أدب المفتي والمستفتي

ابن الصلاح

المقدمات

المقدمات مقدمة التحقيق ... باب: المقدمات بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. ونصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبع هديه وسار على نهجه إلى يوم الدين. قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 1, وقال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} 2. أما بعد: 1- فإن موضوع الفتيا وما يتعلق بها من الآداب والشروط يمثل جانبًا من جوانب علم الأصول ... فلا يكاد كتاب في علم الأصول يخلو من بحث هذا الجانب والحديث عنه ... ونظرًا لأهمية منزلة الفتيا وخطرها فقد صنف الأئمة في هذا المجال مصنفات مستقلة تبين أهمية الفتيا وخطرها، وآداب المفتي والمستفتي ومن هذه

_ 1 النحل آية: "43"، الأنبياء آية: "7". 2 المائدة آية: "49".

المصنفات كتاب "أدب المفتي والمستفتي" للإمام الحافظ أبي عمرو ابن الصلاح, المتوفى سنة "643هـ" ... وابن الصلاح -رحمه الله تعالى- ليس هو أول من كتب في هذا المجال, فقد سبقه أبو القاسم عبد الواحد بن الحسين بن محمد القاضي الصيمري "ت 386هـ" في كتابه "أدب المفتي والمستفتي" والحافظ المؤرخ أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي "ت 463هـ" في كتابه "الفقيه والمتفقه"1، والإمام الحافظ يوسف بن عبد البر "ت 463هـ" في كتابه "جامع بيان العلم وفضله"2 وغير ذلك مما كتبه أهل الأصول في مصنفاتهم الأصولية كالجويني، والغزالي، وأبي المظفر السمعاني، وأبي بكر القفال الصغير، وأبي إسحاق الإسفراييني، وأبي عبد الله الحليمي، وأبي إسحاق الشيرازي، وإلكيا الهراسي, وغيرهم كثير3 ... وقد استفاد ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- من هذا العمل الطيب المبذول، وأضاف إليه ... وهذه هي القيمة العلمية الأولى للكتاب ... قيمة التواصل العلمي بين المتقدمين والمتأخرين ... واستفادة الخلف من جهد السلف والإضافة إليه ... إن هذا التواصل العلمي بين أجيال علماء المسلمين، هو الذي دفع الإمام النووي "ت 676هـ" إلى اقتباس كتاب أبي القاسم الصيمري، ثم الخطيب البغدادي، ثم الشيخ أبي عمرو ابن الصلاح والإشادة بجهودهم ... قال النووي: "وقد طالعت كتب الثلاثة ولخصت منها جملة مختصرة مستوعبة لكل ما ذكروه من المهم، وضممت إليها نفائس من متفرقات كلام الأصحاب, وبالله التوفيق"4 ... ثم جاء الإمام أحمد بن حمدان الحَرَّاني الحنبلي "ت 695هـ" فأخذ كتاب

_ 1 "152-205". 2-3 انظر "موارد ابن الصلاح" في دراسة الكتاب. 4 المجموع: 1/ 73.

ابن الصلاح وضمه في كتابه "صفة الفتوى والمستفتي". ثم جاء الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر الدمشقي, المعروف بابن قيم الجوزية "ت 751هـ" فأخذ كتاب ابن الصلاح, وضمه في كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين". واستمرت حلقة التواصل العلمية بين الأجيال المتتابعة من علماء المسلمين, حتى جاء السيوطي "ت 911هـ" فاقتبس من كتاب ابن الصلاح في كتاب "آداب الفتوى"، وكتاب "الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض"1 ... إن هذه الروح العلمية بين علماء المسلمين، وهذا التواصل بينهم يدل على الروح الأخلاقية التي يتخلق بها علماء المسلمين المبنية على أساس الحب والإخاء والتعاون وتقدير الجهد الطيب الخير ... والاستفادة منه، ودعوة الله عز وجل بالخير لصاحبه، دون النظر إلى مذهبه أو جنسه، فابن الصلاح شافعي، وابن حمدان حنبلي، وكذا ابن القيم ... والأساس الذي قاموا عليه هو المحبة في الله، والتعاون على فتح آفاق المعرفة وخدمة هذا الدين.. 2- ونظرًا لخطورة "الفتيا" وحاجة الناس إلى الاجتهاد، ولكي لا تصبح "الفتيا" وظيفة حكومية يصدرها نفر وضعوا أنفسهم في خدمة الحكام الكافرين، والظالمين، والفاسقين، وحتى لا يتجرأ على "الفتيا" أنصاف المتعلمين.... ولحفظ هذا الدين من يد العابثين والمبتدعين ... صنف علماء المسلمين في "أدب المفتي والمستفتي" ... ليعرف العالم منزلته قبل أن يصدر "الفتيا"، ويعلم المستفتي أدب الاستفتاء ولمن يستفتي.

_ 1 انظر فصل "أثر الكتاب فيما بعده واقتباسات الأئمة منه" في دراسة كتاب "أدب المفتي" لابن الصلاح.

وكتاب ابن الصلاح "أدب المفتي والمستفتي" هو واحد من هذه المصنفات التي وفَّت هذه الأغراض كلها فخدمت "المفتي" و"المستفتي" ... وهو حلقة وصل بين الأجيال المتقدِّمة والأجيال المتأخرة ... ولقد بذلت في دراستهِ وتحقيقه والتعليق عليه قُصَارى جهدي فإن أصبت فمن الله تعالى، وإن أخطأت فمني واستغفر الله. ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أتقدم بخالص شكري ودعائي لكلِّ من ساعد في إخراج هذا الكتاب القيم إلى حيز الوجود ... {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} .

التعريف بالإمام الحافظ أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح الشهرزوري المتوفي سنة 643 هـ

التعريف بالإمام الحافظ أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصَّلاح الشهرزوري المتوفي سنة 643 هـ: اسمه ونسبه وكنيته: هو الإمام الحافظ المفتي شيخ الإسلام تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى بن أبي نصر الكردي الشهرزوري الموصلي الشافعي1. مولده ونشأته وشيوخه وتلاميذه، ورحلاته العلمية: ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة2، في شَرَخان قرية من أعمال إرْبل قريبة من شَهْرَزُور3، وتفقه على والده بشهرزور، ثم اشتغل بالموصل مدة، وسمع من أبي جعفر عبيد الله بن أحمد البغدادي المعروف بابن السمين، وهو أقدم شيخ له،

_ 1 ترجمته في: مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي: "8/ 757-758"، ذيل الروضتين لأبي شامة: 75، وفيات الأعيان: "3/ 243-245"، سير أعلام النبلاء: 23/ 140، تذكرة الحفاظ: "4/ 1430-1433"، العبر: "5/ 177-178"، دول الإسلام: 2/ 112، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "8/ 326-337"، طبقات الإسنوي: 2"133-134"، البداية والنهاية: "13/ 168-169"، النجوم الزاهرة: 6/ 354، طبقات الحفاظ للسيوطي؛ 499، طبقات المفسرين للداوودي: "1/ 377-378"، شذرات الذهب: 5/ 221، ومقدمة كتاب "صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط، وحمايته من الإسقاط والسقط" لابن الصلاح بتحقيقنا، ومقدمة كتاب "النكت على كتاب ابن الصلاح للحافظ ابن حجر العسقلاني" تحقيق الدكتور: ربيع بن هادي عمير: "1/ 21-26"، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 2/ 145. 2 سير أعلام النبلاء: 23/ 140، طبقات الشافعية للسبكي: 8/ 326. 3 طبقات الشافعية للسبكي: 8/ 326، شذرات الذهب: 5/ 221.

ونصر بن سلامة الهيتي، ومحمود بن علي الموصلي، وأبي المظفر بن البرني، وعبد المحسن ابن الطوسي، وعدة بالموصل، وارتحل إلى بغداد، فسمع من أبي أحمد بن سكينة، وأبي حفص بن طبرزد، وطبقتهما، وبهمذان من أبي الفضل بن المعزم، وبمرو من أبي المظفر ابن السمعاني، وبنيسابور من أبي الفتح منصور بن عبد المنعم بن الفراوي، والمؤيد بن محمد بن علي الطوسي، وزينب بنت أبي القاسم الشعرية، والقاسم بن أبي سعد الصفار، ومحمد بن الحسن الصرام، وأبي المعالي بن ناصر الأنصاري، وأبي النجيب إسماعيل القارئ، وطائفة بنيسابور. ومن أبي محمد بن الأستاذ وغيره بحلب، ومن الإمامين فخر الدين بن عساكر، وموفق الدين بن قدامة، والقاضي أبي القاسم عبد الصمد الحرستاني، وعدة بدمشق. ومن الحافظ عبد القادر الرهاوي بحران1. حدث عنه الإمام شمس الدين بن نوح المقدسي، والإمام كمال الدين سلار، والإمام كمال الدين إسحاق، والقاضي تقي الدين ابن رزين، وتفقهوا به. وروى عنه أيضًا العلامة تاج الدين عبد الرحمن الفركاح، وأخوه الخطيب شرف الدين، ومجد الدين ابن المهتار، وفخر الدين عمر بن يحيى الكرجي، والقاضي شهاب الدين ابن الخويِّي، والمحدث عبد الله بن يحيى الجزائري، والمفتي جمال الدين محمد بن أحمد الشريشي، والمفتي فخر الدين عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي، وناصر بن محمد بن عربشاه، ومحمد بن أبي الذكر، والشيخ أحمد بن عبد الرحمن الشهرزوري الناسخ، وكمال الدين أحمد بن أبي الفتح الشيباني، والشهاب محمد بن مشرف، والصدر محمد بن حسن الأرموي، والشرف محمد بن خطيب بيت الأبار، وناصر الدين محمد بن المجد من المهتار، والقاضي أحمد بن علي الجيلي، والشهاب أحمد بن العفيف الحنفي، وآخرون2.

_ 1 وفيات الأعيان: "3/ 243-244"، سير أعلام النبلاء: "23/ 140-141"، العبر: "5/ 177-178", تذكرة الحفاظ: "4/ 1430-1431"، طبقات الشافعية الكبرى: 8/ 327. 2 سير أعلام النبلاء: "23/ 141-421"، وانظر تذكرة الحفاظ "4/ 1430-1431"، العبر: "5/ 177-178"، وفيات الأعيان: "3/ 243-244"، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 8/ 327.

وتولى المدرسة الناصرية بالقدس الشريف المنسوبة إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وأقام بها مدة، واشتغل الناس عليه، وانتفعوا به، ثم انتقل إلى دمشق وتولى تدريس المدرسة الرواحية التي أنشأها الزكي أبو القاسم هبة الله بن عبد الواحد بن رواحة الحموي، وهو الذي أنشأ المدرسة الرواحية بحلب. ولما بنى الملك الأشرف ابن الملك العادل بن أيوب رحمه الله تعالى، دار الحديث بدمشق فوض تدريسها إليه، واشتغل الناس عليه بالحديث، ثم تولى تدريس مدرسة ست الشام زمرد خاتون بنت أيوب1. أقوال العلماء وثناؤهم على ابن الصَّلاح: 1- قال ابن خلكان: كان أحد فضلاء عصره في التفسير، والحديث، والفقه وأسماء الرجال، وما يتعلق بعلم الحديث ونقل اللغة، وكانت له مشاركة في فنون عديدة، وكانت فتاويه مسددة، وهو أحد أشياخي الذين انتفعت بهم2. 2- وقال الذهبي: وأشغل، وأفتى، وجمع وألف، تخرج به الأصحاب، وكان من كبار الأئمة3. 3- وذكره المحدث عمر بن الحاجب في "معجمه" فقال: إمام ورع وافر العقل، حسن السمت، متبحر في الأصول والفروع، بالغ في الطلب حتى صار يضرب به المثل، وأجهد نفسه في الطاعة والعبادة4. 4- وقال الذهبي: كان ذا جلالة عجيبة، ووقار وهيبة، وفصاحة، وعلم نافع، وكان متين الديانة، سلفي الجملة، صحيح النحلة، كافًّا عن الخوض في مزلات

_ 1 وفيات الأعيان3/ 244، شذرات الذهب: "5/ 221-222". 2 وفيات الأعيان 3/ 243. 3 سير أعلام النبلاء: 23/ 142. 4 سير أعلام النبلاء: 23/ 142، تذكرة الحفاظ: 4/ 1431، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 2/ 145.

الأقدام، مؤمنًا بالله، وبما جاء عن الله من أسمائه ونعوته، حسن البزة، وافر الحرمة، معظمًا عند السلطان ... وكان مع تبحره في الفقه مجودًا لما ينقله، قوي المادة من اللغة والعربية، متفننًا في الحديث، متصونًا، مكبًا على العلم، عديم النظير في زمانه1. 5- وقال أيضًا: وصنف التصانيف، مع الثقة والديانة والجلالة2. 6- وقال ابن كثير الدمشقي رحمه الله تعالى: وهو في عداد الفضلاء الكبار، وكان دينًا زاهدًا وربما ناسكًا على طريق السلف الصالح كما هو طريقة متأخري أكثر المحدثين، مع الفضيلة التامة في فنون كثيرة، ولم يزل على طريقة جيدة حتى كانت وفاته3. 7- وقال السبكي: استوطن دمشق يعيد زمان السالفين ورعًا، ويزيد بهجتها بروضة علم جنى كل طالب جناها ورعًا، ويفيد أهلها، فما منهم إلا من اغترف من بحره واعترف بدره، وحفظ جانب مثله ورعًا4. 8- وقال أيضًا: الشيخ العلامة تقي الدين، أحد أئمة المسلمين علمًا ودينًا5. 9- ونقل السبكي عن ابن الصلاح قوله: ما فعلت صغيرة في عمري قط6. 10- وقال السخاوي: هو العلامة الفقيه حافظ الوقت مفتي الفرق شيخ الإسلام ... كان إمامًا بارعًا حجة متبحرًا في العلوم الدينية، بصيرًا بالمذهب ووجوهه، خبيرًا بأصوله، عارفًا بالمذاهب ... انتفع به خلق وعولوا على تصانيفه7.

_ 1 سير أعلام النبلاء: "23/ 142-143". 2 العبر: 5/ 178. 3 البداية والنهاية: 13/ 168. 4 طبقات الشافعية الكبرى: 8/ 327. 5 طبقات الشافعية الكبرى: 8/ 336. 6 طبقات الشافعية الكبرى: 8/ 327. 7 فتح المغيث: 1/ 13.

11- وقال ابن العماد: وتفقه وبرع في المذهب وأصوله، وفي الحديث وعلومه ... وإذا أطلق الشيخ في علماء الحديث فالمراد به هو وإلى ذلك أشار العراقي صاحب الألفية بقوله فيها: وكلما أطلقت لفظ الشيخ ما ... أريد إلا ابن الصلاح مبهما1 12- وقال ابن هداية الله: كان إمامًا في الفقه والحديث عارفًا بالتفسير والأصول والنحو، ورعًا زاهدًا2. عقيدته: كانت عقيدة ابن الصلاح رحمه الله تعالى عقيدة سلفية نظيفة بعيدة عن علم الكلام والجدل والتأويل، وغير ذلك من الأمور التي تبعد المسلمين عن الصواب في عقيدتهم. قال الذهبي: كان متين الديانة، سلفي الجملة، صحيح النخلة، كافًّا عن الخوض في مزلات الأقدام، مؤمنًا بالله، وبما جاء عن الله من أسمائه ونعوته3. وقال الذهبي أيضًا: وكان سلفيًّا حسن الاعتقاد، كافًّا عن تأويل المتكلمين مؤمنًا بما ثبت من النصوص غير خائض ولا معمق4. ولقد أوضح ابن الصلاح عقيدته هذه، فقال وهو يتحدث عن المفتي: "ليس له إذا استفتي في شيء من المسائل الكلامية أن يفتي بالتفصيل، بل يمنع مستفتيه وسائر العامة من الخوض في ذلك أصلا، ويأمرهم بأن يقتصروا فيها على الإيمان جملة من غير تفصيل ويقولوا فيها وفيما ورد من الآيات والأخبار المتشابهة: إن الثابت فيها في نفس الأمر كلها هو اللائق فيها بجلال الله وكماله وتقديسه المطلقين، وذلك هو معتقدنا فيها وليس علينا

_ 1 شذرات الذهب: 5: 221. 2 طبقات الشافعية لأبي بكر بن هداية الله الحسيني: 220. 3 سير أعلام النبلاء: 23/ 142. 4 تذكرة الحفاظ: 4/ 1431.

تفصيله وتعيينه، وليس البحث عنه من شأننا بل نكل علم تفصيله إلى الله تعالى ونصرف عن الخوض فيه قلوبنا وألسنتنا، فهذا ونحوه عند أئمة الفتوى هو الصواب في ذلك، وهو سبيل سلف الأئمة، وأئمة المذاهب المعتبرة، وأكابر الفقهاء والصالحين، وهو أصون وأسلم للعامة وأشباههم ممن يدغل قلبه بالخوض في ذلك، ومن كان منهم اعتقد اعتقادًا باطلًا تفصيلا ففي إلزامه بهذا صرف له عن ذلك الاعتقاد الباطل بما هو أهون وأيسر وأسلم، وإذا عزر ولي الأمر من حاد منهم عن هذه الطريقة فقد تأسى بعمر بن الخطاب رضي الله عنه ... والمتكلمون من أصحابنا معترفون بصحة هذه الطريقة، وأنها أسلم لمن سلمت له، وكان الغزالي منهم في آخر عمره شديد المبالغة في الدعاء إليها والبرهنة عليها1. "ومن فتاويه أنه سئل عمن يشتغل بالمنطق والفلسفة فأجاب: الفلسفة أس السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة، ومن تفلسف، عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالبراهين، ومن تلبس بها، قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان، وأظلم قلبه عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، إلى أن قال: واستعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية من المنكرات المستبشعة، والرقاعات المستحدثة، وليس بالأحكام الشرعية -ولله الحمد- افتقار إلى المنطق أصلا، هو قعاقع قد أغنى الله عنها كل صحيح الذهن، فالواجب على السلطان أعزه الله أن يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المشائيم، ويخرجهم من المدارس ويبعدهم"2. فعقيدة ابن الصلاح رحمه الله تعالى عقيدة سليمة من كل زيغ وضلال عقيدة سلفية نظيفة بعيدة عن علم الكلام والجدل والتأويل وغير ذلك من الآفات التي تبعد المسلمين عن الصواب في عقيدتهم.

_ 1 أدب المفتي والمستفتي: "153-154", وانظر الفقرة العشرين بطولها. 2 سير أعلام النبلاء: 23/ 143.

مؤلفاته: قال الذهبي: وأشغل، وأفتى، وجمع وألف1. وقال ابن كثير: وقد صنف كتبًا كثيرة مفيدة في علوم الحديث والفقه2. وقال السبكي: وصنف التصانيف المفيدة3. وقال السخاوي: انتفع به خلق وعولوا على تصانيفه4. ومن مؤلفاته: 1- "الأحاديث في فضل الإسكندرية وعسقلان"5. 2- "الأحاديث الكلية": قال ابن رجب الحنبلي: "وأملى الإمام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح مجلسًا سماه "ألأحاديث الكلية" جمع فيه الأحاديث الجوامع التي يقال: إن مدار الدين عليها وما كان في معناها من الكلمات الجامعة الوجيزة فاشتمل مجلسه هذا على ستة وعشرين حديثًا، ثم إن الفقيه الإمام الزاهد القدوة أبا زكريا يحيى النووي رحمة الله عليه أخذ هذه الأحاديث التي أملاها ابن الصلاح وزاد عليها تمام اثنين وأربعين حديثًا وسمى كتابه بالأربعين"6. 3- "أدب المفتي والمستفتي"7، وهو كتابنا الذي سنتحدث عنه. 4- "الأمالي"8.

_ 1 سير أعلام النبلاء: 23/ 141. 2 البداية والنهاية: 13/ 168. 3 طبقات الشافعية الكبرى: 8/ 327 الهامش. 4 فتح المغيث: 1/ 13. 5 مخطوط برلين: 1389، بروكلمان: 6/ 210. 6 جامع العلوم والحكم: 1/ 7. 7 البداية والنهاية: 12/ 43، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 2/ 146، طبقات السبكي الكبرى "4/ 200، / 327". 8 الأعلام: "4/ 207-208".

5- جزء فيه حلية الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي1. 6- "حكم صلاة الرغائب"2. وقال الذهبي: وله مسألة ليست من قواعده شذ فيها وهي صلاة الرغائب قواها ونصرها مع أن حديثها باطل بلا تردد، ولكن له إصابات وفضائل3. 7- "شرح مشكل الوسيط"4. 8- "رسالة في وصل البلاغات الأربع في الموطأ"5. 8- "شرح الورقات في الأصول"6. 9- "صلة الناسك في صفة المناسك"7 قال ابن خلكان: جمع فيه أشياء حسنة يحتاج الناس إليها، وهو مبسوط8. 10- "صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط"9. 11- "طبقات الشافعية"10، واختصره النووي واستدرك عليه، وأهملا خلائق من المشهورين فإنهما كانا يتبعان التراجم الغريبة، وأما المشهورة فإلحاقها سهل،

_ 1 مخطوط في المكتبة الظاهرية تحت رقم: 3795 "114-119ق"، انظر فهرست مخطوطات الظاهرية التاريخ وملحقاته، خالد الريان: 2/ 643. 2 صلة الخلف بموصول السلف للروداني تحقيق د/ محمد حجي "ص: 82" مجلة معهد المخطوطات العربية، المجلد الثامن والعشرون -الجزء الأول- رمضان 1404هـ. وطبع في المكتب الإسلامي الطبعة الثانية "1405هـ" بتحقيق زهير شاويش، وناصر الدين الألباني. 3 سير أعلام النبلاء: 23/ 143. 4 وفيات الأعيان: 3/ 244، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: "8/ 83، 327"، شذرات الذهب. 5 5/ 222. حققه أبو الفضل عبد الله بن محمد بن الصديق 1400هـ. 6 بروكلمان: 6/ 211، أي شرح كتاب الورقات لأبي المعالي عبد الملك بن يوسف الجويني إمام الحرمين المتوفى سنة "478هـ". 7 ويسمى أيضًا "مناسك الحج" انظر بروكلمان: 6/ 210. 8 وفيات الأعيان: 3/ 244. 9 طبع بتحقيقنا في دار الغرب الإسلامي سنة "1404هـ-1984م". 10 شذرات الذهب: 5/ 222، وتوجد منه نسخ خطبة انظر بروكلمان: 6/ 210.

فاخترمتهما المنية رضي الله عنهما. قاله ابن قاضي شهبة1. 12- "علوم الحديث" ويسمى بـ"مقدمة ابن الصلاح"2، ولو لم يكن لابن الصلاح مؤلفًا سوى "المقدمة" لكفته شرفًا وفخرًا. 13- "الفتاوى"3، جمعها بعض أصحابه4، وهي أيضًا من محاسنه5. 14- "فوائد الرحلة"6، وهي عبارة عن فوائد جمعها في رحلته إلى الشرق عظيمة النفع في سائر العلوم، مفيدة جدًّا في مجاميع عدة7. 15- "المؤلف والمختلف"8. 16- "النكت على المهذب"9. 17- وذكر له بروكلمان: "تاريخ أسطوري للرسول عليه الصلاة والسلام": فلورنسة "121"10, ولا أعلم مدى صحة نسبة هذا الكتاب لابن الصلاح. وفاته: بعد حياة نظيفة حافة قضاها رحمه الله بالزهد والورع وتقوى الله عز وجل وخدمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم انتقل إلى جوار ربه: "في سنة الخوارزمية في سحر يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين

_ 1 طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 2/ 146. 2 طبع عدة طبعات ومنها بتحقيق الدكتور نور الدين عتر. 3 طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 146، شذرات الذهب: 5/ 22 وهو مطبوع في القاهرة سنة 1348هـ باسم "فتاوى ابن الصلاح في التفسير والحديث والأصول". 4 وفيات الأعيان: 3/ 244. 5 طبقات الشافعية الكبرى: 8/ 327، الهامش، نقلا عن الطبقات الوسطى للسبكي. 6 طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 146، شذرات الذهب: 5/ 222. 7 طبقات الشافعية الكبرى: 8/ 327 الهامش نقلا عن طبقات الشافعية الوسطى. 8 نسخة منه بالظاهرية تحت رقم: "6897", وهي نسخة ناقصة تقع في أربع ورقات اطلعت عليها. 9 طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 146، شذرات الذهب: 5/ 222. 10 بروكلمان: 6/ 210.

وستمائة، وحمل على الرؤوس، وازدحم الخلق على سريره، وكان على جنازته هيبة وخشوع، فصلي عليه بجامع دمشق، وشيعوه إلى داخل باب الفرج فصلوا عليه بداخله ثاني مرة، ورجع الناس لمكان حصار دمشق بالخوارزمية وبعسكر الملك الصالح نجم الدين أيوب لعمه الملك الصالح عماد الدين إسماعيل، فخرج بنعشه نحو العشرة مشمرين، ودفنوه بمقابر الصوفية ... وعاش ستًّا وستين سنة1.

_ 1 سير أعلام النبلاء: "23/ 143-144".

تعريف

تعريف: تعريف الفتوى لغة واصطلاحًا: 1- الفتوى لغة: قال ابن منظور: "أفتاه في الأمر أبان له، وأفتى الرجل في المسألة واستفتيته فيها فأفتاني إفتاء ... يقال: أفتيت فلانًا رؤيا رآها إذا عبرتها له، وأفتيته في مسألة إذا أجبته عنها ... يقال: أفتاه في المسألة إذا أجابه ... والفتيا والفُتْوى والفَتْوى: ما أفتى به الفقيه، الفتح في الفتوى لأهل المدينة1 ... قال ابن سيدة: وإنما قضينا على ألف أفتى بالياء لكثرة ف ت ي، وقلة ف ت و ... "2. وفي تفسير قوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} 3 قال عبد الحق بن عطية: "أي يبين لكم حكم ما سألتم"4. "ومما تقدم نعلم أن الاستفتاء في اللغة يعني السؤال عن أمر أو عن حكم مسألة، وهذا السائل يسمى المستفتي، والمسئول الذي يجيب: هو المفتي، وقيامه

_ 1 قال في المحكم: "وهو الجاري على القياس" مواهب الجليل للخطاب: 1/ 32. 2 لسان العرب: "15/ 147، 148" مادة "فتا". 3 النساء: آية: "127". 4 المحرر الوجيز: 4/ 267.

بالجواب هو الإفتاء، وما يجيب به هو الفتوى، فالإفتاء يتضمن وجود المستفتي والمفتي والإفتاء نفسه والفتوى"1. الإفتاء اصطلاحًا: قال الدكتور عبد الكريم زيدان: "والمعنى الاصطلاحي للإفتاء هو المعنى اللغوي لهذه الكلمة وما تتضمنه من وجود مستفتٍ ومفتٍ وإفتاء وفتوى، ولكن بقيد واحد هو أن المسألة التي وقع السؤال عن حكمها تعتبر من المسائل الشرعية، وأن حكمها المراد معرفته هو حكم شرعي2. 2- وعرف العلماء المفتي بتعاريف عدة: قال الشاطبي: "المفتي هو القائم في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم ... "3. وقال ابن حمدان: "المفتي: هو المخبر بحكم الله تعالى لمعرفته بدليله. وقيل: هو المخبر عن الله بحكمه. وقيل: هو المتمكن من معرفة أحكام الوقائع شرعًا بالدليل مع حفظه لأكثر الفقه"4. وقال ابن القيم: "المفتي هو المخبر عن حكم الله غير منفذ"5. وقال ابن الصلاح: " ... ولذلك قيل في الفتوى: إنها توقيع عن الله تبارك وتعالى"6.

_ 1 أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان: 130. 2 أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان: 130. 3 الموافقات للشاطبي: 4/ 244. 4 صفة الفتوى: 44. 5 إعلام الموقعين: 4/ 224. 6 أدب المفتي: 72.

3- المجتهد والمفتي: الاجتهاد لغة: قال في التاج: ""الجهد" بالفتح الطاقة والوسع، ويضم. قال ابن الأثير: "الجَهْدُ والجُهْدُ ... بالضم: الوسع والطاقة، وبالفتح: المشقة. وقيل: المبالغة والغاية. وقيل: هما لغتان في الوسع والطاقة، فأما في المشقة والغاية فالفتح لا غير ... "1. وفي المشارق لعياض نقلا عن ابن عرفة: الجُهد بالضم الوسع والطاقة، والجهد المبالغة والغاية ومنه قوله تعالى: {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} أي بالغوا في اليمين واجتهدوا فيها. والتجاهد: بذل الوسع والمجهود كالاجتهاد افتعال من الجهد الطاقة ... "2. 4- الاجتهاد في الاصطلاح: وأما الاجتهاد في الاصطلاح فقال الرازي هو: "استفراغ الوسع في النظر فيما لا يلحقه فيه لوم، مع استفراغ الوسع فيه"3. وقال الغزالي: في الاجتهاد التام: "أن يبذل الوسع في الطلب بحيث يحس من نفسه بالعجز عن مزيد طلب"4. وقال الزركشي: "الاجتهاد: بذل الوسع لنيل حكم شرعي بطريق الاستنباط"5.

_ 1 النهاية: 1/ 320. 2 تاج العروس: "2/ 329، 330" مادة "جهد". 3 المحصول: 2/ 3/ 7 وانظر اعتراض الإمام القرافي على تعريف الرازي في: "نفائس الأصول شرح المحصول": "3/ ... ". 4 المستصفى: 2/ 350. وانظر الرسالة للإمام الشافعي: 511. 5 البحر المحيط: 3/ 281.

وقال الآمدي: "استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه"1. وقال ابن السبكي: "الاجتهاد: استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم"2. وقال ابن الحاجب: "الاجتهاد، استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي"3. وقال البيضاوي: "الاجتهاد استفراغ الجهد في درك الأحكام الشرعية"4. وقال البهاري: "الاجتهاد: بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي ظني"5. وقال ابن الهمام: "الاجتهاد: بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي ظني"6. وقال ملاخسرو: "الاجتهاد: استفراغ المجهود في استنباط الحكم الشرعي الفرعي عن دليله"7. وقال ابن بدران: "الاجتهاد: استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد عليه"8.

_ 1 الإحكام: 4/ 218. 2 جمع الجوامع: 2/ 379. 3 مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 289. 4 المنهاج: 3/ 191. 5 مسلم الثبوت: 2/ 336. 6 التحرير: 4/ 179. 7 مرقاة الوصول: 2/ 464. 8 المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل: 367.

وقال القرافي: "الاجتهاد: بذل الوسع في الأحكام الفرعية الكلية ممن حصلت شرائط الاجتهاد"1. وبعد تعريف "الإفتاء" و"المفتي" و"الاجتهاد" نريد أن نعرف هل هناك فرق بين "المجتهد" و"المفتي". ذهب كثير من الأصوليين إلى أنه لا فرق بين "المجتهد" و"المفتي"، وأن "المجتهد" هو "المفتي". قال ابن الهمام: "إن المفتي هو المجتهد وهو الفقيه"2, وقال المحلاوي: "إن المفتي عند الأصوليين هو المجتهد المطلق"3. وقال الشوكاني: "إن المفتي هو المجتهد ... ومثله قول من قال: إن المفتي هو الفقيه لأن المراد به المجتهد في مصطلح الأصول"4. وهذا هو رأي الحافظ ابن الصلاح رحمه الله تعالى فإنه عندما يتحدث عن "المجتهد وصفاته وأحكامه وآدابه" يعبر عنه بقوله: "القول في شروط المفتي وصفاته وأحكامه وآدابه" وقوله: "المفتي المستقل وشروطه". وقوله: "فمن جمع هذه الفضائل فهو المفتي المستقل ... ". وقوله: "والمجتهد المستقل هو الذي يستقل بإدراك ... ", وهكذا ذهب ابن الصلاح رحمه الله تعالى إلى أنه لا فرق بين المفتي والمجتهد، وأن المفتي هو المجتهد.

_ 1 نفائس الأصول شرح المحصول: "3/ ... ". 2 التحرير في أصول الفقه: 547. 3 تسهيل الأصول إلى علم الأصول: 327. 4 إرشاد الفحول: 547.

دراسة الكتاب

دراسة الكتاب: 1- تسمية الكتاب والأسباب التي دفعت ابن الصلاح إلى تأليف الكتاب: ذكرت المصادر كتاب ابن الصلاح هذا وسمته بأسماء متعددة. فقد جاء على صفحة العنوان من نسخة سليمانية كتبخانه برقم: "1/ 650" "فتاوى ابن الصلاح، وشروط المفتي وأوصافه وأحكامه وصفة المستفتي وأحكامه وكيفية الفتوى والاستفتاء وآدابهما". وجاء في صفحة العنوان على نسخة الفاتح المرقمة: "2347" "فتاوى ابن الصلاح على مذهب الشافعي". وجاء في صفحة العنوان على نسخة مكتبة جو رلولو علي باشا المرقمة "266" "جواهر الفتاوى وآداب المفتي والمستفتي". وجاء في صفحة العنوان على نسخة شستربتي المرقمة: "3854" "آداب المفتي" لابن الصلاح. ولعل ذكر كلمة "فتاوى" في تسمية الكتاب يرجع إلى مقدمة الكتاب التي قال فيها ابن الصلاح: "وأتبرأ من الحول والقوة إلا به في تأليف كتاب في الفتوى لائق بالوقت أفصح فيه إن شاء الله العظيم عن شروط المفتي وأوصافه، وأحكامه". وذكر السبكي الكتاب في "طبقات الشافعية الكبرى"1. وسماه "أدب الفتيا"، كما ذكره في كتاب "طبقات الشافعية الوسطى"2 وسماه "أدب

_ 1 4/ 200. 2 مطبوعة بهامش الطبقات الكبرى: 8/ 327.

المفتي"، وكذا سماه ابن كثير في "البداية والنهاية"1 وذكره ابن قاضي شهبة في "طبقات الشافعية"2، وسماه "أدب المفتي والمستفتي"، كذا سماه ابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب"3، وحاجي خليفة في "كشف الظنون"4، وبروكلمان في "تاريخ الأدب العربي"5. إذن فاسم الكتاب الكامل هو "أدب المفتي والمستفتي" كما ذكره ابن قاضي شهبة وغيره. أما الأسباب التي صنف "ابن الصَّلاح كتابه هذا من أجلها فقد بيَّنها رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه فقال: " ... ولما عظم شأن الفتوى في الدين وتسنم المفتون منه سنام السناء، وكانوا قرات الأعين، لا تلم بهم على كثرتهم أعين الأسواء، فنعق بهم في أعصارنا ناعق الفناء، وتفانت بتفانيهم أندية ذلك العلاء إلى أن قال: "وأتبرأ من الحول والقوة إلا به في تأليف كتاب في الفتوى، لائق بالوقت، أفصح فيه إن شاء الله العظيم عن شروط المفتي، وأوصافه، وأحكامه، وعن صفة المستفتي وأحكامه، وعن كيفية الفتوى والاستفتاء وآدابهما"6 إن شعور ابن الصلاح رحمه الله تعالى بمنزلة "الإفتاء" العظيمة، وموقعها الكبير في المجتمع المسلم، وفضلها العظيم، هو الذي دفعه إلى تصنيف هذا الكتاب، ومن أجل توعية الآخرين بخطر الفتوى وأنه يجب التهيب من الإفتاء، وعدم الجرأة على إصدار الأحكام مع قلة العلم ... والرغبة في تعليم المستفتي أدب السؤال، وآداب الكلام، بل أدب المسلم نحو أهل العلم ... كل هذه الأسباب دفعت ابن الصلاح رحمه الله تعالى إلى تأليف هذا الكتاب القيم النفيس.

_ 1 12/ 43. 2 طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 146. 3 5/ 22. 4 1/ 48. 5 6/ 210. 6 أدب المفتي: "69-70".

منهج ابن الصلاح في الكتاب

2- منهج ابن الصلاح في الكتاب: الإسلام دين الله تبارك وتعالى، ومشرع أحكامه ومناهجه هو الله عز وجل فعلى المسلم أن ينقاد لشريعة الله ويستسلم لرب العالمين، وأن لا يأتي ما يناقض حقيقة الإسلام لا في الاعتقاد ولا في الأقوال ولا في الأفعال، والمسلم قبل أن يفعل الفعل أو يقول القول لا بد أن يسأل نفسه إن كان هذا الفعل موافقًا لشريعة الإسلام أو غير موافق، فإن عرف الجواب فخير، وإن لم يعرف الجواب فلا بد أن يسأل أهل العلم كي يتعلم، قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} . فإن لم يسأل وفعل الفعل أو قال القول فقد يقع في العصيان أو الابتداع، بل قد يؤدي به الأمر إلى الارتداد عن الإسلام. "وسؤال الجاهل أهل العلم، وجواب هؤلاء له، وما يتعلق بهذين الموقفين: موقف الجاهل وهو يسأل، وموقف العالم وهو يجيب، من وجوب عليهما في السؤال والجواب أو ندب أو إباحة بلا وجوب في السؤال والجواب، وغير ذلك من الأمور، كل ذلك يكون ما يعرف في الشريعة الإسلامية بنظام الإفتاء1. ونظام الإفتاء في الإسلام له ضوابط وأصول، ومن أجل بيان هذه الضوابط والأصول ألف ابن الصلاح كتابه هذا ولقد بين ابن الصلاح منهجه هذا في مقدمة الكتاب فقال: " ... في تأليف كتاب في الفتوى لائق بالوقت، أفصح فيه إن شاء الله العظيم عن شروط المفتي وأوصافه وأحكامه، وعن صفة المستفتي وأحكامه، وعن كيفية الفتوى والاستفتاء، وآدابهما جامعًا فيه شمل نفائس التقطتها من خبايا الروايا، وخفايا الزوايا، ومهمات تقر بها أعين أعيان الفقهاء، ويرفع من قدرها من كثرت مطالعته من الفهماء، ويبادر إلى تحصيلها كل من ارتفع عن حضيض الضعفاء مقدمًا: بيان شرف مرتبة الفتوى وخطرها، والتنبيه على آفاتها وعظيم غدرها ... "2, ونظرة سريعة على

_ 1 أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان: 130. 2 أداب المفتي والمستفتي: 70.

فهرست المواضيع تعطي للقارئ الكريم فكرة عن الكتاب ومباحثه. ويلحظ القارئ في منهج ابن الصلاح رحمه الله تعالى أنه حاول أن يجمع بين أسلوب المحدثين والفقهاء في كتابه هذا وليس هذا بالمستغرب عن ابن الصلاح فهو محدث كبير وإمام حافظ، فهو صاحب "المقدمة" في علوم الحديث، و"صيانة صحيح مسلم" ... وهو فقيه كبير من الفقهاء. ومحاولة ابن الصلاح في الجمع بين الأسلوب الحديثي والفقهي تجلت بوضوح في فصل "بيان شرف حرمة الفتوى وخطرها وغررها", إذ نقل الأقوال بالسند، وأفاد في هذا الفصل من المحدثين الذين سبقوه في الكتابة عن "المفتي والمستفتي"، كالخطيب البغدادي في كتابه "الفقيه والمتفقه"، وابن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم وفضله"، فإن الخطيب البغدادي، وابن عبد البر لم يسهبا بذكر أقوال الفقهاء والأصوليين في كتبايهما، وإنما كانا يذكران المسألة التي يريدان الحديث عنها, ثم يبرهنان على صوابها بما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عن الصحابة أو التابعين، أو الأئمة المعتبرين. وغالب روايتهم بالإسناد ... فتابعهم ابن الصلاح في هذا الفصل واقتبس الكثير منهم حتى يكاد معظم هذا الفصل يكون مقتبسًا من كتابي "الفقيه والمتفقه" و"جامع بيان العلم وفضله". ومن الأسلوب الحديثي الذي اتبعه ضبطه لألفاظ الروايات التي يذكرها. ومن هذه الروايات الرواية التي ذكرها في "المسألة السادسة عشرة" عن أبي بكر محمد بن داود الأصبهاني الظاهري في المسألة التي سألته فيها امرأة: "ما تقول في رجل له زوجة لا هو ممسكها ولا هو مطلقها، فقد جاء في الرواية "أبو العباس الخضري" و"تؤمر بالصبر" و"يبعث على التطلب". وهذه الأسماء والكلمات التصحيف فيها وارد لذا نرى ابن الصلاح رحمه الله تعالى يقول في آخر الرواية: "قلت: التصحيف شين فاعلم: أن أبا العباس الخضري: هذا هو بخاء معجمة مضمومة، وبضاد معجمة مفتوحة.

وقوله: تؤمر بالصبر: في أوله التاء للمؤنث. وقوله: يبعث على التطلب: في أوله الياء التي هي للمذكر"1، بل أحيانًا يشرح المعنى اللغوي كما هو الحال في الرواية السابقة إذ قال: "وقولها: لا هو ممسكها: أي ليس ينفق عليها"2. وقوله في الرواية التي يرويها بسنده عن أبي سعيد الشحام التي رأى سهلا الصعلوكي في المنام فسأله عن حاله فقال له: "غفر لي بمسائل كان يسأل عنها العجز". قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى: العجز: بضم العين والجيم، العجائز3. وأما أسلوبه الفقهي فواضح جلي بكثرة اقتباساته من المصادر الفقهية والأصولية، وذكره لآراء الأئمة الفقهاء في المسائل التي يتطرق إليها، كما يذكر الاختلافات في بعض المسائل ويرجح بين الأقوال في أغلب الأحيان. ومذهب ابن الصلاح رحمه الله تعالى هو المذهب الشافعي لذا نراه لا يخرج عن هذا المذهب في الآراء التي يذكرها. بل إنه يفضل هذا المذهب على غيره من المذاهب، ويبرز ذلك بقوله: "ولما كان الشافعي قد تأخر عن هؤلاء الأئمة ونظر في مذاهبهم نحو نظرهم في مذاهب من قبلهم، فسبرها وخبرها وانتقدها، واختار أرجحها، ووجد من قبله قد كفاه مؤنة التصوير والتأصيل فتفرغ للاختيار والترجيح والتنقيح والتكميل، مع كمال آلته وبراعته في العلوم، وترجحه في ذلك على من سبقه, ثم لم يوجد بعده من بلغ محله في ذلك، كان مذهبه أولى المذاهب بالاتباع والتقليد، وهذا مع ما فيه من الإنصاف والسلامة من القدح في أحد الأئمة جلي واضح، إذا تأمله العامي قاده إلى اختيار مذهب الشافعي والتمذهب به"4. وابن الصلاح رحمه الله تعالى لم يكتف بتفصيل مذهب الشافعي رحمه الله

_ 1 "أدب المفتي": 133. 2 "أدب المفتي": 133. 3 "أدب المفتي": 136. 4 "أدب المفتي": "163-164".

تعالى على غيره من المذاهب بل نراه يميل إلى إغلاق باب الاجتهاد المطلق. فيقول: "وقد ذكر بعض الأصوليين منا: أنه لم يوجد بعض عصر الشافعي مجتهد مستقل. وحكى اختلافًا بين أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة في أبي يوسف ومحمد، والمزني، وابن سريج خاصًا، هل كانوا من المجتهدين المستقلين، أو من المجتهدين في المذاهب؟ "1. وقال أيضًا: " ... ومنذ دهر طويل طوى بساط المفتي المستقل المطلق، والمجتهد المستقل، وأفضى أمر الفتوى إلى الفقهاء المنتسبين إلى أئمة المذاهب المتبوعة ... "2.

_ 1 "أدب المفتي": "93-94". 2 "أدب المفتي": 91.

موارد ابن الصلاح في الكتاب

3- موارد ابن الصلاح في الكتاب: لم يكن ابن الصلاح رحمه الله تعالى أول من كتب في موضوع "الفتيا"؛ بل هنالك من تقدمه في هذا المضمار سواء من المحدثين أو الفقهاء والأصوليين ... فلا بد أن يقتبس منهم وينهل من موردهم، ورغم صغر حجم الرسالة نرى أن ابن الصلاح رحمه الله تعالى أكثر من الاقتباس عمن تقدمه من المحدثين والأصوليين ومن هذه المصنفات. 1- "أدب المفتي والمستفتي": لأبي القاسم عبد الواحد بن الحسين بن محمد القاضي الصيمري "ت386هـ" وقد اقتبس منه في أكثر من عشرة مواضع. 2- "أدب الدين والدنيا": لأبي الحسن على بن محمد بن حبيب الماوردي "ت450هـ". 3- "الحاوي": لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي: كما نقل نصوصًا عديدة عن الإمام الماوردي ولم يصرح باسم الكتاب الذي اقتبس منه

ومجموع النصوص التي اقتبسها من الإمام الماوردي سواء من كتاب "أدب الدين والدنيا"، أو "الحاوي" أو غير ذلك تربو على ستة نصوص. 4- "الغياثي": لركن الدولة إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني "ت478هـ". 5- "النهاية" وهو "نهاية المطلب في دراية المذهب": لإمام الحرمين الجويني. 6- "شرح رسالة الشافعي": لإمام الحرمين الجويني. كما نقل نصوصًا عديدة عن الإمام الجويني ولم يصرح باسم الكتاب الذي نقل عنه. وهذه الاقتباسات عن الإمام الجويني تقرب من ثمانية نصوص. 7- "الشامل": لأبي نصر بن الصباغ عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر "ت477هـ". 8- "المختصر": لأبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق المزني "ت264هـ". 9- "أصول الفقه": لأبي الحسن علي بن محمد بن علي إلكيا الهراسي "ت504هـ". 10- "فتاوى القاضي الحسين بن محمد بن أحمد المروروذي" "ت462هـ" تعليق أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي "ت516هـ". 11- "جامع بيان العلم وفضله": لأبي عمر يوسف عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي الأندلسي "ت463هـ". 12- "الفقيه والمتفقه": لأبي بكر بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي "ت463هـ". 13- "مناقب أبي الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري القابسي المالكي ت403هـ": لأبي عبد الله المالكي. 14- كما اقتبس نصوصًا عن أبي الفتح أحمد بن علي بن محمد بن برهان

"ت518هـ" ولم يصرح باسم الكتاب الذي اقتبس منه. 15- واقتبس من الإمام أبي حامد محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي "ت505هـ" نصوصًا عديدة. 16- واقتبس من أبي السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن الأثير الجزري "ت606هـ". 17- واقتبس من أبي علي الحسين بن شعيب بن محمد السنجي "ت430هـ". 18- واقتبس من أبي عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد الحليمي "ت430هـ". 19- واقتبس من أبي المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الروياني "ت502هـ". 20- ومن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر "ت318هـ". 21- ومن "تعاليق" أبي حامد أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني "ت406هـ". 22- ومن أبي المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد محمد السمعاني الكبير "ت489هـ". 23- ومن أبي الحسين أحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن القطان "ت359هـ". 24- ومن أبي بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله القفال الصغير المروزي "ت417هـ". 25- ومن أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث الباجي "ت474هـ". 26- ومن الأستاذ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الإسفراييني "ت418هـ". 27- ومن الأستاذ أبي منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمي البغدادي

"ت429هـ". 28- ومن أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروزابادي "ت476هـ". وهذه النصوص بعضها من كتاب "اللمع" وبعضها من كتاب "التبصرة"، لأبي إسحاق الشيرازي. 29- ومن أبي حاتم محمود بن الحسن بن محمد بن يوسف القزويني ت"440هـ". إن كثرة النصوص المقتبسة في هذه الرسالة تدل على مدى عناية ابن الصلاح رحمه الله تعالى بهذا الكتاب كما أنها تدل على سعة ثقافته وإحاطته بالمادة التي يصنف فيها, ولعل أكثر مصادر ابن الصلاح في هذا الكتاب هو كتاب "أدب المفتي والمستفتي" لأبي القاسم الصيمري. و"الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي. و"جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر القرطبي. وكذلك نقوله عن الإمام الماوردي، والجويني. ويلاحظ على هذه الموارد أنها مصنفات لها القيمة العلمية الكبيرة، وأنها لأئمة جهابذة لهم المكانة العلمية المرموقة ...

