أخبار الظراف والمتماجنين

ابن الجوزي

بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم الحمد لله الذي قسم الأذهان فأكثر وأقل، وصلواته على محمد أشرف نبي أرشد ودل، وعلى أصحابه وأتباعه ما أطل سحاب فطل وبل. أما بعد؛ فلما كانت النفس تمل من الجد، لم يكن بأس بإطلاقها في مزح ترتاح به. 1 - كان الزهري يقول: هاتوا من أشعاركم، هاتوا من طرفكم، أفيضوا في بعض ما يخف عليكم وتأنس به طباعكم. 2 - وقد كان شعبة يحدث الناس، فإذا تلمح أبا زيد النحوي في أخريات الناس، قال: يا أبا زيد! (استعجمت دار نعم ما تكلمنا ... والدار لو كلمتنا ذات أخبار)

3 - وقال حماد بن سلمة: لا يحب الملح إلا ذكران الرجال، ولا يكرهها إلا مؤنثوهم. 4 - عن بكر بن عبد الله المزني، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا الرجال. 5 - قال قبيصة: كان سفيان مزاحا، ولقد كنت أجيء إليه مع القوم فأتأخر خلفهم مخافة أن يحيرني بمزاحه. 6 - قال سفيان بن عيينة: أتينا مرة مسعر بن كدام، فوجدناه يصلي، فأطال الصلاة جدا، ثم التفت إلينا متبسما، فأنشدنا: (ألا تلك عزة قد أقبلت ... ترفع نحوي طرفا غضيضا) (تقول: مرضنا فما عدتنا ... وكيف يعود مريض مريضا) قال: فقلت: رحمك الله، بعد هذه الصلاة هذا {قال: نعم} مرة هكذا ومرة هكذا. 7 - قلت: وقد بلغني عن جماعة من الفطناء والظرفاء حكايات تدل على قوة فهومهم، فسماعها يشحذ الذهن، وينبه الفهم، فأحببت أن أذكر منها طرفا.

8 - وبلغني عن جماعة من المجون ما يتفرج فيه. ومعنى المجون: صرف اللفظ عن حقيقته إلى معنى آخر، وذلك يدل على قوة الفطنة. فكتبت من ذلك في هذا الكتاب طرفا. وقد قسمته ثلاثة أبواب: الباب الأول: فيما ذكر عن الرجال. الباب الثاني: فيما ذكر عن النساء. الباب الثالث: فيما ذكر عن الصبيان. والله الموفق.

الباب الأول

(الباب الأول) فيما ذكر عن الرجال قد قسمت هذا إلى خمسة أقسام: أحدها: ما يروى من ذلك عن الأنبياء عليهم السلام. والثاني: ما يروى عن الصحابة. والثالث: ما يروى عن العلماء والحكماء. والرابع: ما ما يروى عن العرب. والخامس: ما يروى عن العوام.

القسم الأول

(القسم الأول) فيما يروى عن الأنبياء عليهم السلام 22 - عن محمد بن كعب القرظيّ، قال: جاء رجل إلى سليمان النبي [صلى الله عليه وسلم] ، فقال: يا نبي الله {إن لي جيراناً يسرقون إوزّي، فنادى: الصلاة جامعة؛ ثمّ خطبهم، فقال في خطبته: واحدكم يسرق إوزّة جاره، ثمّ يدخل المسجد والرّيش على رأسه} فمسح رجلٌ رأسه، فقال سليمان: خذوه، فإنّه صاحبكم. 23 - قلت: وذكروا في الإسرائيليات أنّ الهدهد جاء إلى سليمان، فقال: أريد أن تكون في ضيافتي، فقال سليمان: أنا وحدي؟ فقال: لا {بل أنت والعسكر، في يوم كذا، على جزيرة كذا؛ فلمّا كان ذلك اليوم، جاء سليمان وعسكره، فطار الهدهد، فصاد جرادةً، فخنقها، ورمى بها في البحر، وقال: كلوا، فمن لم ينل من اللّحم نال من المرقة؛ فضحك سليمان من ذلك وجنوده حولاً كاملاً. 24 - عن أبي هريرة، قال: قال رجل: يا رسول الله} إن لي جاراً يؤذيني، فقال: " انطلق، فأخرج متاعك إلى الطريق " فأنطلق، فأخرج متاعه، فاجتمع الناس عليه، فقالوا: ما شأنك؟ فقال: لي جارٌ يؤذيني، فذكرت ذلك للنبي [صلى الله عليه وسلم] ، فقال: " انطلق! فأخرج متاعك إلى

الطريق "، فجعلوا يقولون: اللهّم العنة، اللهم اخزه؛ فبلغه، فأتاه، فقال: ارجع إلى منزلك، فوالله لا أؤذيك. 25 - قال محمد بن إسحاق: لما خرج رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى بدر، خرج هو ورجلٌ آخر تبعه، فرأيا رجلاً، فسألاه عن قريش وعن محمد وأصحابه، فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما؛ فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] : " إذا أخبرتنا أخبرناك " فقال الشيخ: بلغني أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا، وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم كذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا. ثم قال: ممن أنتم؟ فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] : " نحن من ماء " وكان العراق يسمى ماءً، فأوهمه أنّه من العراق، وإنّما أراد أنّه خلق من نطفة. 26 - وقال الحسن البصري: جاء رجلٌ إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] برجلٍ قد قتل حميماً له، فقال له: " أتأخذ الدية؟ " قال: لا، قال " أفتعفو! ؟ " قال: لا، قال: " اذهب فاقتله "، فلما جاوزه، قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] : " إن قتله فهو مثله " فأخبر الرجل، فتركه. قال ابن قتيبة: لم يرد أنّه مثله في المأثم، إنّما أراد أنّ هذا قاتلٌ وهذا قاتلٌ، إلاّ أنّ الأوّل ظالمٌ والثاني مقتص. 27 - قال خوّات بن جبير: نزلت مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مرّ

الظهران، فخرجت من خبائي، فإذا نسوةٌ يتحدّثن، فأعجبنني، فرجعت، فأخرجت حلةٌ لي من عيبتي، فلبستها، ثم جلست إليهن، وخرج رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من قبته، فقال: " أبا عبد الله {ما يجلسك إليهنّ؟ " قال: فهبت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، فقلت: يا رسول الله} جملٌ لي شرودٌ، أبتغي له قيداً. قال: فمضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، وتبعته، فألقى إليّ رداءه، ودخل الأراك، فقضى حاجته، وتوضأ، ثمّ جاء، فقال: " أبا عبد الله! ما فعل شرادُ جملك؟ " ثمّ ارتحلنا، فجعل لا يلحقني في الميسر إلا قال: " السلام عليكم أبا عبد الله، ما فعل شراد جملك؟ ". قال: فتعجلت إلى المدينة، فاجتنبت المسجد ومجالسة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، فلما طال ذلك عليّ تحيّنت ساعة خلوة المسجد، [ثم أتيت المسجد] ، فجعلت أصلي، فخرج رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من بعض حجره، فجاء، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم جلس، وطولت رجاء أن يذهب ويدعني، فقال: " طوّل أبا عبد الله ما شئت، فلست بقائم حتّى تنصرف " فقلت: والله لأعتذرنّ إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، ولأبرئن صدره؛ فانصرفت، فقال: " السلام عليكم أبا عبد الله، ما فعل شرادُ الجمل؟ ". فقلت: والذي بعثك بالحق ما شرد ذاك الجمل منذ أسلمت، فقال: " رحمك الله " مرتين أو ثلاثاً، ثم أمسك عني، فلم يعد.

28 - عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، قال: كان بالمدينة رجلٌ يقال له: نعيمان، وكان لا يدخل المدينة طرفة إلاّ اشترى منها، ثمّ جاء بها إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] ، فقال: يا رسول الله {هذا أهديته لك؛ فإذا جاء صاحبه، فطالب نعيمان بثمنه، جاء به إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] ، فقال: يا رسول الله} اعطِ هذا ثمن متاعه، فيقول رسول الله [صلى الله عليه وسلم] : " أو لم تهده لي؟ " فيقول: يا رسول الله! والله لم يكن عندي ثمنه، ولقد أحببت أن تأكله؛ فيضحك رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، ويأمر لصاحبه بثمنه.

القسم الثاني

(القسم الثاني) فيما يروى عن الصحابة 29 - عن أنس، قال: لما هاجر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، كان يركب، وأبو بكر رديفه، وكان أبو بكر يعرف لاختلافه إلى الشام، فكان يمرّ بالقوم، فيقولون: من هذا بين يديك يا أبا بكرٍ؟ فيقول: هذا يهديني. 30 - عن عبد الجبار بن صيفي، عن جدّه، قال: إنّ صهيباً قدم على النبيّ [صلى الله عليه وسلم] ، وبين يديه تمرٌ وخبزٌ، فقال: " ادن فكل ". قال: فأخذ يأكل من التمر، فقال النبي [صلى الله عليه وسلم] : " إنّ بعينك رمداً " فقال: يا رسول الله! أنا آكل من الناحية الأخرى؛ فتبسم النبي [صلى الله عليه وسلم] . 31 - عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: وفدت على عمر بن الخطاب حللٌ من اليمن، فقسمها بين الناس، فرأى فيها حلّة رديئة، فقال: كيف أصنع بها؟ إن أعطيتها أحداً لم يقبلها إذا رأى هذا العيب فيها؛ فأخذها، فطواها، فجعلها تحت مجلسه، فأخرج طرفها، ووضع الحلل بين يديه، فجعل يقسم بين الناس، فدخل الزبير بن العوّام وهو على تلك الحال؛ قال: فجعل ينظر إلى تلك الحلة، فقال: ما هذه الحلة؟ قال عمر: دع هذه عنك. قال: ما هيه، ما هيه، ما شأنها؟ قال: دع هذه عنك. قال: فأعطينيها؛ قال: إنّك لا ترضاها. قال:

بلى! قد رضيتها؛ فلما توثّق منه واشترط عليه أن يقبلها ولا يردّها، رمى بها إليه؛ فلمّا أخذها الزّبير، ونظر إليها، إذا هي رديئةٌ، فقال: لا أريدها؛ فقال عمر: أيهات، قد فرغت منها؛ فأجازه عليها وأبى أن يقبلها منه. 32 - عن حنش بن المعتمر أن رجلين أتيا امرأة من قريش، فاستودعاها مئة دينار، وقالا: لا تدفعيها إلى واحدٍ منا دون صاحبه حتى نجتمع، فلبثا حولاً، فجاء أحدهما إليها، فقال: إنّ صاحبي قد مات، فادفعي إلىّ الدنانير؛ فأبت، [وقالت: إنّكما قلتما لا تدفعيها إلى واحدٍ منّا دون صاحبه، فلست بدافعتها إليك؛ فتثقّل عليها بأهلها وجيرانها،] فلم يزالوا بها حتّى دفعتها إليه. ثمّ لبثت حولاً، فجاء الآخر، فقال: ادفعي إليّ الدنانير؛ فقالت: إنّ صاحبك جاءني، فزعم أنّك متّ، فدفعتها إليه؛ فاختصما إلى عمر بن الخطاب، فأراد أن يقضي عليها، فقالت: أنشدك الله أن تقضي بيننا، ارفعنا إلى عليّ؛ فرفعهما إلى عليّ، فعرف أنّهما قد مكرا بها، فقال: أليس قلتما: لا تدفعيها إلى واحد منّا دون صاحبه؟ قال: بلى؛ فقال عليّ: مالك عندنا، فجئ بصاحبك حتى تدفعها إليكما. 33 - عن أسامة بن زيدٍ، عن أبيه، عن جده، قال: كان عمر بن الخطّاب يعدّ للنّاس خرقاً وخيوطاً؛ فإذا أعطى الرجل عطاءه

في يده أعطاه خرقةً وخيطاً، وقال له: اربط ذهبك، وأصلح مويلك، فإنّك لا تدري كم يدوم هذا لك {فأدخل عليه رجلٌ يقاد؛ فأعطاه، فكأنه استقله، فقال عمر لقائده: اخرج به؛ فخرج به، ففرشها، ثمّ دعاه، فقال: خذ هذه كلّها؛ فجمعها، وخرج فرحاً. 34 - عن عبد الله بن عاصم بن المنذر، قال: تزوّج عبد الله بن أبي بكر الصديق عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت حسناء، ذات خلقٍ بارعٍ، فشغلته عن مغازيه، فأمره أبوه بطلاقها، فطلّقها؛ وقال: (ولم أر مثلي طلّق اليوم مثلها ... ولا مثلها في غير جرمٍ تطلّق) فرق له أبوه، وأمره فراجعها، ثمّ ثم شهد مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] غزاة الطائف، فأصابه سهمٌ، فمات منه، فقالت عاتكة: (رزيت بخير الناس بعد نبيهم ... وبعد أبي بكرٍ وما كان قصّرا) (وآليت لا تنفك عيني حزينةً ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا) (فلله فلله عيناً من رأى مثله فتىّ ... أكرّ وأحمى في الهياج وأصبرا) (إذا شرعت فيه الأسنّة خاضها ... إلى الموت حتى حتى يترك الرمح أحمرا) ثم تزوّجها عمر بن الخطاب، فأولم، وكان فيمن دعا علي بن أبي طالب؛ فقال: يا أمير المؤمنين} دعني أكلم عاتكة؛ فقال: كلّمها؛ فأخذ عليّ بجانب الخدر، ثم قال؛ يا عديّة نفسها: (وآليت لا تنفك عيني قريرةً ... عليك ولا ينفك جلدي أصفرا)

فبكت، فقال عمر: ما دعاك إلى هذا؟ كل النساء يفعل هذا. 35 - قال يهودي لأمير المؤمنين علي: ما دفنتم نبيكم حتى قالت الأنصار: منّا أميرٌ ومنكم أميرٌ {فقال له عليٌ: أنتم ما جفّت أقدامكم من البحر حتى قلتم: اجعل لنا إلهاً} 36 - عن أبي مليكة، قال: قال ابن الزبير لابن جعفر: أتذكر إذ تلقينا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، أنا وأنت وابن عباس، قال: نعم، فحملنا وتركك. 37 - عن أبي رزين، قال: سئل العباس: أنت أكبر أم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ؟ قال: هو أكبر مني، وأنا ولدت قبله. 38 - عن مجاهد، قال: بينا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في أصحابه، إذ وجد ريحاً، فقال: " ليقم صاحب هذه الريح فليتوضأ "، فاستحيا الرجل، ثمّ قال: " ليقم صاحب هذه الريح فليتوضأ، فإن الله لا يستحيي من الحق " فقال العباس: ألا نقوم، يا رسول الله؛ كلنا نتوضأ؟ 39 - عن ابن عباس: وروي مثل هذه القصة في خلافة عمر، فقال جرير: يتوضأ القوم كلهم؟ فقال عمر: نعم السّيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام.

40 - عن عكرمة، أن عبد الله بن رواحة كان مضطجعاً إلى جنب امرأته، فخرج إلى الحجرة، فعرف جارية له، فانتبهت المرأة، فلم تره، فخرجت، فإذا هو يعرف الجارية، فرجعت فأخذت شفرةً، فلقيها ومعها الشفرة، فقال: مهيم؟ فقالت: مهيم {أما إنّي لو وجدتك حيث كنت لوجأتك بها؛ قال: وأين كنت؟ قالت: تعرفها. قال: ما كنت} قالت: بلى {قال: فإن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نهانا أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب؛ فقالت: اقرأه؛ فقال: (أتانا رسول الله يتلو كتابه ... كما لاح مشهودٌ من الصبح ساطع) (أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقناتٌ أنّ ما قال واقع) (يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالكافرين المضاجع) قالت: آمنت بالله وكذبت بصري. قال: فغدوت إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، فأخبرته، فضحك حتى بدت نواجذه. 41 - عن أم سلمة، قالت: خرج أبو بكر في تجارةٍ إلى بصرى قبل موت رسول الله بعام، ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة، وكانا قد شهدا بدراً، وكان نعيمان على الزّاد، وكان سويبط رجلاً مزاحاً، فقال لنعيمان: أطعمني} قال: حتى يجيء أبو بكرٍ؛ قال: أما لأغيظنّك. قال: فمروا بقومٍ، فقال لهم سويبط: تشترون مني عبداً لي؟ قالوا: نعم؛ قال: إنّه عبد له كلامٌ، فهو قائل لكم: إنّي حرٌ، فإن

كنتم إذا قال لكم هذه المقالة تركتموه فلا تفسدوا علي عبدي {قالوا: لا؛ بل نشتريه منك. قال: فاشتروه بعشر قلائص. قال: ثم أتوه، فوضعوا في عنقه عمامةً أو حبلاً، فقال نعيمان: إن هذا يستهزئ بكم، وإني حرٌ ولست بعبد} فقالوا: قد أخبرنا خبرك؛ فانطلقوا به، فجاء أبو بكرٍ، فأخبروه بذلك، فاتبع القوم، فردّ عليهم القلائص، وأخذ نعيمان؛ فلمّا قدموا على النبي [صلى الله عليه وسلم] أخبروه، فضحك النبي [صلى الله عليه وسلم] وأصحابه منه حولاً. 42 - عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب استعمل المغيرة بن شعبة على البحرين، فكرهوه، فعزله عنهم، فخافوا أن يردّه، فقال دهقانهم: اجمعوا مئة ألف درهم حتى أذهب بها إلى عمر وأقول له: إن المغيرة اختان هذا ودفعه إليّ؛ ففعلوا، فأتى عمر، وقال: إنّ المغيرة اختان هذا ودفعه إليّ؛ فدعا عمر المغيرة، وقال: ما يقول هذا؟ قال: كذب {إنما كانت مئتي ألف} قال: فما حملك على ذلك؟ قال: العيال والحاجة. فقال عمر للعلج: ما تقول؟ قال: والله لأصدقنّك {والله ما دفع إلي قليلاً ولا كثيراً} فقال عمر للمغيرة: ما أردت إلى هذا؟ قال: الخبيث كذب عليّ، فأحببت أن أخزيه.

43 - عن نافعٍ، قال: كان عبد الله بن عمر يمازح مولاة له، فيقول لها: خلقني خالق الكرام وخلقك خالق اللئام {فتغضب وتصيح وتبكي، ويضحك عبد الله. 44 - مازح معاوية الأحنف، فقال: يا أحنف} ما الشيء الملفف في البجاد؟ قال: هو السخينة. أراد معاوية قول الشاعر: (إذا ما مات ميتٌ من تميم ... فسرك أن يعيش فجئ بزادٍ) (بخبزٍ أو بسمنٍ أو بزيتٍ ... أو الشيء الملفّف في البجاد) يريد وطب اللبن. والبجاد: كساءٌ يلف فيه ذلك. وأراد الأحنف ب " السخينة " أن قريشاً كانوا يأكلونها ويعيّرون بها، وهي أغلظ من الحساء وأرق من العصيد، وإنّما تؤكل في كلب الزمان وشدة الدهر. 45 - وكان بين يدي معاوية ثريدةٌ كثيرةُ السمن، ورجلٌ يواكله، فخرقه إليه، فقال له: {أخرقتها لتغرق أهلها} [18 سورة الكهف / الآية: 71] . فقال: {فسقناه إلى بلد ميت} [35 سورة فاطر / الآية: 9] .

46 - ولمّا قدم معاوية حاجاً تلقّته قريشٌ بوادي القرى، وتلقّته الأنصار بأجزاع المدينة، فقال لهم: ما منعكم أن تلقوني حيث تلقتني قريشٌ؟ قالوا: لم يكن دوابٌ؛ قال: فأين النواضحٌ؟ قالوا: أنضيناها يوم بدرٍ في طلب أبي سفيان. 47 - وقال معاوية لعقيل: إن فيكم لشبقاً يا بني هاشم {قال: هو منّا في الرجال، وهو منكم في النساء. 48 - عن خبيب بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده، قال: شهدت مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، فقتلت رجلاً، وضربني ضربةً، فتزوّجت بابنته بعد، فكانت تقول: لا عدمتُ رجلاً وشحك هذا الوشاح؛ فأقول: لا عدمت رجلاً عجّل أباك إلى النار. 49 - قال معاوية لعبد الله بن عامر: إن لي إليك حاجةٌ، أتقضيها؟ قال: نعم} ولي إليك حاجةٌ، أتمضيها؟ قال: نعم؛ قال: سل حاجتك، قال: أريد أن تهب لي دورك وضياعك بالطائف؛ قال: قد فعلت؛ قال: وصلتك رحمٌ، فسل حاجتك؛ قال: أن تردها عليّ؛ قال: قد فعلت.

50 - قال رجلٌ لأبي الأسود الدؤلي: أشهد معاوية بدراً؟ فقال: نعم، من ذاك الجانب. 51 - روى سعيدٌ المقبري، عن أبي هريرة، أنّه قال: " لا يزالً العبدُ في صلاةٍ ما لم يحدث " فقال رجلٌ من القوم أعجمي: ما الحدثُ يا أبا هريرة؟ قال: الصوت، قال: وما الصوت؟ فجعل أبو هريرة يضرط بفيه حتى أفهمه.

