أدب القاضي لابن القاص

ابن القاصِّ

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب, ولم يجعل له عوجا قيما. أقام به الأود وأزهق الفند. وأكمل به الحجج, لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. والحمد لله العليم بالأشياء. قبل كونها الحكيم في تدبير على ما سبق في الأزل علمه. الحكم العدل, في جميع ما قدر وقضى. ودبر وأمضى, فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه. وهو سريع الحساب. الذي امتدح بالعدل واصطفاه. وابتعث به رسله وأنبياءه. ووفق للحكم به من ارتضى قضاءه. أمر بالعدل والإحسان. وتعالى عن الجور والفحشاء. لا يُسأل عما يفعل, وهم يُسألون. وصلى الله وملائكته على البشير النذير السراج المنير محمدٍ وآله الطيبين.

أما بعد: فلن يفصل بين المحق والمبطل منا من جهل قضايا السلف. ولا استوعب الفقه من لم يعرف المختلف. وزلا كملت قضية قاضٍ في أيسر مقالةٍ مالت به من غير تبحيثٍ. وقد اختلف مذاهب الرأي والحديث في أمور من القضاء لا يسع القاضي الاقتناع بالعجز. دون معرفته فألفت كتابي هذا في أدب القاضي على مذهب الشافعي والكوفي. إذا كان أحدهما اتبع فقهاء الحديث للسنن. وكان الآخر أبلغ أهل الرأي تفريعًا ولا غنى بالقاضي دون معرفة الأمرين فاقتصرت على ذكرهما, خوف الإطالة إلا فيما لا غنية عنه لقاضٍ من معرفة قول مالك بن أنس, ودونه في أصول القضاء, ولم أترك الباقين عند ذكر الفروع هجرًا ألا خيفة أن

يعجز الكتاب عن الوفاء بذكر أقاويلهم في جميع المسائل. فيصير الكتاب منبترًا. وقدمت على ذكر جميعهم الشافعي رضي الله عنه لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قدموا قريشًا ولا تقدموها». وإن من أحق الناس بالتأدب بآداب الله ومطالبة النفس بأحكام الله ورعاية حقوقه من يُقلد الأحكام وانتصب لفصل القضاء بين الأنام فأتقى أمر ربه ويذكر وقوف الخصماء بين يديه مُقامه مع الخصماء. {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}. {يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}. فاستعد للمسألة جوابا. إن قيل له عبدي مكنتك في بلادي. ونصبتك قاضيا بين عبادي. لتنصر المظلوم على الظالم. وتعلى الحق على الباطل, وأخذت عليك بذلك عهدي وميثاقي, وتقدمت إليك إنذارًا بأن من لم يحكم بما أنزل الله {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} , وقلت {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} ... من هذا السؤال فرقا. فشمر

للحق وأهله. ناضرًا ليوم {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}.

باب: الترغيب في القضاء

[1] باب: الترغيب في القضاء وتخريج الأخبار المروية في كراهته حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي, حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي, حدثنا عمر بن علي.

حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن ابن مسعود رضي الله عنه, عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال: لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق. ورجل أتاه الله الحكمة وهو يقضي بها ويعمل بها». وحدثنا أبو بكر محمد بن أحمد القاضي, حدثنا محمد بن هارون, حدثنا عمر بن الربيع بن طارق. حدثنا يحيى بن أيوب, عن

ابن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: هل تدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة: قالواة الله ورسوله أعلم. قال: الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سُئلوه بذلوه وإذا حكموا للمسلمين حكموا كحكمهم لأنفسهم. حدثنا الحسين بن عمر بن أبي الأحوص الكوفي. حدثنا العلاء بن عمر

الحنفي, حدثنا يحيى بن يزيد الأشعري عن ابن جريج عن عطا عن ابن عباس, قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا جلس القاضي في مجلسه هبط عليه ملكان يسددانه ويرشدانه ويوفقانه فإذا جار عرجا وتركاه. حدثنا عبد الله بن غنام. حدثنا ابن شيبة, حدثنا علي بن مسهر

عن أشعت عن الحسين في قوله عز وجل: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} قال العلم بالقضاء. قال الشافعي رحمه الله تعالى: في كتاب أدب القاضي «الناس كلهم عباد الله. فأحقهم بالمحبة أطوعهم لله. وأحقهم من أهل طاعته بالفضيلة أنفعهم لجماعة المسلمين من إمام عادل أو عالم مجتهد أو معين لعامتهم وخاصتهم, يعني به القاضي وهذا ما لا أعلم مالك بن أنس ولا الكوفي خالفا بل قد رغبا فيه وتولاه أصحابهما. وقد كره القضاء قوم وهجروا القضاء متشبثين بأخبار توهموا لضعف رويتهم أنها مأثورة في كراهية القضاء. فلو أنهم جعلوها في

القاسطين دون المقسطين لعذرناهم. ولكنهم غلو فيها فعموا بها قضاة الدين. وهي عندنا إلى الترغيب في القضاء أقرب منه إلى الرغبة عنه, وإنا ذاكروها وملطف القول في تخريجها إن شاء الله. حدثنا إبراهيم بن موسى الجوزي. حدثنا محمد بن منصور الجواز, حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم. حدثنا عبد الله بن جعفر, عن عثمان بن محمد الأختس, عن سعيد بن أبي سعيد المقبري. والأعرج عن

أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين». حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي, حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي, حدثنا يحيى بن سعيد عن مجالد, عن الشعبي, عن مسروق, عن عبد الله, وربما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .... قال: «ما من حاكم يحكم بحكم بين الناس, إلا وكل به ملك يأخذ بقفاه حتى يقف به على شفير جهنم

فيرفع رأسه إلى السماء فإن أمره أن يقذفه قذفه فهوى فيها أربعين خريفا». حدثنا عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان وعبد الله بن محمد قالا: حدثنا علي بن الجعد, أخبرنا شعبة, عن قتادة, قال سمعت أبا العالية. قال: قال: علي عليه السلام. «القضاة ثلاثة قاضيون في النار وقاض في الجنة. فأما اللذان في النار, فرجل جار متعمدا, فهو في النار, ورجل اجتهد فأخطأ فهو في النار. وأما الذي اجتهد, فأصاب الحق فهو في

الجنة. قلت لأبي العالية, ما ذنب من أخطأ. قال ذنبه أن لا يكون قاضيا». حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد القاضي, حدثنا علي بن مسلم. حدثنا أبو داود, حدثنا عمرو بن العلاء, حدثنا صالح بن سرح بن عبد القيس. عن عمران بن حطام, قال: دخلت على عائشة فتذاكرنا أمر القضاء. فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ليأتين على القاضي يوم يود أنه لم يقض فيه بين اثنين في تمرةٍ» , قال أبو العباس: فأما

حديث أبي هريرة فليس عندي ذلك في كراهته وذمه. إذا الذبح بغير سكين مجاهدة النفس بترك الهوى. والله عز وجل يقول إن {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} , ويدل على ذلك حديث: حدثنا محمد بن عبد الله, حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن زياد. أخبرني عبد الحميد بن بحر, حدثنا عبد القدوس, عن مكحول, عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا أبا هريرة عليك بطريق قومٍ, إذا فزع الناس أمنوا. قلت: من هم يا رسول الله, قال: هم قوم, تركوا الدنيا فلم يكبر في قلوبهم ما يشغلهم عن الله. قد أجهدوا أبدنهم وذبحوا أنفسهم في طلب رضاء الله وذكر الحديث بطوله

فناهيكم به فضيلة وزلفى إلى الله عز وجل. لمن قضى بالحق في عباده إذ جعله ذبيح الحق امتحانًا لتعظم له المثوبة امتنانًا وقد ذكر الله عز وجل قصة خليله إبراهيم عليه السلام, وقوله: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} , إلى قوله: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}. فإذا جعل تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام في تسليمه لذبح ابنه مصدقًا فقد جعل ابنه لاستسلامه للذبح ذبيحًا. لذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا ابن الذبيحين» عنى به إسماعيل عليه السلام وعبد الله. فكذلك القاضي عندما والله أعلم. لما استسلم لحكم الله, واصطبر على مخالفة الأباعد والأقارب في خصوماتهم. ولم تأخذهم في الله لومة لائم حتى قادهم إلى مر الحكم. وعنهم عما دعتهم دواعي الهوى من اللدد وميولهم

نفوسهم من الفند جعله ذبيح الحق لله وبلغ به حال الشهداء الذين لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون. وقد ولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القضاء عليًا ومعاذًا ومعقل بن يسار. فنعم الذابح. ونعم المذبوح وولي القضاء من بعده الخلفاء الراشدون. وفي كتاب الله عز وجل من الدليل على الترغيب فيه إذ يقول جل ذكره {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} , إلى آخر الآيات الثلاث. حدثنا هارون بن يوسف. حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر حدثنا سفيان عن زكريا بن أبي

زائدة. عن الشعبي. قال: هذه الآيات الثلاث الأولى في المؤمنين. والثانية في اليهود. والثالثة في النصارى. {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} , إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}. قال: هذه في أهل الإسلام {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} , إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. قال: هذه في اليهود. {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ} , {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. قال: هذه في النصارى. وأما حديث ابن مسعود فتحذير القضاة عن الظلم لا عن القضاء. إذ قال في حديثه فإن أمره قذفه. ولم يقل فيأمر فيقذفه. فحذر ولم يقذف. ويدل على صحة تخريجنا له ما حدثي به محمد بن محمد الباغندي, حدثنا عمرو بن علي, حدثنا يحيى بن سعيد عن مجالد

عن الشعبي. عن مسروق عن ابن مسعود. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤتى بالقاضي يوم القيامة حتى يوقف به على شفير جهنم وملك أخذ بقفاه. فإن أمر يقذف به في النار. فهوى فيه أربعين خريفا». ثم قال عبد الله بن مسعود: «لأن أقضي يومًا أحب إليّ من عبادة سبعين عاما». ففي تفضيل عبد الله قضاء يوم على عبادة سبعين عامًا. دليل على صحة ما أحببنا من التخريج, إذ راوي الخبر أولى بتأويل ما حمل. ولولا ذلك ما تولى القضاء عبد الله. حدثنا المطين بن عبد الله الحضرمي, ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة. قالا حدثنا إبراهيم بن معاوية. حدثنا أبي الأعمش

عن عمارة. عن عبد الرحمن بن يزيد. قال: كثروا على عبد الله ذات يومٍ فقال: إنه قد أتى علينا زمان لسنا نقضي, ولسنا هنالك. ثم إن الله قدر أن بلغنا من الأمر ما ترون. فمن عرض له منكم قضاءُ بعد اليوم. فليقض بما في كتاب الله. فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله ولم يقض به نبيه فليقض بما قضى به الصالحون. فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله ولا في قضايا نبيه ولم يقض به الصالحون فليجتهد رأيه ولا يقل إني أرى وإني أخاف, فإن الحلال بين والحرام بين وبين ذلك مشتبهات, فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك». أفلا تريه. كيف نسب القضاء إلى الصالحين, وعلمه وتولاه وكيف لا يكون

كذلك. وهو يأمر الحسد في القضاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. كما روينا عنه في أول هذا الكتاب. وأما حديث علي بن أبي طالب عليه السلام فيحمل فيمن تولى القضاء جاهلًا قبل الفوز. بالآية على ما وصفتها في باب صفة القاضي. وقد روي فيه على هذا المعنى حديث. حدثنا بن محمد بن عبد الله الحضرمي. حدثنا جبارة بن مغلس الحماني. حدثنا عبد الله بن بكير, عن حكيم بن جبير, عن أبي بريدة, عن أبيه. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «القضاة ثلاثة: قاضيان في النار. وقاضي في الجنة. قاضي علم الحق. فقضى به فهو في الجنة.

وقاضي علم الحق فجار. متعمدًا فذاك في النار. وقاضي قضى بغير علم, واستحى أن يقول: إني لا أعلم فهو في النار». فصح أن ذلك في الجاير والجاهل الذين لم يؤذن لهما في اجتهاد الرأي والقضاء. وقد نطق بهذا المعنى كتاب الله تعالى. إذ يقول: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}. الآية. فدل على ترغيب لمن حكم بالحق وعلى كراهية لمن اتبع الهوى. وكيف يعذب بالنار مأذون له في الاجتهاد أم الحق فأخطاه. وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران. وإن أخطأ فله أجر. حدثنا بذلك محمد بن صالح بن ذريح, ومحمد بن موسى قال حدثنا أبو ثور. حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ومعلى بن منصور, وهشام الرازي, عن

عبد العزيز بن محمد الدراوردي. عن يزيد بن عبد الله بن الهاد. عن محمد بن إبراهيم. عن أبي قيس, مولى عمرو بن العاص, عن عمرو أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران. وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر». قال فحدث بهذا الحديث أبا بكر محمد بن عمرو بن حزم. فقال هكذا حدثني أبو سلمة. عن أبي هريرة. وبمثل ذلك نطق الكتاب حيث يقول: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}. قال

الحسن: لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا. ولكن الله عز وجل حمد هذا بصوابه, وأثنى على هذا باجتهاده. على أن حديث عليّ عليه السلام مما تفرد به أبو العالية. وقد تكلم يحيى بن معين فيه بما لا أحب ذكره, وذكر شعبة: أنه لقي عليًا, ولم يسمع منه شيئا. وقد دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي عليه السلام بالقضاء. ولو كان مذمومًا ما دعا له. حدثنا محمد بن عبد الله المطين. حدثنا واصل بن عبد الله الأعلى.

حدثنا ابن فضيل. عن مسلم, عن ابن أبي ليلى. عن علي عليه السلام. قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن لأقضي بينهم. فقلت: إني لا أحسن القضاء. فوضع يده على صدري. ثم قال: «اللهم إهده للقضاء». وأما حديث عائشة, في تشديد يوم الحساب وما يلحق القضاة, من هول المسائلة, فحديث تفرد به عمران بن حطان. وهو عن أهل النقل ضعيف. كان يذهب إلى الخوارج. وهو الذي يقول في عبد الرحمن بن ملجم. قاتل على بن أبي طالب عليه السلام وعلى قاتله غضب الله.

تالله من ضربة ماذا أراد بها: إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره يومًا فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزانا على أن الحديث وإن كان صحيحاً. فذك يوم يجمع الله الرسل. فيقول: ماذا أجبتم. قالوا: لا علم لنا. قال ابن عباس: قد كانوا علموا ماذا أجيبوا. ولكنهم نسوا من شدة اليوم. وهول المسائلة. وفي هذا المعنى ما قال كعب لعمر بن الخطاب. حدثنا جعفر بن محمد الفرياني. حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا عبد العزيز بن محمد عن أبي سهيل بن

مالك. عن أبيه. إن عمر بن الخطاب. قال لكعب خوفنا يا كعب, فقال: كعب: إنك في أمة مرحومة. فقال عمر: خوفنا, فقال كعب: «لتمرن يا عمر بجبانة من النار. ولو أن لك عمل سبعين نبيًا لظننت أنك لست ناجيًا». حدثنا محمد بن صالح. حدثنا سلمة بن شبيب, حدثنا سهيل بن عاصم. حدثنا محمد بن عيسى عن محمد بن الفرات. قال: شهدت محارب بن دثار. وأتاه رجلان يختصمان فجاء أحدهما بشيخ محصوب له ضفيرتان بين عينيه أثر السجود. فشهد له. فقال المشهود عليه.

والله لقد شهد علىّ بالباطل, وإنه لرجل صدق ولئن سألت عنه ليرجعن. حملته على ذلك الحمية, قال: فجلس محارب بن دثار. وكان متكئًا. فقال للشيخ: قد سمعت ما قال: إن كنت قد شهدت بباطل. فارجع فإني سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يوجب له النار, وإن الطير تجيء يوم القيامة رافعة مناقيرها نحو العرش تضرب بأجنحتها تضع ما في بطنها من هول ذلك اليوم» وما قبلها تبعه. فاتق الله. فإن كنت شهدت بباطل فارجع. قال: فأتنفض الشيخ ثم قنع رأسه. وقال قد رجعت ومضى. قال: وفي ذم القضاء ذريعة إلى تعطيل الأحكام. وفي تعطيلها فساد العباد والبلاد. والله لا يحب الفساد فإن قال غير ملطلفٍ للنظر. إنما أنكرنا القضاة دون القضاء. أحال وناقض. لتعلق أحد المعنيين بالآخر واستحالة قيام القضاء بغير قاضٍ. واشتقاق العرب اسم القاضي من القضاء.

ومعنى قولهم قضاء القاضي. أي الزم الحق. وحكم به وأحكمه, وأتقنه, وقطع الخصومة, وفرغ منه فلا يتعقبه. قال الله عز وجل: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} أي ألزمناه وحتمنا به عليه. فلا تغير. قال الشاعر في عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قضيت أمورًا ثم غادرت بعدها بواتيج في أكمامها لم تفتق أو فقال بواتق في أحكامها لم تفتق. يعني شيدت أمورًا وجعلتها حتمًا لازمًا لا تغير. وقال الله عز وجل: {فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} , يعني أحكمه وأتقنه. قال أبو ذؤيب.

وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع يعني: أحكم صنعتهما داود وأتقنه. وقال: جل ذكره في قصة السحرة {فأقض ما أنت قاض}. يعني إفرغ من جميع ما أنت صانع. ولهذا المعنى تقول العرب: قضى فلان: إذا مات أي فرغ من الدنيا. ويسمون الموت قضاء. حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي,: أبو الربيع. حدثنا أبي معشر. عن محمد بن كعب القرظي. في قوله: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}. قال الموت, قال: الحارث بن حلزة.

وثمانون من تميم بأيديـ ... ـهم رماح صدورهن القضاء يعني أسنتهن الموت. قال الشاعر: قد كان في الموت له راحة ... والموت قاضي في رقاب العباد (31) قال: والحكم والحكمة بمعنى واحد، وذلك وضع الشيء في موضعه فقولهم: حكم الحاكم معناه: وضع الحق في أهله، وضع من ليس له بأهل من التواثب والتجاذب. ولذلك سميت حكمة اللجام. حكمة. لأنها ترد الفرس عن المعاطب، وتمنع. والعرب تقول: حكم وأحكم بمعنى منع. قال: جرير:

إبني حنيفة أحكموا سفهاكم إني أخاف عليكم أن أغضبا أي: إمنعوا سفهاكم.

باب: صفة القاضي

[2] باب: صفة القاضي قال: ولا خلاف. بين الفريقين أن الاختيار في صفة القاضي أن يكون عارفًا. يحمل علم الكتاب والسُنة وإجماع الأمة, واختلاف أئمة السلف. فقيه النفس, يعقل وجوه القياس إذا ورد, ويعرف اللغة إذا سمع. عالما بتخريج الأخبار, إذا اختلفت, وترجيح أقاويل الأئمة إذا اشتبهت. وافر العقل, أمينا. مثبتًا. حليمًا. ذا فظنه وتيقظ. لا يؤتا من غفلةٍ ولا يخدع بغيره. صحيح حواس السمع والبصر. عارفًا بلغات قضائه. جامعًا للعفاف, نزيهًا بعيدًا من الطمع. عدلًا. رشيدً, بريئًا من الشحناء, والمماظة, والحيف والعصبية. صدوق اللهجة. ذا رأي وشورة. لكلامه لين إذا قرب, ومساواة إذا حاور, وهيبة أذا أوعد. وجد إذا حكم, وفصل لا تأخذه في الله لومة لائمٍ. ذا هيبة وأناة, وسكينة ووقار.

ولو كان من قريش كان أولى. لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رأي رجلٍ من قريش أفضلُ من رأي رجلين من غير قريش». وشرف العلم والعقل والتقى من ذلك أشرف وأولى. وقد ولي علي بن أبي طالب عليه السلام: أبا الأسود الديلي القضاء ساعة من النهار. ثم عزله, فقال: لم عزلتني. فوالله ما خنت ولا جنيت. قال: بلغني أن كلامك يعلو كلام الخصمين إذا تحاكما إليك». قال: وينبغي للقاضي أن يتقدم إلى أعوانه والقوام عليه في ترك الحرق بالناس. ويأمرهم بالرفق من غير ضعف ولا تقصير. قال معاوية بن صالح: إن لم يكن القاضي صارمًا فموته للمسلمين خيرٌ من حياته.

حدثنا: عبد الله بن غنام, حدثنا هناد, حدثنا قبيضة, عن سفيان. قال: قلاد زياد: الرجال ثلاثة: رجل, ونصف رجل, ولا شيء. فالرجل الذي له رأي لا يحتاج إلى رأي غيره. ونصف الرجل الذي لا رأي له. فإذا حزبه أمر شاور ذا الرأي. ولا شيء الذي لا رأي له ولا يشاور.

باب: ذكر من لا يجوز قضاؤه

[3] باب: ذكر من لا يجوز قضاؤه (35) قال: أجمع الشافعي والكوفي على أن لا يولى القضاء إلا فقيه, عالم بالكتاب, والسنة والآثار. وعلى أن من لا تجوز شهادته لا يجوز قضاءه. ولا يجوز عندهما قضاءُ صغير لم يبلغ وكبير قد خرف. والعبد المكاتب, ومن لم تكمل فيه الحرية. والمعتوه والأعمى والأخرس الذي لا يعقل الإشارة والكافر والفاسق, والكذاب والشاعر إذا شبب بامرأةٍ

بعينها لا تحل له فأكثر فيها وشهرها بما يشينها. ومن شرب خمر العنب التي لم يصيبها ماء. والخطابية. ومن يحد عن الحق في القضاء بشفاعة شافع. والمتعصب لقبيلته على غيرها إذا ظهر القضاء, ودعا إليها. والمتقبل للقضاء برشوة تغطى على ولايته القضاء. فكل هؤلاء مردود حكمه وإن كان قد حكم بحق. (36) وأجمعوا أن من شرب سوى خمرِ العنب التي فأسكره. إن حكمه مردود. (37) واختلفوا في حد السكر. فحده على مذهب الشافعي أن يوقع في القلب طرباً ويُغير من حالة الشارب حالًا, سمعت ابن سريج يقوله.

وحده عندا لكوفي أن لا يعرف ليلًا من نهارٍ ولا أرضاً من سماءٍ. ولا رجالًا من نساءٍ. (38) واختلفوا في ساير الأنبذة التي المسكر. إذا شرب منه قدر ما يسكره. فحرمه الشافعي. ولم ترد به شهادته. فكذلك القضاء على أصله, وأباه الكوفي فرد شهادته وقضاءه. (39) وأجمعوا أن من لعب بالنرد والشطرنج والفرق, والحمام, وسائر الطيور على قمارٍ لم يجوز قضاؤه. (40) واختلفوا في ذلك إذا لعب به من غير قمار, فقال الشافعي: من لعب بشيء في هذا على غير قمار لم ترد به شهادته. وأشد الملاهي

اللعب بالنرد للخبر فيه. وقال الكوفي: لا تجوز شهادة من يلعب بالحمام بطيرها. فكذلك حكمه في قياس قولهما. قلته تخريجًا. (41) واختلفوا في قضاء المحدود في القذف كاختلافهم في جواز شهادته. فأجازه الشافعي إذا تاب وأناب وأبي ذلك أبو حنيفة وأصحابه بعد الحد. وأجازوه إذا تاب قبل الحد. (42) واختلفوا في قضاء المرأة. فقال الشافعي جعل الله الرجال قوامين على النساء, وحكامًا دونهن. وحكى محمد بن الحسن: عن أصحابه أن قضاء المرأة جايزٌ إلا في الحدود والقصاص. لأن شهادتها جايزة في غير هذين: فكذلك على قياس أقاويلهما

قضاء الخنثى إذا كان مشكلًا. كقضاء المرأة: قلته تخريجًا. (43) اختلفوا في قضاء الأخرس الذي يعقل الإشارة فقال: أبو العباس بن سريج. تخريجًا على مذهب الشافعي في شهادة الأخرس الذي يعقل الإشارة قولين: أحدهما: أنها جايزة. ولآخر: أنها باطلة فكذلك القضاء. قلته تخريجاً. وأصحهما عندي أن لا يجوز قضاؤه وشهادته. وقال الكوفي: لا تجوز شهادة الأخرس. فكذلك القضاء على قياس قوله. (44) قال: ولو حكم زماناً, ثم عُثر منه على شيء مما وصفنا أنه كان فيه وقت القضاء بطلت قضاياه وأحكامه في تلك الحالة عند الفريقين معاً. وإن حدث به ذلك بعد الحكم, لم يبطل ما قضى. وبطل ما يقضي به في الحال. فإن عاد إلى الصلاح كان على قضائه من غير تجديد ولايةٍ. قاله الكوفي نصًا. (45) وقلته على مذهب الشافعي تخريجاً. وذلك أنه قال في قتال أهل البغي. لا يقاتلون حتى يناظروا ويسألوا ماذا نقموا. فقد يسألون عزل عاملٍ

يذكرون جوره. أو رد مظلمةٍ. فإن كان ما طلبوا حقًا أعطوه. وإن كان باطلًا أقيمت الحجة عليهم. (46) فدل كلامه هذا أنه لم يجعل العامل بالجور معزولًا حتى يعزل. ولو كان عنده بالجور معزولًا لقال وقد يدعون عزل عامل يذكرون جوره ولم يقل يسألون عزله. وكل ذلك متفق منه عند الشافعي والكوفي. إلا إذا ارتد القاضي, ثم رجع إلى الإسلام. فقاله الكوفي نصًا, هو على قضائه. وقال أصحابنا يجدد له القضاء على مذهب الشافعي تخريجًا. ولو ولي القضاء وبه إحدى هذه العلل التي وصفناها ثم صلُح بعد العهد حاله لم يجز حتى يجدد له القضاء قلته تخرجيًا على مذاهبهما.

باب: أرزاق القاضي وأعوانه ورسومه

[4] باب: أرزاق القاضي وأعوانه ورسومه وتقبله القضاء بمالٍ (47) قال الشافعي: ولو أن القاضي وكاتبه والقاسم وصاحب الديوان, وصاحب بيت المال. لم يأخذوا جعلًا. وعملوا محتسبين. كان أحب إليّ. فإن أخذوا جعلًا لم يحرم عندي. يعني في بيت المال. وأولاهم يترك الجعل المؤذنون. وقال مالك والأوازاعي. وابن أبي ليلى, والثوري, وأبو حنيفة: لا بأس أن يأخذ القاضي أجرًا. وكره قوم.

(48) واحتجوا بحديث حدثنا محمد بن عثمان بن أبي سويد. حدثنا أبو حذيفة. حدثنا سفيان الثوري, عن أبي حصين. عن الهيثم. عن عمر, قال: لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ على القضاء أجرًا, ولا صاحب مغنمهم. ومعنى ذلك عندنا. والله أعلم على وجهين: أحدهما على وجه الاختيار. والآخر: أن يأخذ من غير بيت المسلمين. لما روي عن شريح. أن عمر كان يرزقه في كل شهر مائة درهم ومن حجة الشافعي

والكوفي, حديث. حدثنا بن المطين. حدثنا عبد الرحمن بن جبلة الباهلي. حدثنا عمر بن النعمان. عن حسين المعلم عن أبي بريدة عن أبيه. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيما عامل استعملنا, وفرضنا له رزقًا. فما أصاب بعد رزقه فهو غلول». (49) وحجة أخرى: أن القاضي عامل من عمال المسلمين, وقد جعل الله للعاملين على الصدقات في كتابة سهمًا. وهذا كله إذا كان من مال الله من بيت مال المسلمين. فأما أن يجري له, على أهل عمله رزقًا يجوز له قبوله. وكذلك لو أجراه رجل منهم. أو أجراه السلطان من مال نفسه. قلته على

مذهبهما تخريجًا. وذلك أن الشافعي قال: في كتاب الصدقات ولو أهدى إلى الساعي رجل من أهل عمله, فأخذ هديته وأثابه عليها حلت له. وإن لم يثبه عليها جعلها في الصدقات لا يحل له عندي غيره. وإن أعطاه رب المال فحرام أخذه. فأما إن يهدي إليه على طريق الهدايا, لا على طريق الرزق على عمله. فإن الشافعي قال في كتاب أدب القاضي: ولا يقبل من واحد من الخصمين هدية حتى تنفذ خصومتهما. (50) وحكى محمد بن الحسن: في كتابه عن أبي حنيفة أنه قال: لا ينبغي للقاضي أن يقبل الهدية. فإن ذلك يوقع التهمة, ويطمع فيه الناس.

(51) حكى الخصاف عنه أنه كره له قبوله. وإن قبل لم تسقط عدالته. حدثنا أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي, حدثنا داود بن رشيد. حدثنا إسماعيل بن عياش, عن يحيى بن سعيد. عن عروة بن الزبير. عن أبي حميد الساعدي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وهدايا العمال غلول».

(52) حدثنا أبو يعلى: حدثنا أبو بحر عبد الواحد بن غياث, حدثنا حماد بن سلمة, عن هشام بن عروة. عن أبيه. عن أبي حميد الساعدي قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما بال أقوام نوليهم أمورًا مما ولانا الله, فيقول هذا لكم وهذا أهديت إلينا. ألا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه الهدية. (53) واختلف الشافعي والكوفي في إجابة القاضي إلى الوليمة فقال الشافعي: ليس له إلا أن يجيب كلا أو يدع كلا, وقال الكوفي: له أن يجيب في الولائم, وكل طعام دعي عليه. عامة المسلمين. فأما دعوة الخاص, فلا يجيب. قاله نصًا. والذي عندي على مذهب الكوفي تخريجًا. أن يجيب في

دعوة الخاص ذا رحمه دون غيرهم. على ما حكى عنه محمد بن الحسن في الهدية. (54) والذي يجب على مذهب الشافعي. أن لا يجيب في دعوة الخاص واحدًا من الخصمين حتى تنفذ الخصومة على ما قاله في الهدية. وينبغي للقاضي على مذهب الشافعي أن يثيب على الهدايا. فإن لم يثيب عليها, ولم يرد صاحبها الثواب ففيه قولان: أحدهما: ما قال في أدب القاضي من جواز قبول الهدية إذا نفذت الخصومة. والآخر: ما قال في كتاب الصدقات في هديا العمال من أهل عمله. أنه إن لم يثب عليها فهو حرام. حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني. حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس. حدثنا أبو بكر بن عياش, عن ليتٍ. عن أبي الخطاب. عن أبي زرعة.

عن ثوبان، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراشي والمرتشي والرياشي الذي يعمل بينهما". فإذا أخذ القاضي رشوة على قضائه فقضاؤه مردود. فإن قضى بحق، والرشوة مردودة، وكذلك كل قضاء يقضي بعده حتى يتوب (55) فإن تقبل القضاء بقباله, وأعطى عليها رشوة فولايته باطلة وقضاؤه مردود. وإن أعطى رشوة على عزل قاضٍ ليولى مكانه فكذلك. وإن أعطاها على عزله دون ولاية نفسه فعزل الأول برشوته واستقضى هو مكانه بغير رشوةٍ نظر في المعزول. فإن كان عدلًا, فأعطاء الرشوة على عزله حرام. والمعزول على قضاء قائم, إلا أن يكون من عزله قد تاب برد الرشوة قبل عزله. (56) وقضاء المستخلف باطل إلا أن يكون المستخلف أيضًا قد تاب قبل الولاية. فيصح قضاؤه. فإن كان المعزول جائرا. لم يبطل قضاءُ المستخلف. قلت ذلك كله على مذاهبهما تخريجًا.

(57) فأما المعدل فلا يجوز له أخذ الأرزاق على ذلك, من بيت المال ولا غيره. كما لا يجوز للشاهد أن يأخذ من ذلك شيئًا على شهادته. قلته على مذاهبهما تخريجًا. (58) واختلف قول الشافعي والكوفي في أرزاق ترجمان القاضي فقياس قول الشافعي كالشاهد لا يجوز له أخذ الرزق بحال. وقياس قول الكوفي أنه كالحاكم يجوز له أخذ الأرزاق من بيت المال دون غيره. (59) وأما قاسم القاضي وشرطه. فإن لم يجر عليهم رزق من بيت المال جاز لهم أن يأخذوا ممن أجراهم رزقًا. وإن أجرى لهم من بيت المال, لم يجز لهم أن يأخذوا من غير بيت المال. إلا أن يأذن الحاكم. وكذلك الجلاد. وكل من يقيم الحدود للحكام. إلا في خصلة واحدة, وهي أن من أقيم عليه قصاص في قودٍ أو جراح كانت الأجرة على المقتص منه إذا لم يعط من بيت المال نص الشافعي في القود. أنه على المقتص منه إذا لم يعط من بيت المال. وقلته في الباقي تخريجًا. (60) وأما كاتب القاضي فمحله في أرزاقه كمحل الحاكم. لأنه يده. قلته على مذاهبهما تخريجًا. (61) وأما وكلاء الخصوم على باب القاضي فهم أجراؤهم. ليس

لهم في بيت المال حق إلا من نصبه القاضي لشيء من أمور المسلمين, مثل أن يُدعى لمسجد أو طريق أو مقبرة للمسلمين أو ما أشبه ذلك. فيجوز له أخذ الأجرة من بيت المال وغيره.

باب: صفة كاتب القاضي

[5] باب: صفة كاتب القاضي (62) قال: وأجمع الشافعي والكوفي على أن لا يجوز للقاضي أن يتخذ كاتبًا لأمور المسلمين في القضاء إلا مسلمًا, عدلًا جايز الشهادة. حرًا بالغًا. ويحرص أن يكون فصيحًا. عالمًا بلغات الخصوم. ضابطًا لتغيير العجمية إلى العربية فقيها, فطنًا, متيقنًا, لا يؤتى من جهالةٍ. عاقلًا لا يخدع بغيره. نزهًا من الطمع. لا يستمال بهدية. قوي الخط. قائم الحروف. عالمًا بمواضع التدليس في الخط. ضابطًا لنظمها. لا يلتبس على خطة تسعة بسبعة ولا ثلاث بثلاثين, ولا خمس عشر بخمس وعشرين.

باب: صفة القاسم

[6] باب: صفة القاسم (63) والقاسم في مثل صفة الكاتب في عدالته, عالمًا بالحساب والمساحة. يعرف الضرب, والقسمة, والتكسير, واستخراج الجذور. قد قرأ الجبر والمقابلة.

باب: ذكر شرط القاضي

[7] باب: ذكر شرط القاضي (64) حدثنا محمد بن سعيد. حدثنا سليمان بن داود. حدثنا قدامة بن شهاب. قال: حدثني أم داود الوليشية. قالت: «رأيت على رأس شريح شرطيًا بيده سوط».

(65) حدثنا أحمد بن هاشم, حدثنا يحيى بن الضريس. عن عيسى بن ميمون. قال: أخبرني يزيد الرقاشي عن أنس مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لابد للناس من عريف. والعريف في النار, يؤتا بالشرطي يوم القيامة فيقال له ضع سوطك وادخل النار».

باب: ترجمان القاضي

[8] باب: ترجمان القاضي (66) قال: أجمع الكوفي والشافعي ومالك بن أنس, وابن أبي ليلى: لا تُقبل الترجمة إلا من عدلٍ, ثقة, حرٍ, بالغ. (67) واختلفوا في عدده. فقال الشافعي ومالك بن أنس لا أقبل الترجمة ألا من شاهدي عدل. يعرفان لسانه قال: الكوفي وابن أبي ليلى: أقيل شاهدًا واحدًا إذا كان حرًا مسلمًا, ثقةً. ولا أقيل عبدًا ولا مكاتبًا. زاد الكوفي على ابن أبي ليلى. فقال: لو قيل امرأة ثقة حرة كان في سعة. وقال محمد بن الحسن: لا يجوز أقل من رجلين: أو شاهدٍ وامرأتين.

(68) وكذلك إذا كان بالقاضي صمم فأسمعه غيره. كان القول في عدد المسمع كالقول في عدد الترجمان عند الشافعي وابن أبي ليلى والكوفي وأصحابه. قلته تخريجًا. (69) واختلفوا إذا أسمعه عبد. فقياس قول الشافعي والكوفي أن ذلك غير جايز. وقياس قول ابن أبي ليلى: أنه إن أسمع القاضي عبد. بحضرة الخصمين وهما يسمعان فلم يُنكرا, جاز ذلك إنه قال لو باع رجل سلعة لغيره بحضرته. فلم ينكره جاز ذلك. وكان سكوته كالآذان له. واختلفوا في الترجمان إذا كان أعمى. فقياس قول الشافعي أن ذلك جايز لأنه لا يحتاج فيها إلى إثبات رؤية. وبه قال: أبو حنيفة. وقال: أبو يوسف ومحمد بن الحسن لا تقبل الترجمة من أعمى.

باب: ذكر الحبس واتخاذ السجن للقاضي

[9] باب: ذكر الحبس واتخاذ السجن للقاضي (70) حدثنا: جعفر بن محمد الفرياني. حدثنا أبو جعفر النفلي. حدثنا إبراهيم بن خثيم, عن عراك بن مالك. عن أبيه عن جده عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «حبس في نميمة يوماً أو ليلة استظهارا واحتياطا».

حدثنا محمد بن سعيد. حدثنا: سليمان بن داود الشاذكوني, حدثنا خويلد بن عبد الرحمن. عن الضحاك بن مزاحم. عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من بات في محبس ليلة مظلومًا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. (71) واختلفوا في الحبس واتخاذ الحبس. فأجازه الشافعي ومالك والكوفي. وحكى عن إبراهيم بن أبي يحيى. أنه كره ذلك. ومن حجته في ذلك أن الله تعالى شرع الأحكام, وفرض الحدود. فمن وجب عليه حدٌ أو غرم أخذ منه, ومن امتنع عذر بما يؤلم به. قياسًا على الحدود. وفي الحبس: ضرر على عياله. وفي الضرر فساد. والله لا يحب الفساد, وحجة القول الأول أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حبس. وكذلك الخلفاء الراشدون.

(72) حدثنا محمد بن موسى الحلواني. حدثنا أبو سعيد الأشج. حدثنا أبو نعيم. حدثنا سعيد بن عبيد الطائي. عن علي بن ربيعة أن عليًا رضي الله عنه لما بنى الحبس. قال: بدلت بعد نافع مخيسًا ... بابًا شديدًا وأجيرًا كيسًا كيف تراني كيسًا مكيسًا. (73) حدثنا المطين محمد بن عبد الله الخضرمي. حدثنا معمر بن بكار السعدي. حدثنا محمد بن زائدة الأسدي. عن أبيه, عن نافع

عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين ابن هذا قتل ابني. فحبسه عمر في السجن شهرين. فجاء أبو المحبوس إلى عمر. فقال: يا أمير المؤمنين. علام تحبس ابني عن غير بينة وإقرار. قال: صدقت. كل أفقه من عمر فدعا به فقام. (74) فقال: يا عمر الفاروق طال حبسي ومل مني إخوتي وعرسي من حدث لم تقترفه نفسي والأمرُ أضواء من شعاع الشمي وأنت عدل غير قط نكس. (75) فقال أبو المقتول: يا عمر الفاروق من لي بعدكا ومن لعبد فاجر قدفتكا عدا على بني حين أحتبكا ما اعتل ابني قبلها ولا اشتكى

إن تنتقم لي منه كان الدركا. فقال عمر رضي الله عنه: كلاكما. قد قال: ما لم نعلم. والحق فيه سعة للمسلم. قد بين الرحمن فيما يحكم. النفس بالنفس. قضاء مبرم. هاتوا شهودًا. يضرموا فيضرم: كحسك الداء إذا لم يؤلم. (76) وحكى الزهري. أن عمر حبس الحطئة في قعر من الأرض لما استعدي عليه الزبرقان بن بدر عشرين ليلة فأنشأ يقول: ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ فأغفر عليك سلام الله يا عمر

حدثنا عبد الله إن ابنت منيعٍ حدثني: جدي وهارون واللفظ لهارون قالا: أخبرنا عن هشام بن حسان. عن محمد بن سيرين أن سعدًا أتى بأبي محجن وقد شرب الخمر, فجلده, فجلده, ثم حبسه, وقيده, فلما كان يوم القادسية. جعل أبو محجن ينظر إلى الناس وهم يقتتلون. وهو محبوس في غرفة. يرى الناس فجعل المشركون يصيبون من المسلمين. (77) فقال: أبو محجن: كفى حزنًا أن تلتقي الخيل بالقنا واترك مشدودًا علي وثاقيا

إذا قمت أعياني الحديد وأغلقت مصاريع من دوني تصم المناديا وذكر الحديث بطوله.

باب: ذكر من لا يجوز القضاء له

[10] باب: ذكر من لا يجوز القضاء له (78) قد اتفق الجميع على: أن لا يجوز لقاضي أن يقضي لنفسه, ولا لمملوكه, ومدبره, وأم ولده, ومكاتبه ولا لشريكه فيما للقاضي فيه شركة. (79) واختلفوا في حكم القاضي لولده ووالديه. فقال: الشافعي في كتاب الجديد. وكلما حكم به القاضي لنفسه وولده ووالديه, ومن لا تجوز شهادته رد حكمه. فكذلك في قوله الأجداد والجدات, وإن بعدوا,

وأولاد الأولاد وإن نزلوا, لأنه لا يجيز شهادته لهم. وكذلك إذا حكم لشريك والديه, وولده وولد ولده. فيما لهم فيه شرك. ومكاتبهم ومملوكهم ومدبرهم, وأم ولدهم قلته تخريجًا. وكان في كتاب القديم. يجيز شهادة المرء لولده, ووالديه. فكذلك الحكم على مذهبه القديم في ولد ولده وأجداده, وجداته, وأجاز مالك شهادة المرء لهؤلاء كلهم. إلا لولده, وزوجته, ومملوكه, ومكاتبه. وأم ولده, ومدبره وشريكه, فيما شهد. وكذلك مملوك ولده, أو زوجته, ومكاتب كل واحد منهما, ومدبرهما وشريكهما, فيما شهد. وأم ولد ولده هذا المشهور من قول مالك عند أصحابه. وقد يحكى عنه نحو قول الشافعي في الجديد. فكذلك الحكم لهم باطل في قياس قوله: وقال الكوفي مثل قول الشافعي في كتاب الجديد. وزاد فيه إذا حكم لزوجته بطل. لأنه لا يجيز شهادته لها ولا شهادتها له. وكذلك عنده لو حكم لامرأة ابنه أو لزوج ابنته. فإن كانا حيين لم يجز قضاؤه لهما. وإن كانا ميتين جاز. فكذلك لو حكم لامرأة أبيه, أو لزوج أمه فإن كانا ميتين لم يجز. لأن والديه وإرثان. قاله الكوفي نصًا.

وقال: أبو ثور بمثل قول الشافعي في القديم سواء. واحتج بأن قال: لو كان مظنونًا أن يحيف في الحكم لهم لم تجز أحكامه على غيرهم.

باب: ذكر القاضيين في بلد واحد

[11] باب: ذكر القاضيين في بلدٍ واحدٍ (80) قال: ولا خلاف أعلمه في أنه يجوز أن يكون في بلدٍ واحدٍ قاضيان. وبين الإمام لكل واحدٍ منهما موضع عمله. بحد معلوم في البلد. فيكون كل واحدٍ منهما في موضع عمل غيره كواحدٍ من الرعية إن حكم فيه. وإن جمع لكل واحد منهما البلد كله فلا بأس به. وكذلك لو جمع لأحدهما البلد كله, وولى الآخر بعضه. (81) واختلفوا هل حكمهما حكم البلد الواحد أو البلدين. فمذهب الشافعي أن حكمهما حكم البلدين سواء إلا مسألة واحدةٍ. فإنه يخالف البلدين النائيين, وذلك أنه ذكر في أدب القاضي. فقال: إذا كان

البلد له قاضيان كبغداد. فكتب أحدهما إلى الآخر بما ثبت عنده من البينة, لم ينبغ أن يقبلها حتى تعاد عليه إنما يقبل البينة في البلدان النائية التي لا يكلف أهلها إتيانه. وقياس قول, الكوفي في هذه المسألة أن ذلك مقبول. وذلك أنه. (82) قال: فلو كتب القاضي إلى الأجير, واقتص القصة والشهادة, وجاء بكتابة ثقة. فإن أمضاه الأجير, فهو جايز في المصر استحسن هذا. ومذهب الكوفي أن حكمهما حكم البلدين؟ إلا في مسألتين. إحداهما: أنه قبل الكتاب بثقة واحدٍ. وإن لم يكن شاهدان, وأنفذه. (83) والمسألة الثانية: أنه يقبل الكتاب إذا كان على العنوان اسم القاضي, واسم أبيه, وجده. وإن لم تكن في داخله, ولا يقبلُ كتاب قاضي بلد آخر إلا أن يكون في داخله اسمه واسم أبيه وجده. وقال قلته استحسانًا في مصر واحدٍ.

باب ذكر خليفة القاضي

[12] باب ذكر خليفة القاضي (84) قال: ولا خلاف أن كل ما ذكرته في صفة القاضي, وأرزاقه. فكذلك خليفته مثله, ولا خلاف أن الإمام إذا ولى القضاء رجلًا أن يجعل إليه أن يستخلف في عمله. ويولى القضاء في طرفٍ من أطراف عمله. فإن لم يجعل له ذلك. فلا خلاف بين الشافعي والكوفي: أن ليس له اسختلاف غيره. فإن فعل. كان ما حكم به المستخلف باطلا. (85) واختلفوا فيه إذا أنفذه القاضي. فقال: الشافعي لا ينبغي للقاضي أن ينفذه. فإن أنفذه كان إنفاذه باطلا. إلا أن يكون إنفاذه إياه على استئناف حكم منه بين الخصمين. وكذلك قياس قول مالك. وذهب

الكوفي وأصحابه إلى أن القاضي لو أنفذ حكم خليفته هذا نفذ به الحكم. وكان جايزاً. (86) واختلفوا إذا أذن الإمام له باستخلاف من رأى استخلافه. فاستخلف من وصفنا حاله ممن لا يجوز قضاؤه فقضى بقضاء, فرفع إلى القاضي الذي ولاه, فأنقذه. فمذهب الشافعي ومالك أن إنفاذه باطل. وقضاء الخليفة مردود. قتله على مذهبهما تخريجًا. وقال الكوفي: إنه جايز إذا أنفذه القاضي العدل إلا أن يكون خليفته الذي قضا عبدًا أو ذميًا, أو صبيًا. فأنفذه لم يجز. قال: ولو استخلف بأذنِ الإمام خليفة يصلح للقضاء, يسمع من الخصوم الدعوي والإقرار, والبينة, ولا يحكم به. فليس للخليفة أن يجاوز أمره. فإذا أنهى الخليفة إلى القاضي ما ثبت عنده من الدعوى والبينة, دعى القاضي بالخصمين, والشهود واستقادهم الشهادة بمحضر من المتداعين. فإذا أعادوا الشهادة, وصحت, حكم بها. وأن ذكر الخليفة أنه أقر عنده وهو منكر لم يقبل من خليفته. إلا أن يشهد عليه بإقراره مع غيره فيقبله على طريق الشهادة عليه, هذا كله نص قول الكوفي وأصحابه.

وكذلك قول الشافعي قلته تخريجًا على ما قال في القاضيين في بلدٍ واحدٍ. يكتب أحدهما إلى صاحبه ببينة ثبتت عنده لرجل أنه لا يحكم به حتى تقاد عليه.

باب: القوم يتحاكمون إلى رجل من الرعية في خصومهم يقضي بينهم

[13] باب: القوم يتحاكمون إلى رجل من الرعية في خصومهم يقضي بينهم (87) قال: ولا خلاف أعلمه أنه إذا تحاكم الخصمان إلى رجل من الرعية, فأيهما أراد الرجوع عن ذلك رجع, ما لمي قض بينهما بقضاء أبرمه. واختلفوا فيه إذا قضى وأبرم الحكم. فقال مالك وابن أبي ليلى: قضاؤه عليهما نافذ. إلا أن يقضي بأمر مستنكر لا اختلاف فيه. فيرد عليه, كما يرد على القضاة. وقال الشافعي في ذلك قولين: أحدهما: أن ذلك جائز لا يرد إلا ما يرد من قضاء قاض غيره. والثاني: إن ذلك باطل. وإنما هو كالمفتي يفتي لهما.

(88) قال أبو العباس: أشبههما بقوله أن لا ينفذ حكمه عليهما. وذلك أنه إذا تراضي القوم بالقاسم يقسم بينهم كان بصيرًا بالقسم أو لم يكن بعيرًا به. فقسم. فلا أنفذ قسمته إذا كان بغير أمر الحاكم؟ إلا أن يتراضوا بعدما يعلم كل واحدٍ منهم ما صار له. فإذا رضوا أنفذته بينهم. وقال الكوفي وأصحابه: ينظر فيه القاضي إذا رفع إليه. فإن وافق الحق عنده أمضاه. وإن كان لا يوافق رأيه أبطله. وكان مختلفًا فيه عند الفقهاء. وليس كالقاضي المسلط إذا حكم بمختلف. لم ينقضه قاض رفع إليه.

باب: قاضي البغاة والأهواء

[14] باب: قاضي البغاة والأهواء (89) قال الشافعي والكوفي لا يرد من قضاء قاضي البغي إلا ما يرد من قضاء قاضي أهل العدل نصًا عليه. وكذلك قضاة أهل الأهواء. قضاؤهم جايز إلا الخطابية. قلته على مذهبهما تخريجًا على الشهادة. وقياس قول مالك. أنه لا يجوز. لأنه قال: لا أجيز شهادة من خالف الحق من أهل الأهواء والخوارج لأن المخالف للحق غير عدل.

باب: القضاء بين أهل الكفر

[15] باب: القضاء بين أهل الكفر (90) قال: لا خلاف بين أهل العلم أعلمه أنه لا يكشف عن أحدٍ من أهل الذمة الذين أعطوا الجزية, ولا الموادعين فيما يتدينون به على قدر ما صولح عليه. ولا المستأمن ما لم يحدث ضرر على غيرهم. (91) وأجمعوا على أنه إن رافعه إلى القاضي مسلم, أو رافع هو مسلمًا. وجب على القاضي الحكم بينهما. (92) واختلفوا فيما عدا ذلك فقال مالك بن أنس: لا يحكم بينهم إلا أن يكون كتب لهم كتاب صلح أن يحكم بينهم. فمتى جاء أحد

الذميين إلى القاضي وأبي الآخر. أتى به, وحكم بينهم بحكم الإسلام. وقال الأوزاعي: لا يحكم بين الكافرين. حتى يجتمعا على الرضا. إلا في المستأمنين. فإنه إذا جاء أحدهما حكم على الآخر. وقال: الشافعي في كتاب الشاهد واليمين. لما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وداع يهود كافة على غير جزية. وفيهم نزل قول الله عز وجل: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}. (93) ولم يقروا على أن يجري عليهم الحكم. هذا نص قوله. يعني أن من وداعه الإمام على غير جزية. ولم يشترط عليهم الحكم فلا يحكم بينهم. إلا إذا اجتمع الخصمان على الرضا بحكمنا. فإذا رضينا. فالقاضي في ذلك مخير إن شاء حكم وإن شاء أعرض فإن حكم لم يحكم بينهم إلا بحكم الإسلام, وشهود مسلمين. وبعد أن يصف لهم أحكام الإسلام في ذلك. قبل أن ينظر في دعواهما. (94) وإن كان شرط الحكم عليهم حكم إذا جاء أحدهم متظلمًا وإن لم يرض به الآخر.