نقده للآراء التي يذكرها

نقده للآراء التي يذكرها: اعتمد ابن الصلاح رحمه الله تعالى على مصادر عديدة كما تقدم. ونقل أقوالا لكبار الفقهاء في معظم المسائل التي يذكرها ومما يلاحظ لابن الصلاح رحمه الله تعالى, وهو ينقل هذه الأقوال أنه لم يكن يكتفي بل كثيرا ما كان يدلي بدلوه، فيرجع ما يراه صوابًا، ويبدي رأيه المستقل في معظم المسائل، ولا عجب في ذلك فابن الصلاح حافظ كبير، وعالم يمتلك القدرة على نقد الروايات والآراء التي يذكرها فهو عالم ناقد ممحص. مثال ذلك قوله في باب "تنبيهات":

"الأول: قطع الإمام العلامة أبو عبد الله الحليمي إمام الشافعيين بما وراء النهر، والقاضي أبو المحاسن الروياني, وغيرهما: بأنه لا يجوز للمقلد أن يفتي بما هو مقلد فيه. وذكر الشيخ أبو محمد الجويني في "شرحه لرسالة الشافعي" عن شيخه أبي بكر القفال المروزي: أنه يجوز لمن حفظ مذهب صاحب مذهب ونصوصه أن يفتي به وإن لم يكن عارفًا بغوامضه وحقائقه. وخالفه الشيخ أبو محمد وقال: لا يجوز أن يفتي بمذهب غيره إذا لم يكن متبحرًا فيه. قلت: قول من قال: لا يجوز أن يفتي بذلك معناه أنه لا يذكره في صورة ما يقوله من عند نفسه، بل يضيفه ويحكيه عن إمامه الذي قلده ... "1. ومثال ذلك أيضًا قوله وهو يتحدث عن "صفة المستفتي وأحكامه وآدابه": "الخامسة: قال أبو المظفر السمعاني: إذا سمع المستفتي جواب المفتي لم يلزمه العمل به إلا بالتزامه، ويجوز أن يقال: إنه يلزمه إذا أخذ في العمل به، وقيل: يلزمه إذا وقع في نفسه صحته وحقيقته. قال: وهذا أولى الأوجه. قلت: لم أجد هذا لغيره ... "2. وغير ذلك من الأمثلة التي سيلاحظها القارئ وهو يطالع الكتاب. فابن الصلاح رحمه الله تعالى ليس بحاطب ليل، فهو الفقيه المتمكن الذي "أشغل وأفتى، وجمع وألف"3.

_ 1 "أدب المفتي": "101-102". 2 "أدب المفتي": 166. 3 سير أعلام النبلاء: 23/ 141.

كما أن ثقافته لم تأت من فراغ، فهو العلم الذي رسخت قدمه في العلوم المختلفة سواء في التفسير، أو الحديث، أو اللغة، أو الفقه، أو العقائد، أو غير ذلك من العلوم1 ... قال الذهبي: "وكان مع تبحره في الفقه مجودًا لما ينقله، قوي المادة من اللغة والعربية، متفننًا في الحديث، متصونًا، مكبًّا على العلم، عديم النظير في زمانه"2.

_ 1 صيانة صحيح مسلم لابن الصلاح: 50. 2 سير أعلام النبلاء: "23/ 142-143".

أثر الكتاب فيما بعده واقتباسات الأئمة منه

أثر الكتاب فيما بعده واقتباسات الأئمة منه: لقد ذكر الكثير من الأئمة كتاب "أدب المفتي والمستفتي" ونسبوه إلى ابن الصلاح. قال النووي وهو يتحدث عن "آداب الفتوى والمفتي والمستفتي": "اعلم أن هذا الباب مهم جدًّا فأحببت تقديمه لعموم الحاجة إليه، وقد صنف في هذا جماعة من أصحابنا منهم أبو القاسم الصيمري شيخ صاحب الحاوي، ثم الخطيب أبو بكر الحافظ البغدادي, ثم الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح، وكل منهم ذكر نفائس ولم يذكرها الآخران، وقد طالعت كتب الثلاثة ولخصت منها جملة مختصرة مستوعبة ... "1. ثم اقتبس معظم كتاب ابن الصلاح، وأشرت إلى ذلك في حاشية الكتاب أثناء تحقيقي له. واقتبس من الكتاب شيخ الإسلام علي بن عبد الكافي السبكي "ت756هـ"، وولده تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي "ت771" في كتاب "الإبهاج في شرح المنهاج"2.

_ 1 المجموع: 1/ 73. 2 الإبهاج: 3/ 256.

كما اقتبس من الكتاب السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى"1، وذكره في "طبقات الشافعية الوسطى"2، كما ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية"3 واقتبس منه، وذكره ابن قاضي شهبة في "طبقات الشافعية"4، وابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب"5، وحاجي خليفة في "كشف الظنون"6، وغير ذلك من المراجع والمصادر التي كتبت في هذا المجال. وأما "أحمد بن حمدان الحراني الحنبلي المتوفى "695هـ" فقد اقتبس معظم كتاب "أدب المفتي" لابن الصلاح. في كتابه "صفة الفتوى والمفتي والمستفتي" دون أن يشير إلى ذلك، وقد أوضحت ذلك في هامش الكتاب أثناء التحقيق. واقتبس ابن قيم الجوزية "ت751هـ" من كتاب ابن الصلاح في "إعلام الموقعين عن رب العالمين"7، ووافق ابن الصلاح في مواضع كثيرة، وخالفه في بعض المواضع. واقتبس السيوطي "ت911هـ" في كتابه "الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض" في عدة مواضع، وسماه مرة "أدب الفتيا"8، ومرة أخرى "آداب الفتيا"9. كما اقتبس منه السيوطي كثيرًا في كتابه "آداب الفتيا"10. إن كثرة الاقتباس من كتاب ابن الصلاح هذا بقدر ما تثبت صحة نسبة الكتاب إلى ابن الصلاح رحمه الله تعالى, فإنها تدل على أهميته وقيمته العلمية، وأنه كتاب نفيس في بابه.

_ 1 طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 200. 2 المطبوع بهامش الكبرى: 8/ 327. 3 البداية والنهاية: 12/ 43. 4 طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 2/ 146. 5 شذرات الذهب: 5/ 222. 6 1/ 48. 7 "إعلام الموقعين": "4/ 195، 223، 237" وغير ذلك من الصفحات. 8 "الرد على من أخلد إلى الأرض: 36. 9 "الرد على من أخلد إلى الأرض": 97 وغير ذلك من المواضع. 10 أو "أدب المفتي" مخطوط نسخة منه في مكتبة برستن, مجموعة يهودا، ضمن مجموع تحت رقم "831".

وصف الكتاب وصحة نسبته إلى المصنف

وصف الكتاب وصحة نسبته إلى المصنف: كتاب "أدب المفتي والمستفتي" من الكتب المشهورة التي ذكرها المصنفون ونسبوها لابن الصلاح، واهتموا بها, واقتبسوا منها الكثير، ولا عجب في ذلك فابن الصلاح كما وصفه الذهبي: وأشغل، وأفتى، وجمع وألف، تخرج به الأصحاب، وكان من كبار الأئمة. وللكتاب نسخ كثيرة، اعتمدت في تحقيقه على أربع نسخ فقط وهي: 1- نسخة السليمانية كتبخانه برقم "650/ 1". وتبدأ من الورقة: "1أ-22ب"، ومكتوب على صفحة العنوان ""فتاوى ابن الصلاح، وشروط المفتي وأوصافه وأحكامه وصفة المستفتي وأحكامه، وكيفية الفتوى والاستفتاء وآدابهما" تغمده الله برحمته، من كتب إبراهيم بن الطهوسي الحنفي", وكتب على صفحة العنوان: "وقف سلطان سليمان خان عليه الرحمة". وفي كل صفحة من صفحاتها "17 سطرًا"، وخطها جيد ومقروء كما أن النسخة نادرة الأخطاء، وتكاد تتطابق مع نسخة "ابن حمدان" الذي اقتبس كتاب ابن الصلاح في كتاب "صفة الفتوى" ومع نسخة الإمام النووي الذي هو الآخر اقتبس كتاب ابن الصلاح في كتابه القيم "المجموع". وعلى بعض صفحات هذه النسخة حواش كتبت بخط دقيق، وأشار الناسخ إلى دخولها في الأصل، وهذا يدل على تصحيحها بعد النسخ، فهي نسخة مصححة ... والنسخة كاملة تامة، كما جاء في الورقة الأخيرة. ورءوس المواضيع كتبت بحروف كبيرة وباللون الأحمر، ولم يذكر اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ. وقد اتخذت هذه النسخة أصلا في تحقيقي للكتاب، ورمزت لها بالحرف

"س"، نظرًا لقلة أخطائها, ولمطابقتها للمصادر التي اقتبست كلام ابن الصلاح رحمه الله تعالى: 2- والنسخة الثانية هي نسخة الفاتح تحت رقم: "2347/ 1", وتبدأ من الورقة "161ب-185أ", فهي تقع في 24 ورقة عدا صفحة العنوان. وفي كل صفحة "20" سطرًا وكتب على صفحة العنوان: "فتاوى ابن الصلاح على مذهب الشافعي". وجاء في الورقة الأخيرة: "ووافق الفراغ من نسخة بعون الله تعالى يوم السبت رابع شهر صفر سنة تسع وثمانين وسبعمائة، على يد الفقير إلى الله تعالى الراجي عفو ربه وغفرانه المعترف بالذنب والتقصير عبد الله بن محمد بن أبي بكر الخليلي لطف الله تعالى به، وهي نسخة تامة، وجيدة ومقروءة، وعلى بعض صفحاتها حواش كتبت بخط دقيق، وأشار الناسخ إلى دخولها في الأصل، وهذا يدل على تصحيحها بعد النسخ. وقد كتبت رؤوس المواضيع بحروف كبيرة وباللون الأحمر وهي نسخة جيدة، غير أنها لا تخلو من الأخطاء والسقط، وقد أشرت إلى ذلك في تحقيقي للكتاب. 3- نسخة جور لولو علي باشا تحت رقم 266، وتقع في 31 ورقة من ضمنها صفحة العنوان. "1أ-31ب". وخطها واضح ومقروء ... ورؤوس المواضيع كتبت بخط أحمر وبعضها وضع تحته خط أحمر. وفي كل صفحة من صفحاتها "19" سطرًا. وعلى بعض صفحات هذه النسخة حواش كتبت بخط دقيق، وأشار الناس إلى دخول بعضها في الأصل، وهذا يدل على تصحيحها بعد النسخ ... وجاء على صفحة العنوان "جواهر الفتاوى, وآداب المفتي والمستفتي". كما كُبت على هذه الصفحة "قد وقف هذه النسخة الشريفة الوزير الأعظم، والمشير الأفخم علي باشا يسره الله ما يريده وما يشاء طلبًا لنيل مرضاة الله وقفًا صحيحًا شرعيًّا بحيث لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولا يرهن ولا يخرج من الحجرة التي عنيها حضرت الواقف لحفظ الكتب الموقوفة فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبذلونه إن الله

سميع عليم". ثم وضع عليها ختم "الوزير الأعظم علي باشا بن الحاج محمد أغا عفا الله عنهما، سنة ... "، وجاء في الصفحة الأخيرة "قوبل وصحح من نسخة مصححة عن نسخة المؤلف فصحح بقدر الإمكان بفضل الملك المنان، بأمر مولانا شيخ الإسلام مفتي الأنام فسح الله تعالى في أجله ونفع العالمين بعلمه وعمله، حرره الفقير حسن بن علي الخضر". 4- نسخة شستربتي تحت رقم "3854"، وتقع في 29 ورقة من ضمنها صفحة العنوان "1أ-29"، وخطها واضح ومقروء ... ورؤوس المواضيع كتبت بخط أحمر، وفي كل صفحة من صفحاتها "23" سطرًا، وعلى بعض صفحات هذه النسخة حواش كتبت بخط دقيق، وأشار الناسخ إلى دخولها في الأصل، وهذا يدل على تصحيحها بعد النسخ. وجاء على صفحة العنوان "آداب المفتي لابن الصلاح"، وجاء في الصفحة الأخيرة "كمل الكتاب وربنا المحمود الوهاب لخمس خلت من شوال سنة ست وثلاثين وسبعمائة، وصلى الله على محمد نبيه وسلم تسليمًا كثيرًا". وهي نسخة جيدة وقديمة ومشكلة في بعض المواضع. أما صحة نسبة الكتاب إلى ابن الصلاح، فأمر ثابت، فقد ذكرته معظم المصادر التي تحدثت عن ابن الصلاح، كما أن معظم الذين كتبوا في "صفة الفتوى والمستفتي" ممن جاء بعد ابن الصلاح اقتبسوا من الكتاب ... وقد ذكرت هذا في دراسة الكتاب في فقرة "أثر الكتاب فيما بعده واقتباسات الأئمة منه".

المنهج الذي التزمته في التحقيق والدراسة

المنهج الذي التزمته في التحقيق والدراسة ... المنهج الذي التزمته في التحقيق والدارسة: لما كان الهدف من التحقيق هو نشر النص المحقق وإثبات صحته، لذا فإن عملي في التحقيق تركز على هذا الأمر، ويمكن تلخيص خطتي ومنهجي في النقاط الآتية: 1- نشر نص الكتاب مضبوطًا بالشكل. 2- المقارنة بين النسخ وإثبات ما هو أولى بالصواب مع اتخاذ نسخة السليمانية كتبخانه أصلا ورمزت لها بحرف "س". 3- عمل ترجمة مختصرة للأعلام الذين ذكرهم ابن الصلاح في الكتاب. 4- عزو الآيات القرآنية إلى السور. 5- تخريج الأحاديث النبوية التي وردت في الكتاب تخريجًا علميًّا. 6- الإشارة إلى المراجع التي اقتبست كلام ابن الصلاح. 7- تخريج النصوص التي ينقلها ابن الصلاح من أقوال الأئمة الذين سبقوه، وهي نصوص كثيرة. 8- اقتصر ابن الصلاح رحمه الله تعالى على الرمز في بعض ألفاظ التحمل، فكتب "ثنا"، الثاء والنون من غير نقط، والألف بدل من: "حدثنا"، وكتب "أنا" الهمزة والنون والألف من غير نقط بدل من: "أخبرنا"، فأبدلت هذه الرموز وأرجعتها إلى أصلها. 9- ضبط وبيان الألفاظ من الأسماء، أو الكنى والأنساب، أو الألقاب، أو الأماكن، أو غير ذلك مما يتطلبه تحقيق النص. 10- التحقيق في بعض الاختلافات حول بعض المسائل التي ترد في النصوص، من اعتراضات لابن الصلاح، أو اعتراض عليه، أو غير ذلك مما له علامة بتحقيق النص، أو إيضاحه للقارئ، ولقد توخيت الاختصار في كل هذه الأمور، وأكتفي أحيانًا بالإشارة إلى المراجع. أما منهجي في الدراسة فإنه يتلخص بما يأتي: 1- تسمية الكتاب والأسباب التي دفعت ابن الصلاح إلى تأليف الكتاب. 2- منهج ابن الصلاح في الكتاب. 3- موارد ابن الصلاح في الكتاب. 4- نقده للآراء التي يذكرها. 5- أثر الكتاب فيما بعده واقتباسات الأئمة منه.

صور المخطوطات المعتمدة في التحقيق تحقيق النص

صور المخطوطات المعتمدة في التحقيق تحقيق النص:

يوجد اسكانر

بيان شرف الفتوى وخطرها وغررها

بيان شرف الفتوى وخطرها وغررها: بسم الله الرحمن الرحيم ربنا أتمم لنا نورنا، واغفر لنا إنك على كل شيء قدير1. قال العبد الفقير عثمان بن عبد الرحمن2، المعروف بابن الصلاح غفر الله له ولهم3: الحمد لله الذي كرم هذه الأمة بالشريعة السمحة الظاهرة، وأيدها بالحجج الباهرة، القاهرة4، ووطدها بالقواعد المتظاهرة المتناصرة، ونورها بالأوضاع المتناسبة المتوازرة. أحمده على نعمه الباطنة والظاهرة، وأصلي على رسوله محمد، وسائر النبيين والصالحين، وأسلم صلاة وتسليمًا متواصلي "الصلات"5 في الدنيا والآخرة آمين. هذا ولما عظم شأن الفتوى في الدين وتسنم المفتون6 منه سنام السناء،

_ 1 في ج "بسم الله الرحمن الرحيم نسأله الهداية إلى الطريق المستقيم قال". 2 ناقصة من ف وج. 3 في ش "بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على محمد وسلم الحمد لله الذي ... ". 4 ناقصة من ف. 5 من ش، وفي الأصل وف وج "الصلاة". 6 في الأصل "المعنيون".

وكانوا قرات1 الأعين، لا تلم بهم على كثرتهم أعين الأسواء، فنعق بهم في أعصارنا ناعق الفناء، وتفانت بتفانيهم أندية ذاك2 العلاء، على أن الأرض لا تخلوا من قائم بالحجة إلى أوان الانتهاء، رأيت أن أستخير الله تبارك "وتعالى"3، وأستعينه، وأستهديه، وأستوقفه، وأتبرأ من الحول والقوة إلا به في تأليف كتاب في الفتوى لائق بالوقت، أفصح فيه إن شاء الله العظيم4 عن شروط المفتي، وأوصافه، وأحكامه، وعن صفة المستفتي وأحكامه، وعن كيفية الفتوى والاسفتاء وآدابهما جامعًا فيه شمل نفائس التقطتها من خبايا الروايا5، وخفايا الزوايا، ومهمات تقر بها أعين أعيان الفقهاء، ويرفع من قدرها من كثرت مطالعاته6 من الفهماء7، ويبادر إلى تحصيلها كل من ارتفع عن "حضيض"8 الضعفاء، مقدمًا في أوله بيان شرف مرتبة الفتوى، وخطرها، والتنبيه على آفاتها وعظيم9 غررها، ليعلم المقصر عن شأوها، المتجاسر عليها أنه على النار يجرأ ويجسر، وليعرف متعاطيها المضيع شروطها أنه لنفسه يضيع ويخسر، وليتقاصر عنها القاصرون الذين إذا انتزوا10 على منصب تدرس، أو اختلسوا11 ذروا من تقديم وترئيس، وجانبوا جانب المحترس، ووثبوا على الفتيا وثبة المفترس.

_ 1 كذا في النسخ، ولعل الأسلم: "قرة" لأنها مصدر. 2 في ف وج: "ذلك". 3 من ف وج وش. 4 في ف وج: "تعالى". 5 في هامش ج: "الروايا جمع رواية، وهو الكثير الرواية قاله رضي الله عنه"، ومثله في ش وجاء في آخره "المصنف" بدل "قاله رضي الله عنه", وانظر تاج العروس: 10/ 158 مادة "روى". 6 في ج: "مطالعاتها". 7 في ف: "الفقهاء". 8 من ف وج وش وفي الأصل: "تحضيض". 9 من ف: "وعظم". 10 نزا: أي وثب، انظر تاج العروس مادة "نزا". 11 في ف وج "واختلسوا".

اللهم فعافنا، واعف عنا، وأحلنا منها بالمحل المغبوط ولا تحلنا منها بالمحل المغموط، واجعل ما نعانيه منها على وفق هداك وسببًا واصلا بيننا وبين رضاك، إنك الله لا إله إلا أنت، أنت1 حسبنا ونعم الوكيل. بيان شرف حرمة الفتوى وخطرها، وغررها: روينا ما رواه أبو داود السجستاني2، وأبو عيسى الترمذي3، وأبو عبد الله ابن ماجه القزويني4 في كتبهم المعتمدة في "السنن" من حديث أبي الدرداء5، عن

_ 1 ناقصة من ف وج. 2 هو "الإمام الحافظ أبو داود سليمان بن الأشعث بن شداد، الأزدي السجستاني، روى عن القعنبي، ومسلم بن إبراهيم، وأبي الوليد السجستاني، وأحمد بن حنبل، وخلق، روى عنه الترمذي، وأبو عوانة، وخلق، له كتاب "السنن" و"الناسخ والمنسوخ" و" القدر" و"المراسيل"، وغير ذلك. قال الخلال: أبو داود الإمام المقدم في زمانه، رجل لم يسبقه أحد إلى معرفته بتخريج العلوم، وبصره بمواضعه في زمانه. توفي في شوال سنة خمس وسبعين ومائتين"، ترجمته في: تاريخ بغداد9/ 55, البداية والنهاية: 11/ 54، تذكرة الحفاظ: 2/ 591، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 2/ 293، وغير ذلك من المراجع. 3 هو "الإمام الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن الضحاك السلمي، طاف البلاد، وسمع خلقًا كثيرًا، وروى عنه خلق كثير، قال ابن حبان: كان ممن جمع وصنف، وحفظ، وذاكر، توفي بترمذ سنة تسع وسبعين ومائتين"، ترجمته في: وفيات الأعيان: 1/ 457، تذكرة الحفاظ: 2/ 633، العبر: 2/ 633، ميزان الاعتدال: 3/ 678. 4 هو "الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد الربعي مولاهم، القزويني، سمع بخراسان، والعراق، والحجاز، ومصر، وغيرها. قال الخليلي: ثقة كبير متفق عليه، محتج به ... توفي سنة ثلاث وسبعين ومائتين"، ترجمته في البداية والنهاية: 11/ 52، تذكرة الحفاظ 2/ 636، العبر: 2/ 51، طبقات المفسرين للداودي: 2/ 272. 5 هو "الإمام القدوة، قاضي دمشق، وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو الدرداء، عويمر بن زيد القيسي، ويقال: عويمر بن عامر، وقيل غير ذلك، الأنصاري الخزرجي، حكيم هذه الأمة، وسيد القراء. توفي سنة اثنتين وثلاثين". ترجمته في: طبقات ابن سعد: 7/ 391، الاستيعاب: "1226، 1646"، تاريخ ابن عساكر: 13/ 366أ، أسد الغابة: 6/ 97، سير أعلام النبلاء: 2/ 335، تذكرة الحفاظ1/ 24، تهذيب التهذيب: 8/ 175.

رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال1: "إن العلماء ورثة الأنبياء" 2. فأثبت للعلماء خصيصة فاقوا بها سائر الأمة، وما هم بصدده من أمر الفتوى، يوضح تحققهم بذلك للمستوضح، ولذلك قيل في الفتيا: إنها توقيع عن الله تبارك وتعالى. وقد أخبرنا الشيخ "الإمام"3 المسند4 أبو بكر منصور بن عبد المنعم الفراوي5، قراءة عليه بنيسابور6، قال: أخبرنا أبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي7، قال: أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي8، قال: أخبرنا

_ 1 ناقصة من ف وج. 2 رواه أحمد في المسند: 5/ 196، وأبو داود في العلم، باب الحث على طلب العلم حديث رقم: "3641، 3642"، والترمذي في العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، حديث رقم "2683، 2684"، وابن ماجه في المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، حديث رقم، "223"، والدارمي في السنن: 1/ 98، وابن حبان كما في موارد الظمآن: 48 حديث رقم "88"، وانظر المقاصد الحسنة: 286، كشف الخفاء: 2/ 64. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: 1/ 160, "وشاهده في القرآن قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} ورواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم: 1/ 34. 3 من ف وج. 4 ناقصة من ف. 5 هو "الشيخ الإمام المسند أبو بكر، وأبو الفتح، وأبو القاسم منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل بن أحمد. قال ابن نقطة: كان شيخًا ثقة مكثرًا صدوقًا. توفي في سنة ثمان وستمائة"، ترجمته في معجم البلدان: 3/ 866، التقييد لابن نقطة: 207، التكملة للمنذري: 2/ 371، سير أعلام النبلاء: 21/ 494، تاريخ الإسلام: 18/ 332. 6 "بفتح النون، وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وفتح السين المهملة، وبعد الألف منقوطة بواحدة، وفي آخرها الراء ... هي أحسن مدن خراسان، وأجمعها للخيرات، وإنما قيل لها: نيسابور لأن سابور لما رآها قال: يصلح بأن يكون هاهنا مدينة، وكانت قصبًا فأمر بقطع القصب وأن يبنى مدينة، فقيل: نيسابور، والتي هي القصب". الأنساب: 13/ 234، اللباب: 3/ 341. 7 هو أبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي، ثم النيسابوري راوي "السنن الكبير" عن البيهقي وراوي "البخاري" عن العيار، توفي في جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وخمسمائة". ترجمته في شذرات الذهب: "4/ 124-125". 8 هو "الإمام الحافظ العلامة شيخ خراسان أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، صاحب التصانيف، ولزم الحاكم وتخرج به ... توفي في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة بنيسابور، ونقل في تابوت إلى بيهق مسيرة يومين"، ترجمته في: المنتظم: 8/ 242، تذكرة الحفاظ: 3/ 132، "طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 8، شذرات الذهب: 3/ 304.

أبو عبد الله الحافظ1، وأبو سعيد2 بن أبي عمرو3، قالا: حدثنا4 أبو العباس محمد بن يعقوب5، قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن هلال بن الفرات6، ببيروت7، حدثنا أحمد بن أبي الحواري8، حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا سفيان بن

_ 1 هو "الحاكم الحافظ الكبير، إمام المحدثين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن حمدويه النيسابوري، يعرف بابن البيع، كان إمام عصره في الحديث، توفي سنة خمس وأربعمائة"، ترجمته في: وفيات الأعيان: 1/ 484، العبر: 3/ 91، الوافي بالوفيات: 3/ 320، مقدمة سؤالات الحاكم النيسابوري للدارقطني في الجرح والتعديل. 2 في ج "سعد". 3 هو" الشيخ الثقة، أبو سعيد، محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان، الصيرفي، ابن أبي عمرو النيسابوري ... حدث عنه البيهقي، والخطيب، وأبو صالح المؤذن ... توفي سنة إحدى وعشرين وأربعمائة عن نيف وتسعين سنة" ترجمته في: سير أعلام النبلاء: 17/ 350، العبر: 3/ 144، شذرات الذهب: 3/ 220. 4 في ف "أخبرنا". 5 هو "الإمام المفيد الثقة محدث الشرق أبو العباس محمد بن يعقوب بن معقل بن سنان الأموي، مولاهم، المعقلي، النيسابوري الأصم. قال الحاكم: حدث في الإسلام ستًّا وسبعين سنة ولم يختلف في صدقه وصحة سماعه ... توفي سنة ست وأربعين وثلاثمائة"، مصادر ترجمته في: الأنساب: 1/ 294، تاريخ ابن عساكر: "16/ 67أ-69ب"، المنتظم: 6/ 386، سير أعلام النبلاء: 15/ 453، تذكرة الحفاظ: 3/ 860، الوافي بالوفيات: 5/ 223. 6 هو "عبد الله بن هلال الرومي الدمشقي، نزيل بيروت، روى عن أحمد بن عاصم الأنطاكي وأحمد بن أبي الحواري ... "قال ابن أبي حاتم": روى عنه أبي وكتبت عنه وهو صدوق، وسئل أبي عنه فقال: صدوق"، الجرح: 5/ 193. 7 "بالفتح، ثم سكون، وضم الراء، وسكون الواو، والتاء فوقها نقطتان: مدينة مشهورة على بحر الشام", مراصد الاطلاع: 1/ 240, وهي عاصمة لبنان في وقتنا الحاضر. 8 هو "أحمد بن عبد الله بن ميمون بن العباس بن الحارث، أبو الحسن بن أبي الحواري: بفتح المهملة، والواو الخفيفة، وكسر الراء، ثقة، زاهد، توفي سنة ست وأربعين ومائتين"، ترجمته في الجرح: 2/ 47، طبقات الصوفية للسلمي: "98، 102"، الحلية: 10/ 5, تهذيب الكمال: 1/ 369، تهذيب التهذيب: 1/ 49، التقريب: 1/ 18.

عيينة1، عن محمد بن المنكدر2، قال: "إن العالم3 بين الله، وبين خلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم"4. وفيما نرويه5 عن سهل بن عبد الله التستري6، وكان رضي الله عنه أحد الصالحين المعروفين بالمعارف والكرامات أنه قال: "من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء عليهم السلام، فلينظر إلى مجالس العلماء، يجيء الرجل7 فيقول: يا فلان أيش تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا؟ فيقول: طلقت امرأته, وهذا مقام الأنبياء فاعرفوا لهم ذلك ... ". ولما ذكرناه هاب الفتيا من هابها من أكابر العلماء العاملين وأفاضل السابقين8، والخالفين، وكان أحدهم لا تمنعه شهرته بالأمانة، واضطلاعه بمعرفة المعضلات في اعتقاد من يسأله من العامة من أن يدفع بالجواب، أو يقول: لا أدري، أو يؤخر الجواب إلى حين يدري.

_ 1 هو "الإمام الحافظ أبو محمد سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي، الكوفي، الأعور، ثقة حافظ إمام حجة، توفي بمكة سنة ثمان وتسعين ومائة"، ترجمته في: تاريخ بغداد9/ 174، تذكرة الحفاظ: 1/ 262، الحلية: 7/ 270، التقريب: 1/ 312. 2 هو "الإمام شيخ الإسلام، أبو عبد الله محمد بن المنكدر بن الهدير التيمي، ثقة فاضل، توفي سنة ثلاثين ومائة، وقيل: بعدها"، ترجمته في: تذكرة الحافظ: 1/ 123، تهذيب التهذيب: 9/ 473، التقريب: 2/ 210. 3 في ج "العلماء". 4 الفقيه والمتفقه: 2/ 168. 5 في ف وج "يرويه". 6 هو "شيخ العارفين، أبو محمد سهل بن عبد الله بن يونس، التستري، الصوفي الزاهد، قال الذهبي: له كلمات نافعة، ومواعظ حسنة، وقدم راسخ في الطريق، توفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين"، ترجمته في: طبقات الصوفية للسلمي: 206, الحلية: 10/ 189، المنتظم: 5/ 162، سير أعلام النبلاء: 13/ 330، طبقات الأولياء: 222، شذرات الذهب: 2/ 182. 7 في ج "رجل يقول". 8 في ف وج "السابقين".

فروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى1 أنه قال: "أدركت عشرين ومائة من الأنصار، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة2، فيردها3 هذا إلى هذا، وهذا4 إلى هذا حتى ترجع إلى الأول". وفي رواية: "ما منهم من أحد يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه إياه5 ولا يستفتى عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا"6. "و"7 روينا عن ابن مسعود8 رضي الله عنه أنه قال: "من أفتى الناس في كل ما يستفتونه فهو مجنون"9. وعن ابن عباس10 رضي الله عنهما نحوه.

_ 1 هو "عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار، ويقال: بلال، وقيل غير ذلك، أبو عيسى الأنصاري الأوسي، الكوفي، ثقة، مات سنة ست وثمانين، وقيل غير ذلك", ترجمته في تذكرة الحفاظ: 1/ 58، العبر: 1/ 96، تهذيب التهذيب: 6/ 260، التقريب: 1/ 496. 2 ساقطه من ج. 3 في ف "غيرها". 4 ساقطة من ف. 5 ساقطة من ف. 6 أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى: 6/ 110، والدارمي في السنن: 1/ 53، وابن عبد البر في جامع بيان العلم: 1/ 177 وعزاه للبراء, و2/ 163 وعزاه لعبد الرحمن بن أبي ليلى. شرح السنة للبغوي 1/ 405، وأخرجه ابن المبارك في الزهد: 19، وابن حمدان في صفة الفتوى:7، وابن القيم في إعلام الموقعين: "4/ 218-219"، والسيوطي في "آداب الفتيا". الورقة: "21ب". 7 من ف وج وش. 8 هو "صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السابقين الأولين، ومن كبار البدريين وأحد أوعية العلم رضي الله عنه، توفي سنة اثنتين وثلاثين" ترجمته في: تاريخ بغداد: 1/ 147، أسد الغابة: 3/ 384، تذكرة الحفاظ: 1/ 31. 9 جامع بيان العلم: "1/ 177، 2/ 165" الفقيه والمتفقه: 2/ 198، الدارمي المقدمة: 21، شرح السنة للبغوي: 1/ 306، صفة الفتوى: 7، وانظر مجمع الزوائد: 1/ 183, الجامع لابن أبي زيد القيرواني: 151، آداب الفتيا للسيوطي: "22ب-23أ". 10 هو "أبو العباس، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، حبر الأمة، وترجمان القرآن، توفي بالطائف سنة ثمان وستين". ترجمته في تاريخ بغداد: 1/ 173، أسد الغابة: 3/ 290، تذكرة الحافظ: 1/ 40، وقول ابن عباس هذا في جامع بيان العلم: 2/ 164.

وروينا1 عن أبي حصين الأسدي2 أنه قال: "إن أحدكم ليفتي في المسألة، ولو وردت3 على عمر "بن الخطاب"4 رضي الله عنه5 لجمع لها أهل بدر"6. وروي عن الحسن7، والشعبي8، مثله. وأخبرنا الشيخ "الأجل"9 الأصيل أبو القاسم، منصور بن أبي المعالي الفراوي بنيسابور، قال: أخبرنا أبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله الصفار10 يقول: سمعت عبد الله بن

_ = الأمة، وترجمان القرآن، توفي بالطائف سنة ثمان وستين". ترجمته في تاريخ بغداد: 1/ 173، أسد الغابة: 3/ 290، تذكرة الحافظ: 1/ 40، وقول ابن عباس هذا في جامع بيان العلم: 2/ 164. 1 ساقطة من ف. 2 هو "عثمان بن عاصم بن حصين، ويقال: زيد بن كثير بن زيد بن مرة، أبو حصين: بفتح المهملة، ثقة ثبت سني ... توفي سنة سبع وعشرين ومائة، ويقال بعدها، ترجمته في المؤلف للدارقطني: 552، والإكمال: 2/ 480، تهذيب التهذيب: 7/ 128، التقريب: 2/ 10، سير أعلام النبلاء: 5/ 412. 3 في ج "ورد". 4 من ف وج وش. 6 الكنز: 5/ 241، شرح السنة للبغوي: 1/ 305، صفة الفتوى7، سير أعلام النبلاء: 5/ 416. 7 هو الحسن بن أبي الحسن البصري واسم أبيه: يسار بالتحتانية والمهملة، الأنصاري، مولاهم، ثقة فقيه، فاضل مشهور، توفي سنة عشر ومائة"، ترجمته في الحلية: 2/ 131، طبقات القراء لابن الجزري، 1/ 235، تذكرة الحفاظ: 1/ 71، تهذيب التهذيب: 2/ 263، التقريب: 1/ 165. 8 هو: "الإمام الحافظ أبو عمرو عامر بن شراحيل الشعبي، الكوفي، ثقة مشهور، فقيه، فاضل. مات بعد المائة"، ترجمته في تاريخ بغداد: 12/ 229، الحلية: 4/ 310، تذكرة الحفاظ1/ 79، العبر: 1/ 127. 9 من ش. 10 هو "أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الصفار، صنف في الزهد وغيره، قال الحاكم: هو محدث عصره مجاب الدعوة ... توفي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة". ترجمته في العبر: 2/ 250، طبقات الشافعية للأسنوي: 2/ 136، شذرات الذهب: 2/ 349.

أحمد بن حنبل1 يقول: سمعت أبي2 يقول: سمعت الشافعي3، يقول: سمعت مالك بن أنس4 يقول: سمعت محمد بن عجلان5 يقول: "إذا أغفل العالم لا أدري أصيبت مقاتله"6. هذا إسناد جليل عزيز جدًّا لاجتماع أئمة المذاهب الثلاثة فيه بعضهم عن بعض. وروى مالك مثل ذلك عن ابن عباس رضي الله7 عنهما، وذكر الحافظ أبو

_ 1 هو "أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل. قال الخطيب: كان ثقة ثبتًا فهمًا، توفي سنة تسعين ومائتين"، تاريخ بغداد: 9/ 375، تذكرة الحفاظ: 2/ 565، العبر: 2/ 86، طبقات الحفاظ: 288، شذرات الذهب: 2/ 203. 2 هو "إمام أهل السنة أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، المروزي البغدادي، قال الشافعي: خرجت من بغداد فما خلفت بها أفقه، ولا أزهد، ولا أورع، ولا أعلم منه ... توفي سنة إحدى وأربعين ومائتين"، ترجمته في تاريخ بغداد: 4/ 412، تذكرة الحفاظ: 2/ 431، طبقات الشيرازي: 91. 3 هو "إمام الأئمة، وقدورة الأمة أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس القرشي المطلبي، المكي نزيل مصر، قال أحمد: إن الله تعالى يقبض للناس في رأس كل مائة سنة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب، فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي. توفي سنة أربع ومائتين". ترجمته في تاريخ بغداد: 2/ 56، تذكرة الحفاظ: 1/ 361، ترتيب المدارك: 2/ 382، تهذيب التهذيب: 9/ 35. 4 هو "الإمام الحافظ أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، إمام دار الهجرة، رأس المتقين، وكبير المثبتين. قال البخاري: أصح الأسانيد كلها: مالك، عن نافع، عن ابن عمر، توفي سنة تسع وسبعين ومائة". ترجمته في وفيات الأعيان: 1/ 439، البداية والنهاية: 10/ 174، تذكرة الحفاظ: 1/ 207، العبر: 1/ 272. 5 هو "محمد بن عجلان القرشي مولاهم، المدني، أحد الفقهاء العباد، صدوق، توفي سنة ثمان وأربعين ومائة بالمدينة". ترجمته في: تذكرة الحفاظ: 1/ 165، العبر: 1/ 211، ميزان الاعتدال 3/ 644، تهذيب التهذيب: 9/ 341، التقريب: 2/ 195. 6 جامع بيان العلم وفضله: 2/ 54، الفقيه والمتفقه: 2/ 173، آداب الشافعي: 107، الانتفاء لابن عبد البر: "37-38" كشف الخفاء: 2/ 347، الآداب الشرعية: 2/ 79، بدائع الفوائد: 3/ 276، ترتيب المدارك: 1/ 146. 7 الانتفاء: 38، جامع بيان العلم وفضله: 2/ 54 تذكرة السامع: 42، المجموع: 1/ 40.

عمر ابن1 عبد البر الأندلسي2, عن القاسم بن محمد3 بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم: "أنه جاءه رجل فسأله عن شيء، فقال القاسم: لا أحسنه. فجعل الرجل يقول: إني دفعت إليك لا أعرف غيرك؟ فقال القاسم: "لا تنظر إلى طول لحيتي، وكثرة الناس حولي، والله ما أحسنه". فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه: "يابن أخي الزمها فوالله ما رأيتك في مجلس أنبل منك اليوم". فقال القاسم: "والله لأن يقطع لساني أحب إليَّ من أن أتكلم بما لا علم لي به"4. وروى أبو عمر عن سفيان بن عيينة، وسحنون بن سعيد5. قالا: "أجسر "الناس"6 على الفتيا أقلهم علمًا"7. وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي8،

_ 1 سقطت من ف وج. 2 هو "الإمام الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي قال أبو الوليد الباجي: لم يكن بالأندلس مثله في الحديث، توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة". ترجمته في: بغية الملتمس: 474، الصلة: 2/ 677، وفيات الأعيان: 2/ 348، تذكرة الحفاظ: 3/ 1128. 3 هو "أبو محمد أو أبو عبد الرحمن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. قال ابن سعد: ثقة رفيع، عالم فقيه، إمام ورع، كثير الحديث, توفي سنة إحدى ومائة، أو بعدها". ترجمته في طبقات ابن سعد: 5/ 139، الحلية: 3/ 183، تذكرة الحفاظ: 1/ 96، وفيات الأعيان: 1/ 418. 4 جامع بيان العلم وفضله: 2/ 53، صفة الفتوى والمفتي: "7-8" إعلام الموقعين: 4/ 219. 5 هو "القاضي الفقيه أبو سعيد عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي، الملقب بسحنون، كان زاهدًا لإيهاب سلطانًا في حق يقوله، انتهت إليه رياسة العلم في المغرب، وسحنون: بفتح السين المهملة وضمها، وسكون الحاء المهملة، وضم النون، وبعد الواو نون ثانية ولقب سحنون باسم طائر حديد بالمغرب يسمونه سحنونًا لحدة ذهنه وذكائه، توفي سنة أربعين ومائتين"، ترجمته في: ترتيب المدارك: 2/ 585، الديباج المذهب: 2/ 30، طبقات أبي العرب: 184، العبر: 1/ 432، وفيات الأعيان: 3/ 180. 6 من ف وج وش. 7 جامع بيان العلم وفضله: 2/ 55، صفة الفتوى والمفتي: 8. 8 هو "الإمام الحافظ أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي بن حسان البصري, قال ابن المديني: كان أعلم الناس، توفي سنة ثمان وتسعين ومائة". ترجمته في تاريخ بغداد: 10/ 240، تذكرة الحفاظ: 1/ 329، العبر: 1/ 326.

قال: "جاء رجل إلى مالك بن أنس يسأله عن شيء أيامًا ما يجيبه، فقال: يا أبا عبد الله إني أريد الخروج، وقد طال التردد إليك؟ قال: فأطرق طويلا، ثم رفع رأسه، فقال: ما شاء الله يا هذا، إني إنما أتكلم فيما أحتسب فيه الخير، ولست أحسن مسألتك هذه"1. ورُوي عن الشافعي رضي الله عنه: "أنه سئل عن مسألة، فسكت، فقيل له ألا تجيب رحمك الله؟ فقال: حتى أدري الفضل في سكوتي، أو في الجواب"2. وروينا عن أبي بكر الأثرم3، قال: "سمعت أحمد بن حنبل يستفتي فيكثر أن يقول: لا أدري، وذلك فيما قد عرف الأقاويل فيه"4. وبلغنا عن الهيثم بن جميل5، قال: "شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري"6. وعن مالك أيضًا: "أنه ربما كان يسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة

_ 1 الحلية: 3/ 323، صفة الفتوى والمفتي: 8. 2 صفة الفتوى والمفتي: 10. 3 هو "الحافظ الفقيه أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ، الأثرم الطائي البغدادي، قال إبراهيم الأصبهاني: كان أحفظ من أبي زرعة الرازي وأتقن، توفي سنة ثلاث وسبعين ومائتين، قاله ابن قانع". ترجمته في: تاريخ بغداد: 5/ 110، تذكرة الحفاظ: 2/ 570، تهذيب التهذيب: 1/ 78. 4 الفقيه والمتفقه: "2/ 174-175"، صفة الفتوى والمفتي: 8. 5 هو "الحافظ أبو سهل الهيثم بن جميل البغدادي، وثقه أحمد والعجلي، والدارقطني، توفي سنة ثلاث عشرة ومائتين". ترجمته في: تذكرة الحفاظ: 1/ 363، ميزان الاعتدال: 4/ 320، العبر: 1/ 365، التقريب: 2/ 326. 6 الانتقاء: 38، ترتيب المدارك: 1/ 146، سير أعلام النبلاء: 8/ 77, صفة الفتوى: 8.

منها. وكان يقول: "من أجاب في مسألة فينبغي من قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة أو النار، وكيف يكون خلاصه1 في الآخرة؟ ثم يجيب فيها"2. وعنه: "أنه سئل عن مسألة؟ فقال: لا أدري. فقيل "له"3: إنها مسألة خفيفة سهلة. فغضب، وقال: ليس في العلم شيء خفيف، أما4 سمعت قوله جل ثناؤه: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} 5 فالعلم كله ثقيل، وبخاصة ما يسأل عنه يوم القيامة"6. وقال: "إذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تصعب عليهم مسائل7، ولا يجيب أحد منهم في مسألة حتى يأخذ رأى صاحبه. قال8: مع ما رزقوا من السداد والتوفيق، مع الطهارة، فكيف بنا الذين قد9 غطت الخطايا والذنوب قلوبنا؟ 10. وعن سعيد بن المسيب11 رضي الله عنهما: "أنه كان لا يكاد يفتي فتيا، ولا يقول شيئًا إلا قال: اللهم سلمني، وسلم مني"12.

_ 1 ساقطه من ج، وجاء في ج "وكون خلاصه". 2 ترتيب المدارك: 1/ 144. 3 من ش. 4 في ف وج "ألم". 5 سورة المزمل، الآية: 5. 6 ترتيب المدارك: 1/ 148، صفة الفتوى والمفتي: 80. 7 في ش "المسائل". 8 في ف وج "وقال". 9 سقطت من ف وج. 10 صفة الفتوى والمفتي: "8-9", وانظر ترتيب المدارك: 1/ 145. 11 هو "سيد التابعين أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن القرشي المخزومي، أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار، قال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علمًا منه. مات بعد التسعين". ترجمته في طبقات الشيرازي: 57، العبر: 1/ 110، تذكرة الحفاظ: 548، تهذيب التهذيب: 4/ 8، التقريب: 1/ 305. 12 طبقات ابن سعد: 5/ 136 بلفظ: "كان سعيد بن المسيب يكثر أن يقول: اللهم سلم سلم". صفة الفتوى: 10.

