللَّهِ لَوْلَا أَنْتَ مَا شَتَمَنِي، وَكَانَ عَمَّارٌ مَوْلًى لِهَاشِمِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "يَا خَالِدُ كُفَّ عَنْ عَمَّارٍ فَإِنَّهُ مَنْ يَسُبُّ عَمَّارًا يَسُبُّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يُبْغِضُ عَمَّارًا يُبْغِضُهُ اللَّهُ"، فَقَامَ عَمَّارٌ فَتَبِعَهُ خَالِدٌ فَأَخَذَ بِثَوْبِهِ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَرْضَى عَنْهُ، فَرَضِيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَمَرَ بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} الْآيَةَ {60} . أَخْبَرَنَا ¬
سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَدْلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَبُو بُرْدَةَ الْأَسْلَمِيُّ كَاهِنًا يَقْضِي بَيْنَ الْيَهُودِ فِيمَا يتنافرون إليه، فَتَنَافَرَ إِلَيْهِ أُنَاسٌ مِنْ أَسْلَمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَتَوْفِيقًا} (¬1) - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ شُعَيْبُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ قَالَ: حَدَّثَنَا رُوَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: قَيْسٌ، وَفِي رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ فِي مُدَارَأَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا في حق تدارءا فِيهِ، فَتَنَافَرَا إِلَى كَاهِنٍ بِالْمَدِينَةِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا، وَتَرَكَا نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَابَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، وَكَانَ الْيَهُودِيُّ يَدْعُوهُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَنْ يَجُورَ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ الْأَنْصَارِيُّ يَأْبَى عَلَيْهِ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَيَدْعُوهُ إِلَى الْكَاهِنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَا تَسْمَعُونَ، وَعَابَ عَلَى الذي يزعم أن مُسْلِمٌ، وَعَلَى الْيَهُودِيِّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} إِلَى قَوْلِهِ: {يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} (¬2) - أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ خُصُومَةٌ، فَدَعَا الْيَهُودِيُّ الْمُنَافِقَ ¬
إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الرِّشْوَةَ، وَدَعَا الْمُنَافِقُ اليهودي إلى حاكمهم لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الرِّشْوَةَ فِي أَحْكَامِهِمْ، فَلَمَّا اخْتَلَفَا اجْتَمَعَا عَلَى أَنْ يُحَكِّمَا كَاهِنًا فِي جُهَيْنَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} يَعْنِي الْمُنَافِقَ {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} يَعْنِي الْيَهُودِيَّ، {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬1) - وَقَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِيٍّ خُصُومَةٌ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ، وَقَالَ الْمُنَافِقُ: بَلْ نَأْتِي كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ - وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى الطَّاغُوتَ - فَأَبَى الْيَهُودِيُّ إِلَّا أَنْ يُخَاصِمَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَأَى الْمُنَافِقُ ذَلِكَ أَتَى مَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَصَمَا إِلَيْهِ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْيَهُودِيِّ، فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ لَزِمَهُ الْمُنَافِقُ وَقَالَ: نَنْطَلِقُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَقْبَلَا إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: اخْتَصَمْنَا أَنَا وَهَذَا إِلَى مُحَمَّدٍ فَقَضَى لِي عَلَيْهِ فَلَمْ يَرْضَ بِقَضَائِهِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مُخَاصِمٌ إِلَيْكَ وَتَعَلَّقَ بي فجئت إليك مَعَهُ، فَقَالَ عُمَرُ لِلْمُنَافِقِ: أَكَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُمَا: رُوَيْدًا حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكُمَا، فَدَخَلَ عُمَرُ الْبَيْتَ وَأَخَذَ السَّيْفَ فَاشْتَمَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمَا وَضَرَبَ بِهِ الْمُنَافِقَ حَتَّى بَرَدَ، وَقَالَ: هَكَذَا أَقْضِي لِمَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَضَاءِ رَسُولِهِ، وَهَرَبَ الْيَهُودِيُّ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "إِنَّ عُمَرَ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ"، فَسُمِّيَ الْفَارُوقَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ أَسْلَمُوا وَنَافَقَ بَعْضُهُمْ، وَكَانَتْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ بَنِي قُرَيْظَةَ رَجُلًا مِنْ بَنِي النَّضِيرِ قُتِلَ بِهِ وَأُخِذَ دِيَتُهُ مِائَةُ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَةَ ¬
لَمْ يُقْتَلْ بِهِ وَأُعْطِيَ دِيَتَهُ سِتِّينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَكَانَتِ النَّضِيرُ حُلَفَاءَ الْأَوْسِ وَكَانُوا أَكْبَرَ وَأَشْرَفَ مِنْ قُرَيْظَةَ وَهُمْ حُلَفَاءُ الْخَزْرَجِ، فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنَ النَّضِيرِ رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَةَ وَاخْتَصَمُوا فِي ذَلِكَ، فَقَالَتْ بَنُو النَّضِيرِ: إِنَّا وَأَنْتُمْ كُنَّا اصْطَلَحْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَنْ نَقْتُلَ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا مِنَّا، وَعَلَى أَنَّ دِيَتَكُمْ سِتُّونَ وَسْقًا - وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا - وَدِيَتُنَا مِائَةُ وَسْقٍ فَنَحْنُ نُعْطِيكُمْ ذَلِكَ، فَقَالَتِ: الْخَزْرَجُ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّكُمْ كَثُرْتُمْ وَقَلَلْنَا فَقَهَرْتُمُونَا، وَنَحْنُ وَأَنْتُمُ الْيَوْمَ إِخْوَةٌ وَدِينُنَا وَدِينُكُمْ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ لَكُمْ عَلَيْنَا فَضْلٌ؛ فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: انْطَلِقُوا إِلَى أَبِي بُرْدَةَ الْكَاهِنِ الْأَسْلَمِيِّ؛ وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: لَا بَلْ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَبَى الْمُنَافِقُونَ وَانْطَلَقُوا إِلَى أَبِي بُرْدَةَ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: أَعْظِمُوا اللُّقْمَةَ: يَعْنِي الرَّشْوَةَ، فَقَالُوا: لَكَ عَشْرَةُ أَوْسُقٍ، قَالَ: لَا، بَلْ مِائَةُ وَسْقٍ دِيَتِي، فَإِنِّي أَخَافُ إِنْ نَفَّرْتُ النَّضِيرِيَّ قَتَلَتْنِي قُرَيْظَةُ، وَإِنْ نَفَّرْتُ الْقُرَيْظِيَّ قَتَلَتْنِي النَّضِيرُ، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُ فَوْقَ عَشْرِ أَوْسُقٍ وَأَبَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَدَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَاهِنَ أَسْلَمَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَأَبَى فَانْصَرَفَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنَيْهِ: "أَدْرِكَا أَبَاكُمَا، فَإِنَّهُ إِنْ جَاوَزَ عَقَبَةَ كَذَا لَمْ يُسْلِمْ أَبَدًا"، فَأَدْرَكَاهُ فَلَمْ يَزَالَا بِهِ حَتَّى انْصَرَفَ وَأَسْلَمَ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَادِيًا فَنَادَى: "أَلَا إِنَّ كَاهِنَ أَسْلَمَ قَدْ أَسْلَمَ". قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} {65} . نَزَلَتْ فِي الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَخَصْمِهِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَقِيلَ: هُوَ ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ ¬
الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ كَانَا يَسْقِيَانِ بِهَا كِلَاهُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلزُّبَيْرِ: "اسْقِ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ"، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ لِلزُّبَيْرِ: "اسْقِ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجُدُرِ"، فَاسْتَوْفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ أَرَادَ فِيهِ سَعَةً لِلْأَنْصَارِيِّ وَلَهُ، فَلَمَّا أَحْفَظَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ اسْتَوْفَى لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ مَا أَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ إِلَّا فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ زُغْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ ¬
هَانِئٍ الْبَلْخِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ خَاصَمَ رَجُلًا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلزُّبَيْرِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّمَا قَضَى أَنَّهُ ابْنُ عَمَّتِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ} الْآيَةَ {69} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ شَدِيدَ الْحُبِّ لَهُ قَلِيلَ الصَّبْرِ عَنْهُ، فَأَتَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَنَحِلَ جِسْمُهُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْحُزْنُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: "يَا ثَوْبَانُ مَا غَيَّرَ لَوْنَكَ؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِي مِنْ ضُرٍّ وَلَا وَجَعٍ غَيْرَ أَنِّي إِذَا لَمْ أَرَكَ اشْتَقْتُ إِلَيْكَ وَاسْتَوْحَشْتُ وَحْشَةً شَدِيدَةً حَتَّى أَلْقَاكَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ الْآخِرَةَ وَأَخَافُ أَنْ لَا أَرَاكَ هُنَاكَ، لِأَنِّي أَعْرِفُ أَنَّكَ تُرْفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَأَنِّي وإن دَخَلْتُ الْجَنَّةَ كُنْتُ فِي مَنْزِلَةٍ أَدْنَى مِنْ مَنْزِلَتِكَ، وَإِنْ لَمْ أَدْخُلِ الْجَنَّةَ فَذَاكَ أَحْرَى أَنْ لَا أَرَكَ أَبَدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ النَّصْرَابَاذِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ السَّعْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ: مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُفَارِقَكَ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّكَ إِذَا فَارَقْتَنَا رُفِعْتَ فَوْقَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} ¬
(¬1) - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قال: حدثنا شُعَيْبٌ قال: حدثنا مَكِّيٌّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لنا أن رجلاً قال: يَا نبيّ الله أراك فِي الدُّنْيَا فَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّكَ تُرْفَعُ عَنَّا بِفَضْلِكَ، فَلَا نَرَاكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - أَخْبَرَنِي أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ فِيمَا أَذِنَ لِي فِي رِوَايَتِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ اللَّخْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْخَلَّالُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ الْعَابِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي وَوَلَدِي، وَإِنِّي لَأَكُونُ فِي الْبَيْتِ فَأَذْكُرُكَ فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى آتِيَكَ، فَأَنْظُرُ إِلَيْكَ، وَإِذَا ذَكَرْتُ مَوْتِي وَمَوْتَكَ عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَإِنِّي إِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ خَشِيتُ أَنْ لَا أَرَاكَ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} الْآيَةَ {77} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَقُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ كَانُوا يُلْقُونَ مِنَ ¬
الْمُشْرِكِينَ أَذًى كَثِيرًا وَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائذن لنا في قِتَالِ هَؤُلَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: "كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ فإني لم أؤمر بِقِتَالِهِمْ"، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ كَرِهَهُ بَعْضُهُمْ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعَدْلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن عوف وأصحابه أَتَوْا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كُنَّا فِي عِزٍّ وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ، فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّةً! فَقَالَ: "إِنِّي أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ، فَلَا تُقَاتِلُوا والقوم"، فَلَمَّا حَوَّلَهُ اللَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَهُ بِالْقِتَالِ فَكَفُّوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} {78} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ: لَمَّا اسْتَشْهَدَ اللَّهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ "أُحُدٍ" قَالَ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْجِهَادِ: لَوْ كَانَ إِخْوَانُنَا الَّذِينَ قُتِلُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} الْآيَةَ {88} . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ قَوْمًا خَرَجُوا مَعَ ¬
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى "أُحُدٍ" فَرَجَعُوا، فَاخْتَلَفَ فِيهِمُ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: نَقْتُلُهُمْ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لَا نَقْتُلُهُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ غُنْدَرٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ، كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْعَدْلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمُوا وَأَصَابُوا وَبَاءَ الْمَدِينَةِ وَحَمَاهَا فَأُرْكِسُوا، فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: مَا لَكُمْ رَجَعْتُمْ؟ فَقَالُوا: أَصَابَنَا وَبَاءُ الْمَدِينَةِ فَاجْتَوَيْنَاهَا، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَافَقُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُنَافِقُوا هُمْ مُسْلِمُونَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} الْآيَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُمْ قَوْمٌ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ حَتَّى جَاءُوا الْمَدِينَةَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُهَاجِرُونَ، ثُمَّ ارْتَدُّوا بَعْدَ ذَلِكَ، فَاسْتَأْذَنُوا النبيّ عليه الصلاة والسلام أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى مَكَّةَ لِيَأْتُوا بِبَضَائِعَ لَهُمْ يَتَّجِرُونَ فِيهَا، فَاخْتَلَفَ فِيهِمُ الْمُؤْمِنُونَ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: هُمْ مُنَافِقُونَ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: هُمْ مُؤْمِنُونَ، فَبَيَّنَ اللَّهُ ¬
تَعَالَى نِفَاقَهُمْ وَأَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ فِي قَوْلِهِ: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (¬1) فجاءوا بِبَضَائِعِهِمْ يُرِيدُونَ هِلَالَ بْنَ عُوَيْمِرٍ الْأَسْلَمِيَّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِلْفٌ، وَهُوَ الَّذِي حَصَرَ صَدْرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَفَعَ عَنْهُمُ الْقَتْلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ} (¬2) الْآيَةَ. (¬3) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} {92} . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ نُجَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حَجَّاجٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ يَزِيدَ كَانَ شَدِيدًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ وَهُوَ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ، فَلَقِيَهُ عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْحَارِثُ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ وَعَيَّاشُ لَا يَشْعُرُ فَقَتَلَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} الْآيَةَ. وَشَرَحَ الْكَلْبِيُّ هَذِهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ: إِنَّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ أَسْلَمَ وَخَافَ أَنْ يُظْهِرَ إِسْلَامَهُ، فَخَرَجَ هَارِبًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَدِمَهَا، ثُمَّ أَتَى أُطُمًا مِنْ آطَامِهَا، فَتَحَصَّنَ فِيهِ فَجَزِعَتْ أُمُّهُ جَزَعًا شَدِيدًا وَقَالَتْ لِابْنَيْهَا أَبِي جَهْلٍ والحارث بن هاشم وَهُمَا لِأُمِّهِ: لَا يُظِلُّنِي سَقْفُ بَيْتٍ وَلَا أَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى تَأْتُونِي بِهِ، فَخَرَجَا فِي طَلَبِهِ، وَخَرَجَ مَعَهُمُ الْحَارِثُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ حَتَّى أَتَوُا الْمَدِينَةَ، فَأَتَوْا عَيَّاشًا وَهُوَ فِي الْأُطُمِ، فَقَالَا: انْزِلْ فَإِنَّ أُمَّكَ لَمْ يُؤْوِهَا سَقْفُ بَيْتٍ بَعْدَكَ، وَقَدْ حَلَفَتْ لَا تَأْكُلُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيْهَا، ¬
وَلَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا أَنْ لَا نُكْرِهَكَ عَلَى شيء ولا تحول بَيْنَكَ وَبَيْنَ دِينِكَ، فَلَمَّا ذَكَرَا لَهُ جَزَعَ أُمِّهِ وَأَوْثَقَا لَهُ نَزَلَ إِلَيْهِمْ فَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَوْثَقُوهُ بِنِسْعٍ وَجَلَدَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةَ جِلْدَةٍ، ثُمَّ قَدِمُوا بِهِ عَلَى أُمِّهِ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أُحِلُّكَ مِنْ وِثَاقِكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِالَّذِي آمَنْتَ بِهِ ثُمَّ تَرَكُوهُ مُوثَقًا فِي الشَّمْسِ، وَأَعْطَاهُمْ بَعْضَ الَّذِي أَرَادُوا، فَأَتَاهُ الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ وَقَالَ: يَا عَيَّاشُ، وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ هُدًى لَقَدْ تَرَكْتَ الْهُدَى، وَإِنْ كَانَ ضَلَالَةً لَقَدْ كُنْتَ عَلَيْهَا، فَغَضِبَ عياش من مقاله وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَلْقَاكَ خَالِيًا إِلَّا قَتَلْتُكَ، ثُمَّ إِنَّ عَيَّاشًا أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ يَزِيدَ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ بِالْمَدِينَةِ وَلَيْسَ عَيَّاشُ يَوْمَئِذٍ حَاضِرًا وَلَمْ يَشْعُرْ بِإِسْلَامِهِ، فَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ بِظَهْرِ قُبَاءٍ إِذْ لَقِيَ الْحَارِثَ بْنَ يَزِيدَ، فَلَمَّا رَآهُ حَمَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: أَيُّ شَيْءٍ صَنَعْتَ؟ إِنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ، فَرَجَعَ عَيَّاشُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ مِنْ أَمْرِي وَأَمْرِ الْحَارِثِ مَا قَدْ عَلِمْتَ: وَإِنِّي لَمْ أَشْعُرْ بِإِسْلَامِهِ حِينَ قَتَلْتُهُ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} الْآيَةَ {93} وقال الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ مِقْيَسَ بْنَ صُبَابَةَ وَجَدَ أَخَاهُ هشام بن ضبابة قَتِيلًا فِي بَنِي النَّجَّارِ وَكَانَ مُسْلِمًا، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ رَسُولًا مِنْ بَنِي فِهْرٍ؛ فَقَالَ: "ائْتِ بَنِي النَّجَّارِ فَأَقْرِئْهُمُ السَّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُكُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ قَاتِلَ هشام بن ضبابة أَنْ تَدْفَعُوهُ إِلَى أَخِيهِ فَيَقْتَصَّ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا لَهُ قَاتِلًا أَنْ تَدْفَعُوا إِلَيْهِ دِيَتَهُ"، فَأَبْلَغَهُمُ الْفِهْرِيُّ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: سَمْعًا وَطَاعَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ لَهُ قَاتِلًا، وَلَكِنْ نُؤَدِّي إِلَيْهِ دِيَتَهُ، فَأَعْطَوْهُ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ ثُمَّ انْصَرَفَا ¬
رَاجِعَيْنِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ، وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ قَرِيبٌ، فَأَتَى الشَّيْطَانُ مِقْيَسًا فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ صَنَعْتَ؟ تقبل دية أخرجه فَيَكُونُ عَلَيْكَ سُبَّةٌ؟ اقْتُلِ الَّذِي مَعَكَ فَيَكُونُ نَفْسٌ مَكَانَ نَفْسٍ وَفَضْلُ الدِّيَةِ، فَفَعَلَ مِقْيَسٌ ذَلِكَ، فَرَمَى الْفِهْرِيَّ بِصَخْرَةٍ فَشَدَخَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَكِبَ بَعِيرًا مِنْهَا وَسَاقَ بَقِيَّتَهَا رَاجِعًا إِلَى مَكَّةَ كَافِرًا، وَجَعَلَ يَقُولُ فِي شِعْرِهِ: قَتَلْتُ بِهِ فِهْرًا وَحَمَّلْتُ عَقْلَهُ سَرَاةَ بَنِي النَّجَّارِ أَرْبَابَ فَارِعِ وَأَدْرَكْتُ ثَأْرِي وَاضْطَجَعْتُ مُوَسَّدًا وَكُنْتُ إِلَى الْأَوْثَانِ أَوَّلَ رَاجِعِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} الْآيَةَ. ثُمَّ أَهْدَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَمَهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ بِالسُّوقِ فَقَتَلُوهُ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} {94} أَخْبَرَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاعِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَحِقَ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا في غنيمة له، فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أَيْ تِلْكَ الْغَنِيمَةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ. ¬
(¬1) - وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ نُجَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْخَلِيلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنَ سُلَيْمٍ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ غَنَمٌ لَهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: مَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا لِيَتَعَوَّذَ مِنْكُمْ، فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا غَنَمَهُ وَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَصْفَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الحافظ قال: أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: خَرَجَ الْمِقْدَادُ بْنُ ¬
الْأَسْوَدِ فِي سَرِيَّةٍ، فَمَرُّوا بِرَجُلٍ فِي غَنِيمَةٍ لَهُ، فَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَتَلَهُ الْمِقْدَادُ، فَقِيلَ لَهُ: أَقَتَلْتَهُ وَقَدْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَدَّ لَوْ فَرَّ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ؟ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرُوا ذَلِكَ له، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجُوا يَطُوفُونَ، فَلَقُوا الْمُشْرِكِينَ فَهَزَمُوهُمْ، فَشَدَّ مِنْهُمْ رَجُلٌ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَرَادَ مَتَاعَهُ، فَلَمَّا غَشِيَهُ بِالسِّنَانِ قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ، إِنِّي مُسْلِمٌ، فَكَذَّبَهُ ثم أوجره السنان فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ مَتَاعَهُ وَكَانَ قَلِيلًا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: "قَتَلْتَهُ بَعْدَمَا زَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ؟ ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا مُتَعَوِّذًا، قَالَ: "فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ"، قَالَ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لِتَنْظُرَ أَصَادِقٌ هُوَ أَمْ كَاذِبٌ؟ " قَالَ: وَكُنْتُ أَعْلَمُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ الله؟ قال: "ويلك إِنَّكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ذَلِكَ، إِنَّمَا كَانَ يُبَيِّنُ عَنْهُ لِسَانُهُ"، قَالَ: فَمَا لَبِثَ الْقَاتِلُ أَنْ مَاتَ، فَدُفِنَ فَأَصْبَحَ وَقَدْ وُضِعَ إِلَى جَنْبِ قَبْرِهِ قَالَ: ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا لَهُ، وَأَمْكَنُوا وَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ وُضِعَ إِلَى جَنْبِ قَبْرِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَقْبَلُهُ أَلْقُوهُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الشِّعَابِ، قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ الْأَرْضَ تُجِنُّ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنْ وُعِظَ الْقَوْمُ أَنْ لَا يَعُودُوا. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَكِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ ¬
مُحَمَّدِ بْنِ بَطَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَرِيَّةٍ إِلَى إِضَمٍ قَبْلَ مَخْرَجِهِ إلى مكة قال: فَمَرَّ بِنَا عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيُّ فَحَيَّانَا تَحِيَّةَ الْإِسْلَامِ، فَنَزَعْنَا عَنْهُ وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ لِشَرٍّ كَانَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَتَلَهُ وَاسْتَلَبَ بَعِيرًا لَهُ وَوِطَاءً وَمُتَيِّعًا كان له. قال: فَأَنْهَيْنَا شَأْنَنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْنَاهُ بِخَبَرِهِ، فَأَنْزَلَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى سَرِيَّةٍ، فَلَقِيَ مِرْدَاسَ بْنَ نَهِيكٍ الضَّمْرِيُّ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ فَدَكٍ وَلَمْ يُسْلِمْ مِنْ قَوْمِهِ غَيْرُهُ، وَكَانَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، قَالَ أُسَامَةُ: فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: "قَتَلْتَ رَجُلًا يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا تَعَوَّذَ مِنَ الْقَتْلِ، فَقَالَ: "كَيْفَ أَنْتَ إِذَا خَاصَمَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ " قَالَ: فَمَا زَالَ يُرَدِّدُهَا عَلَيَّ: "أَقَتَلْتَ رَجُلًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ " حَتَّى تَمَنَّيْتُ لَوْ أَنَّ إِسْلَامِي كَانَ يَوْمَئِذٍ، فَنَزَلَتْ: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} الْآيَةَ. (¬1) - وَنَحْوَ هَذَا قَالَ الْكَلْبِيُّ وَقَتَادَةُ. ويدل عَلَى صِحَّتِهِ الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْبَرَنَاهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ¬
قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حُصَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ظَبْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ يُحَدِّثُ قَالَ: بَعَثَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فهزمناهم قال: وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: فكف عنه الأنصار فطعنته برمحي ففتلته، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا، قَالَ: أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله؟ " قال: ما زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الْآيَةَ {95} . أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَدْلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَدِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ نَزَلَتْ عَلَيْهِ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وَلَمْ يَذْكُرْ أُولِي الضَّرَرِ، فَقَالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: كَيْفَ وَأَنَا أَعْمَى لَا أُبْصِرُ، قَالَ زَيْدٌ: فَتَغَشَّى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَجْلِسِهِ الْوَحْيُ، فَاتَّكَأَ عَلَى فَخِذِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ ثَقُلَ عَلَى فَخِذِي حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يَرُضَّهَا، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: "اكْتُبْ: ¬
{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} فَكَتَبْتُهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. (¬1) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مطر قال: أخبرنا أَبُو خَلِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْدًا، فَجَاءَ بِكَتِفٍ وَكَتَبَهَا، فَشَكَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ضَرَارَتَهُ، فَنَزَلَتْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ غُنْدَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. (¬2) - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ النَّصْرَابَاذِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ ¬
قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "ادْعُ لِي زَيْدًا وَقُلْ لَهُ يَجِيءُ بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ أَوِ اللَّوْحِ"، وَقَالَ: "اكْتُبْ لِي {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أَحْسَبُهُ قَالَ: {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} " فَقَالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بعيني ضرر، قال: فَنَزَلَتْ قَبْلَ أَنْ يَبْرَحَ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الْآيَةَ {97} . نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي نَاسٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ تَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ وَلَمْ يُهَاجِرُوا وَأَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَأَسَرُّوا النِّفَاقَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ خَرَجُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ فَقُتِلُوا، فَضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ، وَقَالُوا لَهُمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ¬
ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} وَتَلَاهَا إِلَى آخِرِهَا قَالَ: كَانُوا قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ، فَخَرَجُوا فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي قِتَالٍ فَقُتِلُوا مَعَهُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} {100} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يُخْبِرُ أَهْلَ مَكَّةَ بِمَا يَنْزِلُ فِيهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ، فَكَتَبَ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} فَلَمَّا قَرَأَهَا الْمُسْلِمُونَ قَالَ حَبِيبُ بْنُ ضَمْرَةَ اللَّيْثِيُّ لِبَنِيهِ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا: احْمِلُونِي فَإِنِّي لَسْتُ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَإِنِّي لَا أَهْتَدِي إِلَى الطَّرِيقِ. فَحَمَلَهُ بَنُوهُ عَلَى سَرِيرٍ مُتَوَجِّهًا إِلَى المدينة، فلما بغل "التَّنْعِيمَ" أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ، فَصَفَّقَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذِهِ لَكَ وَهَذِهِ لِرَسُولِكَ أُبَايِعُكَ عَلَى مَا بَايَعَتْكَ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَاتَ حَمِيدًا، فَبَلَغَ خَبَرُهُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: لَوْ وَافَى الْمَدِينَةَ لَكَانَ أَتَمَّ أَجْرًا، فَأَنْزَلَ الله تعالى فيه هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو حَسَّانَ الْمُزَنِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ¬
قَالَ: كَانَ بِمَكَّةَ نَاسٌ قَدْ دَخَلَهُمُ الْإِسْلَامُ وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا الْهِجْرَةَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَخُرِجَ بهم كرهًا فقتلوا، أنزل اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} إِلَى آخر الآية. قال: وكتب بِذَلِكَ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ إِلَى مَنْ بِمَكَّةَ مِمَّنْ أَسْلَمَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ كان مَرِيضًا: إِلَى "الرَّوْحَاءِ" فَخَرَجُوا بِهِ، فَخَرَجَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ "الْحَصْحَاصَ" مَاتَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} {102} . أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو عثمان الزعفراني المقري سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ ¬
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ السُّدِّيُّ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَزَرِيُّ بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ سنة أربع وثلثمائة قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ اللَّحْجِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قُرَّةَ: مُوسَى بْنُ طَارِقٍ قَالَ: ذَكَرَ سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مجاهد قال: حدثنا أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ كَانُوا عَلَى حَالٍ لَوْ كُنَّا أَصَبْنَا مِنْهُمْ غِرَّةً، قَالُوا: تَأْتِي عَلَيْهِمْ صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ قَالَ: وهي العصر، قال: فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَؤُلَاءِ الْآيَاتِ بَيْنَ الْأُولَى وَالْعَصْرِ: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} وَهُمْ بِعُسْفَانَ، وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، وَذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَقِيَ الْمُشْرِكِينَ بِعُسْفَانَ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ الله عليه الصلاة والسلام الظُّهْرَ فَرَأَوْهُ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: كَانَ هَذَا فُرْصَةً لَكُمْ لَوْ أَغَرْتُمْ عَلَيْهِمْ مَا عَلِمُوا بِكُمْ حَتَّى تُوَاقِعُوهُمْ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: فَإِنَّ لَهُمْ صَلَاةً أُخْرَى هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَاسْتَعِدُّوا حَتَّى تُغِيرُوا عَلَيْهِمْ فِيهَا، فَأَنْزَلَ الله تعالى تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَأَعْلَمَ مَا ائْتَمَرَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، وَذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ.
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} الْآيَةَ {105} . إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} أُنْزِلَتْ كُلُّهَا فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: طُعْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ أَحَدُ بَنِي ظَفَرِ بْنِ الْحَارِثِ سَرَقَ دِرْعًا مِنْ جَارٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ: قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَكَانَتِ الدِّرْعُ فِي جِرَابٍ فِيهِ دَقِيقٌ، فَجَعَلَ الدَّقِيقُ يَنْتَثِرُ مِنْ خَرْقٍ فِي الْجِرَابِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الدَّارِ وَفِيهَا أَثَرُ الدَّقِيقِ، ثُمَّ خَبَّأَهَا عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ: زَيْدُ بْنُ السَّمِينِ، فَالْتُمِسَتِ الدِّرْعُ عِنْدَ طُعْمَةَ فَلَمْ تُوجَدْ عِنْدَهُ وَحَلَفَ لَهُمْ: وَاللَّهِ مَا أَخَذَهَا وَمَا لَهُ بِهِ مِنْ عِلْمٍ، فَقَالَ أَصْحَابُ الدِّرْعِ: بَلَى وَاللَّهِ قَدْ أَدْلَجَ عَلَيْنَا فَأَخَذَهَا وَطَلَبْنَا أَثَرَهُ حَتَّى دَخَلَ دَارَهُ، فَرَأَيْنَا أَثَرَ الدَّقِيقِ. فَلَمَّا أَنْ حَلَفَ تَرَكُوهُ وَاتَّبَعُوا أَثَرَ الدَّقِيقِ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى مَنْزِلِ الْيَهُودِيِّ فَأَخَذُوهُ، فَقَالَ: دَفَعَهَا إِلَيَّ طُعْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ، وَشَهِدَ لَهُ أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَتْ بَنُو ظَفَرٍ وَهُمْ قَوْمُ طُعْمَةَ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمُوهُ في ذلك، فسألوه أَنْ يُجَادِلَ عَنْ صَاحِبِهِمْ، وَقَالُوا: إِنْ لَمْ تَفْعَلْ هَلَكَ صَاحِبُنَا وَافْتُضِحَ وَبَرِئَ الْيَهُودِيُّ، فَهَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَلَ، وَكَانَ هَوَاهُ مَعَهُمْ وَأَنْ يُعَاقِبَ الْيَهُودِيَّ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} الْآيَةَ كُلَّهَا، وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ. ¬
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} {123} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: جَلَسَ أَهْلُ الكتاب - أهل التوارة وأهل الْإِنْجِيلِ - وَأَهْلُ الْأَدْيَانِ كُلُّ صِنْفٍ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: نَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ مَسْرُوقٌ وَقَتَادَةُ: احْتَجَّ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ، فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَحْنُ أَهْدَى مِنْكُمْ، نَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَكِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ، وَنَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ؛ وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: نَحْنُ أَهْدَى مِنْكُمْ وَأَوْلَى بِاللَّهِ، نَبِيُّنَا خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَكِتَابُنَا يَقْضِي عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي قَبْلَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، ثُمَّ أَفْلَجَ اللَّهُ حُجَّةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} الْآيَتَيْنِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} {125} . اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ اتِّخَاذِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا: فَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ النَّضْرَوِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ محمد بن الحسن السَّرَّاجُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي قُبَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وآله ¬
وسلم: "يَا جِبْرِيلُ لِمَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا"؟ قَالَ: لِإِطْعَامِهِ الطَّعَامَ يَا مُحَمَّدُ". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى: دخل إبراهيم فجاءه مَلَكَ الْمَوْتِ فِي صُورَةِ شَابٍّ لَا يَعْرِفُهُ، قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: بِإِذْنِ مَنْ دَخَلْتَ؟ فَقَالَ: بِإِذْنِ رَبِّ الْمَنْزِلِ، فَعَرَفَهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ: إِنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ مِنْ عِبَادِهِ خَلِيلًا، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَمَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَكُونُ خَادِمًا لَهُ حَتَّى أَمُوتَ، قَالَ: فَإِنَّهُ أَنْتَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَصَابَ النَّاسَ سَنَةٌ جَهِدُوا فِيهَا، فَحُشِرُوا إِلَى بَابِ إبراهيم عليه الصلاة والسلام يَطْلُبُونَ الطَّعَامَ وَكَانَتِ الميرة له كُلَّ سَنَةٍ مِنْ صَدِيقٍ لَهُ بِمِصْرَ، فَبَعَثَ غِلْمَانَهُ بِالْإِبِلِ إِلَى خَلِيلِهِ بِمِصْرَ يَسْأَلُهُ الْمِيرَةَ، فَقَالَ خَلِيلُهُ: لَوْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ إِنَّمَا يُرِيدُهُ لِنَفْسِهِ احْتَمَلْنَا ذَلِكَ لَهُ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا مَا دَخَلَ عَلَى النَّاسِ مِنَ الشِّدَّةِ، فَرَجَعَ رُسُلُ إِبْرَاهِيمَ، فَمَرُّوا بِبَطْحَاءَ، فَقَالُوا: لَوِ احْتَمَلْنَا مِنْ هَذِهِ الْبَطْحَاءِ لِيَرَى النَّاسُ أَنَّا قد جئنا بالميرة، إنا نستحيي أَنْ نَمُرَّ بِهِمْ وإبلنا فارغة، فملأوا تِلْكَ الْغَرَائِرَ رَمْلًا، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَتَوْا إبراهيم عليه الصلاة وَسَارَّةُ نَائِمَةٌ فَأَعْلَمُوهُ ذَلِكَ، فَاهْتَمَّ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَكَانِ النَّاسِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ، وَاسْتَيْقَظَتْ سَارَّةُ، فَقَامَتْ إِلَى تِلْكَ الْغَرَائِرِ فَفَتَقَتْهَا، فَإِذَا هُوَ دَقِيقٌ أَجْوَدُ حُوَّارَى يَكُونُ، فَأَمَرَتِ الْخَبَّازِينَ فَخَبَزُوا وَأَطْعَمُوا النَّاسَ وَاسْتَيْقَظَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَوَجَدَ رِيحَ الطَّعَامِ، فَقَالَ: يَا سَارَّةُ مِنْ أَيْنَ هَذَا الطَّعَامُ؟ قَالَتْ: مِنْ عِنْدِ خَلِيلِكَ الْمِصْرِيِّ، فَقَالَ: بَلْ مِنْ عِنْدِ خليلي اللَّهِ لَا مِنْ عِنْدِ خَلِيلِي الْمِصْرِيِّ، فَيَوْمَئِذٍ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْجَوْزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ ابن شَرِيكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ الْكِنَانِيِّ، عَنْ
عُبَيْدِ الله بن زحر، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا لَهُ خَلِيلٌ، أَلَا وَإِنَّ خَلِيلِي أَبُو بَكْرٍ". وَأَخْبَرَنِي الشَّرِيفُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ بْنُ الْحَسَنِ النَّقِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَدِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قال: حدثنا سلمة قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ ابن وَاقِدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَمُوسَى نَجِيًّا، وَاتَّخَذَنِي حَبِيبًا، ثُمَّ قَالَ: وَعِزَّتِي لِأُوثِرَنَّ حَبِيبِي عَلَى خَلِيلِي وَنَجِيِّي". (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} الْآيَةَ {127} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} الْآيَةَ. قَالَتْ: وَالَّذِي يُتْلَى عَلَيْهِمْ فِي الْكِتَابِ الْآيَةُ الْأُولَى الَّتِي قَالَ فِيهَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ الَّتِي تَكُونُ فِي حِجْرِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا رَغِبُوا فِي مَالِهَا ¬
وَجِمَالِهَا مِنْ يَتَامَى النِّسَاءِ إِلَّا بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} الْآيَةَ {128} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلٌ قَالَ: حدثنا عبد الرحمن بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ: نَزَلَتْ فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَلَا يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا وَيُرِيدُ فِرَاقَهَا، وَلَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ لَهَا صُحْبَةٌ وَيَكُونُ لَهَا وَلَدٌ فَيَكْرَهُ فِرَاقَهَا، وَتَقُولُ لَهُ: لَا تُطَلِّقْنِي وَأَمْسِكْنِي وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ شَأْنِي، فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وأبي أُسَامَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ. (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ ¬
الْمُسَيَّبِ: أَنَّ بِنْتَ مُحَمَّدِ بن مسلمة كان عِنْدَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَكَرِهَ مِنْهَا أَمْرًا، إِمَّا كِبْرًا وَإِمَّا غَيْرَهُ، فَأَرَادَ طَلَاقَهَا، فَقَالَتْ: لَا تُطَلِّقْنِي وَأَمْسِكْنِي وَاقْسِمْ لِي مَا بَدَا لَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} الْآيَةَ {135} . رَوَى أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: نَزَلَتْ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَصَمَ إِلَيْهِ غَنِيٌّ وَفَقِيرٌ، وَكَانَ ضِلْعُهُ مَعَ الْفَقِيرِ، رَأَى أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَظْلِمُ الْغَنِيَّ فَأَبَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا أَنْ يَقُومَ بِالْقِسْطِ فِي الْغَنِيِّ والفقير، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} حَتَّى بَلَغَ {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآية {136} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَسَدٍ وَأُسَيْدٍ ابْنَيْ كَعْبٍ وَثَعْلَبَةَ بْنِ قَيْسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُؤْمِنُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِمُوسَى وَالتَّوْرَاةِ وَعُزَيْرٍ، وَنَكْفُرُ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ} الْآيَةَ {148} . قَالَ مُجَاهِدٌ. إِنَّ ضَيْفًا تَضَيَّفَ قَوْمًا فَأَسَاءُوا قِرَاهُ فَاشْتَكَاهُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ رُخْصَةً فِي أَنْ يَشْكُوا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا} الْآيَةَ {153} . نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْ كُنْتَ نبيًّا فأتنا بالكتاب جُمْلَةً مِنَ السَّمَاءِ كَمَا أَتَى بِهِ مُوسَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ} الْآيَةَ {166} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ رُؤَسَاءَ أَهْلِ مَكَّةَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: سَأَلْنَا عَنْكَ الْيَهُودَ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ لا يعرفونك، فأتنا بِمَنْ يَشْهَدُ لَكَ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَكَ إِلَيْنَا رَسُولًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} الْآيَةَ {171} . نَزَلَتْ فِي طَوَائِفَ مِنَ النَّصَارَى حِينَ قَالُوا عِيسَى ابْنُ اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ} الْآيَةَ {172} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ وَفْدَ نَجْرَانَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ تَعِيبُ صَاحِبَنَا؟ قَالَ: "وَمَنْ صَاحِبُكُمْ؟ " قَالُوا: عِيسَى، قَالَ: "وَأَيُّ شَيْءٍ أَقُولُ فِيهِ؟ " قَالُوا تَقُولُ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ لَهُمْ: "إِنَّهُ لَيْسَ بِعَارٍ لِعِيسَى أن يكون عبد الله"، قالوا: بلى، فَنَزَلَتْ: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ} الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} الْآيَةَ {176} . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ ¬
مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: اشْتَكَيْتُ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدِي سَبْعُ أَخَوَاتٍ، فَنَفَخَ فِي وَجْهِي فَأَفَقْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي لِأَخَوَاتِي بِالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: "احْبِسْ"، فَقُلْتُ الشَّطْرُ، قَالَ: "احْبِسْ"، ثُمَّ خَرَجَ فَتَرَكَنِي. قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَقَالَ: "يَا جَابِرُ إِنِّي لَا أُرَاكَ تَمُوتُ فِي وَجَعِكَ هَذَا، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ، فَبَيَّنَ الَّذِي لِأَخَوَاتِكَ، جَعَلَ لِأَخَوَاتِكَ الثُّلُثَيْنِ"، وَكَانَ جَابِرٌ يَقُولُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيَّ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} .
سورة المائدة
سُورَةُ الْمَائِدَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} الْآيَةَ {2} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الْحُطَمِ - اسمه شُرَيْحُ بْنُ ضُبَيْعَةَ الْكِنْدِيُّ - أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَمَامَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَخَلَّفَ خَيْلَهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَدَخَلَ وَحْدَهُ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَالَ: إِلَامَ تَدْعُو النَّاسَ؟ قَالَ: "إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ"، فَقَالَ: حَسَنٌ، إِلَّا أَنَّ لِي أُمَرَاءَ لَا أَقْطَعُ أَمْرًا دُونَهُمْ، وَلَعَلِّي أُسْلِمُ وَآتِي بِهِمْ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: "يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ شَيْطَانٍ"، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَقَدْ دَخَلَ بِوَجْهِ كَافِرٍ وَخَرَجَ بِعَقِبَيْ غَادِرٍ، وَمَا الرَّجُلُ بِمُسْلِمٍ"، فَمَرَّ بسرح المدينه فاستاقه، فَطَلَبُوهُ فَعَجَزُوا عَنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْقَضِيَّةِ سَمِعَ تَلْبِيَةَ حُجَّاجِ الْيَمَامَةِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: "هَذَا الْحُطَمُ وَأَصْحَابُهُ"، وَكَانَ قد قلد هديًا مِنْ سَرْحِ الْمَدِينَةِ وَأَهْدَاهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا تَوَجَّهُوا فِي طَلَبِهِ أَنْزَلَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} يُرِيدُ: مَا أشعر الله، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ، وَقَدِ اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَمَرَّ بِهِمْ نَاسٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُونَ الْعُمْرَةَ، فَقَالَ أَصْحَابُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "صُدُّ هَؤُلَاءِ كَمَا صَدَّنَا أَصْحَابُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا
الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} أَيْ وَلَا تَعْتَدُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْعُمَّارِ أَنْ صَدَّكُمْ أَصْحَابُهُمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الْآيَةَ {3} . نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَكَانَ يَوْمَ عَرَفَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِفٌ بِعَرَفَاتٍ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْعَدْلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُمَيْسٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَةً فِي كِتَابِكُمْ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، فَقَالَ: أَيُّ آيَةٍ هِيَ؟ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَالسَّاعَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةَ يَوْمِ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَبَّاحٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ. أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّاذْيَاخِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْآيَةَ وَمَعَهُ يَهُودِيٌّ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: لَوْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَيْنَا فِي يَوْمٍ لَاتَّخَذْنَاهُ عِيدًا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عِيدَيْنِ اتَّفَقَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يَوْمِ جُمُعَةٍ وَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ عَرَفَةَ.
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} الْآيَةَ {4} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَلْمَى أُمِّ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أُحِلَّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي أَمَرْتَ بِقَتْلِهَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَهِيَ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ بَالُوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ. وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ شَرْحَ هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالُوا: قَالَ أَبُو رَافِعٍ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "قَدْ أَذِنَّا لَكَ يَا جِبْرِيلُ"، فَقَالَ: "أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ"، فَنَظَرُوا فَإِذَا فِي بَعْضِ بُيُوتِهِمْ جَرْوٌ، قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَدَعَ كَلْبًا بِالْمَدِينَةِ إِلَّا قَتَلْتُهُ حَتَّى بَلَغْتُ الْعَوَالِيَ، فَإِذَا امْرَأَةٌ عِنْدَهَا كَلْبٌ يَحْرُسُهَا فَرَحِمْتُهَا، فَتَرَكْتُهُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ فَأَمَرَنِي بِقَتْلِهِ، فَرَجَعْتُ إِلَى الْكَلْبِ فَقَتَلْتُهُ، فَلَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ جَاءَ نَاسٌ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي تَقْتُلُهَا؟ فَسَكَتَ ¬
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ الله تعالى هذ الْآيَةَ؛ فَلَمَّا نَزَلَتْ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اقْتِنَاءِ الْكِلَابِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا، وَنَهَى عَنْ إِمْسَاكِ ما لا نفع فِيهِ مِنْهَا، وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْكَلِبِ وَالْعَقُورِ، وَمَا يَضُرُّ وَيُؤْذِي وَرَفَعَ الْقَتْلَ عَمَّا سِوَاهُمَا وَمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ. (¬1) - وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَزَيْدِ بْنِ الْمُهَلْهِلِ الطَّائِيَّيْنِ وَهُوَ زَيْدُ الْخَيْلِ الَّذِي سَمَّاهُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "زيد الْخَيْرَ"، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا جَاءَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِالْكِلَابِ وَالْبُزَاةِ، وَإِنَّ كِلَابَ آلِ ذُرَيْحٍ وَآلِ أَبِي جُوَيْرِيَةَ تَأْخُذُ الْبَقَرَ وَالْحُمُرَ وَالظِّبَاءَ وَالضَّبَّ، فمنه ما يدرك ذَكَاتَهُ وَمِنْهُ مَا يقتل فلا يدرك ذَكَاتَهُ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الْمَيْتَةَ فَمَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْهَا؟ فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} يَعْنِي الذَّبَائِحَ {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} يَعْنِي: وَصَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ، وَهِيَ الْكَوَاسِبُ مِنَ الْكِلَابِ وَسِبَاعِ الطَّيْرِ. (¬2) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} الْآيَةَ {11} . أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو لُبَابَةَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَهْدِيِّ الْمِيهَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُحَارِبٍ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ ¬
قَالَ لِقَوْمِهِ مِنْ غَطَفَانَ وَمُحَارِبٍ: أَلَا أَقْتُلُ لَكُمْ مُحَمَّدًا؟ قَالُوا: نَعَمْ، وَكَيْفَ تَقْتُلُهُ؟ قَالَ: أَفْتِكُ بِهِ، قَالَ فَأَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ جَالِسٌ وَسَيْفُهُ فِي حِجْرِهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْظُرُ إِلَى سَيْفِكَ هَذَا؟ قَالَ: "نَعَمْ"، فَأَخَذَهُ فَاسْتَلَّهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَهُزُّهُ وَيَهُمُّ بِهِ، فَكَبَتَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - ثُمَّ قَالَ: يا محمد ما تَخَافُنِي؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: أَلَا تَخَافُنِي وَفِي يَدِي السَّيْفُ؟ قَالَ: "يَمْنَعُنِي اللَّهُ مِنْكَ"، ثُمَّ أَغْمَدَ السَّيْفَ وَرَدَّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} (¬1) - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن إبراهيم الثعلبي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ محمد بن الحسين قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلَ مَنْزِلًا وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ تَحْتَهَا، فَعَلَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِلَاحَهُ عَلَى شَجَرَةٍ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: "اللَّهُ"، قَالَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: اللَّهُ، فَشَامَ الْأَعْرَابِيُّ السَّيْفَ، فَدَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَ الْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ جَالِسٌ إِلَى جَنْبِهِ لَمْ يُعَاقِبْهُ. (¬2) - وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ: قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ قَوْمِهِمَا مُوَادَعَةٌ، فَجَاءَ قَوْمُهُمَا يَطْلُبُونَ الدِّيَةَ، فَأَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ ¬
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عوف رضوان الله عليهم أجمعين، فَدَخَلُوا عَلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَبَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي عَقْلِهِمَا، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَأْتِيَنَا وَتَسْأَلَنَا حَاجَةً، اجْلِسْ حَتَّى نُطْعِمَكَ وَنُعْطِيَكَ الَّذِي تَسْأَلُنَا، فَجَلَسَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَخَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَمْ تَجِدُوا مُحَمَّدًا أَقْرَبَ مِنْهُ الْآنَ، فَمَنْ يَظْهَرُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَيَطْرَحُ عَلَيْهِ صَخْرَةً، فَيُرِيحُنَا مِنْهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ جِحَاشِ بْنِ كَعْبٍ: أَنَا، فَجَاءَ إِلَى رَحًا عَظِيمَةٍ لِيَطْرَحَهَا عَلَيْهِ، فَأَمْسَكَ اللَّهُ تَعَالَى يَدَهُ، وَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} {33} . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَخْلَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ نُجَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ فَاسْتَوْخَمْنَا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَوْدٍ راعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يخرجوا فيها فليشربوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَلَمَّا صَحُّوا وَكَانُوا بِنَاحِيَةِ الْحَرَّةِ قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آثَارِهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ فَتُرِكُوا في الحرة التي مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ. قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ ¬
الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ إِلَى قَوْلِ قَتَادَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {. وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} {38} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ سَارِقِ الدِّرْعِ وَقَدْ مَضَتْ قِصَّتُهُ. (¬2) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} الْآيَاتِ {41 - 47} . حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ إِمْلَاءً قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ حَاجِبُ ابن أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الْأَبِيوَرْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا، فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: "أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ" قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ: "أَنْشُدُكَ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟ " قَالَ: لَا، وَلَوْلَا ¬
أَنَّكَ نَشَدْتَنِي لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِنَا الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أشرافنا، فكنا إذ أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الْوَضِيعَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقُلْنَا: تَعَالَوْا نَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ فَاجْتَمَعْنَا عَلَى التَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ مَكَانَ الرَّجْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ"، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَأَنْزَلَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} إِلَى قَوْلِهِ {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} يَقُولُونَ ائْتُوا مُحَمَّدًا فَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالتَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوا بِهِ، وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا، إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قَالَ: فِي الْيَهُودِ، إِلَى قَوْلِهِ {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} قَالَ: فِي النَّصَارَى إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} قَالَ: فِي الْكُفَّارِ كُلُّهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. وأخبرنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الهيثم أاحمد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَوْثٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَجَمَ يَهُودِيًّا وَيَهُودِيَّةً، ثُمَّ قَالَ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} قَالَ: نَزَلَتْ كُلُّهَا فِي الْكُفَّارِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} {44} . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ ¬
الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عن الزهري قاد: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَنَحْنُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: زَنَى رَجُلٌ مِنَ اليهود وامرأة، قال بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ مَبْعُوثٌ لِلتَّخْفِيفِ، فَإِذَا أَفْتَانَا بِفُتْيَا دُونَ الرَّجْمِ قَبِلْنَاهَا وَاحْتَجَجْنَا بِهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَقُلْنَا: فُتْيَا نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِكَ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا تَرَى فِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا؟ فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ حَتَّى أَتَى بَيْتَ مِدْرَاسِهِمْ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ فَقَالَ: "أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الذي أنزل التوارة عَلَى مُوسَى مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ؟ " قَالُوا: يُحَمَّمُ وَجْهُهُ وَيُجَبَّهُ وَيُجْلَدُ، - وَالتَّجْبِيهُ: أَنْ يُحْمَلَ الزانيان على الحمار ويُقابَل أَقْفِيَتُهُمَا وَيُطَافَ بِهِمَا - قَالَ: وَسَكَتَ شَابٌّ مِنْهُمْ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَكَتَ أَلَظَّ بِهِ فِي النِّشْدَةِ، فقال: اللهم إذا أَنْشَدْتَنَا فَإِنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "فَمَا أَوَّلُ مَا أَرْخَصْتُمْ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ " قَالَ: زَنَى رَجُلٌ ذُو قُرَابَةٍ مِنْ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِنَا فَأَخَّرَ عَنْهُ الرَّجْمَ، ثُمَّ زَنَى رَجُلٌ فِي أُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ رَجْمَهُ فَحَالَ قَوْمُهُ دُونَهُ، فَقَالُوا: لَا تَرْجُمْ صَاحِبَنَا حَتَّى تَجِيءَ بِصَاحِبِكُمْ فَتَرْجُمَهُ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى هَذِهِ الْعُقُوبَةِ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "فَإِنِّي أَحْكُمُ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ"، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَبَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ. قَالَ مَعْمَرٌ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَمَرَ بِرَجْمِهِمَا، فَلَمَّا رُجِمَا رَأَيْتُهُ يَجْنَأُ بِيَدِهِ عَنْهَا لِيَقِيَهَا الحجارة.