وأما أهل العهد الذين أخذت منهم الجزية. فإن ادعى على أحد منهم مسلم وجب على الحاكم أن يحكم عليه رضي بحكمهم أو لم يرض. (95) وإن ادعى عليه مستأمن, أو ذمي من غير أهل ملته. لا يرضى بحكمهم. فالإمام في ذلك بالخيار. إن شاء حكم بينهم. وإن شاء أعرض عنهم. فإذا أراد أن يحكم بينهم. كان له الحكم رضي الخصم يحكمنا أو لم يرض, وإن كان الذي استعدى عليه ذميًا مثله, من أهل ملته, فالإمام بالخيار. إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم. فإن أراد أن يحكم فقيه قولان: أحدهما: يحكم عليه وإن لم يرض بحكمنا. فإن جاءت امرأة رجل منهم تستعدي على زوجها, أنه طلقها, أو آلى منها, أو تظاهر. حكمت عليهم حكمي على المسلمين. وامرأته في الظهار لا يقربها حتى يُكفر بعتق رقبة مؤمنة. والقول الثاني: أن لا يحكم بينهم ولا يعترض القاضي في شيء من ذلك على زوجها. إلا إذا رضيا جميعا بحكمنا. وأحب إليّ أن لا يحكم. فإن أراد القاضي أن يحكم بينهما إذا رضي الخصمان, قال: لهما أن ينظر فيه. إني إنما أحكم بينكم بحكمي بين المسلمين, وشهادة عدول من المسلمين. وأحرم بينكم ما يحرم على المسلمين من الربا وثمن الخمر والخنزير. وأحكم في دية

الخطأ على العاقلة ولا أحكم على عواقلكم إذا رضوا بحكمي. وما كان من حد الله خلاف دينهم, فرفع إلى الحاكم. ففيه قولان: أحدهما: أن الإمام بالخيار. إن شاء حكم رضي أو لم يرض. وإن شاء رفعه إلى أهل دينه. والقول الثاني أنه لا خيار للإمام. وأوجب عليه أن يقيمه رضي به المحكوم عليه أو لم يرض. وقال في كتاب الجزية: إذا أبى بعضهم إلى بعض ما فيه حق له عليه. فجاء طالب الحق إلى الإمام يطلب حقه. فحق لازم على الإمام أن يحكم, وإن لم يرض به المطلوب لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} , وقال الكوفي: لا يحكم بين الذميين حتى يتراضيا جميعاً. وكذلك, لم يعترض القاضي للحكم بينهما. وكذلك ما أتى من حد الله. لم يحكم عليه إلا إذا رضي بحكمنا وخالفه أبو يوسف فقال: إذا جاء أحد الخصمين حكم على الآخر. وإن لم يرض به.

باب: القاضي يعزل فيحكم بعد العزل

[16] باب: القاضي يعزل فيحكم بعد العزل وهو لا يعلم أو يموت من ولاه أو يخلع (96) قال: ولا خلاف أعلمه بين الفريقين أن لو مات خليفة, أو خلع. كانت القضاة على ما كانوا من الولاية. وأحكامهم نافذة. لأنهم قوام المسلمين. جعلوا لمصالحهم, وليسوا بوكلاء في خاص أمر الخليفة, ولو كان القاضي بمعنى وكيل له جاز أن يولي قاضيًا وإن لم تجز شهادته. (97) واختلفوا في عزل القاضي فلم يعلم به. وحكم بعد العزل فحكى الخصاف عن الكوفي وأصحابه: أن ذلك كله نافذ ماض. وله أن يحكم إلى أن يصل إليه كتاب عزله أو يقدم قاضٍ مكانه. (98) قال: والذي يجب على مذهب الشافعي في ذلك. أن ينظر في الكتاب الوارد عليه. فإن كان كتب إلى القاضي. أما بعد: فإذا أتاك كتابي

هذا فأنت معزول. كانت أحكامه نافذة. وهو على قضائه, ما لم يصل إليه الكتاب. فإن كان كُتب إليه أما بعد فأنت معزول فقد ثبت عزله, وبطلت ولايته يوم كتب الكتاب. قلته تخريجًا. وذلك أن الشافعي قال في كتاب الزوج إلى امرأته. إن كان فيه. أما بعد. فإذا أتاك كتابي هذا فأنت طالق. كانت العدة من يوم يصل إليها الكتاب. (99) قال: وما حكم به القاضي بعد وقوع عزله, وهو لا يعلم بذلك ففيها قولان: أحدهما: أن قضاياه نافذة ما لم يعلم بالعزل. كما قاله الكوفي. والثاني: أن قضاياه بعد العزل مردود. قلته تخريجًا على ما قال في كتاب الجراحات. قال فيه ولو أذن الإمام لسياف بقتل رجل فتنحى السياف ليضر عنقه فعفا الولي فقتله السياف بعد العفو. وهو لا يعلم ففيها قولان: أحدهما: أن ليس على السياف شيء إلا أن يحلف أنه لم يعلم أنه عفا. والقول الآخر: عليه الدية والكفارة ولا قود, للشبهة.

باب: قضاء القاضي بعلم نفسه

[17] باب: قضاء القاضي بعلم نفسه (100) قال: ولا خلاف أعلمه بين الفريقين أن ليس للقاضي أن يقدم على حكم بخلاف ما قد علم. فلو ادعى رجل على آخر أنه قتل أباه. وأقام على ذلك بينة والحاكم يعلم أن أباه في ذلك الوقت حي لم يقتل كان علمه بذلك أولى من البينة التي قامت عنده. بخلاف علمه. وكان عليه أن لا يحكم على المدعى عليه. وكذلك لو عدلت الشهود وهو يعلم جرحهم. لم يحكم بشهادتهم. وكذلك لو ادعى رجل أمة, وأقام على ذلك بينة والقاضي يعلم أنه قد أعتقها. أو أقام بينة على امرأةٍ أنها امرأته, والقاضي يعلم أنها مُطلقة منه ثلاثا في تلك الحالة لم يحكم في شيء من ذلك, بما قامت البينة عنده. وكان علمه أولى من البينة. (101) واختلفوا في قضاء القاضي بعلم نفسه. فأبى جوازه مالك بن أنس. وتساوي عنده ما علم به قبل ولايته القضاء وبعده. وقال لم يحكم

النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنافقين بعلمه. وقد أعلمه الله تعالى نفاقهم. ولا على الأعرابي حتى شهد له خزيمة وقال ابن أبي ليلى. ما علم به في غير مجلس حكمه فهو شاهدٌ لا يحكم به. وما علم به في مجلس حكمه حكم به. وللشافعي فيه قولان: أحدهما: أن له أن يقضي بكل ما علم قبل, أن يتولى القضاء وبعده. وما علمه في مجلس الحكم وغيره من حقوق الآدميين. فأما حدود الله عز وجل ففيها قولان: أحدهما: يحكم به, والآخر لا يحكم به. والقول الثاني: لا يحكم بعلم نفسه في شيء من ذلك. قال الربيع: والذي قالا: كان الشافعي يذهب إليه أنه يقضى بعلم نفسه. ولكن لا يبوح به لفساد القضاة ومن أصحابنا من خرج على مذهب الشافعي. قولا آخر لما حكاء الربيع من امتناعه أن يبوح به, لفساد القضاة. وهو أن يقضي بعلم نفسه أو شاهدٍ واحدٍ لترتفع التهمة عن القاضي. هذا مذهب الأوزاعي. وحكم به شريح. حكاه يونس بن

أبي إسحاق عن أبيه. قال شهدت عند شريح بشهادة, وله بها علم. فأجاز شهادتي وحدي. في مثل هذا المعنى حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بشهادة خزيمة وعلم نفسه. وقال الكوفي: لا يقضى بما علم به قبل أن يتولى القضاء. وما علم به بعد ما ولي به القضاء في غير المصر الذي هو قاضيه لم يقض به. وكذلك لو علم في بلد قضائه بعدما ولي القضاء, ثم عزل. ثم ولي ثانيًا لم يحكم به عنده, فأما الذي علمه في بلدة من بلدان عمله بعدما تولى القضاء. فله أن يحكم به إلا في ثلاثة أشياء. حد الزنا, وقطع السرقة, وحدٌ شرب الخمر والسكر. فأما حد القذف فإنه يقضي به. هذا قول أبي حنيفة خاصة. وقال أبو يوسف والحسن بن زياد.

ومحمد بن الحسن ما علمه القاضي بكل حال, قبل الولاية وبعده. وفي مجلس الحكم وغيره. وفي بلد قضائه. وغير ذلك يحكم به كله, ما خلا حدٌ الزنا, وقطع السرقة وحد الخمر والسكر. فروى أبو يوسف عن أبي حنيفة في الآمالي أنه قال لو أن رجلًا سمع رجلًا يطلق امرأته, ثم استقضي بعد ذلك. ثم خاصمت إليه المرأة أو الرجل. إنه يفوق بينه وبين وطئ المرأة ولا يفرق بينهما وكذلك الأمة يحال بينه وبين وطئها ولا يعتقها عليه.

باب: ذكر مجلس القاضي في المسجد وغيره

[18] باب: ذكر مجلس القاضي في المسجد وغيره (102) قال: وأجمعوا أن القاضي حيث ما جلس للحكم في بلد قضائه من مسجد أو غيره. جاز حكمه. ولو جلس في موضع, خارج حد ولايته. فقضى كان كواحد من الرعية, وكذلك. لو سمع الدعوى, والبينة في موضع قضائه, وأبرم القضاء خارج ولايته, أو سمع الدعوى والبينة خارج موضع ولايته, وأبرم القضاء في مجلس ولايته لم يجز. (103) واختلفوا فيه لو سمع الدعوى والبنية في مجلس قضائه وأحتاج إلى عدالة الشهود, فخرج لجنازة, أو حاجة إلى خارج بلد قضائه. فسأل عن عدالتهم فعدلوا. فرجع إلى مجلس قضائه فرام الحكم بها. فقياس قول مالك

أن ذلك غير جايز. لأنه لا يجيز القضاء بعلم نفسه. وكذلك قياس قول ابن أبي ليلى. لأنه لا يجوز له أن يقضي بما علم به في غير مجلس حكمه. وكذلك قياس قول الكوفي. لأنه لا يجيز له القضاء بعلم وقع له في غير مصر قضائه. وقياس قول الشافعي في ذلك على قولين: أصحهما أن قضاءه جائز. كما وصفنا في قضاء القاضي بعلم نفسه. (104) واختلفوا في موضع الاختيار له. فقال الشافعي: وأحب للقاضي أن يقضي في موضع بارز للناس, لا يكون دونه حجاب, وأن يكون متوسطًا للمصر. وأن يكون في غير مسجد لكثرة الغاشية, والمشاتمة بين الخصوم, وتنزيه المسجد, عن ذلك أولى, وربما أحضرت الحائض. وروى ابن وهب عن مالك قال: أحب إلي أن يقعد في المسجد وقال الكوفي: ينبغي للقاضي أن يجلس للحكم في المسجد الجامع. فإنه أشهر المجالس وأرفقه بالناس, وإن جلس في مجلس حبه أو بيته فلا بأس. وحكى أسد بن عمر عن الكوفي أنه قال: غير المسجد أحب إلي.

(105) وأجمعوا هؤلاء أن الحدود لا تقام في المساجد. وقد روي فيه حديث. حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي, حدثنا عبد الله بن عامر. حدثنا علي بن هاشم. عن إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينا, عن طاووس, عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقام الحدود في المساجد». وكان ابن أبي ليلى يقيم الحد ويعزر في المسجد. حدثنا أحمد بن هاشم.

حدثنا أبو كريب, حدثنا ابن أبي زائدة. عن عاصم الأحول. قال: رأيت الشعبي يضرب نصرانيًا في المسجد كان قذف مسلمًا. ومن حجة الشافعي في ذلك: حديث حدثنا به المطين. حدثنا يوسف بن موسى القطان. حدثنا مهران بن أبي عمر. حدثنا محمد بن مسلم, عن عبد ربه. عن يحيى بن

العلاء. عن معاذ بن جبل. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وسل سيوفكم, ورفع أصواتكم, وخصوماتكم, وحدودكم وشرائكم وبيعكم» وحجة مالك والكوفي في ذلك حديث. حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي. حدثنا محمد بن العلاء. حدثنا يونس. عن سعيد بن ميسره. قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا على باب الكعبة يقضي بين الناس فجاء شاب فقال: يا محمد إعدل. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا لم أعدل فمن يعدل. ثم دخل الشاب المسجد. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر انطلق إلى الشاب فأقتله فأتاه أبو بكر فوجده يصلي قد

ركع. فرجع, ولم يقتله. فقال وجدته يا رسول الله يصلي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لعمر انطلق فأقتله. فأتاه عمر فوجده يصلي قد سجد فلم يقتله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي له. أين علي؟ فأتاه. فقال: انطلق إليه فأقتله. فأتاه فلم يجده. فرجع. وقال: لم أجده. فقال رسول الله لو قتله, ما افترق من أمتي إثنان بعدي. أنت لهم يا علي تقتلهم بعدي يمرقون من الدين مروق السهم من القوس. فيهم ذو الثدية فأقتلهم. (106) قال: أبو العباس قوله جالسًا على باب الكعبة يقضي. يعني به عند باب المسجد. وأخر الحديث يدل على هذا. حيث يقول ثم دخل الشاب المسجد فدل على أنه كان يحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على باب المسجد.

باب: الحال الذي لا ينبغي للقاضي أن يقضي

[19] باب: الحال الذي لا ينبغي للقاضي أن يقضي (107) حدثنا أبو خليفة الفضل بن حباب الجمحي. أخبرنا أبو الوليد الطيالسي. حدثنا شعبة. عن عبد الملك بن عمير. عن عبد الرحمن بن أبي بكرة. عن أبيه. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

«لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان». حدثنا الحسين بن علي. حدثنا الحسن بن الصباح البزار. حدثنا محمد بن عيسى الطباع. حدثنا القاسم بن عبد الملك عن عبد الله بن دينار. عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري عن أبيه. عن أبي سعيد الخدري. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. «لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان». (108) حدثنا محمد بن عبد الله المطين. حدثنا أحمد بن حنبل. حدثنا

إبراهيم بن خالد, أخبرني أمية بن إسماعيل, وغيره, عن عروة بن محمد, عن أبيه عن جده. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا استشاط السلطان تسلط الشيطان». قال الشافعي. والحاكم أعلم بنفسه, فأي حال أتت عليه تغير فيها عقله أو خلقة ابتغي له أن لا يقضي. وأي حال صار إليه سكون الطبيعة, واجتماع العقل حكم. وإن غيره مرض أو حزن أو جزع, أو نعاس, أو ملالة ترك. ولو ترك في هذه الحالات لم أرد من حكمه إلا ما أرد في أفرع حالاته. قال: وهذا الذي وصفه الشافعي اختيار لا أعلم الكوفي ولا غيره خالفه.

باب: خروج القاضي من بيته إلى مجلسه وسيرته إذا جلس للقضاء

[20] باب: خروج القاضي من بيته إلى مجلسه وسيرته إذا جلس للقضاء (109) قال: وينبغي للقاضي إذا خرج من منزله إلى مجلس القضاء أن يخرج القمطر بين يديه, عليه ختمه وعلامته. ويستحب له أن يدعو بما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوا به إذا خرج من منزله. (110) حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي. حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد.

حدثنا أبي, عن مجالد عن الشعبي, عن مسروق عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج من بيته يقول: «اللهم إني أعوذ بك أن أزل أو أضل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي». سمعت في غير هذا الحديث أن الشعبي كان يدعو به. إذا خرج إلى مجلس القضاء. ويزيد فيه: أو أعتدي أو يعتدى عليّ. اللهم أغنني بالعلم, وزيني بالحلم, وأكرمني بالتقوى, حتى لا أنطق إلا بالحق, ولا أقضي إلا بالعدل. (111) قال: فإذا دخل المجلس عم الحاضرين بالسلام. فإنه سُنة. وكان شريح يفعله. حدثنا عبد الله بن غنام. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع. عن خالد بن عبد الرحمن. عن ابن سيرين أن شريحًا كان يسلم على الخصوم,

ثم يتصدى في مجلسه مستندًا في أرفق الأماكن به وأحراها لئلا يسرع إلى ملالته مرتغبًا إلى الله عز وجل في العون على ما ولاه, عازمًا على العدل, والانتصاف من الظالم للمظلوم, ووجهه مقابل لأهل مجلسه وهم مستقبلوا القبلة. حدثنا أبو عبد الله محمد بن أيوب الرازي أخبرنا عبد الله بن سوار بن عبد الله العنبري. وداود بن إبراهيم. حدثنا أبو المقدام هشام بن زياد. عن محمد بن كعب القرظي. عن ابن عباس. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن لكل شيء شرفًا وأشرف المجالس ما استقبل به القبلة» وإنما تجالسون بالأمانة.

(112) قال: ولا يدع الناس يقومون له إذا دخل ولا يتكئ من غير عذر إذا جلس. حدثنا محمد بن عبد الله المطين, حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني. حدثنا مندله وعيسى بن يونس عن ابن جريج, عن إبراهيم بن ميسرة. عن عمرو بن الشريد, عن أبيه. قال: أبصر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا جالسًا وقد أتكأ على يده اليسرى. فقال هذه جلسة المغضوب عليهم. (113) قال: ويجلس الكاتب موضعًا لا يغيب عنه ما يكتب فإن الشافعي قال: ولا ينبغي للقاضي أن يخلي الكاتب يغيب على شيء من الإيقاع. من كتاب الشهادة. قال: ويوضع القمطر بين يدي القاضي

وحيث أرفق به. لا يغيب عنه, ويتولى فتحه بنفسه ولا يكسر ختمه حتى ينظر إليه, وإلى علامة شده, وإن ولي الفتح ثقة بين يديه بعد نظره إلى الختم والعلامة من غير إدخال الأخير يده في القمطر جاز. ويجمع الفقهاء والعدول يجلسهم يمينه ويساره. حيث يسمع كلامه وكلام الخصمين, ويرفع مجالسهم, وينزلهم على قدر مراتبهم من العلم والنهي. حدثنا محمد بن عبد الله المطين. حدثنا أحمد بن أسد البجلي. حدثنا يحيى بن يمان. عن سفيان عن أسامة بن زيد عن عمر بن محراق عن عائشة قالت: «أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننزل الناس منازلهم».

(114) قال الشافعي: ويجتهد أن يجمع المختلفين. فإنه أشد لتقصيه العلم والكشف. بعضهم عن بعض. (115) وينبغي أن يكون العون بين يديه قائمًا, من وراء ذلك كله ليُقدم الخصم أولًا فأولًا. والناس من وراء العون بالبعد من القاضي, حيث لا ينتهي إليه لفظهم فيشغله عن محاورة من يحاكم إليه وإن كثر النساء حتى زاحمن الرجال. جعل لهن مجلسًا. (116) حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد القاضي. حدثنا محمد بن إسماعيل. حدثنا وكيع عن إسرائيل. عن أبي إسحاق, عن حارثة بن مضرب. عن عمر بن الخطاب. قال: «باعدوا بين أنفاس الرجال والنساء». وإن كثر الخصوم حتى لا يُعرف الأول كتبوا الأسامي في رقاع, ويتولى أخذها ثقة من ثقات القاضي, ويجمعها قبل خروج القاضي. فإذا جلس وضعها

بين يديه, فقلبها القاضي بيده. ثم أخذ من أعلاها الأول فالأول. فإذا أخرج اسم رجل ناداه العون, فتقدم مع خصمه أو وكيله ولا يسمع من الوكيل إلا بعد إثبات الوكالة على ما أفسره في باب الوكالة. فجلسا بين يديه. وإن كان أحدهما أشرف وأعلى مرتبة. لأن ذلك أول عدل القاضي. ثم هو سنة. حدثنا إبراهيم بن موسى الجوزي. حدثنا أحمد بن منبع والخليل بن عمرو قالا: حدثنا عبد الله بن المبارك, أخبرنا مصعب بن ثابت أن عبد الله بن الزبير. كان بينه وبين عمرو بن الزبير, خصومه, فدخل

عبد الله بن الزبير على سعيد بن العاص, وعمرو بن الزبير معه على السرير. فقال سعيد لعبد الله بن الزبير: هاهنا. فقال له: قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم. (117) قال: فبهذا أقول. إلا أن يكون أحدهما مسلما والآخر ذميًا فيرفع مجلس المسلم على الذمي, لحديث عليّ عليه السلام حدثنا بن المطين. حدثنا أحمد بن المقدام العجلي. حدثنا حكيم بن خذام, حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي.

قال: عرف علي درعا له مع يهودي فقال: يا يهودي درعي سقطت مني يوم كذا. فقال اليهودي: ما أدري ما تقول. درعي, وفي يدي بيني وبينك قاضي المسلمين فانطلقا إلى شريح. فلما رآه شريح قام له عن مجلسه وجلس علي عليه السلام. ثم أقبل على شريح. فقال: إن خصمي لو كان مسلمًا لجلست معه بين يديك. ولكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تساووهم في المجلس ولا تعودوا مرضاهم, ولا تشيعوا جنائزهم, واضطروهم إلى أضيق الطرق وذكر الحديث بطوله». (118) فإذا جلس الخصمان بين يديه أقبل عليهما بمجامع قلبه ولبه وفهمه, وعليه السكينة والوقار, وواساهما في الإقبال ولا يمازح الخصم ولا يضاحكه, ولا يشر إلى أحدهما دون صاحبه ولا يساره. (119) وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري. أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة. فافهم إذا أدلي إليك. فإنه لا ينفع تكلمه. بحق لا نفاذ له وآسى بين الناس في وجهك, ومجلسك, وعدلك حتى

لا يطمع شريف في حيفك, ولا يأيس ضعيف من عدلك, وإياك والضجر والقلق في مجلس قد أوجب الله فيه الأجر وأحسن فيه الذخر. لا يمنعك قضاء قضيت بالأمس به. ثم راجعت فيه نفسك فهديت لرشدك أن تراجع فيه الحق. فإن مراجعة الحق أحق من التمادي في الباطل. حدثنا بذلك هارون بن يوسف بن زياد. حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني. حدثنا سفيان عن إدريس بن يزيد. عن سعيد بن أبي بردة. عن أبي موسى. عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري. فذكر ذلك كله. (120) قال: ويكف كل واحد من الخصمين عن أذى صاحبه وإن بان له من أحد الخصمين لدد. نهاه. فإن عاد زبره ولا يحبسه ولا يضربه إلا

أن يكون في ذلك ما يستوجبه فإن استوجب ضربًا فلا خلاف في أن له ضربه إن رأى ذلك صلاحا. (121) واختلفوا في مقدار ما يعزر به من الضرب. فقال الشافعي: لا يبلغ تعزير الحر أربعين, ولا تعزير العبد عشرين. وقال مالك: يضربه على ما يراه حتى يذعن. وإن ضربه ألفا وأكثر. وقال أبو حنيفة: لا يزيد في التعزير عن تسعة وثلاثين. وقال أبو يوسف: لا يبلغ به ثمانين. وقال ابن أبي ليلى: لا يبلغ به مائة. (122) قال: فإذا تقدم صاحب رقعة, وخصمه معه, أو كان له خصوم, فأرادوا أن يتقدموا معه لم يسمع القاضي إلا منه, ومن خصم واحدً. فإذا فرغا أقامهما ودعا الذي جاء بعده. إلا أن يكون آخر من تقدم إليه

فيسمع من ساير خصومه معه. قال: فإذا جلس الخصمان بين يديه. نظر القاضي إليهما كالمستنطق لهما. ويقول العون للمدعي وهو صاحب الرقعة تكلم. وإن قال له القاضي, فلا بأس به. وكان شريح يقول: أيكما المدعى فليتكلم. (123) قال: فيبتدئ المدعي. فإذا استوفى كلامه, وسكت نظر القاضي في الدعوى. فإن لم تكم صحيحه. قال له صحيح دعواك, ولا يلقن واحدًا منهما حجته. فإن لم يصححها أمامه بعد ثالثة. وكان شريح لا يزيد على مرتين ويقول: كلمة آمرًا كلمتين, فإن أبى فارفع. (124) فإن صحح المدعي دعواه على ما أفسره في باب تصحيح الدعاوي سمعها. ثم أقبل على المدعى عليه. وقال: أجب المدعى عما ادعى قبلك. ولا يقبل من كلامه إلا ما هو جواب لدعوى خصمه. فإن أقر أخذه بحكم الإقرار على ما أفسره في باب الإقرار. فإن سكت ولم ينطق

وأبى أن يجيب بعد سماعه وعلم القاضي أنه غير ما وف, أو نطق فقال: لا أنكر. فقد اختلف أهل العلم في ذلك. فقال الشافعي: في كتاب اختلاف العراقيين. وإذا قال المدعى عليه للقاضي لا أقرر ولا أنكر قيل للمدعى: إن أردت أن يحلف عرضت عليه اليمين. فإن نكل. قلنا لك احلف على دعواك وخذه. فإن أبيت لم نعطك شيئًا بنكوله, دون يمينك مع نكوله. وقال الكوفي: إذا قال الخصم للقاضي لا أقر ولا أنكر أو سكت فلم ينطق لم أجبره على ذلك, ولكني أدعوا المدعي بشهوده. فإن لم يكن له شهود, وأراد المدعي يمينه عرض عليه اليمين ثلاثًا. فإن نكل وأبى أن ينطق من غير عذر حكم عليه بعد الثالثة. وكان أبو يوسف إذا لد الخصم يقول له احلف مرارًا ثلاثة فأعذر إليه. فإن لم يحلف حكم عليه. فإن أبى أن يحلف قضى عليه.

وقال مسلم بن خالد الزنجي: أجبره القاضي على أن يقر أو يُنكر. فإن امتنع ضربه وحبسه وضيق عليه حبسه على حسب ما يراه حتى يختار أحد الأمرين. (125) قال: فإن نطق المدعى عليه فأنكر. نظر القاضي فيما تنازعا, واستوعب جميع ما قالا. فإن كانت مشكلة اجتمعوا على أنه يشاور من حضره من الفقهاء. (126) واختلفوا في جواز مشاورته لهم بحضرة الخصم. فقال الكوفي: لا يشاورهم بحضرة الخصوم حتى يعرف الخصمان ما يدور بين القاضي وأصحاب المشورة ما يعزم عليه رأيه فيما يريد أن يحكم به. وقال الشافعي: يشاور أهل العلم ويتحرى أن يجمع المختلفين. لأنه أشعر لتقضيه العلم, ولكشف بعضهم عن بعض. فيعيب بعضهم قول بعضٍ حتى يتبين له أصح القولين. (127) ولم يفصل بين من يشاورهم بحضرة الخصم وغير حضرته.

وأجمعوا أنه إذا شاور. يشاور عالمًا بالكتاب والسنة وأقاويل الأئمة فقيها عاقلاً. يعرف مخارج القياس وموارده ويعرف لسان العرب أمينًا لا يقصد إلا قصد الحق فيما يشاور فيه. (128) واختلفوا في سبيل الأخذ منهم إذا أشاروا به عليه وهل يجوز له تقليدهم. فقال الشافعي: لا يقبل من أحد. وإن كان أعلم منه حتى يعلم كعلمه أن ذلك لازم له منحيث لم تختلف الراوية فيه أو بدلالة عليه أو أنه لا يحتمل وجهًا أظهر فيه. فأما أن يقلده فلم يجعل الله ذلك لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال: في كتاب القديم ويقلد الصحابي فإن اختلفوا وفيهم من الخلفاء الأربعة أحدٌ فهو أحق. ولا يجوز أن يستحسن بغير قياس. ولو جاز ذلك لجاز أن يشرع في الدين. وقال مالك: نحو قوله القديم. وزاد فيه أو عمل أهل المدينة. فإنه أولى من التقليد. وحكى محمد بن الحسن في كتاب أدب القاضي عن أبي حنيفة أنه قال:

ينبغي للقاضي أن يقضي بما في كتاب الله. فإن لم يجد فبما أتاه الله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فإن لم يجد فبما أتاه عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فإن اختلفوا تخير من أقاويلهم أحسنها, واجتهد, وليس له أن يخالفهم جميعًا شيئًا من رأيه. فإن لم يجد فبما جاء عنهم اجتهد فيه رأيه وقاسه بما جاءه عنهم. فإن أشكل عليه شاور رهطًا من أهل الفقه. فإن اختلفوا نظر إلى أحسن أقاويلهم وأشبهها بالحق, وقال فيه, فإن التبس على القاضي القضاء استشار رجالًا من أهل الفقه والصلاح. فأخذ بقولهم فأنفذه على الخصمين فهو حسن جاز. وحكى الخصاف في كتاب أدب القاضي على مذهبهم إذا أشكل على القاضي فشاور فيه ففيها فهو في سعة أن يأخذ بقوله إذا لم يتبين للقاضي في ذلك رأي. وإن تبين له فرأى خلاف رأي الفقه قضى برأي نفسه وإن كان الذي شاور أفقه منه. (129) قال: وأجمعوا أنه إذا تبين للقاضي وجه الحكم فيما أشكل, أو لم تكن الدعوى مشكلة, وظهر وجوب البينة على المدعي, واليمين على من أنكر. أقبل القاضي على المدعي. فقال: قد أنكر ما أدعيت. فإن طلب [المدعى يمين] المدعى عليه فيما أنكر. فقد اختلف أهل العلم فيما يجب على القاضي فيه.

فقال مالك: يجب على القاضي أني نظر بينهما. فإن كان بينهما مخالطة, أو ملابسة أحلفه, وإلا فلا يمين عليه وكذلك لو ادعت المرأة على زوجها عنده أنه طلقها. وطلبت يمينه لم يستحلف إلا أن تأتي بشبهة. وقال الكوفي يجب على القاضي أن يقول للمدعي ألك بينة؟ فإن قال: نعم ولكني أريد يمينه لم يحلفه إن كانت له بينة حاضرة. فإن قال مالي بينة حلفه إلا في سبعة عشر موضعًا. النكاح, والرجعة, والولاء, والرق, والنسب, وفي الولي إذا ادعى أنه قد فاء إليها ووطئها, وأنكرت المرأة ذلك. وفي الأمة تدعي على سيدها, أنه وطئها فأولدها. وإذا ادعى على رجل أنه وكيل فلان أو وصي فلان الميت فأنكر المدعى عليه أن يكون وكيلًا أو وصيًا لم يحلف على ذلك. وكذلك لو ادعى رجلان بسلعة أو شيئًا بعينه فأقر به لأحدهما, ورام الآخر يمينه, ما هذه السلعة له, لم يحلف للآخر, ولم يكن خصمًا له, وقيل للمدعي. خاصم المقر له, ولو ادعى رجل عليه شيئًا بعينه فأقر أنه لابنه الصغير في حجره, لم يحلف وكان خصمه عن ابنه الصغير. ولو ادعى رجلٌ على رجل شفعةً في دار حدها فقال المدعى عليه هذه الدار لولدي الصغير في حجري, وما اشتريتها, لم يحلف, وكذلك إن قال هي لولدي الصغير ما اشتريتها له لم يحلف, وكذلك أن قال هو لولدي الصغير

ما اشتريتها له لم يحلف ولم يحكم للمدعي إلا أن يقيم بينة. ولكن لو قال اشتريتها لولدي الصغير كان إقرارًا بالشفعة. ويحكم بها عليه. نص على ذلك عنه الخصاف في كتاب أدب القاضي. (130) وإن ادعى رجلان امرأة كل واحد منها أنها زوجته فأقرت لأحدهما بالزوجية لم يحلف للآخر. وفي الحدود كلها إلا حد السرقة, لتعلقه بحق الآدمي. ويحلف عنده فيما عدا ذلك من الدعاوى. ومذهب الشافعي يحلفه في ذلك كله الآفي حدود الله تعالى من قطع سرقة وحد زانٍ ورجمه. (131) وإذا مات رجل وترك مالًا وخلف ابنين أحدهما صغير والآخر كبير. فجاء رجل يدعي أنه ابن الميت, وأن له إرثًا في مال الميت الذي في يد هذا الكبير. فأنكر الكبير ذلك. فمذهب الشافعي: أنه لا يحلف لأنه لو أقر له لم يلزمه عنده حكم. وقال أبو يوسف ومحمد: يحلف لأنه ولو أقر دفع إليه نصف ما في يده من

تركة الميت. وكذلك لو كانا كبيرين فأنكرا لم يحلف واحدٌ منهما عند الشافعي. قلته تخريجًا. وقال: أبو يوسف ومحمد يحلفان معًا. فأيهما حلف بريء. وأيهما نكل أعطى نصف ما في يده. ومن أصحاب الشافعي من زعم أنه يحلف الابن الكبير, وذلك أن المدعى يقول طالبوه باليمين, فلعله أن ينزجر فيقر فأتوصل بذلك إلى يمين الصغير إذا بلغ. ولو اعترف أحدٌ الأخوين وأنكر الآخر, وليس للميت وارث غيرهما يخلف المنكر منهما عن الجميع. (132) ولا يسأل المدعي ألك بينة؟ فإنه يرى استحلافه. وإن كانت للمدعي بينة. وإنما يقول أمعك بينة تقيمها. أخرجه أبو العباس بن سريج على مذهبه. ولم يختلف فيه أصحابه. وذلك أن الشافعي قال: مع أول كتاب الدعوى والبينات. من كان بيده مال فأدعاه آخر فالبينة على المدعى. فإن جاء بها أخذ وإن لم يأت بها فعل المدعى عليه اليمين, ولم يقل فإن لم يكن له بينة. وذهب أبو يوسف إلى ما ذهب إليه الشافعي في ذلك. فقال: يحلف في

كل شيء عدا حدود الله. ولا يسأل ألك بينة؟ وزاد عليه في حدود القذف. فقال لا يمين فيه. (133) قال: وإذا أراد القاضي استحلافه أقبل على المنكر فقال له: أتحلف. فإن قال نعم. أمر ثقة يحلفه على ما أفسره في باب الإيمان ولا بأس أن يتولى القاضي استحلافه. فإن بادر المدعى عليه فحلف قبل أن يحلفه القاضي فلا خلاف بين الكوفي والمدني أن القاضي يعيد عليه اليمين. قد حلف ركانة بن يزيد. بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يستحلفه فأعادها عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (134) وقال: فإذا حلف المدعى عليه منع المدعى من مطالبته فيها إلا ببينة يقيمها. والبيان مختلفة على قدر الدعاوى واختلاف أهل العلم فيها. وقد جردت لذكرها بابًا مفسرًا. فإن طلب الحالف أن يكتب له في ذلك

تذكرة تكون في يده خيفة أن ينسى القاضي فيعنته المدعي باستحلافه ثانيًا عنده أو عند حاكم غيره. كتب له بها تذكرة فيها شهادة من حضره بخطوطهم. فتكون في يده حجة. وإن ختم في أسفله غير مطوي كان أوثق. (135) قال: فإن لم يحلف المدى عليه, وقال: قد حلفني على هذه الدعوى مرةً, وأستنظره لأقامة البينة على يمينه انظره القاضي مجلسًا واحدًا, وعلى ما يراه أكثره ثلاثًا. وإن قال حلفني عندك, والقاضي يعلم وأنه ما حلفه, فلا يقبل منه ذلك, ولا ينظره لإقامة البينة. إلا أن يقول حلفني عند حاكم غيرك. فإن لم يكن بذلك علم فأقام البينة. أنه خلفه عنده على ذلك, ولم يذكره القاضي. فمذهب الشافعي والكوفي في ذلك, أن يقبل البينة العادلة. قال الكوفي نصًا. وقلته على مذهب الشافعي تخريجًا, وذلك أنه قال في كتاب أدب القاضي في الخصمين إذا تداعيا. وأقام المدعى البينة فاتخذ القاضي محضرًا بما جرى. قال الشافعي فإن خاف النسيان أمر من حضره من العدول بتوقيع شهاداتهم من المحضر. فإن ذكره وإلا شهد عليه من تقبل شهادته.

(136) قال: وإن لم يقم المدعى عليه ببينة على ذلك, ورام استحلاف المدعي على أنه لم يحلفه على هذه الدعوى حلف. فإن قال: المدعي أيضًا لا أحلف. فإنه قد حلفني على ذلك مرة. ولي بذلك عليه ببينة سمعها القاضي. وإن قال لا بينة لي فخلفوه على أنه لم يحلفني أني ما حلفته في هذه الدعوى. لم يسمع القاضي من المدعى لأن المدعى عليه دفع ذلك بمثل مفالته, ودعواه. وإن ذلك يطول إلى غير نهاية. وفي ذلك ذريعة إلى منع القاضي من الوصول إلى الحكم. فالمدعي أحق بقطع المادة. لأنه الطالب دون المدعى عليه. فإما أن يحلف. وإما أن يقوم عن المجلس. قلته على مذهبهما تخريجًا. وإن أبى المدعي أن يحلف ناكلًا, ولم يدع أنه قد حلفه. فهذا نكول. وقد اختلف مذهب الشافعي والكوفي. فقياس قول الشافعي أن يرد اليمين عليه. فيحلف بالله لقد حلفني عند حاكم على ذلك. وقياس قول الكوفي: أن يحكم على المدعي بنكوله أنه قد حلف المدعى عليه في ذلك عند حاكم. وقياس قول أبي يوسف أن يعذر إلى المدعي ثلاثًا ثم يحلف عليه أنه قد حلف المدعى عليه في ذلك. (137) واختلفوا إذا قال المدعى عليه عندي المخرج من هذه الدعوى. فقال الشافعي, وأبو حنيفة ليس ذلك بإقرار, وكذلك لو قال عندي البراءة من هذه الدعوى لم يكن ذلك عندهما إقرار. وإن رام استحلاف

المدعى عليه ماله من ذلك مخرج. لم يحلف. وقال ابن أبي ليلى: هو إقرار. فإن لم يأت بمخرج لزمه ما ادعى عليه. وإن قال المدعي قد أبرأني من هذه الدعوى فلا خلاف بين الشافعي والكوفي إن ذلك ليس بإقرار. قاله الكوفي نصًا. وقلته عن الشافعي تخريجًا على المسألة الأولى. وقد بينت ذلك في باب الإقرار بأكثر من هذا البيان. وقياس قول ابن أبي ليلى أن ذلك إقرار. قلته تخريجًا على جوابه في المسألة الأولى. (138) واختلفوا في استحلاف المدعي في هذه المسألة إن رام المدعى عليه يمينه بالله إنه ما أبرأه من هذه الدعوى. فمذهب الشافعي في ذلك أن يحلف المدعي لأنه لو أقر أن لا دعوى له عليه بريء. وبه قال: الخصاف في كتابه. وحكى محمد عن أصحابه الكوفيين أنهم قالوةا لا يحلف المدعي أنا ما أبرأه من هذه الدعوى. وإنما يكون الحلف على ذلك بعد أن يصح المال

وإن قال أبرأني من هذا المال فهو إقرار. قاله الكوفي نصًا. وقلته على مذهب الشافعي تخريجًا. لأن الإبراء عن المال لا يكون إلا بعد ثباتة ألا ترى أن رجلًا لو حلف لا يبرئ فلانًا من المال فبرأه مما ليس عليه لم يكن ذلك إبراء. وقد خالف هذا بعض المتأخرين. وأستدل بقول الله عز وجل: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} , وزعم أن الله برأه من أدره لم تكن. وهذه شبهة دخلت عليه. وإنما معناه والله أعلم. فبرأه الله مما كان من القول به حتى لم يقولوا بعد ذلك. ألا ترى إلى قوله عز وجل: {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ} الآية, فكان الأذى بالقول لا بالأدرة. فبرأه الله مما أذاه من القول. (139) قال: ولا خلاف بين الفريقين أعلمه أن لو قال المدعى عليه عندي المخرج من هذا المال, أو قال عندي المخلص من هذا المال, أو البراءة من هذا المال أو قال إني بريء من هذا المال, وأنا أقيم البينة على ذلك. فأسمعها لم يعذره القاضي بذلك حتى يبين وجه المخرج والبرأة مما يجوز أن يتوجه عليه الشهادة. (140) اختلفوا, هل يجعل ذلك إقرارًا؟ فمذهب الشافعي والكوفي أن ليس بإقرار. قلته تخريجًا فيما عدا المخرج وقياس قول ابن أبي ليلى

أن ذلك إقرار لأنه قال: لو قال المدعى عليه عندي المخرج من هذه الدعوى. كان إقرارًا ولو قال قد برئبت إليه من هذا المال. فمذهب الشافعي إن يُسأل المدعى عليه. فإن قال قد قضيته كان إقرارًا ويحلف المدعي بالله أنه ما اقتضاه. وإن قال قد برئت إليه بأن حلفت له. أو أقمت بينة على إقراره بالبرأة كان القول قوله مع يمينه. وقال الكوفي: هذا إقرار بأنه قد قضاه, فإن صح القضاء, وإلا لزمه. (141) وإن قال المدعى عليه حلفوا المدعي على ما ادعاه. واحكموا على بما يدعي. لم يحلف المدعي حتى تعرض اليمين أولًا على المدعى عليه, وينكل. ثم يرد اليمين على المدعي. بعد النكول. قلته على مذهب الشافعي تخريجًا. قال: أبو علي ذكر أبو العباس هـ ذه المسألة في باب تفريغ مسائل النكول. ورد اليمين, من هذا الكتاب. وأجاب بخلاف هذا الجواب, وجعلا نكولًا منه. قال: قلته تخريجًا. لأنه إنما أجاز رد اليمين على المدعي. وهذا ليس بردٍ يعرض وينكل. وقال الكوفي نصًا.

(142) وإن قال المدعى عليه لا يجوز لي أن أحلف. سأله القاضي عن ذلك. فإن قال لأني حلفت أني لا أحلف عند حاكم, أو نذرت. لم يعذره القاضي بذلك, ولم يجعله نكولًا, وأخذه باليمين. فإن أبى أن يحلف فقد اختلفوا في ذلك. فقال الشافعي ومالك يرد اليمين على المدعى. فإن حلف حكم له في كل ما أدعى من المال, والنكاح والطلاق والعتاق والقصاص, وغير ذلك. ولا يحكم بالنكول على أحدٍ إلا في مسائل ذكرتها في باب النكول ورد اليمين. وقال الكوفي يحكم عليه بالنكول إلا في مسألة واحدة وهي: القصاص في النفس إذا ادعى عليه قتل عمدٍ. فأنكر فاستحلف وأبى. لم يحكم عليه بالنكول, ولكن يحبس حتى يحلف أو يقر. فأما القصاص دون النفس وسائر ما يُحلف عليه إذا أبى حُكم عليه بالنكول. وقال أبو يوسف ومحمد: كل القصاص في النفس وما دونها لا يحكم فيها بالنكول. (143) قال: وإن قال المدعى عليه للقاضي سل المدعي من أين له هذا المال علي. فإن ادعى من كذا. فلي عليه بينة. وإن ادعى من غيره حلفت له.

فمذهب الشافعي: أن القاضي بالخيار إن شاء سأله. قلته تخريجًا وذاك أنه قال واجب أن لا يقبل الشهادة حتى يسأل من أين هو عليه. وإن لم يسأل كان هذا الموضع غنًا. ورأيته جائزًا. وقال الكوفي: لا يسأل المدعي عن ذلك إلا أن يقر المدعى عليه بالمال. ويدعي أنه من وجه كذا. مثل أن يقول من ثمن سلعةٍ, لم أقبضها, فيسأل المدعي حينئذ عن الوجه الذي يدعي المدعى عليه. (144) وأجمعوا على أنه لو قال المدعى عليه له علي ألف دينار من ثمن ميتةٍ أو دمٍ أو خمرٍ, أو خنزير أو نحو ذلك إنه يسأل المدعي عن ذلك. فإن وافقه في ذلك بطلت الدعوى, وإن أنكر أن يكون ذلك من ثمن محرم. فقد اختلفوا في ذلك. فقال أبو حنيفة: القول قول المدعي مع يمينه بالله ما هو من ثمن هذا المحرم. فإذا حلف حكم له بالألف. وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن: القول قول المقر, مع يمينه, فإن حلف برئ من الألف.

وللشافعي في ذلك قولان: أحدهما أن القول قول المدعي مع يمينه. والآخر: أن القول قول المقر مع يمينه. وهذا أشبه القولين عنده. (145) وإن كانت الدعوى في شيء بعينه من عقار أو غيره فذكر المدعى عليه أن ذلك ليلس في يده, وأنه يمنعه بينة تقوم, أو رد يمين على المدعي بعد استحلاف المدعى عليه, ونكوله, ولا بأس أن يقول للمدعي اذهب إلى الموضع فمن منعك فرافعه إن أردت خصومته. وقد شرحت ذلك في باب دفع الدعوى والخصومة عن نفسه. وقال أبو حنفة وأبو يوسف: لا يحلف المدعى عليه في ذلك. وقال محمد بن الحسن: يحلف المدعى عليه, وإن نكل ثبت أنه في يده, وصار خصمًا قال: وإذا أراد المدعي إقامة البينة فشهدت البينة بعد الاستشهاد سمعها القاضي. (146) واختلفوا فيه إذا شهد بها قبل أن يسأل. فقال الشافعي: لا يكون له شهادة, لأنه شهد ولم يستشهد. وبه عاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فعل ذلك.

حكاه عنه أبو عبد الرحمن الشافعي. فإن استعادها القاضي فأعادها قبلت. قلته تخريجًا على مذهب الشافعي والكوفي, أن ذلك ليس بخرج. هذا فيما عدا السرقة, وقطع الطريق لتعلقه بحق الله. قلته تخريجًا. وذلك أن الشافعي ذكر أن شاهدين لو شهدا عند القاضي على رجلٍ بسرقة من حرز فلان. يوجب القطع. إنه يسمع الشهادة ويسأل فلانًا فإن ادعاها. حكم بها. وقال الكوفي: في ذلك كله الشهادة غير مقبولة. وقال مالك: هي جائزة, وليس على القاضي أن يستعيده الشهادة ثانيًا. (147) وأجمعوا على أن القاضي يسمع الشهادة بعد الاستشهاد إذا كان بحضرة الخصم, أو وكيله على ما أثبته في باب الشهادات.

(148) واختلفوا في سماعها من غير محضر الخصم, ولا وكيله. فقال الشافعي: واجب أن لا تقبل الشهادات إلا بمحضر من الخصم المشهود عليه, أو وكيله. وإن سمعها من غير محضره فلا بأس به, وينبغي إذا حضر أن يقرأ عليه ليعرف حجته فيها. وقال الكوفي وأصحابه لا يجوز للقاضي أن يستمع لهما إلا بمحضر الخصم أو وكيله. (149) واختلفوا في قبول الشهادة بعد يمين المدعى عليه. فأجازه الشافعي ومالك والكوفي. وأبى ذلك ابن أبي ليلى. ولو قال المدعي حلفه على أنه إذا حلف فقد برئ من حقي ثم رام بعد اليمين إقامة البينة قبلها. قاله الكوفي وأصحابه نصًا. وقلته على مذهب الشافعي تخريجًا. على ما قال من الصلح على الإنكار, وأنه لا يبرئه لأنه حرم حلالًا. بما يحرم به. وقلت حكم الشريعة عن وجهه. (150) قال: وليس للقاضي أن يعنت الشاهد, ولا أن يتعتع في الشهادة أو يخصر فيها. ولكنه يرفق به ويدعه يأتي بالشهادة على وجهها عنده.

فإن كانت جائزة سمعها. وإن كانت مردودة ردها. (151) قال: وأجمع الشافعي والكوفي أنه لا يقبل من شاهد حكاية وجوب الحق والإقرار. وإن كان قد جاء مجيء الشهادة حتى يبتدئ الشهادة بأن يقول: أشهد ثم ينسق الكلام عليه قاله الكوفي نصًا. وقلته على مذهب الشافعي تخريجًا. (152) واختلفوا: هل يجوز للقاضي تلقين الشاهد. فقال: الشافعي في كتاب أدب القاضي. ولا يلقن الشاهد, ولكنه يوقفه, والتوقيف غير التلقين. وقال: أبو حنيفة ومحمد لا يسع تلقين الشاهد. قالا فإن قال القاضي للشاهد اشهد بكذا. فهذا تلقين لا يسع وكان أبو يوسف لا يرى بتلقين الشاهد بأسًا. ويقول لو بقي أبو حنيفة حتى أدرك شهود زماننا لأجاز التلقين. وأجمع الشافعي والكوفي. أنه إن لقنه فتلقن لم تبطل به شهادته وقبلها.

(153) قال: وإذا كانت الشهادة في يسير من الأمور, وكان من شهد بها ظاهر العدالة, ولم يدفعه الخصم بحجةٍ, ورأى أن يحكم بها من ساعته حكم. وإلا نأتي به. وعقد محضرًا بما جرى من ذلك كله على وجهه بعينه, وتفسيره, وباسم المدعي, والمدعى عليه, وأنسابهما, وما يعرف به كل واحدٍ منهما من قبيلته وكنيته, وصناعة, وبأسماء الشهود, وأنسابهم وما يعرف به كل واحدٍ منهم من الكنية, والصناعة والقبيلة وغيرها. ومسكنة, ومحلته, ومصلاه. (154) واختلفوا في تحلية الشهود. فقال: الشافعي إن كان مجهولين كتب حلية كل واحد منهم. وأبى الكوفي أن يكتبها. وقال: ابن شبرمة شيئان لم يعمل بهما أحد قبلي ولن يدعهما أحدٌ بعدي تحلية الشهود والسؤال عند عدالتهم سرًا. (155) قال: فيكتب القاضي ذلك بخطه أو خط كاتبه حسب ما يراه, ويقف الشاهد على شهادته فيكتب بين يدي القاضي, أو ناحية منه.

ثم تعرض على القاضي, والشاهد يسمع, ولا يقبلها, في مجلس لم يوقع فيها بيده, أو كاتبه على ما وصفته (156) قال: ولا ينبغي للقاضي أن يسمع الشهادة إذا كان لم يحضره قرطاس يتخذ المحضر فينسى. ولا أن يخلي الكاتب يغيب على شيء من الإيقاع, إلا أن يعيده عليه, والشاهد حاضر. ثم يطوي المحضر, ويختمه, ويكتب عليه محضر فلان بن فلان, وفلان بن فلان في شهر كذا. من سنة كذا فيرفعها في فمطره. لا اختلاف فيه بين الشافعي والكوفي فإن أراد المشهود له أن يأخذ نسختها. أخذها. (157) قال: وينبغي للقاضي أن يضم الشهادات بين الرجلين وحججهما في موضع واحدٍ مكتوبًا عليها ترجمتها, كما وصفت فتكون أعرف له أذا طلبها. فإذا مضت السنة عزلها وكتب عليها خصومة سنة كذا. حتى تكون كل سنة مفروزة وكل سنة معروفًا. فإن خاف النسيان أمر من حضره من العدول بتوقيع شهاداتهم في المحضر وإن ذكره وإلا شهد عليه

من تقبل شهادته, لأنه قد يحتال على الكاتب فيطرح من ديوانه الخط. فيشبه الخط الخط, والخاتم الخاتم. (158) واختلفوا في عدالة الشهود, فقال الشافعي: تسمع الشهادة ممن شهد عنده, ثم يسأل عن عدالة من جهل عدلته سرًا. فإذا عدلوا سأل عن عدالتهم علانية ليُعلم أن المعدل سرًا هو هذا بعينه, لأنه يوافق اسم اسمًا, ونسب نسبًا. وكذلك قال: أبو يوسف ومحمد. وقال مالك: لا أسمع الشهادة إلا ممن تثبت عدالته عندي قبل الشهادة: لأني لا أسمع إلا من عدل. فالواجب على مذهبه أن يكون للقاضي في البلد عدول مشهورون, لا تسمع الشهادة إلا منهم. وقال: الكوفي دون صاحبيه لا أسأل عن الشهود. والمسلمون على العدالة. فإذا عرفته حرًا بالغًا إلا أن يطعن فيهم المشهود عليه. فإن طعن فيهم. سألت عنهم في السر وزكيتهم في العلانية إلا شهود الحدود, والقصاص, فإني اسأل عنهم في العلانية وأزكيهم في العلانية.