وجاء عن أبي سعيد عبد السلام بن سعيد التنوخي، الملقب بسحنون إمام المالكية، وصاحب "المدونة" التي هي عند المالكيين ككتاب "الأم" عند الشافعيين أنه قال: "أشقى الناس من باع آخرته بدنياه"، وأشقى منه من باع آخرته بدنيا غيره. قال: ففكرت فيمن باع آخرته بدنيا غيره، فوجدته المفتي يأتيه الرجل قد حنث في امرأته ورقيقه، فيقول له: لا شيء عليك، فيذهب الحانث فيتمتع بامرأته ورقيقه. وقد باع المفتي دينه بدنيا هذا"1. وعن سحنون: أن رجلا أتاه، فسأله عن مسألة فأقام يتردد إليه ثلاثة أيام، فقال له مسألتي أصلحك الله لي2 اليوم ثلاثة أيام؟ فقال له: وما أصنع لك يا خليلي؟ مسألتك معضلة3، وفيها أقاويل، وأنا متحير في ذلك. فقال له: وأنت أصلحك الله لكل معضلة. فقال له سحنون: هيهات يابن أخي ليس بقولك هذا أبذل لك لحمي ودمي إلى النار4، ما أكثر ما لا أعرف، إن صبرت رجوت أن تنقلب بمسألتك، وإن أردت أن تمضي إلى غيري فامض تجاب5 مسألتك في ساعة؟ فقال "له":6 إنما جئت إليك ولا أستفتي غيرك.

_ 1 صفة الفتوى: 10. 2 ساقطة من ف وج، وفي الأصل كأنها "إلى". 3 في ف وج "معضلة فقال له سحنون: وفيها". 4 إلى هنا في "صفة الفتوى": 10. 5 في الأصل وش: "في مسألتك". 6 من ف وج وش.

فقال له: "فاصبر عافاك الله، ثم أجابه بعد ذلك". وقد كان فيهم رضي الله عنهم من يتباطئوا بالجواب عما هو فيه غير مستريب، ويتوقف في الأمر السهل الذي هو عنه مجيب. بلغنا عمن سمع سحنون بن سعيد: "يزري على من يعجل في الفتوى، ويذكر النهي عن ذلك، عن المتقدمين من معلميه، وقال: إني لأسأل عن المسألة، فأعرفها، وأعرف في أي كتاب هي، وفي أي ورقة، وفي أي "صفحة"1، وعلى كم هي من سطر، فما يمنعني من الجواب فيها إلا كراهة الجرأة بعدي على الفتوى"2. وبلغنا عن الخليل بن أحمد3، أنه كان يقول: "إن4 الرجل ليسأل عن المسألة ويعجل في الجواب فيصيب فأذمُّه، ويسأل عن مسألة فيتثبَّت في الجواب فيخطئ5 فأحمدُه"6. وروي عن سحنون بن سعيد أنه قيل له: "إنك لتسأل عن المسألة، لو سئل عنها أحد من أصحابك لأجاب فيها، فتترجَّح فيها7 وتتوقف؟ فقال: إن فتنة الجواب بالصواب، أشد من فتنة المال"8. رضي الله عنه. ولما ذكره نَلفُتُ إلى نحو ما بلغنا عن القاضي أبي "الحسن"9 علي بن محمد

_ 1 من ف وج وفي الأصل وش "صفح". 2 مثله في صفة الفتوى: 10. 3 هو "أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الأزدي الفراهيدي البصري، صاحب العروض والنحو، قال ابن حجر: صدوق عالم عابد، مات بعد الستين ومائة، وقيل سنة سبعين أو بعدها"، ترجمته في تهذيب التهذيب: 3/ 163، التقريب: 1/ 228. 4 ساقطة من ف وج. 5 في ج "ويخطئ". 6 صفة الفتوى:11. 7 سقطت من ج. 8 صفة الفتوى: 11. 9 من ف وج وش وفي الأصل "الحسين".

ابن حبيب الماوردي1، أحد المصنفين الشافعيين، قال: "صنفت في "البيوع"، كتابًا جمعت له ما استطعت من كتب الناس، وجهدت فيه نفسي، وكددت فيه خاطري، حتى إذا تهذب واستكمل، وكدت أعجب به، وتصورت أنني أشد الناس اضطلاعًا2 بعلمه حضرني وأنا في مجلسي أعرابيان، فسألاني عن بيع عقداه3 في البادية على شروط تضمنت أربع مسائل، لم أعرف لشيء منها جوابًا، فأطرقت مفكرًا، بحالي4 وحالهما معتبرًا. فقالا: أما عندك فيما سألناك جواب وأنت زعيم هذه الجماعة؟ قلت: لا. فقالا: إيهًا لكَ، وانصرفا، ثم أتيا من قد يتقدمه في العلم كثيرٌ من أصحابي, فسألاه، فأجابهما مسرعًا بما أقنعهما، فانصرفا عنه راضيين بجوابه، مادحين لعلمه، فبقيت مرتبكًا، وإني لعلى ما كنت عليه في تلك المسألة إلى وقتي، فكان ذلك لي زاجر نصيحة، ونذير عظة"5. وقال: "القاضي"6 أبو القاسم الصيمري7 أحد الأئمة8 الشافعيين، ثم أبو بكر الخطيب الحافظ9، الفقيه

_ 1 هو "الإمام الجليل القدر أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي قال الخطيب: كان من وجوه الفقهاء الشافعيين، وله تصانيف عدة في أصول الفقه وفروعه، وغير ذلك. توفي سنة خمسين وأربعمائة". ترجمته في: تاريخ بغداد: 12/ 102، البداية والنهاية: 12/ 80، العبر: 3/ 223، معجم الأدباء: 15/ 52، طبقات الشافعية الكبرى: 5/ 267. 2 كذا في الأصل ومثله في "أدب الدين والدنيا". وفي ف وج "اطلاعًا" ومثله في طبقات الشافعية الكبرى: 5/ 269. 3 في ش: "عاقداه". 4 في ش: "وبحالي". 5 "أدب الدين والدنيا" للماوردي: 57. ونقل السبكي هذه الفقرة أيضًا في طبقات الشافعية الكبرى 5/ 269. 6 من ف وج وش. 7 هو "أبو القاسم عبد الواحد بن الحسين بن محمد القاضي الصيمري: بفتح الصاد المهملة، وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، وفتح الميم، وفي آخرها الراء ... منسوبًا إلى نهر من أنهار البصرة، يقال له: الصيمري، ومن تصانيفه: "الإيضاح في المذهب", وكتاب صغير في "أدب المفتي والمستفتي", توفي بعد سنة ست وثمانين وثلاثمائة". ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى: 3/ 339، تهذيب الأسماء واللغات: 2/ 265، طبقات الشيرازي: 104، طبقات ابن هداية الله: 129. 8 في ش "أئمة". 9 هو "الحافظ الكبير محدث الشام والعراق، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. قال فيه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: أبو بكر الخطيب يشبه الدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه ... توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة"، ترجمته في: إرشاد الأريب: 1/ 246، البداية والنهاية: 12/ 101، تذكرة الحفاظ: 3/ 1135، المنتظم: 8/ 265، وفيات الأعيان: 1/ 27.

الشافعي الإمام في علم الحديث: "قَلَّ من حرص على الفتوى، وسابق "إليها"1، وثابر عليها إلا قل توفيقه، واضطرب في أمره، وإذا كان كارهًا لذلك غير مختار له، ما وجد مندوحة عنه، وقدر أن يحيد بالأمر فيه على غيره، كانت المعونة له من الله أكثر والصلاح في جوابه وفتاويه أغلب2. قال ذلك الصيمري أولًا، ثم تلقاه عنه الخطيب فقاله في بعض تصانيفه. وروى بإسناده عن بشر بن الحارث3 أنه قال: "من أحب أن يسأل فليس بأهل أن يسأل"4. وذكر أبو عبد الله المالكي5 فيما جمعه من "مناقب شيخه أبي الحسن القابسي" الإمام المالكي6: أنه كان ليس شيء "أشد"7 عليه من الفتوى، وأنه قال له عشية

_ 1 في الأصل: "عليها"، وما جاء في ف وج وش هو الموافق لكتاب الفقيه والمتفقه. 2 الفقيه والمتفقه: 2/ 166، صفة الفتوى: 11. 3 هو "الزاهد الجليل، القدوة، أبو نصر بشر بن الحارث بن عبد الرحمن المروزي البغدادي، المعروف ببشر الحافي. توفي سنة سبع وعشرين ومائتين". ترجمته في طبقات ابن سعد: 7/ 342، المعارف: 525، طبقات الصوفية: 39، الحلية: 8/ 336، تاريخ بغداد: 7/ 67، سير أعلام النبلاء: 10/ 469، تهذيب التهذيب: 1/ 444، التقريب: 1/ 98. 4 الفقيه والمتفقه: 2/ 166، صفة الفتوى: 11. 5 انظر ترتيب المدارك: "4/ 618، 620". 6 هو "الإمام الحافظ الفقيه علامة المغرب، أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري القابسي المالكي، قال حاتم الأطرابلسي: كان أبو الحسن القابسي زاهدًا ورعًا يقظًا، لم أر بالقيروان إلا معترفًا بفضله ... توفي سنة ثلاث وأربعمائة"، ترجمته في: ترتيب المدارك: "4/ 616-621"، وفيات الأعيان: 3/ 320، سير أعلام النبلاء: 17/ 158، تذكرة الحفاظ: 3/ 85. 7 من ف وج وش.

من العشايا: ما ابتلي أحد بما ابتليت به، أفتيت اليوم في عشر مسائل1. قلت: قول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ, مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 2. شامل بمعناه من زاغ في فتواه، فقال في الحرام: هذا حلال، أو في الحلال: هذا حرام، أو نحو ذلك. وفيما رواه أبو عمر بن عبد البر الحافظ بإسناده، عن مالك، قال: "أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة بن أبي3 عبد الرحمن4، فوجده يبكي، فقال له: ما يبكيك؟ وارتاع5 لبكائه. فقال له: أمصيبة دخلت عليك؟ فقال: لا ولكن استفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم"6. قال ربيعة: "ولبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السراق"7. رحم الله ربيعة. كيف لو أدرك زماننا؟ وما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

_ 1 إلى هنا في "صفة الفتوى": 11. 2 سورة النحل آية "116-117". 3 سقطت من ف وج. 4 هو "أبو عبد الرحمن ربيعة بن فروخ مولى آل المنكدر، المعروف بربيعة الرأي، ثقة، فقيه مشهور، مات سنة ست وثلاثين ومائة"، ترجمته في تاريخ بغداد: 8/ 420، وفيات الأعيان: 1/ 183، تذكرة الحفاظ: 1/ 157، التقريب: 1/ 247. 5 في ف وج "فارتاع". 6 الفقيه والمتفقه: 2/ 153، صفة الفتوى: 11. 7 البيان والتحصيل: 5/ 2ب, جامع مسائل الأحكام: "1/ 5أ-ب", إعلام الموقعين: 4/ 207.

القول في شروط المفتي وصفاته وأحكامه وآدابه

القول في شروط المفتي وصفاته وأحكامه وآدابه شروطه وصفاته ... القول في شروط المفتي وصفاته وأحكامه وآدابه: أما شروطه وصفاته1:

_ 1 في ف وج "فهو".

أن يكون مكلفًا مسلمًا، ثقة مأمونًا، متنزهًا من أسباب الفسق ومسقطات المروءة، لأن من لم يكن كذلك فقوله غير صالح "للاعتماد"1، وإن كان من أهل الاجتهاد2. ويكون فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر3، صحيح التصرف والاستنباط مستيقظًا4. ثم ينقسم وراء هذا إلى قسمين، مستقل، وغير مستقل. القسم الأول: المفتي المستقل، وشرطه: أن يكون مع ما ذكرناه قيمًا بمعرفة أدلة الأحكام الشرعية من الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وما التحق بها على التفصيل، وقد فصلت في كتب الفقه، وغيرها. فتيسرت والحمد لله. عالمًا بما يشترط في الأدلة ووجوه دلالتها، وبكيفية اقتباس الأحكام منها، وذلك يستفاد من علم أصول الفقه5، عارفًا من علم القرآن6، وعلم الحديث7، وعلم الناسخ

_ 1 في الأصل "الاعتماد". 2 قال ابن حمدان في "صفة الفتوى": 13: "أما اشتراط إسلامه وتكليفه وعدالته، فبالإجماع ... ", وفي قول عند الحنفية: أن الفاسق يصلح مفتيًا؛ لأنه يجتهد لئلا ينسب إلى الخطأ، انظر مجمع الأنهر: 2/ 145. وقال ابن حمدان: 29: "ولا تصح من فاسق لغيره، وإن كان مجتهدًا، لكن يفتي نفسه، ولا يسأله غيره", وانظر المجموع: 1/ 70، وسيتحدث عن هذا الأمر ابن الصلاح في فقرة "القول في أحكام المفتين": 106. 3 في ف "للفكر". 4 من ف وج وفي الأصل: "مسقطًا". 5 انظر البرهان للإمام الجويني: "2/ 1330-1332"، الملل والنحل للشهرستاني: "1/ 200، 201"، الغياثي: 401، إرشاد الفحول: 252، المنخول: "463، 464" المحصول في علم الأصول لفخر الدين الرازي، الجزء الثاني القسم الثالث: 36، اللمع: 127، الابتهاج في شرح المنهاج: 3/ 256، الإحكام للآمدي: 4/ 220. 6 انظر الرسالة للإمام الشافعي: 46، الغيائي: 400، 1 المستصفى للإمام الغزالي: 2/ 350، المحصول: "2/ 3/ 33"، اللمع: 127، إرشاد الفحول: 252، التقرير والتحبير: 3/ 293، الابتهاج في شرح المنهاج: 3/ 254، الإحكام للآمدي: 4/ 220. 7 المستصفى: 2/ 351، الغياثي: 400، المحصول للرازي: "2/ 3/ 33", إرشاد الفحول: 251، المسودة: 516.

والمنسوخ1، وعلمي2 النحو3، واللغة4، واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذي يتمكن به من الوفاء بشروط5 الأدلة والاقتباس منها، ذا دربة وارتياض في استعمال ذلك، عالمًا بالفقه، ضابطًا لأمهات مسائله6 وتفاريعه المفروغ من تمهيدها. فمن جمع هذه الفضائل فهو المفتي المطلق المستقل الذي يتأدى به فرض الكفاية7، "ولن"8 يكون إلا مجتهدًا مستقلا. والمجتهد المستقل: هو الذي يستقل بإدراك الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية من غير تقليد وتقيد9 بمذهب أحد10.

_ 1 الغياثي: 400 المحصول: 2/ 3/ 35، الابتهاج في شرح المنهاج: 3/ 255، التقرير والتخيير: 3/ 293، اللمع: 127, المنخول: 464. 2 في ف وج "علم". 3 المستصفى: 2/ 351، الغياثي: 400، المحصول: 2/ 3/ 35، المنخول من تعليقات الأصول للغزالي: "463، 464", الموافقات للشاطبي: "4/ 59، 62"، الإحكام للآمدي: 4/ 220، الابتهاج في شرح المنهاج: 3/ 255، اللمع: 127. 4 في المجموع: 1/ 76 حيث نقل نص كلام ابن الصلاح: "والتصريف". 5 في ف: "وبشرط". 6 في ف وج "مسائل". 7 نقل الإمام النووي رحمه الله تعالى هذه الفقرة بطولها عن ابن الصلاح في المجموع: 1/ 76، ونقل السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه: "الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض" -تحقيق ودراسة الدكتور فؤاد عبد المنعم أحمد: "ص36 و94"- تعريف المجتهد المطلق عن ابن الصلاح وسمى الكتاب "أدب الفتيا". 8 من ش وفي النسخ كأنها "أن". 9 في ف وج "تقييد". 10 قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين: 4/ 212: "ولا ينافي في اجتهاده تقليده لغيره أحيانًا، فلا تجد أحدًا من الأئمة إلا وهو مقلد من هو أعلم منه في بعض الأحكام، وقد قال الشافعي رحمه الله ورضي عنه في موضع من الحج: قلته تقليدًا لعطاء". وانظر "حجة الله البالغة" لولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي: 1/ 330.

وفصل الإمام أبو المعالي ابن الجويني1 صفات المفتي، ثم قال القول الوجيز في ذلك: إن المفتي هو المتمكن من درك أحكام الوقائع على يسر من غير معاناة تعلم2. وهذا الذي قاله معتبر في المفتي، ولا يصلح حدًّا للمفتي، والله أعلم. تنبيهات: الأول: ما اشترطناه فيه من كونه حافظًا لمسائل الفقه، لم يعد من شروطه في كثير من الكتب المشهورة، نظرًا إلى أنه ليس شرطًا لمنصب الاجتهاد، فإن الفقه من ثمراته فيكون متأخرًا عنه، وشرط الشيء لا يتأخر عنه. واشترطه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني3، وصاحبه أبو منصور البغدادي4، وغيرهما. واشتراط ذلك في صفة المفتي الذي يتأدى به فرض الكفاية هو5 الصحيح،

_ 1 هو "ركن الدولة إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، ولد في جوين "من نواحي خراسان"، أعلم المتأخرين من أصحاب الشافعي، توفي بنيسابور سنة ثمان وسبعين وأربعمائة". ترجمته في: المنتظم: 9/ 18، وفيات الأعيان: 3/ 197، تبيين كذب المفتري: 278، العبر: 3/ 291، العقد الثمين: 5/ 507. 2 كتاب الغياثي غياث الأمم في التباث الظلم, لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني "ت478هـ"، والرسالة للشافعي "ص509"، المنخول: 464. 3 هو "الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفراييني، قال السبكي: أحد أئمة الدين، كلامًا وأصولا، وفروعًا، توفي سنة ثمان عشرة وأربعمائة". ترجمته في تبيين كذب المفتري: 243، طبقات العبادي: 104، طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 256. 4 هو "الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمي البغدادي الشافعي، الفقيه الأصولي النحوي المتكلم، صاحب "تفسير القرآن". و"الملل والنحل" و"الفرق بين الفرق"، وغير ذلك، توفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة"، ترجمته في إنباه الرواة: 2/ 185، بغية الوعاة: 2/ 105، فوات الوفيات: 1/ 613، وفيات الأعيان: 2/ 372. 5 في ف "وهو".

وإن لم يكن كذلك في صفة المجتهد المستقل1 على تجرده، لأن حال المفتي يقتضي اشتراط كونه على صفة يسهل عليه معها إدراك أحكام الوقائع على القرب من غير تعب كثير، وهذا لا يحصل لأحد من الخلف إلا بحفظ أبواب الفقه ومسائله، ثم لا يشترط أن تكون جميع الأحكام على ذهنه، بل يكفي أن يكون حافظًا للمعظم متمكنًا من إدراك الباقي على القرب2. الثاني: هل يشترط فيه3 أن يعرف من الحساب ما يصحح به المسائل الحسابية الفقهية؟ حكى أبو إسحاق، وأبو منصور فيه اختلافًا للأصحاب، والأصح اشتراطه لأن من المسائل الواقعة نوعًا لا يعرف جوابه إلا من جمع بين الفقه والحساب4. الثالث: إنما يشترط اجتماع العلوم المذكورة5 في المفتي المطلق في جميع أبواب الشرع، أما المفتي في باب خاص من العلم، نحو علم المناسك، أو علم الفرائض، أو غيرهما، فلا يشترط فيه جميع ذلك6، ومن الجائز أن ينال

_ 1 اقتبس الإمام النووي رحمه الله تعالى هذه الفقرة بطولها في المجموع: "1/ 76-77". 2 انظر جمع الجوامع: 2/ 422، وشرح الكوكب المنير: 396، المستصفى: 1/ 42، المحصول: 2/ 3/ 36، إرشاد الفحول: 252, الإحكام في أصول الأحكام: "4/ 220-22", الغياثي: 404. 3 سقطت من ف. 4 المجموع: 1/ 77، وانظر: "الرد على من ... " للسيوطي: "181-182". 5 في ج "المزبورة". 6 اختلف العلماء في جواز تجزئة الاجتهاد وعدم جوازه إلى ثلاثة مذاهب: "أ" رأى جمهور علماء أهل السنة والمعتزلة إلى جوازه، وكذا الشيعة الإمامية. انظر في ذلك: المستصفى للغزالي: "2/ 353-354"، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي: "4/ 220-221", المحصول للرازي: "2/ 3/ 37-38"، جمع الجوامع: 2/ 386, والمجموع للنووي: 768 فما بعدها، ومسلَّم الثبوت: 2/ 364، وإرشاد الفحول: 225، التحرير لابن الهمام وشرحه تيسير التحرير للعلامة محمد أمين: 4/ 191, والمعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين محمد بن علي بن الطيب المعتزلي البصري "ت436هـ": 2/ 929 حيث ذكر آراء المعتزلة, وتهذيب الوصول إلى علم الأصول للحلي: 100 حيث ذكر آراء الشيعة الإمامية، وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: 20/ 204. =

الإنسان منصب الفتوى والاجتهاد في بعض الأبواب دون بعض فمن عرف القياس وطرقه وليس عالمًا بالحديث فله أن يفتي في مسائل قياسية يعلم أنه1 لا تعلق لها بالحديث, ومن عرف أصول المواريث وأحكامها جاز أن يفتي فيها، وإن لم يكن عالمًا بأحاديث النكاح، ولا عارفًا بما يجوز له الفتوى في غير ذلك من أبواب الفقه. قطع بجواز هذا2 الغزالي3، وابن برهان4، وغيرهما5. ومنهم من منع من ذلك

_ = "ب": المذهب الثاني المنع من التجزئة؛ وهو المنقول عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى والإمام الشوكاني، وملاخسرو من الحنفية، والعلامة الفناري. انظر: "المرآة" لملاخسرو: "2/ 467-468"، و"إرشاد الفحول" للشوكاني: "224-225"، و"فصول البدائع" للفناري: 2/ 425، "مسلم الثبوت" وشرحه "فواتح الرحموت: 2/ 364. "ج": المذهب الثالث: جواز الاجتهاد في مسائل الميراث وحدها: ومن أصحاب هذا المذهب ابن الصباغ من الشافعية. انظر "المجموع": 1/ 77 و"إعلام الموقعين" لابن القيم: 4/ 216. ومذهب تجزيء الاجتهاد هو مذهب أكثر العلماء نص عليه الغزالي، والرازي والرافعي من الشافعية، وصححه ابن الصلاح والنووي، وابن السبكي، واختاره ابن دقيق العيد، وهو مذهب الحنابلة والظاهرية انظر: المستصفى: 2/ 253، نهاية السول للأسنوي بهامش التقرير: 3/ 293، المجموع للنووي: 1/ 77، وإرشاد الفحول: 255، الأحكام لابن حزم: "5/ 694-695"، جمع الجوامع لابن السبكي: 2/ 245، الإحكام للآمدي: 4/ 221. 1 في ش "أنها". 2 في ف وج "ذلك". 3 هو "الإمام حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الطوسي, قال الذهبي: وصنف التصانيف مع التصون والذكاء المفرط، والاستبحار من العلم، وفي الجملة: ما رأى الرجل مثل نفسه، توفي سنة خمس وخمسمائة"، ترجمته في إتحاف السادة المتقين للسيد مرتضى الزبيدي: 1/ 6، البداية والنهاية: 12/ 173، تاريخ دمشق لابن الوردي: 2/ 21، العبر: 4/ 10، وكتب عنه الأخ الأستاذ المحقق الدكتور علي محيي الدين علي القره داغي كتابة وافية في مقدمة تحقيقه لكتاب "الوسيط في المذهب" للإمام الغزالي. 4 هو "أبو الفتح أحمد بن علي بن محمد بن برهان الأصولي. وبرهان بفتح الباء الموحدة، قال السبكي: كان حاذق الذهن، عجيب الفطرة، لا يكاد يسمع شيئًا إلا حفظه، وتعلق بذهنه. توفي سنة ثمان عشرة وخمسمائة"، ترجمته في البداية والنهاية: 12/ 194، طبقات الشافعية الكبرى: 6/ 30، مرآة الجنان: 3/ 225. 5 المجموع: 1/ 77، وتقدم ذكر مراجع تجزيء الاجتهاد في أول الفقرة.

مطلقًا, وأجازه أبو نصر بن الصباغ1، غير أنه خصصه بباب المواريث. قال: لأن الفرائض لا تنبني2 على غيرها من الأحكام، فأما ما عداها من الأحكام فبعضه مرتبط ببعض. والأصح أن ذلك لا يختص بباب المواريث، والله أعلم. القسم الثاني: المفتي الذي ليس بمستقل، ومنذ دهر طويل طوي بساط المفتي المستقل المطلق، والمجتهد المستقل3، وأفضى أمر الفتوى إلى الفقهاء المنتسبين إلى أئمة المذاهب المتبوعة، وللمفتي المنتسب أحوال أربع: الأولى: أن لا يكون مقلدًا "لإمامه"4، لا في المذهب5 ولا في دليله لكونه قد جمع الأوصاف والعلوم المشترطة في المستقل، وإنما ينتسب إليه لكونه سلك طريقه في الاجتهاد، ودعا إلى سبيله6.

_ 1 هو "أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن جعفر بن الصباغ قال السبكي: انتهت إليه رياسة الأصحاب. وكان ورعًا نزهًا تقيًّا، صالحًا زاهدًا، فقيهًا أصوليًّا محققًا. توفي سنة سبع وسبعين وأربعمائة". ترجمته في: البداية والنهاية: 12/ 126، الجواهر المضية: 1/ 316، العبر 3/ 287، طبقات الشافعية للسبكي: 5/ 122. 2 في ف وج "لا تبتني". 3 قال السيوطي في كتاب "الرد على من أخلد ... ": 93 "لهج كثير من الناس اليوم بأن المجتهد المطلق فقد من قديم، وأنه لم يوجد من دهر إلا المجتهد المقيد. وهذا غلط منهم، ما وقفوا على كلام العلماء، ولا عرفوا الفرق بين المجتهد المطلق والمجتهد المستقل، ولا بين المجتهد المقيد ولا المجتهد المنتسب، وبين كل مما ذكر فرق؛ ولهذا ترى أن من وقع في عبارته المجتهد المستقل مفقود من دهر، ينص في موضع آخر على وجود المجتهد المطلق، وللتحقيق في ذلك أن المجتهد المطلق أعم من المجتهد المستقل، وغير المجتهد المقيد، فإن المستقل هو الذي استقل بقواعد لنفسه بنى عليها الفقه خارجًا عن قواعد المذاهب المقررة, وهذا شيء فقد من دهر بل لو أراده الإنسان اليوم لامتنع عليه، ولم يجز له، نص عليه غير واحد ... ". 4 من ف وج وش وفي الأصل: "لأئمته". 5 في ف وج "المذاهب". 6 "الرد على ... " للسيوطي: 95.

وقد بلغنا عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني رحمه الله: إنه ادعى هذه الصفة لأئمة أصحابنا, فحكى عن أصحاب مالك، وأحمد، وداود1، وأكثر أصحاب أبي حنيفة2، رحمهم الله أنهم صاروا إلى مذاهب أئمتهم تقليدًا لهم3. ثم قال: الصحيح الذي ذهب إليه المحققون ما ذهب إليه أصحابنا، وهو أنهم صاروا إلى مذهب الشافعي رحمه الله "تعالى"4, لا على جهة التقليد له، ولكن لما وجدوا طريقه في الاجتهاد والفتاوى أسد الطرق، وأولاها، ولم يكن لهم بد من الاجتهاد سلكوا طريقه في الاجتهاد، وطلبوا معرفة الأحكام بالطريق الذي طلبها الشافعي به "رحمه الله تعالى"5. قلت: وهذا الذي حكاه عن أصحابنا واقع على وفق ما رسمه لهم الشافعي، ثم المزني6 في أول "مختصره"، وفي غيره, وذكر الشيخ أبو علي السنجي7 شبيهًا

_ 1 هو "أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصبهاني، الإمام المشهور بالظاهري قال ابن خلكان: كان زاهدًا متقللا كثير الورع، وكان صاحب مذهب مستقل، وتبعه جمع كثير يعرفون بالظاهرية. توفي سنة سبعين ومائتين"، ترجمته في تاريخ بغداد: 8/ 369، طبقات الشيرازي: 176، وفيات الأعيان: 2/ 255، تذكرة الحفاظ: 2/ 572. 2 هو "الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى بن ماه الكوفي، كان عالمًا عاملا زاهدًا عابدًا ورعًا تقيًّا، مناقبه وفضائله جمة، توفي ببغداد في السجن لِيَلِيَ القضاء فلم يفعل، سنة خمسين ومائة"، ترجمته في تاريخ بغداد: 13/ 323، الجواهر المضية: 1/ 26، تذكرة الحفاظ: 1/ 168، العبر: 1/ 214. 3 في ف وج "بتقليد لهم". 4 من ف وج. 5 من ج وش. 6 هو "أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني، كان زاهدًا عالمًا مجتهدًا، وهو إمام الشافعيين وأعرفهم بطرقه وفتاويه، وما ينقله عنه، توفي سنة أربع وستين ومائتين بمصر". ترجمته في المؤلف للدارقطني: 2190، طبقات الشيرازي: 97، وفيات الأعيان: 1/ 217، طبقات الشافعية الكبرى: 2/ 93. 7 هو "أبو علي الحسين بن شعيب بن محمد السنجي، من قرية سنج، بكسر السين المهملة بعدها نون ساكنة ثم جيم، وهي من أكبر قرى مرو، فقيه العصر، وعالم خراسان، وأول من جمع بين طريقتي العراق، وخراسان، توفي سنة ثلاثين وأربعمائة", ترجمته في البداية والنهاية: 12/ 57، طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 344.

بذلك، فقال: اتبعنا قول الشافعي، دون غيره من الأئمة، لأنا وجدنا قوله أحج1 الأقوال وأعدلها، "لا أنا"2 قلده في قوله3. قلت: دعوى انتفاء التقليد عنهم مطلقًا من كل وجه لا يستقيم إلا أن يكون قد أحاطوا بعلوم الاجتهاد المطلق، وفازوا برتبة المجتهدين المستقلين، وذلك لا يلائم المعلوم من أحوالهم, أو أحوال أكثرهم، وقد ذكر بعض الأصوليين منا: أنه لم يوجد بعد عصر الشافعي مجتهد مستقل4. وحكى اختلافًا بين أصحابنا، وأصحاب أبي حنيفة في أبي يوسف5،

_ 1 في ف وج "أحج من الأقوال". 2 من ش، وكتبت في باقي النسخ "لانا". 3 اقتبس الفقرة النووي في المجموع: 1/ 77، وانظر "شرح عقود رسم المفتي المفتي" للعلامة السيد محمد أمين الشهير بابن عبدون الحنفي، طبع الأستانة: 1/ 31، وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: "4/ 213-214": " ... وكل منهم يقول ذلك عن إمامه، ويزعم أنه أولى بالاتباع من غيره، ومنهم من يغلو فيوجب اتباعه، ويمنع من اتباع غيره. فبالله العجب من اجتهاد نهض بهم إلى كون متبوعهم ومقلدهم أعلم من غيره، أحق بالاتباع من سواه، وأن مذهبه هو الراجح، والصواب دائر معه، وقعد بهم عن الاجتهاد في كلام الله ورسوله، واستنباط الأحكام منه، وترجيح ما يشهد له النص، مع استيلاء كلام الله ورسوله على غاية البيان، وتضمنه لجوامع الكلم، وفصله للخطاب، وبراءته من التناقض والاختلاف والاضطراب، فقعدت بهم هممهم عن الاجتهاد فيه، ونهضت بهم إلى الاجتهاد في كون إمامهم أعلم الأمة وأولاها بالصواب، وأقواله في غاية القوة وموافقة السنة والكتاب، والله المستعان". ونقل السيوطي كلام ابن الصلاح رحمه الله تعالى في كتابه "الرد على من أخلد إلى الأرض": 95. 4 المجموع: 1/ 78. 5 هو "القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب، صاحب أبي حنيفة رضي الله عنه، كان فقيهًا عالمًا حافظًا. قال عمار بن أبي مالك: ما كان في أصحاب أبي حنيفة مثل أبي يوسف، توفي سنة اثنتين وثمانين ومائة" ترجمته في تاريخ بغداد: 14/ 242، أخبار القضاة لوكيع: 3/ 254، وفيات الأعيان: 6/ 378، تذكرة الحفاظ: 1/ 292، العبر: 1/ 284، مرآة الجنان: 1/ 382.

ومحمد1، والمزني، وابن سريج2 خاصًّا3، هل كانوا من المجتهدين المستقلين، أو من المجتهدين في المذاهب؟ 4 ولا نستنكر5 دعوى ذلك فيهم في فن من الفقه، دون فن بناء على ما قدمناه من جواز تجزيء6 منصب المجتهد المستقل7، ويبعد جريان ذلك الخلاف في حق هؤلاء المتبحرين الذين عم نظرهم الأبواب كلها، فإنه لا يخفى على أحدهم إذا كمل في باب ما لا يتعلق منه بغيره من الأبواب التي لم يكمل فيها لعموم نظره وجولانه في الأبواب كلها. إذا عرفت هذا ففتوى المنتسبين في هذه الحالة، في حكم فتوى المجتهد المستقل المطلق، يعمل بها ويعتد بها في الإجماع والخلاف8، والله أعلم. الحالة الثانية: أن يكون في مذهب إمامه مجتهدًا مقيدًا فيستقل بتقرير مذاهبه بالدليل، غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه وقواعده9، ومن شأنه أن يكون

_ 1 هو "أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد، الشيباني، مولاهم، الفقيه الحنفي قال الشافعي: حملت من علم محمد بن الحسن وقر بعير، توفي سنة تسع وثمانين ومائة"، ترجمته في تاريخ بغداد: 2/ 172، المعارف: 500، وفيات الأعيان: 4/ 184. 2 هو "أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج، الفقيه الشافعي، قال أبو إسحاق الشيرازي: كان يفضل على جمع أصحاب الشافعي رحمة الله تعالى عليهم، حتى على: المزني. توفي سنة ست وثلاثمائة". ترجمته في: تاريخ بغداد: 4/ 287، طبقات الشيرازي: 108، وفيات الأعيان: 1/ 66، طبقات الشافعية الكبرى: 3/ 21، العبر: 2/ 132. 3 في ف وج وش" خاصة أهل". 4 انظر الأقوال في هؤلاء الأئمة في "النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير" للعلامة الكنوي المتوفى سنة1304هـ طبع الهند: "4-6" "وعمدة الرعاية" مقدمة "شرح الوقاية" للعلامة الكنوي: 9، و"شرح عقود رسم المفتي: 31. 5 في ف وج "ولا يستنكر". 6 في ف وج "تجوز". 7 تقدم ذكر المذاهب في تجزيء الاجتهاد: "89-90". 8 انظر "إعلام الموقعين": 4/ 212-213". 9 إعلام الموقعين: "4/ 213، "الرد على من أخلد إلى الأرض" للسيوطي: 96، مغني المحتاج: 4/ 377.

عالمًا بالفقه، خبيرًا بأصول الفقه، عارفًا بأدلة الأحكام تفصيلا، بصيرًا بمسالك الأقيسة والمعاني، تام الارتياض في التخريج والاستنباط قيمًا بإلحاق ما ليس بمنصوص عليه في مذهب إمامه بأصول مذهبه وقواعده، ولا يعرى عن شوب من التقليد له، لإخلاله ببعض العلوم والأدوات المعتبرة في المستقل. مثل أن يخل بعلم الحديث أو بعلم اللغة العربية، وكثيرًا ما وقع الإخلال بهذين العلمين في أهل الاجتهاد المقيد. ويتخذ نصوص إمامه أصولًا يستنبط منها نحو1 ما يفعله المستقل بنصوص الشارع، وربما مر به الحكم وقد ذكره إمامه بدليله، فيكتفي بذلك "فيه"2 ولا يبحث هل لذلك الدليل من معارض؟ ولا يستوفي النظر في شروطه كما يفعله المستقل، وهذه صفة أصحاب الوجوه والطرق في المذهب. وعلى هذه الصفة كان أئمة أصحابنا، أو أكثرهم، ومن كان هذا شأنه فالعامل بفتياه مقلد لإمامه. لا له3، لأن معوله على صحة إضافة ما يقوله إلى إمامه، لعدم استقلاله بتصحيح نسبته إلى الشارع، والله أعلم. تنبيهات: الأول: الذي رأيته من كلام الأئمة يشعر بأن من كانت هذه حالته ففرض الكفاية لا يتأدى به، ووجهه أن ما فيه من التقليد نقص وخلل في المقصود. وأقول: "إنه"4 يظهر أنه يتأدى به فرض الكفاية في الفتوى، وإن لم يتأد به فرض الكفاية في إحياء العلوم التي منها استمداد الفتوى5، لأنه قد قام في فتواه مقام إمام مطلق، فهو يؤدي عنه ما كان يتأدى به6 الفرض حين كان حيًّا قائمًا بالفرض

_ 1 ساقطة من ج. 2 من ش. 3 "الرد على من أخلد إلى الأرض": 96. 4 من ش. 5 "الرد على من أخلد إلى الأرض": "36، 38، 97" اقتبس كلام ابن الصلاح وسمى كتابه "أدب الفتيا"، وكذا نقل كلام ابن الصلاح صاحب "الإبهاج في شرح المنهاج" 3/ 256. 6 سقطت من ف وج.

فيها. والتفريع على الصحيح في أن تقليد الميت جائز1. الثاني: قد يوجد من المجتهد المقيد الاستقلال بالاجتهاد والفتوى في مسألة خاصة، أو باب خاص2، كما تقدم في النوع الذي قبله، والله أعلم. الثالث: يجوز له أن يفتي فيما لا يجده من أحكام الوقائع منصوصًا عليه لإمامه بما يخرجه على مذهبه، هذا هو الصحيح الذي عليه العمل، وإليه مفزع المفتين من مدد مديدة، فالمجتهد في مذهب الشافعي مثلا، المحيط بقواعده مذهبه، المتدرب في مقاييسه وسبل تصرفاته، متنزل كما قدمنا ذكره في الإلحاق بمنصوصاته وقواعد مذهبه منزلة المجتهد المستقل في إلحاقه ما لم ينص عليه الشارع بما نص عليه، وهذا أقدر على هذا من ذاك3 على ذاك4، فإن هذا يجد في مذهب إمامه من القواعد الممهدة، والضوابط المهذبة ما لا يجده المستقل في أصل الشرع ونصوصه، ثم إن هذا5 المستفتي فيما يفتيه به من تخريجه هذا مقلد لإمامه، لا له. قطع بهذا الشيخ أبو المعالي ابن الجويني في كتابه "الغياثي"6. وأنا أقوال: ينبغي أن يخرج هذا على خلاف حكاه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي7: في أن ما يخرجه أصحابنا رحمهم الله على مذهب الشافعي رضي الله

_ 1 انظر "إعلام الموقعين": 4/ 215، و"المحصول" للرازي: "2/ 3/ 97- 98"، المعتمد: 2/ 360. 2 المجموع: 1/ 77، وانظر مجموع الفتاوى الكبرى: 20/ 204، إعلام الموقعين: 4/ 216. 3 و4 في ف وج "ذلك". 5 سقطت من ش. 6 انظر الغياثي: 426. 7 هو "أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروزآبادي صاحب "التبصرة" و"التنبيه" و"المهذب" في الفقه. وغير ذلك قال السبكي: هو الشيخ الإمام شيخ الإسلام، صاحب التصانيف التي سارت كمسير الشمس، ودارت الدنيا ... توفي سنة ست وسبعين وأربعمائة"، ترجمته في: تبيين كذب المفتري: 276، البداية والنهاية: 12/ 124، العبر: 3/ 283، طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 215.

عنه هل يجوز أن ينسب إليه؟ واختار الشيخ أبو إسحاق: أنه لا يجوز أن ينسب إليه1. والله أعلم. الرابع: تخريجه تارة يكون من نص معين لإمامه في مسألة معينة، وتارة لا يجد لإمامه نصًّا معينًا يخرج منه "فيخرج"2 على وفق أصوله، بأن يجد دليلا من جنس ما يحتج به إمامه وعلى3 شرطه، فيفتي بموجبه، ثم إن وقع النوع الأول من التخريج في صورة فيها نص لإمامه مخرجًا خلاف نصه فيها من نص آخر في صورة أخرى، سمي قولا مخرجًا4، وإذا وقع النوع الثاني في صورة قد قال فيها بعض الأصحاب غير ذلك سمي ذلك وجهًا. ويقال: فيها وجهان. وشرط التخريج المذكور عند اختلاف النصين، أن لا يجد بين المسألتين فارقًا، ولا حاجة في مثل ذلك إلى علة جامعة، وهو من قبيل إلحاق الأمة بالعبد في5 قوله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شركً ا 6 له في عبد قوم عليه" 7.

_ 1 التبصرة في أصول الفقه لأبي إسحاق الشيرازي: 517، اللمع: 133، ونقل النووي هذه الفقرة عن ابن الصلاح في المجموع: 1/ 78، وانظر: الشربيني في مغني المحتاج: 1/ 12، والرملي في النهاية: 1/ 43، وإعلام الموقعين: 4/ 215. 2 من ف وج وش وفي الأصل: "مخرج". 3 في ف وج "على". 4 في المسودة: "532، 533": "وأما الأوجه فأقوال الأصحاب وتخريجهم إن كانت مأخوذة من قواعد الإمام أحمد أو إيمانه أو دليله أو تعليقه أو سياق كلامه". والتخريج: هو نقل حكم مسألة إلى ما يشبهها والتسوية بينهما فيه. 5 في ف وج "لقوله". 6 "أي حصة ونصيبًا"، النهاية: 2/ 467. 7 رواه البخاري: 5/ 32 في الشركة، باب تقويم الأشياء بين الشركاء، باب الشركة في الرفيق، وفي العتق، باب إذا أعتق عبدًا أو عبدين بين اثنين أو أمة بين الشركاء، وباب كراهة التطاول على الرقيق، الأحاديث: "2491، 2503، 2521، 2522، 2523، 2525"، ومسلم في الأيمان، باب من أعتق شركًا له في عبد حديث رقم: "1501"، وأبو داود في العتق، باب فيمن روى أن لا يستسعي، الأحاديث "3940-3947"، والترمذي في الأحكام، باب ما جاء في العبد يكون بين الرجلين فينفق أحدهما نصيبه، الأحاديث: "1346، 1347"، والنسائي: 7/ 319 في البيوع، باب الشركة بغير مال، وباب الشركة في الرقيق، ومالك في الموطأ: 2/ 772 في العتق، باب من أعتق شركًا له في مملوك من رواية "عبد الله بن عمر رضي الله عنهما"، وانظر نيل الأوطار: 6/ 207.

ومهما أمكنه الفرق بين المسألتين لم يجز له على الأصح التخريج، ولزمه1 تقرير النصين على ظاهرهما معتمدًا على الفارق، وكثيرًا ما يختلفون في القول بالتخريج في مثل ذلك لاختلافهم في إمكان الفرق2، والله أعلم. الحالثة الثالثة3: أن لا يبلغ رتبة أئمة المذهب أصحاب الوجوه والطرق، غير أنه فقيه النفس4 حافظ لمذهب إمامه، عارف5 بأدلته، قائم بتقريرها، وبنصرته، يصور، ويحرر، ويمهد، ويقرر، ويزيف، ويرجح، لكنه قصر عن درجة أولئك، إما لكونه لم يبلغ في حفظ المذهب مبلغهم، وإما لكونه لم يرتضي في التخريج والاستنباط كارتياضهم، وإما لكونه غير متبحر في علم أصول الفقه على أنه لا يخلو مثله في ضمن ما يحفظه من الفقه ويعرفه من أداته6، على أطراف من قواعد أصول الفقه، وإما لكونه مقصرًا في غير ذلك من العلوم التي هي أدوات الاجتهاد الحاصل لأصحاب الوجوه والطرق. وهذه صفة كثير من المتأخرين إلى أواخر المائة الخامسة7 من الهجرة المصنفين الذين رتبوا المذهب وحرروه وصنفوا فيه تصانيف بها معظم اشتغال الناس اليوم، ولم يلحقوا بأرباب الحالة الثانية في تخريج الوجوه، وتمهيد الطرق في المذهب.

_ 1 في ج "فلزمه" وطمست في ف. 2 نقل الإمام النووي هذه الفقرة عن ابن الصلاح رحمه الله تعالى في المجموع: 1/ 78. وانظر التبصرة: 516، وجمع الجوامع: 2/ 38. 3 "الرد على ... " السيوطي: 97. 4 فقه النفس: هو استعداد فطري يؤهله للاجتهاد. قال إمام الحرمين في البرهان: 2/ 1332 فقرة "1490": ثم يشترط "أي للمفتي والمجتهد" وراء ذلك كله فقه النفس فهو رأس مال المجتهد، ولا يتأتى كسبه، فإن حيل على ذلك فهو المراد، وإلا فلا يتأتى تحصيله بحفظ الكتب. 5 في ف وج "عارفًا". 6 في ف وج "أدلة" وفي ش "أدلته". 7 في المجموع: 1/ 79 "الرابعة" وانظر "الإحكام": 2/ 172، و"مسلم الثبوت": 2/ 399، و"جمع الجوامع": 2/ 398.

وأما في فتاويهم فقد كانوا يتبسطون فيها كتبسيط أولئك، أو قريبًا منه، ويقيسون غير المنقول والمسطور على المنقول والمسطور في المذهب غير "مقتصرين"1 في ذلك على القياس الجلي2، وقياس لا فارق، الذي هو نحو قياس الأمة على العبد في إعتاق الشريك، وقياس المرأة على الرجل في رجوع البائع إلى عين ماله عند تعذر الثمن. وفيهم من جمعت فتاويه وأفردت بالتدوين، ولا يبلغ في التحاقها بالمذهب مبلغ فتاوى أصحاب الوجوه، ولا تقوى كقوتها3، والله أعلم. الحالة الرابعة4: أن يقوم بحفظ المذهب ونقله5، وفهمه في واضحات المسائل ومشكلاتها، غير أن عنده ضعفًا في تقرير أدلته وتحرير أقيسته، فهذا يعتمد نقله وفتواه به فيما يحكيه من مسطورات مذهبه من منصوصات إمامه وتفريعات أصحابه6 المجتهدين في مذهبه وتخريجاتهم، وأما ما لا يجده منقولا في مذهبه، فإن وجد في المنقول ما هذا في معناه بحيث يدرك من غير فضل فكر وتأمل أنه لا

_ 1 من ف وج وش وفي الأصل "المقتصرين". 2 قال الآمدي في الإحكام: 4/ 3 "القياس الجلي: ما كانت العلة فيه منصوصة، أو غير منصوصة غير أن الفارق بين الأصل والفرع مقطوع بنفي تأثيره. فالأول: كإلحاق تحريم ضرب الوالدين بتحريم التأفيف بهما لعلة كف الأذى عنهما. والثاني: كإلحاق الأمة بالعبد في تقويم النصيب، حيث عرفنا أنه لا فارق بينهما سوى الذكورة في الأصل، والأنوثة في الفرع، وعلمنا عدم التفات الشارع إلى ذلك في أحكام العتق خاصة". "وأما الخفي: فما كانت العلة فيه مستنبطة من حكم الأصل، كقياس القتل بالمثقل على المحدد ونحوه". 3 نقل الإمام النووي عن ابن الصلاح هذه الفقرة بشيء من التصرف "المجموع": 1/ 79, والسيوطي في الاجتهاد: 97. 4 اقتبس السيوطي في كتابه "الرد على من أخلد": 97 هذه الحالة عن ابن الصلاح وسمى الكتاب "آداب الفتيا"، المجموع: 1/ 79، صفة الفتوى: 23. 5 من ف وج وش، وكذا في الرد للسيوطي: 97، وفي الأصل: "في نقله". 6 في ف وج "أصحاب".