القسم الثالث

(القسم الثالث) فيما يروى عن العلماء والحكماء 52 - عن شيخ من قريش، قال: عرض شريحٌ ناقةً لبيعها، فقال له المشتري: يا أبا أميّة {كيف لبنها؟ قال: احلب في أيّ إناءٍ شئت؛ قال: كيف الوطاء؟ قال: افرش ونم؛ قال: فكيف نجاؤها؟ قال: إذا رأيتها في الإبل عرفت مكانها؟ قال: كيف قوتها؟ قال: احمل على الحائط ما شئت. فاشتراها، فلم ير شيئاً مما وصفها به، فرجع إليه، فقال: لم أر شيئاً مما وصفتها به} قال: ما كذبتك؛ قال: أقلني؛ قال: نعمٌ. 53 - عن أبي القاسم السلمي، عن غير واحدٍ من أشياخه، أن شريحاً خرج من عند زيادٍ وهو مريضٌ، فأرسل إليه مسروقٌ بن الأجدع رسولاً، فقال: كيف تركت الأمير؟ قال: تركته يأمر وينهى. قال: يأمر بالوصية وينهي عن النياحة. 54 - عن زكرياء بن أبي زائدة، قال: كنت مع الشعبي في

مسجد الكوفة، إذ أقبل حمّال على كتفه كودن، فوضعه، ودخل إليه، فقال: يا شعبي {إبليس كانت له زوجةٌ؟ قال: ذاك عرسٌ ما شهدته، قال: هذا عالم العراق يسأل عن مسألةٍ فلا يجيب} فقال: ردّوه، نعم له زوجةٌ، قال الله عز وجل: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني} [18 سورة الكهف / الآية: 50] ولا تكون الذّرّيّة إلا من زوجةٍ. قال: فما كان اسمها؟ قال: ذاك إملاكٌ ما شهدته. 55 - عن عبد الله بن عياش، قال: جلس الشعبي على باب داره ذات يوم، فمرّ به رجلٌ، فقال: أصلحك الله! إني كنت أصلي، فأدخلت إصبعي في أنفي، فخرج عليها دمٌ، فما ترى: أحتجم أم افتصد؟ فرفع الشعبي يديه، وقال: الحمد لله الذي نقلنا من الفقه إلى الحجامة. 56 - أقر رجلٌ عند شريح، ثم ذهب لينكر، فقال له شريحٌ: قد شهد عليك ابن أخت خالتك. 57 - روى عامرٌ الشعبي يوماً: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] ، قال: " تسحروا، ولو أن يضع أحدكم إصبعه على التراب ثمّ يضعه في فيه ". فقال رجلٌ: أيّ الأصابع؟ فتناول الشعبيّ إبهام رجله، وقال: هذه.

58 - ولقيه رجلٌ وهو واقفٌ مع امرأةٍ يكلّمها، فقال الرجل: أيّكما الشّعبيّ؟ فأومأ الشعبيّ إلى المرأة، وقال: هذه. 59 - وسأله رجلٌ عن المسح على اللّحية في الوضوء، فقال: خلّلها بأصابعك. فقال: أخاف أن لا تبلّها {قال: فانقعها من أوّل اللّيل. 60 - ودخل الشعبي على عبد الملك، فقال له: كم عطاءك؟ قال: ألفي درهم. فقال: لحن العراقي؛ ثم رد عليه، فقال: كم عطاؤك؟ قال ألفاً درهم. قال: ألم تقل: ألفي درهم} فقال: لحن أمير المؤمنين فلحنت، لأني كرهت أن يكون راجلاً وأكون فارساً. 61 - ودخل الشعبي الحمام، فرأى داود الأوديّ بلا مئزر، فغمض عينيه، فقال له داود: متى عميت يا أبا عمرو؟ قال: منذ هتك الله سترك. 62 - وجاء رجلٌ إلى الشعبي، فقال: اكتريت حماراً بنصف درهم، وجئتك لتحدّثني؛ فقال له: أكتر بالنصف الآخر وارجع، فما أريد أن أحدثك. 63 - وقيل للشعبي: هل تمرض الروح؟ قال: نعم! من ظل الثقلاء.

64 - قال بعض أصحابه: فمررت به يوماً وهو بين ثقيلين، فقلت: كيف الروح؟ قال: في النزع. 65 - قال أبو عبد الله الأسناطي: لما نزل في عين سعيد بن المسيب الماء، قيل له: اقدحها، فقال: فعلى من أفتحها. 66 - كان إبراهيم النّخعي إذا طلبه إنسانٌ لا يحبّ لقاءه، خرجت الخادم فقالت: اطلبوه في المسجد. 67 - عن جرير، قال: جئت الأعمش يوماً، فوجدته قاعداً في ناحيةٍ، وفي الموضع خليجٌ من ماء المطر، فجاء رجلٌ عليه سواد، فرأى الأعمش وعليه فروةٌ، فقال: قم عبرني هذا الخليج؛ وجذب بيده، فأقامه، وركبه، وقال: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين} [43 سورة الزخرف / الآية 13] . فمضى به الأعمش حتى توسط الخليج، ثم رمى به، وقال: {وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين} [23 سورة المؤمنون / الآية: 29] . ثمّ خرج، وتركه يتخبّط في الماء.

68 - عن الهيثم بن عدي، قال: قيل للأعمش: ممّ عمشت عيناك؟ قال: من النظر إلى الثقلاء. 69 - قال الأعمش: وقال جالينوس: لكل شيءٍ حمى، وحمى الروح النظر إلى الثقلاء. 70 - قال شريك: سمعت الأعمش يقول: إذا كان عن يسارك ثقيلٌ وأنت في الصلاة، فتسليمة عن اليمين تجزءك. 71 - قال إسحاق الأزرق: قال: رجلٌ للأعمش: كيف بتّ البارحة؟ قال: فدخل، فجاء بحصير ووسادة، ثم استلقى، وقال: كذا. 72 - قال سعيد الورّاق: كان للأعمش جارٌ، كان لا يزال يعرض عليه المنزل؛ يقول: لو دخلت فأكلت كسرةً وملحاً؟ فيأبى عليه الأعمش، فعرض عليه ذات يوم، فوافق جوع الأعمش، فقال: مرّ بنا؛ فدخل منزله، فقرّب إليه كسرةً وملحاً؛ إذ سأل سائلٌ، فقال له ربّ المنزل: بورك فيك، فأعاد عليه المسألة، فقال له: بورك فيك؛ فلما سأل الثالثة، قال له: اذهب، وإلا والله خرجت إليك بالعصا { قال: فناداه الأعمش: اذهب ويحك} ولا والله ما رأيت أحداً أصدق مواعيد منه، هو منذ سنةٍ يعدني على كسرةٍ وملح، ولا والله ما زادني عليهما. 73 - قال الأعمش لجليسٍ له: تشتهي كذا وكذا من الطعام؟

فوصف طعاماً طيباً؛ فقال: نعم؛ قال: فأنهض بنا؛ فدخل به منزله، فقدّم رغيفين يابسين وكامخاً، وقال: كل؛ قال: أين ما قلت؟ قال: ما قلت لك عندي، إنّما قلت تشتهي. 74 - دخل على الأعمش رجلٌ يعوده، فقال له: ما أشدّ ما مرّ بك في علّتك هذه؟ قال: دخولك. 75 - قال أبو بكرٍ بن عياش: كنّا نسمي الأعمش سيّد المحدثين، وكنّا نجيء إليه إذا فرغنا من الدّوران، فيقول: عند من كنتم؟ فيقول: عند فلان؛ فيقول: طبلٌ مخرقٌ؛ ويقول: عند من؟ فنقول: فلانٌ، فيقول: دفٌ ممزّقٌ. وكان يخرج إلينا شيئاً لنأكله، فقلنا يوماً: لا يخرج إليكم الأعمش شيئاً إلا أكلتموه. قال: فأخرج إلينا سنّاً، فأكلناه، وأخرج فدخل، فأخرج فتيتاً، فشربناه، فدخل، فأخرج إجانةً صغيرةً وقتاً، وقال: فعل الله بكم وفعل {أكلتم قوتي وقوت امرأتي، وشربتم فتيتها} هذا علفٌ الشاة، كلوا! قال: فمكثنا ثلاثين يوماً لا نكتب فزعاً منه، حتى كلّمنا إنساناً عطاراً كان يجلس إليه حتى كلمه لنا.

76 - قال شعبة: كان الأعمش إذا رأى ثقيلاً، قال له: كم عزمك تقيم في هذا البلد؟ 77 - قال عمر بن حفص بن غياثٍ، حدّثني أبي، قال: قال لي الأعمش: إذا كان غد فاغذ عليّ حتى أحدثك عشرة أحاديث، وأطعمك عصيدةً، وانظر {لا تجيء معك بثقيل} قال حفص: فغدوت أريد الأعمش، فلقيني ابن إدريس، فقال: لي: أين تريد؟ قلت: إلى الأعمش، قال: فامض بنا. قال: فلمّا بصر بنا الأعمش دخل إلى منزله، وأجاف الباب، وجعل يقول من داخل: يا حفص {لا تأكل العصيدة إلا بجوزٍ} ألم أقل لك لا تجئني بثقيل {. 78 - قال السيناني: دخل مع أبي حنيفة على الأعمش، فقال: يا أبا محمد} لولا أني أكره أن أثقل عليك لزدت في عيادتك؛ فقال له الأعمش: إنّك تثقل عليّ وأنت في بيتك، فكيف إذا دخلت عليّ؟ 79 - قال الرّبيع بن نافع: كنّا نجلس إلى الأعمش، فنقول: في السماء غيمٌ. يعني: ههنا من نكره. 80 - قال جرير: دعي الأعمش إلى عرس، فنشر فروته، ثم

جاء، فرده الحاجب، فرجع، فلبس قميصاً وإزاراً، وجاء، فلمّا رآه الحاجبُ أذن له، فدخل، وجاءوا بالمائدة، فبسط كمّه على المائدة، وقال: كل {فإنما أنت دعيت ليس أنا} وقام ولم يأكل. 81 - قال حفص بن غياثٍ: رأيت إدريس الأودي جاء بابنه عبد الله إلى الأعمش، فقال: يا أبا محمد {هذا ابني، إنّ من علمه بالقرآن، إنّ من علمه بالفرائض، إنّ من علمه بالشعر، إنّ من علمه بالنحو، إن من علمه بالفقه؛ والأعمش ساكتٌ، ثم سأل الأعمش عن شيءٍ، فقال: سل ابنك} . 82 - قال وكيعٌ: كنا يوماً عند الأعمش، فجاء رجلٌ يسأله عن شيءٍ، فقال: إيش معك؟ قال: خوخٌ؛ فجعل يحدثه بحديثٍ ويعطيه واحدةً، حتى فني، قال: بقي شيءٌ؟ قال: فني يا أبا محمدٍ؛ قال: قم، قد فني الحديث. 83 - قال خبيقٌ: عوتب الأعمش في دخوله على بعض الأمراء، فقال: هم بمنزلة الكنيف، دخلت، فقضيت حاجتي، ثم خرجت. 84 - قال محمد بن عبيد الله بن صبيح: ولى الحجّاج رجلاً من الأعراب بعض المياه، فكسر عليه بعض خراجه، فأحضره، ثم قال له: يا عدوّ الله {أخذت مال الله} قال: فمال من آخذ! أنا والله مع الشيطان أربعين سنةً حتى يعطيني حبّةً ما أعطاني.

85 - قال عبيد الله بن محمدٍ التيمي: سمعت ذا النّون يقول بمصر: من أراد أن يتعلم المروءة والظرف فعليه بسقاة الماء ببغداد، قيل له: وكيف ذلك؟ قال: لمّا حملت إلى بغداد، رمي بي على باب السلطان مقيّداً، فمرّ بي رجلٌ متزرٌ بمنديل مصري، معتمٌ بمنديل دبيقي، بيده كيزان خزفٍ رقاقٍ وزجاج مخروط، فسألت: هذا ساقي السلطان؟ فقيل لي: لا {هذا ساقي العامة؛ فأومأت إليه اسقني، فتقدّم وسقاني، فشممت من الكوز رائحة المسك، فقلت لمن معي: ادفع إليه ديناراً؛ فأعطاه الدينار، فأبى، وقال: لست آخذ شيئاً} فقلت له: ولم؟ فقال: أنت أسيرٌ، وليس من المروءة أن آخذ منك شيئاً؛ فقلت: كمل الظرف في هذا. 86 - قال نسيمٌ الكاتب: قيل لأشعب: جالست الناس وطلبت العلم، فلو جلست لنا؟ فجلس، فقالوا: حدّثنا! فقال: سمعت عكرمة يقول: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول " خلّتان لا يجتمعان في مؤمن ". ثم سكت، فقالوا: ما الخلّتان؟ فقال: نسي عكرمة واحدة، ونسيت أنا الأخرى.

87 - قال الواقديّ: لقيت أشعب يوماً، فقال: وجدت ديناراً، فكيف أصنع به؟ قلت: تعرفه؛ قال: سبحان الله! قلت: فما الرأي؟ قال: أشتري به قميصاً وأعرفه؛ قلت: إذن لا يعرفه أحدٌ؛ قال: فذلك أريد. 88 - قال الهيثم بن عدي: كان أشعب مولى فاطمة بنت الحسين، فأسلمته في البزّازين، فقيل له: أين بلغت معرفتك بالبزّ؟ فقال: أحسن النشر، وما أحسن أطوي، وأرجو أن أتعلّم الطيّ. 89 - وقال أشعب: رأيت في النوم كأني أحمل بدرةً، فمن ثقلها أحدثت، فانتبهت، فرأيت الحدث ولم أر البدرة. 90 - قال عثمان بن عيسى الهاشمي: كنت عند المعتز، وكان قد كتب أبو أحمد ابن المنجّم إلى أخيه أبي القاسم رقعةً يدعوه فيها، فغلط الرسول، فأعطاها لابن المعتز وأنا عنده، فقرأها، وعلم أنّها ليست له، فقلبها وكتب: (دعاني الرسول ولم تدعني ... ولكن لعلّي أبو القاسم) فأخذ الرسول الرقعة ومضى، وعاد عن قريب، فإذا فيها مكتوب: (أيا سيّداً قد غدا مفخراً ... لهاشم إذ هو من هاشم) (تفضّل وصدّق خطأ الرسول ... تفضل مولى على خادم)

(فما أن يطاق إذا ما جددت ... وهزلك كالشهد للطاعم) (فدى لك من كل ما يتّقيه ... أبو أحمد وأبو القاسم) قال: فقام، ومضى إليه. 91 - قال عثمان بن سعيد الرزاي: حدّثني الثقة من أصحابنا، قال: لمّا مات بشرٌ المريسي لم يشهد جنازته من أهل العلم والسنّة أحدٌ إلا عبيد الشّونيزي، فلمّا رجع من الجنازة لاموه، فقال: أنظروني حتى أخبركم، ما شهدت جنازةً رجوت فيها من الأجر ما رجوت في شهود جنازته، إنّني لما قمت في الصف، قلت: اللهمّ {عبدك هذا كان لا يؤمن برؤيتك في الآخرة؛ اللهمّ} فاحجبه عن النظر إلى وجهك يوم ينظر إليك المؤمنون؛ اللهم {عبدك هذا كان لا يؤمن بعذاب القبر، اللهمّ} فعذبه اليوم في قبره عذاباً لم تعذبه أحداً من العالمين؛ اللهمّ {عبدك هذا كان ينكر الميزان، اللهمّ} فخفف ميزانه يوم القيامة؛ اللهمّ {عبدك هذا كان ينكر الشفاعة؛ اللهمّ} فلا تشفع فيه أحداً من خلقك يوم القيامة؛ قال: فسكتوا عنه وضحكوا. 92 - دخل أبو حازم المسجد، فوسوس له الشيطان أنّك قد أحدثت بعد وضوئك؛ فقال: أو بلغ هذا من نصحك؟ !

93 - قال المدائني: كان المطلب بن محمدٍ على قضاءٍ مكة وقد كان عنده امرأة قد مات عنها أربعة أزواج، فمرض مرض الموت، فجلست عند رأسه تبكي، وقالت: إلى من توصي بي؟ قال: إلى السادس الشقيّ. 94 - قال أبو العباس محمد بن إسحاق الشاهد: سألت الزبير ابن البكار، فقلت: منذ كم زوجتك معك؟ فقال: لا تسألني، ليس يرد القيامة أكثر كباشاً منها، ضحيت عنها بسبعين كبشاً. 95 - عن عبد الرزّاق، عن أبيه، أن حجراً المدري أمره محمد بن يوسف أن يلعن علياً، فقال: إنّ الأمير محمد بن يوسف أمرني أن ألعن علياً، فالعنوه؛ لعنه الله. قال: فعمّاها على أهل المسجد، فما فطن لها إلا رجلٌ واحدٌ. 96 - قال القرشي: وامتحنت الخوارج شيعيّاً، فقال: أنا من عليّ ومن عثمان برئ. 97 - قال مثنى: كان ابن عونٍ في جيشٍ، فخرج رجل من المشركين، فدعا إلى البراز، فخرج إليه ابن عون وهو ملثم، فقتله، ثم اندسّ في الناس، فجهد الوالي أن يعرفه، فلم يقدر، فنادى مناديه:

أعزم على من قتل هذا إلا جاءني، فجاءه ابن عونٍ، فقال: وما على رجلٍ أن يقول: أنا قتلته؟ . 98 - قال شميرٌ: إنّ رجلاً خطب امرأة وتحته أخرى، فقالوا: لا نزوّجك حتى تطلّق، فقال: اشهدوا أني قد طلقت ثلاثاً، فزوّجوه، فأقام على امرأته، فادعى القوم الطلاق، فقال: أما تعلمون أنّه كانت تحتي فلانةٌ بنت فلانٍ فطلّقتها؟ قالوا: بلى. وكانت تحتي فلانةٌ بنت فلانٍ فطلّقتها؟ قالوا: بلى. وكانت تحتي فلانةٌ فطلّقتها؟ قالوا: بلى. قال: فقد طلّقت ثلاثاً. فبلغ إلى عثمان، فجعلها نيّته. 99 - قال علي بن عاصم: دخلت على أبي حنيفة وعنده حجام يأخذ من شعره، فقال للحجام: تتبع مواضع البياض، قال الحجام: لا ترد، قال: ولم؟ قال: لأنّه يكثر. قال: فتتّبع مواضع السواد لعله يكثر. 100 - دخل أبو حنيفة على المنصور، وكان أبو العباس الطوسي سيىء الرأي في أبي حنيفة، فقال الطوسي: اليوم أقتله. فقال: يا أبا حنيفة! إن أمير المؤمنين يأمرني بقتل رجل لا أدري ما هو؟ فقال أبو حنيفة: أمير المؤمنين يأمر بالحق أو بالباطل؟ قال: بالحق. قال: أنفذ الحق حيث كان. 101 - قال محمد بن جعفر الإمامي: كان أبو حنيفة يتّهم

شيطان الطاق بالرجعة، وكان شيطان الطاق يتهم أبا حنيفة بالتناسخ، فخرج أبو حنيفة يوماً إلى السوق، فاستقبله شيطان الطاق ومعه ثوبٌ يريد بيعه، فقال له أبو حنيفة: تبيع هذا الثوب إلى رجوع علي؟ فقال له: إن أعطيتني كفيلاً أنك لا تمسخ قرداً، بعتك؛ فبهت أبو حنيفة. 102 - ولمّا مات جعفر بن محمد، التقى هو وأبو حنيفة، فقال له أبو حنيفة: أمّا إمامك فقد مات. فقال له شيطان الطاق: أمّا إمامك فمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم. 103 - قال محمد بن مسلمة المديني: وقيل له: إن رأي أبي حنيفة دخل هذه الأمصار كلّها ولم يدخل المدينة؛ قال: لأنّ رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال: " على كل نقبٍ من أنقابها ملكٌ يمنع الدّجّال من دخولها "، وكلام هذا من كلام الدّجّالين، فمن ثم لم يدخلها! .