(¬1) - قوله - عز وجل - {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} الْآيَةَ {49} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْيَهُودِ مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ لَعَلَّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دينه فأتوه فقال: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا أَحْبَارُ الْيَهُودِ وَأَشْرَافُهُمْ، وَأَنَّا إِنِ اتَّبَعْنَاكَ اتَّبَعَنَا الْيَهُودُ وَلَنْ يُخَالِفُونَا، وَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ خُصُومَةً وَنُحَاكِمُهُمْ إِلَيْكَ، فَتَقْضِي لَنَا عَلَيْهِمْ وَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِكَ وَنُصَدِّقُكَ، فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} {51} . قَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: جَاءَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَوَالِيَ مِنَ الْيَهُودِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ حَاضِرٌ نَصْرُهُمْ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ وِلَايَةِ الْيَهُودِ، وَآوِي إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: إِنِّي رَجُلٌ أَخَافُ الدَّوَائِرَ وَلَا أَبْرَأُ مِنْ وِلَايَةِ الْيَهُودِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "يَا أَبَا الْحُبَابِ مَا بَخِلْتَ بِهِ مِنْ وِلَايَةِ الْيَهُودِ عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَهُوَ لَكَ دُونَهُ"، فَقَالَ: قَدْ قَبِلْتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى فيهما: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ ¬
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} إِلَى قوله تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} فِي وِلَايَتِهِمْ {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} {55} . قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمًا مِنْ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ قَدْ هَاجَرُونَا وَفَارَقُونَا وَأَقْسَمُوا أَنْ لَا يُجَالِسُونَا، وَلَا نَسْتَطِيعُ مُجَالَسَةَ أَصْحَابِكَ لِبُعْدِ الْمَنَازِلِ، وَشَكَى مَا يَلْقَى مِنَ الْيَهُودِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ أَوْلِيَاءَ. وَنَحْوَ هَذَا قَالَ الكلبي وزاد: أن آخِرَ الْآيَةِ نَزَلَ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَعْطَى خَاتَمَهُ سَائِلًا وَهُوَ رَاكِعٌ فِي الصَّلَاةِ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ابن ¬
عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ قَدْ آمَنُوا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مَنَازِلَنَا بَعِيدَةٌ وَلَيْسَ لَنَا مَجْلِسٌ وَلَا مُتَحَدَّثٌ، وَإِنَّ قَوْمَنَا لَمَّا رَأَوْنَا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَصَدَّقْنَاهُ رَفَضُونَا وَآلَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنْ لَا يُجَالِسُونَا وَلَا يُنَاكِحُونَا وَلَا يُكَلِّمُونَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} الْآيَةَ. ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ بَيْنَ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ، فَنَظَرَ سَائِلًا فَقَالَ: "هَلْ أَعْطَاكَ أَحَدٌ شَيْئًا؟ " قَالَ: نَعَمْ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: "مَنْ أَعْطَاكَهُ؟ " قَالَ: ذَلِكَ الْقَائِمُ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: "عَلَى أَيِّ حَالٍ أَعْطَاكَ؟ " قَالَ: أَعْطَانِي وَهُوَ رَاكِعٌ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (¬1) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا} {57} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسُوَيْدُ بْنُ الحارث قد أظهر الْإِسْلَامَ ثُمَّ نَافَقَا وَكَانَ رِجَالٌ من المسلمين يوادّونها، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} {58} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا نَادَى إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهَا، قَالَتِ الْيَهُودُ: قَامُوا لَا قَامُوا، صَلَّوْا لَا صَلَّوْا، رَكَعُوا لَا رَكَعُوا. عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالضَّحِكِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
قَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ نَصَارَى الْمَدِينَةِ كَانَ إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: حُرِّقَ الْكَاذِبُ. فَدَخَلَ خَادِمُهُ بِنَارٍ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ نَائِمٌ وَأَهْلُهُ نِيَامٌ، فَطَارَتْ مِنْهَا شَرَارَةٌ فِي الْبَيْتِ فَاحْتَرَقَ هُوَ وَأَهْلُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا سَمِعُوا الْآذَانَ حَسَدُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ، فَدَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ لَقَدْ أَبْدَعْتَ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْ بِهِ فِيمَا مَضَى مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، فَإِنْ كُنْتَ تَدَّعِي النُّبُوَّةَ فَقَدْ خَالَفْتَ فِيمَا أَحْدَثْتَ مِنْ هَذَا الْآذَانِ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ قَبْلِكَ، وَلَوْ كَانَ فِي هَذَا الْأَمْرِ خَيْرٌ كَانَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ مِنْ قَبْلِكَ، فَمِنْ أَيْنَ لَكَ صِيَاحٌ كَصِيَاحِ الْعِيرِ؟ فَمَا أَقْبَحَ مِنْ صَوْتٍ وَلَا أَسْمَجَ مِنْ كُفْرٍ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَأَنْزَلَ: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} الْآيَةَ. [فُصِّلَتْ: 33] . (¬1) - قَوْلُهُ تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ} الْآيَةَ {59} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَى نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلُوهُ عَمَّنْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنَ الرُّسُلِ، فَقَالَ: أُومِنُ {بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [الْبَقَرَةِ: 136] فَلَمَّا ذَكَرَ عِيسَى جَحَدُوا نُبُوَّتَهُ وَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَهْلَ دِينٍ أَقَلَّ حَظًّا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْكُمْ، وَلَا دِينًا شَرًّا مِنْ دِينِكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَاسِقُونَ} قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} {67} . قَالَ الْحَسَنُ: ¬
إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَمَّا بَعَثَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِرِسَالَتِي ضِقْتُ بِهَا ذَرْعًا وَعَرَفْتُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُكَذِّبُنِي"، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَهَابُ قُرَيْشًا وَالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّفَّارُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدُونَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُلْوَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ سِجَّادَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ وَأَبِي الْحَجَّابِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ، فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} {67} . قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: سَهِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: "أَلَا رَجُلٌ صَالِحٌ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ"؟ فَقَالَتْ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي ذَلِكَ سَمِعْتُ صَوْتَ السِّلَاحِ، فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟ " قَالَ: سَعْدٌ وَحُذَيْفَةُ، جِئْنَا نَحْرُسُكَ. فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ، وَنَزَلَتْ هذه الآية، فأنزل رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسَهُ مِنْ قُبَّةِ أَدَمٍ وَقَالَ: "انْصَرِفُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ". أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاعِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْخَلِيلِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحْرَسُ وَكَانَ يُرْسِلُ مَعَهُ أَبُو طَالِبٍ رِجَالًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يَحْرُسُونَهُ حَتَّى نَزَلَتْ عَلَيْهِ هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} قَالَ: فَأَرَادَ عَمُّهُ أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ مَنْ يَحْرُسُهُ، فَقَالَ: "يَا عَمِّ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَصَمَنِي مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ".
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ} الْآيَاتِ {82 - 86} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا} نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِمَكَّةَ يَخَافُ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَبَعَثَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ وَقَالَ إِنَّهُ مَلِكٌ صَالِحٌ لَا يَظْلِمُ وَلَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، فَاخْرُجُوا إِلَيْهِ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَرَجًا، فَلَمَّا وَرَدُوا عَلَيْهِ أَكْرَمَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: تَعْرِفُونَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اقْرَءُوا. فَقَرَءُوا وَحَوْلَهُ الْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ، فَكُلَّمَا قَرَءُوا آيَةً انْحَدَرَتْ دُمُوعُهُمْ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} الْآيَةَ. (¬2) - أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدُونَ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ بِكِتَابٍ مَعَهُ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَقَرَأَ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ دَعَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالْمُهَاجِرِينَ ¬
مَعَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى الرُّهْبَانِ وَالْقِسِّيسِينَ فَجَمَعَهُمْ، ثم أمر جعفر أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَقَرَأَ سُورَةَ "مَرْيَمَ" عَلَيْهَا السَّلَامُ فَآمَنُوا بِالْقُرْآنِ وَفَاضَتْ أَعْيُنُهُمْ مِنَ الدَّمْعِ، وَهُمُ الَّذِينَ أُنْزِلَ فِيهِمْ: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} إِلَى قَوْلِهِ: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} وَقَالَ آخَرُونَ: قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْحَبَشَةِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا بَعَثَهُمُ النَّجَاشِيُّ وَفْدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الصُّوفِ، اثْنَانِ وَسِتُّونَ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَثَمَانِيَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَهُمْ بَحِيرَا الرَّاهِبُ وَأَبْرَهَةُ وَإِدْرِيسُ وَأَشْرَفُ وَتَمَّامٌ وَقُثَيْمٌ وَدُرَيْدٌ وَأَيْمَنُ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُورَةَ "يس" إِلَى آخِرِهَا، فَبَكَوْا حِينَ سَمِعُوا الْقُرْآنَ وَآمَنُوا وَقَالُوا: مَا أَشْبَهَ هَذَا بِمَا كَانَ يَنْزِلُ عَلَى عِيسَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَاتِ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَدْلُ قَالَ: حَدَّثَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ قال: حدثنا أَبُو الْقَاسِمِ قال: حدثنا الْبَغَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} قَالَ: بَعَثَ النَّجَاشِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِهِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُورَةَ "يس" فَبَكَوْا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} {87} . (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ بْنُ أَبِي عَمْرٍو الْمُؤَذِّنُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ¬
أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: إِنِّي إِذَا أَكَلْتُ هَذَا اللَّحْمَ انْتَشَرْتُ إِلَى النِّسَاءِ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ عَلَيَّ اللحم، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} وَنَزَلَتْ {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا} الْآيَةَ. (¬1) - قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا فَذَكَّرَ النَّاسَ وَوَصَفَ الْقِيَامَةَ وَلَمْ يَزِدْهُمْ عَلَى التَّخْوِيفِ؛ فَرَقَّ النَّاسُ وَبَكَوْا، فَاجْتَمَعَ عَشَرَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي بَيْتِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيِّ وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَمَعْقِلُ بْنُ مُقَرِّنٍ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَصُومُوا النَّهَارَ، وَيَقُومُوا اللَّيْلَ، وَلَا يَنَامُوا عَلَى الْفُرُشِ، وَلَا يَأْكُلُوا اللَّحْمَ وَلَا الْوَدَكَ وَلَا يَقْرَبُوا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، وَيَلْبَسُوا الْمُسُوحَ وَيَرْفُضُوا الدُّنْيَا وَيَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ وَيَتَرَهَّبُوا، وَيَجُبُّوا الْمَذَاكِيرَ؛ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَمَعَهُمْ فَقَالَ: "أَلَمْ أُنَبَّأْ أَنَّكُمُ اتَّفَقْتُمْ عَلَى كَذَا وَكَذَا؟ " فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ، فَقَالَ لَهُمْ: "إِنِّي لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ، إِنَّ لِأَنْفُسِكُمْ ¬
عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَقُومُوا وَنَامُوا، فَإِنِّي أَقُومُ وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَآكُلُ اللَّحْمَ وَالدَّسَمَ، وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي"، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ وَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ حَرَّمُوا النِّسَاءَ وَالطَّعَامَ وَالطِّيبَ وَالنَّوْمَ وَشَهَوَاتِ الدُّنْيَا، أَمَا إِنِّي لَسْتُ آمُرُكُمْ أَنْ تَكُونُوا قِسِّيسِينَ وَلَا رُهْبَانًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي دِينِي تَرْكُ اللَّحْمِ وَالنِّسَاءِ وَلَا اتِّخَاذُ الصَّوَامِعِ، وَإِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الصَّوْمُ وَرَهْبَانِيَّتَهَا الْجِهَادُ، وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ، وَصُومُوا رَمَضَانَ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالتَّشْدِيدِ، شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَأُولَئِكَ بَقَايَاهُمْ فِي الدِّيَارَاتِ وَالصَّوَامِعِ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَيْمَانِنَا الَّتِي حَلَفْنَا عَلَيْهَا، وَكَانُوا حَلَفُوا عَلَى مَا عَلَيْهِ اتَّفَقُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} (¬1) الْآيَةَ. (¬2) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ} الْآيَةَ {90} . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُطَّوِّعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ أَبُو مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ¬
وَالْأَنْصَارِ فَقَالُوا: تعال نطعمك ونسقيك خَمْرًا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحَرَّمَ الْخَمْرُ، فَأَتَيْتُهُمْ فِي حُشٍّ، وَالْحُشُّ: الْبُسْتَانُ، وَإِذَا رَأْسُ جَزُورٍ مَشْوِيٌّ عِنْدَهُمْ وَدَنٌّ مِنْ خَمْرٍ، فَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ مَعَهُمْ، وَذَكَرْتُ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرِينَ، فَقُلْتُ: الْمُهَاجِرُونَ خَيْرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَأَخَذَ رَجُلٌ أَحَدَ لِحْيَيِ الرَّأْسِ فَضَرَبَنِي بِهِ، فَجَذَعَ أَنْفِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيَّ - يَعْنِي نَفْسَهُ - شَأْنَ الْخَمْرِ {إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ} الْآيَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْعَدْلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ في النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَقَامَ الصَّلَاةَ يُنَادِي لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَ {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} قَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا. وَكَانَتْ تَحْدُثُ أَشْيَاءُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَبَبِ شُرْبِ الْخَمْرِ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، مِنْهَا قِصَّةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَعَ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهِيَ مَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمُسِ، وَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِي فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ فَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي، فَبَيْنَمَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنَ الْأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ وَشَارِفَايَ مُنَاخَتَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا أَنَا بِشَارِفَيَّ قَدْ أُجِبَّتْ أَسْنِمَتُهُمَا، وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ، قُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقَالُوا فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ فِي الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الْأَنْصَارِ غَنَّتْ قَيْنَةٌ، فَقَالَتْ فِي غِنَائِهَا: أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ ... وَهُنَّ مُعَقَّلَاتٍ بِالْفِنَاءِ ضَعِ السِّكِّينَ فِي اللِّبَّاتِ مِنْهَا ... فَضَرِّجْهُنَّ حمزة بالدماء فأطعم مِنْ شَرَائِحِهَا كَبَابًا ... ملهوجة على رهج الصَّلَاءِ فَأَنْتَ أَبَا عُمَارَةَ الْمُرَجَّى ... لِكَشْفِ الضُّرِّ عَنَّا وَالْبَلَاءِ فَوَثَبَ إِلَى السيف، فاجتب أسمنتهما وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَأَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، قَالَ: فَعَرَفَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي لقيت، فَقَالَ: "مَا لَكَ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ عَدَا حَمْزَةُ على ناقتيّ وجب أسنمتهما ¬
وبقر خواصرها هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بردائه، ثم انطق يَمْشِي فَاتَّبَعْتُ أَثَرَهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي هُوَ فِيهِ، فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ، فَإِذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: وَهَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدُ أَبِي؟ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ ثَمِلٌ، فَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِنُزُولِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الْآيَةَ {93} . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُطَّوِّعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ يَوْمَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ، وَمَا شَرَابُهُمْ إِلَّا الْفَضِيخُ وَالْبُسْرُ وَالتَّمْرُ، وَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حرّمت، قال: فحرت فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَأَرِقْهَا، قَالَ: فَأَرَقْتُهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قُتِلَ فُلَانٌ وَقُتِلَ فُلَانٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الْآيَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. عَنْ أَبِي نُعْمَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادٍ. (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ¬
عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَلَمَّا حُرِّمَتْ قَالَ أُنَاسٌ: كَيْفَ لِأَصْحَابِنَا مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} الْآيَةَ {100} . أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّاذْيَاخِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ البيّع قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمُؤَدِّبُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الضُّرَيْسِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَشُرْبَ الْخَمْرِ وَالطَّعْنَ فِي الْأَنْسَابِ، أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ لُعِنَ شَارِبُهَا وَعَاصِرُهَا وَسَاقِيهَا وَبَائِعُهَا وَآكِلُ ثَمَنِهَا"، فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ رَجُلًا كَانَتْ هَذِهِ تِجَارَتِي، فَاعْتَقَبْتُ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ مَالًا فَهَلْ يَنْفَعُنِي ذَلِكَ الْمَالُ إِنْ عَمِلْتُ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إِنْ أَنْفَقْتَهُ فِي حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ أَوْ صَدَقَةٍ لَمْ يَعْدِلْ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إِلَّا الطِّيِّبَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} فَالْخَبِيثُ: الْحَرَامُ.
(¬1) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الْآيَةَ {101} . أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو الْمُزَكِّي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جُوَيْرِيَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِهْزَاءً، فَيَقُولُ الرَّجُلُ: مَنْ أَبِي؟ وَيَقُولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ: أَيْنَ نَاقَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَاتِ كُلِّهَا. (¬2) - أَخْبَرَنَا أبو سعيد النَّصْرُوِييّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطِيعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ وَرْدَانَ الْأَسَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، ¬
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (¬1) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالُوا: أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ: "لَا، وَلَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ"، فَأَنْزَلَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} الْآيَةَ {105} . قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَهْلِ هَجَرَ وَعَلَيْهِمْ مُنْذِرُ بْنُ سَاوَى يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَبَوْا فَلْيُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، فَلَمَّا أَتَاهُ الْكِتَابُ عَرَضَهُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعَرَبِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ وَالْمَجُوسِ، فَأَقَرُّوا بِالْجِزْيَةِ وَكَرِهُوا الْإِسْلَامَ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَمَّا الْعَرَبُ فَلَا تَقْبَلْ مِنْهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامَ أَوِ السَّيْفَ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسُ فَاقْبَلْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ"، فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْلَمَتِ الْعَرَبُ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسُ فَأَعْطَوُا الجزية، فقال منافقوا الْعَرَبِ: عَجَبًا مِنْ مُحَمَّدٍ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ لِيُقَاتِلَ النَّاسَ كَافَّةً حَتَّى يُسْلِمُوا وَلَا يَقْبَلُ الْجِزْيَةَ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلَا نَرَاهُ إِلَّا قَبِلَ مِنْ مُشْرِكِي أَهْلِ هَجَرَ مَا رَدَّ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} يَعْنِي مَنْ ضَلَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. (¬2) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الْآيَةَ {106} . أَخْبَرَنَا أَبُو ¬
سَعِيدِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْغَازِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ وَعَدِيُّ بْنُ بَدَّاءٍ يَخْتَلِفَانِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَحِبَهُمَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، فَمَاتَ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَوْصَى إِلَيْهِمَا بِتَرِكَتِهِ، فَلَمَّا قَدِمَا دَفَعَاهَا إِلَى أَهْلِهِ وَكَتَمَا جَامًا كَانَ مَعَهُ مِنْ فِضَّةٍ كَانَ مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ فَقَالَا: لَمْ نَرَهُ فَأُتِيَ بِهِمَا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَحْلَفَهُمَا بِاللَّهِ مَا كَتَمَا وَلَا اطَّلَعَا وَخَلَّى سَبِيلَهُمَا؛ ثُمَّ إِنَّ الْجَامَ وُجِدَ عِنْدَ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالُوا: ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَقَامَ أَوْلِيَاءُ السَّهْمِيِّ فَأَخَذُوا الْجَامَ وَحَلَفَ رَجُلَانِ مِنْهُمْ بِاللَّهِ إِنَّ هَذَا الْجَامَ جَامُ صَاحِبِنَا، وَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا، فَنَزَلَتْ هاتان الآيتان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} إِلَى آخِرِهَا.
سورة الأنعام
سُورَةُ الْأَنْعَامِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ} الْآيَةَ {7} . قَالَ الْكَلْبِيُّ إِنَّ مُشْرِكِي مَكَّةَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ لَا نُؤْمِنُ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَنَّكَ رَسُولُهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} الْآيَةَ {13} . قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ كُفَّارَ مَكَّةَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ إِنَّمَا يَحْمِلُكَ عَلَى مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ، فَنَحْنُ نَجْعَلُ لَكَ نَصِيبًا فِي أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَغْنَانَا رَجُلًا وَتَرْجِعُ عَمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} الْآيَةَ {19} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ رُؤَسَاءَ مَكَّةَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ مَا نَرَى أَحَدًا يُصَدِّقُكَ بِمَا تَقُولُ مِنْ أَمْرِ الرِّسَالَةِ، وَلَقَدْ سَأَلْنَا عَنْكَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَزَعَمُوا أَنْ لَيْسَ لَكَ عِنْدَهُمْ ذِكْرٌ وَلَا صِفَةٌ، فَأَرِنَا مَنْ يَشْهَدُ لَكَ أَنَّكَ رَسُولٌ كَمَا تَزْعُمُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} الْآيَةَ {25} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ وَأُبَيًّا ابْنَيْ خَلَفٍ، اسْتَمَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا لِلنَّضْرِ: يَا أَبَا قُتَيْلَةَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: والذي جعلها بيته مَا أَدْرِي مَا يَقُولُ، إِلَّا أَنِّي أَرَى يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ وَمَا يَقُولُ إِلَّا أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ مِثْلَ
مَا كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ، وَكَانَ النَّضْرُ كَثِيرَ الْحَدِيثِ عَنِ الْقُرُونِ الْأُولَى، وَكَانَ يُحَدِّثُ قُرَيْشًا فَيَسْتَمْلِحُونَ حَدِيثَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} {26} . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا علي بن حمشاد قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْدَهْ الْأَصْفَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَنْهَى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَبَاعَدُ عَمَّا جَاءَ بِهِ. (¬2) - وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمَرَةَ. قَالَ مُقَاتِلٌ: وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ إِلَى أَبِي طَالِبٍ يُرِيدُونَ سُوءًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَاللَّهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ ... حَتَّى أُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِينَا فَاصْدَعْ بِأَمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ ... وَأَبْشِرْ وَقَرَّ بِذَاكَ مِنْكَ عُيُونَا وَعَرَضْتَ دِينًا لَا مَحَالَةَ أَنَّهُ ... مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينَا لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حِذَارِي سَبَّةً ... لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مَتِينَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ} الْآيَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي كُفَّارِ مَكَّةَ كَانُوا يَنْهَوْنَ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَبَاعَدُونَ بِأَنْفُسِهِمْ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ. ¬
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} الْآيَةَ {33} . قَالَ السُّدِّيُّ: الْتَقَى الْأَخْنَسُ بْنُ شُرَيْقٍ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ الْأَخْنَسُ لِأَبِي جَهْلٍ: يَا أَبَا الْحَكَمِ أَخْبِرْنِي عَنْ مُحَمَّدٍ أَصَادِقٌ هُوَ أَمْ كَاذِبٌ؟ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَا مَنْ يَسْمَعُ كَلَامَكَ غَيْرِي، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَصَادِقٌ، وَمَا كَذَبَ مُحَمَّدٌ قَطُّ، وَلَكِنْ إِذَا ذَهَبَ بَنُو قُصَيٍّ بِاللِّوَاءِ وَالسِّقَايَةِ وَالْحِجَابَةِ وَالنَّدْوَةِ وَالنُّبُوَّةِ فَمَاذَا يَكُونُ لِسَائِرِ قُرَيْشٍ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِأَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا وَاللَّهِ مَا نُكَذِّبُكَ، وَإِنَّكَ عِنْدَنَا لَصَادِقٌ، وَلَكِنْ نُكَذِّبُ مَا جِئْتَ بِهِ، فَنَزَلَتْ: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ، كَانَ يُكَذِّبُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَلَانِيَةِ، وَإِذَا خَلَا مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ قَالَ: مَا مُحَمَّدٌ مِنْ أَهْلِ الْكَذِبِ، وَلَا أَحْسَبُهُ إِلَّا صَادِقًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} الْآيَةَ {52} . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ¬
يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا سِتَّةٍ فِيَّ وَفِي ابْنِ مَسْعُودٍ وَصُهَيْبٍ وَعَمَّارٍ وَالْمِقْدَادِ وَبِلَالٍ، قَالَتْ قُرَيْشٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّا لَا نَرْضَى أَنْ نَكُونَ أَتْبَاعًا لِهَؤُلَاءِ فَاطْرُدْهُمْ عَنْكَ، فَدَخَلَ قَلْبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْخُلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} الْآيَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي زَكَرِيَّا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا السُّدِّيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الْكَنُودِ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: فِينَا نَزَلَتْ، كُنَّا ضُعَفَاءَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، فَعَلَّمَنَا الْقُرْآنَ وَالْخَيْرَ، وَكَانَ يُخَوِّفُنَا بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وما ينفعنا، والموت وَالْبَعْثِ، فَجَاءَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فَقَالَا: إِنَّا مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِنَا وَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَرَوْنَا مَعَهُمْ فَاطْرُدْهُمْ إِذَا جَالَسْنَاكَ، قَالَ: "نَعَمْ"، قَالُوا: لَا نَرْضَى حَتَّى نَكْتُبَ بَيْنَنَا كِتَابًا، فَأَتَى بِأَدِيمٍ وَدَوَاةٍ، فَنَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ ¬
مُحَمَّدٍ عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ كُرْدُوسٍ، عن ابن مسعد قَالَ: مَرَّ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ وَصُهَيْبٌ وَبِلَالٌ وَعَمَّارٌ، قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ رَضِيتَ بِهَؤُلَاءِ؟ أَتُرِيدُ أَنْ نَكُونَ تَبَعًا لِهَؤُلَاءِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ أبي جعفر. (¬1) - وبهذا الإسناد قال: حدثنا عبيد الله، عن أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ: كَانَ رِجَالٌ يَسْبِقُونَ إِلَى مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْهُمْ بِلَالٌ وَعَمَّارٌ وَصُهَيْبٌ وَسَلْمَانُ، فَيَجِيءُ أَشْرَافُ قَوْمِهِ وَسَادَتُهُمْ، وَقَدْ أَخَذَ هَؤُلَاءِ الْمَجْلِسَ فَيَجْلِسُونَ إِلَيْهِ، فَقَالُوا: صُهَيْبٌ رُومِيٌّ وَسَلْمَانُ فَارِسِيٌّ وَبِلَالٌ حَبَشِيٌّ يَجْلِسُونَ عِنْدَهُ وَنَحْنُ نَجِيءُ وَنَجْلِسُ نَاحِيَةً، وَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: إِنَّا سَادَةُ قَوْمِكَ وَأَشْرَافُهُمْ فَلَوْ أَدْنَيْتَنَا مِنْكَ إِذَا جِئْنَا، فَهَمَّ يَفْعَلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قال عِكْرِمَةُ: جَاءَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَالْحَارِثُ بْنُ نَوْفَلٍ فِي أَشْرَافِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّ ابْنَ أَخِيكَ مُحَمَّدًا يَطْرُدُ عَنْهُ مَوَالِيَنَا وَعَبِيدَنَا وَعُسَفَاءَنَا كَانَ أَعْظَمَ فِي صُدُورِنَا، وَأَطْوَعَ لَهُ عِنْدَنَا وَأَدْنَى لِاتِّبَاعِنَا إِيَّاهُ وَتَصْدِيقِنَا لَهُ، فَأَتَى أبو طالب عم النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَدَّثَهُ بِالَّذِي كَلَّمُوهُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ حَتَّى نَنْظُرَ مَا الَّذِي يُرِيدُونَ وَإِلَامَ يَصِيرُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ أَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَعْتَذِرُ مِنْ مَقَالَتِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} الْآيَةَ {54} . قَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ طَرْدِهِمْ، فَكَانَ ¬
إِذَا رَآهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ وَقَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مَنْ أَمَرَنِي أَنْ أَبْدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ". وَقَالَ مَاهَانُ الْحَنَفِيُّ: أَتَى قَوْمٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: إِنَّا أَصَبْنَا ذُنُوبًا عِظَامًا، فَمَا إِخَالُهُ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ، فَلَمَّا ذَهَبُوا وَتَوَلَّوْا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا} قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} الْآيَةَ {57} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ وَرُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ، كَانُوا يَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ ائْتِنَا بِالْعَذَابِ الَّذِي تَعِدُنَا بِهِ. اسْتِهْزَاءً مِنْهُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} {91} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ: قَالَتِ الْيَهُودُ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ كِتَابًا؟ قَالَ: "نَعَمْ" قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ كِتَابًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: أَمَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ أَمْرِهِ وَكَيْفَ يَجِدُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ، فَحَمَلَهُمْ حَسَدُ مُحَمَّدٍ أَنْ كَفَرُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَقَالُوا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
(¬1) - وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ، فَخَاصَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ له النبيّ صلى الله عليه "أَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَمَا تَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْحَبْرَ السَّمِينَ؟ "، وَكَانَ حَبْرًا سَمِينًا، فَغَضِبَ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ: وَيْحَكَ، وَلَا عَلَى مُوسَى؟! فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ} الْآيَةَ {93} . نَزَلَتْ فِي مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ الْحَنَفِيِّ كَانَ يَسْجَعُ وَيَتَكَهَّنُ وَيَدَّعِي النُّبُوَّةَ، وَيَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} {93} . نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ كَانَ قَدْ تَكَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ يَكْتُبُ لَهُ شَيْئًا، فَلَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْمُؤْمِنُونَ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ} أَمْلَاهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} عَجِبَ عَبْدُ اللَّهِ فِي تَفْصِيلِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، فَقَالَ: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "هَكَذَا أُنْزِلَتْ عَلَيَّ"، فَشَكَّ عَبْدُ اللَّهِ حِينَئِذٍ وَقَالَ: لَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ كَمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، وَلَئِنْ كَانَ كَذَّابًا لَقَدْ قُلْتُ كَمَا قَالَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ. (¬3) - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ¬
نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأُمَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي شُرَحْبِيلُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَرْحٍ قَالَ: سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ فَرَّ إِلَى عُثْمَانَ وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَغَيَّبَهُ عِنْدَهُ، حَتَّى إِذَا اطْمَأَنَّ أَهْلُ مَكَّةَ أَتَى بِهِ عُثْمَانُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْمَنَ لَهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} {100} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الزَّنَادِقَةِ، قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَإِبْلِيسَ أَخَوَانِ، وَاللَّهُ خَالِقُ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ وَإِبْلِيسُ خَالِقُ الْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعِ وَالْعَقَارِبِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} {108} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ: قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ لَتَنْتَهِيَنَّ عَنْ سَبِّكَ آلِهَتَنَا أَوْ لَنَهْجُوَنَّ رَبَّكَ، فَنَهَى اللَّهُ أَنْ يَسُبُّوا أَوْثَانَهُمْ فَيَسُبُّوا الله عدْوًا بغيرعلم. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسُبُّونَ أَوْثَانَ الْكُفَّارِ فَيَرُدُّونَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَسْتَسِبُّوا لِرَبِّهِمْ قَوْمًا جَهَلَةً لَا عِلْمَ لَهُمْ بِاللَّهِ. ¬
وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ قَالَتْ قُرَيْشٌ: انْطَلِقُوا فَلْنَدْخُلْ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ فَلَنَأْمُرَنَّهُ أَنْ يَنْهَى عَنَّا ابْنَ أَخِيهِ، فَإِنَّا نَسْتَحِي أَنْ نَقْتُلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَتَقُولَ الْعَرَبُ: كَانَ يَمْنَعُهُ فَلَمَّا مَاتَ قتلوه، فانطلق أبا سُفْيَانَ وَأَبُو جَهْلٍ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَأُمَيَّةُ وَأُبَيُّ ابْنَا خَلَفٍ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْبَخْتَرِيِّ إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَقَالُوا: أَنْتَ كَبِيرُنَا وَسَيِّدُنَا وَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ آذَانَا وَآذَى آلِهَتَنَا، فَنُحِبُّ أَنْ تَدْعُوَهُ فَتَنْهَاهُ عَنْ ذِكْرِ آلِهَتِنَا وَلْنَدَعْهُ وَإِلَهَهُ، فَدَعَاهُ فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: هَؤُلَاءِ قَوْمُكَ وَبَنُو عَمِّكَ، فَقَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "ما يُرِيدُونَ؟ " فَقَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَدَعَنَا وَآلِهَتَنَا وَنَدَعَكَ وَإِلَهَكَ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: قَدْ أَنْصَفَكَ قَوْمُكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَعْطَيْتُكُمْ هَذَا هَلْ أَنْتُمْ مُعْطِيَّ كَلِمَةً إِنْ تَكَلَّمْتُمْ بِهَا مَلَكْتُمُ الْعَرَبَ وَدَانَتْ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ؟ " قَالَ أَبُو جَهْلٍ: نَعَمْ وَأَبِيكَ لَنُعْطِيَنَّكَهَا وَعَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَمَا هِيَ؟ قَالَ: "قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، فَأَبَوْا وَاشْمَأَزُّوا، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: قُلْ غَيْرَهَا يَا ابْنَ أَخِي فَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ فَزِعُوا مِنْهَا، فَقَالَ: "يَا عَمِّ، مَا أَنَا بِالَّذِي أَقُولُ غَيْرَهَا وَلَوْ أَتَوْنِي بِالشَّمْسِ فَوَضَعُوهَا فِي يَدِي مَا قُلْتُ غَيْرَهَا"، فَقَالُوا: لَتَكُفَّنَّ عَنْ شَتْمِكَ آلِهَتَنَا أَوْ لَنَشْتُمَنَّكَ وَنَشْتُمُ مَنْ يَأْمُرُكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا} الْآيَاتِ {109} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأُمَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَلَّمَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشٌ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تُخْبِرُنَا أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ ¬
السَّلَامُ كَانَتْ مَعَهُ عَصًا ضَرَبَ بِهَا الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا، وَأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَأَنَّ ثَمُودَ كَانَتْ لَهُمْ نَاقَةٌ، فَأْتِنَا بِبَعْضِ تِلْكَ الْآيَاتِ حَتَّى نُصَدِّقَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَيُّ شَيْءٍ تُحِبُّونَ أَنْ آتِيَكُمْ بِهِ" فَقَالُوا: تَجْعَلُ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، قَالَ: "فَإِنْ فَعَلْتُ تُصَدِّقُونِي"، قَالُوا: نَعَمْ وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتَ لَنَتَّبِعَنَّكَ أَجْمَعِينَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ الصَّفَا ذَهَبًا، وَلَكِنِّي لَمْ أُرْسِلْ آيَةً فَلَمْ يُصَدَّقْ بِهَا إِلَّا أَنْزَلَتِ الْعَذَابَ، وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتُهُمْ حَتَّى يَتُوبَ تَائِبُهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "اتْرُكْهُمْ حَتَّى يَتُوبَ تَائِبُهُمْ" فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا} إِلَى قَوْلِهِ: {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} الْآيَةَ {121} . قَالَ الْمُشْرِكُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا عَنِ الشَّاةِ إِذَا مَاتَتْ مَنْ قَتَلَهَا، قَالَ: "اللَّهُ قَتَلَهَا"، قَالُوا: فَتَزْعُمُ أَنَّ مَا قَتَلْتَ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ حَلَالٌ، وَمَا قَتَلَ الْكِلَابُ وَالصَّقْرُ حَلَالٌ، وَمَا قَتَلَهُ اللَّهُ حَرَامٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - قال عِكْرِمَةُ: إِنَّ الْمَجُوسَ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ كَتَبُوا إِلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، وَكَانُوا أَوْلِيَاءَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَتْ ¬
بَيْنَهُمْ مُكَاتَبَةٌ: أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ أَمْرَ اللَّهِ ثُمَّ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَا ذَبَحُوا فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا ذَبَحَ اللَّهُ فَهُوَ حَرَامٌ، فَوَقَعَ فِي أَنْفُسِ نَاسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} الْآيَةَ {122} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبَا جَهْلٍ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ رَمَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفَرْثٍ وَحَمْزَةُ لَمْ يُؤْمِنْ بَعْدُ، فَأُخْبِرَ حَمْزَةُ بِمَا فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ وَهُوَ رَاجِعٌ مِنْ قَنْصِهِ وَبِيَدِهِ قَوْسٌ، فَأَقْبَلَ غَضْبَانَ حَتَّى عَلَا أَبَا جَهْلٍ بِالْقَوْسِ وَهُوَ يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: يَا أَبَا يَعْلَى، أَمَا تَرَى مَا جَاءَ بِهِ؟! سَفَّهَ عُقُولَنَا، وَسَبَّ آلِهَتَنَا، وَخَالَفَ آبَاءَنَا؟ قَالَ حَمْزَةُ: وَمَنْ أَسْفَهُ مِنْكُمْ؟! تَعْبُدُونَ الْحِجَارَةَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ وَالْوَلِيدُ بْنُ أَبَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو تَقِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} قَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} قَالَ: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ. ¬
سورة الأعراف
سُورَةُ الْأَعْرَافِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} {31} . أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَدْلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ الْوَرَّاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، عَنْ نَصْرِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَدَّادِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً حَتَّى أَنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ، فَتُعَلِّقُ عَلَى سُفْلَتِهَا سُيُورًا مِثْلَ هَذِهِ السُّيُورِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى وُجُوهِ الْحُمُرِ مِنَ الذُّبَابِ وَهِيَ تَقُولُ: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} فَأُمِرُوا بِلُبْسِ الثِّيَابِ. (¬1) - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْعَطَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَعْقِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ¬
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُسْلِمًا الْبَطِينَ يُحَدِّثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ وَعَلَى فَرْجِهَا خِرْقَةٌ وَهِيَ تَقُولُ: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ فَنَزَلَتْ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وَنَزَلَتْ: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} الْآيَتَانِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَمْدُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كَانُوا إِذَا حَجُّوا فَأَفَاضُوا مِنْ مِنًى لَا يَصْلُحُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فِي دِينِهِمُ الَّذِي اشْتَرَعُوا أَنْ يَطُوفَ فِي ثَوْبَيْهِ، فَأَيُّهُمْ طَافَ أَلْقَاهُمَا حَتَّى يَقْضِيَ طَوَافَهُ وَكَانَ أَتْقَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى فيهم: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أُنْزِلَتْ فِي شَأْنِ الَّذِينَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً. قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَأْكُلُونَ مِنَ الطَّعَامِ إِلَّا قُوتًا، وَلَا يَأْكُلُونَ دَسَمًا فِي أَيَّامِ حَجِّهِمْ، يُعَظِّمُونَ بِذَلِكَ حَجَّهُمْ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكُلُوا} أَيِ اللَّحْمَ وَالدَّسَمَ، {وَاشْرَبُوا} قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} الْآيَةَ {175} . قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: نَزَلَتْ فِي بَلْعَمِ بْنِ أَبْرَهَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ ابْنُ ¬
عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ بَلْعَمُ بْنُ بَاعُورَا. وَقَالَ الْوَالِبِيُّ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ مَدِينَةِ الْجَبَّارِينَ يُقَالُ لَهُ بَلْعَمُ، وَكَانَ يَعْلَمُ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَاهُ بَنُو عَمِّهِ وَقَوْمُهُ وَقَالُوا: إِنَّ مُوسَى رَجُلٌ حَدِيدٌ، وَمَعَهُ جُنُودٌ كَثِيرَةٌ. وَإِنَّهُ إِنْ يَظْهَرْ عَلَيْنَا يُهْلِكْنَا، فَادْعُ اللَّهَ يَرُدَّ عَنَّا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ، قَالَ: إِنِّي إِنْ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ذَهَبَتْ دُنْيَايَ وَآخِرَتِي، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ، حَتَّى دَعَا عَلَيْهِمْ، فَسَلَخَهُ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَانْسَلَخَ مِنْهَا} وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: نَزَلَتْ فِي أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ، وَكَانَ قَدْ قَرَأَ الْكُتُبَ وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ مُرْسِلٌ رَسُولًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَرَجَا أَنْ يَكُونَ هُوَ ذَلِكَ الرَّسُولَ، فَلَمَّا أَرْسَلَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَسَدَهُ وَكَفَرَ بِهِ. (¬1) - وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ أُعْطِيَ ثَلَاثَ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُ فِيهَا وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا الْبَسُوسُ، وَكَانَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ وَكَانَتْ لَهُ محبة، فقالت: اجعلت لِي مِنْهَا دَعْوَةً وَاحِدَةً، قَالَ: لَكِ وَاحِدَةٌ فَمَاذَا تَأْمُرِينَ، قَالَتْ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي أَجْمَلَ امْرَأَةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا عَلِمَتْ أَنْ لَيْسَ فِيهِمْ مِثْلُهَا، رَغِبَتْ عَنْهُ وَأَرَادَتْ شَيْئًا آخَرَ، فَدَعَا اللَّهَ عَلَيْهَا أَنْ يَجْعَلَهَا كَلْبَةً نَبَّاحَةً فَذَهَبَتْ فِيهَا دَعْوَتَانِ، وَجَاءَ بَنُوهَا فَقَالُوا: لَيْسَ لَنَا عَلَى هَذَا قَرَارٌ، قَدْ صَارَتْ أُمُّنَا كَلْبَةً نَبَّاحَةً يُعَيِّرُنَا بِهَا النَّاسُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى الْحَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فَدَعَا اللَّهَ فَعَادَتْ كما كانت، وذهب الدَّعَوَاتُ الثَّلَاثُ وَهِيَ الْبَسُوسُ، وَبِهَا يُضْرَبُ الْمَثَلُ فِي الشُّؤْمِ فَيُقَالُ: أَشْأَمُ مِنَ الْبَسُوسِ. ¬
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} {187} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ جَبَلُ بْنُ أَبِي قُشَيْرٍ وَشَمْوَالُ بْنُ زَيْدٍ مِنَ الْيَهُودِ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا مَتَى السَّاعَةُ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا، فَإِنَّا نَعْلَمُ مَتَى هِيَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِمُحَمَّدٍ: إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ قَرَابَةً فَأَسِرَّ إِلَيْنَا مَتَى تَكُونُ السَّاعَةُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ} أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْوَرَّاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبَانَ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ قَرَظَةَ بْنِ حَسَّانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ السَّاعَةِ وَأَنَا شَاهِدٌ، فَقَالَ: "لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ، لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكُمْ بِأَشْرَاطِهَا وَمَا بَيْنَ يَدَيْهَا، إِنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا رَدْمًا مِنَ الْفِتَنِ وَهَرْجًا" فَقِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "هُوَ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْقَتْلُ، وَأَنْ تَجِفَّ قُلُوبُ الناس، وأن يلقى بينهم التناكر فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يَعْرِفُ أَحَدًا، وَيُرْفَعُ ذَوُو الْحِجَى، وَتَبْقَى رَجَاجَةٌ مِنَ النَّاسِ لَا تَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا تُنْكِرُ مُنْكَرًا". قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} الْآيَةَ {188} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَلَا يُخْبِرُكَ رَبُّكَ بِالسِّعْرِ الرَّخِيصِ قَبْلَ أن يغلو فتشري فَتَرْبَحَ؟ وَبِالْأَرْضِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ تَجْدُبَ فَتَرْحَلَ عَنْهَا إِلَى مَا قَدْ أَخْصَبَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} {189 - 191} . إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ¬
{وَهُمْ يُخْلَقُونَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ لَا يعيش لآدم وامرأة وَلَدٌ، فَقَالَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ: إِذَا وُلِدَ لَكُمَا وَلَدٌ، فَسَمِّيَاهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، وَكَانَ اسْمُ الشَّيْطَانِ قَبْلَ ذَلِكَ: الْحَارِثَ، فَفَعَلَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ} الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} {204} . أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْمَنْصُورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ أَخْبَرَنِي أَبِي حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَفْعِ الْأَصْوَاتِ وَهُمْ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي صَلَاتِهِمْ فِي أَوَّلِ مَا فُرِضَتْ، كَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَقُولُ لِصَاحِبِهِ: كَمْ صَلَّيْتُمْ؟ فَيَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: نَزَلَتْ فِي فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كُلَّمَا قَرَأَ شَيْئًا قَرَأَ هُوَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. ¬
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَقَرَأَ أَصْحَابُهُ وَرَاءَهُ رَافِعِينَ أَصْوَاتَهُمْ، فَخَلَطُوا عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَجَمَاعَةٌ: نَزَلَتْ فِي الْإِنْصَاتِ لِلْإِمَامِ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
سورة الأنفال
سُورَةُ الْأَنْفَالِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} الْآيَةَ {1} . أَخْبَرَنَا أبو سعد النصروي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطِيعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ "بَدْرٍ" قُتِلَ أَخِي عُمَيْرٌ وَقَتَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ فَأَخَذْتُ سَيْفَهُ، وَكَانَ يُسَمَّى ذَا الْكَيْفَةِ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "اذْهَبْ فَاطْرَحْهُ فِي الْقَبَضِ"، قَالَ: فَرَجَعْتُ وَبِي مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَتْلِ أَخِي وَأَخْذِ سَلَبِي، فَمَا جَاوَزْتُ إِلَّا قَرِيبًا حَتَّى نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْفَالِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "فَخُذْ سَيْفَكَ". وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬
"مَنْ فَعَلَ كذا وكذا فعله كَذَا وكذا"، فذهب شباب الرِّجَالِ وَجَلَسَ الشُّيُوخُ تَحْتَ الرَّايَاتِ، فَلَمَّا كَانَتِ الغنيمة جاء الشباب يَطْلُبُونَ نَفَلَهُمْ، فَقَالَ الشُّيُوخُ: لَا تَسْتَأْثِرُوا عَلَيْنَا فَإِنَّا كُنَّا تَحْتَ الرايات ولو انهزمتهم لَكُنَّا لَكُمْ رِدْءًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} فَقَسَمَهَا بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى الْأَشْدَقِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: لَمَّا هُزِمَ الْعَدُوُّ يَوْمَ "بَدْرٍ" وَاتَّبَعَتْهُمْ طَائِفَةٌ يَقْتُلُونَهُمْ وَأَحْدَقَتْ طَائِفَةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَاسْتَوْلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَسْكَرِ وَالنَّهْبِ، فَلَمَّا نَفَى اللَّهُ الْعَدُوَّ، وَرَجَعَ الَّذِينَ طَلَبُوهُمْ، قَالُوا: لَنَا النَّفَلُ؛ نَحْنُ طَلَبْنَا الْعَدُوَّ وَبِنَا نَفَاهُمُ اللَّهُ وَهَزَمَهُمْ، وَقَالَ الَّذِينَ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّهِ مَا أَنْتُمْ بِأَحَقَّ بِهِ مِنَّا؛ نَحْنُ أَحْدَقْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنَالُ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً فَهُوَ لَنَا، وَقَالَ الَّذِينَ اسْتَوْلَوْا عَلَى الْعَسْكَرِ وَالنَّهْبِ: وَاللَّهِ مَا أَنْتُمْ بِأَحَقَّ مِنَّا؛ نَحْنُ أَخَذْنَاهُ وَاسْتَوْلَيْنَا عَلَيْهِ فَهُوَ لَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالسَّوِيَّةِ. ¬
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} {17} . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْعَطَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَيَّاعُ قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَقْبَلَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ يَوْمَ أُحُدٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُهُ، فَاعْتَرَضَ لَهُ رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَرَأَى رسول الله صلى عليه وسلم تَرْقُوَةَ أُبَيٍّ مِنْ فُرْجَةٍ بَيْنَ سَابِغَةِ الْبَيْضَةِ وَالدِّرْعِ، فَطَعَنَهُ بِحَرْبَتِهِ فَسَقَطَ أُبَيٌّ عَنْ فَرَسِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ طَعْنَتِهِ دَمٌ، وَكَسَرَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ وَهُوَ يَخُورُ خُوَارَ الثَّوْرِ، فَقَالُوا لَهُ: مَا أَعْجَزَكَ؟ إِنَّمَا هُوَ خَدْشٌ! فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي بِي بِأَهْلِ ذِي الْمَجَازِ لَمَاتُوا أَجْمَعِينَ، فَمَاتَ أُبَيٌّ إِلَى النَّارِ، فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} . (¬2) - وَرَوَى صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ "خَيْبَرَ" دَعَا بِقَوْسٍ، فَأُتِيَ بِقَوْسٍ طَوِيلَةٍ، فَقَالَ: جِيئُونِي بِقَوْسٍ غَيْرِهَا، ¬
فَجَاءُوهُ بِقَوْسٍ كَبْدَاءَ، فَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْحِصْنِ، فَأَقْبَلَ السَّهْمُ يَهْوِي حَتَّى قَتَلَ كِنَانَةَ بْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَمْيِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْقَبْضَةَ مِنْ حَصْبَاءِ الْوَادِي يَوْمَ "بَدْرٍ" حِينَ قَالَ لِلْمُشْرِكِينَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ وَرَمَاهُمْ بِتِلْكَ القبضة، فلم يبق عَيْنُ مُشْرِكٍ إِلَّا دَخَلَهَا مِنْهُ شَيْءٌ. (¬1) - قَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ "بَدْرٍ" سَمِعْنَا صَوْتًا وَقَعَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ كَأَنَّهُ صَوْتُ حَصَاةٍ وَقَعَتْ فِي طَسْتٍ، وَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِلْكَ الْحَصَاةَ فَانْهَزَمْنَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} {19} . أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ التَّاجِرُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ قَالَ: كَانَ الْمُسْتَفْتِحُ أَبَا جَهْلٍ، وَإِنَّهُ قَالَ حِينَ الْتَقَى بِالْقَوْمِ: اللَّهُمَّ أَيُّنَا كَانَ أَقْطَعَ لِلرَّحِمِ وَأَتَانَا بِمَا لَمْ نَعْرِفْ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ، وَكَانَ ذَلِكَ اسْتِفْتَاحَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو ¬
عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الْقَطِيعِيِّ، عَنِ ابْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَعْقُوبَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ حِينَ خَرَجُوا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ أَخَذُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَقَالُوا: اللَّهُمَّ انْصُرْ أَعْلَى الْجُنْدَيْنِ وَأَهْدَى الْفِئَتَيْنِ وَأَكْرَمَ الْحِزْبَيْنِ وَأَفْضَلَ الدِّينَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: اللَّهُمَّ لَا نَعْرِفُ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَافْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِالْحَقِّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا} الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} الْآيَةَ {27} . نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاصَرَ يَهُودَ قُرَيْظَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصُّلْحَ عَلَى مَا صَالَحَ عَلَيْهِ إِخْوَانَهُمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ عَلَى أَنْ يَسِيرُوا إِلَى إِخْوَانِهِمْ بِأَذْرِعَاتٍ وَأَرِيحَا مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَأَبَى أَنْ يعطيهم ذلك إلى أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَبَوْا وَقَالُوا: أَرْسِلْ إِلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ، وَكَانَ مُنَاصِحًا لَهُمْ، لأن عياله وماله وَوَلَدَهُ كَانَتْ عِنْدَهُمْ، فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَاهُمْ فَقَالُوا: يَا أَبَا لُبَابَةَ مَا تَرَى؟ أَنَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ؟ فَأَشَارَ أَبُو لُبَابَةَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ: إِنَّهُ الذَّبْحُ فَلَا تَفْعَلُوا، قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: وَاللَّهِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ حتى علمت أني قَدْ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ شَدَّ نَفْسَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى أَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ فَمَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يَذُوقُ فِيهَا طَعَامًا حَتَّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ قَدْ تِيبَ عَلَيْكَ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَحُلُّ نَفْسِي حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي يَحُلُّنِي، فَجَاءَهُ فَحَلَّهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: إِنَّ مِنْ تَمَامِ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "يَجْزِيكَ الثُّلُثُ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهِ". قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ} الْآيَةَ {32} . قَالَ أَهْلُ
التَّفْسِيرِ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ: إِنْ كَانَ مَا يَقُولُهُ مُحَمَّدٌ حَقًّا فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ. (¬1) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، فَنَزَلَ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} الْآيَةَ {33} . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ ... .} {35} . أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ بْنُ أَبِي عَمْرٍو النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ شَبِيبٍ الْمَعْمَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إبراهيم بن بالوبه قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَيُصَفِّقُونَ، وَوَصَفَ الصَّفْقَ بِيَدِهِ، وَيُصَفِّرُونَ، وَوَصَفَ صَفِيرَهُمْ، وَيَضَعُونَ خُدُودَهُمْ بِالْأَرْضِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} الْآيَةَ {36} . قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي الْمُطْعِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَنُبَيْهُ وَمُنَبِّهُ ابْنَا حجاج وأبو البحتري بْنُ هِشَامٍ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَأُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَزَمْعَةُ بن الأسود والحرث بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ يُطْعِمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ جَرَائِرَ. ¬
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ أَبْزَى: نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، اسْتَأْجَرَ يَوْمَ "أُحُدٍ" أَلْفَيْنِ مِنَ الْأَحَابِيشِ يُقَاتِلُ بِهِمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِوَى مَنِ اسْتَجَابَ لَهُ مِنَ الْعَرَبِ، وَفِيهِمْ يَقُولُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَجِئْنَا إِلَى مَوْجٍ مِنَ الْبَحْرِ وَسْطَهُ أَحَابِيشُ مِنْهُمْ حَاسِرٌ وَمُقَنَّعُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَنَحْنُ نَصِيَّةٌ ثَلَاثُ مِئِينَ إِنْ كَثُرْنَا فَأَرْبَعُ (¬1) - وَقَالَ الْحَكَمُ بن عتيبة: أنقق أَبُو سُفْيَانَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ "أُحُدٍ" أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنَ الذَّهَبِ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ. (¬2) - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ رِجَالِهِ: لَمَّا أُصِيبَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ "بَدْرٍ" فَرَجَعَ فَلُّهُمْ إِلَى مَكَّةَ وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بِعِيرِهِمْ، مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ "بِبَدْرٍ"، فَكَلَّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ تِجَارَةٌ، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ، فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ الَّذِي أَفْلَتَ عَلَى حَرْبِهِ لَعَلَّنَا نُدْرِكُ مِنْهُ ثَأْرًا بِمَنْ أُصِيبَ مِنَّا، فَفَعَلُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ. (¬3) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} {64} . ¬
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ والحارث قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ الْمُغَلِّسِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ أَسْلَمَ فَصَارُوا أَرْبَعِينَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} الْآيَةَ {67 - 69} . قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرَى الرَّأْيَ فَيُوَافِقُ رَأْيَهُ مَا يَجِيءُ مِنَ السَّمَاءِ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَشَارَ فِي أُسَارَى "بَدْرٍ"، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: بَنُو عَمِّكَ
افْدِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْتُلْهُمْ، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: اسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأُسَارَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: قَوْمُكَ وَعَشِيرَتُكَ خَلِّ سَبِيلَهُمْ، وَاسْتَشَارَ عُمَرَ فَقَالَ: اقْتُلْهُمْ، فَفَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} قَالَ: فَلَقِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ فَقَالَ: كَادَ أَنْ يُصِيبَنَا فِي خِلَافِكَ بَلَاءٌ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ "بَدْرٍ" وَجِيءَ بِالْأَسْرَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ الْأَسْرَى؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْمُكَ وَأَهْلُكَ اسْتَبْقِهِمْ وَاسْتَأْنِ بِهِمْ لَعَلَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ عُمَرُ: كَذَّبُوكَ وَأَخْرَجُوكَ فَقَدِّمْهُمْ فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْظُرْ وَادِيًا كَثِيرَ الْحَطَبِ فَأَدْخِلْهُمْ فِيهِ، ثُمَّ أَضْرِمْ عَلَيْهِمْ نَارًا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: قَطَعْتَ رَحِمَكَ. فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُجِبْهُمْ، ثُمَّ دَخَلَ فَقَالَ نَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ نَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ عُمَرَ، وَقَالَ نَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَيُلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنَ اللَّبَنِ، وَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَيُشَدِّدُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنَ الْحِجَارَةِ، وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬2) وَإِنَّ مِثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ عِيسَى قَالَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (¬3) وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ ¬
مُوسَى، قَالَ: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ ... } (¬1) وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ نُوحٍ قَالَ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} (¬2) " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَنْتُمُ الْيَوْمَ عَالَةٌ أَنْتُمُ الْيَوْمَ عَالَةٌ، فَلَا يَنْقَلِبَنَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبِ عُنُقٍ"، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ. (¬3) - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْعَدْلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُوحٍ قُرَادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ أَبُو زُمَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ "بَدْرٍ" وَالْتَقَوْا فَهَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ وَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا وَأُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا اسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةُ وَالْإِخْوَانُ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمُ الْفِدْيَةَ، فَيَكُونَ مَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ قُوَّةً لَنَا عَلَى الْكُفَّارِ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ فَيَكُونُوا لَنَا عَضُدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ"، قَالَ: قُلْتُ وَاللَّهِ مَا أَرَى مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ وَلَكِنْ أَنْ تُمَكِّنَنِي مِنْ فُلَانٍ - قَرِيبٍ لِعُمَرَ - فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَ حَمْزَةَ مِنْ فُلَانٍ أَخِيهِ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ حَتَّى يَعْلَمَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنَّهُ لَيْسَ فِي قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ، هَؤُلَاءِ صَنَادِيدُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ، فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَأَخَذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ؛ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ عُمَرُ: غَدَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَإِذَا هُمَا يَبْكِيَانِ فَقُلْتُ: ¬
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا يُبْكِيكَ أَنْتَ وَصَاحِبُكَ، فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنَ الْفِدَاءِ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنَ الشَّجَرَةِ " - لِشَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ - وَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} مِنَ الْفِدَاءِ {عَذَابٌ عَظِيمٌ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى} الْآيَةَ {70} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَنَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ وَمَعَهُ عِشْرُونَ أُوقِيَّةً مِنَ الذَّهَبِ وَكَانَ خَرَجَ بِهَا مَعَهُ إِلَى بَدْرٍ لِيُطْعِمَ بِهَا النَّاسَ، وَكَانَ أَحَدَ الْعَشَرَةِ الَّذِينَ ضَمِنُوا إِطْعَامَ أَهْلِ بَدْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَلَغَتْهُ النَّوْبَةُ حَتَّى أُسِرَ، فَأُخِذَتْ مِنْهُ وَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ، قَالَ: فَكَلَّمْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْعَلَ لِيَ الْعِشْرِينَ الْأُوقِيَّةَ الذَّهَبَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنِّي فِدَاءً، فَأَبَى عَلَيَّ وَقَالَ: "أَمَّا شَيْءٌ خَرَجْتَ تَسْتَعِينُ بِهِ عَلَيْنَا فَلَا"، وَكَلَّفَنِي فِدَاءَ ابْنِ أَخِي عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عِشْرِينَ أُوقِيَّةً مِنْ فِضَّةٍ، فَقُلْتُ لَهُ: تَرَكْتَنِي وَاللَّهِ أَسْأَلُ قُرَيْشًا بِكَفِّي وَالنَّاسَ مَا بَقِيتُ، قَالَ: "فَأَيْنَ الذَّهَبُ الَّذِي دَفَعْتَهُ إِلَى أُمِّ الْفَضْلِ قَبْلَ مَخْرَجِكَ إِلَى بَدْرٍ وَقُلْتَ لَهَا: إِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فِي وَجْهِي هَذَا فَهُوَ لَكِ وَلِعَبْدِ اللَّهِ وَالْفَضْلِ وَقُثَمَ"؟ قَالَ: قُلْتُ: وَمَا ¬
يُدْرِيكَ؟ قَالَ: "أَخْبَرَنِي اللَّهُ بِذَلِكَ"، قَالَ: أَشْهَدُ إِنَّكَ لَصَادِقٌ وَإِنِّي قَدْ دفعت إليها ذهبا ولم يطلع عليها أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ الْعَبَّاسُ: فَأَعْطَانِي اللَّهُ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنِّي، كَمَا قَالَ: عِشْرِينَ عَبْدًا كُلُّهُمْ يَضْرِبُ بِمَالٍ كَثِيرٍ مَكَانَ الْعِشْرِينَ أُوقِيَّةً، وَأَنَا أَرْجُو الْمَغْفِرَةَ مِنْ رَبِّي.