(159) قال: وقد جردت بابًا بعد هذا في كيفية السؤال عن العدالة. (160) ثم اختلفوا فيما يجب على القاضي إذا رجعت عدالة الشهود. فقال الشافعي يعلم القاضي المشهود عليه أن قد رجعت عدالتهم. ثم أطرده جرحهم, وقبلها منه على ما كان منه من الشهود, لا فرق بين أحد في ذلك, وأجله على جرحهم بالمصر الذي هو به, وما قاربه. فإن جاء بها, وإلا أنفذ الحكم عليه. فإن أتى في جرحهم شاهد واستأجله في آخر. رأيت أن يضرب له أجلًا ويوسع عليه حتى يجرحهم, أو يعوزه فيحكم عليه. وكذلك قال: أبو يوسف ومحمد. وقياس قول الكوفي أن لا يطرده الجرح, إلا أن يسأل ذلك المشهود عليه ويطعن. كما حكيت عنه في السؤال عن العدالة. (161) قال: فإن لم يأت بجرحهم وأراد القاضي إنفاذ الحكم عليه بما ثبت عنده دعاه فأجلسه وأعذر إليه فقرأ عليه المحضر, وبين له جميع ما أحتج به, وأحتج خصمه عليه. وإن كان بحضرة الفقهاء سألهم بحضرته ليخبروه بوجوب الحكم عليه. ليكون أطيب لنفس المحكوم عليه, وأبعد من

التهمة, وأحرى إن كان القاضي غفل من ذلك عن موضع فيه حجة أن ينبهوه. فإن تبين له فيها شيء خلاف ذلك رجع. وإن أشكل عليه وقف, وشاور فيه حتى يتبين له الحق. كل ذلك اختيار, ولا أعلم خلافًا في أنه إن لم يفعل القاضي ذلك, وحكم جاز حكمه. (162) قال: وإن استنظره لإيراد حجة سأله عن وجه ما يريد أن يأتي به. فإن لم يكن فيه ما يدفع به, فأثبت عليه لم ينظره. وإن كان فيه مدفع لما ثبت إن هو أتى به. أنظره على مذهب الشافعي, على ما يراه اليوم واليومين, ولا يجاوز به ثلاثًا. وعلى مذهب محمد بن الحسن ينظره مجلسًا أو مجلسين, قلته على مذهبهما تخريجًا. وإن قال لي حجة, ولم يتبين وجهها, لم يقبل منه ذلك, ولم ينظره إلا برضا خصمه. (163) وأجمعوا في وجوب الحكم عليه أن لا يدع حجة, وعلى أن للقاضي تأخير الحكم برضا الخصمين إن طمع في الصلح. قال: عمر بن الخطاب: «رددوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث الضغائن».

حدثنا أبو بكر أحمد القاضي. حدثنا القاسم بن يزيد. حدثنا وكيع. عن مسعود, عن الأزهر. عن محارب بن دثار عن عمر بن الخطاب أنه قال ذلك. (164) واختلفوا في مقدار تأخير الحكم لذلك. فقال الشافعي: أجب أن يأمرهما بالصلح, وأن يتحللهما في تأخير الحكم بينهما اليوم واليومين. فإن لم يجتمعا على تحليله لم يكن له أن يردهما. وأنفذ الحكم بينهما اليوم واليومين. فإن لم يجتمعا على تحليله لم يكن له أن يردهما. وأنفذ الحكم بينهما متى بان له, فإن عليه الأناة إلى بيان الحكم, والحكم قبل البيان ظلم. والحبس بالحكم بعد البيان ظلم. قاله نصًا. وله فيه قول آخر ينتظر به ثلاثًا. ٌلته تخريجًا. وقال: الكوفي إن طمع القاضي أن يصطلح الخصمان فلا بأس أن يردهما, ولا ينفذ الحكم بينهما لعلهما أن يصطلحا, ولم يؤقت في ذلك شيئًا. وقال: محمد بن الحسن لا ينبغي للقاضي أن يردهما أكثر من مرةٍ أو

مرتين, يعني مجلسًا أو مجلسين. وإذا عزم القاضي على الحكم لامرئ على أحد أمر الكاتب أن يكتب له به قضية باسمه, ونسبه, واسم المحكوم له, والمحكوم عليه وأنسابهما, وأسماء الشهود, وأنسابهم, وما يعرفون به. وذكر حججهما, وتداعيهما, وجميع ما جرى من ذلك مفسرًا في غاية البيان والتفصيل, وجعل المحكوم عليه على حجته, إن أوردها حتى أوردها. وكتب في أعلا القضية بخطه.

باب: العدوى والهجوم والأعذار

[21] باب: العدوى والهجوم والأعذار (165) قال: أجمع الشافعي والكوفي أن رجلًا لو استعدى على أحد حدًا من حدود الله تعالى لم يعده ولم يهجم عليه في أخذه, إلا في مسألة واحدة. وهو حدٌ قطاع الطريق. قلته على مذهبهما تخريجًا. وقد هجم عمر بن الخطاب على قومٍ يشربون, قد كان مر نهاهم عن ذلك. فقالوا: إن كنا أخطأنا في آية من كتاب الله فقد أخطأت في آيتين, ولجت بيتنا من غير إننا. والله عز وجل يقول: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} وتحبست ما كان الله وضع عنك. والله يقول:

{ولا تحبسوا}. فاستعبر عمر. وقال: صدقتم كل أفقه من عمر. (166) قال: فأما حقوق العباد إذا أدعى رجلٌ على رجل حقًا. وهو بالمصر, والقاضي لا يعلم أمحق هو أم مبطل؟ فمذهب الشافعي أن يعديه على ما سأفسره إن شاء الله. وذلك أن الشافعي قال: في كتاب اللعان. وليس للإمام أن يبعث إلى أحد في حد الزنا يسأله عن ذلك. لأن الله جل ذكره يقول: {ولا تحبسوا} فإن شبه على أحدٍ بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أنيسا إلى امرأة رجلٍ. فقال: فإن اعترفت فأرجمها فتلك امرأة ذكر أبو الزاني أنها زنت. فكان يلزمه أن يسألها فإن أقرت. حُدث وسقط الحد عمن قذفها. وإن أنكرت. حد قاذفها. وإنما سأل المقذوفة. والله أعلم الحد الذي وقع عليه لها إن لم تقر بالزنا. (167) قال: وكذلك إن كان قاذفها زوجها. ففرق الشافعي في

العدوى بين حدود الله عز وجل, وحدود بني آدم. وكذلك قاله الكوفي, وابن أبي ليلى في حقوق العباد الآدميين. قال أبو يوسف وعلى هذا أدركنا الناس لم يكن أحدٌ من الحكام يمتنع من هذا. ولا أحد من الفقهاء منكر على من فعله. كان ابن أبي ليلى يفعله, ولا ينكره أبو حنيفة. (168) قال: فإن استعدى رجل على رجل عند القاضي وسأله الاحضار. أعطاه طابعًا يريه منقوشًا عليه اسم القاضي, أو مكتوب عليه أجب القاضي فلانًا, حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد القاضي. حدثنا القاضي بن يزيد حدثنا وكيع عن هشام بن المغيرة الثقفي. قال: كان على خاتم سعيد بن أشوع الهمداني. وكان على قضاء الكوفة أجب القاضي

سعيد بن أشوع. (169) قال: فإن رد الطابع أو كسره, أو قال ما أجئ, أو سكت, أو قال أجئ, دافع وتمادى, ولم يحضر للقاضي. فرجع الطالب, وذكر أنه امتنع من الحضور. بعث العون لإحضاره, وسأله عن امتناعه, فإن أنكر أن يكون أراه الطابع, وذكر الطالب أن له بينة على ذلك استمع لها. (170) واختلفوا في السؤال عن عدالتهم, فمذهب الشافعي في ذلك أن يسأل عن عدالتهم, ويخفف في السؤال. فإن عدله من الحاضرين من يسكن القاضي إلى تعديله قبله. قلته على مذهب تخريجًا. وقال الكوفي وصاحباه لا يسأل عن شاهدي رد الطينة فينظر عندهم إلى ظاهر السنز في رأي العين إذا شهدوا. وكذلك عند الشافعي والكوفي إن رد العون وأبي الحضور, قلته تخريجًا على مذهبهما. فإن لم يكن له بينة استحلفه, وإن لم يرد الطالب يمينه إذا رأى القاضي ذلك. لأنه من حقه. فإن حلف برئ. وإن أتهمه بعد اليمين, أوعده وهدده. فإن نكل عن اليمين فقد اختلفوا في ذلك. فمذهب الشافعي أن ترد اليمين

على الطالب إن أراد الطالب ذلك. ومذهب الكوفي أن يحكم عليه بالإباء. قلته على مذهبهما تخريجًا. على قطع السارق لما فيه من حقوق الله, وحق بني آدم. فإذا ثبت أنه رد الطابع, أو العون. أدبه الحاكم على ما يراه زجرًا من ضرب أو حبس, أو لا يبلغ بالتعزير عندهما أربعين إن كان حرًا. (171) واختلفا فيه إن كان المضروب عبدا. فقال الشافعي: لا يبلغ تعزير العبد عشرين. قال الكوفي: لا يبلغ به أربعين. وقد مضى الاختلاف في التعزير. فأغنى عن الإعادة. وإن شاء القاضي زجره بالكلام فأغلظ له وأوعده وهدده. فإن عاد ضربه. وهو في رد العون وكسر الطابع أشد منه في رد الطابع. وحكى محمد بن أبي فديك. قال كنت عند ابن شبرمة القاضي فأتاه آتٍ فقال إن فلانًا كسر الطابع الذي أعطيتني فأمر به فضر ثلاثين. (172) قال: وإن كان المدعى عليه خارجًا من المصر. نظر فيه

القاضي. فإن كان بموضع يتهيأ حضور المجلس, والرجوع بعد المجلس إلى أهله أحضره عند الشافعي والكوفي. (173) واختلفوا إن كانت المسافة أبعد من ذلك. فمذهب الشافعي: أن لا يحضره القاضي إلا بعد إقامة المدعي البينة في حقه عليه. قلته تخريجًا. وذلك أنه قال في كتاب اختلاف العراقيين. وإذا كان لرجل على رجل دين فتغيب المديون فإنه يعدا عليه ولم يقل إذا ادعى رجل على رجل دينًا وقال أبو ثور يُعد عليه, إذا ادعى عليه حق. قريبًا كان أبو بعيدًا. إلا أن تكون المسافة بعيدة لا يتهيأ له الرجوع إلى أهله من يومه, وكان بالقرب منه حاكم فيأمر برفعه إليه. وقال الكوفي: إذا كانت المسافة بعيدة فادعى عليه حق. فإن كان بالقرب منه حاكم رفع إليه, وإن لم يكن بعث إليه القاضي. (174) قال: وكل من وجب عليه الحضور عند القاضي. فأبى وتغيب. بعث القاضي إليه ثقة ينادي على بابه ثلاثًا. وأعذر إليه في الندار أنه إن لم يحضر المجلس سمر عليه بابه, أو ختم عليه. وحسن أن يجمع المنادي أماثل جيرانه, ويشهد على إعذاره, فإن لم يظهر ولم يحضر. وسأل الطالب أن يسمر عليه, أو الختم. وتقرر عند الحاكم أن المنزل منزله, وأنه يأوي إليه

بشاهدي عدلٍ. سمر على بابه أو ختم. أي ذلك رأى فعل. قلت ذلك كله على مذهبهما تخريجًا. (175) واختلفوا فيه إذا لم يحضر بعد التسمير, والختم. فمذهب الشافعي: أن يوكل عليه وكيلًا بعد أن يبعث من ينادي على بابه بحضرة شاهدي عدل. إنه إن لم يحضر الباب لوقت كذا خصمه فلان. وكل عنه. وحسن أن يعذر إليه بذلك ثلاثًا. فإن لم يحضر أقام عنه وكيلًا. كل ذلك قلته على مذهبه تخريجًا. وكذلك قاله أبو يوسف. وقياس قول أبي حنيفة أن يوكل عنه, ولا يحكم على غائب. (176) قال: فإن ثبت على رجلٍ, حق فلم يظهره وتغيب فلا خلاف أعلمه بين أصحاب الشافعي على مذهبه إن قدر القاضي على ماله, وعقاره أن يبيع, ويؤخر على الطالب حقه. واختلف أصحاب الشافعي إذا لم يظهر له قال: فمنهم من رأى صرف المنافع, ومنهم من رأى الهجوم عليه إن عرف أنه متواري في موضع. (177) وكان أبو العباس بن سريج يذهب إلى أن للقاضي صرف

المنافع والهجوم عليه, إن رأى ذلك. (178) قال: ويبدأ بالهجوم إن ثبت عند القاضي أنه متواري في بيته. فيبعث بالأعوان, والخصيان القاضي, وبغلمان لو يبلغوا. فإن كان عنده, وإلا استعان بالوالي. ويبعث معهم ثقات من النساء, ويبعث معهم ذوي عدل من الرجال فيتقدم النساء, ومعهن غلمان لم يبلغوا وخلفهم الخصاين ثم الأعوان من وراء ذلك. فإذا توسط النساء صحن الدار مع الغلمان, وأنذروا النساء والحرم بدخول الرجال ليناحزوا إلى بيت, ثم يدخل الخصيان فيفتشون الرجال, ويؤمر ثقة من النساء يفتش النساء.

باب: الوكالة

[22] باب: الوكالة (179) قال: أجمع الشافعي والكوفي على أن المريض الذي لا يقدر على حضور مجلس القاضي. لو أراد أن يوكل وكيلًا. جاز توكيله وكذلك لو كان صحيحًا فأراد سفرًا. فوكل عن نفسه وكيلا. (180) واختلفوا في وكالة الحاضر الصحيح. فمذهب الشافعي أن التوكيل جائز من كل موكل, وإن كان حاضرًا صحيحًا. قاله المزني على مذهبه تخريجًا. وبه قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف وقال أبو حنيفة لا أقبل

الوكالة من حاضر صحيحٍ. إلا أن يرضى خصمه بذلك. (181) قال: وأجمع الشافعي والكوفي على أن رجلًا يعرفه القاضي لو حضر عنده, فأراد أن يوكل رجلًا, ويثبت عنده وكالته. إن القاضي يسمع منه ذلك, ويثبت وكالته وإن لم يكن معه خصم إذا عرف الموكل. (182) واختلفوا في إحضار شاهدين عند توكيله عند القاضي. فمذهب الكوفي أن ذلك جايز بلا محضر شاهدين. ومذهب الشافعي في ذلك قولين: فمن أجاز للقاضي أن يقضي بعلم نفسه أجاز هذا, وإن لم يحضر شاهدان, ومن أبى ذلك لم يقبل إلا بحضرة شاهدين. قلته على مذهبهما تخريجاً. (183) واختلفوا فيه إذا لم يعرف القاضي الموكل فأراد إثبات نسبه. إنه فلان بن فلان ليعرفه القاضي. فقال الشافعي يسمع ذلك ويثبت توكيله, وليس للخصم من الوكالة بسبيل. وبه قال ابن أبي ليلى. وقال الكوفي لا يسمع القاضي منه ولا من شهوده إذا لم يكن معه خصم يثبت نسبه عليه فيه. قال أبو يوسف حضر عند القاضي وادعى أنه وكيل فلان في خصوماته قبل

الناس, وأحضر معه بينة ليثبت وكالته, والموكل غائب, فإن أحضر خصمًا يدعي عليه للموكل حقًا. فقد أجمع الشافعي والكوفي أن القاضي يسمع من شهوده على الخصم الذي قد حضر سواء أنكر الخصم ما ادعي عليه من الحق, أو أقر به إذا أنكر وكالته. فإذا ثبتت الشهادة أنفذ الوكالة عليه وعلى جميع خصمائه. (184) واختلفوا إذا أراد إقامة البينة على وكالته من غير محضر الخصم. فمذهب الشافعي في ذلك أن يسمع البينة في تثبيت الوكالة. قال: الكوفي لا يسمع من شهوده اجلا بحضرة خصمٍ من الخصماء فيثبت على كلهم. وإن كان إنما وكل لخصومة رجل واحد لم يجز حتى يحضر ذلك الرجل بعينيه, وبه قال أبو يوسف. قال ابن سريج وهذا الاحتياط يعني على مذهب الشافعي. ولو قبله جاز. ولو كان رجلٌ رجلًا في مجلس القضاء والقاضي لا يعرفهما إلا أن الوكيل أراد أن يدعي بحضرة الموكل في ذلك المجلس سمعه القاضي إذا كان في شيء يريد أن يحكم به في المجلس, ولا يحتاج فيه إلى إثبات النسب. في قياس قول الشافعي وأبي يوسف. فأما أبو حنيفة: فلا يرى وكالة حاضر بحالٍ. (185) واختلفوا إذا أنكر الخصم الذي حضر المال والوكالة. فقال الوكيل أنا أقيم شاهدي عدلٍ على إثبات وكالتي والمال. الذي ادعيت عن

موكلي. فمذهب الشافعي أن القاضي يسمع ذلك, ويحكم له بالوكالة وللموكل بالمال على المطلوب. وكذلك لو أقام بينة بدين لميت, وأنه وارثه, وأنه مات. كل ذلك مقبول. قاله ابن سريج على مذهب الشافعي. وبه قال: أبو يوسف. وقال أبو حنيفة لا أقبل الشهادة على المال حتى تثبت الوكالة أولاً. ثم اسمع البينة على المال. إنه لا يكون خصمًا عن صاحب المال إلا بعد ثبات الوكالة. (186) قال: وأجمع الشافعي والكوفي على أن لا تجوز الوكالة بأخذ القصاص من النفس والجراح, ولا يأخذ حد القذف. (187) واختلفوا في الوكالة لمرافعة ذلك وإثباته عند القاضي. فقال الشافعي وأبو حنيفة: الوكالة في ذلك كله لمرافعته إلى القاضي أو إقامة البينة على إثباته جايزة. فإذا وجب حضر الموكل لأخذه. وقال أبو يوسف ومحمد: لا تجوز الوكالة في إثبات البينة والمرافعة أيضًا.

(188) وأجمع الشافعي والكوفي على أن المدعى عليه لو أقر بوكالته, وأنكر الدين, فرام الوكيل إقامة البينة على الدين. إن البينة لا تسمع منه على الدين, وإن الوكالة لا تثبت في ذلك بإقراره إلا بينة تقوم عليه, قلته على مذهب الشافعي تخريجًا. وقاله الكوفي نصًا. (189) واختلفوا لو أقر بالوكالة والدين. فقال الشافعي: لا أجبره على دفع المال. وقلت له إن شئت فادفع أو دع. وقال أبو حنيفة يحكم عليه بذلك. فإن حضر الطالب فأنكر أن يكون وكله بذلك. كان للغريم أن يحلفه بالله مما قبض فلان بن فلان الفلاني هذا المال من هذا الغريم يأمرك. فإن حلف أخذ هو من الغريم, ورجع الغريم على الوكيل, إن كان المال في يده قائمًا بعينه. وإن ادعى أنه قد تلف عنده وأنه قد دفعه إلى الموكل. كان القول قوله مع يمينه ولا سبيل للغريم عليه. وإن أنكر وكالته وأقر بالدين للغائب, فرام يمينه بالله ما يعلم أن فلانًا وكله يقبض ذلك, فلا يمين عليه في ذلك. قلته على مذهب الشافعي تخريجًا. وقاله: أبو حنيفة نصًا. وقال أبو يوسف: أحلفه بالله ما يعلم أن فلانًا الغائب وكله بذلك. فإن حلف فلا خصومة بينهما إلا أن تقوم بينة على الوكالة, وإن نكل عن اليمين أمره الحاكم بدفع الدين إلى الوكيل, ولا يكون ذلك قضاء على الغائب.

(190) وأجمع الشافعي والكوفي على أن الوكيل إذا أبرأ المطلوب أو وهب الحق منه, أو تصدق به عليه إن ذلك باطل. (191) واختلفوا في إقراره. فقال الشافعي إقراره على الموكل باطل. بكل حال في مجلس الحكم, وغيره, ويجب على مذهبه أن يكون خارجًا من الوكالة والخصومة في ذلك وحده. قلته تخريجًا. وبه قال زفر. وقال أبو حنيفة إن كان إقراره في مجلس القاضي كان إقراره ثابتًا. وإن كان في غير مجلس القاضي خرج من الوكالة, وكان الطالب على حقه. وبه قال محمد بن الحسن. وقال أبو يوسف إقراره عند القاضي, وغير القاضي جائز. (192) قال: وأجمع الشافعي والكوفي: أن رجلًا لو أرسل رسولًا إلى رجل ليقبض مالًا له عليه إن له قبضه. فإن أنكر الرجل الحق لم يكن للرسول أن يخاصمه. (193) واختلفوا إذا وكله بالخصومة, ولم يوكله بالقبض أو وكله بالقبض, ولم يوكله بالخصومة. فمذهب الشافعي أن الوكالة على قدر ما أذن له إذا وكله بالقبض كان وكيلًا بها دون الخصومة. وكذلك إذا وكله بالخصومة كان وكيلًا بها دون القبض. قلته تخريجًا. وقال أبو حنيفة: إن كان الوكيل, وكيل الطالب. فله أن يعزله قبل

التخاصم وبعده. وللوكيل أن يخرج منها. وإن كان الوكيل وكيل المطلوب, وليس له أن يعزله وبعد التخاصم إلا بحضرة الطالب, وليس للوكيل أن يخرج من الوكالة كذلك. (194) واتفق الشافعي والكوفي على أنه لو قال فلان وكيلي لم يكن وكيلًا حتى تبين. فلو قال فلان وصي بعد موتي. كان وصيًا. قلته على مذهبهما تخريجًا. (195) واختلفوا إذا وكله بكل قليل وكثير, ولم يزد هذا. فقال الشافعي: الوكالة باطلة حتى يبين الوكالات من بيع أو شراء أو غير ذلك. وقال أبو حنيفة: هعو وكيل في الحفظ ولا يكون وكيلًا في الشراء والبيع. وكذلك إذا قال: فلان وكيلي في كل شيء. وقال ابن أبي ليلى: هو وكيل في كل شيء. (196) واختلفوا إن قال: فلان وكيلي في كل شيء جائز أمره. فمذهب الشافعي أن الوكالة باطلة. قلته تخريجًا على المسألة الأولى, وقال أبو

حنيفة جائز حفظه بيعه وشراءه وهبته وإبراؤه وصدقته. قال الشافعي والكوفي: ليس للوكيل أن يوكل إلا بإذن الموكل. (197) قال: فإن وكل بإذنه فعزل الوكيل الأول لم يكن عزلًا للثاني في قولهما. قاله الكوفي نصًا. وقلته تخريجًا على مذهب الشافعي. وذلك أن الوكيل الثاني عنده وكيل الموكل, لا وكيل وكيله. ألا ترى أن الشافعي تأول حديث عبد الرحمن بن أبي بكر. أن عبد الرحمن لما غاب وكل عائشة وأمرها أن توكل رجلًا بتزويج ابنته. فدل من قوله أن الرجل وكيل لعبد الرحمن, لا لعائشة. ولو كان وكيلًا لعائشة لم يجز له التزويج, كما لم يجز لها. وإن مات الوكيل لم تبطل وكالة الثاني في قولهما جميعًا, قلته تخريجًا. فإن عزل الوكيل الأول الوكيل الثاني كان عزله في قولهما باطلًا وإن كان صاحب الحق

أجاز أمر الوكيل الأول في ذلك وما صنع فيه من شيء فعزل الوكيل الأول الوكيل الثاني, فقد اختلفا في ذلك فحكى الخصاف عن الكوفي أنه معزول. وقياس قول الشافعي أن لا سبيل له إلى عزله إلا بإذن الموكل, فينص له على عزله, تخريج ما مضى. (198) قال: وأجمع الشافعي والكوفي على أن رجلًا لو وكل رجلين بالخصومة والقبض لم يكن لكل واحدٍ منهما أن ينفرد بالقبض. (199) واختلفوا في الخصومة فمذهب الشافعي أن لا يسمع القاضي من أحدهما دون صاحبه. قاله ابن سريج تخريجًا. قال الكوفي لكل واحد منهما أن يخاصم, وليس لواحد منهما قبض المال إلا بإجماعهما. (200) قال: وإن كان قد وكل كل واحد منهما في ذلك. فلا خلاف أن لكل واحدٍ منهما أن ينفرد بالخصومة والقبض. (201) قال: ولو أقام الوكيل البينة على خصم بحق للموكل. فذكر

من ثبت عليه أن الموكل قد قبض منه الدين وأبرأه ورام إحضار الموكل ليحلفه على ذلك, قيل له أخرج مما قد لزمك, ووفر الدين على الوكيل,. ثم رافع الموكل وطالبه قال الكوفي نصًا, وقاله ابن سريج على مذهب الشافعي تخريجًا. (202) واختلفا إذا أراد يمين الوكيل أنه لا يعلم أن الموكل أبرأه من ذلك, ولا أنه قبضه منه. فمذهب الشافعي أن يحلف على ذلك لأنه يخرجه من الوكالة والخصومة. قاله ابن سريج تخريجًا. وقال أبو حنيفة لا يحلف على ذلك. (203) قال: وأجمع الشافعي والكوفي على جواز شهادة رجلين على الوكالة. واختلفا في جواز شهادة رجل وامرأتين فقال الشافعي: أقبل من شاهدي عدل. وأجاز أبو حنيفة وأصحابه شهادة رجلٍ وامرأتين. ولو قال أحد الشاهدين أشهد أن فلانًا جعل فلانًا وكيله في هذه الخصومة. وقال الآخر: أشهد أنه جعله في هذه الخصومة وصيًا له في حياته. أو قال أحدهما وكله بقبض هذا المال. وقال الآخر سلطه على قبضه. قال الكوفي وأصحابه إن ذلك جايز. (204) وقال ابن سريج تخريجًا على مذهب الشافعي إن كانت شهادتهما

على الإقرار ثبتت الوكالة. وإن كانت الشهادة على العقد لم تثبت. (205) وأجمع الشافعي والكوفي أن أحد الشاهدين لو قال أشهد أنه جعله وكيلًا في الخصومة إلى فلان الفقيه. وقال الآخر: أشهد أنه جعله وكيلًا إلى فلان الفقيه رجل آخر إن الوكالة لا تثبت. (206) واختلفا إذا قال أحدهما جعله وكيلًا في الخصومة إلى قاضي الكوفة. وقال الآخر جعله وكيلًا إلى قاضي البصرة. فمذهب الشافعي أن الوكالة لم تثبت وأجازها الكوفي. فأما قول الكوفي فمنصوص في المسألتين جميعًا. وأما قول الشافعي في المسألتين معًا خرجهما ابن سريج على مذهبه. وكذلك اختلافهما لو قال: أحدهما وكله بالخصومة إلى القاضي. وقال الآخر إلى الأمير. كان كالمسألة إذا اختلفا في القاضيين, قلته على مذهبهما تخريجًا. وكذلك لو قال أحدهما إلى فلان القاضي. وقال الآخر إلى فلان الفقيه كان كالمسألة إلى فقيهين. قلته على مذهبهما تخريجًا. (207) قال: وأجمعوا أن رجلًا لو أراد سفرًا فطالبه رجل بحق يدعيه عليه. إن شاء أقام. وإن شاء وكل وكيلًا. (208) واختلفا. هل يجب عليه إقامة كفيل بما قضى به عليه.

فمذهب الشافعي ذلك لا يجب. قلته تخريجًا. لأنه قال لو كان لرجل على رجل حق إلى أجل, وأراد سفرًا بعيدًا لم يكن له منعه, ولا أن يطالبه بكفيل. وقال: أيضًا لو أن رجلًا ضمن عن رجل ما قضى به القاضي عليه, وأشهد به شهوده عليه كان باطلًا. وقال الكوفي: يعطيه كفيلًا بالمال, ووكيلًا بالخصومة. ولو كانا جميعًا رجل واحد فتوكل, وكفل جاز. ولو كان بين رجلين خصومه فاجتمعا على رجل واحد. فوكله واحد منهما أن يخاصم عنه صاحبه. فإن كان في أمرين مختلفين فقد أجمع الشافعي والكوفي أن ذلك جايز. (209) واختلفا إن كان ذلك في أمر واحد. فقال ابن سريج تخريجًا على مذهب الشافعي إن ذلك على قولين أحدهما أنه جائز. والآخر: لا يجوز لأن حقيقته أنه يخاصم نفسه. وقال الكوفي: لا يجوز ذلك. واتفقا لو شهد شاهدان على وكالة رجل

في الخصومة أو على وصيته من بعد موته فقرر الحاكم وكالته, ووصيته, وأنفذ. ثم رجعا عن الشهادة لم ينقضهما القاضي, ومضت الوكالة والوصية. فأما مذهب الشافعي, فقاله ابن سريج تخريجًا. وأما قول أبي حنيفة فمنصوص عليه. (210) وإن وكله بمطالبة رجل بمائة دينار, فطالبه بأكثر لم يجز. وإن طالبه بأقل جاز, وإن طالبه بمائة دينار, فطالبه بخمسين, فطالبه بمائة جاز, وإن طالبه بخمسين لم يجز, وإن طالبه بما بين المائة والخمسين جاز, وإن طالبه بأقل من خمسين جاز. لا تبطل وكالته إلا في خمسين قلته تخريجًا على مذهبهما.

باب: تصحيح الدعوى

[23] باب: تصحيح الدعوى (211) حدثنا إبراهيم بن موسى ومحمد بن صالح بن ذريح. قال: حدثنا أبو ثور. حدثنا وكيع بن الجراح عن أسامة بن زيد. عن عبد بن رافع, مولى أم سلمة, عن أم سلمة, قالت: جاء رجلان يختصمان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنكم تختصمون إلي, وأنا أقضي بينكم على نحو ما أسمع منكم, فمن قضيت له من أخيه شيئًا فلا يأخذ. فإنه يأتي به أسطاما في عنقه يوم القيامة» وذكر الحديث بطوله.

(212) قال: واتفق الشافعي والكوفي أن الدعوى في الأعيان تصح, إذا بين ما يدعي, ثم يطالب فيذكر أنه في يده, وأنه يمنعه. وكذلك, إن كانت الدعوى في الشيء, من الذمة إلا أنه لا يحتاج في هذا إلى ذكر اليد. فإذا كانت الدعوى في دار له في يد المدعي عليه بين موضعها من السكة, والمحلة, والناحية والبلد على قدر ما يتعارف أهلها مواضع الدور, والمجال وحدها. ثم قال: أصلح الله القاضي أدعى على فلان بن فلان هذا أن جميع هذه الدار بحدودها كلها, وأرضها, وسفلها وعلوها. وجميع حقوقها لي وإنها في يده ظلمًا. وإني أطالبه بردها علي, وإنه يمتنع من ردها علي, أو قال يعد تحديدها أدعي عليه, أن هذه الدار لي, وأنها في يده. وأنا أطالبه بها. وإنه يمتنع من ردها علي. وإن كانت الدعوى على ظالم يمنعه منها. قال بعد التحديد أدعي أن هذه الدار لي. وإنه يمنعني منها, ولا يحتاج في هذا إلى أن يقول أنها في يده, ولا أني أطالبه, ولا أنه يمتنع من ردها علي. وكذلك

الأرضون, والعقار, لابد فيهن أن تحد فتبين القرية والرستاق والكورة. أو الطسوج, والناحية من البلد على قدر تعارف أهلها. وإن كانت الدعوى في دنانير أو دراهم في ذمة. بين وزنها, سكنها. ونقدها, وصحيحها ومكسرها. وإن كانت الدعوى في شيء من ذوات الأمثال. وهو الذي يكال أو يوزن ويعرفه أهل البصر به إذا نظروا إليه. بين الكيل, أو الوزن. وبين من صفته ما يضبط به ويعرف وإن كانت الدعوى في شيء عليه من السلم أو القرض وصفه بما يضبطه أهل البصر به. وبين مقداره. فإن كان مكيلًا بين كيله. وإن كان من الموزونات, بين وزنه. وإن كان من المذروعات بين ذرعه بذراع السلطان. (213) واختلف قول الشافعي والكوفي: في قرض الحيوان والسلم فيها. فأجاز الشافعي: بصفاتها التي تضبط بها. فإن كان في الدواب. بين

أسنانه وشيته, وجنسه, وذكر هو أو أنثى. وإن كان في الرقيق بين حليته واسمه وجنسه وسنه وإنه خماسي أو سداسي أو محتلم أمرد أو ملتحي. وقال الكوفي استقراض الحيوان والسلم فيها باطل. فليس له عنده من السلم إلا ما أعطى من الثمن. فإن كان استقرض فيها شيئًا من الحيوان, ردها أو قيمتها إن كانت متلفة. فإن ادعاها, فالدعوى فيها عنده كما وصفت, ولابد من أن يذكر قيمتها. وأعلم أن الشافعي لا يجيز استقراض الجارية خاصة. فإن ادعى من قرض فلابد من أن يبين قيمتها مع ما وصفنا من سنها وجنسها. (214) وإن ادعى أنه أتلف عليه شيئًا من العروض من غير ذوات الأمثال أو غصب عليه من ذلك شيئًا, ولم يكن المغصوب قائمًا بعينه فلابد في

ذلك من ذكر القيمة في الدعوى, والقيمة تغني في ذلك كله عن الصفة. وإن ادعى جراحة ولا قصاص فيها. فإن كانت الجناية على حر في شيء له إرش معلوم من قطع يد أو شق موضحة ونحوه. ذكر الجناية ولا يحتاج في ذلك إلى ذكر ما يجب فيه من الأرض. وإن ذكره فلا بأس به. وإن كانت الجناية على عبد أو في شيء, ليس له إرش معلومٌ, فلابد في ذلك من ذكر مقدار ما يجب فيه من الأرش. (215) واختلفوا إذا ادعى رجل على امرأة أنه تزوجها. فقال الشافعي إذا ادعى رجل أنه نكح امرأة لم تقبل دعواه حتى يقول نكحتها بولي مرشد وشاهدين عدلين. ورضاها. (216) قال: وكذلك المرأة إذا ادعت أنه تزوج بها.

باب: الإقرار

[24] باب: الإقرار (217) قال: ولا اختلاف بين أهل العلم أن كل بالغ رشيد أقر لغيره بالمال في مجلس القاضي أو غيره. إن ذلك لازم إذا كان قبل الترافع والتخاصم. (218) واختلفوا إذا أقر في غير مجلس القاضي بعد الترافع والخصومة ثم أنكر وشهد على إقراره بذلك شاهدا عدل. فقال الشافعي: الإقرار لازم في مجلس القاضي وغير مجلسه وقبل الترافع إلى القاضي, وبعده سواء. وكذلك قاله الكوفي. وقال: ابن أبي ليلى: لا إقرار لمن خاصم إلا عندي ولا صلح لهما.

(219) واتفق الشافعي والكوفي: أن رجلًا لو أقر لرجل في مجلس القاضي بألف. ثم أقر في مجلس ثاني بألفٍ أو بخمس مائة. إنه ألف واحد. وإن القليل داخل في الكثير. وكذلك لو أقر له في موطنين. فأقر له يوم الجمعة بألف, يوم السبت بألف إذا كان شهود الجمعة هم شهود يوم السبت. (220) واختلفا إذا كان شهود يوم الجمعة غير شهود يوم السبت. فمذهب الشافعي: أن ذلك ألف واحد, وإن رام المشهود له يمين المشهود عليه في ذلك حلفه ماله عليه ألفان, ولا أكثر من ألف واحد. قلته تخريجًا على مذهبه. وقال الكوفي إن ذلك ألفان. فإن رام المشهود عليه يمين المدعي أن هذا الألف غير ذلك الألف حلف. وكذلك اختلفا لو قرئ عليه صكان في مجلس القاضي كل واحد منهما مكتوب فيه ألف درهم. فأقر بذلك فمذهب الشافعي: أن القول قول المقر في ذلك مع يمينه أنهما ألف واحد. ولا يكون ذلك إقراراً بألفين. قلته تخريجًا على ما قال في المسألة الأولى لو أقر يوم الجمعة

بألف, ويوم السبت بألف واحد, وقال الكوفي: لزمه ألفان. واختلاف الصكين كاختلاف المالين. أرأيت لو أقر له في مجلس بألف درهم, وأقر له في مجلس آخر بألف دينار. (221) واختلفا أيضًا إذا شهد عليه شاهدان على صكين في كل واحد منهما ألف درهم. فمذهب الشافعي في ذلك كله أن القول قول المقر. مع يمينه ولا يلزمه إلا ألف واحد. وقال الكوفي: إذا كانت الشهادة على صكين أو شهد عليه شاهدان من غير صح أنه أقر له يوم الجمعة بألف درهم, وشهد آخرون أنه أقر له يوم السبت بألف درهم. كان كاختلاف المالين. (222) واختلف قول الشافعي والكوفي: لو شهد على إقراره شاهدان بألف درهم, وشهد آخران بخمس مائة. وشهد آخران عليه بألف وخمس مائة. فقياس قول الشافعي أنه لا يلزمه إلا ألف وخمس مائة. وقال الكوفي عليه ثلاث آلاف. وقال لأنه من قبل نفسه أتي. (223) اتفق الشافعي والكوفي: في هذه المسائل كلها لو كان الألف منسوبًا إلى أنه من ثمن عبد: ذكره باسمه وجنسه, وعلمه أنه لا يلزم في ذلك

كله إلا ألف واجد واتفقا أنه إن كان أخذ الألفين منسوبًا إلى ثمن عبد رومي والآخر إلى ثمن عبد حبشي إن ذلك ألفان في هذه المسائل كلها. (224) واتفق الشافعي والكوفي أن هذا الإقرار في الجراحات والتزويج لو كان في موطنين. وعلى كل موطن شاهدان غير الآخرين. إن ذلك جراحة واحدة. وتزويج واحد, وذلك أن يُقر رجل في موطن أنه تزوج بابنة فلان لرجل, سماه على ألف درهم, وأنها ماتت. وأقر في موطن آخر أنه تزوج بابنة فلان وسمي ذلك الرجل. بألف درهم, وأنها ماتت عنده. وادعى الأب أنه تزوج بابنته. ثم بأخرى. كان القول قول المقر أنها ابنة واحدة. وسواء سمى الإبنة أو لم يسمي. إلا أن يسمى اسمين مختلفين. (225) وكذلك لو أقر أنه قتل عبدًا لفلان بن فلان, أو ابنًا له. وسمي العبد والابن, أو لم يسمه. ثم أقر بمثل ذلك في موطن آخر, وشهد عليه في موطن شاهدان إن ذلك على عبد واحد, وابن واحد ما لم يسم اسمين مختلفين. قال الكوفي: ولا يشبه هذا الإقرار بالمال والغصب والوديعة والمضاربة. (226) قال: ولو أتى الطالب بصك على إقرار بألف وأتى المطلوب بصك على إقرار الطالب أنه أبرأه من ألف, ولم يكن في الصكين تاريخ. أو

كان تاريخهما سواء, أو كان أحدهما مؤرخًا, والآخر غير مؤرخ. أو كان تاريخ البراءة متأخرًا. ففي ذلك كله صك البراءة أولى, ولا يلزمه المال إلا أن يكون تاريخ الصك بالإقرار متأخرًا. فيلزمه حينئذ قاله الكوفي نصًا. وقلته على مذهب الشافعي تخريجًا على أصله في تخريج الأخبار والشهادات. أنه قد صح ألف. وصح برأة ألف. فلا يلزم المال. (227) واتفقا جميعًا في رجل ادعى على رجل ألفي درهم وأقام شاهدين, فشهد أحدهما على إقراره بألف وشهد الآخر بألف وخمس مائة. إن الألف قد وجب بشهادتين. (228) واختلفا فيما زاد على الألف. فمذهب الشافعي أن يقال للطالب: إن حلفت مع شاهديك حكمنا لك بخمس مائة. ومذهب الكوفي: أن ذلك غير لازم. إلا أن تتم الشهادة برجل آخر, أو شهادة امرأتين. (229) واختلفا أن لو شهد أحدهما بألف. والآخر بألفين. فقال الشافعي: يحكم له بألف بشهادتهما. وإن حلف مع شاهده الآخر قضينا له بالألف الأخرى. وقال الكوفي: لا يحكم له بشيء, قد اختلفت الشهادة. وقال أبو يوسف: قد اتفقت الشهادتان في ألف فيحكم به. ولا يحكم بشاهد ويمين في

الألف الأخرى. وبه قال ابن أبي ليلى. (230) وإذا ادعى رجل على رجلٍ مالًا, فقال: المدعى عليه قبل أبرأني من هذه الدعوى. لم يكن إقرارًا. لا اختلاف فيه. (231) واختلفوا لو قال: قد أبرأني من هذا المال. فجمهور أصحاب الكوفي, وجمهور أصحاب الشافعي: أن ذلك إقرار. وهو الصحيح عندي, على مذهب الشافعي, قلته تخريجًا. وذلك أني لا أعلم بين أصحابنا خلافًا أن رجلًا لو قال: والله لأبرئن اليوم فلانًا من مال. إنه لا يبر في يمينه حتى يبرئه من مال عليه. (232) واتفقا في أن رجلا لو ادعى على رجل. مالًا. فقال: المدعى عليه أتزن إن ذلك ليس بإقرار. واختلفا فيه إن قال: المدعى عليه أتزنه. فمذهب الشافعي: أن ذلك ليس بإقرار. قلته تخريجًا. وذلك أنه لم يجعل طلب الصلح, وأخذ العوض على ذلك إقراراً. وجعل الصلح على

الإنكار باطلًا, وقال في أول باب الإقرار الذي أبني عليه الإقرار أني ألزم اليقين ويطرح الشك, ولا أستعمل الغلبة. وقال الكوفي: هذا إقرار. وكذلك عندهما. لو قال المدعى عليه خذه. كان كقوله أتزنه. وكذلك عندهما إذا قال: انتقده. ألزمه الكوفي وأبى ذلك الشافعي. (233) واتفقوا في أن المطلوب لو قال لك على ألف إلا عشرة. إنه يحكم به, كما قال, والاستثناء مقبول. (234) واختلفوا: لو قال لك على ألف إلا مائة. فقال الشافعي والكوفي: هو كما قال. وقال مالك بن أنس لا أقبل الاستثناء, وألزمه ألفًا. وكذلك عنده لو قال مائة إلا عشرة. لم يقبل الاستثناء. وكذلك عنده عشرة إلا درهم لم يقبل. ولو قال مائة إلا درهم قبل. (235) واتفق الشافعي والكوفي وأبو يوسف: في رجل قال لفلان علي دينار إلا درهم. أو دينار إلا مد حنطة. إن الاستثناء مقبول ويحط من

الدينار بمقدار قيمة درهم, ومقدار قيمة مد من حنطة, ويلزم الباقي. والقول قول المقر في مقدار قيمة الاستثناء مع يمينه. وهكذا كل ما استثنى من غير جنسه من المكيل, والموزون. (236) واختلفوا إذا استثنى غير مكيل, ولا موزون. فلو قال لفلان علي ألف إلا درهم إلا ثوبًا هروبًا أو شاة أو بعيرًا. فأجاز الشافعي الاستثناء في ذلك على ما وصفت. وقال الكوفي: وأبو يوسف الاستثناء في ذلك باطل. وإنما يستحسن ذلك في المكيل والموزون, والعدد. يعني كالبيض والجوز. وقال: أبو ثور وزفر ومحمد بن الحسن: الاستثناء من غير جنسه في ذلك كله باطل, والإقرار لازم.

باب: وجوب اليمين على المدعى عليه

[25] باب: وجوب اليمين على المدعى عليه (237) حدثنا إبراهيم بن موسى الجوزي. حدثنا الفصل بن يعقوب. حدثنا بن السكن. أخبرنا نافع بن عمر الجميحي. عن ابن أبي ملتكة. عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «البينة على المدعي, واليمين على المدعى عليه». (238) قال: ولا خلاف بين أهل العلم في قبول هذا الحديث,

ووجوب اليمين على المدعى عليه, إن لم يكن للمدعي بينة حاضرة. (239) واختلفوا في ذلك: إذا قال المدعي إن له بينة حاضرة. ورام استحلافه. فحلفه الشافعي. وبه قال أبو يوسف. لأن اسم المدعى عليه لازم. وإن كانت البينة حاضرة وأبي الكوفي أن يحلفه إذا كانت للمدعي بينة حاضرة, لا جماع الجميع أن البينة أولى من اليمين وأؤكد. (240) وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعرض اليمين على المدعى عليه إلا بعد طلب البينة من المدعي, واحتجوا بحديث. حدثنا إبراهيم بن إسباط, حدثنا عثمان بن أبي شيبة. حدثنا أبو الأحوص. عن سماك بن حرب. عن

علقمة بن وائل عن أبيه. قال جاء رجل من حضرموت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجل من كنده. فقال الحضرمي يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض, يزرعها ليس له فيها حق. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألك بينة؟ قال: لا. قال: فيمينه إذا. قال يا رسول الله إنه رجل فاجر ليس يبالي ما حلف عليه, ليس يتورع من شيء. قال: ليس لك منه إلا ذاك قال: فتهيأ ليحلف له. قال: أما أنه إن حلف عليه ليأكله ظلمًا لقي الله يوم القيامة وهو عنه معرض».

باب: موضع اليمين

[26] باب: موضع اليمين (241) قال: لا خلاف بين أهل العلم في أن القاضي حيث استخلف المدعى عليه في عمله, وبلد قضائه جاز له, وإن حلفه في غير عمله لم يعتد به. (242) واختلفوا في موضع الاختيار له, فقال الشافعي: إذا كان الحق عشرين دينارًا أو قيمتها, أو دما أو جراحه عمدٍ فيها قود ما كانت صغرت أو كبرت, أو لعانًا أو حدًا أو طلاقًا, وكان ذلك بمكة, وحلفه بين البيت والمقام, وإن كان بالمدينة حلفه, والحالف على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان في بيت المقدس, في مسجدها. وإن كان ببلد آخر ففي مسجده يعني الجامع, وأحب إلي لو حلفه بعد العصر. وقد كان من الحكام من يستحلف على المصحف, وذلك عندي حسن. وكل مسلم بالغ في ذلك سواء ذكرًا كان أو أنثى حرًا كان أو عبدًا. ويحلف الكافر حيث يعظم من المواضيع التي يعرفها المسلمون.

(243) قال: وإن كان الحق أقل من عشرين دينارًا. أو قيمتها أو كان جراحًا خطأ وأرشها أقل من عشرين دينارًا, حلف في المسجد. أو في مجلس الحكم. وقال في كتاب القديم: يحلف النساء بحضرة الحاكم. إلا امرأة لها عذر, من زمانة, أو مرض, أو نساء من أهل الشرف لا تخرج. وقال أبو العباس فإذا أراد القاضي استحلافها في منزلها. بعث إليها عدلين من ثقاته يعرفانها, ويقرأ عليها المحضر, وكيف جرى عند القاضي حتى تتوجه اليمين عليها. فإن لم يعرفها ثقة القاضي. أحضرها عدلين. يعرفانها بعينها, فتحلف سافرة عن وجهها بحضرة عدلين يعرفانها ويثبتانها بعينها, ونسبها. وإن كان ذلك في مجلس القاضي. حلفت متنقبة بعدما يشهد عدلان أنها فلانة بنت فلان بن فلان.

باب: كيفية اليمين

[27] باب: كيفية اليمين (244) قال: اتفق الشافعي والكوفي وصاحباه على أن لا يقبل القاضي يمين الحالف في الحكم إن حلف قبل أن يستحلفه القاضي. لحديث حدثنا به إبراهيم بن موسى وأحمد بن هاشم قالا: حدثنا الحسين بن م حمد الزعفراني. حدثنا محمد بن إدريس الشافعي. حدثنا عمي محمد بن علي بن الزعفراني. حدثنا محمد بن إدريس الشافعي. حدثنا عمي محمد بن علي بن الزعفراني. حدثنا محمد بن إدريس الشافعي. حدثنا عمي محمد بن علي بن شافع, عن عبد الله بن علي بن السائب. عن نافع بن عجير بن عبد

يزيد. أن ركانة بن عبد يزيد. طلق امرأته سهيمة البتة. ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني طلقت امرأتي سهيمة البتة ووالله ما أردت إلا واحدة, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: والله ما أردت إلا واحدة. فردها إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وطلق الثانية في زمن عمر. والثالثة في زمن عثمان. (245) واتفقوا أن القاضي كيف ما استحلف المطلوب بالله أجزأ. (246) واختلفوا فيما الاختيار. فقال مالك والأوزاعي.

ليحلفه والله الذي لا إله إلا هو. وقال الشافعي والكوفي يحله. والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية. ثم ينسق اليمين عليه. وقال: الليث بن سعد يحلف بالله لا يزاد عليه. (247) واتفق قول الشافعي الكوفي على أن يحلف المشركون وأهل الذمة بما يعلم من كتبهم. مثل قوله: والله الذي أنزل التوراة على موسى, وبالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى وما أشبه هذا ولا يحلفون ما يجهل معرفته المسلمون. واختفا ابن يحلف. فقال الشافعي يحلف حيث يعظمون. وبحضرة من أهل دينه من يتوخا الحالف بحضرته إن كان خاينًا لتكون أشد لتحفظه إن شاء الله عز وجل. وقال الكوفي: لا يبعث منهم أحدً إلى بيعة, ولا كنيسة, ولا بيت نار.

باب: عدد اليمين في القتل

[28] باب: عدد اليمين في القتل (248) قال الشافعي في كتاب القسامة والإيمان في الدماء كلها مخالفة لها في الحقوق, وهي في جميع الحقوق يمين, وفي الدماء كلها مخالفة لها في الحقوق, وهي في جميع الحقوق يمين, وفي الدماء كلها خمسون يمينًا. وقال في كتاب جراح العمد: لو ادعى عليه أنه قتل أباه عمدًا. وقال المدعى عليه: بل خطأ. فالدية عليه في ثلاث سنين يعد أن يحلف ما قتله إلا خطأ. ولم يأمر بخمسين يمينًا. وقال المزني: وهذا أصح القولين. وقال الكوفي وصاحباه: الإيمان كلها في غير القسامة يمين واحدة. وفي القسامة خمسون.

باب: ما لا يجب مع اليمين

[29] باب: ما لا يجب مع اليمين (249) قال: اتفق الشافعي والكوفي وصاحباه على أن لا يمين في حد الزنا ولا شرب خمر إلا في خصلة واحدة. (250) واختلفوا فيها وهو أن يُقر بما يوجب الحد, ويدعي الشبهة. فقال الشافعي في كتاب اختلاف العراقيين وإذا أصاب الرجل جارية أمه. وقال ظننتها تحل لي. أحلف ما وطئها إلا وهو يراها حلالًا. ثم درئ عنه الحد, وأغرم المهر. ولا أقبل هذا إلا ممن يمكن أن يجهل. فأما من أهل الفقه فلا. وقال الكوفي: إذا وطئ الرجل جارية أمه. وقال: ظننت أنها تحل لي.