104 - قال أحمد بن محمدٍ، عن يحيى القطان: قال لي يزيد بن هارون: أنت أثقل عندي من نصف حجر البزر، قلت: لم لم تقل من الرّحى كله؟ فقال: إنّه إذا كان صحيحاً تدحرج، فإذا كان نصفاً لم يرفع إلا بجهدٍ. 105 - قال المبرد: سأل المأمون يحيى بن المبارك عن شيءٍ، فقال: لا، وجعلني الله فداك يا أمير المؤمنين؛ فقال: لله درك! ما وضعت واوٌ قطّ وضعاً أحسن منها في هذا الموضع؛ ووصله وحمله. 106 - عن أبي سمي الزاهد، عن إبراهيم بن أدهم، إنّه كان في بعض السّواحل ومعه رفقاءٌ له، ومعهم حميرٌ لهم، فجاء إليهم رجلٌ، فقال: أريد أصحبكم وأكون معكم؛ فكأنّهم كرهوا ذلك، فلما خرجوا إلى ساحل البحر والرّجل معهم، قال إبراهيم بن أدهم للحمار: زر؛ فصاح الحمارٌ، فانصرف الرّجل عنهم، وقال: أنا ظننت فيكم خيراً؛ فصرفوه بهذا. 107 - قال عبد الله بن أحمد بن حربٍ: كلّم رجل عيسى بن موسى عند عبد الله بن شبرمة القاضي، فقال عيسى: من يعرفك؟ قال: ابن شبرمة، فقال: أتعرفه؟ قال: إني لأعلم أن له شرفاً وبيتاً وقدماً؛ فلما خرج ابن شبرمة، سئل عن ذلك، فقال: أعلم أن له

أذنين مشرفتين، وأنّ له بيتاً يأوي إليه، وقدماً يطأ عليها. 108 - بلغنا أنّ رجلين سعيا بمؤمن إلى فرعون ليقتله، فأحضرهم فرعون، فقال للسّاعيين: من ربّكما؟ قالا: أنت {فقال للمؤمن: من ربك؟ فقال: ربي ربّهما} فقال لهما فرعون: سعيتما برجلٍ على ديني لأقتله {فقتلهما. 109 - قال الأصمعيّ: أنشدت محمد بن عمران قاضي المدينة: (يا أيها السائل عن منزلي ... نزلت في الخان على نفسي) (يغدو عليّ الخبز من خابزٍ ... لا يقبل الرّهن ولا ينسي) (آكل من كيسي ومن كسوتي ... حتى لقد أوجعني ضرسي) فقال: اكتبه لي؛ قلت: أصلحك الله} إنّما يكتب هذا للأحداث {فقال: ويحك} اكتبه لي، فإن الأشراف يعجبهم الملاحة. 110 - امتحن ابن أبي دؤاد الحارث بن مسكين أيام المحنة، فقال له: أشهد أنّ القرآن مخلوقٌ! فقال الحارث: أشهد أنّ هذه الأربعة مخلوقةٌ، وبسط أصابعه الأربع؛ وقال: التوراة والإنجيل والزّبور والفرقان؛ فتخلّص. 111 - قال رجلٌ لأبي تمّام: لم لا تقول ما نفهم؟ فقال: لم لا تفهمون ما أقول؟ 112 - قال أحمد ابن أبي طاهر: قال أبو هفّان، ووصف

رجلاً، فقال: هو أثقل على القلوب من الموت على المعصية { 113 - قال سفيان بن وكيع: سمعت سفيان بن عيينة يقول: دعانا سفيان الثّوري يوماً، فقدّم إلينا تمراً ولبناً خاثراً، فلمّا توسّطنا الأكل، قال: قوموا بنا نصلي ركعتين شكراً لله. قال سفيان بن وكيع: لو كان قدّم إليهم شيئاً من هذا اللوزينج المحدث، لقال لهم: قوموا بنا نصلي تراويح. 114 - قال أبو حاتم: أنشدنا الأصمعي: (إذا جاء يومٌ صالحٌ فاقبلنه ... فأنت على يوم الشقاء قدير) ثم قال: أتدرون من أين أخذت هذا؟ أخذته من قول العيّارين: أكثر من التخم، فإنّك على الجوع قادرٌ. 115 - قال بكر بن عبد الله المزني: أحوجٌ الناس إلى لطمةٍ من دعي إلى وليمةٍ فذهب معه بآخر؛ وأحوج الناس إلى لطمتين رجلٌ دخل دار قوم، فقيل له: اجلس ههنا، فقال: لا} بل ههنا؛ وأحوج النّاس إلى ثلاث لطماتٍ رجلٌ قدم إليه طعامٌ، فقال: لا آكل حتى يجلس معي ربّ البيت. 116 - قال عمرو بن عثمان: دخل المنصور قصراً، فوجد في جداره كتاباً:

(ومالي لا أبكي بعينٍ حزينةٍ ... وقد قربت للظّاعنين حمول) وتحته مكتوبٌ: إيه إيه؟ - قال أبو عمرو: ويروى آهٍ آهٍ - فقال المنصور: أيّ شيءٍ إيه إيه؟ فقال له الربيع، وهو إذ ذاك تحت يدي أبي الخصيب الحاجب: يا أمير المؤمنين {إنّه لمّا كتب البيت أحبّ أن يخبر أنّه يبكي. فقال: قاتله الله ما أظرفه. 117 - قال أبو الفضل الرّبعي: حدثني أبي، قال: قال المأمون لعبد الله بن طاهر: أيّما أطيب: مجلسي أو منزلك؟ قال: ما عدلت بك يا أمير المؤمنين} فقال: ليس إلى هذا ذهبت، إنّما ذهبت إلى الموافقة في العيش واللّذّة، قال: منزلي يا أمير المؤمنين. قال: ولم ذاك؟ قال: لأني فيه مالك وأنا ههنا مملوكٌ. 118 - عن الأصمعي، قال: قال رجلٌ: ما رأيت ذا كبرٍ قطّ إلا تحوّل داؤه فيّ. يريد: إنّي أتكبّر عليه. 119 - بلغنا عن بعض ولاة مصر أنّه كان يلعب بالحمام، فتسابق هو وخادمٌ له، فسبقه الخادم، فبعث الأمير إلى وزيره يستعلم الحال، فكره الوزير أن يكتب إليه: إنّك قد سبقت؛ ولم يدر كيف يكني عن تلك الحال، فقال كاتبٌ: ثم إن رأيت أن تكتب: (يا أيّها المولى الذي جدّه ... لكلّ جدّ قاهرٌ غالبٌ) (طائرك السّابق لكنّه ... أتى وفي خدمته حاجب) فاستحسن ذلك، وأمر له بجائزةٍ، وكتب به.

120 - أطال الجلوس يوماً عند الواثق حسينٌ الخادم، فقال له: ألك حاجةٌ؟ قال: أمّا إلى أمير المؤمنين فلا، ولكن إلى الله تعالى أن يطيل بقاءه ويديم عزّه. 121 - جاء رجلٌ إلى أبي خازم القاضي، فقال: إنّ الشيطان يأتيني، فيقول: إنّك قد طلّقت امرأتك، فيشككني؛ فقال له: أو ليس قد طلقّتها؟ قال: لا {قال: ألم تأتني أمس فتطلّقها عندي؟ فقال: والله ما جئتك إلا اليوم، ولا طلّقتها بوجهٍ من الوجوه، قال: فاحلف للشيطان كما حلفت لي، وأنت في عافيةٍ. 122 - كتب بعض ملوك فارس على بابه: " تحتاج أبواب الملوك إلى عقلٍ ومالٍ وصبرٍ " فكتب بعض الحكماء تحته: " من كان عنده واحدةٌ من هذه الثلاث لم يحتج إلى أبواب الملوك " فرفع خبره إلى الملك، فقال: زه} وأمر بإجازته ومحو الكتابه من الباب. 123 - مرّ الشّعبي بخيّاط، فقال: يا خيّاط! عندنا راقود قد انكسر، تخيطه؟ فقال له الخيّاط: إن كان عندك خيوطٌ من ريحٍ خطته لك. 124 - لمّا حاصر خالد بن الوليد أهل الحيرة، قال: ابعثوا لي رجلاً من عقلائكم؛ فبعثوا عبد المسيح بن عمروٍ، وكان نصرانياً،

فجاء، فقال لخالد: أنعم صباحاً أيها الملك {فقال: قد أغنانا الله عن تحيّتك هذه، فمن أين أقصى أثرك أيها الشيخ؟ قال: من ظهر أبي؛ قال: فمن أين خرجت؟ قال: من بطن أمي؛ قال: فعلام أنت؟ قال: على الأرض؛ قال: ففيم أنت؟ قال: في ثيابي؛ قال: أتعقل؟ قال: أي والله، وأقيّد؛ قال: ابن كم أنت؟ قال: أبن رجلٍ واحدٍ؛ قال خالدٌ: ما رأيت كاليوم، أسألك الشيء وتنحو في غيره} فقال: ما أنبأتك إلا عما سألتني. 125 - قال المبرّد: قال رجلٌ لهشام بن عمروٍ الفوطي: كم تعدّ؟ قال: من واحدٍ إلى ألف ألف؛ قال: لم أرد هذا، قال: فما أردت؟ قال: كم تعدّ من السّنّ؟ قال: اثنان وثلاثون؛ ستة عشر من أعلى وستة عشر من أسفل؛ قال: لم أرد هذا، قال: فما أردت؟ قال: كم لك من السنين؟ قال: ما لي منها شيءٌ، كلها لله عز وجل؛ قال: فما سنّك؟ قال: عظمٌ؛ قال: فابن كم أنت؟ قال: ابن اثنين: أبٌ وأمٌ؛ قال: فكم أتى عليك؟ قال: لو أتى عليٌ شيءٌ لقتلني؛ قال: فكيف أقول؟ قال: قل: كم مضى من عمرك؟ 126 - لقي الخوارجٌ رجلاً، فهمّوا بقتله، فقال: أعهد إليكم في اليهود شيء؟ قالوا: لا! قال: فامضوا راشدين. 127 - قال الرشيد لأبي يوسف: ما تقول في الفالوذج

واللوزينج؟ أيهما أطيب؟ فقال: يا أمير المؤمنين {لا أقضي بين غائبين؛ فأمر بإحضارهما، فجعل أبو يوسف يأكل من هذا لقمةً ومن هذا لقمةً، حتى نصف جاميهما، ثمّ قال: يا أمير المؤمنين} ما رأيت خصمين أجدل منهما، كلما أردت أن أسجل لأحدهما أدلى الآخر بحجّته. 128 - عن مطر الورّاق، قال: إذا سألت العالم عن مسالةٍ فحكّ رأسه، فاعلم، أنّ حماره قد بلغ القنطرة. 129 - وعنه أيضاً أنّه قال: غضب عليّ أبي، فأسلمني إلى الحاكة نصف يومٍ، فأنا أعرف ذلك في عقلي. 130 - قال ابن خلفٍ: حدّثني بعض أصحابنا قال: بلغني أنّ

الرشيد خرج متنزهاً، فانفرد من عسكره والفضل بن الرّبيع خلفه، فإذا هو بشيخٍ قد ركب حماراً وفي يده لجامٌ كأنّه مبعرٌ محشوٌ، فنظر إليه فإذا رطب العينين، فغمز الفضل عليه، فقال له الفضل: أين تريد؟ قال: حائطاً لي. فقال: هل لك أن أدلك على شيء تداوي به عينيك فتذهب هذه الرطوبة؟ قال: ما أحوجني إلى ذلك {فقال له: خذ عيدان الهواء وغبار الماء وورق الكمأة، فصيّره في قشر جوزةٍ واكتحل، فإنّه يذهب عينيك. قال: فاتكأ على قربوسه، فضرط ضرطة طويلةٌ، ثمّ قال: تأخذ أجرةٌ لصفتك، فإن نفعتنا زدناك. قال: فاستضحك الرشيد حتى كاد يسقط عن ظهر دابّته. 131 - قال المهدي لشريك: لو شهد عندك عيسى كنت تقبله؟ وأراد أن يغري بينهما؛ فقال: من شهد عندي سألت عنه، ولا يسأل عن عيسى إلا أمير المؤمنين، فإن زكيّته قبلته. 132 - دخل الوليد بن يزيد على هشام [بن عبد الملك] ، وعلى الوليد عمامةٌ وشي، فقال هشام: بكم أخذتها؟ قال: بألف درهم. فقال: هذا كثيرٌ؛ قال: إنّها لأكرم أطرافي، وقد اشتريت جاريةً بعشرة آلافٍ لأخسّ أطرافك} 133 - وقعت على يزيد بن المهلّب حيةٌ، فلم يدفعها عنه، فقال

له أبوه: ضيّعت العقل من حيث حفظت الشجاعة. 134 - قال عمارة بن عقيل: قال ابن أبي حفصة الشاعر: أعلمت أنّ أمير المؤمنين {يعني: المأمون - لا يبصر الشعر؟ فقلت: من ذا يكون أفرس منه؟ والله إنّا لننشد أوّل البيت فيسبق إلى آخره من غير أن يكون سمعه؛ قال: إنّي أنشدته بيتاً أجدت فيه، فلم أره تحرك له، وهذا البيت فاسمعه: (أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلاً ... بالدّين والنّاس بالدّنيا مشاغيل) فقلت له: ما زدت أن جعلته عجوزاً في محرابها في يدها سبحةٌ، فمن يقوم بأمر الدّنيا إذا كان مشغولاً عنها وهو المطرق لها؟ ألا قلت كما قال عمّك جريرٌ لعبد العزيز بن الوليد: (فلا هو في الدنيا مضيعٌ نصيبه ... ولا عرضٌ الدنيا عن الدين شاغله) 135 - بلغنا عن الرّشيد أنّه كان في داره حزمةٌ خيزران، فقال لوزيره الفضل بن الرّبيع: ما هذه؟ فقال: عروق الرماح يا أمير المؤمنين؛ ولم يرد أن يقول: الخيزران لموافقته اسم أم الرّشيد. 136 - قيل للحسن بن سهل، وقد كثر عطاؤه على اختلال حاله: ليس في السرف خيرٌ؛ فقال: ليس في الخير سرفٌ. 137 - رأى الفتح بن خاقان شيئاً في لحية المتوكل، فنادى: يا غلام} مرآة أمير المؤمنين؛ فجيء بها، فقابل بها وجهه حتى أخذ ذلك الشيء بيده. 138 - قال الحسن بن علي بن مقلة: كان أبو علي ابن مقلة

يوماً يأكل، فلمّا رفعت المائدة، وغسل يده، رأى على ثوبه نقطةً صفراء من الحلواء التي كان يأكلها، ففتح الدواة، واستمد منها، ونقطها على الصفرة حتى لم يبق لها أثرٌ، وقال: ذلك عيبٌ، وهذا أثر صناعةٍ؛ ثم أنشد: (إنّما الزّعفران عطر العذارى ... ومداد الدّوي عطر الرجال) 139 - قال السلامي الشاعر: دخلت على عضد الدولة، فمدحته، فأجزل عطيّتي من الثياب والدّنانير، وبين يديه جامٌ، فرآني ألحظه، فرمى به إليّ، وقال: خذه؛ فقلت: وكل خيرٍ عندنا من عنده؛ فقال عضد الدولة: ذاك أبوك {فبقيت متحيّراً لا أدري ما أراد؛ فجئت أستاذا لي، فشرحت له الحال؛ فقال: ويحك} قد أخطأت خطيئة عظيمةً، لأن هذه الكلمة لأبي نواس يصف كلباً حيث يقول: (أنعت كلباً أهله في كدّه ... قد سعدت جدودهم بجدّه) ((وكل خيرٍ عندهم من عنده) قال: فعدت متّشحاً بكساء، ووقفت بين يدي الملك أرعد، فقال: ما لك؟ قلت: حممت الساعة، قال: هل تعرف سبب حمّاك؟ قلت: نظرت في شعر أبي نواس، فحممت؛ قال: لا تخف، لا بأس عليك من هذه الحمى؛ فسجدت له، وانصرفت. 140 - قال يموت بن المزرّع: جلس الجمّاز يأكل على مائدةٍ

بين يدي جعفر بن القاسم، وجعفر يأكل على مائدةٍ أخرى مع قومٍ، وكانت الصحفة ترفع من بين يدي جعفر فتوضع [بين] يديّ الجمّاز ومن معه، فربّما جاء قليل وربما لم يجيء شيءٌ، فقال الجمّاز: أصلح الله الأمير، ما نحن اليوم إلا عصبةٌ، ربّما فضل لنا بعض المال، وربّما أخذه أهل السهام ولا يبقى لنا شيءٌ. 141 - قال يموت: وكان أبي والجمّاز يمشيان، وأنا خلفهما، فمررنا بإمام وهو ينتظر من يمرّ عليه فيصلي معه، فلمّا رآنا أقام الصلاة مبادراً، فقال له الجمّاز: دع عنك هذا، فإنّ رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نهى أن يتلقّى الجلب. 142 - قال عافية بن شبيبٍ: لما دخل الجمّاز على المتوكل، قال له: تكلّم، فإنّي أريد أن أستبرئك؛ فقال: له الجمّاز: بحيضةٍ أو حيضتين؟ فضحك الجماعة. فقال له الفتح [بن خاقان] : قد كلّمت أمير المؤمنين فيك حتى ولاّك جزيرة القرود؛ فقال الجمّاز: أفلست في السمع والطاعة أصلحك الله؟ فحصر الفتح وسكت، فأمر له المتوكل بعشرة آلاف درهم، فأخذها وانحدر، فمات فرحاً بها. 143 - قال أحمد بن المعدل: كنت جالساً عند

عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون، فجاءه بعضٌ جلسائه، فقال: أعجوبةٌ {قال: ما هي؟ قال: خرجت إلى حائطي بالغابة، فلمّا أصحرت وبعدت عن البيوت، تعرّض لي رجلٌ، فقال: اخلع ثيابك} قلت: وما يدعوني إلى خلع ثيابي؟ قال: أنا أولى بها منك، قلت: ومن أين؟ قال: لأني أخوك وأنا عريانٌ وأنت مكتسٍ؛ قلت: فالمواساة {قال: كلا، قد لبستها برهةٌ، وأنّا أريد أن ألبسها كما لبستها؛ قلت: فتعريني وتبدي عورتي؟ قال: لا بأس بذلك، فقد روّينا عن مالك أنّه قال: لا بأس للرّجل أن يغتسل عرياناً؛ قلت: فيلقاني الناس فيرون عورتي؟} قال: لو كان الناس يرونك في هذه الطريق ما عرضت لك فيها؛ فقلت: إني أراك ظريفاً، فدعني حتى أمضي إلى حائطي وأنزع هذه الثياب، وأوجه بها إليك؛ قال: كلا، أردت أن توجه إلى أربعةً من عبيدك، فيحملوني إلى السلطان، فيحبسني، ويمزق جلدي، ويطرح في رجلي القيد؛ قلت: كلا، أحلف لك أيماناً أني أفي لك بما وعدتك ولا أسؤوك {قال: كلا} إنّا روّينا عن مالك أنّه قال: لا تلزم الأيمان التي يحلف بها للصوص؛ قلت: فأحلف لك إنّي لا أحتال في أيماني هذه؛ قال: هذه يمين مركبةٌ على أيمان اللصوص؛ قلت: فدع المناظرة بيننا، فوالله لأوجّهن إليك هذه الثياب طيبةٌ بها نفسي؛ فأطرق، ثم رفع رأسه، وقال: تدري فيم فكرت؟ قلت: لا؛ قال: تصفحت أمر اللصوص من عهد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وإلى وقتنا هذا فلم أجد لصاً أخذ نسيئةٌ، وأكره أن أبتدع في الإسلام بدعةً يكون عليّ وزرها ووزر من

عمل بها بعدي إلى يوم القيامة، اخلع ثيابك؛ فخلعتها ودفعتها إليه. 144 - شاهد عبيد الله بن محمدٍ الخفّاف لصّاً قد أخذ، وشهد عيه أنّه كان يفشّ الأقفال في الدور اللطاف، فإذا دخل، حفر في الدار حفرةً لطيفةً كأنّها بئر النرد، وطرح فيها جوزاتٍ كأنّه يلاعب إنساناً، وأخرج منديلاً فيه نحو مئتي جوزةً، فتركه إلى جانبها، ثم يكور جميع ما يطيق حمله، فإن لم يفطن به خرج، وإن جاء صاحب الدار ترك القماش وأفلت، وإن كان صاحب الدار جلداً، فواثبه، وصاح: اللصوص {واجتمع الجيران، أقبل عليه، وقال: ما أبردك} أنا أقامرك بالجوز منذ شهور، قد أفقرتني وأخذت كل ما أملكه، لأفضحنّك بين جيرانك، لمّا قمرتك الآن تصيح {يا غثّ} يا بارد {بيني وبينك دار القمار، قل قد ضغوت حتى أخرج} فيقول الجيران: إنّما يريد أن لا يفضح نفسه بالقمار، فقد ادعي على ذا اللصوصية؛ فيحولون بينهما، ويخرجون اللص. 145 - دخل لصٌ بيت قوم، فلم يجد فيه شيئاً، فكتب على الحائط: " عزّ علي فقركم وغناي ".

146 - دخل لصٌ داراً، فأخذ ما فيها وخرج، فقال صاحب الدار: ما أنحس هذه الليلة {فقال اللص: ليس على كل أحدٍ. 147 - قال أبو حاتم: أنشدنا الأصمعي: (إذا جاء يومٌ صالحٌ فاقبلنه ... فأنت على يوم الشقاء قدير) ثم قال: أتدرون من أين أخذت هذا؟ من قول العيّارين: أكثر من التخم، فأنت على الجوع قادر. 148 - قال إسحاق بن إبراهيم القزاز: كنّا عند بندار، فقال في حديث: عن عائشة، قال: قالت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، فقال له رجلٌ يسخر منه: بالله ما أفضحك} فقال: كنّا إذا خرجنا من عند روحٍ دخلنا على أبي عبيدة، قال: فقد بان ذلك عليك. 149 - قال الأصمعي: كان بعض الكرماء في مجلسه وعنده جماعةٌ، فضرط رجلٌ من جلسائه، فانقبض لذلك، واغتمّ بانقباضه صاحب المجلس، فلمّا كان من الغد، أمر فترك تحت الفرش نفّاخة السمك، فلمّا جلس الناس عنده تفرقعت من تحت الجلساء، فقال:

ما هذا؟ انظروا {فأخرجت وقد انشقّت، فقال: هذا بالأمس، وهذا اليوم} وأمر بصفع الفراشين، فزالت الظنّة عن الضّارط، وبرئت ساحته. 150 - قال أبو أحمد العسكري: حدثني شيخٌ من شيوخ بغداد، قال: كان حيّان بن بشرٍ قد ولي قضاء بغداد وقضاء إصبهان أيضاً، وكان من جلّة أصحاب الحديث، فروى يوماً أنّ عرفجة قطع أنفه يوم الكلام {وكان مستمليه رجلاً يقال له: كجّة، فقال: أيّها القاضي} إنّما هو يوم الكلاب؛ فأمر بحبسه، فدخل إليه الناس، وقالوا: ما الذي دهاك؟ فقال: قطع أنف عرفجة في الجاهلية، وامتحنت أنا به في الإسلام. 151 - قال محمد بن حفص جارُ بشر: دخلنا على بشر بن الحارث وهو مريضٌ، فقال له رجلٌ: أوصني {فقال: إذا دخلت إلى مريضٍ فلا تطل القعود عنده. 152 - دفع أبو الطّيب الطبري خفاً إلى خفاف ليصلحه، فكان كلّما مرّ عليه يتقاضاه، وكان الخفّاف كلما رأى القاضي أخذ الخف وغمسه في الماء، وقال: الساعة الساعة؛ فلمّا طال عليه، قال له: إنّما دفعته إليك لتصلحه، ولم أدفعه إليك لتعلّمه السباحة} 153 - قال عبد الله بن البوّاب: كان المأمون يحلم حتى يغيظنا في بعض الأوقات؛ جلس يستاك على دجلة من وراء ستر ونحن قيامٌ