سورة براءة
سُورَةُ بَرَاءَةَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} {12} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَسَائِرِ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ، وَهُمُ الَّذِينَ هَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} {17} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ لَمَّا أُسِرَ الْعَبَّاسُ يَوْمَ بَدْرٍ أَقْبَلَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَعَيَّرُوهُ بِكُفْرِهِ بِاللَّهِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَأَغْلَظَ عَلِيٌّ لَهُ الْقَوْلَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: مَا لَكُمْ تَذْكُرُونَ مَسَاوِينَا وَلَا تَذْكُرُونَ، مَحَاسِنَنَا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَلَكُمُ مَحَاسِنُ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّا لَنَعْمُرُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامِ، وَنَحْجُبُ الْكَعْبَةَ، وَنَسَقِي الْحَاجَّ، وَنَفُكُّ الْعَانِيَ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - رَدًّا عَلَى الْعَبَّاسِ: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا} الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} الْآيَةَ {19} . أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعَالِبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْوَزَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُنَادِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ ¬
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ الْحَلَبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ أَنْ أَسْقِيَ الْحَاجَّ، وَقَالَ الْآخَرُ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ أَنْ أَعْمُرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَقَالَ آخَرُ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ أَفْضَلُ مِمَّا قُلْتُمْ، فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ وَقَالَ: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ - وَلَكِنِّي إِذَا صَلَّيْتُ دَخَلْتُ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ، فَفَعَلَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيِّ، عَنْ أَبِي تَوْبَةَ. (¬1) - وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ: قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ: لَئِنْ كُنْتُمْ سَبَقْتُمُونَا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ لَقَدْ كُنَّا نَعْمُرُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَنَسَقِي الْحَاجَّ وَنَفُكُّ الْعَانِيَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الْآيَةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالْقُرَظِيُّ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ وَطَلْحَةَ بْنِ شَيْبَةَ وَذَلِكَ أَنَّهُمُ افْتَخَرُوا، فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا صَاحِبُ الْبَيْتِ بِيَدِي مِفْتَاحُهُ وَلَوْ أَشَاءُ بِتُّ فِيهِ وَإِلَيَّ ثِيَابُ بَيْتِهِ، وَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَنَا صَاحِبُ السِّقَايَةِ وَالْقَائِمُ عَلَيْهَا، وَقَالَ عَلِيٌّ: مَا أَدْرِي مَا تَقُولَانِ، لَقَدْ صَلَّيْتُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ قَبْلَ النَّاسِ، وَأَنَا صَاحِبُ الْجِهَادِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَمُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ: قَالَ عَلِيٌّ لِلْعَبَّاسِ: أَلَا تُهَاجِرُ؟ أَلَا ¬
تَلْحَقُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَلَسْتُ فِي شَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الْهِجْرَةِ؟ أَلَسْتُ أَسْقِي حَاجَّ بَيْتِ اللَّهِ وَأَعْمُرُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا} قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ} الْآيَةَ {23 - 24} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ جَعَلَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِأَبِيهِ وَأَخِيهِ وَامْرَأَتِهِ: إِنَّا قَدْ أُمِرْنَا بِالْهِجْرَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُسْرِعُ إِلَى ذَلِكَ وَيُعْجِبُهُ، ومنهم من يتعلق بِهِ زَوْجَتُهُ وَعِيَالُهُ وولده، فيقولون: ناشدناك اللَّهَ أَنْ تَدَعَنَا إِلَى غَيْرِ شَيْءٍ فَنَضِيعَ، فَيَرِقُّ فَيَجْلِسُ مَعَهُمْ وَيَدَعُ الْهِجْرَةَ، فَنَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ} الْآيَةَ. وَنَزَلَ فِي الَّذِينَ تَخَلَّفُوا بِمَكَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرُوا قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} يَعْنِي: الْقِتَالَ وَفَتْحَ مَكَّةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} {34} . نَزَلَتْ فِي الْعُلَمَاءِ وَالْقُرَّاءِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كانوا يأخذون الرشاء مِنْ سِفْلَتِهِمْ، وَهِيَ الْمَآكِلُ الَّتِي كَانُوا يُصِيبُونَهَا مِنْ عَوَامِّهِمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الْآيَةَ {34} . أَخْبَرَنَا أبو إسحاق المقري قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرٍّ فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلَكَ هَذَا؟ قَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقُلْتُ: نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ كَلَامٌ فِي ذَلِكَ، وَكَتَبَ إلى عثمان يشكو مني، وَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَانُ أَنْ أَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَقَدِمْتُهَا، وَكَثُرَ النَّاسُ عَلَيَّ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُثْمَانَ فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ وَكُنْتَ قَرِيبًا،
فَذَلِكَ الَّذِي أَنْزَلَنِي هَذَا الْمَنْزِلَ وَلَوْ أَمَّرُوا عَلَيَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ حُصَيْنٍ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ هُشَيْمٍ. وَالْمُفَسِّرُونَ أَيْضًا مُخْتَلِفُونَ: فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا فِي أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هِيَ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ عَامَّةٌ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} قَالَ: يُرِيدُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النَّجَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ صَدَقَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَافًى قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُرَادِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "تَبًّا لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الْمَالِ نَكْنِزُ؟ قَالَ: "قَلْبًا شَاكِرًا وَلِسَانًا ذَاكِرًا وَزَوْجَةً صَالِحَةً". قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا} الْآيَةَ {38} . نَزَلَتْ فِي الْحَثِّ عَلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ وَغَزْوَةِ حُنَيْنٍ أَمَرَ بِالْجِهَادِ لِغَزْوِ الرُّومِ، وَذَلِكَ فِي زَمَانِ عُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ وَجَدْبٍ مِنَ الْبِلَادِ وَشِدَّةٍ مِنَ الْحَرِّ، حِينَ أَخْرَفَتِ النَّخْلُ وَطَابَتِ الثِّمَارُ، فَعَظُمَ على الناس غزوة الرُّومِ وَأَحَبُّوا الظِّلَالَ وَالْمُقَامَ فِي الْمَسَاكِنِ وَالْمَالِ، وَشَقَّ عَلَيْهِمُ الْخُرُوجُ إِلَى الْقِتَالِ، فَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ تَثَاقُلَ النَّاسِ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} {41} . نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ اعْتَذَرُوا بِالضَّيْعَةِ وَالشُّغْلِ وَانْتِشَارِ الْأَمْرِ، فَأَبَى اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَعْذِرَهُمْ دُونَ أَنْ يَنْفِرُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ
مَطَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَرَأَ أَبُو طَلْحَةَ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} فَقَالَ: مَا أَسْمَعُ اللَّهَ عَذَرَ أَحَدًا، فَخَرَجَ مُجَاهِدًا إِلَى الشَّامِ حَتَّى مَاتَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: جَاءَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ عَظِيمًا سَمِينًا، فَشَكَا إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ، فَنَزَلَتْ فِيهِ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ اشْتَدَّ شَأْنُهَا عَلَى النَّاسِ، فَنَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْزَلَ: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى} الْآيَةَ. ثُمَّ أَنْزَلَ فِي الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا} الْآيَةَ. وَقَوْلَهُ تَعَالَى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَرَجَ ضَرَبَ عَسْكَرَهُ عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَضَرَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ عَسْكَرَهُ عَلَى ذِي جُدَّةَ أَسْفَلَ مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَمْ يَكُنْ بِأَقَلِّ الْعَسْكَرَيْنِ، فَلَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَخَلَّفَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بن أُبيّ بمن تَخَلَّفَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلِ الرَّيْبِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى يُعَزِّي نَبِيَّهُ: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} الْآيَةَ {49} . نَزَلَتْ فِي جَدِّ بْنِ قَيْسٍ الْمُنَافِقِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَجَهَّزَ لِغَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ لَهُ: "يَا أَبَا ¬
وَهْبٍ هَلْ لَكَ فِي جِلَادِ بَنِي الْأَصْفَرِ تَتَّخِذُ مِنْهُمْ سَرَارِيَّ وَوُصَفَاءَ؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي أَنِّي رَجُلٌ مُغْرَمٌ بِالنِّسَاءِ، وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ رَأَيْتُ بَنَاتِ بَنِي الْأَصْفَرِ أَنْ لا أصبر عنهم فَلَا تَفْتِنِّي بِهِمْ وَائْذَنْ لِي فِي الْقُعُودِ عَنْكَ وَأُعِينُكَ بِمَالِي، فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: "قَدْ أَذِنْتُ لَكَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَنِي سَلِمَةَ - وَكَانَ الْجَدُّ مِنْهُمْ -: "مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بَنِي سَلِمَةَ؟ " قَالُوا: الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ غَيْرَ أَنَّهُ بَخِيلٌ جَبَانٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنَ الْبُخْلِ، بَلْ سَيِّدُكُمُ الْأَبْيَضُ الْفَتَى الْجَعْدُ: بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ"، فَقَالَ فِيهِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَالْحَقُّ لَاحِقٌ ... بِمَنْ قَالَ مِنَّا مَنْ تَعُدُّونَ سَيِّدَا فَقُلْنَا لَهُ: جَدُّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى الَّذِي ... نُبَخِّلُهُ فِينَا وَإِنْ كَانَ أَنْكَدَا فَقَالَ وَأَيُّ الدَّاءِ أَدْوَى مِنَ الَّذِي ... رَمَيْتُمْ بِهِ جَدًّا وعالى بها بدا وَسَوَّدَ بِشْرَ بْنَ الْبَرَاءِ بِجُودِهِ ... وَحُقَّ لِبِشْرٍ ذِي النَّدَا أَنْ يُسَوَّدَا إِذَا مَا أَتَاهُ الْوَفْدُ أَنْهَبَ مَالَهُ ... وَقَالَ: خُذُوهُ إِنَّهُ عَائِدٌ غَدَا وَمَا بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ كُلِّهَا لِلْمُنَافِقِينَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} الْآيَةَ {58} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ¬
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ قَسْمًا إِذْ جَاءَهُ ابْنُ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ وَهُوَ حَرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ أَصْلُ الْخَوَارِجِ، فَقَالَ اعْدِلْ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ " فَنَزَلَتْ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} الْآيَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أَبُو الْجَوَّاظِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَقْسِمْ بِالسَّوِيَّةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} . قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} الْآيَةَ. نَزَلَتْ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُؤْذُونَ الرَّسُولَ وَيَقُولُونَ فِيهِ مَا لَا يَنْبَغِي، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَبْلُغَهُ مَا تَقُولُونَ فَيَقَعَ بِنَا: فَقَالَ الْجُلَاسُ بْنُ سُوَيْدٍ نَقُولُ مَا شِئْنَا ثُمَّ نَأْتِيهِ فَيُصَدِّقُنَا بِمَا نَقُولُ، فَإِنَّمَا مُحَمَّدٌ أُذُنٌ سَامِعَةٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ، نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يُقَالُ لَهُ نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ، وَكَانَ رَجُلًا أَدْلَمَ أَحْمَرَ الْعَيْنَيْنِ أَسْفَعَ الْخَدَّيْنِ مُشَوَّهَ الْخِلْقَةِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ الشَّيْطَانَ فَلْيَنْظُرْ إِلَى نَبْتَلِ بْنِ الْحَارِثِ"، وكان ينم حديث النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمُنَافِقِينَ، فَقِيلَ لَهُ: لَا تَفْعَلْ، فَقَالَ: إِنَّمَا مُحَمَّدٌ أُذُنٌ، مَنْ حَدَّثَهُ شَيْئًا صَدَّقَهُ. نَقُولُ مَا شِئْنَا، ثُمَّ نَأْتِيهِ فَنَحْلِفُ لَهُ فَيُصَدِّقُنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: اجْتَمَعَ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِيهِمْ جُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ وَوَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ فَأَرَادُوا أَنْ يَقَعُوا فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُمْ غُلَامٌ مِنَ ¬
الْأَنْصَارِ يُدْعَى: عَامِرَ بْنَ قَيْسٍ فَحَقَّرُوهُ، فَتَكَلَّمُوا وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا لَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ. فَغَضِبَ الْغُلَامُ وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقٌّ وَإِنَّكُمْ لَشَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ، فَدَعَاهُمْ فَسَأَلَهُمْ، فَحَلَفُوا أَنَّ عَامِرًا كَاذِبٌ وَحَلَفَ عَامِرٌ أَنَّهُمْ كَذَبَةٌ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُفَرِّقْ بَيْنَنَا حَتَّى تُبَيِّنَ صِدْقَ الصَّادِقِ مِنْ كَذِبِ الْكَاذِبِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} وَنَزَلَ قَوْلُهُ: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ} الْآيَةَ {64} . قَالَ السُّدِّيُّ: قَالَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي قُدِّمْتُ فَجُلِدْتُ مِائَةً وَلَا يَنْزِلُ فِينَا شَيْءٌ يَفْضَحُنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يَقُولُونَ الْقَوْلَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَقُولُونَ: عَسَى اللَّهُ أَنْ لَا يُفْشِيَ عَلَيْنَا سِرَّنَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} {65} . قَالَ قَتَادَةُ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِذْ قَالُوا: يَرْجُو هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَفْتَحَ قُصُورَ الشَّامِ وَحُصُونَهَا! هَيْهَاتَ لَهُ ذَلِكَ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: "احْبِسُوا عَلَيَّ الرَّكْبَ" فَأَتَاهُمْ فَقَالَ: "قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ " فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - وقال زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ومحمد بن وهب: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ قُرَّائِنَا هَؤُلَاءِ أَرْغَبَ بُطُونًا وَلَا أَكْذَبَ أَلْسُنًا وَلَا أَجْبَنَ عِنْدَ اللِّقَاءِ، يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ: كَذَبْتَ ¬
وَلَكِنَّكَ مُنَافِقٌ لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَذَهَبَ عَوْفٌ لِيُخْبِرَهُ، فَوَجَدَ الْقُرْآنَ قَدْ سَبَقَهُ، فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدِ ارْتَحَلَ وَرَكِبَ نَاقَتَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ وَنَتَحَدَّثُ بِحَدِيثِ الرَّكْبِ نَقْطَعُ بِهِ عَنَّا الطَّرِيقَ. أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَوْزَقِيُّ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْخَيَّاطُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ دَاوُدَ الْمِهْرَجَانِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي يَسِيرٍ قُدَّامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحِجَارَةُ تَنْكُبُهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} ؟. قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} الْآيَةَ {74} . قَالَ الضَّحَّاكُ: خَرَجَ الْمُنَافِقُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى تَبُوكَ، وَكَانُوا إِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ سَبُّوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ وَطَعَنُوا فِي الدِّينِ، فَنَقَلَ مَا قَالُوا حُذَيْفَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "يَا أَهْلَ النِّفَاقِ مَا هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ"؟ فَحَلَفُوا مَا قَالُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ إِكْذَابًا لَهُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلَيْنِ اقْتَتَلَا، رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ وَرَجُلًا مِنْ غِفَارٍ، فَظَهَرَ الْغِفَارِيُّ عَلَى الْجُهَيْنِيِّ، فَنَادَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: يَا بَنِي الْأَوْسِ انْصُرُوا أَخَاكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فَسَمِعَ بِهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا قَالَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} {74} . قَالَ الضَّحَّاكُ: هَمُّوا أَنْ يَدْفَعُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ وَكَانُوا قَوْمًا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يَقْتُلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ
مَعَهُ، يَلْتَمِسُونَ غِرَّتَهُ حَتَّى أَخَذَ فِي عَقَبَةٍ، فَتَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ وَتَأَخَّرَ بَعْضُهُمْ وَذَلِكَ كَانَ لَيْلًا قَالُوا: إِذَا أَخَذَ فِي الْعَقَبَةِ دَفَعْنَاهُ عَنْ رَاحِلَتِهِ فِي الْوَادِي، وَكَانَ قَائِدُهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَسَائِقُهُ حُذَيْفَةَ فَسَمِعَ حُذَيْفَةُ وَقْعَ أَخْفَافِ الْإِبِلِ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِقَوْمٍ مُتَلَثِّمِينَ، فَقَالَ: إِلَيْكُمْ إِلَيْكُمْ يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ؛ فَأَمْسَكُوا، وَمَضَى النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَتَّى نَزَلَ مَنْزِلَهُ الَّذِي أَرَادَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَهُ: {وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} الْآيَةَ {75} . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَطَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بن سهل الحوني قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بن رفاعة السلمي عَنْ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ: أَنَّ ثَعْلَبَةَ بْنَ حَاطِبٍ الْأَنْصَارِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ قَلِيلٌ تُؤَدِّي شُكْرَهُ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لَا تُطِيقُهُ"، ثُمَّ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِثْلَ نَبِيِّ اللَّهِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ تَسِيلَ مَعِيَ الْجِبَالُ فِضَّةً وَذَهَبًا لَسَالَتْ". فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَئِنْ دَعَوْتَ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا لَأُوتِيَنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ ¬
حَقَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "اللَّهُمَّ ارْزُقْ ثَعْلَبَةَ مَالًا"، فَاتَّخَذَ غَنَمًا فَنَمَتْ كَمَا يَنْمُو الدُّودُ، فَضَاقَتْ عَلَيْهِ الْمَدِينَةُ فَتَنَحَّى عَنْهَا، فَنَزَلَ وَادِيًا مِنْ أَوْدِيَتِهَا حَتَّى جَعَلَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي جَمَاعَةٍ وَيَتْرُكُ مَا سِوَاهُمَا، ثُمَّ نَمَتْ وَكَثُرَتْ حَتَّى ترك الصلاة إلى الْجُمُعَةَ، وَهِيَ تَنْمُو كَمَا يَنْمُو الدُّودُ حَتَّى تَرَكَ الْجُمُعَةَ، فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "مَا فَعَلَ ثَعْلَبَةُ؟ " فَقَالُوا: اتَّخَذَ غَنَمًا وَضَاقَتْ عَلَيْهِ الْمَدِينَةُ وَأَخْبَرُوهُ بِخَبَرِهِ، فَقَالَ: "يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ" ثَلَاثًا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وَأَنْزَلَ فَرَائِضَ الصَّدَقَةِ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلَيْنِ عَلَى الصَّدَقَةِ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ وَرَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَكَتَبَ لَهُمَا كَيْفَ يَأْخُذَانِ الصَّدَقَةَ، وَقَالَ لَهُمَا: مُرَّا بِثَعْلَبَةَ وَبِفُلَانٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، فَخُذَا صَدَقَاتِهِمَا، فَخَرَجَا حَتَّى أَتَيَا ثَعْلَبَةَ فَسَأَلَاهُ الصَّدَقَةَ وَأَقْرَآهُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ إِلَّا جِزْيَةٌ، مَا هَذِهِ إِلَّا أُخْتُ الْجِزْيَةِ، مَا أَدْرِي مَا هَذَا؟ انْطَلِقَا حَتَّى تَفْرَغَا ثُمَّ تَعُودَا إِلَيَّ، فَانْطَلَقَا وَأَخْبَرَا السُّلَمِيَّ، فَنَظَرَ إِلَى خِيَارِ أَسْنَانِ إِبِلِهِ فَعَزَلَهَا لِلصَّدَقَةِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُمْ بِهَا، فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: مَا يَجِبُ هَذَا عَلَيْكَ وَمَا نُرِيدُ أَنْ نَأْخُذَهُ مِنْكَ، قَالَ: بَلَى خُذُوهُ فَإِنَّ نَفْسِي بِذَلِكَ طَيِّبَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ إِبِلِي. فَأَخَذُوهَا مِنْهُ، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ صَدَقَتِهَا رَجَعَا حَتَّى مَرَّا بِثَعْلَبَةَ، فَقَالَ: أَرُونِي كِتَابَكُمَا حَتَّى أَنْظُرَ فِيهِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ إِلَّا أُخْتُ الْجِزْيَةِ انْطَلِقَا حَتَّى أَرَى رَأْيِي، فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَلَمَّا رَآهُمَا قَالَ: "يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ" قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمَا، وَدَعَا لِلسُّلَمِيِّ بِالْبَرَكَةِ، فَأَخْبَرُوهُ بِالَّذِي صَنَعَ ثَعْلَبَةُ وَالَّذِي صَنَعَ السُّلَمِيُّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ مِنْ أَقَارِبِ ثَعْلَبَةَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى ثَعْلَبَةَ فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ كَذَا وَكَذَا، فَخَرَجَ ثَعْلَبَةُ حَتَّى أَتَى النبيّ عليه الصلاة والسلام فَسَأَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ صَدَقَتَهُ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ مَنَعَنِي أَنْ أَقْبَلَ مِنْكَ صَدَقَتَكَ"، فَجَعَلَ يَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "هَذَا عَمَلُكَ، قَدْ أَمَرْتُكَ فَلَمْ تُطِعْنِي"، فَلَمَّا
أَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ شَيْئًا، ثُمَّ أَتَى أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ اسْتُخْلِفَ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ مَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَوْضِعِي مِنَ الْأَنْصَارِ فَاقْبَلْ صَدَقَتِي، فَقَالَ: لَمْ يَقْبَلْهَا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا أَقْبَلُهَا؟ فَقُبِضَ أَبُو بَكْرٍ وَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْبَلْ صَدَقَتِي، فَقَالَ: لَمْ يَقْبَلْهَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَا أَبُو بَكْرٍ أَنَا أَقْبَلُهَا مِنْكَ؟ فَلَمْ يَقْبَلْهَا، وَقُبِضَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ وَلِيَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ صَدَقَتَهُ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْبَلْهَا وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ وَأَنَا أَقْبَلُهَا مِنْكَ؟ فَلَمْ يَقْبَلْهَا عُثْمَانُ، فَهَلَكَ ثَعْلَبَةُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} الْآيَةَ {79} . أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَالِكِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ فَقَالُوا: مُرَائِي، وجاء رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ، فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَاعِ هَذَا، فَنَزَلَتْ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي قُدَامَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ. ¬
(¬1) - وَقَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: حَثَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّدَقَةِ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي ثَمَانِيَةُ آلَافٍ جِئْتُكَ بِنِصْفِهَا فَاجْعَلْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمْسَكْتُ نِصْفَهَا لِعِيَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَفِيمَا أَمْسَكْتَ"، فَبَارَكَ اللَّهُ فِي مَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى أَنَّهُ خَلَّفَ امْرَأَتَيْنِ يَوْمَ مَاتَ، فَبَلَغَ ثُمُنُ مَالِهِ لَهُمَا مِائَةً وَسِتِّينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَتَصَدَّقَ يَوْمَئِذٍ عَاصِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْعَجْلَانِ بِمِائَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، "وَجَاءَ أَبُو عُقَيْلٍ الْأَنْصَارِيُّ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِتُّ لَيْلَتِي أَجُرُّ بِالْجَرِيرِ الْمَاءَ حَتَّى نِلْتُ صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ، فَأَمْسَكْتُ أَحَدَهُمَا لِأَهْلِي وَأَتَيْتُكَ بِالْآخَرِ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْثُرَهُ فِي الصَّدَقَاتِ، فَلَمَزَهُمُ الْمُنَافِقُونَ وَقَالُوا: مَا أَعْطَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَاصِمٌ إِلَّا رِيَاءً، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ غَنِيَّيْنِ عَنْ صَاعِ أَبِي عُقَيْلٍ، وَلَكِنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَذْكُرَ نَفْسَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} {84} . حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ إِمْلَاءً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ عَاصِمٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ¬
قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ جَاءَ ابْنُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَالَ: أَعْطِنِي قَمِيصَكَ حَتَّى أُكَفِّنَهُ فِيهِ وأصلي عَلَيْهِ وَاسْتَغْفِرْ لَهُ، فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ ثُمَّ قَالَ: "آذِنِّي حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهِ"، فَآذَنَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَذَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ؟ فَقَالَ: "أَنَا بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: أَسْتَغْفِرُ لَهُمْ أَوْ لَا أَسْتَغْفِرُ". ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} فَتَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي قُدَامَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. (¬1) - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النَّصْرَابَاذِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ تَحَوَّلْتُ حَتَّى قُمْتُ فِي صَدْرِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَى عَدُوِّ اللَّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ الْقَائِلِ يَوْمَ كَذَا: وكذا وَكَذَا؟ أُعَدِّدُ أَيَّامَهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْتَسِمُ، حَتَّى إِذَا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ: ¬
"أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ، إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، قَدْ قِيلَ لِي: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} لَوْ عَلِمْتُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ" قَالَ: ثُمَّ صَلَّى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَشَى مَعَهُ، فَقَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى فُرِغَ مِنْهُ قَالَ: فَعَجِبْتُ لِي وَجَرَاءَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا كَانَ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} الْآيَةَ. فَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ عَلَى مُنَافِقٍ، وَلَا قَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ. وَكُلِّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا فُعِلَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَقَالَ: "وَمَا يُغْنِي عَنْهُ قَمِيصِي وَصَلَاتِي مِنَ اللَّهِ؟ وَاللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يُسْلِمَ بِهِ أَلْفٌ مِنْ قَوْمِهِ". قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} {92} . نَزَلَتْ فِي الْبَكَّائِينَ وَكَانُوا سَبْعَةً: مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ وَصَخْرُ بْنُ خُنَيْسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كعب الأنصاري وعلبة بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَسَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ نَدَبَنَا لِلْخُرُوجِ مَعَكَ، فَاحْمِلْنَا عَلَى الْخِفَافِ الْمَرْقُوعَةِ وَالنِّعَالِ الْمَخْصُوفَةِ نَغْزُو مَعَكَ، فَقَالَ: "لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ"، فَتَوَلَّوْا وَهُمْ يَبْكُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي بَنِي مُقَرِّنٍ: مَعْقِلٍ وَسُوَيْدٍ وَالنُّعْمَانِ (¬1) قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} {97} . نَزَلَتْ فِي أَعَارِيبَ مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ، وَأَعَارِيبَ مِنْ أَعْرَابِ حَاضِرِي الْمَدِينَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ} {101} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي جُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ وَأَشْجَعَ وَأَسْلَمَ وَغِفَارٍ {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} يَعْنِي ¬
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَجَدَّ بْنَ قَيْسٍ، وَمُعَتِّبَ بْنَ قُشَيْرٍ وَالْجُلَاسَ بْنَ سُوَيْدٍ، وَأَبَا عَامِرٍ الرَّاهِبَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} {102، 103} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا قَدْ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ثُمَّ نَدِمُوا عَلَى ذَلِكَ، وَقَالُوا: نَكُونُ فِي الْكِنِّ وَالظِّلَالِ مَعَ النِّسَاءِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ فِي الْجِهَادِ، وَاللَّهِ لَنُوَثِّقَنَّ أَنْفُسَنَا بِالسَّوَارِي فَلَا نُطْلِقُهَا حَتَّى يَكُونَ الرَّسُولُ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُنَا وَيَعْذِرُنَا، وَأَوْثَقُوا أَنْفُسَهُمْ بِسَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِهِمْ فَرَآهُمْ، فَقَالَ: "مَنْ هَؤُلَاءِ؟ " قَالُوا: هَؤُلَاءِ تَخَلَّفُوا عَنْكَ، فَعَاهَدُوا اللَّهَ أَنْ لَا يُطْلِقُوا أَنْفُسَهُمْ حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ الَّذِي تُطْلِقُهُمْ وَتَرْضَى عَنْهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "وَأَنَا أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَا أُطْلِقُهُمْ وَلَا أَعْذِرُهُمْ حَتَّى أُومَرَ بإطلاقهم، رغبوا عني وتخلفوا عَنِ الْغَزْوِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَهُمْ وَعَذَرَهُمْ، فَلَمَّا أَطْلَقَهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ أَمْوَالُنَا الَّتِي خَلَّفَتْنَا عَنْكَ فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنَّا وَطَهِّرْنَا وَاسْتَغْفِرْ لَنَا، فَقَالَ: "مَا أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئًا"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} الآية. وقال ابن عباس: كانوا عشرة رهط. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} الْآيَةَ {106} . نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَمُرَارَةَ بْنِ الرَّبِيعِ أَحَدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ مِنْ بَنِي وَاقِفٍ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهُمُ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} الْآيَةَ. ¬
[260] قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً..... [107، 108] . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ اتَّخَذُوا مَسْجِدَ قُبَاءَ وَبَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْتِيَهُمْ، فَأَتَاهُمْ فَصَلَّى فِيهِ، فحسدهم إخوتهم بنوغُنم بْنِ عَوْفٍ، وَقَالُوا: نَبْنِي مَسْجِدًا وَنُرْسِلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصَلِّيَ فِيهِ كَمَا صَلَّى فِي مَسْجِدِ إِخْوَانِنَا، وَلْيُصَلِّ فِيهِ أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ إِذَا قَدِمَ مِنَ الشَّامِ، وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ قَدْ تَرَهَّبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَتَنَصَّرَ وَلَبِسَ الْمُسُوحَ، وَأَنْكَرَ دِينَ الْحَنِيفِيَّةِ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَعَادَاهُ، وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَبَا عَامِرٍ الْفَاسِقَ، وَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ وَأَرْسَلَ إِلَى الْمُنَافِقِينَ أَنْ اسْتَعِدُّوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَسِلَاحٍ، وَابْنُوا لِي مَسْجِدًا فَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى قَيْصَرَ فَآتِي بِجُنْدِ الرُّومِ، فَأُخْرِجُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَبَنَوْا لَهُ مَسْجِدًا إِلَى جَنْبِ مَسْجِدِ قُبَاءَ، وَكَانَ الَّذِينَ بَنَوْهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا: خِذَامُ بْنُ خَالِدٍ، وَمِنْ دَارِهِ أَخْرَجَ مَسْجِدَ الشِّقَاقِ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ وَأَبُو حَبِيبَةَ بْنُ الْأَزْعَرِ وَعَبَّادُ بْنُ حُنَيْفٍ وَجَارِيَةُ بْنُ عَمْرٍو وَابْنَاهُ مُجَمِّعٌ وَزَيْدٌ وَنَبْتَلُ بْنُ حَارِثٍ وَبَحْزَجٌ وَبِجَادُ بْنُ عُثْمَانَ وَوَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْهُ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللَّيْلَةِ المطيرة والليلة الشانية، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنَا فَتُصَلِّيَ لَنَا فِيهِ، فَدَعَا بِقَمِيصِهِ لِيَلْبَسَهُ فَيَأْتِيَهُمْ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَأَخْبَرَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - خَبَرَ مَسْجِدِ الضِّرَارِ وَمَا هَمُّوا بِهِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالِكَ بْنَ الدُّخْشُمِ وَمَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ وَعَامِرَ بْنَ السَّكَنِ وحشيًّا قَاتِلَ حَمْزَةَ، وَقَالَ لَهُمْ: انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الظَّالِمِ أَهْلُهُ فَاهْدِمُوهُ وَأَحْرِقُوهُ، فَخَرَجُوا وَانْطَلَقَ مَالِكٌ وَأَخَذَ سَعَفًا مِنَ النَّخْلِ فَأَشْعَلَ فِيهِ نَارًا، ثُمَّ دَخَلُوا الْمَسْجِدَ وَفِيهِ أَهْلُهُ فَحَرَّقُوهُ وَهَدَمُوهُ وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَهْلُهُ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُتَّخَذَ ذَلِكَ كُنَاسَةً ¬
تُلْقَى فِيهَا الْجِيَفُ وَالنَّتْنُ وَالْقُمَامَةُ، وَمَاتَ أَبُو عَامِرٍ بِالشَّامِ وَحِيدًا غَرِيبًا. (¬1) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِيكَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْأَهْوَازِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهَا قَالَ: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ عَرَضُوا المسجد يبنونه ليضاهؤا بِهِ مَسْجِدَ قُبَاءَ - وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ - لِأَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبِ يَرْصُدُونَهُ إِذَا قَدِمَ لِيَكُونَ إِمَامَهُمْ فِيهِ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ بِنَائِهِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ بَنَيْنَا مَسْجِدًا فَصَلِّ فِيهِ حَتَّى نَتَّخِذَهُ مُصَلًّى، فَأَخَذَ ثَوْبَهُ لِيَقُومَ مَعَهُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} الْآيَةَ {111} . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: لَمَّا بَايَعَتِ الْأَنْصَارُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ بِمَكَّةَ وَهُمْ سَبْعُونَ نَفْسًا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْتَرِطْ لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ، فَقَالَ: "أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ"، قَالُوا: فَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ فَمَاذَا لَنَا؟ قَالَ: "الْجَنَّةُ". قَالُوا: رَبِحَ الْبَيْعُ لَا نُقِيلُ وَلَا نَسْتَقِيلُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} {113، 114} . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشِّيرَازِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَمِيرُوَيْهِ الْهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دخل عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ أَبُو ¬
جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ فَقَالَ: "أَيْ عَمِّ قُلْ مَعِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ"، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَابْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ"، فَنَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو النَّيْسَابُورِيُّ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُؤَمَّلٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا اشْتَكَى أَبُو طَالِبٍ شَكْوَاهُ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا، قَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَرْسِلْ إِلَى ابْنِ أَخِيكَ، فَيُرْسِلَ إِلَيْكَ مِنْ هَذِهِ الْجَنَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا تَكُونُ لَكَ شِفَاءً، فَخَرَجَ الرَّسُولُ حَتَّى وَجَدَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ جَالِسًا مَعَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ عَمَّكَ يَقُولُ لَكَ إِنِّي كَبِيرٌ ضَعِيفٌ سَقِيمٌ، فَأَرْسِلْ إِلَيَّ مِنْ جَنَّتِكَ هَذِهِ الَّتِي تَذْكُرُ مِنْ طَعَامِهَا وَشَرَابِهَا شَيْئًا يَكُونُ لِي فِيهِ شِفَاءٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا عَلَى الْكَافِرِينَ، فَرَجَعَ إِلَيْهِمُ الرَّسُولُ، فَقَالَ: بَلَّغْتُ مُحَمَّدًا الَّذِي أَرْسَلْتُمُونِي بِهِ فَلَمْ يُحْرِ إِلَيَّ شَيْئًا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا عَلَى الْكَافِرِينَ، فَحَمَلُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى أَرْسَلَ رَسُولًا مِنْ عِنْدِهِ، فَوَجَدَ الرَّسُولَ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْكَافِرِينَ طَعَامَهَا وَشَرَابَهَا"، ثُمَّ قَامَ فِي إِثْرِ الرَّسُولِ حَتَّى دَخَلَ مَعَهُ بَيْتَ أَبِي طَالِبٍ، فَوَجَدَهُ مَمْلُوءًا رِجَالًا فَقَالَ: "خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ عَمِّي"، فَقَالُوا: مَا نَحْنُ بِفَاعِلِينَ مَا أَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مِنَّا إِنْ كَانَتْ لَكَ قَرَابَةٌ، فَلَنَا قَرَابَةٌ مِثْلُ قَرَابَتِكَ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ: "يَا عَمِّ جُزِيتَ عَنِّي خَيْرًا كَفَلْتَنِي صَغِيرًا وَحُطْتَنِي كَبِيرًا
جُزِيتَ عَنِّي خَيْرًا، يَا عَمِّ أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَشْفَعُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، قَالَ: وَمَا هِيَ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: "قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ"، فَقَالَ: إِنَّكَ لِي نَاصِحٌ وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرُنِي قُرَيْشٌ عَنْهُ فَيُقَالُ: جَزِعَ عَمُّكَ مِنَ الْمَوْتِ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ، قَالَ: فَصَاحَ الْقَوْمُ: يَا أَبَا طالب أن رَأْسُ الْحَنِيفِيَّةِ مِلَّةِ الْأَشْيَاخِ، فَقَالَ: لَا تُحَدِّثُ نِسَاءُ قُرَيْشٍ أَنَّ عَمَّكَ جَزِعَ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لَا أَزَالُ أَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي حَتَّى يَرُدَّنِي"، فاستغفر له بعد ما مَاتَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ مَا يَمْنَعُنَا أَنْ نَسْتَغْفِرَ لِآبَائِنَا وَلِذِي قَرَابَاتِنَا قَدِ اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ، وَهَذَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَغْفِرُ لِعَمِّهِ، فَاسْتَغْفَرُوا لِلْمُشْرِكِينَ حَتَّى نَزَلَ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأُمَوِيُّ، حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ فِي الْمَقَابِرِ وَخَرَجْنَا مَعَهُ فَأَمَرَنَا فَجَلَسْنَا، ثُمَّ تَخَطَّى الْقُبُورَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَبْرٍ مِنْهَا ¬
فَنَاجَاهُ طَوِيلًا ثُمَّ ارْتَفَعَ نَحِيبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاكِيًا، فَبَكَيْنَا لِبُكَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ إِنَّهُ أَقْبَلَ إِلَيْنَا فَتَلَقَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الَّذِي أَبْكَاكَ؟ فَقَدْ أَبْكَانَا وَأَفْزَعَنَا! فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْنَا فَقَالَ: "أَفْزَعَكُمْ بُكَائِي؟ " فَقُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "إِنَّ الْقَبْرَ الَّذِي رَأَيْتُمُونِي أُنَاجِي فِيهِ قَبْرُ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، وَإِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي زِيَارَتِهَا فَأَذِنَ لِي فِيهِ وَاسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي الِاسْتِغْفَارِ لَهَا فَلَمْ يَأْذَنْ لِي فِيهِ"، وَنَزَلَ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} "فَأَخَذَنِي مَا يَأْخُذُ الْوَلَدَ لِلْوَالِدَةِ مِنَ الرِّقَّةِ، فَذَلِكَ الَّذِي أَبْكَانِي". قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} {122} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عُيُوبَ الْمُنَافِقِينَ لِتَخَلُّفِهِمْ عَنِ الْجِهَادِ قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: وَاللَّهِ لَا نَتَخَلَّفُ عَنْ غَزْوَةٍ يَغْزُوهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا سَرِيَّةٍ أَبَدًا، فَلَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالسَّرَايَا إِلَى الْعَدُوِّ نَفَرَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا وَتَرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ بِالْمَدِينَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
سورة يونس
سُورَةُ يُونُسَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ} الْآيَةَ {2} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولًا أَنْكَرَتْ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ، وَقَالُوا: اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُ بَشَرًا مِثْلَ مُحَمَّدٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} الْآيَةَ {15} . قَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ. قال مُقَاتِلٌ: وَهُمْ خَمْسَةُ نَفَرٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَمُكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قيس العامري والعاص بْنُ عَامِرٍ قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ائْتِ بِقُرْآنٍ لَيْسَ فِيهِ تَرْكُ عِبَادَةِ اللَّاتِ وَالْعُزَّى. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ، قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا فِيهِ مَا نَسْأَلُكَ. ¬
سورة هود
سُورَةُ هُودٍ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} الْآيَةَ {5} . نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شُرَيْقٍ، وَكَانَ رَجُلًا حُلْوَ الْكَلَامِ حُلْوَ الْمَنْظَرِ، يَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يحب ويطوي بقبله مَا يَكْرَهُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ يُجَالِسُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُظْهِرُ لَهُ أَمْرًا يَسُرُّهُ وَيُضْمِرُ فِي قَلْبِهِ خِلَافَ مَا يُظْهِرُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} يَقُولُ يُكْمِنُونَ مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} الْآيَةَ {114} . أَخْبَرَنَا الأستاذ أبو منصورالبغدادي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ ¬
يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ والأسود، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أن آتيها، وأنا هَذَا فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا، فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فأتبعه رجلا ودعاه فَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً؟ قَالَ: "لَا، بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً". رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ. (¬1) - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ قُبْلَةً فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِلَيَّ هَذِهِ؟ قَالَ: "لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي". (¬2) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ¬
الْأُمَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَوْهِبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي الْيَسَرِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَتَتْنِي امْرَأَةٌ وَزَوْجُهَا بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْثٍ، فَقَالَتْ: بِعْنِي بِدِرْهَمٍ تَمْرًا، قَالَ: فَأَعْجَبَتْنِي، فَقُلْتُ: إِنَّ فِي الْبَيْتِ تَمْرًا هُوَ أَطْيَبُ مِنْ هَذَا فَالْحَقِينِي، فَغَمَزْتُهَا وَقَبَّلْتُهَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْأَمْرَ، فَقَالَ: "خُنْتَ رَجُلًا غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي أَهْلِهِ بِهَذَا؟! " وَأَطْرَقَ عَنِّي فَظَنَنْتُ أَنِّي مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لِي أَبَدًا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} الْآيَةَ. فَأَرْسَلَ إِلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَلَاهَا عَلَيَّ. (¬1) - أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ بَكْرِ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّجْزِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَعُبَيْدُ الله بن العاصم وَاللَّفْظُ لِعَلِيٍّ قَالُوا: أَخْبَرَنَا بن سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَةً جَاءَتْنِي تُبَايِعُنِي فَأَدْخَلْتُهَا الدَّوْلَجَ، فَأَصَبْتُ مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الْجِمَاعَ، فَقَالَ: وَيْحَكَ بَعْلُهَا مُغَيَّبٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قُلْتُ: أَجَلْ، قَالَ: ائْتِ أَبَا بَكْرٍ فَأَتَاهُ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ لِعُمَرَ وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: ائْتِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسله، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "بَعْلُهَا مُغَيَّبٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ " فَقَالَ: نَعَمْ، فَسَكَتَ عَنْهُ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلِي خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ فَضَرَبَ عُمَرُ صَدْرَهُ وَقَالَ: لَا وَلَا نَعْمَةَ عَيْنٍ وَلَكِنْ لِلنَّاسِ عَامَّةً، ¬
فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: "صَدَقَ عُمَرُ". (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ كَانَ قَاعِدًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا يُصِيبُهُ الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ إِلَّا قَدْ أَصَابَهُ مِنْهَا إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا، فَقَالَ: "تَوَضَّأْ وُضُوءًا حَسَنًا ثُمَّ قُمْ فَصَلِّ"، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} إِلَى آخِرِهَا، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: أَهِيَ لَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ فَقَالَ: "بَلْ هِيَ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً". (¬2) - أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى السِّينَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ أَصَبْتُ مِنِ امْرَأَةٍ غَيْرَ أَنِّي لَمْ آتِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . ¬
سورة يوسف
سُورَةُ يُوسُفَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} الْآيَةَ {3} . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْمُسْتَفَاضِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ مُسْلِمٍ الصَّفَّارُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَلَاهُ عَلَيْهِمْ زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ قَصَصْتَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} إِلَى قَوْلِهِ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} الْآيَةَ، فَتَلَاهُ عَلَيْهِمْ زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ حَدَّثْتَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} (¬2) قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ تُؤْمَرُونَ بِالْقُرْآنِ. ¬
رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. (¬1) - وَقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: مَلَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ مَلَّةً فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} الْآيَةَ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُمْ مَلُّوا مَلَّةً أُخْرَى فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوْقَ الْحَدِيثِ وَدُونَ الْقُرْآنِ، يَعْنُونَ الْقَصَصَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} فَأَرَادُوا الْحَدِيثَ فَدَلَّهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْحَدِيثِ، وَأَرَادُوا الْقَصَصَ فَدَلَّهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْقَصَصِ. ¬
سورة الرعد
سُورَةُ الرَّعْدِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} {13} . أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ الْوَاعِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي سَارَةَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ رَجُلًا مَرَّةً إِلَى رَجُلٍ مِنْ فَرَاعِنَةِ الْعَرَبِ، فَقَالَ: "اذْهَبْ فَادْعُهُ لِي"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ أَعْتَى مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "اذْهَبْ فَادْعُهُ لِي"، قَالَ: فَذَهَبَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَدْعُوكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: وَمَا اللَّهُ أَمِنْ ذَهَبٍ هُوَ أَوْ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ مِنْ نُحَاسٍ؟ قَالَ فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ، وَقَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ أَعْتَى مِنْ ذَلِكَ، قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: "ارْجِعْ إِلَيْهِ الثَّانِيَةَ فَادْعُهُ"، فرجع إليه، فعاد عَلَيْهِ مِثْلَ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ، فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: "ارْجِعْ إِلَيْهِ"، فَرَجَعَ الثَّالِثَةَ فَأَعَادَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْكَلَامَ، فَبَيْنَا هُوَ يُكَلِّمُنِي إِذْ بُعِثَتْ إِلَيْهِ سَحَابَةٌ حِيَالَ رَأْسِهِ فَرَعَدَتْ فَوَقَعَتْ مِنْهَا صَاعِقَةٌ فَذَهَبَتْ بِقِحْفِ رَأْسِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} ¬
(¬1) - وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَابْنِ زَيْدٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَالَّتِي قَبْلَهَا فِي عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ وَأَرْبَدَ بْنِ رَبِيعَةَ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا أَقْبَلَا يُرِيدَانِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَكَ، فَقَالَ: "دَعْهُ فَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يَهْدِهِ"، فَأَقْبَلَ حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يا محمد مالي إِنْ أَسْلَمْتُ؟ قَالَ: "لَكَ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ"، قَالَ: تَجْعَلُ لِيَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِكَ؟ قَالَ: "لَا، لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيَّ إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ يَجْعَلُهُ حَيْثُ يَشَاءُ"، قَالَ: فَتَجْعَلُنِي عَلَى الْوَبَرِ وَأَنْتَ عَلَى الْمَدَرِ؟، قَالَ: "لَا"، قَالَ: فَمَاذَا تَجْعَلُ لِي؟ قَالَ: "أَجْعَلُ لَكَ أَعِنَّةَ الْخَيْلِ تَغْزُو عليها"، قال: أو ليس ذَلِكَ إِلَيَّ الْيَوْمَ؟ وَكَانَ أَوْصَى إِلَى أَرْبَدَ بْنِ رَبِيعَةَ إِذَا رَأَيْتَنِي أُكَلِّمُهُ فَدُرْ مِنْ خَلْفِهِ وَاضْرِبْهُ بِالسَّيْفِ، فَجَعَلَ يُخَاصِمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُرَاجِعُهُ، فَدَارَ أَرْبَدُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَضْرِبَهُ، فَاخْتَرَطَ مِنْ سَيْفِهِ شِبْرًا ثُمَّ حَبَسَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى سَلِّهِ، وجعل عامر يوميء إِلَيْهِ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى أَرْبَدَ وَمَا يَصْنَعُ بِسَيْفِهِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمَا بِمَا شِئْتَ"، فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَرْبَدَ صَاعِقَةً فِي يَوْمٍ صَائِفٍ صَاحَ فَأَحْرَقَتْهُ، وَوَلَّى عَامِرٌ هَارِبًا وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ دَعَوْتَ رَبَّكَ فَقَتَلَ أَرْبَدَ، وَاللَّهِ لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلًا جُرْدًا وَفِتْيَانًا مُرْدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "يَمْنَعُكَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ وَأَبْنَاءُ قَيْلَةَ" - يُرِيدُ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ - فَنَزَلَ عَامِرٌ بَيْتَ امْرَأَةٍ سَلُولِيَّةٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ضَمَّ عَلَيْهِ سِلَاحَهُ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ أَصْحَرَ مُحَمَّدٌ إِلَيَّ وَصَاحِبُهُ - يَعْنِي مَلَكَ الْمَوْتِ - لِأُنْفِذَنَّهُمَا بِرُمْحِي، فَلَمَّا رَأَى تَعَالَى ذَلِكَ مِنْهُ أَرْسَلَ مَلَكًا فَلَطَمَهُ بِجَنَاحَيْهِ فَأَذْرَاهُ فِي التُّرَابِ، وَخَرَجَتْ عَلَى رُكْبَتِهِ غُدَّةٌ فِي الْوَقْتِ عَظِيمَةٌ ¬
كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ، فَعَادَ إِلَى بَيْتِ السَّلُولِيَّةِ وَهُوَ يَقُولُ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ وَمَوْتٌ فِي بَيْتِ السَّلُولِيَّةِ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ هَذِهِ الْقِصَّةَ: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} حَتَّى بَلَغَ {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} {30} . قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: نَزَلَتْ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ أَرَادُوا كِتَابَ الصُّلْحِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَلِيٍّ: "اكْتُبُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَالْمُشْرِكُونَ: مَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ إِلَّا صَاحِبَ الْيَمَامَةِ، يَعْنُونَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ، اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، وَهَكَذَا كَانَتْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَكْتُبُونَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ: نَزَلَتْ فِي كُفَّارِ قُرَيْشٍ حِينَ قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا ... } الْآيَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ: قُلْ لَهُمْ إِنَّ الرَّحْمَنَ الَّذِي أَنْكَرْتُمْ مَعْرِفَتَهُ {هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} الْآيَةَ {31} . أَخْبَرَنَا ¬
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ الْأَيْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عَطَاءٍ مَوْلَاةِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ: سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ يَقُولُ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزْعُمُ أَنَّكَ نَبِيٌّ يُوحَى إِلَيْكَ، وَأَنَّ سُلَيْمَانَ سخر لَهُ الرِّيحُ وَالْجِبَالُ، وَأَنَّ مُوسَى سُخِّرَ لَهُ الْبَحْرُ، وَأَنَّ عِيسَى كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى فَادْعُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُسَيِّرَ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ وَيُفَجِّرَ لَنَا الْأَرْضَ أَنْهَارًا فَنَتَّخِذَهَا مَحَارِثَ فَنَزْرَعَ وَنَأْكُلَ، وَإِلَّا فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحْيِيَ لَنَا مَوْتَانَا فَنُكَلِّمَهُمْ وَيُكَلِّمُونَا، وَإِلَّا فَادْعُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُصَيِّرَ هَذِهِ الصَّخْرَةَ الَّتِي تَحْتَكَ ذَهَبًا فَنَنْحِتَ مِنْهَا وَتُغْنِيَنَا عَنْ رِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَإِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ كَهَيْئَتِهِمْ، فَبَيْنَا نَحْنُ حَوْلَهُ إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ أَعْطَانِي مَا سَأَلْتُمْ وَلَوْ شِئْتُ لَكَانَ، وَلَكِنَّهُ خَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ تَدْخُلُوا مِنْ بَابِ الرَّحْمَةِ فَيُؤْمِنَ مُؤْمِنُكُمْ، وَبَيْنَ أَنْ يَكِلَكُمْ إِلَى مَا اخْتَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَتَضِلُّوا عَنْ بَابِ الرَّحْمَةِ وَلَا يُؤْمِنُ مُؤْمِنُكُمْ فَاخْتَرْتُ بَابَ الرَّحْمَةِ وَأَنْ يُؤْمِنَ مُؤْمِنُكُمْ، وَأَخْبَرَنِي إِنْ أَعْطَاكُمْ ذَلِكَ، ثُمَّ كَفَرْتُمْ أَنَّهُ مُعَذِّبُكُمْ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ"، فَنَزَلَتْ: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} حَتَّى قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ وَنَزَلَتْ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا} {38} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: عَيَّرَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ: مَا نَرَى لِهَذَا الرَّجُلِ هِمَّةً إِلَّا النِّسَاءَ وَالنِّكَاحَ، وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا كَمَا زَعَمَ لَشَغَلَهُ أَمْرُ النُّبُوَّةِ عَنِ النِّسَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
سورة الحجر
سُورَةُ الْحِجْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} {24} . أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ الْوَاعِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الرَّازِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ الطَّاحِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ تُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ فِي آخِرِ النِّسَاءِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَقَدَّمُ إِلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِئَلَّا يَرَاهَا، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَكُونُ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ فَإِذَا رَكَعَ قَالَ هَكَذَا، وَنَظَرَ مِنْ تَحْتِ إِبِطِهِ، فَنَزَلَتْ: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} ¬
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: حَرَّضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الصَّلَاةِ، فَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَكَانَ بَنُو عُذْرَةَ دُورُهُمْ قَاصِيَةٌ عَنِ الْمَسْجِدِ، فَقَالُوا: نَبِيعُ دُورَنَا وَنَشْتَرِي دُورًا قَرِيبَةً مِنَ الْمَسْجِدِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ} {47} . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْعَدْلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ الْفَحَّامُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ إِنَّ فُلَانًا حَدَّثَنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رضي الله عنهما أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهَا لَفِيهِمْ نَزَلَتْ وَفِيمَنْ تَنْزِلُ إِلَّا فِيهِمْ؟، قُلْتُ: وَأَيُّ غِلٍّ هُوَ؟ قَالَ: غِلُّ الْجَاهِلِيَّةِ، إِنَّ بَنِي تَيْمٍ وَعَدِيٍّ وَبَنِي هَاشِمٍ كَانَ بَيْنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ غِلٌّ، فَلَمَّا أَسْلَمَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ تَحَابُّوا فَأَخَذَتْ أَبَا بَكْرٍ الْخَاصِرَةُ، فَجَعَلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُسَخِّنُ يَدَهُ فَيُكَمِّدُ بِهَا خَاصِرَةَ أَبِي بَكْرٍ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} {49} . رَوَى ابْنُ ¬
الْمُبَارَكِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: طَلَعَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْبَابِ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ بَنُو شَيْبَةَ وَنَحْنُ نَضْحَكُ فَقَالَ: "أَلَا أَرَاكُمْ تَضْحَكُونَ! " ثُمَّ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الْحِجْرِ رَجَعَ إِلَيْنَا الْقَهْقَرَى، فَقَالَ: "إِنِّي لَمَّا خَرَجْتُ جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِمَ تُقَنِّطُ عِبَادِي؟ {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} {87} . قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: إِنَّ سَبْعَ قَوَافِلَ وَافَتْ مِنْ بُصْرَى وَأَذْرِعَاتٍ لِيَهُودِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِيهَا أَنْوَاعٌ مِنَ الْبَزِّ وَأَوْعِيَةُ الطِّيبِ وَالْجَوَاهِرِ وَأَمْتِعَةُ الْبَحْرِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَمْوَالُ لَنَا لَتَقَوَّيْنَا بِهَا فَأَنْفَقْنَاهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وقال: لَقَدْ أَعْطَيْتُكُمْ سَبْعَ آيَاتٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْقَوَافِلِ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا قَوْلُهُ عَلَى أَثَرِهَا {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} الْآيَةَ.