درئ عنه الحد, وعليه المهر. (251) واختلفا في اليمين في حد القذف بعد اتفاقهما أن لا حد فيه إلا بمطالبة المقذوف. فخلفه الشافعي إذا أنكر القذف وأبى ذلك الكوفي وصاحباه. (252) واتفق الشافعي والكوفي وصاحباه في كل شتم وضرب يوجب التعزير, أنه يحلف. فأما الشفاعي. فإنه قال يحلف ما شتمه هذا الشتم ولا ضربه هذا الضرب الذي يدعيه. وحكى الخصاف عن أبي حنيفة أنه قال: يحلف ماله عليه هذا الحق الذي ادعاه. (253) واختلفوا فيما عدا ذلك. فمذهب الشافعي في ذلك أن كل حق لبني آدم ادعى على رجل, وكان لا يتوجه عليه بإقراره حكم من القاضي إذا اعترف لم يلزمه يمين إذا أنكر. (254) وإن كان يجب بإقراره حكم إذا أقر لزمه اليمين إذا أنكر إلا في مواضع إنا ذاكرها. فمن ذلك القاضي إذا عزل فجاء رجل يدعي أنه حكم عليه أيام قضائه بباطل ظلما. وادعى قيمة ما أتلف عليه بحكمه. فإن أقر به

القاضي لزمه. وإن أنكر فلا يمين عليه. قاله الشافعي والكوفي نصًا. وكذلك لو ادعى عليه أنك قتلت ولدي أيام قضائك عمدًا. فقال: قتلته لما وجب عليه من القصاص, وتوجه عليه قضائي. وأنكر المدعي أن يكون بقضائه قتله. كان القول قول القاضي, ولا يمين عليه, قلته تخريجا. (255) قال: القاضي أبو علي يلزم القاضي في ذلك البينة كما لو ادعى عليه أيام قضائه, إلا أن يدعي المدعي أنه قتله أيام قضائه بحكم ظلمٍ. فالقول قوله, ولا يمين عليه. (256) قال: وكذا الشاهد إذا حكم القاضي بشهادته بطلاق أو قتل, أو عتاق. فادعى المحكوم عليه على الشاهد أنه شهد عليه في ذلك بزور. فإن أقر به الشاهد أخذ بإقراره. وإن أنكر. لأم يكن عليه يمين. قلته تخريجًا. (257) وكذا الشاهد إذا أقر على نفسه بما يخرجه قبل إنفاذ الحكم بطلت شهادته. وإن رام المشهود عليه يمينه بذلك لم يحلف. ولو أقر الوكيل في دارٍ. أوشي بعينه ادعى أن ذلك للمدعى عليه, وأن لا حق فيه لموكله. خرج من

الخصومة بإقراره. قاله ابن سريج تخريجًا. وإن رام المدعى عليه يمين الوكيل في ذلك لم يحلف. قلته تخريجًا. لأن الشافعي قال نصًا ليس على الوصي. يمين إذا لم يكن وارثًا. وكذلك لو أقر الوكيل بالعزل لزم الإقرار. ولو أراد المدعى عليه استحلافه ثانيًا. فلا يتوصل إلى حكم بالوكيل أبدًا. (258) وكذلك الوصي وولي المحجور, والمقيم مثل الوكيل في هذه المسائل كلها. ولو أقر الأب أن ابنه الصغير الذي في حجره قد صار بالغًا رشيدًا. خرج من خصومة من رافعه القاضي عن ابنه وإن رام المدعى عليه استحلاف الأب على ذلك والأب منكر لم يحلف وكذلك كل من ادعي عليه أنه بالغ فأقر والحال مشتبه قبل, وإن أنكر. قال الشافعي: فالقول قوله. يعني بلا يمين عليه لأنه لو حلف بحكم بصغره, وإبطال يمينه. ولو أن امرأة ادعت على زوجها أنه ارتد عن الإسلام. فإن كان ذلك قبل الدخول حلف الرجل إذا أنكر أن يكون ارتد, وإن كان ذلك بعد الدخول سأل القاضي المرأة هل انقضت عدتها منذ ارتد. فإن قالت

نعم فإني كنت حاملًا فأسقطت. أو قالت قد ارتد منذ أشهر. وقد مضى له ثلاثة قروء. حلف الرجل. ولو قالت المرأة ما انقضت عدتي بعد. لم يحلف الرجل أنه ما ارتد عن الإسلام. وقيل له قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وإنك بريء من كل دين خالف الإسلام. فإن أبى حبس, ومنع من وطئ امرأته. ولو أقر بما ادعت المرأة عليه من الردة أخذ بإقراره. قلته تخريجًا. لأن الشافعي قال: ولو ادعى على رجل أنه ارتد هو. وهو منكر لم أكشف عن الحال. وقلت له قل اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنك بريء من كل دين خالف الإسلام, ولو مر الساعي برجل له مواشي, فطالبه بالصدقة, فإن أقر بحلول الحول, ووجوب الصدقة عليه لزم الإقرار وأخذت منه الصدقة. فإن قال رب المال لم يحل الحلول عليها, أو قد أديت صدقتها إلى المساكين قبل قوله ولا يمين عليه إلا أن يكون متهمًا فيحلف. قال: الشافعي رحمه الله نصًا. وإن قال قد أديتها إليك من قبل هذا اليوم حلفه. لأنه متهم. وكذلك القول في كل حق يجب لله في مال مسلم

من خمس ركاز أو معدن أو غير ذلك. قلته تخريجًا. وكذلك الساعي لو طالبه الحاكم, أو المساكين بما أخذ من أرباب الزكاة. فقال: لم أخذ منهم شيئًا. كان القول قوله, ولا يمين عليه. وإن أقر بأخذ لزمه الإقرار. ولو زوج الوليان امرأة كل واحدٍ رجلًا. ولم يعلم أيهما أولى. وادعيا أن المرأة تعلم. وقالت لا أعلم. أحلفت أنها ما تعلم. ولو كاتن خرساء, أو خرست بعد التزويج لم يكن عليها يمين, وفسخ النكاح. هذا نص قوله في كتاب تحريم الجمع. (259) قال أبو العباس تفريعًا. لو أقرت بالإشارة أيهما الأول لزمها الإقرار. وكان الكوفي: لا يحلف في سبعة عشر موضعًا. فقال لا يمين في النكاح سواء ادعى الرجل على المرأة, أو ادعت المرأة على الرجل. إلا أن تدعي مع ذلك قهرًا, أو نفقةً, ولا يمين في الرجعة, أيهما ادعى ذلك على صاحبه, ولا في الولاء. وفي الرق إن ادعى على رجلٍ أنه مملوكه, أو ادعى على امرأةٍ أنها مملوكة, وأنكر المدعى عليه ذلك لم يحلف: ولا يمين في النسب, إلا أن يدعي إرثًا في يده, أو نفقةً على ولدٍ, أو والد, أو ذي رحمٍ

محرم. ولا يمين في الإيلاء إذا ادعى المولي أنه فاء إليها, فأنكرت المرأة ذلك وفي الأمة تدعي على سيدها أنه وطئها فاستولدها. (260) وإن ادعي على رجلٍ أنه وكيل فلانٍ أو وصي فلان, فأنكر المدعى عليه أن يكون وكيلًا, أو وصيًا لم يحلف على ذلك, وكذلك لو أقر بالوصية, والوكالة, وأنكر المدعى في المال لم يحلف على ذلك, وكذلك لو ادعى رجلان على رجل سلعة أو شيئًا بعينه فأقر به لأحدهما, ورام الآخر يمينه, ما هذه السلعة له. لم يحلف للآخر, ولم يكن خصمًا له, وقيل للمدعي خاصم المقر له. ولو ادعى رجل عليه شيئًا بعينه فأقر أنه لابنه الصغير في حجره. لم يحلف. وكان خصمًا عن ابنة الصغير, ولو ادعى رجل على رجلٍ شفعة في دار حدها. فقال المدعى عليه هذه الدار لابني الصغير في حجري وما اشتريتها. لم يحلف. وكذلك لو قال هي لولدي الصغير واشتريتها له لم يحلف. ولم يحكم للمدعي إلا أن يقيم بينة. ولكن لو قال اشتريتها لولدي الصغير كان إقرار بالشفعة. ويحكم بها. نص على ذلك عنه الخصاف في كتاب أدب القاضي. وإن ادعى رجلان امرأة كل واحد منهما أنها زوجته فأقرت لأحدهما بالزوجية, لم تحلف للآخر. وفي الحدود كلها إلا حد السرقة. لتعلقه بحق بني آدم. وتحلف عنده فيما

عدا ذلك من الدعاوى. وخالفه في ذلك أبو يوسف ومحمد بن الحسن. وقالا كل من لزمه إقرار إذا أقر لزمه اليمين إذا أنكر. نحو ما قال الشافعي إلا أنهما قد يخالفان الشافعي فيما يلزم من الإقرار, وما لا يلزم به حكم في مسائل أنا ذاكرها. فمن ذلك إذا مات الرجل, وترك مالًا. وخلف ابنين أحدهما صغير, والآخر كبير فجاء رجل يدعي أنه ابن الميت وأن له إرثًا في مال الميت الذي في يد هذا الكبير. فأنكر الكبير ذلك فمذهب الشافعي أنه لا يحلف لأنه أقر لم يلزمه عنده حكم. وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن يحلف. لأنه لو أقر دفع إليه نصف ما في يده في مال الميت. وكذلك لو كانا كبيرين, فأنكرا. لم يحلف واحد منهما عند الشافعي. قلته تخريجًا. وقال أبو يوسف ومحمد يحلفان معًا. فأيهما حلف برئ. وأيهما نكل أعطى نصف ما في يده. ومن أصحاب الشافعي من زعم أنه يحلف الابن الكبير. وذلك إن المدعي يقول: طالبوه باليمين, فلعله أن ينزجر فيقر فأتوصل بذلك إلى يمين الصغير. إذا بلغ. ولو اعترف أحد الأخوين, وأنكر الآخر. وليس للميت وارث غيرهما. حلف المنكر منهما عند الجميع. (261) ولو ادعى رجلان على امرأةٍ أنها زوجته فأقرت بالزوجية لأحدهما, وأنكرت الآخر. قال: أبو حنيفة لا تحلف المرأة. لأنه لا يمين عنده في

النكاح. وقال أبو يوسف ومحمد: لا تحلف المرأة لأنها لو أقرت بها للثاني لم يحكم عليها بشيء. وللشافعي قولان: هذا أحدهما لا تحلف وهو الأصح. لأنه قال في كتاب الجديد. لو [أقرت للثاني] لم يلزمهما حكم. والقول الثاني أنها تحلف. لأنه قال في كتاب القديم: لو أقرت بالزوجية للثاني لم يحكم بها له, ولكن يلزمنها للثاني مهر مثلها. ولو ادعى رجلان على رجل سلعة. فأقر بها لأحدهما, ورام الآخر يمينه ما هذه السلعة له. لم يحلف في قول الشافعي والكوفي وأبي يوسف ومحمد. لأنه لو أقر بها للثاني لم يلزم بإقراره حكم. وللشافعي قول آخر في القديم كما وصفت يحلف. لأنه لو أقر للثاني لزمه قيمة السلعة وقد بينت هذه المسألة في باب اليمين على البت بأكثر من هذا.

باب: ما يجب في اليمين على العلم لا على البت

[30] باب: ما يجب في اليمين على العلم لا على البت (262) حدثنا إبراهيم بن موسى. حدثنا هارون بن عبد الله. حدثنا الفضل بن ذكين. حدثنا الحارث بن سليمان الكندي. حدثنا كردوس الثعلبي. عن الأشعث بن قيس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أن رجلًا من كندة ورجلًا من حضرموت اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أرض باليمن. فقال الحضرمي أرضي اغتصبها أبو هذا. فقال للكندي ما تقول, قال: أقول إنها أرضي, وفي يدي ورثتها من أبي. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للحضرمي ألك بينة قال: لا. ولكن حلفه يا رسول الله ما يعلم أنها أرضى اغتصبها أبوه. فتهيأ الكندي لليمين. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يقتطع رجلٌ مالًا بيمينه إلا لقي الله حين يلقاه وهو

أجذم. قال: فرده الكندي. (263) فاتفق الشافعي والكوفي وصاحباه أن الدعوى إذا كانت على الميت فالورثة يحلفون على نفي العلم. لا على البت. فإذا ادعى رجل على رجل. قطعة من أرض في يده, أنها له, وإن أباه اغتصب عليها. سأل القاضي المدعى عليه. فإن قال هي لي ورثتها من أبي, وطلب المدعي يمينه حلفه القاضي على أنها ما هي لهذا المدعي, ولا شيء منها. ولا يعلم أن أباه اغتصبها. وإن قال المدعى عليه هي أرضي, وفي يدي, ولم يقل ورثتها من أبي. حلفه القاضي على البت, لا على العلم. وإذا ادعى رجل على رجلٍ أن أباه مات, وأن له عليه ألف درهم, وإنه قد ترك وفاء بذلك. فسأل القاضي المدعى عليه. فأنكر أن يكون له على أبيه هذا الألف, وسأل الطالب استخلافه حلفه القاضي به على علمه أنه لا يعلم أن له على أبيه هذا الألف, ولا شيء منها. قاله الشافعي والكوفي وصاحباه نصًا. وإن أنكر هذا الابن موت أبيه, حلفه بالله على البت ما مات أبوه. قلته على مذهب الشافعي تخريجًا. وقال الكوفي: يحلف بالله ما يعلم أن أباه مات. وإن اعترف الابن

بالموت والدين, وأنكر أن يكون أبوه ترك له مالًا, وأراد الطالب استحلافه, حلف على البت بالله ما وصل إليه ما مال أبيه ما فيه وفاء لهذا الدين, ولا شيء منه من عين ولا غيره, قلته تخريجًا على مذهب الشافعي. وقال الخصاف عن أصحاب الكوفي نصا. (264) وإن أقر بالموت, وأنكر الدين والمال, فطلب المدعي يمينه في الدين. فقال لقاضي لا تحلفني على الدين. فإن أبي لم يترك لي مالًا, وأنا أحلف أنه لم يترك لي مالًا. فكيف تحلفني بالدين, ولم يخلف من تركته شيئًا. وقال المدعي للقاضي أريد أن أثبت مالي على أبيه. فإن له ودائع كثيرة أتبعها إذا ثبت الدين. فمذهب الشافعي في ذلك أن يحلف الوارث بالله ما ترك أبوه له, ولا يعلم أن له على أبيه هذا الألف, ولا شيء منه, قلته تخريجًا, لما وصفته من بغية الطالب. وكذلك مذهب الكوفي وأصحابه, قاله الخصاف عنهم نصًا. (265) ولو ادعى مالًا على أبيه. فقال المدعى عليه قد أبرئتني من هذا المال. أو قبضته, وأنكر طالب ذلك حلف على البت. قال الشافعي والكوفي نصًا.

ولو قال المدعى عليه قد قبضه مني وكيلك. وأنكر الطالب ذلك. حلف أنه لا يعلم أن وكيله قد قبض منه هذا المال, ولا شيئًا منه, قاله الكوفي نصًا. وقلته على مذهب الشافعي تفريعًا, وذلك أنه قال إن ادعى عليه برأة من حق له أحلفته بالله أن هذا الحق, ويسميه لثابت عليه, ما اقتضاه ولا شيئًا منه, ولا اقتضى بأمره بعلمه ولا أحال به, ولا بشيء منه ولا أبرأه منه, ولا من شيء منه يوجه من الوجوه وأنه الثابت عليه لي. إن حلف بهذا اليمين فحلفه, على ما اقتضاه بأمره, على العلم. وحلفه في الباقي على البت. (266) وإن ادعى رجل على رجل: أن مملوك هذا قتل مملوكًا له قيمته كذا, أو وليًا له, يسمي, فإن ادعى قتل عمد, يحلف العبد دون السيد على البت, أنه ما قتله, قال الشافعي والكوفي نصًا. (267) وإن ادعى قتل الخطأ. حلف السيد على العلم, أنه لا يعلم, أن عبده هذا قتل فلانًا. قلته على مذهبه تخريجًا. لأنه جعل غيره, كاقتضاء الوكيل بأمره حقًا. وكذلك قاله الكوفي وصاحباه نصًا. وكذلك إن ادعى أن مملوكه أتلف له مالًا حلف السيد على عمه في قولهما معًا. ولو أن امرأة لها وليان زوجها كل واحد منهما رجل. فالنكاح للأول منهما. فإن لم يعلم أيهما أول بطل النكاحان معًا. فإن ادعي على هذه المرأة أنها تعلم أيهما الأول. حلفت على علمها أنها لا تعلم الأول منهما قاله الشافعي والكوفي

نصًا. ولو أن رجلًا باع من رجل حيوانًا بالبراءة من كل عيب. فظهر عيب, ورام المشتري رده بذلك العيب. قال الشافعي: يحلف البائع على علمه. لقد باعه, ولا يعلم به هذا العيب. وقال الكوفي: لا يحلف في ذلك, لأن البائع قد برئ من كل عيب. وإن كان فيها. علم به البائع أو لم يعلم. وإن اشترى رجلٌ شقصًا. وله شفيع غير مدرك. فلما طالب بالشفعة بعد البلوغ. ذكر المشتري أن أباك قد ترك لي الشفعة, وأنت صغير في حجره. فإنه يحلف في ذلك على علمه. أنه لا يعلم أن أباه سلم إليه الشفعة. فإذا حلف حكم له بالشفعة. هذا قول الكوفي. ومذهب الشافعي: أنه على شفعته, وإن سلمها أبوه فلا يمين في ذلك عليه. (268) ولو ادعى رجلان وديعة في يد رجل, فادعى كل واحد. منهما أنها له. وقال من في يده الوديعة هي لأحدكما ولا أدري لأيكما هي. قيل لهما هل تدعيان شيئًا غير هذا بعينه. فإن قالا لا ندعي شيئًا غير هذا بعينه. حلف المطلوب على عمه بالله أنه لا يعلم لأيهما هو. ووقف القاضي ذلك لهما جميعًا في يد أمينة. حتى يصطلحا فيه. أو يقيم أحدهما بينةً. وأيهما حلف مع نكول

صاحبه كان له. وإن حلفا معًا ففيها قولان: أحدهما: أن يقسم بينهما. والآخر: أنه موقوف حتى يصطلحا. أو تقوم بينة. قال الشافعي نصًا. وقال الكوفي: إن حلف لهما جميعًا جعلته بينهما نصفين. وإن نكل لهما جميعًا جعلت بينهما نصفين, وغرم لهما مثلها. وإن حلف لأحدهما, ونكل للآخر. دفع إلى الذي نكل, وليس للذي حلف شيء. (269) ولو ادعى رجل على رجل أن لأبيه عليه ألفًا, وأنه مات ولا وارث له غيره. فذكر المدعى عليه [أن أباه] قد استوفى ذلك منه, أو أبرأه قبل الموت. حلف ما يعلم أن أباه استوفى ذلك أو أبرأه. قاله الشافعي في الاستيفاء نصًا وقلته في الآخر تخريجًا. وقال الكوفي فيهما جميعًا نصًا. ولو ارتهن من رجل عبده, وقبضه, فجاء, رجل فادعى أن هذا العبد جنى قبل الرهن جناية خطأ, وطالب بالأرش, فصدقه الراهن على ذلك. قال الشافعي ففيها قولان: أحدهما: أن القول قول الراهن. فيباع العبد في جنايته, ويكون حق المرتهن في ذمة الراهن.

والقول الثاني: إن المرتهن يحلف بالله على علمه أنه لا يعلم أن هذا جنى قبل أن يرهنه, فإذا حلف كان العبد مرهونًا وفي مطالبة السيد بما أقر من الجناية قولان: أحدهما أن على السيد الأقل من قيمته وأرش جنايته. والآخر: لا شيء عليه. إلا أن يفك العبد من الرهن, ويعود إليه, بإقراره الأول. وقال الكوفي: يحلف المرتهن على علمه بالله ما يعلم أنه جنى قبل أن يرهنه. فإذا حلف فلا شيء على السيد حتى يفك العبد من الرهن. ويعود إليه. فيؤخذ بإقراره الأول. ولو أن رجلًا اشترى من رجل دارًا فجاء رجل فادعى أنها له ورام يمين من في يده الدار. فمذهب الشافعي والكوفي أن يحلف المشتري على البت على دعواه. وقال ابن أبي ليلى على العلم ما لا أعلم أن هذه الدار لك وشيئًا منها. فإن قال المدعي هذه الدار اشترتها من فلان البايع قبل أن تشتريها منه. فمذهب الشافعي والكوفي وابن أبي ليلى أن يحلف على العلم ما يعلم أنه اشتراها من لان قبله. قاله الكوفي وابن أبي ليلى نصًا. وقلته على مذهب الشافعي تخريجًا على المسألة الأولى.

باب: صفة اليمين على البت

[31] باب: صفة اليمين على البت (270) اتفق الشافعي والكوفي أن القاضي يستقضي في اليمين على من استحلفه ليلًا ليحتال فيه, أو بتأول. فلو أن رجلًا ادعى على رجل, دارًا وضيعه. قيل له سم ما تدعي, وسم موضعه, وبلده, واذكر حدوده الأربعة. ثم يحلفه بالله ما هذه الضيعة, ولا هذه الدار التي سماها, وحدها لفلان. هذا في يدك. ولا شيء منها, ولا له قبلك حق منها. قلته على مذهب الشافعي تفريعًا. وقاله الخصاف عن الكوفيين نصًا. وزاد فيه ولا حق له فيها ولا بسببها. وإن ادعى عليه أنه اشترى منه هذه الدار بحدوده, وسمى الثمن, وأنكر المدعى عليه ذلك. نظر القاضي

في إنكاره وجوابه. فإن قال هي لي, وفي يدي ليس له فيها شيء, ولم يقل ما بعتها منك. كان جوابًا لدعواه. وكان الجواب في صفة يمينه كالجواب في المسألة الأولى. (271) وإن قال هي لي. وفي يدي ما بعتكها. فالذي سمعت أصحابنا يقولون على المذهب الشافعي أن يحلف بالله ما هي له على ما ادعاه من البيع بالثمن الذي ذكره. وذلك أن الشافعي قال: لو قال المدعي حلفه ما اشتريت هذه الدار التي في يده منه ولا ملكتها. لم أحلفه. لأنه قد يملكها. وتخرج من يده. وإن كان قد ادعى تسليمها عليه زاد في يمينه, ولا عليه تسليمها بالشراء الذي ادعاه. وقال أبو يوسف. حلفته بالله ما بعته ذلك بهذا الثمن الذي ادعاه. فإن قال المدعى عليه للقاضي قد يبيع الرجل الشيء ثم يرجع إليه بإقالة, أو فسخ بيع, أو بوجه من الوجوه. وأنا أكره أن أقر عندك بشيء ليلزمني به حكم. وعرض للقاضي بشيء من هذا. فإنه يستحلفه بالله ما بيني وبينك وبين هذا بيع قائم الساعة فيما ادعاه. وقال الحسن بن زياد أحلف المدعى. وإن شاء أحلفه بالله ما هذه الدار بيدي له هذه الساعة بما ادعى من الثمن. وإن شاء الله أحلفته بالله ما

هذا البيع الذي ادعاه عليك في هذه الدار قائم هذه الساعة بهذا الثمن على ما ادعاه. (272) واختلفوا إن ادعى مملوك على سيده أنه أعتقه وأنكر السيد عتقه. فقياس قول الشافعي أن يحلف السيد بالله ما أعتقه على ما ادعاه عبدًا كان أو أمة, مسلمًا كان أو ذميًا. وقال الكوفي إن كان المملوك أمة حلفت السيد بالله ما هي حرة بما تدعي من العتق. لأن الجارية المسلمة عنده لو ارتدت بعد الحرية, ولحقت بدار الحرب. فسبيت واسترقت لم تقتل, وليس كذلك الغلام. (273) قال: وإن كان عبدًا نظر القاضي. فإن كان مسلمًا أحلفه بالله ما أعتقه على ما ادعاه وإن كان العبد ذميًا أحلفه بالله ما هو حر بما يدعي من العتق. (274) واختلف الشافعي والكوفي في اليمين في النكاح. فمذهب الشافعي أن يخلف الرجل في دعوى المرأة إذا ادعت أنها زوجته بالله ما هذه امرأتك بهذا النكاح الذي ادعت. وإن ادعت مع ذلك صداقًا. ولا لها عليك هذا الصداق الذي ادعت, وهو كذا وكذا ولا شيء منه, وتحلف المرأة بالله ما هذا زوجك بهذا النكاح الذي ادعاه. وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن

وقال الكوفي, لا يحلف القاضي النكاح, إلا أن تدعي المرأة مع ذلك صداقًا. وإن كانت الدعوى في مال في الذمة, أحلفه بالله ما لفلان هذا عليك, ولا قبلك, هذا المال الذي ادعاه, وهو كذا وكذا ولا شيء منه, ولا يحلفه ما استقرضت منه هذا المال ولا غصبته لا اختلاف بنيهما في ذلك, وإن كانت الدعوى في وديعة أحلفه بالله ما هذا المال الذي ادعاه في يدك وديعة ولا عندك, ولا شيء منه, ولا له قبلك حق بسببه لأنه إن كان قد استهلكه فقد لزمه ضمانه ولا يحلفه القاضي بالله ما أودعك هذا المال لا اختلاف بينهما في ذلك, وإن كانت الدعوى في إجارة أحلفه بالله ليس بينك وبينه أجرة قائمة في هذا الذي ادعاه. فالأجرة التي وصفها لازمة اليوم ولا له قبلك حقًا بالإجارة التي ادعاها لا اختلاف بينهما في ذلك. (275) واختلفا إذا كانت الدعوى في دم. فقال الشافعي: يحلف بالله ما قتل فلانًا. ولا أعان على قتله, ولا ناله من فعله. ولا تسبب فعله بشيء جرحه, ولا وصل إلى شيء من بدنه لأنه قد يرمى, فيصيب شيئًا, فتطير الذي أصابه فتقتله ولا أحدث شيئًا مات منه فلان لأنه قد يحفر البئر ويضع الحجر فيموت منه.

(276) وحكى الخصاف عن أبي حنيفة أنه قال: إن ادعى أنه قتل ابنه, أو وليه أحلفه القاضي بالله ما له عليك دم ابنه. لأنه قد يقتل ابن الرجل فيعفو عنه ويصالحه عن شيء أو يكون قتله بأمر استوجب به القتل من قصاص, فإن ادعى أنه قتل وليه خطأ أو ادعى عليه شيئًا يجب فيه دية أو إرش استحلفه بالله ما لفلان عليك هذا الحق الذي ادعاه من هذا الوجه الذي ادعاه ولا شيء منه ولا يسمى الدية والأرش عند اليمين, وقال أبو يوسف: كل حق يجب على غير المدعى عليه مثل قتل الخطأ والشجة خطأ وكل ما يجب من الجناية على العاقة أحلفته بالله ما قتلت ابن فلان هذا, وفي الشجة ما شججت هذا هذه الشجة لأني لا أمن أن يتأول إن الحق فيه على العاقلة لا عليه فيحلف عند نفسه صادقًا وما كان يجب عليه أحلفته على ما فسرنا وإن ادعت امرأة على زوجها أنه حلف بطلاقها, فقال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق مني ثلاثًا, وادعت أنه قد دخل الدار سأل القاضي زوجها فإن قال الزوج: ما حلفت بهذه اليمين, ولا دخلت هذه الدار. فمذهب الشافعي: إن

القاضي يحلف الرجل بالله ما قلت لها إن دخلت الدار فأنت طالق مني ثلاثًا على ما ادعت ولا بانت هي منك بثلاث تطليقات على ما ادعت. قلته تخريجًا لأني لا أمن أن يتأول على مذهب قوم في ثلاث تطليقات بلفظة واحدة أنها لا تقع. وقال الكوفي: يحلف بالله ما هذه المرأة باينة منك بثلاث تطليقات على ما ادعت. وإن قال الزوج ما حلفت بهذه اليمين. فأما الدار فقد دخلتها. وقال الشافعي: أن يحلفه بالله ما قتلت لها أن دخلت النار, فأنت طالق ثلاثًا على ما ادعت قبل دخولك الدار, ولا بانت فلانة هذه منك بثلاث تطليقات على ما ادعت قلته تخريجًا. وقال الكوفي: أحلفه بالله ما حلفت بطلاقٍ امرأتك هذه قبل أن تدخل الدار أن لا تدخل الدار. (277) وإن ادعت امرأة على زوجها أنه قال لها: أنت طالق مني ثلاثًا, وأنكر الزوج ذلك, وذكر أنها امرأته أحلفه القاضي بالله ما قلت لها أنت طالق مني ثلاثًا في هذا النكاح الذي تذكر أنها امرأتك. قلته على مذهب الشافعي تخريجًا. وقال أبو حنيفة: أحلفه بالله ما هي مطلقة منك ثلاثة بما

ادعت. فإن أهملت المرأة صفة الطلاق كيف جرت على لسان الزوج, فادعت أنه طلقها ثلاثًا فالذي يجب على مذهب الشافعي لما ذكرت من الاحتراز أن يسألها القاضي عن وجه الطلاق ثم يستحلف الرجل على ذلك كما وصفته وكان الكوفي لا يستكشف عن ذلك ويحلف الزوج أنها امرأته ما هي مطلقة منه ثلاثًا بما ادعت, فإن قالت المرأة لا أعرف لفظ الطلاق وقد ذهب عني ذلك وحررت الدعوى أنه طلقها ثلاثًا حلف الزوج على ما ادعت في قولهما جميعا فإن خاف القاضي أن يقول في يمينه ما وصفنا على مذهب من يقول من أطلق امرأته ثلاثًا بكلمة واحدة لم يقعن, أو لم يبقع الطلاق إلا واحدة. استحلفه القاضي ثانية ما هي مطلقة منه ثلاثا بما ادعت على قول من يرى إيقاع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة لازمًا. (278) ولو أن رجلًا ادعى على رجل أنه زوجه ابنته فلانة بشاهدي عدل على صداق معلوم في صغرها, وهي بكر, وأنكر الأب ذلك فإن كانت

الإبنة يوم الدعوى كبيرة, فالدعوى عليها دون الأب بكرًا كانت أو ثيبًا يوم الدعوى فيحلفها القاضي بالله ما هي امرأته بهذا النكاح الذي يدعيه. (279) وكذلك إن كانت معتوهة تجن وتفيق لم تكن الدعوى إلا عليها دون الأب ويرخر الدعوى حتى تفيق, وإن كانت مطبقة قد أويس من عقلها فالدعوى على الأب, وكذلك لو ادعى في هذه الحالة على الأب أنه زوجها في هذه الحالة حلف الأب صغيرة كانت أو كبيرة, بكرًا كانت أو ثيبًا. فيحلفه القاضي بالله ما هي امرأته بإنكاحك إياها منه هذا النكاح الذي يدعيه, وكذلك إن كانت الابنة صغيرة ثيبًا فالشافعي لا يرى إنكاح الأب ابنته الصغيرة ثيبًا ما لم يويس عن عقلها, فالدعوى عنده باطل فإن ادعى الزوج على الأب أنك زوجتها وهي بكر صغيرة ثم عذرتها بعد ذلك ذهبت وهي صغيرة, فالدعوى صحيحة إن أقام بينة سمعها القاضي, وإن طلب بيمينه لم يحلف لأنه لو أقر في هذه الحالة أني زوجتها قبل ذهاب عذرتها, لم يقبل قوله. وما قلت في الأب فالجد مثله. كل ذلك قلته تخريجًا على مذهب الشافعي.

وكان الكوفي لا يحلف في النكاح إلا أن تدعي المرأة مع النكاح صداقًا. وقال أبو يوسف: يحلف القاضي الأب إذا كانت الابنة صغيرة لأنه لو أقر لزم الحكم بإقراره بكرًا كانت عنده أو ثيبًا. (280) قال: ولو ادعى رجل على رجل أنه اشترى منه بألف درهم صحاح وزن سبعة جياد الدار التي في بني فلان وحدها بحدودها الأربعة, وقال البائع: بل بعتها منه بألفي درهم صحاح وزن سبعة جياج فلا اختلاف بين الشافعي والكوفي: أنهما يتحالفان. فأيهما حلف مع نكول صاحبه حكم له إلا أن الشافعي قال: يبدأ بالبائع. وقال الكوفي: يبدأ بالمشتري في اليمين, فإن حلفا جميعًا فإن الشافعي قال: أبطلت البيع بينهما. وقال الكوفي: لا يبطل القاضي بينهما حتى يطلبا إبطاله أو يطلبه أحدهما. ووجه اليمين في ذلك عندي أن يحلف البائع بالله لقد اشتريتها مني بألف درهم صحاح وزن سبعة جياد وما بعتها منه بأقل من ذلك, ويحلف المشتري بالله لقد باعها مني بألف درهم صحاح وزن سبعة جياد ما اشتريتها منه بأكثر من ذلك قلته على مذهبهما تخريجًا, وكذلك لو اختلفا فقال البائع:

بعت منه نصفها مشاعًا بألف, وقال المشتري: بل باعها كلها بألف كان الجواب فيها كالجواب في المسألة قبلها إلا أن القاضي يبدأ باليمين بالبائع في قولهما جميعًا. (281) قال: وإن اشترى منه قطعة أرض ومبلغها جريبان. فقال المشتري: اشتريت هذه القطعة بألف درهم على أنها جريبان, فقال البائع: بعتها بألف على أنها جريب, فإذا هي جريبان, وأراد كل واحدٍ منهما استحلاف صاحبه. فمذهب الشافعي: أن يحلف القاضي البائع بالله ما باعها منه بألف إلا على أنها جريب, ولا يحلف المشتري, فإن حلف البائع حكم بإبطال البيع, وإن نكل حلف المشتري لقد باعها منه بألف على أنها جريبان, واستحق كلها بألف, قلته تخريجًا لأنه قال: إذا بيعت الأرض على أنها كذا فوجدت أكثر من ذلك بطل البيع. ومذهب أبي حنيفة أنهما يتحالفان معًا فأيهما حلف مع نكول صاحبه. حكم له وإن حلفا معًا أبطل القاضي البيع بينهما متى طلبا, أو أحدهما إبطاله. قلته على مذهبه تخريجًا. لأن مذهبه أن من اشترى قطعة أرض على أنها جريب فوجدها جريبين فهي له كلها ولو اشترى جرابًا من ثياب على أنها عشرة أثواب فإذا هو أحد عشر ثوبًا بطل البيع وقال أيضًا

لو اشترى قطعة أرض كل جريب بدينار على أنها عشرة أجربة فإذا هي عشرون جريبًا فالمشتري بالخيار إن شاء تركها وإن شاء أخذها وما زاد بحساب قاله نصًا والذي يجب على مذهب الشافعي في هذه المسألة أن يكون البيع باطلًا قلته على المسألة الأولى تخريجًا ولو تنازعا في جراب من الثياب وهي أحد عشر ثوبًا فقال البائع: بعتها منه على أنها عشرة أثواب, وقال المشتري: اشتريتها منه على أنها أحد عشر. فمذهب الشافعي في ذلك أن البيع باطل, ولا يمين في ذلك. لأنه اشتراها في جراب ولم ينشرها ولم ينظر إليها. وقال الكوفي: يحلف القاضي البايع بالله ما باعه هذا الجراب على أنه أحد عشر ثوبًا بهذا الثمن الذي ادعاه. فإذا حلف فسخ البيع. ولم يحلف المشتري لأنه لو أقر بطل البيع لأن في الجراب ثوبًا غير مبيع وإن نكل البائع عن اليمين حكم عليه بدعوى المشتري. وللشافعي قول آخر على مذهبنا في جواز بيع خيار الرؤية, وهو أن يحلف البائع على دعوى المشتري فإن حلف بطل البيع, وإن نكل ردت اليمين على المشتري فإن حلف حكم له بيمينه مع نكول صاحبه. (282) قال: ولو أن رجلين ادعيا سلعة في يدي رجل فادعى

كل واحد منهما أنهالها فأقر بها لأحدهما فقال الآخر للقاضي إنما أحال بإقراره لدفع اليمين, فحلفه بالله ما هذه السلعة لي, لم يحلفه القاضي عند الشافعي وأبي حنيفة وصاحبيه. (283) واختلفا أن طلب الآخر بيمينه بالله ما له عليه هذه السلعة ولا قيمتها, وهي كذا. فمذهب الشافعي: أن اليمين عليه في ذلك. وقال الكوفي وصاحباه: يحلف بالله ما لفلان عليه هذه السلعة, ولا قيمتها, وهي كذا, ولا أقل من ذلك. ولو ادعى كل واحد منهما عليه أنه غضبه هذا العبد الذي في يده فأقر بالغضب لأحدهما فكذلك عند الشافعي: لا يمين عليه للآخر. وقال الكوفي وصاحباه: إذا ادعيا عليه الغضب وأنكر أحلف لكل واحد منهما إذا أراد يمينه بالله ما هذا العبد لفلان هذا. فإن أقر به لأحدهما, أو نكل عن اليمين, حكمت عليه به لمن أقر, أو نكل عن يمينه. ثم احلفته للآخر ما لفلان عليه هذا العبد, ولا قيمته وهذ كذا, ولا أقل من ذلك ولا أحلفه بالله ما غصبه. وهكذا كل فعل يدعيانه أنه فعل ذلك مما يلزمه فيه الضمان. وإن ادعى كل واحد منهما عليه أنه أودعه هذا العبد الذي في يديه.

فسأله القاضي فأقر به لأحدهما [فمذهب] الشافعي: أن القاضي لا يحلفه للآخر. وقال الكوفي وصاحباه: يحلفه القاضي للآخر على ما وصفت لك بالله ماله عليك هذا العبد, ولا قيمته وهي كذا, ولا أقل من ذلك لأنه عبده, أتلفه وأخرجه من يده بإقراره فإن نكل عن اليمين أغرمه القيمة, ولا يستحلفه بالله أودعك هذا العبد. ولم يحلفه الشافعي في ذلك من ذلك إذا أقر به لأحدهما إلا في مسألتين. أحديهما: دعوى الحرية. والآخر: الوقف. فإنا ادعى رجل على رجل عبدًا في يديه أنه له, وادعى العبد على سيده الذي هو في يد أنه أعتقه فإن أقر به الذي في يده لمن ادعاه لم يحلف القاضي للعبد, وإن أقر للعبد بالعتق أحلفه القاضي للآخر فإن حلف برئ وإن نكل رد اليمين على صاحبه فإن حلف حكم له عليه بالقيمة. والمسألة الثانية: لو أن رجلين خاصما رجلًا عند القاضي في قطعة أرض أو دار في يده وبينا موضعها وحدودها الأربعة وادعى أحدهما أن هذه الدار التي في يده بهذه الحدود هي لي. وادعى الآخر أن هذه الدار التي في يده بهذه لحدود. وقف على وقفها هو أو غيره فإن أقر بها لمن ادعى رقبتها لم يحلفه القاضي للآخر. وإن أقر بالوقت لمن ادعاها وقفًا. حلفه القاضي للآخر, قلته تخريجًا على مذهبه. لأنه يوجب عليه بالحرية والوقف القيمة إذا أقر بها للثاني

أما الحرية فقد نص عليها. وأما الوقف. قلته قياسًا عليهما. وكلما وصفت من هذه المسائل أنه لا يحلفه القاضي إذا أقر به للأول. فإنما هو قول الشافعي في كتابه الجديد. وقال في القديم يحلفه في ذلك كله, نحو ما حكيته عن الكوفي وصاحبيه, ولكن لو لم يدعيا عين العبد, وادعى كل واحد منهما أن العبد الذي في يدك اشتريته مني بألف درهم صحاح. وقال الآخر بمائة دينار. فأقر أحدهما بدعواه. حلفه القاضي بما ادعاه عند الشافعي والكوفي وصاحبيه. لا اختلاف بينهم في ذلك فإن نكل عن اليمين اختلفوا فقال الشافعي: يرد اليمين على المدعي, وقال الكوفي وصاحباه: يحكم عليه بالنكول. (284) ولو أن رجلًا قدم رجلًا إلى القاضي. وقال: أن أبي فلان بن فلان مات, ولا وارث له غيري, وله على هذا ألف درهم فإن أقر بما ادعاه, وصدقه في جميع ما ذكر قضى عليه القاضي بدفع الألف إليه لا اختلاف فيه بين الشافعي والكوفي فإن جاء الأب بعد ذلك مطالبًا كان بالخيار في مطالبة أيهما شاء, فإن أخذه من الغريم رجع الغريم على الابن وإن أخذه من الابن لم يرجع به على أحد.

(285) واختلفا إن كان المدعى عليه لما قدمه الابن إلى القاضي أقر أن لفلان الميت الذي يدعي هذا أنه ابنه عليه ألفا, وأنه مات وليس هذا بإبنه. فطلب المدعي يمينه. فمذهب الشافعي أن يحلف بالله ما هذا ابنه. قلته تفريعًا لأنه يرى اليمين في الأنساب نصًا, وكان الكوفي. لا يحلف في النسب, ويقول للمدعي أن أقمت بينة, وإلا فلا خصومه لك. وقال أبو يوسف يحلف بالله أنه لا يعلم أن فلانًا هذا هو ابن لفلان بن فلان المتوفى. وإن أقر المدعى عليه أنه ابنه لا وارث له غيره, وإن لابنه عليه ألفًا, وأنكر أن يكون أبوه قد مات. فمذهب الشافعي في ذلك أن يحلف بالله ما مات أبوه. وقال الكوفي: يحلف بالله ما يعلم أن أباه مات. (286) واتفق الشافعي والكوفي على أن المدعى عليه لو أقر بالنسب والموت, وأنكر المال أنه يحلف بالله على البت ما عليه هذا المال. ويسميه ولا شيء منه. (287) واختلفا إذا نكل عن اليمين. فقال الشافعي يرد

اليمين على الابن. فإن حلف حكم له. وإن أبى فلا خصومه له, وقال الكوفي وصاحباه يحكم عليه بالنكول. فإن أقر بأن لفلان عليه ألف درهم وقال لا أعلم أنك ابنه, ولا أنه مات. فمذهب الشافعي أن يحلف على البت في ذلك يمينًا واحدًا. ما مات فلان ولا هذا ابنه. وقال الكوفي: لا أحلفه على النسب ولا على غيره. ويقول القاضي للمدعي: إن أقمت بينة على النسب, أحلفته على أنه لا يعلم أنه مات, وإن لم يقم بينة على النسب فلا خصومة لك. وقال أبو يوسف: يحلف بالله أنه لا يعلمه: أنه مات ولا يعلم أنه هذا وارثة يمينًا واحدًا. وإن أنكر الدعوى كلها, وأنكر أن يكون عليه حق لفلان, وأنه مات وأن هذا ابنه. فمذهب الشافعي في ذلك أن يحلف يمينًا واحدًا على جميع ما أنكر. كما وصفته على البت. قلته تخريجًا.

(288) واتفق الشافعي والكوفي فيمن ادعى على رجلٍ تسليم دار أو شيء, اشتراه منه, وأنكر المدعى عليه ذلك كله, وذكر أنه غير واجب عليه تسليمها. أن القول قول المدعى عليه على يمينه. (289) واختلفا: إذا أقر بالبيع, وادعى أنه لا يقدر على التسليم. فمذهب الشافعي أن على البائع البينة أنه لا يقدر على التسليم. فإن لم تكن بينة كان القول قول المشتري مع يمينه على البت. بالله إنه لقادر على تسليمها. ومذهب الكوفي أن المشتري يحلف على علمه. بالله أنه لا يعلم أنه لا يقدر على تسليمها. قلته على مذهبهما تخريجًا. (290) فإن ادعى البائع أن المشتري قد تسلمها. حلف المشتري بالله ما تسلمها مع البت في مذهبهما معًا. وإن ادعى البائع أن قد تسلمها وكيل المشتري فمذهب الكوفي أن يحلف المشتري بالله ما يعلم أنه وكيله فلانًا تسلمها. واختلف مذهب الشافعي في ذلك على قولين: أحدهما أنه يحلف في وكيله على العلم. والقول الآخر: على البت. وقد بينت ذلك قبل هذا الباب. فإن

كان وكيل المشتري ادعى على البائع التسليم. فذكر البائع أنه قد سلمها إلى الموكل. لإإن كان الموكل حاضرًا حلف الموكل على البت أنه ما قبضها, ولا شيء منها, وأنه لواجب عليه تسليمها إليه. (291) وإن كان الموكل غائبًا بحيث يشق احضاره. فمذهب الشافعي والكوفي: أن الوكيل يحلف أنه ما يعلم أنه موكله قد تسلم هذه الدار لحق هذا الشراء الذي ادعاه ولا شيئًا منها, وإنه لواجب عليه تسلمها, قلته على مذهبهما تخريجًا.

باب: النكول ورد اليمين

[32] باب: النكول ورد اليمين (292) قال: اتفق الشافعي والكوفي على من وجب عليه يمين في القسامة لخصمه فنكل لم يحكم عليه حتى يحلف خصمه فيجمع القاضي بين نكوله ويمين خصمه, ثم يحكم بهما إلا أنهم اختلفوا بمن يبدأ في القسامة فقال الشافعي ومالك: يبدأ فيها بالمدعين. كما بدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتيل الأنصار. بالمدعين. وقال الكوفي وصاحباه: يبدأ بالمدعى عليهم كسائر الدعاوى وكذلك فعله عمر عندهم. (293) واختلفوا في النكول ورد اليمين إذا أنكل من توجه عليه

اليمين فيما عدا القسامة من قتلٍ أو غيره. فقال الشافعي ومالك: إذا نكل المدعى عليه عن اليمين رددت اليمين على المدعى وحكمت له بما ادعى. وساق الشافعي المسائل كلها على ذلك. إلا فيما كانت اليمين في حق الله. واستحال ردها على صاحب الحق. وهي في خمس مسائل: أحديها إذا جاء الساعي إلى رب الماشية, فطالبه بالصدقة فذكر أنه قد أداها. ولم يحل عليها الحول أو قال بعتها في بعض الحول. ثم اشتريتها. قال الشافعي: صدقه. فإن اتهمه أحلفه. وسمعت ابن سريج يقول: فإن نكل عن اليمين حكم عليه بالنكول. وأخذت صدقته. قال: ويحتمل أن لا يحكم عليه بالنكول. ولكن يحبس ويضيق عليه حتى يخرج باليمين, أو الأداء. والمسألة الثانية: قال الشافعي أن رجلً من أهل الذمة غاب في بعض

السنة. ثم رجع مسلمًا بعد تمام السنة. وقال أسلمت لوقت كذا قبل تمام السنة. كان القول قوله مع يمينه. قلت أنا. فإن أبى أن يحلف حكم عليه بالجزية. والمسألة الثالثة: قال الشافعي: لو أنا كشفنا عن ذراري أهل الحرب فوجدنا منهم من قد أنبت. فقال: مسحت به دواء حتى نبت. قبل قوله مع يمينه. فإن أبى أن يحلف قُتل. والرابعة: قال: رب النخل قد أحصنت مكيله ما أخذت وهو كذا. وقد أخطأ الخارص أو قال: أصابته جايحة, صدق فإن اتهم أحلف فإن نكل حكم عليه قلته تخريجًا. والخامسة: لو طلب أن يعطي سهم المقاتلة. وذكر أنه يحتلم. حلف. فإن حلف. أعطى. وإن أبى حكم عليه بالنكول. ولم يعط السهم قلته تخريجًا. وقال الكوفي في كل من وجبت عليه اليمين فنكل حكمت عليه إلا في خصلة إذا ادعي عليه قتل عمد. فنكل لم اقتص منه في النفس ولم أوجب دية. وكذلك في القسامة, وحبسته حتى يقر أو يحلف. فأما الجراح فإنه يقتص منه. وقال أبو يوسف ومحمد لا يحكم بالنكول في النفس, ولا في الجراح

بالقصاص. ويحكم بادية. في غيرهما. وقد روى في رد اليمين حديث. حدثنا بن محمد بن أيوب الرازي, أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس. حدثني حسين بن عبد الله بن ضميرة بن أبي ضميرة, عن أبيه, عن جده, عن علي, قال: «اليمين مع الشاهد, وإن لم تكن بينة فاليمين على المدعى عليه إذا كان قد خالطه. وإن نكل حلف المدعي». (294) قال ابن أيوب: قال ابن أبي أويس هذا الأمر المجمع عليه عندنا, حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي, حدثنا جعفر بن عمران, حدثنا

محمد بن بشر, عن حجاج بن أبي عثمان, عن حميد بن هلال, عن زيد بن ثابت, قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من طلب طلبة بغير بينة, فالمطلوب هو أولى باليمين». (295) قال أبو العباس: فلم يقل هو أولى ألا وللمدعي أيضًا يمين غير أن المدعي عليه أولى. وفي نحو هذا المعنى قوله تبارك وتعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}. فدل على أن لفظه أولى في اللغة موضوعة لتقديم, لا لسلب. ولا يجب حكم إلا بالكتاب أو السنة أو إجماع أو قياس, ولا إجماع إلا بعد اليمين, ولا قياس إلا على ما ذكرنا من القسامة. ولو كان النكول إقرارًا لحكم به في القصاص, ولما قبل يمين بعد النكول إذا نكل. ثم قال أحلف. كما لا يقبل بعد الإقرار إنكار ولا يمين. ولو كان النكول كالإباحة. لما جاز الحكم به في الفروج, والرق والجراح, لأنه لو أباح فقاء عينه الصحيحة. لم يستبح. وكذلك خروج النساء واسترقاق الأحرار. ولو كان

كالهبة. لم يحل أيضًا ذلك, ولا أجيز الحكم على اقباض الهبة, ويحكم عليه أول ما نكل. ولم يقدر ثلاثًا حتى يُكرر النكول ثلاث مرات. ولعل حجة من حكم بالنكول. ما ذكرنا من مسائل الجزية, والصدقات التي لم يكن [لرد] اليمين فيها منفذ. وإن عثمان حكم بالنكول على عمر. (296) حدثنا عبد الله بن غانم, حدثنا عبد الله بن أبي شيبة, حدثنا عبد الله بن العوام, عن يحيى بن سعيد, عن سالم, عن ابن عمر أنه باع غلامًا بثمان مائة درهم فوجد المشتري به عيبًا فخاصمه إلى عثمان, فقال: بعته بالبرأة. فقال: احلف بالله لقد بعته بالبرأة, وما به عيب تعلمه. فإبى أن يحلف فرده عثمان عليه. وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قال: البينة على المدعي, واليمين على المدعى عليه. ولم يجز تحويل اليمين عن ما وضعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ولو ردت إلى المدعي إذا نكل المدعى عليه لردت إليه إذا نكل المدعي.

باب: تفريع مسائل النكول

[33] باب: تفريع مسائل النكول (297) قال الشافعي: إذا نكل المدعى عليه عن اليمين. قيل للمدعي: احلف, واستحق. وإن أبيت. سألتك عن إبائك. فإن كان لتأني بينة وتنظر في حسابك. تركناك. وإن قلت لا أوخر ذلك لشيء غير أني لا أحلف. أبطلنا أن يحلف قال أبو العباس: فقياس قوله هذا أن يقال ذلك أيضًا للمدعي عليه. إذا نكل احتياطًا من القاضي. (298) قال: وإن حلف المدعى عليه, أو لم يحلف. فرددنا اليمين على المدعي, فنكل. فأبطلنا يمينه, ثم جاء بشاهدٍ. حلف. وأخذنا له

بحقه. وقال في كتاب الحكم بشاهد ويمين إذا أرددنا اليمين على المدعي فأبى أن يحلف. فأبطلنا أن يحلف ثم أتى بشاهد واحد. وقال: أنا أحلف معه. لم أر أن يحلفه لأني قد حكمت أن لا يحلف في هذا الحق. قلت أنا: والأول أصح. (299) وقال أيضًا ولو رد المدعى عليه اليمين. فقلت للمدعي احلف فقال: المدعى عليه أنا أحلف. لم أجعل له له. لأني قد أبطلت أن يحلف. وحولت اليمين على صاحبه. كل ذلك قاله نصًا. ولو ادعى على رجلٍ حقًا, وطلب يمينه. فقال: المدعى عليه. حلفه أيها القاضي. حلف القاضي المدعي وكان ذلك لنكول المدعى عليه. قلته تخريجًا. وقد روي عن عمر بن الخطاب. حديث يدل على هذا. حدثنا به محمد بن سعيد الأزرق. حدثنا علي بن عبد الله بن جعفر المديني. حدثنا مسلمة بن

علقمة المازني. حدثنا داود يعني بن أبي هند عن الشعبي. أن المقداد بن الأسود. استسلفت من عثمان بن عفان سبعة ألف درهم. فلما أتاه بها. أتاه بأربعة ألف. فقال له عثمان إنها كانت سبعة آلاف. فقال المقداد ما كانت إلا أربعة آلاف. قال: فلم يزالا حتى ارتفعا إلى عمر بن الخطاب. وذلك في خلافته. فقال المقداد يا أمير المؤمنين ليحلف أنها كما يقول. وليأخذها. فقال عمر, قد أنصف احلف كما تقول وخذها. قال: فقال عثمان لا أحلف. قال: أما لا. فخذ ما أعطاك. قال: فأخذها. فلما قام المقداد. قال: يقول عثمان والله إن كانت لسبعة آلاف. قال: فما منعك أن تحلف. وقد جعل ذلك إليك. والله إن هذه لسماء وإن هذه أرض. وإن هذا النهار نهار. وإن هذه الشجر ففيها روينا من هذه الأخبار, دليل على

الحكم برد اليمين على أربعة من الصحابة عمر وعثمان وعلي والمقداد بن الأسود. وقال: مالك بن أنس إذا نكل المدعى عليه عن اليمين ردت اليمين على المدعي. فإن حلف. حكمت له بما ادعى. وإن أبى لم تكن له شيء, وسئل مالك عن من أقام شاهدًا واحدًا على حق, وأبى أن يحلف مع شاهده. قال يرد اليمين على المدعى عليه, فإن نكل حكم للمدعي بشاهد واحد مع نكول صاحبه وقال أبو ثور إذا نكل المدعى عليه عن اليمين رددت اليمين إلى المدعي. فإن حلف حكم له. وإن أبى لم يحكم له بشيء. وقيل له لازم المدعى عليه حتى يحلف هو فيبرأ. أو تحلف أنت فيحكم لك. وقال الكوفي وصاحباه: في رجل ادعى على رجل مالًا فأنكر. فعرض القاضي عليه اليمين. فنكل فإن القاضي يعذر إليه ثلاثًا. فيقول له إني أعرض عليك اليمين ثلاثًا. فإن حلفت. وإلا حكمت عليك وألزمتك دعوى الرجل. والذي أعرض عليك أن تحلف بالله ما لهذا عليك هذا المال الذي ادعاه. وهو كذا, ولا شيء منه. فإن نكلت عن اليمين ألزمتك جميع هذا المال. ثم قال له احلف وبالله ما لهذا عليك هذا المال. وهو كذا ولا شيء منه. فإن أبى, قال مرة أخرى مثل ذلك. فإن أبى. قال.