بين يديه، فمرّ ملاّحٌ وهو يقول: أتظنّون أنّ هذا المأمون ينبل في عيني وقد قتل أخاه؟ قال: فوالله ما زاد على أن تبسّم، وقال لنا: ما الحيلة عندكم حتى أنبل في عين هذا الرجل الجليل؟ { 154 - قال أبو الحسن المدائني: قال بعض أهل العلم: كان لنا صديقٌ من أهل البصرة، وكان ظريفاً أديباً، فوعدنا أن يدعونا إلى منزله، فكان يمرّ بنا، فكلما رأيناه قلنا له: {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [21 سورة الأنبياء / الآية: 38] . فيسكت إلى أن اجتمع ما نريد، فمرّ بنا، فأعدنا عليه، فقال: {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون} [77 سورة المرسلات / الآية: 29] . 155 - قال الزهري: سمعت سعيد بن المسيب يقول لرجل: ألك امرأةٌ إذا أخذتها قالت لك: قتلتني؟ قال: نعم} قال: فاقتلها، فإن ماتت، فعلي ديتها. 156 - قال أبو محمدٍ عبد الله بن علي المقرئ: كان حاجب الباب ابن النسوي ذكياً، فسمع في بعض ليالي الشتاء بصوت برّادةٍ، فأمر بكبس الدّار، فأخرجوا رجلاً وامرأة، فقيل له: من أين علمت؟ فقال: في الشتاء لا يبرّد الماء، وإنّما هذه علامةٌ بين هذين. 157 - كان لأحمد بن الخصيب وكيلٌ في ضياعه، فرفعت عليه جنايةٌ، فهرب، فكتب إليه أحمد يؤنسه ويحلف له على بطلان ما اتصل به، ويأمره بالرّجوع، فكتب إليه:

(أنّا لك عبدٌ سامعٌ ومطيعٌ ... وإنّي بما تهوى إليك سريع) (ولكن لي كفّاً أعيش بفضلها ... فما أشتري إلا بها وأبيع) (أأجعلها تحت الرّحى ثمّ أبتغي ... خلاصاً لها {إنّي إذن لرقيع) 158 - وروّينا أنّ المتوكل قال: أشتهي أنادم أبا العيناء لولا أنّه ضريرٌ؛ فقال أبو العيناء: إن أعفاني أميرُ المؤمنين من رؤية الهلال ونقش الخواتيم فإني أصلح. 159 - وقيل لأبي العيناء: بقي من يلقى؟ قال: نعم} في البئر. 160 - قال علي بن سليمان الأخفش: سمعت أبا العيناء يقول: كنت يوماً في الورّاقين، إذ رأيت منادياً مغفّلاً، في يده مصحف مخلّق الأداة، فقلت له: ناد عليه بالبراءة ممّا فيه؛ وأنا أعني أداته، فأقبل ينادي بذلك، فاجتمع أهل السّوق والمارّة على المنادي، وقالوا لهُ: يا عدوّ الله! تنادي على مصحف بالبراءة ممّا فيه. قال: وأوقعوا به، فقال لهم: ذلك الرّجل القاعد أمرني بذلك؛ فتركوا المنادي، وأقبلوا عليّ، ورفعوني إلى الوالي، وكتب في أمري إلى السلطان، فأمر بحملي، فحملت مستوثقاً مني، واتصل خبري بابن أبي داؤدٍ، فلم يزل يتلطّف في أمري حتى خلّصني. 161 - قال أبو العيناء: كان سبب خروجي من البصرة وانتقالي عنها، أني مررت بسوق النّخّاسين يوماً، فرأيت غلاماً ينادي عليه

وقد بلغ ثلاثين ديناراً وهو يساوي ثلاث مئة دينار، فاشتريته، وكنت أبني داراً، فدفعت إليه عشرين ديناراً على أن ينفقها على الصّناع، فجاءني بعد أيّام يسيرةٍ، فقال: قد نفدت النّفقة، قلت: هات حسابك؛ فرفع حساباً بعشرة دنانير، قلت: فأين الباقي؟ قال: اشتريت به ثوباً مصمتاً وقطعته، قلت: ومن أمرك بهذا؟ قال: يا مولاي {لا تعجل، فإن أهل المروءات والأقدار لا يعيبون على غلمانهم إذا فعلوا فعلاً يعود بالزّين على مواليهم؛ فقلت في نفسي: أنا اشتريت الأصمعي ولم أعلم} . قال: وكانت في نفسي امرأةٌ أردت أن أتزوّجها سرّاً من ابنة عمي، فقلت له يوماً: أفيك خيرٌ؟ قال: إي لعمري؛ فأطلعته على الخبر، فقال: أنا نعم العون لك؛ فتزوجت، ودفعت إليه ديناراً، فقلت له: اشتر لنا كذا وكذا، ويكون فيما تشتريه سمكٌ هازبى؛ فمضى، ورجع وقد اشترى ما أردت، إلا أنّه اشترى سمكاً مارماهى، فغاظني، فقلت: أليس أمرتك أن تشتري هازبى؟ قال: بلى {ولكنّي رأيت بقراط يقول: إنّ الهازبى يولّد السّوداء ويصف المارماهى؛ ويقول: إنّه أقل غائلةً؛ فقلت: أنا لم أعلم إني اشتريت جالينوس؟} وقمت إليه، فضربته عشر مقارع، فلمّا فرغت من ضربه، أخذني وأخذ المقرعة، وضربني سبع مقارع، وقال: يا مولاي {الأدب ثلاث، والسبع فضلٌ، ولذلك قصاصٌ، فضربتك هذه السبع خوفاً عليك من القصاص يوم القيامة؛ فغاظني جدّاً، فرميته، فشجحته، فمضى من وقته إلى ابنة عمي، فقال لها: يا مولاتي} الدين النصيحة، وقد قال النبي [صلى الله عليه وسلم] : " من غشّنا فليس منا " وأنا أعلمك أنّ مولاي قد تزوّج

واستكتمني، فلمّا قلت له: لا بدّ من إعلام مولاتي، ضربني بالمقارع، وشجّني؛ فمنعتني بنت عمّي من دخول الدار، وحالت بيني وبين ما فيها، فلم أر الأمر يصلح إلاّ بأن طلقت المرأة التي تزوّجتها، فصلح أمري مع ابنة عمّي وسمّت الغلام، " النّاصح "، فلم يتهيّأ لي أن أكلّمه، فقلت: أعتقه وأستريح، لعلّه أن يمضي عنّي؛ فأعتقته، فلزمني؛ قال: الآن وجب حقّك عليّ؛ ثمّ إنّه أراد الحجّ، فجهّزته وزوّدته، وخرج، فغاب عليّ عشرين يوماً، ثمّ رجع، فقلت له: لم رجعت؟ قال: قطع الطريق، وفكّرت، فإذا الله تعالى يقول: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [3 سورة آل عمران / الآية: 97] . وكنت غير مستطيع، وفكرت، فإذا حقك عليّ أوجب، فرجعت؛ ثم أراد الغزو، فجهزته، فشخص، فلمّا غاب عني بعت كل ما أملكه بالبصرة من عقارٍ وغيره، وخرجت عنها خوفاً أن يرجع. 162 - وسئل أبو العيناء عن حماد بن زيدٍ بن درهم، وحمّاد بن سلمة بن دينار، فقال: بينهما في القدر ما بين أبويهما في الصرف. 163 - وشكى بعض الوزراء كثرة الأشغال، فقال أبو العيناء: لا أراني الله يوم فراغك. 164 - وشكى أبو العيناء إلى عبيد الله بن سليمان تأخّر رزقه، فقال: ألم نكن كتبنا لك إلى فلانٍ، فما فعل في أمرك؟ قال: جرّني

على شوك المطل؛ قال: أنت اخترته؛ قال: وما علي وقد اختار موسى قومه سبعين رجلاً، فما كان فيهم رشيدٌ، فأخذتهم الرجفة، واختار رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ابن أبي سرح كاتباً، فلحق بالكفّار مرتدّاً واختار عليّ أبا موسى، فحكم عليه؟ {. 165 - قال بعض العلويّة لأبي العيناء: أنت تبغضني، ولا تصحّ صلاتك إلاّ بالصّلاة عليّ، لأنّك تقول: اللهم صلّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، قال: إذا قلت: " الطّيّبين " خرجت منهم. 166 - وقال له رجل: أشتهي أرى الشيطان، قال: انظر في المرآة. 167 - كان علي بن عيسى الرّبعي يمشي على جانب دجلة، فرأى الرّضيّ والمرتضى في سفينةٍ، ومعهما عثمان بن جنّي، فقال: من أعجب أحوال الشّريفين أن يكون عثمان جالساً بينهما وعليّ يمشي على الشط بعيداً عنهما. 168 - دخل حميد الطوسي على المأمون وعنده بشرٌ المريسيّ، فقال المأمون لحميد: أتدري من هذا؟ قال: لا} قال: هذا بشرٌ المريسيّ؛ فقال حميدٌ: يا أمير المؤمنين {هذا سيّد الفقهاء، هذا قد رفع عذاب القبر ومسألة منكر ونكير، والميزان والصّراط، انظر هل يقدر أن يرفع الموت فيكون سيّد الفقهاء حقّاً؟} .

169 - قال السري: اعتللت بطرطوس علة الذرب، فدخل عليّ هؤلاء القرّاء يعودوني، فجلسوا، فأطالوا، فآذاني جلوسهم، ثمّ قالوا: إن رأيت أن تدعو الله؟ فمددت يدي، فقلت: الّلهمّ علّمنا أدب العيادة. 170 - قال عبد الله بن سليمان بن الأشعث؛ سمعت أبي يقول: كان هارون الأعور يهودياً، فأسلم وحسن إسلامه، وحفظ القرآن والنحو، فناظره إنسانٌ في مسألة، فغلبه هارون، فلم يدر المغلوب ما يصنع، فقال له: أنت كنت يهودياً فأسلمت، فقال هارون: فبئس ما صنعت؟ ! فغلبه في هذا أيضاً. 171 - قال المبرّد: ضاف رجلٌ قوماً، فكرهوه، فقال الرجل لامرأته: كيف نعلم مقدار مقامه؟ فقالت: ألقِِ بيننا شرّاً حتى نتحاكم إليه، ففعل، فقالت للضّيف: بالذي يبارك لك في غدوّك غداً، أيّنا أظلم؟ فقال الضّيف: والذي يبارك لي في مقامي عندكم شهراً ما أعلم. 172 - لما دخل أبو محمد عبد الله بن أحمد السمرقندي بيت المقدس، قصد أبا عثمان ابن ورقاء، فطلب منه جزءاً، فوعده به، ثم

رجع ورجع مرّات، والشيخ ينسى، فقال له أبو محمدٍ: أيّها الشيخ {لا تنظر إليّ بعين الصّبوة، فإن الله تعالى قد رزقني من هذا الشأن ما لم يرزق أبا زرعة الرّازي. فقال الشيخ: الحمد لله. ثم رجع إليه في طلب الجزء، فقال الشيخ: أيّها الشاب} إنّي طلبت البارحة الأجزاء، فلم أر جزءاً يصلح لأبي زرعة الرّازي {فخجل وقام. 173 - كان أبو الحسين بن المتيّم الصوفي يسكن الرّصافة، وكان مطبوعاً مضحاكاً، وكان دائماً يتولّع برجلٍ شاهد فيه غفلةً، يعرف بأبي عبد الله إلكيا. قال ابن المتيّم: فلقيته يوماً في شارع الرصافة، فسلّمت عليه، وصحت به: لتشهد عليّ؛ فاجتمع النّاس علينا، فقال: بماذا؟ قلت: إن الله تعالى إله واحدٌ لا إله إلا هو وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأن الجنّة حقّ، والنّار حقّ، والسّاعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور؛ فقال: أبشر يا أبا الحسين} سقطت عنك الجزية، وصرت أخاً من إخواننا. فضحك النّاس وانقلب الولع بي. 174 - استأجر رجلٌ رجلاً يخدمه، فقال له: كم أجرتك؟ قال: شبع بطني؛ فقال له: سامحني؛ فقال: أصوم كل اثنين وخميس. 175 - قال الجاحظ: كنت مجتازاً في بعض الطرق فإذا أنا برجلٍ قصيرٍ بطينٍ كبير الهامة، متّزرٍ بمئزرٍ وبيده مشطٌ، يسقي به شقةً، ويمشطها به؛ فاستزريته، فقلت: أيها الشيخ! قد قلت فيك

شعراً؛ فترك المشط من يده، وقال: هات؛ فقلت: (كأنّك صعوةٌ في أصل حشّ ... أصاب الحشّ طشٌ بعد رش) فقال لي: اسمع الجواب؛ قلت: هات {فقال: (كأنّك كندنٌ في ذنب كبش ... يدلدل هكذا والكبش يمشي) 176 - منع عمرو بن العاص أصحابه ما كان يصل إليهم؛ فقام إليه رجلٌ، فقال له: اتّخذ جنداً من الحجارة لا تأكل ولا تشرب؛ فقال له عمرو: اخسأ أيّها الكلب. فقال له الرجل: أنا من جندك، فإن كنت كلباً فأنت أمير الكلاب وقائدها. 177 - قال رجلٌ لغلامه: يا فاجر} فقال: مولى القوم منهم. 178 - قال الصّاحب بن عباد: جئت من دار السلطان ضجراً من أمر عرض لي؛ فقال لي رجلٌ: من أين أقبلت؟ فقلت: من لعنةِ الله؛ فقال: ردّ الله عليك غربتك. 179 - قال شيخنا أبو منصور ابن زريق: كان رجلٌ من

الأصبهانّيين قد لازم أبي يسمع منه الحديث، فأضجره، فخرج أبي يوماً، فتبعه الأصبهانيُّ، وقال له: إلى أين؟ قال: إلى المطبق، قال: وأنا معك. 180 - قال رجلٌ لرجلٍ: بماذا تداوي عينك؟ قال: بالقرآن ودعاء العجوز؛ فقال: اجعل معهما شيئاً من أنزروت. 181 - قال الأصمعي: رأيت رجلاً قاعداً في زمن الطّاعون يعدّ الموتى في كوزٍ، فعدّ أوّل يوم عشرين ومئة ألفٍ، وعدّ في اليوم الثاني خمسين ومئة ألفٍ؛ فمرّ قومٌ بميتّهم وهو يعدّ، فلما رجعوا إذا عند الكوز غيره، فسألوا عنه، فقالوا: هو في الكوز. 182 - قال جعفر بن يحيى لبعض جلسائه: أشتهي والله أن أرى إنساناً تليق به النعّمة؛ فقال: أنا أريك؛ قال: هات؛ فأخذ المرآة وقرّبها من وجهه.

183 - قال أبو الحسن السّلاميّ الشاعر: مدح الخالديان سيف الدّولة ابن حمدان بقصيدةٍ أوّلها: (تصدّ ودارها صدد ... وتوعده ولا تعد) (وقد قتلته ظالمةً ... فلا عقلٌ ولا قود) وقال فيها في مدحه: (فوجهٌ كلّهُ قمرٌ ... وسائر جسمه أسد) فأعجب بها سيف الدّولة واستحسن هذا البيت، وجعل يردّده؛ فدخل عيه الشّيظميُّ الشاعر، فقال له: اسمع هذا البيت؛ وأنشده؛ فقال الشيظميُّ: احمد ربّك {فقد جعلك من عجائب البحر. 184 - سئل جحظةُ عن دعوة حضرها، فقال: كلُّ شيءٍ كان منها بارداً إلاّ الماء. 185 - قال شاعرٌ لشاعر: أنا أقول البيت وأخاه، وأنت تقوله وابن عمّه. 186 - قال أبو حنيفة السائح: لقيت بهلول المجنون وهو يأكل في السوق، فقلت: يا بهلول} تجالس جعفر بن محمدٍ، وتأكل في السوق؟ ! فقال: حدّثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول: " مطل الغني ظلمٌ " ولقيني الجوع وخبزي في كمي، فما أمكنني أماطله.

187 - قال عليّ بن الحسين الرّازي: مرّ بهلول بقومٍ في أصل شجرةٍ، فقالوا: يا بهلول {تصعد هذه الشجرة وتأخذ عشرة دراهم؟ فقال: نعم؛ فأعطوه عشرة دراهم، فجعلها في كمّه، ثمّ التفت إليهم، فقال: هاتوا سلّماً؛ فقالوا: لم يكن هذا في شرطنا} قال: كان في شرطي. 188 - ومرّ بهلول بسويق البزّازين، فرأى قوماً مجتمعين على باب دكّانٍ قد نقب، فنظر فيه، وقال: ما تعلمون من عمل هذا؟ قالوا: لا، قال: فأنا أعلم. فقالوا: هذا مجنونٌ، يراهم بالليل ولا يتحاشونه، فالطفوا به لعلّه يخبركم؛ فقالوا: خبرنا؛ قال: أنا جائع؛ فجاؤه بطعام سني وحلواء، فلمّا شبع، قام، فنظر في النّقب، وقال: هذا عمل اللّصوص. 189 - وسئل بهلول عن رجلٍ مات وخلّف ابناً وبنتاً وزوجةً، ولم يترك شيئاً؛ فقال: للابن اليتم، وللبنت الثكل، وللزوجة خراب البيت، وما بقي للعصبة. 190 - ودخل بهلول وعليّان المجنون على موسى ابن المهديّ، فقال لعليّان: إيش معنى عليّان؟ فقال عليّان: فإيش معنى موسى؟ فقال: خذوا برجل ابن الفاعلة؛ فالتفت عليّان إلى بهلول، فقال: خذ إليك، كنّا اثنين صرنا ثلاثة.

191 - بعث بلال بن أبي بردة إلى ابن أبي علقمة المجنون، فلمّا جاء قال له: أحضرتك لأضحك منك {فقال المجنون: لقد ضحك أحد الحكمين من صاحبه؛ يعرض بأبي موسى. 192 - قال أبو جعفر محمد بن جعفر البربي: مررت بسائل على الجسر وهو يقول: مسكيناً ضريراً؛ فدفعت إليه قطعة. وقلت لهُ: لم نصبت؟ فقال: فديتك} بإضمار " ارحموا ". 193 - قال محمد بن القاسم: سئل بعض المجّان، فقيل لهُ: كيف أنت في دينك؟ فقال: أخرقه بالمعاصي، وأرقعه بالاستغفار. 194 - صحب مجوسي قدرياً، فقال له القدري: مالك لا تسلم؟ قال: حتى يريد الله! قال: قد أراد ذلك، ولكن الشّيطان لا يريده؛ قال: فأنا مع أقواهما. 195 - قال محمد بن سكرة: دخلت حماماً، وخرجت وقد سرق مداسي، فعدت إلى داري حافياً، وأنا أقول: (إليك أذم حمّام ابن موسى ... وإن فاق المنى طيباً وحرّا) (تكاثرت اللّصوص عليه حتى ... ليحفى من يطيف به ويعرى)

(ولم أفقد به ثوباً ولكن ... دخلت محمداً وخرجت بشراً) 196 - جهل رجل على بعض العلماء، فقال العالم: جرح العجماء جبار. 197 - قال محمد بن يوسف القطان: يحكى أن أبا الحسين الطّرائفي لمّا رحل إلى عثمان بن سعيد الدّرامي، فدخل عليه، قال له عثمان: متى قدمت هذا البلد؟ فأراد أن يقول: أمس، فقال: قدمت غداً. فقال له عثمان: فأنت بعد في الطريق. 198 - جاء رجل إلى ابن عقيل، فقال له: إني أغتمس في النهر غمستين وثلاثاً ولا أتيقّن أنه قد عمّني الماء ولا أني قد تطهّرت! فقال له: لا تصل. قيل له: كيف قلت هذا؟ قال: لأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال: " رفع القلم عن المجنون حتى يفيق " ومن ينغمس في النهر مرّتين وثلاثاً ويظن أنه ما اغتسل، فهو مجنون. 199 - قال عبد الرّحمن بن صالح: دخل أبو بكر ابن عيّاش على موسى بن عيسى وهو على الكوفة، وعنده عبد الله بن مصعب الزّبيري، فأدناه موسى، ودعا له بتكاء، فاتّكأ وبسط رجليه، فقال

الزّبيري: من هذا الذي دخل ولم يستأذن له، ثم اتّكأته وبسطته؟ قال: هذا فقيه الفقهاء والمرأس عند أهل المصر، أبو بكر ابن عيّاش؛ قال الزّبيري: فلا كثير ولا طيب، ولا مستحق لما فعلت به {فقال أبو بكر للأمير: من هذا الذي يسأل عني بجهل، ثم تتابع بسوء قول وفعل؟ فنسبه له، فقال له: اسكت مسكتاً} فبأبيك غدر ببيعتنا، وبقول الزور خرجت أمّنا، وبابنه هدمت كعبتنا، وبك أحرى ان يخرج الدّجّال فينا؛ فضحك موسى حتى فحص برجليه، وقال للزّبيري: أنا والله أعلم أنّه يحفظ أهلك وأباك ويتولاه، ولكنّك مشؤوم على آبائك. 200 - دخل كلثوم بن عمرو العتّابي على المأمون وعنده إسحاق الموصلي، فغمز المأمون إسحاق عليه، فجعل العتّابي لا يأخذ في شيء إلا عارضه فيه إسحاق، فقال له العتّابي: ما اسمك؟ فقال: كل بصل؛ قال: هذا اسم منكر. قال: أتنكر أن يكون اسمي كل بصل واسمك كل ثوم {والبصل أطيب من الثوم} ؟ فقال: أظنك إسحاق! فقال: نعم؛ فتوادّا. 201 - خرج الرشيد يوماً في ثياب العوام ومعه يحيى بن خالد وخالد الكاتب وإسحاق بن إبراهيم الموصلي وأبو نواس وعليهم ثياب العامة، فنزلوا سهرية مع ملاّح غريب اختلاطا بالعوام. فنزل معهم