فارق بينهما، كما في الأمة بالنسبة إلى العبد المنصوص عليه في إعتاق الشريك، جاز له إلحاقه به والفتوى به. وكذلك ما يعم اندراجه تحت ضابط منقول ممهد في المذهب، وما لم يكن كذلك فعليه الإمساك عن الفتيا فيه. ومثل هذا يقع نادرًا1 في حق2 مثل الفقيه المذكور، إذ يبعد كما ذكر الإمام أبو المعالي ابن الجويني3: أن تقع واقعة لم ينص على حكمها في المذهب، ولا هي في معنى شيء من4 المنصوص عليه فيه من غير فرق، ولا هي مندرجة تحت شيء من5 ضوابط المذهب المحررة فيه، ثم إن هذا الفقيه لا يكون إلا فقيه النفس، لأن تصوير المسائل على وجهها، ثم نقل أحكامها بعد استتمام تصويرها جلياتها6 وخفياتها7 لا يقوم إلا فقيه النفس، ذو حظ من الفقه8. قلت: وينبغي أن يكتفى في حفظ المذهب في هذه الحالة، وفي الحالة التي قبلها، بأن يكون المعظم على مد9 ذهنه، ويكون لدربته متمكنًا من الوقوف على الباقي بالمطالعة، أو ما يلتحق بها على القرب كما اكتفينا في أقسام الاجتهاد الثلاثة الأول، بأن يكون المعظم على ذهنه، "ويتمكن"10 من إدراك الباقي بالاجتهاد11 على القرب12.

_ 1 في ف وج "ناديًا". 2 سقطت من ف وج. 3 انظر الغياثي: "423-424". 4 في ف وج "في". 5 في ش: "من المنصوص ضوابط". 6 في ف وج "جليانها". 7 في ف وج "خفيانها". 8 انظر الغياثي: 424. 9 سقطت من ف وج وش. 10 من ف وج وش وفي الأصل: "وتمكن". 11 في ش "الباقي على القرب الاجتهاد". 12 اقتبس الإمام النووي هذه الفقرة عن ابن الصلاح في المجموع: 1/ 79، صفة الفتوى: 23.

هذه1 أصناف المفتين وشروطهم، وهي خمسة، وما من صنف منها إلا ويشترط فيه: حفظ المذهب، وفقه النفس وذلك فيما عدا الصنف الأخير الذي هو2 بعض ما يشترط في هذا القبيل. فمن انتصب في منصب الفتيا وتصدى لها وليس على صفة واحدة2 من هذه الأصناف الخمسة، فقد باء بأمر عظيم، {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُون, لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} 4، ومن أراد التصدي للفتيا ظانًّا كونه من أهلها فليتهم نفسه، وليتق ربه تبارك وتعالى، ولا يخدعن عن الأخذ بالوثيقة لنفسه والنظر لها. ولقد قطع الإمام أبو المعالي، وغيره: بأن الأصولي الماهر المتصرف في الفقه لا تحل له الفتوى بمجرد ذلك5، ولو وقعت له في نفسه واقعة لزمه أن يستفتي غيره فيها. ويلتحق به المتصرف النظار البحاث في الفقه من أئمة الخلاف، وفحول المناظرين. وهذا لأنه ليس أهلا لإدراك حكم الواقعة استقلالا لقصور آلته، ولا من مذهب إمام متقدم لعدم حفظه له وعدم إطلاعه عليه على الوجه المعتبر6، والله أعلم. تنبيهات: الأول: قطع الإمام العلامة أبو عبد الله الحليمي7 إمام الشافعيين بما وراء

_ 1 في ف وج "وهذه". 2 في النسخ كلمة غير مفهومة تقرب من "أخسها" أو "اجتنبها". 3 في ش "واحد". 4 سورة المطففين آية "5 و6". 5 انظر رأي إمام الحرمين في البرهان: "1/ 685-686" فقرات "632، 633"، وذكر الآمدي فيه خلافًا انظر الإحكام: 1/ 288. 6 المجموع: 1/ 79، صفة الفتوى: "24-25". 7 هو "الشيخ الإمام أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم الحليمي. قال الحاكم: أوحد الشافعيين بما وراء النهر، وأنظرهم بعد أستاذيه أبي بكر القفال، وأبي بكر الأودني. توفي سنة ثلاث وأربعمائة"، ترجمته في البداية والنهاية: 11/ 349، العبر: 3/ 84، طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 333، المنتظم: 7/ 264.

النهر، والقاضي أبو المحاسن1 الروياني، صاحب "بحر المذهب"2، وغيرهما: بأنه لا يجوز للمقلد أن يفتي بما هو مقلد فيه3. وذكر الشيخ أبو محمد الجويني في "شرحه لرسالة الشافعي": عن شيخه أبي بكر القفال المروزي4: أنه يجوز لمن حفظ5 مذهب صاحب مذهب ونصوصه، أن يفتي به وإن لم يكن عارفًا بغوامضه وحقائقه. وخالفه الشيخ أبو محمد، وقال: لا يجوز أن يفتي بمذهب غيره إذا6 لم يكن متبحرًا فيه، عالمًا بغوامضه وحقائقه، كما لا يجوز للعامي الذي جمع فتاوى المفتين أن يفتي بها، وإذا كان متبحرًا فيه جاز أن يفتي به.

_ 1 هو "الإمام الجليل أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني: بضم الراء وسكون الواو، والفقهاء يهمزون الرياني، والمعروف أنه بغير همز، من قرى طبرستان. قال فيه القاضي أبو محمد الجرجاني: نادرة العصر، إمام في الفقه، توفي سنة اثنتين وخمسمائة". ترجمته في المنتظم: 9/ 160، معجم البلدان: 2/ 873، البداية والنهاية: 12/ 170، طبقات الشافعية الكبرى: 7/ 193، العبر: 4/ 4. 2 قال ابن كثير في البداية والنهاية: 12/ 170، وهو حافل كامل شامل للغرائب وغيرها، وفي المثل: حدث عن البحر ولا حرج". 3 انظر المعتمد: "2/ 359-360"، الإبهاج في شرح المنهاج: 3/ 268، صفة الفتوى لابن حمدان: 25، إعلام الموقعين: "1/ 46، 4/ 194"، إرشاد الفحول: 296. 4 هو "الإمام الزاهد أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله، يعرف بالقفال الصغير المروزي. قال السبكي: شيخ الخراسانيين، وليس هو القفال الكبير، هذا أكثر ذكرًا في الكتب، أي كتب الفقه، لا يذكر غالبًا إلا مطلقًا، وذاك إذا أطلق قيد بالشاشي، وقال ابن ناصر العمري: لم يكن في زمان أبي بكر القفال أفقه منه، ولا يكون بعده مثله، وكنا نقول: إنه ملك في صورة إنسان، توفي سنة سبع عشرة وأربعمائة"، ترجمته في المختصر في أخبار البشر: 2/ 163، العبر: 3/ 124، طبقات الشافعية الكبرى: 5/ 53. 5 نقل الإمام ابن القيم هذه الفقرة عن ابن الصلاح في إعلام الموقعين: 4/ 195 وجاء فيها "لمن حفظ كلام صاحب مذهب". 6 في ف وج "إذ".

قلت1: قول من قال: لا يجوز أن يفتي بذلك، معناه أنه لا يذكره في صورة ما يقوله من عند نفسه، بل يضيفه ويحكيه عن إمامه الذي قلده، فعلى هذا من عددناه في أصناف المفتين من المقلدين ليسوا2 على الحقيقة من المفتين، ولكنهم قاموا مقام المفتين وأدوا3 عنهم فعدوا معهم، وسبيلهم في ذلك أن يقولوا4 مثلا: مذهب الشافعي كذا وكذا، ومقتضى مذهبه كذا وكذا، وما أشبه ذلك، ومن ترك منهم5 إضافة ذلك إلى إمامه إن كان ذلك "منه"6 اكتفاء بالمعلوم من الحال عن التصريح بالمقال فلا بأس7. وذكر الماوردي في كتابه "الحاوي": في العامي إذا عرف حكم حادثة بناء على دليلها ثلاثة أوجه: أحدها: أنه يجوز أن يفتي به، ويجوز تقليده فيه، لأنه قد وصل إلى العلم به، مثل وصول العالم إليه. والثاني: يجوز ذلك إن كان دليلها من الكتاب أو8 السنة. والثالث: وهو أصحها أنه لا يجوز ذلك مطلقًا9.

_ 1 في ش: "قال المصنف رضي الله عنه: قول ... ". 2 في الأصل: "من ليسوا". 3 في إعلام الموقعين: 4/ 195 "وادعوا". 4 في ف وج: "يقول". 5 سقطت من ف وج. 6 من ف وج وش وفي الأصل "منهم". وفي إعلام الموقعين: 4/ 195 "كان ذلك اكتفاء منه". 7 نقل الإمام ابن قيم الجوزية كلام ابن الصلاح هذا بنصه في "إعلام الموقعين" "4/ 195-196". وقال: "قلت: ما ذكره أبو عمرو حسن إلا أن صاحب هذه المرتبة يحرم عليه أن يقول: "مذهب الشافعي" لما لا يعلم أنه نصه الذي أفتى به، أو يكون شهرته بين أهل المذهب شهرة لا يحتاج معها إلى الوقوف على نصه، كشهرة مذهبه في الجهر بالبسملة ... وأما قول الشيخ أبي عمرو: إن لهذا المفتي أن يقول: هذا مقتضى مذهب الشافعي مثلا، فلعمر الله لا يقبل ذلك من كل من نصب نفسه للفتيا حتى يكون عالمًا بمأخذ صاحب المذهب ومداركه وقواعده جمعًا وفرقًا ... ". 8 في ف وج "والسنة". 9 المجموع: 1/ 80.

قلت1: وليس فيما ذكره حكاية خلاف في جواز فتيا المقلد وتقليده، لأن فيما ذكره من توجيه وجه الجواز تشبيهًا2 بأن العامي لا يبقى مقلدًا في حكم تلك الحادثة، والله أعلم. الثاني: إن قلت: من تفقه وقرأ كتابًا من كتب المذهب، أو أكثر3، وهو مع ذلك قاصر لم يتصف بصفة أحد من "أصناف"4 المفتين الذين سبق ذكرهم، فإذا لم يجد العامي في بلده غيره فرجوعه إليه أولى من أن يبقى في واقعته مرتبكًا في حيرته. قلت: إن كان في غيره بلده مفت يجد السبيل إلى استفتائه فعليه التوصل إلى استفتائه بحسب إمكانه، على أن بعض أصحابنا، ذكر أنه إذا شغرت البلدة عن المفتين فلا يحل المقام فيها، وإن تعذر ذلك عليه ذكر مسألته للقاصر المذكور، فإن وجد مسألته بعينها مسطورة في كتاب موثوق بصحته، وهو ممن يقبل خبره، نقل له حكمها بنصه، وكان العامي في ذلك مقلدًا لصاحب المذهب5، وهذا وجدته في ضمن كلام بعضهم، والدليل يعضده، ثم لا يعد هذا القاصر بأمثال ذلك من المفتين، ولا من الأصناف المذكورة المستعار لهم سمة المفتين، وإن لم يجد مسألته بعينها ونصها مسطورة فلا سبيل له إلى القول فياه قياسًا على ما عنده من المسطورة، وإن اعتقده من قبيل قياس لا فارق الذي هو نحو قياس الأمة على العبد في سراية العتق، لأن القاصر معرض لأن يعتقد ما ليس من هذا القبيل داخلا في هذا القبيل، وإنما استتب إلحاق الأمة بالعبد في سراية العتق في حق من عرف مصادر الشرع وموارده في أحكام العتق بحيث استبان له أنه لا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى، والله أعلم.

_ 1 في ش: "قال المصنف رضي الله عنه". 2 في ف وج كأنها "تشبثًا" أو "تشبيهًا". 3 في ف: "أكبر". 4 من ف وج وش. 5 انظر "المحصول": "2/ 3/ 99-100", و"شرح عقود رسم المفتي" لابن عابدين: 13, المجموع: 1/ 80.

الثالث: إذا لم يجد صاحب الواقعة مفتيًا ولا أحدًا ينقل له حكم واقعته، لا في بلده ولا في غيره فماذا يصنع؟ قلت: هذه مسألة فترة الشريعة الأصولية1، والسبيل في ذلك كالسبيل فيما قبل ورود الشرائع، والصحيح في كل2 ذلك القول بانتفاء التكليف عن العبد، فإنه3 لا يثبت في حقه حكم، لا إيجاب، ولا تحريم، ولا غير ذلك، فلا يؤاخذ إذن صاحب الواقعة بأي شيء صنعه فيها، وهذا مع تقرره4 بالدليل المعنوي الأصولي، يشهد له حديث حذيفة5 بن "اليمان"6 رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما صيام، ولا صلاة، ولا نسك، ولا صدقة، ويسرى على كتاب الله تعالى في ليلة, فلا7 يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس، الشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله8، فنحن نقولها". فقال صلة بن زفر9، لحذيفة: "فما تغني عنهم لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة، ولا

_ 1 انظر البرهان: "ص1348-1350"، الغياثي: "ص429"، الإحكام للآمدي: 4/ 312، مختصر ابن الحاجب: 2/ 307، التحرير لابن الهمام: 4/ 240، جمع الجوامع لابن السبكي: 2/ 398، مسلم الثبوت: 2/ 399 فصول البدائع: 2/ 430، إعلام الموقعين: "4/ 219-220"، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لعبد القادر بن بدران: 386. 2 سقطت من ف وج. 3 في ف وج "وأنه". 4 في ش "تقريره". 5 هو "حذيفة بن اليمان، واسم اليمان: حسيل مصغرًا، ويقال: حسل: بكسر ثم سكون, العبسي بالموحدة، حليف الأنصار، صحابي جليل من السابقين، صح في مسلم عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه بما كان، وما يكون إلى أن تقوم الساعة، وأبوه صحابي أيضًا، استشهد بأحد، ومات حذيفة في أول خلافة علي سنة ست وثلاثين"، التقريب: 1/ 156. 6 في الأصل: "اليان"، وفي ف "اليماني". 7 في ف وج "لا يبقى". 8 في ش "إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة فنحن نقولها". 9 "صلة: بكسر أوله وفتح اللام الخفيفة، ابن زفر: بضم الزاي، وفتح الفاء، العبسي، بالموحدة، أبو العلاء، وأبو بكر الكوفي، تابعي كبير, ثقة جليل، مات في حدود السبعين". التقريب: 1/ 370، تهذيب التهذيب: 4/ 437.

صيام ولا نسك، ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة، فردها1 عليه ثلاثًا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: يا صلة! تنجيهم من النار، تنجيهم من النار"2، رواه أبو عبد الله ابن ماجه في "سننه". والحاكم أبو عبد الله الحافظ في "صحيحه". وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه3. والله أعلم4.

_ 1 في ش "فردها". 2 رواه ابن ماجه: "2/ 1344-1345" في الفتن، باب ذهاب القرآن والعلم، حديث رقم: "4049"، وفي الزوائد: "إسناده صحيح، رجاله ثقات" سنن ابن ماجه: 2/ 1345. وأخرجه الحاكم في المستدرك: 4/ 473. 3 وسكت عنه الذهبي. 4 سقطت من ج.

القول في أحكام المفتين

القول في أحكام المفتين: وفيه مسائل: الأولى: لا يشترط في المفتي الحرية، والذكورة، كما في الراوي، وينبغي أن يكون كالراوي أيضًا في أنه لا تؤثر فيه القرابة والعداوة، وجر النفع، ودفع الضرر، لأن المفتي في حكم من يخبر عن الشرع بما لا اختصاص له بشخص. فكان في ذلك كالراوي، لا كالشاهد، وفتواه لا يرتبط بها إلزام بخلاف، القاضي1، ووجدت عن القاضي الماوردي فيما جاوب به القاضي أبا الطيب الطبري2 عن رده عليه في

_ 1 اقتبس الإمام النووي رحمه الله تعالى كلام ابن الصلاح هذا بنصه في المجموع: 1/ 75. 2 هو "الإمام القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن عمر الطبري. قال الخطيب: كان أبو الطيب ورعًا، عارفًا بالأصول والفروع، محققًا حسن الخلق، صحيح المذهب. وقال السبكي: فإذا أطلق الشيخ أبو إسحاق وشبهه من العراقيين لفظ القاضي مطلقًا في فن الفقه فإياه يعنون، كما أن إمام الحرمين وغيره، من الخراسانيين يعنون بالقاضي القاضي الحسين، والأشعرية في الأصول يعنون القاضي أبا بكر بن الطيب الباقلاني، والمعتزلة يعنون عبد الجبار الأسد أباذي. توفي سنة خمسين وأربعمائة"، ترجمته في: تاريخ بغداد: 9/ 358، تهذيب الأسماء واللغات: 2/ 247، العبر: 3/ 222، طبقات الشافعية الكبرى: 5/ 12.

فتواه: بالمنع عن التلقيب بملك الملوك. ما معناه: إن المفتي إذا نابذ في فتواه شخصًا معينًا صار خصمًا معاندًا ترد فتواه على من1 عاداه، كما ترد شهادته2. ولا بأس بأن يكون المفتي أعمى، أو أخرس مفهوم الإشارة أو كاتبًا، والله أعلم. الثانية: لا تصح فتيا الفاسق، وإن كان مجتهدًا مستقلا، غير أنه لو وقعت له في نفسه واقعة عمل فيها باجتهاد نفسه ولم يستفت غيره3. وأما المستور: وهو من كان ظاهره العدالة ولم تعرف عدالته الباطنية ففي وجه لا تجوز فتياه كالشهادة، والأطهر أنها تجوز لأن العدالة الباطنة4 تعسر5 معرفتها على غير الحكام6 ففي اشتراطها في المفتين حرج على المستفتين، والله أعلم. الثالثة: من كان من أهل الفتيا قاضيًا فهو فيها كغيره7. وبلغنا عن أبي بكر ابن المنذر8 أنه يكره للقضاة أن تفتي في مسائل الأحكام دون ما لا مجرى لأحكام

_ 1 في ش: "على ذلك من عاداه". 2 اقتبس النووي نص كلام ابن الصلاح هذا في المجموع: 1/ 75. 3 المجموع: 1/ 76، وانظر: المستصفى للغزالي: 2/ 350، إعلام الموقعين: 4/ 220، جمع الجوامع لابن السبكي وشرحه للجلال، وحاشية البناني: 2/ 385، مسلم الثبوت للبهاري: 2/ 463. 4 في ف وج: "الباطنية". 5 في ف "يعسر". 6 في ف "الحاكم". 7 انظر: "الإحكام للإمام القرافي: "29-42"، و"الفروق" للقرافي: "2/ 104-106، 4/ 53-54" و"إعلام الموقعين": 4/ 220. 8 هو "الإمام أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري قال الذهبي: كان على نهاية من معرفة الحديث والاختلاف، وكان مجتهدًا، لا يقلد أحدًا، قال ابن العماد: توفي سنة ثمان عشرة وثلاثمائة". ترجمته في: تذكرة الحفاظ: 3/ 4، طبقات الشافعية الكبرى: 3/ 102، شذرات الذهب: 2/ 280.

القضاء فيه، كمسائل الطهارة، والعبادات. وقال: قال شريح1: "أنا أقضي ولا أفتي"2. ووجدت في بعض "تعاليق الشيخ أبي حامد3 الإسفراييني"4: أن له أن يفتي في العبادات، وما لا يتعلق به الحكم. وأما فتياه في5 الأحكام فلأصحابنا فيه جوابان: أحدهما: ليس له أن يفتي فيهما، لأن لكلام الناس عليه مجالا، ولأحد الخصمين عليه مقالا. والثاني: له ذلك، لأنه أهل لذلك6، والله أعلم. الرابعة: إذا7 استفتي المفتي وليس في الناحية غيره تعين عليه الجواب، وإن كان في الناحية غيره، فإن حضر هو وغيره واستفتيا معًا فالجواب عليهما على الكفاية،

_ 1 هو "شريح بن الحارث بن قيس الكوفي النخعي القاضي، أبو أمية، مخضرم، ثقة، وقيل: له صحبة، مات قبل الثمانين أو بعدها، وله مائة وثمان سنين، أو أكثر، قال بعضهم: حكم سبعين سنة"، التقريب: 1/ 349، وأخباره في أخبار القضاة لوكيع: "2/ 189-402"، طبقات بن سعد: 6/ 131، تهذيب الكمال: 576. 2 طبقات ابن سعد: 6/ 138، المجموع: 1/ 76، صفة الفتوى: 29. 3 هو "الشيخ أبو حامد أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني. قال الخطيب: سمعت من يذكر أنه كان يحضر مجلسه سبعمائة متفقه، وكان الناس يقولون: لو رآه الشافعي لفرح به: توفي سنة ست وأربعمائة". ترجمته في: تاريخ بغداد: 4/ 368، البداية والنهاية: 12/ 2 طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 61، شذرات الذهب: 3/ 178. 4 نقل السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: "4/ 68، 69، 70، 71، 72" نماذج من "تعليقة" أبي حامد الإسفراييني. وقال: 4/ 68" وقفت على أكثر "تعليقة" الشيخ أبي حامد بخط سليم الرازي، وهي الموقوفة بخزانة المدرسة الناصرية، بدمشق، والتي علقها البندنيجي عنه، ونسخ أخر منها ... ". 5 سقطت من ج. 6 نقل الإمام النووي هذه الفقرة عن ابن الصلاح في المجموع: 1/ 76، إعلام الموقعين: 4/ 221. 7 في ج "لو".

وإن لم يحضر غيره فعند الحليمي: تعين عليه بسؤاله جوابه، وليس له أن يحيله على غيره. والأظهر أنه لا يتعين عليه بذلك، وقد سبقت روايتنا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال: "أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة، فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول". وإذا سأل العامي عن مسألة لم تقع لم تجب مجاوبته1، والله أعلم. الخامسة: إذا أفتى بشيء ثم رجع عنه، نظرت فإن أعلم2 المستفتي برجوعه ولم يكن عمل بالأول بعد لم يجز له العمل به، وكذلك لو نكح بفتواه أو استمر على نكاح, ثم رجع لزمه مفارقتها. كما لو تغير اجتهاد من قلده في القبلة في أثناء صلاته3، فإنه يتحول، وإن كان المستفتي قد عمل به قبل رجوعه، فإن كان خالفًا لدليل قاطع لزم المستفتي نقض عمله ذلك، وإن كان في محل الاجتهاد لم يلزمه نقضه4. قلت5: وإذا كان المفتي إنما يفتي على مذهب إمام معين فإذا رجع لكونه

_ 1 صفة الفتوى: 30، إعلام الموقعين: 4/ 221. وفي سن الدارمي: 1/ 50 " ... جاء رجل يومًا إلى ابن عمر فسأله عن شيء لا أدري ما هو فقال له ابن عمر لا تسأل عما لم يكن، فإني سمعت عمر بن الخطاب يلعن من سأل عما لم يكن"، والآثار في ذلك كثيرة انظر سنن الدارمي: "1/ 50-51". 2 كتبت في الأصل "أعلم" غير أن الألف لم تكتب بصورة واضحة، وفي ف وج "أعلم" الألف واضحة. 3 في الأصل: "صلوته" وفي ش "الصلاة". 4 انظر صفة الفتوى والمفتي: "30-31", إعلام الموقعين: 4/ 244 وللاطلاع على الآراء في نقض الاجتهاد راجع: المستصفى: 2/ 382، المحصول: "2/ 3/ 9190"، الإحكام للآمدي: 4/ 203، شرح مختصر ابن الحاجب: 2/ 300، وفصول البدائع: 2/ 428، شرح جمع الجوامع بحاشية البناني: 2/ 391، المدخل لمذهب الإمام أحمد: 190، تيسير التحرير: 4/ 34". 5 في ش: "قال المصنف رضي الله عنه".

بان له قطعًا أنه خالف في فتواه نص مذهب إمامه، فإنه يجب نقضه، وإن كان ذلك في محل الاجتهاد، لأن نص مذهب إمامه في حقه كنص الشارع في حق المفتي المجتهد المستقل1، على ما سبق تأصيله. وأما إذا لم يعلم المستفتي برجوعه فحال المستفتي في عمله به2 على ما كان، ويلزم المفتي إعلامه برجوعه قبل العمل، وكذا بعد العمل حيث يجب النقض. ولقد أحسن الحسن بن زياد اللؤلؤي3، صاحب أبي حنيفة فيما بلغنا عنه: "أنه استفتي في مسألة فأخطأ فيها ولم يعرف الذي أفتاه، فاكترى مناديًا فنادى: إن الحسن بن زياد استفتى يوم كذا وكذا في مسألة فأخطأ، فمن كان أفتاه الحسن بن زياد بشيء فليرجع إليه. فلبث أيامًا لا يفتي حتى وجد صاحب الفتوى فأعلمه: أنه أخطأ، وإن الصواب، كذا وكذا"4. والله أعلم. السادسة: إذا عمل المستفتي بفتيا المفتي في إتلاف، ثم بان خطأه، وأنه

_ 1 اقتبس ابن حمدان في "صفة الفتوى": "30-31" كلام ابن الصلاح هذا. وكذا ابن القيم في "إعلام الموقعين": "4/ 232". وقال: "أما قول أبي عمرو بن الصلاح، وأبي عبد الله بن حمدان من أصحابنا -ونقل نص كلام ابن الصلاح- فليس كما قالا، ولم ينص على هذه المسألة أحد من الأئمة، ولا تقتضيها أصول الشريعة، ولو كان نص إمامه بمنزلة نص الشارع لحرم عليه وعلى غيره مخالفته، وفسق بخلافه. ولم يوجب أحد من الأئمة نقض حكم الحاكم ولا إبطال فتوى المفتي بكونه خلاف قول زيد أو عمرو، ولا سوغ النقض بذلك من الأئمة والمتقدمين من أتباعهم ... ". انظر الرد بطوله في "إعلام الموقعين": "4/ 223-224". 2 سقطت من ف وج. 3 هو "الحسن بن زياد اللؤلؤي، صاحب الإمام أبي حنيفة قال يحيى بن آدم: ما رأيت أفقه من الحسن بن زياد. وهو ضعيف في الحديث. توفي سنة أربع ومائتين" ترجمته في تاريخ يحيى بن معين: 3/ 363، الضعفاء والمتروكين للدارقطني الترجمة: "187"، تاريخ بغداد: 7/ 314، الجواهر المضية: 2/ 56. 4 الفقيه والمتفقه: 1/ 201، ونقل الإمام النووي في المجموع: 1/ 81 هذه الفقرة عن ابن الصلاح باختصار، وكذا إعلام الموقعين: "4/ 224-225".

خالف فيها القاطع، فعن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني: أنه يضمن إن كان أهلًا للفتوى، ولا يضمن إن لم يكن أهلا، لأن المستفتي قصر، والله أعلم1. السابعة: لا يجوز للمفتي أن يتساهل في الفتوى، ومن عرف بذلك لم يجز أن يستفتي. وذلك "قد"2 يكون بأن لا يثبت ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر، وربما يحمله على ذلك توهمه أن الإسراع براعة، والإبطاء عجز ومنقصة، وذلك جهل، ولئن يبطئ ولا يخطئ أكمل3 به من أن يعجل فيضل ويضل. فإن تقدمت معرفته بما سئل عنه على السؤال فبادر عند السؤال بالجواب فلا بأس عليه، وعلى مثله يحمل ما ورد عن الأئمة الماضين من هذا القبيل. وقد يكون تساهله وانحلاله بأن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحظورة أو الكراهة، والتمسك بالشبه طلبًا "للترخيص"4 على من يروم نفعه، أو التغليظ على من يريد ضره5، ومن فعل ذلك فقد هان عليه دينه، ونسأل الله "تعالى"6 العافية والعفو. وأما إذا صح قصده، فاحتسب في تطلب حيلة لا شبهة فيها. ولا تجر إلى مفسدة ليخلص بها المستفتي من ورطة يمين أو نحوها فذلك حسن جميل يشهد له قول الله "تبارك و"7 تعالى لأيوب8 صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا، لما حلف ليضربن امرأته

_ 1نقل الإمام النووي في المجموع هذه الفقرة عن ابن الصلاح وقال: 1/ 81 "كذا حكاه الشيخ أبو عمرو وسكت عليه، وهو مشكل وينبغي أن يخرج الضمان على قولي الغرور المعروفين في بابي الغصب والنكاح وغيرهما، أو يقطع بعدم الضمان، إذ ليس في الفتوى إلزام ولا إلجاء"، وانظر صفة الفتوى: 31، وإعلام الموقعين: 4/ 225. 2 من ف وج وش. 3 في ف وج "أجمل". 4 كذا في سائر النسخ وفي الأصل "للترخص". 5 المجموع: 1/ 81. 6 من ج وش. 7 من ش. 8 ورد عن ابن عباس قوله: "لا يجوز ذلك لأحد بعد أيوب إلا الأنبياء"، راجع الدر المنثور: 5/ 317. وقال القرطبي في أحكام القرآن: 15/ 213 "وروي عن عطاء أنها لأيوب خاصة". وكذلك روى أبو زيد عن ابن القاسم عن مالك. راجع الأحكام: 2/ 210، وقال سفيان الثوري في تفسيره: 259: "لم يجعل لأحد بعد"، وانظر أحكام القرآن لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن عربي: "4/ 1651-1652".

مائة: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا 1 فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} 2. ورد عن سفيان الثوري3 رضي الله عنه أنه قال: "إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد"4. وهذا خارج على الشرط الذي ذكرناه، فلا يفرحن به من يفتي بالحيل الجارة5 إلى المفاسد، أو بما فيه شبهة بأن يكون في النفس من القول به شيء أو نحو ذلك، وذلك كمن يفتي بالحيلة السريجية6 في سد باب الطلاق، ويعلمها وأمثال ذلك7،

_ 1 الضغث: قبضة ريحان، أو حشيش، أو قضبان، وجمعه أضغاث"، المفردات للراغب الأصبهاني: 297. 2 سورة ص آية: "44". 3 هو "سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، قال الحافظ ابن حجر: ثقة حافظ فقيه، عابد إمام، توفي سنة إحدى وستين ومائة", ترجمته في تاريخ بغداد: 9/ 151، تذكرة الحفاظ 1/ 203، تهذيب التهذيب: 4/ 111، التقريب: 1/ 311. 4 جامع بيان العلم: 2/ 44، المجموع: 1/ 81، صفة الفتوى: 32. 5 في ف وج "الجارة لمن يستفتي بالحيل السريجية إلى المفاسد". 6 سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ما قولكم في العمل "بالسريجية" وهو أن يقول الرجل لامرأته: إذا طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثًا. وهذه المسألة تسمى "مسألة ابن سريج "الجواب: هذه المسألة لم يفت بها أحد من سلف الأمة، ولا أئمتها لا من الصحابة، ولا التابعين، ولا أئمة المذاهب المتبوعين، كأبي حنيفة، ومالك والشافعي، وأحمد، ولا أصحابهم الذين أدركوهم: كأبي يوسف، ومحمد، والمزني، والبويطي ... لم يفت أحد منهم بهذه المسألة، وإنما أفتى بها طائفة من الفقهاء، وأنكر ذلك عليهم جمهور الأمة كأصحاب أبي حنيفة، ومالك، وأحمد، وكثير من أصحاب الشافعي، وكان الغزالي يقول بها، ثم رجع عنها وبين فسادها ... وابن سريج بريء مما نسب إليه فيها قاله الشيخ عز الدين"، انظر مجموع الفتاوى الكبرى: "33/ 242، 243، 244". وطبقات الإسنوي: "2/ 614-615". 7 صفة الفتوى والمفتي: "31- 32" حيث اقتبس كلام ابن الصلاح هذا دون الإشارة إليه، النووي في المجموع: 1/ 81، وانظر إعلام الموقعين: "4/ 222، 229-231". جمع الجوامع: 2/ 400، إرشاد الفحول: 272.

والله أعلم. الثامنة: ليس له أن يفتي في كل حالة تغير خلقه، وتشغل قلبه، وتمنعه من التثبت والتأمل، كحالة الغضب "أو الجوع"1، أو العطش، أو الحزن، أو الفرح الغالب، أو النعاس، أو الملالة، أو المرض، أو الحر المزعج، أو البرد المؤلم، أو مدافعة الأخبثين، وهو أعلم بنفسه، فمهما أحس باشتغال قلبه وخروجه عن حد الاعتدال أمسك عن الفتيا، فإن أفتى في شيء من هذه الأحوال وهو يرى أن ذلك لم يمنعه من إدراك الصواب، صحت فتياه، وإن خاطر بها2. ومن أعجب ذلك ما وجدته بخط بعض أصحاب القاضي الإمام حسين بن محمد3 المروروذي4، عنه: أنه سمع الإمام أبا عاصم العبادي5 يذكر أنه كان عند

_ 1 في الأصل "والجوع". 2 المجموع: 1/ 82، صفة الفتوى: 34، وانظر إعلام الموقعين: 4/ 227. 3 هو "الإمام القاضي أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد المروروذي، قال عبد الغافر في السياق: فقيه خراسان، وقال الرافعي: وكان يقال له حبر الأمة. توفي سنة اثنتين وستين وأربعمائة". ترجمته في وفيات الأعيان: 2/ 134، تهذيب الأسماء واللغات: 1/ 164، طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 356. 4 "بفتح الميم وسكون الراء المهملة، وفتح الواو وتشديد الراء المهملة المضمومة، وبعد الواو ذال معجمة ... مدينة مبنية على نهر وهي أشهر مدن خراسان، بينها وبين مرو الشاهجان أربعون فرسخًا"، وفيات الأعيان: 1/ 69، وانظر الأنساب:12/ 200. 5 هو الإمام القاضي أبو عاصم محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عباد الهروي العبادي صاحب "الزيادات" و"زيادات الزيادات" وغير ذلك. قال أبو سعد الروي: لقد كان أرفع أبناء عصره في غزارة نكت الفقه، والإحاطة بغرائبه عمادًا، وأعلاهم فيه إسنادًا، توفي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة". ترجمته في: وفيات الأعيان: 4/ 214، العبر: 3/ 343، طبقات الشافعية الكبرى:4/ 104.

الأستاذ أبي طاهر وهو الإمام الزيادي1 شيخ خراسان حين احتضر فسئل عن ضمان الدرك2, وكان في النزع، فقال: إن قبض الثمن فيصح، وإن لم يقبض فلا يصح، قال: لأنه بعد قبض الثمن يكون ضمان ما وجب3. والله أعلم. التاسعة: الأولى بالمتصدي للفتوى أن يتبرع بذلك4، ويجوز له أن يرتزق على ذلك من بيت المال، إذا تعين عليه وله كفاية، فظاهر المذهب أنه لا يجوز، وإذا كان له رزق فلا يجوز له أخذ أجرة أصلًا، وإن لم يكن له رزق في بيت المال فليس له أخذ أجرة من أعيان من يفتيه كالحاكم على الأصح. واحتال له الشيخ أبو حاتم القزويني5 في "حِيَلهِ"6، فقال: لو قال

_ 1 هو "الفقيه الشيخ أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش -بفتح الميم بعدها حاء مهملة ساكنة، ثم ميم مكسورة ثم شين معجمة- بن علي بن داود الزيادي. قال السبكي: إمام المحدثين، والفقهاء بنيسابور في زمانه. توفي سنة عشر وأربعمائة"، ترجمته في: العبر: 3/ 103، الوافي بالوفيات: 1/ 271، طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 198، طبقات الإسنوي: 1/ 609, طبقات الشافعية لابن الصلاح: 94أ، شذرات الذهب: 3/ 921، سير أعلام النبلاء: 17/ 276. 2 في المصباح المنير: 229 "الدرك: بفتحتين، وسكون الراء لغة: اسم من أدركت الشيء، ومنه ضمان الدرك". 3 نقل السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 200 كلام ابن الصلاح هذا وسمي الكتاب "أدب الفتيا". وقال: "قلت: وهذا هو الصحيح في المذهب، ولم يرد بحكايته أنه غريب، بل حضور ذهن هذا الأستاذ عند النزع لمسائل الفقه. ولذلك قال ابن الصلاح: إن هذه الحكاية من أعجب ما يحكى". 4 انظر إعلام الموقعين: 4/ 231. 5 هو "أبو حاتم محمود بن الحسن بن محمد بن يوسف القزويني. قال السبكي: له المصنفات الكثيرة، والوجوه المسطورة، ومن مصنفاته "تجريد التجريد" الذي ألفه رفيقه المحاملي. واختلف في وفاته فذكر الشيرازي في طبقاته أنه توفي سنة أربع عشرة أو خمس عشر وأربعمائة، وذكر ابن هداية الله أنه توفي سنة أربعين وأربعمائة، ترجمته في: تبيين كذب المفتري: 260، تهذيب الأسماء واللغات: 2/ 207، طبقات الفقهاء للشيرازي: 130، طبقات ابن هداية الله: "145-146"، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 5/ 312. 6 كذا شكلت في ش. وفي بعض النسخ "حيلة".

للمستفتي: إنما يلزمني أن "أفتيك"1 قولًا، وأما بذل الخط فلا، فإذا استأجره على2 أن يكتب له ذلك كان جائزًا3. وذكر أبو القاسم الصيمري: أنه لو اجتمع أهل البلد على أن جعلوا له رزقًا من أموالهم ليتفرغ لفتاويهم جاز ذلك، وأما الهدية، فقد أطلق السمعاني الكبير أبو المظفر4: أنه يجوز له قبول الهدية، بخلاف الحاكم فإنه يلزم حكمه. قلت5: ينبغي أن يقال: يحرم عليها قبولها إذا كانت رشوة على أن يفتيه بما يريد كما في الحاكم وسائر ما لا يقابل بعوض6. والله أعلم7. العاشرة: لا يجوز له أن يفتي في الأيمان والأقارير، ونحو ذلك مما يتعلق بالألفاظ إلا8 إذا كان من أهل بلد اللافظ بها، أو متنزلا منزلتهم في الخبرة بمراداتهم من ألفاظهم وتعارفهم فيها، لأنه إذا لم يكن كذلك كثر خطؤه عليهم في ذلك كما شهدت به التجربة9، والله أعلم. الحادية عشرة10: لا يجوز لمن كانت فتياه نقلا لمذهب إمامه إذا اعتمد في نقله على الكتب أن يعتمد إلا على كتاب موثوق بصحته، وجاز ذلك كما جاز اعتماد

_ 1 من ف وج وش وفي الأصل: "أقيك". 2 سقطت من ف وج. 3 نقل الإمام ابن القيم كلام ابن الصلاح في "إعلام الموقعين": 4/ 231 وقال 4/ 232: "والصحيح خلاف ذلك، وأنه يلزمه الجواب مجانًا بلفظه وخطه، ولكن لا يلزمه الورق ولا الحبر ... ". 4 هو "الإمام أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن محمد السمعاني طرازه، توفي سنة تسع وثمانين وأربعمائة" ترجمته في: الأنساب: 7/ 139، وفيات الأعيان: 3/ 211، طبقات الشافعية الكبرى: 5/ 335، طبقات ابن هداية الله: 179، شذرات الذهب:3/ 393. 5 في ش: "قال المصنف". 6 المجموع: 1/ 82، صفة الفتوى: 35، وانظر إعلام الموقعين: 4/ 232. 7 سقطت من ج. 8 كررت في ج مرتين. 9 المجموع: 1/ 82، صفة الفتوى: 36، إعلام الموقعين: 4/ 228. 10 في ف وج "عشر".

الراوي على كتابه، واعتماد المستفتي على ما يكتبه المفتي ويحصل له الثقة بما يجده في1 نسخة غير موثوق بصحتها، بأن يجده في نسخ عدة من أمثالها، وقد تحصل له الثقة بما يجده في النسخة غير الموثوق بها بأن يراه كلامًا منتظمًا وهو خبير2 فطن لا يخفى عليه في الغالب مواقع الإسقاط والتغيير3، وإذا لم يجده إلا في موضع لم يثق بصحته نظر: فإن وجده موافقًا لأصول4 المذهب وهو أهل التخريج مثله على المذهب، لو لم يجده منقولا فله أن يفتي به. فإن أراد أن يحكيه عن إمامه فلا يقل: قال الشافعي مثلا كذا وكذا. وليقل: وجدت عن الشافعي كذا وكذا. أو بلغني5 عنه، أو ما أشبه هذا من العبارات. وأما إذا لم يكن أهلا لتخريج مثله، فلا يجوز له ذلك فيه وليس له أن يذكره بلفظ جازم مطلق. فإن سبيل مثله النقل المحض، ولم يحصل له فيه ما يجوز له مثل ذلك، ويجوز له أن يذكره في غير6 مقام الفتوى مفصحًا بحاله فيه، فيقول: وجدته في نسخة من الكتاب الفلاني، أو من كتاب فلان، لا أعرف صحتها، أو وجدت عن فلان كذا وكذا، أو بلغني7 عنه كذا وكذا8، وما ضاهى ذلك من العبارات9، والله أعلم10.

_ 1 في ف "من" والعبارة "في نسخة غير موثوق بصحتها بأن يجده" سقطت من ج. 2 في ف وج "خير". 3 في ف وج "التغير". 4 في ف وج "أصل". 5 في ف وج "وبلغني". 6 في ف وج "غيره". 7 في ج وش "وبلغني". 8 سقطت من ج. 9 المجموع: "1/ 82-83"، صفة الفتوى: "36-37". 10 نقل الإمام النووي كلام ابن الصلاح هذا في المجموع، وقال: 1/ 83 "قلت: لا يجوز لمفتٍ على مذهب الشافعي إذا اعتمد النقل أن يكتفي بمصنف ومصنفين ونحوهما من كتب المتقدمين وأكثر المتأخرين لكثرة الاختلاف بينهم في الجزم والترجيح ... "، وأما ابن حمدان رحمه الله تعالى فقد اقتبس كلام ابن الصلاح هذا في كتابه "صفة الفتوى"، ولم ينسبه لابن الصلاح.

الثانية عشرة1: إذا أفتى في حادثة ثم وقعت مرة أخرى، فإن كان ذاكرًا لفتياه الأولى ومستندها إما بالنسبة إلى أصل2 الشرع إن كان مستقلا، أو بالنسبة إلى مذهبه إن كان منتسبًا إلى مذهب ذي مذهب أفتى بذلك، وإن تذكرها ولم يتذكر مستندها، ولم يطرأ ما يوجب رجوعه عنها، فقد قيل: له أن يفتي بذلك، والأصح أنه لا يفتي حتى يجدد النظر3. وبلغنا عن أبي الحسين4 ابن القطان5 أحد أئمة المذهب: أنه كان لا يفتي في شيء من المسائل حتى يلحظ الدليل6, وهكذا ينبغي لمن هو دونه، ومن لم تكن فتواه حكاية عن غيره، ولم7 يكن له بد من استحضار الدليل فيها. والله أعلم. الثالثة8 عشرة9: روينا عن الشافعي رضي الله عنه10، أنه قال: "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوا ما قلته"11.

_ 1 في ف وج: "عشر". 2 في ش: "إلى مذهبه إن كان". 3 انظر إعلام الموقعين: "4/ 232-233". 4 في ف وج "الحسن". 5 هو "أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن القطان البغدادي، الفقيه الشافعي، درس ببغداد، وأخذ عنه العلماء، وله مصنفات كثيرة، توفي سنة تسع وخمسين وثلاثمائة"، ترجمته في وفيات الأعيان: 1/ 70، فوات الوفيات: 7/ 321. 6 المجموع: 1/ 83، صفة الفتوى: 37. 7 في ف، وج، وش: "لم". 8 في ف "الثالث". 9 في ج "عشر". 10 في ج "رحمه الله". 11 مناقب الشافعي للبيهقي: "1/ 472-473"، وتوالي التأسيس: 67, وتاريخ ابن عساكر: 15/ 10أ, سير أعلام النبلاء: 10/ 34، إعلام الموقعين: 4/ 233.

وهذا وما هو1 في معناه مشهور عنه2، فعمل بذلك كثير من أئمة أصحابنا، وكان من ظفر منهم بمسألة فيها حديث ومذهب الشافعي خلافه عمل بالحديث وأفتى به قائلا: مذهب الشافعي ما وافق الحديث، ولم يتفق ذلك إلا نادرًا. ومنه ما نقل عن الشافعي رضي الله عنه فيه قول على وفق الحديث وممن حكي عنه منهم أنه أفتى بالحديث في مثل ذلك: أبو يعقوب البويطي3، وأبو القاسم الداركي4، وهو الذي قطع به5 أبو الحسن إلكيا الطبري6 في كتابه: "في أصول الفقه"، وليس هذا بالهين، فليس كل فقيه يسوغ له أن يستقل بالعمل بما يراه حجة من الحديث وفيمن سلك هذا المسلك من الشافعيين من عمل بحديث تركه الشافعي

_ 1 في ف وج: "ما هو". 2 انظر آداب الشافعي ومناقبه: "67-68"، وتوالي التأسيس: 63، وإيقاظ الهمم: 50، والبداية والنهاية: "10/ 253-254"، وإيقاظ الوسنان:25. 3 هو "الإمام أبو يعقوب بن يحيى البويطي المصري، تفقه على الشافعي، واختص بصحبته، قال الحافظ ابن حجر: ثقة، فقيه، من أهل السنة، مات في المحنة ببغداد، توفي سنة إحدى أو اثنين وثلاثين ومائتين"، ترجمته في: تاريخ بغداد: 14/ 299، العبر: 1/ 411، وفيات الأعيان: 7/ 61، طبقات الشافعية الكبرى: 2/ 162، تهذيب التهذيب: 9/ 427، التقريب: 2/ 383. 4 هو "أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز الداركي. قال الخطيب: كان ثقة، انتفى عليه الدارقطني، توفي سنة خمس وسبعين وثلاثمائة. ودارك: قرية من عمل أصبهان، ترجمته في تاريخ بغداد: 10/ 463، طبقات الشافعية الكبرى: 3/ 330، وفيات الأعيان: 3/ 188، العبر: 2/ 370، معجم البلدان: 4/ 12. 5 ساقطة من ف وج. 6 هو "الإمام عماد الدين أبو الحسن علي بن محمد بن علي إلكيا الهراسي. قال فيه عبد الغافر: الإمام البالغ في النظر مبلغ الفحول. والهراسي: براء مشددة وسين مهملة، قال ابن العماد: لا تعلم نسبته لأي شيء. وقال ابن خلكان: ولم أعلم لأي معنى قيل له الكيا، وفي اللغة العجمية الكيا هو الكبير القدر المقدم بين الناس، وهو بكسر الكاف وفتح الياء المثناة من تحتها وبعدها ألف. توفي سنة أربع وخمسمائة". ترجمته في وفيات الأعيان: 3/ 286، المنتظم: 9/ 167، تبيين كذب المفتري: 288، العبر: 4/ 8، طبقات الشافعية الكبرى: 7/ 231، شذرات الذهب: 4/ 8، مرآة الزمان: 8/ 37.