يغيب الثالثة. ثم احكم عليك. ثم يقول: الثالثة. احلف على قال ما قال له أول مرة. فإن نكل عن اليمين. ألزمه ذلك الشيء الذي ادعاه المدعي قبله. وإن أمره بها مرة. فقال لا أحلف. ثم قال له الثانية. فقال: نعم احلف على ما ادعى هذا الرجل. فقال له القاضي احلف. فقال: لا أحلف. فإن القاضي يحتسب عليه المرة الأولى التي كان أبى أن يحلف. وبهذه الثانية التي أبى. ويعرض عليه الثالثة. فإن حلف وإلا يبطل قوله أنا أحلف إباءه اليمين في المرة الأولى, ولا يسقط ذلك عنه. ولو أنه نكل عن اليمين. فلما عرض عليه الثانية. حكم الطالب وسأله أن يؤخره ذلك يومه. فأخره. ثم ادعى عليه في مجلس آخر, فإنه يستقبل عرض ثلاثًا. ولا يعتد بما قضى. وإن اعذر إليه القاضي كما وصفت فنكل عن اليمين ثلاث مرات. فكما أراد القاضي أن يحكم عليه يعد الثالث. قال: أنا أحلف. فإن القاضي يقبل ذلك منه, ويحلفه على دعوى الرجل, فإن حلف لم يلزمه. ولم يحكم عليه بالنكول. فإن ابتدأه اليمين ثم قطع فقال لا أحلف حكم عليه بالنكول الأول. ولم يعرض عليه ثلاثًا. ولو ادعى أن رجل على رجل مالًا فأنكر المدعى عليه, وطلب المدعي يمينه, فعرض القاضي اليمين فسكت, ولم ينطق, وعلم القاضي أن لم يحدث آفة تمنعه من الكلام. فإنه يسمع ما يقول. أعذر إليه

القاضي. وقال له إن لم تحلف رددت اليمين على لمدعي, ولم أقبل يمينك بعد ذلك. وحكمت له بيمينه إذا حلف. قلته تخريجًا على ما ذكره الشافعي في كتاب اختلاف العراقيين. من قول المدعى عليه للقاضي: لا أقر ولا أنكر. وقد ذكرت في باب خروج القاضي من بيته إلى المجلس وسيرته, إذا جلس القاضي للقضاء: وقال الكوفي أعذر إليه القاضي كما وصفت. فإن حلفت وألا حكم بعد الثالثة. (300) واتفق الشافعي والكوفي في رجلين ترافعا إلى القاضي في دار في أيديهما, فادعى كل واحد منهما أن الدار التي في أيديهما كلها له. ولم تكن بينة. فاستحلفهما القاضي فحلفا جميعا فالدار بينهما نصفان كما كانت في أيديهما. (301) واختلفا أن حلف أحدهما, وأبى الآخر. فقال الشافعي قيل لصاحب اليمين التي حلفت كانت للنصف الذي في يدك فإن أردت النصف الآخر فاحلف مع نكوله فإن حلف استحق الدار كلها قاله نصًا وفيه قول آخر أنه يكتفى منه باليمين الأولى. قلته تخريجًا. وذلك أنه قال

في المتبايعين إذا اختلفا في الثمن. فقال المشتري بعتني بألف. وقال البائع بألفين. تحالفا. فإن تحالفا فسخت البيع بينهما. وإن حلف أحدهما وأبى الآخر حكمت له دون صاحبه, قلت أنا فيمن أعاد عليه اليمين بعد نكول صاحبه. استحلف البائع بالله ما بعته هذه السلعة بالألف الذي ادعاها به. فإن أعاد عليه اليمين الثانية استحلفه بالله لقد اشتراها مني بألفين, واستحلف المشتري في اليمين الأولى بالله ما اشتريتها منه بألفين. واستحلفه في اليمين الثانية بالله لقد باعها مني بألف. (302) قال: من اكتفا باليمين الأولى ولم يعدها عليه بعد نكول صاحبه. استحلف البائع بالله لقد اشتريتها مني بألفين وما بعتها منه بالألف الذي ادعاه به. واستحلف المشتري بالله لقد باعها مني بألف. وما اشتريتها منه بألفين, كما ادعى واستحلفه كل واحدٍ منهما في الدار التي ادعياها بالله إن هذه الدار كلها لك بحدودها. وجميع حقوقها ما لفلان منها النصف الذي ادعاه, ولا شيء منه, ولا في حقوقه ولا له قبلك حق منه ومن لم يكتف باليمين الأولى وادعاها عليه بعد نكول صاحبه. استحلفه في اليمين الأولى بالله ما لفلان هذا من هذه الدار النصف الذي يدعيه فيها ولا شيء منها ولا من حقوقها ولا له قبلك حق منه واستحلفه في اليمين الثانية بالله إن هذه الدار كلها لك بحدودها وجميع حقوقها, ما لفلان فيها النصف الذي ادعاه ولا شيء منه ولا من حقوقه ولا له قبلك حق.

باب: مراتب البينات

[34] باب: مراتب البينات (303) قال: اتفق الجميع على أن الحدود كلها والقصاص من النفس والجراح لا يجوز فيها إلا شهادة الرجال دون النساء, وعلى أن شهادة الزنا عددها أربع. وفيما عداها شاهدا عدل. وعلى أن الأقوال كلها يجوز فيها شهادة رجل وامرأتين. واختلفوا في جواز شهادة رجلٍ وامرأتين فيما عدا ذلك من النكاح والطلاق والرجعة والعتاق والوكالة وإثبات الوصية للوصي. وما في معناها فقال الشافعي: لا يجوز في شيء من ذلك إلا شاهدًا عدلٍ ولا يجوز شاهد وامرأتان. إلا في الأموال خاصة. وكذلك عنده يجوز في الرضاع وعيوب النساء التي لا يطلع عليها الرجال غير ذوي المحارم. ومن علته أن النساء مقصور بهن في الأحكام والشهادة فلا يجوز ألا في الموضع الذي نص

عليه كتاب أو سنة أو إجماع. وقد نطق الكتاب في الدين, وأجمع الجميع في ساير الأموال, وكذلك في الرضاع وعيوب النساء. وأجازها الكوفي في كل ما عدا الحدود والقصاص في النفس والجراح. ومن علته أن الذين حق فكذلك سائر الحقوق. إلا ما أجمع الجميع من الحدود والقصاص. فإنه مخصوص لدرئهما بالشبهات. (304) قال: واتفق الجميع على جواز شهادة النساء منفردات لا رجال معهن في الولادة. (305) واختلفوا في عددهن. فقال الشافعي: لا يجوز فيها إلا شهادة أربع نسوة عدول. وكذلك عنده الرضاع وسائر عيوب النساء. ومن علته أن الله عز وجل حيث أجازهن. أقام امرأتين مقام رجل واحد, فمقتضى هذا القياس أن تكون أربعة نسوة مقام رجلين. وقال مالك بن أنس لا يجوز فيها أقل من امرأتين. وكذلك عنده الرضاع وسائر عيوب النساء, ومن علته أنه كما كان عدد الرجال حيث تجوز شهادتهم اثنتين فكذلك عدد النساء حيث تجوز شهادتهن اثنتين وقال الأوزاعي: أقل ما يجوز في

الولادة امرأتين وفي الرضاع امرأة واحدة. ومن علته في الولادة نحو علية مالك فيها. وعلته في الرضاع نص الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة سوداء. وقال ابن أبي ليلى والكوفي وصاحباه يجوز في الولادة شهادة القابلة وحدها, ولا يجوز في الرضاع أقل من رجلين وامرأتين. فكذلك عندهم في سائر عيوب النساء عدد الولاد. إلا أن الكوفي زعم أثبت الولادة بشهادة امرأة واحدة. ولا أثبت نسبًا ولا ميراثًا بأقل من شاهد وامرأتين. وورثه صاحباه وابن أبي ليلى. ومن علتهم في ذلك أن الشهادات أقسام فأعلاها الحدود, وما فيه القصاص, ولا يجوز فيها إلا شهادة الرجال دون النساء.

وأدناها الولاد. فأجيزت شهادة النساء فيها إذا لم يجز للرجال أن يعيدوا النظر. وإن كانوا ذوي المحارم, وأكتفي بواحدة لما فيها من الضرورة. إذ هي أقل العدد. كما سنوضح في خبر الواحد, وشهادة الدليل على القبلة للأعمى, وما في هذا المعنى.

باب: الحكم بالشاهد الواحد ويمين الطالب

[35] باب: الحكم بالشاهد الواحد ويمين الطالب (306) اختلفوا في جواز الحكم بشهادة شاهد واحد ويمين الطالب في الأموال. فأجازه الشافعي ومالك وأبو ثور. ومن علتهم فيه ثبوت الخبر فيه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - واستعمال الصحابة حتى قضى به علي بالكوفة عليه السلام. وتوارثه حكام الحرمين خلف عن سلفٍ. حدثنا ابن عبد الله الحضرمي, حدثنا سويد بن سعيد. حدثنا عبد الوهاب عن جعفر بن محمد, عن أبيه

عن جابر, عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنه قضى باليمين مع الشاهد». (307) حدثنا محمد بن أحمد القاضي, حدثنا محمد بن زنبور, حدثنا يحيى بن سليم, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: «قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باليمين مع الشاهد الواحد, قضى به علي بين أظهركم بالكوفة». (308) حدثنا الحضرمي, حدثنا يحيى الحماني, حدثنا زيد بن علي الحباب, حدثنا سيف بن سليمان المكي, عن قيس بن سعد, عن

عمرو بن دينار, عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «قضى بشاهد ويمين». (309) حدثنا الحضرمي, حدثنا أحمد بن عبده, حدثنا عمار بن شعيب بن الزبير, عن ثعلبة, عن أبيه, عن جده أنه شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «قضى بشاهد ويمين». (310) حدثنا إبراهيم بن موسى الجوزي, حدثنا أحمد بن منصور

الرمادي, حدثنا نعيم بن حماد, حدثنا الدراوردي, عن ربيعة, عن سهيل, عن أبيه, عن أبي هريرة, عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه قضى باليمين مع الشاهد». قال ربيعة ثم ذاكرت سهيلًا هذا الحديث. فقال لا أحفظه. فكان سهيل يرويه بعد عن ربيعة عن نفسه عن أبيه, عن أبي هريرة. (311) حدثنا عبد الله بن يحيى القاضي, وعبيد الله بن جامع

الحلواني. قالا حدثنا الربيع بن سليمان. قال الشافعي حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي. عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه, عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قضى باليمين مع الشاهد»: قال عبد العزيز فذكرت ذلك لسهيل فقال أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدثته إياه ولا أحفظه قال: عبد العزيز. وقد كانت أصابت سهيلًا علة أذهبت نقص عقله, ونسى بعض حديثه. وكان سهيل يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه. (312) حدثنا محمد بن الفضل, حدثنا إبراهيم بن الفرح, حدثنا أبو رجاء, حدثنا إبراهيم بن أبي حبيبة, عن جعفر بن محمد عن أبيه, عن جابر, قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتاني جبريل فأمرني أن أقضي بشاهد ويمين, وقال يوم الأربعاء يوم نحس مستمر».

(313) حدثنا جعفر بن محمد, عن سهيل بن أبي صالح, عن أبيه, عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «قضى باليمين مع الشاهد الواحد». (314) قال أبو العباس: وسمعت أحمد بن محمد بن سريج ينزع الحكم بشاهد ويمين من كتاب الله. من قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ}. إلى قوله: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ}. الآية. وسأحكي معاني ما أتنزع به, وإن لم أحك ألفاظه. فقال رحمه الله الوصيين فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيحلفان بالله. يعني وارثي الميت اللذين كانا الوصيان حلفا أنه ما في أيديهما من الوصية غير ما زاد عليهما. قال ابن سريج فالبيان الذي عثر أنهما استحقا به. إثما لا يخلو من أحد أربعة معاني. إما أن يكون إقرارًا منهما بعد

إنكارهما. أو أن يكون شاهدي عدل. أو شاهدا وامرأتين. أو شاهدًا واحدًا. وقد أجمعنا على أن الإقرار بعد الإنكار لا يوجب يمينًا على الطاليين. وكذلك لو أقام شاهدين. أو شاهد وامرأتين فلم يبق إلا شاهدٌ واحد. ولذلك استحلف الطالبان. وقد رويت القصة التي نزلت فيها هذه الآية بنحو ما فسر ابن سريج. (315) حدثنا عبد الله بن ناجية. حدثنا الحسن بن أحمد أبي شعيب الحراني, حدثنا محمد بن سلمة. عن محمد بن إسحاق. عن أبي النضر. عن باذان.

مولى أم هاني بنت أبي طالب. عن ابن عباس. عن تميم الداري. في هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ}. قال: «برئ الناس منها غيري وغير عدي بن بداء». (316) وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام, فآتيا الشام لتجارتهما وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بديل بن أبي مريم بتجارة ومعه جام من فضة يريد من الملك وهو عظيم تجارته فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله. قال تميم: فلما مات أخذنا الجام, فبعناه بألف درهم, ثم اقتسمناها أنا وعدي بن بداء. فلما جئنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا. وفقدوا الجام. فسألوا عنه. فقلنا ما ترك غير هذا. قال: تميم. فلما أسلمت بعد قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة تأثمت من ذلك. فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر, وأديت إلى خمس مائة درهم, وأخبرتهم أن عندي صاحبي مثل هذا. فوثبوا إليه فأتوا به النبي - صلى الله عليه وسلم -. فسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم على أهل دينه, فحلف فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ} إلى قوله: «أو يخافوا أن يرد

إيمان» فقام عمرو بن العاص, ورجل آخر منهم. فحلفا. فنزعت الخمس مائة من عدي بن بداء. (317) قال: أبو العباس وليس في أمر الله بشاهدين, ولا بشاهد وامرأتين مما يمنع بشاهد ويمين. كما لم يمنع المخالف من الكوفيين قبول شهادة شاهد واحد في هلال رمضان, وترجمان القاضي, والمحبوس بحق وجب عليه إذا شهد شاهدٌ واحدٌ أنه معدم أخرجه السلطان عنده من الحبس, وإذا شهد رجل عند رجل أن فلانًا مات جائز له أن يشهد على موته. وأن يجعلها شهادة على شهادة. وإذا عدل الشاهد بعدل واحد. كل ذلك قول الكوفي وأبي يوسف. وخالفهما محمد في المعدل والترجمان, فقال: لابد من اثنين. وكذلك لم يمنع ذلك عند الجميع من قبول شهادة النساء منفردات على الولاد. حتى أجاز فيها الكوفي امرأة واحدة. فقال أثبت الولاد ولا وارث. وقال: أبو يوسف ومحمد تجوز شهادة امرأة واحدة في عيوب النساء كلها, وأبى جواز الحكم بشاهد ويمين الأوزاعي والثوري والكوفي وصاحباه. ومن علتهم في

ذلك أن الله تعالى ذكر الشهادة في كتابه بغاية البيان حتى قال: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}. فلم يجز لأحد أن يتخطا من غاية البيان إلى غيرهما, كما قال في كفارة القتل {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} , {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}. فلم يجز لأحدٍ أن يتخطا من الصيام إلى إطعام ستين مسكينًا. قياسًا على الظهار. والقياس حق. ولكن الله تعالى إذا نصب الحكم في كتابه فبلغ به غاية البيان لم يتخطا إلى غيرهما وقد أجمع الجميع في منع جواز الحكم بشاهد ويمين في الطلاق والعتاق. وذلك حق من الحقوق. فكذلك الأموال. قالوا والحديث الذي روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بشاهدٍ ويمين. معناه أنه قضى بالشاهد على المدعي وباليمين على المدعى عليه, ليكون المفسر من الحديثين قاضي على المجمل منهما. قالوا وقد أنكر الحكم بشاهد ويمين الزهري وهو من أجل أهل المدينة وأعلمهم بالحديث. وذكروا حديثًا حدثنا به أحمد بن محمد القاضي. حدثنا محمد بن سهل بن عسكر. حدثنا عبد الرزاق.

أخبرنا معمر عن الزهري في اليمين مع الشاهد. قال: «وهذا مما أحدثه الناس لابد من شاهدين». (318) واختلف الشافعي ومالك في جواز الحكم بشهادة امرأتين ويمين الطالب. فأجازه مالك. وأبى الشافعي ذلك. (319) واختلفا أيضًا إذا أقام المدعى شاهدًا وأبى أن يحلف معه. فقال: مالك يحلف المطلوب. فإن حلف برئ وإن أبى حكم عليه بالحق. فحكم بنكول المطلوب وشاهد الطالب. وقال: الشافعي في هذه المسألة سألت الطالب لم امتنع من اليمين. فإن كان ليأتي بشاهد آخر. أو لينظر في الحساب أمهلته لذلك. وإن قال لم أمتنع لشيء من ذلك, ولا أحلف أبطلت حقه في اليمين. فإن رام اليمين بعد ذلك لم أقبل منه هذا نص قوله. فالواجب على قوله إذا لم يكن له شاهد آخر أن يحلف المطلوب. فإن نكل لم يحكم للطالب إلا أن يأتي بشاهد آخر. فيحكم له بهز وفيه قول آخر على مذهبه وهو أن يحلف المدعي فيحكم له بيمينه مع نكول المدعى عليه لأن الذي أبطلنا من يمينه يمين سدَّ به شاهده. والذي استحلفاه يمين رد عليه. لنكول صاحبه. قلتهما تفريعًا.

باب: شهادة المحدود والأعمى والكافر والمملوك والأخرس

[36] باب: شهادة المحدود والأعمى والكافر والمملوك والأخرس (320) قال: اتفق الشافعي والكوفي على أن شهادة المحدود في الزنا والخمر والسرقة مقبولة إذا تاب وظهرت عدالتهز (321) واختلفوا في المحدود في القذف فأجازه الشافعي, إذا ظهرت توبته. وأبى ذلك الكوفي. مع اتفاقهما على أنه لو تاب قبل أن يحد قبلت شهادته. وكذلك زعم الكوفي أن الذمي إذا أحد في قذف فردت شهادته على أهل الذمة فإنه إذا أسلم قبلت هذا في قول الكوفي وأبي يوسف. وخالفهما محمد وزفر. فلم يقبلان أبدا. وكذا عندهم لو قذف ذمي إنسانًا

فضرب سوطًا واحدًا [فأسلم] ثم [ضرب] تسعة وسبعين وهو مسلم أن الشهادة مقبولة عند الكوفي وأبي يوسف. ولكن لو حد مسلم في قذف ثم ارتد ثم أسلم لم تقبل عند الكوفي وأبي يوسف. ولكن لو حد مسلم في قذف ثم أرتد ثم أسلم لم تقبل عند الكوفي وأصحابه كلهم. وقال مالك بن أنس في الحدود كلها: إن من شهد في الأمر الذي حد فيه لم تقبل شهادته, وقبلت في غيره. إذا ظهرت توبته. فلو شهد المقطوع في سرقة بعد التوبة على سرقة, لم تقبل شهادته. وإن شهد في غير السرقة قبلت. وكذلك المحدود في الزنا إذا تاب لم تقبل شهادته في الزنا, وقبلت في غيره. وكذلك كل حد عنده على هذا المعنى. (322) واتفق الشافعي والكوفي على أن شهادة الأعمى, مردودة إذا كان يوم دخوله في الشهادة أعمى فيما عدا الأنساب والترجمة للقاضي. وأجازها مالك بن أنس وإن خلق أعمى وشهد بها وهو أعمى. (323) واختلف الشافعي والكوفي إذا دخل في الشهادة هو بصير. فقال الشافعي: إذا دخل فيها وهو بصير. ثم أداها وهو أعمى جازت

شهادته. ولو دخلها وهو أعمى. ثم أداها وهو بصير. لم تجز وبه قال ابن أبي ليلى. وزعم الكوفي أنه لو دخلها وهو بصير ثم أداها وهو أعمى لم نجز. وإن دخلها وهو أعمى. ثم أداها وهو بصير جازت, وتابعه على ذلك محمد بن الحسن. وقال أبو يوسف أن دخل فيها وهو بصير ثم أداها وهو أعمى جازت. (324) واتفق الشافعي ومالك والكوفي على أن شهادة الكافر على المسلم مردوده. (325) واختلفوا في جواز شهادة بعضهم على بعض. فأبى الشافعي تجوزها إذ كل كافر فاسق. وأجازها الكوفي وصاحباه إذا كان عدلًا في دينه. والكفر كله ملة واحدة عند أبي حنيفة. وخالفه أبو يوسف ومحمد. فزعما أن شهادة الذمي على المستأمن من أهل الحرب جايزه وشهادة أهل الحرب على الذمي لا تجوز. وشهادة أهل الحرببعضهم على بعض جايزة, إذا كانوا من دار واحدة. فإن كانوا من دارين متفرقين لم تجز. وزعم

الأوزاعي وابن أبي ليلى أن شهادة الكافر في وصية المسلم إلى كافر جائزة إذا كان في سفر. (326) واختلفوا في شهادة من لم تكمل فيه الحرية. فأبى الشافعي ومالك والكوفي تجوزها. وسواء شهد بعضهم على بعض, أو على حر أو عبد. وقال: أبو ثور شهادة المملوك جايزة إذا كان عدلًا في دينه. وروى عن أنس بن مالك. قال ما علمت أحدًا رد شهادة العبد. (327) واتفق الشافعي والكوفي على أن شهادة الأخرس الذي لا يعقل الإشارة باطلة, واختلفا في شهادته إذا كان يعقل الإشارة. فخرجها أبو العباس بن سريج على مذهب الشافعي على قولين: أحدهما: أنها جايزة. والآخر: أنها مردودة, وهذا أصحهما عندي لأنه فرق بين لعان العبد وشهادته. بأن قال اللعان يمين. وبنا ضرورة إلى أن يحلفه لا يحلف عنه غيره وليس بنا

ضرورة إلى أن يشهد عبد. فإن أكثر المسلمين أحرار: فكذلك هذا المعنى موجود عندي في يمين الأخرس وشهادته. وقال الكوفي: لا تجوز شهادته. وإن عقلت إشارته.

باب: ذكر من لا تجوز الشهادة له وإن كان الشاهد عدلا

[37] باب: ذكر من لا تجوز الشهادة له وإن كان الشاهد عدلًا (328) قال: واتفق الجميع على أن شهادة المرء لشريكه فيما له فيه شرك غير جايزة. وكذلك شهادته لمملوكه ومكاتبه وأم ولده ومدبره. (329) واختلفوا في شهادة المرء لولده ووالدته وزوجته. فقال الشافعي في كتاب الحدود: ولا يجوز شهادة الوالد لوالده. ولا ولد ولده وإن سفلوا, ولا لأبنائه وإن بعدوا. وهذا ما لا أعرف فيه خلافًا. وكذلك عنده الأمهات والجداب والأجداد, من قبل الأب, والأم, ومماليك هؤلاء كلهم, ومدبرهم, وأمهات أولادهم ومكاتبهم وشريكهم, فيما شهدوا لأنه

جار. قلته تفريعًا. (330) وكان في القديم يجيز شهادة المرء لوالدته. وكذلك سائر من ذكرناهم على قوله. وأجاز مالك شهادة المرء لهؤلاء كلهم. إلا لولده, وزوجته, ومملوكه, ومكاتبه, وأم ولده, ومدبره وشريكه, فيما شهد. وكذلك مملوك ولده أو زوجته ومكاتب كل واحد منهما, ومدبرهما, وشريكهما فيما شهد, وأم ولد ولده. هذا المشهور من قول مالك عند أصحابه. وقد حكى عنه نحو قول الشافعي في كتاب الجديد. وقال الكوفي: مثل قول الشافعي في كتاب الجديد. وزاد فيه أن لا تجوز شهادة الرجل لزوجته, ولا شهادة المرأة لزوجها, وقال: «أبو ثور مثل قول الشافعي في كتابه القديم. وقال لو كان مظنونًا في شهادته لولده ولوالديه لردت شهادته في غيرهم.

(331) وأجمعوا في رد شهادة الوصي لمن يلي ما له. (332) واختلفوا في شهادته لمن لا يلي أمره من وارث كبير رشيد فأجازها الشافعي وأبطلها مالك والكوفي. وكل من قلت لا تجوز الشهادة له. فلا خلاف أن شهادته عليه مقبولة. (333) وأجمعوا في شهادة الوكيل لموكله فيما وكله بقبضه. فقياس قول الشافعي أن شهادته جايزة ما لم يخاصم. فإذا خاصم لم تجز شهادته فيما خاصم أبدًا. وإن ترك الخصومة [وخرج] من الوكالة. لأني لا أعلمه أبطل شهادة الوكيل في شيء من كتبه, وإنما أبطل شهادة الخصم. وكذلك قاله الكوفي نصًا. وقال أبو يوسف: إذا قبل الوكالة فهو خصم لا أقبل شهادته أبدًا. وقال: أبو ثور إن لم يخاصم قبلت شهادته. وإن خاصم لم أقبل ما دام يخاصم. فإن خرج من الوكالة بعد أن خاصم قبلتها. (334) واختلف الشافعي والكوفي في شهادة الشريك فيما ليس له

فيه شركة فقياس قول الشافعي أنها مقبولة. لأنه قال شهادة العدل مقبولة إذا لم تجر إلى نفسه نفعًا. ولم يدفع عنها ضررا. وقال: الكوفي لا تجوز شهادته لأنه متهم إلا في الحدود, والنكاح, والمفاوض, وغير المفاوض سواء. (335) واختلفا أيضًا في شهادة الأجير. فقياس قول الشافعي أنها جايزة. وقال الكوفي لا تجوز شهادة الأجير في التجارة في شيء من الأشياء استحسن ذلك.

باب: ذكر من ردت شهادته ثم شهد بها ثانيا

[38] باب: ذكر من ردت شهادته ثم شهد بها ثانيًا (336) قال: اتفق الشافعي والكوفي على أن من ردت شهادته لصغر فبلغ, أو لرق فعتق أو لكفر فأسلم. ثم شهد بها ثانيًا. أن شهادته مقبولة. وإن ردت لفسق. ثم شهد بها ثانيًا لم تقبل. (337) واختلفا في علة ذلك. فقال الشافعي لأنا قد حكمنا بإبطال شهادة الفاسق فلا يختبر حاله بعد الحكم. وأما شهادة الصبي والمملوك, والكافر, فاستماعها تكلف. يعني أنه لم يجر على شهادتهم حكم بإبطالها. كما جرى على شهادة الفاسق. واعتل الكوفي بأن الفاسق ردت شهادته للتهمة. وقبلها أبو ثور في ذلك كله. إذا كان عدلًا.

(338) وقال الكوفي: إن ردت شهادة إحدى الزوجين لصاحبه. ثم بانت فيه. فعاذ. فشهد بها ثانيًا لم أقبل. لأنها ردت عنده للتهمة كشهادة الفاسق, وأما الشافعي فلا يرد شهادة كل واحد من الزوجين. إذا شهد لصاحبه. (339) واختلفا إذا شهد لمكاتبه فردت. ثم شهد بها له بعد العتق فقياس قول الشافعي أنها مقبولة. لأن إسماعها في الأصل تكلف كما قال في شهادة العبد, وقياس قول الكوفي أنها لا تجوز لأنها ردت بالتهمة.

باب: شهادة المتوسط والمختبئ

[39] باب: شهادة المتوسط والمختبئ (340) قال: واتفق الشافعي والكوفي على أن رجلًا لو جلس مختبيًا في موضع لا يراه المقر فسمع الإقرار, من حيث يراه. كان عليه أداؤها. قلته على مذهب الشافعي تفريعًا. لعموم قوله حيث قال: فإذا سمع الرجلان الرجل يقول لفلان على كذا. كان عليهما أن يشهدا. وإن لم يشهدا على ذلك. وذكره الخصاف في كتابه في الكوفي نصًا. (341) قال: وكذلك عندهما لو توسط رجل رجلين على أن يحسبا بين يديه ويصدقا. ولا يكتما أمرًا, وجعلاه أمينًا على أن لا يشهد عليهما من ذلك بشيء سمع منهما, فأقرا بين يديه بشيء ثم تجاحدا أو جحد أحدهما دون صاحبه. كان للمتوسط أن يشهد عليه بما سمع منه.

قاله الخصاف على مذهب الكوفي نصًا. وقلته على مذهب الشافعي تفريعًا. ولو ترك الدخول في الشهادة على مثل هذا المعنى كان أحب إلي.

باب: ذكر الشهادة على الشهادة

[40] باب: ذكر الشهادة على الشهادة (342) واتفق الشافعي والكوفي أن الشهادة على الشهادة جائزة في حقوق بني آدم. إلا في الحدود والقصاص. فإنهما اختلفا في ذلك. فقال الشافعي الشهادة على الشهادة جائزة في القصاص وفي حد ابن آدم. يعني حد القذف. وفي حدود الله. قولان: أحدهما أنها جايزة. والآخر: أنها لا تجوز. قلت أن هذا أولاهما بأصله. لأنه احتج لهذا القول بدرئ الحدود بالشبهات. ولم يحتج للقول بشيء. وقال الكوفي وصاحباه: القصاص والحدود كلها لا تجوز فيها شهادة على

شهادة. وأجازها عثمان البتي في الحقوق كلها. أو جميع الحدود. لله كان أو لآدمي. (343) واختلف مذهب الشافعي والكوفي في العذر الذي يجوز من أجله الشهادة على الشهادة. فقياس قول الشافعي أن لا تقبل شهادة على شهادة. إلا أن يكون المشهود على شهادته له عذر عن حضور مجلس القاضي, من مرض, أو علة, مانعة, أو أن يكون غائبًا عن البلد في الموضع الذي لو جاء فشهد لم يأوه الليل إلى منزله إن رجع. قلته تخريجًا, وبه قال أبو يوسف. وذلك أن الشافعي قال: في كتاب القاضي إلى القاضي إذا كان بلد به قاضيان كبغداد. فكتب أحدهما إلى الآخر. بما ثبت من البينة. لم ينبغ له أن يقبلها حتى تعاد. إنما تقبل البينة على ذلك في البلدة النائية التي لا يكلف أهلها إتيانه.

قلته أنا. وذلك عند عامة أصحابه ما يأويه الليل بعد القيام من المجلس. وقال بعض أصحاب الشافعي يجوز الشهادة على الشهادة وإن لم يكن للمشهود على شهادته عذر عن الحضور. ذهب فيه إلى ظاهر قول الشافعي في تجويز الشهادة على الشهادة لم يذكر فيه عذرًا. وهذا قول محمد بن الحسن. وقال الكوفي: لا يجوز الشهادة على الشهادة إلا أن يكون المشهود على شهادته به من موض مانعٍ, أو يكون غائبًا مسيرة ثلاثة أيام. (344) واتفق الشافعي والكوفي على أن رجلين لو سمعا رجلًا يقول: أشهد أن لفلان على فلان ألف درهم, ولم يقل لهما أشهدا على شهادتي فليس لهما أن يقوما بهذه الشهادة. وإن قاما بها لم يحكم القاضي بها لأنه لم يسترعهما الشهادة. فيكون إنما شهد لحق ثابت عنده, وقد يجوز أن يقول أشهد أنه له عليه ألفا وعده إياها. (345) واتفقا جميعًا على أنه إذا شهد عندهما وأشهدهما على شهادته كان لهما أن يشهدا بها على شهادته. (346) واختلفا إذا سمع الشاهدان رجلًا يشهد عند غيرهما ويشهده على شهادته. فمذهب الشافعي: أنه يجوز لهما أن يشهدا بها على

شهادته. قلته تخريجًا. وقال الكوفي: ليس لهما أن يشهدا بها على شهادته. (347) وكذلك اختلف الشافعي والكوفي في رجلين سمعا رجلًا يشهد عند الحاكم بشهادة على رجل بحق لرجل. هل لهما أن يشهدا بها على شهادته. فأجازه الشافعي نصًا في كتاب الربي. ولم يجزه الكوفي. (348) واتفق الشافعي والكوفي أن شاهدين لو شهدا على شهادة رجلين. فشهد أحدهما على شهادة واحد. وشهد الآخر على شهادة الثاني أن ذلك لا يوجب حكما. وما أعلم أحدًا خالفهما إلا عثمان البتي وسوار بن عبد الله فإنهما حكما بذلك. (349) واختلف الشافعي والكوفي إذا شهد كل واحد منهما على شهادة الشاهدين معًا فقال الشافعي: لا يحكم به حتى يشهد أربعة. فيشهد شاهدان على شهادة واحد. وآخران على شهادة الثاني. وأجاز ذلك مالك والكوفي وحكما به. وللشافعي قول آخر نحو ما قاله مالك والكوفي. هذا

مع اتفاقهم على أن لا يجوز أن يشهد رجل على رجل. بألف درهم. ثم يشهد مع آخر على شهادة شاهد ثاني, بهذا الألف. (350) واختلف الشافعي والكوفي في شهادة رجل وامرأتين على شهادة شاهد, فقال الشافعي: لا أقبل شهادة النساء بحال على شهادة رجل, ولا على شهادة امرأة. وقال الكوفي وصاحباه: لو شهد شاهد وامرأتان على شهادة رجلين. أو على شهادة امرأة قبلتها. ولا أقبل أقل من ذلك. (351) واتفق الشافعي والكوفي على أن الشهادة على الشهادة في أن القاضي قد حد فلانًا. جايزة. قلته على مذهب الشافعي تفريعًا. لنه قبل الشهادة على الشهادة في كل حق لآدمي. وإن كان حدًا وهذه الشهادة في حق آدمي لأنه إسقاط حد عنه وقال الكوفي نصًا. (352) واختلفا في الشهادة على الشهادة في إحصان من ثبت عليه الزنا. فأجازها الكوفي. وخرجته في مذهب الشافعي على قولين. كما

قال في حدود الله تعالى. أحدهما: أنها مقبولة. والثاني: أنها غير مقبولة وقد بينته. إن هذا أصحهما لدرئ الحدود بالشبهات. (353) واتفق الشافعي والكوفي: على أنهما لو شهدا على شهادة رجلٍ وجرحاه بعد جرحهما. لم يقبل [القاضي] شهادتيهما على شهادته. (354) واختلفوا إذا لم يعدلا من شهدا على شهادته ولم يجرحا. فقال الشافعي: قبل الحاكم منهما وسأل عن عدالة المشهود على شهادته. وقال ابن أنس: لا يقبل منهما حق يعدلاه. قال: محمد بن الحسن. (355) واتفق الشافعي والكوفي, إذا عدلاه: فمذهب الشافعي: أن ينظر القاضي في الشاهدين. فإن كانا في موضع يسألهما القاضي عن العدالة. اكتفى بتعديلهما. وإن كانا عدلين, ولم يكونا في موضع من لأن. عن التعديل. لم يكتف بقولهما. حتى يسأل عن عدالة المشهود على

شهادته. قلته تفريعًا على ما ذكره من صفة المعدل. وصفة الشاهد: وقاله الكوفي عن أصحابه. ذكره الطحاوي في كتابه نصًا.

باب: كتاب القاضي إلى القاضي

[41] باب: كتاب القاضي إلى القاضي (356) واتفق الشافعي والكوفي على أن كتاب القاضي إلى القاضي مقبول في حقوق بني آدم. عدا حد القذف والقصاص في النفس. والجراح. فإنهما اختلفا في ذلك. فقال الشافعي: كتاب القاضي إلى القاضي جائز في حقوق الناس من الأموال والجراح وغيرهما. وقال الكوفي وصاحباه: لا يجوز في حد ولا قصاص. (357) واختلفا في حدود الله. فقال الشافعي فيها قولين: أحدهما: أنه جائز. والآخر: أنه غير جائز. وهذا أصحهما عندي من قبل درئ الحدود بالشبهات. وقال الكوفي: لا يقبل كتاب قاضي في حد ولا قصاص.

باب: كتاب الخليفة وقاضي الرستاق

[42] باب: كتاب الخليفة وقاضي الرستاق (358) اتفق الشافعي والكوفي على أن كتاب الخليفة والأمير الذي استعمل القاضي. وكتاب قاضي مدينة فيها منبر وجماعة. أو مصر من الأمصار مقبول. (359) واختلف في كتاب [قاضي] الرستاق والقرية وعاملها. فمذهب الشافعي: أن ينظر في ذلك. فإن كان القاضي الذي كتب قاضي قرية ورستاق بعيدة. لا يكلف أهلها حضور مجلس الحكم, وذلك أنه قال وكتاب القاضي إلى القاضي. والقاضي إلى الأمير, والأمير إلى القاضي, والخليفة إلى القاضي سواء. فعم القضاة, ولم يخص قاضيًا دون قاضي. وإن كان

الرستاق والقرية قريبة حتى كلف أهلها حضور مجلس الحكم نظر. فإن كان الكتاب كتاب حكم. قبله. فإن رآه صوابًا أنفذه, وأخذ به المحكوم عليه. وإن كان الكتاب كتاب يثبت بينة عنده لم يقبل حتى تعاد البينة عنده. وذلك أنه قال إذا كان بلد منه قاضيان كبغداد. فكتب أحدهما إلى الآخر بما ثبت عنده من البينة. لم ينبغ له أن يقبلها حتى تعاد عليه. إنما تقبل البينة في البلد النائية التي لا يكلف أهلها إتيانه. قلت أنا, وذلك عند أصحابنا ما يأويه الليل بعد القيام من المجلس. وقال الكوفي: لا أقبل كتاب قاضي رستاق ولا قاضي قرية, ولا عاملها. وإنما أقبل كتاب قاضي مصر إلى الأمصار, أو مدينة فيها منبر.

باب: كتاب قاضي مصر كتبه في غير موضع قضائه أو ورد عليه كتاب قاض وهو في غير عمله

[43] باب: كتاب قاضي مصر كتبه في غير موضع قضائه أو ورد عليه كتاب قاض وهو في غير عمله (360) قال: وإذا كتب قاضي مصر إلى قاضي مصر كتابًا كتبه وهو في موضع ليس في عمله. والذي يجب على مذهب الشافعي أن ينظر. فإن كان قد أشهد عليه شاهدين, وقرأه بحضرتهما. وهو في موضع من عمله. إن ذلك مقبول. وإن كانت منه, أو من كاتبه في موضع ليس من عمله لم يقبل, وإن كان إشهاده الشاهدين, وقراءته الكتاب عليهما, وختمه في موضع ليس من عمله لم يقبل. وإن كانت الكتابة فيه أو من كاتبه كانت في عمله.

باب: إرسال القاضي رسولا إلى القاضي, أو تلقاه بنفسه فيخبره

[44] باب: إرسال القاضي رسولا إلى القاضي, أو تلقاه بنفسه فيخبره (361) قال: واختلفوا إن لم يكتب إليه كتابًا, ولكنه أرسل إليه شاهدي عدل رسولاً. فقياس قول الشافعي أنه مقبول فيهما. كما قطع به الشهادة. كما يكون ذلك في الشهادة على الشهادة. وذلك أنه قال: لو انكسر الخاتم. أو أمحا من الكتاب بعضه شهدوةا. إن هذا كتابه قبله وليس في الخاتم معنى إنما المعنى ما قطعوا به الشهادة. كما يكون ذلك في ذكر الحقوق, وكتب التسليم بين الناس, هذا نص قوله. كلما كان تقبل الشهادة على التسليم والحقوق. وإن لم يكن قباله. فكذلك شهادتهم على ما استرعاهم القاضي, وإن لم يكن كتاب فأبى قبول ذلك الكوفي وصاحبيه. وذكره الخصاف في كتابه نصًا.

ولو التقى قاضيان في موضع فأخبر أحدهما صاحبه ذلك من غير كتاب كتبه. ولا رسول أرسله. فإن كان الموضع من عمل قضاء أحدهما دون الآخر لم يجز. قلته على مذهب الشافعي تفريعًا لأن كل واحد منهما في غير عمل قضائه كواحد من الرعية. وذكر الخصاف عن الكوفي نصًا. فإن كان الموضع الذي أخبره به هو من عملهما جميعًا. فقياس قول الشافعي أن ينظر. فإن كان الموضع الذي شهدت الشهود عند المخبر بعيدًا من مجلس القاضي المخبر [قبله] وإن كان قريبًا. فإن أخبره بما حكم به. قبله وأنفذه. وإن أخبره بما صح عنده من البينة. وإن لم يكن حكم به لم تقبل. لما حكيت عنه نصًا. من كتاب القاضي إلى القاضي إذا كانا جميعًا في بلدٍ واحد في الباب قبله. وقياس قول الكوفي أن يجيز ذلك كله. لأن الخصاف حكى إنما لا يجيز إذا كان الموضع في عملٍ أحدهما. وقد يحتمل على مذهب الشافعي على قول الذي يرى القاضي الحكم بعلم نفسه. قول آخر. وهو أن ينظر إلى عمل المخبر دون المُخبر به.

باب: كتاب قاضي البغاة

[45] باب: كتاب قاضي البغاة (362) قال: واختلفوا في قبول كتاب قاضي أهل البغي إذا كتب إلى قاضي أهل العدل. فقال الشافعي: ولو كتب قاضي أهل البغي إلى قاضي أهل العدل بحق ثبت عنده لرجل على آخر من غير أهل البغي. فالأغلب عليه من هذا خوف أن يكون يرد شهادة أهل العدل بحق يثبت عنده. وبخلاف رأيه. وتقبل شهادة من ليس بعدلٍ بموافقته ومنهم من هو مخوف أن يكون يستحل بعض أخذ الأموال من الناس بما أمكنه. وأحب إلي أن

لا يقبل. كتابه. وكتابه ليس بحكم نفذ منه. فلا يكون للقاضي رده إلا بجورٍ تبين له. ولو كانوا مأمونين على ما وصفنا بدأ من كل خصلة منه, وكتب من بلاد نائية يهلك حق المشهود له. إن رد كتابهم. فقبل القاضي كتابه كان وجهًا والله أعلم. وكان كتاب قاضيهم إذا كان كما وصفت من فوت الحق إن رد شبهًا بحكمه. (363) وقال: لو ظهر أهل البغي على مصر فولوا قضاءه رجلًا من أهله معروفًا. بخلاف رأي أهل البغي فكتب إلى قاضي غيره. نظر. فإن كان القاضي عدلًا وسمى شهودًا شهدوا عنده. فعرفهم القاضي المكتوب إليه بنفسه. أو عرفهم أهل العدالة بالعدل. وخلاف أهل البغي. قبل الكتاب. وإن لم يعرفوا الكتابة كما وصفنا من كتاب أهل البغي. وقياس قول مالك أنه لا يقبل كتابه بحالٍ لأنه قال لا أجيز شهادة من يخالف الحق من أهل الأهواء والخوارج, لأن المخالف للحق غير عدل. وقبله أصحاب الكوفي على قوله.

باب: كتاب قاضي أهل الأهواء

[46] باب: كتاب قاضي أهل الأهواء (364) قال: وإذا كتب قاضي أهل الأهواء إلى قاضي كتابًا فقياس قول الشافعي: أن ذلك مقبولًا إلا أن يكون من الخطابية. كما قال في قبول شهادة أهل الأهواء سوى الخطابية فإنه يشهد بعضهم لبعض لموافقته. فكذلك رد كتاب قاضيهم خيفة أن يقبل شهادة من لا يجوز قبولها لموافقته. وقياس قول مالك أن لا يقبل كتاب قاضي أهل الأهواء. لما وصفت من رد شهادة من خالف الحق من أهل الأهواء. وقوله: أن المخالف غير عدل. وكذلك قياس قول الكوفي ومحمد بن الحسن. وقياس قول أبي يوسف

أن لا يقبل كتاب قاضي يشتم الصحابة كما قال في رد شهادته. لأنه يفسقه كما يفسق من يظهر شتم المسلمين. فأكبر كتاب قاضي يكتب إلى قاضي بما وصفنا, أو يكتب إلى فقيه ليعقد نكاحًا, وليس مع الكتاب شاهدٌ.

باب: وجوه كتاب القاضي إلى القاضي

[47] باب: وجوه كتاب القاضي إلى القاضي (365) قال: وكتاب القاضي إلى القاضي ليعمل عليه المكتوب إليه أربعة أحدهما: كتاب القاضي على هارب هرب من القاضي بعد أن حكم عليه في ذمته. بحق للطالب وأخذ بالخروج مما ثبت عنده عليه في ذمته, وهرب إلى الكوفة. فسأل المدعي أن يكتب له القاضي كتابًا إلى قاضي الكوفة يأخذ بما ثبت عليه عنده. والثاني: كتاب القاضي بما ثبت عنده من البينة على رجل غائب بالكوفة. فكتب إلى قاضي الكوفة يعلمه أن قد ثبت عنده بينة فلان على فلان. بما ادعى قبله. وهو كذا فيصفه على ما ثبت به البينة عنده.

والثالث: كتاب قاضي قضا به على غايب بالكوفة بما ثبت عنده. فكتب إلى قاضي الكوفة بعلمه ذلك لينفذ عليه قضاءه ويأخذه به. الرابع: أن يقضي على رجل حاضر في دار, أو مملوك, أو دابة أو شيء من العروض بعينه, والشيء المحكوم به في بلد الكوفة. فيكتب إلى قاضي الكوفة بتسليم ذلك الشيء الذي حكم به إلى المدعي. فأما كتاب القاضي إلى الهارب. بعد الحكم فيما حكم عليه في ذمته للطالب. فلا خلاف فيه. وإن كان هربه بعد صحة الدعوى في وجوب الحكم عليه قبل أن يحكم به. فقد اختلفوا فيما يجب على القاضي فيه. فمذهب الشافعي في ذلك أن يقضي عليه. وإن كان غايبا. ثم يكتب إلى قاضي البلد الذي هرب إليه بما صح عنده, وبما حكم به عليه حتى يأخذه بإنفاذ الحكم عليه, والخروج بما أوجبه القضاء عليه وبه قال: أبو يوسف إلا أنه قال: إذا أراد القاضي أن يقضي عليه, وهو هارب, وكل عنه ثم قضى. وقال: محمد بن الحسن: إن كان ما صح عليه بينةٍ قامت عليه, وهو

حاضر. ثم هرب. لم يقض بما صح عنده. وإن كان ثبت ذلك بإقرار منه عند القاضي. قضى به عليه. وإن كان غايباً. ثم كتب للمدعي به كتابًا إلى البلد الذي هرب إليه. وأما كتاب القاضي بما ثبت عنده من البينة. فإن كان ذلك في حق في الذمة. أو نكاح, أو طلاق, أو رجعة, أو إثبات وكالة أو وصية, أو غير ذلك. ما لم يكن في مال بعينه, فمقبول عند الشافعي والكوفي. (366) واختلفا إذا كانت الدعوى في عين كالرقيق, والحيوان, والعقار, والعروض. فللشافعي في ذلك قولان: أحدهما: أنه يقضي بالعبد, والدابة, والعقار والعروض بالاسم والصفة. وإن كانت غائبة عنه, ويكتب له كتابًا إلى قاضي البلد الذي به ذلك الشيء. كما يحكم على غايب باسمه إذا ورد على القاضي المكتوب إليه كتابه, وأراد أخذه به. استحلف المدعي إذا أحضر العين. بالله إن هذا لحقك الذي شهد به لك شهودك عند القاضي فلان. والقول الثاني: أن يقضي للأول. بما ثبت عنده, ولا يقبل فيه كتاب

قاضي حتى يأتي الشهود الدار التي بها ذلك الشيء فيشهدوا على عينه, والأول أصحهما. وقال الكوفي ومحمد بن الحسن: لا أقبل كتاب القاضي في شيء منه بعينه إلا العقار فإنه لا يحول عن موضعه. وأما الرقيق, والدواب والعروض, التي تنقل فلا يلتفت إلى الكتاب دون أن يجيء الشهود بأعيانهم حتى يشهدوا عليه بعينه. وقال أبو يوسف: لا يقبل كتاب القاضي في الأئمة خاصة. استحسنه. ويقبل في العبد, والدابة والعروض والعقار, فإذا ورد على القاضي الكتاب في عيدًا, أو دابة, قبله, وختم في عتق العبد, والدابة برصاص, ويؤخذ من المدعي كفيل بالقيمة بعد ما يأمر ذوي عدل. أن يقوماه. ويبعث بالعبد والدابة إلى قاضي كتب إليه حتى يشهد الشهود على عين العبد والدابة. ثم يكتب له القاضي الأول كتابه آخر بذلك. فإذا ورد كتاب الثاني عليه دعا بصاحب العبد, وأبرأ الكفيل. وأخبره بما في الكتاب, وأن البينة قد صحت على عين العبد والدابة فهل من حجة لك. فإن لم يأت بمخرج حكم عليه وقضى

للمكتوب له بالعبد. وقال: ابن أبي ليلى في الأمة, وساير الرقيق, والدواب, والعروض التي تنقل بمثل ما قاله أبو يوسف فيما عدا الأماء. فإن ابن أبي ليلى قبل الكتاب في الأمة. وقال: أبعثها مع ثقةٍ إلى القاضي الأول. الذي كتب الكتاب. وأما كتاب القاضي فيما قضى به على رجل حاضر في دار أو مكملوك, أو دابة, أو سلعة. وذلك غايب عن بلده فكالمسألة قبلها مختلف فيها, فقبل الشافعي كتاب القاضي في ذلك. على الاسم والصفة والتحديد في العقار. فإذا صح عنده أنه كتاب القاضي أثبت حكمه وأنفذه وسلم المحكوم به إلى الطالب. وأما الكوفي ومحمد: فأنهما لا يقبلان إلا في العقار خاصة. وأما أبو يوسف: فإنه يقبله في كل شيء إلا في الأماء خاصة. وقال: قلته في الأمة لا يقبل. كتاب قاضي استحسانا. وأجازه ابن أبي ليلى في كل ذلك, وقال: ابعث الأمة مع ثقة. وأما كتاب القاضي فيما قضى به على غائب, فإن الشافعي قال: يقبله المكتوب إليه وينظر فيه فإن كان ما قضى به حقًا عنده دعا بالمحكوم عليه, وقرأ عليه الكتاب

الذي ورد عليه فيه وأخبره أن ذلك قد ثبت عليه بحكم فلان القاضي, وقد أنفذ عليه ذلك. ثم أخذه بالتسليم. وأما الكوفي وصاحباه فلا يرون القضاء على الغايب. فكذلك لا يقبلون كتاب القاضي في حكمه على الغايب. وقد مضى الحكم على الغايب في باب قبل هذا.