عامي، فثقل على الرشيد، وهمّ بإخراجه وعقوبته، فقال أبو نواس: عليّ إخراجه من غير إساءةٍ إليه؛ فقال أبو نواس للجماعة: عليّ مأكولكم من اليوم وإلى يوم مثله؛ فقال الرشيد: وعليّ مشروبكم من اليوم وإلى يوم مثله؛ وقال يحيى: عليّ مشمومكم من اليوم وإلى يوم مثله؛ وقال خالد: عليّ بقلكم من اليوم إلى يوم مثله؛ وقال إسحاق: عليّ أن أغنيكم من اليوم إلى يوم مثله؛ ثمّ التفت أبو نواس إلى الرجل، فقال: ما الذي لنا عليك أنت؟ فقال: عليّ أن لا أفارقكم من اليوم إلى يوم مثله؛ فقال الرشيد: هذا ظريفٌ لا يحسن إخراجه، فصحبهم في تفرّجهم بقيةً يومهم. 202 - تغدى أعرابيٌ مع مزبدٍ، فقال له مزبد: كيف مات أبوك؟ فأخذ يحدثه بحاله وأخذ مزبّد يمضي في أكله، فلمّا فطن الأعرابي، قطع الحديث، وقال له: أنت {كيف مات أبوك؟ فقال: فجأة؛ وأخذ يأكل. 203 - قال سفيان الثّوري: ما نظرت قطّ إلى ثقيل أو بغيضٍ إلا كحّلت عينيّ بماء وردٍ مخافة أن يكون قد التصق بها شيءٌ. 204 - قال بعض المجّان: قال إبليس: لقيت من أصحاب البلغم شزّةً، ينسون ويلعنوني}

205 - قال الجمّاز: قال لي أبو كعب القاص: والدتي بالبصرة، وأنا شديد الشّفقة عليها، وأخاف إن حملتها إلى بغداد في الماء أن تغرق، وإن حملتها على الظّهر أن تتعب، فما تشير عليّ في أمرها؟ فقلت له: أشير عليك أن تأخذ بها سفتجةً. 206 - قال محمد بن حرب الهلالي: أتيت بمزبدٍ في تهمةٍ، فضربته سبعين درّةً، ثمّ تبيّن لي أنّه كان مظلوماً، فدعوته، وقلت: أحلنّي منها، فقال: لا تعجل، ودعها لي عندك، فإنّي أجيء إليك كثيراً، فكلّما وجب عليّ شيءٌ قاصصتني عليها. فكنت أوتى به في الشيء الذي يجب عليه فيه التقويم، فأحاسبه على العشرة منها وعلى الخمسة، حتى استوفى. 207 - قال الحسين بن فهم: كان المرتمي - مضحك الرّشيد - يأكل قبل طلوع الشمس، فقيل له: لو انتظرت حتى تطلع الشمس! فقال: لعنني الله إن انتظرت غائباً من وراء سمرقند، لا أدري ما يحدث عليه في الطريق. 208 - قال أبو العيناء: دفع الجمّاز إلى غسّال ثياباً، فدفع إليه

أقصر منها، فطالبه، فقال: لمّا غسلت تشمّرت. قال: ففي كم غسلةٍ يصير القميص زنقاً. 209 - نزل عيارٌ في شاروفة الدّار فانقطعت، فوقع، فانكسرت رجله؛ فصاحت المرأة: خذوه؛ فقال لها: ما عليك عجلةٌ، أنا عندك اليوم وغداً وبعده. 210 - قال سليمان الأعمش لابنه: اذهب فاشتر لنا حبلاً يكون طوله ثلاثين ذراعاً، فقال: يا أبةِ! في عرض كم؟ قالك في عرض مصيبتي فيك. 211 - قيل لجمّير: من يحضر مائدة فلانٍ؟ فقال: أكرم الخلق وألأمهم، يعني: الملائكة والذباب. 212 - رأى منصورٌ الفقيه ابنه يلعب ويعدو، فقال له: لو علمت أنّ رجلك من قلب أبيك لرفقت بها. 213 - جاء شاعران إلى بعض النّحاة، فقالا: اسمع شعرنا

وأخبرنا بأجودنا؛ فسمع شعر أحدهما، وقال: ذاك أجود؛ قال له: فما سمعت شعره {؟ ما يكون أنحس من هذا قطّ. 214 - دخل قومٌ من بني تيم الله على مجنون من بني أسدٍ، فأكثروا العبث به، فقال لهم: يا بني تيم الله} ما أعلم قوماً خيراً منكم. قالوا: كيف؟ قال: بنو أسدٍ ليس فيهم مجنونٌ غيري، قد قيّدوني؛ وأنتم كلّكم مجانين، وليس فيكم مقيّدٌ. 215 - قال سعيد بن حفص المدينيّ: قال أبي: أتي المأمون بأسود قد ادّعى النبّوة، وقال: أنا موسى بن عمران {فقال له: إنّ موسى أخرج يده من جيبه بيضاء، فأخرج يدك بيضاء حتى أؤمن بك} فقال الأسود: إنّما فعل موسى ذلك لمّا قال فرعون: أنا ربّكم الأعلى {فقل أنت كما قال حتى أخرج يدي بيضاء، وإلاّ لم تبيضّ. 216 - سقي رجلٌ ماءً بارداً، ثمّ عاد فطلب، فسقي ماءً حارّاً، فقال: لعلّ مزمّلتكم يعتريها حمى الرّبع. 217 - قال الحسن بن موسى: أضاف رجلٌ رجلاً، فقال المضيف: يا جاريةُ} هاتِ خبزاً وما رزق الله؛ فجاءت بخبزٍ وكامخٍ؛ ثمّ قال أيضاً: يا جاريةُ! هات خبزاً وما رزق الله؛ فجاءت

بخبزٍ وكامخٍ؛ فقال الضيف: يا جارية {هات خبزاً ودعي ما رزق الله. 218 - قال الماجشون: كان بالمدينة عطّاران يهوديّان، فأسلم أحدهما وخرج فنزل العراق، فالتقيا ذات يوم، فقال اليهودي للمسلم: كيف رأيت دين الإسلام؟ قال: خير دين، إلاّ أنّهم لا يدعونا نفسو في الصلاة كما كنّا نصنع ونحن يهودٌ} فقال له اليهودي: ويلك {افس وهم لا يعلمون} . 219 - قال ابن الأعرابي: قيل لكذّاب: تذكر أنّك صدقت قطّ؟ فقال: لولا أني أخاف أن أصدق لقلت: نعم. 220 - قال عبد الله بن أحمد المقرئ: صلى بنا إمامٌ لنا وكان شيخاً صالحاً، وقد اشترى سطلاً، فاستحيا أن يجعله قدّامه في الصلاة، فجعله خلفه، فلمّا ركع شغل قلبه به، فظن أنّه قد سرق، فرفع رأسه، فقال: ربنّا ولك السطل {فقلت له: السطل خلفك، لا بأس. 221 - سمع يزيد بن أبي حبيبٍ رجلاً يقول: جئت من أسفل الأرض} فقال: كيف تركت قارون؟ . 222 - عن أبي حميدٍ أو حميدٍ، قال: مرض مولى لسعيد بن

العاص، فبعث إلى سعيد بن العاص أنّه ليس له وارثٌ غيرك، وههنا ثلاثون ألفاً مدفونةٌ، فإذا أنا مت فخذها؛ فقال سعيدٌ: ما أرانا إلا قد قصّرنا في حقه، وهو من شيوخ موالينا؛ فبعث إليه بفرسٍ، وتعاهده، فلمّا مات اشترى له كفناً بثلاثِ مئة درهم، وشهد جنازته، فلمّا رجع إلى البيت، وردّ الباب، وأمر أن يحفر الموضع الذي ذكر، فلم يوجد شيءٌ، ثمّ حفر موضعٌ آخر فلم يوجد شيءٌ، فحفر البيت كلّه فلم يوجد شيءٌ، وجاءه صاحب الكفن يطلب ثمن الكفن، فقال: لقد هممت أن أنبش عنه. لما تداخله. 223 - قال علي بن عاصم: تنبّأ حائكٌ بالكوفة، فاجتمع عليه الناس، فقالوا: أتق الله، خف الله، رأيت حائك نبيّ؟ قال: ما تريدون أن يكون نبيّكم إلا صيرفيّ.

القسم الرابع

(القسم الرابع) فيما يروى من ذلك عن العرب 224 - قال الأصمعي: كان أعرابيّان متواخيين بالبادية، فاستوطن أحدهما الريف، واختلف إلى باب الحجّاج، فاستعمله على أصبهان، فسمع أخوه الذي بالبادية، فضرب إليه، فأقام ببابه حيناً لا يصل إليه، ثمّ أذن له بالدّخول، فأخذه الحاجب، فمشى به، هو يقول: سلّم على الأمير؛ فلم يلتفت إلى قوله، وأنشد: (ولست مسلّماً ما دمت حيّا ... على زيدٍ بتسليم الأمير) فقال: لا أبالي؛ فقال الأعرابي: (أتذكر إذ لحافك جلد كبشٍ ... وإذ نعلاك من جلد البعير) فقال: نعم، فقال الأعرابي: (فسبحان الذي أعطاك ملكاً ... وعلمك الجلوس على السرير) 225 - قال الأصمعي: أتيت البادية، فإذا أعرابيّ قد زرع برّاً، فلمّا استوى وقام على سنبله، مرّ به رجلٌ من جرادٍ، وتضيّفوا به، فجعل الأعرابي ينظر إليه ولا حيلة له، فأنشأ يقول:

(مر الجراد على زرعي فقلت له ... ألمم بخيرٍ ولا تلمم بإفساد) (فقال منهم عظيمٌ فوق سنبلةٍ ... إنّا على على سفرٍ لا بد من زاد) 226 - قال إبراهيم بن عمر: خرج أبو نواس في أيّام العشر يريد شراءَ أضحيةٍ، فلمّا صار في المربد إذا هو بأعرابي قد أدخل شاةً له يقدمها كبشٌ فارهٌ، فقال: لأجرِّبنّ هذا الأعرابي فأنظر ما عنده، فإني أظنّه عاقلاً؛ فقال أبو نواسٍ: (أيا صاحب الشّاة الّتي قد تسوقها ... بكم ذاكم الكبش الذي قد تقدّما) فقال الأعرابيّ: (أبيعكه إن كنت ممّن يريده ... ولم تكُ مزّاحاً بعشرين درهما) فقال أبو نواسٍ: (أجدت رعاك الله ردَّ جوابنا ... فأحسن إلينا إن أردت التّكرما) فقال الأعرابي: (أحطُّ من العشرين خمساً فإننّي ... أراك ظريفاً فأقبضنه مسلماً) قال: فدفع إليه خمسة عشر درهماً، وأخذ كبشاً يساوي ثلاثين درهماً. 227 - قال أبو جعفرٍ محمد بن عبد الرحمن البصري: حدّثني ابن عائشة أنّ فتيان من فتيان أهل البصرة خرجوا إلى ظهر البصرة،

فأخذوا في شرابهم، وما زالوا يتناشدون ويتنادمون ويتحدّثون حتى كربت الشمس أن تغرب، فطلبوا خلوةً ممّن يغلُ عليهم في شرابهم، فإذا أعرابيٌ كالنّجم المنقض يهوي حتى جلس بينهم، فقال بعضهم لبعض: قد علمنا أنّ مثل هذا اليوم لا يتم لنا؛ ثمّ قال أحدهم: (أيها الواغل الثّقيل علينا ... حين طاب الحديث لي ولصحبي) فقال الآخر: (خفَّ عنّا فأنت أثقل والله ... علينا من فرسخي دير كعب) فقال الثالث: (فمن النّاس من يخف ومنهم ... كرحى البزر ركبت فوق قلب) فقال الأعرابي: (لست بالنّازح العشيّة والله ... لشجِّ ولا لشدَّةِ ضرب) (أو تروون بالكبار حشاشي ... وتعلّون بعدهن بقعبي) وطرح قعباً كان معلّقاً؛ فضحكوا من ظرفهِ، وحملوه معهم إلى البصرة، فلم يزل نديماً لهم. 228 - قال العتبيّ: اشتدّ الحرُّ عندنا بالبصرة وركدت الرّيح، فقيل لأعرابيّ: كيف كان هواؤكم البارحة؟ قال: أمسك! كأنّه يسمع.

229 - قال ابن الأعرابي: قال رجلٌ من الأعراب لأخيه: تشرب الخازر من اللبن ولا تتنحنح؟ فقال: نعم؛ فتجاعلا جعلاً، فلمّا شربه آذاه؛ فقال: كبشٌ أملحُ، وبيت أفيح، وأنَا فيه أتبحبح. فقال له أخوه: قد تنحنحت! فقال: من تنحنح فلا أفلح. 230 - قال إبراهيم بن المنذر الحزاميّ: قدم أعرابيُّ من أهل البادية على رجلٍ من أهل الحضر، فأنزله، وكان عنده دجاجٌ كثيرٌ، وله امرأة وابنان وبنتان. قال: فقلت لامرأتي: اشوي دجاجةٌ وقدميها إلينا نتغدى بها؛ وجلسنا جميعاً، ودفعنا إليه الدجاجة، فقلنا: اقسمها بيننا؛ نريد بذلك أن نضحك منه، قال: لا أحسن القسمة، فإن رضيتم بقسمتي قسمت بينكم؛ قلنا: نرضى؛ فأخذ رأس الدجاجة، فقطعه، فناولينه، وقال: الرّأس للرئيس؛ ثمّ قطع الجناحين، وقال: الجناحان للابنين؛ ثمّ قطع السّاقين، وقال: الساقان للابنتين؛ ثمّ قطع الزّمكّى، وقال: العجز للعجوز؛ ثمّ قال: والزّور للزائر؛ فلمّا كان من الغد، قلت لامرأتي: اشوي لي خمس دجاجاتٍ؛ فلمّا حضر الغداء، قلنا: اقسم بيننا؛ قال: شفعاً أو وتراً؟ قلنا: وتراً، قال: أنت وامرأتك ودجاجةٌ ثلاثةٌ؛ ثمّ رمى بدجاجةٍ، وقال: وابناك ودجاجةٌ ثلاثةٌ؛ ورمى إليهما بدجاجةٍ، وقال: وابنتاك ودجاجةٌ ثلاثةٌ؛ ثمّ قال: وأنا ودجاجتان ثلاثةٌ؛ فأخذ الدجاجتين؛ فرآنا ننظر إلى دجاجتيه فقال: لعلّكم كرهتم قسمتي الوتر؟ قلنا: اقسمها شفعاً؛ فقبضهن إليه، ثمّ قال: أنت وابناك

ودجاجةٌ أربعةٌ؛ ورمى إلينا دجاجةٌ، ثمّ قال: والعجوز وابنتاها ودجاجةٌ أربعة؛ ورمى إليهنّ دجاجةٌ، ثم قال: وأنا وثلاث دجاجات أربعةٌ؛ وضم ثلاث دجاجاتٍ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال: الحمد لله، أنت فهّمتنيها. 231 - قال الشعبيّ: قال عمرو بن معدي كرب: خرجت يوماً حتى انتهيت إلى حي، فإذا بفرسٍ مشدودةٍ ورمحٍ مركوز، وإذا صاحبه في وهدةٍ يقضي حاجة له، فقلت له: خذ حذرك؛ فإني قاتلك؛ قال: ومن أنت؟ قلت: أنا ابن معدي كرب؛ قال: يا أبا ثور {ما أنصفتني؛ أنت على ظهر فرسك وأنا في بئرٍ} فأعطني عهداً أنّك لا تقتلني حتى أركب فرسي وآخذ حذري؛ فأعطيته عهداً أني لا أقتله حتى يركب فرسه ويأخذ حذره؛ فخرج من الموضع الذي كان فيه حتى احتبى بسيفه وجلس؛ فقلت له: ما هذا {؟ قال: ما أنا براكبٍ فرسي، ولا مقاتلك} فإن نكثت عهداً فأنت أعلم؛ فتركته ومضيت؛ فهذا أحيل من رأيت. 232 - قال قحذمٌ: وجد في سجن الحجّاج ثلاثةٌ وثلاثون ألفاً، ما يجب على أحدٍ منهم قطعٌ ولا قتلٌ ولا صلبٌ، وأخذ فيهم أعرابيٌّ رئي جالساً يبول عند ربط مدينة واسط، فخلّي عنهم، فانصرف الأعرابي وهو يقول: (إذا نحن جاوزنا مدينة واسطٍ ... خرينا وصلّينا بغير حساب) 233 - سمع أعرابيٌّ رجلاً يروي عن ابن عباس أنّه قال: من نوى الحجّ وعاقه عائقٌ كتب له الحجّ؛ فقال الأعرابي: ما وقع العام كراءٌ أرخص من هذا!

234 - استأذن حاجب بن زرارة على كسرى، فقال له الحاجب: من أنت؟ فقال: رجلٌ من العرب؛ فأذن له، فلمّا وقف بين يديه، قال: من أنت؟ قال: سيد العرب؛ قال: ألم تقل للحاجب أنا رجلٌ منهم؟ قال: بلى {ولكني وقفت بباب الملك وأنا رجلٌ منهم، فلمّا وصلت إليه سدتهم؛ فقال كسرى: زه} احشوا فاه درّاً. 235 - نزل أعرابي في سفينةٍ، فاحتاج إلى البراز، فصاح: الصلاة الصلاة؛ فقربوا إلى الشطّ، فخرج، فقضى حاجته، ثم رجع، فقال: ادفعوا، فعليكم بعد وقتٌ. 236 - قال مهدي بن سابقٍ: أقبل أعرابيٌّ يريد رجلاً، وبين يدي الرّجل طبقٌ فيه تينٌ، فلمّا أبصر الأعرابي غطى التين بكساءٍ كان عليه والأعرابي يلاحظه، فجلس بين يديه، فقال له الرّجل: هل تحسن من القرآن شيئاً؟ قال: نعم؛ قال: فأقرأ؛ فقرأ الأعرابي: {والزيتون وطور سينين} [95 سورة التين / الآيتان: 1 و 2] قال الرجل: فأين {التين} ؟ قال: تحت كسائك. 237 - قيل لأعرابي: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت وأرى كلّ شيءٍ مني في إدبارٍ، وإدباري في إقبال. 238 - اشترى أعرابيٌّ غلاماً، فقيل له: إنّه يبول في الفراش؛ فقال: إن وجد فراشاً فليبل فيه.

239 - نظر أعرابيٌ إلى البدر في رمضان، فقال: سمنت وأهزلتني، أراني فيك السّلّ. 240 - قيل لبعضهم: أيّ وقتٍ تحبّ أن تموت؟ قال: إن كان ولا بد، فأوّل يوم من رمضان. 241 - قال رجلٌ لرجلٍ: ممّن أنت؟ قال: من العرب، من بني تميم. قال: من أكثرها أو من أقلها؟ قال: من أقلها. يشير إلى قوله تعالى: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} [49 سورة الحجرات / الآية: 4] . 242 - قال الأصمعي: حدّثني شيخٌ من بني العنبر، قال: أسر بنو شيبان رجلاً من بني العنبر، فقال لهم: أرسلوا إلى أهلي ليفدوني؟ قالوا: ولا تكلم الرسول إلا بين أيدينا؛ فجاءوه برسولٍ، فقال له: ائتِ قومي، فقل لهم: إن الشجر قد أورق، وإنّ النساء قد اشتكت؛ ثمّ قال له: أتعقل؟ قال: نعم، أعقل؛ قال: فما هذا؟ وأشار بيده إلى الليل؛ فقال: هذا الليل؛ قال: أراك تعقل، انطلق فقل لأهلي: عرّوا جملي الأصهب، واركبوا ناقتي الحمراء، وسلوا حارثة عن أمري؛ فأتاهم الرسول، فأرسلوا إلى حارثة، فقص عليه القصة. فلمّا خلا معهم، قال: أما قوله: إن الشجر قد أورق؛ فإنه: إن القوم قد تسلحوا؛ وقوله: إن النساء قد اشتكت؛ فإنه يريد: إنها قد اتخذت

الشكاء للغزو، وهي أسقيةٌ، وقوله: هذا الليل؛ يريد: يأتونكم مثل الليل أو في الليل؛ وقوله: عروا جملي الأصهب؛ يريد: ارتحلوا عن الصمان؛ وقوله: واركبوا ناقتي؛ يريد: اركبوا الدّهناء. فلمّا قال لهم ذلك تحولوا من مكانهم، فأتاهم القوم، فلم يجدوهم. 243 - قال ابن الأعرابي: أسرت طيىء رجلاً شاباً من العرب، فقدم عليه أبوه وعمّه ليفدياه، فاشتطوا عليهما في الفداء، وبذلاً ما لم يرضوا، فقال أبوه: لا والذي جعل الفرقدين يصبحان ويمسيان على جبلي طيىءٍ لا أزيدكم على ما أعطيتكم؛ ثمّ انصرفا، فقال الأب للعم: لقد ألقيت إلى ابني كلمةٌ إن كان فيه خيرٌ لينجونّ؛ فما لبث أن نجا، وطرد قطعةً من إبلهم، كأنّه قال له: الزم الفرقدين على جبلي طيىءٍ، فإنّهما طالعان عليه، ولا يغيبان عنه. 244 - قال عيسى بن عمر: ولي أعرابيٌ البحرين، فجمع يهودها، فقال: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ قالوا: نحن قتلناه وصلبناه؛ قال: فوالله لا تخرجون حتى تؤدوا ديته؛ فأخذها منهم. 245 - وولي أعرابيٌّ تبالة، فصعد المنبر، فقال: إنّ الأمير ولاّني

بلدكم، وإني والله ما أعرف من الحق موضع سوطي، ولا أوتى بظالم ولا مظلومٍ إلا أوجعتهما ضرباً، فكانوا يتعاطون الحق بينهم ولا يترافعون إليه. 246 - قال نصرٌ بن سيار: قلت لأعرابي: هل أتخمت قط؟ فقال: أمّا من طعامك وطعام أبيك فلا. فيقال: إن نصراً حم من هذا الجواب أياّماً. 247 - سافر أعرابيٌّ في وجهٍ فلم ينجح، فقال: ما ربحنا في سفرنا إلا قصر الصلاة. 248 - كان عامر بن ذهلٍ من أشد الناس قوةً، فأسن وأقعد، فاستهزأ به شبابٌ من قومه وضحكوا منه، فقال: إني ضعيف، فادنوا مني، فاحملوني؛ فدنوا منه ليحملوه، فضمَّ رجلين إلى إبطه، ورجلين بين فخذيه، ثمّ زجر بعيره، فنهض بهم مسرعاً، فقال: بني أخيّ! أرجلكم والعرفط؛ فأرسلها مثلاً.

القسم الخامس

(القسم الخامس) (ما يروي عن العوام) 249 - عن محمد بن سلام، قال: لقي روح بن حاتم بعض الحروب، فقال لأبي دلامة وقد دعا رجلٌ منهم إلى البراز: تقدم إليه؛ قال: لست بصاحب قتالٍ؛ قال: لتفعلنّ؛ قال: إني جائعٌ، فأطعمني؛ فدفع إليه خبزاً ولحماً؛ وتقدّم، فهمّ به الرجّل، فقال له أبو دلامة: اصبر يا هذا، أيّ محاربٍ تراني؟ ثمّ قال: أتعرفني؟ قال: لا؛ قال: فهل أعرفك؟ قال: لا {قال: فما في الدنيا أحمق منّا؛ ودعاه للغداء، فتغدّيا جميعاً وافترقا، فسأل روحٌ عما فعل، فحدّث، وضحك، ودعا له، فسأله عن القصة، فقال: (إنّي أعوذ بروحٍ أن يقدّمني ... إلى القتال فتخزى بي بنو أسد) (آل المهلّب حبُّ الموت ورثكم ... إذ لا أورث حبَّ الموتِ عن أحد) 250 - قال أبو العبّاس ثعلب: لمّا ماتت حمادةُ بنت عيسى امرأة المنصور، وقف المنصور والنّاس معه على حفرتها ينتظرون مجيء الجنازة وأبو دلامة فيه، فأقبل عليه المنصور، فقال: يا أبا دلامة} ما أعددت لهذا المصرع؟ قال: حمادة بنت عيسى يا أمير المؤمنين؛ قال: فأضحك القوم.

قال العتّابي: دخل أبو دلامة على المهديّ، فقال: أقطعني قطيعةً أعيش فيها أنا وعيالي؛ قال: قد أقطعك أميرالمؤمنين مئة جريبٍ من العامر ومئة جريبٍ من الغامر؛ قال: وما الغامر؟ قال: الخراب الذي لا ينبت؛ قال أبو دلامة: قد أقطعت أمير المؤمنين خمس مئة جريبٍ من الغامر من أرض بني أسدٍ؛ قال: فهل بقي لك حاجةٌ؟ قال: نعم {تأذن لي أن أقبل يدك؟ قال: ما إلى ذلك سبيلٌ؛ قال: والله ما رددتني عن حاجةٍ أهون عليّ فقداً منها. 252 - وبلغنا عن أبي دلامةً أنّه دخل على المهدي، فأنشده قصيدةً، فقال له: سلني حاجتك؛ فقال: يا أمير المؤمنين} هب لي كلباً؛ فغضب، وقال: أقول لك سلني حاجةً، فتقول هب لي كلباً؟ {} {فقال: يا أمير المؤمنين} الحاجة لي أو لك؟ قال: لك؛ فقال: أسألك أن تهب لي كلب صيدٍ؛ فأمر له بكلبٍ؛ قال: يا أمير المؤمنين {هبني خرجت إلى الصيد، أعدو على رجليّ؟ فأمر له بدابّةٍ؛ فقال: فمن يقوم عليها؟ فأمر له بغلام، فقال: يا أمير المؤمنين} فهبني صدت صيداً، فأتيت به المنزل، فمن يطبخه؟ فأمر له بجاريةٍ، فقال: هؤلاء أين يبيتون؟ فأمر له بدارٍ، فقال: يا أمير المؤمنين! قد صيّرت في عنقي كفاً من العيال، فمن أين يقوت هؤلاء؟ قال: فإن أمير المؤمنين قد أقطعك ألف جريبٍ عامرٍ وألف جريبٍ غامرٍ؛ فقال: أمّا العامر فقد عرفته، فما الغامر؟ قال: الخراب الذي لا شيء فيه؛ فقال: أنا أقطع أمير المؤمنين مئة ألف جريبٍ بالدّوّ، ولكنّي أسأل أمير

المؤمنين جريباً واحداً عامراً؛ قال: من أين؟ قال: من بيت المال؛ فقال المهديّ: حولوا المال وأعطوه جريباً؛ فقال: يا أمير المؤمنين {إذا حول منه المال صار غامراً؛ فضحك منه وأرضاه. 253 - قال العنزيّ: أنشد رجلٌ أبا عثمان المازنيّ شعراً له، فقال: كيف تراه؟ قال: أراك قد عملت عملاً بإخراج هذا من جوفك، لأنّك لو تركته لأورثك السل. 254 - قال أبو سعيد عبد الله بن شبيبٍ: حدّثني الزبير، قال: كانت أمّ سلمة بنت يعقوب بن سلمة بعد موت أمير المؤمنين أبي العباس لا تضحك، فأنشدها مرثيةً رثاه بها، فقالت: ما وجدت أحداً حزن على أمير المؤمنين حزني وحزنك} فقال: لا سواء رحمك الله، لك منه ولدٌ وليس لي منه ولدٌ! فضحكت وقالت: لو أحدث الشيطان لأضحكته. 255 - قال مالك بن أنسٍ: لهؤلاء الشّطَّار ملاحةٌ، كان أحدهم يصلي خلف إنسانٍ، فقرأ الإنسان {الحمد لله رب العالمين} حتى فرغ منها، ثمّ أرتج عليه، فجعل يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم؛ وجعل يردد ذلك، فقال الشَّاطر: ليس للشّيطان ذنبٌ إلا أنّك لا تحسن تقرأ.

256 - قال الحميدي: كنّا عند سفيان بن عيينة، فحدّثنا بحديث زمزم أنّه لما شرب له، فقام رجلٌ من المجلس، ثمّ عاد، فقال له: يا أبا محمدٍ {أليس الحديث الذي حدثتنا في زمزم صحيحاً؟ فقال: نعم، قال: فإني قد شربت الآن دلواً من زمزم على أنّك تحدّثني بمئة حديثٍ، فقال سفيان: اقعد؛ فحدّثه بمئة حديثٍ. 257 - قال أبو أحمد عبد الله بن عمر بن الحارث الحارثي: اجتزت ببغداد في أيّام المقتدر وأنّا حدثٌ في جماعةٍ من مجّان أصحاب الحديث، وإذا بخادم خصي جالس على دكةٍ في الطريق، وبين يديه أدويةٌ ومكاحل ومباضع، وعلى رأسه مظلة خرقٍ كما يكون الطبيب، فتقدّم بعض أصحابنا إليه يعبث به، فتعاشى وتماوت وتمارض وقال: يا أستاذ} يا أستاذ {دفعاتٍ؛ فضجر الخادم، وقال: فقولي، لا شفاك الله؛ إيش أصابك؟ أيّ طاعونٍ ضربك؟ فقال: يا أستاذ} أجد ظلمةً في أحشائي، ومغصاً في أطراف شعري، وما آكله اليوم يخرج غداً مثل الجيفة؛ فصف لي صفةً لما أنا فيه؛ فقال الخادم: أمّا ما تجدين من مغصٍ في أطراف شعرك فاحلقي لحيتك ورأسك جميعاً حتى يذهب مغصك، وأمّا ظلمةٌ في أحشائك فعلّقي على باب جحرك قنديلاً يضيءٌ مثل السّاباط، وأمّا ما تأكلينه اليوم ويخرج غداً مثل الجيفة فكلي خراك واربحي النفقة. قال: فعطعط بنا العامّة القيام وضحكوا منّا، وانقلب الطنز الذي

أردنا بالخادم، فصار طنزاً بنا، فصار قصارنا الهرب، فهربنا. 258 - قال عمر بن شبة: أتي معن بن زائدة بثلاث مئة أسير، فأمر بضرب أعناقهم، فقدّم غلامٌ منهم ليقتل، فقال: يا معن {لا يقتل أسراك وهم عطاشٌ} فقال: اسقوهم ماءٌ؛ فلمّا شربوا، قام الغلام، فقال: أيها الأمير {لا تقتل أضيافك} فأطلقهم كلّهم. 259 - قال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: كان عندنا رجلٌ يكنى أبا نصرٍ، من جهينة، ذاهب العقل في غير ما النّاس فيه، يجلس مع أهل الصّفّة في آخر مسجد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، فأتيته يوماً، فقلت: ما الشرف؟ قال: حمل ما ناب العشيرة، والقبول من محسنها، والتّجاوز عن مسيئها؛ قلت: ما المروءة؟ قال: إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وتوقّي الأدناس؛ قلت: ما السخاء؟ قال: جهد مقل؛ قلت: فما البخل؟ قال: أف؛ وحول وجهه عني؛ قلت: أجبني {قال: قد أجبتك. 260 - قال أبو بكر بن شاذان: بكر إبراهيم بن محمدٍ بن عرفة نفطويه يوماً إلى درب الرّآسين، فلم يعرف الموضع، فتقدم إلى رجلٍ يبيع البقل، فقال له: أيّها الشيخ} كيف الطريق إلى درب الرّآسين؟ فالتفت البقلي إلى جار له، وقال: يا فلان {ألا ترى إلى الغلام} فعل الله به وصنع، قد احتبس عليّ! فقال: وما الذي تريد منه؟ قال: لم يبادر فيجبني بالسّلق، بأيّ شيءٍ أصفع هذا الخبيث؟ لا يكنّي. قال: فتركه ابن عرفة وانصرف من غير أن يجيبه بشيءٍ.

261 - قال أبو علقمة النحوي: وقفت على قصابٍ وقد أخرج بطنين سمينين، فعلّقهما، فقلت: بكم البطنان؟ فقال: بمصفعان يا مضرطان؛ قال: فغطيت رأسي وفررت لئلا يسمع النّاس فيضحكوا مني. 262 - قال الكسائي: حلفت أن لا أكلم عامياً إلا بما يوافقه ويشبه كلامه؛ وقفت على نجار، فقلت: بكم هذان البابان؟ فقال: بسلحتان يا مصفعان؛ فحلفت أن لا أكلم عاميّاً إلا بما يصلح. 263 - قال بشر بن حجرٍ: انقطع إلى أبي علقمة غلامٌ يخدمه، فأراد أبو علقمة البكور في حاجةٍ، فقال: يا غلام {أصقعت العتاريف؟ فقال له الغلام: زقفيلم؛ قال أبو علقمة: وما (زقفيلم) ؟ قال: وما (العتاريف) ؟ قال: الدّيوك، قال: ما صاح منها شيءٌ بعد. 264 - قال جعفر بن نصرٍ: بينما أبو علقمة النحوي في طريق، ثار به مرارٌ، فسقط، فظنّ من رآه أنه مجنون، فأقبل رجلٌ يعضُّ أذنه ويؤذن فيها، فأفاق، فنظر إلى الجماعة حوله، فقال: ما لكم قد تكأكأتم عليَّ كما تتكأكؤون على ذي جنَّةٍ؟ افرنقعوا عني؟ فقال بعضهم لبعضٍ: دعوه} فإنّ شيطانه يتكلّم بالهندية.

265 - وقال عبد الله بن مسلمٍ: دخل أبو علقمة النّحوي على أعين الطبيب، فقال له: أمتع الله بك، إنّي أكلت من لحوم هذه الجوازل، فطسأت طسأة، فأصابني وجعٌ من الوالبة إلى دأية العنق، فلم يزل يربو وينمو حتى خالط الخلب والشراسيف، فهل عندك دواء؟ فقال أعين: خذ حرقفاً وسلقفاً، فزهزقه وزقزقه، واغسله بماء روثٍ واشربه؛ فقال أبو علقمة: لم أفهم عنك {فقال أعين: أفهمتك كما أفهمتني. 266 - قال صالح بن شابور: كان محمد بن الحسن الجرجاني يتقعّر ويطلب التّعمق في الكلام مع كل أحدٍ، فدخل الحمّام يوماً، فقال للقيم: أين الحديدة التي يمتلخ بها الطوطوة من الأخفيق؟ فصفع القيم قفاه بجلد النّورة وهرب، فلمّا انصرف من الحمام، أنفذ من حمله إلى صاحب الشرطة، فحبس، فكتب إليه من الحبس: أيّها الأستاذ} قد أبرمني المحبسون بالمسألة عن السبب الذي حبست له؛ فإمّا أطلقتني وإمّا أعرفهم؛ فبعث من أطلقه، فاتّصل الخبر بالفتح، فحدّث المتوكل، فضحك ضحكاً عجيباً، وقال: هذا والله ظريفٌ مليحٌ، يجب أن نغنيه عن الخدمة في الحمّام؛ فوهب له مئتي دينار. 267 - عن عليّ بن المحسن التنوخيّ، عن أبيه، قال: كان أبو

جعفر الحسني من أهل البدو، وكان يعترض الحجّاج، فيطالبهم بالخفارة، وكان رجلٌ يعرف بأبي الحسن بن شاذان السيرافي يظهر الإسلام، فإذا أمن كاشف بالإلحاد، وكان خليعاً ماجناً. فحجّ بعض الأمراء، فأظهر ابن شاذان أنّه يريد الحجٌ، فاعترض القافلة أبو جعفر الحسنيُّ، فقال أبو الحسن لأمير الحاج: أنفذني إليه؛ قال: أي شيءٍ تقول له؟ قال: أقول له: نحن قومٌ من فارس وغيرها، لا نسب لنا في العرب ولا رغبةَ، جاء أبوك إلينا، فضرب أدمغتنا، وقال: حجوا هذا البيت، فأطعناه، وجئنا؛ وجئت أنت تمنعنا، فإن كان قد بدا لكم، فالله قد أقالكم؛ فضحك الأمير وبعث غيره. 268 - مدح رجلٌ رجلاً اسمه يسيرٌ، فقال: (ومدح يسيرٍ في البلاد يسيرُ ... ) فقيل له: إنّه لا يعطيك شيئاً، فقال: إذا لم يعطني قلت بيدي هكذا؛ وضمّ أصابعه؛ يعني: إنّه قليلٌ. 269 - دخل رجلٌ على الصاحب بن عباد، فقال له الصّاحب: ما الكنية؟ فقال الرّجل: (وتتّفق الأسماء في اللّفظ والكنى ... كثيراً ولكن لا تلاقي الخلائق) 270 - قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: دخل مطيع بن إيّاس ويحيى بن زيادٍ على حمّاد الرّاوية، فإذا سراجه على ثلاث قصباتٍ،

قد جمع أعلاهن وأسفلهنّ بطينٍ، فقال يحيى: يا حمّاد {إنّك لمسرفٌ مبتذلٌ لحرّ المتاع، فقال له مطيعٌ: ألا تبيع هذه المنارة وتشتري أقل ثمناً منها، وتنفق علينا وعلى نفسك الباقي؟ فقال له يحيى: ما أحسن ظنّك به} ومن أين له مثل هذه المنارة؟ هذه وديعةٌ أو عاريةٌ؛ فقال مطيعٌ: إنّه لعظيم الأمانة عند الناس {قال يحيى: وعلى عظم أمانته، ما أجهل من يخرج هذه من داره ويأمن عليها غيره؛ فقال مطيعٌ: ما أظنها عاريةً ولا وديعةً، ولكني أظنها مرهونةً عنده على مالٍ، وإلا فمن يخرج مثل هذه من بيته؟ فقال حمادٌ: شرٌّ منكما من يدخلكما إلى بيته. 271 - قال أبو عبد الله ابن الأعرابي: كنت جالساً بالكوفة، فرأيت أعمى قد وقف بنخاس، فقال: يا نخّاس} أطلب لي حماراً ليس بالكبير المشتهر، ولا الصغير المحتقر؛ إن خلا الطريق تدفق، وإن كثر الزحام ترفق؛ لا يصادم بي السواري، ولا يدخلني تحت البواري؛ إذا أقللت علفه صبر، وإذا أكثرته له شكر؛ إن ركبته هام، وإن ركبه غيري قام؛ قال له النّخّاس: يا عبد الله! إن مسخ القاضي حماراً ظفرت بحاجتك. 272 - قال مجالدٌ: قال الشعبيّ: اخرج بنا نخلو؛ فخرجنا إلى الصحراء، فمرّ به عبادي، فقال له الشعبي: إيش تعالج؟ قال: الرفو؛ فقال له: عندي دنّ مشقوق، ترفوه لي؟ فقال: إن

جئتني بخيوطٍ من ريحٍ رفوت لك رفواً لا يرى. 273 - سمع ابن الأعرابي رجلاً يقول: أتوسل إليكم بعليّ ومعاوية، فقال: جمعت بين ساكنين. 274 - جاز أبو بكر ابن قانع بالكرخ في أيّام الدّيلم وقوة الرفض، فقالت له امرأةٌ: سيّدي أبو بكر {فقال لها: لبّيك يا عائشة} فقالت: كأنّ اسمي عائشة {قال: فيقتلوني وحدي} ؟ 275 - قيل لرجلٍ ركب في البحر: ما أعجب ما رأيت؟ قال: سلامتي. 276 - نظر رجلٌ إلى أخوين لأب وأمٌ، أحدهما جميلٌ والآخر قبيحٌ، فقال: ما أمّكما إلا شجرةٌ تحمل سنةً موزاً وسنةً عفصاً. 277 - شكا ضريرٌ شدة العمى، فقال أعورٌ: عندي نصفٌ الخبر. 278 - رأى بعضهم شيخاً قد انحنى، فقال: يا شيخٌ {بكم القوس؟ فقال: إن عشت أخذته بلا شيءٍ. 279 - ورأى آخر شيخاً مسنّاً، فقال له: يا شيخ} من قيدك؟ قال: الذي خلّفته يفتل قيدك.

280 - دخل أبو الحسن البتّي دار فخر الملك أبي غالبٍ فوجد ابن البوّاب الخطاط جالساً على عتبة باب، فقال: جلوس الأستاذ على العتب رعايةٌ للنسب؛ فغضب ابن البوّاب، وقال: لو أن لي من أمر الدنيا شيئاً ما مكنت مثلك من الدخول؛ فقال البتي: ما تترك صنعة الشيخ رحمه الله { 281 - قال بكّار بن رباح: كان بمكة رجلٌ يجمع بين النساء والرجال، ويعمل لهم الشراب، فشكي إلى أمير مكة، فنفاه إلى عرفاتٍ، فبنى بها منزلاً، وأرسل إلى حرفائه: ما يمنعكم أن تعاودوا ما كنتم فيه؟ قالوا: وكيف وأنت بعرفات؟ فقال: حمار بدرهمين، وقد صرتم إلى الأمن والنّزهة؛ فكانوا يركبون إليه، حتى أفسد أحوال أهل مكة، فعادوا يشكونه إلى الوالي، فأرسل إليه، فأتي به، فقال: يا عدو الله} طردتك من حرم الله فصرت بفسادك إلى المشعر الأعظم {فقال: يكذبون عليّ؛ فقالوا: دليلنا أن نأمر بحمير مكةّ، فتجمع، ويرسل بها مع أمنائك إلى عرفات، فإن لم تقصد منزله من بين المنازل فنحن مبطلون؛ فقال الوالي: إن هذا لشاهد ودليل؛ فجمع الحمر، ثم أرسلها، فصارت إلى منزله، فقال الأمير: ما بعد هذا شيءٌ؛ فجرّدوه، فلما نظر إلى السياط، قال: لا بدّ لك من ضربني؟ قال: نعم، قال: والله ما عليّ في ذلك أشد من أن يضحك منا أهل العراق، ويقولون: أهل مكة يجيزون شهادة الحمير} فضحك الوالي. 282 - قدّم طبّاخٌ إلى بعض الفطناء طبقاً وعليه رغيفان، ثم قال له: ما تشتهي أن أجيء به؟ فقال: خبزٌ.

283 - تكلم بعض القصاص، فقال: في السماء ملكٌ يقول كل يومٍ: (لدوا للموت وابنوا للخراب ... ) فقال بعض الفطناء: اسم ذلك الملك أبو العتاهية. 284 - كان بعض الظرفاء إذا سمع أحداً يتحدث حديثاً بارداً قال: اقطع حديثك بخيرٍ. 285 - حضر في مجلس أبي سعد بن أبي عمامة رجلٌ من أهل اليمن، فسأل أبا سعدٍ أن يطلب له شيئاً، فطلب، فلم يعطه أحدٌ شيئاً، وكان مقصودهم بالامتناع أن يذكر الشيخ شيئاً يضحكون منه، فقال أبو سعدٍ للسّائل: من أين أنت؟ فقال: من اليمن؛ فقال له: تكذب {لست من اليمن؛ قال: بلى والله} فقال: لو كنت من اليمن لكان هؤلاء يعرفونك فيعطونك؛ فضحك النّاس وأعطوه؛ وكان مقصوده أنّ القرود من اليمن. 286 - قيل لبعضهم: أتحبّ أن تموت امرأتك؟ قال: لا، قيل: لم؟ قال: أخاف أن أموت من الفرح. 287 - ادّعى رجلٌ النبّوّة، فقيل له: أخرج لنا من الأرض بطيخةً، فقال: اصبروا علىّ ثلاثة أيام، قالوا: ما نريد إلا السّاعة، فقال: إنّ الله تعالى يخرج البطيخة في ثلاثة أشهرٍ، فلا تصبرون ثلاثة أيامٍ؟ !

288 - ادعى رجلٌ النبّوّة وزعم أنّه نوحٌ، فصلب، فمرّ به مجنونٌ، فقال: يا نوح {ما حصلت من سفينتك إلا على الدّقل. 289 - ذكر أبو يوسف القزوينيُّ أنّ رجلاً كان يقال له: هذيل بن واسع، يزعم أنّه من ولد النّابغة الذبياني، ادّعى النبّوة، وزعم أن الله تعالى أوحى إليه ما يعارض به سورة الكوثر، فقال له رجلّ: أسمعني} فقال: إنّا أعطيناك الجواهر، فصل لربّك وهاجر، فما يؤذيك إلا فاجر؛ فظهر عليه القسري، فقتله وصلبه، فعبر عليه الرجل، فقال: إنّا أعطيناك العمود، فصلّ لربّك من قعود، بلا ركوعٍ ولا سجودٍ، فما أراك تعود. 290 - لطم رجلٌ الأحنف بن قيسٍ، فقال له: لم فعلت هذا؟ قال: جعل لي جعلٌ على أن ألطم سيّد بني تميم؛ فقال: ما صنعت شيئاً، عليك بحارثة بن قدامة، فإنّه سيّد بني تميمٍ؛ فانطلق، فلطمه، فقطع يده، وذاك أراد الأحنف. 291 - قال أحمد بن علي بن ثابتٍ: استعار رجلٌ من أبي حامدٍ أحمد ابن أبي طاهر الأسفراييني الفقيه كتاباً، فرآه أبو حامدٍ يوماً قد أخذ عليه عنباً، ثمّ إنّ الرّجل سأله بعد ذلك أن يعيره كتاباً، فقال له: تجيءُ إلى المنزل، فأتاه، فأخرج الكتاب إليه في طبقٍ وناوله إياه،

فقال الرّجل: ما هذا؟ قال له: هذا الكتاب الذي طلبته، وهذا الطّبق تضع عليه ما تأكله؛ فعلم بذلك ما جنى. 292 - قال أبو إسحاق الجهيمي: تنكر الحجّاج وخرج، فمرّ على المطّلب غلام أبي لهب، فقال له: أي شيءٍ خبر الحجاج؟ فقال: على الحجاج لعنة الله، قال: متى يخرج؟ قال: أخرج الله روحه من بين جنبيه، قال: أتعرفني؟ قال: لا، قال: أنا الحجاج، قال له: أتعرفني؟ قال: لا، قال: أنا المطّلب غلام أبي لهبٍ، معروفٌ بالصّرع، أصرع في كل شهرٍ ثلاثة أيّام، اليوم أوّلها؛ فتركه ومضى. 293 - وانفرد الحجّاج يوماً عن عسكرهِ، فلقي أعرابياً فقال له: كيف الحجَّاج؟ قال: ظالمٌ غاشم، قال: فهلا شكوتموه إلى عبد الملك؟ قال: هوأظلم وأغشم؛ فأحاط به العسكر، قال: أركبوا البدوي؛ فلما ركب، سأل عنه، فقيل له: هذا الحجَّاج؛ فركض خلفه، وقال: يا حجَّاج! قال: ما لك؟ قال: السرُّ الّذي بيني وبينك لا يطَّلع عليه أحد؛ فضحك منه وأطلقه. 294 - قال محمد بن إسحاق: قيل لعمر بن عبد العزيز: إنَّ في المدينة مخنّثاً قد أفسد نساءها؛ فكتب إلى عاملهِ أن يحمله إليه، فحمل؛ فأدخل عليه، فإذا شيخٌ خاضبٌ اللّحية والأطراف معتجرٌ؛ فدخل ومعه دفٌّ في خريطةٍ، فلمّا وقف بين يديِّ عمر صعَّد فيه النَّظر

وصوَّبه، ثمَّ قال: سوأةٌ لهذهِ السن وهذهِ القامةِ؛ ثمَّ قال له عمر: أتحفظ من المفصَّلُِ شيئاً؟ قال: نعم، وما المفصَّلُ؟ قال: ويلك {أتقرأُ من القرآنِ شيئاً؟ قال: أقرأُ {الحمد} وأخطئ فيها موضعين أو ثلاثةٍ، وأقرأُ {قل أعوذ برب الناس} وأخطئ فيها، وأقرأُ {قل هو الله أحد} مثل الماءِ الجاري؛ قال: ضعوه في الحبسِ، ووكِّلوا بهِ معلِّماً يعلمه القرآن وما يجبُ عليهِ من الطَّهارةِ والصلاةِ، وأجروا عليه كلَّ يوم درهماً، وعلى معلّمهِ ثلاثةً، ولا يخرج مِن الحبس حتّى يحفظ القرآن أجمع؛ فكان كلّما علَّم سورةً نسيَ الَّتي قبلها، فبعث رسولاً إلى عمر: يا أمير المؤمنين} وجه إلي من يحملُ إليك ما أتعلمه أولاً فأوّلاً، فإنَّي لا أقدر أن أحمله؛ فقال عمر: ما أرى هذهِ الدَّراهم إلاّ لو أطعمناها جائعاً أو كسونا بها عارياً كان أصلح؛ ثمَّ دعا به، فقال: أقرأ {يا أيها الكافرون} فقال: أسأل الله العافية {أدخلت يدك في الجراب، فأخرجت شَّرَّ ما فيه وأصعبه؛ فأمر بوجىء عنقه، ونفاه. 295 - قال المبرّد: قدم بعض البصريين من أصحاب أبي الهذيل بغداد، وقال: لقيت مخنثّين، فقلت لهما: أريد منزلاً؛ وكان هذا الرجل في نهاية القبح، فقال أحدهما: بالله من أين أنت؟ قلت: من البصرة؛ فأقبل على الآخر، فقال: لا إله إلاَ الله، تحول يا أختي كل شيء من الدنيا، حتى هذا} كانت القرود تجيء إلى بغداد من اليمن صارت تجيء من البصرة! . 296 - قال أبو القاسم الرازي: سمعت أخي أبا عبد الله يقول:

قام بنان الحمال إلى مخنّث، فأمره بالمعروف، فقال له المخنث: ارجع كفاك ما بك، فقال له بنان: وما بي؟ قال: خرجت من بيتك وفي نفسك أنك خير منَّي. 297 - دخل رجل الحمَّام، فإذا مخنثٌ بين يديهِ خطميّ، فقال الرّجل: أعطني من هذا قليلاً؛ فأبى، فقال الرَجل: كل قفيز بدرهم، فقال المخنث: كل أربعة أقفزةٍ بدرهم، احسب حسابك، كم يصيبك بلا شىءٍ؟ {. 298 - قيل لأبي الحارث جمّيز: ما تقول في الفالوذجة؟ قال: وددت أنها والموت اعتلجا في صدري، والله لو أنَ موسى لقي فرعون بفالوذجة لآمن، لكنَه لقيه بعصا. 299 - أدخل مخنث على العريان بن الهيثم، وهو أمير الكوفة، فقال: يا عدو الله} أتتخنث وأنت شيخ! ؟ فقال: مكذوب علي كما كذب علي الأمير، فقال: وما قيل فيّ؟ قال: يسمونك العريان ولك عشرون جبّة. 300 - قال المتوكل يوماً لجلسائه: أتدرون ما الذي نقم المسلمون على عثمان؟ أشياءٌ، منها أنه قام أبو بكر دون مقام رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بمرقاة، ثم قام عمر دون أبي بكر بمرقاة، فصعد

عثمان ذروة المنبر؛ فقال عبادة: ما أحد أعظم منة عليك يا أمير المؤمنين من عثمان؛ قال: وكيف ذلك؟ قال: لأنّه صعد ذروة المنبر، فلو أنه كلما قام خليفةٌ نزل عمن تقدمه كنت أنت تخطبنا من بئر جلولاء؛ فضحك المتوكل ومن حوله. 301 - قال أبو عثمان الخالدي: عملتُ قصيداً أمدح سيف الدولة أبا الحسين ابن حمدانٍ، وعرضتها على جماعةٍ، أتعرّف ما عندهم فيها، فاتّفق أن حضر مخنّثٌ وأنا أقرأها، فلمّا انتهيت إلى قولي: (وأنكرت شيبةً في الرّأس واحدةً ... فعاد يسخطها ما كان يرضيها) قال: هذا غلطٌ {يقول للأمير: في الرّأس واحدةً} ألا قلت: في الرّأس طالعةً أو لائحةً؟ فعجبت من فطنته وجودة خاطره وحسن عرافته. 302 - قال الأصمعي: قيل لطويس: ما بلغ من شؤمك؟ قال: ولدت يوم توفي رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، وفطمت يوم توفي أبو بكر، وختنت يوم مات عمر، وراهقت يوم قتل عثمان، وتزوّجت يوم قتل علي وولد لي يوم قتل الحسين. 303 - نظر جمّيز إلى برذونٍ تحت صديقٍ له يقطف، فقال: برذونك هذا يمشي على استحياء. 304 - قال بعض الأدباء لصديقٍ له: أنت والله بستان الدنيا،

فقال له الآخر: أنت النّهر الذي يشرب منه ذلك البستان. 305 - تظلم أهل الكوفة من عاملها إلى المأمون، فقال: ما علمت في عمّالي أعدل منه؛ فقال رجلٌ من القوم: يا أمير المؤمنين {فقد لزمك أن تجعل لسائر البلدان نصيباً من عدله حتى تكون قد ساويت بين رعاياك في حسن النظر، فأمّا نحن، فلا يخصنا أكثر من ثلاث سنين؛ فضحك وصرفه. 306 - قال عليّ بن مهديّ: مرّ طبيبٌ بأبي الواسع المازني، فشكا إليه ريحاً في بطنه، فقال له: خذ الصّعتر، فقال: يا غلام} دواةٌ وقرطاسٌ؛ قال: قلت ماذا؟ قال: كرّ صعترٍ ومكوك شعيرٍ، قال: لم تذكر الشعير أوّلاً! قال: ولا علمت أنّك حمارٌ أيضاً إلا الساعة. 307 - دعا بعض الظرفاء قوماً، فتبعهم طفيليّ، ففطن به الرّجل، فأراد أن يعلمهم أنّه قد فطن به، فقال: ما أدري لمن أشكر؟ لكم إذ أجبتم دعوتي، أو لهذا الذي تجشم من غير أن أدعوه؟ 308 - قال يموت بن المزرّع: قال لي سهل بن صدقةٍ، وكانت بيننا مداعبةٌ: ضربك الله باسمك، فقلت له مسرعاً: أحوجك الله إلى اسم أبيك.

309 - مرّ رجلٌ من الفطناء برجلٍ قائم في طريقٍ، فقال: ما وقوفك؟ قال: أنتظر إنساناً، قال: يطول وقوفك إذن. 310 - تقدّم رجلٌ سيىء الأدب إلى حجّام، فقال له: تقدّم يا ابن الفاعلة وأصلح شاربي، فقال له: إن كان خطابك للنّاس كذا فعن قليلٍ تستريح منه. 311 - قال عبد الرحمن بن مخلدٍ: دفعت امرأة إلى رجل يقرأ عند القبور رغيفاً، وقالت له: اقرأ عند قبر ابني؛ فقرأ {يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر} [54 سورة القمر / الآية: 48] . قال: فقالت له: هكذا يقرأ عند القبور؟ {فقال لها: فإيش أردت برغيفٍ {متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان} [55 سورة الرحمن / الآية: 54] ؟ ذاك بدرهم} . 312 - حضر خيّاطٌ عند بعض الأتراك ليفّصل له قباءً، فأخذ يفصّل والتّركيّ ينظر إليه، فما أمكنه أن يسرق شيئاً، فضرط، فضحك التركي حتى استلقى، فأخرج الخياط من الثوب ما أراد، فجلس التركي، فقال: يا خيّاطّ ضرطةٌ أخرى؛ فقال: لا يجوز، يضيق القباء. 313 - قدّم قومٌ غريماً لهم إلى الحاكم، فادّعوا عليه، فقال:

صدقوا {إلا أني سألتهم أن يؤخروني حتى أبيع عقاري وأدفع إليهم، فإن لي مالاً وعقاراً ورقيقاً وإبلاً، فقالوا: كذب، ما يملك شيئاً، إنّما يريد دفعنا عن نفسه، فقال: أيّها القاضي} اشهد لي عليهم. فعدمه، ثمّ قال لخصومه: قد عدمته؛ فأركب حماراً، ونودي عليه: هذا معدمٌ، فلا يعامله أحدٌ إلا بالنّقد؛ فلمّا كان العشاء ترك عن الحمار، فقال له المكاريّ: هات أجرة الحمار، قال: ففيم كنّا مذ الغداة؟ { 314 - نظر بعض الحكماء إلى رجلٍ يرمي هدفاً، وسهامه تذهب يميناً وشمالاً، فقعد في وجه الهدف، فقيل له في ذلك، فقال: لم أر موضعاً أسلم منه. 315 - رمى رجلٌ عصفوراً، فأخطأه، فقال له رجلٌ: أحسنت؛ فغضب، وقال: تهزأ بي؟ قال: لا} ولكن أحسنت إلى العصفور. 316 - قيل لرجل: تحفظ القرآن؟ قال: نعم، قالوا: إيش أوّل الدّخان؟ قال: الحطب الرّطب. 317 - استأجر رجلٌ داراً، فجعل خشب السقوف يتفرقع، فقال لمالك الدّار: أصلح هذا السقف، فإنّ خشبه يتفرقع؛ قال: لا بأس عليك، فإنّه يسبح؛ قال: أخشى أن تدركه الرّقّة فيسجد.

318 - وقف قومٌ على مزبدٍ، وهو يطبخ قدراً، فأخذ أحدهم قطعة لحم، فأكلها، وقال: تحتاج القدر إلى خلّ؛ وأخذ آخر قطعة لحم، فأكلها، وقال: تحتاج القدر إلى أبزار؛ وأخذ آخر قطعة لحم، فأكلها، وقال: تحتاج القدر إلى ملحٍ؛ فأخذ مزبد قطعة لحمٍ، فأكلها، وقال: تحتاج القدر إلى لحمٍ. 319 - قام رجلٌ على رأس ملكٍ، فقال: لم قمت؟ قال: لأقعد؛ فولاه. 320 - ومرّ رجلٌ بمزبدٍ وهو جالسٌ يتفكر، فقال له: في أي شيءٍ تتفكر؟ قال: في الحج، قد عزمت عليه السّنة، قال: فما أعددت له؟ قال: التلبية، فما أقدر على غيرها. 321 - وزفّت إليه امرأة قبيحةٌ، فقيل له: بم تصبحّها؟ قال: بالطلاق. 322 - ونظر إلى قومٍ مكتفين يحملون إلى السجن، فقال: ما قصة هؤلاء؟ قال: خيرٌ {قال: فإن كان خيراً فكتفوني معهم} { 323 - وغضب عليه بعض الولاة، فأمر بحلق لحيته، فقال له الحجّام: افتح فمك} فقال: الأمير أمرك بحلق لحيتي أو تعلّمني الزمر؟ 324 - قص قاصّ، فقال: إذا مات العبد وهو سكران، دفن

وهو سكرانٌ؛ وحشر وهو سكران؛ فقال رجلٌ في طرف الحلقة لآخر: هذا والله نبيذٌ جيدٌ، يسوى الكوز منه عشرين درهماً. 325 - صلّى رجلٌ صلاة خفيفةً، فقال له الجمّاز: لو رآك العجّاج لسرّ بك، فقال: ولم؟ قال: لأن صلاتك رجزٌ. 326 - قال الجمّاز لأبي شراعة: كيف تجدك؟ قال: أجدني مريضاً من دماميل قد خرجت في أقبح المواضع، فقال: ما أرى في وجهك منها شيئاً! . 327 - رأى المعتصم أسداً، فقال لرجلٍ قد أعجبه قوامه وسلاحه: أفيك خيرٌ؟ فعلم أنّه يريد أن يقدمه إلى الأسد، فقال: لا يا أمير المؤمنين؛ فضحك. 328 - مرّ غرابٌ الماجن بسائل يقول: أنا عليلٌ وأنا جائع، فقال له: احمد ربّك، فقد نقهت. 329 - ضحى فضلٌ الوالي عن امرأته ستين سنةً، فسمع يوماً محدثاً يحدث، يقول: يحشر الناس يوم القيامة وبين أيديهم ضحاياهم؛ فقال: إن كان كما تقول، فإن امرأتي تحشر يوم القيامة راعيةً بعصاوين. 330 - بلغني عن بعض الظراف المتماجنين أنّه قال: لمّا صنع

السامريّ العجل، قال إبليس: هذه فضيحةٌ {تعبد بقرةٌ} الآن يلعنني الناس ويقولون: هذا عمله، انظروا ما يقول السّامريّ {قالوا: قد قال: {بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها} [20 سورة طه / الآية: 96] ، قال: ثم أيش؟ قالوا: قد قال: {وكذلك سولت لي نفسي} [20 سورة طه / الآية: 96] ، قال: استرحت أنا السّاعة من أن يقال عنّي. 331 - قال محمد بن عبد الرحمن: دعا مدنياً مرّةً أخٌ له، فأقعده إلى العصر، فلم يطعمه شيئاً، فاشتدّ جوعه، وأخذه مثل الجنون، فأخذ صاحب البيت العود، وقال له: بحياتي} أي صوتٍ تشتهي أن أسمعك؟ قال: صوت المقلى. 332 - كان بعض الظرفاء يجلس عند بقالٍ ضعيفٍ، لا يكاد يبيع إلا بخبز، فجاءه رجلٌ، فقال له: عندك بهذا الدينار قراضه؟ فقال له الظريف: مرّ، ثكلتك أمّك {هذا قراضته كلّها يطرحها بن. 333 - دخل ظريفٌ يصلّي في مسجدٍ، فسرقوا لالكته، فخبّأوها في كنيسةٍ [قرب] المسجد، ففتّش، فرآها في الكنيسة، فقال: ويحك} لمّا أسلمت أنا تهودت أنت! ؟ 334 - بات رجلٌ في دار قومٍ، فانتبه صاحب الدّار بالليل،

فسمع ضحك الرّجل في الغرفة، فصاح به: يا فلانٌ {قال: لبيك؛ قال: كنت في الدار، فما الذي رقّاك إلى الغرفة؟ قال: قد تدحرجت؛ فقال: النّاس يتدحرجون من فوق إلى أسفل، فكيف تدحرجت أنت إلى فوقٍ؟ قال: فمن هذا أضحك. 335 - قال صبي ليهودي: يا عمّ} قف حتى أصفعك {قال: أنا مستعجلٌ، اصفع أخي عنّي. 336 - رئي فقيرٌ في قريةٍ، فقيل: ما تصنع هنا؟ قال: ما صنع موسى والخضر. يعني قوله: {استطعما أهلها} [18 سورة الكهف / الآية: 77] . 337 - شتم رجلٌ رجلاً، فقال المشتوم: إيش قلت لك؟ فأوهمه أنّه يستفهمه، وإنّما ردّ عليه. 338 - كان سابور وزير بهاء الدولة يكثر الولاية والعزل، فولّى بعض العمّال عكبرا، فقال له: أيّها الوزير} كيف ترى؟ أستأجر السفينة مصعداً ومنحدراً؟ فتبسم وقال: امض ساكتاً. 339 - بلغني عن أبي سعدٍ ابن أبي عمامة، وكان من المتماجنين، أن رجلاً قال له: رزقك الله قصراً يبين باطنه من ظاهره؛ فقال: فنحن الآن قعودٌ في الطريق.

340 - وقال له رجلٌ: تصدّق عليّ حتى أحيلك على من يرى ولا يرى؛ فقال: إذا لم ير، فممّن أطلب؟ 341 - قال رجلٌ لعض الظراف: قد لدغتني عقربٌ، فهل عندك لهذا دواءٌ؟ فقال: الصياح إلى الصباح. 342 - قال مصعب الزّبيري: أتي العريان بسكرانٍ، فقال له: من أنت؟ فقال: (أنا ابن الذي لا ينزل الدّهر قدره ... وإن نزلت يوماً فسوف تعود) (ترى النّاس أفواجاً إلى ضوء ناره ... فمنهم قيامٌ حولها وقعود) فخلاّه، فإذا به ابن باقلاّويّ. 343 - قال بعض الشعراء: (إذا لم يكن في البيت ملحٌ مطيّبٌ ... وزيتٌ وخلٌّ حول حبّ دقيق) (ولم يك في كيسي دراهم جمّةٌ ... تنفد حاجاتي بكل طريق) (فرأس صديقي في حر أمّ قرابتي ... ورأس عدوّي في حر أم صديقي) 344 - قيل لأبي الحارث جمّيز: ما فعل فلانٌ؟ قال: مات، قيل: ما ورثت امرأته؟ قال: أربعة أشهرٍ وعشراً.

الباب الثاني

(الباب الثاني) فيما يذكر عن النساء من ذلك 345 - قالت عائشة: قلت: يا رسول الله {لو نزلت وادياً فيه شجرةٌ قد أكل منها، ووجدت شجراً لم يؤكل منها، في أي شجرةٍ كنت ترتع بعيرك؟ قال: " في التي لم ترتعي منها ". يعني أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يتزوج بكراً غيرها. 346 - قال ابن أبي الزّناد: كان عند أسماء بنت أبي بكرٍ قميصٌ من قمص رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، فلمّا قتل عبد الله بن الزبير ذهب القميص فيما ذهب مما انتهب، فقالت أسماء: للقميص أشدّ عليّ من قتل عبد الله؛ فوجد القميص عند رجلٍ من أهل الشام، فقال: لا أردّه أو تستغفر لي أسماء؛ فقيل لها، فقالت: كيف استغفر لقاتل عبد الله؟ قالوا: فليس يردّ القميص} فقالت: قولوا له فليجيء. فجاء بالقميص ومعه عبد الله بن عروة، فقالت: ادفع القميص إلى عبد الله؛ فدفعه، فقالت: قبضت القميص يا عبد الله؟ قال: نعم؛ قالت: غفر الله لك يا عبد الله؛ وإنّما عنت عبد الله بن عروة. 347 - قال عبد الله بن مصعبٍ: قال عمر بن الخطاب: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقيّة، وإن كانت بنت ذي الغصّة،

يعني: يزيد بن الحصين الحارثيّ، فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال؛ فقالت امرأة: ما ذاك لك {قال: ولم؟ قالت: لأنّ الله عزّ وجل قال: {وءاتيتم إحداهنّ قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً} [4 سورة النساء / الآية: 20] فقال عمر: امرأة أصابت ورجلٌ أخطأ. 348 - قال أبو الحسن المدائني: دخل عمران بن حطّان يوماً على امرأته، وكان قبيحاً دميماً قصيراً، وقد تزيّنت، وكانت حسناء، فلم يتمالك أن أدام النّظر إليها، فقالت: ما شأنك؟ قال: لقد أصبحت والله جميلةً، فقالت: أبشر} فإني وإيّاك في الجنة؛ قال: ومن أين علمت؟ قالت: لأنّك أعطيت مثلي فشكرت، وابتليت بمثلك فصبرت، والصّابر والشاكر في الجنة. 349 - قال القحذميّ: دخل ذو الرّمّة الكوفة، فبينما هو يسير في بعض شوارعها على نجيبٍ له، إذ رأى جاريةً سوداء واقفةً على باب دار، فاستحسنها، فدنا منها، فقال: يا جارية {اسقني ماءً؛ فأخرجت إليه كوزاً، فشرب وأراد أن يمازحها، فقال: ما أحرّ ماءك} فقالت: لو شئت لأقبلت على عيوب شعرك وتركت حرّ مائي وبرده؛ فقال لها: وأي شعري له عيبٌ؟ فقالت: ألست ذا الرّمّة؟ قال: بلى! قالت:

(فأنت الذي شبّهت عنزاً بقفرةٍ ... لها ذنبٌ فوق استها أمّ سالم) (جعلت لها قرنين فوق جبينها ... وطبيين مسّودين مثل المحاجم) (وساقين إن يستمكنامنك يتركا ... بجلدك يا غيلان مثل المناسم) (أيا ظبية الوعساء بين حلاحل ... وبين النّقا أأنت أم أمّ سالم) قال: نشدتك الله إلا أخذت راحلتي هذه وما عليها ولم تظهري هذا؛ ونزل عن راحلته، فدفعها إليها، وذهب ليمضي، فدفعتها إليه، وضمنت له أن لا تذكر لأحد ما جرى. 350 - عن ابن السّكّيت، أن محمد بن عبد الله بن طاهر عزم على الحج، فخرجت إليه جاريةٌ شاعرةٌ، فبكت لما رأت من آلة السفر، فقال محمد بن عبد الله: (دمعةٌ كاللؤلؤ الرّطب ... على الخدّ الأسيل) (هطلت في ساعة البين ... من الطّرف الكحيل) ثم قال لها: أجيزي، فقالت: (حين هم القمر الباهر ... عنّا بالأفول) (إنّما يفتضح العشاق ... في وقت الرّحيل) 351 - قال الأصمعي: جاءت عجوزٌ إلى عبد الله بن جعفر، فقال: كيف حالك يا عجوز؟ قالت: ما في بيتي جرذٌ؛ فقال: لقد أطلقت المسألة، لأملأن بيتك جرذاناً. 352 - قال المبرّد: كنّا عند المازنّي، فجاءته أعرابية كانت تغشاه

ويهب لها، فقالت: أنعم الله صباحك أبا عثمان، هل بالرّمل أو شالٌ؟ فقال لها: يجيء الله به، فقالت: (تعلمنّ والذي حجّ القوم ... لولا خيالٌ طارقٌ عند النوم) (والشوق من ذكراك ما جئت اليوم ... ) فقال المازني: قاتلها الله {ما أفطنها} جاءتني مستمنحةً، فلمّا رأت أن لا شيء جعلت المجيء زيارةً تمنّ بها عليً. قال اليشكري: الأوشال جمع وشلٍ، وهو: الماء القليل، وهو مثلٌ هنا، أي عندكم من ندى؟ 353 - وقف المهديّ على عجوزٍ من العرب، فقال: ممّن أنت؟ قالت: من طيّىء، قال: ما منع طيئاً أن يكون فيهم مثل حاتم؟ فقالت: الذي منع الملوك أن يكون فيهم مثلك {فعجب من جوابها، ووصلها. 354 - قال المأمون لزبيدة لمّا قتل ابنها: لن تعدمي منه إلا عينيه، وأنا ولدك مكانه؛ فقالت: إن ولداً أفادنيك جديرٌ أن أجزع عليه. 355 - قال يموت بن المزرّع: قال لنا الجاحظ: كنت مجتازاً في بعض الطرقات، فإذا أنا بامرأتين، وكنت راكباً على حمارةٍ، فضرطت الحمارة، فقالت إحداهما للأخرى: ويّ} حمارة الشيخ تضرط! فغاظني قولها فأعننت ثم قلت: إنّه ما حملتني أنثى قط إلا

ضرطت. فضربت بيدها على كتف الأخرى، وقالت: كانت أمّ هذا منه تسعة أشهرٍ في جهدٍ جهيد. 356 - وقال الجاحظ: رأيت بالعسكر امرأةً طويلةً جدّاً ونحن على الطعام، فأردت أن أمازحها، فقلت: أنزلي تأكلي معنا، فقالت: وأنت فاصعد حتى ترى الدّنيا. 356 - قال الزبير بن بكارٍ: قالت بنت أختي لأهلي: خالي خير رجلٍ لأهله، لا يتخّذ ضرّةً، ولا يشتهي جاريةً؛ قالت: تقول المرأة: والله لهذه الكتب أشدّ عليّ من ثلاث ضرائر. 358 - قال أبو القاسم عبيد الله بن عمر البقال: تزوّج شيخنا أبو عبد الله ابن المحرّم، وقال لي: لمّا حملت إليّ المرأة جلست في بعض الأيّام أكتب شيئاً على العادة، والمحبرة بين يديّ، فجاءت أمّها، فأخذت المحبرة، فضربت بها الأرض، فكسرتها، فقلت لها في ذلك، فقالت: هذه شرّ على ابنتي من ثلاث مئة ضرّة. 359 - أراد شعيب بن حربٍ أن يتزوّج امرأةً، فقال لها: إني سيىء الخلق، فقالت: أسوأ خلقاً منك من يحوجك إلى أن تكون سيىء الخلق.

360 - اعترض رجلٌ جاريةً، ليشتريها، فقال لها: بيدك صنعةٌ؟ فقالت: لا {ولكن برجلي؛ تعني: إنها رقاصةً. 361 - خاصمت امرأةٌ زوجها، وقالت: طلقني} فقال: فأنت حبلى، إذا ولدت طلقتك {فقالت: ما عليك منه} قال: فإيش تعملين به؟ قالت: أقعده باب الجنة فقاعى؛ فقالوا لعجوز: ما معنى هذا؟ قالت: تعني: إنّها تشرب ماء السذاب، وتتحمل به حتى يسقط، فيلحق بالجنّة، فيكون كالفقاعى. 362 - عرض على المتوكل جاريةً، فقال لها: بكرٌ أنت أم إيش؟ فقالت: أم إيش؛ فضحك وابتاعها. 363 - عرض على رجل جاريتان: بكرٌ وثيبٌ، فاختار البكر، فقالت الثيب: ما بيني وبينها إلا يومٌ، فقالت البكر: {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} [22 سورة الحج / الآية: 47] فاشتراها. 364 - خرج رجلٌ، فقعد يتفرّج على الجسر، فأقبلت امرأةٌ من جانب الرّصافة متوجّهة إلى الجانب الغربي، فاستقبلها شابٌ، فقال لها: رحم الله علي بن الجهم؛ فقالت المرأة: رحم الله أبا العلاء المعري؛ ومرّا. قال: فتبعت المرأة، وقلت لها: إن لم تقولي ما قلتما فضحتك.

فقالت: قال لي: رحم الله عليّ بن الجهم يريد قوله: (عيون المها بين الرصافة والجسر ... جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري) وأردت بترحمي على أبي العلاء قوله: (فيا دارها بالحزن إن مزارها ... قريبٌ ولكن دون ذلك أهوال) 365 - غضب المأمون على طاهر بن عبد الله، فأراد طاهرٌ أن يقصده، فورد كتابٌ له من صديقٍ له، ليس فيه إلا السلام، وفي حاشيته: يا موسى! فجعل يتأمّله ولا يعلم معنى ذلك، وكانت له جارية فطنةٌ، فقالت: إنه يقول: {يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} [28 سورة القصص / الآية: 20] فتثبط عن قصد المأمون. 366 - قال بعضهم: حضرت مغنيّتين، فكانت إحداهما تعبث بكل من تقدر عليه، والأخرى ساكتةٌ، فقلت للساكتة: رفيقتك هذه ما تستقر مع واحدٍ؛ فقالت: هي تقول بالسنّة والجماعة، وأنا أقول بالقدر. 367 - خاصمت امرأة زوجها في تضييقه عليها، فقالت: والله ما يقيم الفأر في بيتك إلا لحب الوطن، وإلا فهن يسترزقن من بيوت الجيران. 368 - جاءت دلالةٌ إلى رجلٍ، فقالت: عندي امرأة كأنها طاقة نرجسٍ؛ فتزوّجها، فإذا هي عجوزٌ قبيحةٌ، فقال للدلالة: غششتني،

فقالت: لا والله {إنما شبهتها بطاقة نرجسٍ لأنّ شعرها أبيضٌ، ووجهها أصفرٌ، وساقها أخضر. 369 - أعطت امرأة جاريتها درهماً، وقالت: اشتري به هريسةً؛ فرجعت، وقالت: يا سيدتي} ضاع الدرهم؛ فقالت: يا فاعلة {أتكلميني بفمك كله وتقولين ضاع الدرهم} فأمسكت الجارية بيدها نصف فمها، وقالت بالنصف الآخر: وانكسرت الغضارة. 370 - وقال رجل لجاريةٍ أراد شراءها: كم دفعوا فيك؟ فقالت: {وما يعلم جنود ربك إلا هو} [74 سورة المدثر / الآية: 31] . 371 - قال أبو بكر ابن عيّاش: كان بالكوفة رجلٌ قد ضاق معاشه، فسافر، وكسب ثلاث مئة درهم، فاشترى بها ناقةً فارهةً، وكانت زعرةً، فأضجرته، واغتاظ منها، فحلف بالطلاق ليبيعنّها يوم يدخل الكوفة بدرهم، ثمّ ندم، فأخبر زوجته بالحال، فعمدت إلى سنّور، فعلّقتها في عنق النّاقة، وقالت: ناد عليها: من يشتري هذا السنور بثلاث مئة درهم والنّاقة بدرهم {ولا أفرق بينهما؛ ففعل، فجاء أعرابيٌّ، فقال: ما أحسنك} لولا هذا البتيارك الذي في عنقك. 372 - قال زكريا بن يحيى السّاجيّ: اشترى رجلٌ من أصحاب القاضي العوفي جاريةً، فعصته ولم تطعه، فشكى ذلك إلى العوفي،

فقال: انفذها إليّ حتى أكلمها؛ فأنفذها إليه، فقال لها: يا عروب {يا لعوب} يا ذات الجلابيب {ما هذا التمنع المجانب للخيرات، والاختيار للأخلاق المشنوآت؟ قالت له: أيّد الله القاضي} ليست لي فيه حاجةٌ؛ فمره يبيعني {فقال: يا منية كل حكيم، وبحاثٍ عن اللّطائف عليم، أما علمت أنّ فرط الاعتياصات، من الموموقات، على طالبي المودّات؟ فقالت له الجارية: ليس في الدنيا أصلح لهذه العثنونات المنتشرات على صدور أهل الرّكاكات من المواسي الحالقات؛ وضحكت وضحك أهل المجلس؛ وكان العوفي عظيم اللحية. 373 - قال الجاحظ: طلب المعتصم جاريةً كانت لمحمود الورّاق، وكان نخاساً، بسبعة آلاف دينارٍ، فامتنع محمودٌ من بيعها، فلما مات محمود اشتريت للمعتصم من ميراثه بسبع مئة دينار، فلما دخلت إليه، قال لها: كيف رأيت؟ تركتك حتى اشتريتك من سبعة آلافٍ بسبع مئةٍ} قالت: أجل! إذا كان الخليفة ينتظر لشهواته المواريث، فإنّ سبعين ديناراً كثيرةٌ في ثمني فضلاً عن سبع مئةٍ؛ فأخجلته. 374 - قال رجلٌ لنسوةٍ: إنّكنّ صواحب يوسف، فقلن: فمن رماه في الجبّ، نحن أو أنتم؟ 375 - وقفت امرأة قبيحة على عطارٍ ماجنٍ، فلما رآها، قال:

{وإذا الوحوش حشرت} [81 سورة التكوير / الآية: 5] فقالت: {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه} [36 سورة يس / الآية: 78] . 376 - رأى رجلٌ امرأةً قد خضبت رؤوس أصابعها وشنترتها، فقال: ما أحسن هذا الزيتون {فقالت: فكيف لو رأيت قالب الجبن؟} 377 - حكي لنا أنّه كان لجعفر بن يحيى، خاتمٌ منقوشٌ عليه (جعفر بن يحيى) ، فنادى أن لا ينقش أحدٌ على خاتمه (جعفر بن يحيى) فجاءت جاريةٌ إلى نقّاش، فقالت له: أريد أن تنقش لي على هذا الخاتم إذا حضرت عندك ما أقوله لك؛ فحضرت، وقد أوصت خادمين أن يصيح أحدهما في أوّل السوق: جعفر، ويصيح الآخر في آخر السّوق: يحيى {فقالت: انقش لي ما تسمعه من أوّل صائح يصيح الآن، فصاح أحدهما: جعفر، فقال: ما يمكنني أن أنقش جعفر} فصاح الآخر: يحيى، فقالت: انقش الآن جعفر بن يحيى؛ فنقشه. 387 - قال أبو حنيفة: خدعتني امرأة أشارت إلى كيس مطروح في الطريق، فتوهّمت أنّه لها، فحملته إليها، فقالت: احتفظ به حتى يجيء صاحبه. 379 - قال رجلٌ لامرأته: أمرك بيدك؛ فقالت: قد كان في يدك عشرين سنةً، فحفظته، فلا أضيعه أنا في ساعةٍ، وقد رددته إليك؛ فأمسكها.

380 - بكت عجوزٌ على ميتٍ، فقيل لها: بماذا استحق هذا منك؟ فقالت: جاورنا وما فينا إلا من تحل له الصّدقة، ومات وما فينا إلا من تجب عليه الزكاة. 381 - كان رجلٌ يقف تحت روشن امرأةٍ، وهي تكره وقوفه، فجاء في بعض الأيام وعليه قميصٌ دبيقيٌ، قد غسله عند المطري، وسقاه نشاءً، وهو لبيسٌ، وتحته قميصٌ روميٌّ كذلك؛ وكان للنّاس أترجٌ سوسيٌ، في الأترجة ثلاثون رطلاً، فأخرجت بطيخة كافور، وأشارت إليه: تعال خذ هذه؛ فجاء، فوقف تحت الرّوشن، فقالت: أمسك حجرك صلباً حتى لا يقع فينكسر؛ فلزم حجره، فأخرجت البطيخة كأنها ترمي بها، فرمت أترجّته في حجره، فلم يردّه شيءٌ سوى الأرض، وبقي ما في القميص على رقبته وأكتافه، فهرب مستحيياً وما عاد بعدها.

382 - قال رجلٌ لرجلٍ: قد جرحني المزين في رقبتي؛ فقالت امرأة: هذا حتى لا يتمرمر. تعني أنّه كذا يصنع بالقرع.

الباب الثالث

(الباب الثالث) فيما ذكر عن الصبيان من ذلك 383 - قال الزبير بن بكارٍ: كان ابن الزبير يلعب مع الصبيان وهو صبي، فمر رجلٌ فصاح عليهم، ففروّا، ومشى ابن الزبير القهقرى، وقال: يا صبيان {اجعلوني أميركم؛ وشدوا عليه. 384 - ومرّ به عمر بن الخطّاب وهو يلعب مع الصبيان، ففرّوا ووقف، فقال له: مالك لم تفرّ مع أصحابك؟ قال: يا أمير المؤمنين} لم أجرم فأخاف، ولم يكن الطريق ضيّقة فأوسع عليك. 385 - قال علي ابن المديني: خرج سفيان بن عيينة إلى أصحاب الحديث وهو ضجرٌ، فقال: أليس من الشقاء أن أكون جالست ضمرة بن سعيدٍ، وجالس ضمرة أبا سعيد الخدريّ؛ وجالست عمرو بن دينارٍ، وجالس جابر بن عبد الله؛ وجالست عبد الله بن دينارٍ، وجالس ابن عمر؛ وجالست الزهري، وجالس أنس بن مالكٍ؛ حتى عدّ جماعة، ثم أنا أجالسكم {فقال له حدثٌ في المجلس: انتصف يا أبا محمدٍ} قال: إن شاء الله؛ قال: والله لشقاء من جالس أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بك أشدّ من شقائك بنا؛ فأطرق وتمثّل بشعر أبي نواسٍ:

(خل جنبيك لرام ... وامض عنه بسلام) (مت بداء الصمت خيرٌ ... لك من داء الكلام) فسأل: من الحدث؟ قالوا: يحيى بن أكثم؛ فقال سفيان: هذا الغلام يصلح لصحبة هؤلاء. يعني: السلاطين. 386 - قال أبو عاصم النبيل: رأيت أبا حنيفة في المسجد الحرام يفتي وقد اجتمع النّاس عليه، وآذوه، فقال: ما ههنا أحدٌ يأتينا بشرطيّ؟ فقلت: يا أبا حنيفة {تريد شرطياً؟} قال: نعم {فقلت: اقرأ عليّ هذه الأحاديث التي معي؛ فقرأها، فقمت عنه، ووقفت بحذائه، فقال لي: أين الشرطيّ؟ فقلت له: إنّما قلت: تريد، لم أقل لك: أجيء به؛ فقال: انظروا} أنا أحتال للنّاس منذ كذا وكذا، وقد احتال عليّ هذا الصبّي. 387 - قال ثمامة: دخلت إلى صديق أعوده، وتركت حماري على الباب، ولم يكن معي غلامٌ يحفظه، ثمّ خرجت، وإذا فوقه صبيّ، فقلت: أركبت حماري بغير إذني؟ ! قال: خفت أن يذهب فحفظته لك؛ قلت: لو ذهب كان أحب لي من بقائه؛ قال: إن كان هذا رأيك فيه، فاعمل على أنّه قد ذهب وهبه لي واربح شكري؛ فلم أدر ما أقول. 388 - قال الأصمعي: قال رجلٌ من أهل الشّام: قدمت المدينة؛ فقصدت منزل إبراهيم ابن هرمة، فإذا بنتٌ له صغيرةٌ تلعب بالطين، فقلت لها: ما فعل أبوك؟ قالت: وفد إلى بعض الأجواد، فما

لنا منه علمٌ منذ مدةٍ؛ فقلت: انحري لنا ناقةً، فإنّا أضيافك؛ قالت: والله ما عندنا، قلت: فشاةً، قالت: والله ما عندنا، قلت: فدجاجةً، قالت: والله ما عندنا، قلت: فأعطنا بيضةً، قالت: والله ما عندنا، قلت: فباطلٌ ما قال أبوك: (كم ناقةٍ قد وجأت منحرها ... بمستهل الشؤبوب أو جمل) قالت: فذاك الفعل من أبي هو الذي أصارنا إلى ليس عندنا شيءٌ. 389 - قال بشرٌ الحافي: أتيت باب المعافى بن عمران، فدققت الباب، فقيل لي: من؟ فقلت: بشرٌ الحافيٌ؛ فقالت لي بنية من داخل الدار: لو اشتريت نعلاً بدانقين ذهب عنك اسم الحافي. 390 - قال الأصمعي: بينا أنا في بعض البوادي، إذا أنا بصبي - أو قال: صبيةٍ - معه قربةٌ قد غلبته، فيها ماءٌ، وهو ينادي: يا أبةِ أدرك فاها، غلبني فوها، لا طاقة لي بفيها؛ قال: فوالله قد جمع العربية في ثلاث. 391 - قال الأصمعي: وقلت لغلامٍ حدثٍ من أولاد العرب: أيسرّك أن يكون لك مئة ألف درهم وأنّك أحمقٌ؟ قال: لا، والله؛ قلت: لم؟ قال: أخاف أن يجني عليّ حمقي جنايةً تذهب مالي وتبقي عليّ حمقي. 392 - لقي صبي رجلاً غافلاً، فقال له الصبي: إلى أين تمضي؟

فقال: إلى المطبق، فقال: أوسع خطواتك. 393 - ركب المعتصم إلى خاقان يعوده، والفتح صبي يومئذٍ، فقال له المعتصم: أيّما أحسن: دار أمير المؤمنين أو دار أبيك؟ فقال: إذا كان أمير المؤمنين في دار أبي، فدار أبي أحسن؛ وأراه فصّاً في يده، فقال: رأيت يا فتح أحسن من هذا الفصّ؟ فقال: نعم! اليد التي هو فيها. 394 - ذبح رجلٌ بخيلٌ دجاجةً، فدعاه صديقٌ له، فأمر بالدّجاجة فرفعت، وبات عند صديقه، فلمّا جاء دعا بالدّجاجة، فإذا هي منزوعة الفخذ، فقال: من هذا الذي تعاطى فعقر؟ فامتنعوا أن يخبروه، فقال لقهرمانه: اقطع خبزهم ونفقاتهم؛ فوثب غليّم له صغير، وقال: {أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} [7 سورة الأعراف / الآية: 155] فردّ عليهم خبزهم. 395 - قعد صبيّ مع قومٍ يأكلون، فجعل يبكي، فقالوا: ما لك؟ قال: الطعام حارُّ، قالوا: فدعه حتى يبرد، فقال: أنتم ما تدعونه.

§1/1