عمدًا على علم منه بصحته لمانع اطلع عليه وخفي على غيره، كأبي الوليد1 موسى بن أبي2 الجارود3 ممن صحب الشافعي "رضي الله عنه"4، وروي عنه أنه روى عن الشافعي "رضي الله عنه"5 أنه قال: "إذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث، وقلت قولا، فأنا راجع عن قولي قائل بذلك"6. قال أبو الوليد: وقد صح حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" 7 فأنا أقول

_ 1 في ف وج "وليد". 2 ساقطعة من ج. 3 هو "أبو الوليد موسى بن أبي الجارود المكي، قال أبو عاصم: يرجع إليه عند اختلاف الرواية. قال ابن الصلاح: توفي سنة أربع وسبعين وأربعمائة" ترجمته في طبقات الشافعية لابن الصلاح، الورقة: 7أ، طبقات الشيرازي: 100، طبقات الشافعية الكبرى: 2/ 161، تهذيب التهذيب: 10/ 339, التقريب: 2/ 281. 4 من ش. 5 من ف وج. 6 نحوه في طبقات الشافعية الكبرى: 2/ 161، وتقدم مثل هذا القول عن الشافعي وتخريجه. وللإمام تقي الدين السبكي رسالة سماها: "معنى قول المطلبي: إذا صح الحديث فهو مذهبي", وقد شرح هذه الكلمة وما يجب أن تحمل عليه وتقيد به. وهي مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية: "3/ 89، 114", ونقل عنها الحافظ ابن حجر في "توالي التأسيس": 63. 7 ورد الحديث من رواية شداد بن أوس. أخرجه أبو داود في الصوم، باب في الصائم يحتجم، حديث رقم: "2368 و2369"، وابن ماجه في الصوم، حديث رقم "1681"، والدرامي: 2/ 14، والشافعي في مسنده: 1/ 255، وعبد الرزاق في المصنف رقم: "7520"، والحاكم في المستدرك: 1/ 428، والبيهقي في السنن: 4/ 265 وابن حبان كما في موارد الظمآن رقم "900" و"901" وأحمد في المسند: "4/ 122، 123، 124، 125"، والطحاوي في شرح معاني الآثار: 2/ 99، وإسناده صحيح، ولكن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نسخة قال الحافظ في "الفتح": 4/ 155: "صح حديث "أفطر الحاجم والمحجوم" بلا ريب، لكن وجدنا من حديث أبي سعيد: أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في الصحابة للصائم وإسناده صحيح، فوجب الأخذ به، لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة، سواء كان حاجمًا أو محجومًا ... "، وانظر نص الراية: "2/ 472، 473"، والفتح: "4/ 153، 156"، وتلخيص الحبير: "2/ 191، 194". وورد حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" من رواية "رافع بن خديج رضي الله عنه"، رواه الترمذي في الصوم، باب كراهية الحجامة للصائم، =

قال الشافعي: أفطر الحاجم والمحجوم. فرد على أبي الوليد ذلك من حديث أن الشافعي تركه مع صحته لكونه منسوخًا عنده، وقد دل رضي الله عنه1 على ذلك وبينه2 وروينا عن ابن خزيمة3 الإمام البارع في الحديث والفقه، أنه قيل له: "هل

_ = وإسناده صحيح، والحاكم في المستدرك: 1/ 428، والبيهقي في السنن: 4/ 265، وعبد الرزاق في المصنف رقم: "7523"، وابن حبان كما في موارد الظمآن رقم: "902". ومن حديث "ثوبان رضي الله عنه"، أخرجه أبو داود في الصوم، باب في الصائم يحتجم حديث رقم: "2367 و2370 و2371"، وابن ماجه في الصيام، باب ما جاء في الحجامة للصائم، حديث رقم: "1680"، وابن الجارود في المنتقى حديث رقم: "386"، والدارمي: "2/ 14، 15"، والطحاوي في مشكل الآثار: 2/ 98، وابن حبان كما في موارد الظمآن، حديث رقم: "899" وعبد الرزاق في المصنف رقم: "7522" والحاكم في المستدرك:1/ 427. وانظر تعدد الروايات واختلافها في سنن الدارقطني: "2/ 182-183"، وشرح معاني الآثار: "2/ 98-99"، وأحمد في المسند: "5/ 276، 277، 285، 282، 283". وأما الأحاديث التي تبيح الاحتجام للصائم. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث لا يفطرن الصائم: الحجامة، والقيء، والاحتلام". رواه الترمذي، حديث رقم: "719" في الصوم، باب ما جاء في الصائم يذرعه القيء. وحديث "زيد بن أسلم رضي الله عنه" رواه أبو داود في الصوم، باب في الصائم يحتلم نهارًا في شهر رمضان، حديث رقم: "2376"، وعبد الرزاق في المصنف رقم "7543". وحديث "ابن عباس رضي الله عنه": "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم". رواه البخاري: 4/ 155 في الصوم، باب الحجامة والقيء للصائم، وفي الطب، باب أي ساعة يحتجم، ومسلم في الحج، باب جواز الحجامة للمحرم، حديث رقم: "1202"، وأبو داود في الصوم، باب الرخصة للصائم أن يحتجم، الأحاديث: "2372، 2374"، والترمذي في الصوم، باب ما جاء في الرخصة بالحجامة للصائم، حديث رقم: "775-777"، وانظر سنن الدارقطني: "1/ 182-183"، وشرح معاني الآثار: "2/ 99-102"، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ للحازمي: "262-270". 1 سقطت من ش. 2 تقدم بيان الأحاديث في هذه المسألة، وانظر الاعتبار في الناسخ والمنسوخ لأبي بكر الحازمي: "262-270". 3 هو "إمام الأئمة شيخ الإسلام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة، السلمي، النيسابوري، قال الدارقطني: كان إمامًا ثبتًا معدوم النظير. توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة". ترجمته في: البداية والنهاية: 11/ 149، تذكرة الحفاظ: 2/ 720، طبقات القراء للجزري: 2/ 97، الوافي بالوفيات: 2/ 196.

تعرف سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي في كتبه1؟ قال: لا"2. وعند هذا أقول: من وجد من الشافعيين حديثًا يخالف مذهبه نظر، فإن كملت آلات الاجتهاد فيه إما مطلقًا، وإما في ذلك الباب؛ أو في تلك المسألة على ما سبق بيانه كان له الاستقلال بالعمل بذلك الحديث، وإن لم تكمل آلته ووجد في قلبه حزازة من مخالفة الحديث بعد أن بحث فلم يجد لمخالفيه عنه جوابًا شافيًا فلينظر: هل عمل بذلك3 الحديث إمام مستقل؟ فإن وجده فله أن يتمذهب بمذهبه في العمل بذلك الحديث، ويكون ذلك4 عذرًا له5 في ترك6 مذهب إمامه في ذلك7، والعلم عند الله تبارك وتعالى. الرابعة عشرة8: هل للمفتي المنتسب إلى مذهب الشافعي مثلا أن يفتي تارة بمذهب آخر9؟ فيه تفصيل: وهو أنه إذا كان ذا اجتهاد "فأداه"10 اجتهاده11 إلى مذهب إمام

_ 1 في ف وج وش "الشافعي كتابه". 2 مناقب الشافعي للبيهقي: 1/ 477، تاريخ دمشق لابن عساكر: 14/ 407، سير أعلام النبلاء: 10/ 54. 3 في ش: "هذا". 4 و5 سقطت من ف وج. 6 في ف: "تركه". 7 صفة الفتوى: "37-38" حيث اقتبس كلام ابن الصلاح كله. 8 في ج "عشر". 9 انظر إعلام الموقعين: "4/ 236-327". 10 كذا في ج وش. وفي الأصل: "فأدى". 11 في ف وج "اجتهاد".

آخر اتبع1 اجتهاده، وإن كان اجتهاده مقيدًا مشوبًا بشيء من التقليد نقل ذلك الشوب من التقليد إلى ذلك الإمام الذي أداه اجتهاده إلى مذهبه، ثم إذا أفتى بين ذلك في فتياه. وكان2 الإمام أبو بكر القفال المروزي؛ يقول: لو اجتهدت فأدى اجتهادي إلى مذهب أبي حنيفة، فأقول: مذهب الشافعي كذا وكذا، ولكني أقول بمذهب أبي حنيفة، لأنه جاء ليستفتي على مذهب الشافعي، فلا بد من أن أعرفه بأني أفتي بغيره. وحدثني أحد المفتين بخراسان أيام مقامي بها عن بعض مشايخه: أن الإمام أحمد الخوافي3، قال للغزالي في مسألة أفتى فيها4: أخطأت في الفتوى. فقال له الغزالي: من أين والمسألة ليست مسطورة؟ فقال له5: بلى في "المذهب الكبير". فقال له الغزالي: ليست فيه، ولم تكن في الموضع الذي يليق بها. فأخرجها له الخوافي من موضع قد أجراها فيه المصنف استشهادًا. فقال له الغزالي عند ذلك: لا أقبل هذا واجتهادي ما قلت. فقال له الخوافي: هذا شيء آخر, أنت إنما تسأل عن مذهب الشافعي، لا عن6 اجتهادك، فلا يجوز أن تفتي على اجتهادك، أو كما قال. و"المذهب الكبير"

_ 1 في ف وج "فاتبع". 2 في ش "كان". 3 هو "الإمام أبو المظفر أحمد بن محمد بن المظفر الخوافي، وخواف بفتح الخاء المعجمة وآخرها فاء بعد الواو والألف، قرية من أعمال نيسابور. قال السبكي: كان في المناظرة أسدًا لا يصطلى له بنار، قادرًا على قهر الخصوم، وإرهاقهم إلى الانقطاع. توفي بطوس، سنة خمسمائة"، ترجمته في الأنساب: 5/ 199، تبيين كذب المفتري: 288، البداية والنهاية: 2/ 168، طبقات الشافعية الكبرى: 6/ 63. 4 سقطت من ج. 5 سقطت من ش. 6 في ف: "أن اجتهادك".

هو "نهاية المطلب"1 تأليف الشيخ أبي المعالي ابن الجويني، وكان الخوافي مع الغزالي من أكابر أصحابه. وأما إذا لم يكن ذلك بناء على اجتهاد، فإن ترك مذهبه إلى مذهب هو أسهل عليه وأوسع. فالصحيح امتناعه، وإن تركه لكون الآخر أحوط المذهبين، فالظاهر جوازه، ثم عليه بيان ذلك في فتواه على ما تقدم2، والله أعلم. الخامسة عشرة3: ليس للمنتسب إلى مذهب الشافعي في المسألة ذات القولين أو الوجهين أن يتخير، فيعمل أو يفتي بأيهما شاء4. بل عليه في القولين إن علم المتأخر منهما كما في الجديد مع القديم، أن يتبع المتأخر، فإنه ناسخ للمتقدم. وإن ذكرهما الشافعي جميعًا ولم يتقدم5 أحدهما لكن رجح أحدهما كان الاعتماد على الذي رجحه، وإن جمع بينهما في حالة واحدة من غير ترجيح منه لأحدهما، وقد قيل: إنه لم يوجد منه ذلك إلا في ستة عشر، أو سبعة عشر موضعًا، أو نقل عنه قولان ولم يعلم حالهما فيما ذكرناه، فعليه البحث عن الأرجح الأصح منهما متعرفًا ذلك من أصول مذهبه غير متجاوز في الترجيح قواعد مذهبه إلى غيرها، هذا "إن"6 كان ذا اجتهاد في مذهبه أهلا للتخريج عليه، فإن لم يكن أهلا لذلك فلينقله عن بعض أهل التخريج من أئمة المذهب، وإن لم يجد شيئًا من ذلك

_ 1 اسمه الكامل "نهاية المطلب في دراية المذهب" جمعه بمكة وأتمه بنيسابور. قال ابن خلكان: "ما صنف في الإسلام مثله" وفيات الأعيان: 2/ 168، كشف الظنون: 2/ 1990. 2 صفة الفتوى: 39. 3 في ج "عشر". 4 انظر: اللمع: "131-131"، الإحكام للآمدي: "4/ 269-273"، شرح رسوم المفتي: 21، التحرير لابن الهمام. 4/ 232، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد: 187 روضة الناظر وجنة المناظر: 337, ومسلم الثبوت: 2/ 395، ومختصر ابن الحاجب وشرحه للعضد: 2/ 300. إعلام الموقعين: 4/ 239. 5 في ش: "تتقدم". 6 كذا في النسخ وفي الأصل: "إذا".

فليتوقف. قال القاضي الإمام أبو الحسن الماوردي رحمه الله في: مسألة فعل المحلوف عليه على نسيان "ذات"1 القولين. قال "لي"2 شيخنا أبو القاسم الصيمري: ما أفتيت في يمين الناسي بشيء قط. وحكى3 عن شيخه أبي الفياض4: أنه لم يفت فيها بشيء قط. وحكى أبو الفياض عن شيخه أبي حامد المروروذي: أنه لم يفت فيها بشيء قط. وقال5 "المروروذي"6: فاقتديت بهذا السلف، ولم أفت فيها بشيء، لأن استعمال التوقي أحوط من فرطات الإقدام. وأما الوجهان، فلا بد من ترجيح أحدهما، وتعرف الصحيح منهما عند العمل والفتوى، بمثل الطريق المذكور، ولا عبرة7 فيهما8 بالتقدم والتأخر، سواء وقعا معًا في حالة واحدة من إمام من أئمة المذهب، أو من إمامين واحد بعد واحد، لأنهما انتسبا إلى المذهب انتسابًا واحدا وتقدم أحدهما لا يجعله بمنزلة تقدم أحد القولين من صاحب المذهب، "وليس ذلك أيضًا من قبيل اختلاف المفتيين على المستفتي، بل كل ذلك اختلاف راجع إلى

_ 1 من ف وج وش وفي الأصل: "كان". 2 من ش. 3 في ش: "وحكاه". 4 هو "أبو الفياض محمد بن الحسن بن المنتظر البصري، من أعيان تلامذة القاضي أبو حامد المروروذي أحمد بن عامر بن بشر العامري، وتفقه عليه صاحبه عبد الواحد بن الحسين بن محمد القاضي أبو القاسم الصيمري". انظر طبقات ابن الصلاح: 18ب، طبقات الشافعية الكبرى: "3/ 12، 339". طبقات الشيرازي: 125. 5 في ف وج "قال". 6 من ف وج وش وفي الأصل: "المرورذي" وهو "القاضي أبو حامد أحمد بن بشر بن عامر العامري، قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: ابن عامر ابن بشر، قال أبو حيان التوحيدي: كان أبو حامد كثير العلم، غزير الحفظ، توفي سنة اثنتين وستين وثلاثمائة" ترجمته في: البصائر والذخائر لأبي حيان: "1/ 60، 61"، العبر: 2/ 326، وفيات الأعيان: 1/ 69, طبقات الشافعية الكبرى: 3/ 12، طبقات الفقهاء للشيرازي: 114. 7 في ف: "غيره". 8 في ف وج: "فيها".

شخص واحد، وهو صاحب المذهب"1 فيلتحق باختلاف الروايتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه يتعين العمل بأصحهما عنه، وإذا كان أحد الرأيين منصوصًا "عنه"2، والآخر مخرجًا، فالظاهر أن3 الذي نص عليه منهما يقدم كما يقدم ما رجحه من القولين المنصوصين على الآخر لأنه أقوى نسبة إليه منه، إلا إذا كان القول المخرج مخرجًا من نص آخر لتعذر الفارق، فاعلم ذلك. واعلم أن من يكتفي بأن يكون في فتياه أو عمله موافقًا لقول أو وجه في المسألة، ويعمل بما يشاء من الأقوال أو الوجوه من غير نظر في الترجيح، ولا تقيد به فقد جهل وخرق الإجماع، وسبيله سبيل الذي حكى عنه أبو الوليد الباجي المالكي4 من فقهاء أصحابه، أنه كان يقول: إن الذي لصديقي علي إذا وقعت له حكومة5 أن أفتيه بالرواية التي توافقه. وحكى عن من يثق به: أنه وقعت له واقعة وأفتى فيها وهو غائب جماعة من فقهائهم من أهل الصلاح بما يضره، فلما عاد سألهم فقالوا: ما علمنا أنها لك، وأفتوه بالرواية الأخرى التي توافقه6. قال: وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ممن يعتد به في الإجماع أنه لا يجوز. قلت: وقد قال إمامهم مالك رضي الله عنه في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله7 عنهم8: "مخطئ ومصيب، فعليك بالاجتهاد"9. وقال:

_ 1 من ف وج وش. 2 كذا في ف وج وش وفي الأصل: "عليه". 3 سقطت من ف وج. 4 هو "القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث الباجي. قال القاضي عياض: وحاز الرئاسة بالأندلس، فسمع منه خلق كثير، وتفقه عليه خلق. توفي سنة أربع وسبعين وأربعمائة"، ترجمته في الصلة: 1/ 197، المدارك: 4/ 802، بغية الملتمس: 289، الديباج المذهب: 1/ 377، وفيات الأعيان: 2/ 408. 5 في أعلام الموقعين: 4/ 211 "أو فتيا أن ... ". 6 صفة الفتوى: "40-41". 7 سقطت من ج. 8 من ش. 9 انظر ترتيب المدارك: "1/ 192-193"، إعلام الموقعين: 4/ 211، صفة الفتوى: 41.

ليس كما قال ناس: فيه توسعة. قلت: لا توسعة فيه بمعنى "أنه يتخير بين أقوالهم من غير توقف على ظهور الراجح، وفيه توسعة"1 بمعنى أن اختلافهم يدل على أن للاجتهاد مجالا فيما بين أقوالهم، وأن ذلك ليس مما يقطع فيه بقول واحد متعين لا مجال للاجتهاد في خلافه2، والله أعلم. فرعان، أحدهما: إذا وجد من ليس أهلا للترجيح والتخريج2 بالدليل اختلافًا بين أئمة المذهب في الأصح من القولين أو الوجهين فينبغي أن يفزع في الترجيح إلى صفاتهم الموجبة لزيادة الثقة بآرائهم، فيعمل بقول الأكثر والأعلم والأورع، وإذا اختص واحد منهم بصفة منها، والآخر بصفة أخرى، قدم الذي هو أحرى منهما بالإصابة. فالأعلم الورع مقدم على الأورع العالم، واعتبرنا ذلك إذا وجد قولين أو وجهين لم يبلغه عن أحد من أئمته بيان للأصح منهما اعتبر أوصاف ناقليهما وقائليهما، فما رواه المزني، أو الربع المرادي4، مقدم عند أصحابنا على ما حكاه الإمام أبو سليمان الخطابي5، عنهم على ما رواه حرملة6، أو الربيع

_ 1 سقطت من ف. 2 اقتبس ابن حمدان في صفة الفتوى معظم هذه الفقرة عن ابن الصلاح: "39-41". 3 في ف وج "وللترجيح". 4 هو "الشيخ أبو محمد الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي، مولاهم المؤذن، صاحب الشافعي، وراوية كتبه، قال الحافظ ابن حجر: ثقة. توفي سنة سبعين ومائتين"، ترجمته في: وفيات الأعيان: 2/ 291، طبقات الشافعية الكبرى: 2/ 132، تذكرة الحفاظ: 2/ 148، العبر: 2/ 45 تهذيب التهذيب: 3/ 245، التقريب: 1/ 245. 5 هو "الإمام أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي، قال السمعاني: إمام فاضل، كبير الشأن، جليل القدر، توفي سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. أو سنة ست وثمانين وثلاثمائة". ترجمته في يتيمة الدهر للثعالبي: 4/ 334، المنتظم: 6/ 397، الأنساب للسمعاني: 5/ 158، معجم الأدباء لياقوت: 10/ 268، طبقات الشافعية الكبرى: 3/ 282. 6 هو "أبو حفص حرملة بن يحيى بن حرملة بن عمران التجيبي المصري صاحب الشافعي. قال ابن حجر: صدوق. توفي سنة ثلاث، أو أربع، وأربعين ومائتين". ترجمته في وفيات الأعيان: 2/ 64، طبقات الشافعية الكبرى: 2/ 127، تذكرة الحفاظ: 2/ 63، تهذيب التهذيب: 2/ 229، التقريب: 1/ 158.

الجيزي1، وأشباههما ممن لم يكن قوي الأخذ عن الشافعي "رضي الله عنه"2. ويرجح ما وافق منهما أكثر أئمة المذاهب المتبوعة، أو أكثر العلماء، وفيما استفدته3 من الغرائب بخراسان عن الشيخ حسين بن مسعود4، صاحب "التهذيب" عن شيخه القاضي حسين بن محمد، قال: إذا اختلف قول الشافعي في مسألة وأخذ القولين يوافق مذهب أبي حنيفة فأيهما أولى بالفتوى؟ قال الشيخ أبو حامد: ما يخالف قول أبي حنيفة أولى لأنه لولا أن الشافعي عرف فيه معنى خفيًّا لكان لا يخالف أبا حنيفة. وقال الشيخ القفال: ما يوافق قول أبي حنيفة أولى. قال: وكان القاضي يذهب إلى الترجيح بالمعنى، ويقول: كل قول كان معناه أرجح فذلك أولى وأفتى به. قلت5: وقول القفال6 المروزي المذكور أظهر من قول أبي حامد الإسفراييني،

_ 1 هو "أبو محمد الربيع بن سليمان بن داود الجيزي الأزدي مولاهم. قال السبكي: كان رجلًا فقيهًا صالحا. توفي سنة ست وخمسين ومائتين، وقيل: سنة سبع وخمسين"، ترجمته في المؤلف للدارقطني954، وفيات الأعيان: 2/ 292، طبقات الشافعية الكبرى: 2/ 132، تهذيب التهذيب 3/ 245. 2 من ج. 3 في ف: "مما استقل". 4 هو "الشيخ أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي، صاحب "التهذيب" و"شرح السنة" وله "فتاوى" مشهورة، غير "فتاوى القاضي الحسين" التي علقها هو عنه، وغير ذلك، قال السبكي: كان إمامًا جليلًا ورعًا زاهدًا، محققًا مفسرًا، توفي سنة ست عشرة وخمسمائة"، ترجمته في: وفيات الأعيان: 2/ 134، البداية والنهاية: 12/ 193، تذكرة الحفاظ: 4/ 1257، العبر: 4/ 37 طبقات الشافعية الكبرى: 7/ 75. 5 في ش: "قال المصنف رضي الله عنه". 6 في ف "القاضي".

وكلامهما محمول على ما إذا لم يعارض ذلك من جهة القول الآخر ترجيح آخر مثله أو أقوى منه. وهذه الأنواع من الترجيح معتبرة أيضًا بالنسبة إلى أئمة المذهب غير أن ما يرجحه الدليل عندهم مقدم على ذلك1، والله أعلم. الثاني: كل مسألة فيها قولان، قديم وجديد، فالجديد أصح وعليه الفتوى إلا في نحو عشرين مسألة أو أكثر يفتي فيها على2 القديم على خلاف في ذلك بين3 أئمة الأصحاب في أكثرها، وذلك مفرق في مصنفاتهم. وقد قال الإمام أبو المعالي ابن الجويني في "نهايته": قال الأئمة: كل قولين أحدهما جديد فهو أصح من القديم إلا في ثلاث مسائل، وذكر منها: مسألة التثويب في آذان الصبح4.

_ 1 اقتبس ابن حمدان في "صفة الفتوى": "42-43" وهذه الفقرة عن ابن الصلاح رحمه الله تعالى، وانظر إعلام الموقعين: "4/ 237-238". 2 في ف وج: "بالقديم". 3 في ف وج: "من". 4 "التثويب: الأصل في التثويب: أن يجيء الرجل مستصرخًا فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر، فسمي الدعاء تثويبًا لذلك. وقيل: إنما سمي تثويبًا من ثاب يثوب إذا رجع، فهو رجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة ... ومنه حديث بلال قال: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أثوب في شيء من الصلاة إلا في صلاة الفجر"، وهو قوله: الصلاة خير من النوم مرتين"، الناهية: "1/ 226-227"، وانظر تاج العروس مادة "ثوب". قلت حديث بلال المذكور أخرجه الترمذي في الصلاة، باب التثويب في الفجر، حديث رقم: "198". وهو ضعيف. غير أن معناه صحيح. فقد ورد حديث التثويب في أذان الصبح رواه "أبو محذورة رضي الله عنه". " ... فإن كان صلاة الصبح قلت: "الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم ... الحديث"، رواه مسلم في الصلاة، باب صفة الأذان، حديث رقم "1379", وأبو داود في الصلاة، باب كيف الأذان، حديث رقم: "500-505" والترمذي في الصلاة، باب ما جاء في الترجيع في الأذان، حديث رقم: "191"، والنسائي: 2/ 4 في الأذان، باب خفض الصوت في الترجيع في الأذان، وباب كم الأذان من كلمة، وباب كيف الأذان، وباب الأذان في السفر. وانظر سنن ابن ماجه: 1/ 237، والدارمي: 1/ 215، وتلخيص الحبير: "1/ 201-202"، وانظر مسألة "التثويب" في المجموع: 3/ 91".

ومسألة التباعد عن النجاسة في الماء الكثير1. ولم ينص على الثالثة، غير أنه لما ذكر القول بعدم2 استحباب قراءة السورة بعد الركعتين الأوليين3، وهو القول القديم ذكر: أن عليه العمل. وفي هذا4 إشعار بأن عليه الفتوى، فصاروا إلى ذلك في ذلك مع أن القديم لم يبق قولا للشافعي لرجوعه عنه، فيكون5 اختيارهم إذن للقديم6 فيها من قبل ما ذكرناه من اختيار7 أحدهم مذهب غير الشافعي إذا أداه اجتهاده إليه كما سبق، وبل أولى لكون القديم قد

_ 1 وجوب البعد عن النجاسة بقدر القلتين هو الجديد في مذهب الشافعي رحمه الله تعالى، والقديم لا يوجبه. "فمثلا: إذا وقعت نجاسة جامدة في ماء كثير راكد، وأراد واحد أن يغترف منه أو يغتسل فيه، فعلى الجديد لا يجوز الاغتراف منه إلا إذا كان يغترف من موضع يبعد عن النجاسة قدر قلتين، فعلى هذا إذا كان الماء قلتين فقط يجوز الاغتراف منه. وأما القديم فلم يشترط التباعد منها مطلقًا. وهذه من المسألة من المواضع التي رجح فيها القديم على الجديد. قال إمام الحرمين في "النهاية": القديم هنا أصح. وقال الرافعي: القديم هنا ظاهر المذهب. وقد استدل لرجحان القديم بعدة وجوه: 1- عموم حديث القلتين. 2- ولأن مجموع الماء الراكد ماء واحد لا يمكن أن يوصف بعضه بالنجاسة، وبعضه بالطهارة. 3- ولأنه لو قلنا بنجاسة ما حول النجاسة لأثر فيما حوله، وما حوله فيما حوله فيتسلسل، وهو باطل، فينبغي القول بالقديم". الغاية القصوى في دراية الفتوى، مع تعليق الأستاذ علي القره داغي محقق الكتاب. وانظر المجموع: "1/ 160-166"، روضة الطالبين: 1/ 23، وفتح العزيز: 1/ 961. 2 في ف وج "بعد". 3 قال النووي رحمه الله تعالى: "هل يسن قراءة السورة في الركعة الثالثة والرابعة؟ فيه قولان مشهوران "أحدهما": وهو في القديم لا يستحب. قال القاضي أبو الطيب، ونقله البويطي والمزني عن الشافعي. "والثاني": يستحب وهو نصه في الأم ونقله الشيخ أبو حامد، وصاحب الحاوي عن الإملاء أيضًا، واختلف الأصحاب في الأصح منهما، فقال أكثر العراقيين: الأصح الاستحباب، ممن صححه الشيخ أبو حامد والمحاملي، وصاحب العدة، والشيخ نصر المقدسي والشاشي. وصححت طائفة عدم الاستحباب وهو الأصح، وبه أفتى الأكثرون، وجعلوا المسألة من المسائل التي يفتي فيها على القديم ... ", المجموع: "3/ 321"، وانظر إعلام الموقعين: 4/ 239". 4 في ف وج: "وفي هذه المسألة إشعار". 5 في ف وج: "ويكون". 6 في ف: "القديم". 7 في ف وش: "اختيارهم".

"كان"1 قولا له منصوصًا، ويلتحق بذلك ما اختار أحدهم القول المخرج على القول المنصوص، أو اختار من القولين اللذين رجح الشافعي أحدهما غير ما رجحه، وبل أولى من القول القديم، ثم حكم من لم يكن أهلا للتخريج2 من المتبعين لمذهب الشافعي رضي الله عنه: أن لا يتبعوا شيئًا من اختياراتهم هذه المذكورة، لأنهم مقلدون للشافعي دون من خالفه3، والله أعلم. المسألة السادسة عشرة4: إذا اقتصر في جوابه على حكاية الخلاف بأن قال: فيها قولان أو وجهان، أو نحو ذلك من غير أن يبين الأرجح، فحاصل أمره أنه لم يفت بشيء5. وأذكر أني حضرت بالموصل الشيخ الصدر المصنف أبا السعادات ابن الأثير الجزري6 رحمه الله، فذكر بعض الحاضرين عنده، عن بعض المدرسين: أنه أفتى في مسألة، فقال: فيها قولان، وأخذ يزري عليه. فقال الشيخ ابن الأثير: كان الشيخ أبو القاسم بن البزري7، وهو علامة زمانه في المذهب إذا كان في المسألة خلاف واستفتى عنها بذكر الخلاف في الفتيا، ويقال

_ 1 من ف وج وش. وكتبت في الأصل غير أنه ضرب عليها. 2 في ف وج: "الترجيح". 3 صفة الفتوى: "43-44"، حيث اقتبس هذه الفقرة من ابن الصلاح رحمه الله تعالى. 4 في ج "عشر". 5 صفة الفتوى: 44، إعلام الموقعين: "4/ 177-179". 6 هو "العلامة مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، المعروف بابن الأثير، صاحب "جامع الأصول" و"النهاية في غريب الحديث والأثر" و"شرح مسند الشافعي"، وغير ذلك. توفي سنة ست وستمائة"، ترجمته في البداية والنهاية: 13/ 114، العبر: 5/ 97، طبقات الشافعية الكبرى: 8/ 366. 7 هو "الشيخ أبو القاسم عمر بن محمد بن عكرمة الجزري، البزري، والبزر المنسوب إليه: بفتح الباء الموحدة، وسكون الزاي المنقوطة، ثم راء مهملة: اسم للدهن المستخرج من بزر الكتان به يستصبح أهل تلك البلاد. إمام جزيرة ابن عمر ومفتيها ومدرسها، توفي سنة ستين وخمسمائة"، ترجمته في: طبقات الشافعية لابن الصلاح: 126أ، طبقات الشافعية الكبرى: 7/ 251، العبر: 4/ 171، معجم البلدان: 2/ 79، شذرات الذهب: 4/ 189.

له في ذلك، فيقول: لا أتقلد العهدة مختارًا لأحد الرأيين مقتصرًا عليه، وهذا حيد عن غرض الفتوى، وإذا لم يذكر شيئًا أصلًا فلم يتقلد العهدة أيضًا، ولكنه لم يأت بالمطلوب حيث لم يخلص السائل من عمايته1. وهذا في ذلك كذلك، ولا اقتداء بأبي بكر محمد بن داود الأصبهاني الظاهري في فتياه التي أخبرني بها أبو أحمد الوهاب بن علي2 شيخ الشيوخ ببغداد، قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز3، قال: أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب، قال: حدثني القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري، حدثني أبو العباس الخضري4. ح5 وأخبرني

_ 1 نقل ابن القيم، هذه الحكاية عن ابن الصلاح في إعلام الموقعين: 4/ 178 وقال: "قلت: وهذا فيه تفصيل، فإن المفتي المتمكن من العلم المضطلع به قد يتوقف في الصواب في المسألة المتنازع فيها فلا يقدم على الجزم بغير علم، وغاية ما يمكنه أن يذكر الخلاف فيها للسائل، وكثيرًا ما يسأل الإمام أحمد رضي الله عنه وغيره من الأئمة عن مسألة فيقول: فيها قولان، أو قد اختلفوا فيها، وهذا كثير في أجوبة الإمام أحمد لسعة علمه وورعه، وهو كثير في كلام الإمام الشافعي رضي الله عنه، يذكر المسألة ثم يقول: فيها قولان ... ". 2 هو "مسند العراق ومحدثه ضياء الدين أبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن علي بن عبيد الله الصوفي الفقيه، قال ابن النجار: شيخ وقته في علو الإسناد، والمعرفة، والإنفاق، والزهد، والعبادة، توفي سنة سبع وستمائة"، ترجمته في ذيل تاريخ بغداد لابن النجار: 1/ 354، ذيل الروضتين: 70، طبقات الشافعية الكبرى: 8/ 324، العبر: 5/ 23. 3 هو "أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد الشيباني، القزاز البغدادي، يعرف بابن زريق، كان صالحًا كثير الرواية، توفي سنة خمس وثلاثين وخمسمائة"، ترجمته في: تذكرة الحفاظ: 4/ 1281، المشتبه: 1/ 315، التوضيح: 2/ 56، شذرات الذهب: 4/ 106. 4 "بخاء معجمة مضمومة، وضاد معجمة مفتوحة ... وأبو العباس: الخضري، قال: حضرت مجلس أبي بكر بن أبي داود، سمع منه القاضي أبو الطيب، لا أعرف اسمه"، الإكمال: "3/ 255، 256"، وتعقبه ابن ناصر الدين في التوضيح: "1/ 411" فقال: "وفي قوله: أبي بكر بن أبي داود نظر، وكذا وقفت عليه في نسختين بالإكمال، وقاله ابن الجوزي في المحتسب: روى عن أبي بكر بن أبي داود انتهى. وهذا غلط من قائله، إنما هو أبو بكر بن داود بن علي الظاهري، فقال الخطيب أبو بكر في تاريخه: حدثني القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري ... " ونقل نص الرواية التي ذكرها ابن الصلاح رحمه الله تعالى. قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: 5/ 257 "قال لي القاضي أبو الطيب: كان الخضري شافعي المذهب، إلا أنه كان يعجب بابن داود يقرظه ويصف فضله"، والخضري: "نسبة إلى بيع البقل"، المشتبه: 1/ 238. 5 ساقطة من ف وج.

أيضًا الشيخ أبو العباس أحمد بن الحسين1 المقرئ2 ببغداد، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام3، قال: أخبرنا الشيخ الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفيروزَأبادي، قال: "سمعت شيخنا القاضي أبا الطيب الطبري، قال: سمعت أبا العباس الخضري، قال: كنت جالسًا عند أبي بكر بن داود4، فجاءته امرأة فقالت له: ما تقول في رجل له زوجة لا هو ممسكها، ولا هو مطلقها؟ فقال أبو بكر: اختلف في ذلك أهل العلم. فقال قائلون: تؤمر بالصبر والاحتساب، ويبعث على التطلب5 والاكتساب. وقال قائلون6: يؤمر بالإنفاق وإلا يحمل على الطلاق. فلم تفهم المرأة قوله، فأعادت وقالت: رجل له زوجة لا هو ممسكها، ولا هو مطلقها؟ فقال لها: يا هذه قد أجبتك عن مسألتك وأرشدتك إلى طلبتك، ولست

_ 1 في الأصل: "الحسن". 2 هو "أبو العباس أحمد بن الحسين بن محمد بن أحمد البغدادي المقرئ المعروف بالعراقي، نزيل دمشق. قال الشيخ موفق الدين: كان إمامًا في السنة داعيًا إليها إمامًا في القراءة. توفي سنة ثمان وثمانين وخمسمائة". ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: 1/ 376، التكملة لوفيات النقلة: 1/ 180، غاية النهاية: 1/ 50، الوافي بالوفيات: 5/ 352، شذرات الذهب: 4/ 292. 3 هو "أبو الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام، الكاتب البغدادي، سمع الكثير بنفسه، وكتب وجمع وحدث عن الصريفيني، وابن النفور، توفي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة"، ترجمته في شذرات الذهب: 4/ 122. 4 هو "أبو بكر محمد بن داود بن علي بن خلف الأصبهاني المعروف بالظاهري قال الخطيب: كان عالمًا أديبًا شاعرًا ظريفًا. توفي سنة سبع وتسعين ومائتين"، ترجمته مطولة في تاريخ بغداد: "5/ 256-263"، وفيات الأعيان: 4/ 259، العبر: 2/ 108، فوات الوفيات: 3/ 58، شذارت الذهب: 2/ 226. 5 في ف وج: "الطلب". وما جاء في الأصل هو الموافق للرواية في تاريخ بغداد. 6 سقطت من ف وج.

بسلطان فأمضي، ولا قاض فأقضي، ولا زوج فأرضي، انصرفي1، قال: فانصرفت المرأة ولم تفهم جوابه2. قلت: التصحيف شين، فاعلم أن أبا العباس الخضري، هذا هو بخاء معجمة مضمومة، وبضاد معجمة مفتوحة3. وقوله: تؤمر بالصبر "والاحتساب"4: في أوله التاء التي للمؤنث. وقوله: يبعث على التطلب5: في أوله الياء6 التي هي للمذكر. وقولها: لا هو7 ممسكها: أي ليس ينفق عليها. ولقد وقع ابن داود بعيدًا عن مناهج المفتين في تعقيده "هذا"] 8 وتسجيعه وتحبيره من استرشده وتضييعه، وهكذا إذا قال المفتي في موضع الخلاف: يرجع إلى رأي الحاكم. فقد عدل عن نهج الفتوى، ولم يفت أيضًا بشيء، وهو كما إذا استفتي فلم يجب، وقال: استفتوا غيري. وحضرت بالموصل شيخها9 المفتي أبا حامد محمد بن يونس10، وقد استفتي في مسألة فكتب في جوابها: إن فيها خلافًا. فقال بعض من حضر: كيف يعمل المستفتي؟ فقال: يختار له القاضي أحد المذهبين، ثم قال: هذا يبنى على أن العامل إذا

_ 1 في تاريخ بغداد: 5/ 257، "انصرفي رحمك الله". 2 تاريخ بغداد: "5/ 256-257"، التوضيح: 1/ 411, إعلام الموقعين: 4/ 179. 3 الإكمال: 3/ 256، المشتبه: 1/ 238، التوضيح: 1/ 411. 4 من ش. 5 في ف وج: "الطلب". 6 و7 ناقصة من ف وج. 8 من ف وج وش. 9 في ف: "شيخنا". 10 هو "الشيخ عماد الدين أبو حامد محمد بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك الإربلي، أحد الأئمة من علماء الموصل. قال ابن خلكان: كان إمام وقته في المذهب والأصول والخلاف. توفي سنة ثمان وستمائة". ترجمته في تاريخ إربل: "1/ 117، 119"، وفيات الأعيان: 4/ 353، العبر: 5/ 28، طبقات الشافعية الكبرى: 8/ 109، شذرات الذهب: 5/ 34.

اختلف عليه اجتهاد اثنين فبماذا يعمل1؟ وفيه خلاف مشهور، وهذا غير مستقيم. أما قوله أولا: يختار له الحاكم. فهو فاسد لما ذكرناه، ولأن الحاكم إذا لم يكن أهلا للفتوى، وذلك هو الغالب في زمان من ذكرنا عنه ما ذكرناه، فقد رده إلى رأي من لا رأيَ له، وأحاله على عاجز حاجته في ذلك إلى فتياه كحاجة من استفتاه. وأما قوله ثانيًا: يبنى ذلك على الخلاف فيما إذا اختلف عليه اجتهاد مفتيين في2 فتواهما فهل يتخير بين فتويهما3، أو يأخذ بالأخف، وبالأغلظ؟ فهذا فيه إحواج للمستفتي إلى أن يستفتي مرة أخرى ويسأل عن هذا أيضًا لأنه لا يدري أن حكمه التخيير، أو الأخذ بالأخف أو الأغلظ؟ فلم يأت إذن بما يكشف عن عمايته، بل زاده عماية وحيرة، على أن الصحيح في ذلك على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى: إنه يجب عليه الأخذ بقول الأوثق منهما، وإذا قال: فيه خلاف، ولم يعين القائلين لم يتهيأ له فيه، وهذه حالته4 البحث عن الأوثق من القائلين. والله أعلم.

_ 1 سيأتي تفصيل ذلك في "القول في صفة المستفتي وأحكامه": "158-160". 2 من الأصل فقط. وفي ش: "وفتواهما". 3 في ف وج: "فتواهما". 4 في ج: "خاليته".

القول: في كيفية الفتوى وآدابها

القول: في كيفية الفتوى وآدابها وفيه مسائل: الأولى: يجب على المفتي حيث يجب عليه الجواب أن يبينه بيانًا مُزيحًا للإشكال، ثم له أن يجيب شفاهًا باللسان، وإذا لم يعلم لسان المستفتي أجزأت ترجمة الواحد لأن طريقه الخبر، وله أن يجيب بالكتابة مع1 ما في الفتوى من الرقاع من الحظر، وكان القاضي أبو حامد المروروذي الإمام فيما بلغنا عنه كثير

_ 1 في ف وج: "معًا".

الهرب من الفتوى في الرقاع. قال أبو القاسم الصيمري: وليس1 من الأدب للمفتي أن يكون السؤال بخطه، فأما بإملائه وتهذيبه فواسع. وبلغنا عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي رحمه الله: أنه كان قد يكتب للمستفتي السؤال على ورق من عنده, ثم يكتب الجواب2، والله أعلم. الثانية: إذا كانت المسألة فيها تفصيل لم يطلق الجواب3، فإنه خطأ، ثم له أن يستفصل السائل إن حضر ويقيد السؤال في رقعة الاستفتاء ثم يجيب عنه، وهذا أولى وأسلم، وكثيرًا ما نتحراه نحن ونفعله، وله أن يقتصر على جواب أحد الأقسام إذا علم أنها الواقع للسائل، ولكن يقول: هذا إذا كان كذا وكذا، وله أن يفصل الأقسام في جوابه، ويذكر حكم كل قسم، وهذا قد كرهه أبو الحسن القابسي من أئمة المالكية، وقال: هذا ذريعة إلى تعليم الناس الفجور، ونحن نكرهه أيضًا لما ذكره: من أنه يفتح للخصوم باب التمحل والاحتيال الباطل، ولأن ازدحام الأقسام بأحكامها على فهم العامي يكاد يضيعه، وإذا لم يجد المفتي من يستفسره في ذلك كان مدفوعًا إلى التفصيل، فليتثبت وليجتهد في استيفاء الأقسام وأحكامها وتحريرها4. والله أعلم. الثالثة: إذا كان المستفتي بعيد الفهم، فينبغي للمفتي أن يكون رفيقًا به صبورًا عليه، حسن التأني في التفهم منه. والتفهيم له حسن الإقبال عليه5، لا سيما إذا كان ضعيف الحال، محتسبًا أجر ذلك فإنه جزيل.

_ 1 في الأصل: "ليس" وما أثبته هو الموافق لـ"ف وج وش". 2 المجموع: 1/ 84، صفة المفتي: 57. 3 إعلام الموقعين: "4/ 187-194". 4 المجموع: 1/ 84، صفة الفتوى: 57. 5 المجموع: 1/ 85، صفة الفتوى: 58.

أخبرت عن أبي الفتوح عبد الوهاب بن شاه النيسابوري1، قال: أخبرنا الأستاذ أبو القاسم القشيري2، قال: سمعت أبا سعيد الشحام3، يقول: "رأيت الشيخ الإمام أبا الطيب سهلا الصعلوكي4 في المنام فقلت: أيها الشيخ. فقال: دع التشييخ. فقلت: وتلك الأحوال التي شاهدتها؟ فقال: لم تغن عنا. فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بمسائل كان يسأل5 عنها العجز"6. العجز7: بضم العين والجيم، العجائز. والله أعلم.

_ 1 هو "أبو الفتوح عبد الوهاب بن شاه بن أحمد بن عبد الله الشاذياخي. قال السمعاني: شيخ صالح، سديد السيرة، يسكن باب عزرة بنيسابور. توفي سنة خمس وثلاثين وخمسمائة"، ترجمته في: الأنساب: 7/ 241، تذكرة الحفاظ: 4/ 1281. 2 هو "زين الدين الأستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الله القشيري النيسابوري الصوفي، صاحب "الرسالة"، قال عبد الغافر بن إسماعيل: الإمام مطلقًا، الفقيه المتكلم الأصولي، المفسر الأديب النحوي توفي سنة خمس وستين وأربعمائة". ترجمته في: المنتظم: 8/ 280، تبيين كذب المفتري: 271، العبر: 3/ 159، البداية والنهاية: 2/ 107، طبقات الشافعية الكبرى: 5/ 153، طبقات ابن الصلاح: 116ب، طبقات الإسنوي: 2/ 313، المختصر في أخبار البشر: 2/ 199. 3 انظر تبيين كذب المفتري: 214، طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 396. 4 هو "الأستاذ الفقيه الأديب مفتي نيسابور أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان الصعلوكي: بضم الصاد المهملة وسكون العين المهملة وضم اللام، وسكون الواو، وفي آخرها الكاف. قال الحاكم: الفقيه الأديب، مفتي نيسابور، وابن مفتيها، وأكتب من رأيناه من علمائها، وأنظرهم، توفي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وقيل غير ذلك". ترجمته في: تبيين كذب المفتري: 211، تهذيب الأسماء واللغات: 1/ 238، وفيات الأعيان: 2/ 435، العبر: 3/ 88، البداية والنهاية: 12/ 347، طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 393، شذرات الذهب: 3/ 172. 5 في تبيين كذب المفتري: 214 "كانت تسل"، وفي طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 397 "كنت تسأل". 6 الرواية في تبيين كذب المفتري: 214، طبقات الشافعية الكبرى: "4/ 396، 397". 7 في ج: "والعجز".