سورة النحل
سُورَةُ النَّحْلِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} الْآيَةَ {1} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} (¬1) قَالَ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَرُبَتْ فَأَمْسِكُوا عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ حَتَّى نَنْظُرَ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ شَيْءٌ، قَالُوا: مَا نَرَى شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} (¬2) فَأَشْفَقُوا وَانْتَظَرُوا قُرْبَ السَّاعَةِ، فَلَمَّا امْتَدَّتِ الْأَيَّامُ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ مَا نَرَى شَيْئًا مِمَّا تُخَوِّفُنَا بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} فَوَثَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورفع الناس رؤوسهم، فَنَزَلَ: {فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} فَاطْمَأَنُّوا، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ"، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ "إِنْ كَادَتْ لَتَسْبِقُنِي". وَقَالَ الْآخَرُونَ: الْأَمْرُ هَاهُنَا الْعَذَابُ بِالسَّيْفِ وَهَذَا جَوَابٌ لِلنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ حِينَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ، يَسْتَعْجِلُ الْعَذَابَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} {4} . نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ حِينَ جَاءَ بِعَظْمٍ رَمِيمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَتُرَى اللَّهَ يُحْيِي هَذَا بَعْدَمَا قَدْ رَمَّ؟. ¬
نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ يس: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، نَازِلَةٌ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} الْآيَةَ {38} . قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: كَانَ لِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ دَيْنٌ، فَأَتَاهُ يَتَقَاضَاهُ، فَكَانَ فِيمَا تَكَلَّمَ بِهِ: وَالَّذِي أَرْجُوهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُ: وَإِنَّكَ لَتَزْعُمُ أَنَّكَ لَتُبْعَثُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَأَقْسَمَ بِاللَّهِ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} الْآيَةَ {41} . نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ بِلَالٍ وَصُهَيْبٍ وَخَبَّابٍ وَعَمَّارٍ وَأَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ أَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِمَكَّةَ فَعَذَّبُوهُمْ وَآذَوْهُمْ، فَبَوَّأَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ الْمَدِينَةَ. قوله عز وجل: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ... الْآيَةَ. [43] .. نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ، أَنْكَرُوا نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُ بَشَرًا، فَهَلَّا بَعَثَ إِلَيْنَا مَلَكًا؟. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا} الْآيَةَ {75} . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} فِي هِشَامِ بْنِ عَمْرٍو، وَهُوَ الَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ سِرًّا وَجَهْرًا، وَمَوْلَاهُ أَبُو الْجَوْزَاءِ الَّذِي كَانَ يَنْهَاهُ وَنَزَلَتْ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} ¬
فَالْأَبْكَمُ مِنْهُمَا الْكَلُّ عَلَى مَوْلَاهُ هُوَ أُسَيْدُ بْنُ أَبِي الْعِيصِ، وَالَّذِي يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} الْآيَةَ {90} . أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِنَاءِ بَيْتِهِ بِمَكَّةَ جَالِسًا، إِذْ مَرَّ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَكَشَّرَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: "أَلَا تَجْلِسُ" فَقَالَ: بَلَى، فَجَلَسَ إِلَيْهِ مُسْتَقْبِلَهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثُهُ إِذْ شَخَصَ بَصَرُهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَنَظَرَ سَاعَةً وَأَخَذَ يَضَعُ بَصَرَهُ [حَتَّى وَضَعَ عَلَى يَمِينِهِ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ تَحَرَّفَ عَنْ جَلِيسِهِ عُثْمَانَ إِلَى حَيْثُ وَضَعَ بَصَرَهُ] فَأَخَذَ يُنْغِضُ رَأْسَهُ كَأَنَّهُ يَسْتَفْقِهُ مَا يُقَالُ لَهُ، ثُمَّ شَخَصَ بَصَرُهُ إِلَى السَّمَاءِ كَمَا شَخَصَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَأَتْبَعَهُ بَصَرَهُ حَتَّى تَوَارَى فِي السَّمَاءِ، وَأَقْبَلَ عَلَى عُثْمَانَ كَجِلْسَتِهِ الْأُولَى، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ فِيمَا كُنْتُ أُجَالِسُكَ وَآتِيكَ مَا رَأَيْتُكَ تَفْعَلُ فَعْلَتَكَ الْغَدَاةَ، قَالَ: "مَا رَأَيْتَنِي فَعَلْتُ؟ " قَالَ: رَأَيْتُكَ شَخَصَ بَصَرُكَ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ وَضَعْتَهُ حِينَ وَضَعْتَهُ عَلَى يَمِينِكَ، فَتَحَرَّفْتَ إِلَيْهِ وَتَرَكْتَنِي، فَأَخَذْتَ تُنْغِضُ رَأْسَكَ كَأَنَّكَ تَسْتَفْقِهُ شَيْئًا يُقَالُ لَكَ، قَالَ: "أَوَ فَطِنْتَ إِلَى ذَلِكَ؟ " قَالَ عُثْمَانُ: نَعَمْ، قَالَ: "أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ آنِفًا وَأَنْتَ جَالِسٌ" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: فَمَاذَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: "قَالَ لِي: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} " قَالَ عُثْمَانُ: فَذَاكَ حِينَ اسْتَقَرَّ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِي وَأَحْبَبْتُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} {101، 102} . نَزَلَتْ حِينَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إن محمدًا عليه الصلاة والسلام سخر بِأَصْحَابِهِ يَأْمُرُهُمُ الْيَوْمَ بِأَمْرٍ وَيَنْهَاهُمْ عَنْهُ غَدًا، أَوْ يَأْتِيهِمْ بِمَا هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِمْ، وَمَا هُوَ إِلَّا مُفْتَرٍ يَقُولُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا.
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} الْآيَةَ {103} . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَانَ الزَّاهِدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: كَانَ لَنَا غُلَامَانِ نَصْرَانِيَّانِ مِنْ أَهْلِ عَيْنِ التَّمْرِ اسْمُ أَحَدِهِمَا يَسَارٌ وَالْآخَرُ جَبْرٌ، وَكَانَا صَيْقَلَيْنِ يَقْرَآنِ كُتُبًا لَهُمَا بِلِسَانِهِمَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُرُّ بِهِمَا فَيَسْمَعُ قِرَاءَتَهُمَا، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ يَتَعَلَّمُ مِنْهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَكْذَبَهُمْ: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ} الْآيَةَ {106} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَخَذُوهُ وَأَبَاهُ يَاسِرًا وَأُمَّهُ سُمَيَّةً وَصُهَيْبًا وَبِلَالًا وَخَبَّابًا وَسَالِمًا فَعَذَّبُوهُمْ، فَأَمَّا سُمَيَّةُ فَإِنَّهَا رُبِطَتْ بَيْنَ بَعِيرَيْنِ وَوُجِئَ قُبُلُهَا بِحَرْبَةٍ، وَقِيلَ لَهَا: إِنَّكِ أَسْلَمْتِ مِنْ أَجْلِ الرِّجَالِ فَقُتِلَتْ وَقُتِلَ زَوْجُهَا يَاسِرٌ وَهُمَا أَوَّلُ قَتِيلَيْنِ قُتِلَا فِي الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا عَمَّارٌ فَإِنَّهُ أَعْطَاهُمْ مَا أَرَادُوا بِلِسَانِهِ مُكْرَهًا، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ عَمَّارًا كَفَرَ، فَقَالَ: "كَلَّا، إِنَّ عَمَّارًا مُلِئَ إِيمَانًا مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ وَاخْتَلَطَ الْإِيمَانُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ"، فَأَتَى عَمَّارٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَبْكِي، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: "إِنْ عَادُوا لَكَ فَعُدْ لَهُمْ بِمَا قُلْتَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وقال مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ آمَنُوا، فَكَتَبَ إِلَيْهِمُ ¬
الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ: أَنْ هَاجِرُوا فَإِنَّا لَا نَرَاكُمْ مِنَّا حَتَّى تُهَاجِرُوا إِلَيْنَا، فَخَرَجُوا يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ فَأَدْرَكَتْهُمْ قُرَيْشٌ بِالطَّرِيقِ فَفَتَنُوهُمْ مُكْرَهِينَ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} الْآيَةَ {110} . قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إِسْلَامُهُمْ حَتَّى يُهَاجِرُوا كَتَبَ بِهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِلَى أَصْحَابِهِمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ ذَلِكَ خَرَجُوا فَلَحِقَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَرَدُّوهُمْ، فَنَزَلَتْ: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} (¬2) كتبوا بِهَا إِلَيْهِمْ فَتَبَايَعُوا بَيْنَهُمْ عَلَى أَنْ يخرجوا، فإن لحقهم الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَاتَلُوهُمْ حَتَّى يَنْجُوا وَيَلْحَقُوا بِاللَّهِ، فَأَدْرَكَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَقَاتَلُوهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ وَمِنْهُمْ مَنْ نَجَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا} . (¬3) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} الْآيَةَ {125، 127} . أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَنْصُورِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ قَالَ: ¬
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ قَتْلَى أُحُدٍ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى مَنْظَرًا سَاءَهُ، وَرَأَى حَمْزَةَ قَدْ شُقَّ بَطْنُهُ وَاصْطُلِمَ أَنْفُهُ وَجُدِعَتْ أُذُنَاهُ، فَقَالَ: "لَوْلَا أَنْ يَحْزَنَ النساء أو يكون سُنَّةٌ بَعْدِي لَتَرَكْتُهُ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بُطُونِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ، لَأَقْتُلَنَّ مَكَانَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ"، ثُمَّ دَعَا بِبُرْدَةٍ فَغَطَّى بِهَا وَجْهَهُ، فَخَرَجَتْ رِجْلَاهُ، فَجَعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الْإِذْخِرِ، ثُمَّ قَدَّمَهُ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ عَشْرًا، ثُمَّ جَعَلَ يُجَاءُ بِالرَّجُلِ فَيُوضَعُ وَحَمْزَةُ مَكَانَهُ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً، وَكَانَ الْقَتْلَى سَبْعِينَ فَلَمَّا دُفِنُوا وَفُرِغَ مِنْهُمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} فَصَبَرَ وَلَمْ يُمَثِّلْ بِأَحَدٍ. (¬1) - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاعِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حَمْزَةَ فَرَآهُ صَرِيعًا، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا كَانَ أَوْجَعَ لِقَلْبِهِ مِنْهُ، وَقَالَ: "وَاللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ بِهِ سَبْعِينَ مِنْهُمْ"، فَنَزَلَتْ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} ¬
(¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو حَسَّانَ الْمُزَكِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ قُتِلَ حَمْزَةُ وَمُثِّلَ بِهِ: "لَئِنْ ظَفِرْتُ بِقُرَيْشٍ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "بَلْ نَصْبِرُ يَا رَبِّ". (¬2) - قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا رَأَوْا مَا فَعَلَ الْمُشْرِكُونَ بِقَتْلَاهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ تَبْقِيرِ الْبُطُونِ وَقَطْعِ الْمَذَاكِيرِ وَالْمُثْلَةِ السَّيِّئَةِ، قَالُوا حِينَ رَأَوْا ذَلِكَ: لَئِنْ أَظْفَرَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ لَنَزِيدَنَّ عَلَى صَنِيعِهِمْ وَلَنُمَثِّلَنَّ بِهِمْ مُثْلَةً ¬
لَمْ يُمَثِّلْهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ بِأَحَدٍ قَطُّ وَلَنَفْعَلَنَّ وَلَنَفْعَلَنَّ، وَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَمِّهِ حَمْزَةَ وَقَدْ جَدَعُوا أَنْفَهُ وَأُذُنَهُ وَقَطَعُوا مَذَاكِيرَهُ وَبَقَرُوا بَطْنَهُ، وَأَخَذَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ قِطْعَةً مِنْ كَبِدِهِ فَمَضَغَتْهَا ثُمَّ اسْتَرَطَتْهَا لِتَأْكُلَهَا، فَلَمْ تَلْبَثْ فِي بَطْنِهَا حَتَّى رَمَتْ بِهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "أَمَا إِنَّهَا لَوْ أَكَلَتْهَا لَمْ تَدْخُلِ النَّارَ أَبَدًا، حَمْزَةُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يُدْخِلَ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهِ النَّارَ"، فَلَمَّا نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى حَمْزَةَ نَظَرَ إِلَى شَيْءٍ لَمْ يَنْظُرْ قَطُّ إِلَى شَيْءٍ كَانَ أَوْجَعَ لِقَلْبِهِ مِنْهُ، فَقَالَ: "رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، إِنَّكَ مَا عَلِمْتُ كُنْتَ وَصُولًا لِلرَّحِمِ، فَعَّالًا لِلْخَيْرَاتِ، وَلَوْلَا حُزْنُ مَنْ بَعْدَكَ عَلَيْكَ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ مَكَانَكَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} الْآيَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "بَلْ نَصْبِرُ"، وَأَمْسَكَ عَمَّا أَرَادَ، وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: وَنَحْتَاجُ إِلَى أَنْ نَذْكُرَ هَاهُنَا مَقْتَلَ حَمْزَةَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو الْمُزَكِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا وَالِدِي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، فَمَرَرْنَا بِحِمْصَ، فَلَمَّا قَدِمْنَاهَا قَالَ لِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ: هَلْ لَكَ أَنْ تَأْتِيَ وَحْشِيًّا نَسْأَلُهُ كَيْفَ كَانَ قَتْلُهُ حَمْزَةَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: إِنْ شِئْتَ فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْهُ، فَقَالَ لَنَا رَجُلٌ: أَمَا إِنَّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِفِنَاءِ دَارِهِ وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْخَمْرُ، فَإِنْ تَجِدَاهُ صَاحِيًا تَجِدَا رَجُلًا عَرَبِيًّا وَتَجِدَا عِنْدَهُ بَعْضَ مَا تُرِيدَانِ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، قُلْنَا: جِئْنَاكَ لِتُحَدِّثَنَا عَنْ قَتْلِكَ حَمْزَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَمَا
إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمَا كَمَا حَدَّثْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ سَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، كُنْتُ غُلَامًا لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ عَمُّهُ طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ قَدْ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمَّا سَارَتْ قُرَيْشٌ إِلَى أُحُدٍ قَالَ لِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ عَمَّ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِعَمِّي طُعَيْمَةَ فَأَنْتَ عَتِيقٌ، قَالَ: فَخَرَجْتُ وَكُنْتُ حَبَشِيًّا أَقْذِفُ بِالْحَرْبَةِ قَذْفَ الْحَبَشَةِ قَلَّمَا أُخْطِئُ بِهَا شَيْئًا، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ خَرَجْتُ أَنْظُرُ حَمْزَةَ وَأَتَبَصَّرُهُ حَتَّى رَأَيْتُهُ فِي عُرْضِ الْجَيْشِ مِثْلَ الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ يَهُدُّ النَّاسَ بِسَيْفِهِ هَدًّا مَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَتَهَيَّأُ لَهُ وَأَسْتَتِرُ مِنْهُ بِحَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ لِيَدْنُوَ مِنِّي إِذْ تَقَدَّمَنِي إِلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، فَلَمَّا رَآهُ حَمْزَةُ رَحْمَةُ اللَّهِ عليه قال: هاهنا يَا ابْنَ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ، قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَهُ فَوَاللَّهِ مَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ، وَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتَّى إِذَا مَا رَضِيتُ مِنْهَا دَفَعْتُهَا إِلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ، فَذَهَبَ لِيَنُوءَ نَحْوِي فَغُلِبَ، فَتَرَكْتُهُ حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى النَّاسِ، فَقَعَدْتُ فِي الْعَسْكَرِ وَلَمْ يَكُنْ لِي بِغَيْرِهِ حَاجَةٌ إِنَّمَا قَتَلْتُهُ لِأُعْتَقَ، فَلَمَّا قدمت مكة عتقت فَأَقَمْتُ بِهَا حَتَّى فَشَا فِيهَا الْإِسْلَامُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الطَّائِفِ فَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُسُلًا وَقِيلَ لِي: إِنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَهِيجُ الرُّسُلَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَآنِي قَالَ لِي: "أَنْتَ وَحْشِيٌّ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ؟ قَالَ: "أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟ " قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ بَلَغَكَ، قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي؟ " فَخَرَجْتُ. قَالَ: فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَرَجَ النَّاسُ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ قُلْتُ: لَأَخْرُجَنَّ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئَ بِهِ حَمْزَةَ، فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ.
سورة بني إسرائيل
سُورَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} الْآيَةَ {29} . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عِمْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ. قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى الضَّرِيرُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سُفْيَانَ الْجُهَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ غُلَامٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي تَسْأَلُكَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: "مَا عِنْدَنَا الْيَوْمَ شَيْءٌ"، قَالَ: فَتَقُولُ لَكَ اكْسُنِي قَمِيصَكَ، قَالَ: فَخَلَعَ قَمِيصَهُ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ وَجَلَسَ فِي الْبَيْتِ حَاسِرًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} الْآيَةَ. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا فِيمَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ أَتَاهُ صَبِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تَسْتَكْسِيكَ دِرْعًا وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا قَمِيصُهُ، فَقَالَ لِلصَّبِيِّ: "مِنْ سَاعَةٍ إِلَى سَاعَةٍ يَظْهَرُ كَذَا، فَعُدْ إِلَيْنَا وَقْتًا آخَرَ"، فَعَادَ إِلَى أُمِّهِ، فَقَالَتْ قُلْ لَهُ: أُمِّي تَسْتَكْسِيكَ الْقَمِيصَ الَّذِي عَلَيْكَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَارَهُ وَنَزَعَ قَمِيصَهُ وَأَعْطَاهُ، وَقَعَدَ ¬
عُرْيَانًا، فَأَذَّنَ بلال للصلاة فانتظروه فَلَمْ يَخْرُجْ، فَشَغَلَ قُلُوبَ الصَّحَابَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَرَآهُ عُرْيَانًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} {53} . نَزَلَتْ فِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ شَتَمَهُ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْعَفْوِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُؤْذُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ} الْآيَةَ {59} . أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْعَلَ الصَّفَا ذَهَبًا وَأَنْ يُنَحِّيَ عَنْهُمُ الْجِبَالَ فَيَزْرَعُونَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَسْتَأْنِيَ بِهِمْ لَعَلَّنَا نَجْتَبِي مِنْهُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤْتِيَهُمُ الَّذِي سَأَلُوا، فَإِنْ كَفَرُوا أُهْلِكُوا كَمَا أُهْلِكَ مَنْ قَبْلَهُمْ، قَالَ: "لَا، بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} . وَرَوَيْنَا قَوْلَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} (¬2) - قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} الْآيَةَ {60} . أَخْبَرَنَا ¬
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن محمد الفقيه قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الزَّقُّومَ فِي الْقُرْآنِ خَوَّفَ بِهِ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا الزَّقُّومُ الَّذِي يُخَوِّفُكُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: الثَّرِيدُ بِالزُّبْدِ، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ أَمْكَنَنَا مِنْهُ لَنَتَزَقَّمَنَّهُ تَزَقُّمًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} يَقُولُ: الْمَذْمُومَةَ {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} الْآيَةَ {73} . قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلُوهُ شَطَطًا وَقَالُوا: مَتِّعْنَا بِاللَّاتِ سَنَةً وَحَرِّمْ وَادِيَنَا كَمَا حَرَّمْتَ مَكَّةَ شَجَرَهَا وَطَيْرَهَا وَوَحْشَهَا، وَأَكْثَرُوا فِي الْمَسْأَلَةِ فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُجِبْهُمْ، فَأَقْبَلُوا يُكْثِرُونَ مَسْأَلَتَهُمْ وَقَالُوا: إِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَعْرِفَ الْعَرَبُ فَضْلَنَا عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَرِهْتَ مَا نَقُولُ وَخَشِيتَ أَنْ تَقُولَ الْعَرَبُ أَعْطَيْتَهُمْ مَا لَمْ تُعْطِنَا فَقُلِ: اللَّهُ أَمَرَنِي بِذَلِكَ، فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُمْ وَدَاخَلَهُمُ الطَّمَعُ، فَصَاحَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ: أَمَا تَرَوْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْسَكَ عَنْ جَوَابِكُمْ كَرَاهِيَةً لِمَا تَجِيئُونَ بِهِ؟ وَقَدْ هَمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْطِيَهُمْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَكُفُّ عَنْكَ إِلَّا بِأَنْ تُلِمَّ بِآلِهَتِنَا وَلَوْ بِطَرْفِ أَصَابِعِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا عَلَيَّ لَوْ فَعَلْتُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ¬
أَنِّي كَارِهٌ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} إِلَى قَوْلِهِ {نَصِيرًا} وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ قُرَيْشًا خَلَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى الصُّبْحِ يُكَلِّمُونَهُ وَيُفَخِّمُونَهُ وَيُسَوِّدُونَهُ وَيُقَارِبُونَهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَأْتِي بِشَيْءٍ لَا يَأْتِي بِهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى كَادَ يُقَارِبُهُمْ فِي بَعْضِ مَا يُرِيدُونَ، ثُمَّ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ} الْآيَةَ {76} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَسَدَتِ الْيَهُودُ مَقَامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ إِنَّمَا بُعِثُوا بِالشَّامِ، فَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَالْحَقْ بِهَا فَإِنَّكَ إِنْ خَرَجْتَ إِلَيْهَا صَدَّقْنَاكَ وَآمَنَّا بِكَ، فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ لِمَا يُحِبُّ مِنْ إِسْلَامِهِمْ، فَرَحَلَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى مَرْحَلَةٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غُنْمٍ: إِنَّ الْيَهُودَ أَتَوْا نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا أَنَّكَ نَبِيُّ اللَّهِ فَالْحَقْ بِالشَّامِ، فَإِنَّ الشَّامَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ وَأَرْضُ الْأَنْبِيَاءِ، فَصَدَّقَ مَا قَالُوا وَغَزَا غَزْوَةَ تَبُوكَ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إِلَّا الشَّامَ، فَلَمَّا بَلَغَ تَبُوكَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: هَمَّ أَهْلُ مَكَّةَ بِإِخْرَاجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْخُرُوجِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ إِخْبَارًا عَمَّا هَمُّوا بِهِ. ¬
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} الْآيَةَ {80} . قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يُوثِقُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُخْرِجُوهُ مِنْ مَكَّةَ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بَقَاءَ أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَخْرُجَ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الْآيَةَ {85} . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو لَبِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِشْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ، فَمَرَّ بِنَا نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالُوا: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْأَلُوهُ فَيَسْتَقْبِلَكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ؛ فَأَتَاهُ نَفَرٌ مِنْهُمْ فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا تَقُولُ فِي الرُّوحِ؟ فَسَكَتَ ثُمَّ قَامَ، فَأَمْسَكَ بِيَدِهِ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُنَزَّلُ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ. (¬2) - وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلْيَهُودِ: اعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلُ عَنْهُ هَذَا الرَّجُلَ، فَقَالُوا: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. ¬
وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ الْيَهُودَ اجْتَمَعُوا فَقَالُوا لِقُرَيْشٍ حِينَ سَأَلُوهُمْ عَنْ شَأْنِ مُحَمَّدٍ وَحَالِهِ سَلُوا مُحَمَّدًا عَنِ الرُّوحِ، وَعَنْ فِتْيَةٍ فُقِدُوا فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ، وَعَنْ رَجُلٍ بَلَغَ شَرْقَ الْأَرْضِ وَغَرْبَهَا، فَإِنْ أَجَابَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَيْسَ بِنَبِيٍّ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَيْسَ بِنَبِيٍّ، وَإِنْ أَجَابَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ وَأَمْسَكَ عَنْ بَعْضِهِ فَهُوَ نَبِيٌّ فَسَأَلُوهُ عَنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: فِي شَأْنِ الْفِتْيَةِ: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ} إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ وَأَنْزَلَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي بَلَغَ شَرْقَ الْأَرْضِ وَغَرْبَهَا: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. وَأَنْزَلَ فِي الرُّوحِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} الْآيَةَ {90} . رَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَأَبَا الْبَخْتَرِيِّ وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَأَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ وَرُؤَسَاءَ قريش اجتمعوا على ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ابْعَثُوا إِلَى مُحَمَّدٍ وَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حتى تعذروا به، فَبَعَثُوا إِلَيْهِ إِنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدِ اجْتَمَعُوا لَكَ لِيُكَلِّمُوكَ، فَجَاءَهُمْ سَرِيعًا وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ بَدَا لَهُمْ فِي أَمْرِهِ بَدَاءٌ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرِيصًا يُحِبُّ رُشْدَهُمْ وَيَعِزُّ عَلَيْهِ تَعَنُّتُهُمْ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا وَاللَّهِ لَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مَا أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِكَ، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ وَعِبْتَ الدِّينَ وَسَفَّهْتَ الْأَحْلَامَ وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ، وَمَا بَقِيَ أَمْرٌ قَبِيحٌ إِلَّا وَقَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا جِئْتَ بِهَذَا لِتَطْلُبَ بِهِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا تَكُونُ
بِهِ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تَطْلُبُ الشَّرَفَ فِينَا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الرِّئْيُّ الذي يأتيك نراه قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِعَ مِنَ الْجِنِّ الرِّئْيَّ بَذَلْنَا أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطِّبِّ لَكَ حَتَّى نُبْرِئَكَ مِنْهُ أَوْ نُعْذَرَ فِيكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا بِي مَا تَقُولُونَ، مَا جِئْتُكُمْ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ لِطَلَبِ أَمْوَالِكُمْ وَلَا لِلشَّرَفِ فِيكُمْ وَلَا الْمُلْكِ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ رَسُولًا وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ"، قَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ إِنْ كُنْتَ غَيْرَ قَابِلٍ مِنَّا مَا عَرَضْنَا عَلَيْكَ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَضْيَقَ بِلَادًا وَلَا أَقَلَّ مَالًا وَلَا أَشَدَّ عَيْشًا مِنَّا، سَلْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ بِمَا بَعَثَكَ فَلْيُسَيِّرْ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ الَّتِي ضُيِّقَتْ عَلَيْنَا، وَيَبْسُطْ لنا بلادنا ويجري فِيهَا أَنْهَارًا كَأَنْهَارِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَأَنْ يَبْعَثَ لَنَا مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِنَا، وَلْيَكُنْ مِمَّنْ يُبْعَثُ لَنَا مِنْهُمْ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا صَدُوقًا، فَنَسْأَلُهُمْ عَمَّا تَقُولُ أَحَقٌّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ؟، فَإِنْ صَنَعْتَ مَا سَأَلْنَاكَ صَدَّقْنَاكَ وَعَرَفْنَا بِهِ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اللَّهِ وَأَنَّهُ بَعَثَكَ رَسُولًا كَمَا تَقُولُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا بِهَذَا بُعِثْتُ إِنَّمَا جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، بِمَا بَعَثَنِي بِهِ، فَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللَّهِ"، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ هَذَا فَسَلْ رَبَّكَ أَنْ يَبْعَثَ لَنَا مَلَكًا يصدقك، وسله فيجعل لَكَ جِنَانًا وَكُنُوزًا وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَيُغْنِيكَ بِهَا عَمَّا نَرَاكَ تَبْتَغِي، فَإِنَّكَ تَقُومُ فِي الْأَسْوَاقِ كَمَا نَقُومُ وَتَلْتَمِسُ الْمَعَاشَ كَمَا نَلْتَمِسُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا أَنَا بِفَاعِلٍ وَمَا أَنَا بِالَّذِي يَسْأَلُ رَبَّهُ هَذَا وَمَا بُعِثْتُ بِهَذَا إِلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَنِي بَشِيرًا وَنَذِيرًا" قَالُوا: فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ كَمَا زَعَمْتَ أَنَّ رَبَّكَ إِنْ شَاءَ فَعَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ"، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَ بِاللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ، وَهُوَ ابْنُ عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنُ عَمَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أُؤْمِنُ بِكَ أَبَدًا حَتَّى تَتَّخِذَ إِلَى السَّمَاءِ سُلَّمًا وَتَرْقَى فِيهِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى تَأْتِيَهَا، وَتَأْتِيَ بِنُسْخَةٍ مَنْشُورَةٍ مَعَكَ وَنَفَرٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَكَ أَنَّكَ كَمَا تَقُولُ، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أهله حزينًا يبما فَاتَهُ مِنْ مُتَابَعَةِ قَوْمِهِ، وَلِمَا رَأَى مِنْ مُبَاعَدَتِهِمْ مِنْهُ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} الْآيَاتِ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لَهُ قَوْلُهُ: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} أُنْزِلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ؟ قَالَ: زَعَمُوا ذَلِكَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} الْآيَةَ {110} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَهَجَّدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ بِمَكَّةَ، فَجَعَلَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَدْعُو إِلَهًا وَاحِدًا فَهُوَ الْآنَ يَدْعُو إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ: اللَّهَ وَالرَّحْمَنَ، مَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ إِلَّا رَحْمَنَ الْيَمَامَةِ، يَعْنُونَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْتُبُ فِي أَوَّلِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (¬2) فَكَتَبَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ: هَذَا الرَّحِيمُ نَعْرِفُهُ، فَمَا الرَّحْمَنُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّكَ لَتُقِلُّ ذِكْرَ الرَّحْمَنِ وَقَدْ أَكْثَرَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ هَذَا الِاسْمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} الْآيَةَ {110} . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا وَالِدِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَا: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ وَكَانُوا إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} أي بقراءتكم فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا يَسْمَعُونَ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ كِلَاهُمَا عَنْ هُشَيْمٍ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي التَّشَهُّدِ، كَانَ الْأَعْرَابِيُّ يَجْهَرُ فَيَقُولُ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: كَانَ أَعْرَابٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِذَا سَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَلَاتِهِ قَالُوا: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَالًا وَوَلَدًا وَيَجْهَرُونَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
(¬1) - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْفَقِيهُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَشِّرٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مِهْرَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا الْغَسَّانِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَتْ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ. ¬
سورة الكهف
سُورَةُ الْكَهْفِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} الْآيَةَ {28} . حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ إِمْلَاءً فِي "دَارِ السُّنَّةِ" يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي شُهُورِ سَنَةِ عَشْرٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدَوَيْهِ الْحِيرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مِسْرَحٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ الْحَرَّانِيُّ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ، عَنْ عَمِّهِ ابْنِ مَشْجَعَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْجُهَنِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: جَاءَ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَذَوُوهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَوْ جَلَسْتَ فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ وَنَحَّيْتَ عَنَّا هَؤُلَاءِ وَأَرْوَاحَ جِبَابِهِمْ - يَعْنُونَ سَلْمَانَ وَأَبَا ذَرٍّ وَفُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتْ عَلَيْهِمْ جِبَابُ الصُّوفِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ غَيْرُهَا - جَلَسْنَا إِلَيْكَ وَحَادَثْنَاكَ وَأَخَذْنَا عَنْكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} حَتَّى بَلَغَ {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا} يَتَهَدَّدُهُمْ بِالنَّارِ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْتَمِسُهُمْ حَتَّى إِذَا أَصَابَهُمْ فِي مُؤَخَّرِ ¬
الْمَسْجِدِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى أَمَرَنِي أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَ رِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي، مَعَكُمُ الْمَحْيَا وَمَعَكُمُ الْمَمَاتُ". (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} الْآيَةَ {28} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} قَالَ: نَزَلَتْ فِي أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ دَعَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَمْرٍ كَرِهَهُ مِنْ طَرْدِ الْفُقَرَاءِ عَنْهُ وَتَقْرِيبِ صَنَادِيدِ أَهْلِ مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} يَعْنِي مَنْ خَتَمْنَا عَلَى قَلْبِهِ عَنِ التَّوْحِيدِ {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} يَعْنِي الشِّرْكَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} الْآيَةَ {83} . قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَاتِ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} {109} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَتِ الْيَهُودُ لَمَّا قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" كَيْفَ وقد أوتينا التوارة، ومن أوتي التوارة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا فَنَزَلَتْ: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} الْآيَةَ. ¬
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} الْآيَةَ {110} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي جُنْدُبِ بْنِ زُهَيْرٍ الْعَامِرِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي أَعْمَلُ الْعَمَلَ لِلَّهِ فَإِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ سَرَّنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَلَا يَقْبَلُ مَا شُورِكَ فِيهِ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - وَقَالَ طَاوُسٌ: قَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُحِبُّ أَنْ يُرَى مَكَانِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنِّي أَتَصَدَّقُ وَأَصِلُ الرَّحِمَ وَلَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إِلَّا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيُذْكَرُ ذَلِكَ مِنِّي وَأُحْمَدُ عَلَيْهِ، فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ، وَأُعْجَبُ بِهِ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} . ¬
سورة مريم
سُورَةُ مَرْيَمَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} {64} . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمُّوَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ الشَّامِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الرُّسْعَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "يَا جِبْرِيلُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟ " قَالَ فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} الْآيَةَ كُلَّهَا: قَالَ: كَانَ هَذَا الْجَوَابَ لِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ. (¬2) - وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَبْطَأَ الْمَلَكُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: "لَعَلِّي ¬
أَبْطَأْتُ؟ قَالَ: "قَدْ فَعَلْتَ"، قَالَ: "وَلِمَ لَا أَفْعَلُ وَأَنْتُمْ لَا تَتَسَوَّكُونَ وَلَا تَقُصُّونَ أَظَافِرَكُمْ وَلَا تُنَقُّونَ بَرَاجِمَكُمْ"! قَالَ: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَمُقَاتِلٌ، وَالْكَلْبِيُّ: احْتَبَسَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ سَأَلَهُ قَوْمُهُ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَذِي الْقَرْنَيْنِ، وَالرُّوحِ فَلَمْ يَدْرِ مَا يُجِيبُهُمْ وَرَجَا أَنْ يَأْتِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَشَقَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَشَقَّةً شَدِيدَةً فَلَمَّا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ لَهُ: "أَبْطَأْتَ عَلَيَّ حَتَّى سَاءَ ظَنِّي وَاشْتَقْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "إِنِّي كُنْتُ إِلَيْكَ أَشْوَقَ وَلَكِنِّي عَبْدٌ مَأْمُورٌ إِذَا بُعِثْتُ نَزَلْتُ وَإِذَا حُبِسْتُ احْتَبَسْتُ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} الْآيَاتِ {66} . قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ حِينَ أَخَذَ عِظَامًا بَالِيَةً يَفُتُّهَا بِيَدِهِ وَيَقُولُ: زَعَمَ لَكُمْ مُحَمَّدٌ أَنَّا نُبْعَثُ بَعْدَمَا نَمُوتُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} الْآيَةَ {77} . (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعَالِبِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: كَانَ لِي دَيْنٌ عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ، قَالَ: إِنِّي إِذَا مِتُّ ثم بعثت، جئني وَسَيَكُونُ لِي ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ فَأُعْطِيكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
(¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبَغَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا قَيْنًا وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ لِي: لَا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فقلت: لا أكفرحتى تَمُوتَ وَتُبْعَثَ، فَقَالَ: وَإِنِّي لَمَبْعُوثٌ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ فَسَوْفَ أَقْضِيكَ إِذَا رَجَعْتُ إِلَى مَالِي، قَالَ: فَنَزَلَتْ فِيهِ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْأَشَجِّ عَنْ وَكِيعٍ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: كَانَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ قَيْنًا، وَكَانَ يَعْمَلُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَكَانَ الْعَاصُ يُؤَخِّرُ حَقَّهُ فَأَتَاهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ الْعَاصُ: مَا عِنْدِي الْيَوْمَ مَا أَقْضِيكَ، فَقَالَ خَبَّابٌ: لَسْتُ بِمُفَارِقِكَ حَتَّى تَقْضِيَنِي، فَقَالَ الْعَاصُ: يا خباب، مالك؟ مَا كُنْتَ هَكَذَا، وَإِنْ كُنْتَ لَتُحْسِنُ الطَّلَبَ!، فَقَالَ خَبَّابٌ: ذَاكَ أَنِّي كُنْتُ عَلَى دِينِكَ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَأَنَا عَلَى الْإِسْلَامِ مُفَارِقٌ لدينك، قال: أو لستم تَزْعُمُونَ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَحَرِيرًا؟ قَالَ خَبَّابٌ: بَلَى، قَالَ: فَأَخِّرْنِي حَتَّى أَقْضِيَكَ فِي الْجَنَّةِ - اسْتِهْزَاءً - فَوَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا إِنِّي لَأَفْضَلُ فِيهَا نَصِيبًا مِنْكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} يَعْنِي الْعَاصَ، الْآيَاتِ. ¬
سورة طه
سُورَةُ طه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} {1، 2} . قَالَ مُقَاتِلٌ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إِنَّكَ لَشَقِيٌّ بِتَرْكِ دِينِنَا. وَذَلِكَ لِمَا رَأَيَاهُ مِنْ طُولِ عِبَادَتِهِ وَشِدَّةِ اجْتِهَادِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَسْكَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَصَلَّوْا، فَقَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا لِيَشْقَى بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {طه} يَقُولُ: يَا رَجُلُ {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} (¬2) - قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} الآية {131} . أخبرنا أحمد بن ¬
مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ضَيْفًا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَانِي فَأَرْسَلَنِي إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ يَبِيعُ طَعَامًا، يَقُولُ لَكَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّهُ نَزَلَ بِنَا ضيف ولم يلق عِنْدَنَا بعض الذي نصلحه، فَبِعْنِي كَذَا وَكَذَا مِنَ الدَّقِيقِ أَوْ أَسْلِفْنِي إِلَى هِلَالِ رَجَبٍ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: لَا أَبِيعُهُ وَلَا أُسْلِفُهُ إِلَّا بِرَهْنٍ، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: "وَاللَّهِ إِنِّي لَأَمِينٌ فِي السَّمَاءِ أمين في الأض، وَلَوْ أَسْلَفَنِي أَوْ بَاعَنِي لَأَدَّيْتُ إِلَيْهِ، اذْهَبْ بِدِرْعِي"، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَعْزِيَةً لَهُ عَنِ الدُّنْيَا {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} الْآيَةَ.
سورة الأنبياء
سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} {101} . أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو الْمَاوَرْدِيُّ قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ الرَّازِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ نُوحٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو رُزَيْنٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آيَةٌ لَا يَسْأَلُنِي النَّاسُ عَنْهَا، لَا أَدْرِي أَعَرَفُوهَا فَلَمْ يَسْأَلُوا عَنْهَا، أَوْ جَهِلُوهَا فَلَا يَسْأَلُونَ عَنْهَا؟ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} (¬2) شَقَّ عَلَى قريش، فقالوا: أيشتم آلِهَتَنَا؟ فَجَاءَ ابْنُ الزِّبَعْرَى فَقَالَ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا يَشْتُمُ آلِهَتَنَا، قَالَ: فَمَا قَالَ؟ قَالُوا: قَالَ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} قَالَ: ادْعُوهُ لِي، فَلَمَّا دُعِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا شَيْءٌ لِآلِهَتِنَا خَاصَّةً أَوْ لِكُلِّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ قَالَ: "لَا، بَلْ لِكُلِّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَقَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى: خُصِمْتَ وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ - يَعْنِي ¬
الْكَعْبَةَ - أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ عِبَادٌ صَالِحُونَ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدٌ صَالِحٌ وَأَنَّ عُزَيْرًا عَبْدٌ صَالِحٌ، قَالَ: "بَلَى"، قَالَ: فَهَذِهِ بَنُو مَلِيحٍ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ، وَهَذِهِ النَّصَارَى يَعْبُدُونَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهَذِهِ الْيَهُودُ يَعْبُدُونَ عُزَيْرًا، قَالَ: فَصَاحَ أَهْلُ مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} الْمَلَائِكَةُ وَعِيسَى وَعُزَيْرٌ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ {أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} .