باب: تعريف الأنساب وتحديد العقار في كتاب القاضي إلى القاضي

[48] باب: تعريف الأنساب وتحديد العقار في كتاب القاضي إلى القاضي (367) قال الشافعي: وينبغي يعني للقاضي إذا كتب كتابًا يذكر رجلًا أن يرفعه في نسبه, ويذكره بصناعته, أو قبيله, أو أمر يعرف به. فإذا ورد الكتاب على القاضي دعى بالمكتوب فيه, وقرأ عليه الكتاب. فإن أقر به المكتوب عليه ذلك الكتاب أخذه به سواء كان قد رفع في نسبه, أو لم يرفع أو ذكر بصناعة. أو لم يذكر. وإن أنكر لم يؤخذ به حتى تقوم بينة أنه المكتوب عليه هذا الكتاب. وإذا قامت عليه بينة بهذا الاسم والنسب والقبيلة, والصناعة. فكان في البلد مثله في النسب والاسم,

والصناعة لم يحكم عليه حتى يثبتوا بما يعرف به من ذلك الرجل, أو يقطع شهود الكتاب, أن هذا هو المكتوب عليه دون غيره. (368) قال: وإن يعرف في البلد مثله, وادعى أن في البلد باسمه ونسبه, وصناعته غيره. أو ادعى أن خارج البلد مثل ذلك. فعليه إقامة البينة بذلك. حتى يصح عند القاضي. (369) قال: وإن أقام بينة أنه قد كان في البلد, أو القبيلة رجل على ذلك الاسم. وقد مات لم أقبل ذلك منه, إذا كان موته قبل تاريخ شهادة الشهود بالحق الذي في كتاب القاضي, إلا أن يكون في الكتاب أن البينة صحت عندي على فلان. وقد مات. هذا قول الكوفي نصًا. وقياس قول الشافعي إلا أن الاسم حتى اشتبه لم يقض حتى يمتاز بشيء لا يوافقه غيره, أو يقطع بينة أنه المكتوب عليه بعينه إلا أن يكون ذلك كتاب حكم, على رجل حاضر, يذكر القاضي في كتابه أنه حضرني. وكان تاريخ الكتاب متأخرًا عن تاريخ موت الميت. فعرف لا محالة أنه لم يكتب على ميت. وقال الكوفي لا أقبل الكتاب. من القاضي على رجل حتى ينسبه إلى أبيه

وجده, أو أبيه, فخذه من القبيلة, وأن نسبه إلى أبيه. وقال الكوفي, أو بصري لم يقبل. وكذلك لو نسبه إلى أبيه وإلى بكر بن وائل, أو إلى تميم, أو همدان أبطلت ذلك حتى ينسبه إلى فخذه الذي هو منه لو أجزت هذا أجزت أن ينسبه إلى العرب, والعجم, وإلى أهل اليمن, ومصر حتى يدخل منه أيضًا من بني آدم, ولا يقبل ذلك حتى ينسبه إلى أدنى الأفخاذ إليه التي هو منها. بعد أن تكون قبيلة عليها. العراقة. ولا يراد منه دون ذلك, ولا يقبل فوق ذلك. إلا أن يكون رجلًا مشهورًا معروفًا أشهر من القبيلة. فيقبل إذا نسب إلى تلك الشهرة. ولو كتب إلى عبد كتابه فكتب لفلان على فلان السندي عبد فلان بن فلان الفلاني كذا. أجزت, وكذلك أن نسب العبد إلى عملٍ, أو تجارةٍ يُعرف بها أجزت ذلك. وإن جاء بكتاب بأن العبد له لم أجره ذلك وهما في القياس سواء. وقال أبو يوسف وإذا لم يكن في داخل الكتاب اسم للقاضي الكاتب, والمكتوب

إليه لم يقبل. وكذلك إن كان فيه اسما, وهما بغير أسماء الآباء لم يقبل. وإن كان فيه أسماؤهما, وأسماء الآباء. قبل وقال الكوفي لا يقبل حتى يشهد الشهود على ما في جوفه. وإن كان فيه من ابن فلان إلى ابن فلان. فإنه لا يجوز. إلا أن يكون مشهورًا. مثل ابن أبي ليلى, وابن شبرمة. وإن كان فيها كناهما ولم يكن فيه أسماؤها لم يقبل. إلا أن تكون كنيته مشهورة كشهرة أبي حنيفة. (370) قال: واختلفوا إذا لم يكن على كتاب القاضي عنوان ولا ختم. فقال الشافعي: وإذا ترك القاضي أن يكتب اسمه في العنوان. وانكسر خاتمه قبله إذا شهد الشهود أن هذا كتابه إليه. ألا ترى أني أنظر إلى موضع الحكم في الكتاب. ولا أنظر إلى كلام غير الحكم, ولا الاسم, فإذا أشهد الشهود على اسم الكاتب المكتوب إليه قبلته. وكذلك قياس قوله إذا لم يكن في داخله اسم القاضي الذي كتب إليه. إلا المكتوب إليه إذا قطع الشهود الشهادة. إن هذا كتاب فلان إليه. وقال الكوفي ومحمد: لا أقبله حتى يكون عليه عنوانه, وختمه. إلا أن يشهد الشهود على ما في جوفه. يعني من

حفظهم, أو نسخة في أيديهم. من بل أن يفتح القاضي الكتاب. وذلك أن الحسن بن زياد حكى عن الكوفي أنه قال: فإن قرأ عليهم الكتاب ولم يختمه بحضرتهما بن زياد حكى عن الكوفي أنه قال: فإن قرأ عليهم الكتاب ولم يختمه بحضرتهما ثم لا يحفظون ما فيه. وليست بسخته معهم. لم يجز ذلك. وقال أبو يوسف: يقبله إذا كان عليه ختمه. وإن لم يكن عليه عنوانه إذا أشهد الشهود أنه كتاب فلان القاضي إليه, ولا يفتح الكتاب إذا كان عليه ختم. ولا عنوان عليه حتى شهد الشهود أنه كتاب القاضي فلان إليه. (371) واتفق الشافعي والكوفي على العقار إذا حددت بحدودها الأربعة دون موضعها من الطسوح والبلد أو القرية والرستاق والكورة, لم يجز. وكذلك لو بين موضعها من الطسوح والبلد والقرية والرستاق والكورة إلا أنها حدت بحدين لم يجز. وكذلك حدت بثلاثة حدود. وهي متداخلة الحد الذي ترك. إن ذلك لا يجوز. (372) واختلفوا فيه إذا كان الحد الذي ترك غير متداخل بل

كان مستويًا. فاتفق أصحاب الشافعي على مذهبه أن ذلك لا يجوز, وأجازه الكوفي وصاحباه. وكتبوا له بذلك كتابًا إلى القاضي.

باب: الشهادة على كتاب القاضي

[49] باب: الشهادة على كتاب القاضي (373) قال: واختلفوا في صفة الشهادة على كتاب القاضي. فقال الشافعي ومالك وأبو ثور: لا يجوز فيه أقل من شاهدي عدل. وقال الكوفي وصاحباه: يجوز فيه شاهد وامرأتان. (374) واختلفوا إذا ختم القاضي كتابه. وقال أشهدكما علي بما فيه. فقال الشافعي ومالك وأبو ثور والكوفي: لأم يجز لهما أن يشهدا بذلك! , وقال ابن أبي ليلى: إذا كان الكتاب مختومًا جاز لهما أن يشهدا به.

باب: نسخة كتاب القاضي إلى القاضي

[50] باب: نسخة كتاب القاضي إلى القاضي (375) بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من فلان بن فلان القاضي إلى فلان بن فلان بن فلان القاضي. أما بعد: عافانا الله وإياك. فإن فلان بن فلان بن فلان الفلاني ونحلته بصفته وينسبه إلى فخذه من القبيلة إن كان من العرب وإلى صناعة إن كانت له. صاحب كتابي هذا حضرني في مجلس حكمي. وقضائي بمدينة أهل طبرستان. فذكر أن له على فلان بن فلان الفلاني. ونحلته بصفته كذا وكذا دينارًا ذهبًا عينًا وازنة بالمثاقيل, جيادٍا عتقًا صحاحًا حقًا واجبًا ودينًا لازمًا. وإنه قد طالبه بذلك مرة بعد أخرى. فأنكره وجحده. وإنه ممتنع من أدائه حقه هذا ظلمًا وعدوانا وذكر أنه مقيم بناحيتك. وإن له عليه بصحة دعواه هذه شهودًا بحضرتي, فنصبت عنه وكيلاً,

وأذنت له في الدعوى عليه, وأمرت الوكيل أن يدفع عن فلان الغايب, هذا, ويذب عنه فادعى على وكيله عندي في مجلسي على ما وصفته في كتابي هذا. فأنكر هذا الوكيل عنه هذه الدعوى وجحدها, فكلفته إيضاح دعواه ببينة إن كانت له. فأحضرني جماعة شهود منهم فلان بن فلان بن فلان الفلاني, ويسمى كل واحد ممن عدل من شهوده وينسبه إلى جده وقبيلته. إن كانت له أو صناعة وتحلية بصفته, ويذكر موضعه من البلد, ويصف شهادة كل رجل بما شهد له به عنده. وربما ثبت عنده من عدالته ومحل كل رجل منهم من الستر والصلاح. وجواز الشهادة. وإني قبلت شهادتهم هذه على فلان بن فلان هذا المدعى عليه. وهو غايب عن مجلس حكمي وقضائي. بأهل طبرستان وحكمت عليه بحضرة وكيلة الذي نصب عنه, بصحة هذا المال المذكور في هذا الكتاب. لفلان بن فلان الفلاني, هذا المدعي, ومبلغه كذا وكذا دينارًا ذهبًا عينًا وازنة بالمثاقيل عتقًا صحاحًا بما صح عندي من هؤلاء الشهود, وجعلته حكمًا لازمًا, وقضاء فصلًا, منبرمًا. ثم أن فلان بن فلان هذا المدعي سألني الكتاب إليك بذكر ما جرى عندي. وثبت له في مجلس حكمي وقضائي, وبما حكمت له به عليه, وأنفذت عليه به قضائي, ليكون

حجة له عندك, فأجبته إلى ذلك وكتبت له تذكرة كتابي هذا إليك. وأشهدت على جميع ما فيه فلان بن فلان الفلاني وفلان بن فلان الفلاني, بعدما قرأت ذلك كله عليهما. وإن كان المشهود على كتابه من العجم زاد في كتابه مترجمًا بالفارسية حتى سمعا ذلك كله مني وفهماه, واستوعباه حرفًا حرفا. وختمت كتابي هذا بحضرتهما من ساعة فرآني له عليهما. قبل أن يغيبا وعنونته, ودفعته, إليهما نسخة كتابي هذا حرفًا بحرف قد عارضا به. وقابلاه, وأنفذت إليك كتابي هذا لنعمل في ذلك على ما أمرك الله ورسوله, موفقًا إن شاء الله. ثم يعارض الكتاب بالنسخة حرفًا حرفا بحضرتهما, ثم يطوي الكتاب ويختمه بحضرة الشاهدين قبل أن يغيبا, ويعنون الكتاب, ويكتب عليه من فلان بن فلان القاضي إلى فلان بن فلان القاضي. ويدفعه إلى المدعي. يدفع نسخة ذلك بعدما قابل به حرفًا بحرف إلى الشاهدين من غير ختم ولا عنوان. (376) قال: وإذا كان المكتوب عليه هاربًا إلى موضع لا يعرف فقد اختلفوا في ذلك. فقياس قول الشافعي: أن يكتب عليه القاضي, كتابًا, ويكتب فيه, وعلى عنوانه من فلان بن فلان الفلاني. قاضي بلد كذا إلى من بلغه كتابي هذا من قضاة المسلمين. وكذلك قاله أبو ثور. وبه قال أبو

يوسف استحسانا, وأبى ذلك أبو حنيفة فيما حكاه بشر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة.

باب: ما يجب على القاضي إذا ورد عليه كتاب قاض آخر

[51] باب: ما يجب على القاضي إذا ورد عليه كتاب قاض آخر (377) قال: وإذا ورد على القاضي كتاب قاضي. بحق على رجل بناحيته فينبغي له أن يجمع بين حامل الكتاب وخصمه. ثم يدعوا بالكتاب والشهود الذين يشهدون على الكتاب. فإذا شهدوا إن هذا كتاب فلان بن فلان قاضي بلد كذا إليك. وهذا خصمه قبله. وكتاب تذكرة محضرًا نسخته. بسم الله الرحمن الرحيم: حضرني في مجلس حكمي وقضائي بمدينة أهل طبرستان فلان بن فلان الفلاني, وأحضر معه خصمه فلان بن فلان الفلاني, وأورد عليّ كتابًا يذكر أنه كتاب فلان بن فلان قاضي مدينة كذا الذي يذكر بينة أقامها عنده, وصححها لديه باسمه, واسم أبيه, وجده مختومًا عليه. فلم أنكر, الحظ, ولا الخاتم, وسألته شهودًا يشهدون له عندي على ما فيه, وعلى أنه

كتاب القاضي فأحضرني جماعة منهم. ثم يسمى الشهود بأسمائهم, وأسماء آبائهم, وأجدادهم وقبيلة إن كانت لهم, أو صناعة, وموضعهم من البلد, وما يعرفون به, فشهدوا أجمعون بكلمة واحدة, ولفظ واحد على عين هذا الكتاب الوارد علي وعلى ختمه أن هذا الكتاب. لظهور عدالتهم عندي ثم يفض الكتاب إن كان القاضي يعرف الشهود بالعدالة. وإن كان لا يعرف الشهود بالعدالة. لم يفض الكتاب, ولم يكتب في المحضر حتى يسأل عن الشهود. فإن لم يعدوا قال: للطالب زدني شهودًا على الكتاب. وإن عدلوا كتب أسماؤهم في المحضر على ما وصفت, وذكر أني سألت عن أحوالهم معد لي. ومن استبرئ بهم أحوال الشهود ببلد قضائي. فزكوا وعدلوا ونسبوا إلى الخير والستر والصلاح, وجواز الشهادة, فقبلت شهادتهم هذه, وأثبتها عندي. ثم يقض الكتاب الوارد عليه بحضرة الشهود, وحضرة المدعي. وخصمه, ويقرأ عليهم, ويستشهد الشاهدين ما فيه ويسلهما اخرج النسخة التي في أيديهما عند القراءة للمعارضة فإذا شهد أن هذا كتاب فلان بن فلان قاضي مدينة

الري إليك. وأنه قرأ عليهم الكتاب. وأشهدهم. على ما فيه, وأنه طوى الكتاب. وختمه بحضرتهم. قبل أن يغيبوا. فإذا شهدوا على ما وصفت قبله وأثبت الشهادة على المدعي عليه وأنفذها عليه. ولم يسأل عن عدالة البينة التي شهدت عند القاضي الكاتب, إذا كان قد ارتضاهم الأول. وسأل المدعى عليه إيراد حجة. فإن طلب المدعى عليه أن يطرد جرحهم أطرده. فإن أقام بينة أنهم عبيدًا وكفارًا ومحدودين في قذف, أو صغار. فلا خلاف بين الشافعي والكوفي أن البينة على ذلك مقبولة. قلته على مذهبهما تفريعًا. (378) واختلفا إن أقام البينة على أنهم فساق. فمذهب الشافعي أن ذلك مقبول إذا بينوا فسقه. وقياس قول: أبي حنيفة أن لا يقبله في الفس. فإن أطرده الجرح فلم يجرح وسأله إيراد حجة إن كانت له فلم يوردها. قضى عليه بذلك. وسجل عليه كتاب القضية بتفسير ما جرى.

وإن كان, قال المكتوب عليه أن القاضي الكاتب ظلمني في ذلك, وكتب بباطل. فلا خلاف أنه لا يسمع منه هذه الدعوى. إلا أن يدعي إقرار القاضي الكاتب بذلك, ويقيم بينة على إقراره بذلك.

باب: التغيير يلحق أحد القاضيين أو هما بعزل أو موت أو بتغيير حال قبل ورود الكتاب

[52] باب: التغيير يلحق أحد القاضيين أو هما بعزل أو موت أو بتغيير حال قبل ورود الكتاب (379) قال: وإذا كتب القاضي كتابًا, فمات القاضي الكاتب, أو عزل أو عمى, أو خرس, قبل ورود الكتاب, ثم ورد الكتاب على القاضي. فمذهب الشافعي في ذلك أن يقبل كتابه. سواء كان ما ورد كتاب حكم. أو كتاب فيما صح عنده من البينة وثبت. قاله في الموت والعزل نصًا. وقلته في العمى والخرس قياسًا. وبه قال: أبو ثور. وأبو يوسف. وإن كان القاضي الكاتب فسق, أو ارتد ثم ورد كتابه. فقياس قول الشافعي أن ينظر, فإن كان ما كتب به كتاب حكم قبله, كما لو قضى, ثم فسق, ولو كان كتاب يثبت شهادة. لم يقبل كشهادة على شهادة إذا فسق, أو ارتد المشهود على شهادته. قبل إنفاذ الحكم.

وقال الكوفي: في جميع هذه المسائل: لا يقبل كتابه إذا ورد. ولا خلاف بين الكوفي والمدني أن القاضي المكتوب إليه لو مات, أو تغير, أو عُزل, بعدما كتب إليه فحمل الكتاب إلى غيره. أنه لا يقبله. لأنه ليس المكتوب إليه ولا خليفة قائم مقامه. (380) واختلفوا فيه إذا مات, أو عزل, أو تغير, فورد الكتاب على خليفته, فمذهب الشافعي في ذلك أن يقبله. قلته تخريجًا وكذلك مذهب الكوفي.

باب: القضاء على الغايب

[53] باب: القضاء على الغايب (381) قد اتفق الشافعي والكوفي لا خلاف بينهم على أن رجلًا لو ادعى على وارث مالًا. كان له على أبيه, وللميت ورثة غيب, وأقام على ذلك بينة. إنه يحكم به على الحاضر والغايب, وعلى الميت وإن كان في أكثر من معنى الغايب. (382) واتفقوا أيضًا على أن المفقود إذا ثبت عند الحاكم أنه مفقود, وأن له مالًا مودعًا عند رجل. إنه يحكم في مال المفقود بنفقة الزوجة والأولاد, ويباع عليه. لذلك عقاره. (283) واختلفوا إذا كان غايبًا, ولم يكن مفقودًا. فحكم عليه الشافعي. وكذلك قال أبو يوسف: إن كان له عين أو طعام حاضر فلا

يباع عرض. وأبى الكوفي ذلك وزعم أنه لأبيه أن يبيع مال ابنه الغايب لنفقته وكسوته إلا العقار. وأبى أبو يوسف ومحمد ذلك. إلا بقضاء قاضي. (384) واتفقوا أيضًا أن رجلًا لو ادعى أنه وكيل فلان الغايب بقبض هذا المال الذي على فلان. وأنكر ذلك فلان. وأقام الوكيل البينة على وكالته فأثبتها الحاكم. ثم أقام بينة على دعواه. وحق الغايب قبل غرمائه. أنه يحكم بدفع مال الغايب إليه. وكذلك لو اشترى رجل من رجل عبدا. فغاب المشتري غيبة لا يعرف مكانها. وكان البايع لم يقبض ثمن العبد. فأقام بينة على البيع, وأنه لم يقبض الثمن. أن العبد يباع على مشتريه, ويدفع إلى البايع ثمن عبده الذي باعه, وإن كان المشتري للعبد غايبًا. وكذلك لو ادعى أن فلانًا الغايب مات وأني وارثه لا وارث له غيري. وأقام على ذلك بينة. حكم على الغايب بالموت, وبقسمة ماله, وكذلك لو ادعى أنه وصيه. (385) واتفقوا أن رجلًا لو ادعى على عبد رجل. والرجل غايب.

أن هذا عبد فلان الغايب, أذن له في التجارة, وأن له على عبده هذا دينًا مبلغه كذا وكذا, وليس عند العبد وفاء وأقام على ذلك بينة: فإن العبد يباع, ويستوفي حقه الذي ادعاه. وكذلك لو ادعى رجل على رجل أن الدار التي في يديه اشتراها من فلان الغايب, وأنه شفيعها, وطالبه بالشفعة أنه يقضي له بالشفعة فيما قد ثبت أن المشتري الذي قبله الشفعة مشتري فلان البايع, وهو غايب. (386) واتفقوا على أن المرتد الحق بدار الحرب, فجاءت امرأته تطلب الحكم بالفراق. إنه يحكم لها على الغايب بالبينونة إذا قامت بذلك بينة عند الحاكم. (387) واختلفوا في كيفية الحكم, فأما الشافعي فإنه قال: إذا حلفت إن عدتها قد انقضت فقد بانت. وأما الكوفي وصاحباه: فإنهم قالوا إذا قامت بينة أن قد لحق الغايب بدار الحرب. يقضي لامرأته بالبينونة, وأن ديونه المؤجلة حالة لغرمائه.

يحكم لهم بالقبض, ويعتق مدبره, وأمهات أولاده, وقسمه ماله بين وارثه. (388) اتفقوا أن الصبي والمجنون يحكم عليهما فيما جنيا. وهما مما لا يقومان بحجتهما, ولو كان الحكم على الغايب غير جايز حتى يحضر ويقوم بحجته, لكان لا يجوز الحكم على صبي حتى يبلغ, ويقوم بحجته. (389) واتفق الشافعي والكوفي على أن المرأة لو أرادت تزويج من ليس بكفوء لها ولا كفوء لوليها. كان للسلطان منعها فإن أقامت بينة أن خابطها كفوء لها ولوليها. وكان الولي غايبًا. حكم بذلك. (390) واتفقا أنه لا يجوز القضاء على الغايب عن المجلس إذا كان حاضرًا في البلد حيث يمكن للقاضي إحضاره. قاله الكوفي نصًا. وقلته

على مذهب الشافعي تخريجًا. على ما قال في كتاب القاضي في البلد. ليثبت البينة أنه لا يقبله حتى يحضره البينة. (391) واختلفوا في غير ما ذكرناه من الدعاوى. فقال الشافعي: الأحكام كلها على الغايب كهي على الحاضر لا تختلف. وقال الكوفي: لا يحكم عليه في غير ما وصفنا. حتى يحضر الغايب أو وكيله. وقبله قال أبو يوسف ومحمد ثم رجع أبو يوسف. فقال بالأعذار, وتفسير الأعذار, أي يأمر القاضي بالنداء على باب المدعى عليه ثلاثًا. ينادي أن القاضي فلان بن فلان يقول إن خرجت إلى مجلس الحكم لخصومة هذا المدعي, أو نصب من يقوم مقامك في خصومته, وإلا نصب عنك وكيلًا يخاصم. فإن خرج أو وكل وكيلًا. وإلا نصب القاضي عنه وكيلًا, وسمع من بينة المدعي.

باب: هل يحل قضاء القاضي محرما إذا حكم بالظاهر

[54] باب: هل يحل قضاءُ القاضي محرما إذا حكم بالظاهر (392) اتفق الجميع على أن رجلًا لو ادعى على رجل مالًا من عين أو عرض, أو عقار. إنه له وأقام على ذلك شاهدي زور فعدلا في ظاهر الستر, وحكم الحاكم به للمدعي. لم يحل له أخذه. وإن كانت جارية لم يحل للمحكوم له وطئها, وحلال للمحكوم عليه وطئها, ويكره له الوطئ لئلا يعرض نفسه للتهمة, والحد, وكذلك لو اشترى ذلك أحد الشاهدين من المقضي له لم يحل له. ولو اشترى من المقضي عليه حلاله. وكذلك لو كان ادعى على أنه وهب منه هذا المال. وهذه الجارية. وأنه أقبضه. وأقام عليه شاهدي زور فحكم القاضي بظاهر الستر. كان الأول لا يحل

للمحكوم له, وكذلك لو ادعى أنه قتل وليه قتل عمدٍ, وأقام لذلك شاهدي زور. فحكم القاضي بظاهر الستر بالقصاص لم يحل له قتله. وكذلك ساير الجراحات زور, فحكم القاضي بظاهر الستر بالقصاص لم يحل له قتله. وكذلك ساير الجراحات, وكذلك لو ادعى رجل على ذي محرم أنها امرأته. فقضى القاضي معولًا يعلم أنها ابنته لا يحل له الوطئ. (393) وكذلك لو ادعى على امرأة بعد أن طلقها ثلاثًا أنها امرأته فقضى القاضي له. لم يحل وطئها. وكذلك لو ادعى على حرة مسلمة أنها أمته. فحكم الحاكم بأنها أمته ليحل له وطئها. (394) واختلفوا في رجل ادعى على امرأةٍ تحت رجل أنها امرأته بشاهدي زور استأجرهما, فشهدا للمدعي, وهما يعلمان أنها امرأة غيره. فقضى القاضي له بالمرأة لظاهر ستر الشاهدين. فقال الشافعي: ومالك هي امرأة الأول, ولا يحل للمقضي له وطئها ولا يبح قضاء

القاضي الفرج لغير زوجها الأول. وقال الكوفي هي امرأة المقضي له بها. يحل له وطئها. وحرام على زوجها الأول وطئها. وقال أبو يوسف ومحمد: حرام وطئها على الأول. والثاني لأن فرقة الحاكم فرقة. وإباحة الفرج للثاني ليست بإباجة وكذلك اختلفوا لو أن أحد الشاهدين ولي القضاء. فتخاصم إليه الزوج الأول والثاني. وقصا عليه القصة وأعلمه الزوج الأول أنك تعلم أنها امرأتي تزوجتها برضاها وولي وشهود عدول. وكنت أحد الشهود, وإن القاضي الأول حكم علي بما علم من شهادتك أنها امرأته, وقص المقضي له القصة إني قد استأجرتك حتى شهدت مع غيرك. وقضى لي القاضي بها. قال الشافعي: يجب عليه ردها إلى الأول لا يحل له غير ذلك. وقال الكوفي: يجب عليه ردها إلى هذا الثاني, ويمنع منها الزوج الأول. لا يحل له غير ذلك. قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن: يجب عليه

أن يمنعها منهما جميعًا. لا يحل له غير ذلك. (395) واختلفوا في امرأة ادعت على زوجها أنه طلقها ثلاثًا. واستأجرت لذلك شاهدي زور شهدا لها بذلك. فقضى القاضي لها بالطلاق على زوجها. فقال الشافعي: هي زوجته ولا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره. وقال الكوفي ومحمد: يحل لها أن تتزوج. وقال أبو يوسف: لا يحل لها أن تتزوج ولا يحل لها أن تمكن زوجها الأول من نفسها. واختلفوا في أن هذه المرأة التي أقامت شاهدي زور على زوجها بالطلاق ففرق الحاكم بينهما. وذهبت وتزوجت زوجًا غير غيره. فدخل بها. ثم أقامت شاهدي زور أيضًا. إن هذا الزوج الثاني طلقها أيضًا. ففرق الحاكم بينهما. فأرادات أن تنكح. فقال الشافعي: هي امرأة الأول ترجع إليه بالنكاح الأول لا يحل لها غير ذلك. وقال الكوفي: لها أن تنكح بالزوج الأول. وإن شاءت بأحد شهود الزور. وإن شاءت بغيرهم من الناس, وبه قال محمد. وقال أبو يوسف: لها أن تتزوج بالزوج الأول. لا يحل لها إلا ذلك. ولا يحل للأول إلا

بنكاحٍ. ولا يجوز لها: أن تتزوج بغيره. (396) واختلفوا في أمة لرجل ادعت على سيدها إنه أقر أنها ابنته. وأقامت شاهدي زور. فقضى القاضي الظاهر سترهما بأنها بنته. قال الشافعي: هي أمته كما كانت يحل له وطئها. ولكني أحب أن لا يعرض نفسه للتهمة بوطئها. وإن كان حلالًا له ولا يحل لها أن ترثه. وقال الكوفي: لا يحل له وطئها ويحل لها أن ترثه. وقال أبو يوسف: لا يحل له وطئها ولا تحل لها أن تأخذ من ميراثه شيئا. (397) واختلفوا في رجل باع من رجل جارية بيعًا صحيحًا ثم جحد المشتري أن يكون اشترى, وحلف, وقضى القاضي بردها على البايع. فقال الشافعي في ذلك للقاضي أن يقول للمشتري إن كنت اشتريتها منه فقد فسخت البيع, ويقول للبايع إنك قد قبلت الفسخ ليحل له الفرج, وللمشتري إن اشترى.

قال الشافعي: فإن أبى المشتري أن يقول ما أمره القاضي ففيها أقاويل. أحدها: لا يحل فرجها للبايع. قال أبو العباس: وهذا أصح الأقوال. فينبغي في هذا القول أن يأذن القاضي للبايع أن يبيعها, ويستوفي ثمنها ممن باع. والقول الثاني: أن المشتري لما حلف ورد البيع برضاه فللبايع أن يسترجع إن شاء ليحل له الفرج. والقول الثالث: قياسًا على المفلس أنه لم يصل البايع إلى الثمن فكان له نقص الثمن فكذلك هذا. وقال الكوفي: إذا أجمع البايع على ترك الخصومة فلا بأس له أن يطئ الأمة, ويبيعها. وإن كان طعامًا أكله. وإن كان ثوبًا لبسه. وكذلك إن كان المشتري ادعى أنه أقاله. وأقام بينة. أو ادعى عيبًا لم يكنز فأقام بينة فقضى القاضي بردها على البايع. فإذا أجمع على ترك الخصومة جاز له وطئها وبيعها. وبه قال أبو يوسف.

(398) واختلفوا في رجل ادعى على رجل أنه اشترى منه أمته بألف. وأقام على ذلك بينة زور. فقضى له بها القاضي, وأمره بدفع الثمن. قال الشافعي: لا يحل له وطئها. وقال الكوفي: يحل له وطئها. وإن كان يعلم أنه ما اشتراها. وقال أبو يوسف: لا يحل للمشتري وطئها, ولا للبايع. ما دام في يد المشتري. وإن كان البايع هو المدعي للبيع والمشتري منكر فأقام البايع شاهدي زور. وحكم القاضي بالبيع. قال الكوفي: هذا والأول سواء. يحل للمشتري وطئها. وقال أبو يوسف: إن رضي المشتري بذلك وسعه وطئها. وإن لم يرض, وكان يطلب حجة لنقضه لم يحل له وطئها. وإن وطأ. أو كانت دابة فركب أو ثوبًا فلبس. فذلك يرضا بالبيع ولا يحل له الخصومة.

باب: خطأ القاضي يرفع إلى قاضي غيره

[55] باب: خطأ القاضي يرفع إلى قاضي غيره (399) اتفق الجميع على أن ليس للقاضي أن يتعقب حكم من كان قبله وعلى أنه إن رفع إليه قضية قاضي. كان فاسقًا, أو مرتشيًا أو ساقط العدالة. لا يجوز قضاؤه. كان عليه نقضه واستئناف الحكم بين الخصمين. (400) واتفقوا على أنه إن رفع إليه قضاء قاضي عدلٍ فوجده قد خالف نص كتاب, أو سنة, أو إجماع كان عليه نقضه, وإن عليه رده على نفسه إن أخطأ في مثل ذلك. (401) واختلفوا فيما دون ذلك. فقال مالك بن أنس: إذا ما رفع

إليه من قضاء قاضي قبله لم يجز له إنفاذه إلا فيما يجوز له أن يبتدئ الحكم به. وكذلك حكى أبو ثور, وأبو عبد الرحمن عن الشافعي. وبه قال: أبو ثور. وقال: الشافعي في كتابه الجديد من رواية الربيع عنه إذا حكم القاضي بحق. ثم رأى الحق. فإن كان الأول خالف كتابًا, أو سنة, أو إجماعًا, أو أصح المعنيين فيما احتمل الكتاب, أو السنة. نقض قضاء الأول على نفسه. وكل ما نقض على نفسه نقضه على من قضى به إذا رفع إليه, ولم يقبله. فمن كتب به إليه, وإن كان محتملًا للقياس. وليس للآخر تأثير حتى يكون الأول خطأ في القياس استأنف الحكم في القضاء الآخر بالذي رأى آخرًا ولم ينقض الأول لأنه إذا احتمل المعنيين معًا. فليس براده من خطأ بين إلى صواب بين. وما لم ينقضه على نفسه لم ينقضه على أحد حكم به قبله. ولا

أحب له أن يكون منفذًا له إن كتب به إليه قاضي غيره. لأنه حينئذ مبتدئ الحكم به. ولا يبتدئ الحكم بما يرى غيره أصواب منه. وقال الكوفي: ينبغي للقاضي أن ينفذ قضايا القضاة التي ترفع إليه, ويحكم به إلا أن تكون القضية خلاف الكتاب والسنة. أو خلاف إجماع العلماء. أو أن يكون القاضي محدودًا بالقذف. أو فاسقًا لا يستحق مثله القضاة. فإنه لا ينفذها, ولا يحكم بها. ولو كان قضاؤه مما اختلف فيه الفقهاء أن ينفذه. (402) قال ابن سريج: ابن جرجان هذا رجل من أهل البصرة. (403) قال: فإن قضى بإبطالها قاضي. ثم رفع إلى قاضي ثالث. أبطل نقضه. وأنفذ قضاء الأول. (404) فلو أن رجلًا قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق ثلاثًا. ثم

تزوجها, فخاصمته المرأة. فقضى القاضي بينهما أنها امرأته. وأبطل عنه الطلاق. ثم خاصمت إلى قاضي آخر. يرى أن ذلك الطلاق يعمل. فإن على القاضي الثاني أن ينفذ قضاء الأول, ويمضه. لأن كثيرًا من الفقهاء يقولون بذلك. فأما الزوج إذا كان عالمًا يرى أن الطلاق يعمل. فلا يسعه المقام. وكذلك المرأة. (405) وإن كان جاهلًا فهو في سعة من المقام معها. وكذلك المراة إن كانت جاهلة. وكذلك لو زنا رجل بأم امرأته فرافعته المرأة إلى قاضي يرى أن الحرام لا يحرم الحلال. فقضى أنها امرأته. وإن ذلك لا يضره. ثم رافعت إلى قاضي آخر. يرى بأن الزنا بأم امرأته يحرمها. كان عليه أن ينفذ حكم الأول. ولا ينقضه. فأما الزوج. فإن كان عالمًا أن ذلك الجماع يحرمها لم يحل له المقام معها .. وإن كان جاهلًا حل له وكذلك المرأة مثله. وكذلك طلاق المكره. لو قضى بإبطاله قاضي. ثم رفع إلى قاضي يرى طلاق المكره لازمًا, كان عليه إنقاذ القضاء الأول, وإبطال الطلاق, كما حكم به الأول

وكذلك لو أن قاضيًا قضى بالسلم في الحيوان. ثم رفع إلى قاضي يرى السلم في الحيوان باطلًا. كان عليه إنقاذ القضاء الأول. وكذلك لو قضى قاضي في النسب بالقافة ثم رفع إلى قاضي آخر يرى خلاف ذلك. كان عليه إنقاذ القضاء الأول. وإثبات النسب. هذا كله نص قول الكوفي. ثم قال: بخلاف ذلك في مسائل. فمن ذلك أنه قال: لو قضى بشاهد ويمين, ثم رفع إلى قاضي آخر. كان عليه نقضه. (406) قال أبو العباس: وهذا أيضًا مما اختلف العلماء فيه. وقال به أهل الحديث, وفرق الشيعة كلها وروى ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب عليه السلام. وابن عباس وأبو هريرة, وسعد بن عبادة, والمغيرة بن شعبة, وجابر بن عبد الله, وعمرو بن حزم.

وشرف رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (407) وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب, أنهم عملوا بها ولا يعلم صحابي خالفهم فتوارث ذلك أهل المدينة خلف عن سلف. ويذكرون أنها سُنة قضى بها علي وعبد الله بن عتبة. وشريح بالكوفة. ولو قضى قاضي ببيع أم ولد, ثم رفع إلى قاضٍ آخر أبطله, ونقض حكمه. وقد روي في بيع أمهات الأولاد عن علي وابن عباس, وابن مسعود, وأبي سعيد, وابن الزبير والوليد بن عقبة. وقال جابر بن عبد الله: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وإليه ذهب

أهل مكة. وبه قالت الشيعة. (408) قال: ولو قضى قاضي على رجل في القسامة بقتل. ثم رفع إلى قاضي آخر. كان عليه نقضه. وقد روي في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال للأنصار تحلفون وتستحقون دم صاحبكم. وحكم به عمر بن الخطاب. وعليه عمل أهل المدينة. وبه قال مالك والشافعي في كتاب القديم, وحكما فيه بالقصاص. وقال الشافعي في القديم يحكم فيها بالدية ولا يقاد بها. (409) وقال: ولو أن أحد المشركين أعتق نصيبه من عبيد وهو

معسر فقضى إن نصفه عبد ونصفه حر. ثم رفع إلى قاضي آخر. نقض حكم الأول. ولم ينفذه. وقد روى ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن كان المعتق معسرًا, فقد عتق منه ما عتق ورق منه ما رق». وروي عن علي والحسن البصري أنه لو أعتق من عبده نصفًا كان نصفه عبدًا, ونصفه حرًا. وعليه عمل أهل المدينة. وبه قال مالك والشافعي. (410) وقال: لو أن قاضي قضى بالخلاص في دار استحقت من يد المشتري. فأخذ له القاضي بدار مثلها. وقضى على البايع بذلك. ثم رفع إلى قاضي آخر. نقض قضاء الأول. وهذا قد روي فيه عن علي بن أبي

طالب بأنه قضى [على البايع] بالخلاص. وهو قول سوار بن عبد الله القاضي. وعثمان البتي. مذهب البصريين وبه قال عبيد الله بن الحسن. وفرقة من الشيعة. (411) وقال: لو أن رجلًا تزوج امرأة بنكاح متعة وقضى قاضي بهذا النكاح فأجازه, ثم رفع إلى قاضي آخر. نقض قضاء الأول, وأبطل النكاح, وعاقب عليه. وهذا قد روي فيه حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأجازه ابن عباس.

في جماعة من صحابة. وذهب إليه علماء مكة وفرقة من الشيعة. (412) وقال: ولو أن قاضي قضى برد عبد أو أمة اشتري, وأقام عنده أشهراً. ثم أصابه به لمم. فرده القاضي على البايع بغير إقرار ولا بينة. ثم رفع إلى قاضي آخر. نقض قضاءه. ورد المملوك إلى المشتري. وهذا قد روي فيه عن عمر بن الخطاب وهو قول مالك وأهل المدينة. (413) ولو أن امرأة قد بلغت أعتقت رقيقها أو أقرت بدين, أو

أوصت بوصايا بغير إذن زوجها, فأبى الزوج ذلك فرفع إلى قاضي فأبطل ما فعلت من عتق أو إقرار, أو وصية, ثم رفع إلى قاضي آخر أبطل قضاء الأول, وأمضى ما فعلت المرأة. وقد روي عن عمر في إبطال ما فعلت من غير إذن زوجها. (414) وقال: لو أن امرأة تزوجها رجل وأعطاها الصداق فتجهزت به ثم طلقها قبل أن يدخل بها, فرافعته إلى قاضي. فقضى له بنصف الجهاز فإنه ينبغي للقاضي الثاني أن ينقض قضاء الأول وهذا قول مالك وأهل المدينة. (415) قال: ولو أن حاكمًا حكم في التعريض بالحد وحده ثم رفع إلى قاضي آخر كان عليه نقض قضاء الأول, وإجازة شهادة هذا

المحدود, وهذا قد روي عن عمر بن الخطاب. وبه قال: مالك وعلماء أهل المدينة. (416) قال: ولو طلق رجل امرأته ثلاثًا وهي حبلى, أو حائض لم يدخل بها. فقضى قاضي بإبطال هذا الطلاق, أو إبطال بعضه ثم رفع إلى قاضي آخر. نقضه وحكم عليه بالطلاق الثلاث. وهذا قد روي فيه ابن عباس رضي الله عنه. «كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر واحدة حتى أمضاها عمر, وبه قال عامة علماء أهل البيت.

(417) قال: ولو قتل رجل. وله ابن وبنت. فعفت الابنة عن القصاص. فقضى القاضي بالقصاص, ورأى أن عفو الابنة باطلًا, وأن ولي الدم من كان عصبة. ثم رفع إلى قاضي آخر. كان عليه أن ينقض قضاء الأول. ويبطل القصاص. وهذا قول أهل المدينة. وبه قال مالك. ثم قال. وإن كان قد اقتص فيه لم ينقض قضاه. ولم يحكم فيه بشيء وتركه على حاله. ثم قال: فإن كان الثالث لا يدري ما وجه ما حكمبه الأول. ولا وجه ما نقض به الثاني. كان عليه إنفاذ نقض الثاني, وإبطال حكم الأول.

باب: القاضي يعزل فيدعي عليه رجل أنه ظلمه

[56] باب: القاضي يعزل فيدعي عليه رجل أنه ظلمه (418) اتفق الشافعي والكوفي على أن رجلًا لو ادعى على قاضي بعد العزل. إنه أخذ منه على الحكم رشوة وسمى مالًا معلومًا. وطالبه به, كان للحاكم أن يستمع ذلك ويسأل فإن أنكره كلف المدعي البينة. فإن لم تكن بينة, ورام يمينه حلف كساير الدعاوى. (419) واتفقا على أنه لو ادعى عليه أنه حكم عليه بجور أيام قضائه, ورام يمينه على ذلك. لم يحلف. وإن أراد إقامة بينة. أنه حكم عليه

بجور. لم يسمع إلى ذلك. إلا أن يقيم بينة على إقراره أنه حكم جايرًا. قاله الكوفي نصًا. وقلته على مذهب الشافعي تفريعًا. وذلك أنه قال إذا أنفذ حكمًا وهو حاكم. لم يكن للمحكوم عليه أن يتبعه شيء منه إلا أن تقوم بينة على إقرار القاضي بالجور, أو ما يدل على الجور. فيكون متبعًا في ذلك كله. ولو ادعى عليه أنه قتل ابنه. وهو يؤمئذ قاضي. فقال المعزول: قتلت ابنك لفلان بالحكم لقصاص وجب عليه. له بينة قامت عليه بالقتل. أو إقرار كان من ابنك, فقال المدعي: ما أقر ابني, ولا قامت بينة. فالقول قول المعزول في ذلك. وهو مصدق ولا يمين عليه في ذلك. ولا يسمع من المدعي البينة, إلا أن يقيم بينة على إقراره. أنه قتله حكمًا. قلته على مذهب الشافعي تفريعًا. لما حكيت عنه. وقاله الكوفي نصًا. وكذلك لو حضر الذي ذكر المعزول أنه قتل ابن المدعي. له بحكم أوجب له عليه القصاص, فقال: ما حكمت لي بشيء, ولا وجب لي على ابنه قصاص, ولا ترافعنا إليك في خصومة, قاله الكوفي نصًا. وقلته على مذهب الشافعي تخريجًا. وهكذا في كل دعوى يدعى عليه إذا نسيت إليه أنه فعله وهو قاضي. فقال: فعلته من

طريق القضاء. كان القول قوله, ولا يمين عليه فيه. وقلت في قبول البينة إذا كان على إقرار المعزول على مذهب الشافعي نصًا. وقلته على مذهب الكوفي تخريجًا. على أنه لو أقر لزمه. فكذلك إذا قامت بينة عليه بإقراره. وإن ادعى أنه أخرج دار أو عقارًا وحدد ذلك أخرجها من يده ودفعها إلى فلان أيام قضائه. فقال المعزول: فعلت هذا لحكم وجب لفلان عليك تسليم الدار إليه ببينة قامت. أو قرار كان منك, كان القول قول المعزول, ولا يمين عليه, كما وصفنا. وأما فلان الذي في يده الدار. فإن صدق القاضي أنه حكم له بذلك عليه. لم يقبل قوله, ولا قول المعزول له. وانتزع من يده. ودفع إلى الطالب إلا أن يقيم بينة أن القاضي المعزول. كان حكم له بذلك. وهو قاض. وإن قال الذي في يده العقار لي. ولم يحكم لي به, هذا القاضي, ولم أخذه من هذا. فالقول قوله مع

يمينه. قاله الكوفي نصًا. وقلته على مذهب الشافعي تفريعًا, وذلك أنه قال ولو قال القضاي بعد العزل كنت حكمت لفلان على فلان لم يقبل حتى يأتي المقضي له بشاهدين على أنه حكم له قبل أن يعزل وهكذا كل شيء قائم بعينه من عقار, أو غيره. (420) واختلفا إذا كان الذي يدعيه الطالب مستهلكًا فمذهب الشافعي أن هذا والأول سواء حتى صدق المحكوم له, ما قال القاضي المعزول كان عليه الضمان لصاحبه ولم يقبل. قوله ولا قول القاضي. قلته تخريجًا. (421) فلم أقبل قول القاضي لما حكيت عنه أنه قال: لا يقبل قول القاضي بعد العزل أنه حكم لفلان على فلان ولم يقبل قول المدعى عليه. لأنه مقر بأخذ المال من غيره ومدعي لاستحقاقه على المأخوذ منه. وقال الكوفي: القول قول الذي صار ذلك الشيء إليه وقول القاضي المعزول, ولا ضمان على القاضي ولا على الرجل الذي صار ذلك الشيلء إليه. حكاه الخصاف عن الكوفي.

باب: الضمان في خطأ القاضي

[57] باب: الضمان في خطأ القاضي (422) قال: وإذا حكم القاضي بشهادة العبيد أو الكفار في حد لله من حدود الزنا وقطع السرقة, وقتل الردة, فأخطأ في ذلك. فمذهب الشافعي أن ذلك في مال القاضي قلته تفريعًا. وذلك أن الشافعي قال: خطأ الإمام على عاقلته دون الإمام, والجالد, ودون بيت المال. ولو قال: الجالد كنت أرى القاضي مخطئًا. ولكني علمت أن بعض الفقهاء قبل شهادة العبيد ضمنه والإمام معًا. قاله الشافعي في الإمام نصًا. وقلته على مذهب الكوفي تفريعًا.

(423) وقال الكوفي نصًا في ذلك خطأ القاضي على بيت المال. واتفقا على أنه لو كان حكم بالقصاص فأخطأ. إن ذلك على المقضي له دون القاضي والمعدل. (424) واختلفا في أداء ذلك فمذهب الشافعي أن ذلك يؤديه عاقلة المقضي له. . قاله الكوفي نصًا. وقلته على مذهب الشافعي تفريعًا. (425) واختلفا إذا كان الخطأ في حد القذف. فقال الكوفي: هذا كساير الحدود يجب على بيت المال وقلت على مذهب الشافعي تفريعًا إن ذلك من حقوق بني آدم, فيجب على عاقلة المقضي له. (426) واتفقا فيما عدا ذلك من نكاح, وطلاقٍ, وعتاقٍ, وعقارٍ. (427) وقال: أنه متى تبين للإمام أنه حكم بشهادة العبيد, أو

الكفار, أو الصغار, إنه ينقض ما حكم به. برد الأمر إلى ما كان قبل الحكم. فإن كان في عتاق رده في الرق وإن كان في طلاق, رد المرأة إلى زوجها, وإن كان في نكاح أبطله. وإن كان في مال رده إلى المقضي عليه. (428) واختلف إذا تبين أنه أخطأ فحكم بشهادة فاسقين. فمذهب الشافعي: أن ذلك كالخطأ بشهادة عبدين. قال الشافعي بل الإمام بشهادة الفاسقين أبين خطأ منه بشهادة العبيد. لأن رد شهادة العبيد بتأويل. ورد شهادة الفاسق بنص. ومذهب الكوفي: لا يراعى في شيء من هذه المسائل الفسق. (429) واتفقا على أن القاضي لو أقام على قاذف حدًا. أو على سارق قطعًا. فمات. لم يكن عليه شيء. (430) واختلفا في التعزير إذا مات. فمذهب الشافعي أن على القاضي الكفارة في ماله, والدية على عاقلته, نص عليه في الأم. وقال

الكوفي: لا دية عليه, ولا كفارة. (431) قال الشافعي: وإن ضرب الإمام رجلًا في شرب الخمر أربعين بالنعال وأطراف الثياب فمات فدمه هدر وإن ضربه ثمانين, ففيه نصف الدية على عاقلته. وإن ضربه أحد وأربعين. ففيها قولان: أحدهما: النصف, والآخر: جزء من أحد وأربعين جزء من الدية. وإن كان ضرب بالسياط. ضمن عاقلته الدية. قلته على مذهبه تخريجًا. لأنه نص أن ضرب الخمر بالنعال, وأطراف الثياب. . وقال الكوفي. . يضرب في حد الخمر ثمانين. فإن ضربه أحد وثمانين, فمات. ففيه نصف الدية. قال الشافعي: ولو كان رجل غلف. أو امرأة لم تخفض فأمر السلطان فعذر فماتا. لم يضمن السلطان. لأنه كان عليهما أن يفعلا. فإن كان فعل في برد شديد. أو حر مفرط لم يسلم من عذر في مثله. ضمن عاقلته الدية.

باب: الرجوع عن الشهادة

[58] باب: الرجوع عن الشهادة (432) قال: واختلفوا في الشهود إذا رجعوا عن الشهادة قبل أن يقضي بها القاضي. فقال مالك بن أنس: إذا أثبتت الشهادة. وتقررت عند القاضي. ثم رجع الشاهدان عن الشهادة لم يستمع القاضي إلى رجوعهما, وأمضى, القاضي القضاء بها. وقال الشافعي والكوفي: إذا رجع الشهود عن الشهادة قبل مضي الحكم كان الرجوع مقبولًا. والحكم به غير واجب.

(433) واتفقوا على أنهم إذا رجعوا بعد ما قضى القاضي أن ليس إلى نقض ما قضى به سبيل إلا ما روي عن حماد بن أبي سليمان أن ينقض القاضي حكمه. (434) واختلفوا في ضمان ما تلف بشهادتهم. فقال مالك وابن أبي ليل لا ضمان في ذلك كله. وقال مالك: ويؤدب إذا رجع. وقال الشافعي: في كتابه الجديد: لا ضمان عليهم فيما تلف بشهادتهم

إلا في أربعة أشياء: أحدها الدم من قصاص نفس أو جرح, أو قطع سارق, أو رجم محصن, أو قتل مرتد, وغير ذلك. والثاني: فسخ النكاح من طلاق, وخلع, ورضاع, وغير ذلك من الفراق بين الزوجين, والثالث: العتاق, والرابع: الوقف فأما ما أتلفوا به من المال, فلا ضمان عليهم, وقال في كتابه القديم: كلما أتلفوا بشهاداتهم: أخذوا به إذا رجعوا. وبه قال الكوفي وصاحباه. . إلا في الشهادة على الطلاق. إنهم إذا رجعوا, وكان الزوج قد دخل بها لم يضمنها. فإن لم يكن دخل بها, وسمى فنصف المهر. وإن لم يكن سمى ضمنًا المتعة, وسأفسر ذلك على اختلاف مذاهبهم فلو أن رجلين شهدا على رجل أنه طلق امرأته هذه ثلاث تطليقات, أو أنه أمه من الرضاعة. أرضعته خمس رضعات معلومات, رضاع بعد رضاع في حولين. ففرق القاضي بينهما, ثم رجعا عن الشهادة.

فإن كان ذلك بعد الدخول, ضمنا للزوج مهر المثل لا اختلاف بين الشافعي والكوفي في ذلك. وإن كان ذلك قبل الدخول. فللشافعي قولان أحدهما: أن يضمنا نصف مهر المثل للزوج, وبه قال الكوفي. والقول الثاني: إن عليهما للزوج مهر المثل. وقبل الدخول, وبعد سواء. والأول من قول الشافعي أشبه, لأنه لا يختلف. قوله: أنه لو زوجت صغيرة من صغير فأرضعتهما امرأة حتى بطل النكاح. إن عليهما نصف مهر مثل الصغيرة للصغير. فكذلك الشاهد إذا رجع كالمرضعة. وإن كانا قد يفترقان من أن الرضاع موجب للفراق على التحقيق. وليست كذلك شهادة الزور. وإن شهدا على رجل أنه اعتق عبده هذا لسيده. لا اختلاف بينهم في ذلك, وإن شهدوا على رجل بقتل عمد. فحكم القاضي فيه بالقصاص, أو على سارق فقطع أو على محصن فرجم, ثم رجعوا عن الشهادة سئلوا فإن قالوا عمدنا فيه إلى شهادة الزور عليه ليقتل به, ويقطع. كان عليهم القصاص في ذلك عند

الشافعي. وقال الكوفي: لا قصاص عليهم! (435) وإن قال الشهود: أخطأنا في الشهادة أو غلطنا. ولم نعمد. أو لم ندر أنه يجب عليه القتل في ذلك. وكانوا ممن قد يجهلون مثل ذلك. كانت شبهة, لا قود عليهم, ولكن عليهم الدية في أموالهم دون العاقلة. لا اختلاف بينهم في ذلك. (436) واختلفوا إذا كانت الشهادة في مالٍ أو عقارٍ, فقضى به القاضي, ثم رجعوا عن الشهادة. فقال الشافعي ضمن الشهود للمقضي عليه قيمة ما قضى به القاضي له. وبه قال الكوفي. وقال في كتاب الجديد لا ضمان فيه على الشهود, وبه قال [مالك]. (437) ولو أن شاهدين شهدا على رجل أنه أعتق عبده هذا. فقضى عليه القاضي بالعتق, ثم رجعا. فعليهما قيمة العبد. وإن رجع أحدهما.