الرابعة: ليتأمل رقعة الاستفتاء تأملا شافيًا، كلمة بعد كلمة ولتكن "عنايته"1 بتأمل آخرها أكثر، فإنه في آخرها يكون السؤال، وقد يتقيد الجميع بكلمة "في"2 آخر الرقعة، ويغفل عنها القارئ لها، وهذا من أهم ما ينبغي أن يراعيه، فإذا مر "فيها"3 بمشتبه سأل عنه4 المستفتي، ونقطه وشكله مصلحة لنفسه ونيابة عمن يفتي بعده، وكذا إن رأى لحنًا فاحشًا، أو خطأ يحيل معنى أصلحه5. قطع بذلك أبو القاسم الصيمري من أئمة أصحابنا في كتابه "في أدب المفتي والمستفتي". وقال الخطيب أبو بكر أحمد بن علي الحافظ: "رأيت القاضي أبا الطيب الطبري يفعل هذا في الرقاع التي ترفع إليه للاستفتاء"6. قلت7: ووجهه إلحاق بقبيل المأذون فيه بلسان الحال، فإن الرقعة إنما قدمها صاحبها إليه ليكتب فيها ما يرى وهذا منه، وكذلك إذا رأى بياضًا في أثناء بعض السطور، أو في آخرها، خط عليه وشغله على نحو "ما يفعله"8 الشاهد في كتب الوثاق ونحوها، لأنه ربما قصد المفتي9 فكتب10 في ذلك البياض بعد فتواه

_ 1 من ف وج وش وفي الأصل: "عايته". 2 من ف وج وش وفي الأصل: "إلى". وفي ش "تكون في" غير أن الناسخ ضرب خطا على كلمة "تكون". 3 من ف وج وش. 4 في ف وج: "عنها". 5 المجموع: 1/ 85، صفة الفتوى: 58. 6 الفقيه والمتفقه: 2/ 183. 7 في ش: "قال المصنف رضي الله عنه". 8 من ف وج وش وفي الأصل: "نقله". 9 في صفة الفتوى حيث اقتبس كلام ابن الصلاح: 58 "المفتي أحد بسوء فكتب". 10 في ف وج "فيكتب".

ما يفسدها1. "كما يلي القاضي أبو حامد المروروذي بمثل ذلك إذ2 قصد مساءته "بعض الناس"3 فكتب: ما تقول في رجل مات وخلف ابنة وأختًا لأم؟ ثم ترك بياضًا في آخر السطر موضع كلمة، ثم كتب في أول السطر الذي يليه: وترك ابن عم؟ فأفتى المفتي4: للبنت النصف، "والباقي"5 لابن العم. فلما أخذ خطه بذلك ألحق في موضع البياض: وأب. وشنع عليه6 بذلك"7. وكان ذلك سبب فتنة ثارت بين طائفتين من رؤساء البصرة8. والله أعلم. الخامسة: يستحب له أن يقرأ ما في الرقعة على من "بحضرته"9 ممن هو أهل لذلك، ويشاورهم في الجواب ويباحثهم فيه وإن كانوا دونه وتلامذته، لما في ذلك من البركة والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالسلف الصالح رضي الله عنهم. اللهم إلا أن يكون في الرقعة ما لا يحسن إبداؤه، أو ما لعل السائل يؤثر ستره، أو في إشاعته مفسدة لبعض الناس، فينفرد هو بقراءتها وجوابها10. والله أعلم11. السادسة: ينبغي أن يكتب الجواب بخط واضح وسط ليس بالدقيق الخافي،

_ 1 المجموع: 1/ 85، صفة الفتوى 58. 2 من ف وج وش, في الأصل: "إذا". 3 من ف وج وش. 4 سقطت من ش. 5 من ف وج وش وفي الأصل: "والثاني". 6 سقطت من ف وج. 7 الرواية في الفقيه والمتفقه: 2/ 183. 8 انظر هذه الفقرة في الفقيه والمتفقه: 2/ 183. 9 من ف وش, وفي الأصل: "يحضره". 10 المجموع: 1/ 85، صفة الفتوى: 58. 11 انظر الفقيه والمتفقه: "2/ 184-186".

ولا بالغليظ الجافي، وكذلك1 يتوسط في سطوره "بين"2 "توسيعها"3 وتضييقها وتكون عبارته واضحة صحيحة بحيث يفهمها العامة، ولا تزدريها الخاصة، واستحب بعضهم أن لا تتفاوت أقلامه، ولا يختلف خطه خوفًا من التزوير عليه، وكيلا يشتبه خطه. قال الصيمري: وقل ما وجد4 التزوير على المفتي، وذلك أن الله تعالى حرس أمر الدين5. وإذا كتب الجواب "أعاد"6 نظره فيه خوفًا من أن يكون قد أخل بشيء منه7، والله أعلم. السابعة: إذا كان هو المبتدئ بالإفتاء فيها، فالعادة جارية قديمًا وحديثًا بأن يكتب فتواه في الناحية اليسرى من الورقة؛ لأن ذلك أمكن له، ولو كتب في غيرها فلا عيب عليه، إلا أن يرتفع إلى أعلاها ترفعًا، ولا سيما فوق البسملة. وفيما وجدناه عن أبي القاسم الصيمري: أن كثيرًا من الفقهاء يبدأ في فتواه بأن يقول: الجواب وبالله التوفيق. وحذف ذلك آخرون. قال: ولو عمل فيما طال من المسائل وحذف فيما سوى ذلك لكان وجهًا، ولكن لا يدع أن يختم جوابه بأن يقول: وبالله التوفيق، أو والله الموفق، أو والله أعلم. قال: وكان بعض السلف إذا أفتى يقول: "إن كان هذا8 صوابًا فمن الله، وإن

_ 1 في ف وج وش: "وكذا". 2 من ف وج وش وفي الأصل: "من". 3 من ف وج وش وفي الأصل: "توسعها". 4 في الأصل: "في التزوير". 5 المجموع: "1/ 85-86". 6 من ف وج وش وفي الأصل: "عاد". 7 المجموع: "1/ 85-86"، صفة الفتوى: 59. 8 سقطت من ف وج وش.

كان خطأ فمني"1، قال: وهذا معنى كره في هذا الزمان لأن إضعاف نفس السائل، وإدخال قلبه الشك في الجواب. قال: وليس يقبح منه أن يقول: الجواب عندنا، أو الذي عندنا، أو يقول: الذي نراه، كذا وكذا، لأنه من جملة أصحابه وأرباب مقالته2. والله أعلم. الثامنة: روي عن مكحول3، ومالك رضي الله عنهما: أنهما كانا لا يفتيان حتى يقولا: "لا حول ولا قوة إلا بالله"4. ونحن نستحب للمفتي ذلك5 مع غيره، فليقل إذا أراد الإفتاء: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} 6 {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} الآية7. {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي} 8. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. سبحانك اللهم، وحنانيك

_ 1 أخرج ابن سعد وابن عبد البر في العلم، عن محمد بن سيرين قال: لم يكن أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أهيب لما لا يعلم من أبي بكر رضي الله عنه، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب لما لا يعلم من عمر، وإن أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد لها في كتاب الله تعالى أصلا، وفي السنة أثرًا فقال: أجتهد رأيي، فإن يكن صوابًا فمن الله وإن يكن خطأ فمني، وأستغفر الله، كذا في كنز العمال الطبعة الهندية: 5/ 241, وانظر أقوال عمر رضي الله عنه في مصنف عبد الرزاق الأثر رقم "19045". 2 المجموع: 1/ 86، صفة الفتوى: 59. 3 هو "أبو عبد الله مكحول الدمشقي، عالم أهل الشام، الفقيه قال أبو حاتم: ما بالشام أحد أفقه من مكحول. توفي سنة اثنتي عشرة ومائة وقيل غير ذلك". ترجمته في طبقات ابن سعد: 7/ 453، طبقات خليفة: 310، تاريخ خليفة: 345، الجرح: 8/ 407، حلية الأولياء: 5/ 177، تهذيب الكمال: 1368، تذكرة الحفاظ: 1/ 107. 4 طبقات الفقهاء للشيرازي: 84، المجموع: 1/ 76، صفة الفتوى: 60، إعلام الموقعين: "4/ 257، 258". 5 سقطت من ف وج. 6 البقرة الآية: 32. 7 الأنبياء الآية: 79. 8 سورة طه الآيات: "25-28".

اللهم، اللهم لا تَنسني ولا تُنسني، الحمد لله أفضل الحمد، اللهم صل على محمد وعلى آله وسائر النبيين، والصالحين1، "وسلم"2، اللهم وفقني واهدني وسددني، واجمع لي بين الصواب والثواب، وأعذني من الخطأ والحرمان آمين. فإن3 لم يأت بذلك عند كل فتوى، فليأت به عند أول فتيا يفتيها في يومه لما يفتيه في سائر يومه مضيفًا إليه قراءة الفاتحة وآية الكرسي، وما تيسر، فإن من ثابر على ذلك كان حقيقًا بأن يكون موفقًا في فتاويه4. والله أعلم. التاسعة: بلغنا عن القاضي أبي الحسن الماوردي صاحب كتاب "الحاوي"، قال: إن المفتي عليه أن يختصر جوابه فيكتفي فيه بأن يجوز أو لا يجوز، أو حق أو باطل، ولا يعدل إلى الإطالة والاحتجاج ليفرق بين الفتوى والتصنيف، قال: ولو ساغ التجاوز إلى قليل لساغ إلى كثير، ولصار المفتي مدرسًا، ولكل مقام مقال5. وذكر شيخه أبو القاسم الصيمري، عن شيخه القاضي أبي حامد "المرورذي"6: "أنه كان يختصر في فتواه غاية ما يمكنه، واستفتي في مسألة، قيل في آخرها: أيجوز ذلك أم لا؟ فكانت فتواه: لا، وبالله التوفيق"7. قلت8: الاقتصار على لا أو نعم لا يليق بغي العامة، وإنما يحسن بالمفتي الاختصار الذي "لا يخل بالبيان المشترط عليه دون ما يخل به، فلا يدع إطالة"9 لا يحصل البيان بدونها، فإذا كانت فتياه فيما يوجب القود أو الرجم مثلا فليذكر الشروط

_ 1 ساقطة من ف. 2 من ف وج وش. 3 في ف وج: "وإن". 4 المجموع: 1/ 86، صفة الفتوى: "59-60". 5 صفة الفتوى: "60-61". 6 من ف وج وش وفي الأصل "المروذي", وفي حاشية ج "المروذي اختصار من المرورذي" 7 المجموع: 1/ 158، صفة الفتوى: "60-61". 8 في ش: "قال المصنف رضي الله عنه". 9 سقطت من ف.

التي يتوقف عليها القود والرجم. وإذا استفتي فيمن قال قولا يكفر به، بأن قال: الصلاة لعب، أو الحج عبث، أو نحو ذلك. فلا يبادر بأن يقول: هذا حلال الدم ويُقتل1. بل يقول: إذا ثبت عليه ذلك بالبينة أو بالإقرار2، استتابه السلطان، فإن تاب قبلت توبته، وإن أصر ولم يتب قتل وفعل به كذا وكذا، وبالغ في تغليظ أمره، وإن كان الكلام الذي قاله يحتمل أمورًا لا يكفر3 ببعضها، فلا يطلق جوابه، وله أن يقول: ليسأل عما أراد بقوله، فإن أراد كذا فالجواب كذا، وإن أراد كذا فالحكم فيه كذا، وقد سبق الكلام فيما شأنه التفصيل. وإذا استفتي عما4 يوجب التعزير، فليذكر قدر ما يعزره به السلطان فيقول: يضرب ما بين كذا إلى كذا ولا يزاد على كذا، خوفًا من أن يضرب بفتواه إذا أطلق القول ما لا يجوز ضربه5، ذكره الصيمري. قلت: وإذا قال: عليه التعزير بشرطه، أو القصاص بشرطه. فليس بإطلاق، وتقييده بشرطه يبعث من لا يعرف الشرط من ولاة الأمر على6 السؤال عن شرطه، والبيان7 أولى. والله أعلم. العاشرة: إذا سئل عن مسألة ميراث، فالعادة غير جارية بأن يشترط في جوابه في الورثة عدم الرق، والكفر والقتل، وغيرها من الموانع، بل المطلق محمول على ذلك بخلاف ما إذا أطلق السائل ذكر الأخوة والأخوات والأعمام وبنيهم، فلا بد أن يشترط في الجواب، فيقول: من أبٍ وأم, أو من أبٍ، أو من أم.

_ 1 في ش: "أو يقتل". 2 في ف وج وش: "الإقرار". 3 في ف وج "يكفر". 4 في ف وج: "فيما". 5 انظر: الفقيه والمتفقه: 2/ 190، المجموع: 1/ 87، صفة الفتوى: "60-61". 6 في ش: "عن". 7 المجموع: "1/ 87-88"، صفة الفتوى: 61.

وإذا سئل عن مسألة فيها عول كالمنبرية1، وهي: زوجة وأبوان وبنتان. فلا يقل للزوجة الثمن، ولا للزوجة التسع، لأن أحدًا من السلف لم يقله. بل إما أن يقول: للزوجة ثمن عائل، وهو ثلاثة أسهم من سبعة وعشرين سهمًا. أو2 يقول ما قاله أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: "صار ثُمُنُها تِسعًا"3، أو يقول4: لها سهمًا5 من كذا وكذا، وإذا6 كان في المذكورين في السؤال من لا يرث أفصح بسقوطه، فقال: وسقط فلان، وإن كان سقوطه في صورة دون صورة، قال: وسقط7 فلان في هذه المسألة، أو نحو ذلك, وإذا سئل عن أخوة وأخوات، أو بنين وبنات،

_ 1 المسألة "المنبرية" "هي ما اشتهر عن علي رضي الله عنه أنه كان يخطب على منبر الكوفة فقال: "الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعًا ويجزئ كل نفس بما تسعى، وإليه الم آل والرجعى ... " فقطع عليه ابن الكواء خطبته ليسأله عن رجل توفي وترك زوجة وبنتين وأمًّا وأبًا، فأدرك علي رضي الله عنه أن القصد من السؤال هو التأكد من نصيب الزوجة. فبادره علي بالجواب وقال متابعًا خطبته دون توقف: "صار ثمنها تسعًا" ومضى في خطبته ... وكأنه أراد أن يقول رضي الله عنه: إن المسألة قد عالت ولذلك نقص نصيب الزوجة من الثمن إلى التسع وهذه صورتها: انظر: موسوعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. د/ محمد رواس قلعجي، دار الفكر بدمشق الطبعة الأولى 1403هـ-1983م. "ص72-73". مصنف ابن أبي شيبة: 2/ 183، ومصنف عبد الرزاق: 10/ 258، سنن البيهقي: 6/ 253، مسند زيد: 5/ 66، المغني: 6/ 193. 2 في ف وج: "ويقول". 3 مصنف ابن أبي شيبة: 2/ 183، ومصنف عبد الرزاق: 10/ 258، سنن البيهقي: 6/ 253، مسند زيد: 5/ 66، المغني: 6/ 193، موسوعة فقه علي بن أبي طالب: "72-73". 4 في ف وج: "ويقول". 5 في ف وج: "سهمان", وفي ش: "لها كذا أسهمًا". 6 في ف وج: "فإذا". 7 في ف وج: "سقط".

فلا ينبغي إلا أن يقول: يقتسمون التركة على كذا وكذا سهمًا، لكل ذكر كذا سهمًا، ولكل أنثى كذا سهمًا، ولا يقل: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} 1، فإن ذلك يشكل على العامي، هذا رأي الإمام أبي القاسم الصيمري. ونحن نجد في تعمد العدول عنه حزازة في النفس لكونه2 لفظ القرآن العظيم، وأنه قل ما يخفى معناه على أحد. وسبيله أن يكون في جواب مسائل المناسخات شديد التحرز والتحفظ، وليقل فيها: لفلان كذا وكذا، من ذلك كذا من3 ميراثه من فلان، وكذا بميراثه من فلان، وحسن أن يقول في قسمة المواريث: تقسم التركة بعد إخراج ما يجب تقديمه من دين أو وصية إن كانا4. والله أعلم. الحادية عشرة5: ليس للمفتي أن يبني6 ما يكتبه من جوابه على ما يعلمه7 من صورة الواقعة المستفتي عنها إذا لم يكن في الرقعة8 تعرض له، وكذا إذا زاد9 السائل شفاهًا ما ليس في الرقعة تعرض له ولا له به تعلق، فليس للمفتي أن يكتب جوابه في الرقعة، ولا بأس بأن يضيفه إلى السؤال بخطه، وإن لم يكن من الأدب كون السؤال جميعه بخط المفتي على ما سبق، ولا بأس أيضًا لو كتب بعد جوابه عما في الرقعة: زاد السائل من لفظه كذا وكذا، والجواب عنه كذا وكذا، وإذا كان المكتوب في الرقعة على خلاف الصورة الواقعة وعلم المفتي بذلك، فليفتِ على ما وجد في

_ 1 النساء آية: "11". 2 في ف وج: "لكون". 3 في ش: "بميراثه". 4 نقل النووي هذه الفقرة بنصها وعزاها لابن الصلاح في المجموع: "1/ 89-90". صفة الفتوى: 62. 5 في ج: "عشر". 6 في صفة الفتوى: 62 "يبين". 7 في ف: "لا ما يعلم". 8 في ف وج: "الواقعة". 9 في ف وج "أراد".

الرقعة1، وليقل: هذا إن كان الأمر على ما ذكر. وإن كان كيت وكيت، ويذكر2 ما علمه من "الصورة"3، فالحكم كذا وكذا. قلت: وإذا زاد المفتي على جواب المذكور في السؤال ما له به تعلق ويحتاج إلى التنبيه عليه "فذلك حسن، والله أعلم4. الثانية عشرة5: لا ينبغي إذا ضاق موضع الفتوى عنها أن يكتب الجواب في رقعة أخرى، خوفًا من الحيلة عليه"6. ولهذا انبغى أن يكون جوابه موصولا آخر سطر في الرقعة، ولا يدع بينهما فرجة خوفًا من أن يثبت السائل فيها غرضًا "آخر"7 له ضارًّا، وكذا إذا كان في موضع الجواب ورقة ملزقة8 كتب على موضع الإلزاق وشغله بشيء، وإذا أجاب على ظهر الرقعة فينبغي أن يكون الجواب في أعلاها لا ذيلها، اللهم إلا أن يبتدئ الجواب في أسفلها متصلا بالاستفتاء فيضيق عليه الموضع فيتمه وراء هذا مما يلي أسفلها ليتصل جوابه، واختار بعضهم أن يكتب9 على ظهرها ولا يكتب على حاشيتها بطولها، والمختار أن حاشيتها أولى بذلك من ظهرها، والأمر في ذلك قريب10. والله أعلم. الثالثة عشرة11: إذا رأى المفتي رقعة الاستفتاء قد سبق الجواب فيها من ليس أهلا للفتوى، فعن الإمام أبي القاسم الصيمري رضي الله عنه: "أنه لا يفتي معه،

_ 1 سقط من ف. 2 في ف وج: "ويذكر فيها ما علمه". 3 من ف وج وش، وجاء في الأصل: "الصواب". 4 صفة الفتوى: "62-63" حيث اقتبس الفقرة الحادية عشرة بنصها من ابن الصلاح رحمه الله تعالى، المجموع: "1/ 84-85". 5 في ج: "عشر". 6 من ف وج وش. 7 من ش. 8 في ف وج: "ملصقة". 9 في ج: "لا يكتب". 10 المجموع: 1/ 88، صفة الفتوى: 63، إعلام الموقعين: 4/ 256. 11 في ج: "عشر".

لأن فيه تقريرًا لمنكر، بل يضرب على ذلك بإذن صاحب الرقعة، ولو لم يستأذنه في هذا القدر جاز، لكن ليس له احتباس الرقعة إلا بإذن صاحبها، وله انتهار السائل وزجره، وتعريفه قبح ما أتاه، وأنه قد كان واجبًا عليه البحث "عن"1 أهل الفتوى، وطلب من يستحق ذلك، "وإن"2 رأى فيها اسم من لا يعرفه سأل عنه، فإن لم يعرفه فواسع أن يمتنع من الفتوى معه خوفًا مما قلناه. قال: وكان بعضهم في مثل هذا يكتب على ظهرها, والأولى في هذه المواضع أن يشار على صاحبها بإبدالها، فإن أبى ذلك أجابه شفاهًا"3. قلت: وإذا خاف فتنة من الضرب على فتيا العادم للأهلية، ولم تكن خطأ عدل إلى الامتناع من الفتيا معه، وإن غلبت فتاويه لتغلبه على منصبها بجاه أو "تلبيس"4 أو غير ذلك، بحيث صار امتناع الأهل من الفتيا معه ضارًّا بالمستفتين5، فليفتِ معه، فإن ذلك أهون الضررين وليتلطف مع ذلك في إظهار قصوره لمن يجهله6، والله أعلم. الرابعة عشرة7: إذا ظهر له أن الجواب على خلاف غرض المستفتي وأنه لا يرضى بكتبه ورقته، فليقتصر على مشافهته بالجواب8. حدثني الشيخ أبو المظفر عبد الرحيم9 ابن الحافظ أبي سعد10 عبد الكريم

_ 1 من ف وج وش وفي الأصل: "من". 2 من ف وش وفي الأصل "فإن". 3 المجموع: 1/ 90، صفة الفتوى: 64. 4 من ف وج وش وفي الأصل: "تدريس". 5 في ف وج: "للمستفتين". 6 المجموع: 1/ 90، صفة الفتوى: 64. 7 في ج: "عشر". 8 المجموع: 1/ 88، صفة الفتوى: 164. 9 هو "أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني، أسمعه والده، وطاف به بلاد خراسان، وما وراء النهر، وخرج له والده "معجمًا لمشايخه"، توفي سنة سبع عشرة وستمائة". ترجمته في: وفيات الأعيان: 2/ 381، العبر: 2/ 68، اللسان: 4/ 6. 10 في ف وج: "سعيد".

السمعاني بمدينة مرو، والده1 "رحمهما الله"2، قال: سمعت أبا السعادات المبارك بن الحسين الشاهد3 بواسط يقول: دخلت على قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني4 وكان معي رقعة فيها مسألة، فسألته الجواب عنها، فأخذ الرقعة وشرع يكتب الجواب، وكنت أدعو له، فقال: المعنى إذا وافق جوابه غرض المستفتي يدعو له، وإذا لم يوافق سكت، ثم قال: غرم شيخنا أبو الحسين ابن القدوري5 لرجل ورقة أفتى يومًا في مسألة استفتي عنها، فاتفق الجواب على خلاف غرض المستفتي، فقال له: يا شيخ أتلفت ورقتي. قال: فأخرج شيخنا ورقة من عنده، وقال: هاك عوضها. والله أعلم.

_ 1 هو "تاج الإسلام الحافظ العلامة أبو سعد عبد الكريم بن منصور المروزي، صنف "الدليل" على تاريخ بغداد للخطيب، و"تاريخ مرو" و"الأنساب"، وغير ذلك، توفي سنة اثنتين وستين وخمسمائة" ترجمته في البداية والنهاية: 12/ 175، المنتظم: 10/ 224، تذكرة الحفاظ: 4/ 1316، العبر: 4/ 178، مرآة الجنان: 14/ 371. 2 سقطت من ف وج. 3 كذا في النسخ، ولعله: "مبارك بن الحسين أبو الخير الغسال المقرئ، تكلم فيه ابن ناصر، ومشاه غير واحد، رحل إلى واسط، روى عنه أبو طاهر السبخي، وابن السمعاني إجازة. قال ابن السمعاني: كان أديبًا ماهرًا صالحًا ثقة حسن الصوت، مات سنة عشرة وخمسمائة، والغسال بغين معجمة". ترجمته في: المنتظم: 9/ 190، تذكرة الحفاظ: 4/ 1261، العبر: 4/ 21، المشتبه: 2/ 457، ميزان الاعتدال: 3/ 430، معرفة القراء الكبار: 1/ 465، غاية النهاية: 2/ 40، لسان الميزان: 5/ 8، شذرات الذهب: 4/ 27. 4 هو "قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الدامغاني: بالدال المفتوحة المشددة المهملة، والميم المفتوحة والغين المنقوطة بلدة من بلاد قومس، ولي القضاء ببغداد مدة، وكان إليه الرئاسة والتقدم، وكان فقيهًا فاضلا، توفي سنة ثمان وسبعين وأربعمائة ببغداد". ترجمته في تاريخ بغداد: 3/ 109، والأنساب: 5/ 259. 5 هو "الفقيه أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان المعروف بالقدوري، من أهل بغداد، كان فقيهًا صدوقًا، انتهت إليه بالعراق رياسة أصحاب أبي حنيفة، توفي سنة ثمان وعشرين وأربعمائة"، ترجمته في: تاريخ بغداد: 4/ 377، الأنساب: 10/ 76، والجواهر المضية ترجمة رقم: "179".

الخامسة عشرة1: إذا وجد في رقعة2 الاستفتاء فتيا غيره، هي خطأ "قطعًا إما"3 خطأ مطلقًا لمخالفتها الدليل القاطع، وإما خطأ على مذهب من يفتي ذلك الغير على مذهبه قطعًا، فلا يجوز له الامتناع من الإفتاء تاركًا للتنبيه على "خطتها"4 إذا لم يكفه ذلك غيره، بل عليه "الضرب"5 عليها عند تيسره، أو الإبدال وتقطيع6 الرقعة بإذن صاحبها أو نحو ذلك. وإذا تعذر ذلك وما يقوم مقامه كتب صواب جوابه عند ذلك الخطأ، ثم إن كان المخطئ أهلا للفتوى فحسن أن تعاد إليه بإذن صاحبها، وأما إذا وجد فيها فتيا ممن هو أهل للفتوى وهي على خلاف ما يراه هو، غير أنه لا يقطع "بخطئها"7، فليقصر على أن يكتب جواب نفسه، ولا يتعرض لفتيا غير بتخطئة8 ولا اعتراض عليه9. وبلغنا: أن الملك الملقب بجلال الدولة من ملوك الديلم المتسلطين على الخلفاء لما زيد في ألقابه شاها نشاه الأعظم، ملك الملوك، وخطب10 له بذلك ببغداد على المنبر، جرى في ذلك ما أحوج إلى استفتاء فقهاء بغداد في جواز ذلك وذلك في سنة تسع وعشرين وأربعمائة، فأفتى غير واحد من أئمة العصر بجواز ذلك منهم:

_ 1 في ج: "عشر". 2 في ش: "كتاب". 3 ساقطة من ف. 4 في الأصل: "خطائه"، وفي ف وج وش:"خطائها" وما أثبته هو الموافق للمجموع، وصفة الفتوى حيث اقتبسوا كلام ابن الصلاح هذا بنصه. 5 من ف وج, وش وفي الأصل: "ضرر". 6 في ف وج "يقطع". 7 كذا كتبت في النسخ: "بخطائها". والمثبت من المجموع، وصفة الفتوى. 8 في ف وج: "بتخطئته". 9 المجموع: "1/ 90-91"، صفة الفتوى: 65. 10 في ف وج: "وخطبت".

القاضي الإمام أبو الطيب الطبري، وأبو القاسم الكرخي1، وابن البيضاوي2، الشافعيون. والقاضي أبو عبد الله الصيمري3، الحنفي، وأبو محمد التميمي الحنبلي4، ولم يفت معهم القاضي أبو الحسن الماوردي، فكتب إليه كاتب الخليفة يخصه بالاستفتاء في ذلك، فأفتى بأن ذلك لا يجوز5، ولقد أصاب في تحريمه

_ 1 هو "الشيخ أبو القاسم منصور بن عمر بن علي البغدادي الكرخي، تفقه على الشيخ أبي حامد الإسفراييني، روى عنه الخطيب البغدادي. توفي سنة سبع وأربعين وأربعمائة". ترجمته في تاريخ بغداد: 13/ 87، طبقات الفقهاء للشيرازي: 129، طبقات الشافعية الكبرى: 5/ 334. 2 قال السبكي: "واعلم أن البيضاوي في هذه الطبقة من أصحابنا ثلاثة: هذا القاضي "محمد بن أحمد بن العباس الفارسي القاضي" وختن القاضي أبي الطيب الطبري، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد ... " الطبقات الكبرى: 4/ 97. قلت: أما "محمد بن أحمد بن العباس الفارسي القاضي، أبو بكر البيضاوي" "توفي سنة468هـ" كذا في معجم المؤلفين: 8/ 273، ولعله وهم نشأ من الترجمة الآتية. ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 96 ولم يذكر سنة وفاته. والثاني هو: "القاضي أبو الحسن محمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد البيضاوي، ختن القاضي أبي الطيب، توفي سنة ثمان وستين وأربعمائة"، ترجمته في تاريخ بغداد: 3/ 239، طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 196 وجاء فيها "توفي سنة ثمان وثمانين وأربعمائة" وفي نسخ أخرى "ثمان وستين"، الأنساب: 2/ 368. والثالث هو "القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد البيضاوي، توفي سنة أربع وعشرين وأربعمائة"، ترجمته في تاريخ بغداد: 5/ 476، طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 152، الأنساب: 2/ 368، فأما "أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد البيضاوي" فهو ليس بصاحب الفتوى قطعًا لأنه توفي قبل وقوعها ولم تصرح المصادر التي ذكرت الحادثة باسم البيضاوي صاحب الفتوى والله تعالى أعلم. 3 هو "أبو عبد الله الحسين بن علي بن محمد بن جعفر الصيمري، أحد الفقهاء المذكورين من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وروى عنه أبو بكر الخطيب، وقال: كان صدوقًا، وافر العقل، جميل المعاشرة، عارفًا بحقوق أهل العلم. توفي سنة ست وثلاثين وأربعمائة"، ترجمته في تاريخ بغداد: 8/ 78، الأنساب: 8/ 128. 4 هو "ابو محمد رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز التميمي الحنبلي، توفي سنة ثمان وثمانين وأربعمائة", ترجمته ومصادرها في سير أعلام النبلاء: 18/ 609. 5 انظر الحادثة وامتناع الإمام الماوردي عن الفتوى في الكامل لابن الأثير: "9/ 459-460"، البداية والنهاية: "12/ 43-44" وذكر كلام ابن الصلاح رحمه الله تعالى وسمى كتابه "أدب المفتي"، طبقات الشافعية الكبرى: "5/ 270-272".

ذلك، وأخطئوا في تجويزه1. فلما وقفوا على جوابه تصدوا لنقضه، وأطال القاضيان أبو "الطيب"2 الطبري، وأبو عبد الله الصيمري في التشنيع عليه، فأجاب الماوردي عن كلامهما بجواب طويل يذكر فيه أنهما أخطآ من وجوه منها: أنه لا يسوغ لمفت إذا استفتي أن يتعرض لجواب غيره برد ولا تخطئة، ويجيب بما عنده من موافقة أو مخالفة، فقد يفتي أصحاب الشافعي بما يخالفهم فيه أصحاب أبي حنيفة، فلا يتعرض أحد منهم لرد على صاحبه4 والله أعلم. السادسة عشرة5: إذا لم يفهم المفتي السؤال أصلًا ولم يحضر صاحب الواقعة، فعن القاضي أبي القاسم الصيمري الشافعي: "رحمه الله"6: "أن له أن يكتب: يزاد في الشرح لنجيب عنه، أو لم أفهم ما فيها7 فأجيب عنه8"9.

_ 1 هذا هو الحق والصواب، فقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخنع اسم عند الله: رجل تسمى ملك الأملاك" , زاد في رواية: لا مالك إلا الله، قال سفيان: مثل: "شاهان شاه". وأخنع أذل. رواه البخاري: 10/ 486 في الأدب، باب أبغض الأسماء إلى الله حديث رقم "6205، 6206"، ومسلم في الأدب، باب تحريم التسمي بملك الأملاك، حديث رقم: "2143"، والترمذي في الأدب، باب "65" حديث رقم: "2839"، وأبو داود في الأدب، باب تغيير الأسماء حديث رقم: "4961", وأحمد في المسند: 2/ 244. قال الحافظ ابن الحجر في الفتح: 10/ 590 "وشاهان شاه: بسكون النون وبهاء في آخره، وقد تنون وليست هاء تأنيث، فلا يقال بالمثناة أصلا، وقد تعجب بعض الشراح من تفسير سفيان بن عيينة اللفظة العربية باللفظة العجمية، وأنكر ذلك آخرون، وهو غفلة منهم عن مراده وذلك أن على الاسم الذي ورد الخبر بذمه لا ينحصر في ملك الأملاك، بل كل ما أدى معناه بأي لسان فهو مراد الذم ... وقد منع الماوردي من جواز تلقيب الملك الذي كان في عصره بملك الملوك ... ". 2 من ف وج وش. 3 في ف وج: "بعض أصحاب". 4 المجموع: 1/ 91، صفة الفتوى: 65. 5 في ج: "عشر". 6 ساقطة من ج. 7 في الأصل "أفهم عنه" غير أنه وضع خطًّا صغيرًا على "عنه". 8 في ش: "عنها". 9 المجموع: 1/ 91، صفة الفتوى: 65.

وقال بعضهم: لا يكتب شيئًا أصلا. قال: ورأيت بعضهم كتب في مثل هذا: يحضر السائل لنخاطبه شفاهًا1. وإذا اشتملت الرقعة على مسائل فهم بعضها دون بعض، أو فهمها كلها ولم يرد الجواب عن بعضها، أو احتاج في بعضها إلى مطالعة رأيه أو كتبه، سكت عن ذلك البعض "وأجاب"2 عن البعض الآخر. وعن الصيمري: أنه يقول في جوابه: فأما باقي المسائل فلنا فيه نظر، أو يقول: مطالعة، أو يقول: زيادة تأمل3. قلت4: وإذا فهم من5 السؤال صورة وهو يحتلم غيرها، فلينص عليها في أول جوابه، فيقول: إن كان قد قال: كذا وكذا، أو فعل كذا وكذا6، أو ما أشبه هذا، ثم يذكر حكم ذلك. والله أعلم. السابعة عشرة7: ليس بمنكر أن يذكر المفتي في فتواه الحجة إذا كانت نصًّا واضحًا مختصرًا مثل أن يسأل عن عدة الآية، فحسن أن يكتب في فتواه: قال الله "تبارك و"8 تعالى: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} 9. أو يسأل: هل يطهر جلد الميتة "بالدباغ"10؟ فيكتب: نعم

_ 1 الفقيه والمتفقه: "2/ 176-187"، المجموع: 1/ 91، صفة الفتوى: 65. 2 من ف وج وش، وفي الأصل: "أجاب". 3 الفقيه والمتفقه: 2/ 187، المجموع: 1/ 91، صفة الفتوى: 66. 4 في ش: "قال المصنف رضي الله عنه". 5 في ف وج "عن". 6 صفة الفتوى: 66. 7 في ج: "عشر". 8 من ف وج وش. 9 الطلاق آية: "4". 10 من ف وج وش وفي الأصل: "الدباغ".

يطهر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب 1 دبغ فقد طهر" 2. وأما الأقيسة وشبهها فلا ينبغي له ذكر شيء منها. وفيما وجدناه عن الصيمري قال: لم تجر العادة أن يذكر في فتواه طريق الاجتهاد، ولا وجه القياس والاستدلال، اللهم إلا أن تكون الفتوى تتعلق بنظر قاض فيومئ فيها إلى طريق الاجتهاد، ويلوح بالنكتة التي عليها بنى الجواب، أو يكون غيره قد أفتى فيها بفتوى غلط فيها عنده، فيلوح بالنكتة التي أوجبت خلافه ليقم3 عذره في مخالفته4. قلت5: وكذلك لو كان فيما يفتي به غموض فحسن أن يلوح بحجته، وهذا التفصيل أولى مما سبق قريبًا ذكره عن القاضي الماوردي من إطلاقه القول: بالمنع من تعرضه للاحتجاج, وقد يحتاج المفتي في بعض الوقائع إلى أن يشدد ويبالغ فيقول: هذا6 إجماع المسلمين, أو: لا أعلم في هذا خلافًا, أو: فمن خالف هذا فقد خالف الواجب وعدل عن الصواب, أو: فقد أثم وفسق, أو: على ولي الأمر أن يأخذ بهذا ولا يهمل الأمر, وما أشبه هذه الألفاظ على حسب ما تقضيه المصلحة وتوجبه الحال7، والله أعلم.

_ 1 "الجلد، وقيل: إنما يقال للجلد إهاب قبل الدبغ، فأما بعده فلا، وقيل: هو كل جلد دبغ أو لم يدبغ"، انظر النهاية: 1/ 83، تاج العروس مادة "أهب". 2 رواه مسلم في الحيض، باب طهارة جلود الميتة، حديث رقم: "366"، وأبو داود في اللباس، باب أهمية الميتة، حديث رقم "4123"، والترمذي في اللباس، باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت حديث رقم: "1728"، والنسائي: 7/ 173 في الفروع والعتيرة، باب جلود الميتة. ومالك في الموطأ: 2/ 498 في الصيد، باب ما جاء في جلود الميتة، والشافعي كما في ترتيب المسند: 1/ 26، وأحمد في المسند: "1/ 219، 227، 237 و261-262" وغير ذلك من الصفحات. 3 في ف وج: "ليفهم". 4 الفقيه والمتفقه: "2/ 191-192"، المجموع: 1/ 90، صفة الفتوى: 66، وانظر إعلام الموقعين: 4/ 161-163، 260". 5 في ش: "قال المصنف رضي الله عنه". 6 في ش: "وهذا". 7 الفقيه والمتفقه: 2/ 192، المجموع: "1/ 91-92"، صفة الفتوى: "66-67"، إعلام الموقعين: 4/ 260.

الثامنة عشرة1: يجب على المفتي عند اجتماع الرقاع بحضرته أن يقدم الأسبق فالأسبق، كما يفعله القاضي عند اجتماع الخصوم، وذلك فيما يجب عليه فيه الإفتاء، وعند التساوي، أو الجهل بالسابق يقدم بالقرعة، والصحيح أنه يجوز له تقديم المرأة والمسافر الذي شد رحله، وفي تأخيره تخلفه عن رفقته2 على من سبقهما، إذا كثر المسافرون والنساء بحيث يلحق غيرهم من تقديمهم ضرر كبير فيعود بالتقديم3 إلى السبق4 أو القرعة، ثم لا يقدم من يقدمه إلا في5 فتيا واحدة6، والله أعلم. التاسعة عشرة7: ليحذر أن يميل في فتياه مع المستفتي أو مع خصمه، ووجوه الميل كثيرة لا تخفى ومنها: أن يكتب في جوابه ما هو له، ويسكت عما هو عليه. وليس له أن يبتدئ في مسائل الدعاوي والبينات بذكر وجوه المخالص منها. وإذا سأله أحدهم وقال: بأي شيء تندفع دعوى كذا وكذا، أو بينة كذا وكذا؟ لم يجبه كيلا يتوصل بذلك إلى إبطال حق، وله أن يسأله عن حاله فيما ادعي عليه، فإذا شرحه له عرفه بما فيه من دافع وغير دافع8. والله أعلم. العشرون: ليس له إذا استفتي في شيء من المسائل الكلامية أن يفتي بالتفصيل، بل يمنع مستفتيه وسائر العامة من الخوض في ذلك أصلا، ويأمرهم بأن يقتصروا فيها على الإيمان جملة من غير تفصيل، ويقولوا فيها وفيما ورد من الآيات

_ 1 في ج: "عشر". 2 في المجموع: 1/ 89 "وفي تأخيره ضرر بتخلفه عن رفقته". 3 في ف وج وش: "إلى التقديم". 4 في ف وج وش: "بالسبق". 5 سقطت من ف وج. 6 المجموع: 1/ 89، صفة الفتوى: 67. 7 في ج "عشر". 8 صفة الفتوى: 67.

والأخبار المتشابهة1: إن الثابت فيها في نفس الأمر كل ما هو اللائق فيها بجلال الله وكماله وتقديسه المطلقين، وذلك هو معتقدنا فيها، وليس "علينا"2 تفصيله وتعيينه، وليس البحث عنه من شأننا، بل نكل علم تفصيله إلى الله "تبارك و"2 تعالى، ونصرف عن الخوض فيه قلوبنا وألسنتنا، فهذا ونحوه عند أئمة الفتوى هو الصواب في ذلك، وهو سبيل سلف الأمة، وأئمة المذاهب المعتبرة، وأكابر الفقهاء والصالحين، وهو أصون4 وأسلم للعامة وأشباههم، ممن يدغل قلبه بالخوض في ذلك، ومن كان منهم اعتقد اعتقادًا باطلا تفصيلا، ففي إلزامه بهذا صرف له عن ذلك الاعتقاد الباطل بما هو أهون وأيسر وأسلم5. وإذا عزر ولي الأمر من حاد منهم عن هذه الطريقة، فقد تأسى بعمر بن الخطاب رضي الله عنه في تعزيره صبيغ6 بن عسل7 الذي كان يسأل عن المتشابهات8 على ذلك.

_ 1 ف ف وج: "المتشابهات". 2 من ف وج وش، وفي الأصل: "عليها". 3 من ف وج وش. 4 في ف وج: "أصوب". 5 المجموع: 1/ 92، صفة الفتوى: "44-45". 6 في الإكمال: 5/ 221 "صبيغ: بالصاد المهملة، وغين معجمة ... "، وفي المجموع: 1/ 92 "بفتح الصاد المهملة"، وفي التوضيح: 2/ 238 "واسمه بصاد مهملة مفتوحة، ثم موحدة مكسورة، ثم المثناة تحت تليها غين معجمة". ومثله المشتبه: 2/ 414، والتبصير: 3/ 855، وفي الإصابة: 3/ 458 "صبيغ، بوزن عظيم، وآخره معجمة، ابن عسل، بمهملتين الأولى مكسورة والثانية ساكنة، ويقال بالتصغير، ويقال: ابن سهل الحنظلي، له إدراك وقصته مع عمر مشهورة ... " انظر ترجمته في الإكمال: "5/ 221، 6/ 207، 208"، المشتبه: 2/ 412، التوضيح: 2/ 238، التبصير: 3/ 585، الإصابة: "3/ 458-460", والاشتقاق: 228، معجم البلدان: 4/ 124، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 6/ 386. 7 ويقال فيه: "عسيل: بضم العين وفتح السين"، الإكمال 69/ 207. 8 الرواية: "عن نافع مولى عبد الله -يعني ابن عمر- أن صبيغ العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناده من المسلمين، حتى قدم مصر، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، فلما أتاه =

والمتكلمون من أصحابنا معترفون بصحة هذه الطريقة، وبأنها أسلم لمن سلمت له، وكان الغزالي منهم في آخر أمره شديد المبالغة في الدعاء والبرهنة عليها1. وذكر شيخه الشيخ أبو المعالي في كتابه "الغياثي": أن الإمام يحرص ما

_ = الرسول بالكتاب فقرأه فقال: أين الرجل؟ فقال: في الرحل، قال عمر: أبصر به أين يكون ذهب فتصيبك مني به العقوبة الموجعة، فأتاه به، فقال عمر: تسأل محدثة؟ فأرسل عمر إلى رطائب من جريد فضربه بها حتى ترك ظهره وبرة، ثم تركه حتى برأ، ثم عادله، ثم تركه حتى برأ، فدعا به ليعود له قال: فقال صبيغ: إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برئت فأذن له إلى أرضه, وكتب إلى أبي موسى الأشعري: أن لا يجالسه أحد من المسلمين، فاشتد ذلك على الرجل، فكتب أبو موسى إلى عمر: أن قد حسنت توبته، فكتب عمر أن يأذن للناس بمجالسته". سنن الدارمي: 1/ 51، رقم "146 و150"، وأخرج روايته ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمته وانظر تهذيب ابن عساكر: "6/ 386-387"، والإصابة: "3/ 458-460". 1 دعا الإمام الغزالي رحمه الله تعالى إلى الإيمان بصفات الله تعالى كما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، من غير تشبيه ولا تعطيل، ولا حلول، ولا اتحاد، ودعا إلى نبذ وترك علم الكلام، وأنه بدعة. وأن العقيدة الحقة لا يمكن أن تؤخذ إلا من الكتاب والسنة. فقال: "وقد ألقى الله تعالى إلى عباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم عقيدة هي الحق على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، كما نطق بمعرفته القرآن والأخبار". المنقذ من الضلال: 98 وقال أيضًا يدعو إلى تنزيه الله تعالى والإيمان بصفاته "التنزيه" وأنه ليس بجسم مصور، ولا جوهر محدود مقدر ... وليس كمثله شيء، ولا هو مثل شيء ... وأنه استوى على العرش، على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده ... وأنه لا يحل في شيء، ولا يحل فيه شيء ... وأنه حي قادر، جبار قاهر ... وأنه عالم بجميع المعلومات ... وأنه مريد للكائنات مدبر للحوادث ... فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن ... وكل ذلك مما وردت به الأخبار، وشهدت به الآثار، فمن اعتقد جميع ذلك موقنًا به كان من أهل الحق وعصابة السنة، وفارق رهط الضلال والبدعة ... "، انظر كتاب تبيين كذب المفتري: "299-306"، إحياء علوم الدين: 1/ 89، طبقات الشافعية الكبرى: "6/ 230-240" وذم علم الكلام قائلا: "وأما منفعته -أي علم الكلام- فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق، ومعرفتها على ما هي عليه، هيهات فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف، ولعل التخبط والتضليل فيه أكثر من الكشف والتعريف ... وأن الطريق إلى حقائق المعرفة في هذا الوجه مسدود"، المنقذ من الضلال: 101، إحياء علوم الدين: 1/ 22 وانظر ما كتبه الأستاذ على محيي الدين القره داغي عن عقدة الإمام الغزالي في تحقيقه لكتاب "الوسيط في المذهب" للإمام الغزالي: "1/ 158، 159، 169، 170"، وسينقل ابن الصلاح عن الغزالي ما فيه الكفاية.