سورة الحج
سُورَةُ الْحَجِّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} الْآيَةَ {11} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ فِي أَعْرَابٍ كَانُوا يَقْدَمُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ مُهَاجِرِينَ مِنْ بَادِيَتِهِمْ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَإِنْ صَحَّ بِهَا جِسْمُهُ وَنُتِجَتْ فَرَسُهُ مُهْرًا حَسَنًا وَوَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلَامًا وَكَثُرَ ماله وما شيته رَضِيَ عَنْهُ وَاطْمَأَنَّ، وَقَالَ: مَا أَصَبْتُ مُنْذُ دَخَلْتُ فِي دِينِي هَذَا إِلَّا خَيْرًا، وَإِنْ أَصَابَهُ وَجَعُ الْمَدِينَةِ وَوَلَدَتِ امْرَأَتُهُ جَارِيَةً وَأُجْهِضَتْ رِمَاكُهُ وَذَهَبَ مَالُهُ وَتَأَخَّرَتْ عَنْهُ الصَّدَقَةُ، أَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَصَبْتَ مُنْذُ كُنْتَ عَلَى دِينِكَ هَذَا إِلَّا شَرًّا، فَيَنْقَلِبُ عَلَى دِينِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} الْآيَةَ. (¬2) - وَرَوَى عَطِيَّةُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَسْلَمَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَذَهَبَ بَصَرُهُ وَمَالُهُ وَوَلَدُهُ وَتَشَاءَمَ بِالْإِسْلَامِ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَقِلْنِي، فَقَالَ: "إِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُقَالُ"، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أُصِبْ فِي دِينِي هَذَا خَيْرًا، أَذْهَبَ بَصَرِي وَمَالِي وَوَلَدِي، فَقَالَ: "يَا يَهُودِيُّ إِنَّ الْإِسْلَامَ يَسْبِكُ الرِّجَالَ كَمَا تَسْبِكُ النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ"، قَالَ: وَنَزَلَتْ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ ¬
يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} الْآيَةَ {19} . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَنَزَلَتْ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} فِي هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ: حَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ. (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِلَالُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قيس عن عُبَادٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَفِي مُبَارَزَتِنَا يَوْمَ بَدْرٍ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} إِلَى قَوْلِهِ {الْحَرِيقِ} (¬3) - قال ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ قَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ: نَحْنُ أولى بالله معكم وَأَقْدَمُ مِنْكُمْ كُتُبًا وَنَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِاللَّهِ، آمَنَّا بمحمد عليه الصلاة والسلام وَآمَنَّا بِنَبِيِّكُمْ وَبِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ، فَأَنْتُمْ ¬
تَعْرِفُونَ نَبِيَّنَا ثُمَّ تَرَكْتُمُوهُ وَكَفَرْتُمْ بِهِ حَسَدًا، وَكَانَتْ هَذِهِ خُصُومَتَهُمْ فِي رَبِّهِمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ، وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} الْآيَةَ {39} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ يُؤْذُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَزَالُونَ يَجِيئُونَ مِنْ بين مضروب ومجشوج، فَشَكَوْهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُ لَهُمْ: "اصْبِرُوا فإني لم أؤمر بِالْقِتَالِ" حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا أُخْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، لَنَهْلَكَنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} الْآيَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَكُونُ قِتَالٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} {52} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَلِّيَ قَوْمِهِ عَنْهُ وَشَقَّ عَلَيْهِ مَا رَأَى مِنْ مُبَاعَدَتِهِمْ عَمَّا جَاءَهُمْ بِهِ، تَمَنَّى فِي نَفْسِهِ أَنْ يَأْتِيَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَا يُقَارِبُ بِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ، وَذَلِكَ لِحِرْصِهِ عَلَى إِيمَانِهِمْ، فَجَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي نَادٍ مِنْ أَنْدِيَةِ قُرَيْشٍ كَثِيرٍ أَهْلُهُ، وَأَحَبَّ يَوْمَئِذٍ أَنْ لَا يَأْتِيَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ يَنْفِرُونَ عَنْهُ، وَتَمَنَّى ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى سُورَةَ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَلَغَ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} (¬1) أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ لِمَا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ وتمناه، تلك الغزانيق الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى، فَلَمَّا سَمِعَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ فَرِحُوا، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قراءته فقرأ السوة كُلَّهَا، وَسَجَدَ فِي آخِرِ السُّورَةِ فَسَجَدَ الْمُسْلِمُونَ بِسُجُودِهِ وَسَجَدَ جَمِيعُ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ إِلَّا سَجَدَ، إِلَّا الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَأَبَا أُحَيْحَةَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، فَإِنَّهُمَا أَخَذَا حَفْنَةً مِنَ الْبَطْحَاءِ وَرَفَعَاهَا إِلَى جَبْهَتِهِمَا وَسَجَدَا عَلَيْهَا، لِأَنَّهُمَا كَانَا ¬
شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَلَمْ يَسْتَطِيعَا السُّجُودَ، وَتَفَرَّقَتْ قُرَيْشٌ وَقَدْ سَرَّهُمْ مَا سَمِعُوا وَقَالُوا: قَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ آلِهَتَنَا بِأَحْسَنِ الذِّكْرِ، فَقَالُوا: قَدْ عَرَفْنَا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَيَخْلُقُ وَيَرْزُقُ لَكِنَّ آلِهَتَنَا هَذِهِ تَشْفَعُ لَنَا عِنْدَهُ، فَإِنْ جَعَلَ لَهَا مُحَمَّدٌ نَصِيبًا فَنَحْنُ مَعَهُ، فَلَمَّا أَمْسَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: مَاذَا صَنَعْتَ؟ تَلَوْتَ عَلَى النَّاسِ مَا لَمْ آتِكَ بِهِ عَنِ الله سبحانه وتعالى، وَقُلْتَ مَا لَمْ أَقُلْ لَكَ! فَحَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُزْنًا شَدِيدًا وَخَافَ مِنَ اللَّهِ خَوْفًا كَبِيرًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: نَدِمَ محمد عليه الصلاة والسلام عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ مَنْزِلَةِ آلِهَتِنَا عِنْدَ اللَّهِ. فَازْدَادُوا شَرًّا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَهْلٌ الْعَسْكَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {أَفَرَأَيْتُمُ ¬
اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} (¬1) فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ: تِلْكَ الْغَرَانِيقَ الْعُلَى وإن شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَجَى، فَفَرِحَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ وَقَالُوا قَدْ ذَكَرَ آلِهَتَنَا، فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: اعْرِضْ عَلَيَّ كَلَامَ اللَّهِ، فَلَمَّا عَرَضَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَلَمْ آتِكَ بِهِ هَذَا مِنَ الشَّيْطَانِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} . ¬
سورة المؤمنون
سورة المؤمنون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} {1} . أخبرنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ إِمْلَاءً قَالَ: أَخْبَرَنَا حاجب بن أحمد الطوسي قال: أخبرنا محمد بْنُ حَمَّادٍ الْأَبِيوَرْدِيُّ قال: أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ يُونُسُ الْأَيْلِيُّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: كَانَ إِذَا أُنْزِلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْمَعُ عِنْدَ وَجْهِهِ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، فَمَكَثْنَا سَاعَةً، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلَا تَنْقُصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا، وَآثِرْنَا وَلَا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا، وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا"، ثُمَّ قَالَ: "لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْنَا عَشْرُ آيَاتٍ مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ" ثُمَّ قَرَأَ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} إِلَى عَشْرِ آيَاتٍ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْقَطِيعِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. (¬1) - قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} {2} . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ العطار قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ¬
أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ قال: أخبرنا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا صَلَّى رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَنَزَلَ: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} {14} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ منجوف قال: أخبرنا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَافَقْتُ رَبِّي فِي أَرْبَعٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ صَلَّيْنَا خَلْفَ الْمَقَامِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (¬2) وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْتَ عَلَى نِسَائِكَ حِجَابًا فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (¬3) وَقُلْتُ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَتنتهُنّ أو ليبدله اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} (¬4) الْآيَةَ، وَنَزَلَتْ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} فَقُلْتُ: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ فَنَزَلَتْ: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} . ¬
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ} الْآيَةَ {76} . أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن عبد الله بن محمد الضبي قال: أخبرنا أبو العباس السياري قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ حَاتِمٍ قال: أخبرنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ النَّحْوِيُّ أَنَّ عِكْرِمَةَ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ وَالرَّحِمَ لَقَدْ أَكَلْنَا الْعِلْهِزَ، - يَعْنِي الْوَبَرَ بِالدَّمِ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (¬2) - وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا أَتَى ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ وَهُوَ أَسِيرٌ فَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَلَحِقَ بِالْيَمَامَةِ فَحَالَ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَبَيْنَ الميرة من يمامة وَأَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى قُرَيْشًا بِسِنِي الْجَدْبِ حَتَّى أَكَلُوا الْعِلْهِزَ، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ وَالرَّحِمَ أَلَيْسَ تَزْعُمُ أَنَّكَ بُعِثْتَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ؟ قَالَ: "بَلَى"، فَقَالَ: قَدْ قَتَلْتَ الْآبَاءَ بِالسَّيْفِ وَالْأَبْنَاءَ بِالْجُوعِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
سورة النور
سُورَةُ النُّورِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} الْآيَةَ {3} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَفِيهِمْ فُقَرَاءُ لَيْسَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ، وَبِالْمَدِينَةِ نِسَاءٌ بَغَايَا مُسَافِحَاتٌ يَكْرِينَ أَنْفُسَهُنَّ، وَهُنَّ يَوْمَئِذٍ أَخْصَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَرَغِبَ فِي كَسْبِهِنَّ نَاسٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا تَزَوَّجْنَا مِنْهُنَّ فَعِشْنَا مَعَهُنَّ إِلَى أَنْ يُغْنِيَنَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُنَّ، فَاسْتَأْذَنُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَحُرِّمَ فِيهَا نِكَاحُ الزَّانِيَةِ صِيَانَةً لِلْمُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِكَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي نِسَاءٍ بَغَايَا مُتَعَالِنَاتٍ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَكُنَّ كَثِيرَاتٍ وَمِنْهُنَّ تِسْعٌ صَوَاحِبُ رَايَاتٍ، لَهُنَّ رَايَاتٌ كَرَايَاتِ الْبَيْطَارِ يُعْرَفْنَ بِهَا: أُمُّ مَهْزُولٍ جَارِيَةُ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ، وَأُمُّ عُلَيْطٍ جَارِيَةُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَحَنَّةُ الْقِبْطِيَّةُ جَارِيَةُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَمُزْنَةُ جَارِيَةُ مَالِكِ بْنِ عَمِيلَةَ بْنِ السَّبَّاقِ، وَجَلَالَةُ جَارِيَةُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَأُمُّ سُوَيْدٍ جَارِيَةُ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الْمَخْزُومِيِّ، وَشَرِيفَةُ جَارِيَةُ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَفَرْسَةُ جَارِيَةُ هِشَامِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَفَرْتَنَا جَارِيَةُ هِلَالِ بْنِ أَنَسٍ، وَكَانَتْ بُيُوتُهُنَّ تُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ ¬
الْمَوَاخِيرَ، لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ وَلَا يَأْتِيهِنَّ إِلَّا زَانٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَوْ مُشْرِكٌ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ، فَأَرَادَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نِكَاحَهُنَّ لِيَتَّخِذُوهُنَّ مَأْكَلَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَنَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِكَ وَحَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْبَزَّارُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الجبار قال: أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَضْرَمِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا "أُمُّ مَهْزُولٍ " كَانَتْ تُسَافِحُ، وَكَانَتْ تَشْتَرِطُ لِلَّذِي يَتَزَوَّجُهَا أَنْ تَكْفِيَهُ النَّفَقَةَ، وَأَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ} (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الْآيَةَ {6} . أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْحِيرِيُّ قال: ¬
أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْفَاسِقُونَ} قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْأَنْصَارِ: أَهَكَذَا أُنْزِلَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَلَا تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ رَجُلٌ غَيُورٌ، وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً قَطُّ إلا بكرًا وما طَلَّقَ امْرَأَةً قَطُّ فَاجْتَرَأَ رَجُلٌ مِنَّا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْ شِدَّةِ غَيْرَتِهِ، فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهَا حَقٌّ وَأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَكِنْ قَدْ تَعَجَّبْتُ أَنْ لَوْ وَجَدْتُ لَكَاعِ قَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أُهِيجَهُ وَلَا أُحَرِّكَهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَا آتِي بِهِمْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ، فَمَا لَبِثُوا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ من أرضه عشيًّا فَوَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ رَجُلًا فَرَأَى بِعَيْنِهِ وَسَمِعَ بأذنه فلم يهيجه حتى أصبح وغدا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي جِئْتُ أَهْلِي عَشِيًّا فَوَجَدْتُ عِنْدَهَا رَجُلًا فَرَأَيْتُ بِعَيْنِي وَسَمِعْتُ بِأُذُنِي، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا جَاءَ بِهِ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: الْآنَ يَضْرِبُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ وَيُبْطِلُ شَهَادَتَهُ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ هِلَالٌ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِي مِنْهَا مَخْرَجًا، فَقَالَ هِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ أَرَى مَا قَدِ اشْتَدَّ عَلَيْكَ مِمَّا جِئْتُكَ بِهِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقٌ، فَوَاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ أَنْ يَأْمُرَ بِضَرْبِهِ إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ عَرَفُوا ذَلِكَ فِي تَرَبُّدِ جِلْدِهِ، فَأَمْسَكُوا عَنْهُ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْوَحْيِ، فَنَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} الْآيَاتِ كُلَّهَا، فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "أَبْشِرْ يَا هِلَالُ، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا"، فَقَالَ هِلَالٌ: قَدْ كُنْتُ أَرْجُو ذَاكَ مِنْ رَبِّي، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بن سنان المقري قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ المثنى قال: أخبرنا أَبُو خيثمة قال: أخبرنا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَإِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، وَإِنْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ، وَاللَّهِ لَأَسْأَلَنَّ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، أَوْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ افْتَحْ"، وَجَعَلَ يَدْعُو، فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} الْآيَةَ. فَابْتُلِيَ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ فَجَاءَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَلَاعَنَا، فَشَهِدَ الرَّجُلُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ لَعَنَ الْخَامِسَةَ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، فَذَهَبَتْ لِتَلْتَعِنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَهْ" فَلَعَنَتْ، فَلَمَّا أَدْبَرَتْ قَالَ: "لَعَلَّهَا أَنْ تَجِيءَ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا"، فَجَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الْآيَاتِ {11 - 20} . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن محمد المقري قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن علي المقري قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزهراني قال: ¬
أخبرنا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَدَنِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زوج النبيّ عليه الصلاة والسلام حِينَ قَالَ فِيهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وكلهم حدثني طائفة مِنْ حَدِيثِهَا وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ، وَأَثْبَتَ اقْتِصَاصًا وَوَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا: ذَكَرُوا أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ؛ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذلك بعدما نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأَنْزِلُ فِيهِ مَسِيرَنَا حَتَّى فَرَغَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غزوته وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ أُذِنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ وَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ. وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِي كَانُوا يَرْحَلُونَ بِي، فَحَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَّلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَتِ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُهْبَلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللحم إنما يأكلهن الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَحَّلُوهُ وَرَفَعُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا ووجدت عقدي بعد ما اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ وَظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُوا إِلَيَّ فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيَّ الْحِجَابُ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَاللَّهِ
مَا كَلَّمَنِي بِكَلِمَةٍ وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ وَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِيَّ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُهَا شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ: "كَيْفَ تِيكُمْ"، فَذَلِكَ يُحْزِنُنِي، وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حتى خرجت بعد ما نَقِهْتُ وَخَرَجَتْ مَعِي أم مسطح قيل الْمَنَاصِعِ وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا، وَلَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّنَزُّهِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بكر الصديق - رضي الله عنه - وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَابْنَةُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ بيتي حين فزعنا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَمَا قُلْتِ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؟ قَالَتْ: أي هنتاه أو لم تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قُلْتُ: وَمَاذَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: "كَيْفَ تِيكُمْ؟ " قُلْتُ: تَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ: وَأَنَا أُرِيدُ حِينَئِذٍ أَنْ أَتَيَقَّنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ: يَا أُمَّاهْ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَقُلْتُ سبحان الله، أو قد تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا وَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ؟. قَالَتْ: فبكيت تلك الليل حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ
الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ لَهُمْ مِنَ الْوُدِّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمْ أَهْلُكَ وَمَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِيرَةَ فَقَالَ: "يَا بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ شَيْئًا يَرِيبُكِ مِنْ عَائِشَةَ؟ " قَالَتْ بَرِيرَةُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بن سَلُولَ، فَقَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي"؛ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا ففعلنا أمرك، قال: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ معاذ: كذبت لعمرالله، لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ. فَقَامَ أسيد بن الحضير وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لنقتلنه، إنك منافق تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. فَثَارَ الْحَيَّانِ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، قَالَتْ: وَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، قَالَتْ: فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا وَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ إِذْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ جَلَسَ، وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ لِي مَا قِيلَ، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَيْءٌ، قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ
فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ"، قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لِأَبِي أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا قَالَ. قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ هَذَا وَقَدِ اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِكُمْ فَصَدَّقْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ يعلم أني منه بريئة لتصدقني، وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (¬1) قال: ثم تحولت واضطجعت على فراشي، قال: وَأَنَا وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يَنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْزِلَهُ وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى على نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأخذه مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْوَحْيِ، قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَضْحَكُ، وَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: "أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ"، فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الَّذِي بَرَّأَنِي، قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الْعَشْرَ الْآيَاتِ. فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ وَفَقْرِهِ - وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ¬
تَعَالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} إِلَى قَوْلِهِ {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ وَقَالَ: لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} الْآيَةَ {16} . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْعَدْلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ قال أخبرنا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عروة أن عاثشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حَدَّثَتْهُ بِحَدِيثِ الْإِفْكِ، وَقَالَتْ فِيهِ وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ حِينَ أَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ وَقَالَتْ: يَا أَبَا أَيُّوبَ أَلَمْ تسمع بما تحدث النَّاسُ؟ قَالَ: وَمَا يَتَحَدَّثُونَ؟ فَأَخْبَرَتْهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، فَقَالَ: مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سبحانك هذا بهذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ، قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَمْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ لِابْنِ عَبَّاسٍ ¬
عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تَمُوتُ، وَعِنْدَهَا ابْنُ أَخِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكِ وَهُوَ مِنْ خَيْرِ بَنِيكِ، فَقَالَتْ: دَعْنِي مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ تَزْكِيَتِهِ، فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَقِيهٌ فِي دِينِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَأْذَنِي لَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْكِ وَلْيُوَدِّعْكِ، فَقَالَتْ فَأْذَنْ لَهُ إِنْ شِئْتَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ ابْنُ عباس ثم سلم وجلس، فَقَالَ: أَبْشِرِي يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَكِ وَبَيْنَ أَنْ يَذْهَبَ عَنْكِ كُلُّ أَذًى وَنَصَبٍ أَوْ قَالَ وَصَبٍ فَتَلْقِي الْأَحِبَّةَ محمدًا عليه الصلاة والسلام وَحِزْبَهُ، أَوْ قَالَ وَأَصْحَابَهُ، إِلَّا أَنْ يُفَارِقَ الرُّوحُ جَسَدَهُ، كُنْتِ أَحَبَّ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ يُحِبُّ إِلَّا طَيِّبًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَرَاءَتَكِ مِنْ فوق سبع سموات فَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ مَسْجِدٌ إِلَّا وَهُوَ يُتْلَى فِيهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَسَقَطَتْ قِلَادَتُكِ لَيْلَةَ الْأَبْوَاءِ فَاحْتَبَسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنْزِلِ وَالنَّاسُ مَعَهُ فِي ابْتِغَائِهَا، أَوْ قَالَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى أَصْبَحَ النَّاسُ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} (¬1) (¬2) الْآيَةَ. فَكَانَ فِي ذَلِكَ رُخْصَةٌ لِلنَّاسِ عَامَّةً فِي سَبَبِكِ، فَوَاللَّهِ إِنَّكِ لَمُبَارَكَةٌ، فَقَالَتْ: دَعْنِي يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ هَذَا فَوَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا. (¬3) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} الْآيَةَ {27 - 29} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدِّينَوَرِيُّ قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ سختويه قال: أخبرنا عُمَرُ بْنُ ثَوْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يوسف القريابي قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَكُونُ فِي بَيْتِي عَلَى حَالٍ لَا أُحِبُّ أَنْ يَرَانِي عَلَيْهَا أَحَدٌ لَا وَالِدٌ وَلَا وَلَدٌ، ¬
فَيَأْتِي الْأَبُ فَيَدْخُلُ عَلَيَّ، وَإِنَّهُ لَا يَزَالُ يَدْخُلُ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي وَأَنَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} الْآيَةَ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْخَانَاتِ وَالْمَسَاكِنَ فِي طُرُقِ الشَّامِ لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} الْآيَةَ {33} . نَزَلَتْ فِي غُلَامٍ لِحُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى يُقَالُ لَهُ "صُبَيْحٌ" سَأَلَ مَوْلَاهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ فَأَبَى عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَكَاتَبَهُ حُوَيْطِبٌ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ وَوَهَبَ لَهُ مِنْهَا عِشْرِينَ دِينَارًا فَأَدَّاهَا، وَقُتِلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فِي الْحَرْبِ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} الْآيَةَ {33} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطوسي قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ حمدان قال: أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ يَقُولُ لِجَارِيَةٍ لَهُ: اذْهَبِي فَابْغِينَا شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. (¬2) - أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يحيى قال: أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أويس قال: أخبرنا مَالِكٌ، عَنِ ¬
ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} نَزَلَتْ فِي "مُعَاذَةَ" جَارِيَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بن سَلُولَ. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَيَّاشُ بْنُ الوليد قال: أخبرنا عَبْدُ الأعلى قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق قال: حدثني الزُّهْرِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَتْ "مُعَاذَةُ" جَارِيَةً لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بن سَلُولَ وكانت مسلمة، وكان يَسْتَكْرِهُهَا عَلَى الْبِغَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. (¬1) - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الفقيه قال: أخبرنا أَبُو الْقَاسِمِ البغوي قال: أخبرنا دَاوُدُ بْنُ عمرو قال: أخبرنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا "مُسَيْكَةُ"، فَكَانَ يُكْرِهُهَا عَلَى الْبِغَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ فِي "مُعَاذَةَ" وَ"مُسَيْكَةَ" جَارِيَتَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ الْمُنَافِقِ كَانَ يُكْرِهُهُمَا عَلَى الزِّنَا لِضَرِيبَةٍ يَأْخُذُهَا مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُؤَاجِرُونَ إِمَاءَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ قَالَتْ مُعَاذَةُ لِمُسَيْكَةَ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ لَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ: فَإِنْ يَكُ خَيْرًا فَقَدِ اسْتَكْثَرْنَا مِنْهُ، وَإِنْ يَكُ شَرًّا فَقَدْ آنَ لَنَا أَنْ نَدَعَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي سِتِّ جَوَارٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ كَانَ يُكْرِهُهُنَّ عَلَى الزِّنَا ¬
وَيَأْخُذُ أُجُورَهُنَّ، وَهُنَّ مُعَاذَةُ، وَمُسَيْكَةُ، وَأُمَيْمَةُ، وَعَمْرَةُ، وَأَرْوَى، وَقُتَيْلَةُ، فَجَاءَتْ إِحْدَاهُنَّ ذَاتَ يَوْمٍ بِدِينَارٍ وَجَاءَتْ أُخْرَى بِبُرْدٍ، فَقَالَ لَهُمَا: ارْجِعَا فَازْنِيَا، فَقَالَتَا: وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ قَدْ جَاءَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَحَرَّمَ الزِّنَا، فَأَتَيَا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشكيتا إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ الْفَضْلِ الْحَدَّادِيُّ أَخْبَرَهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرزاق قال: أخبرنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ أَسِيرًا، وَكَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا "مُعَاذَةُ"، وَكَانَ الْقُرَشِيُّ الْأَسِيرُ يُرَاوِدُهَا عَنْ نَفْسِهَا، وَكَانَتْ تَمْتَنِعُ مِنْهُ لِإِسْلَامِهَا، وَكَانَ ابْنُ أُبَيٍّ يُكْرِهُهَا عَلَى ذَلِكَ وَيَضْرِبُهَا لِأَجْلِ أَنْ تَحْمِلَ مِنَ الْقُرَشِيِّ فَيَطْلُبَ فِدَاءَ وَلَدِهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ أَغْفِرُ لَهُنَّ مَا أُكْرِهْنَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} الْآيَةَ {48} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هَذِهِ الْآيَةُ وَالَّتِي بَعْدَهَا نَزَلَتَا فِي "بِشْرٍ" الْمُنَافِقِ وَخَصْمِهِ الْيَهُودِيِّ حِينَ اخْتَصَمَا فِي أَرْضٍ، فَجَعَلَ الْيَهُودِيُّ يَجُرُّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا، وَجَعَلَ الْمُنَافِقُ يَجُرُّهُ إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَيَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَحِيفُ عَلَيْنَا، وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ عِنْدَ قَوْلِهِ: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} فِي سُورَةِ النِّسَاءِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الْآيَةَ {55} . رَوَى الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ بَعْدَمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ خَائِفًا هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَدْعُونَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانُوا بِهَا خَائِفِينَ،
يُصْبِحُونَ فِي السِّلَاحِ وَيُمْسُونَ فِي السِّلَاحِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَأْتِي عَلَيْنَا يَوْمٌ نَأْمَنُ فِيهِ وَنَضَعُ فِيهِ السِّلَاحَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنْ تَلْبَثُوا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى يَجْلِسَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ فِي الْمَلَأِ الْعَظِيمِ مُحْتَبِيًا لَيْسَتْ فِيهِمْ حَدِيدَةٌ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَأَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ عَلَى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَوَضَعُوا السِّلَاحَ وَأَمِنُوا ثُمَّ قَبَضَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ فَكَانُوا آمِنِينَ كَذَلِكَ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَتَّى وَقَعُوا فِيهِ وَكَفَرُوا النِّعْمَةَ، فَأَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْخَوْفَ وَغَيَّرُوا، فَغَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مَا بِهِمْ. (¬1) - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بن الحسين النقيب قال: أخبرنا جدِّي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بْنِ الْحَسَنِ النصرأباذي قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدارمي قال: أخبرنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ واقد قال: أخبرنا أَبِي عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كعب قال: لما قدم النبيّ عليه الصلاة والسلام وَأَصْحَابُهُ الْمَدِينَةَ وَآوَتْهُمُ الْأَنْصَارُ رَمَتْهُمُ الْعَرَبُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، فَكَانُوا لَا يَبِيتُونَ إِلَّا فِي السِّلَاحِ وَلَا يصبحون إلا في لأمتهم، فقالوا: ترون أَنَّا نَعِيشُ حَتَّى نَبِيتَ آمِنِينَ مُطْمَئِنِّينَ لَا نَخَافُ إِلَّا اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} يَعْنِي بِالنِّعْمَةِ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ شَاذَانَ، عَنِ الدَّارِمِيِّ. ¬
(¬1) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} الْآيَةَ {58} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُلَامًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ مُدْلِجُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقْتَ الظَّهِيرَةِ لِيَدْعُوَهُ، فَدَخَلَ فَرَأَى عُمَرَ بِحَالَةٍ كَرِهَ عُمَرُ رُؤْيَتَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَدِدْتُ لَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا وَنَهَانَا فِي حَالِ الِاسْتِئْذَانِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي أَسْمَاءَ بِنْتِ مَرْثَدٍ كَانَ لَهَا غُلَامٌ كَبِيرٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فِي وَقْتٍ كَرِهَتْهُ، فَأَتَتْ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إِنَّ خَدَمَنَا وَغِلْمَانَنَا يَدْخُلُونَ عَلَيْنَا فِي حَالٍ نَكْرَهُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} الْآيَةَ {61} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ} (¬3) تَحَرَّجَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ مُؤَاكَلَةِ الْمَرْضَى وَالزَّمْنَى وَالْعُمْيِ وَالْعُرْجِ، وَقَالُوا: الطَّعَامُ أَفْضَلُ الْأَمْوَالِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَالْأَعْمَى لَا يُبْصِرُ مَوْضِعَ الطَّعَامِ ¬
الطَّيِّبِ، وَالْأَعْرَجُ لَا يَسْتَطِيعُ الْمُزَاحَمَةَ عَلَى الطَّعَامِ، وَالْمَرِيضُ لَا يَسْتَوْفِي الطَّعَامَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ: كَانَ الْعُرْجَانُ وَالْعُمْيَانُ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ مُؤَاكَلَةِ الْأَصِحَّاءِ، لِأَنَّ النَّاسَ يَتَقَذَّرُونَهُمْ وَيَكْرَهُونَ مُؤَاكَلَتَهُمْ، وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا يُخَالِطُهُمْ فِي طَعَامِهِمْ أَعْمَى وَلَا أَعْرَجُ وَلَا مَرِيضٌ تَقَذُّرًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَرْخِيصًا لِلْمَرْضَى وَالزَّمْنَى فِي الأكل من ييوت مِنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مَا يُطْعِمُونَهُمْ ذَهَبُوا بِهِمْ إِلَى بيوت آبائهم وأماتهم أَوْ بَعْضِ مَنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى فِي هذه الآية، وكان أَهْلُ الزَّمَانَةِ يَتَحَرَّجُونَ مِنْ أَنْ يَطْعَمُوا ذَلِكَ الطَّعَامَ لِأَنَّهُ أَطْعَمَهُمْ غَيْرُ مَالِكِيهِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا يَذْهَبُونَ بِنَا إِلَى بُيُوتِ غَيْرِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ التَّاجِرُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الحافظ قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ يحيى قال: أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيس قال: حدثني مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ كَانُوا إِذَا خَرَجُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعُوا مَفَاتِيحَ بُيُوتِهِمْ عِنْدَ الْأَعْمَى وَالْأَعْرَجِ وَالْمَرِيضِ وَعِنْدَ أَقَارِبِهِمْ، وَكَانُوا يَأْمُرُونَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا فِي بُيُوتِهِمْ إِذَا احْتَاجُوا إِلَى ذَلِكَ، وَكَانُوا يَتَّقُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا وَيَقُولُونَ: نَخْشَى أَنْ لَا تَكُونَ أَنْفُسُهُمْ بِذَلِكَ طَيِّبَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} الْآيَةَ {61} . قَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي حَيٍّ مِنْ كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَيْثِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ الطَّعَامَ وَحْدَهُ، فَرُبَّمَا قَعَدَ الرَّجُلُ وَالطَّعَامُ بَيْنَ يَدَيْهِ
مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الرَّوَاحِ، وَالشَّوْلُ حُفَّلٌ وَالْأَحْوَالُ مُنْتَظِمَةٌ تَحَرُّجًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ، فَإِذَا أَمْسَى وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا أَكَلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانُوا لَا يَأْكُلُونَ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ ضَيْفٌ إِلَّا مَعَ ضَيْفِهِمْ، فَرَخَّصَ اللَّهُ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا كَيْفَ شَاءُوا جَمِيعًا مُتَحَلِّقِينَ أَوْ أَشْتَاتًا مُتَفَرِّقِينَ.
سورة الفرقان
سُورَةُ الْفُرْقَانِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ} الْآيَةَ {10} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْبُخَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ فرقد قال: أخبرنا إِسْحَاقُ بْنُ بشر قال: أخبرنا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا عَيَّرَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَاقَةِ وَقَالُوا: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ مُعَزِّيًا لَهُ، فَقَالَ: "السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَبُّ الْعِزَّةِ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} " أَيْ: يَبْتَغُونَ الْمَعَاشَ فِي الدُّنْيَا قَالَ: فَبَيْنَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَدَّثَانِ إِذْ ذَابَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى صَارَ مِثْلَ الْهُرْدَةِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهُرْدَةُ؟ قَالَ: "الْعَدَسَةُ"، فَقَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مالك ذُبْتَ حَتَّى صِرْتَ مِثْلَ الْهُرْدَةِ" قَالَ: "يَا مُحَمَّدُ فُتِحَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ وَلَمْ يَكُنْ فُتِحَ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُعَذَّبَ قَوْمُكَ عِنْدَ تَعْيِيرِهِمْ إياك بالفاقة"، وأقبل النَّبِيُّ وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ يَبْكِيَانِ، إِذْ عَادَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى حَالِهِ، فَقَالَ: "أَبْشِرْ يَا مُحَمَّدُ هَذَا رِضْوَانُ خَازِنُ الْجَنَّةِ قَدْ أَتَاكَ بِالرِّضَا مِنْ رَبِّكَ"، فَأَقْبَلَ رِضْوَانُ حَتَّى سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: "يَا مُحَمَّدُ: رَبُّ ¬
الْعِزَّةِ يُقْرِئُكَ السلام" - ومعه سقط مِنْ نُورٍ يَتَلَأْلَأُ - "وَيَقُولُ لك ربك: هذا مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ الدُّنْيَا مَعَ مَا لَا يَنْتَقِصُ لَكَ مِمَّا عِنْدِي فِي الْآخِرَةِ مِثْلَ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ" فَنَظَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ، فَضَرَبَ جِبْرِيلُ بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ فَقَالَ: "تَوَاضَعْ لِلَّهِ"، فَقَالَ: "يَا رِضْوَانُ لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا، الْفَقْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَأَنْ أَكُونَ عَبْدًا صَابِرًا شَكُورًا"، فَقَالَ رِضْوَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "أَصَبْتَ أَصَابَ اللَّهُ بِكَ"، وَجَاءَ نِدَاءٌ مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأْسَهُ، فَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدْ فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا إِلَى الْعَرْشِ، وَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ أَنْ تُدَلِّيَ غُصْنًا مِنْ أَغْصَانِهَا عَلَيْهِ عِذْقٌ عَلَيْهِ غُرْفَةٌ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ بَابٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ بَصَرَكَ"، فَرَفَعَ فَرَأَى مَنَازِلَ الْأَنْبِيَاءِ وَغُرَفَهُمْ، فَإِذَا مَنَازِلُهُ فَوْقَ مَنَازِلِ الْأَنْبِيَاءِ فَضْلًا لَهُ خَاصَّةً، وَمُنَادٍ يُنَادِي: "أَرَضِيتَ يَا مُحَمَّدُ؟ " فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "رَضِيتُ، فَاجْعَلْ مَا أَرَدْتَ أَنْ تُعْطِيَنِي فِي الدُّنْيَا ذَخِيرَةً عِنْدَكَ فِي الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وَيُرْوَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أَنْزَلَهَا رِضْوَانُ: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} الْآيَةَ {27} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: كَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ يَحْضُرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُجَالِسُهُ وَيَسْتَمِعُ إِلَى كَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ، فَزَجَرَهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ عَنْ ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: وَكَانَ عُقْبَةُ خَلِيلًا لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَأَسْلَمَ عُقْبَةُ، فَقَالَ أُمَيَّةُ: وَجْهِي مِنْ وَجْهِكَ حَرَامٌ إِنْ تابعت محمدًا عليه الصلاة والسلام، وَكَفَرَ وَارْتَدَّ لِرِضَا أُمَيَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
(¬1) - وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ كَانَا مُتَحَالِفَيْنِ، وَكَانَ عُقْبَةُ لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلَّا صَنَعَ طَعَامًا فَدَعَا إِلَيْهِ أَشْرَافَ قَوْمِهِ، وَكَانَ يُكْثِرُ مُجَالَسَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ ذَاتَ يَوْمٍ فَصَنَعَ طَعَامًا فَدَعَا النَّاسَ، وَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى طَعَامِهِ، فَلَمَّا قَرَّبَ الطَّعَامَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا أَنَا بِآكِلٍ مِنْ طَعَامِكَ حَتَّى تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ"، فَقَالَ عُقْبَةُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَعَامِهِ، وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ غَائِبًا، فَلَمَّا أُخْبِرَ بِقِصَّتِهِ قَالَ: صَبَأْتَ يَا عُقْبَةُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا صَبَأْتُ وَلَكِنْ دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَأَبَى أَنْ يَطْعَمَ مِنْ طَعَامِي إِلَّا أَنْ أَشْهَدَ لَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ يخرج من بيت وَلَمْ يَطْعَمْ، فَشَهِدْتُ لَهُ فَطَعِمَ، فَقَالَ أُبَيٌّ: مَا أَنَا بِالَّذِي أَرْضَى عَنْكَ أَبَدًا إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُ فَتَبْزُقَ فِي وَجْهِهِ وَتَطَأَ عُنُقَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ عُقْبَةُ، فَأَخَذَ رَحِمَ دَابَّةٍ فَأَلْقَاهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لَا أَلْقَاكَ خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ إِلَّا عَلَوْتُ رَأْسَكَ بِالسَّيْفِ"، فَقُتِلَ عُقْبَةُ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْرًا، وَأَمَّا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْمُبَارَزَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَمَّا بَزَقَ عُقْبَةُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَادَ بُزَاقُهُ فِي وَجْهِهِ فَتَشَعَّبَ شُعْبَتَيْنِ، فَأَحْرَقَ خَدَّيْهِ وَكَانَ أَثَرُ ذَلِكَ فِيهِ حَتَّى مَاتَ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} {68 - 70} . إِلَى آخِرِ ¬
الْآيَاتِ. أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعَالِبِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عيسى قال: أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزعفراني قال: أخبرنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا، ثُمَّ أتوا محمدًا عليه الصلاة والسلام فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً، فَنَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورًا رَحِيمًا} رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ عَنْ حَجَّاجٍ. أَخْبَرَنَا محمد بن ناصر بْنُ يَحْيَى الْمُزَكِّي قال: أخبرنا وَالِدِي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثقفي قال: أخبرنا إِبْرَاهِيمُ الْحَنْظَلِيُّ ومحمد بن صباح قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ"، قَالَ: قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ"، قَالَ: قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ: "أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقًا لِذَلِكَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ يَحْيَى وَمُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جعفر قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبراهيم قال: أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إسحاق قال: أخبرنا الْحَارِثُ بْنُ الزبير قال: أخبرنا أَبُو رَاشِدٍ مَوْلَى اللِّهْبِيِّينَ، عَنْ ¬
سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ الْقَدَّاحِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَتَى وَحْشِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَتَيْتُكَ مُسْتَجِيرًا فَأَجِرْنِي حَتَّى أَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "قَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاكَ عَلَى غَيْرِ جِوَارٍ، فَأَمَّا إِذْ أَتَيْتَنِي مُسْتَجِيرًا فَأَنْتَ فِي جِوَارِي حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ" قَالَ: فَإِنِّي أَشْرَكْتُ بِاللَّهِ وَقَتَلْتُ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَزَنَيْتُ، هَلْ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنِّي تَوْبَةً؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى نَزَلَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَتَلَاهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: أَرَى شَرْطًا فَلَعَلِّي لَا أَعْمَلُ صَالِحًا، أَنَا فِي جِوَارِكَ حَتَّى أَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ، فَنَزَلَتْ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (¬1) فَدَعَا بِهِ فَتَلَاهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَلَعَلِّي مِمَّنْ لَا يَشَاءُ، أَنَا فِي جِوَارِكَ حَتَّى أَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ. فنزلت: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} (¬2) فَقَالَ: نَعَمْ الْآنَ لَا أَرَى شَرْطًا فَأَسْلَمَ. ¬
سورة القصص
سُورَةُ الْقَصَصِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية {56} . أخبرنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشيرازي قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خمروية قال: أخبرنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الخزاعي قال: أخبرنا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعَاوِدَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ بِهِ: أَنَا عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} (¬2) الْآيَةَ، وَأَنْزَلَ فِي أَبِي طَالِبٍ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ ¬
يَشَاءُ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ. (¬1) - أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشيباني قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ قَالَ: أخبرنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمِّهِ: "قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، قَالَ: لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ يَقُولُونَ إِنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ الْحِيرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مِقْسَمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} {57} . ¬
نَزَلَتْ فِي الْحَارِثِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي تَقُولُ حَقٌّ، لَكِنْ يَمْنَعُنَا مِنِ اتِّبَاعِكَ أن العرب تخطفنا مِنْ أَرْضِنَا لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى خِلَافِنَا وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ} {61} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سليمان قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَازِمٍ الإيلي قال: أخبرنا بَدَلُ بْنُ المحبر قال: أخبرنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ وَأَبِي جَهْلٍ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي عَمَّارٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي جَهْلٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} {68} . قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: نَزَلَتْ جَوَابًا لِلْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ حِينَ قَالَ فِيمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (¬1) أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَبْعَثُ الرُّسُلَ بِاخْتِيَارِهِمْ. ¬
سورة العنكبوت
سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ} الْآيَتَيْنِ {1، 2} . قَالَ الشَّعْبِيُّ نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ كَانُوا بِمَكَّةَ قَدْ أَقَرُّوا بِالْإِسْلَامِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْكُمْ إِقْرَارٌ وَلَا إِسْلَامٌ حَتَّى تُهَاجِرُوا، فَخَرَجُوا عَامِدِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَاتَّبَعَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَآذَوْهُمْ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ وَكَتَبُوا إِلَيْهِمْ أَنْ قَدْ نَزَلَتْ فِيكُمْ آيَةُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالُوا: نَخْرُجُ فَإِنِ اتَّبَعَنَا أَحَدٌ قَاتَلْنَاهُ، فَخَرَجُوا فَاتَّبَعَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَقَاتَلُوهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ وَمِنْهُمْ مَنْ نَجَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} (¬1) الْآيَةَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ نَزَلَتْ فِي مِهْجَعٍ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ رَمَاهُ عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ: "سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ مِهْجَعٌ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ"، فَجَزِعَ عَلَيْهِ أَبَوَاهُ وَامْرَأَتُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْمَشَقَّةِ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} الْآيَةَ {8} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ فِي سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ قَالَتْ لَهُ أُمُّهُ حَمْنَةُ: يَا سَعْدُ بَلَغَنِي أَنَّكَ صَبَوْتَ فَوَاللَّهِ لَا يُظِلُّنِي سَقْفُ بَيْتٍ مِنَ الضِّحِّ وَالرِّيحِ وَلَا آكُلُ وَلَا أَشْرَبُ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَرْجِعَ إِلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَحَبَّ وَلَدِهَا ¬
إِلَيْهَا، فَأَبَى سَعْدٌ، فَصَبَرَتْ هِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَمْ تَأْكُلْ وَلَمْ تَشْرَبْ وَلَمْ تَسْتَظِلَّ بِظِلٍّ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا، فَأَتَى سَعْدٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَكَا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّتِي فِي لُقْمَانَ (¬1) وَالْأَحْقَافِ (¬2) . (¬3) - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْغَازِي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حمدان قال: أخبرنا أَبُو يعلى قال: أخبرنا أَبُو خيثمة قال: أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ موسى قال: أخبرنا زهير قال: أخبرنا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيَّ، قَالَ: حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ لَا تُكَلِّمُهُ أَبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ، وَلَا تَأْكُلُ وَلَا تَشْرَبُ وَمَكَثَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ. (¬4) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي} الْآيَةَ {8} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَافِظِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يعلى قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ رَاشِدٍ الضبي قال: أخبرنا مَسْلَمَةُ بْنُ علقمة قال: أخبرنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: أُنْزِلَتْ فِيَّ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا بَرًّا بِأُمِّي، فَلَمَّا أَسْلَمْتُ قَالَتْ: يَا سَعْدُ مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي قَدْ أَحْدَثْتَ؟ لَتَدَعَنَّ دينك هذا أولا آكُلُ وَلَا أَشْرَبُ حَتَّى أَمُوتَ فَتُعَيَّرَ بِي فَيُقَالَ: يَا قَاتِلَ أُمِّهِ، قُلْتُ: لَا تَفْعَلِي يَا أُمَّاهْ فَإِنِّي لَا أَدَعُ ¬
دِينِي هَذَا لِشَيْءٍ، قَالَ: فَمَكَثَتْ يَوْمًا لَا تَأْكُلُ فَأَصْبَحَتْ قَدْ جَهِدَتْ، قَالَ: فَمَكَثَتْ يَوْمًا آخَرَ وَلَيْلَةً لَا تَأْكُلُ، فَأَصْبَحَتْ قد اشْتَدَّ جَهْدُهَا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: تَعْلَمِينَ وَاللَّهِ يَا أُمَّهْ لَوْ كَانَتْ لَكِ مِائَةُ نَفْسٍ فَخَرَجَتْ نَفْسًا نَفْسًا مَا تَرَكْتُ دِينِي هَذَا لِشَيْءٍ، إِنْ شِئْتِ فَكُلِي وَإِنْ شِئْتِ فَلَا تَأْكُلِي، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَكَلَتْ، فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ ... .} الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} {10} . قَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَإِذَا أَصَابَهُمْ بَلَاءٌ مِنَ اللَّهِ وَمُصِيبَةٌ فِي أَنْفُسِهِمُ افْتَتَنُوا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بِمَكَّةَ كَانُوا يُؤْمِنُونَ، فَإِذَا أُوذُوا رَجَعُوا إِلَى الشِّرْكِ. (¬1) - وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمُ الْمُشْرِكُونَ إِلَى بَدْرٍ فَارْتَدُّوا وَهُمُ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} (¬2) الْآيَةَ. (¬3) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} الْآيَةَ {60} . أَخْبَرَنَا أَبُو ¬
بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حيان قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الجمال قال: أخبرنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ البجلي قال: أخبرنا يَزِيدُ بْنُ هارون قال: أخبرنا الجرّاح بْنُ مِنْهَالٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ - وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَطَاءٍ - عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا حَتَّى دَخَلَ بَعْضَ حِيطَانِ الْأَنْصَارِ، فَجَعَلَ يَلْقُطُ مِنَ التَّمْرِ وَيَأْكُلُ، فَقَالَ: "يَا ابن عمر مالك لَا تَأْكُلُ؟ " فَقُلْتُ: لَا أَشْتَهِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "لَكِنِّي أَشْتَهِيهِ، وَهَذِهِ صبيحة رابعة ما ذقت طَعَامًا، وَلَوْ شِئْتُ لَدَعَوْتُ رَبِّي فَأَعْطَانِي مِثْلَ مُلْكِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، فَكَيْفَ بِكَ يَا ابْنَ عُمَرَ إِذَا بَقِيتَ فِي قَوْمٍ يَخْبَئُونَ رِزْقَ سَنَتِهِمْ وَيَضْعُفُ الْيَقِينُ؟ " قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا بَرِحْنَا حَتَّى نَزَلَتْ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .
سورة الروم
سورة الروم بسم الله الرحمن الرحيم قَوْلُهُ تَعَالَى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} الْآيَاتِ {1 - 3} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: بَعَثَ كِسْرَى جَيْشًا إِلَى الرُّومِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُسَمَّى شَهْرَيَرَازَ، فَسَارَ إِلَى الرُّومِ بِأَهْلِ فَارِسَ وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَهُمْ وَخَرَّبَ مَدَائِنَهُمْ وَقَطَّعَ زَيْتُونَهُمْ، وَقَدْ كَانَ قَيْصَرُ بَعَثَ رَجُلًا يُدْعَى يُحَنَّسَ فَالْتَقَى مَعَ شَهْرَيَرَازَ بِأَذْرِعَاتٍ وَبُصْرَى وَهِيَ أَدْنَى الشَّامِ إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ، فَغَلَبَ فَارِسُ الرُّومَ، وَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ بِمَكَّةَ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُ أَنْ يَظْهَرَ الْأُمِّيُّونَ مِنَ الْمَجُوسِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الرُّومِ، وفرح الكفار وشتموا، فَلَقُوا أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: إِنَّكُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَالنَّصَارَى أَهْلُ كِتَابٍ وَنَحْنُ أُمِّيُّونَ، وَقَدْ ظَهَرَ إِخْوَانُنَا مِنْ أَهْلِ فَارِسَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ مِنَ الرُّومِ، وَإِنَّكُمْ إِنْ قَاتَلْتُمُونَا لَنَظْهَرَنَّ عَلَيْكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ. (¬1) - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاعِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ الْعَطَّارُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ قال: أخبرنا الحرث بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، فَأُعْجِبَ الْمُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ فَنَزَلَتْ: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} إِلَى قَوْلِهِ: {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ} قَالَ: يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِظُهُورِ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ. ¬
سورة لقمان
سُورَةُ لُقْمَانَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} {6} . قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ تَاجِرًا إِلَى فَارِسَ فَيَشْتَرِي أَخْبَارَ الْأَعَاجِمِ فَيَرْوِيهَا وَيُحَدِّثُ بِهَا قُرَيْشًا وَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثِ عَادٍ وَثَمُودَ، وَأَنَا أُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثِ رُسْتُمَ وَإِسْفِنْدِيَارَ وَأَخْبَارِ الْأَكَاسِرَةِ، فَيَسْتَمْلِحُونَ حَدِيثَهُ وَيَتْرُكُونَ اسْتِمَاعَ الْقُرْآنِ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي شِرَاءِ الْقِيَانِ وَالْمُغَنِّيَاتِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خزيمة قال: أخبرنا جدي قال: أخبرنا عَلِيُّ بْنُ حجر قال: أخبرنا مِشْمَعِلُ بْنُ مِلْحَانَ الطَّائِيُّ، عَنْ مُطَّرِحِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زُحَرَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لَا يَحِلُّ تَعْلِيمُ الْمُغَنِّيَاتِ وَلَا بَيْعُهُنَّ وَأَثْمَانُهُنَّ حَرَامٌ"، وَفِي مِثْلِ هَذَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْغِنَاءِ إِلَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ شَيْطَانَيْنِ، أَحَدُهُمَا عَلَى هَذَا الْمَنْكِبِ وَالْآخَرُ عَلَى هَذَا الْمَنْكِبِ، فَلَا يَزَالَانِ يَضْرِبَانِ بِأَرْجُلِهِمَا حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْكُتُ".
(¬1) - وَقَالَ ثُوَيْرُ بْنُ أَبِي فَاخِتَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً تُغَنِّيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي} {15} . نَزَلَتْ فِي سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} {15} . نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أَبَا بَكْرٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حِينَ أَسْلَمَ أَتَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَقَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - آمَنْتَ وصدقت محمدًا عليه الصلاة والسلام؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: نَعَمْ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لِسَعْدٍ: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} {27} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: سَأَلَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الرُّوحِ، فَأَنْزَلَ الله بمكة: {ويسئلونك عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحَ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ أَتَاهُ أَحْبَارُ الْيَهُودِ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ بَلَغَنَا عَنْكَ أَنَّكَ تَقُولُ: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} أَفَتَعْنِينَا أَمْ قَوْمَكَ؟ فَقَالَ: "كُلًّا قَدْ عَنَيْتُ"، قَالُوا: أَلَسْتَ تَتْلُو فِيمَا جَاءَكَ أَنَّا قد أوتينا التوارة وَفِيهَا عِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "هِيَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ قَلِيلٌ، وَلَقَدْ آتَاكُمُ اللَّهُ تَعَالَى مَا إِنْ عَمِلْتُمْ بِهِ انْتَفَعْتُمْ بِهِ"، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ تَزْعُمُ هَذَا؟ أنت تَقُولُ: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ هَذَا عِلْمٌ قَلِيلٌ وَخَيْرٌ كَثِيرٌ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} الْآيَةَ. ¬
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} {34} . نَزَلَتْ فِي الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ حَفْصَةَ، مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ عَنِ السَّاعَةِ وَوَقْتِهَا، وَقَالَ: إِنَّ أَرْضَنَا أَجْدَبَتْ، فَمَتَى يَنْزِلُ الْغَيْثُ وَتَرَكْتُ امْرَأَتِي حُبْلَى فَمَاذَا تَلِدُ؟ وَقَدْ عَلِمْتُ أَيْنَ وُلِدْتُ فَبِأَيِّ أَرْضٍ أَمُوتُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدُونَ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمْدَانُ السُّلَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ قَالَ؟ حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِفَرَسٍ لَهُ يَقُودُهَا عَقُوقٍ وَمَعَهَا مُهْرٌ لَهَا يَتْبَعُهَا، فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟: قَالَ: "أَنَا نَبِيُّ اللَّهِ"، قَالَ: وَمَنْ نَبِيُّ اللَّهِ؟ قَالَ: "رَسُولُ اللَّهِ"، قَالَ: مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "غَيْبٌ وَلَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ"، قَالَ: مَتَى تُمْطِرُ السَّمَاءُ؟ قَالَ: "غَيْبٌ وَلَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ"، قَالَ: مَا فِي بَطْنِ فَرَسِي هَذِهِ؟ قَالَ: "غَيْبٌ وَلَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ"، قَالَ: أَرِنِي سَيْفَكَ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيْفَهُ فَهَزَّهُ الرَّجُلُ ثُمَّ رَدَّهُ إِلَيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَمَا إِنَّكَ لَمْ تَكُنْ لِتَسْتَطِيعَ الَّذِي أَرَدْتَ"، قَالَ: وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ قَالَ: أَذْهَبُ إِلَيْهِ فَأَسْأَلُهُ عَنْ هَذِهِ الْخِصَالِ، ثُمَّ أَضْرِبُ عُنُقَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَطَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُوَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حذيفة قال: حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، لَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ وَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَنْزِلُ الْغَيْثُ إِلَّا اللَّهُ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ.