فعليه نصف القيمة لا اختلاف بينهم ولو شهد في ذلك أربعة شهداء. فقضى القاضي به. ثم رجع أحدهم. فلا ضمان عليه. فإن رجع الثاني, فلا ضمان عليه. فإن رجع الثالث فعلى الثلاثة الذين رجعوا نصف القيمة بينهم أثلاثًا. فإن رجع الرابع ضمن كل واحد منهم ربع قيمة العبد سواء. قلته على مذهب الشافعي تفريعًا. وقال الكوفي وصاحباه نصًا. وإن شهد رجل وامرأتان بمال. فقضى به القاضي. ثم رجعت إحدى المرأتين عن الشهادة فعليها الرُبع, وإن رجعت المرأتان فعلليهما النصف. فإن رجعوا كلهم, فعلى الرجل النصف, وعلى المرأتين النصف. هذا قياس قول الشافعي على مذهبه القديم, وبه قال الكوفي وصاحباه. وقال الشافعي في كتابه الجديد: لا ضمان في شيء من ذلك. (438) وإن شهد في ذلك رجل وعشر نسوة فرجع منه ثمان نسوة, وبقي رجل وامرأتان فلا اختلاف فيه أن لا ضمان عليهن. فإن رجعت التاسعة فعليهن ربع القيمة بينهن اتساعًا. وإن رجعت العاشرة فعليهن ن صف القيمة بينهن أعشارًا. هذا قياس قول الشافعي القديم وعلى

مذهبه الجديد لا ضمان, ولا اختلاف بين الكوفي وصاحبيه في ضمان ذلك, كما وصفت. واختلفوا إذا رجع الرجل والعشر نسوة. فقال الكوفي: يجب على الرجل سدس القيمة وعلى عشر نسوة خمسة أسداس. جعل كل امرأتين بمنزلة رجل واحد. وقال أبو يوسف: يجب على الرجل نصف القيمة وعلى عشر نسوة نصف القيمة, جعلهن بمنزلة رجل واحد والأول عندي بمذهب الشافعي في القديم أشبه. (439) فإن كان القاضي حكم بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد فعليه نصف القيمة وإن كان شهد رجل وامرأة فلم توجد امرأة أخرى فحلف المدعي, وحكم له القاضي, ثم رجعت المرأة عن الشهادة, فلا شيء عليها وإن رجع الرجل دونها, فعليه نصف القيمة فإن رجعا معًا.

فكذلك يجب على الرجل نصف القيمة, ولا شيء على المرأة لأن الحكم لم يقع بشهادتهما إذا كانت وحدها, قلت ذلك كله تفريعًا على مذهب الشافعي في القديم. وأما على مذهبه الجديد فلا ضمان على الشاهد في ذلك. وأما الكوفي وصاحباه: فإنهم لا يرون القضاء بشاهد ويمين, وقالوا: إن قضى به القاضي, نقض حكمه إن رفع إلى قاضٍ آخر. (440) ولو شهد رجلان وامرأة ثم رجعوا عن الشهادة فلا شيء عليها وإن شهد رجلان وامرأتان, ثم رجعوا, عليهم القيمة بينهم أثلاثًا على الذكر مثل حظ الأنثيين قلته على قديم مذهب الشافعي والكوفي تفريعًا. وكان الشافعي يحكم في الوقف بشاهد وامرأتين, وبشاهد ويمين, فإن رجعوا الشهادة بعد الحكم ضمنوا على مذهبه في الجديد والقديم, وتفسيره في الضمان على ما يثبت من هذه المسائل. ولو شهد أربعة على رجل بالزنا. ولم يشهدوا على إحصانه. فشهد شاهدان على إحصانه فحكم الحاكم عليه بالرجم. فأيهم رجع عن الشهادة كان عليه سدس الدية, وإن شهد عليه اثنان بالزنا والأحصان. والاثنان بالزنا فقط. فأيهما رجع ممن شهد بالزنا والأحصان معًا. فعليه ثلث الدية. وأيهما رجع ممن شهد بالزنا دون الأحصان. فعليه سدس الدية. فإن شهد ثلاثة بالزنا والأحصان. وواحد بالزنا فقط, فإن رجع الذي شهد بالزنا فقط. كان عليه سدس الدية. وإن رجع من الثلاثة واحد. فعليه

سدس الدية. وإن رجع آخر, عزل من الدية ثلث وضم إلى السدس الذي ألزمنا الراجع عن شهادة الزنا والأحصان. فيكون ذلك نصف الدية فيشتركا فيه بينهما نصفان. فإن رجع الرابع ضم بقية الدية وهو ثلثها إلى النصف الذي اشترك فيه الثاني والثالث فيكون بينهم أثلاثًا. وإن كان الأربعة كلهم شهدوا بالزنا والأحصان معًا فأيهم رجع ضمن الرابع. وإن شهد خمسة بالزنا والأحصان فرجع واحد فلا شيء عليه وإن رجع آخر فربع الدية بينهما نصفان. وإن رجع ثالث ضم إلى ذلك ربع آخر. فكان بينهم أثلاثًا. وإن رجع رابع ضم إلى ذلك كله ربع آخر, فكان بينهم أرباعًا. وإن رجع خامس ضم إلى ذلك ربع فتكون الدية كلها بينهم أخماسا. وإن شهد أربعة بالزنا والأحصان فرجع أحدهم عن الأحصان, فلا شيء عليه, وهكذا لو رجع ثاني عن الأحصان. فإن رجع ثالث عن الأحصان. فسدس الدية بين من رجع أثلاثًا. فإن رجع رابع عزل من الدية سدس. وضم إلى السدس الأول, فكان بينهم أرباعًا فإن كانت المسألة بحالها, ورجع أحدهم عن الزنا والأحصان. فإن رجع ثاني عن الزنا دون الأحصان فعليه أيضًا

سدس آخر. وكذلك لو كان رجوعه عن الزنا والأحصان. فإن رجع ثالث عن الزنا دون الأحصان. فعليه أيضًا سدس آخر. ولو كان رجعوعه عن الزنا والأحصان. نظر في الأوليين فإن لم يكونا رجعا عن الأحصان. فليس على الثالث إلا السدس. الذي ذكرنا. وإن كان الأولان قد رجعا عن الزنا والأحصان عزل من الدية ثلث آخر. فكان بينهم أثلاثًا, فيكون قد لزم كل واحد منهم تسعًا فإن رجع الرابع عن الزنا دون الأحصان. فعليه سدس الدية. وإن كان رجوع عن الأحصان دون الزنا, فالسدس الذي ألزمنا يُضم إلى السدس الذي قسمنا بين الثلاثة ندبًا. وقسم بينهم أرباعًا لرجوع كلهم عن الأحصان. وإن كان الرابع رجع عن الزنا والأحصان. فعليه سدس لرجوعه عن الزنا. كما وصفنا, وحصنته من الثلث, كما قسمنا, فيكون قد لزمه, ولزم كلواحد منهم ربع الدية.

باب: الرجوع عن الشهادة على الشهادة

[59] باب: الرجوع عن الشهادة على الشهادة (441) قال: وإذا شهد شاهدان على شهادة شاهد, وآخران على شهادة آخر في عتق. وحكم القاضي بذلك. ثم رجع أحد الشهود الأربعة. فعليه ضمان الربع. وإن رجع اثنان فعليهما النصف. وإن رجع كل الأربعة فعليهم ضمان الكل أرباعًا. وإن لم يرجع الأربعة الذين شهدوا عند القاضي. ولكن رجع الشاهدان المشهود على شهادتهما, سألهما القاضي فإن قالا أشهدناهم على شهادتنا, ولكن غلطنا في الشهادة أو كذبنا ضمنا قيمة العبد بينهما نصفان. وإن قالا: ما أشهدناهم على شهادتنا, أو سكنا عن التفسير. ولم يقولا شيئا, فلا ضمان عليهما, ولا على الأربعة. قلته على مذهب الشافعي تخريجًا. لأنه لا يجعل الشاهد راجعًا عن الشهادة. بشهادة الأربعة. ما لم يعترف أنه راجع وذلك أنه قال لو شهد رجل بحق. ثم شهد به مع آخر, على شهادة شاهد. لم أقبل لأن في قبول شهادته على شهادة من شهد على

شهادته. تصديق شهادة الأولى. فكذلك تكذيب الشهود, على شهادتهم بشهادة الأربعة. تصديق لشهادتهم. فلا أضمن به إلا أن يعترف المشهود على شهادته أنه أشهدهم وإنه الآن راجع عما أشهدهم. فأخذنا باعترافه وحكى محمد بن الحسن عن أصحابه: أنه لا ضمان عليهما إذا رجعا وروى أبو يوسف في الإملاء عن الكوفي نحو ما وصفت على مذهب الشافعي. إذا قالا أشهدناهم, فعليهما الضمان, وإن قالا ما أشهدناهم, فلا ضمان, ولم يروي شيئًا إذا سكنا لم يبينا ذلك, والواجب عندي على مذهبه أن لا ضمان عليهما, كما وصفت, وإن قال الأربعة الذين شهدوا عند القاضي بعد الحكم فلا ضمان, وكذلك لو قالوا أنهما أشهداها, ثم رجعا عن الشهادة, سئلوا فإن قالوا عرفنا ذلك قبل الحكم ضمنوا, وإن قالوا لم نعرف إلا بعد الحكم فلا ضمان عليهما على مذهب الشافعي تفريعًا. وحكى الخصاف عن

الكوفي أن لا ضمان ولم يسألهم عن معرفتهم بذلك متى كان, وإن رجعوا كلهم عن الشهادة سئلوا كيف كان هذا لأمر, فإن قال شاهد الأصلي أشهدناهم على شهادتنا, ولكن غلطنا, أو كذبنا رجعنا. وصدقهم على ذلك الأربعة الذين شهدوا عند القاضي ضمن شاهدا الأصل دون الأربعة وإن قالا ما أشهدناهم على شهادتنا, وصدقهما على ذلك الأربعة. ضمن الأربعة دون شاهدي الأصل. فإن قال شاهد الأصل أشهدناهم على شهادتنا. لكنا غلطنا, أو كذبنا, وقال الأربعة: ما أشهدنا على شهادتهما, ولكنا كذبنا أو غلطنا, فشهدنا على شهادتهما, فالضمان على الأربعة الذين شهدوا عند القاضي, دون شاهدي الأصل, لاعترافهم أنهم ما شهدوا على شهادتهما, إلا زورًا, قلته على مذهب الشافعي تفريعًا لما وصفت وقاله الكوفي نصًا.

باب: ما يصنع بشاهد الزور

[60] باب: ما يصنع بشاهد الزور (442) اختلف الشافعي والكوفي: فيما يعلم به شهود الزور. فقال الشافعي: إذا علم القاضي من رجل بإقراره, أو تيقن أنه شهد عنده بزور, عزره دون الأربعين. وشهر أمره. وقال محمد وشاهد الزور عندنا من أقر على نفسه بذلك, وأما أن يكذبه المشهود له أو تقوم بينة بخلاف ما شهد به فلان. (443) واختلفوا فيما يصنع بشاهد الزور, فقال الشافعي: يعزره القاضي دون الأربعين. ويشهر أمره. فإن كان من أهل المسجد وقفه فيه وإن كان من أهل قبيل وقفه في قبيله, أو في سوقه, وقال: إنا وجدنا هذا شاهد

زور فاعرفوه: وبه قال أبو يوسف ومحمد وقالا يحبس مع ذلك حتى تظهر توبته. ثم قال أبو يوسف بعد ذلك يبلغ بالتعزير خمسة وسبعين على قدر ما يرى الإمام. وقال الكوفي يشهره وينادي عليه في مجلسه, أو في سوقه, ويحذر الناس منه. ويقول: إنا وجدنا هذا شاهد زور, فاحذروه, وحذروا الناس. وقد روي نحو ما قاله الشافعي حديث, حدثنا به عبد الله بن غنام, حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا وكيع, عن سفيان, عن الجعد بن ذكوان, قال: شهدت شريحًا ضرب شاهد زور خفقات ونزع عمامته عن رأسه, وسفيان عن أبي حصين. قال: كان شريح يبعث بشاهد الزور إلى مسجد قومه, أو إلى سوقه, فيقول: إنا قد زيفنا شهادة هذا, وروي عن عمر أنه

شهر به. ولم يضر به. نحو ما قاله الكوفي. (444) حدثنا عبد الله بن غنام, حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا وكيع, حدثنا شعبة, عن عاصم بن عبيد الله, عن عبد الله بن عامر بن ربيعة. قال: شهدت عمر بن الخطاب. أقام شاهد زور عشية غي إزار ينكر نفسه.

باب: أخذ الكفيل إذا خوصم

[61] باب: أخذ الكفيل إذا خوصم (445) اتفق الشافعي [والكوفي] على أن رجلًا لو رفع إلى القاضي في حد من حدود الله! , فأنكره لم يجز أخذ الكفيل منه لتقام عليه البينة, واتفقا أيضًا في حقوق بني آدم إذا كان المدعى عليه مسافرًا, أو يريد سفرًا, فأراد المدعي أخذ الكفيل منه ليقيم عليه البينة. لم يكن له إلى ذلك سبيل. قال الكوفي: ويلازم قدر قيام القاضي من مجلس الحكم, فإن أتى المدعي ببينة إلا خلى سبيله, وكذلك مذهب الشافعي إلا أن يكون في ذلك ما يقطعه عن سفره فليس له ملازمته قلته على مذهبه تخريجًا.

واتفقا أيضًا أن المدعى عليه لو كان مقيمًا وأراد المدعي أن يأخذ منه كفيلًا أكثر من ثلاثة أيام إن ذلك لا يجب على المدعى عليه. وقال أبو يوسف: يأخذ منه كفيلًا إلى الوقت الذي يمكنه المقدم فيه إلى القاضي, فإذا كان يجلس للقضاء في كل شهر مرة يأخذ كفيلًا إلى شهر واتفقا أيضًا فيمن ادعى على رجل دارًا, أو شيئًا لا ينقل أو شيئًا بعينه في يد المدعى عليه. فقال المدعي: أعطني كفيلًا في هذا الشيء بعينه, على أن تحضره مجلس الحكم إلى ثلاثة أيام لأقيم البينة إن ذلك لا يجب عليه, وكذلك لو ادعى عقارًا أو مالًا في الذمة وطلب كفيلًا بالمال, والعقار إلى أن يقيم عليه البينة إن ذلك غير واجب. (446) واختلفا إذا ادعى عليه حقًا من حقوق بني آدم, عقارًا أو مالًا, أو قصاصًا في نفس, أو جراحًا, أو حد قذف, أو غير ذلك من حقوق بني آدم, وأراد المدعي أخذ الكفيل من المدعي عليه ببدنه إلى ثلاثة أيام ليقيم عليه البينة. فمذهب الشافعي عند أصحابه: أن ذلك غير واجب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجب على المدعى عليه إذا أنكر غير اليمين, وقال لو أعطى الناس بدعاويهم لأدعى ناس قبل ناس دماء وأموالًا, ولكن البينة على المدعي

واليمين على المدعى عليه, وقال الكوفي: يؤخذ منه الكفيل إلى ثلاثة أيام في كل حق لبني آدم, إلا في القصاص في النفس والجراح, وقال أبو يوسف ومحمد: يؤخذ منهما أيضًا كما يؤخذ في ساير الحقوق. وكذلك عندها فيما يجب فيه التعزير, يؤخذ الكفيل, وليس كالحد, وقال الكوفي وصاحباه. كلما وجب عليه فامتنع أمر بملازمته حتى يعطي. وقد روى نحو ما قاله الشافعي عن قتادة والشعبي لا أعلم تابعيًا خالفهما حدثنا محمد بن موسى, حدثنا أبو سعيد الكندي, حدثنا عبيد الله بن موسى, أخبرني الثوري عن عقبة بن أبي العيزار. قال: أتيت الشعبي برجل لي عليه حق, فقلت: خذ لي منه كفيلًا فأبى أن يأخذ لي منه كفيلًا. (447) واتفق الشافعي والكوفي في أخذ الكفيل من المدعى عليه

مالًا في الذمة إذا شهد عليه شاهدان, أو رجل وامرأتان ولم يعرفهم القاضي, فأراد أن يسأل عن عدالتهم كان للمدعي أخذ الكفيل, قاله الكوفي نصًا, وقلته على مذهب الشافعي تخريجًا على ما قال في العبد, يدعي على سيده العتق, وأقام شاهدين, وسأل أن يحال بينه وبين السيد إلى أن يسأل عن العدالة. كان له ويؤاجر وينفق عليه من أجرته. (448) قال: وإن أقام شاهدًا واحدًا ففيها قولان, أحدهما: يعدل والآخر, لا يعدل. وإن أقام شاهدًا واحدًا. وقال: أنا آخر فخذوا لي منه كفيلًا فمذهب الشافعي في ذلك على قولي: أحدهما يؤخذ منه الكفيل. والآخر: لا يؤخذ, قلته تخريجًا. على ما قاله في مسألة العبد, وفيه قول آخر وهو أن أخذ الكفيل بكل حال باطل, لأن كفالة النفس لم تثبت بكتاب, ولا سنة, ولا إجماع, ولا قياس على نظير ولا تشبه ضمان المال, لإجماعهم على أن المكفول ببدنه إذا مات بطلت الكفالة ولا شيء على الكفيل, فيقال للمدعي: لازمه إن أردت حتى ينظر القاضي في العدالة. وبه قال أبو ثور. وإن أقام شاهدًا واحدًا.

(449) وإن كان الدعوى في حد قذف, أو تعزير, أو ما يجب فيه قصاص في نفس, أو جراح, وأقام شاهدين فلا خلاف بينهم على أن لا يكفل, ولكن المشهود عليه يحبس. (450) واختلفوا إن أقام شاهدًا, فقال الكوفي: يحبس. وقال أبو يوسف ومحمد: يكفل ولا يحبس. وللشافعي قولان: أحدهما: أن يحبس المشهود عليه. والآخر: لا يحبس, ولا يكفل, وهذا أصحهما عندي, والله أعلم. قلته تخريجًا. (451) واتفق الشافعي والكوفي على أنه إذا أراد الذي عليه الدين إلى أجل, سفرًا بعيدًا, فأراد غريمه منعه لبعد سفره وقرب أجله أن يأخذ منه كفيلًا لم يكن له إلى منعه من سفره ولا إلى أخذ الكفيل منه سبيل.

باب: ما يوضع على يدي عدل إذا خوصم فيه وما لا يوضع

[62] باب: ما يوضع على يدي عدل إذا خوصم فيه وما لا يوضع (452) اتفق الشافعي والكوفي على أن رجلاً لو ادعى على رجلٍ عقارًا, أو دارًا, أو مالًا في الذمة, سماء, وأقام على ذلك شاهدين, وسأل المدعي وضع ما ادعى على يدي ثقة إلى أن يسأل عن الشهود أنه لا سبيل إلى ذلك. (453) واختلفا في أخذ الكفيل منه فلم يأخذه الشافعي. وقال الكوفي وصاحباه: يؤخذ منه كفيل ببدنه. قال الشافعي: وإن عدلت البينة وكان القاضي ينظر في الحكم وقفها, ومنع الذي في يده من البيع, حتى يتبين له الحكم.

وقال الكوفي بمثل ذلك. (454) واتفقا على أنه لو ادعى أمة, أو ادعى امرأة وهي تحت آخر. وادعت امرأة طلاق زوجها, أو ادعت أمة على سيدها عتقًا, أو أنها حرة, وشهد للمدعي شاهدان أنه يعدل ذلك كله. إلى أن يسأل عن الشهود فأما إن ادعى على امرأة أنها امرأته, وليس هي تحت زوج أو ادعى على جارية أنها أمته, فزعمت الجارية أنها حرة, ولم تكن الجارية تحت أحد لم يعدل, ولم يؤخذ منها كفيلًا, قلته على أحد قولي الشافعي تخريجًا وقاله الكوفي نصًا, والقول الآخر على مذهب الشافعي يعدل عند امرأة ثقة لأبطاله كفالة الوجه بكل حال. (455) واختلف قول الشافعي والكوفي: إذا كانت الدعوى في شيء بعينه, ينقل غير الفرج كالدابة, والعبد, والعرض في يدي رجلٍ

فادعاه الآخر. أو ادعى عبد على سيده أنه أعتقه. وأقام المدعي شاهدين. وسأل المدعي أن يعدل ذلك حتى يسأل عن الشهود. فمذهب الشافعي في ذلك كله أني عدل. قاله في العبد إذا ادعى على سيده العتق نصًا. أنه يحال بينه وبين السيد, ويؤاجر حتى يستبرئ أحوال الشهود, وقلته, في الباقي تخريجًا عليه. وقاال الكوفي: لا يعدل في شيء من ذلك, ولكن يؤخذ من المدعى عليه كفيلًا بنفسه, وبنفس الدابة, والسلعة. فإن أبى أن يعطي كفيلًا بنفس ما خوصم فيه, أوكان المدعى عليه الذي في يده الشيء مريبًا يخاف عليه يبريه. . ماله فيعدل حينئذ. (456) قال: وكذلك إن قال لا أعطي كفيلًا بنفسي, ولا بالشيء الذي خوصم فيه. قيل للمدعى عليه لازمه, ولازم الشيء الذي خوصم فيه ليلًا ونهارًا. فإن عجز عن ذلك, ورأى القاضي أن يعدل عدله, حكاه الخصاف في كتابه.

(457) قال: فإن قال المدعي: عليه أعطني كفيلًا بالشيء, وأقيم وكيلًا جامع الوكالة بالخصومة على أن ما قضى عليه, فعلي قبل منه ذلك. (458) واختلفا في جارية في يدي رجل, فادعى نصفها أخر, وأقام شاهدين أن نصفها له, فمذهب الشافعي أنها تعدل عند امرأة ثقة. قلته تخريجًا على مسألة العبد, وقال الكوفي: لا يعدل. حكاه الخصاف في كتابه. وكلما وجب تعديله في شاهدين. فأقام المدعي شاهدًا واحدًا. وسأل أن يعدل عنه ثقة إلى أن يقيم شاهدًا آخر, قال الشافعي: ففيها قولان: أحدهما يعدل. والآخر لا يعدل. (459) قال: أبو العباس, وأصح القولين عندي أن لا يعدل, وبه قال الكوفي وصاحباه في حد القذف, والقصاص في النفس والجراح, فإن الكوفي قال: يحبس المشهود عليه بشاهد واحد, كما بشاهدين. . وقال أبو يوسف ومحمد: لا يحبس بشاهد واحد.

باب: الحبس

[63] باب: الحبس (460) اتفق الشافعي والكوفي وصاحباه أن من وجب عليه مال وأقر أنه موسر, أو قامت عليه بينة باليسار. فامتنع من الأداء, وكتم ماله, حيث لا يقدر القاضي عليه حبسه. (461) واختلفوا إن قدر القاضي على ماله. فقال الشافعي: إذا امتنع من توفير الحق, حجر عليه القاضي, كلما قدر. وباع عليه من ماله, من دار وعقار, وغير ذلك. ويبدأ بالحيوان ولا يترك له إلا قدر قوته, وقوت عياله حتى يفرغ القاضي من قسمة المال بين غرمائه. وإن كانت ثيابه غوالي بيعت

عليه, واشتري. أقصد ما يلبس, وهو في مثل حاله حتى يوفر على الغريم, حقه, ولا يحبسه. ومنع غرماه, من ملازمته, ولا يغفل المسألة عنه, فإن شهدوا أنهم رأوا في يديه مالًا. سألته. فإن قال مضاربة قبلت منه مع يمينه. وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن: إلا أنهما قالا يحبس, ويبيع القاضي عليه ما قدر من ماله وعقار, فإذا فرغ من ذلك أطلقه من الحبس. وقال الكوفي: إن قدر القاضي على دنانير ودراهم له قسمه بين غرمائه, وإن لم يقدر إلا على العقار, والعروض. لم تبع عليه, وضيق عليه حتى يبيعه, وإن قدر على دنانيره, وحق الغرماء في الدراهم باع الدنانير بالدراهم. وكذلك إن قدر على الدراهم, وعليه دنانير, باع, وإن لم يقم على يساره بينة. وادعى أنه معدم, وأنكر صاحب الحق عدمه. نظر في الحق, فإن كان من صداق, أو ضمان, أو جناية, أو إتلاف, أو بدل خلع. وجب للزوج على

المرأة. فقول جماعة من أصحابنا على مذهب الشافعي: إن القول قوله في العدم مع يمينه, وكذلك قاله الكوفي وصاحباه نصًا عليه في الصداق والضمان. وقلت في الباقي على قول الكوفي تخريجًا لأنه لم يصل إليه فيما ادعى عليه. (462) قال: وسمعت أبا العباس بن سريج يقول على مذهب الشافعي كل حق وجب عليه في ذلك صداقًا. كان, أو ضمانًا, فلا يقبل قوله إلا بشاهدي عدل, ثم يحلف مع ذلك إلا العاقلة إذا ادعى العدم, فالقول قوله مع يمينه. (463) واتفق الشافعي والكوفي فيما عدا ذلك من مال وجب عليه بشراء أو قرض, أو غير ذلك مما وصل إليه مال, إنه لا يقبل قوله, إلا ببينة. (464) واختلفوا في نفس البينة, فقال الشافعي: لا أقبل دعواه القدم إلا بشاهدي عدل وأحلفه مع ذلك, فإن أقام ذلك قبل الحبس لم يحبس. وإن لم يكن له على ذلك بينة حلف المدعي: أنه موسر قادر على الوفاء, ثم

يحبس ولا غاية لحبسه أكثر من الكشف عن ماله فمتى صح عند القاضي عسرته أطلقه من الحبس, وقال الكوفي وصاحباه: إذا ادعى العدم في ذلك حبس فيما بينه وبين شهرين, أو ثلاثة أشهر, ولا يسأل عن ماله دون ذلك, هذا رواية محمد بن الحسن. وقال الحسن بن زياد عن الكوفي: ما بينه وبين أربعة أشهر إلى ستة أشهر, ثم يسأل عنه من جيرانه, وأهل الخبرة به, فإن قالوا: لا مال له نعرفه ونعرف عسرته وضيق معاشه, فلته القاضي. فأخرجه من لحبس ويخلى بينه وبين خصمه إن أراد ملازمته في قول الكوفي وأبي يوسف, وإن أحضر المديون قبل الحبس شاهدين على عدمه. قال الكوفي: لا يسمع منهما القاضي حتى يحبسه شهرين أو ثلاثة, وفي رواية الحسن بن زياد: حتى يحبسه أربعة أشهر أو ستة. وقال محمد بن الحسن: هذا إذا أشكل الأمر, فأم إذا لم يشكل الأمر سمعت من البينة, وسألت عن ماله عاجلًا.

(465) واختلف الشافعي والكوفيون في رجل حبس غريمًا له. فسأل القاضي عنه فشهدا عنده بعسرته. فمذهب الشافعي في ذلك: أن يحلف على ذلك, ويخلى عنه, وقال أبو يوسف: يؤخذ منه كفيلًا ببدنه, ويخلى سبيله. وقال محمد بن الحسن: إذا كان الغريم مقرًا بما عليه, أو قامت بينة فليس له أن يأخذ به كفيلًا. ولكن له ملازمته إن أرادها, وإن كان القاضي يخاف من المديون, أن يفر من حبسه. نقله إلى حبس اللصوص. قلته على مذهب الشافعي تفريعًا. وقاله محمد بن الحسن نصًا, ولا يقيد المحبوس في الدين عند الفريقين, لا أعلم الشافعي, والكوفي ذكرا القيد في المديون في شيء من كتبهم, وإن دعى المحبوس جاريته إلى فراشه لم تمنع إن كان في الحبس موضعًا خاليًا, قلته على مذهب الشافعي تخريجًا, وذلك أنه قال: ولو آلى الرجل من امرأته فحبس فاء بلسانه. قال المزني: وإنما حسبت عليه

أيام حبسه, لأنه لا يمكن أن تأتيه المرأة في حبسه, ويصيبها, وقاله محمد بن الحسن نصًا, وإن دعى امرأته لتكون معه في الحبس, فرضيت لم يمنع, وإن امتنعت وكانت حرة لم تجبر, قلته على مذهب الشافعي تخريجًا, لأن ذلك حبس ولا حبس عليها. إنما يجب عليها لزوم المنزل. وحكاه الخصاف عن الكوفي نصًا. فإن كانت امرأته أمة فرضي السيد أجبرت, وإن لم يرض سيدها لم تجبر قلته على مذهبهما تخريجًا, وإن طلب المحبوس امرأته في وقت من الأوقات تأتيه ليقضي حاجته منها. أجبرت على ذلك, إذا كان في الحبس موضع خالي يصلح أن يكون لمثله سكنًا, قلته على مذهب الشافعي والكوفي تخريجًا, وكل من وجب عليه حبس بما وصفناه من الدين. فقال صاحب الدين: لا تحبسه فأني لازمه كان له لأن الملازمة أخف من الحبس إلا أن يقول المديون: احبسني أيها القاضي, وامنعه من ملازمتي, نظر فيه القاضي: فإن كان لا يريد الملازمة خوف الشهرة. بلا ضرر يدخل عليه في ملازمته لم يمنع من ملازمته, لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لي الواجد يحل عرضه وعقوبته».

وإنه أمر بملازمته, وسماه أسيرًا وإن كان يمنع من ذلك بضرر يدخل عليه في وضوءه وطهوره رد إلى الحبس, لأن الملازمة تكون في المسجد, فإذا طال ذلك ربما أضر به البراز والطهور. حدثنا جعفر بن محمد, حدثنا القواريري, حدثنا وكيع: [وبر] ابن أبي دليلة الطائفي, عن محمد بن ميمون, عن عمرو بن الشريد, عن أبيه, قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لي الواجد يحل عرضه وعقوبته». (466) حدثنا إبراهيم بن موسى الجوزي, حدثنا أحمد بن زنجويه, حدثنا أبو أحمد, حدثنا النضر بن شميل.

حدثنا الهرماس بن حبيب, عن أبيه, عن جده, قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - استعدبه على غريم, لي «فقال إلزمه, ثم قال: ما تريد أن تصنع بأسيرك يا أخا بني تميم».

باب: المفس

[64] باب: المفس (467) حدثنا علي بن محمد القزويني, حدثنا ابن الجنيد, حدثنا إبراهيم بن معاوية الحذاء بالبصرة, حدثنا هشام بن يوسف, عن معمر, عن الزهري, عن ابن كعب بن مالك, عن أبيه, أن النبي - صلى الله عليه وسلم -

«وحجر على معاذ ماله فباعه في دين كان عليه» وبه قال الشافعي ومالك, وتابعهما أبو يوسف ومحمد بن الحسن. وقال الكوفي: لا يحجر عليه ماله, وإن غلبت عليه الديون. (468) واختلف القائلون بإيجاب الحجر في ديون الناس, متى يجب ذلك, فقياس مذهب الشافعي إذا شهد عليه شاهدان حجر عليه الشافعي ماله. وإن لم يكن يسأل عن العدالة, وإن كان أقام شاهدًا واحدًا, ففيه قولان كما وصفت قبل هذا في باب ما يوضع على يدي عدل إذا خوصم فيه ويثبت. وفيه أن أصح القولين إذا أقام شاهدًا واحدًا.

إن ذلك لا يجب. وقال محمد بن الحسن: لو أن رجلًا ادعى على رجل فتوارى المطلوب. فقال الطالب للقاضي: أحجر عليه ماله, فإني أخاف أن يلجئ بماله حجر عليه القاضي ماله. (469) واتفق القائلون بالحجر أن الحاكم إذا حجر عليه ماله لم [يحجر] بيعه ولا شراؤه, إلا أن يكون حجر عليه في دين امرئ بعينه, فيبيع منه بحقه, فذلك جائز, قلته على مذهب الشافعي تخريجًا, لأن الحجر كان لحقه كما لو وفر عليه حقه. وقال أبو يوسف ومحمد: حكاه الخصاف في كتابه نصًا. وكذلك إن كانت الغرماء جماعة فباع منهم صفقة واحدة بتمام حقوقهم. جاز كما يجوز في غريم واحد, وإن ظهر غريم آخر بطل بيعه, قلته تخريجًا على ما قال في قسم المال بين غرمائه إذا ظهر غريم بطل ولم يذكر ذلك الكوفي, وإن باع من بعضهم دون بعض لم يجز, وإن كان بإذن الباقين قلته على مذاهبهم تخريجًا لأنه خالف حجر القاضي وهو محجور. (470) واختلفوا إذا تزوج امرأة فزاد على مهر مثلها فمذهب الشافعي في ذلك أن النكاح جايز ويرد إلى مهر المثل في مال إن استفاده بعد الحجر, أو فصل عن غرمائه فأما في مال قد حجره القاضي فلا ينفذ, قلته

تخريجًا وحكى الخصاف: عن أبي يوسف ومحمد أن لها أسوة الغرماء في قدر مهر مثلها, والزيادة لازمة في مال استفاده بعد الحجر, أو فضل عن غرمائه. وكذلك لو اشتر جارية اختلفوا فيها. فقال الشافعي: شراؤه باطل, وقال أبو يوسف ومحمد: إذا احتاج إلى جارية فقدر قيمته إسوة الغرماء, وما زاد على ذلك جاز في مال استفاده, أو فضل عن الغرماء. (471) واتفق الجميع على أن ما قامت به البينة, أو أقر به قبل الحجر فسواء يتحاصون بعد الحجر, وأن أقر بمال, ذكر أنه كان عليه قبل الحجر, فقال الشافعي فيه قولين: أحدهما: أنه أسوة الغرماء. والآخر: أنه لا يدخل مع الغرماء إلا في حال يستفيده, أو يفضل عن غرمائه. (472) قال أبو العباس: والثاني أصحهما عندي, والله أعلم. وقياس قول الكوفي: أن للمقر له أسوة الغرماء, وقال أبو يوسف ومحمد: إقراره لازم فيما يستفيد من المال, ويفضل عن غرمائه.

(473) واتفقوا على أنه إن أوصى وماله في الحجر جازت وصيته. (474) واختلفوا في التدبير, فقياس قول الشافعي أن ذلك جايز, كما تجوز الوصايا, وقياس قول الكوفي: إن ذلك جايز ولا معنى للحجر. وقياس قول أبي يوسف ومحمد أنه إن فضل عن غرمائه جاز, وإلا لم يجز, وإذا امتنع من بيع ماله وتوفير حق الغرماء, فإن كان ماله دراهم, أو دنانير, قسم القاضي بين غرمائه. وإن كان حقهم دراهم ومال المفلس دنانير باع الدنانير بالدراهم, وكذلك إن كان حقهم دنانير, بيعت الدراهم بالدنانير وقسمه القاضي بين غرمائه, لا خلاف فيه. (475) واختلفوا إذا كان مله العروض والعقار. فقال الشافعي: يباع عليه جميع ماله, منزله وعقاره, وغير ذلك وبه قال أبو يوسف ومحمد, وقال الكوفي: لا يبيع القاضي ويحبسه, ويجبره على البيع, ولا خلاف أنه يبدأ بصاحب الرهن فيوف من الرهن حقه دون ساير الغرماء.

(476) واختلفوا في البائع إذا وجد عين ماله. فقال الشافعي ومالك: هو أحق به إن شاء أبطل البيع, ورجع إلى عين ماله. وقال الكوفي وصاحباه: له أسوة بالغرماء.

باب: وجوب الحجر

[65] باب: وجوب الحجر (477) اتفق الجميع على جواز حجر المعتوه والصغير, واتفق الشافعي والكوفي على أن الحجر واجب على المفلس بديون الناس, إذا رفع إلى القاضي وطلب الغرماء حجره. (487) واختلفا في حجر المفسد لماله, فقال الشافعي: يحجر القاضي عليه ماله, ويجعله في يد ثقة ينفق عليه بالمعروف, وما فعل في ماله بعد الحجر من بيع, أو هيبة, أو غيره, فباطل كله. إلا الوصايا والتدبير قلته في الوصايا والتدبير على قوله تخريجًا.

وتابعه على جواز الحجر على المفسد أبو يوسف ومحمد إلا أنهما قالا: إن باع في الحجر شيئًا نظر الحاكم, فإن رأى صلاحًا أنفذه وإلا أبطله, وقال الكوفي: الحجر على الحر باطل, هذا مع قوله أن الصغير إذا بلغ وكان مصلحًا لماله دفع القاضي إليه ماله, وأطلق حجره, وإن كان مفسدًا لماله لم يطلق الحجر عنه بعد البلوغ حتى يبلغ خمسًا وعشرين سنة, ثم يطلق, وإن باع قبل أن يطلق عنه حجره, أو أقر لإنسان, أو أقر بدين جاز, وخالفه في

ذلك أبو يوسف ومحمد. فقالا الإقرار باطل. وينظر القاضي في بيعه, فإن رآه صلاحًا أنفذه. وإلا أبطله, ولا يطلق عنه حجره حتى يؤنس رشده.

باب: الحجر ومسائله

[66] باب: الحجر ومسائله (479) اتفق الشافعي والكوفي على أن الصغير الذي في حجر والده, أو وصيه لا يطلق عنه حجره دون البلوغ بحال. (480) واختلفوا في إطلاقه عنه بعد البلوغ إذا [لم] يؤنس منه الرشد. فقال الشافعي: لا يدفع حتى يبلغا, ويؤنس منهما الرشد. قاله نصًا. وما فعل المحجوز في ماله باطل كله. إلا الوصايا, والتدبير, وكذلك لو وطأ جاريته, فأؤكدها, صارت أم ولد, قلته في الولادة, والتدبير والوصايا تخريجًا. وإن تزوج بطل. فإن وطئ ففي المهر ثلاثة أقاويل.

أحدها: مهر مثلها. والآخر: لا شيء فيه. قالهما في الإملاء. وقال في موضع آخر تعطي شيء, وإن قل. والبلوغ عنده خمس عشر سنة. إلا أن يحتلم الغلام, أو تحيض الجارية دون ذلك. وقال الكوفي: إذ بلغا وأونس منهما الرشد دفع. وإن لم يؤنس منهما الرشد بعد البلوغ لم يدفع إليهما حتى يبلغا خمس وعشرين سنة, ثم قال: ولو باع, أو اشترى, أو وهب بعد البلوغ ما بينه وبين خمس وعشرين سنة, ولم يطلق عنه الحجر, جاز بيعه وشراؤه وهبته. (481) وقال أبو يوسف ومحمد: كما قال الشافعي في البلوغ, ولم يطلق عنه الحجر, إذا كان غير رشيد نظر الحاكم في ذلك, فإن رآه صلاحًا أنفذه. وإلا أبطله.

قالا: وأما هبته فباطل بكل حال! (482) قالا: ولا يجوز ما صنع المحجور في ماله, بعد البلوغ إلا أشياء من ذلك عتقه نافد, ويستسعى العبد في أداء القيمة, وإن كان ذلك كفارة واجبة. ولا يجزيه عن الكفارة إلا الصيام. وكذلك في جميع الكفارات كالعبد, ولا يكفر بالمال, قالا: وكذلك إذا دبر. فلو مات. وهو محجور سعى العبد في قيمته مدبرًا. وكذلك لو أوصى بالحج, أو غيره, لقرباته, أو في شيء من أعمال البر جازت. قالا: قلنا ذلك استحسانا. قالا: وكذلك لو كان لهذا المفسد جارية فأتت بولد. فادعاه المحجور بأنه ابنه لزمه النسب, وصارت أمه أم ولد وإن مات وهو محجور لم تسعى الجارية في قيمتها, وكذلك لو كان له غلام ولد في ملكه, ومثله يولد لمثله, فقال هذا ابني لزمه نسبه وعتق وسعى له في جميع قيمته, وهو بمنزلة مريض, وهب ماله ابنه, ثم مات, وعليه دين, سعى في جميع قيمته. ودفع إلى الغرماء.

(483) واتفق الشافعي وأبو يوسف ومحمد بن الحسن: أن القاضي لو أذن للمحجور عليه أن يبيع عبدًا, أو يشتري جاز في ذلك أن يبيع ويقبض الثمن, ويسلم, ولم يكن ذلك إطلاقًا فإن الحجر في غيره. (484) واختلفوا إن كان قال له القاضي قد أذنت لك أن تتجر في البر خاصة, فقياس قول الشافعي: أنه يكون إطلاقًا في البر خاصة. وقال أبو يوسف ومحمد: يكون ذلك إطلاقًا من الحجر في غيره. (485) واتفقوا أنه لو قال قد أذنت في التجارة على أن لا يبيع إلا ببينة فإني لا أقبلها إنه كما قال لا يجوز إلا معاينة الشهود, قلته على مذهب الشافعي تخريجًا. (486) واتفقوا أنه متى أونس من الغلام الرشد بعد البلوغ.

دفع إليه ماله. (487) واختلفوا في الجارية. فقال مالك لا يدفع إليها مالها حتى تنكح. وقال الشافعي والكوفي وصاحباه: دفع إلى الجارية بالبلوغ والرشد. كما يدفع إلى الغلام. (488) واختلفوا في حد البلوغ, فقال الشافعي: البلوغ تمام خمس عشر سنة, إلا أن يحتلم الغلام, أو تحيض الجارية قبل ذلك. قال الشافعي في كتاب الإقرار: وإن كان خشى مشكلًا, وقد احتلم ولم يستكمل خمس عشر سنة وقف إقراره, فإن حاض فهو مشكل, ولا يلزمه إقراره حتى يبلغ خمس عشر سنة, وكذلك إن حاض ولم يحتمل فوجب على مذهبه, إذا احتلم الخشى المشكل دون خمس عشر سنة أن يوقف, فإن بلغ خمس عشر ولم يحض علمنا أن احتلامه كان بلوغًا, وإن حاض كان مشكلًا, ولم يكن باحتلامه ولا بحيضه بالغًا حتى يبلغ خمس عشر سنة.

وقال الكوفي: أيهما احتلم أو حاض فهو بلوغ, وإن لم يكن حيض, ولا احتلام فبلوغ الجارية سبع عشر سنة. (489) واختلف عنه في الغلام, فروى محمد بن الحسن, والحسن بن زياد ثمان عشر سنة, وروى الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة لتسع عشر. وقال أبو يوسف: البلوغ خمس عشر سنة إلا أن يحتلم الغلام, أو تحيض الجارية. (490) واتفقوا على أنه متى صلح الغلام بعد البلوغ أطلق عنه الحجر, واختلفوا فيه إذا عاد إلى إفساد ماله.

فقال الشافعي: يعاد عليه الحجر, وتابعه على ذلك أبو يوسف ومحمد. (491) واتفقوا على أنه إذا كان قد باع بيعًا واختلف المحجور والمشتري فقال المشتري: اشتريته في حال الإطلاق, وقال المحجور عليه: بل في حال الحجر, إن القول قوله مع يمينه بالله ما بعته في حال إطلاق الحجر. (492) وإن اختلفا وقد أطلق الحجر عنه, فقال: بعته منك قبل إطلاق الحجر, وأنا محجور, وقال المشتري بل وأنت مطلق عن الحجر, فقد اختلف أهل العلم في ذلك, فقياس قول الشافعي أن القول في ذلك قول المحجور عليه, مع يمينه, وذلك أنه قال: لو كان يجن ويفيق, فقال: طلقت امرأتي في حال الجنون, وقالت المرأة: بل وأنت صحيح, كان القول قول الزوج مع يمينه, وقال أبو يوسف ومحمد: القول قول المشتري, واختلفوا فيمن باع شيئًا من المحجور عليه وسلم إليه, أو أقرضه, فقال

الشافعي هو باطل, فإن كان قائمًا رد عليه, وإن كان متلفًا فلا ضمان عليه بحال, وإن أطلق الحجر عنه. وقال الكوفي: إن ذلك جائز إذا كان بعد البلوغ, وقيل أن يطلق الحجر عنه, وعليه ثمن ما اشترى, وقضاء ما اقترض من دين, وقياس قول أبي يوسف ومحمد: أن ينظر القاضي في ذلك, فإن كان ما فعل صاحًا أنفذه, وإن لم يكن صلاحًا أبطله, ورد على صاحبه إن كان قائمًا, وإن كان تالفًا فلا ضمان له على المحجور, لأنه المتلف لماله, لما دفع إلى المحجور. (493) واختلفوا في الحجر عليه إذا بلغ الصغير, ولم يكن في حجر أحد وكان متلفًا لماله بعد البلوغ. فقال الشافعي: يحجر القاضي عليه ماله, قاله نصًا, ومن حجته في الحجر على الحر إذا كان متلفًا حديث: حدثنا به إبراهيم بن موسى الجوزي, حدثنا محمد بن منصور الطوسي, حدثنا عبد الوهاب بن عطاء, أخبرنا

سعيد, عن قتادة, عن أنس أن رجلًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فكان يبتاع وكان في عقدته ضعف, فأتى أهله نبي الله فقالوا: يا نبي الله أحجر على فلان يبتاع وفي عقدته ضعف فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فنها عن البيع. فقال يا رسول الله إنني لا أصبر عن البيع, فقال: إن كنت غير تارك البيع, فقل ها, وها, ولا خلبه. (494) قال أبو العباس: فلما طلبوا من رسول الله الحجر عليه فلم ينكره دل أن الحجر حق. (495) واختلفوا في الحجر على الصغير إذا بلغ, ولم يكن في حجر

أحدٍ وكان متلفًا لماله بعد البلوغ. فقال الشافعي: يحجر عليه القاضي ماله قاله نصًا. (496) وما فعل قبل الحجر فجائز, قلته تفريعًا لأنه قال: متى أونس وصلح حاله أطلق عنه الحجر, ومتى عاد إلى حال الفساد حجر عليه, ولم يقل: إن ما فعل قبل الحجر باطل, وتابعه أبو يوسف ومحمد إلا أن محمد قال: إذا بلغ وهو مفسد فحاله حال المحجور, وإن لم يكن القاضي حجر عليه. وقال الكوفي: لا يبتدأ حجر على حر بالغ.

باب: نكاح الصغير والمغلوب على عقله

[67] باب: نكاح الصغير والمغلوب على عقله (497) اتفق الشافعي والكوفي: على الصغير, والبكر إذا زوجها الأب أو الجد بعد موت الأب من كفوء, فالنكاح جايئز, ولا خيار لها, إذا بلغت. قال مالك: الجد كسائر الأولياء لهم أن يزوجوا, ولها الخيار إذا بلغت, وإذا اجتمع جد وأخ في نكاح اليتيمة فالأخ أولى. (498) واختلفوا إن كانت صغيرة ثيبًا. فقال الشافعي: النكاح

باطل, وقال الكوفي وصاحباه: النكاح جائز, ولا خيار لها إذا بلغت. (499) واختلفوا إذا زوج الصغير أو الصغيرة, ولى غير الأب والجد. فقال الشافعي: النكاح باطل بكرًا كانت أو ثيبًا. وقال الكوفي: النكاح جائز, ولها الخيار إذا بلغت وقت ما علمت. فإن سكتت بعد أن علمت فلا خيار لها, وليس هذا كخيار الطلاق إذا خيرها زوجها, ولا كخيار العتق إذا أعتقت تحت الزوج, وخيار هاتين ما دامت في المجلس, ولم تأخذ في عمل آخر, وهذه إن سكتت بعد العلم شيئًا. جاز النكاح عليها وإن اختارت الفرقة وقت ما علمت فرق القاضي بينهما بلا طلاق ولا شيء لها من المهر إلا أن يكون الزوج قد وطئها وهي صغيرة, فيكون لها المهر المسمى, وإن زاد على مهر المثل وأيهما مات بعد أن اختارت الفراق, وقبل أن يفرق الحاكم توارثًا لأنهما زوجان ما لم يفرق القاضي بينهما, فإن اختارت الفرقة ثم رضيت جاز ما لم يفرق

الحاكم بينهما, وإذا أصيبت في صغير فبلغت وهي ثيب لم يكن السكوت رضا حتى تقول قد اخترت أذن لزوجها بوطئها, وإن فارقت المجلس قبل أن تختار الفراق, وقالت لم أعلم أني مزوجة في صغري, فالقول قولها مع يمينها, ولها الخيار في المجلس الذي علمت, وإن قالت قد علمت أني زوجت في صغري, ولم أعلم أن لي الخيار لم تعذر بذلك وبطل خيارها. قال الكوفي: ذلك كله نصًا ولو قالت قد علمت أني زوجت وإن لي الخيار إذا بلغت ولكن لم أعلم أن حيضتي بلوغ لم تعذر, وكذلك لو قالت إني لم أحض, ولكن لم أعلم بأني قد بلغت سبع عشر سنة عذرت وقبل قولها مع يمينه, قلت ذلك كله على مذهب الكوفي تخريجًا, وكذلك الصغيرة الثيب, والابن الصغير في جميع هذه المسائل إلا أن الفراق, وقبل أن يفرق الحاكم توارثًا لأنهما زوجان ما لم يفرق القاضي بينهما, فإن اختارت الفرقة ثم رضيت جاز ما لم يفرق

فارقت المجلس فقالت قد اخترت, وأنكر الزوج, فالقول قول الزوج مع يمينه, وإن قالت لم أعلم إلا بعد القيام فالقول قولها مع يمينها. وقال أبو يوسف: لا خيار لها في شيء من ذلك وجعل كل واحد ولي قياسًا على الأب. (500) واتفق الشافعي والكوفي في الصغير إذا زوج منه أب وجد بعد الموت الأب: إن ذلك جائز, ولا خيار له إذا بلغ. (501) واختلفا في الولي غير الأب والجد. فقال الشافعي: النكاح باطل, وقال الكوفي: له الخيار إذا بلغ, كما للجارية, إلا أن سكوته ليس برضا حتى يقول بلسانه: قد رضيت, أو يقع على امرأته بعد بلوغه. (502) وأما سائر ذلك فهو مثل الجارية, وإن فرق القاضي بينهما وهي فرقة بغير طلاق, ولا مهر, إلا أن يكون دخل بها ووقع عليها وهو صغير, ثم بلغ واختار الفرقة. فرق القاضي بينهما. ولها

عليه المهر المسمى. وقال أبو يوسف: لا خيار للصغير ولا للصغيرة إذا زوجه أو زوجها ولي غير الأب ولا خيار إذا بلغ. (503) واختلفوا في وجوب المهر إذا زوج الأب ابنه الصغير. فقال الشافعي والكوفي: يجب على الابن دون الأب إلا أن يكون الأب قد ضمن. وقال ابن أبي ليلى: يجب على الأب. وهو قول الشافعي في القديم إذا لم يكن للابن مال يوم زوج. (504) واختلف الشافعي والكوفي إذا ضمن الأب. فقال الشافعي: الأب متطوع به لا يرجع به على الابن. وقال الكوفي: وإن أداه الأب في صحته فهو متطوع لا يرجع به على أحد. وإن ضمن وهو صحيح, وأدى وهو صحيح, فهو متطوع لا يرجع على أحد, وإن ضمن وهو صحيح وأدى وهو مريض, أو مات الأب فأخذت

المرأة من مال الأب فإنه يحسب من ميراث الابن. قال الشافعي: ويزوج الأب أو الجد البنت التي أونس من عقلها لأن لها فيه عفافًا وغنى, وربما كان شفاء, بكرًا كانت أو ثيبًا, ويزوج المغلوب على عقله إذا كانت به إلى ذلك حاجة, وكذلك ابنه الصغير. وإن كان مجنونًا أو مخبولًا: كان النكاح مردودًا. وقال في كتابه الأمالي: ولا يزوج السفيهة بكرا كانت أو ثيبًا أحد غير الأب.

باب: أي الولاة أحق بالتزويج

[68] باب: أي الولاة أحق بالتزويج (505) اختلفوا في ترتيب الأولياء, فقال الشافعي: أولاهم الأب ثم الجد, وإن علا, ثم الأخ من الأب والأم على مراتب. عصبته في الميراث. ولا ولاية لابن, ولا وصي, إلا أن يكون عصبة, واختلف قوله في الأخ من الأب والأم, والأخ من الأب, فقال في القديم: هما سواء, وقال في الجديد: من انفرد بأم كان أولى, وقال مالك بن أنس: أولاهم الابن, ثم الأب, ثم وصى الأب, ثم الأخ, ثم الجد وإن علا, ثم ابن الأخ على مراتب عصبة الميراث. قال مالك: فإن كان لاه ولي من عشيرتها له رأي وشرف. فله أن

يزوجها, وإن كان لها أقرب منه إلا الأب قاله نصًا. (506) قال أبو العباس: قلت أنا تخريجًا على قوله, وكذلك وصي الأب. وقال الكوفي نحو قول الشافعي في الجديد إلا في الأب والابن فإنه قال: أيهما زوج جاز. وقال أبو يوسف: الابن أولى من الأب, وبه قال إسحاق. قال محمد بن الحسن: الأب أولى من الابن, وبه قال أحمد.

باب: عضل الولي

[69] باب: عضل الولي (507) أجمعت الفقهاء أنه إذا عضلها الولي والخاطب كفوء لها زوجها القاضي. (508) واختلفوا إذا كان الولي غائبًا, فقال الشافعي: إذا كان الولي غائبًا بعيد الغيبة, أو قريب, وولي دونه بالحضرة زوجها القاضي دونه, وبه قال مالك والأوزاعي إلا أن الأوزاعي قال: الغيبة عندنا على

السفر البعيد, فأما مسيرة اليومين, أو ثلاثة فلا. وقال الشافعي في كتاب الإملاء: إذا كان دون مسيرة يومين لم يزوج السلطان, فإن كان أكثر من ذلك زوج, وقال الكوفي: إذا كان الولي غائبًا في أرض متقطعة, قد طالت غيبته زوجها ولي دونه إلا يكون في بعض السواد وشبه ذلك, فهو كالحاضر.