أمكنه على جمع عامة الخلق على سلوك سبيل السلف في ذلك1. واستفتي الغزالي في كلام الله تبارك وتعالى فكان من جوابه: وأما الخوض في أن كلامه تعالى حرف وصوت أو ليس كذلك فهو بدعة2، وكل من يدعو العوام إلى الخوض في هذا فليس من أئمة الدين3، وإنما4 هو من المضلين، ومثاله من يدعو الصبيان الذين لا يعرفون السباحة إلى خوض البحر، ومن يدعو الزمن المقعد إلى السفر في البراري من غير مركوب5. وقال في "رسالة" له: الصواب للخلق كلهم إلا الشاذ النادر الذي لا تسمح الأعصار إلا بواحد منهم أو اثنتين، سلوك مسلك السلف في الإيمان المرسل، والتصديق المجمل بكل ما أنزله الله تعالى، وأخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير بحث وتفتيش، والاشتغال بالتقوى6 ففيه شغل شاغل7. "وفي كتاب "أدب المفتي والمستفتي" للصيمري أبي القاسم: إن مما أجمع عليه أهل الفتوى8 أن من كان موسومًا9 بالفتوى"10 في الفقه، لم ينبغ أن يضع

_ 1 الغياثي: "ص: 190"، المجموع: 1/ 92، صفة الفتوى: 47. 2 انظر القول في مسألة كلام الله تعالى وافتراق الناس في ذلك في مجموع الفتاوى الكبرى لابن تيمية: "12/ 502-533". وقال القاضي علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي المتوفى سنة "792هـ" في شرح العقيدة الطحاوية: "أنه تعالى لم يزل متكلمًا، إذ شاء، ومتى شاء، وهو يتكلم به بصوت يسمع، وأن نوع الكلام قديم، وإن لم يكن الصوت المعين قديمًا، وهذا هو المأثور عن أئمة الحديث والسنة". شرح العقيدة الطحاوية: 137. وانظره بالتفصيل صفحة "136-162". 3 انظر أقوال الغزالي في تبيين كذب المفتري: 302، طبقات الشافعية الكبرى: "6/ 234-235". 4 في ش: "إنما". 5 المجموع: 1/ 92، صفة الفتوى: 46. 6 في وج: "الفتوى". 7 المجموع: 1/ 92، صفة الفتوى: 46. 8 كذا في النسخ، ومثله في صفة الفتوى: 47، وفي المجموع: 1/ 93 "التقوى". 9 في ف وج: "منسوبًا"، وفي ش: "موسومًا" ومثله في المجموع: 1/ 93. 10 من ف وج وش، وفي الأصل وفي كتاب "أدب الفتوى والمستفتي" للصيمري أبي القاسم: إن مما أجمع عليه أهل الفتوى من كان موسومًا بالفتوى فقيه شغل شغل شاغل، وفي كتاب "أدب المفتي والمستفتي" للصيمري أبي القاسم: إن مما أجمع عليه أهل الفتوى، أن من كان موسومًا بالفتوى", وهذا خلط وتكرار.

خطة بفتوى في مسألة من الكلام، كالقضاء والقدر، والرؤية، وخلق القرآن، وكان بعضهم لا يستتم قراءة مثل هذه الرقعة1. وحكى أبو عمر ابن عبد البر الفقيه الحافظ الأندلسي: الامتناع من الكلام في كل ذلك عن الفقهاء والعلماء قديمًا وحديثًا من أهل الحديث والفتوى، وقال: إنما خالف ذلك أهل البدع2. قلت3: فإن كانت المسألة مما يؤمن في تفصيل جوابها من ضرر الخوض المذكور جاز الجواب تفصيلا، وذلك بأن يكون جوابها مختصرًا مفهومًا، فما ليس له أطراف يتجاذبها المتنازعون، والسؤال عنه صادر من مسترشد خاص منقاد، أو من عامة قليلة التنازع والمماراة، والمفتي ممن ينقادون لفتواه ونحو هذا، وعلى هذا ونحوه يخرج ما جاء عن بعض السلف من بعض الفتوى في بعض المسائل، الكلامية، وذلك منهم قليل نادر4، والله أعلم5.

_ 1 المجموع: 1/ 93، صفة الفتوى: "47-48". 2 انظر جامع بيان العلم وفضله: "2/ 133-150"، المجموع: 1/ 93، صفة الفتوى: 48. 3 في ش: "قال المصنف رضي الله عنه". 4 المجموع: 1/ 93 حيث اقتبس النووي رحمه الله تعالى الفقرة "العشرون" بنصها وغزاها إلى ابن الصلاح رحمه الله تعالى، صفة الفتوى: 48. 5 في ج "والله أعلم بالصواب".

القول في صفة المستفتي وأحكامه وآدابه

القول في صفة المستفتي وأحكامه وآدابه صفته ... القول في صفة المستفتي وأحكامه وآدابه: أما صفته: فكل من لم يبلغ درجة المفتي فهو فيما يسأل عنه من الأحكام الشرعية مستفتٍ ومقلد لمن يفتيه1. وحدُّ التقليد في اختيارنا وتحريرنا: قبول قول من يجوز عليه الإصرار على الخطأ بغير حجة على عين ما قبل قوله2 فيه، ويجب عليه الاستفتاء إذا نزلت به حادثة يجب عليه تعلم حكمها3.

_ 1 انظر: البرهان: 2/ 1357، الفقرة "1545" اللمع: 125، الإحكام للآمدي: "4/ 297"، المستصفى: 2/ 387 المنخول: 472، مختصر ابن الحاجب" 305، التحرير: 4/ 241، مسلم الثبوت: 2/ 400، إرشاد الفحول: 247. 2 في ش: "ما قيل له فيه". 3 المجموع: 1/ 94، صفة الفتوى: 68.

وفي أحكامه وآدابه مسائل

وفي أحكامه وآدابه مسائل: "الأولى": اختلفوا في أنه هل يجب عليه البحث والاجتهاد عن أعيان المفتين؟ وليس هذا الخلاف على الإطلاق، فإنه يجب عليه قطعًا البحث الذي يعرف به صلاحية من يستفتيه "للإفتاء"1 إذا لم يكن قد تقدمت معرفته بذلك، ولا يجوز له استفتاء كل من اعتزى إلى2 العلم، وإن انتصب في منصب التدريس أو غيره من مناصب أهل العلم، بمجرد ذلك3. ويجوز له استفتاء من تواتر بين الناس أو استفاض فيهم كونه أهلا للفتوى، وعند بعض أصحابنا المتأخرين: إنما يعتمد قوله: أنا أهل للفتوى لا شهرته بذلك والتواتر7، لأن التواتر لا يفيد العلم إذا لم يستند إلى معلوم محسوس، والشهرة "بين"4 العامة لا يوثق بها، وقد يكون أصلها التلبيس.

_ 1 من ف وج وش، وفي الأصل: "الإفتاء". 2 في ف طمس وكأنها "اعتبار"، وفي المجموع: 1/ 94 "من انتسب إلى العلم". 3 انظر: الفقيه والمتفقه: "2/ 177-178". 4 في ف وج: "التواتر". 5 من ف وج وش وفي الأصل: "من".

ويجوز له أيضًا استفتاء من أخبر المشهور المذكور عن أهليته، ولا ينبغي أن "يكفي"1 في هذه الأزمان بمجرد تصديه للفتوى واشتهاره بمباشرتها، لا2 بأهليته لها. وقد أطلق الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وغيره: أنه يقبل فيه خبر العدل الواحد3. وينبغي أن يشترط فيه: أن يكون عنده من العلم والبصر ما يميز به الملتبس من غيره، ولا يعتمد في ذلك على خبر آحاد4 العامة، لكثرة5 ما يتطرق "إليهم"6 من التلبيس في ذلك7 إذا عرفت هذا. فإذا اجتمع اثنان أو أكثر ممن يجوز له8 استفتاؤهم فهل يجب عليه الاجتهاد في أعيانهم، والبحث عن الأعلم الأورع الأوثق ليقلده دون غيره؟ فهذا فيه وجهان: "أحدهما"9: وهو في طريقة العراق منسوب إلى أكثر أصحابنا وهو الصحيح فيها: أنه لا يجب ذلك وله استفتاء من شاء منهم، لأن الجميع أهل، وقد أسقطنا الاجتهاد عن العامي10.

_ 1 من ف وج وش وفي الأصل: "تكون". 2 في صفة الفتوى: 68 "إلا". 3 اللمع في أصول الفقه لأبي إسحاق الشيرازي: 128. 4 في ش: "الآحاد". 5 في ف وج "كثرة". 6 من ف وج وش وفي الأصل: "إليه". 7 المجموع: 1/ 94، صفة الفتوى: "67-68". 8 ساقطة من ف وج. 9 في ج "الأول". 10 المجموع: 1/ 94، صفة الفتوى: 69، وانظر اللمع: 128، المحصول: "2/ 112-114"، الإحكام للآمدي: 4/ 311 المعتمد لأبي الحسين البصري المعتزلي: "2/ 36-365", إعلام الموقعين: 4/ 261، والمستصفى: 2/ 390، المنخول: 479، التبصرة في أصول الفقه: للشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن علي الفيروزآبادي شرح وتحقيق الدكتور محمد حسن هيتو، دار الفكر: 415، المنتهى لابن الحاجب: "ص165" فواتح الرحموت: 2/ 404

"والثاني": يجب عليه ذلك، وهو قول ابن سريج، واختيار القفال المروزي، والصحيح عند صاحبه القاضي حسين1، لأنه2 يمكنه هذا القدر من الاجتهاد بالبحث والسؤال وشواهد الأحوال، فلم يسقط عنه. والأول أصح، وهو الظاهر3 من حال الأولين، ولكن متى ما اطلع4 على الأوثق منهما، فالأظهر أنه يلزمه تقليده دون الآخر، كما وجب تقديم أرجح الدليلين، وأوثق الراويين5، فعلى هذا يلزمه تقليد الأورع6 من العالمين، والأعلم من الورعين، فإن كان أحدهما أعلم والآخر أورع، قلد الأعلم على الأصح7، والله أعلم. "الثانية": في جواز تقليد الميت وجهان: "أحدهما": لا يجوز لأن أهليته زالت بموته، فهو كما لو8 فسق. والصحيح الذي عليه العمل الجواز، لأن المذاهب لا تموت بموت أصحابها، ولهذا يعتد بها بعدهم في الإجماع والخلاف، وموت الشاهد قبل الحكم "لا يمنع من الحكم"9

_ 1 هو "القاضي الحسين بن محمد بن أحمد المروروذي" تقدم: "ص: 113". 2 في ج: "أنه". 3 في ج: "الظ". 4 في ف وج: "أطلع". 5 كذا في النسخ، وفي المجموع وصفة الفتوى "الروايتين". 6 في ف وج "الورع". 7 المجموع: 1/ 95، صفة الفتوى: 70، وانظر: اللمع: 128 البرهان: "2/ 1344، الفقرة: 1519، الإحكام للآمدي: "4/ 311-312". 8 سقطت من ف وج. 9 سقطت من ف وج.

بشهادته بخلاف الفسق، والقول الأول يجر خبطًا في الأعصار المتأخرة1. "الثالثة": هل يجوز للعامي أن يتخير ويقلد أي مذهب شاء؟ لينظر، إن كان منتسبًا إلى مذهب معين بنينا ذلك على وجهين2، حكاهما القاضي حسين: في أن العامي هل له مذهب أولا؟ "أحدهما": أنه لا مذهب له، لأن المذهب إنما يكون لمن يعرف الأدلة، فعلى هذا له أن يستفتي من شاء من شافعي، أو3 حنفي, أو غيرهما4. "والثاني"5: وهو الأصح6 عند القفال المروزي، أن "له مذهبًا"7 لأنه اعتقد أن المذهب الذي انتسب إليه هو الحق، ورجحه على غيره فعليه الوفاء بموجب اعتقاده ذلك. فإن كان شافعيًّا لم يكن له أن يستفتي حنفيًّا، ولا يخالف إمامه، فقد8 ذكرنا في المفتي المنتسب ما يجوز له أن يخالف إمامه فيه، وإن لم يكن قد انتسب إلى مذهب معين فينبني ذلك فيه على وجهين ابن برهان: في أن العامي: هل يلزمه9 أن يتمذهب بمذهب معين؟ يأخذ برخصه وعزائمه؟ أحدهما: لا يلزمه ذلك كما لم10 يلزم في عصر أوائل الأمة أن يخص

_ 1 المجموع: 1/ 95، صفة الفتوى: 70، وانظر إعلام الموقعين: "4/ 215-216"، والمحصول: "2/ 3/ 97-98". 2 في ف وج: "جهتين". 3 في ف وج وش: "و". 4 المجموع: 1/ 95، صفة الفتوى: 71، وانظر طبقات الشافعية للإسنوي: 2/ 522، إعلام الموقعين: 4/ 262. 5 سقطت من ش. 6 في ف وج: "الصحيح". 7 سقطت من ش. 8 في ش: "وقد". 9 في ج: "يلزم". 10 من ف وج وش وفي الأصل: "لا".

العامي عالمًا1 معينًا "بتقليده"2. قلت3: فعلى هذا هل4 له أن يستفتي على أي مذهب شاء؟ أو يلزمه أن يبحث حتى يعلم علم مثله أسد المذاهب وأصحها أصلا فيستفتي أهله5؟ فيه وجهان مذكوران كالوجهين اللذين سبقا في إلزامه بالبحث عن الأعلم، والأوثق من المفتين. "والثاني": يلزمه ذلك، وبه قطع الكيا أبو الحسن، وهو جار "له"6 في كل من لم يبلغ رتبة الاجتهاد من الفقهاء وأرباب سائر العلوم، ووجهه أنه لو جاز له اتباع أي مذهب شاء لأفضى إلى أن يلتقط رخص المذاهب متبعًا هواه، ومتخيرًا بين التحريم والتجويز، وفي ذلك انحلال ربقة7 التكليف بخلاف العصر الأول، فإنه لم تكن المذاهب الوافية بأحكام الحوادث حينئذ قد مهدت وعرفت، فعلى هذا يلزمه أن يجتهد في اختيار مذهب يقلده على التعيين، وهذا أولى بإيجاب الاجتهاد فيه على العامي مما سبق ذكره في الاسفتاء، ونحن نمهد له طريقًا يسلكه في اجتهاده سهلا، فنقول: أولا: ليس له أن يتبع في ذلك مجرد التشهي، والميل إلى ما وجد عليه أباه، وليس له التمذهب بمذهب أحد من أئمة الصحابة، وغيرهم من الأولين، وإن كانوا

_ 1 في ف وج: "علمًا". 2 من ف وج وش وفي الأصل: "تقليده". 3 في ش: "قال المصنف رضي الله عنه". 4 سقطت من ف. 5 في ش: "أهلها". 6 من ف وج. 7 في ف وج: "رتبة".

أعلم، وأعلى درجة ممن1 بعدهم، لأنهم لم يتفرغوا لتدوين2 العلم وضبط أصوله وفروعه، وليس لأحد منهم مذهب مهذب محرر مقرر، وإنما قام بذلك من جاء بعدهم من الأئمة الناخلين3 لمذاهب الصحابة والتابعين، القائمين بتمهيد أحكام الوقائع قبل وقوعها، الناهضين بإيضاح أصولها وفروعها، كمالك وأبي حنيفة وغيرهما4. ولما كان الشافعي "رحمه الله"5 قد تأخر عن هؤلاء الأئمة ونظر في6

_ 1 في ف وج: "من". 2 في ف وج: "بتدوين". 3 في ف وج: "المتأخرين". 4 المجموع: 1/ 96، صفة الفتوى: 72-73". وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: "4/ 262-263"، هل على العامي أن يتمذهب بمذهب واحد من الأئمة الأربعة؟ أحدهما: لا يلزمه، وهو الصواب المقطوع به، إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأئمة فيقلده دينه دون غيره ... بل لا يصح للعامي مذهب لو تمذهب به، فالعامي لا مذهب له، لأن المذهب إنما يكون لمن له نوع نظر واستدلال، ويكون بصيرًا بالمذاهب على حسبه، أو لمن قرأ كتابًا في فروع ذلك المذهب وعرف فتاوى إمامه وأقواله، وأما من لم يتأهل لذلك البتة بل قال: أنا شافعي، أو حنبلي، أو غير ذلك، لم يصر كذلك بمجرد القول، كما لو قال: أنا فقيه، أو نحوي، أو كاتب، لم يصر كذلك بمجرد قوله ... ولا يلزم أحدًا قط أن يتمذهب بمذهب رجل من الأئمة بحيث يأخذ أقواله كلها ويدع أقوال غيره. وهذه بدعة قبيحة حدثت في الأمة، لم يقل بها أحد من أئمة الإسلام، وهم أعلى رتبة وأجل قدرًا وأعلم بالله ورسوله من أن يلزموا الناس بذلك، وأبعد منه قول من قال: يلزمه أن يتمذهب بأحد المذاهب الأربعة. فبالله العجب! ماتت مذاهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومذاهب التابعين وتابعيهم وسائر أئمة الإسلام، وبطلت جملة إلا مذاهب أربعة أنفس فقط من بين سائر الأئمة والفقهاء، وهل قال ذلك أحد من الأئمة أو دعا إليه أو دلت عليه لفظة واحدة من كلامه؟ والذي أوجبه الله تعالى ورسوله على الصحابة والتابعين هو الذي أوجبه على من بعدهم إلى يوم القيامة، ولا يختلف الواجب ولا يتبدل، وإن اختلفت كيفيته، أو قدره باختلاف القدرة والعجز والزمان والمكان والحال فذلك أيضًا تابع لما أوجبه الله ورسوله ... ". أما عن تتبع الرخص فقال ابن القيم في إعلام الموقعين: 4/ 264: "ولكن ليس له أن يتبع رخص المذاهب وأخذ غرضه من أي مذهب وجده فيه، بل عليه اتباع الحق بحسب الإمكان". 5 من ج. 6 سقطت من ف وج.

مذاهبهم نحو نظرهم في مذاهب من قبلهم، فسبرها وخبرها وانتقدها، واختار أرجحها، ووجد من قبله قد كفاه مؤنة التصوير والتأصيل فتفرغ للاختيار والترجيح والتنقيح والتكميل، مع كمال آلته وبراعته في العلوم، وترجحه في ذلك على من سبقه، ثم لم يوجد بعده من بلغ محله في ذلك، كان مذهبه أولى المذاهب بالاتباع والتقليد، وهذا مع ما فيه من الإنصاف والسلامة من القدح في أحد من الأئمة جلي واضح، إذا تأمله العامي قاده إلى اختيار مذهب الشافعي والتمذهب به1. والله أعلم. "الرابعة": إذا اختلف عليه فتوى مفتيين، فللأصحاب فيه أوجه2: أحدهما: أنه يأخذ بأغلظها، فيأخذ بالحظر دون الإباحة، لأنه أحوط، ولأن الحق ثقيل. "والثاني": يأخذ بأخفهما3، لأنه صلى الله عليه وسلم: "بعث بالحنفية4 السمحة السهلة"5.

_ 1 المجموع: "1/ 96-97"، وقد اقتبس "أحمد بن حمدان الحنبلي" في صفة الفتوى: 74 هذا الكلام غير أنه بدل اسم الشافعي باسم أحمد رحمهما الله تعالى. وقال: "وقد ادعى الشافعية ذلك في مذهب الشافعي أيضًا ... ونحن نقول: كان الإمام أحمد أكثرهم علمًا بالأخبار، وعملًا بالآثار، واقتفاء للسلف، واكتفاء بهم دون الخلف ... ". وانظر ما نقله ابن الصلاح عن الأئمة رحمهم الله تعالى جميعًا: "أينما صح الحديث فهو مذهبي"، وانظر إعلام الموقعين: "4/ 233-234". 2 المجموع: 1/ 97، صفة الفتوى: 80، وانظر اللمع: 128، الإحكام للآمدي: 4/ 255، البرهان: 2/ 1344, الفقرة "519"، المحصول: "2/ 3/ 216- 217"، جمع الجوامع بشرح الجلال: 2/ 352، إعلام الموقعين: 4/ 264، المعتمد: 2/ 364، المنخول: 483. 3 المجموع: 1/ 97، صفة الفتوى: 80، اللمع: 128، المحصول: 2/ 3/ 214-216". 4 في ف وج "الحنفية". 5 أحمد في المسند: "5/ 266، 6/ 116، 233" "وإني أرسلت بالحنفية السمحة" ... ، وانظر: المقاصد الحسنة: 109، فيض القدير: 3/ 203" بعثت بالحنفية السمحة" عن جابر رضي الله عنه، وضعيف الجامع: 3/ 10 برقم: "2335"، كشف الخفاء: 1/ 287، تمييز الطيب من الخبيث: 36، اللمع: 128, والحنيف: "هو المائل إلى الإسلام الثابت عليه، والحنيف عند العرب: من كان على دين إبراهيم عليه السلام". النهاية: 1/ 451، وانظر تاج العروس مادة "حنف".

"والثالث": يجتهد في الأوثق1، فيأخذ2 بفتوى الأعلم الأورع كما سبق شرحه، واختاره السمعاني الكبير، ونص الشافعي على مثله في القبلة3. "والرابع": يسأل مفتيًا آخر فيعمل بفتوى من يوافقه4. "والخامس": يتخير فيأخذ بقول أيهما شاء وهو الصحيح عند الشيخ أبي إسحاق الشيرازي5، واختاره صاحب "الشامل"6، فيما إذا تساوى المفتيان في نفسه. والمختار: أن عليه أن يجتهد ويبحث عن الأرجح فيعمل به فإنه حكم التعارض وقد وقع، وليس كما سبق ذكره من الترجيح المختلف فيه عند الاستفتاء، وعند هذا ليبحث عن الأوثق، من المفتيين فيعمل بفتياه، فإنه لم يترجح أحدهما عنده استفتى آخر7، وعمل بفتوى من وافقه الآخر، فإن تعذر ذلك وكان اختلافهما في الحظر والإباحة، وقبل العمل، اختار جانب الحظر وترك "جانب الإباحة"8، فإنه أحوط وإن تساويا من كل وجه خيرناه بينهما، وإن أبينا التخيير في غيره، لأنه ضرورة في صورة نادرة. ثم "إنما"9 نخاطب بما ذكرناه المفتيين، وأما العامي الذي وقع له ذلك

_ 1 انظر اللمع: 128، المعتمد: 2/ 265، الإبهاج: 3/ 53، المجموع: 1/ 97، صفة الفتوى؛ "80-81". 2 في ف وج: "ويأخذ". 3 في ف وج: "القتل"، وما جاء في الأصل هو الموافق للمجموع: 1/ 97 وانظر الإبهاج: 3/ 253، المعتمد: "2/ 395-396". 4 المجموع: 1/ 97، صفة الفتوى: 81, وانظر اللمع: 128. 5 اللمع لأبي إسحاق الشيرازي: 128. 6 هو "عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر، أبو نصر بن الصباغ" تقدمت ترجمته: 91. 7 في ف وج "الآخر". 8 من هامش ج ولم يشر إلى دخولها في الأصل. وفي هامش الأصل "س" "الإباحة" ولم يشر أيضًا إلى دخولها في الأصل. 9 من ش وهو الموافق للمجموع: 1/ 97 وصفة الفتوى؛ 81 وفي الأصل: "إنا".

فحكمه أن يسأل عن ذلك ذينك المفتيين أو مفتيًا آخر، وقد أرشدنا المفتي إلى ما يجيبه به في ذلك، فهذا جامع لمحاسن الوجوه المذكورة، ومنصب في قالب التحقيق1. والله أعلم. "الخامسة": قال أبو المظفر السمعاني "رحمه الله"2: إذا سمع المستفتي جواب المفتي لم يلزمه العمل به إلا بالتزامه، ويجوز أن يقال: إنه يلزمه إذا أخذ في العمل به. وقيل: يلزمه إذا وقع في نفسه صحته وحقيته. قال: وهذا أولى الأوجه. قلت3: لم أجد هذا لغيره، وقد حكى هو بعد ذلك عن بعض الأصوليين: أنه إذا أفتاه بما هو مختلف فيه خيره بين أن يقبل منه أو من غيره4، ثم اختار هو: أنه يلزمه الاجتهاد في أعيان المفتين، ويلزمه الأخذ بفتيا من اختاره باجتهاده ولا يجب تخييره. والذي تقتضيه القواعد أن نفصل فنقول: إذا أفتاه المفتي نظر فإن لم يوجد

_ 1 نقل النووي في المجموع: 1/ 97 نص قول ابن الصلاح رحمه الله تعالى وقال: "وهذا الذي اختاره، الشيخ ليس بقوي، بل الأظهر أحد الأوجه الثلاثة، وهي الثالث، والرابع، والخامس، والظاهر أن الخامس أظهرها، لأنه ليس من أهل الاجتهاد، وإنما فرضه أن يقلد عالمًا أهلا لذلك، وقد فعل ذلك بأخذه بقول من يشاء منهما، والفرق بينه وبين ما نص عليه في القبلة أن أمارتها حسية فإدراك صوابها أقرب، فيظهر التفاوت بين المجتهدين فيها، والفتاوى أماراتها معنوية فلا يظهر كبير تفاوت بين المجتهدين، والله أعلم". أما ابن حمدان فقد اقتبس كلام ابن الصلاح في صفة الفتوى: 81، وسكت عليه. أما ابن القيم رحمه الله تعالى فذكر الآراء ورجح إلى أنه "يجب عليه أن يتحرى ويبحث عن الراجح بحسبه ... فيعمل كما يعمل عند اختلاف الطريقين أو الطبيبين أو المشيرين". إعلام الموقعين: 4/ 264. 2 من ش. 3 في ش: "قال المصنف رضي الله عنه". 4 في ش: "وبين أن يقبل من غيره".

مفتٍ آخر لزمه الأخذ بفتياه، ولا يتوقف ذلك على التزامه لا بالأخذ1 في العمل به2 ولا بغيره، ولا يتوقف أيضًا على سكون نفسه إلى صحته في نفس الأمر فإن فرضه التقليد كما عرف، وإن وجد مفت آخر -فإن استبان أن الذي أفتاه هو الأعلم الأوثق- لزمه ما أفتاه به2، بناء على الأصح في تعينه كما سبق، وإن لم يستبن ذلك لم يلزمه ما أفتاه به4 بمجرد إفتائه إذ يجوز له استفتاء غيره وتقليده، ولا يعلم اتفاقهما5 في6 الفتوى، فإن وجد الاتفاق أو حكم7 به8 عليه حاكم لزمه حينئذ9. والله أعلم. "السادسة": إذا استفتى فأفتى ثم حدثت10 له تلك الحادثة مرة أخرى، فهل يلزمه تجديد السؤال11؟ فيه وجهان: "أحدهما": يلزمه لجواز تغير رأي المفتي. "والثاني": لا يلزمه وهو الأصح، لأنه قد عرف الحكم والأصل استمرار المفتي عليه، وخصص صاحب "الشامل" الخلاف بما إذا قلد حيا، وقطع فيما إذا كان ذلك خبرًا عن ميت، بأنه لا يلزمه.

_ 1 في ف وج وش: "بالأخذ"، وما جاء في الأصل هو الموافق للمجموع: 1/ 98. 2 سقطت من ف وج. 3 سقطت من ف وج. 4 سقطت من ف وج. 5 في ف وج: "اتفاقهم". 6 في ف وج: "على". 7 في ف وج: "وحكم". 8 ساقطة من ف وج. 9 المجموع: "1/ 97-98" حيث اقتبس الفقرة الخامسة بنصها، صفة الفتوى: "81-82"، إعلام الموقعين: 4/ 264. 10 ف وج: "وحدت". 11 انظر الإحكام للآمدي: 4/ 312-314", البرهان: 2/ 1343-1344"، الفقرة: 1517، 1518، المجموع: 1/ 98، إعلام الموقعين: "4/ 232-233"، المعتمد: 2/ 359.

ولا يختص ذلك كما قاله، فإن المفتي على مذهب الميت قد1 يتغير2 جوابه على مذهبه3، والله أعلم. "السابعة": له أن يستفتي بنفسه، وله أن ينفذ4 ثقة يقبل خبره ليستفتي له، ويجوز له الاعتماد على خط المفتي إذا أخبره من يثق بقوله: إنه خطه، أو كان يعرف خطه ولم يتشكك في كون ذلك الجواب5 بخطه. والله أعلم. "الثامنة": ينبغي للمستفتي أن يحفظ الأدب مع المفتي ويبجله في خطابه وسؤاله، ونحو ذلك ولا يومئ6 بيده في وجهه، ولا يقول له: ما تحفظ في كذا وكذا؟ وما مذهب إمامك الشافعي في كذا وكذا7؟ "ولا يقل"8 إذا أجابه: هكذا قلت أنا، "أو"9 كذا وقع لي10، ولا يقل له: أفتاني فلان، أو أفتاني غيرك بكذا وكذا. ولا يقل11 إذا12 استفتى في رقعة: إن كان جوابك موافقًا لما أجاب فيها فاكتبه، وإلا فلا تكتب.

_ 1 في ف وج: "وقد". 2 في ف وج: "تغير". 3 المجموع: 1/ 98، صفة الفتوى: 82. 4 في ش: "يقلد" وفي المجموع: 1/ 98 "يبعث". 5 المجموع: 1/ 98، صفة الفتوى: 83. 6 في ف وج: "يرمي". وما جاء في الأصل وش وهو الموافق للمجموع. 7 الفقيه والمتفقه: 2/ 180، المجموع: 1/ 98، صفة الفتوى: 83. 8 من ف وج وش وفي الأصل: "ولا يقول له إذا ... " وما جاء في النسخ الأخرى هو الموافق للمجموع: 1/ 98. 9 من ف وج وش وفي الأصل: "و"، وما جاء في النسخ الأخرى هو الموافق للمصادر التي نقلت كلام ابن الصلاح. 10 الفقيه والمتفقه: 2/ 180، المجموع: 1/ 98، صفة الفتوى: 83. 11 في ف وج: "يقول". 12 ساقطة من ف وج.

ولا يسأله1 وهو قائم، أو مستوفز، أو على حالة ضجر، أو هم به2، أو غير ذلك مما يشغل القلب. ويبدأ بالأسن الأعلم من المفتيين، وبالأولى3 فالأولى4 على ما سبق بيانه. وقال الصيمري: إذا أراد جمع الجوابات في رقعة قدم الأسن والأعلم، وإن أراد إفراد الجوابات في رقاع فلا يبالي بأيهم بدأ5. والله أعلم. "التاسعة": ينبغي أن تكون رقعة الاستفتاء واسعة ليتمكن المفتي6 من استيفاء الجواب، فإنه إذا ضاق البياض اختصر فأضر ذلك بالسائل، ولا يدع الدعاء فيها لمن يفتي إما خاصًّا إن خص واحدًا باستفتائه، وإما عامًّا إن استفتى الفقهاء مطلقًا. وكان بعضهم يختار أن يدفع الرقعة إلى المفتي منشورة ولا يحوجه إلى نشرها ويأخذها7 من يديه إذا أفتى ولا يحوجه إلى طيها8. وينبغي أن يكون كاتب الاستفتاء ممن يحسن السؤال ويضعه على الغرض، مع إبانة الخط واللفظ، وصيانتهما عما يتعرض للتصحيف9، كنحو ما حكي: أن مستفتيا استفتى، ببغداد في رقعة عمن قال: أنت طالق إن؟ ثم أمسك عن ذكر الشرط لأمر

_ 1 في ش: "يسأل". 2 من الأصل فقط ولم تذكر في المجموع، ولا صفة الفتوى. 3 في ف وج: "والأولى". 4 اقتبس ابن الصلاح رحمه الله تعالى هذه الفقرة من الخطيب البغدادي في كتابه الفقيه والمتفقه: "2/ 178-182". 5 الفقيه والمتفقه: "2/ 181، 182"، المجموع: 1/ 98، صفة الفتوى: 83. 6 في ف وج: "المستفتي". 7 في ف وج: "يأخذ". 8 الفقيه والمتفقه: 2/ 181. 9 المجموع: "1/ 98-99"، صفة الفتوى: "83-84".

لحقه، فقال: ما يقول السادة الفقهاء في رجل قال لامرأته: أنت طالق إن؟ ثم وقف عند إن -يعني ثم أمسك ووقف عند: إن- فتصحف1 ذلك على الفقهاء لكون السؤال عريًّا عن الضبط، واعتقدوه تعليقًا للطلاق على تمام وقف رجل اسمه عبدان2. فقالوا: إن تم وقف عبدان3 طلقت، وإن لم يتم هذا الوقف فلا طلاق. حتى حملت إلى أبي الحسن الكرخي الحنفي4، وقيل إلى أبي مجالد الضرير، فتنبه لحقيقة الأمر فيها، فأجاب على ذلك فاستحسن منه5. قال الصيمري: ويحرص أن يكون كاتبها من أهل العلم، وقد كان بعض

_ 1 التصحيف: "هو تغيير في نقط الحروف أو حركاتها مع بقاء صورة الخط". انظر مقدمة القسطلاني بشرحها نيل الأماني للأبياري: 56، تصحيفات المحدثين: 1/ 39، مقدمة كتاب "المؤتلف والمختلف" للإمام الدارقطني بتحقيقنا. والتحريف: "هو العدول بالشيء عن جهته، وحرف الكلام تحريفًا عدل به عن جهته، وهو قد يكون بالزيادة فيه، والنقص منه، وقد يكون بتبديل بعض كلماته، وقد يكون بجعله على غير المراد منه، فالتحريف أعم من التصحيف". انظر توجيه النظر للجزائري: 365، تصحيفات المحدثين: 1/ 39، مقدمة كتاب "المؤتلف والمختلف" للدارقطني. "وقد ميز ابن حجر بين "التصحيف" و"التحريف" فقال: "إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق، فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقط فالمصحف، وإن كان بالنسبة إلى الشكل فالمحرف". توجيه النظر: 47، وسبق الحافظ ابن حجر في هذا التفريق الإمام العسكري في كتابه: "شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف"، انظر "المؤتلف والمختلف" للإمام الدارقطني فصل: "التصحيف والتحريف": "57-68". 2 في ج "عندان". 3 في ج "عندان". 4 هو "أبو الحسن عبيد الله بن الحسين بن دلال بن دلهم الكرخي، كرخ جدان، انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة بعد أبي خازم، وأبي سعيد البردعي، وكان كثير الصوم والصلاة، صبورًا على الفقر والحاجة. توفي سنة أربعين وثلاثمائة"، ترجمته في: الفهرست: 293، تاريخ بغداد: 10/ 353، الأنساب: "5/ 386-387، 11/ 75"، تذكرة الحفاظ: 3/ 855، العبر:3/ 255، الجواهر المضية: 2/ 493. 5 الرواية في الفقيه والمتفقه: 2/ 181.

الفقهاء ممن له رياسة لا يفتي إلا في رقعة كتبها رجل بعينه من أهل العلم ببلده1 والله أعلم. "العاشرة": لا ينبغي للعامي أن يطالب المفتي بالحجة فيما أفتاه به، ولا يقول له: لم وكيف؟ فإن أحب أن تسكن نفسه بسماع الحجة في ذلك، سأل عنها في مجلس آخر أو في ذلك المجلس بعد قبول الفتوى مجردة عن الحجة. وذكر السمعاني: أنه لا يمنع من أن يطالب المفتي بالدليل لأجل احتياطه لنفسه، وأنه يلزمه أن يذكر له الدليل إن كان مقطوعًا به، ولا يلزمه ذلك إن لم يكن مقطوعًا به لافتقاره إلى اجتهاد يقصر عنه العامي2. والله أعلم. "بالصواب"3. "الحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وحسبنا الله ونعم الوكيل"4 آخر5 كتاب الفتوى تصنيف الشيخ الإمام العلامة تقي الدين المعروف بابن الصلاح تغمده الله برحمته ورضوانه6.

_ 1 المجموع: 2/ 99، صفة الفتوى: 84. 2 المجموع: 1/ 99، صفة الفتوى: 84، وانظر إعلام الموقعين: 4/ 260. 3 من ج. 4 من الأصل "س" فقط. 5 في ف "نجز". 6 وجاء في نسخة ف: " ... برحمته وأسكنه فردوس جنته ووافق الفراغ من نسخه بعون الله تعالى يوم السبت رابع شهر صفر سنة تسع وثمانين وسبعمائة. على يد الفقير إلى الله تعالى الراجي عفو ربه وغفرانه المعترف بالذنب والتقصير عبد الله بن محمد ابن أبي بكر الخليلي، لطف الله تعالى به. الحمد لله الكريم وحده وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي نبي الرحمة، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين". وجاء في نسخة ج: "قوبل وصحح من نسخة مصححة عن نسخة المؤلف فصحح بقدر الإمكان بفضل الملك المنان بأمر مولانا شيخ الإسلام مفتي الأنام فسح الله تعالى في أجله ونفع العالمين بعلمه وعمله. حرره الفقير حسن بن علي بن الخضر". وجاء في نسخة ش: "كمل الكتاب، وربنا المحمود الوهاب، لخمس خلت من شوال سنة ست وثلاثين وسبعمائة. وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وسلم تسليمًا كثيرًا".

الفهارس

الفهارس: فهرست الآيات القرآنية: الصفحة الآية السورة 101 {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} المطففين آية "5، 6". 80 {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} المزمل آية "5". 140 {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي, وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} طه آية "25". 140 {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} البقرة آية "32". 140 {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} الأنبياء آية "79". 144 {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} النساء آية "11". 112 {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} ص آية "44". 151 {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} الطلاق آية "4" 85 {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ} النحل "116-117".

فهرست الأحاديث النبوية والآثار

فهرست الأحاديث النبوية والآثار: الصفحة الحديث أو الأثر 78 أجسر الناس على الفتيا 85 أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة بن أبي عبد الرحمن فوجده يبكي 75، 109 أدركت عشرين ومائة من الأنصار 77 إذا أغفل العالم لا أدري 119 إذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث وقلت قولًا فأنا راجع عن قولي 80 إذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تصعب عليهم مسائل 117 إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم 81 أشقى الناس من باع آخرته بدنياه 119، 120 أفطر الحاجم والمحجوم. 76 إن أحدكم ليفتي في المسألة 150 إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك 82 إن الرجل ليسأل عن المسألة ويعجل في الجواب 154، 155 إن صبيغ العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن 74 إن العالم بين الله وبين خلقه. 72 إن العلماء ورثة الأنبياء. 139، 140 إن كان هذا صوابًا فمن الله. 108 أنا أقضي ولا أفتي 82 إنك لتسأل عن المسألة ولو سئل عنها أحد من أصحاب

الصفحة الحديث أو الأثر 112 إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة 110 إنه استفتي "الحسن بن زياد اللؤلؤي" في مسألة فأخطأ 78 أنه جاءه رجل فسأله عن شيء فقال القاسم: لا أحسنه. 79 أنه ربما كان يسأل عن خمسين مسألة 80 أنه سئل عن مسألة فقال: لا أدري. 84 أنه كان ليس شيء أشد عليه من الفتوى. 140 أنهما كانا لا يفتيان حتى يقولا: لا حول ولا قوة إلا بالله. 152 أيما إهاب دبغ 79 جاء رجل إلى مالك بن أنس يسأله عن 79 سمعت أحمد بن حنبل يستفتى فيكثر أن يقول: لا أدري 79 شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة 143 صار ثمنها تسعًا "المسألة المنبرية". 132، 133 قصة المرأة التي جاءت تسأل أبا بكر بن داود 84 قل من حرص على الفتوى وسابق إليها 143 ما تقول في رجل مات وخلف ابنة وأختا لأم 125 مخطئ ومصيب فعليك بالاجتهاد 143 المسألة المنبرية 84 من أحب أن يُسأل فليس بأهل أن يُسأل 74 من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء 75 من أفتى الناس في كل ما يستفتونه 121 هل تعرف سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي في كتبه 79 وروي عن الشافعي أنه سئل عن مسألة فسكت 82 يزري على من يعجل في الفتوى 105 يدرس الإسلام كما يدرس

فهرس الأعلام

فهرس الأعلام: الصفحة الاسم 96، 97، 132، 135، 159، 165 إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي 88، 92 إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الشيرازي 124 أحمد بن بشر بن عامر 72، 76 أحمد بن الحسين بن علي البيهقي 132 أحمد بن الحسين بن محمد بن أحمد البغدادي 73 أحمد بن عبد الله بن ميمون 83، 84، 131، 137 أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي 90، 161 أحمد بن علي بن محمد بن برهان 93، 94، 160 أحمد بن عمر بن سريج 108، 127 أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني 117 أحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن القطان 147 أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر القدوري 77، 79، 92 أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني 122، 123 أحمد بن محمد بن المظفر الخوافي 79 أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم 73 إسماعيل بن عبد الله 92، 126 إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني 111 أيوب النبي صلى الله عليه وسلم 84 بشر بن الحارث بن عبد الرحمن الحافي 148 جلال الدولة

الصفحة الاسم 105 حذيفة بن اليمان 126 حرملة بن يحيى بن حرملة 76 الحسن البصري 110 الحسن بن زياد اللؤلؤي 101، 109 الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم 92 الحسين بن شعيب بن محمد 149، 150 الحسين بن علي بن محمد بن جعفر الصيمري 113، 160، 161 الحسين بن محمد بن أحمد المروروذي 127 الحسين بن مسعود الفراء البغوي 126 حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي 82 الخليل بن أحمد الفراهيدي 92 داود بن علي بن خلف الأصبهاني الظاهري 127 الربيع بن سليمان بن داود الجيزي الأزدي 126 الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي 85 ربيعة بن فروخ "ربيعة الرأي" 78، 81، 82 سحنون بن سعيد "عبد السلام بن سعيد بن حبيب" 136 أبو سعيد بن الشحام 80 سعيد بن المسيب بن حزن 112 سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري 74، 78 سفيان بن عيينة 71 سليمان بن الأشعث السجستاني 125 سليمان بن خلف بن سعد 74 سهل بن عبد الله التستري 136 سهل بن محمد بن سليمان بن محمد الصعلوكي الشافعي: محمد بن إدريس الشافعي 108 شريح بن الحارث بن قيس القاضي 154 صبيع بن عسل "صبيغ بن عسيل" 105، 106 صلة بن زفر

106، 131، 132، 137، 149، 150 طاهر بن عبد الله بن عمر الطبري أبو الطيب الصعلوكي: سهل بن محمد بن سليمان 76 عامر بن شراحبيل الشعبي 131، 132، 133 أبو العباس الخضري 64 أبو عبد الله المالكي 102، 122، 127، 160، 161 عبد الله بن أحمد بن عبد الله القفال الصغير 77 عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل 75، 76، 77 عبد الله بن عباس بن عبد المطلب 75 عبد الله بن مسعود بن غافل 73 عبد الله بن هلال بن الفرات الرومي الدمشقي 75، 109 عبد الرحمن بن أبي ليلى 131 عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد القزاز 78 عبد الرحمن بن مهدي بن حسان 146 عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد السمعاني 91، 165 عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد 118 عبد العزيز بن عبد الله بن محمد الداركي 88 عبد القاهر بن طاهر بن محمد 147 عبد الكريم بن محمد بن منصور المروزي 147 136 عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري 88، 96، 100، 102، 123، 128، 155 عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني 102 عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الروياني 83، 115، 124، 135، 137، 139، 141، 142، 144، 150، 151، 157، 169، 170 عبد الواحد بن الحسين بن محمد القاضي الصيمري 136 عبد الوهاب بن شاه بن أحمد بن عبد الله النيسابوري 131 عبد الوهاب بن علي بن علي بن عبيد الله 170 عبيد الله بن الحسين بن دلال 76 عثمان بن عاثم بن حصين الأسدي

143 علي بن أبي طالب 83، 103، 106، 124، 141، 149، 150، 152 علي بن محمد بن حبيب الماوردي 84 علي بن محمد بن خلف المعافري 118، 162 علي بن محمد بن علي الطبري الكياهرّاسي 132 علي بن هبة الله بن عبد السلام البغدادي 76، 154 عمر بن الخطاب 130 عمر بن محمد بن عكرمة الجزري 71 عويمر بن زيد القيسي 78 القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق 77، 79، 92، 125، 140 مالك بن أنس الأصبحي 147 مبارك بن الحسين الشاهد 130 المبارك بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الجزري 171 أبو مجالد الضرير 107 محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري 149 محمد بن أحمد بن العباس الفارسي 113 محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله العبادي 77، 79، 84، 92، 93، 96، 103، 117، 118، 119، 120، 121، 122، 123، 127، 129، 130، 150، 161، 163 محمد بن إدريس الشافعي 120 محمد بن إسحاق بن خزيمة 72، 76 محمد بن إسماعيل الفارسي 149 أبو محمد التميمي 124 محمد بن الحسن بن المنتظر البصري 131، 132، 133 محمد بن داود الأصبهاني الظاهري 76 محمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الصفار 149 محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد البيضاوي 73، 76 محمد بن عبد الله بن حمدويه الحاكم النيسابوري 77 محمد بن عجلان القرشي 147 محمد بن علي بن محمد الدامغاني

71 محمد بن عيسى بن سورة الترمذي 90، 122، 123، 156 محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي 149 محمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد البيضاوي 114 محمد بن محمد بن محمش 74 محمد بن المنكدر بن الهدير التيمي 73 محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان 71 محمد بن يزيد الربعي القزويني 73 محمد بن يعقوب بن معقل بن سنان 133 محمد بن يونس بن محمد بن منعة الإربلي 114 محمود بن الحسن بن محمد 140 مكحول الدمشقي 72، 76 منصور بن عبد المنعم بن محمد الفراوي 149 منصور بن عمر بن علي البغدادي 115، 165، 166، 171 منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني الكبير 119، 120 موسى بن أبي الجارود المكي 92 النعمان بن ثابت بن زوطي 79 الهيثم بن جميل البغدادي 93 يعقوب بن إبراهيم بن حبيب 78، 157 يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي 118 يوسف بن يحيى البويطي الأنساب: الجويني: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد السمعاني الكبير: منصور بن محمد بن عبد الجبار الغزالي: محمد بن محمد بن أحمد القفال الصغير: عبد الله بن أحمد بن عبد الله الماوردي: علي بن محمد بن حبيب المزني: إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل

الأبناء والآباء: ابن الأثير: المبارك بن محمد بن محمد ابن البيضاوي: محمد بن أحمد بن العباس الفارسي محمد بن عبد الله بن أحمد محمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد ابن برهان: أحمد بن علي بن محمد أبو الفتح ابن خزيمة: محمد بن إسحاق بن خزيمة ابن سريج: أحمد بن عمر بن سريج ابن ماجه: محمد بن يزيد القزويني ابن المنذر: محمد بن إبراهيم بن المنذر أبو إسحاق الشيرازي: إبراهيم بن علي بن يوسف أبو بكر الأثرم: أحمد بن محمد بن هانئ أبو بكر بن داود: محمد بن داود بن علي الظاهري أبو بكر القفال المروزي: عبد الله بن أحمد بن عبد الله أبو بكر ابن المنذر: محمد بن إبراهيم بن المنذر أبو حاتم القزويني: محمود بن الحسن بن محمد أبو حامد الإسفراييني: أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني أبو حامد المروروذي: أمد بن بشر بن عامر العامري أبو الحسن القابسي المالكي: علي بن محمد بن خلف المعافري أبو الحسن الكرخي الحنفي: عبيد الله بن الحسين بن دلال أبو الحسين الكياهراسي الطبري: علي بن محمد بن علي أبو الحسين ابن القدوري: أحمد بن محمد بن جعفر بن حمدان أبو الحسين ابن القطان: أحمد بن محمد أحمد أبو الحصين: عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي أبو حنيفة: النعان بن ثابت أبو الدرداء: عويمر بن زيد القيسي أبو السعادات ابن الأثير: المبارك بن محمد بن محمد أبو سعيد الشحام 136 أبو سليمان الخطابي: حمد بن محمد بن إبراهيم

أبو طاهر الزيادي: محمد بن محمد بن محمش أبو الطيب الصعلوكي: سهل بن محمد بن سليمان بن محمد أبو الطيب الطبري: طاهر بن عبد الله بن عمر أبو عاصم العبادي: محمد بن أحمد بن محمد بن عبيد الله أبو العباس الأصم: محمد بن يعقوب بن معقل بن سنان أبو العباس الخضري: 131، 132، 133. أبو عبد الله الحليمي: الحسين بن الحسن بن محمد أبو عبد الله الدامغاني: محمد بن علي بن محمد الدامغاني أبو عبد الله الصيمري: الحسين بن علي بن محمد بن جعفر أبو عبد الله المالكي 84 أبو علي السنجي: الحسين بن شعيب بن محمد أبو عمر ابن عبد البر: يوسف بن عبد الله بن محمد النمري القرطبي أبو الفياض: محمد بن الحسن بن المنتظر البصري أبو القاسم البزري: عمر بن محمد بن عكرمة أبو القاسم الداركي: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد أبو القاسم الصيمري: عبد الواحد بن حسين بن محمد الصيمري أبو القاسم القشيري: عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك أبو مجالد الضرير: 170 أبو المحاسن الرياني: عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد أبو محمد التميمي الحنبلي: 149 أبو المظفر السمعاني الكبير: منصور بن محمد بن عبد الجبار أبو المعالي: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني أبو نصر بن الصباغ: عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد أبو الوليد الباجي المالكي: سليمان بن خلف بن سعد أبو الوليد بن أبي الجارود: موسى بن أبي الجارود أبو يعقوب البويطي: يوسف بن يحيى البويطي أبو يوسف القاضي: يعقوب بن إبراهيم

فهرست الكتب الواردة في النص

فهرست الكتب الواردة في النص: الصفحة اسم الكتاب 137، 157 1- "أدب المفتي والمستفتي": لأبي القاسم الصيمري عبد الواحد بن الحسين 118 2- "أصول الفقه": لأبي الحسن الكياهراسي 81 3- "الأم": لمحمد بن إدريس الشافعي 102 4- "بحر المذهب": لأبي المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل 83 5- "البيوع": لعلي بن حبيب الماوردي 108 6- "تعاليق الشيخ أبي حامد الإسفراييني" 127 7- "التهذيب": للحسين بن مسعود البغوي 103، 141 8- "الحاوي": للماوردي 114 9- "الحيل": لأبي حاتم القزويني 156 10- "رسالة" للغزالي في صفات الله تعالى 165، 167 11- "الشامل" لأبي نصر بن الصباغ 103 12- "شرح رسالة الشافعي": للجويني 97، 156 13- "الغياثي": للجويني 92 14- "المختصر": للمزني 81 15- "المدونة" لسحنون بن سعيد 84 17- "مناقب أبي الحسن القابسي": لأبي عبد الله المالكي 123، 128 18- "نهاية المطلب في دراية المذهب": لأبي المعالي الجويني

ثبت المصادر والمراجع المخطوطة والمطبوعة

ثبت المصادر والمراجع المخطوطة والمطبوعة: 1- القرآن الكريم. 2- "آداب الشافعي ومناقبه": لابن أبي حاتم الرازي "ت327هـ" تحقيق عبد الغني عبد الخالق، مطبعة السعادة. 3- "آداب الفتيا": لجلال الدين بن أبي بكر السيوطي "ت911هـ"، مخطوط بمكتبة برستن بأمريكا، مجموعة يهودا ضمن مجموع تحت رقم: "831". 4- "الإبهاج في شرح المنهاج على الوصول إلى علم الأصول": للقاضي البيضاوي "ت685هـ": تأليف تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي "ت756هـ"، وولده تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي "ت771هـ"، دار الكتب العلمية، بيروت "1404هـ-1984م". 5- الاجتهاد: للسيوطي = "الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض". 6- "الإحكام في أصول الأحكام": لسيف الدين أبي الحسن علي بن محمد الآمدي "ت467هـ"، دار الكتب العلمية، بيروت "1400هـ-1980م". 7- "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام": للإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس المصري المالكي "ت684هـ"،

حققه وعلق عليه عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب "1387هـ-1967م". 8- "أحكام القرآن": لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي "ت543هـ"، تحقيق علي محمد البجاوي، طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه "1376هـ-1975م". 9- "أحكام القرآن": لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص "ت370هـ"، المطبعة البهية، مصر 1347هـ. 10- "إحياء علوم الدين": لأبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي "ت505هـ" دار المعرفة، بيروت. 11- "أدب الدنيا والدين": لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي "ت405هـ" تحقيق مصطفى السقا، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. 12- "إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول": لمحمد علي الشوكاني "ت1125هـ"، مطبعة محمد علي صبيح، 1349هـ. 13- "إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول": لمحمد علي الشوكاني، دار الفكر. 14- "أسد الغابة": لعز الدين أبي الحسن علي بن محمد الجزري "ت630هـ"، كتاب الشعب، القاهرة. 15- "الاشتقاق": لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد "ت321هـ"، تحقيق عبد السلام هارون، مؤسسة الخانجي، القاهرة. 16- "الإصابة في تمييز الصحابة": لأبي الفضل أحمد بن علي حجر العسقلاني "ت852هـ" تحقيق علي محمد البجاوي، دار نهضة مصر.