سورة السجدة
سُورَةُ السَّجْدَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} {16} . قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فِيمَنْ نَزَلَتْ، فَقَالَ: كَانَ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلُّونَ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إِلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أبو إسحاق المقري قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينوري قال: أخبرنا مُوسَى بْنُ محمد قال: أخبرنا الْحُسَيْنُ بْنُ علويه قال: أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عيسى قال: أخبرنا الْمُسَيَّبُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: فِينَا نَزَلَتْ مَعَاشِرَ الْأَنْصَارِ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} الْآيَةَ. كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ فَلَا نَرْجِعُ إِلَى رِحَالِنَا حَتَّى نُصَلِّيَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي الْمُتَهَجِّدِينَ الَّذِينَ يَقُومُونَ اللَّيْلَ إِلَى الصَّلَاةِ. ¬
وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا مَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْخَشَّابُ قال: أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْفَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السّرّاج قال: أخبرنا قُتَيْبَةُ بْنُ سعيد قال: أخبرنا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَقَدْ أَصَابَنَا الْحَرُّ فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْرَبُهُمْ مِنِّي فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْبِئْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ ويباعدني عن النَّارِ، قَالَ: "لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ؛ وَإِنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ بِأَبْوَابِ الخير كلها"، فقال: قُلْتُ: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ، وَقِيَامُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ يَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى"؛ قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا} الْآيَةَ {18} . نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَصْفَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بَنَانٍ الأنماطي قال: أخبرنا حُبَيْشُ بْنُ مُبَشِّرٍ الفقيه قال: أخبرنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ موسى قال: أخبرنا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَا أَحَدُّ مِنْكَ سِنَانًا، وَأَبْسَطُ مِنْكَ ¬
لِسَانًا، وَأَمْلَأُ لِلْكَتِيبَةِ مِنْكَ؛ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اسْكُتْ فَإِنَّمَا أَنْتَ فَاسِقٌ، فَنَزَلَ: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} قَالَ: يَعْنِي بِالْمُؤْمِنِ عَلِيًّا، وَبِالْفَاسِقِ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ.
سورة الأحزاب
سُورَةُ الْأَحْزَابِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} الْآيَةَ {1} . نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَأَبِي الْأَعْوَرِ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ السُّلَمِيِّ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ بَعْدَ قِتَالِ أُحُدٍ، فَنَزَلُوا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَقَدْ أَعْطَاهُمُ النبيّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَمَانَ عَلَى أَنْ يُكَلِّمُوهُ، فَقَامَ مَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ وَطُعْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ، فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ارْفُضْ ذِكْرَ آلِهَتِنَا اللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ، وَقُلْ إِنَّ لَهَا شَفَاعَةً وَمَنْفَعَةً لِمَنْ عَبَدَهَا وَنَدَعْكَ وَرَبَّكَ، فَشَقَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِئْذَنْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي قَتْلِهِمْ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْأَمَانَ، فَقَالَ عُمَرُ: اخْرُجُوا فِي لَعْنَةِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} {4} . نَزَلَتْ فِي جَمِيلِ بْنِ مَعْمَرٍ الْفِهْرِيِّ، وَكَانَ رَجُلًا لَبِيبًا حَافِظًا لِمَا سَمِعَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا حَفِظَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إِلَّا وَلَهُ قَلْبَانِ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ لِي قَلْبَيْنِ أَعْقِلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ ¬
مِنْهُمَا أَفْضَلَ مِنْ عَقْلِ مُحَمَّدٍ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَهُزِمَ الْمُشْرِكُونَ وَفِيهِمْ يَوْمَئِذٍ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ، تَلَقَّاهُ أَبُو سُفْيَانَ وَهُوَ مُعَلِّقٌ إِحْدَى نَعْلَيْهِ بِيَدِهِ وَالْأُخْرَى فِي رِجْلِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا مَعْمَرٍ مَا حَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: قَدِ انْهَزَمُوا، قَالَ: فَمَا بَالُكَ إِحْدَى نَعْلَيْكَ فِي يَدِكَ وَالْأُخْرَى فِي رِجْلِكَ؟ قَالَ: مَا شَعَرْتُ إِلَّا أَنَّهُمَا فِي رِجْلِي، وَعَرَفُوا يَوْمَئِذٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ قَلْبَانِ لَمَا نَسِيَ نَعْلَهُ فِي يَدِهِ. " قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} {4} . نَزَلَتْ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ كَانَ عَبْدًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَهُ وَتَبَنَّاهُ قَبْلَ الْوَحْيِ، فَلَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، وَكَانَتْ تَحْتَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، قَالَتِ الْيَهُودُ وَالْمُنَافِقُونَ: تَزَوَّجَ مُحَمَّدٌ امْرَأَةَ ابْنِهِ وَهُوَ يَنْهَى النَّاسَ عَنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ نُعَيْمٍ الْإِشْكَابِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثققي قال: أخبرنا قُتَيْبَةُ بْنُ سعيد قال: أخبرنا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا كُنَّا نَدْعُو زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَّا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَتَّى نَزَلَتْ فِي الْقُرْآنِ: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ أَسَدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} الْآيَةَ {23} . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ ¬
قَالَ: أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هاشم قال: أخبرنا بَهْزُ بْنُ أسد قال: أخبرنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ - وَبِهِ سُمِّيتُ أَنَسًا - عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِ لَمَّا قَدِمَ وَقَالَ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّهِ لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ قِتَالًا لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ، يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ مَشَى بِسَيْفِهِ فَلَقِيَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: أَيْ سَعْدُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ، قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَاهُ بَيْنَ الْقَتْلَى بِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ جِرَاحَةً مِنْ بَيْنِ ضَرْبَةٍ بالسيف وطعنة بالرمح ورمية بالسهم، وَقَدْ مَثَّلُوا به، وما عَرَفْنَاهُ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} قال: وكنا نَقُولُ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ. (¬1) - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزبيبي قال: أخبرنا بندار قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ بُنْدَارٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} {23} . نَزَلَتْ فِي طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى أُصِيبَتْ يَدُهُ، فَقَالَ، رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "اللَّهُمَّ أَوْجِبْ لِطَلْحَةَ الْجَنَّةَ". ¬
(¬1) - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ نَصْرٍ الرَّازِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا العباس بن إسماعيلى الرقي قال: أخبرنا إسماعيلى بْنُ يَحْيَى الْبَغْدَادِيُّ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قال: قالوا: أخبرنا عَنْ طَلْحَةَ. فَقَالَ: ذَلِكَ امْرُؤٌ نَزَلَتْ فِيهِ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مالك قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حدثني أبي: أخبرنا وَكِيعٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى طَلْحَةَ فَقَالَ: "هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ". (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} الْآيَةَ {33} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حيان قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي عاصم قال: أخبرنا أَبُو الرَّبِيعِ الزهراني قال: أخبرنا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الثوري قال: أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} قَالَ: نَزَلَتْ فِي خَمْسَةٍ: فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ والحسين عليهم السلام. ¬
أَخْبَرَنَا أبو سعيد النصروي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ القطيعي قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أبي قال: أخبرنا ابْنُ نمير قال: أخبرنا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ أُمَّ سَلَمَةَ تَذْكُرُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي بَيْتِهَا، فَأَتَتْهُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِبُرْمَةٍ فِيهَا خَزِيرَةٌ، فَدَخَلَتْ بِهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: "ادْعِي لِي زَوْجَكِ وَابْنَيْكِ"، قَالَتْ: فجاء علي وحسن وحسين، فدخلوا فجلسوا يَأْكُلُونَ مِنْ تِلْكَ الْخَزِيرَةِ وَهُوَ عَلَى مَنَامَةٍ لَهُ، وَكَانَ تَحْتَهُ كِسَاءٌ خَيْبَرِيٌّ، قَالَتْ: وَأَنَا فِي الْحُجْرَةِ أُصَلِّي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} قَالَتْ: فَأَخَذَ فَضْلَ الْكِسَاءِ فَغَشَّاهُمْ بِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَ يَدَيْهِ فَأَلْوَى بِهِمَا إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ هؤلاء أهل بيت وَخَاصَّتِي وَحَامِيَتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا"، قَالَتْ: فَأَدْخَلْتُ رَأْسِي الْبَيْتَ فَقُلْتُ: وَأَنَا مَعَكُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ، إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ". (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ السراج قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ يعقوب قال: أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عفان قال: أخبرنا أَبُو يَحْيَى والحماني، عَنْ صَالِحِ بْنِ مُوسَى الْقُرَشِيِّ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} أَخْبَرَنَا عَقِيلُ بن محمد الجرجاني فيما أجاز لي لفظًا قال: أخبرنا المعافى بْنُ زَكَرِيَّا الْقَاضِي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جرير قال: أخبرنا ابْنُ حميد قال: أخبرنا يَحْيَى بْنُ واضح قال: أخبرنا الْأَصْبَغُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ ¬
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} قَالَ: لَيْسَ الَّذِي تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ إِنَّمَا هِيَ فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَكَانَ عِكْرِمَةُ يُنَادِي بِهَذَا فِي السُّوقِ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} الْآيَةَ {35} . قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ لَمَّا رَجَعَتْ مِنَ الْحَبَشَةِ مَعَهَا زَوْجُهَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ دَخَلَتْ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: هَلْ نَزَلَ فِينَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ؟ قُلْنَ لَا، فَأَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النِّسَاءَ لَفِي خَيْبَةٍ وَخَسَارٍ، قَالَ: "وَمِمَّ ذَلِكَ؟ " قَالَتْ: لِأَنَّهُنَّ لَا يُذْكَرْنَ بِالْخَيْرِ كَمَا يُذْكَرُ الرِّجَالُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} إِلَى آخِرِهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ نِسَاءٌ مِنَ الْمُسْلِمَاتِ ¬
عَلَيْهِنَّ فَقُلْنَ: ذُكِرْتُنَّ وَلَمْ نُذْكَرْ، وَلَوْ كَانَ فِينَا خَيْرٌ لَذُكِرْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} الْآيَةَ {51} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ حِينَ غَارَ بَعْضُ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وآذينه بالغيرة فطلبن زِيَادَةَ النَّفَقَةِ، فَهَجَرَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ شَهْرًا حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ، وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَ مَنِ اخْتَارَتِ الدُّنْيَا وَيُمْسِكَ مِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَتِ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَرَسُولَهُ عَلَى أَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يُنْكَحْنَ أَبَدًا، وَعَلَى أَنْ يُؤْوِيَ إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيُرْجِيَ مِنْهُنَّ إِلَيْهِ من يشاء، فرضين بِهِ قَسَمَ لَهُنَّ أَوْ لَمْ يَقْسِمْ، أو فضل بعضهم عَلَى بَعْضٍ بِالنَّفَقَةِ وَالْقِسْمَةِ وَالْعِشْرَةِ، وَيَكُونَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إِلَيْهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، فَرَضِينَ بِذَلِكَ كُلِّهِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ مَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ التَّوْسِعَةِ يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ فِي الْقِسْمَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ يُوسُفَ السقطي. قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الحلواني قال: أخبرنا يَحْيَى بْنُ معين قال: أخبرنا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَا نَزَلَتْ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} يَسْتَأْذِنُنَا إِذَا كَانَ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا، قَالَتْ مُعَاذَةُ: فَقُلْتُ: مَا كُنْتِ تَقُولِينَ؟ قَالَتْ: كُنْتُ أَقُولُ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ إِلَيَّ لَمْ أُؤْثِرْ أَحَدًا عَلَى نَفْسِي. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ عَبَّادٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ أَشْفَقْنَ أَنْ يُطَلِّقَهُنَّ فَقُلْنَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا مِنْ مَالِكَ وَنَفْسِكَ مَا شِئْتَ وَدَعْنَا عَلَى حَالِنَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. (¬1) - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ¬
مُحَمَّدِ بْنِ نعيم قال: أخبرنا محمد بن يعقوب الأخرم قال: أخبرنا محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا مُحَاضِرُ بْنُ الْمُوَدِّعِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لِنِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا تَسْتَحِي الْمَرْأَةُ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَرَى رَبَّكَ يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ. قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الْآيَةَ {53} . قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: لَمَّا بَنَى رَسُولُ اللَّهِ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَوْلَمَ عَلَيْهَا بِتَمْرٍ وَسَوِيقٍ وَذَبَحَ شَاةً، قَالَ أَنَسٌ: وَبَعَثَتْ إِلَيْهِ أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ بِحَيْسٍ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَدْعُوَ أَصْحَابَهُ إِلَى الطَّعَامِ فَدَعَوْتُهُمْ، فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَجِيئُونَ فَيَأْكُلُونَ فَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ يَجِيءُ الْقَوْمُ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ دَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ. فَقَالَ: "ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ" فَرَفَعُوا فَخَرَجَ الْقَوْمُ وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ أَنْفَارٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ، فَأَطَالُوا الْمُكْثَ، وَتَأَذَّى مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ شَدِيدَ الْحَيَاءِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنِي وَبَيْنَهُ سِتْرًا. (¬1) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى بْنِ مجاشع قال: أخبرنا ¬
عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النرسي قال: أخبرنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، دَعَا الْقَوْمَ فَطَعِمُوا، ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ. قَالَ: فَأَخَذَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ، فَلَمْ يَقُومُوا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ وَقَامَ مِنَ الْقَوْمِ مَنْ قَامَ وَقَعَدَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ وَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ فَدَخَلَ فَإِذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ فَرَجَعَ وَإِنَّهُمْ قَامُوا وَانْطَلَقُوا، فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا، قَالَ: فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ، قَالَ: وَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَلْقَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأَنْزَلَ الله تعالى: {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ} الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ الْحَارِثِيِّ، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُعْتَمِرِ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاعِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ نُجَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الخليل قال: أخبرنا هِشَامُ بْنُ عمار قال: أخبرنا الْخَلِيلُ بْنُ موسى قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ مَرَّ عَلَى حُجْرَةٍ مِنْ حُجَرِهِ فَرَأَى فِيهَا قَوْمًا جُلُوسًا يَتَحَدَّثُونَ، ثُمَّ عَادَ فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ دُونِي، فَجِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ كُلَّهُ، فَقَالَ: لَئِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا لَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ
فِيهِ قُرْآنًا، فَأَنْزَلَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ منيب قال: أخبرنا يَزِيدُ بْنُ هارون قال: أخبرنا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ الْحِجَابِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عن حميد. (¬2) - أخبرني أَبُو حَكِيمٍ الْجُرْجَانِيُّ فِيمَا أَجَازَنِي لَفْظًا قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ القاضي قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ جرير قال: أخبرنا يَعْقُوبُ بْنُ إبراهيم قال: أخبرنا هُشَيْمٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَطْعَمُ وَمَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَأَصَابَتْ يَدُ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَ عَائِشَةَ وَكَانَتْ مَعَهُمْ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. (¬3) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} {53} قَالَ ابْنُ ¬
عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ سَادَةِ قُرَيْشٍ: لَوْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَتَزَوَّجَتْ عَائِشَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَنْزَلَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرٍو النَّيْسَابُورِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسن بن أحمد المخلدي قال: أخبرنا الْمُؤَمَّلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عيسى قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ يحيى قال: أخبرنا أَبُو حذيفة قال: أخبرنا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَرَفْنَا السَّلَامَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ فَنَزَلَتْ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ العدل قال: أخبرنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى الوشاء قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الصولي قال: أخبرنا الرِّيَاشِيُّ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْمَهْدِيَّ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَثَنَّى بِمَلَائِكَتِهِ، فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} آثَرَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الرُّسُلِ، وَاخْتَصَّكُمْ بِهَا مِنْ بَيْنِ الْأَنَامِ، فَقَابِلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ بِالشُّكْرِ. سَمِعْتُ الْأُسْتَاذَ أَبَا عُثْمَانَ الْحَافِظَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْإِمَامَ سَهْلَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: هَذَا التَّشْرِيفُ الَّذِي شَرَّفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} أَبْلَغُ وَأَتَمُّ مِنْ تَشْرِيفِ آدَمَ بِأَمْرِ الْمَلَائِكَةِ بِالسُّجُودِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ فِي ذَلِكَ التَّشْرِيفِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ، ثُمَّ عَنِ الْمَلَائِكَةِ
بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَتَشْرِيفٌ صَدَرَ عَنْهُ أَبْلَغُ مِنْ تَشْرِيفٍ تختصّ به بالملائكة مِنْ غَيْرِ جَوَازِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ، وهذا الَّذِي قَالَهُ سَهْلٌ مُنْتَزَعٌ مِنْ قَوْلِ الْمَهْدِيِّ، وَلَعَلَّهُ رَآهُ وَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مِنْهُ وَشَرَحَهُ وَقَابَلَ ذَلِكَ بِتَشْرِيفِ آدَمَ، فَكَانَ أَبْلَغَ وَأَتَمَّ مِنْهُ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي الصَّحِيحِ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سفيان قال: أخبرنا مسلم قال: أخبرنا قُتَيْبَةُ وَعَلِيُّ بْنُ حجر قالا: أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا". قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} {43} . قَالَ مُجَاهِدٌ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الْآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَعْطَاكَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ خَيْرٍ إِلَّا أَشْرَكَنَا فِيهِ، فَنَزَلَتْ: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} {58} . قَالَ عَطَاءٌ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَأَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَارِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ مُتَبَرِّجَةً فَضَرَبَهَا وَكَرِهَ مَا رَأَى مِنْ زِينَتِهَا فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلِهَا تَشْكُو عُمَرَ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ فَآذَوْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَذَلِكَ أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُؤْذُونَهُ وَيُسْمِعُونَهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي الزُّنَاةِ الَّذِينَ كَانُوا يَمْشُونَ فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ يَتْبَعُونَ النِّسَاءَ إِذَا بَرَزْنَ بِاللَّيْلِ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِنَّ، فَيَرَوْنَ الْمَرْأَةَ فَيَدْنُونَ مِنْهَا فَيَغْمِزُونَهَا، فَإِنْ سَكَتَتِ اتَّبَعُوهَا، وَإِنْ زَجَرَتْهُمُ انْتَهَوْا عَنْهَا، وَلَمْ يَكُونُوا يَطْلُبُونَ إِلَّا الْإِمَاءَ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ تُعْرَفُ الْحُرَّةُ مِنَ الْأَمَةِ إِنَّمَا
يَخْرُجْنَ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ، فَشَكَوْنَ ذَلِكَ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} الْآيَةَ {59} . أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المؤذّن قال: أخبرنا أَبُو عَلِيٍّ الفقيه قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الجنيد قال: أخبرنا زِيَادُ بْنُ أيوب قال: أخبرنا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: كَانَتْ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِلَى حَاجَاتِهِنَّ، وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَتَعَرَّضُونَ لَهُنَّ وَيُؤْذُونَهُنَّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَتِ الْمَدِينَةُ ضَيِّقَةَ الْمَنَازِلِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذَا كَانَ اللَّيْلُ خَرَجْنَ، يَقْضِينَ الْحَاجَةَ وَكَانَ فُسَّاقٌ مِنْ فُسَّاقِ الْمَدِينَةِ يَخْرُجُونَ، فَإِذَا رَأَوُا الْمَرْأَةَ عَلَيْهَا قِنَاعٌ قَالُوا: هَذِهِ حُرَّةٌ فَتَرَكُوهَا، وَإِذَا رَأَوُا الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ قِنَاعٍ قَالُوا: هَذِهِ أَمَةٌ، فَكَانُوا يُرَاوِدُونَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
سورة يس
سُورَةُ يس بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} الْآيَةَ {12} . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: كَانَ بَنُو سَلِمَةَ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إِنَّ آثَارَكُمْ تُكْتَبُ فَلِمَ تَنْتَقِلُونَ؟ ". (¬1) - أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الطَّبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الشَّرْقِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: شَكَتْ بَنُو سَلِمَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعْدَ مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "عَلَيْكُمْ مَنَازِلَكُمْ فَإِنَّمَا تُكْتَبُ آثَارُكُمْ". قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} {78} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَظْمٍ حَائِلٍ قَدْ بَلِيَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَتُرَى اللَّهُ يحيي هذا بعدما قَدْ رَمَّ؟ فَقَالَ: "نَعَمْ، وَيَبْعَثُكَ وَيُدْخِلُكَ النَّارَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى هذه الآية: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} ¬
(¬1) - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ أَبِي مَالِكٍ: أَنَّ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ الْجُمَحِيَّ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَظْمٍ حَائِلٍ فَفَتَّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَبْعَثُ اللَّهُ هَذَا بَعْدَمَا أَرَمَّ؟ فَقَالَ: "نَعَمْ، يَبْعَثُ اللَّهُ هَذَا وَيُمِيتُكَ ثُمَّ يُحْيِيكَ ثُمَّ يُدْخِلُكَ نَارَ جَهَنَّمَ"، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. ¬
سورة ص
سُورَةُ ص بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ... .} {5} . أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَبِي نَصْرٍ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدَوَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَارِمٍ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ، فَجَاءَتْ قُرَيْشٌ وَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَ رَأْسِ أَبِي طَالِبٍ مَجْلِسُ رَجُلٍ، فَقَامَ أَبُو جَهْلٍ كَيْ يَمْنَعَهُ ذَلِكَ، فَشَكَوْهُ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ؟ قَالَ: "يَا عَمِّ إِنَّمَا أُرِيدَ مِنْهُمْ كَلِمَةً تَذِلُّ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ بِهَا الْعَجَمُ"، قَالَ: وَمَا الْكَلِمَةُ؟ قَالَ: "كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ"، قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، فَقَالُوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا؟ قَالَ: فَنَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} حَتَّى بَلَغَ {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} ¬
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى قُرَيْشٍ وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ، قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ لِلْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُمُ الصَّنَادِيدُ وَالْأَشْرَافُ: امْشُوا إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ شَيْخُنَا وَكَبِيرُنَا قَدْ عَلِمْتَ مَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءُ، وَإِنَّا أَتَيْنَاكَ لِتَقْضِيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَأَرْسَلَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي هَؤُلَاءِ قَوْمُكَ يَسْأَلُونَكَ ذَا السَّوَاءِ فَلَا تَمِلْ كُلَّ الْمَيْلِ عَلَى قَوْمِكَ، فَقَالَ: "وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ " قَالُوا: ارْفُضْنَا وَارْفُضْ ذِكْرَ آلِهَتِنَا وَنَدَعُكَ وَإِلَهَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَتُعْطُونِي كَلِمَةً وَاحِدَةً تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ؟ " فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: لِلَّهِ أَبُوكَ لَنُعْطِيَنَّكَهَا وَعَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، فَنَفَرُوا مِنْ ذَلِكَ، وَقَامُوا فَقَالُوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا، كَيْفَ يَسَعُ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ؟! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} .
سورة الزمر
سُورَةُ الزُّمَرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} الْآيَةَ {9} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (¬2) - وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ. (¬3) - وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} الْآيَةَ {17} . قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَنْفَارٍ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَهُمْ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ. قَوْلُهُ تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} {17 - 18} . قَالَ ¬
عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - آمَنَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَدَّقَهُ، فَجَاءَ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَسَأَلُوهُ، فَأَخْبَرَهُمْ بِإِيمَانِهِ فَآمَنُوا، وَنَزَلَتْ فِيهِمْ: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ} قَالَ: يُرِيدُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} الْآيَةَ {22} . نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي لَهَبٍ وَوَلَدِهِ، فَعَلِيٌّ وَحَمْزَةُ مِمَّنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ، وَأَبُو لَهَبٍ وَأَوْلَادُهُ الَّذِينَ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} الْآيَةَ {23} . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الفريابي قال: أخبرنا إِسْحَاقُ بْنُ راهويه قال: أخبرنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ القرشي قال: أخبرنا خَلَّادٌ الصَّفَّارُ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ حَدَّثْتَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} قَوْلُهُ تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} الْآيَةَ {53} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ مَكَّةَ قَالُوا: يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّ مَنْ عَبَدَ الْأَوْثَانَ وَقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَكَيْفَ نُهَاجِرُ وَنُسْلِمُ وَقَدْ عَبَدْنَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَقَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
(¬1) - وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَنَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أَسْلَمُوا ثُمَّ فُتِنُوا وَعُذِّبُوا فَافْتَتَنُوا، فَكُنَّا نَقُولُ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ هَؤُلَاءِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا أَبَدًا، قَوْمٌ أَسْلَمُوا ثُمَّ تَرَكُوا دِينَهُمْ بِعَذَابٍ عُذِّبُوا بِهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ، وَكَانَ عُمَرُ كَاتِبًا، فَكَتَبَهَا إِلَى عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَأُولَئِكَ النَّفَرِ فَأَسْلَمُوا وَهَاجَرُوا. (¬2) - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَّاجُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْكَازِرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سلام قال: أخبرنا الْحَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بن جبير بحدث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا، وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا، ثُمَّ أَتَوْا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وتدعو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَاهُ كَفَّارَةً، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآية: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. (¬3) - أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْمُقْرِئُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خُرْجَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ ¬
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العلاء قال: أخبرنا يُونُسُ بْنُ بكير قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق قال: أخبرنا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعْنَا إِلَى الْهِجْرَةِ اتَّعَدْتُ أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ فَقُلْنَا: الْمِيعَادُ بَيْنَنَا الْمُنَاصِفُ مِيقَاتُ بَنِي غِفَارٍ، فَمَنْ حُبِسَ مِنْكُمْ لَمْ يَأْتِهَا فَقَدْ حُبِسَ فَلْيَمْضِ صَاحِبُهُ، فَأَصْبَحْتُ عِنْدَهَا أَنَا وَعَيَّاشٌ وَحُبِسَ عَنَّا هِشَامٌ وَفُتِنَ فَافْتَتَنَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَكُنَّا نَقُولُ: مَا اللَّهُ بِقَابِلٍ مِنْ هَؤُلَاءِ تَوْبَةً، قَوْمٌ عَرَفُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ لِبَلَاءٍ أَصَابَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا، فَأَنْزَلَ الله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} إِلَى قَوْلِهِ: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} قَالَ عُمَرُ: فَكَتَبْتُهَا بِيَدِي ثُمَّ بَعَثْتُ بِهَا إِلَى هِشَامٍ، قَالَ هِشَامٌ: فَلَمَّا قَدِمَتْ عَلَيَّ خَرَجْتُ بِهَا إِلَى ذِي طُوًى، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ فَهِّمْنِيهَا، فَعَرَفْتُ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِينَا، فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ عَلَى بَعِيرِي، فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيُرْوَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَرِضْوَانُهُ، وَذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي آخِرِ سُورَةِ الْفُرْقَانِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحارثي قال: أخبرني أَبُو الشَّيْخِ الحافظ قال: أخبرنا ابْنُ أَبِي عاصم قال: أخبرنا ابْنُ نمير قال: أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ بَلَغَكَ أَنَّ اللَّهَ يَحْمِلُ الْخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ؟ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الْآيَةَ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْدِرُ عَلَى قَبْضِ الْأَرْضِ وَجَمِيعِ مَا فِيهَا مِنَ الْخَلَائِقِ وَالشَّجَرِ قُدْرَةَ أَحَدِنَا عَلَى مَا يَحْمِلُهُ بِإِصْبَعِهِ، فَخُوطِبْنَا بِمَا نَتَخَاطَبُ فِيمَا بَيْنَنَا لِنَفْهَمَ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أَيْ إِنَّهُ يَقْبِضُهَا بقدرته.
سورة فصلت
سورة فصلت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} الْآيَةَ {22} أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سعيد قال: أخبرنا أُمَيَّةُ بْنُ بسطام قال: أخبرنا يَزِيدُ بْنُ زريع قال: أخبرنا رَوْحٌ عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ} الْآيَةَ. قَالَ: كَانَ رَجُلَانِ مِنْ ثَقِيفٍ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ قُرَيْشٍ، أَوْ رَجُلَانِ مِنْ قُرَيْشٍ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ ثَقِيفٍ فِي بَيْتٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَتَرَوْنَ اللَّهَ يَسْمَعُ نَجْوَانَا أَوْ حَدِيثَنَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ سَمِعَ بَعْضَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضَهُ، قَالُوا: لَئِنْ كَانَ يَسْمَعُ بَعْضَهُ لَقَدْ سَمِعَ كُلَّهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ} الْآيَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرٍو، كِلَاهُمَا، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ. (¬2) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ¬
أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْحِيرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ المثنى قال: أخبرنا أَبُو خيثمة قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ حازم قال: أخبرنا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ مُسْتَتِرًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فجاء ثلاثة أنفار كَثِيرٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ قرشي وختناه ثقيفان، أَوْ ثَقَقِيٌّ وَخَتَنَاهُ قُرَشِيَّانِ، فَتَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ لَمْ أَفْهَمْهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَتَرَوْنَ الله سمع كَلَامَنَا هَذَا؟ فَقَالَ الْآخَرُ: إِذَا رَفَعْنَا أَصْوَاتَنَا سَمِعَ، وَإِذَا لَمْ نَرْفَعْ لَمْ يَسْمَعْ، وَقَالَ الْآخَرُ إِنْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا سَمِعَهُ كُلَّهُ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ عَلَيْهِ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} الْآيَةَ {30} . قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: رَبُّنَا اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ بَنَاتُهُ وَهَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا، وَقَالَتِ الْيَهُودُ: رَبُّنَا اللَّهُ وَعُزَيْرٌ ابْنُهُ وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بِنَبِيٍّ فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَبُّنَا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ واستقام.
سورة الشورى
سورة الشورى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} {23} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ كَانَتْ تَنُوبُهُ نَوَائِبُ وَحُقُوقٌ وَلَيْسَ فِي يَدِهِ لِذَلِكَ سَعَةٌ، فَقَالَ الْأَنْصَارُ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ هَدَاكُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِكُمْ، تَنُوبُهُ نَوَائِبُ وَحُقُوقٌ وَلَيْسَ فِي يَدِهِ لِذَلِكَ سَعَةٌ، فَاجْمَعُوا لَهُ مِنْ أَمْوَالِكُمْ مَا لَا يَضُرُّكُمْ، فَأْتُوهُ بِهِ لِيُعِينَهُ عَلَى مَا يَنُوبُهُ فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَتَوْا بِهِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ ابْنُ أُخْتِنَا وَقَدْ هَدَانَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْكَ وَتَنُوبُكَ نَوَائِبُ وَحُقُوقٌ، وَلَيْسَ لَكَ عِنْدَهَا سَعَةٌ فَرَأَيْنَا أَنْ نَجْمَعَ لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا شَيْئًا فَنَأْتِيَكَ بِهِ فَتَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى مَا يَنُوبُكَ وَهَا هُوَ ذَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: اجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ فِي مَجْمَعٍ لَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَتَرَوْنَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُ عَلَى مَا يَتَعَاطَاهُ أَجْرًا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} الْآيَةَ {27} . نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ تَمَنَّوْا سَعَةَ الدُّنْيَا وَالْغِنَى. قَالَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ: فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَذَلِكَ أَنَّا نَظَرْنَا إِلَى أَمْوَالِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ فَتَمَنَّيْنَاهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَالَ: أخبرنا أَبُو عُثْمَانَ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قال: أخبرنا حيوة قال: أخبرني أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ يَقُولُ: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَصْحَابِ الصُّفَّةِ: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ أَنَّ لَنَا الدُّنْيَا، فَتَمَنَّوُا الدُّنْيَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} الْآيَةَ {51} . وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا تُكَلِّمُ اللَّهَ وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا كَمَا كَلَّمَهُ مُوسَى وَنَظَرَ إِلَيْهِ؟ فَإِنَّا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: "لَمْ يَنْظُرْ مُوسَى إلى الله"، وأنزلت هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
سورة الزخرف
سُورَةُ الزُّخْرُفِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا} الْآيَةَ {57} . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النَّصْرَابَاذِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْخَلِيلِ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى مَوْلَى ابْنِ عَفْرَاءَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِقُرَيْشٍ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَا خَيْرَ فِي أَحَدٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ"، قَالُوا: أَلَيْسَ تَزْعُمُ أَنَّ عِيسَى كَانَ عَبْدًا نَبِيًّا وَعَبْدًا صَالِحًا، فَإِنْ كَانَ كَمَا تَزْعُمُ فَهُوَ كَآلِهَتِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا} الْآيَةَ. وَذَكَرْنَا هَذِهِ الْقِصَّةَ وَمُنَاظَرَةَ ابْنِ الزِّبَعْرَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} (¬2) . ¬
سورة الدخان
سُورَةُ الدُّخَانِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} {49} . قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي عَدُوِّ اللَّهِ أَبِي جَهْلٍ، وَذَلِكَ أنه قال: أبو عدني مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَنَا أَعَزُّ مَنْ بَيْنَ جَبَلَيْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَقِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَقَدْ عَلِمْتَ أَنِّي أَمْنَعُ أَهْلِ الْبَطْحَاءِ، وَأَنَا الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ، قَالَ: فَقَتَلَهُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَذَلَّهُ وَعَيَّرَهُ بِكَلِمَتِهِ، وَنَزَلَ فِيهِ: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} . ¬
سورة الجاثية
سُورَةُ الْجَاثِيَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} {14} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: يُرِيدُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَاصَّةً، وَأَرَادَ بِالَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ نَزَلُوا فِي غَزَاةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ عَلَى بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا الْمُرَيْسِيعُ، فَأَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ غُلَامَهُ لِيَسْتَقِيَ الْمَاءَ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ: مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ: غُلَامُ عُمَرَ قعد على قفّ الْبِئْرِ فَمَا تَرَكَ أَحَدًا يَسْتَقِي حَتَّى مَلَأَ قِرَبَ النَّبِيِّ وَقِرَبَ أَبِي بَكْرٍ وَمَلَأَ لِمَوْلَاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُ هَؤُلَاءِ إِلَّا كَمَا قِيلَ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ، فَبَلَغَ قَوْلُهُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاشْتَمَلَ بِسَيْفِهِ يُرِيدُ التَّوَجُّهَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثعالبي قال: أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلَّوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى الْعَطَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن زيادة الْيَشْكُرِيُّ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (¬2) (¬3) قَالَ يَهُودِيٌّ بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ "فِنْحَاصُ": احْتَاجَ رَبُّ مُحَمَّدٍ قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ بِذَلِكَ اشْتَمَلَ عَلَى سَيْفِهِ وَخَرَجَ فِي طَلَبِهِ، فَجَاءَ ¬
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ لَكَ: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} وَاعْلَمْ أَنَّ عُمَرَ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى سَيْفِهِ وَخَرَجَ فِي طَلَبِ الْيَهُودِيِّ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي طَلَبِهِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: "يَا عُمَرُ ضَعْ سَيْفَكَ"، قَالَ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّكَ أُرْسِلْتَ بِالْحَقِّ قَالَ: "فَإِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} " قَالَ: لَا جَرَمَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا يُرَى الْغَضَبُ فِي وَجْهِي.
سورة الأحقاف
سُورَةُ الْأَحْقَافِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} الْآيَةَ {9} . قَالَ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا اشْتَدَّ الْبَلَاءُ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ يُهَاجِرُ إِلَى أَرْضٍ ذَاتِ نَخْلٍ وَشَجَرٍ وَمَاءٍ، فَقَصَّهَا عَلَى أَصْحَابِهِ، فَاسْتَبْشَرُوا بِذَلِكَ وَرَأَوْا فِيهَا فَرَجًا مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ مَكَثُوا بُرْهَةً لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى نُهَاجِرُ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي رَأَيْتَ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} يَعْنِي لَا أَدْرِي أَخْرُجُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي مَنَامِي أَوْ لَا؟ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ رَأَيْتُهُ فِي مَنَامِي مَا أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ". قَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} الْآيَةَ {15} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: أُنْزِلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ أَنَّهُ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَرَسُولُ اللَّهِ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً وَهُمْ يُرِيدُونَ الشَّامَ فِي التِّجَارَةِ، فَنَزَلُوا مَنْزِلًا فِيهِ سِدْرَةٌ، فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ظِلِّهَا وَمَضَى أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَاهِبٍ هُنَاكَ يَسْأَلُهُ عَنِ الدِّينِ، فَقَالَ لَهُ: مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي فِي ظِلِّ السِّدْرَةِ؟ فَقَالَ: ذَاكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ¬
قَالَ: هَذَا وَاللَّهِ نَبِيٌّ، وَمَا اسْتَظَلَّ تَحْتَهَا أَحَدٌ بَعْدَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ إِلَّا مُحَمَّدٌ نَبِيُّ اللَّهِ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِ أَبِي بَكْرٍ الْيَقِينُ وَالتَّصْدِيقُ، فَكَانَ لَا يُفَارِقُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَسْفَارِهِ وَحُضُورِهِ، فَلَمَّا نُبِّئَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَأَبُو بَكْرٍ ابْنُ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً أَسْلَمَ وَصَدَّقَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} (¬1) . ¬
سورة الفتح
سُورَةُ الْفَتْحِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي قال: أخبرنا وَالِدِي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شُعَيْبٍ الحراني قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَا: نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي شَأْنِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} {1} . أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ السَّامَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الفامي قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثقفي قال: أخبرنا أَبُو الأشعث قال: أخبرنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ نُسُكِنَا فَنَحْنُ بَيْنَ الْحُزْنِ وَالْكَآبَةِ، أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا كُلِّهَا". وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْيَهُودَ شَتَمُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ لَمَّا ¬
نَزَلَ قَوْلُهُ: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} (¬1) وَقَالُوا: كَيْفَ نَتَّبِعُ رَجُلًا لَا يَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِهِ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} (¬2) - قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} الْآيَةَ {5} . أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بن محمد المقري قال: أخبرنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَدِينِيُّ قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّقَطِيُّ قال: أخبرنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَنِيئًا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْطَاكَ اللَّهُ، فَمَا لَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} الْآيَةَ. (¬3) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ أَبِي حَفْصٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الموصلي قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمر قال: أخبرنا يَزِيدُ بْنُ زريع قال: أخبرنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أنس قال: أنزلت هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} عِنْدَ رُجُوعِهِ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ نَزَلَتْ وَأَصْحَابُهُ مُخَالِطُونَ الْحُزْنَ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ نُسُكِهِمْ وَنَحَرُوا الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: "لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعِهَا"، فَلَمَّا تَلَاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: هَنِيئًا مَرِيئًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَنَا مَا يَفْعَلُ بِكَ، فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} الْآيَةَ. ¬
(¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} الْآيَةَ {24} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ قال: أخبرنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جَبَلِ التَّنْعِيمِ مُتَسَلِّحِينَ يُرِيدُونَ غِرَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ، فَأَخَذَهُمْ أُسَرَاءَ فَاسْتَحْيَاهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} (¬2) - وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا ثَلَاثُونَ شَابًّا عَلَيْهِمُ السِّلَاحُ فَثَارُوا فِي وُجُوهِنَا، فَدَعَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَبْصَارِهِمْ وَقُمْنَا إِلَيْهِمْ فَأَخَذْنَاهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "هَلْ جِئْتُمْ فِي عَهْدِ أَحَدٍ؟ وَهَلْ جَعَلَ لَكُمْ أَحَدٌ أَمَانًا؟ " فَقَالُوا: اللَّهُمَّ لَا، فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} الْآيَةَ. ¬
سورة الحجرات
سُورَةُ الْحُجُرَاتِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} {1} . أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُكْبَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ قال: أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ قال: أخبرنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدٍ، وَقَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي، وَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ. قَوْلُهُ - عز وجل - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الْآيَةَ {2} . نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ كَانَ فِي أُذُنِهِ وَقْرٌ، وَكَانَ جَهْوَرِيَّ الصَّوْتِ، وَكَانَ إِذَا كَلَّمَ إِنْسَانًا جَهَرَ بِصَوْتِهِ، فَرُبَّمَا كَانَ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَتَأَذَّى بِصَوْتِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ البغوي قال أخبرنا قَطَنُ بْنُ نسير قال: أخبرنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضبعي قال: أخبرنا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} قَالَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ: أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَرْفَعُ صَوْتِي فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ "هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قَطَنِ بْنِ نُسَيْرٍ. (¬1) - وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا: أَبُو بكر وعمر رفع أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ وَأَشَارَ الْآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي. وَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} الْآيَةَ {3} . قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} تَأَلَّى أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يُكَلِّمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَبِي بَكْرٍ: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عُمَرَ الْأَحْمَسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُخَارِقٌ، عَنْ طَارِقٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {إِنَّ الذين يغضون أصواتكم عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ ¬
امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَآلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا أُكَلِّمَ رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} {4} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَخْلَدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الدَّقَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَتَكِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ الطفاوي قال: حديثنا أَبُو مُسْلِمٍ الْبَجَلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ يَقُولُ: أَتَى نَاسٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَلَّمُوا فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ وَهُوَ فِي الْحُجْرَةِ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: نَزَلَتْ فِي جُفَاةِ بَنِي تَمِيمٍ، قَدِمَ وَفْدٌ مِنْهُمْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ، فَنَادَوُا النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَرَاءِ حُجُرَتِهِ: أَنِ اخْرُجْ إِلَيْنَا يَا مُحَمَّدُ، فَإِنَّ مَدْحَنَا زَيْنٌ وَإِنَّ ذَمَّنَا شَيْنٌ، فَآذَى ذَلِكَ مِنْ صِيَاحِهِمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّا جِئْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ نُفَاخِرُكَ، وَنَزَلَ فِيهِمْ: ¬
{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} وَكَانَ فِيهِمُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ. (¬1) - وَكَانَتْ قِصَّةُ هَذِهِ الْمُفَاخَرَةِ عَلَى مَا أَخْبَرَنَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ السَّدُوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَتْ بَنُو تَمِيمٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَادَوْا عَلَى الْبَابِ: يَا مُحَمَّدُ، اخْرُجْ إِلَيْنَا، فَإِنَّ مَدْحَنَا زَيْنٌ وَإِنَّ ذَمَّنَا شَيْنٌ، فَسَمِعَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ وَهُوَ يَقُولُ: "إِنَّمَا ذَلِكُمُ اللَّهُ الَّذِي مَدْحُهُ زَيْنٌ وَذَمُّهُ شَيْنٌ"، فَقَالُوا: نَحْنُ نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ جِئْنَا بِشَاعِرِنَا وَخَطِيبِنَا نُشَاعِرُكَ وَنُفَاخِرُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا بِالشِّعْرِ بُعِثْتُ وَلَا بِالْفِخَارِ أُمِرْتُ وَلَكِنْ هَاتُوا"، فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ لِشَابٍّ مِنْ شَبَابِهِمْ قُمْ فَاذْكُرْ فَضْلَكَ وَفَضْلَ قَوْمِكَ، فَقَامَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا خَيْرَ خَلْقِهِ، وَآتَانَا أَمْوَالًا نَفْعَلُ فِيهَا مَا نَشَاءُ، فَنَحْنُ مِنْ خَيْرِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَمِنْ أَكْثَرِهِمْ عُدَّةً، وَمَالًا وَسِلَاحًا، فَمَنْ أَنْكَرَ عَلَيْنَا قَوْلَنَا فَلْيَأْتِ بِقَوْلٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِنَا، وَفِعَالٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ فِعَالِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ: "قُمْ فَأَجِبْهُ"، فَقَامَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ وَأُؤْمِنُ بِهِ، وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَعَا الْمُهَاجِرِينَ مِنْ بَنِي عَمِّهِ أَحْسَنَ النَّاسِ وُجُوهًا وَأَعْظَمَهَمْ أَحْلَامًا - فَأَجَابُوهُ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا أَنْصَارَهُ وَوُزَرَاءَ رَسُولِهِ وَعِزًّا لِدِينِهِ، فَنَحْنُ نُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ ¬
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا مَنَعَ مِنَّا نَفْسَهُ وَمَالَهُ، وَمَنْ أَبَاهَا قَتَلْنَاهُ، وَكَانَ رُغْمُهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى علينا هينًا، قول قولي هذا وأستغفرالله لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ لِشَابٍّ مِنْ شُبَّانِهِمْ: قُمْ يَا فُلَانُ فَقُلْ أَبْيَاتًا تَذْكُرُ فِيهَا فَضْلَكَ وَفَضْلَ قَوْمِكَ، فَقَامَ الشَّابُّ فَقَالَ: نَحْنُ الْكِرَامُ فَلَا حَيٌّ يُعَادِلُنَا ... فِينَا الرُّءُوسُ وَفِينَا تُقْسَمُ الرُّبَعُ وَنُطْعِمُ النَّاسَ عِنْدَ الْقَحْطِ كُلِّهِمُ ... مِنَ السَّدِيفِ إِذَا لَمْ يُؤْنَسِ الْقَزَعُ إِذَا أَبَيْنَا فَلَا يَأْبَى لَنَا أَحَدٌ ... إِنَّا كَذَلِكَ عِنْدَ الْفَخْرِ نَرْتَفِعُ قَالَ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ فَقَالَ: وَمَا يُرِيدُ مِنِّي وَقَدْ كُنْتُ عِنْدَهُ؟ قَالَ: جَاءَتْ بَنُو تَمِيمٍ بِشَاعِرِهِمْ وَخَطِيبِهِمْ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ فَأَجَابَهُمْ وَتَكَلَّمَ شَاعِرُهُمْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْكَ تُجِيبُهُ. فَجَاءَ حَسَّانُ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُجِيبَهُ فَقَالَ حَسَّانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْهُ فَلْيُسْمِعْنِي مَا قَالَ. فَأَنْشَدَهُ مَا قَالَ، فَقَالَ حَسَّانُ: نَصَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ وَالدِّينَ عَنْوَةً ... عَلَى رَغْمِ بَادٍ مِنْ مَعَدٍّ وَحَاضِرِ أَلَسْنَا نَخُوضُ الْمَوْتَ فِي حَوْمَةِ الْوَغَى ... إِذَا طَابَ وِرْدُ الْمَوْتِ بَيْنَ الْعَسَاكِرِ وَنَضْرِبُ هَامَ الدَّارِعِينَ وَنَنْتَمِي ... إِلَى حَسَبٍ مِنْ جِذْمِ غَسَّانَ قَاهِرِ فَلَوْلَا حَيَاءُ اللَّهِ قُلْنَا تَكَرُّمًا ... عَلَى النَّاسِ بِالْخَيْفَيْنِ هَلْ مِنْ مُنَافِرِ فَأَحْيَاؤُنَا مِنْ خَيْرِ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى ... وَأَمْوَاتُنَا مِنْ خَيْرِ أَهْلِ الْمَقَابِرِ قَالَ: فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ جِئْتُ لِأَمْرٍ مَا جَاءَ لَهُ هَؤُلَاءِ، وَقَدْ قُلْتُ شِعْرًا فَاسْمَعْهُ، فَقَالَ: هَاتِ، فَقَالَ: أَتَيْنَاكَ كَيْمَا يَعْرِفَ النَّاسُ فَضْلَنَا ... إِذَا فَاخَرُونَا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَكَارِمِ وَإِنَّا رُءُوسُ النَّاسِ فِي كُلِّ مَعْشَرٍ ... وَأَنْ لَيْسَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ كَدَارِمِ وَإِنَّ لَنَا الْمِرْبَاعَ فِي كُلِّ غَارَةٍ ... تَكُونُ بِنَجْدٍ أَوْ بِأَرْضِ التَّهَائِمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "قُمْ يَا حَسَّانُ فَأَجِبْهُ". فَقَامَ حَسَّانُ، فَقَالَ: بَنِي دَارِمٍ لَا تَفْخَرُوا إِنَّ فَخْرَكُمُ ... يَعُودُ وَبَالًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَكَارِمِ
هَبِلْتُمْ عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ وَأَنْتُمُ ... لَنَا خَوَلٌ مِنْ بَيْنِ ظِئْرٍ وَخَادِمِ وَأَفْضَلُ مَا نِلْتُمْ مِنَ الْمَجْدِ وَالْعُلَى ... رِدَافَتُنَا مِنْ بَعْدِ ذِكْرِ الْأَكَارِمِ فَإِنْ كُنْتُمْ جِئْتُمْ لِحَقْنِ دِمَائِكُمْ ... وَأَمْوَالِكُمْ أَنْ تُقْسَمُوا فِي الْمَقَاسِمِ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ نِدًّا وَأَسْلِمُوا ... وَلَا تَفْخَرُوا عِنْدَ النَّبِيِّ بِدَارِمِ وَإِلَّا وَرَبِّ الْبَيْتِ مَالَتْ أَكُفُّنَا ... عَلَى هَامِكُمْ بِالْمُرْهَفَاتِ الصَّوَارِمِ قَالَ: فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمُؤْتًى لَهُ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هَذَا الْأَمْرُ، تَكَلَّمَ خَطِيبُنَا فَكَانَ خَطِيبُهُمْ أَحْسَنَ قَوْلًا، وَتَكَلَّمَ شَاعِرُنَا فَكَانَ شَاعِرُهُمْ أَشْعَرَ، ثُمَّ دَنَا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا يَضُرُّكَ مَا كَانَ قَبْلَ هَذَا"، ثُمَّ أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَسَاهُمْ وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَكَثُرَ اللَّغَطُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} . قوله - عز وجل - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} الْآيَةَ {6 - 8} . نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ مُصَدِّقًا وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْقَوْمُ بِهِ تَلَقَّوْهُ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ فَحَدَّثَهُ الشَّيْطَانُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ فَهَابَهُمْ، فَرَجَعَ مِنَ الطَّرِيقِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: إِنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَدْ مَنَعُوا صَدَقَاتِهِمْ وَأَرَادُوا قَتْلِي، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَمَّ أَنْ يَغْزُوَهُمْ، فَبَلَغَ الْقَوْمَ رُجُوعُهُ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: سَمِعْنَا بِرَسُولِكَ، فَخَرَجْنَا نَتَلَقَّاهُ وَنُكْرِمُهُ وَنُؤَدِّي إِلَيْهِ مَا قَبِلْنَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَبَدَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ، فَخَشِينَا أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا رَدَّهُ مِنَ الطَّرِيقِ كِتَابٌ جَاءَهُ مِنْكَ بِغَضَبٍ غَضِبْتَهُ عَلَيْنَا، وَإِنَّا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ، فَأَنْزَلَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} يَعْنِي الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ.