باب: الولي إذا أراد أن يتزوجها

[70] باب: الولي إذا أراد أن يتزوجها (509) قال الشافعي: إذا أراد الولي أن يتزوج بها زوجة السلطان وكذلك الأمة يعتقها, ثم يريد أن يتزوجها. وقال مالك والكوفي وإسحاق: لا بأس أن يزوجها من نفسه. وقال أحمد: تولى أمرها رجلًا يزوجها منه. وقال عبيد الله بن الحسن: زوجها منه أولى الناس بها بعده.

باب: إذا زوج الوليان

[71] باب: إذا زوج الوليان (510) أجمعوا أنه إذا نكح الوليان برضاها. فالأول أولى ما لم يدخل بها الثاني. واختلفوا إذا دخل بها الثاني. فقال الشافعي والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور والكوفي وأصحابه: أن الأول أولى. دخل به الثاني أو لم يدخل. وقال ابن شهاب وعطاء ومكحول وربيعة ومالك ابن أنس. الثاني: أولى إذا دخل.

(511) واختلفوا إذا لم يعرف أيهما أول, فقال الشافعي: إذا أشكل فالنكاح مفسوخ. وقال الأوزاعي: أيهما دخل فهي امرأته. وإن لم يكن دخول فرق بينهما. وقال الثوري: يفرق بينهما, وبينهما بطلقة. وقال أحمد وإسحاق: يفرق بينهما. وقال الكوفي: إن كانا زوجاها بإذنها, فالنكاح باطل منهما جميعًا, وإن كانا زوجاها بغير إذنها, فأيهما أجازته جاز, وبطل الآخر.

باب: نكاح الكبيرة

[72] باب: نكاح الكبيرة (512) أجمعوا أن الرضا في البكر, الصمت, وفي الثيب الكلام. (513) واختلفوا: أما الثيب فقال الشافعي: إذا أصيبت المرأة بنكاح وجماع في نكاح صحيح, وفاسد وزنا صغيرة كانت أو كبيرة فهي ثيب لا تزوج إلا بإذنها. وقال مالك والكوفي وصاحباه: أنه إذا وطئت وطئًا حلالًا, أو بشبهة حتى يجب به المهر, فهي ثيب لا تنكح إلا بإذنها فأما إذا فجر بها رجل

مطاوعة, أو مستكرهة, أو ذهبت عذرتها بوثبة, أو مرض, أو علة, غير ما وصفنا فحكمها حكم البكر في الصمت. ووافقه أبو يوسف وزفر إلا في التي فجر بها رجل مطاوعة, أو مستكرهة, فإنها بمنزلة الثيب. (514) واتفق الشافعي والكوفي أن النكاح بغير الشهود باطل. (515) واختلفا في عدالة الشهود, فقال الشافعي: لا نكاح إلا بشاهدي عدل. وإن كانا عدوين للزوج والمرأة جاز ولا يجوز النكاح إذا كان فاسقين. وقال الكوفي وصاحباه: يجوز النكاح وإن كانا فاسقين. (516) واختلفوا في الولي, فقال الشافعي: لا نكاح إلا بولي, والسلطان ولي من لا ولي له. وبه قال مالك إلا في خصلة زعم أن الثيب إذا كانت دنية مثل السوداء, أو النبطية, والموالاة, فولت أمرها رجلًا من المسلمين, فلا بأس أن يزوجها.

وقال الكوفي: إذا زوجت المرأة نفسها, أو أقرت من يزوجها. فالنكاح جائز بكرًا كانت أم ثيبًا, وليس للولي عليها اعتراض, إذا كان الزوج كفؤًا. فإن كان غير كفوء لها, فللولي أن يخاصم ويرفع حتى يبطل القاضي هذا النكاح. وأيهما مات قبل أن يبطل الحاكم عليهما النكاح ورثه الآخر. وقال أبو يوسف: إذا زوجت نفسها من كفوء واستنقصت المهر فإن الحاكم يجبر الولي على تجويز النكاح, فإن أبى أجازه الحاكم وأيهما مات قبل أن يجيز الحاكم النكاح لم يرثه الآخر, ولا يلزمه طلاق, ولا إيلاء حتى يجيزوا وإن جامعها لم تكن به محصنة, ولا تحل لزوجها الأول به. (517) واختلفوا إذا زوجها أحد الوليين بإذنها, فقال الشافعي: إن كان زوجها من كفوء جاز, وإن كان من غير كفوء بطل, إلا أن يكون الولي

الآخر قد أذن قبل التزويج. وقال الكوفي: النكاج جايز, وإن كان من غير كفوء, وليس للآخر فسخه. وقال أبو يوسف: أن يفرق بينهما. وقال الكوفي: في البكر المدركة إذا زوجها ولها رجلًا بغير إذنها, فيبلغها فتسكت إن ذلك رضا بالنكاح, وكذلك إن وقع عليها زوجها برضاها, أو بعث إليها بالتكرمة فقبلها, فهذا رضا بالنكاح, وإن زوجها غير الولي فبلغها فسكتت لم يكن رضا, ولا إجازة للنكاح حتى تخبره بلسانها, وأما الثيب فلا يكون رضا إلا بلسانها في الولي وغير الولي, ولو كان للبكر أخ لأب ولأم وأم الأب فزوجها الأخ من الأبوين, فبلغها فسكتت فالسكوت رضا, وإن كان زوجها الأخ من الأب لم يكن التجويز إلا بالكلام, ولو اختلف الزوج والمرأة, فقال الزوج: قد رضيت لي بما سمعت. وقالت المرأة

لم أرض. فالقول قولها. ولا يمين عليها في قول الكوفي. وقال أبو يوسف ومحمد: القول قولها مع يمينها. (518) واتفق الشافعي والكوفي إذا نكح الوليان: أن الأول أحق إذا علم. (519) واختلفوا إذا لم يعلم, فقال الشافعي: إن لم يثبت الشهود أيهما أول, فالنكاح مفسوخ. هذا نص قوله, ومعناه عندي: أنه مفسوخ بفسخ الحاكم ذلك. وقال الكوفي: إن كانا زوجا بإذنها. فالنكاح باطل فيهما جميعًا, وإن كانا زوجا من غير إذنها, فأيهما أجاز جاز, وبطل الآخر. (520) واتفقا أيهما أراد يمينها أنها لا تعلم تحلف. (521) واختلفا إذا أقرت لأحدهما, وأراد الآخر يمينها.

فقال الشافعي في الجديد: لا يمين لو أقرت لم يلزمها شيء. وقيل في القديم عليها يمين لو أقرت للثاني, حكم القاضي له عليها مهر مثلهما, وبه قال أبو يوسف ومحمد. وقال الكوفي: لا تحلف لأنه [لا] يمين في النكاح.

باب: المطالبة بالمهر

[72] باب: المطالبة بالمهر (522) اتفق الشافعي والكوفي: على أن الزوج إذا وفر المهر حكم له بتسليم المرأة. إذا كانت في الحالة التي تحتمل الرجال. فكذلك اتفقا إذا أسلمت المرأة إليه في هذه الحالة. أن يحكم عليه لها بالمهر. فإن كانت صغيرة فاختلف الأب والزوج. فقال الزوج: هي في حد يحتمل مثلها الرجال. وأنكر الأب ذلك. فمذهب الشافعي: أن يريها أربع من النساء عدول قلته تخريجًا. وقال الكوفي: لا يجتزى بقول النساء وحدهن. ويجب أن يكون

معهن رجل, أو يكون رجلان, أو رجل وامرأتان. (523) واختلف الشافعي والكوفي إذا اختلف الزوجان, أو اختلف الزوج وأبو الصغيرة. فقال كل واحد منهما لا أسلم ما على حتى أتسلم مالي. وقال الشافعي: يأمر القاضي بدفع المهر إلى عدل. ويتواعد على وقت الدخول, فإذا سلمت عد إليه وخلا بها. دفع العدل المهر إليها. وفيه قول آخر أن يقول القاضي لها لا أجير واحد منكما إذا امتنع صاحبه, وأيكما تبرع بما عليه أخبرت الآخر وحكمت عليه. وقال الكوفي: يؤمر الزوج بتسليم المهر, ويستوثق له بكفيل بالمال على أنها إن امتنعت من الدخول أخذ به الكفيل. (524) واتفق الشافعي والكوفي على أن لأب البكر الصغيرة

مطالبة الزوج بالمهر, وكذلك أبو المعتوهة الكبيرة. (525) واختلفا إذا كانت البكر كبيرة. فأباه الشافعي. والكوفي. وأجازه الكوفي في البكر الكبيرة خاصة. يستحسن ذلك لأن البكر لا تبرز للمطالبة. (526) واتفقا فيما عدا ذلك أن ليس لأحدٍ من الأولياء أن يطالبوا عن كبيرة قهرًا إلا بتوكيلها. (527) واتفقا على أن ليس للزوج مطالبة الأب بتسليمها, إذا كانت مدركة غير محجورة بكرًا كانت أو ثيبًا.

قال الكوفي: إلا أن يكون أب البكر البالغ يطالب بالمهر فيطالبه الزوج بتسليمها, وإن ترافع الأب والزوج بالكوفة والأب بالبصرة, فليس على الأب حملها إلى الكوفة, ولكن يخرج الزوج إلى البصرة. أو يوكل من ينقلها إلى منزلها. وإن قال الزوج أوكل من يحملها إلى نظر فيه, فإن كان ذا محرم جاز, وإلا لم يجز, فإن كان الزوج قد وطئها, فليس للأب المطالبة بالمهر إلا بالوكالة. حكاه الخصاف عن الكوفي نصًا, وقلته على مذهب الشافعي تخريجًا لأنها في حال لا يلي أبوها بضعها ولا مالها. (528) واتفق الشافعي والكوفي على أن الزوج إذا أراد أن ينقل امرأته من بلد إلى بلد, أو أراد أن يسافر بها, وكان ذلك قبل الدخول بها, وإن لها الامتناع حتى تستوفي مهرها. (529) واختلفا إذا أراد نقلها بعد الدخول, فمذهب الشافعي أن ليس لها الامتناع عن المصير إذا كان ذلك بعد أن بنا بها برضاها, قلته

تخريجًا, وبه قال أبو يوسف ومحمد. وقال الكوفي: لها الامتناع من المصير حتى تقبض مهرها كله. (530) وإن اختلفا هل دخل بها أم لا؟ فمذهب الشافعي وأبي يوسف ومحمد: أن القول قولها مع يمينها, وإن اتفق الزوجان أنه قد دخل بها, واختلفا, فقالت المرأة: دخل بي من غير رضاي, وقال الزوج: بل برضاك, فالقول قولها مع يمينها في قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد, وكذلك إن اتفقا أنه قد دخل بها برضاها إلا أنهما اختلفا. فقالت المرأة: قد دخل بي, وما أصابني بعد, فأنا امتنع من المصير حتى استوفي المهر. وقال الزوج: قد أصبتها, كان القول قوله مع يمينها, ولا تقوم الخلوة هاهنا مقام الجماع. حكاه الخصاف نصًا عن أبي يوسف ومحمد. وأما عند الكوفي فلا معنى لاختلافهما في ذلك كله. بمعنى الانتقال, لأنه

لا يوجب عليها المصير, وإن كان قد بنا بها, وأصابها حتى تستوفي مهرها. (531) واتفقا إذا كانت المرأة مدركة فدخل بها زوجت ووطئها, فأرادت الامتناع من زوجه حتى تقبض مهرها, أن ليس لها الامتناع, ولكنها تكون معه وتطالبه بالمهر. وإن كانت صغيرة فسلمها أبوها, ودخل بها زوجها ووطئها, ثم أراد الأب أن يمنعها منه ويردها إلى عنده, حتى يستوفي المهر, له ذلك, حكاه الخصاف عن الكوفي نصًا. وقلته على مذهب الشافعي تخريجًا, لأن الذي فعله لم يكن باحتياط. (532) وإذا اختلف الزوجان, فادعى الزوج أنه معدم بالمهر, وادعت المرأة أنه موسر بذلك, فمذهب الشافعي عندي أن الزوج يطالب بالبينة على أنه معدم, ثم يحلف بعد أن صحت بينته يمينًا بالله أنه لا مال له, لأنه قد يكون له مغيب عن الشهود.

هكذا قال الشافعي في كتاب المفلس إذا ثبت على المفلس مال, فادعى القدم, فعليه البينة, ثم يحلف بعد البينة لأنه قد يكون له مال مغيب عن الشهود. وقال الكوفي وصاحباه: القول قوله مع يمينه في المهر والضمان والجناية وكل شيء لم يصل إليه به مال. وقد ذهب كثير من أصحاب الشافعي إلى أن هذا مذهب الشافعي من غير حكاية عنه نصًا. وسمعت أبا العباس ابن سريج يغلط من أصحابه من تأول هذا على مذهب الشافعي, وتقول كل من وجب عليه حق من الحقوق في ذلك سواء إلا العاقلة إذا أردنا إلزامه فادعى العدم, فالقول قوله مع يمينه والمسكين إذا طلب من الصدقات كان القول قوله, ولا يمين عليه.

باب: وجوب المهر

[73] باب: وجوب المهر (533) اتفق الشافعي والكوفي على أنه إذا مات أحد الزوجين. فكل الصداق المسمى واجب. وسواء كان دخل بها أولم يدخل وعلى أنه إن طلقها قبل الدخول وكان قد فرض لها مهرًا فلها نصف المهر, وأن لم يكن فرض لها المهر فطلقها بعد الدخول فلها مهر المثل, وإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة. (534) واختلفوا في مقدارها, فقال الشافعي أقلها مقنعة أو

وقاية أو إزاراً, وأعلاها خادم, وأوسطها ما يراه الحاكم على قدر الزوجين, واستحسن بقدر ثلاثين درهما. وقال الكوفي: أوفى المتعة درع وخمار وملحفة. وقال مالك والأوزاعي: ليس مقدار معلوم إلا بقدر سعته. (535) واختلفوا إذا مات زوجها ولم يكن فرض لها, فقال الشافعي: لها مهر مثلها وبه قال ابن أبي ليلى والكوفي وأصحابه.

وللشافعي قول آخر لا مهر لها حسبها الميراث, وبه قال مالك والأوزاعي. (536) واتفقا أنه تراضيا الزوجان يعقد النكاح بغير مهر, ثم طلب أن يفرض لها قبل الدخول فرض لها القاضي مهر مثلها. (537) واختلفوا في مهر المثل, فقال الشافعي والكوفي: ينظر إلى نساء عصبتها, ومن هي في مثل سنها وجمالها وصراحتها ومالها, وليست أمها من نسائها. وقال مالك: ينظر إلى حلها, ومالها ورغبة الناس فيها وأمثالها

وليس صداق قومها. وقال ابن أبي ليلى: ينظر إلى صداق أمهاتها, ومن يدلي بهن دون نساء عصباتها, وبالله التوفيق. (538) بسم الله الرحمن الرحيم: قال القاضي أو علي الزجاجي رحمه الله هذا ما خرج لأبي العباس أحمد بن أبي حمد الطبري رحمه الله من إملائه علينا من تصنيفه في أدب القاضي, ورأيت مكتوبًا بخطه على ظهر كتابه. قد بقي على شيء من مسائل المهر. وكتاب الحدود. فاحتذيت مناله فيه. وجمعت بقية هذه المسائل واتبعتها بكتاب الحدود لئلا يكون الكتاب مبتورًا وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنبت. (539) قلت: اختلفوا في الرجل يتزوج المرأة على حكمها, أو يتزوج على مهر مجهول, مثل ثوب, أو عبد, أو دار, أو دابة من غير أن يصف لها شيئا من ذلك, أو على ثمر لم بيد صلاحها, أو على خمر, أو خنزير, فقال الشافعي: لها مهر مثلها في ذلك كله. (540) وكذلك لو مات, أو ماتت, فإن طلقها قبل الدخول فلها نصف مهر مثلها.

وقال مالك: في المفوض إليه, هو بالخيار إن شاء أعطى صداق مثلها, وإن شاء فارقها, وكانت تطليقة, ولها المتعة, فإن تزوجها على مجهول, أو حرام ودخل بها, فلها صداق مثلها, ولم يفرق بينهما, وإن أدرك النكاح قبل دخوله بها فسخ النكاح. وقال أبو عبيد: النكاح المعقود على الحرام فاسد. واختلفت أجوبة الكوفي في ذلك, فقال: إن تزوجها على عبد غير معين, ولا موصوف, فالنكاح جائز, ولها عبد وسط. وكذلك لو تزوج على بيت, أو خادم, أو شاة, فلها بيت وسط أو شاة وسط, قيمة البيت والخادم أربعون دينارًا, ولو تزوجها على ثوب, فالصداق باطل, وكذلك عنده لو قال على ثوب قطن, أو كتان, لم يجز, وإن طلقها في ذلك كله قبل الدخول فلها المتعة. وإن تزوجها على مهر مثلها, ثم طلقها قبل الدخول فلها المتعة. وقال أبو يوسف ومحمد: لا توقيت بأربعين إنه على قدر الغلاء والرخص, ولو كان له عبدان وتزوج امرأة فقال: لها أتزوجك على هذا, أو هذا, ينظر, فإن كان مهر مثلها أوكسا, كان لها أوكسهما, وإن كان مهر

مثلها أوكس من أفضلهما, أو أكثر من أقلهما, فلها مهر مثلها. وقال أبو يوسف ومحمد لها أوكسهما. (541) واختلفوا في الرجل ينكح المرأة على أن صداقها ألف درهم إن لم يكن له زوجة, فإن كانت له زوجة فصداقها ألفان. ففي قول الشافعي لها مهر مثلها سواء كان أقل من ألف, أو أكثر من ألفين, وقال الكوفي: إن كانت له امرأة, فلها ألفا درهم, وإن لم يكن له امرأة لها مهر مثلها, لا ينقص من الألف شيئا, ولا يجاوز به ألفين. وقال أبو يوسف ومحمد: لها جميع ما يسمى لها كما سمي, لا ينقص منه ولا يزاد عليه في الشرط الأول, والآخر على ما يسمى, وليس هذا بمنزلة من له هذا, أو هذا وقياس قول مالك في ذلك قياس قوله في المجهول والحرام. (542) واختلفوا في الرجل ينكح المرأة على أن يعلمها قرآنا. فقال الشافعي النكاح ثابت والمهر صحيح, وعليه أن يعلمها ما شرط لها, فإن طلقها قبل أن يدخل بها لم يكن له أن يخلو بها يعلمها ذلك, وفيما يلزمه لها قولان. أحدهما: لها مثل نصف أجر التعليم. والثاني: لها مهر مثلها, وكذلك, إن نكحها على خياطة ثوب بعينه, فهلك, كان فيها قولان كما ذكرنا. وقال مالك: لا يجوز النكاح على تعليم القرآن.

وقال الكوفي: لها مهر مثلها. (543) واختلفوا في نكاح الشغار. فقال الشافعي: هو باطل, وقال ملك: يفسخ نكاح الشغار على كل حال. وقال الكوفي: النكاح جائز لكل واحدة مهر مثلها, فإن طلقها قبل الدخول, فلها المتعة, وبه قال: أبو يوسف. وقال الأوزاعي: إن لم يكونا دخلا, فسخ النكاحان, وإن كانا دخلا بهما, فلهما مهر مثلهما. (544) واختلفا إن سمى لهما, أو لأحديهما مهر, فقال الشافعي: ليس ذلك شغار, والنكاحان معًا جائزان, ولكل واحدة منهما مهر مثلها, وكان مالك ابن أنس يجعله كالشغار. ومذهب الكوفي في المسألتين جميعًا سواء.

(545) واختلفوا في المهر بسرية, ويعلن بأكثر منه, فذكر المزني عن الشافعي في ذلك قولين: أحدهما: السر. والآخر: العلانية والصحيح على مذهبه أن ينظر فإن كان وعدًا والثاني: عقدًا لزم الثاني دون الأول وإن كان الأول عقدًا لزم الأول دون الثاني, وبه قال المزني. وقال مالك: يؤخذ بالسر إن كان قد شهدوا على ذلك عدول. وقال الكوفي وأبو يوسف: المهر هو الأول والسمعة باطلة. وقال ابن أبي ليلى وأحمد: المهر مهر العلانية, إلا أن تقوم بينة أن العلانية كانت سمعة. (546) واختلفوا في الرجل يتزوج المرأة على دراهم معلومة فتقبضها المرأة, وتشتري بها جهازًا, أو طيبًا, ثم يطلقها قبل الدخول بها. ففي قول الشافعي والكوفي وابن أبي ليلى: يرجع عليها بنصف المهر ولها ما اشترت. وقال مالك والأوزاعي: ترد إليه نصف الجهاز ونصف الطيب.

قال مالك: فإن كانت اشترت مما لا يبتاع في حال العرس. فليس عليه أن يأخذ نصف ما اشترت. ولكن يرجع عليها بنصف الصداق الذي أعطاها. (547) واختلفوا في الرجل يصدق المرأة, فامتنعت أن تشتري به شيئًا من الجهاز, ففي قول الشافعي والثوري والكوفي: لا تجبر المرأة على شراء مالا تريد شراؤه, والمهر لها, تفعل به ما شاءت. وحكى عن مالك أنه قال: ليس لها أن تقضي به دينها, ولا أن تنفق منه في غير ما يصلحها لعرسها, إلا أن يكون الصداق كثيرًا, فتنفق منه شيئًا يسيرًا, وتقضي به من دينها شيئًا يسيرًا من المهر الكثير. (548) واختلفوا في المرأة تهب صداقها من زوجها فيطلقها قبل الدخول بها, فقال مالك وأحمد: لا يرجع عليها بشيء قبضه, أو لم يقبضه. وقال الكوفي: إن لم يكن قبضه, فليس بواحد منهما على صاحبه شيء, وإن كان قبضته, ثم وهبته له فطلقها قبل الدخول. رجع عليها بنصف المهر, وللشافعي فيها قولان: أحدهما كقول مالك. والثاني يرجع عليها بنصفه, قبضته أو لم تقبضه, إذا وهبت منه جميعه, وطلقها قبل الدخول. (549) واختلفوا في الرجل يتزوج امرأتين على مهر ألف درهم

فقال الكوفي: المهر بينهما على قدر مهر المثل, كل واحدة منهما, فإن كانت أحديهما في عدة, أو لها زوج أو نكاح فاسد, فإن الألف كله للتي نكاحها صحيح, ولا شيء للأخرى إذا لم يدخل بها. وقال أبو يوسف: الألف بينهما على قدر مهورهما. وقال أبو ثور في المسألة الأولى الألف بينهما نصفين, وللشافعي فيه قولان: أحدهما: أن الألف مقسوم على قدر المهرين في المسألتين جميعًا, ولا يكون لمن نكاحها فاسد منه شيء إذا لم يدخل بها. والقول الثاني: أن المهر فاسد ولكل واحدة منهما في المسألة الأولى مهر مثلها. وفي الثانية التي يصح نكاحها مهر مثلها ولا شيء للأخرى إذا لم يدخل بها. (550) واختلفوا في الرجل يزوج أمته. فقال الشافعي: الصداق لسيدها. وهو قياس قول الكوفي. وقال مالك: الصداق لأمته, إلا أن ينزعه السيد منها. (551) واختلفوا في الرجل ينكح ذات محرم وهو لا يعلم, ويدخل بها, ثم يعلم ذلك, فقال الشافعي ومالك والأوزاعي: يفرق بينهما, ولها عليه مهر مثلها. وقال الكوفي: لها الأقل من صداق مثلها, أو المسمى لها.

(552) واتفق الشافعي ومالك والكوفي في الرجل يتزوج امرأة وأهدى لها وأكرمها, ثم طلقها قبل الدخول بها, إنه لا يأخذ مما أهدى لها, وأكرمها شيئًا, فإن اختلفا فيما بعث به إليها فقالت المرأة كرامةً, وقال الزوج بل قضاء من المهر ففي قول الشافعي القول قوله مع يمينه, فإذا حلف نظر, فإن كان الشيء قائمًا ردته, وقبضت مهرها, وإن كان تالفًا فعليها قيمته. وقال أبو حنيفة: القول قول الزوج مع يمينه إلا الطعام الذي يؤكل, فإن القول قولهما مع يمينها. (553) واختلفوا في الرجل ينكح المرأة على أنه إن جاء بمهرها إلى يوم كذا وكذا وإلا فلا نكاح بينهما. فقال الثوري وأحمد وإسحاق: النكاح ثابت, والشرط باطل, وهو يشبه مذهب الشافعي, ولها مهر مثلها في ذلك, وكره مالك ابن أنس ذلك, ولم يره شيئا, وإن حدث بينهما الموت فلا توارث بينهما عنده.

كتاب الحدود

[74] كتاب الحدود (554) اتفقوا على أن المرء لا يكون بعقد النكاح الصحيح محصنًا حتى يكون مع العقد الدخول. (555) وأجمعوا على أن الحر المسلم البالغ إذا تزوج حرة مسلمة بالغة تزويجًا صحيحًا, ودخل بها ووطئها في الفرج إنهما محصنان. (556) واختلفوا فيما يلزمهما إذا زنيا بعد ذلك, فقال الشافعي ومالك والأوزاعي والثوري والكوفي وأصحابه: يرجمان, ولا يجلدان, وروي ذلك عن عمر بن الخطاب.

وقال إسحاق بن راهوية: يجلدان ثم يرجمان, وروي ذلك عن علي بن أبي طالب. (557) واختلفوا فيمن وطئ بنكاح فاسد هل يصير به محصنًا أم لا, فقال الشافعي ومالك والأوزاعي والكوفي وأصحابه: لا يكون به محصنًا وقال أبو ثور هو به محصن يلزمه الرجم إذا زنا. وكذلك المرأة عندهم. (558) واختلفوا في الذمية والأمة محصن زوجها الحر إذا دخل بها أم لا. فقال الشافعي ومالك: الذمية والأمة الزوجة تحصن كل واحدة منهما زوجها المسلم الحر. وقال الثوري والكوفي وأصحابه: لا يحصنانه. وكذلك الحرة المسلمة يحصنها زوجها العبد إذا دخل بها عند الشافعي ومالك. ولا يحصنها عند الكوفي وأصحابه. وكذلك الصبية تحصن زوجها الحر البالغ عند الشافعي

ومالك, ولا يحصنه عند الكوفي وأصحابه, وإن كانت مما يجامع مثلها, فإن كان الزوج غير بالغ, والمرأة بالغة حصنها عند الشافعي إذا كان يجامع مثله. وقال مالك والكوفي: لا يحصنها, فإن كان الزوجان مملوكين لم يحصن واحد منهما صاحبه وإن أعتقا إلا بوطئ بعد العتق في قول الشافعي ومالك والكوفي وأصحابه. وقال الأوزاعي: لا رجم على واحدٍ منهما إذا زنا, وإن كان وطئهما بعد عتقهما إذا كان عقد نكاحهما في الرق .. فإن تفرقا بطلاق أو غيره من وجوه الفراق. ثم تزوجها بنكاح صحيح جديد. ووطئها فمن زنا منهما بعد ذلك فعليه الرجم. (559) واختلفوا في وجوب حضور الإمام الرجم, فقال الشافعي إن شاء حضر, وإن شاء لم يحضر, وقال أحمد بن حنبل شبه الاعتراف أن يرجم الإمام, ثم الناس. وقال الكوفي: إن قامت البينة بزناها رجمت البينة ثم رجم الناس, وإن بإقرار منه رجم الإمام أولًا ثم رجم الناس.

(560) وأجمعوا أن الحامل من زنا لا تجلد ولا ترجم. (561) واختلفوا في الوقت الذي ترجم فيه بعد وضع الحمل. فمذهب الشافعي: في ذلك أن لا يقام عليها الحد بعد الوضع في حر شديد أو برد مفرط, أو في حالة الغالب منها التلف, إلا أن تكون محصنة, فترجم في هذه الأحوال كلها. وقال أحمد وإسحاق تترك حتى تضع وترضع حولين. وقال الكوفي: تحبس حت تلد. . . من نفاسها, ثم أقيم عليها, فإن كانت محصنة رجمت حين تضع. (562) واختلفوا في عدد الإقرار الموجب لحد الزنا, فقال مالك والشافعي إذا أخر مرة واحدة, وجب عليه به الحد. وقال الكوفي: لا يجب عليه الحد حتى يقر أربع مرات في أربع مواضع, وقال ابن أبي ليلى لا يحد إلا بأربع مرات, فإذا أقر أربع مرات حد, وإن كان في مقام واحد. (563) واختلفوا في الراجع عن إقراره بالزنا, فقال الشافعي والثوري برجوعه ويمضي عليه الحد.

(564) واختلفوا في ذلك عن مالك, فحكى القعنبي عنه أنه قال: إذا اعترف, ثم قال: لم أفعل, قبل ذلك منه, ولا يحد. وقال ابن عبد الحكم, قال مالك: إذا اعترف بغير محنة لم يقبل رجوعه. (565) واختلفوا في المرجوم إذا هرب فقال أحمد إذا هرب ترك. وقال الكوفي: إذا هرب فطلبه الشرطة, وأخذوه في فوره, أقيم عليه الحد الباقي, وإن أخذوه بعد أيام, لم يقم عليه بقيته. ومذهب الشافعي في ذلك أن ينظر فإن كان عن إقرار ترك, وإنك ان عن بينة أخذ. (566) واختلفوا في إقامة الحد بعد حين من الزمان, فقال مالك والأوزاعي والشافعي: يقام عليه ذلك.

وقال الكوفي: إذا شهد الشهود على زنى قديم أخذه بشهادتهم, ولم أخذه إذا أقر بزنى قديم خلا به وإن شهدوا عليه بسرقة أو شرب خمر بعد حين لم يقطع, ولم يحد, وضمن السرقة, ولو أقر بسرقة بعد حين, قطع, ولو أقر بشرب خمر بعد حين لم يحد. وبه قال أبو يوسف, وقال محمد بن الحسن يقطع. (576) واختلفوا في حدود تجمع على الرجل فيها القتل, فقال مالك: يأتي على كلها التقل, إلا حد الفرية, فإنه ثابتة عليه يؤخذ به قبل القتل. وقال الشافعي: إذا اجتمعت على رجل حدود وقتل, بدئ بحد القذف ثمانين, ثم يحبس, فإذا برأ, جلدة حد في الزنى مائة جلدة, ثم يحبس, فإذا برأ جلده قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى لقطع الطريق, فكانت يده اليمنى للسرقة, وقطع الطريق معًا, ثم قتل قودًا, فإن مات في الحد الأول, سقطت عنه الحدود كلها, وفي ماله دية النفس. وقال الكوفي: إذا أقر بالزنى أربع مرات, وأقر بالسرقة وشرب الخمر والقذف, وفقؤ عين, بدأ فأقتص من العين, فإذا برأ أخرجه من الحبس, ثم

يحد للقذف, ثم يحبس, فإذا برأ أقيم عليه الحدود, حدًا بعد حد, وجعل حد الخمر أخرها. (568) واختلفوا في إقرار الأخرس بالزنى بإشارة, أو كتاب. فمذهب الشافعي أن إقراره مقبول بذلك. وقال الكوفي: لا يؤاخذ به, لأنه لا يتكلم. (569) واختلفوا في الرجل يقر أنه زنى بهذه المرأة بعينها وتقول المرأة ما زنى بي, ولكنه تزوجني, أو تقول: لا أعرفه, ففي قول الشافعي وأبي ثور على الرجل الحد بإقراره. وقال الكوفي ومحمد: يحد ولا مهر لها. وقال أبو يوسف: يدرأ عنه الحد, ويلزم لها المهر إذا قالت ... عليها, ويحد, فروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: «يضرب الرجل قيامًا والنساء قعودًا».

(570) واختلفوا في الضرب على الأعضاء, فروي عن عمر وعلي وابن مسعود أن يعطى كل عضو حقه, خلا الوجه والرأس والفرج. وقال أبو يوسف: يضرب الرأس, ولا يضرب الوجه, ولا الفرج. (571) واختلفوا في وجوب النفي مع الجلد على البكر الزاني, فقال مالك والشافعي والثوري وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق: يجلد مائة جلدة, ويغرب عاما. وروي لك عن أب يبكر وعمر وعثمان وعلي. قول الكوفي يجلد ولا ينفى. واختلف من أوجب النفي على الزاني, في نفي العبيد والإماء, إذا زنوا, فقال: مالك وأحمد وإسحاق لا نفي على المملوك, وقال في موضع آخر ينفى نصف سنة, وحكى أبو ثور عنه أنه قال: ينفى كما ينفى الحر. (572) واختلفوا في المسافة التي ينفى إليها الزاني. فقال الشافعي: يغرب عاما عن بلده.

وقال مالك: يغرب عاما إلى بلد يحبس فيه لئلا يرجع إلى البلد الذي نفي منه. وقال أحمد في رواية. . . عنه أنه قال: يُنفى الرجل والمرأة إلى قدرما تقصر فيه الصلاة. وحكى الأثرم عنه أنه قال: ينفيه من عمله إلى غير عمله. وقال أبو ثور: قد يكون النفي بين المصر الذي كان فيه وبين القرى دعوه أوميل أو أقل من ذلك. (573) واختلفوا في الذي يجب على من عمل عمل قوم لوط. فقال الأوزاعي وعثمان البتي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور: حده حد الزنى, وهو الصحيح من مذهب الشافعية.

وقال الكوفي: يعزر ويستودع السجن حتى يتوب. وقال جابر بن زيد والشعبي ومالك وإسحاق: يرجم أحصنأو يحصن, وروي عن أبي بكر الصديق أنه قال في الرجل وجد في بعض نواحي الغرب ينكح كما تنكح المرأة, وقامت عليه بذلك بينة, فكان أشدهم فيه قولًا يومئذ علي بن أبي طالب, فقال: إن هذا ذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة, فصنع الله بها ما قد علمتم. أرى أن تحرقه بالنار. فأجمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يحرقوه بالنار. فكتب أبو بكر إلى خالدٍ بن الواليد أن أحرقه بالنار. ثم حرقهم ابن الزبير في إمارته, ثم حرقهم هارون بن عبد الملك, وروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام, وابن عباس من طريق آخر, أنهما قالا يرجم, وعن أبي نضرة قال: سُئل ابن عباس ما حد للوطي؟ قال: ينظر

أعلى بنيان في القرية فيرمى به منه منكسًا. ثم يتبع الحجارة. (574) واختلفوا فيما يجب على من أتى بهيمة, فيروى عن ابن عباس وأبي هريرة أنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه». وإلى ظاهره إسحاق بن زاهويه. فقال: الذي يعمد ذلك وهو عالم بما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك فعليه القتل. فآن درأ عنه الإمام القتل فلا ينبغي أن يدرأ عنه جلد مائة, وقال في موضع آخر: يؤدب أدبًا شديدًا. وقالت طائفة: يرجم إن كان ثيبًا, ويجلد إن كان بكرًا, وروى ذلك عن الحسن البصري, وهو أحد قولي الشافعي والقول الثاني: أن فيه التعزير, وقد قيل على مذهبه فيه قول آخر ثالث أن عليه القتل. وقال الزبير: يجلد مائة, أحسن أو لم يحصن.

وقال عطاء والنخعي: عليه التعزيز, وهو قول مالك والثوري وأحمد والكوفي وأصحابه. (575) واتفقوا على أن من شرب الخمر الحد سكر منها أو لم يسكر. (576) واختلفوا في وجبه على من شرب قليل المسكر ولم يسكر. فقال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو ثور: عليه الحد, وإن لم يسكر منه. وروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز, وعروة بن الزبير, وقتادة. وقال عطاء: لا يضرب في شيء من الشرب الحد التي يسكر إلا الخمر. وبه قال: الكوفي وأصحابه.

وقال ابن أبي ليلى والنخعي: لا يجلد السكران من النبيذ الحد. (577) واختلفوا في حد السكر الذي يلزم صاحبه اسم السكران. فقال مالك: إذا تغير عن طباعه التي هو عليها. وقال عبيد الله بن الحسن: حد السكر ذهاب الحياء. وقال الثوري: اختلاط عقله فيستقرا فإن أقام القراءة لم يجلد, وإن أخلط القراءة, أو الكلام الذي يعرفه الناس جلد. وقال أبو ثور: تغيره عما كان عليه. وقال الكوفي: السكر الذي يجب على صاحبه الحد أن لا يعرف الرجل من المرأة, وحكي عنه أنه قال: هو أن لا يعرف قليلًا ولا كثيرًا. وقال أبو يوسف: لا يؤخذ سكرانًا إلا وهو يعرف شيئًا, وإذا كان الغالب عليه اختلاف العقل, واستقرئ سورة فلم يقمها, وجب عليه الحد. قال ابن سريج تخريجًا على مذهب الشافعي: السكر الذي يجب به الحد أن يوقع في البدن طربًا, وتغير من حالة الشارب حالًا.

كتاب: السرقة

[75] كتاب: السرقة (578) قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا}. (579) اختلف أهل العلم في المقدار الذي تقطع به يد السارق فقالت طائفة لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا, وما سوى ذلك, وبذلك قال الأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأبو ثور. وقال مالك: تقطع اليد في ربع دينار وفي ثلاثة دراهم, فإن سرق درهمين, وهي تساوي ربع دينار لانخفاض الصرف لم تقطع يده حتى تبلغ ثلاثة دراهم, ولم تقطع في السلع حتى تبلغ قيمتها ثلاثة دراهم قل الصرف أو كثر. وقال أحمد وإسحاق: تقطع اليد في ثلاثة دراهم إن كان سرق

دراهم, وبربع دينار إن سرق من الذهب, فإن سرق من غير الدراهم والدنانير, فكانت قيمته ربع دينار, أو ثلاثة دراهم قطع. وروي عن عمر أنه قال: لا تقطع الخمس إلا في خمس. وبه قال سليم بن يسار, وابن أبي ليلى, وابن شبرمة. وروي عن علي وابن مسعود: لا تقطع اليد إلا في دينار, أو عشرة دراهم, فأكثر, وحكى ذلك عن الثوري. وروي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أن اليد تقطع في أربعة دراهم فصاعدا, وقال أبو جعفر محمد بن علي لا تقطع اليد إلا في أكثر من ثلاثة دنانير

وقال عثمان البتي: تقطع اليد في درهم, فما فوقه. وقال بعضهم على كل سارق: القطع هذا قول الخوارج. (580) واختلفوا في الرجلين يسرقان معًا مقدار ما إذا سرقه أحدهما وجب القطع. فقال مالك وأحمد وأبو ثور: عليهما القطع. وقال الشافعي والثوري والكوفي وأصحابه: لا قطع عليهما حتى تبلغ حصة كل واحد منهما ما تقطع فيه اليد, فإن سرق رجل من رجلين ما تقطع فيه اليد لو سرقة من واحد, ففي قول مالك وأبي ثور والكوفي وأصحابه لا تقطع. وأقطعت في قول الشافعي. (581) واختلفوا في السارق يسرق من السارق المتاع الذي سرقه. فقال مالك على كل واحد منهما القطع, ولو كانا سبعين قطعوا جميعًا.

وبه قال أبو ثور وإسحاق, وحكي عن ربيعة وابن شبرمة. وقال الثوري والكوفي وأصحابه: لا قطع على الثاني, وعليه الغرم, ويقطع الأول, ووقف أحمد عن جوابها. (582) واختلفوا في السارق يقر بالسرقة, أو تثبت عليه بينة بها, والمسروق منه غائب, فقال مالك: إذا قامت البينة على السارق بأنه سرق ما يجب فيه القطع قطع, وإن كان صاحبه غائبًا, وبه قال أبو ثور: وهو قول ابن أبي ليلى إن أقر مرتين. وقال الشافعي والكوفي وأبو يوسف: يحبس ولا يقطع حتى يحضر المسروق منه ويدعي. (583) واختلفوا في السارق تقوم عليه البينة بالسرقة فيدعي أن رب المال أقره بذلك, أو أذن له فيه, فقال مالك: تقطع يده إذا كان ذلك بالليل. وقال أحمد وإسحاق إذا شهدوا بأنه سرق قطع. وقال أبو ثور: إذا لم يكن له بينة بأنه أذن قطعت يده.

وقال الكوفي: إذا قال أذن لي في دخول بيته, أو كنت ضيفًا عنده ولي عليه بينة درئ عنه القطع. ولا قطع عليه في مذهب الشافعي, وعليه رد ما سرق, أو قيمته إن كان بالغًا, قلته تخريجًا, وذلك أنه قال: إن ادعى عليه السارق أن هذا متاعه غلبه عليه, أو ابتاعه منه, أو أذن له في أخذه لم أقطعه, لأني أجعل له خصمًا لو نكل صاحبه, أحلف المشهود عليه ودفعته إليه. (584) واختلفوا في السارق يسرق صبيًا حرًا فقال مالك وإسحاق: يقطع, وروي ذلك عن الشعبي والحسن البصري. وقال آخرون: لا قطع عليه هذا قول الشافعي والثوري والكوفي وأصحابه وأحمد وأبي ثور. (585) واختلفوا إن كان عليه حلي. فقال الكوفي: لا قطع على سارقه, وإن كان عليه حلي فيه مائة مثقال. وقال أبو يوسف: إذا كان عليه حلي قطع, وهو قول الشافعي. (586) واختلفوا في القطع في الفاكهة الربطة والخبز واللحم

والحجارة والملح والفخار والنورة والجص والزجاج والتوابل والقصب, والحطب, والجذوع, فقال الشافعي في كل ذلك قطع إذا بلغ المقدار وسرق من جرز. وقال الكوفي: لا قطع في شيء من ذلك, وقال الثوري: لا قطع في الذي يفسد من يومه. (587) واختلفوا في القطع في المصحف, فأوجبه الشافعي وأبو يوسف وأبو ثور. وقال الكوفي: لا قطع عليه. (588) واختلفوا في قطع النباش, فقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور عليه القطع وبه قال أبو يوسف. وقال الكوفي ومحمد: لا قطع عليه, وليس القبر بحرز. وبه قال الثوري.

(589) واتفقوا أنه لا قطع عليه في الخلسة إلا ما روي عن إياس بن معاوية, أنه قال: أقطعه. (590) واختلفوا في الطرار. فقال مالك وأبو يوسف: إن طر من دخل الكم أو خارجه فعليه القطع. وقال الكوفي ومحمد وإسحاق: إن كانت الدراهم مصرورة إلى داخل الكم فأدخل يده فسرقها قطع وإن كانت مصرورة في ظاهر كمه فطرها لم يقطع. وقال أحمد: إن كان يطر سرًا قطع وإن اختلس لم يقطع. وقال الأوزاعي والثوري وأبو ثور يقطع الطرار. واختلفوا في رجل دخل حرز رجل فأخذ شاته فذبحها وأخرجها, فقال الشافعي ومالك والثوري وأبو ثور: يقطع.

وقال الكوفي وأصحابه: لا يقطع. (591) واختلفوا في الإقرار بالسرقة, فقال الشافعي والكوفي ومحمد وأبو ثور: إذا أقر مرة واحدة قطع. وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف وأحمد وإسحاق: لا يقطع حتى يقر مرتين. (592) واختلفوا في صفة قطع السارق, فقال مالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور: إذا سرق قطعت يده اليمنى, فإذا سرق الثانية قطعت رجله اليسرى, فإذا سرق الثالثة قطعت يده اليسرى, فإذا سرق الخامسة عزر وحبس. وقال الأوزاعي والكوفي وأحمد: لا يقطع أكثر من يده اليمنى ورجله اليسرى. (593) واتفقوا أن الأحرار والعبيد في القطع سواء إلا ما روي

عن ابن عباس أن العبد الآبق لا قطع عليه, وبه قال سعيد بن العاص, ومروان بن الحكم وشريح. (594) واتفقوا على أن السارق إذا قطع ووجد المتاع عنده بعينه إن عليه رد وذلك على صاحبه. (595) واختلفوا إن كان قد استهلكه, فقال الشافعي والليث بن سعد وأحمد وإسحاق عليه مع القطع الغرم. وقال الكوفي وأصحابه والثوري: إذ استهلكه فلا غرم عليه بعد القطع, فإن سرق مرات ثم يؤتى به في آخر مرة قطع, وضمن كل السرقات إلا الآخرة في قول الكوفي.

وقال أبو يوسف لا أضمنه. (596) واختلفوا في الحربي يدخل دار الإسلام بأمان فسرق, فقال الكوفي ومحمد لأقطع عليه ويضمن السرقة, وهو أصح قولي الشافعي, وله قول آخر أنه يقطع وبه قال أبو يوسف: وقيل أنه رجع عنه. (597) واختلفوا في السارق يوهب منه ما سرق قبل أن تقطع يد, فقال مالك والشافعي: عليه القطع وإنوهب له المتاع أو أبرأه منه. وقال أحمد وأبو ثور: وإذا رفع السارق إلى السلطان لم يكن للذي رفعه أن يعفوا عنه. وقال النعمان: إذا وهبت منه السرقة لم يقطع, وإن رد السرقة إلى صاحبها قبل أن يرفع إلى الإمام, ثم أتى الإمام لم يقطع. (598) واختلفوا فيما يجب على قطاع الطريق, فقال الشافعي: من قتل منهم وأخذ مالًا قتل وصلب, وإن قتل ولم يأخذ المال قتل ودفع إلى أوليائه يدفنونه, وإن أخذ مالًا ولم يقتل قطعت يده اليمنى, ثم حسمت ثم رجله اليسرى, ثم حسمت في مكان واحد, وخلي. ومن حضر وكر وكان ردًا يدفع

عنهم, عزر وحبس. وقال مالك: يرى السلطان فيه رأيه في قتله وصلبه وقطعه ونفيه. ويستثنى فيه ذلك أهل العلم والرأي من أهل الفضل. وقال أبو ثور: الإمام مخير على ظاهر الأمر. وقال الكوفي: إذا قتلوا وأخذوا المال قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف, ويقتلهم ويصلبهم إن شاء, فإن أصابوا أموالًا قطعت أيديهم وأرجلهم, ولا يقتلوا, فإذا قتلوا ولم يصيبوا مالًا يقتلون ولا يقطعون, وإن قتل واحد منهم وكان الباقون ردًا لهم قتلوا جميعًا القاتل والرد. وقال أبو يوسف ومحمد مثل قول الشافعي. (599) واختلفوا في المحارب يأخذ من المال أقل مما يجب فيه القطع. فقال مالك وأبو ثور للإمام أن يحكم عليه لحكمه على المحارب إذا شهر السلاح, وأخاف السبيل, وقال الشافعي والكوفي: لا يقطع من قطاع الطريق إلا من أخذ قدر ما يقطع فيه يد السارق.

(600) واختلفوا في المحاربين إذا تابوا, فقال مالك إذا أصابوا إلى أهل الإسلام ثم تابوا وأصلحوا من قبل أن يقدر عليهم لا يقام عليهم حد المحاربين, ولكن يقتص منهم أهل الجراحات, ويؤخذ منهم ما أخذوا من الأمور, وما استهلكوا منها, كان ذلك في أموالهم, وإن كان قتل دفع إلى الأولياء فإن شاؤوا قتلوا, وإن شاؤوا عفوا. وقال الشافعي: ومن تاب منهم من قبل أن يقدر عليه يسقط عنه الحد, ولا يسقط عنه حقوق الآدميين, وأما حدود الله التي تجب في غير المحاربة فتاب قبل أن يقام عليه على قولين: أحدهما: يسقط عنه حتى أظهر التوبة قبل أن يقام ذلك عليه, والقول الثاني: أنه لا يسقط ويجب إقامته, وذلك توبته, وحكي عن الليث بن سعد أنه قال إذا أ'لن لمحاربة العامة والأئمة وأصاب دمًا وأموالًا, فامتنع لمحاربته من الحكم عليه, ولحق بدار الحرب, ثم جاء تائبًا قبل أن يقدر عليه, قبلت توبته ولم يتبع بشيء من أحد, إنه في حرية من دم خاصة ولا عامة, وإن طلبه وليه. (601) واتفقوا أن المحارب إذا قتل: إن القائم بحدة الإمام. ولا يجوز للولي العفو عن التقل, وهذا قول مالك والشافعي والكوفي وأصحابه وأبي ثور, قال الشافعي فمن عفى عن الجراح كان له ذلك.

قال المروزي وفي الجراح: قول آخر. ليس للولي مدخل في العفو عنه. (602) واختلفوا فيمن جرح وقتل, فقال الشافعي: ومن جرح اقتص لصاحب الجرح ثم قتل. وحكى عن الكوفي أن من جرح جراحات في المحاربة وقتل, وقتل بالقتل حتمًا, وبطل حق أصحاب الجراحات, قلت وهذا ترك أصله لأن قتل المحارب من حقوق الله, والجراح من حقوق بني آدم ومذهبه أن حقوق الله إذا اجتمعت مع حقوق بني آدم بدئ بحق بني آدم. حتى زعم أن محصنًا لو زنى وقتل نفسًا أنه يسلم إلى ولي القتيل, ولا يرجم وكذا, قال في المحارب: إذا قتل وأخذ المال قطع ثم قتل, وكذا قال في رجل يقر بالزنى وبالسرقة ويشرب الخمر والقذف ويفقؤ عين رجل عمدًا. فإن الإمام يبدأ, فيقتص من العين لأنها من حقوق بني آدم. (603) واختلفوا في المكارين في الأمصار والقرى, فقال الشافعي: حكم هؤلاء في الصحراء والمنازل والطرق والأمصار والقرى واحد إن لم يكونوا في المصر أعظم ذنبًا, فحدودهم واحدة, وحكي ذلك عن الأوزاعي والليث بن سعد. وقال الكوفي: لا يكون قطع الطريق إلا على المسافرين لا يكون على

مقيم ولا في مصر ولا قرية, وأهل الذمة والإسلام في ذلك سواء واختلف في ذلك عن مالك: فقال الوليد بن مسلم قلت لمالك تكون محاربة في المصر. قال: نعم المحارب عندنا من حمل السلاح على المسلمين في مصر أو خلاء قاطعًا للطريق والسبيل والديار مخيفًا لهم بسلاحه, فقتل أحدًا منهم قتله الإمام كقلته المحارب. (604) وذكر ابن القاسم أن مالكًا سئل عن رجل جرح في قرية في سوقهم بالسيف مصلتًا نهارًا أتقطع يده أم ماذا يصنع به؟ فقال مالك: ليس هذا بمحارب, ورأى أن يضرب ضربًا وجيعًا ويسجن حتى يحدث خيرًا. وقال مالك في الذي يقتل نهارًا في المصر قتل غيلة إنه محارب سبيله سبيل المحارب إذا خاف الرجل حتى يضربه على أخذ ماله أو دخل عليه منزله فضربه وأخذ ماله فهذا كله بمنزلة المحارب قتل الرجل أم لم يقتل. (605) واختلفوا في قطاع الطريق على أهل الذمة, فقال الشافعي: إذا قطع المسلمون على أهل الذمة حدوا حدودهم لو قطعوا على المسلمين إلا أني واقف أن أقتلهم إن قتلوا أو أضمنهم الدية. وقال في موضع آخر: احفظ عن بعض أهل العلم قبلنا أنه قال:

يقتلون وإن قتلوا عبدًا أو ذميًا على مالٍ يأخذونه قال الشافعي: ولهذا وجه. وقال أبو ثور: ويحكم على من قطعوا على المسلمين أو ذميين, وكذلك يحكم عليهم مسلمون أو ذميون, وحكي ذلك عن الكوفي. وقال الشافعي والكوفي وأصحابه وأبو ثور: إذا قطع أهل الذمة على المسلمين حدوا حدود المسلمين. (606) فإن كان في المحاربة امرأة فحكمها حكم الرجال في قول الشافعي, وليس كذلك الصبيان في قول الشافعي وأبي ثور والكوفي. وحكي عن الكوفي ومحمدٍ أنهما قالا إذا كان فيمن قطعوا الطريق امرأة أو غلام لم يحتلم درأت عنهما جميعًا الحد, والله أ'لم, تم كتاب أدب القاضي والحمد لله أولًا وآخر, وذلك في ثالث عشر من رمضان سنة 610 هـ بآمد اللهم اغفر لكتابه ذنبه وبلغه أمانيه في دنياه وعقباه, وصلى اللهم على خيريك من خلقك وصفوتك من بريتك سيدنا محمد النبي وآله وسلم تسليمًا كثيرًا.

§1/1