17- "أصول الدعوة": تأليف عبد الكريم زيدان، مكتبة المنار الإسلامية، الطبعة الثالثة، "1396هـ-1976م". 18- "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ": لأبي بكر محمد بن موسى الحازمي "ت584هـ". حققه محمد أحمد عبد العزيز، مكتبة عاطف، القاهرة. 19- "الإعلام": لخير الدين بن محمود بن محمد الزركلي "ت1396هـ"، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة 1979م. 20- "إعلام الموقعين عن رب العالمين": لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية "ت751هـ" تعليق محمد محيي الدين عبد الحميد، توزيع دار الباز، مكة المكرمة. 21- "الإكمال في رفع عارض الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب": لأبي نصر علي بن هبة الله المعروف بابن ماكولا "ت475هـ" تحقيق المعملي اليماني، نشر أمين دمج، بيروت، لبنان. 22- "الأم": للإمام محمد بن إدريس الشافعي المطلبي "ت204هـ" دار الشعب، القاهرة. 23- "الانتقاء في فصائل الثلاثة الفقهاء": لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي "ت463هـ"، دار الكتب العلمية بيروت. 24- "الأنساب" لأبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني "ت562هـ"، من المجلد "1-10" نشر أمين دمج بيروت، ومن "11- 13" مطبعة المعارف الهندية. 25- "إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون": لإسماعيل بن محمد بن مير سليم الباباني البغدادي "ت1339هـ"، طبع إستانبول. 26- "البحر المحيط": للإمام بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي "ت794هـ"،

مخطوطة بمكتبة الأزهر تحت رقم "20". 27- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي "ت587"، مطبعة الإمام، قلعة مصر. 28- البرهان في أصول الفقه: لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني "478هـ" تحقيق عبد العظيم الديب، دار الأنصار، القاهرة، الطبعة الثانية، "1400هـ". 29- بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس: لابن عميرة الضبي "مجريط، 1884م". 30- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي "ت911هـ" تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى "1384هـ-1964م", عيسى البابي الحلبي، القاهرة. 31- تاج العروس من جواهر القاموس: لأبي الفيض محمد مرتضى الحسيني الزبيدي "1205هـ" دار الحياة بيروت. 32- تاريخ إربل المسمى نباهة البلد الخامل بمن ورده من الأماثل: لشرف الدين أبي البركات المبارك بن أحمد اللخمي الإربلي المعروف بابن المستوفي "ت637هـ", حققه سامي بن السيد خماس الصقار، وزارة الإعلام بغداد. الجمهورية العراقية. 33- تاريخ الأدب العربي: كارل بروكلمان "ت1375هـ، دار مصر، القاهرة. 34- تاريخ الأدب العربي: كارل بروكلمان "ت1375هـ" الطبعة الألمانية. 35- تاريخ الإسلام: للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي "ت748هـ" المجلد "18"، تحقيق بشار عواد معروف، عيسى البابي الحلبي، الطبعة الثانية "1379هـ-1977م". 36- تاريخ بغداد: لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي "ت463هـ": دار الكتاب العربي، بيروت.

37- تاريخ مدينة دمشق: لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر "ت571هـ، مخطوط بالمكتبة الظاهرية بدمشق. 38- التبصرة في أصول الفقه: للشيخ الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي يوسف الفيروزآبادي "ت476هـ" شرحه وحققه محمد حسن هيتو، دار الفكر، دمشق، "1400هـ-1980م". 39- تبصير المنتبه بتحرير المشتبه: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني "ت852هـ"، تحقيق محمد علي النجار، مراجعة علي محمد البجاوي، الدار المصرية للتأليف. 40- تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري: لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر الدمشقي "ت571هـ"، دار الكتاب العربي، بيروت، "1399هـ-1979م". 41- ترتيب مسند الشافعي: للإمام الشافعي "ت204هـ" ترتيب: محمد عباس السندي، دار الكتب العلمية بيروت1370هـ. 42- "التحرير" مع شرحه "التقرير والتحبير": لكمال الدين الإسكندري الشهير بابن الهمام الحنفي "ت861هـ" والشرح: لابن أمير الحاج "ت879هـ"، الطبعة الأميرية: بولاق، "1316هـ". 43- تذكرة الحفاظ: لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي "ت748هـ"، تحقيق المعلمي اليماني، طبع حيدر آباد الدكن الهند "1374هـ". 44- تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم: لأبي إسحاق إبراهيم بن سعد الله بن جماعة "ت733هـ" دار الكتب العلمية، بيروت. 45- ترتيب المدارك وتقريب المسالك: للقاضي عياض اليحصبي "ت544هـ" تحقيق أحمد بكير محمود، دار مكتبة الحياة بيروت، ودار مكتبة الفكر ليبيا.

46- تصحيفات المحدثين: لأبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري "ت382هـ" تحقيق محمود أحمد الميرة. 47- تفسير سفيان الثوري وتحقيق امتياز علي عرشي، دار الكتب العلمية، بيروت "1403هـ-1983م". 48- تقريب التهذيب: للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني "ت852هـ". تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، دار المعرفة، بيروت. 49- تقرير شيخ الإسلام عبد الرحمن الشربيني على متن جمع الجوامع وشرح الجلال المحلي له, دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. 50- التقييد لمعرفة رواة السنن والأسانيد: لأبي بكر محمد بن عبد الغني بن نقطة الحنبلي "ت629هـ" نسخة مصورة من معهد المخطوطات العربية بالقاهرة. 51- التكملة لوفيات النقلة: لأبي محمد بن عبد العظيم بن عبد القوي المنذري "ت656هـ" تحقيق بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية "1401هـ-1981م". 52- تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني "ت852هـ" تعليق عبد الله هاشم اليماني المدني، شركة الطباعة الفنية، "1384هـ-1964م". 53- تلخيص المستدرك: لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي "ت748هـ"، طبع مع المستدرك، حيدر آباد الدكن. 54- التلويح: لسعد الدين التفتازاني، وهو شرح للتوضيح لصدر الشريعة, طبعة محمد علي صبيح". 55- تنقيح الفصول: للعلامة أحمد بن إدريس القرافي "ت648هـ"، المطبعة الخيرية، "1306هـ".

56- تهذيب الأسماء واللغات: لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي "ت676هـ"، الطبعة المنيرية، القاهرة، دار الكتب العلمية، بيروت. 57- تهذيب تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر "ت571هـ". هذبه عبد القادر ابن بدران "ت1346هـ"، دار المسيرة، الطبعة الثالثة "1399هـ-1979م". 58- تهذيب التهذيب: لأحمد بن علي بن حجر "ت852هـ" دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند، "1325هـ". 59- تهذيب الكمال: لأبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي "ت542هـ" مخطوط النسخة المصورة، تصوير دار المأمون للتراث، دمشق. 60- تهذيب الكمال: لأبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي, تحقيق بشار عواد, دار الرسالة. 61- تهذيب الوصول إلى علم الأصول: لحسن بن يوسف بن علي الحلي الشيعي "ت726هـ" طبع طهران. 62- توجيه النظر إلى أصول الأثر: تأليف طاهر بن أحمد الجزائري الدمشقي "ت1388هـ" دار المعرفة، بيروت. 63- التوضيح على التنقيح: صدر الشريعة عبيد بن مسعود "ت447هـ" محمد علي صبيح، القاهرة "1377هـ-1957م". 64- توضيح المشتبه لمحمد بن عبد الله المعروف بابن ناصر الدين الدمشقي "ت842هـ"، مخطوط، نسخة دار الكتب الظاهرية دمشق تحت رقم: 142. 65- تيسير التحرير: أمير بادشاه. محمد أمين، مطبعة مصطفى الحلبي "1350هـ". 66- جامع بيان العلم وفضله: لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر "ت463هـ", إدارة المطبعة المنيرية "1398هـ-1978م".

67- جامع البيان في تفسير القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري "ت310هـ" الطبعة الأميرية، بولاق. 68- جامع العلوم والحكم: لزين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي البغدادي "ت795هـ" تحقيق محمد الأحمدي أبو النور، طبع مصر. 69- الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ: لأبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني "ت386هـ" تحقيق محمد أبو الأجفان، عثمان بطيخ، مؤسسة الرسالة، بيروت، المكتبة العتيقة، تونس، الطبعة الثانية "1403هـ-1983م". 70- الجرح والتعديل: لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي "ت327هـ". تحقيق عبد الرحمن المعلمي اليماني، دائرة المعارف العثمانية 1372هـ. 71- الجمع بين رجال الصحيحين: لمحمد بن طاهر المقدسي "ت507هـ" دائرة المعارف العثمانية. 72- جمع الجوامع بشرح الجلال المحلي: لتاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي "ت771هـ", والشرح لجلال الدين محمد بن أحمد المحلي "ت864هـ" مطبعة مصطفى الحلبي "1349هـ". 73- الجواهر المضية في طبقات الحنفية: لأبي محمد عبد القادر بن محمد بن نصر الله القرشي الحنفي "ت775هـ" تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو. عيسى البابي الحلبي وشركاه "1398هـ-1978م". 74- حاشية العلامة البناني على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع, دار الكتب العربية، مصر. 75- حاشية العلامة سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني "ت791هـ" على شرح القاضي عضد الدين لمختصر بن الحاجب. 76- حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي "ت911هـ" تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.

77- حلية الأولياء: لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني "ت430هـ" مكتبة الخانجي، القاهرة "1351هـ". 78- الدر المنثور في التفسير بالمأثور: لجلال الدين السيوطي "ت911هـ"، المطبعة الميمنية، القاهرة. 79- الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب: لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن فرحون "ت799هـ" تحقيق محمد الأحمدي أبو النور، دار التراث، القاهرة. 80- ذيل تاريخ بغداد: للحافظ محب الدين أبي عبد الله محمد بن محمود بن الحسن المعروف بابن النجار "ت643هـ" الطبعة الأولى "1398هـ"، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند. 81- الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض: لجلال الدين السيوطي "ت911هـ" تحقيق ودراسة فؤاد عبد المنعم أحمد، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، مصر. 82- رد المختار على الدر المختار: لمحمد أمين الشهير بابن عابدين الحنفي، مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثالثة "1386هـ". 83- الرسالة: للإمام محمد بن إدريس الشافعي "ت204هـ" تحقيق أحمد محمد شاكر، طبعة الحلبي القاهرة "1358هـ-1940م". 84- روضة الطالبين: للإمام الحافظ أبي زكريا يحيى بن شرف النووي "ت676هـ" المكتبة الإسلامية للطباعة. 85- روضة الناظر وجنة المناظر: للإمام أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد المعروف بابن قدامة المقدسي "ت620هـ" تحقيق عبد العزيز السعيد، طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية "1397هـ-1977م". - كتاب الزهد والرقائق: للإمام عبد الله بن المبارك المروزي "ت181هـ" تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت.

86- سنن ابن ماجه: لأبي محمد بن يزيد القزويني "ت275هـ" تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة. 87- سنن أبي داود: لسليمان بن الأشعث السجستاني "ت275هـ" تحقيق عزت الدعاس، حمص سوريا "1388هـ". 88- سنن الترمذي "جامع الترمذي": لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي "ت279هـ" تحقيق أحمد محمد شاكر وآخرون، طبعة البابي الحلبي، القاهرة "1365هـ". 89- سنن الدارقطني: لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي "ت385هـ"، وبذيله: التعليق المغني: لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي, صححه عبد الله هاشم يماني، دار المحاسن، القاهرة 1386هـ. 90- سنن الدارمي: لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي "ت255هـ". تصحيح عبد الله هاشم اليماني، دار المحاسن، القاهرة 1386هـ. 91- سنن الدارمي: لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي "ت255هـ"، دار الكتب العلمية، بيروت. 92- السنن لسعيد بن منصور "ت227هـ" علمي بريس. الهند 1387هـ. 93- السنن الكبرى: لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي "ت458هـ"، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الهند، "1344هـ". 94- سنن النسائي الصغرى "المجتبى" لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي "ت310هـ", دار إحياء التراث العربي، بيروت. 95- سير أعلام النبلاء: لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي "ت748هـ" بإشراف شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت. 96- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: لمحمد بن محمد بن مخلوف، طبع بمصر "1349هـ".

97- شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي "ت1089هـ"، مكتبة القدسي، القاهرة "1350هـ". 98- شرح الجلال شمس الدين محمد بن أحمد المحلي لجمع الجومع، دار الكتب العربية مصر. 99- شرح السنة: لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي "ت516هـ", تحقيق شعيب الأرناؤوط، المكتب الإسلامي بيروت "1390هـ-1971م". 100- شرح عقود رسم المفتي: لمحمد أمين الشهير بابن عابد بن الحنفي، طبع الأستانة. 101- شرح العقيدة الطحاوية: للقاضي علي بن علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي الحنفي "792هـ" تحقيق بشير محمد عيون، مكتبة دار البيان، دمشق، الطبعة الأولى، بيروت "1405هـ-1985م". 102- شرح القاضي عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي "ت756هـ" لمختصر منتهى الأصول لابن الحاجب, طبع بالمطبعة الكبرى الأميرية، ببولاق. 103- شرح مختصر خليل: لعبد الباقي بن يوسف بن أحمد الزرقاني المالكي "ت1099هـ" المطبعة الأميرية، بولاق مصر، "1306هـ-1307هـ". 104- شرح معاني الآثار: لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي "ت321هـ" تعليق محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية، بيروت "1399هـ". 105-شرح المهذب: للنووي = المجموع. 106- الصحاح: لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري "ت393هـ", تحقيق عبد الغفور عطار، دار الكتاب العربي، مصر. 107- صحيح البخاري: لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري "ت256هـ" فتح الباري.

108- صحيح مسلم: لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري "ت261هـ" تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. 109- صفة الفتوى والمفتي والمستفتي: للإمام أحمد بن حمدان الحراني الحنبلي "ت695هـ" تعليق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة "1397هـ". 110- صلة الخلف بموصول السلف: لمحمد بن سليمان الرُّداني "ت1094هـ", تحقيق محمد الحجي، نشر في مجلة معهد المخطوطات العربية، الكويت. 111- الصلة: لأبي القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود المعروف بابن بشكوال "ت578هـ" الدار المصرية للتأليف والترجمة "1966م". 112- صلة الصلة: لأبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي "ت807هـ" الرباط "1937م". 113- صيانة صحيح مسلم من الإخلال والخلل وحمايته من الإسقاط والسقط: لأبي عمر عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح "ت643هـ", دراسة وتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، دار الغرب الإسلامي، بيروت "1405هـ". 114- الضعفاء والمتروكون: للإمام الحافظ أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني "ت385هـ", دراسة وتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، دار المعارف، الرياض "1404هـ-1984م". 115- طبقات الأولياء: لأبي حفص سراج الدين عمر بن علي بن أحمد المصري المعروف بابن الملقن "ت804هـ" حققه نور الدين شريبه، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الأولى "1393هـ-1973م".

116- طبقات الحفاظ: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي "ت911هـ" تحقيق علي محمد عمر، مكتبة وهبة القاهرة. 117- طبقات الحنابلة: لأبي الحسين محمد بن أبي يعلى "ت526هـ" مطبعة السنة المحمدية "1371هـ". 118- طبقات الشافعية: لأبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري المعروف بابن الصلاح "ت643هـ" مخطوط في مكتب حميدية، بمكتبة سليمانية كتبخانة. 119- طبقات الشافعية: لجمال الدين عبد الرحيم الإسنوي "772هـ" تحقيق عبد الله الجبوري، بغداد، "1390هـ". 120- طبقات الشافعية: لأحمد بن محمد بن عمر المعروف بابن قاضي شهبة "ت851هـ", تحقيق الحافظ عبد العظيم خان، مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد "1398هـ-1978م". 121- طبقات الشافعية: لأبي بكر بن هداية الله الحسيني "ت1014هـ" تحقيق عادل نويهض، دار الآفاق الجديدة، بيروت "1971م". 122- طبقات الشافعية الكبرى: لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي السبكي "771هـ", تحقيق عبد الفتاح الحلو، ومحمود الطناحي، الحلبي، القاهرة "1964م-1976م". 123- طبقات الصوفية: لأبي عبد الرحمن محمد بن الحسين النيسابوري "ت412هـ" تحقيق نور الدين شريبة، جماعة الأزهر للتأليف والترجمة والنشر، القاهرة. 124- طبقات فقهاء الشافعية: لأبي عاصم بن أحمد العبادي "ت458هـ"، ليدن، هولندا "1964م". 125- طبقات الفقهاء: لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي "ت476هـ"،

تحقيق إحسان عباس، دار الرائد العربي، بيروت "1970م". 126- الطبقات الكبرى: لمحمد بن سعد "ت230هـ", تحقيق إدوارد سخو، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت "1398هـ-1978م". 127- طبقات المفسرين: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي "ت911هـ" دار الكتب العلمية، بيروت "1304هـ-1983م". 129- طبقات المفسرين: لشمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداودي "ت945هـ"، دار الكتب العلمية، بيروت. 129- العبر في خبر من غبر: لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي "ت748هـ"، تحقيق صلاح الدين المنجد، وفؤاد السيد، الكويت "1960م". 130- العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين: لتقي الدين أبي الطيب محمد بن أحمد الحسيني الملكي الفاسي "ت832هـ", تحقيق فؤاد السيد، ومحمود الطناحي؛ القاهرة "1959-1969م". 131- "عمدة الرعاية" مقدمة "شرح الوقاية": للعلامة الكنوي "ت1304هـ", طبع الهند. 132- الغاية القصوى في دراية الفتوى: لقاضي القضاة عبد الله بن عمر البيضاوي "ت685هـ" دراسة وتحقيق علي محيي الدين القره داغي، دار الإصلاح بمصر "1402هـ-1982هـ". 133- غاية النهاية في تراجم القراء: لأبي الخير محمد بن محمد الجزري "ت833هـ" تحقيق ج براجشتر أسر, دار الكتب العلمية، بيروت "1400-1980م". 134- غياث الأمم في التياث الظلم: لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، تحقيق ودراسة عبد العظيم الديب، الطبعة الأولى

"1401هـ" الشئون الدينية بدولة قطر. 135- فتح الباري شرح صحيح البخاري: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني "ت852هـ" طبع الرئاسة العامة للإفتاء -المملكة- العربية السعودية، الرياض. 136- الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني: لأحمد عبد الحرمن البنا الشهير بالساعاتي "ت1378هـ" دار الحديث، القاهرة. 137- فتح العزيز شرح الوجيز: للإمام عبد الكريم بن محمد الرافعي "ت623هـ" شركة العلماء، مصر. 138- الفهرست: لمحمد بن إسحاق المعروف بابن النديم "ت438هـ", تحقيق فلوجل، طبع ليبزج، "1871م". 139- فوات الوفيات: لمحمد بن شاكر الكتبي "ت764هـ" تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت. 140- فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت: للعلامة عبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري، طبع بالمطبعة الأميرية ببولاق. 141- الفوائد البهية في تراجم الحنفية: لمحمد بن عبد الحي الكنوي، دار المعرفة، بيروت. 142- الكامل في التاريخ: لأبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن محمد الشيباني المعروف بابن الأثير "ت630هـ"، دار صادر، بيروت "1385هـ". 143- كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: للشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي "ت1162هـ"، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة "1351هـ".

144- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: لمصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة "ت1067هـ" طبع "بعناية وكالة المعارف، 1941-1943م". 145- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: لعلاء الدين علي بن حسان الدين الهندي "ت975هـ"مؤسسة الرسالة بيروت. 146- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: لعلاء الدين علي بن حسام الدين الهندي "ت975هـ" دائرة المعارف العثمانية، الهند. 147- اللباب في تهذيب الأنساب: لعز الدين أبي الحسن علي بن محمد بن محمد المعروف بابن الأثير "ت630هـ" دار صادر، بيروت. 148- لسان العرب: لابن منظور، الإفريقي محمد بن مكرم "ت711هـ"، إعداد يوسف الخياط، دار لسان العرب، بيروت. 149- لسان الميزان: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني "ت852هـ", مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثانية "1390هـ-1971م". 150- اللمع في أصول الفقه: لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي "ت476هـ" الطبعة الأولى بيروت "1405هـ-1985م"، دار الكتب العلمية، بيروت. 151- مجلة معهد المخطوطات العربية، تصدر عن معهد المخطوطات العربية بدولة الكويت. 152- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي "ت807هـ" مكتبة القدسي، القاهرة "1352هـ". 153- المجموع شرح مهذب الشيرازي: لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي "ت676هـ" الناشر زكريا بن يوسف، توزيع المكتبة العالمية بالفجالة، القاهرة.

154- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني المعروف بابن تيمية "ت728هـ" جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي، وابنه محمد، تصوير دار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية، 1398هـ. 155- المحرر الوجيز: لأبي محمد عبد الحق بن أبي بكر غالب بن عطية الغرناطي "ت541هـ" المجلس العلمي بفاس، وزارة الأوقاف، بالمغرب. 156- المحصول في علم أصول الفقه: لفخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي "ت606هـ", دراسة وتحقيق طه جابر فياض العلواني، الطبعة الأولى "1401هـ-1981م", جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بالرياض. 157- مختصر المنتهى الأصولي مع شرحه وحواشيه، للإمام جمال الدين عثمان بن عمر المالكي المشهور بابن الحاجب "ت646هـ، المطبعة الأميرية، بولاق "1316هـ". 158- المدارك: للقاضي عياض = ترتيب المدارك. 159- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل: للشيخ عبد القادر بن بدران الدمشقي "ت1346هـ", صححه وقدم له وعلق عليه عبد الله بن عبد الله المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية "1401هـ-1981م". 160- مرآة الأصول في شرح مرقاة الوصول: للعلامة خسرو، طبع دار الطباعة العامرة، بتركيا. 161- مرآة الجنان وعبرة اليقظان: لعبد الله بن أسعد اليافعي "ت767هـ" حيدر آباد الهند. 162- مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع: لصفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي "ت739هـ", تحقيق علي محمد البجاوي، دار إحياء

التراث, عيسى البابي الحلبي وشركاه، الطبعة الأولى "1373هـ-1954م". 163- المستدرك على الصحيحين: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري "ت405هـ" دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الهند. 164- المستصفى: لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي "ت505هـ" طبع المطبعة الأميرية، بولاق. 165- مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت: لمحب الدين ابن عبد الشكور "ت 1119هـ"، المطبعة الأميرية ببولاق. 166- مسند أحمد: للإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل "ت241هـ" المكتب الإسلامي، دار صادر بيروت "1398هـ". 167- مسند الإمام أحمد بن حنبل: لأبي عبد الله أحمد بن حنبل "ت241هـ"، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار المعارف، مصر. 168- المسودة في أصول الفقه: لثلاثة من آل تيمية، ابن تيمية المعروف، وأبوه، وجده، طبع مطبعة المدني، القاهرة. 169- المشتبه في الرجال وأسمائهم وأنسابهم، لأبي عبد الله بن محمد بن أحمد الذهبي "ت748هـ", تحقيق علي البجاوي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. 170- مشكل الآثار: لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي "ت321هـ", دائرة المعارف الهندية، حيدر آباد "1333هـ". 171- مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه: لأبي العباس أحمد بن إسماعيل بن سليم المعروف بالشهاب البوصيري "ت840هـ", مطبوع مع سنن ابن ماجه. 172- المصباح المنير: أحمد بن محمد "ت770هـ", تصحيح حمزة فتح الله، القاهرة "1903م".

173- المصنف: لأبي بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن أبي شيبة "ت235هـ", تحقيق عبد الخالق الأفغاني، الدار السلفية، الهند، الطبعة الثانية "1399هـ-1979م". 174- المصنف: لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني "ت211هـ", تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، الطبعة الأولى "1390هـ"، المجلس العلمي. 175- المعتمد في أصول الفقه: لأبي الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي "ت436هـ"، قدم له وضبطه الشيخ خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى "1403هـ-1983م". 176- معجم البلدان: لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي "ت626هـ"، دار صادر، بيروت، "1399هـ". 177- معجم المؤلفين: لعمر رضا كحالة, مكتبة المثنى، بيروت، ودار إحياء التراث العربي، بيروت. 178- معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار: لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي "ت748هـ"، طبع مؤسسة الرسالة، بيروت "1404هـ-1984م". 179- معنى قول المطلبي: إذا صَحَّ الحديث فهو مذهبي: للإمام تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي "ت756هـ"، مطبوع ضمن مجموعة الرسائل المنيرية. 180- المغني: لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي "ت620هـ"، مكتبة الرياض الحديثة. 181- مغني المحتاج: للإمام محمد الشربيني الخطيب "ت975هـ"، طبع مصطفى الحلبي، القاهرة. 182- المفردات في غريب القرآن: لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف

بالراغب الأصبهاني "ت502هـ" دار المعرفة، بيروت. 183- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة: للإمام أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي "ت902هـ"، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى "1399هـ-1979م". 184- ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد: للإمام أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي "ت456هـ" تحقيق سعيد الأفغاني، مطبعة جامعة دمشق "1379هـ-1960م". 185- الملل والنحل: لمحمد بن عبد الكريم الشهرستاني "ت548هـ", تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت "1400هـ-1980م". 186- مناقب الشافعي: لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي "ت458هـ", تحقيق سيد أحمد صقر، طبع القاهرة "1391هـ". 187- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: لعبد الرحمن بن علي بن الجوزي "ت597هـ"، دائرة المعارف العثمانية، الهند "1358هـ". 188- منتهى السول في علم الأصول: لسيف الدين أبي الحسن علي بن محمد الآمدي "ت467هـ", مطبعة السعادة، مصر. 189- منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل: لابن الحاجب عثمان بن عمر "ت646هـ", مطبعة الخانجي "1326هـ". 190- المنقذ من الضلال: لأبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي "ت505هـ"، دار الكتب الحديثة. 191- منهاج الوصول إلى علم الأصول: للقاضي عبد الله بن عمر البيضاوي الشافعي "ت685هـ" مطبعة محمد علي صبيح، القاهرة. 192- الموافقات: للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن موسى المالكي "ت790هـ"،

المطبعة الرحمانية بمصر. 193- مواهب الجليل: لأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطَّاب "ت954هـ", مكتبة السعادة مصر "1329هـ". 194- المؤتلف والمختلف: للإمام الحافظ علي بن عمر الدارقطني البغدادي "ت385هـ", دراسة وتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، دار الغرب الإسلامي، بيروت. 195- النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير: للعلامة الكنوي "ت1304هـ"، طبع بالهند. 196- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: لأبي المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي "ت784هـ"، دار الكتب المصرية، القاهرة. 197- نصب الراية لأحاديث الهداية: لجمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي "762هـ"، إدارة المجلس العلمي، ودار المأمون، القاهرة. 198- نفائس الأصول في شرح المحصول: لشهاب الدين أحمد بن إدريس المصري المالكي القرافي "ت684هـ"، مخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم: "472" أصول. 199- نهاية السول في شرح منهاج الوصول: للعلامة عبد الرحيم بن حسن الإسنوي الشافعي "772هـ"، مطبعة محمد علي صبيح، القاهرة. 200- النهاية في غريب الحديث والأثر: لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، المعروف بابن الأثير "ت606هـ", تحقيق طاهر الزاوي، ومحمود الطناحي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. 201- نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار، شرح منتقى الأخبار: للإمام المجتهد محمد بن علي الشَّوكاني "ت1255هـ"، دار الجيل، بيروت، "1973م".

202- هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين: لإسماعيل باشا البغدادي "ت1339هـ"، دار الفكر "1404هـ-1982م". 203- الوافي بالوفيات: لخليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي "ت764هـ" طبع، سلسلة النشرات الإسلامية لجمعية المستشرقين الألمانية. 204- الوسيط في المذهب: لأبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي "ت505هـ", دراسة وتحقيق وتعليق علي محيي الدين القره داغي، دار الاعتصام، القاهرة. 205- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان "ت681هـ", حققه إحسان عباس، دار صادر، بيروت "1397هـ-1977م".

فهرس الموضوعات

فهرس الموضوعات: 5 مقدمة التحقيق 11 التعريف بالإمام الحافظ أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح 11 اسمه ونسبه وكنيته 11 مولده ونشأته وشيوخه وتلاميذه ورحلاته العلمية 13 أقوال العلماء وثناؤهم على ابن الصلاح 15 عقيدته 17 مؤلفاته 19 وفاته تعريف: 23 1- الفتوى: لغة واصطلاحًا 24 2- المفتي 25 3- المجتهد والمفتي: الاجتهاد لغة 25 4- الاجتهاد في الاصطلاح 29 دراسة الكتاب: 31 1- تسمية الكتاب والأسباب التي دفعت ابن الصلاح إلى تأليف الكتاب 33 2- منهج ابن الصلاح في الكتاب 36 3- موارد ابن الصلاح في الكتاب 39 4- نقده للآراء التي يذكرها 41 5- أثر الكتاب فيما بعده واقتباسات الأئمة منه 43 وصف الكتاب وصحة نسبته إلى المصنف 45 المنهج الذي التزمه في التحقيق والدراسة 47 صور المخطوطات المعتمدة في تحقيق النص

فهرس موضوعات كتاب أدب المفتي والمستفي لابن الصلاح الشهرزوري

فهرس موضوعات كتاب أدب المفتي والمستفي لابن الصلاح الشهرزوري ... فهرس موضوعات كتاب أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح الشهرزوري: 71 بيان شرف الفتوى وخطرها وغررها 85 القول في شروط المفتي وصفاته وأحكامه وآدابه شروطه وصفاته: 86 أن يكون مسلمًا، ثقة، مأمونًا، متنزهًا من أسباب الفسق ومسقطات المروءة 86 ويكون فقيه النفس, سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التصرف والاستنباط, مستيقظًا أقسام المفتي: 86، 89، 91 المستقل وشروطه 87 تعريف المجتهد المستقل 88 الأول: من كونه حافظًا لمسائل الفقه 89 الثاني: هل يشترط فيه أن يعرف من الحساب ما يصحح به المسائل الحسابية الفقهية 89 الثالث: إنما يشترط إجماع العلوم المذكورة في المفتي المطلق 89، 91، 94، 121 - مسائل تجزيء الاجتهاد والأقوال فيها المفتي الذي ليس بمستقل "أحوال المفتي المنتسب": 91، 95 الحالة الأولى: أن لا يكون مقلدًا لإمامه في المذهب ولا في دليله 94 - حكم فتوى المنتسبين إلى المذاهب 94، 98 الحالة الثانية: أن يكون في مذهب إمامه مجتهدًا مقيدًا فيستقل بتقرير مذاهبه بالدليل غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه وقواعده تنبيهات: 95 الأول: المفتي الذي يتأدى به فرض الكفاية 95، 96 - تقليد الميت 96 الثاني: قد يوجد من المجتهد المقيد الاستقلال بالاجتهاد والفتوى 96 الثالث: يجوز له أن يفتي فيما لا يجده من أحكام الوقائع منصوصًا عليه لإمامه بما يخرجه على مذهبه

97 الرابع: تخريجه تارة يكون من نص معين لإمامه في مسألة معينة، وتارة لا يجد لإمامه نصًّا معينًا يخرج منه مخرج على وفق أصوله 98 الحالة الثالثة: أن لا يبلغ رتبة أئمة المذهب أصحاب الوجوه والطرق غير أنه فقيه النفس حافظ لمذهب إمامه عارف بأدلته 99 الحالة الرابعة: أن يقوم بحفظ المذهب في نقله وفهمه 101 - شروط المفتي 101 - الأصولي الماهر المتصرف في الفقه لا تحل له الفتوى بمجرد ذلك تنبيهات: 102، 103، 160، 161 الأول: لا يجوز للمقلد أن يفتي بما هو مقلد فيه "والأقوال في ذلك" 103 - في العامي إذا عرف حكم حادثة بناء على دليلها ثلاثة أوجه أ- يجوز أن يفتي به ويجوز تقليده فيه ب- يجوز ذلك إن كان دليلها من الكتاب والسنة ج- لا يجوز ذلك مطلقًا 104 الثاني: من تفقه وقرأ كتابًا من كتب المذهب أو أكثر يجوز الرجوع إليه 104 - إن كان في غير بلده مفت يجد السبيل إلى استفتائه 104 - إذا شغرت بلدة عن المفتين 105 الثالث: إذا لم يجد صاحب الواقعة مفتيًا ولا أحدًا ينقل له حكم واقعته لا في بلده ولا في غيره فماذا يصنع؟ 105 "مسألة فترة الشريعة الأصولية" القول في أحكام المفتين وفيه مسائل: 106 الأولى: لا يشترط فيه الحرية والذكورة 106 - ولا تؤثر فيه القرابة والعداوة، وجر المنفعة 107 - ولا بأس أن يكون المفتي أعمى أو أخرس مفهوم الإشارة أو كاتبًا 107 الثانية: لا تصح فتيا الفاسق وإن كان مجتهدا مستقلا 107 الثالثة: من كان من أهل الفتيا قاضيًا فهو كغيره 108 -فتيا القاضي في الأحكام 108 الرابعة: إذا استفتى المفتي وليس في الناحية غيره تعين عليه الجواب

109 - إذا سأل العامي عن مسألة لم تقع لم تجب مجاوبته 109 الخامسة: إذا أفتى بشيء ثم رجع عنه "نقض الاجتهاد" 110 السادسة: إذا عمل المستفتي بفتيا المفتي في إتلاف ثم بان خطأه 111 السابعة: لا يجوز للمفتي أن يتساهل في الفتوى أو تتبع الحيل 113 الثامنة: ليس له أن يفتي في كل حالة تغير خلقه، وتشغل قلبه 114 التاسعة: الأولى بالمتصدي للفتوى أن يتبرع بذلك 115 العاشرة: لا يجوز له أن يفتي في الأيمان والأقارير ونحو ذلك 115 الحادية عشرة: لا يجوز له أن يعتمد إلا على كتاب وثق بصحته 117 الثانية عشرة: إذا أفتى في حادثة ثم وقعت مرة أخرى 117 الثالثة عشرة: إذا وجد عن الشافعي قولا يخالف الحديث فماذا يصنع؟ 122 الرابعة عشرة: هل للمفتي المنتسب إلى مذهب الشافعي مثلا أن يفتي بمذهب آخر 123 الخامسة عشرة: ليس للمنتسب إلى مذهب الشافعي في المسألة ذات القولين أو الوجهين أن يتخير فيعمل أو يفتي بأيهما شاء 126 - إذا وجد من ليس أهلا للترجيح والتخريج بالدليل اختلافًا بين أئمة المذهب في الأصح من القولين أو الوجهين يفزع في الترجيح إلى صفاتهم الموجبة لزيادة الثقة بآرائهم 128 - كل مسألة فيها قولان: قديم وجديد 130 المسألة السادسة عشرة: إذا اقتصر في جوابه على حكاية الخلاف بأن قال: فيها قولان أو وجهان كيفية الفتوى وآدابها: وفيه مسائل: 134 الأولى: يجب على المفتي حيث يجب عليه الجواب أن يبينه بيانًا مزيحًا للإشكال 134، 164، 166 - العامي إذا اختلف عليه اجتهاد اثنين فماذا يعمل؟ 135 الثانية: إذا كانت المسألة فيها تفصيل لم يطلق الجواب فإنه خطأ 135 الثالثة: إذا كان المستفتي بعيد الفهم فينبغي للمفتي أن يكون رفيقًا به صبورًا عليه 137 الرابعة: ليتأمل رقعة الاستفتاء تأملا شافيًا كلمة بعد كلمة

138 - قصة ابتلاء أبي حامد المرورُّذي في فتوى أفتاها وحرفت 138 الخامسة: يستحب له أن يقرأ ما في الرقعة على من بحضرته ممن هو أهل لذلك، ويشاورهم في الجواب 138 السادسة: ينبغي أن يكتب الجواب بخط واضح وسط ليس بالدقيق الخافي ولا بالغليظ الجافي وإذا كتب أعاد نظره فيه 139 السابعة: إذا كان هو المبتدئ بالإفتاء فالعادة جارية بأن يكتب فتواه في الناحية اليسرى من الورقة 140 الثامنة: روي عن مكحول ومالك رضي الله عنهما: "أنهما كانا لا يفتيان حتى يقولا: لا حول ولا قوة إلا بالله" "الدعاء قبل أو بعد الفتوى" 141 التاسعة: على المفتي أن يختصر جوابه فيكتفي فيه بأنه يجوز أو لا يجوز، أو حق أو باطل 142 العاشرة: إذا سئل عن مسألة ميراث فالعادة غير جارية بأن يشترط في جوابه في الورثة عدم الرق والكفر "وانظر المسألة المنبرية" 144 الحادية عشرة: ليس للمفتي أن يبني ما يكتبه في جوابه على ما يعلمه من صورة الواقعة للمستفتي 145 الثانية عشرة: لا ينبغي إذا ضاق موضع الفتوى عنها أن يكتب الجواب في رقعة أخرى خوفًا من الحيلة عليه 145 الثالثة عشرة: إذا رأى المفتي رقعة الاستفتاء قد سبق بالجواب فيها من ليس أهلًا للفتوى 146 - وإذا خاف فتنة من الضرب على فتيا العادم للأهلية 146 الرابعة عشرة: إذا ظهر له أن الجواب على خلاف المستفتي وأنه لا يرضى بكذبه في ورقته فليقتصر على مشافهته بالجواب 148 الخامسة عشرة: إذا وجد في رقعة الاستفتاء فتيا غيره وهي خطأ قطعًا 148 - إفتاء الماوردي بعدم جواز التلقب بشاهنشاه 150 السادسة عشرة: إذا لم يفهم المفتي السؤال أصلًا ولم يحضر صاحب الواقعة 151 السابعة عشرة: ليس بمنكر أن يذكر المفتي في فتواه الحجة 153 الثامنة عشرة: يجب على المفتي عند اجتماع الرقاع بحضرته أن يقدم الأسبق فالأسبق 153 التاسعة عشرة: ليحذر في فتواه أن يميل في فتياه مع المستفتي أو خصمه 153 العشرون: ليس له إذا استفتي في شيء من المسائل الكلامية أن يفتي بالتفصيل

القول في صفة المستفتي وأحكامه وآدابه: 158 - صفته 158 - حد التقليد - أحكامه وآدابه "المستفتي": 158 الأولى: هل يجب عليه البحث والاجتهاد عن أعيان المفتين؟ 102، 103، 160، 160 الثانية: في جواز تقليد الميت وجهان 161 الثالثة: هل يجوز للعامي أن يتخير ويقلد أي مذهب شاء؟ 164 الرابعة: إذا اختلف عليه فتوى مفتيين فللأصحاب فيه أوجه 164 أحدها: أنه يأخذ بأغلظها 164 الثاني: يأخذ بأخفهما 165 الثالث: يجتهد في الأوثق، فيأخذ بفتوى الأعلم الأورع 165 الرابع: يسأل مفتيا آخر فيعمل بفتوى من يوافقه 165 الخامس: يتخير فيأخذ بقول أيهما شاء 166 الخامسة: إذا سمع المستفتي جواب المفتي لم يلزمه العمل به إلا بالتزامه 167 السادسة: إذا استفتي فأفتى، ثم حدثت له تلك الحادثة مرة أخرى، فهل يلزمه تجديد السؤال؟ فيه وجهان 168 السابعة: له أن يستفتي بنفسه وله أن ينفذ ثقة يقبل خبره ليستفتي له 168 الثامنة: ينبغي للمستفتي أن يحفظ الأدب مع المفتي 169 التاسعة: ينبغي أن يكون رقعة الاستفتاء واسعة ليتمكن المفتي من استيفاء الجواب 171 العاشرة: لا ينبغي للعامي أن يطالب المفتي بالحجة فيما أفتاه ولا يقول له: لِمَ؟ وكيف؟

صدر للمحقق

صدر للمحقق: 1- سؤالات الحاكم النيسابوري للدارقطني في الجرح والتعديل. دراسة وتحقيق. مكتبة المعارف. الرياض. 2- سؤالات حمزة بن يوسف السهمي للدارقطني وغيره من المشايخ في الجرح والتعديل. دراسة وتحقيق. مكتبة المعارف. الرياض. 3- سؤال محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني في الجرح والتعديل دراسة وتحقيق. مكتبة المعارف. الرياض. 4- الضعفاء والمتروكون: للإمام الحافظ أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي "ت385هـ". دراسة وتحقيق. مكتبة المعارف. الرياض. 5- صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط: للإمام الحافظ المحدث أبي عمرو بن الصلاح "ت643هـ". دراسة وتحقيق. دار الغرب الإسلامي. بيروت. 6- المؤتلف والمختلف: للإمام أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي "ت385هـ". دراسة وتحقيق. 7- سؤالات السجزي للحاكم النيسابوري في الجرح والتعديل. دراسة وتحقيق. عنوان المراسلة: المملكة العربية السعودية. مكة المكرمة. جامعة أم القرى. معهد اللغة العربية لغير الناطقين بها. ص. ب: 3712

§1/1