(¬1) - أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّاذْيَاخِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدغولي قال: أخبرنا سَعِيدُ بْنُ مسعود قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سابق قال: أخبرنا عِيسَى بْنُ دينار قال: أخبرنا أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ الْحَارِثَ بْنَ ضِرَارٍ يَقُولُ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَانِي إِلَى الْإِسْلَامِ، فَدَخَلْتُ فِي الْإِسْلَامِ وَأَقْرَرْتُ فَدَعَانِي إِلَى الزَّكَاةِ، فَأَقْرَرْتُ بِهَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْجِعُ إِلَى قَوْمِي فَأَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، فَمَنِ اسْتَجَابَ لِي جَمَعْتُ زَكَاتَهُ، فَتُرْسِلُ لِإِبَّانِ كَذَا وَكَذَا لِآتِيَكَ بِمَا جَمَعْتُ مِنَ الزَّكَاةِ، فَلَمَّا جَمَعَ الْحَارِثُ بْنُ ضِرَارٍ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لَهُ وَبَلَغَ الْإِبَّانَ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَبَسَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ، فَلَمْ يَأْتِهِ، فَظَنَّ الْحَارِثُ أن قَدْ حَدَثَ فِيهِ سَخْطَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَدَعَا سَرَوَاتِ قَوْمِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَانَ وَقَّتَ لِي وَقْتًا لِيُرْسِلَ إِلَيَّ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدِي مِنَ الزَّكَاةِ، وَلَيْسَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخُلْفُ، وَلَا أَرَى حَبْسَ رَسُولِهِ إِلَّا مِنْ سَخْطَةٍ، فَانْطَلِقُوا فَنَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ إِلَى الْحَارِثِ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِمَّا جَمَعَ مِنَ الزَّكَاةِ، فَلَمَّا أَنَّ سَارَ الْوَلِيدُ حَتَّى بَلَغَ بعض الطريق، فرق فَرَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْحَارِثَ مَنَعَنِي ¬
الزَّكَاةَ، وَأَرَادَ قَتْلِي، فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَعْثَ إِلَى الْحَارِثِ، وَأَقْبَلَ الْحَارِثُ بِأَصْحَابِهِ فَاسْتَقْبَلَ الْبَعْثَ وَقَدْ فَصَلَ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَهُمُ الْحَارِثُ فَقَالُوا: هَذَا الْحَارِثُ، فَلَمَّا غَشِيَهُمْ قَالَ لَهُمْ إِلَى مَنْ بُعِثْتُمْ؟ قَالُوا: إِلَيْكَ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بَعَثَ إِلَيْكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَزَعَمَ أَنَّكَ مَنَعْتَهُ الزَّكَاةَ وَأَرَدْتَ قَتْلَهُ، قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُهُ وَلَا أَتَانِي، فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ الْحَارِثُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَنَعْتَ الزَّكَاةَ وَأَرَدْتَ قَتْلَ رَسُولِي؟ " قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُ رَسُولَكَ. وَلَا أَتَانِي وَلَا أَقْبَلْتُ إِلَّا حِينَ احْتَبَسَ عَلَيَّ رَسُولُكَ خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ سَخْطَةً مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ! قَالَ: فَنَزَلَتْ في الحجرات: {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} الْآيَةَ {9} . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْمُقْرِئُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَوْصِلِيُّ قال: أخبرنا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَكِبَ حِمَارًا وَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ يَمْشُونَ، وَهِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَوَاللَّهِ لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: وَاللَّهِ لَحِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ، فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، وَغَضِبَ لِكُلٍّ وَاحِدٍ منهما أصحابه، وكان بَيْنَهُمْ ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ، فَبَلَغَنَا أَنَّهُ ¬
أُنْزِلَتْ فِيهِمْ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُعْتَمِرِ. قَوْلُهُ - عز وجل - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ} الْآيَةَ {11} . نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ. وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرٌ فَكَانَ إِذَا أَتَى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو سعوا لَهُ حَتَّى يَجْلِسَ إِلَى جَنْبِهِ، فَيَسْمَعَ مَا يَقُولُ، فَجَاءَ يَوْمًا وَقَدْ أَخَذَ النَّاسُ مَجَالِسَهُمْ فَجَعَلَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَيَقُولُ: تَفَسَّحُوا، تَفَسَّحُوا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: قَدْ أَصَبْتَ مَجْلِسًا فَاجْلِسْ، فَجَلَسَ ثَابِتٌ مُغْضَبًا، فَغَمَزَ الرَّجُلَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَنَا فُلَانٌ؟ فَقَالَ ثَابِتٌ: ابْنُ فُلَانَةَ؟ وَذَكَرَ أُمًّا كَانَتْ لَهُ يُعَيَّرُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَنَكَّسَ الرَّجُلُ رَأْسَهُ اسْتِحْيَاءً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} {11} . نَزَلَتْ فِي امْرَأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَخِرَتَا مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهَا رَبَطَتْ حَقْوَيْهَا بِسَبَنِيَّةٍ - وَهِيَ ثَوْبٌ أَبْيَضُ - وَسَدَلَتْ طَرَفَهَا خَلْفَهَا فَكَانَتْ تَجُرُّهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِحَفْصَةَ انْظُرِي إِلَى مَا تَجُرُّ خَلْفَهَا كَأَنَّهُ لِسَانُ كَلْبٍ، فَهَذَا كَانَ سُخْرِيَتَهَا. وَقَالَ أَنَسٌ: نَزَلَتْ فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَيَّرْنَ أُمَّ سَلَمَةَ بِالْقِصَرِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النِّسَاءَ يُعَيِّرْنَنِي وَيَقُلْنَ: يَا يَهُودِيَّةُ بِنْتَ يَهُودِيَّيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "هَلَّا قُلْتِ: إِنَّ أَبِي هَارُونُ وَإِنَّ عَمِّي مُوسَى وَإِنَّ زَوْجِي مُحَمَّدٌ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} {11} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ¬
إِبْرَاهِيمَ الْمِهْرَجَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ المروزي قال: أخبرنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي جَبِيرَةَ بْنِ الضَّحَّاكِ عَنْ أَبِيهِ وَعُمُومَتِهِ، قَالُوا: قَدِمَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَدْعُو الرَّجُلَ يَنْبِزُهُ، فَيُقَالُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَكْرَهُهُ. فَنَزَلَتْ: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} الْآيَةَ {13} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وَقَوْلُهُ فِي الرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يُفْسِحْ لَهُ ابْنُ فُلَانَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَنِ الذَّاكِرُ فُلَانَةَ؟ " فَقَامَ ثَابِتٌ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: "انْظُرْ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ"، فَنَظَرَ فَقَالَ: "مَا رَأَيْتَ يَا ثَابِتُ؟ " فَقَالَ: رَأَيْتُ أَبْيَضَ وَأَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، قَالَ: "فَإِنَّكَ لَا تَفْضُلُهُمْ إِلَّا فِي الدِّينِ وَالتَّقْوَى"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا حَتَّى أَذَّنَ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدِ بن أبي العيص: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَبَضَ أَبِي حَتَّى لَمْ يَرَ هَذَا الْيَوْمَ. وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ: أَمَّا وَجَدَ مُحَمَّدٌ غَيْرَ هَذَا
الْغُرَابِ الْأَسْوَدِ مُؤَذِّنًا؟! وَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ شَيْئًا يُغَيِّرْهُ، وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إِنِّي لَا أَقُولُ شَيْئًا أَخَافُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ رَبُّ السَّمَاءِ، فَأَتَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالُوا، فَدَعَاهُمْ وَسَأَلَهُمْ عَمَّا قَالُوا، فَأَقَرُّوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَزَجَرَهُمْ عَنِ التَّفَاخُرِ بِالْأَنْسَابِ والتكاثر بالأموال والازدراء بِالْفُقَرَاءِ. أَخْبَرَنَا أَبُو حَسَّانَ الْمُزَكِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدٍ الاستراباذي قال: أخبرنا أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ قال: أخبرنا أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْوَرْدِ الْمَكِّيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ رَقَى بِلَالٌ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ فَأَذَّنَ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يَا عِبَادَ اللَّهِ، أَهَذَا الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ يُؤَذِّنُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ يَسْخَطِ اللَّهُ هَذَا يُغَيِّرْهُ، فَأَنْزَلَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} . وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ شَجَرَةَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ بِبَعْضِ الْأَسْوَاقِ بِالْمَدِينَةِ وَإِذَا غُلَامٌ أَسْوَدُ قَائِمٌ يُنَادِي عَلَيْهِ بَيَّاعٌ فِيمَنْ يَزِيدُ، وَكَانَ الْغُلَامُ يَقُولُ: مَنِ اشْتَرَانِي فَعَلَى شَرْطٍ، قِيلَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: لَا يَمْنَعُنِي مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، وَكَانَ يَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَفَقَدَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: "أَيْنَ الْغُلَامُ؟ " فَقَالَ: مَحْمُومٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: "قُومُوا بِنَا نَعُودُهُ"، فَقَامُوا مَعَهُ فَعَادُوهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ قَالَ لِصَاحِبِهِ: "مَا حَالُ الْغُلَامِ؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْغُلَامَ لِمَا بِهِ، فَقَامَ وَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي بُرَحَائِهِ، فَقُبِضَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَتَوَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسْلَهُ وَتَكْفِينَهُ وَدَفْنَهُ، فَدَخَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: هَجَرْنَا دِيَارَنَا وَأَمْوَالَنَا وَأَهْلِينَا فَلَمْ يَرَ أَحَدٌ مِنَّا فِي حَيَاتِهِ وَمَرَضِهِ وَمَوْتِهِ مَا لَقِيَ هَذَا الْغُلَامُ، وَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: آوَيْنَاهُ وَنَصَرْنَاهُ وَوَاسَيْنَاهُ بِأَمْوَالِنَا فَآثَرَ عَلَيْنَا عَبْدًا حَبَشِيًّا،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} يَعْنِي أَنَّكُمْ بَنُو أَبٍ وَاحِدٍ وَامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَرَاهُمْ فَضْلَ التَّقْوَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} الْآيَةَ {14} . نَزَلَتْ فِي أَعْرَابٍ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ فِي سَنَةٍ جَدْبَةٍ فَأَظْهَرُوا الشَّهَادَتَيْنِ وَلَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فِي السِّرِّ، وَأَفْسَدُوا طُرُقَ الْمَدِينَةِ بِالْعُذُرَاتِ وَأَغْلُوا أَسْعَارَهَا، وَكَانُوا يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَيْنَاكَ بِالْأَثْقَالِ وَالْعِيَالِ وَلَمْ نُقَاتِلْكَ كَمَا قَاتَلَكَ بَنُو فُلَانٍ، فَأَعْطِنَا مِنَ الصَّدَقَةِ، وَجَعَلُوا يَمُنُّونَ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
سورة ق
سُورَةُ ق بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} {38} . قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَاسْتَرَاحَ يَوْمَ السَّابِعِ وَهُوَ يَوْمُ السَّبْتِ، وَهُمْ يُسَمُّونَهُ يَوْمَ الرَّاحَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السري قال: أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَعْدٍ الْبَقَّالِ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْيَهُودَ أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَتْ عن خلق السموات وَالْأَرْضِ فَقَالَ: "خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَمَا فِيهِنَّ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَخَلَقَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ الشَّجَرَ وَالْمَاءَ وَخَلَقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ النُّجُومَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ"، قَالَتِ الْيَهُودُ: ثُمَّ مَاذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: "ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ"، قَالُوا: قَدْ أَصَبْتَ لَوْ تَمَّمْتَ ثُمَّ اسْتَرَاحَ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَضَبًا شَدِيدًا، فَنَزَلَتْ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} . ¬
سورة النجم
سُورَةُ النَّجْمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} الْآيَةَ {32} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحسن قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ سعد قال: أخبرنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ إِذَا هَلَكَ لَهُمْ صَبِيٌّ صَغِيرٌ: هُوَ صِدِّيقٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "كَذَبَتِ الْيَهُودُ مَا مِنْ نَسَمَةٍ يَخْلُقُهَا اللَّهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ إِلَّا أَنَّهُ شَقِيٌّ أو سعيد"، فأنزل اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةَ: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} إِلَى آخِرِهَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} الْآيَاتِ {33 - 34} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ وَالْمُسَيَّبُ بْنُ شَرِيكٍ: نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ كَانَ يَتَصَدَّقُ وَيُنْفِقُ فِي الْخَيْرِ، فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَرْحٍ: مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعُ؟ يُوشِكُ أَنْ لَا يَبْقَى لَكَ شَيْءٌ، فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّ لِي ذُنُوبًا وَخَطَايَا، وَإِنِّي أَطْلُبُ بِمَا أَصْنَعُ رِضَا اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيَّ وَأَرْجُو عَفْوَهُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَعْطِنِي نَاقَتَكَ بِرَحْلِهَا وَأَنَا أَتَحَمَّلُ عَنْكَ ذُنُوبَكَ كُلَّهَا، فَأَعْطَاهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَأَمْسَكَ عَنْ بَعْضِ مَا كَانَ يَصْنَعُ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ ¬
وَتَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} فَعَادَ عُثْمَانُ إِلَى أَحْسَنِ ذَلِكَ وَأَجْمَلِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَكَانَ قَدِ اتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى دِينِهِ فَعَيَّرَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ، وَقَالَ لَهُ: لِمَ تَرَكْتَ دِينَ الْأَشْيَاخِ وَضَلَّلْتَهُمْ وَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: إِنِّي خَشِيتُ عَذَابَ اللَّهِ، فَضَمِنَ لَهُ إِنْ هُوَ أَعْطَاهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَرَجَعَ إِلَى شِرْكِهِ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ عَذَابَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فأعطى الذي ع (1) هـ بَعْضَ مَا كَانَ ضَمِنَ لَهُ ثُمَّ بَخِلَ وَمَنَعَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} {43} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْوَاعِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الفضل قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ المقدمي قال: أخبرتنا دَلَالُ بنت أبي المندل قال حَدَّثَتْنَا الصَّهْبَاءُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْمٍ يَضْحَكُونَ، فَقَالَ: "لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا"، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عليه السلام بقوله: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: "ما تلقاني خَطَوْتُ أَرْبَعِينَ خطوة حتى أتاني جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: ائْتِ هَؤُلَاءِ وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} .
سورة القمر
سُورَةُ الْقَمَرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} {1} . أَخْبَرَنَا أَبُو حَكِيمٍ عَقِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُرْجَانِيُّ إِجَازَةً بِلَفْظِهِ أَنَّ أَبَا الْفَرَجِ الْقَاضِي أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ قال: أخبرنا الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْمَقْدِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حماد قال: أخبرنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: هَذَا سِحْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ سَحَرَكُمْ، فَاسْأَلُوا السُّفَّارَ فَسَأَلُوهُمْ فَقَالُوا: نَعَمْ قَدْ رَأَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} {47 - 49} . إِلَى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} أخبرنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَّاجُ إملاء قال: أخبرنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الكعبي قال: أخبرنا ¬
حَمْدَانُ بْنُ صَالِحٍ الأشج قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رواد قال: أخبرنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زِيَادِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَتْ قُرَيْشٌ يَخْتَصِمُونَ فِي الْقَدَرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ. (¬1) - قَالَ الشَّيْخُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَارِثِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْحَافِظُ بِجُرْجَانَ قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ جَنْدَلٍ يَقُولُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَسَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أُبَيٍّ بِخُرَاسَانَ يَقُولُ أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الصَّقْرِ الْحَافِظَ يَقُولُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَسَمِعْتُ عُفَيْرَ بْنَ مَعْدَانَ يَقُولُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَسَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَسَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ يَقُولُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْقَدَرِيَّةِ: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَصْفَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الطَّنَافِسِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا بَحْرٌ السَّقَّاءُ عَنْ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ، عَنْ عَطَاءٍ ¬
قَالَ: جَاءَ أُسْقُفُّ نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ تَزْعُمُ أَنَّ الْمَعَاصِيَ بِقَدَرٍ، وَالْبِحَارَ بِقَدَرٍ، وَالسَّمَاءَ بِقَدَرٍ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ تَجْرِي بِقَدَرٍ، فَأَمَّا الْمَعَاصِي فَلَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَنْتُمْ خُصَمَاءُ اللَّهِ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْأَزْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْعَلَاءِ أَخُو أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ سَلَمَةَ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَعْدَةَ الْمَخْزُومِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} قَالَ: "أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أُنَاسٍ مِنْ آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ يُكَذِّبُونَ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى". أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَعْقِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أُسَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَضَرْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ يَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمُونِي أَنْطَلِقُ فِي الْقَدَرِ فَغُلُّونِي فإني مجنون، فوالذين نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ إِلَّا فِيهِمْ، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} .
سورة الواقعة
سُورَةُ الْوَاقِعَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} {28} . قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالضَّحَّاكُ: نَظَرَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى وَجٍّ - وَهُوَ وَادٍ مُخْصِبٌ بِالطَّائِفِ - فَأَعْجَبَهُمْ سِدْرُهُ، فَقَالُوا: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ هَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} {13} . قَالَ عُرْوَةُ بْنُ رُوَيْمٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} بَكَى عُمَرُ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ مَنْ يَنْجُو مِنَّا قَلِيلٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ فَقَالَ: "يَا عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيمَا قُلْتَ، فَجَعَلَ ثُلَّةً مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةً مِنَ الْآخِرِينَ" فَقَالَ عُمَرُ: رَضِينَا عَنْ رَبِّنَا وَنُصَدِّقُ نَبِيَّنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مِنْ آدَمَ إِلَيْنَا ثُلَّةٌ، وَمِنِّي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُلَّةٌ، وَلَا يَسْتَتِمُّهَا إِلَّا سُودَانٌ مِنْ رُعَاةِ ¬
الْإِبِلِ مِمَّنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ". (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} {82} . أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْدَانُ السُّلَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: مُطِرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رسول الله عليه وسلم: "أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ وَمِنْهُمْ كَافِرٌ، قَالُوا: هَذِهِ رَحْمَةٌ وَضَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا"، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} حَتَّى بَلَغَ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْعَظِيمِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فِي سَفَرٍ فَنَزَلُوا مَنْزِلًا وَأَصَابَهُمُ الْعَطَشُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "أَرَأَيْتُمْ إِنْ دَعَوْتُ لَكُمْ فَسُقِيتُمْ فَلَعَلَّكُمْ تَقُولُونَ سُقِينَا هَذَا الْمَطَرَ بِنَوْءِ كَذَا؟ " فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا بِحِينِ الْأَنْوَاءِ، قَالَ: فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَهَاجَتْ رِيحٌ ثُمَّ هَاجَتْ سَحَابَةٌ فَمُطِرُوا، حَتَّى سالت الأودية، وملأوا الْأَسْقِيَةَ، ثُمَّ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ يَغْتَرِفُ بِقَدَحٍ لَهُ وَهُوَ يَقُولُ: سُقِينَا بِنَوْءِ كَذَا وَلَمْ يَقُلْ هَذَا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الزَّاهِدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْجِيزِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَعَمْرُو بْنُ ¬
سَوَّادٍ السَّرْحِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن وهب قالوا: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَلَمْ تَرَوْا إِلَى مَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَ: مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فريق بها كافر، يقول: الكوكب وبالكوكب"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ وَعَمْرِو بْنِ سَوَّادٍ.
سورة الحديد
سُورَةُ الْحَدِيدِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} الْآيَةَ {10} . رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الْكَلْبِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَةَ بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلِيطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَخْزُومِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَفْصٍ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعَلَيْهِ عباءة قد خلها عَلَى صَدْرِهِ بِخِلَالٍ، إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَقْرَأَهُ مِنَ اللَّهِ السَّلَامَ وَقَالَ: "يا محمد مالي أَرَى أَبَا بَكْرٍ عَلَيْهِ عباءة قد خلها عَلَى صَدْرِهِ بِخِلَالٍ؟ " فَقَالَ: "يَا جِبْرِيلُ أَنْفَقَ مَالَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ عَلَيَّ"، قَالَ: "فَأَقْرِئْهُ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ رَبُّكَ: أَرَاضٍ أَنْتَ عَنِّي فِي فَقْرِكَ هَذَا أَمْ سَاخِطٌ؟ فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ السَّلَامَ، يَقُولُ لَكَ رَبُّكَ: أَرَاضٍ أَنْتَ عَنِّي فِي فَقْرِكَ هَذَا أَمْ سَاخِطٌ؟ " فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ عَلَى رَبِّي أَغْضَبُ؟ أَنَا عَنْ رَبِّي رَاضٍ، أَنَا عَنْ رَبِّي رَاضٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} الْآيَةَ {16} . قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عما في التوارة، فَإِنَّ فِيهَا الْعَجَائِبَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: نَزَلَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ مُسْلِمٍ الصَّفَّارُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَلَاهُ عَلَيْهِمْ زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ قَصَصْتَ عَلَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} (¬1) فَتَلَاهُ عَلَيْهِمْ زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ حَدَّثَتْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} (¬2) قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ يُؤْمَرُونَ بِالْقُرْآنِ، قَالَ خَلَّادٌ: وَزَادَ فِيهِ آخَرُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ ذَكَّرْتَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} . ¬
سورة المجادلة
سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} الْآيَةَ {1} . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْغَازِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ، إِنِّي لَأَسْمَعُ كَلَامَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ تَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْلَى شَبَابِي وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي حَتَّى إِذَا كَبِرَ سِنِّي وَانْقَطَعَ وَلَدِي ظَاهَرَ مِنِّي، اللَّهُمَّ إِنِّي أشكو إليك. قال: فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيِّ، عَنْ مُطَيْرٍ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ. (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ ¬
الأصفهاني قال: أخبرنا عَبْدَانُ بْنُ أحمد قال: أخبرنا أَحْمَدَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سعيد. قال: أخبرنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى الرملي قال: أخبرنا الْأَعْمَشُ عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي تَوَسَّعَ لِسَمْعِ الْأَصْوَاتِ كُلِّهَا، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ فَكَلَّمَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا فِي جَانِبِ الْبَيْتِ لَا أَدْرِي مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} الْآيَةَ {2} . أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَنْصُورِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ النيسابوري قال: أخبرنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الأشعث قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ بكار قال: أخبرنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَّهُ سَأَلَ قَتَادَةَ عَنِ الظِّهَارِ قَالَ: فَحَدَّثَنِي أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ خُوَيْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي حِينَ كَبِرَ سِنِّي وَرَقَّ عَظْمِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ الظِّهَارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَوْسٍ: "أَعْتِقْ رقبة"، فقال: مالي بِذَلِكَ يَدَانِ، قَالَ: "فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ"، قَالَ: أَمَا إِنِّي إِذَا أَخْطَأَنِي أَنْ لَا آكُلَ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ كَلَّ بَصَرِي، قَالَ: "فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا"، قَالَ لَا أَجِدُ إِلَّا أَنْ تُعِينَنِي مِنْكَ بِعَوْنٍ وَصِلَةٍ، قَالَ: فَأَعَانَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ لَهُ، وَاللَّهُ رَحِيمٌ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ عِنْدَهُ مِثْلَهَا؛ وَذَلِكَ لِسِتِّينَ مِسْكِينًا. ¬
(¬1) - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْعَدْلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن مُحَمَّدُ بن عبد الله بن زكريا قال: أخبرنا محمد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى بْنِ يُوسُفَ حدثنا أبو الأصبع الحراني قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي خُوَيْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ وَكَانَتْ عِنْدَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ أَخِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ ذَاتَ يَوْمٍ وَكَلَّمَنِي بِشَيْءٍ وَهُوَ فِيهِ كَالضَّجِرِ، فَرَادَدْتُهُ فَغَضِبَ فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، ثُمَّ خَرَجَ فِي نَادِي قَوْمِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَرَاوَدَنِي عَنْ نَفْسِي، فَامْتَنَعْتُ مِنْهُ، فَشَادَّنِي فَشَادَدْتُهُ فَغَلَبْتُهُ بِمَا تَغْلِبُ بِهِ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ الضَّعِيفَ، فَقُلْتُ: كَلَّا وَالَّذِي نَفْسُ خُوَيْلَةَ بِيَدِهِ لَا تَصِلُ إِلَيَّ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ تَعَالَى فِيَّ وَفِيكَ بِحُكْمِهِ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْكُو مَا لَقِيتُ، فَقَالَ: زَوْجُكِ وَابْنُ عَمِّكِ اتَّقِي اللَّهَ وَأَحْسِنِي صُحْبَتَهُ، فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْكَفَّارَةِ، قَالَ: "مُرِيهِ فَلْيَعْتِقْ رَقَبَةً"، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا عِنْدَهُ رَقَبَةٌ يَعْتِقُهَا، قَالَ: "مُرِيهِ فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ"، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَاللَّهِ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ، قَالَ: "فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا"، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا عِنْدَهُ ما يطعم، قال: "بَلَى سَنُعِينُهُ بِعَرْقٍ مِنْ تَمْرٍ مِكْتَلٍ يَسَعُ ثَلَاثِينَ صَاعًا"، قَالَتْ: قُلْتُ: وَأَنَا أُعِينُهُ بِعَرْقٍ آخَرَ، قَالَ: "قَدْ أَحْسَنْتِ فَلْيَتَصَدَّقْ". قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى} {8} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَاجَوْنَ فِيمَا بَيْنَهُمْ ¬
دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَنْظُرُونَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَيَتَغَامَزُونَ بِأَعْيُنِهِمْ، فَإِذَا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ نَجْوَاهُمْ قَالُوا: مَا نَرَاهُمْ إِلَّا وَقَدْ بَلَغَهُمْ عَنْ أَقْرِبَائِنَا وَإِخْوَانِنَا الَّذِينَ خَرَجُوا فِي السَّرَايَا قَتْلٌ أَوْ مَوْتٌ أَوْ مُصِيبَةٌ أَوْ هَزِيمَةٌ، فَيَقَعُ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ وَيُحْزِنُهُمْ، فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَقَدُمَ أَصْحَابُهُمْ وَأَقْرِبَاؤُهُمْ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ وَكَثُرَ، شَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَتَنَاجَوْا دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ وَعَادُوا إِلَى مُنَاجَاتِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} {8} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْخَشَّابُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْفَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السراج قال: أخبرنا قُتَيْبَةُ بْنُ سعيد قال: أخبرنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ نَاسٌ مَنِ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقُلْتُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ وَفَعَلَ اللَّهُ بِكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَهْ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْتَ تَرَى مَا يَقُولُونَ؟ قَالَ: "أَلَسْتِ تَرَيْنَ أَرُدُّ عَلَيْهِمْ مَا يَقُولُونَ؟ أَقُولُ: وَعَلَيْكُمْ"، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْغَازِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو ¬
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ: أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَرَدَّ الْقَوْمُ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "هَلْ تَدْرُونَ مَا قَالَ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ سَلَّمَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ. قَالَ: "لَا، وَلَكِنْ قَالَ السام عليكم، رُدُّوهُ"، فَرَدُّوهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: قُلْتَ السَّامُ عَلَيْكُمْ؟ " قال: نعم، قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ: "إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ، أَيْ عَلَيْكَ ما قلت"، ونزل قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} الْآيَةَ {11} . قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصُّفَّةِ وَفِي الْمَكَانِ ضِيقٌ وَذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكْرِمُ أَهْلَ بَدْرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَجَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَقَدْ سُبِقُوا إِلَى الْمَجْلِسِ، فَقَامُوا حِيَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أرجلهم ينتظرون أَنْ يُوَسَّعَ لَهُمْ فَلَمْ يُفْسِحُوا لَهُمْ، وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ بَدْرٍ: "قُمْ يَا فُلَانُ وَأَنْتَ يَا فُلَانُ"، فَأَقَامَ مِنَ الْمَجْلِسِ بِقَدْرِ النَّفَرِ الَّذِي قَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى مَنْ أُقِيمَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَعَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَرَاهِيَةَ فِي وُجُوهِهِمْ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ لِلْمُسْلِمِينَ: أَلَسْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ صَاحِبَكُمْ يَعْدِلُ بَيْنَ النَّاسِ؟ فَوَاللَّهِ مَا عَدَلَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ: قَوْمٌ أَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ وَأَحَبُّوا الْقُرْبَ مِنْ نَبِيِّهِمْ أَقَامَهُمْ وَأَجْلَسَ مَنْ أَبْطَأَ عَنْهُمْ مَقَامَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} الآيتان {12 - 13} . قَالَ ¬
مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي الْأَغْنِيَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُكْثِرُونَ مُنَاجَاتَهُ وَيَغْلِبُونَ الْفُقَرَاءَ عَلَى الْمَجَالِسِ حَتَّى كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ مِنْ طُولِ جُلُوسِهِمْ وَمُنَاجَاتِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَمَرَ بِالصَّدَقَةِ عِنْدَ الْمُنَاجَاةِ، فَأَمَّا أَهْلُ الْعُسْرَةِ فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا، وَأَمَّا أَهْلُ الْمَيْسَرَةِ فَبَخِلُوا وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتِ الرُّخْصَةُ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَآيَةً مَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أحد بعدي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} كَانَ لِي دِينَارٌ فَبِعْتُهُ بِدَرَاهِمَ، وَكُنْتُ إِذَا نَاجَيْتُ الرَّسُولَ تَصَدَّقْتُ بِدِرْهَمٍ حَتَّى نَفِدَ، فَنُسِخَتْ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} الآية قَوْلُهُ عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} الْآيَاتِ {14 - 18} . إِلَى قَوْلِهِ: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} وقال السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَبْتَلٍ الْمُنَافِقِ كَانَ يُجَالِسُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَرْفَعُ حَدِيثَهُ إِلَى الْيَهُودِ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حُجْرَةٍ مِنْ حُجَرِهِ، إِذْ قَالَ: يَدْخُلُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ قَلْبُهُ قَلْبُ جَبَّارٍ وَيَنْظُرُ بِعَيْنَيْ شَيْطَانٍ، فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَبْتَلٍ وَكَانَ أَزْرَقَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "عَلَامَ تَشْتُمُنِي أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ؟ " فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "فَعَلْتَ"، فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا بِاللَّهِ مَا سَبُّوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَاتِ. (¬1) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ¬
جَعْفَرِ بْنِ مَطَرٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ محمد الفريابي، أخبرنا أَبُو جعفر النفيلي، أخبرنا زُهَيْرُ بن معاوية، أخبرنا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي ظِلِّ حُجْرَةٍ من حجره وعند نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ كَادَ الظِّلُّ يَقْلِصُ عَنْهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ إِنْسَانٌ يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ بِعَيْنَيْ شَيْطَانٍ، فَإِذَا أَتَاكُمْ فَلَا تُكَلِّمُوهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ أَزْرَقُ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَلَّمَهُ، فَقَالَ: "عَلَامَ تَشْتُمُنِي أَنْتَ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ؟ " نَفَرٌ دَعَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَانْطَلَقَ الرجل فدعاهم، فحلفو بِاللَّهِ وَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الْأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَفَّانَ، عَنْ عَمْرٍو الْعَنْقَزِيِّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الْآيَةَ {22} . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا قُحَافَةَ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَكَّهُ أَبُو بَكْرٍ صَكَّةً شَدِيدَةً سَقَطَ مِنْهَا، ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أو فعلته؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَلَا تَعُدْ إِلَيْهِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ السَّيْفُ قَرِيبًا مِنِّي لَقَتَلْتُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَتَلَ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْجَرَّاحِ يَوْمَ أُحُدٍ. ¬
وَفِي أَبِي بَكْرٍ دَعَا ابْنَهُ يَوْمَ بدر إلى البزار، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أكن في الرحلة الْأُولَى، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: "مَتِّعْنَا بِنَفْسِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَمَّا تَعْلَمُ أَنَّكَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ سَمْعِي وَبَصَرِي"، وَفِي مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ قَتَلَ أَخَاهُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ. وَفِي عُمَرَ قَتَلَ خَالَهُ الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِي عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ قَتَلُوا عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}
سورة الحشر
سُورَةُ الْحَشْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الآية {2} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي بَنِي النَّضِيرِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَالَحَهُ بَنُو النَّضِيرِ عَلَى أَنْ لَا يُقَاتِلُوهُ وَلَا يُقَاتِلُوا مَعَهُ، وَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذلك مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدْرًا وَظَهَرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَتْ بَنُو النَّضِيرِ: وَاللَّهِ إِنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي وَجَدْنَا نعته في التوارة لَا تُرَدُّ لَهُ رَايَةٌ، فَلَمَّا غَزَا أُحُدًا وَهُزِمَ الْمُسْلِمُونَ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَأَظْهَرُوا الْعَدَاوَةَ لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمؤمنين، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم صالحهم عن الْجَلَاءِ مِنَ الْمَدِينَةِ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ التَّاجِرُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الحافظ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ يحيى، أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ كَتَبُوا بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ إِلَى الْيَهُودِ: إِنَّكُمْ أَهْلُ الْحَلْقَةِ وَالْحُصُونِ، وَإِنَّكُمْ لَتُقَاتِلُنَّ صَاحِبَنَا أَوْ لَنَفْعَلَنَّ كَذَا، وَلَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَدَمِ نِسَائِكُمْ - وَهِيَ الْخَلَاخِلُ - شَيْءٌ، فَلَمَّا بَلَغَ ¬
كِتَابُهُمُ الْيَهُودَ أَجْمَعَتْ بَنُو النَّضِيرِ على الغدر، وأرسلوا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك وَلْيَخْرُجْ مِنَّا ثَلَاثُونَ حَبْرًا حَتَّى نَلْتَقِيَ بِمَكَانٍ نَصَفٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ لِيَسْمَعُوا مِنْكَ، فَإِنْ صَدَّقُوكَ وَآمَنُوا بِكَ آمَنَّا بِكَ كُلُّنَا، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَخَرَحَ إِلَيْهِ ثَلَاثُونَ حَبْرًا مِنَ الْيَهُودِ، حَتَّى إِذَا بَرَزُوا فِي بِرَازٍ مِنَ الْأَرْضِ قَالَ بَعْضُ الْيَهُودِ لِبَعْضٍ: كَيْفَ تَخْلُصُونَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ كُلُّهُمْ يُحِبُّ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَهُ؟ فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ كَيْفَ نَفْهَمُ وَنَحْنُ سِتُّونَ رَجُلًا؟ اخْرُجْ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْ أَصْحَابِكَ وَنُخْرِجُ إِلَيْكَ ثَلَاثَةً مِنْ عُلَمَائِنَا إِنْ آمَنُوا بِكَ آمَنَّا بِكَ كلنا وصدقناك. فخرح النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَخَرَجَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْيَهُودِ وَاشْتَمَلُوا عَلَى الْخَنَاجِرِ وَأَرَادُوا الْفَتْكَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَتِ امْرَأَةٌ نَاصِحَةٌ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ إِلَى أَخِيهَا وَهُوَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَخْبَرَتْهُ خَبَرَ مَا أَرَادَ بَنُو النضير من الْغَدْرَ برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقبل أخوها سريعًا حتى أدرك النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فساره بخبرهم، فرجع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَلَمَّا كَانَ من الغد عدا عَلَيْهِمْ بالكتائب فحاصرهم فقاتلهم حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلَاءِ عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا أَقَلَّتِ الْإِبِلُ إِلَّا الْحَلْقَةَ وَهِيَ السِّلَاحُ، وَكَانُوا يُخَرِّبُونَ بُيُوتَهُمْ فَيَأْخُذُونَ مَا وَافَقَهُمْ مِنْ خَشَبِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} حَتَّى بَلَغَ {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} الْآيَةَ {5} . وَذَلِكَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَزَلَ بِبَنِي النَّضِيرِ وَتَحَصَّنُوا فِي حُصُونِهِمْ أَمَرَ بِقَطْعِ نَخِيلِهِمْ وَإِحْرَاقِهَا، فَجَزِعَ أَعْدَاءُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالُوا: زَعَمْتَ يَا مُحَمَّدُ أَنَّكَ تُرِيدُ الصَّلَاحَ، أَفَمِنَ الصَّلَاحِ عَقْرُ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَقَطْعُ النَّخِيلِ؟ وَهَلْ وَجَدْتَ فِيمَا زَعَمْتَ أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْكَ الْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ؟ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَ الْمُسْلِمُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ قَوْلِهِمْ وَخَشُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَسَادًا، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَقْطَعُوا فَإِنَّهُ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْنَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ اقْطَعُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} الْآيَةَ. تَصْدِيقًا لِمَنْ نَهَى عَنْ قَطْعِهِ وَتَحْلِيلًا لِمَنْ قَطَعَهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّ قَطْعَهُ وَتَرْكَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا وَالِدِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن إسحاق الثققي، أخبرنا قتيبة، أخبرنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَقَ نَخْلَ النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ. (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يحيى الرازي، أخبرنا سَهْلُ بن عثمان، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَقَ وَهِيَ البويرة ولها بقول حَسَّانُ: وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ وَفِيهَا نَزَلَتِ الْآيَةُ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا عبد الله، أخبرنا سَلْمُ بن عصام أخبرنا رستة، أخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مهدي، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ ميمون التمار، أخبرنا جُرْمُوزٌ عَنْ حَاتِمٍ النَّجَّارِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ يَهُودِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَنَا أَقُومُ فَأُصَلِّي، قَالَ: "قَدَّرَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ أَنْ تُصَلِّيَ"، قَالَ: أَنَا أَقْعُدُ، ¬
قَالَ: "قَدَّرَ اللَّهُ لَكَ أَنْ تَقْعُدَ"، قَالَ: أَنَا أَقُومُ إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ فأقطعها، قال: "قدرالله لَكَ أَنْ تَقْطَعَهَا"، قَالَ: فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ لُقِّنْتَ حُجَّتَكَ كَمَا لُقِّنَهَا إِبْرَاهِيمُ على قومه، وأنزل اللَّهُ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} يَعْنِي الْيَهُودَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الْآيَةَ {9} . رَوَى جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ: أَنَّ الْأَنْصَارَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَرْضَ نِصْفَيْنِ، قَالَ: "لَا، ولكنهم يكفونكم المؤونة وَتُقَاسِمُونَهُمُ الثَّمَرَةَ وَالْأَرْضُ أَرْضُكُمْ"، قَالُوا: رَضِينَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} {9} . أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ الْمُؤَذِّنُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي الجهم السبيعي، أخبرنا نَصْرُ بْنُ علي الجهضمي، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنَ أَهْلِ الصُّفَّةِ، فَذَهَبَ بِهِ الْأَنْصَارِيُّ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: لَا إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَةِ، قَالَ: فَنَوِّمِيهِمْ فَإِذَا نَامُوا فَأْتِينِي بِهِ، فإذا وضعت فأطفئ السِّرَاجَ، قَالَ: فَفَعَلَتْ وَجَعَلَ الْأَنْصَارِيُّ يُقَدِّمُ إِلَى ضَيْفِهِ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ غَدَا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "لَقَدْ عَجِبَ مِنْ فِعَالِكُمَا أَهْلُ السَّمَاءِ" وَنَزَلَتْ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ. وَرَوَاهُ ¬
مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ وَكِيعٍ، كِلَاهُمَا عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله السليطي أخبرنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عِيسَى بْنِ محمد المروزي، أخبرنا الْمُسْتَجِيرُ بن الصلت، أخبرنا الْقَاسِمُ بْنُ الحكم العُرني، أخبرنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَارِبِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أُهْدِيَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسُ شَاةٍ، فَقَالَ: إِنَّ أَخِي فُلَانًا وَعِيَالَهُ أَحْوَجُ إِلَى هَذَا مِنَّا، فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يبعث به واحدًا إِلَى آخر حتى تداوله سَبْعَةُ أَهْلِ أَبْيَاتٍ حَتَّى رَجَعَتْ إِلَى الْأَوَّلِ، فَنَزَلَتْ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. ¬
سورة الممتحنة
سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} الْآيَةَ {1} . قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: نَزَلَتْ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَذَلِكَ أَنَّ سَارَةَ مَوْلَاةَ أَبِي عَمْرِو بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَجَهَّزُ لِفَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ لَهَا: "أَمُسْلِمَةً جِئْتِ؟ " قَالَتْ: لَا، قَالَ: "فَمَا جَاءَ بِكِ؟ " قَالَتْ: أَنْتُمْ كُنْتُمُ الْأَهْلَ وَالْعَشِيرَةَ وَالْمَوَالِيَ، وَقَدِ احْتَجْتُ حَاجَةً شَدِيدَةً فَقَدِمْتُ عَلَيْكُمْ لِتُعْطُونِي وَتَكْسُوَنِي، قَالَ لَهَا: "فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ شَبَابِ أَهْلِ مَكَّةَ"، وَكَانَتْ مُغَنِّيَةً، قَالَتْ: مَا طُلِبَ مِنِّي شَيْءٌ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَحَثَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَكَسَوْهَا وَحَمَلُوهَا وَأَعْطَوْهَا، فَأَتَاهَا حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ وَكَتَبَ مَعَهَا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَأَعْطَاهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ تُوَصِّلَ الْكِتَابَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَتَبَ فِي الْكِتَابِ: مِنْ حَاطِبٍ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ، فَخَرَجَتْ سَارَةُ وَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا فَعَلَ حَاطِبٌ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا وَعَمَّارًا وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ وَأَبَا مَرْثَدٍ وَكَانُوا كُلُّهُمْ فُرْسَانًا، وَقَالَ لَهُمُ: "انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ فِيهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبٍ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَخُذُوهُ مِنْهَا وَخَلُّوا سَبِيلَهَا، فَإِنْ لَمْ تَدْفَعْهُ إِلَيْكُمْ فَاضْرِبُوا عُنُقَهَا"، فَخَرَجُوا حَتَّى أَدْرَكُوهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَقَالُوا لَهَا: أَيْنَ الْكِتَابُ؟ فَحَلَفَتْ بِاللَّهِ مَا مَعَهَا مِنْ كِتَابٍ، فَفَتَّشُوا مَتَاعَهَا فلم يجدوا معا كِتَابًا، فَهَمُّوا بِالرُّجُوعِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ مَا كَذَبَنَا وَلَا كَذَّبْنَا، وَسَلَّ سَيْفَهُ، وَقَالَ: أَخْرِجِي الْكِتَابَ وَإِلَّا وَاللَّهِ لَأُجَرِّدَنَّكِ وَلَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكِ، فَلَمَّا رَأَتِ الْجِدَّ أَخْرَجَتْهُ مِنْ ذُؤَابَتِهَا وَكَانَتْ قَدْ خَبَّأَتْهُ فِي
شَعْرِهَا، فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا وَرَجَعُوا بِالْكِتَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى حَاطِبٍ فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: "هَلْ تَعْرِفُ الْكِتَابَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَمَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كَفَرْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا غَشَشْتُكَ مُنْذُ نَصَحْتُكَ، وَلَا أَحْبَبْتُهُمْ مُنْذُ فَارَقْتُهُمْ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَّا وَلَهُ بِمَكَّةَ مَنْ يَمْنَعُ عَشِيرَتَهُ، وَكُنْتُ غَرِيبًا فِيهِمْ وَكَانَ أَهْلِي بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَخَشِيتُ عَلَى أَهْلِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ بِهِمْ بَأْسَهُ وَأَنَّ كِتَابِي لَا يُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا. فَصَدَّقَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَذَرَهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ السورة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "وَمَا يُدْرِيكَ يَا عُمَرُ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ لَهُمْ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ". (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن الحسن بْنُ عَمْرٍو، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا الربيع، أخبرنا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا وَالزُّبَيْرُ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَالَ: "انطلقوا حتى تأتؤا روضة خاخ فإت فِيهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ" فَخَرَجْنَا تُعَادِي بِنَا خَيْلُنَا فَإِذَا نَحْنُ بِظَعِينَةٍ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ. فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ. فَقُلْنَا لَهَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ مِنَ ¬
الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ كَانَ بِمَكَّةَ، يُخْبِرُ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟ " فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ نَفْسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَاتِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِمَكَّةَ قَرَابَةٌ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا، وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُهُ شَاكًّا فِي دِينِي وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إِنَّهُ قَدْ صَدَقَ"، فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ"، وَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَجَمَاعَةٍ، كُلُّهُمْ عَنْ سفيان. [423] قوله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ [6] . . يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ اقْتِدَاءٌ بِهِمْ فِي مُعَادَاةِ ذَوِي قَرَابَاتِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَادَى الْمُؤْمِنُونَ أَقْرِبَاءَهُمُ الْمُشْرِكِينَ فِي اللَّهِ وَأَظْهَرُوا لَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَرَاءَةَ، وَعَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى شِدَّةَ وَجْدِ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَنْ أَسْلَمَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَصَارُوا لَهُمْ أَوْلِيَاءَ وَإِخْوَانًا، وَخَالَطُوهُمْ وَنَاكَحُوهُمْ، وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، فَلَانَ لَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَبَلَغَهُ ذَلِكَ وَهُوَ مُشْرِكٌ، فَقَالَ: ذَاكَ الْفَحْلُ لَا يُقْرَعُ أَنْفُهُ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو ¬
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أبو يعلى، أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بن الحجاج، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمَتْ قُتَيْلَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى عَلَى ابْنَتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ بِهَدَايَا: ضِبَابٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ، فَلَمْ تَقْبَلْ هَدَايَاهَا وَلَمْ تُدْخِلْهَا مَنْزِلَهَا، فَسَأَلَتْ لَهَا عَائِشَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} الْآيَةَ. فَأَدْخَلَتْهَا مَنْزِلَهَا وَقَبِلَتْ مِنْهَا هَدَايَاهَا. رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ السَّيَّارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْغَزَّالِ، عَنِ ابْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} الْآيَةَ {10} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ مُشْرِكِي مَكَّةَ صَالَحُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَى أَهْلَ مَكَّةَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَهُوَ لَهُمْ، وَكَتَبُوا بِذَلِكَ الْكِتَابِ وَخَتَمُوهُ، فَجَاءَتْ سُبَيْعَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْكِتَابِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحُدَيْبِيَةَ، فَأَقْبَلَ زَوْجُهَا وَكَانَ كَافِرًا، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ رُدَّ عَلَيَّ امْرَأَتِي، فَإِنَّكَ قَدْ شَرَطْتَ لَنَا أَنْ تَرُدَّ عَلَيْنَا مَنْ أَتَاكَ مِنَّا وَهَذِهِ طِينَةُ الْكِتَابِ لَمْ تَجِفَّ بَعْدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن ¬
الفضل، أخبرنا أحمد بْنُ محمد بن الحسن الحافظ، أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا الحسن بْنُ الرَّبِيعِ بن الخشاب، أخبرنا ابن إِدْرِيسَ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ يَكْتُبُ كِتَابًا إِلَى ابْنِ هُنَيْدَةَ صَاحِبِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ، فَلَمَّا هَاجَرْنَ النِّسَاءُ أَبَى اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُرْدَدْنَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ إِذَا هُنَّ امْتُحِنَّ، فَعَرَفُوا أَنَّهُنَّ إِنَّمَا جِئْنَ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ بِرَدِّ صَدَقَاتِهِنَّ إِلَيْهِمْ إِذَا احْتُبِسْنَ عَنْهُمْ إِنْ هُمْ رَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ صَدَقَةَ مَنْ حُبِسْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ، قَالَ: وَذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ، فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النِّسَاءَ وَرَدَّ الرِّجَالَ. قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} الْآيَةَ {13} . نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يُخْبِرُونَ الْيَهُودَ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ وَيُوَاصِلُونَهُمْ فَيُصِيبُونَ بِذَلِكَ مِنْ ثِمَارِهِمْ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ.
سورة الصف
سُورَةُ الصَّفِّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} {1} . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن يحيى، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الصَّنْعَانِيُّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: قَعَدْنَا نفر من صحاب النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُلْنَا: لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الْأَعْمَالِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تبارك وتعالى علمناه، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} {2} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا وَأَنْفُسَنَا، فَدَلَّهُمُ اللَّهُ عَلَى أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ¬
الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} الْآيَةَ. فَابْتُلُوا يَوْمَ أُحُدٍ بِذَلِكَ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} .
سورة الجمعة
سُورَةُ الْجُمُعَةَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم (¬1) - قوله - عز وجل - {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} {11} . أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بن عطية، أخبرنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ قَدْ قَدِمَتْ مِنَ الشَّامِ، فَخَرَجُوا إِلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُصَيْنٍ. (¬2) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى الطَّلْحِيُّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عمران الشاشي، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن يونس أخبرنا عَبْثَرُ بن القاسم، أخبرنا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجُمُعَةِ، فَمَرَّتْ عِيرٌ تَحْمِلُ الطَّعَامَ فَخَرَجَ النَّاسُ إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَنَزَلَتْ ¬
آيَةُ الْجُمُعَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَائِدَةَ كِلَاهُمَا عَنْ حُصَيْنٍ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ جُوعٌ وَغَلَاءُ سِعْرٍ، فَقَدِمَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ فِي تِجَارَةٍ مِنَ الشَّامِ، وَضُرِبَ لَهَا طَبْلٌ يُؤْذِنُ النَّاسَ بِقُدُومِهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تَتَابَعْتُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْكُمْ لَسَالَ بِكُمُ الْوَادِي نَارًا".
سورة المنافقون
سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} {7} . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عبدان قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محمد الحافظ، أخبرنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد المحبوبي، أخبرنا سَعِيدُ بن مسعود، أخبرنا عُبَيْدُ اللَّهِ بن موسى، أخبرنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مَعَنَا نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ وَكُنَّا نَبْتَدِرُ الْمَاءَ، وَكَانَ الْأَعْرَابُ يَسْبِقُونَا، فَيَسْبِقُ الْأَعْرَابِيُّ أَصْحَابَهُ فَيَمْلَأُ الْحَوْضَ وَيَجْعَلُ حَوْلَهُ الْحِجَارَةَ وَيَجْعَلُ النِّطْعَ عَلَيْهِ ¬
حَتَّى يَجِيءَ أَصْحَابُهُ، فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَرْخَى زِمَامَ نَاقَتِهِ لِتَشْرَبَ، فَأَبَى أَنْ يَدَعَهُ الْأَعْرَابِيُّ فَانْتَزَعَ حَجَرًا فَفَاضَ الْمَاءُ، فَرَفَعَ الْأَعْرَابِيُّ خَشَبَةً فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَ الْأَنْصَارِيِّ فَشَجَّهُ، فَأَتَى الْأَنْصَارِيُّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ، فَأَخْبَرَهُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ثُمَّ قَالَ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ، يَعْنِي الْأَعْرَابَ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيُخْرِجِ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَأَنَا رِدْفُ عَمِّي: فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، فَأَخْبَرْتُ عَمِّي، فَانْطَلَقَ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَلَفَ وَجَحَدَ وَاعْتَذَرَ، فَصَدَّقَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَّبَنِي، فَجَاءَ إِلَيَّ عَمِّي فَقَالَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا أَنْ مَقَتَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَّبَكَ الْمُسْلِمُونَ، فَوَقَعَ عَلَيَّ مِنَ الْغَمِّ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَى أَحَدٍ قَطُّ، فَبَيْنَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ أَتَانِي فَعَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي، فَمَا كَانَ يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} حَتَّى بَلَغَ {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} حَتَّى بَلَغَ {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} قال أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَأَصْحَابُ السِّيَرِ: غَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَنَزَلَ عَلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِهِمْ يُقَالُ لَهُ: الْمُرَيْسِيعُ، فَوَرَدَتْ وَارِدَةُ النَّاسِ وَمَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَجِيرٌ لَهُ مِنْ بَنِي غِفَارٍ يُقَالُ لَهُ: جَهْجَاهُ بْنُ سَعِيدٍ يَقُودُ فَرَسَهُ، فَازْدَحَمَ جَهْجَاهٌ وَسِنَانٌ الْجُهَنِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَوْفٍ مِنَ الْخَزْرَجِ عَلَى الْمَاءِ، فَاقْتَتَلَا، فَصَرَخَ الْجُهَنِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَصَرَخَ الْغِفَارِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، فَأَعَانَ جَهْجَاهًا رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يُقَالُ لَهُ "جُعَالٌ"؛ وَكَانَ فَقِيرًا. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: وَإِنَّكَ لَهُنَاكَ! فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ؟! وَاشْتَدَّ لِسَانُ جُعَالٍ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَأَذَرَنَّكَ، وَيَهُمُّكَ غَيْرُ هَذَا شَيْءٌ؟. وَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُهُمْ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ، إِنَّا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ
الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ. يَعْنِي بِالْأَعَزِّ نَفْسَهُ، وَبِالْأَذَلِّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَ: هَذَا مَا فَعَلْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ، أَحْلَلْتُمُوهُمْ بِلَادَكُمْ، وَقَاسَمْتُمُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ؛ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَمْسَكْتُمْ عَنْ جُعَالٍ وَذَوِيهِ فَضْلَ الطَّعَامِ، لَمْ يَرْكَبُوا رِقَابَكُمْ، وَلَأَوْشَكُوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْ بِلَادِكُمْ؛ فَلَا تُنْفِقُوا عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِ مُحَمَّدٍ. قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ - وَكَانَ حَاضِرًا وَيَسْمَعُ ذَلِكَ -، فَقَالَ: أَنْتَ وَاللَّهِ الذَّلِيلُ الْقَلِيلُ الْمُبَغَّضُ فِي قَوْمِكَ، وَمُحَمَّدٌ فِي عِزٍّ مِنَ الرَّحْمَنِ، وَمَوَدَّةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ وَاللَّهِ لَا أُحِبُّكَ بَعْدَ كَلَامِكَ هَذَا. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: اسْكُتْ، فَإِنَّمَا كُنْتُ أَلْعَبُ. فَمَشَى زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَعِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَقَالَ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: "إِذَنْ تَرْعَدُ لَهُ أُنُفٌ كَبِيرَةٌ بِيَثْرِبَ". فَقَالَ عُمَرُ: فَإِنْ كَرِهْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَقْتُلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَمُرْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَوْ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، أَوْ عُبَادَةَ بْنَ بِشْرٍ - فَلْيَقْتُلُوهُ. فَقَالَ: "إِذَنْ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ". وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: "أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي بَلَغَنِي؟ " فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مَا قُلْتُ شَيْئًا مِنْ هَذَا قَطُّ، وَإِنَّ زَيْدًا لَكَاذِبٌ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ فِي قَوْمِهِ شَرِيفًا عَظِيمًا؛ فَقَالَ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَيْخُنَا وَكَبِيرُنَا، لَا تُصَدِّقْ عَلَيْهِ كَلَامَ غُلَامٍ مِنْ غِلْمَانِ الْأَنْصَارِ عَسَى أَنْ يَكُونَ وَهِمَ فِي حَدِيثِهِ فَلَمْ يَحْفَظْ. فَعَذَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفَشَتِ الْمَلَامَةُ فِي الْأَنْصَارِ لِزَيْدٍ وَكَذَّبُوهُ، وَقَالَ لَهُ عَمُّهُ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا أَنْ كَذَّبَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون ومَقَتُوك. فاستحيَى زَيْدٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَدْنُوَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَلَمَّا ارْتَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فقال له: أوَ مَا
بَلَغَكَ مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ؟ قَالَ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ إِنْ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ. قَالَ أُسَيْدٌ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - وَاللَّهِ تُخْرِجَنَّهُ إِنْ شِئْتَ، هُوَ وَاللَّهِ الذَّلِيلُ، وَأَنْتَ الْعَزِيزُ. ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ارْفُقْ بِهِ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِكَ وَإِنَّ قَوْمَهُ لَيَنْظِمُونَ لَهُ الْخَرَزَ لِيُتَوِّجُوهُ؛ وَإِنَّهُ لَيَرَى أَنَّكَ سَلَبْتَهُ مُلْكًا. وَبَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِيهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ لِمَا بَلَغَكَ عَنْهُ؛ فَإِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَمُرْنِي بِهِ، فَأَنَا أَحْمِلُ إِلَيْكَ رَأْسَهُ! فَوَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَتِ الْخَزْرَجُ مَا بِهَا رَجُلٌ أَبَرَّ بِوَالِدَيْهِ مِنِّي، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَأْمُرَ بِهِ غَيْرِي فَيَقْتُلَهُ، فَلَا تَدَعُنِي نَفْسِي أَنْظُرُ إِلَى قَاتِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَمْشِي فِي النَّاسِ، فَأَقْتُلَهُ، فَأَقْتُلَ مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ، فَأَدْخُلَ النَّارَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "بَلْ نُحْسِنُ صُحْبَتَهُ مَا بَقِيَ مَعَنَا". وَلَمَّا وَافَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ، قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: جَلَسْتُ فِي الْبَيْتِ لِمَا بِي مِنَ الْهَمِّ وَالْحَيَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ فِي تَصْدِيقِي وَتَكْذِيبِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمَّا نَزَلَتْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُذُنِ زَيْدٍ، فَقَالَ: "يَا زَيْدُ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَدَّقَكَ وَأَوْفَى بِأُذُنِكَ "، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى أَنَاخَ عَلَى مَجَامِعِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ. فَلَمَّا أَنْ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ قَالَ ابْنُهُ: وراءك، قال: مالك؟ وَيْلَكَ. قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُهَا أَبَدًا إِلَّا بِإِذْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلْتَعْلَمِ الْيَوْمَ مَنِ الْأَعَزُّ مِنَ الْأَذَلِّ، فَشَكَا عَبْدُ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا صَنَعَ ابْنُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ "أَنْ خَلِّ عَنْهُ حَتَّى يَدْخُلَ" فَقَالَ: أَمَا إِذْ جَاءَ أَمْرُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَنَعَمْ، فَدَخَلَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ وَبَانَ كَذِبُهُ قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا حُبَابٍ إِنَّهُ قَدْ نَزَلَتْ فِيكَ آيٌ شِدَادٌ فَاذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَسْتَغْفِرَ لَكَ، فَلَوَى رَأْسَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} الْآيَةَ.
سورة التغابن
سُورَةُ التَّغَابُنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم قوله - عز وجل - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} الْآيَةَ {14} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الرَّجُلُ يُسْلِمُ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ مَنْعَهُ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ وَقَالُوا: نَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ تَذْهَبَ فَتَدَعَ أَهْلَكَ وَعَشِيرَتَكَ وَتَصِيرَ إِلَى الْمَدِينَةِ بِلَا أَهْلٍ وَلَا مَالٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرِقُّ لَهُمْ وَيُقِيمُ وَلَا يُهَاجِرُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أحمد الشيباني، أخبرنا أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى بن حازم، أخبرنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بن بجير، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عمر المقدمي، أخبرنا أَشْعَثُ بْنُ عبد الله، أخبرنا شُعْبَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُسْلِمُ فَيَلُومُهُ أَهْلُهُ وَبَنُوهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} قَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وهؤلاء الَّذِينَ مَنَعَهُمْ أَهْلُهُمْ عَنِ الْهِجْرَةِ لَمَّا هَاجَرُوا وَرَأَوُا النَّاسَ قَدْ فَقِهُوا فِي الدِّينِ هَمُّوا أَنْ يُعَاقِبُوا أَهْلِيهِمُ الَّذِينَ مَنَعُوهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . ¬
سورة الطلاق
سُورَةُ الطَّلَاقِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ - عز وجل - {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} الْآيَةَ {1} . رَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفْصَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَقِيلَ لَهُ: رَاجِعْهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَهِيَ مِنْ إِحْدَى أَزْوَاجِكَ وَنِسَائِكَ فِي الْجَنَّةِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَاجِعَهَا وَيُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضُ حَيْضَةً أُخْرَى، فَإِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا إِنْ شَاءَ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَإِنَّهَا الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا. أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ أَحْمَدَ الشَّالَنْجِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد الحيري، أخبرنا مُحَمَّدُ بن زنجويه، أخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن يحيى، أخبرنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَاجِعَهَا، ثُمَّ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَتَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} {2 - 3} . نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَسَرُوا ابْنًا لَهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، وَقَالَ: إِنَّ العدو أسر بني
وَجَزِعَتِ الْأُمُّ فَمَا تَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "اتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرْ، وَآمُرُكَ وَإِيَّاهَا أَنْ تَسْتَكْثِرَا مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"، فَعَادَ إِلَى بَيْتِهِ وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنِي وَإِيَّاكِ أَنْ نَسْتَكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَقَالَتْ: نِعْمَ مَا أَمَرَنَا بِهِ، فَجَعَلَا يَقُولَانِ، فَغَفَلَ الْعَدُوُّ عَنِ ابْنِهِ، فَسَاقَ غَنَمَهُمْ وَجَاءَ بِهَا إِلَى أَبِيهِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ آلَافِ شَاةٍ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. (¬1) - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ السكوني، أخبرنا عُبَيْدُ بْنُ كَثِيرٍ العامري، أخبرنا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بن آدم أخبرنا إسرائيل، أخبرنا عَمَّارُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} فِي رَجُلٍ مِنْ أَشْجَعَ كَانَ فَقِيرًا خَفِيفَ ذَاتِ الْيَدِ كَثِيرَ الْعِيَالِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ فَقَالَ: "اتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرْ"، فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: مَا أَعْطَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: مَا أَعْطَانِي شَيْئًا، قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرْ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ ابْنٌ لَهُ بِغَنَمٍ وَكَانَ الْعَدُوُّ أَصَابُوهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ عَنْهَا وَأَخْبَرَهُ خَبَرَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إِيَّاكَهَا". قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} {4} . قَالَ مُقَاتِلٌ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} الْآيَةَ. قَالَ خَلَّادُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا عِدَّةُ الَّتِي لَا تَحِيضُ، وَعِدَّةُ الَّتِي لَمْ تَحِضْ، وَعِدَّةُ الْحُبْلَى؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
(¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدُونَ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بن عبدان قال: أخبرنا أبو الأزهر، أخبرنا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عِدَّةُ النِّسَاءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الْمُطَلَّقَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ نِسَاءً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَقُلْنَ قَدْ بَقِيَ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا شَيْءٌ، قَالَ: "مَا هُوَ؟ " قَالَ: الصِّغَارُ وَالْكِبَارُ وَذَوَاتُ الْحَمْلِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} إِلَى آخِرِهَا. ¬
سورة التحريم
سُورَةُ التَّحْرِيمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم (¬1) - قوله - عز وجل - {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الْآيَةَ {1} . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ منصور الطوسي، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بن مهدي أخبرنا الْحُسَيْنُ بْنُ إسماعيل المحاملي، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ قال: حدثني إِسْحَاقُ بن محمد، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمِّ وَلَدِهِ مَارِيَةَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَوَجَدَتْهُ حَفْصَةُ مَعَهَا، فَقَالَتْ: لِمَ تُدْخِلُهَا بَيْتِي؟ مَا صَنَعْتَ بِي هَذَا مِنْ بَيْنِ نِسَائِكَ إِلَّا مِنْ هَوَانِي عَلَيْكَ. ¬
فَقَالَ لَهَا: "لَا تَذْكُرِي هَذَا لِعَائِشَةَ، هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ إِنْ قَرِبْتُهَا"، قَالَتْ حَفْصَةُ: وَكَيْفَ تَحْرُمُ عَلَيْكَ وَهِيَ جَارِيَتُكَ؟ فَحَلَفَ لَهَا: لَا يَقْرَبُهَا وَقَالَ لَهَا: "لَا تُذْكُرِيهِ لِأَحَدٍ"، فَذَكَرَتْهُ لِعَائِشَةَ، فَآلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى نِسَائِهِ شَهْرًا وَاعْتَزَلَهُنَّ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الْآيَةَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاعِظُ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِشْرٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ الحسن الفريابي، أخبرنا مِنْجَابُ بن الحارث، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ، وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ وَاحْتَبَسَ عِنْدَهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَعَرَفْتُ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لِي أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةَ عَسَلٍ، فَسَقَتْ مِنْهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرْبَةً قُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ، فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فَقُولِي لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ: سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ، فَقُولِي: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ؟ وَسَأَقُولُ ذَلِكَ، وَقَوْلِي أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ ذَلِكَ، قَالَتْ تَقُولُ سَوْدَةُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ أَقَامَ عَلَى الْبَابِ فَكِدْتُ أَنْ أُبَادِئَهُ بِمَا أَمَرَتْنِي بِهِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ قَالَ: "لَا"، قَالَتْ: فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ، قَالَ: "سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ"، قَالَتْ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ؟ قَالَتْ: فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ قُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَارَ إِلَى صَفِيَّةَ قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَارَ إِلَى حَفْصَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: "لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ"، تَقُولُ سَوْدَةُ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ، قُلْتُ ¬
لَهَا: اسْكُتِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ فَرْوَةَ بْنِ أَبِي الْمَغْرَاءِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أحمد، أخبرنا الحسن بْنُ مُحَمَّدِ بن مصعب، أخبرنا يَحْيَى بن حكيم، أخبرنا أبو داود، أخبرنا عَامِرٌ الْخَزَّازُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ كانت لها خؤولة بِالْيَمَنِ، وَكَانَ يُهْدَى إِلَيْهَا الْعَسَلُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِيهَا فِي غَيْرِ يَوْمِهَا يُصِيبُ مِنْ ذَلِكَ الْعَسَلِ، وَكَانَتْ حفصة وعائشة متواخيتين عَلَى سَائِرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا لِلْأُخْرَى: أَمَا تَرَيْنَ إِلَى هَذَا؟ قَدِ اعْتَادَ هَذِهِ يَأْتِيهَا فِي غَيْرِ يَوْمِهَا يُصِيبُ مِنْ ذَلِكَ الْعَسَلِ، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فَخُذِي بِأَنْفِكِ، فإذا قال: مالك؟ قولي: أحد مِنْكَ رِيحًا لَا أَدْرِي مَا هِيَ، فَإِنَّهُ إِذَا دَخَلَ عَلَيَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَتْ بأنفها فقال: "مالك؟ " قالت: ريحًا أحد مِنْكَ وَمَا أَرَاهُ إِلَّا مَغَافِيرَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْجِبُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الرِّيحِ الطَّيِّبَةِ إِذَا وجدها، ثم إذ دَخَلَ عَلَى الْأُخْرَى قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: "لَقَدْ قَالَتْ لِي هَذَا فُلَانَةُ، وَمَا هَذَا إِلَّا مِنْ شَيْءٍ أَصَبْتُهُ فِي بَيْتِ سَوْدَةَ، وَوَاللَّهِ لَا أَذُوقُهُ أَبَدًا". قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ في هذا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} الْآيَةَ {4} . أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْمَنْصُورِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحسن الدارقطني، أخبرنا الْحُسَيْنُ بن إسماعيل، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شبيب قال: حدثني أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ ¬
أَبِي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَجَدَتْ حَفْصَةُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ فِي يَوْمِ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: لَأُخْبِرَنَّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ إِنْ قَرِبْتُهَا" فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةَ بِذَلِكَ، فَأَعْلَمَ اللَّهُ رَسُولَهُ ذَلِكَ، فَعَرَّفَ حَفْصَةَ بَعْضَ مَا قَالَتْ: فَقَالَتْ لَهُ: مَنْ أَخْبَرَكَ؟ قَالَ: {نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} فَآلَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} الْآيَةَ.
سورة الملك
سُورَةُ الْمُلْكِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم قوله تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} الْآيَةَ {13} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَنَالُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَبَّرَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَا قَالُوا فِيهِ وَنَالُوا مِنْهُ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ لِئَلَّا يَسْمَعَ إِلَهُ مُحَمَّدٍ.
سورة القلم
سُورَةُ الْقَلَمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} {4} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بن حيان، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ نصر الجمال، أخبرنا جَرِيرُ بن يحيى، أخبرنا حُسَيْنُ بْنُ علوان الكوفي، أخبرنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا كَانَ أَحَدٌ أَحْسَنَ خُلُقًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا دَعَاهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا قَالَ: "لَبَّيْكَ" وَلِذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قوله - عز وجل - {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الْآيَةَ {51} . نَزَلَتْ حِينَ أَرَادَ الْكُفَّارُ أَنْ يَعِينُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُصِيبُوهُ بِالْعَيْنِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ وَلَا مِثْلَ حُجَجِهِ، وَكَانَتِ الْعَيْنُ فِي بَنِي أَسَدٍ حَتَّى إِنْ كَانَتِ النَّاقَةُ السَّمِينَةُ وَالْبَقَرَةُ السَّمِينَةُ، تَمُرُّ بِأَحَدِهِمْ فَيُعَايِنُهَا ثُمَّ يَقُولُ: يَا جَارِيَةُ خُذِي الْمِكْتَلَ وَالدِّرْهَمَ فَأْتِينَا بِلَحْمٍ مِنْ لَحْمِ هَذِهِ، فَمَا تَبْرَحُ حَتَّى تَقَعَ بِالْمَوْتِ فَتُنْحَرَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ يمكث لا يأكل يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ يَرْفَعُ جَانِبَ خِبَائِهِ فَتَمُرُّ بِهِ النَّعَمُ فَيَقُولُ: مَا رُعِيَ الْيَوْمَ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ. فَمَا تَذْهَبُ إِلَّا قَرِيبًا حَتَّى يَسْقُطَ مِنْهَا طَائِفَةٌ وَعِدَّةٌ، فَسَأَلَ الْكُفَّارُ هَذَا الرَّجُلَ أَنْ يُصِيبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعَيْنِ وَيَفْعَلَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَعَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ وَأَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ.
سورة الحاقة
سُورَةُ الْحَاقَّةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم (¬1) - قوله - عز وجل - {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} {12} . حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن جعفر، أخبرنا الْوَلِيدُ بن أبان، أخبرنا العباس الدوري، أخبرنا بِشْرُ بن آدم، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ صَالِحَ بْنَ هَيْثَمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ بُرَيْدَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُدْنِيَكَ وَلَا أُقْصِيَكَ، وَأَنْ أُعَلِّمَكَ وَتَعِيَ وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ تَعِيَ"، فَنَزَلَتْ: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} ¬
سورة المعارج
سُورَةُ الْمَعَارِجِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} الْآيَاتِ {1} . نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ حِينَ قَالَ: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} (¬2) الْآيَةَ، فَدَعَا عَلَى نَفْسِهِ وَسَأَلَ الْعَذَابَ، فَنَزَلَ بِهِ مَا سَأَلَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقُتِلَ صَبْرًا، وَنَزَلَ فِيهِ: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلَّا} {38 - 39} . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَجْتَمِعُونَ حَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَمِعُونَ كَلَامَهُ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، بَلْ يُكَذِّبُونَ بِهِ وَيَسْتَهْزِءُونَ وَيَقُولُونَ: لَئِنْ دَخَلَ هَؤُلَاءِ الْجَنَّةَ لَنَدْخُلَنَّهَا قَبْلَهُمْ، وَلَيَكُونَنَّ لَنَا فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
سورة المدثر
سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} {1 - 4} . أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: أخبرني أبي، أخبرنا الأوزاعي، أخبرنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الْوَادِي، فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فِي الْهَوَاءِ - يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي دَثِّرُونِي"، فَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عز وجل - {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ. (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} {11 - 24} . أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحِذَامِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الله بن نعيم، أخبرنا محمد بْنُ عَلِيٍّ الصَّغَانِيُّ، ¬
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبراهيم الدبري، أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ وَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَمِّ إِنَّ قَوْمَكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مَالًا لِيُعْطُوكَهُ، فَإِنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّدًا تَتَعَرَّضُ لِمَا قِبَلَهُ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالًا، قَالَ: فَقُلْ فِيهِ قَوْلًا يَبْلُغُ قَوْمَكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ لَهُ وَكَارِهٌ، قَالَ: وَمَاذَا أَقُولُ؟ فَوَاللَّهِ مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي، وَلَا أَعْلَمُ بِرَجَزِهَا وَبِقَصِيدِهَا مِنِّي، وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً، وَإِنَّهُ لِمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ وَإِنَّهُ ليعلو ولا يُعْلَى، قَالَ: لَا يَرْضَى عَنْكَ قَوْمُكَ حَتَّى تَقُولَ فِيهِ، قَالَ: فَدَعْنِي حَتَّى أُفَكِّرَ فِيهِ، فَقَالَ: هَذَا سِحْرٌ يُؤْثَرُ يَأْثُرُهُ عَنْ غَيْرِهِ، فَنَزَلَتْ: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} الْآيَاتِ كُلِّهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ كَانَ يَغْشَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى حَسِبَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ يُسْلِمُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّ قُرَيْشًا تَزْعُمُ أَنَّكَ إِنَّمَا تَأْتِي مُحَمَّدًا وَابْنَ أَبِي قُحَافَةَ تُصِيبُ مِنْ طَعَامِهِمَا، فَقَالَ الْوَلِيدُ لِقُرَيْشٍ: إِنَّكُمْ ذَوُو أَحْسَابٍ وَذَوُو أَحْلَامٍ، وَإِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ، وَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ يُجَنُّ قَطُّ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا، قَالَ: تَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَاهِنٌ وَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ يَتَكَهَّنُ قَطُّ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا، قَالَ: تَزْعُمُونَ أَنَّهُ شَاعِرٌ هَلْ رَأَيْتُمُوهُ يَنْطِقُ بِشِعْرٍ قَطُّ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَذَّابٌ، فَهَلْ جَرَّبْتُمْ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الْكَذِبِ؟ قَالُوا: لَا، قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلْوَلِيدِ: فَمَا هُوَ؟ فَتَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ ثُمَّ نَظَرَ وَعَبَسَ فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا سَاحِرٌ، وَمَا يَقُولُهُ سِحْرٌ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} .
سورة القيامة
سُورَةُ الْقِيَامَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} {3} . نَزَلَتْ فِي عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: حَدِّثْنِي عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَتَى يَكُونُ وَكَيْفَ يَكُونُ أَمْرُهَا وَحَالُهَا؟ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، فَقَالَ: لَوْ عَايَنْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ أُصَدِّقْكَ يَا محمد ولم أؤمن به، أو يجمع اللَّهُ هَذِهِ الْعِظَامَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. سُورَةُ الْإِنْسَانِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا} {8} . قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَذَلِكَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أبي طالب - رضي الله عنه - نَوْبَةً أَجَّرَ نَفْسَهُ يَسْقِي نَخْلًا بِشَيْءٍ مِنْ شَعِيرٍ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ، وَقَبَضَ الشَّعِيرَ وَطَحَنَ ثُلُثَهُ، فَجَعَلُوا مِنْهُ شَيْئًا لِيَأْكُلُوهُ، يُقَالُ لَهُ: الْخَزِيرَةُ، فَلَمَّا تَمَّ إِنْضَاجُهُ، أَتَى مِسْكِينٌ فَأَخْرَجُوا إِلَيْهِ الطَّعَامَ، ثُمَّ عَمِلَ الثُّلُثَ الثَّانِيَ، فَلَمَّا تَمَّ إِنْضَاجُهُ أَتَى يَتِيمٌ فَسَأَلَ فَأَطْعَمُوهُ، ثُمَّ عَمِلَ الثُّلُثَ الْبَاقِيَ، فَلَمَّا تَمَّ إِنْضَاجُهُ أَتَى أَسِيرٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَطْعَمُوهُ، وَطَوَوْا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ، فَأُنْزِلَتْ فيه هذه الآية.
سورة عبس
سُورَةُ عَبَسَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} {1 - 2} . وَهُوَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُنَاجِي عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأَبَا جَهِلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأُبَيًّا وَأُمَيَّةَ ابْنَيْ خَلَفٍ، وَيَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَرْجُو إِسْلَامَهُمْ، فَقَامَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي، مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ؛ وَجَعَلَ يُنَادِيهِ وَيُكَرِّرُ النِّدَاءَ وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ مُشْتَغِلٌ مُقْبِلٌ عَلَى غَيْرِهِ، حَتَّى ظَهَرَتِ الْكَرَاهِيَةُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَطْعِهِ كَلَامَهُ، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: "يَقُولُ هَؤُلَاءِ الصَّنَادِيدُ إِنَّمَا أَتْبَاعُهُ الْعُمْيَانُ وَالسِّفْلَةُ وَالْعَبِيدُ"، فَعَبَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْرَضَ عَنْهُ وَأَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ يُكَلِّمُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَاتِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ يُكْرِمُهُ، وَإِذَا رَآهُ يَقُولُ: "مَرْحَبًا بِمَنْ عَاتَبَنِي فِيهِ رَبِّي". (¬1) - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَصَاحِفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: هَذَا مَا قَرَأْنَا عَلَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة قالت: أنزل {عَبَسَ وَتَوَلَّى} فِي ابن أم مكتوك الْأَعْمَى، أَتَى إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬
فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْشِدْنِي، وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ رِجَالٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْرِضُ عَنْهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِينَ، فَفِي هَذَا أُنْزِلَتْ {عَبَسَ وَتَوَلَّى} رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى الْحِيرِيِّ، عَنِ الْعَتَّابِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ يَحْيَى. (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} {37} . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَرَاسَةَ، حَدَّثَنَا عَائِذُ بْنُ شُرَيْحٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنُحْشَرُ عُرَاةً؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَتْ: وَاسَوْأَتَاهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} . ¬
سورة التكوير
سُورَةُ التَّكْوِيرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} {29} . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدُوسٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنِ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} قَالَ أَبُو جَهْلٍ: ذَلِكَ إِلَيْنَا إِنْ شِئْنَا اسْتَقَمْنَا وَإِنْ لَمْ نَشَأْ لَمْ نَسْتَقِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} .
سورة المطففين
سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} {1} . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ النَّقِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بشير قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ النَّحْوِيُّ، أَنَّ عِكْرِمَةَ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ كَانُوا مِنْ أَخْبَثِ النَّاسِ كَيْلًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} فَأَحْسَنُوا الْكَيْلَ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ الْقُرَظِيُّ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ تُجَّارٌ يُطَفِّفُونَ، وَكَانَتْ بِيَاعَاتُهُمْ كَشِبْهِ الْقِمَارِ: الْمُنَابَذَةُ وَالْمُلَامَسَةُ وَالْمُخَاطَرَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى السُّوقِ وَقَرَأَهَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَبِهَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: "أَبُو جُهَيْنَةَ" وَمَعَهُ صَاعَانِ يَكِيلُ بِأَحَدِهِمَا وَيَكْتَالُ بِالْآخَرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ¬
سورة الطارق
سُورَةُ الطَّارِقِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ} {1 - 3} . نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَتَى النبيَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتحفه بخبر وَلَبَنٍ، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ يَأْكُلُ إِذِ انْحَطَّ نجم فامتلأ ما ثُمَّ نَارًا، فَفَزِعَ أَبُو طَالِبٍ وَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟ فَقَالَ: "هَذَا نَجْمٌ رُمِيَ بِهِ وَهُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ"، فَعَجِبَ أَبُو طَالِبٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
سورة الليل
سُورَةُ اللَّيْلِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ إِمْلَاءً بِجُرْجَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بن هارون، أخبرنا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الله الترقفي، أخبرنا حَفْصُ بن عمر، أخبرنا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فَرْعُهَا فِي دَارِ رَجُلٍ فَقِيرٍ ذِي عِيَالٍ، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا جَاءَ وَدَخَلَ الدَّارَ فَصَعِدَ النَّخْلَةَ لِيَأْخُذَ مِنْهَا التَّمْرَ فَرُبَّمَا سَقَطَتِ التَّمْرَةُ فَيَأْخُذُهَا صِبْيَانُ الْفَقِيرِ، فَيَنْزِلُ الرَّجُلُ مِنْ نَخْلَتِهِ حَتَّى يَأْخُذَ التَّمْرَةَ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَإِنْ وَجَدَهَا فِي فَمِ أَحَدِهِمْ أَدْخَلَ إِصْبَعَهُ حَتَّى يُخْرِجَ التَّمْرَةَ مِنْ فِيهِ، فَشَكَا الرَّجُلُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرَهُ بِمَا يَلْقَى مِنْ صَاحِبِ النَّخْلَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "اذْهَبْ"، وَلَقِيَ صَاحِبَ النَّخْلَةِ وَقَالَ: "تُعْطِينِي نَخْلَتَكَ الْمَائِلَةَ الَّتِي فَرْعُهَا فِي دَارِ فُلَانٍ وَلَكَ بِهَا نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ؟ " فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: لَقَدْ أَعْطَيْتُ، وَإِنَّ لِي نَخْلًا كَثِيرًا وَمَا فِيهَا نَخْلَةٌ أَعْجَبُ إِلَيَّ ثَمَرَةً مِنْهَا، ثُمَّ ذَهَبَ الرَّجُلُ فَلَقِيَ رَجُلًا كَانَ يَسْمَعُ الْكَلَامَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُعْطِينِي مَا أَعْطَيْتَ الرَّجُلَ نَخْلَةً فِي الْجَنَّةِ إِنْ أَنَا أَخَذْتُهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ"، فَذَهَبَ الرَّجُلُ فَلَقِيَ صَاحِبَ النَّخْلَةِ فَسَاوَمَهَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ: أَشَعَرْتَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَعْطَانِي بِهَا نَخْلَةً فِي الْجَنَّةِ فَقُلْتُ: ¬
يُعْجِبُنِي ثَمَرُهَا؟ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: أَتُرِيدُ بَيْعَهَا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أن أُعطَى لها مَا لَا أَظُنُّهُ أُعْطِيَ. قَالَ: فَمَا مُنَاكَ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ نَخْلَةً قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: لَقَدْ جِئْتَ بِعَظِيمٍ، تَطْلُبُ بِنَخْلَتِكَ الْمَائِلَةِ أَرْبَعِينَ نَخْلَةً؟ ثُمَّ سَكَتَ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ: أَنَا أُعْطِيكَ أَرْبَعِينَ نَخْلَةً، فَقَالَ لَهُ: أَشْهِدْ لِي إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، فَمَرَّ نَاسٌ فَدَعَاهُمْ فَأَشْهَدَ لَهُ بِأَرْبَعِينَ نَخْلَةً، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّخْلَةَ قَدْ صَارَتْ فِي مِلْكِي فَهِيَ لَكَ، فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى صَاحِبِ الدَّارِ فَقَالَ: "إِنَّ النَّحْلَةَ لَكَ وَلِعِيَالِكَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحارثي، أخبرنا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بن أبان أخبرنا مُحَمَّدُ بن إدريس، أخبرنا مَنْصُورُ بْنُ أبي مزاحم، أخبرنا ابْنُ أَبِي الْوَضَّاحِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اشْتَرَى بِلَالًا مِنْ أُمَيَّةَ بْنِ خلف ببردة وعشرة أَوَاقٍ مِنْ ذَهَبٍ فَأَعْتَقَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} سَعْيَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الْآيَاتِ {5 - 6} . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الهيثم الأنباري، أخبرنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بن شاكر، أخبرنا قبيصة، أخبرنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ" ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ.
(¬1) - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بن حنبل، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن أيوب، أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لِابْنِهِ أَبِي بَكْرٍ: يَا بُنَيَّ أَرَاكَ تَعْتِقُ رِقَابًا ضِعَافًا، فَلَوْ أَنَّكَ إِذْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ أَعْتَقْتَ رِجَالًا جَلَدَةً يَمْنَعُونَكَ وَيَقُومُونَ دُونَكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا أَبَتِ إِنِّي إِنَّمَا أريد ما أُرِيدُ، قَالَ: فتحدث ما أنزل هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ إِلَّا فِيهِ وَفِيمَا قَالَهُ أَبُوهُ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَذَكَرَ مَنْ سَمِعَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَبْتَاعُ الضَّعَفَةَ مِنَ الْعَبِيدِ فَيَعْتِقُهُمْ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: يَا بُنَيَّ لَوْ كُنْتَ تَبْتَاعُ مَنْ يَمْنَعُ ظَهْرَكَ، قَالَ: مَا مَنْعَ ظَهْرِي أُرِيدُ، فَنَزَلَتْ فِيهِ: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ بِلَالًا لَمَّا أَسْلَمَ ذَهَبَ إلى الأصنام فسلح عَلَيْهَا وَكَانَ عَبْدًا لِعَبْدِ اللَّهِ بن جدعان، فشكى إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مَا فَعَلَ، فَوَهَبَهُ لَهُمْ وَمِائَةً مِنَ الْإِبِلِ يَنْحَرُونَهَا لِآلِهَتِهِمْ، فَأَخَذُوهُ وَجَعَلُوا يُعَذِّبُونَهُ فِي الرَّمْضَاءِ وَهُوَ يَقُولُ أَحَدٌ أَحَدٌ، فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "يُنْجِيكَ أَحَدٌ أَحَدٌ"، ثُمَّ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ أَنَّ بِلَالًا يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ، فَحَمَلَ أَبُو بَكْرٍ رِطْلًا مِنْ ذَهَبٍ فَابْتَاعَهُ بِهِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: مَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ إِلَّا لِيَدٍ كَانَتْ لِبِلَالٍ عِنْدَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} . ¬
سورة الضحى
سُورَةُ الضُّحَى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} {1 - 3} . أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ الحسن السراج، أخبرنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى بن معاذ، أخبرنا أبو حُذيفة، أخبرنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدَبٍ قَالَ: قَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أرى سيطانك إِلَّا قَدْ وَدَّعَكَ، فَنَزَلَ: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنِ الْأَسْوَدِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ زُهَيْرٍ. (¬2) - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي حاتم، أخبرنا أَبُو سعيد الأشجّ، ¬
أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزِعَ جَزَعًا شَدِيدًا، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: قَدْ قَلَاكَ رَبُّكَ لِمَا يَرَى مِنْ جَزَعِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن الدغولي، أخبرنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بن يونس، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا حَفْصُ بْنُ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمِّي عَنْ أُمِّهَا خَوْلَةَ، وَكَانَتْ خَادِمَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ جَرْوًا دَخَلَ الْبَيْتَ، فَدَخَلَ تَحْتَ السَّرِيرِ فَمَاتَ، فَمَكَثَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيَّامًا لَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَقَالَ: "يَا خَوْلَةُ، مَا حَدَثَ فِي بَيْتِي؟ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَأْتِينِي! " قَالَتْ خَوْلَةُ: فَقُلْتُ: لَوْ هَيَّأْتُ الْبَيْتَ وَكَنَسْتُهُ. فَأَهْوَيْتُ بِالْمِكْنَسَةِ تَحْتَ السَّرِيرِ فَإِذَا شَيْءٌ ثَقِيلٌ فَلَمْ أَزَلْ حَتَّى أَخْرَجْتُهُ، فَإِذَا جَرْوٌ مَيِّتٌ، فَأَخَذْتُهُ فَأَلْقَيْتُهُ خَلْفَ الْجِدَارِ، فَجَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُرْعَدُ لَحْيَاهُ، وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ اسْتَقْبَلَتْهُ الرِّعْدَةُ فَقَالَ: "يَا خَوْلَةُ دَثِّرِينِي"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} (¬2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} {4 - 5} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ ¬
أَبِي الْحَسَنِ الْمُسَيَّبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محمد الضبي قال: حدثني أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحسن العسقلاني، أخبرنا عِصَامُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حدثني أبي، أخبرنا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُفْتَحُ عَلَى أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، فَسُرَّ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} قَالَ: فَأَعْطَاهُ أَلْفَ قَصْرٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ لُؤْلُؤٍ وترابه مِسْكٌ فِي كُلِّ قَصْرٍ مِنْهَا مَا يَنْبَغِي لَهُ مِنَ الْأَزْوَاجِ وَالْخَدَمِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} {6} . أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الصُّوفِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بن أحمد، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زياد النيسابوري، أخبرنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بن يحيى، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الله الحجبي، أخبرنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لَقَدْ سَأَلْتُ رَبِّي مَسْأَلَةً وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ، قُلْتُ: يَا رَبِّ إِنَّهُ قَدْ كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلِي مِنْهُمْ مَنْ سَخَّرْتَ لَهُ الرِّيحَ وَذَكَرَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَذَكَرَ عِيسَى بن مَرْيَمَ، وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ"، قَالَ: فَقَالَ: أَلَمْ أَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَيْتُكَ؟ " قَالَ: "قُلْتُ: بَلَى يَا رَبِّ"، قَالَ: "أَلَمْ أَجِدْكَ ضَالًّا فَهَدَيْتُكَ؟ " قَالَ: "قُلْتُ: بَلَى يَا رَبِّ" قَالَ: "أَلَمْ أَجِدْكَ عَائِلًا فَأَغْنَيْتُكَ؟ " قَالَ: "قُلْتُ: بَلَى يَا رَبِّ" قَالَ: "أَلَمْ أَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْتُ عَنْكَ وِزْرَكَ؟ " قَالَ: "قُلْتُ: بَلَى يَا رَبِّ".
سورة العلق
سُورَةُ الْعَلَقِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ذَكَرْنَا نُزُولَ هَذِهِ السُّورَةِ فِي أَوَّلِ هذا الكتاب. [باب القول في أول ما نزل] . (¬1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ {17} . نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يزيد الخوزي، أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بن سفيان، أخبرنا أَبُو سعيد الأشجّ، أخبرنا أَبُو خَالِدِ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي، فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟! فَانْصَرَفَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَبَرَهُ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا بِهَا نَادٍ أَكْثَرَ مِنِّي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. ¬
سورة القدر
سُورَةُ الْقَدْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقوله تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} الآية {1 - 3} . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن حبان، أخبرنا أَبُو يحيى الرازي، أخبرنا سهل العسكري، أخبرنا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَبِسَ السِّلَاحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلْفَ شَهْرٍ، فَتَعَجَّبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} قَالَ: خَيْرٌ مِنَ الَّتِي لَبِسَ فِيهَا السِّلَاحَ ذَلِكَ الرجل.
سورة إذا زلزلت
سورة إذا زلزلت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مطر، أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الذهلي، أخبرنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ حُيَيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ؟ نَزَلَتْ: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَاعِدٌ، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ " قَالَ: أَبْكَانِي هَذِهِ السُّورَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لَوْ أَنَّكُمْ لَا تُخْطِئُونَ وَلَا تُذْنِبُونَ لَخَلَقَ اللَّهِ أُمَّةً مِنْ بَعْدِكُمْ يُخْطِئُونَ وَيُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ". قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} {7 - 8} . قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ كَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِيهِ السَّائِلُ فَيَسْتَقِلُّ أن يعطيه الثمرة وَالْكِسْرَةَ وَالْجَوْزَةَ، وَيَقُولَ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا نُؤْجَرُ عَلَى مَا نُعْطِي وَنَحْنُ نُحِبُّهُ، وَكَانَ الْآخَرُ يَتَهَاوَنُ بالذنب اليسير الكذبة وَالْغِيبَةِ وَالنَّظْرَةِ وَيَقُولُ: لَيْسَ عَلَيَّ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، إِنَّمَا أَوْعَدَ اللَّهُ بِالنَّارِ عَلَى الْكَبَائِرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - يُرَغِّبُهُمْ فِي الْقَلِيلِ مِنَ الْخَيْرِ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَكْثُرَ، وَيُحَذِّرَهُمُ الْيَسِيرَ مِنَ الذَّنْبِ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَكْثُرَ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} إِلَى آخِرِهَا.
سورة العاديات
سُورَةُ الْعَادِيَاتِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ مُقَاتِلٌ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً إِلَى حَيٍّ مِنْ كِنَانَةَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمُ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ، فَتَأَخَّرَ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: قُتِلُوا جَمِيعًا، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} يَعْنِي: تِلْكَ الْخَيْلَ. (¬1) - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ محمد البستي، أخبرنا مُحَمَّدٍ بن مكي، أخبرنا إِسْحَاقُ بن إبراهيم، أخبرنا أَحْمَدُ بن عبدة، أخبرنا حَفْصُ بن جميع، أخبرنا سِمَاكٌ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث خيلا فأسهبت شَهْرًا لَمْ يَأْتِهِ مِنْهَا خَبَرٌ، فَنَزَلَتْ: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} ضَبَحَتْ بِمَنَاخِرِهَا، إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَمَعْنَى أَسْهَبَتْ: أَمْعَنَتْ فِي السُّهُوبِ: وَهِيَ الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ جَمْعُ سَهْبٍ. ¬
سورة التكاثر
سُورَةُ التَّكَاثُرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} {1 - 2} . قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي حَيَّيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ: بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِي سهم كان بينهم لحاء فتعاند السَّادَةَ وَالْأَشْرَافَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ، فَقَالَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ: نَحْنُ أَكْثَرُ سَيِّدًا وَأَعَزُّ عَزِيزًا وَأَعْظَمُ نَفَرًا، وَقَالَ بَنُو سَهْمٍ مِثْلَ ذَلِكَ، فَكَثَرَهُمْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ، ثُمَّ قَالُوا: نَعُدُّ مَوْتَانَا حَتَّى زَارُوا الْقُبُورَ، فَعَدُّوا مَوْتَاهُمْ فَكَثَرَهُمْ بَنُو سَهْمٍ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ عَدَدًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ، قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ وَبَنُو فُلَانٍ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، أَلْهَاهُمْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتُوا ضُلَّالًا. سُورَةُ الْفِيلِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ وَقَصْدِهِمْ تَخْرِيبَ الْكَعْبَةِ، وَمَا فَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ مِنْ إِهْلَاكِهِمْ وَصَرْفِهِمْ عَنِ الْبَيْتِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ.
سورة قريش
سُورَةُ قُرَيْشٍ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ نَزَلَتْ فِي قُرَيْشٍ وَذِكْرِ مِنَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إسماعيل الهاشمي، أخبرنا سَوَادَةُ بن عليّ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بكر الزهري، أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بن ثابت، أخبرنا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيقٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَعْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ هَانِئِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إِنَّ اللَّهَ فَضَّلَ قُرَيْشًا بِسَبْعِ خِصَالٍ لم يعطها أحد قَبْلَهُمْ ولا يعطيها أحد بَعْدَهُمْ: إِنَّ الْخِلَافَةَ فِيهِمْ، وإن الْحِجَابَةَ فِيهِمْ، وَإِنَّ السِّقَايَةَ فِيهِمْ، وَإِنَّ النُّبُوَّةَ فِيهِمْ، وَنُصِرُوا عَلَى الْفِيلِ، عبدوا اللَّهَ سَبْعَ سِنِينَ لم يعبده أحدًا غَيْرُهُمْ، وَنَزَلَتْ فِيهِمْ سُورَةٌ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا أَحَدٌ غَيْرُهُمْ {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} سُورَةُ الْمَاعُونِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} {1 - 2} . قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ يَنْحَرُ كُلَّ أُسْبُوعٍ جَزُورَيْنِ، فَأَتَاهُمْ يَتِيمٌ فَسَأَلَهُ شَيْئًا فَقَرَعَهُ بِعَصَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}
سورة الكوثر
سُورَةُ الْكَوْثَرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَدْخُلُ، فَالْتَقَيَا عِنْدَ بَابِ بَنِي سَهْمٍ وَتَحَدَّثَا وَأُنَاسٌ مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فِي الْمَسْجِدِ جُلُوسٌ، فَلَمَّا دَخَلَ الْعَاصُ قَالُوا لَهُ: مَنِ الَّذِي كُنْتَ تُحَدِّثُ؟ قَالَ: ذَاكَ الْأَبْتَرُ، يعني النبيّ صلوات الله وسلامه عليه، وَكَانَ قَدْ تُوُفِّيَ قَبْلَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مِنْ خَدِيجَةَ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ مَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنٌ: أَبْتَرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هذه السورة. (¬1) - وأخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بن الفضل، أخبرنا مُحَمَّدُ بن يعقوب، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عبد الجبار، أخبرنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ قَالَ: كَانَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ إِذَا ذُكِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ أَبْتَرُ لَا عَقِبَ لَهُ، لَوْ هَلَكَ انْقَطَعَ ذِكْرُهُ وَاسْتَرَحْتُمْ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ يَمُرُّ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُ: إِنِّي لَأَشْنَؤُكَ وَإِنَّكَ لَأَبْتَرُ مِنَ الرِّجَالِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. ¬
سورة الكافرون
سُورَةُ الْكَافِرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - نَزَلَتْ فِي رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ هَلُمَّ فَاتَّبِعْ دِينَنَا وَنَتَّبِعُ دِينَكَ، تَعْبُدُ آلِهَتَنَا سَنَةً وَنَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً، فَإِنْ كَانَ الَّذِي جِئْتَ بِهِ خَيْرًا مِمَّا بِأَيْدِينَا كُنَّا قَدْ شَرَكْنَاكَ فِيهِ وَأَخَذْنَا بِحَظِّنَا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي بِأَيْدِينَا خَيْرًا مِمَّا فِي يَدِكَ كُنْتَ قَدْ شَرَكْتَنَا فِي أَمْرِنَا وَأَخَذْتَ بِحَظِّكَ، فَقَالَ: "مَعَاذَ اللَّهِ أَنَّ أُشْرِكَ بِهِ غَيْرَهُ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَفِيهِ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى فَرَغَ مِنَ السُّورَةِ، فَأَيِسُوا مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ. ¬
سورة النصر
سُورَةُ النَّصْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ نَزَلَتْ فِي مُنْصَرَفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَعَاشَ بَعْدَ نُزُولِهَا سَنَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَذِّنُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْمُقْرِئُ؛ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بن سفيان، أخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن سلام، أخبرنا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كيسان قال: حدثني أَبِي، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} قَالَ: "يَا عَلِيُّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَيَا فَاطِمَةُ قَدْ جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، فَسُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا".
سورة تبت
سُورَةُ تَبَّتْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بن أحمد، أخبرنا مُحَمَّدُ بن حماد، أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ الصَّفَا فَقَالَ: "يَا صَبَاحَاهُ"، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ فقالوا له: مالك؟ فَقَالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أَوْ مُمَسِّيكُمْ أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ " قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ"، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، ألهذا دعوتنا جمعيا؟! فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} إِلَى آخِرِهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. (¬2) - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَدْلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي بكر الفقيه، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مبشر الواسطي، أخبرنا أَبُو الْأَشْعَثِ أَحْمَدُ بن المقدام، أخبرنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "يَا آلَ غَالِبٍ، يَا آلَ لُؤَيٍّ، يَا آلَ مُرَّةَ، يَا آلَ كِلَابٍ، يَا آلَ عبد مناف، يا آل قُصَيٍّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَلَا مِنَ ¬
الدُّنْيَا نَصِيبًا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ لِهَذَا دَعَوْتَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بن عبدان، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بن هاشم، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بن نمير، أخبرنا الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (¬1) أَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّفَا فَصَعِدَ عَلَيْهِ ثُمَّ نَادَى: "يَا صَبَاحَاهُ"، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ مِنْ بَيْنِ رَجُلٍ يَجِيءُ وَرَجُلٍ يَبْعَثُ رَسُولَهُ، فَقَالَ: "يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي فِهْرٍ يَا بَنِي لُؤَيٍّ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بسفح هذا الجيل تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ صَدَّقْتُمُونِي؟ " قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ"، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ مَا دَعَوْتَنَا إِلَّا لِهَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} ¬
سورة الإخلاص
سُورَةُ الْإِخْلَاصِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: جَاءَ نَاسٌ مَنِ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: صِفْ لَنَا رَبَّكَ، فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ نَعْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ، فَأَخْبِرْنَا مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟ وَمِنْ أَيِّ جِنْسٍ هُوَ؟ مِنْ ذَهَبٍ هُوَ أَمْ نُحَاسٍ أَمْ فِضَّةٍ؟ وَهَلْ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ؟ وَمِمَّنْ وَرِثَ الدُّنْيَا وَمَنْ يُوَرِّثُهَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ السُّورَةَ وَهِيَ نِسْبَةُ اللَّهِ خَاصَّةً. (¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمِهْرَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ محمد الزاهد، أخبرنا أَبُو الْقَاسِمِ ابْنُ بنت منيع، أخبرنا جَدِّي أَحْمَدُ بن منيع، أخبرنا أَبُو سعد الصغاني، أخبرنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لرسول الله صلي اله عليه وسلم انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} قَالَ: فَالصَّمَدُ الَّذِي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلَّا سَيَمُوتُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إِلَّا سَيُورَثُ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَمُوتُ وَلَا يُورَثُ، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلَا عِدْلٌ وَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (¬2) ¬
(¬1) - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَّاجُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، أَخْبَرَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَنَزَلَتْ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إِلَى آخِرِهَا. ¬
الْمُعَوِّذَتَانِ [471] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ.... إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. [1: 5] قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ... إِلَى آخِرِ السُّورَةِ] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ غُلَامٌ مِنَ الْيَهُودِ يَخْدُمُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتت إِلَيْهِ الْيَهُودُ، وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَخَذَ مُشَاطَةَ رَأْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِدَّةَ أَسْنَانٍ مِنْ مُشْطِهِ، فَأَعْطَاهَا الْيَهُودَ فَسَحَرُوهُ فِيهَا، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى ذَلِكَ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ الْيَهُودِيُّ، ثُمَّ دَسَّهَا فِي بِئْرٍ لَبَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهَا ذَرْوَانُ، فَمَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْتَثَرَ شَعْرُ رَأْسِهِ ولبث سِتَّةَ أَشْهُرٍ، يُرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يأتيهن، وجعل يذوب وَلَا يَدْرِي مَا عَرَاهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: طُبَّ، قَالَ: وَمَا الطُّبُّ؟ قَالَ: سِحْرٌ، قَالَ: وَمَنْ سَحَرَهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ الْيَهُودِيُّ، قَالَ: وَبِمَ طَبَّهُ؟ قَالَ: بِمُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ. والجفّ: قِشْرُ الطَّلْعِ، والراعوفة: حَجَرٌ فِي أَسْفَلِ الْبِئْرِ يقوم عليه المائح، فَانْتَبَهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ أَمَا شَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَنِي بِدَائِي"، ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَنَزَحُوا مَاءَ تِلْكَ الْبِئْرِ كَأَنَّهُ نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، ثُمَّ رَفَعُوا الصَّخْرَةَ وَأَخْرَجُوا الْجُفَّ، فَإِذَا فِيهِ مُشَاطَةُ رَأْسِهِ وَأَسْنَانُ مُشْطِهِ، وَإِذَا فِيهِ وَتَرٌ مَعْقُودٌ فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً مَغْرُوزَةً بِالْإِبَرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُعَوِّذَتَيْنِ، فَجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِفَّةً حَتَّى انْحَلَّتِ الْعُقْدَةُ الْأَخِيرَةُ، فقام كأنما نشط مِنْ عِقَالٍ، وَجَعَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: "بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ وَمِنْ حَاسِدٍ وَعَيْنٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ"، فَقَالُوا: يَا رسول الله أو لا نأخذ الْخَبِيثَ فَنَقْتُلُهُ؟ فَقَالَ: "أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا". فَهَذَا مِنْ حِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَوْصِلِيُّ، أَخْبَرَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ عِنْدِي دَعَا اللَّهَ وَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: "أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ " قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَتَانِي مَلَكَانِ"، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ في الصحيحين. تَمَّ كِتَابُ أَسْبَابِ نُزُولِ الْقُرْآنِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْمَنَّانِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ.