أخبار الدولة العباسية

مؤلف أخبار الدولة العباسية

مقدمة

مقدمة 1- قبل حوالي عشرين سنة، عثرنا في مكتبة مدرسة أبي حنيفة، في الأعظمية، على مخطوط دون عنوان. ويحوط صفحتي فاتحة المخطوط زخرف جميل، يتخلل أعلاه وأسفله ما يلي: «كتاب فيه أخبار العباس وفضائله ومناقبه، وفضائل ولده ومناقبهم، رضوان الله عليهم أجمعين» ، إلا أن وسط الصفحتين خال من الكتابة. والتعريف بالمخطوط دون ذكر العنوان أمر يدعو للتساؤل خاصة حين يلاحظ محتواه. ومع أنّنا نميل إلى أن عنوان الكتاب هو «أخبار الدولة العباسية» كما سنبين فيما بعد، إلّا أنّنا أبقينا «أخبار العباس وولده» كما جاء في التعريف وكما توحي خطة الكتاب. إن التعريف المذكور يشعر بأن الكتاب يتناول تاريخ الخلافة العباسية، إلّا أنّه- كما وصل- ينتهي قبيل قيامها. فالمخطوط يتحدث عن العباس، وعبد الله بن العباس، وعلي بن عبد الله، ومحمد بن علي، ثم عن إبراهيم الإمام ابن محمد بن عليّ، ونهايته، وهرب أخيه أبي العباس إلى الكوفة قبيل دخول القوات الخراسانية هذه المدينة. وحين يتناول المخطوط سيرة العباس بن عبد المطلب وأولاده المذكورين، يجعل محور حديثه قضية الإمامة وموقف العباسيين منها وتطلعهم إليها وعملهم في سبيلها. فهو في حقيقته تاريخ موسع للدعوة العباسية. وقد كتب المخطوط بخط نسخي حسن، ويقع في أربعمائة صفحة وثلاث

صفحات، من قياس 18- 25 سم، وتحوي كل صفحة منها خمسة عشر سطرا بمعدل 11- 12 كلمة في السطر الواحد. ولم يصلنا المخطوط كاملا، إذ تنقصه الأوراق الأولى التي تحوي الديباجة وسيرة العباس إلى خبر وفاته. وينتهي المخطوط بقائمتين: الأولى ب «تواريخ الخلفاء من بني أمية» ، والثانية ب «تواريخ الخلفاء من بني العباس رضي الله عنهم» . وواضح أن القائمتين ألحقنا بالكتاب، دون أن تكونا منه، إتماما للفائدة. ولكن القائمة الثانية تدلنا على فترة نسخ المخطوط، ذلك أنها تقف عند «تاريخ خلافة الإمام المتوكل على الله أبي [1] عبد الله محمد سنة ثلاثة وستين وسبعمائة ... وهو الخليفة القوام بعصرنا» . وهذا يحدد زمن كتابة المخطوط بين 763- 779 هـ/ 1362- 1377 م. 2- إن نسخة المخطوط الّذي ننشره فريدة، وقد سبق لنا أن عرفنا به قبل عدة سنين [2] . ثم نشر الأستاذ بطرس غريازنيويج قطعة مصورة من مخطوط بعنوان «نبذة من كتاب التاريخ- للمؤلف المجهول من القرن الحادي عشر» مع ترجمة وتعليقات بالروسية [3] ، ثم نشر المخطوط كله مصورا بعنوان «تاريخ الخلفاء للمؤلف المجهول من القرن الحادي عشر» [4] . ويهمنا هذا الكتاب لصلته الوثيقة بمخطوطنا، وللضوء الّذي يلقيه على بعض مشكلاته. ويتكون تاريخ الخلفاء من قسمين، يتناول القسم الأول منه تاريخ الخلفاء الراشدين، ثم التاريخ الأموي. ويهمنا منه القسم الثاني، وهو ما نشر بعنوان

_ [1] في الأصل: «أبا» . [2] عبد العزيز الدري- ضوء جديد على الدعوة العباسية، مجلة كلية الآداب والعلوم، بغداد 1957 ص 64- 82. [3] من منشورات: معهد الدراسات الشرقية، آثار الآداب الشرقية، السلسلة الكبرى للنصوص (6) ، موسكو 1960. [4] نشر ضمن السلسلة المذكورة أعلاه رقم (11) ، موسكو 1967.

«نبذة من كتاب التاريخ» ، ويقع هذا القسم بين ص 475 (235 ب من المخطوط) وص 592 (294 أمن المخطوط) من «تاريخ الخلفاء» ، ويختص بالعباسيين. يبدأ المؤلف هذا القسم بالبسملة، ويقدم له بديباجة في فضائل الدولة العباسية، ثم يعرّف بصلته بالعباسيين، وهي صلة ولاء تعود إلى جده الأكبر (وثاب) ، والد المقرئ يحيى بن وثاب، وكان مولى مكاتبا لعبد الله بن العباس [1] . وهذه المقدمة تلفت النظر، إذ إن المؤلف اكتفى، حين تناول تاريخ الأمويين، بعنوان بسيط وهو «خلافة بني أمية وبني مروان» ، وكأنّه يشعرنا بأن القسم الخاص بالعباسيين هو كتاب ثان، وهو ينعت هذا القسم مرة ب «أخبار الدولة المباركة العباسية» [2] وأخرى ب «أخبار الدولة الهاشمية العباسية» [3] ، مما يوحي بأن عنوانه هو «أخبار الدولة العباسية» . ومع أن المؤلف يلتزم في هذا القسم ب «الإيجاز والاختصار» كما فعل في القسم الأول [4] ، إلا أنّه يضيف إلى ذلك بعدئذ أنّه تجنب «التطويل بحديث الأسانيد وذكر أسماء الرجال» [5] ، فيلمح إلى أنّه يوجز مؤلفا بعينه، وأنّه لم يأخذ من «الكتب الكبار والمصنفات الأصول» [6] ، كما فعل في تاريخ الراشدين والأمويين. وهو يعترف بذلك ضمنا في معرض حديثه عن أبي مسلم، إذ يقول «وله أحاديث وحكايات جرت عليه بمرو ونسا ونيسابور والري،

_ [1] ص 236 ب من صورة المخطوط. وسنشير إلى صفحات المخطوط لتسهل الإشارة إلى الكتابين المذكورين. [2] ص 235 ب. [3] ص 236 أ. [4] انظر ص 236 أ. [5] ص 237 ب. [6] تاريخ الخلفاء ص 159.

يشتمل عليها التاريخ الكبير وليس يحتملها هذا المختصر» [1] . ويتأكد هذا الاستنتاج بمقارنة هذا القسم بمخطوطنا، إذ نرى أن المؤلف اعتمد على «أخبار العباس وولده» وحده واختصره، ولكن عملية الاختصار لم تعد حذف الأسانيد وبعض الروايات، وأما الباقي فأورده عادة بالنص. وهناك اختلافات بسيطة في بعض التعابير أو الكلمات، لا ندري إن كانت من تصرف المؤلف أو من أثر النسخ، ولكننا نرجح الاحتمال الثاني. وقد مرّ بنا أن المؤلف يسمي هذا القسم «أخبار الدولة العباسية» في حين أن عنوان الكتاب هو «تاريخ الخلفاء» والفرق واضح ومهم بين «أخبار» و «تاريخ» في علم التاريخ عند العرب. إن ما ذكرنا يجعلنا نتساءل عن أصل مقدمة القسم الخاص بالعباسيين من «تاريخ الخلفاء» - أهي ديباجة مؤلف هذا الكتاب، أم انها اقتباس لديباجة «أخبار العباس وولده» شأن باقي الكتاب. ونحن نرجح الاحتمال الثاني، إذ إن من يختصر كتابا بعينه لا يحتاج إلى توضيح لطبيعة الأخبار التي أخذها جملة عن غيره. ويعزز هذا الرأي أن الديباجة تشير إلى حداثة الدولة العباسية حين تنص «مع أن قرب العهد بها واتصال السماع خلفا عن سلف يحملان على زيادة الشرح» [2] ، وهو قول يصدق على القرن الثالث الهجريّ، بالنسبة للكتابة التاريخية، لأنّه عصر جمع الروايات وتمحيصها على نطاق واسع من قبل الجيل الأول من المؤرخين الكبار، كما فعل مؤلف «أخبار العباس وولده» ، ولكنه لا يرد بالنسبة للقرن الخامس الهجريّ، وهو فترة كتابة تاريخ الخلفاء [3] . 3- وبضوء ما مرّ، فإنّنا نرجح أن عنوان المخطوط الّذي ننشره هو

_ [1] ص 261 ب. [2] ص 236 أ. [3] انظر مقدمة غريازنيويج (بالإنكليزية) لتاريخ الخلفاء ص 52، وص 53 أمنه.

«أخبار الدولة العباسية» . ونحن نلاحظ أن كلمة «دولة» هنا لا تعني بالضرورة الكيان السياسي المفهوم، بل إن مؤلف «أخبار العباس وولده» استعملها بمعنى «دعوة» إذ يقول: «إن إبراهيم الإمام بن محمد أوصى أبا العباس عبد الله بن محمد بالقيام بالدولة، وأمره بالجد والحركة، وأن لا يكون له بالحميمة لبث ولا عرجة حتى يتوجه إلى الكوفة» [1] . ويذكر الأزدي أن عبد الله بن عليّ كان يشجع المسوّدة قبيل معركة الزاب قائلا: «إنها الدولة التي لا يباريها أحد إلا صرعة الله» [2] ، ولا تعني كلمة «دولة» هنا إلا «دعوة» أو حركة مباركة. وينسب الأزدي، في رواية، إلى مروان بن محمد قوله لأحد قادته حين استهان بالمسوّدة: «دع عنك هذا، على ودي أن دولتهم لنا، وأن عسكري معهم» [3] . وبصرف النظر عن قيمة الرواية، فإن كلمة «دولة» في هذا النص تقرب في المعنى مما ذكر، وقد تعني «الدّور» . هذا إلى أن صاحب تاريخ الخلفاء يستعمل كلمة «دولة» مرادفة لكلمة «دعوة» في أكثر من موضع [4] . وهذا يعزّز رأينا في أن عنوان الكتابة هو «أخبار الدولة العباسية» ، ما دامت كلمة دولة تعني دعوة أو حركة. 4- إن عنوان المخطوط، ومقارنته بالقسم الثاني من «تاريخ الخلفاء» تدل على أنّه يبدأ بأخبار العباس بن عبد المطلب [5] . ولما كان المختصر- كما

_ [1] أخبار العباس وولده (الأخبار) ص 409. [2] الأزدي تاريخ الموصل ج 2 ص 112. [3] نفس المصدر ص 131. قارن بالبلاذري أنساب الأشراف ص 242 (الرباط) ، حيث يستعمل «دولة» بمعنى العصر الجديد. [4] قارن ص 289 و 363 من الأخبار ب ص 264 ب و 280 ب من تاريخ الخلفاء على التوالي. [5] تاريخ الخلفاء ص 237 ب.

ورد في تاريخ الخلفاء- يوازي ربع الأصل وهو «أخبار العباس وولده» ، فإن المقارنة بينهما تعطينا فكرة عن الأوراق المفقودة من أول المخطوط. ففي تاريخ الخلفاء تشغل ترجمة العباس أربع صفحات [1] ، وهذا يعني أن «أخبار العباس وولده» ترجم للعباس بحوالي ست عشرة صفحة، بقي منها في المخطوط ثلاث صفحات، وهذا يعني أن ما فقد يقع في حدود ثلاث عشرة صفحة. أما نهاية المخطوط فتبدو مبتورة، ولكن الدلائل لا تؤكد ذلك. فمقارنة المخطوط بتاريخ الخلفاء تضعف احتمال النقص، ذلك أن روايات مخطوطنا تنتهي عند الصفحة 290 أس من تاريخ الخلفاء حيث يبدأ الخبر التالي بالعبارة الآتية: «وروي من عدة وجوه أن أبا العباس.. إلخ» ، وهذا يعني أن مختصر «أخبار العباس وولده» انتهى، وأن مؤلف تاريخ الخلفاء عاد إلى طريقته في الأخذ من عدة مصادر. كما أن مؤلف «الأخبار» في حديثه عن تهيؤ مروان لمواجهة المسوّدة يقول «وأقام يحشد يريد أن ينهض إلى الهاشمية، وقد أيقن بزوال ملك بني أمية، حتى ظهر أبو العباس (رضي الله عنه) فإنّه أول خلفاء بني العباس..» [2] ، ولا محل للتعريف بأبي العباس لو تناول المؤلف تاريخ الخلفاء العباسيين. هذا إلى أن إضافة قائمة بأسماء الخلفاء العباسيين، وهي متأخرة، تؤكد أن المؤلف لم يتناول الخلفاء. ويبدو أن النسّابين الأولين، مثل ابن الكلبي، لم يتناولوا الخلفاء العباسيين في كتاباتهم، فابن الكلبي يقف في «جمهرة النسب» عند أولاد علي بن عبد الله ولا يتناول أولاد محمد بن علي [3] ، وباثنين منهم بدأت الخلافة العباسية، وهذا يجعل وقوف

_ [1] نفس المصدر ص 237 ب- 239 ب. [2] الأخبار ص 379. [3] انظر هشام بن محمد بن السائب الكلبي- جمهرة النسب [مخطوط المتحف البريطاني] ص 15- 16

مخطوطنا- وهو موضوع في إطار كتب الأنساب- عند نهاية الدعوة أمرا مألوفا. وحين نفحص القسم الأخير من مخطوطنا (ص 189 ب- 202 ب) نراه يبدأ في ص 189 ب، بالبسملة، وأول عنوان يصادفنا هو «جود إبراهيم الإمام» ، وهو عنوان مكرر ولا صلة له بالمحتوى، ويتبعه بمقتل إبراهيم الإمام، وولده، ووصيته لأبي العباس وسير هذا ببعض أهله إلى الكوفة. وهذا يشير إلى أن القسم الأخير هو إضافة إلى المسوّدة الأولى للكتاب تتم أخبار إبراهيم الإمام حتى نهايته. وهكذا فإنّنا نرجح أن المخطوط تام في آخره ولم يسقط منه شيء. 5- إن فقد الأوراق الأولى من المخطوط حرمنا كما يبدو من اسم المؤلف. ولكن دراسة أسلوب الكتاب ومصادره تدل على أنّه كتب في أواسط القرن الثالث الهجريّ. فهو في الأساس كتاب أخبار يعنى بإيراد الأسانيد ويلتفت إلى اختلاف الروايات. ومع أنّه يراعي تسلسل النسب في إطاره إلا أنّه لم يحافظ بدقة على خط كتب الأنساب، إذ إنّه لا يعنى إلا بالابن الأكبر. كما أن الاهتمام الخاص بالإسناد يبين الأثر الواضح لمدرسة أهل الحديث في الأسلوب. وتتنوع مصادر معلومات الكتاب حسب طبيعة الموضوع، وتدل على جهد واسع في جمع الروايات. فقد أخذ المؤلف جل معلوماته عن الدعوة من روايات شفوية [1] ، وأخذ من مؤرخين سابقين ومعاصرين، وانفرد بإيراد وثائق ومعلومات هامة. أخذ مؤلف «الأخبار» عن مؤلفين معروفين سبقوه- من إخباريين، مثل أبي مخنف (ت، 157 هـ/ 774 م) ، وعوانة بن الحكم (ت، 147 هـ/

_ [1] انظر بصورة خاصة ص 257 وما بعدها من الأخبار.

819 م) ، والهيثم بن عدي (ت، 206- 7 هـ/ 821- 2 م) ، والمدائني (ت، 235 هـ/ 850 م) ، وعن مؤرخين كالواقدي (ت، 207 هـ/ 823 م) ونسابين مثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت، 204- 206 هـ/ 819- 821 م) ، ومصعب الزبيري (ت، 235 هـ/ 850 م) وغيرهم مثل محمد بن سلام (ت، 231 هـ/ 845 م) . واتصل بمعاصرين وأخذ عنهم مثل محمد بن شبة (ت، 262 هـ/ 875 م) والعباس بن محمد الدوري (ت، 271 هـ/ 881 م) ، والمبرد (ت، 285 هـ/ 898 م) ، ومحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (ت، 279 هـ/ 293 م) . وقد أخذ روايات المعاصرين بأسانيدها، وخير مثل لذلك ما رواه عن البلاذري فهو يعطي رواياته بإسناد متصل، ولذا تختلف سلسلة الإسناد أحيانا عما جاء في كتاب أنساب الأشراف للبلاذري [1] ، أو يعطي إسنادا حين لا يوجد إسناد في رواية أنساب الأشراف [2] ، أو يورد نصا يختلف لحد ما عن النص الوارد في أنساب الأشراف [3] مما يدل على أنّه روى عنه مباشرة. وانفرد المؤلف بمعلومات عن بداية الدعوة (حتى سنة 100 هـ) ، وعن بعض أحداثها وأسرارها، كما أورد قوائم مفصلة بأسماء النقباء والدعاة في خراسان ومراتبهم وتنظيماتهم. ويبدو أنّه أخذها من الحلقات الداخلية لرجال الدعوة، إذا استقى الكثير منها من رؤساء الدعوة ومن الدعاة البارزين فيها، مثل سالم الأعمى عن ميسرة النبال [4] وبكير بن ماهان، وموسى السراج،

_ [1] قارن الأخبار ص 143، بالأنساب ق 1 ص 561 (إسطنبول) ، والأخبار 228 بالأنساب ق 1 ص 566. [2] قارن الأخبار ص 163 بالأنساب ق 1 ص 568. [3] قارن الأخبار ص 164 بالأنساب ق 1 ص 566، والأخبار 229، بالأنساب ق 1 ص 566. [4] الأخبار ص 186 وص 188 وص 189.

وأبي مسلم الخراساني، وإبراهيم بن سلمة [1] . والظاهر أن أخباره عن نشاط أبي مسلم في خراسان وعن نشاط المسودة العسكري بقيادة قحطبة وانتصاراتهم، تعتمد على هذه المصادر وعلى أناس متصلين بالحلقة العباسية مثل أبي إسحاق بن الفضل الهاشمي [2] ، كما أخذ بعض معلوماته عن أفراد من الأسرة العباسية مثل عيسى بن عبد الله وعيسى بن موسى وعيسى بن علي وإبراهيم بن المهدي والرشيد [3] . وأعطى المؤلف صورة داخلية لطبيعة الدعوة وأحاديثها، وكشف عن جذور الغلو فيها، مما لا يناسب العباسيين بعد مجيئهم للحكم، وهذا يجعل بعض محتويات الكتاب أقرب إلى الوثيقة السرية منها إلى كتاب للجمهور. وكل هذا يشير إلى صلة خاصة للمؤلف بالعباسيين وبأتباعهم، وهو أمر يذكرنا بما جاء في مقدمة القسم الثاني من «تاريخ الخلفاء» ، حيث يوضح المؤلف صلة الولاء التي تربطه بالعباسيين، وهي خير صلة للاطلاع على الروايات والأخبار العباسية المباشرة. 6- إن مصادر كتابنا هذا، تجعلنا نحدد زمن تأليفه بأواسط القرن الثالث الهجريّ. وحين ننظر إلى من كتب عن الدولة العباسية في هذا القرن [4] ، فإنّنا نميل إلى نسبة الكتاب إلى محمد بن صالح بن مهران «ابن النطاح» (ت، 252 هـ/ 868 م) [5] . ومع أن الإشارات إلى ابن النطاح تجعله أول من صنف كتابا في

_ [1] انظر الأخبار ص 189- 192، 242، 186، 203، 183، 238، 285، 382. [2] الأخبار ص 178. [3] الأخبار ص 149، 156، 160، 173، 385، 395. [4] انظر (1967 بن 321.F.Sezgin -scherSchrifttume (Lieden بن 316 بنI.P.310 [5] انظر كتاب أنساب الخيل لابن الكلبي، باعتناء أحمد زكي باشا (دار الكتب 1946) ص 5 وص 135.

أخبار الدولة [1] ، فإن هذا فيه نظر إذا تذكرنا كتاب الدولة للمدائني [2] وكتاب الدولة للحسن بن ميمون النصري، خاصة وإن ابن النديم يذكر أن ابن النطاح روى عن الحسن هذا [3] ، وربما كانت أهمية كتاب ابن النطاح سببا لهذه الإشارات [4] . ويدفعنا إلى هذا الافتراض عدة أمور. فابن النطاح مولى جعفر بن سليمان ابن علي بن عبد الله بن عباس، وهذا الولاء يجعله على صلة وثيقة بأخبار العباسيين [5] ، ويذكرنا بما جاء في مقدمة القسم الثاني من تاريخ الخلفاء. وكان «ابن النطاح» إخباريا، ناسبا، راوية للسنن» ، وهي عين المؤهلات التي يكشف عنها أسلوب «أخبار العباس وولده» [6] . وكان بين من روى عنهم ابن النطاح الواقدي والمدائني [7] . هذا إلى أن عنوان كتابه هو «أخبار الدولة العباسية» [8] وهو ما نراه عنوان كتابنا هذا. ومع ذلك يتعذر البت في الموضوع، فنحن لم نجد معلومات عن أحفاد يحيى بن وثاب لنرى إن كان لابن النطاح صلة نسب به. كما أنّنا لا نجد إشارة

_ [1] انظر الفهرست لابن النديم (ط. دي خوية) ص 107، المسعودي- مروج الذهب (باعتناء باربييه دي مينار) ج 1 ص 12، الخطيب البغدادي- تاريخ بغداد ج 5 ص 357، السمعاني- الأنساب (ط (G.M.S..ص 564. [2] ياقوت- معجم الأدباء (باعتناء مرجليوث) ج 5 ص 315. [3] ابن النديم ص 108. [4] انظر.osenthal -imHistoriography 2 ndEd.p.89.وBrockelmanns.l.p.216. [5] أنساب الخيل لابن الكلبي ص 5. [6] انظر، إضافة للمصادر السابقة، ابن حجر- تهذيب التهذيب ج 9 ص 227، الذهبي- ميزان الاعتدال ص 74. [7] ابن حجر- تهذيب ج 940 ص 227. [8] انظر السخاوي- الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، باعتناء صالح العلي (بغداد 1963) ص 181، وكشف الظنون لحاجي خليفة (ط. إستانبول) ج 1 ص 283.

إلى هذا الكتاب في المؤلفات التالية، مع أنّنا نرى بعض الشبه أحيانا. فابن أبي الحديد يورد معلومات تماثل ما أورده كتابنا دون أن يذكر مصدره [1] . والذهبي يورد نص عبارة كتابنا عن صلة أبي هاشم بمحمد بن علي [2] . وقد عثرنا على إشارتين في التواريخ لابن النطاح. فالطبري روى عنه رواية أسطورية عن بناء بغداد [3] . والأزدي ينسب إليه رواية عن أصل أبي مسلم [4] ولكنها لا ترد في كتابنا. أما الأخبار الكثيرة الواردة في الأغاني برواية ابن النطاح [5] فهي أدبية ولا تتصل بموضوع الكتاب هذا، ومع ذلك فإن أبا الفرج الأصفهاني لا يشير إلى أي من مؤلفات ابن النطاح [6] ، ولعل ابن النطاح روى أخبارا كثيرة خارج نطاق هذه المؤلفات. 7- إن ميول المؤلف عباسية واضحة، ولكن الكتاب لا يمثل النظرة العباسية في فترة كتابته، بل يعطي النظرة العباسية في الفترة الأولى لدولتهم وخاصة ما قبل أيام المهدي. وربما كان هذا سبب إغفال الحديث عن خداش الداعية العباسي الّذي يمثل خط الغلو في خراسان، والتوسع في أخبار تنكّر محمد بن علي العباسي له بعد مقتله وجهوده في معالجة إثارة المربكة في خراسان. وقد يقال إن المؤلف أشار إلى التغيير الّذي أحدثه المهدي وهو نسبة الإمامة العباسية إلى العباس بن عبد المطلب والتخلي عن نسبتها إلى العهد من أبي هاشم كما كان الحال قبله، ولكنها إشارة عابرة. كما أن المؤلف نسب للعباس التبكير في

_ [1] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (القاهرة 1329) ج 2 ص 211، 212. [2] الذهبي- دول الإسلام ج 4 ص 20- 21، قارن صفحة 206- 207 من هذا الكتاب. [3] الطبري س 3 ص 276. انظر أيضا س 3 ص 551، 552، 556، 560. [4] الأزدي- تاريخ الموصل ج 2 ص 121. [5] انظر F.Sezgin ,op.cit.p.321 وفهارس أجزاء الأغاني، ط. دار الكتب. [6] انظر ابن النديم ص 107.

اعتناق الإسلام، فاعتبر البداية في بيعة العقبة، وظهور إسلامه بعد بدر [1] ، ولكنه- كما يبدو من المختصر- لا يورد من الحجج التي عرضت زمن المنصور والمهدي في تأكيد أفضلية العباس وجدارته للإمامة إلا إشارة عابرة إلى أنّه عم النبي وصنو أبيه [2] . إننا نرى التأكيد في الكتاب على عبد الله بن العباس، وعلى تبشيره بانتقال الملك لأولاده، إلا أن الصورة القوية له هي في ظهوره بمظهر ممثل الهاشميين، يؤكد حقهم في الإمامة، ويعرض هذا الحق بجرأة واندفاع، في محاورات طويلة مع الأمويين من جهة ومع الزبيريين من جهة أخرى. وهذه النبرة الهاشمية (مقابل العباسية فيما بعد) تظهر في قول ينسب للرسول في جماعة آل البيت وبحضور العباس يتنبأ فيه بانتقال الملك إلى العباسيين ويوصي «اتقوا الله في عترتي أهل بيتي» [3] . 8- نخلص مما مر إلى أن عنوان الكتاب الّذي ننشره هو «أخبار الدولة العباسية» ، وإن كلمة «دولة» هنا تعني «دعوة» أو «دور» . وينتسب المؤلف إلى العباسيين بالولاء وهذا مكنه من الاطلاع على أخبار الدعوة العباسية وأسرارها من رجالات الدعوة ومن بعض العباسيين، فانفرد بمعلومات ووثائق هامة. وقد كتب الكتاب في أواسط القرن الثالث الهجريّ، في عصر ظهور المؤرخين الكبار وتوفر روايات وأخبار تاريخية واسعة، مما مكن المؤلف من التوسع في أخبار الدعوة. ومع أنّه كتاب «أخبار» إلا أنّه وضع في إطار النسب، واعتنى بالإسناد نتيجة توسع أثر مدرسة الحديث. وقد اقتصر الكتاب على أخبار الدعوة العباسية، وعرض وجهة العباسيين أثناء الدعوة والفترة العباسية الأولى، وانتهى قبيل قيام الدولة العباسية. ثم

_ [1] انظر تاريخ الخلفاء ص 238 أ- 239 أ. [2] ن. م. 238 ب. [3] ن. م. ص 239 ب.

إن أسلوب الكتاب وفترة تأليفه وطبيعة أخباره من جهة، وما لدينا من معلومات عن محمد بن صالح بن مهران «ابن النطاح» من جهة أخرى، تجعلنا نميل إلى أن الكتاب لابن النطاح. 9- ولقد هدفنا إلى ضبط نص الكتاب، ولكن الاعتماد على مخطوط واحد يجعل التحقيق غاية في الصعوبة، خاصة حين يكون الناسخ ضعيفا كما هو حال ناسخ مخطوطنا. لذا رجعنا إلى تاريخ الخلفاء، إذ إن القسم الثاني منه بمثابة نص ثان لبعض أقسام «أخبار العباس وولده» ، ومع ذلك يبقى القسم الأكبر من النص معتمدا على مخطوطنا وحده. وهذا الوضع تطلب الرجوع إلى المصادر الأولية بحثا عن الروايات والأخبار والأشعار الواردة فيها والتي جاءت في هذا الكتاب لتقويم النص أو للتنبيه إلى الاختلاف في نص رواية جاءت في الحالين عن نفس الراويّ. إلا أنّنا في الوقت ذاته لم نرد أن نثقل الكتاب بالإضافات الكثيرة واكتفينا، في بعض الأحيان، بالإشارة إلى الروايات في مظانها دون إيراد النصوص. إن «أخبار العباس وولده» يمثل جهدا مبكرا وأصيلا في جمع الروايات والأخبار عن الدعوة العباسية كما يتبين من المصادر الواسعة لمعلوماته. ثم إن عنايته بالإسناد، وقيمة مصادره، وغنى معلوماته وخطورتها، تضعه في منزلة خاصة بين مؤرخي الدعوة العباسية إضافة إلى أنّه أوسع مصدر عنها. ويسرنا هنا أن نعرب عن شكرنا للأستاذ الدكتور إحسان عباس على ملاحظاته القيمة في التحقيق، وللأستاذ الدكتور إبراهيم السامرائي على ملاحظات مفيدة في تدقيق بعض الكلمات.

لقد استعملنا رموزا قليلة وهي: ن. م. نفس المصدر. كتاب التاريخ تاريخ الخلفاء، باعتناء غريازنيويج، موسكو 1967 الأخبار أخبار العباس وولده. ما بين قوسين كهذه للإضافات التي يتطلبها سياق الخبر. ما بين قوسين كهذه [] للإضافات من مصدر آخر يروي نفس الخبر. هذا ووضعنا أرقام صفحات المخطوط بين قوسين [] لتيسير الرجوع إليها. عبد العزيز الدوري الجامعة الأردنية، حزيران 1970

موت العباس بن عبد المطلب [1] رضي الله عنه

موت العبّاس بن عبد المطّلب [1] رضي الله عنه [3 ب] قال: دخل عثمان على العبّاس في مرضه الّذي مات فيه فقال: أوصني بما ينفعني به، وزوّدني، فقال: الزم ثلاث خصال [2] تصب بها ثلاث عوامّ، فالخواصّ: ترك مصانعة الناس في الحق، وسلامة القلب، وحفظ اللسان، تصب بها سرور الرعية، وسلامة الدين، ورضى الرب. محمد بن عمر [3] قال: حدثنا يحيى بن العلاء عن عبد المجيد بن سهيل، عن نملة بن أبي نملة عن أبيه قال: لمّا مات العباس بن عبد المطلب بعثت بنو هاشم مؤذّنا يؤذن أهل العوالي: رحم الله من شهد العباس، قال: فحشد الناس ونزلوا من العوالي. محمد [4] بن عمر قال: حدثني ابن أبي سبرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن دويس [5] عن عبد الرحمن بن يزيد بن حارثة، قال: جاءنا مؤذن يؤذننا [6] بموت

_ [1] انظر البلاذري- أنساب الأشراف ق 1 ص 526- 532 (مخطوط إسطنبول) وص 210- 214 (مخطوط الرباط) ، ونهاية الأرب للنويري (ط. دار الكتب) ج 18 ص 216- 220، وطبقات ابن سعد ج 4 ق 1 ص 1- 22. [2] هكذا. ولعله «ثلاث خواص» . [3] ترد هذه الرواية بإسنادها في طبقات ابن سعد (باعتناء سخاو) ج 4 ق 1 ص 21. [4] ترد هذه الرواية في طبقات ابن سعد ج 4 ق 1 ص 21- 22. [5] في ابن سعد (ج 4 ق 1 ص 21) : «رقيش» . [6] في ن. م. ص 21 «يؤذنا» .

العباس بن عبد المطلب بقباء [1] على حمار، ثم جاءنا آخر على حمار، فقلت: من الأول؟ فقال: مولى لبني هاشم، والثاني رسول عثمان بن عفّان، فاستقرى [2] قرى الأنصار قرية قرية حتى انتهى إلى السافلة [3] . فقلت وأتينا [4] بني حارثة وما والاها، فحشد الناس فما غادرنا [5] النساء، فلما أتي به إلى موضع الجنائز تضايق، فتقدموا [6] إلى البقيع، فقلت [7] ليتقدموا، فصلينا عليه بالبقيع، وما رأيت مثل ذلك [[4] أ] الخروج على أحد من الناس قط وما يستطيع أحد من الناس [أن] [8] يدنو إلى سريره وغلب عليه بنو هاشم، فلما انتهوا إلى اللحد ازدحموا عليه، فأرى عثمان اعتزل، وبعث الشّرط يضربون الناس عن بني هاشم، حتى خلص بنو هاشم، وكانوا هم الذين نزلوا في حفرته ودلّوه في اللحد، ولقد رأيت على سريره برد حبرة قد تقطّع من زحامهم. محمد بن [9] عمر قال: حدثتني عبيدة بنت نائل [10] عن عائشة بنت سعد قالت: جاءنا رسول عثمان ونحن بقصرنا على عشرة أميال من المدينة،

_ [1] انظر ياقوت- معجم البلدان (ط. مصادر- بيروت) ج 4 ص 301، وكتاب المناسك وأماكن طريق الحج، تحقيق حمد الجاسر (منشورات دار اليمامة) ص 600- 601 وص 636. [2] في الأصل: «فاستقرأ» وفي ابن سعد: «فاستقبل» ص 21. [3] في رواية ابن سعد: «حتى انتهى إلى سافلة بني حارثة وما ولاها» ص 21 محل «حتى انتهى ... وما والاها» . [4] في الأصل: «رأيتنا» . [5] في الأصل: «فما عادنا» والتصويب من ابن سعد ص 21. [6] في ابن سعد: «فتقدموا به» ص 21. [7] في ابن سعد: «ولقد رأيتنا يوم صلينا عليه بالبقيع» بدل «فقلت.. بالبقيع» . [8] زيادة من ابن سعد ص 21. [9] ترد نفس الرواية في ابن سعد ج 4 ق 1 ص 22. [10] في ابن سعد: «نابل» ص 22.

أن العبّاس قد توفّي، فنزل أبي ونزل سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، ونزل أبو هريرة من الشجرة [1] ، قالت [2] عائشة: فجاءنا أبي بعد ذلك بيوم فقال: ما قدرنا أن ندنو من سريره من كثرة الناس، غلبنا عليه، لقد كنت أحبّ حمله. محمد بن [3] عمر قال: حدثني يعقوب بن محمد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن الحارث بن عبد الله بن كعب عن أمّ عمارة قالت: حضرنا- نساء الأنصار- طرّا جنازة العبّاس، وكنّا أوّل من بكى عليه، ومعنا المهاجرات الأول والمبايعات. محمد [4] بن عمر قال: حدثنا ابن أبي سبرة عن عباس بن عبد الله بن معبد [5] قال: لمّا مات العبّاس أرسل إليهم عثمان: إن رأيتم أحضر غسله فعلتم، فأذنوا له فحضر، [4 ب] وكان جالسا ناحية من البيت، وغسّله عليّ بن أبي طالب وعبد الله وعبيد الله وقثم بنو العبّاس، وحدّت [6] نساء بني هاشم سنة. محمد بن عمر قال [7] : حدثني ابن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن

_ [1] في ابن سعد: «السمرة» ص 22. والشجرة موضع على نحو ستة أميال من المدينة. انظر الفيروزآبادي- المغانم المطابة في معالم طابة، تحقيق حمد الجاسر (دار اليمامة 1969) ص 381. [2] في الأصل: «قال» . وفي ابن سعد «قالت» . [3] ترد هذه الرواية في طبقات ابن سعد ج 4 ق 1 ص 22. [4] ترد هذه الرواية في ن. م. ج 4 ق 1 ص 22. [5] في ن. م. ص 22 «سعيد» . [6] في الأصل: «حدث» وفي ابن سعد ص 22 «حدّت» ، وحدت المرأة: تركت الزينة والطيب حزنا. [7] ترد هذه الرواية في طبقات ابن سعد ج 4 ق 1 ص 22.

عيسى بن طلحة قال: رأيت عثمان يكبّر على العبّاس بالبقيع، وما يقدر من لغط [1] الناس، ولقد بلغ الناس الحشّان [2] ، وما تخلف أحد من الرجال والنساء والصبيان. محمد بن [3] عمر قال: أخبرنا خالد بن القاسم البياضي، قال: أخبرني شعبة مولى ابن عباس، [قال: سمعت ابن عباس] [4] يقول: كان العبّاس معتدل القامة [5] وكان يخبرنا عن عبد المطّلب أنّه مات وهو أعدل قناة منه [6] . وتوفي العباس يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من رجب سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان بن عفّان وهو ابن ثمان وثمانين سنة ودفن بالبقيع في مقبرة بني هاشم، رضي الله عنه [7] .

_ [1] في ابن سعد ص 22 «لفظ» . [2] انظر معجم البلدان ج 2 ص 262. [3] ترد هذه الرواية في طبقات ابن سعد ج 4 ق 1 ص 20. [4] زيادة من ابن سعد ص 20. [5] في ن. م. ص 21 «القناة» . [6] انظر العقد الفريد (ط. لجنة التأليف) ج 6 ص 276. [7] انظر أنساب الأشراف ص 214 (الرباط) ، أو ق 1 ص 526 (نسخة إسطنبول) ، نهاية الأرب للنويري ج 18 ص 219، وتاريخ خليفة بن خياط، تحقيق أكرم ضياء العمري (بغداد 1967) ص 141.

أخبار عبد الله بن العباس [1] ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له

أخبار عبد الله بن العبّاس [1] ودعاء النبي صلى الله عليه وسلّم له كان عبد الله يكنى أبا العبّاس. ولد في الشّعب [2] قبل خروج بني هاشم منه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين [3] ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن العباس ابن ثلاث عشرة سنة [4] . سفيان بن عيينة [5 أ] عن عبد الله بن يزيد قال: سمعت ابن عبّاس يقول: أنا ممن قدّم رسول الله صلى الله عليه وسلّم في ضعفة أهله مع الثقل من مزدلفة إلى منى [5] . ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: اللَّهمّ أعطه الحكمة، وعلّمه التأويل، ورأى جبريل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: عسى ألّا تموت حتى تؤتى علما ويذهب بصرك [6] . وكان عمر يأذن له مع المهاجرين ويسأله ويقول: غص غوّاص،

_ [1] انظر ترجمته في مخطوط أنساب الأشراف ق 1 ص 538- 553 (إسطنبول) وص 221- 225 (الرباط) . [2] هو الشعب الّذي أوى إليه الرسول (ص) وبنو هاشم أثناء المقاطعة، وهو «شعب أبي طالب» . انظر البلاذري- أنساب ج 1 ص 230، وص 233، وياقوت- معجم البلدان ج 3 ص 347. [3] انظر مخطوط أنساب الأشراف ص 215 (الرباط) ، ق 1 ص 538- 9 (إسطنبول) . [4] انظر كتاب التاريخ ص 239 ب. [5] ترد هذه الرواية في أنساب الأشراف كما يلي: «وحدثني الزبير بن بكار عن سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: سمعت ابن عباس يقول: أنا فيمن قدمه رسول الله (ص) من ضعفة أهله مع الثقل من المزدلفة إلى منى» ق 1 ص 539 (إسطنبول) وص 216 (الرباط) . [6] في الأصل: «ويذهب بصره» .

وكان [1] إذا رآه مقبلا قال: أتاكم فتى الكهول، له لسان سئول، وقلب عقول. أبو صالح عن ابن عباس قال: دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمسح رأسي من مقدّمه حتى انتهى إلى قدمي، ثم مسح ذؤابتي حتى انتهى إلى عقبي، ودعا لي بالإيمان والحكمة فقال: اللَّهمّ إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم [2] ، فقال المسور بن مخرمة الزهري [3] في تصديق ذلك: أدنى النبيّ ابن عبّاس وقال له ... قولا فقدّس فيه الأهل والولد والعلم والسلم كانا رأس دعوته ... ما مثل هذا بما يرجى له أحد وقبلها دعوة كانت مباركة ... ثمّ الظهور بما فيهم وما ولدوا كم دعوة سبقت فيهم مباركة ... فيها افتخار وفيها يكثر العدد [5 ب] سليمان بن حرب عن حمّاد بن سلمة قال: حدثنا عبد الله ابن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: كنت في بيت خالتي ميمونة [4] فوضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طهورا فقال: من وضع هذا؟ قالت ميمونة: عبد الله، قال: اللَّهمّ فقّهه في الدين وعلّمه التأويل [5] .

_ [1] انظر كتاب التاريخ ص 239 ب. [2] في مخطوط أنساب الأشراف ص 215 (الرباط) : «ولد عبد الله بن عباس، وبنو عبد المطلب في الشعب، وذلك قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين، فجاء به أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبله ومسح وجهه ورأسه ودعا له فقال: اللَّهمّ املأ جوفه فهما وعلما، واجعله من عبادك الصالحين» . [3] هو المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب «له صحبة وكان فاضلا» . انظر ابن الكلبي- جمهرة النسب ق 1 ص 49، والطبري (المنتخب من ذيل المذيل) س 4 ص 2333- 4، جمهرة أنساب العرب (دار المعارف) ص 129. [4] في كتاب التاريخ «في بيت خالتي ميمونة زوج النبي» ص 239 ب. [5] في مخطوط أنساب الأشراف ص 216/ ق 1 ص 539 «عن سعيد بن جبير أنه سمع

ومن أخبار عبد الله مع النبي صلى الله عليه وسلم

إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان ابن بلال عن عمرو بن أبي عمرو عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله عن عكرمة: أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: اللَّهمّ أعط ابن عبّاس الحكمة وعلّمه التأويل. ساعدة بن عبيد الله عن عكرمة: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: اللَّهمّ أعط ابن عبّاس الحكمة وعلّمه التأويل. ساعدة بن عبيد الله عن داود بن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لعبد الله بن العبّاس: اللَّهمّ بارك فيه وانشر منه. ساعدة بن عبيد الله المزني عن داود بن عطاء عن موسى بن عبيدة الزيدي عن محمد بن عمرو بن عطاء العامري، من أنفسهم: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى ابن عباس يوما مقبلا فقال: اللَّهمّ إنّي أحبّ عبد الله بن عبّاس فأحبه. ومن أخبار عبد الله مع النبيّ صلى الله عليه وسلم [6 أ] أبو ضمرة أنس بن عياض الليثي عن أبي طلحة عن عمر بن عبد الله مولى غفرة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أردف عبد الله

_ [ () ] ابن عباس يقول: إن رسول الله (ص) كان في بيت ميمونة، قال فوضعت له وضوء من الليل. فقالت ميمونة: يا رسول الله وضع لك هذا ابن عباس، فقال رسول الله (ص) : اللَّهمّ فقهه في الدين وعلمه التأويل» . انظر جمهرة النسب لابن الكلبي ق 1 ص 14.

علم عبد الله

ابن عباس فقال: يا غلام! ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ؟ قال: بلى يا رسول الله صلى الله عليك بأبي أنت وأمّي، قال: احفظ الله تجده أمامك، اذكر الله في الرخاء يذكرك في الشدّة، إذا سألت فسل الله، وإذا استعنت فاستعن باللَّه، جفّ القلم [1] بما هو كائن، فلو جهد الخلق على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم يقدروا عليه، ولو جهدوا على أن يضرّوك بشيء لم يكتبه عليك لم يقدروا عليه، فعليك بالصدق في اليقين، وإنّ في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأنّ مع العسر يسرا [2] . علم عبد الله قال: كان يقال لعبد الله بن العباس حبر هذه الأمّة لسعة علمه، وقد كان [3] في صغره لزم عليا، وكان [4] يزقّه العلم زقّا. وقيل من أراد العلم والجود والجمال فليأت دار العباس بن عبد المطلب يجد ذلك كله [5] .

_ [1] كتب في الأصل «الكلم» والتصويب من هامش المخطوط. [2] في مخطوط أنساب الأشراف ص 216/ ق 1 ص 540- 1: «حدثني الحسن بن عرفة عن عمار بن محمد عن خشيش بن فرقد عن الحسن عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام أو يا غليم، ألا أعلمك شيئا ينفعك الله به: احفظ الله يحفظك، اذكر الله يذكرك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فسل الله، وإذا استعنت فاستعن باللَّه، واعلم أن النصر مع اليقين، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا، وأنه لو اجتمع الخلائق على أن يعطوك شيئا لم يقضه الله لك لم يستطيعوا، ولو اجتمعوا على أن يمنعوك شيئا قضاه الله لك لم يستطيعوا» . [3] كتبت عبارة «لزم عليا» في هامش المخطوط، وأشير إلى مكانها في المتن بعد «صغره» . [4] في كتاب التاريخ ص 240 أ: «فكان» . [5] انظر ن. م. ص 240 أ، وفيه: «يريدون أن العلم فيه والجود في عبيد الله والجمال في قثم» .

أبو أسامة عن زائدة عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم: أنّه كان يسمعهم يقولون: يكون في هذه الأمة اثنا عشر خليفة، قال ما أحمقكم! إن بعد [6 ب] الاثني عشر ثلاثة منا: السفاح والمنصور والمهديّ يسلّمها إلى الدجال [1] . قال أبو أسامة: وتأويل هذا عندي ولد المهدي يسلّمونها إلى الدجال. أبو حامد المستملي قال: حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعيّ قال: حدثنا يحيى ابن آدم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: ما رأيت أعلم بالسنة، ولا أجلد رأيا، ولا أثقب نظرا حين ينظر، من ابن عباس رضي الله عنهما، إن كان عمر ابن الخطاب ليقول: قد طرأت علينا عضل [2] أقضية أنت لها ولأمثالها. العنزي قال: حدثني علي بن إسماعيل قال: أخبرنا عمّي إبراهيم ابن محمد قال: حدّثني شدّاد الحارثي قال: حدثني عبيد الله بن الحر العنبري عن أبي عرابة [3] الهجيمي قال: كان ابن عبّاس يفطر الناس في شهر رمضان بالبصرة، فكان [4] لا ينقلبون في كلّ ليلة أن يسمعوا فائدة في دين أو دنيا، فكانوا إذا فرغوا من العشاء تكلّم فأقلّ وأوجز، فقال لهم ليلة: ملاك

_ [1] وفي ن. م. ص 240 أ: «أنه كان إذا سمعهم يقولون ... يقول ما أحمقكم..» ، وانظر أنساب الأشراف ج 3 ص 278 (القاهرة) . [2] ترد الرواية في أنساب الأشراف ص 216، ق 1 ص 541 بإسناد آخر مع بعض الاختلاف في آخرها، كما يلي: «وإن كان عمر بن الخطاب ليقول له: انه قد طرأت علينا عضل أقضية أنت لها ولأمثالها، فإذا قال فيها رضي قوله، وعمر ما عمر في نظره للمسلمين وجدّه في ذات الله» . [3] في الأغاني (ط. دار الكتب) ج 16 ص 376: عبيد الله بن الحر العنزي القاضي عن أبي عرادة. انظر الخبر في ج 16 ص 376- 7، وفيه اختلاف عن هذا النص، كما أنه عن الإمام علي لا ابن عباس. [4] لعله: فكانوا.

أمركم الدين، وزينكم العلم، وحصون [1] أعراضكم الأدب، وعزّكم الحلم، وصلتكم الوفاء، وطولكم في الدنيا والآخرة المعروف، فاتقوا الله يجعل لكم من أمركم يسرا. فقال رجل من القوم: يا أبا العبّاس من أشعر الناس؟ فإنّا قد [7 أ] تمارينا في ذلك منذ اليوم فكان [2] كل قوم يقول: شاعرنا، وأقبل عبد الله على أبي الأسود [3] ، فقال: يا أبا الأسود من أشعر الناس؟ فقال أبو الأسود: الّذي يقول: ولقد أغتدي يدافع ركني ... أجوليّ [4] ذو ميعة إضريج مخلط مزيل معن مفنّ [5] ... منفح مطرح سبوح خروج [6] سلهب شرجب كأنّ رماحا ... حملته وفي السراة دموج تتعادى به قوائم لأم ... وحوام صمّ الحوافر عوج مقبلات في الجري أو مدبرات ... بهوى طائع بهنّ يهيج هذا الشعر لأبي داود الإيادي، وكان أبو الأسود يفضله. فقال ابن عبّاس: إن شعراءكم قد قالوا فبلغ كل رجل منهم بعض ما أراد، ولو كانت لهم غاية يستبقون إليها يجمعهم فيها طريق واحد، لعلمنا أيهم أسبق إلى تلك

_ [1] في الأصل: حصور. [2] في الأصل: فقال. [3] أبو الأسود الدؤلي هو ظالم بن عمرو، توفي بالبصرة سنة 69 هـ، وطبع ديوانه في مطبعة المعارف- بغداد 1964. [4] في الاغاني: «أحوذي» . [5] في الأصل: «سفن» والتصويب من الترجمة العربية لدراسات في الأدب العربيّ تأليف فون غرونباوم تعريب إحسان عباس (بيروت 1959) ص 299. [6] في دراسات في الأدب العربيّ (ص 299) : مطرح مضرح جموح خروج. والأصل يتفق في هذا الشطر مع رواية الأغاني ج 16 ص 376.

الغاية، فإن يك قال، ولم [1] يقل عن رغبة ولا رهبة، فامرؤ القيس بن حجر. العنزي قال: حدثنا علي بن سليمان النوفلي قال: حدثني أبي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ختن الفضل بن يسار أبي جعفر الأعرج القارئ قال: حدثني أبو حسنة عن الحكم الأعرج وهو [7 ب] عمّه قال: رأيت ابن عباس مدليا رجليه في حوض زمزم فأتاه رجل فقال: يا ابن عباس إني رجل أصيب الصيد فأصمي وأنمي، قال: كل ما أصميت ودع ما أنميت، يعني كل ما أقعصته وأنت تراه، وإذا تحامل عنك برميته فمات وقد غاب عن عينيك فلا تأكل وهو الإنماء. وأنشد ابن عباس: ورأت معدّ حولها أسدا ... غير ان قد يصمي ولا ينمي [2] قال: ثم أتاه رجل آخر فقال: يا بن عبّاس خبّرنا عن يوم عاشوراء، قال: هو اليوم التاسع من قبل إظماء الإبل يسمّون يوم التاسع العشر. العنزي قال: حدثنا الرياشي قال: دخل عبد الله بن صفوان الجمحيّ على عبد الله بن الزبير فقال، أنت والله كما قال الشاعر [3] : فإن تصبك من الأيّام جائحة ... لا نبك منك على دنيا ولا دين

_ [1] في الأصل: «ومن» . [2] انظر كشاجم- المصايد والمطارد (ط. دار المعرفة، بغداد 1954) ص 169 وانظر كتاب التاريخ ص 240 أ. [3] البيت لذي الإصبع العدوانيّ. وهو شاعر فارس جاهلي. والبيت من قصيدة يذكر صاحب الأغاني أنه قالها في جرير بن جابر ومطلعها: يا من لقلب شديد الهم محزون ... أمسى تذكر ريا أم هارون انظر أخباره في الأغاني (ط. دار الكتب) ج 3 ص 89- 109.

فقال: وما ذاك ويحك؟ قال: هذان ابنا عبّاس: أحدهما يفتي الناس في دينهم، والآخر يطعم الناس، فماذا بقيا لك. فأرسل إليهما ابن الزبير فقال: إنكما [1] تريدان أن ترفعا راية قد وضعها الله، ففرّقا عنكما مرّاق العراق. فأرسل إليه عبد الله بن عبّاس فقال: ويلك أيّ الرجلين [8 أ] نطرد عنا: أطالب علم أم طالب دنيا؟ فبلغ الخبر أبا الطفيل [2] فقال أبياته [3] . أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم القمي عن أبيه عن الزبيري بإسناد له يرفعه قال: بينا عمر جالس في جماعة من أصحابه، فتذاكروا الشعر، فقال: من أشعر الناس؟ فاختلفوا، فدخل عبد الله بن عباس، فقال عمر: قد جاءكم ابن بجدتها، وأعلم الناس. من أشعر الناس يا ابن عباس؟ قال: زهير بن أبي سلمى المزني. قال: أنشدني من شعره، فأنشده: لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم بأحسابهم أو مجدهم قعدوا قوم أبوهم سنان حين ينسبهم ... طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا [4] فقال عمر: قاتله الله يا بن عباس، لقد قال كلاما حسنا ما كان ينبغي أن يكون هذا الكلام إلّا في أهل هذا البيت لقرابتهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال له ابن عبّاس: وفّقك الله يا أمير المؤمنين فلم تزل موفّقا.

_ [1] في الأصل: «أيكما يريد أن يرفعا دابة» والتصويب من ص 98. [2] هو عامر بن واثلة بن عبد الله. انظر الأغاني ج 15 ص 147. [3] في الأصل: «أتيانه» . انظر أبيات أبي الطفيل مع نص الخبر في الأغاني ج 15 ص 151- 2. [4] في شرح ديوان زهير بن أبي سلمى لثعلب (ط. دار الكتب 1944) ص 282: أو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا قوم أبوهم سنان حين تنسبهم ... طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا وانظر رواية ثعلب للخبر ص 278- 283، وانظر العقد الفريد ج 4 ص 280.

فقال: يا ابن عباس أتدري ما منع الناس منكم؟ قال: ما أدري، قال: كرهت قريش أن يولوكم هذا الأمر فتجخفون [1] على الناس جحفا، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت فوفّقت فأصابت إن شاء الله. فقال: يميط أمير المؤمنين عني الغضب ويسمع كلامي، فقال هات. قال: أمّا قولك إنّ قريشا [8 ب] كرهت، فإنّ الله يقول: كَرِهُوا ما أَنْزَلَ الله فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ 47: 9 [2] ، وأمّا قولك: إنّها نظرت فاختارت، فإنّ الله نظر فاختار من خير خلقه، فإن كانت قريش نظرت من حيث نظر الله فقد أصابت. قال: فقال عمر: أبت قلوبكم يا بني هاشم [3] لنا إلّا غشا لا يزول، وحقدا لا يحول. قال: مهلا يا أمير المؤمنين، لا تنسب قلوب بني هاشم إلى الغشّ، فإنّ قلوب بني هاشم من قلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا، وأمّا قولك: حقدا لا يحول، فكيف لا يحقد من غصب شيئه، ورآه في يد غيره. قال: فقال: يا بن عباس اخرج عني، فلما خرج ناداه فقال له: أمّا إنّي على ما كان منك لحقّك لراع، فقال له: إنّ [4] لي عليك وعلى كلّ مؤمن حقا، فمن عرفه فقد أصاب ومن لم يعرفه فحظّه أخطأ. فقال عمر: للَّه درّ ابن عبّاس، والله ما رأيته لاحى رجلا قطّ إلّا خصمه [5] .

_ [1] في الأصل «تجحفون.... جحفا» . وجحف افتخر بأكثر مما عنده (اللسان) . وفي شرح نهج البلاغة ج 12 ص 53 «تجخفون» . [2] سورة محمد الآية 9 «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ الله فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ» 47: 9. [3] عبارة: «قال فقال عمر: أبت قلوبكم يا بني هاشم» مكررة. [4] في الأصل «أني» . [5] روى ابن أبي الحديد هذا الخبر مع بعض الاختلاف في اللفظ والتفصيل، عن عبد الله بن عمر. انظر شرح نهج البلاغة (تحقيق أبي الفضل إبراهيم 1961) ، ج 12 ص 52- 55.

قال: قال مجاهد: كان عبد الله بن عباس أمدّ الناس قامة وأعظمهم جفنة وأوسعهم علما. مفضل بن غسّان عن أبيه عن رجل من بني تميم عن عبيد الله بن الحسن عن المؤمّل عن أبيه [1] قال: كان ابن عباس مثجا يتحدر غربا [2] ، وكان [9 أ] أمير البصرة يعشّي الناس في شهر رمضان، فلا ينقضي الشهر حتى يفقّههم، وكان إذا كانت [3] آخر ليلة من شهر رمضان يعظهم ويتكلم بكلام يردعهم ويقول: ملاك أمركم الدين، وصلتكم الوفاء، وزينتكم العلم، وسلامتكم الحلم، وطولكم المعروف، إن الله كلّفكم الوسع فاتقوا [4] الله ما استطعتم. قال: فقام أعرابي، فقال من أشعر الناس [5] أيها الأمير؟ قال: أفي أثر العظة؟ قل يا أبا الأسود. قال: فقال أبو الأسود الدؤلي: أشعر الناس الّذي يقول: فإنّك كالليل الّذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع قال: نابغة بني ذبيان. قال: كان عبد الله بن عباس إذا أقبل قلت من أجمل الناس، وإذا

_ [1] رسمت هذه الكلمة في الأصل من كلمتي عمه وأبيه. [2] في الأصل «كان ابن عباس مثجه يحد غزبا» ، والصواب ما أثبتنا مستنيرين بما جاء في البيان والتبيين ج 2 ص 170 من أن ابن عباس كان «مثجا يسيل غربا» ، وما جاء في اللسان مادة (ثج) : «وقول الحسن في ابن عباس أنه كان مثجا، أي كان يصب الكلام صبا، شبه فصاحة وغزارة منطقه بالماء الثجوج» . [3] في الأصل: (كان) ، والتصحيح من أنساب الأشراف ص 221 (الرباط) . [4] في الأصل: «اتقوا» ، وما أثبتنا من أنساب الأشراف ص 221 (الرباط) ، وقد أورد الخبر هكذا «وذكر لي أن ابن عباس كان يعشي الناس بالبصرة في شهر رمضان ويحدثهم ويفقههم، فإذا كانت آخر ليلة من الشهر ودعهم ثم قال: ملاك أمركم الدين ووصلتكم الوفاء وزينتكم العلم وسلامتكم في الحلم وطولكم المعروف. إن الله كلفكم الوسع فاتقوه ما استطعتم» . [5] زيادة يقتضيها السياق.

تكلم قلت من أفصح الناس، وإذا أفتى قلت من أعلم الناس [1] . قال أبو عبيدة: أتى [2] عمر بن أبي ربيعة لعبد الله بن عباس وهو في المسجد فقال [3] : أمتع الله بك، إني قلت شعرا، فأحببت أن تعرفه لتشير عليّ فيه، قال: أنشدني، فأنشده: تشطّ غدا دار جيراننا فقال ابن عباس: وللدّار بعد غد أبعد فقال عمر: أسمعت أصلحك الله هذا الشعر من أحد؟ قال: لا ولكن كذا ينبغي أن يكون [4] . قال: فإنّي كذا قلت، قال: فأنشدني، فأنشده حتى مرّ في الكلمة [5] [9 ب] كلّها، قال: أنت شاعر إذا شئت فقل. وقال ابن عباس يوما: هل أحدث المغيريّ [6] شيئا؟ فجاءه حتى أنشده: أمن آل نعم أنت غاد فمبكر حتى بلغ قوله: رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأمّا بالعشي فيخصر فقال له: أحسنت! أحسنت! فلما انصرف عمر، قال رجل من جلساء

_ [1] انظر البلاذري أنساب الأشراف ص 216 (الرباط) . [2] في الأصل: (أبى) . [3] زيادة. [4] انظر الأغاني ج 1 ص 73. [5] أي القصيدة. [6] أي عمر بن أبي ربيعة.

خبر عبد الله بن عباس يوم الحكمين

ابن عباس: أي إحسان هاهنا: رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأمّا بالعشيّ فيخسر فقال ابن عباس: أو هكذا قال؟ إنما قال فيخصر، فقد أحسن الوصف، ثم مر ابن عباس في الكلمة إلى آخرها، وهي سبعون بيتا، ويقال: مرّ من أولها إلى آخرها ثم [1] قلبها، حفظا لها في مجلس واحد. خبر عبد الله بن عباس يوم الحكمين قال، لما جعل أبو موسى وعمرو بن العاص حكمين، وأرادوا المسير إلى دومة [2] الجندل، لقي عبد الله بن عباس أبا موسى، فقال: يا أبا موسى إن الناس [3] لم يرضوا بك [4] لفضل لا تشارك فيه، ما أكثر أشباهك المقدمين قبلك من المهاجرين والأنصار غير أن أهل الكوفة [10 أ] أبوا أن يرضوا [5] ، وايم الله إني لأخاله [6] شرا لنا ولهم [7] ، إنك قد رميت [8] بداهية العرب ومن حارب الله ورسوله، وليست في عليّ خصلة تحرم عليه الخلافة، وليست

_ [1] زيادة يقتضيها السياق، وتؤيدها رواية الأغاني لهذا الخبر، انظر ج 1 ص 71- 73. [2] دومة الجندل هي (الجوف) الحالية. وانظر معجم البلدان ج 2 ص 487. [3] انظر مروج الذهب: ج 4 ص 391. [4] في شرح نهج البلاغة: ج 2 ص 246 «لم يرضوا بك ولم يجتمعوا عليك» . [5] في ن. م.: «ولكن أهل العراق أبوا إلا أن يكون الحكم يمانيا، ورأوا أن معظم أهل الشام يمان» . [6] في الأصل: «آل» . [7] في شرح نهج البلاغة: «وايم الله أني لأظن ذلك شرا لك ولنا» . [8] في ن. م.: «فإنه قد ضم إليك داهية العرب» .

في معاوية خصلة تحلّ بها له الخلافة [1] . فإن تقذف بحقّك على باطلة تدرك حاجتك فيه [2] ، وإن تطمع [3] باطله في حقّك يدرك حاجته فيك [4] . إذا أنت لقيت عمرا فأعلمه أنّ معاوية طليق الإسلام، وأنّ أباه لعين رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأنّه ادّعى الخلافة على غير مشورة [5] ، فإن صدقك، فعجّل خلعه، وإن كذبك فقد حرّم عليك كلامه، فإن زعم أنّ عمر وعثمان استعملاه فقد صدق. استعمله عمر، وعمر [6] الوالي عليه بمنزلة الطبيب من المريض يحميه ما يشتهي، ويوجره [7] ما يكره، واستعمله عثمان برأي عمر وما أكثر من استعملا لم يدّعوا [8] ما ادّعى معاوية، واعلم أن كل شيء يسرّك من عمرو فينا فلما [9] يسوءك أكثر، ومهما نسيت من شيء فلا تنسينّ [10] أنّ الذين بايعوا عليّا هم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه [11] . وقال: قال ابن عباس لعلي رحمة الله عليهما ورضي عنهما: اجعلني السفير بينك وبين معاوية في الحكمين، فو الله لأفتلنّ حبلا لا ينقطع وسطه، ولا ينبتّ طرفاه. قال علي: لست من كيدك وكيد [10 ب] معاوية في شيء، والله لا أعطيه إلّا السيف حتى يدخل في الحق. قال ابن عباس:

_ [1] في شرح نهج البلاغة: ج 2 ص 246: «وليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة» . [2] في ن. م. «منه» . [3] في ن. م.: «وإن يطمع باطله» . [4] في ن. م.: «منك» . [5] في ن. م.: «وإنه يدعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة» . [6] في ن. م.: «وهو» . [7] في الأصل: «يؤخره» والتصويب من شرح نهج البلاغة ج 2 ص 246. [8] في ن. م.: «ممن لم يدع الخلافة» . [9] في الأصل: «قلما» . وفي شرح النهج «واعلم أن لعمرو مع كل شيء يسرك خبيثا يسوءك» . [10] انظر مروج الذهب ج 4 ص 391. [11] انظر رواية أخرى للخبر في شرح نهج البلاغة ج 2 ص 246.

هو والله لا يعطيك إلّا السيف حتى يغلب بباطله حقّك. قال علي: وكيف ذلك؟ قال: لأنك اليوم تطاع وتعصى غدا، وإنّه يطاع فلا يعصى. فلما انتشر على [1] عليّ أصحابه، وابن عباس بالبصرة، قال: للَّه درّ ابن عبّاس إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق. الجهنيّ قال، شهدت الحكمين بدومة الجندل، وقد اعتزلت الفتنة في ناس من القرّاء، فقال لي أصحابي: لو أتيت هذين الرجلين، فخبرت ما قبلهما، ولمن يبايعان، وعلى من يجتمعان [2] ، وذلك بعد ما طال مقامهما، لا يعلم أحد ما يريدان [3] ، وإلى من يدعوان [4] . فأتيت أبا موسى فوجدته على بغلة بسرج، ووجدته شيخا خلقا عليه ثياب خلقان، فقلت له: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكنت من صالحي أصحابه، وقد قاربت الآخرة فما بينك وبين الجنة إلّا كلمة محقة أو مبطلة، فانظر أين أنت غدا من الله. قال: أمّا إني سأدعو إلى رجل لا يختلف فيه اثنان. فقلت: أمّا هذا فقد أبان عمّا في نفسه، فلقيت عمرا، فقلت له مثل ذلك، فقال: إليك عنّي، فلست من أهل المشاورة، والله ما ينفعك الحقّ ولا يضرّك الباطل، فإن الظلف لا يجري [5] مع الخفّ. فانصرفت وأنا أقول: يا لهذا الحيّ من قريش، والله لكأنّما [11 أ] أقفل على قلوبهم بأقفال حديد.

_ [1] انظر العقد الفريد ج 4 ص 346. [2] في الأصل: يجتمعا. [3] في الأصل: يريد. [4] في الأصل: يدعوا. [5] في الأصل: يرى.

خبر عبد الله يوم الخوارج

خبر عبد الله يوم الخوارج ويذكر أهل العلم [1] من غير وجه، أنّ عليّا عليه السلام، لمّا عزم الخوارج بالبيعة لعبد الله بن وهب الراسبي، وجّه إليهم عبد الله بن العباس ليناظرهم، فقال لهم: ما الّذي نقمتم على أمير المؤمنين؟ قالوا [2] : كان للمؤمنين أميرا، فلما حكّم في دين الله، خرج من الإيمان، فليتب بعد إقراره بالكفر نعد له. فقال ابن عباس: لا ينبغي لمؤمن لم يشب إيمانه شكّ أن يقرّ على نفسه [بالكفر] [3] ، قالوا: إنّه [4] حكّم، قال: إن الله [5] أمرنا بالتحكيم في قتل صيد، فقال: يَحْكُمُ به ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ 5: 95 [6] ، فكيف في إمامة قد أشكلت على المسلمين؟ فقالوا: إنّه [7] حكم عليه فلم يرض، فقال [8] : إن الحكومة كالإمامة، ومتى [فسق الإمام] [9] وجبت معصيته، وكذلك الحكمان لمّا خالفا نبذت أقاويلهما. فقال بعضهم لبعض: اجعلوا احتجاج قريش حجة عليهم [10] ، فإن هذا من الذين قال الله تبارك وتعالى [فيهم] [11] :

_ [1] أورد المبرد هذا الخبر في الكامل ج 3 ص 165. [2] في ن. م. «قد كان» . [3] زيادة من الكامل. [4] ن. م. «قد حكم» . [5] في ن. م. «إن الله عز وجل قد أمرنا» . [6] سورة المائدة، الآية 95. [7] في الكامل «إنه قد» . [8] في الأصل: «وقالوا» والتصويب من الكامل. [9] زيادة من الكامل. [10] في الكامل «لا تجعلوا احتجاج قريش حجة عليكم» وهو أدق. [11] «فيهم» زيادة من الكامل.

بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ 43: 58 [1] ، وقال جلّ ثناؤه: وَتُنْذِرَ به قَوْماً لُدًّا 19: 97 [2] . ثم إن [3] عليا عليه السلام جاء فناظرهم مناظرة [4] ابن عبّاس إيّاهم، فكان فيما قال لهم: ألا تعلمون أنّ هؤلاء القوم لمّا رفعوا المصاحف قلت لكم هذه مكيدة ووهن، وأنّهم [11 ب] لو قصدوا إلى حكم المصاحف لم يأتوني، ثم سألوني التحكيم، أفعلمتم أنّه كان منكم أحد أكره لذلك منّي؟ قالوا [5] : نعم، قال: فهل علمتم أنكم استكرهتموني على ذلك حتى أجبتكم إليه، فاشترطت أنّ حكمهما نافذ ما حكما بحكم الله [6] ، فمتى خالفاه فأنا وأنتم من [7] ذلك براء، وأنتم تعلمون أنّ حكم الله لا يعدوني، قالوا: اللَّهمّ نعم، وفيهم في ذلك [8] ابن الكوّاء، وهذا من قبل أن يذبحوا عبد الله [9] بن خباب، وإنّما ذبحوه في الفرقة الثالثة بكسكر [10] . فقالوا لعلي: حكمت في دين الله برأينا، ونحن مقرّون بأنّا قد كفرنا، ونحن تائبون، فأقرر بمثل ما أقررنا به وتب ننهض معك إلى الشام، فقال: أما تعلمون أنّ الله عزّ وجلّ قد أمرنا

_ [1] سورة الزخرف، الآية 58. [2] سورة مريم، الآية 97. [3] أورد المبرد هذا الخبر في الكامل ج 3 ص 181. [4] في الكامل: «بعد مناظرة ابن عباس» . [5] في ن. م. «اللَّهمّ نعم» . [6] في ن. م. «بحكم الله عز وجل» . [7] في الأصل: «في» والتصحيح من الكامل. [8] في الكامل «في ذلك الوقت» . [9] هو عبد الله بن خباب بن الأرت من كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. انظر ترجمة أبيه في شرح نهج البلاغة ج 18 ص 171، وخبر مقتله في الكامل للمبرد ج 3 ص 213، وترجمة له في الطبري (المنتخب من ذيل المذيل) س 4 ص 2382. [10] انظر معجم البلدان ج 4 ص 461، وابن خرداذبه- المسالك والممالك ص 7 وص 12.

بالتحكيم في شقاق بين رجل وامرأته، فقال تعالى: فَابْعَثُوا حَكَماً من أَهْلِهِ وَحَكَماً من أَهْلِها 4: 35 [1] ، وفي صيد أصيب [في الحرم] [2] كأرنب تساوي [3] ربع درهم، فقال: يَحْكُمُ به ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ 5: 95 [4] . فقالوا: إن عمرا لمّا أبى عليك أن تقول [5] «هذا كتاب [6] كتبه عبد الله عليّ أمير المؤمنين» ، محوت اسمك من الخلافة وكتبت: «علي بن أبي طالب» ، فقد خلعت نفسك. فقال لهم: لي برسول الله صلى الله عليه وسلّم أسوة، حيث أبي عليه سهيل ابن عمرو [7] ، فقال: لو أقررت أنّك رسول الله ما خالفتك، ولكنّي أقدمك لفضلك، فاكتب: محمد بن عبد الله، فقال [12 أ] : يا علي امح رسول الله، فقلت: يا رسول الله لا تسخو نفسي بمحو اسمك من النبوّة، قال: فقفني عليه، قال فمحاه بيده، ثم قال: اكتب: محمد بن عبد الله [8] ، ثم تبسّم إليّ، فقال: يا علي إنك ستسام مثلها فتعطي. فرجع معه منهم ألفان من حروراء [9] ، وقد كانوا تجمّعوا بها، فقال لهم: ما نسمّيكم، ثم قال: أنتم الحرورية لاجتماعكم بحروراء.

_ [1] سورة النساء، الآية 35. [2] زيادة من الكامل. [3] في الأصل: «يساري» وما أثبتنا رواية الكامل. [4] سورة المائدة، الآية 95. [5] في الكامل: «أن تقول في كتابك» . [6] في الكامل: «هذا ما كتبه» . [7] انظر البلاذري أنساب الأشراف ج 1 ص 349- 350، ويضيف الكامل (ج 3 ص 213) «أن يكتب: هذا كتاب كتبه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو» . [8] في الأصل: «محمد رسول الله بن عبد الله» وما أثبتنا رواية الكامل. [9] حروراء قرية بظاهر الكوفة، انظر معجم البلدان ج 2 ص 245.

أخبار عبد الله مع معاوية

أخبار عبد الله مع معاوية ابن دأب ومعمر عن إدريس ومحمد بن إسحاق قال: قدم ابن عباس على معاوية ابن أبي سفيان، وكان يلبس أدنى ثيابه ويخفض شأنه، لما كان يعرف من كراهية معاوية لإظهار أمره، وكان معاوية يجفوه، فمكث عنده مقيما ما شاء الله. ثمّ إنّ مروان بن الحكم كتب إلى معاوية، يخبره بمرض الحسن ابن علي، وأنّه رأى أنّ به السلّ [1] ، فكتب إليه معاوية: لا تغبني خبره يوما. فكان يأتي خبره معاوية كلّ يوم. فقال رجل من قريش: إني لبالباب في اليوم الّذي جاء فيه نعي الحسن بن علي عليه السلام، إذ مرّ يزيد بن معاوية داخلا على أبيه، فأدخلني، فما مرّ بباب إلّا قالوا: مرحبا بابن أمير المؤمنين، حتى انتهى إلى البيت الّذي فيه معاوية، وإذا امرأته بنت قرظة [2] تعطره وتسرّح لحيته، فلما رأتنا امرأته [12 ب] ، قالت: وا سوأتاه، أتدخل علينا الرجال؟ فقال لها: اسكتي، وإلّا عزمت على أمير المؤمنين أن يتزوّج أربع قرشيات كلّهن يأتين بغلام يبايع له بالخلافة. فقال لها معاوية: اسكتي، فلو عزم عليّ يزيد لم أجد بدّا من إنفاذ عزيمته، فقامت فلم تقدر على النهوض، حتى وضعت يدها على الأرض، ثم ارتفعت، فلما ولّت، قال معاوية: ما كنا لنغيرها. قال يزيد: وما كنت لأعزم عليك، إنما قلت ما قلت لأذعرها. فإنّا كذلك إذ دخل شيخ طوال، كان على الصائفة، فسأله معاوية عن أمر الناس والجند، فبينا نحن كذلك إذ دخل غلام معاوية، فقال: يا أمير

_ [1] انظر مروج الذهب للمسعوديّ ج 5 ص 2- 3، وشرح نهج البلاغة ج 16 ص 10. [2] هي فاطمة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف. جمهرة النسب لابن الكلبي ق 1 ص 29. وانظر مروج الذهب ج 5 ص 8.

المؤمنين بشراي، قال: وما ذلك، قال: في هذه الصحيفة ما تحبّ. قال: لك بشراك، فدفعها إليه، ولما قرأها خرّ ساجدا، ثم رفع رأسه، فعرفنا السرور في وجهه، فنعى الحسن بن علي، فبكى الشيخ وانتحب، ووضع يده على ... [1] ينتحب، فقال له الغلام: اسكت أيها الشيخ، فقد شققت على أمير المؤمنين، هل الحسن إلّا أحد رجلين: إمّا منافق أراح الله منه، وإمّا برّ فما عند الله خير للأبرار. ثم إن معاوية قال لحاجبه: ائذن للناس وأخّر اذن ابن عباس. فلما أصبح ودخل عليه الناس أذنوا لابن عباس، فسلّم فقال معاوية: يا أبا العبّاس أما ترى ما [13 أ] حدث بأهلك؟ قال: لا. قال: فإنّ أبا محمد قد توفي، فأعظم الله أجرك. قال: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، عند الله نحتسب مصيبتنا بالحسن عليه السلام [2] فقد بلغتني سجدتك، وما أظنّ ذاك إلّا لوفاته، أما والله لا يسدّ جسده حفرتك، ولا يزيد انقضاء أجله في عمرك، ولطالما رزئنا بمن هو أعظم رزءا من الحسن عليه السلام، ثم جبر الله. قال معاوية: كم أتى له؟ قال: شأنه أعظم من أن يجهل مولده. قال: إني أحسبه قد ترك صبيانا صغارا [3] . قال: كلّنا كان صغيرا فكبر. قال معاوية: أصبحت سيد أهل بيتك يا أبا العباس. قال: أمّا ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين بن علي عليه السلام فلا [4] . قال: ثم نهض وعيناه تدمع، فلما ولّى قال معاوية: للَّه

_ [1] الكلمة في الأصل مطموسة، ولعلها «جبهته» . [2] انظر رواية المدائني عن هذه المقابلة في شرح نهج البلاغة ج 16 ص 11. [3] في الأصل: «صغيرا» . انظر العقد الفريد ج 4 ص 361- 362. [4] في أنساب الأشراف ق 1 ص 452 (إسطنبول) ، ص 180 (الرباط) «قدم معاوية مكة فلقيه ابن عباس فقال له معاوية: عجبا للحسن شرب عسلة طائفية بماء رومة فمات منها. فقال ابن عباس: لئن هلك الحسن فلن ينسأ في أجلك. قال: وأنت اليوم سيد قومك. قال: أما ما بقي أبو عبد الله فلا» . وانظر رواية أخرى في شرح نهج البلاغة ج 16 ص 11.

درّه، والله ما هيّجناه قطّ إلّا وجدناه معدا [1] . فلما رجع ابن عباس إلى رحله، جلس بفنائه، وجاءه الناس يعزّونه، وجاءته خيل، كلّما جاءه إنسان نزل ووقف حتى جاءه يزيد بن معاوية، فأوسع له ابن عباس، فأبى أن يجلس إلّا بين يديه مجلس المعزّي، فذكر الحسن عليه السلام في فضله وسابقته وقرابته، فأحسن ذكره، وترحّم عليه، ثمّ قام فركب، فأتبعه ابن عباس بصره فلمّا ولّى قال: إذا ذهب بنو حرب ذهب حلماء قريش [2] . ثمّ إنّ ابن عبّاس دخل بعد ذلك بأيّام على معاوية [13 ب] ، فقال له معاوية: يا أبا العباس! هل ترى ما حدث في أهلك؟ قال: لا، قال: فإنّ أسامة بن زيد هلك، ثمّ خرج. فلما كانت الجمعة، قال ابن عباس: يا غلام أعطني ثيابي، حتى متى أصبر لهذا المنافق ينعى إليّ أهل بيتي رجلا رجلا، فلبس ثيابه ثمّ اعتمّ وتطيّب بطيب كان يعرف به إذا ما وجد ريحه، فلما دخل المسجد قال أهل الشام: ما يشبه هذا إلّا الملائكة، من هذا؟ فلما صلّى أسند إلى أسطوانة، فلم تبق في المسجد حلقة إلّا تقوّضت إليه، فلم يسأل عن حلال ولا حرام ولا فقه ولا تفسير قرآن ولا حديث جاهلية ولا إسلام إلّا أنبأهم به. فافتقد معاوية يومئذ من كان يدخل عليه، وقال لحاجبه: أين الناس؟ قال: عند ابن عباس، فأخبره بخبره واجتماع الناس إليه، وانه لو شاء أن يضربه بمائة ألف سيف فعل قبل الليل. فقال: نحن أظلم منه، حبسناه عن أهله، ومنعناه حاجته، ونعينا إليه أحبّته، انطلق يا غلام فادعه. فلمّا

_ [1] انظر مروج الذهب ج 5 ص 8- 9. [2] انظر العقد الفريد ج 4 ص 361- 362. وفي مخطوط أنساب الأشراف ق 1 ص 710 (إسطنبول) ص 284 (الرباط) ، رواية المدائني ونصها «قدم عبد الله بن عباس على معاوية وافدا فأمر ابنه يزيد أن يأتيه مسلما، فأتى يزيد ابن عباس فرحب به ابن عباس وحدثه، فلما خرج قال ابن عباس: إذا ذهب بنو حرب ذهب حلماء الناس» .

أتاه الحاجب قال: إنّا معشر بني عبد مناف إذا حضرت الصلاة لم نقم حتى تقضى الصلاة، أصلّي وآتيه إن شاء الله. فرجع فأخبره، فقال: صدق. فلمّا صلّى العصر دخل فقال: يا أبا العبّاس ادخل بيت المال فخذ حاجتك- وإنّما أراد أن يعلم الناس من أهل الشام أنه صاحب دنيا- فعرف ابن عباس [14 أ] ما يريد، فقال: ليس ذاك لي ولا لك، فإن أذنت لي أن أعطي كل ذي حقّ حقّه فعلت. فقال: أقسمت عليك لما دخلت بيت المال وأخذت، فدخل فأخذ منه برنس خزّ، ثمّ خرج فقال: يا أمير المؤمنين بقيت لي حاجة قال: وما هي؟ قال: علي عليه السلام، قد عرفت فضله وسابقته وقرابته [1] ، قد كفاكه الموت، أحبّ ألّا يشتم على منابركم، قال: هيهات يا ابن عباس، هذا امر دين، أليس وأ ليس [2] فعل وفعل؟ قال: أنت أعلم. ثمّ خرج متوجها إلى المدينة منصرفا. عبد الله بن زاهر [3] الكوفي عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عيّاش عن سليم بن قيس الهلالي: أنّ معاوية لما ورد المدينة حاجّا، في خلافته استقبله أهل المدينة وهم قريش، فقال: ما فعلت الأنصار؟ فقيل: إنّهم محتاجون، لا دوابّ لهم. فقال معاوية: فأين نواضحهم؟ فقال قيس ابن سعد بن عبادة: أحربناها [4] يوم بدر وأحد، وما بعدهما من مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين ضربوا أباك على الإسلام حتى ظهر أمر الله وهم كارهون، فسكت معاوية، فقال قيس: أما إنّ رسول الله صلّى

_ [1] في الأصل: كرر الناسخ كلمة «قرابته» مرتين. [2] هكذا. والصحيح أن تتقدم همزة الاستفهام على واو العطف: أليس أو ليس. [3] في الأصل: ذاهر. [4] في الأصل: «جربناها» ، والتصحيح من أنساب الأشراف ص 293 (الرباط) ، وفي هامشه «أي أهزلناها» .

الله عليه وسلّم قد عهد إلينا أنّا سنلقى بعده أثرة. فقال معاوية: فما أمركم به؟ قال: أمرنا إن نصبر حتى نلقاه [14 ب] ، قال: فاصبروا حتى تلقوه. ثمّ إنّ معاوية مرّ بحلق من قريش، فلمّا رأوه قاموا غير عبد الله بن عبّاس، فقال: يا ابن عبّاس ما منعك من القيام كما قام أصحابك، ما ذاك إلّا لموجدة، إني قاتلتكم بصفين، فلا تجد من ذلك يا ابن عبّاس فإنّ ابن عمّي عثمان قتل مظلوما. قال ابن عبّاس: فعمر بن الخطاب قتل مظلوما، قال: إنّ عمر قتله كافر. قال ابن عباس: فمن قتل عثمان؟ قال: المسلمون. قال: فذاك أدحض لحجّتك. قال: فإنّا كتبنا إلى الأنصار ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته، فكفّ لسانك. قال: أفتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال: لا. قال: أفتنهانا عن تأويله؟ قال: نعم. قال: أفنقرؤه ولا نسأل عما عنى؟ قال: يسأل عن ذلك من يتأوّله على غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك. قال: إنما أنزل القرآن على أهل بيتي فكيف أسأل عنه آل أبي سفيان؟ يا معاوية! أتنهانا أن نعبد الله بالقرآن بما فيه من حلال أو حرام، فإن لم تسأل الأمة عن ذلك حتى تعلم تهلك وتختلف. قال: اقرأوا القرآن وتأولوه ولا ترووا شيئا ممّا أنزل الله فيكم وارووا ما سوى ذلك. قال: فإنّ في القرآن: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ الله بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى الله إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ 9: 32 [1] . قال: يا ابن عباس! [15 أ] فاربع على نفسك، وكفّ عني لسانك، وإن كنت [2] لا بد فاعلا فليكن ذلك سرّا لا يسمعه أحد علانية، ثمّ

_ [1] في الأصل: «المشركون» والصواب ما أثبتناه، سورة التوبة، آية 32، ولا ترد لفظة «المشركون» في ابن خالويه: مختصر شواذ القرآن (باعتناء ر. برجشتر اسر 1934) ، ص 52 كما لا ترد في ابن جني- المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات (القاهرة 1969) ج 1 ص 283- 306. [2] زيادة.

رجع إلى منزله، وبعث إليه بمائة ألف درهم، ونادى منادي معاوية: أن برئت الذمة ممن روى حديثا من مناقب علي وفضل أهل بيته. دخل ابن عباس على معاوية وعنده جماعة من قريش فيهم عبد الله بن عمر، فلما جلس، قال له معاوية: إنّك يا ابن عبّاس لترمقني شزرا، كأني خالفت الحقّ أو أتيت منكرا. قال ابن عبّاس: لا منكر أعظم من ذبحك الإسلام بشفرة الشرك، واغتصابك ما ليس لك بحقّ اعتداء وظلما. فقال معاوية: إنما ذبح الإسلام من قتل إمام الأمّة، ونقض العهد، وخفر الذمّة، وقطع الرحم، ولم يرع الحرمة، وترك الناس حيارى في الظلمة. قال ابن عباس: كان الإمام من سبق الناس إلى الإسلام طرّا، وضرب خيشوم الشرك بسيف الله جهرا، حتى انقاد له جماهير الشرك قهرا، وأدخلك وأباك فيه قسرا، فكان ذلك الإمام حقا، لا من خالف الحقّ حمقا، ومزّق الدين فصار محقا. فقال معاوية: رفقا يا ابن عبّاس رفقا، فقد أتيت جهلا وخرقا، فو الله ما قلت حقّا، ولا تحرّيت في مقالك صدقا، فمهلا مهلا، لقد كان من [15 ب] ذكرته إماما عادلا، وراعيا فاضلا، يسلك سبيلا مليء حلما وفهما، فوثبتم عليه حسدا، وقتلتموه عدوانا وظلما. قال ابن عباس: إنه اكتسب بجهده الآثام، وكايد بشكّه الإسلام، وخالف السنّة والأحكام، وجار على الأنام، وسلّط عليهم أولاد الطغام، فأخذه الله أخذ عزيز ذي انتقام. قال معاوية: يا ابن عبّاس يحملك شدة الغضب على سوء الأدب حتى لتخلّ في الجواب، وتحيد عن الصواب، تقعد في مجلسنا، تشتم فيه أسلافنا، وتعيب فيه كبراءنا، وخيار أهلنا، ما ذنب معاوية إن كان عليّ خانه زمانه، وخذله أعوانه، وأخذوا سلطانه، وقعدوا مكانه، أمّا معاوية فأعطي الدنيا فأمكنكم من خيرها، وباعدكم من شرها، وكان لكم صفوها وحلوها، ولي كدرها ومرّها. قال ابن عباس: ذنب معاوية ركوبه الآثام، واستحلاله

الحرام، وقصده لظلم آل خير الأنام، ما رعى معاوية للنبوة حقّها، ولا عرف لهاشم فضلها وقوّتها، وبنا أكرم الله معاوية فأهاننا، وبنا أعزّه الله فأهاننا، ثمّ ها هو ذا يصول بعزّنا، ويسطو بسلطاننا ويأكل فيئنا، ويرتع في ثروتنا [1] ، ثم يمتنّ علينا في إعلامنا إيّانا بأنه لا يعتذر إلى الله [16 أ] من ظلمنا. قال معاوية: يا ابن عبّاس إن افتخارك علينا بما لا [2] نقرّ لك به إفك وزور، وتبجّحك بما لا نشهد لك به هباء منثور، واتكال أبناء السوء على سيادة الآباء ضعف وغرور، ونحن للورى أنجم وبحور، نفي بالنذور ونصل بالبدور، وبساحتنا رحى السماحة تدور. قال ابن عبّاس: لئن قلت ذلك يا معاوية لطالما أنكرتم ضوء البدور، وشعاع النور، وسمّيتم كتاب الله بيننا اسطورا، ومحمدا صلى الله عليه وسلّم ساحرا وصنبورا [3] ، ولقول القائل تلقّفوها يا بني أمية تلقّف الكرة، لا بعث ولا نشور، وتغنموا نسيم هذا الروح فما بعده أوبة ولا كرور [4] ، وكان لعمر الله القطب الّذي عليه رحى الضلالة تدور. فغضب معاوية وقال: يا ابن عبّاس اربع على نفسك ولا تقس يومك بأمسك، هيهات! صرّح الحقّ عن محضه [5] ، وزلق الباطل عن دحضه، أمّا إذا أبيت فأنا كنت أحقّ بالأمر من ابن عمك. قال ابن عبّاس: ولم ذاك، وعليّ كان مؤمنا وكنت كافرا، وكان مهاجرا وكنت طليقا. قال:

_ [1] في الأصل: «شدوتنا» . [2] في الأصل: «بنا» . [3] صنبور: الرجل الضعيف الذليل بلا أهل ولا عقب ولا ناصر. وكان كفار قريش يقولون: محمد صنبور، انظر اللسان وتاج العروس مادة (صنبر) . [4] الأصل: «كدور» . [5] انظر: أبو عبيد البكري- فصل المقال في شرح كتاب الأمثال، تحقيق عبد المجيد عابدين وإحسان عباس (الخرطوم 1958) ص 56.

لا، ولكني ابن عمّ عثمان، قال: فإن ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير من ابن عم [1] عثمان. قال معاوية: إنّ عثمان كان خيرا من عليّ وأطيب. قال ابن عبّاس [16 ب] : كلّا، عليّ أزكى منه وأطهر، وأعرف في ملكوت السموات وأشهر، أتقرن يا معاوية رجلا غاب عن بدر، ولم يشهد بيعة الرضوان، وفرّ يوم التقى الجمعان، ابن مخنّث قريش، الّذي لم يسلّ سيفا، ولم يدفع عن نفسه ضيما، إلى قريع العرب وفارسها، وسيف النبوة وحارسها، أكثرها علما، وأقدمها سلما، إذن قسمة ضيزى أبا عبد الرحمن. قال معاوية: إنّ عثمان قتل مظلوما. قال ابن عبّاس: فكان ماذا؟ فهذا إذن أحقّ بها منك، قتل أبوه قبل عثمان- يعني ابن عمر. قال معاوية: إن هذا قتله مشرك، وعثمان قتله المؤمنون. قال ابن عبّاس: فذاك أضعف لقولك وأدحض لحجتك، ليس من قتله المشركون كمن نحره المؤمنون. فقال معاوية: ترى يا ابن عباس أن تصرف غرب لسانك وحدّة نبالك إلى من دفعكم عن سلطان النبوّة وألبسكم ثوب المذلّة وابتزكم سربال الكرامة، وصيّركم تبعا للأذناب بعد ما كنتم عزّ هامات لسادات، وتدع أمية، فإنّ خيرها لك حاضر، وشرّها عنك غائب. قال ابن عباس: أمّا تيم وعدي فقد سلبونا سلطان نبيّنا صلى الله عليه وسلّم، عدوا علينا فظلمونا، وشفوا صدور أعداء النبوّة منّا، وأما بنو أمية فإنّهم شتموا أحياءنا ولعنوا موتانا، وجازوا حقوقنا، واجتمعوا على إخماد [17 أ] ذكرنا، وإطفاء نورنا، فيأبى الله لذكرنا إلّا علوّا، ولنورنا إلّا ضياء، والله للفريقين بالمرصاد. قال معاوية: ما نرى لكم علينا من فضل، ألسنا فروع دوحة [2] يجمعنا [3]

_ [1] في الأصل: «ابن عثمان» . [2] في الأصل: «درجة» . [3] في الأصل: «تجمعنا» .

عبد مناف. قال ابن عباس: هيهات يا معاوية! حدت عن الصواب، وتركت الجواب، بيننا وبينكم برزخ وحجاب، أنتم الحثالة، ونحن اللباب، ولشتّان ما بين العبيد والأرباب! أتجعل أميّة كهاشم؟ إنّ هاشما كان صميما كريما، ولم يكن لئيما ولا زنيما، أول من هشم الثريد وسن الرحلتين، وله يقول القائل [1] : عمرو الّذي هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون [2] عجاف سفرين سنّهما له ولقومه ... سفر الشتاء ورحلة الأصياف قال معاوية لابن عبّاس: كيف رأيت صنع الله [3] بي وبأبي الحسن؟ فقال ابن عباس: صنعا والله غير مختل [4] ، عجّله إلى جنة لن تنالها، وأخّرك إلى دنيا كان أزالها [5] . فقال: وإنّك لتحكم على الله؟ فقال: الله حكم بذلك على نفسه: وَمن لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ الله فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 5: 45 [6] . قال: أما والله لو عاش أبو عمرو عثمان حتى يراني لرأى نعم ابن العم، فقال: والله لو عاش لعلم أنك خذلته حين كانت النصرة له، ونصرته حين [17 ب] كانت النصرة لك. قال: وما دخولك بين العصا ولحائها؟ قال: والله ما دخولي بينهما إلّا عليهما لا لهما، فدعني ممّا أكره أدعك من مثله، لأن تحسن فأجازي أحبّ إليّ من أن تسيء فأكافئ، ثمّ نهض [7] ، فأتبعه بصره وهو يقول:

_ [1] هو ابن الزبعري. انظر اللسان مادة (سنت) . [2] ابن الكلبي: جمهرة النسب ق 1 ص 9. [3] الأصل: «كيف رأيت الله صنع بي» . انظر اليعقوبي ج 2 ص 199- 200. [4] في الأصل: «محيل» وما أثبتنا من تاريخ اليعقوبي. [5] في تاريخ اليعقوبي «نالها» . [6] سورة المائدة، الآية 48. [7] انظر اليعقوبي ج 2 ص 199- 200.

حصيد اللسان ذليق الكلام ... غير عييّ ولا مسهب يبذّ الجياد بتقريبه ... ويأوي إلى حضر ملهب أقبل معاوية يوما على بني هاشم فقال: إنكم تريدون أن تستحقوا الخلافة بما استحققتم به النبوة، ولن يجتمعا لأحد، ولعمري إنّ حجتكم في الخلافة لمشبّهة على الناس، إنكم تقولون: نحن أهل نبيّ الله عليه السلام، فما بال خلافة نبوّته في غيرنا، فهذه شبهة لها تمويه، وإنّما سميت الشبهة لأنها تشبه مسحة من العدل. وأمّا الخلافة فقد تنقلت في أحياء قريش برضى العامّة وبشورى الخاصّة، فلم تقل الناس: ليت بني هاشم، ولو أن بني هاشم ولوا كان خيرا لنا في ديننا ودنيانا، فلا هم اجتمعوا عليكم، ولا هم إذا اجتمعوا على غيركم تمنّوكم، ولو زهدتم فيها أمس لم تقاتلوا عليها اليوم. وقد زعمتم أن لكم ملكا هاشميا مهديا قائما، والمهدي [18 أ] عيسى بن مريم صلوات الله عليه، وهذا الأمر في أيدينا حتى نسلّمه إليه، ولعمري لئن ملكتموها ما ريح عاد وصاعقة ثمود بأهلك للقوم منكم لهم، ثم سكت. فتكلّم ابن عبّاس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أمّا قولك: نستحقّ الخلافة بالنّبوّة، فإذا لم نستحقّها بالنّبوة فبم إذن نستحقّها؟ وأما قولك: إنّ الخلافة والنبوّة لا تجتمعان [1] لأحد فأين قول الله، فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً 4: 54 [2] . ونحن آل إبراهيم صلى الله عليه وسلّم، أمر الله فينا وفيهم واحد، والسنة لنا ولهم جارية. وأما قولك: إنّ قولنا في الخلافة مشبه، فو الله لهو أضوأ من ضوء القمر، وأنور من نور الشمس، وإنّك لتعلم ذلك، ولكن تثني عطفيك

_ [1] في الأصل: «يجتمعان» . [2] سورة النساء، الآية 52.

وتصعّر خدّيك، قتلنا [1] جدّك وأخاك وخالك، وأسرنا قومك يوم بدر، فلا تبك على أعظم بالية، وأرواح في النار، ولا تغضبنّ لدماء أحلّها الشرك. وأمّا قولك: الناس إن يجتمعوا علينا، فما حرموا منّا أعظم ممّا حرمنا منهم، وكلّ امرئ إذا حصل حاصله ثبت حقّه وزال باطله. وأمّا قولك: إنّا زعمنا أنّ لنا [2] ملكا هاشميا ومهديّا قائما، فالزعم في كتاب الله شكّ، زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا 64: 7 [3] ، ولكنا نشهد أنّ لنا ملكا وأنّ لنا مهديّا قائما يملأ الأرض عدلا، لا يملكون يوما [18 ب] إلّا ملكنا يومين، ولا شهرا إلّا ملكنا شهرين، ولا حولا إلّا ملكنا حولين. وأمّا عيسى بن مريم صلوات الله عليه فإنّه ينزل على الدّجّال، وأمّا ريح عاد وصاعقة ثمود فكان ذلك عذابا، ملكنا رحمة، أزيدك أم قد كفاك، ثم أمسك. فقال عبد الرحمن [4] بن خالد بن الوليد: كنا نقول: ابن حرب أحلم الناس ... حتى تصلّى ضحى نار ابن عبّاس ماذا أراد إليه بعد تجربة ... منه وبعد جراح ما لها آس يرجو سقاط امرئ لم يرج سقطته ... عند الخطاب له راج من الناس أنحى الشّفار التي ما إن يقوم [5] لها ... لحم وفي العظم منه ضربة الفاس قد قرّت العين والأقدار غالبة ... لمّا رأيت ابن هند ناكس الرأس لا يرفع الطرف ذلّا حين قرّره ... بالحقّ هذا وما بالحقّ من باس

_ [1] انظر عن قتلى بني عبد شمس في بدر، كتاب أنساب الأشراف ج 1 ص 296- 297. [2] في الأصل: «لك» . [3] سورة التغابن، آية 7. [4] انظر جمهرة أنساب العرب ص 147. [5] الأصل: «تقوم» .

الحسن بن عبد الله الورّاق عن الهيثم عن ابن عبّاس، قال: حدثني الفضل ابن الفضل قال: قال ابن عبّاس [1] : بينا أنا في المسجد أريد الدخول على معاوية إذ جاء نعي الحسن بن عليّ، فكبّر في البيت فكبّر أهل الخضراء [2] ، وكبّر أهل المسجد، فسمعت تكبيره [فاختة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل] [3] بن عبد مناف، امرأة معاوية، فقالت: سرّك الله يا أمير المؤمنين! ما هذا الأمر الّذي كبّرت له؟ قال: مات [19 أ] الحسن بن عليّ، قالت: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، ثم بكت وقالت: مات سيّد المسلمين، وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم. قال: والله إن قلت ذاك إنّه لكذلك، ولئن بكيت عليه إنّه لذلك لأهل. قال ابن عبّاس: فدخلت وقد بلغني الخبر فقال: هاهنا يا ابن عبّاس، هل علمت أنّ الحسن بن عليّ صلوات الله عليه [توفي] [4] ، قلت: فلذلك كبّرت؟ قال: نعم. قلت: أما والله لئن مات قبلك ما ذاك بالذي ينفعك بعده، وما جثّته بسادة حفرتك، ولقد أصبنا بمن كان أفضل من الحسن ابن علي، بسيّد المسلمين وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين، ثم جبر الله تلك العترة [5] ورفع تلك العثرة. فقال يا ابن عباس: ما كلّمتك قطّ إلا وجدتك معدّا. قال عبد الله بن صالح ورفع الحديث إلى عبد الله بن عبّاس قال:

_ [1] انظر الخبر كما روي في مروج الذهب ج 5 ص 8- 9. [2] في الأصل: «الحضراء» . وفي مروج الذهب: «فكبر معاوية في الخضراء فكبر أهل الخضراء» . [3] في الأصل: «بنت قرظة بنت عبد عمرو بن عامر بن نوفل بن عبد مناف» . وما أثبتناه من جمهرة النسب لابن الكلبي ق 1 ص 29، وجمهرة أنساب العرب ص 116. [4] زيادة من مروج الذهب ج 5 ص 9. [5] هكذا وفي مروج الذهب: «المصيبة» .

قدمت على معاوية وافدا وعنده وفود العرب، فأمر بسريره فوضع على قاعة الدار، وأمر صاحب حرسه فقام على رأسه، وصفّ جند أهل الشام سماطين، ثم أذن للوفود فدخلوا فدخلت، فأقبل عليّ فقال: يا ابن عبّاس إنّ بابي لكم لمفتوح، وإنّ خيري لكم لممنوح [1] ، فلا يغلق بابي عنكم علّة، ولا يقطع خيري عنكم كلالة [2] . ترون أنّكم أحقّ بما في يدي منّي، وأنا أحقّ به منكم [3] ، وأعطيكم العطيّة فتأخذونها [19 ب] متكارهين عليها، وتقولون أخذنا دون حقّنا وقصر بنا دون قدرنا [4] ، فصرت كالمسلوب والمسلوب لا حمد له [5] ، فبئست المنزلة التي نزلت [6] منكم: أعطي فلا أشكر، وأمنع فلا أعذر، ونعم [7] المنزلة نزلتم مني: إعطاء سائلكم وانصاف قائلكم [8] ، قل يا ابن عبّاس [9] . فحسر ابن عباس عن ساعديه مغضبا، ثم

_ [1] في أنساب الأشراف ص 296 (الرباط) ق 1 ص 740 (إسطنبول) : «وذكروا أن معاوية أقبل على بني هاشم فقال: يا بني هاشم إن خيري لكم ممنوح وبابي لكم مفتوح» ، وانظر العقد الفريد ج 4 ص 9 عن أبي عثمان الخزامي. [2] في أنساب الأشراف: «فلا تقطعوا خيري عنكم ولا تغلقوا بابي دونكم وقد رأيت أمري وأمركم متفاوتا» ، وانظر العقد الفريد. [3] في أنساب الأشراف: «وأنا أرى أني أحق به منكم» ، وانظر العقد الفريد. [4] في أنساب الأشراف «فإذا أعطيتكم العطية فيها قضاء حقوقكم، قلتم: أخذنا دون حقنا وقصر بنا عن قدرنا» . ونفس النص في العقد الفريد سوى كلمة «عطية» بدل «العطية» و «حقكم» بدل «حقوقكم» و «أعطانا» بدل «أخذنا» . [5] في ن. م.: «لا يحمد على ما أخذ منه» . [6] في ن. م.: «فبئست المنزلة نزلت بها منكم» ، والعبارة «بئست المنزلة ... نزلتم مني» ليست في العقد الفريد. [7] في أنساب الأشراف: «ونعمت المنزلة نزلتم بها مني» . [8] في العقد الفريد: «هذا مع إنصاف قائلكم وإسعاف سائلكم» . [9] في أنساب الأشراف: «فقال عبد الله بن عباس» ، وفي العقد الفريد «قال: فأقبل عليه ابن عباس فقال» .

قال: ما فتحت لنا بابك حتى قرعناه، ولا منحتنا خيرك حتى سألناه [1] ، ولئن أغلقت دوننا بابك لنكفّنّ أنفسنا عنك، ولئن منعتنا خيرك للَّه [2] أوسع لنا منك [3] ، وأما هذا المال [4] فليس لك منه إلّا ما لرجل من المسلمين ولنا في كتاب الله حقّان: حقّ في الغنيمة، وحقّ في الفيء [5] ، والغنيمة [6] ما غلبنا عليها [7] ، والفيء ما جبيناه [8] ، فعلى أيّ وجه خرج إلينا [9] أخذناه وحمدنا الله [10] ، ولعمري لولا ما لنا في هذا المال من حقّ، ما أتاك منا آت [11] يحمله إليك خفّ أو حافر [12] ، أكفاك أم أزيدك؟ فقال معاوية: كفاني، فخرج ابن عباس. وأنشأ ابن أبي لهب يقول [13] :

_ [1] في ن. م.: «والله ما منحتنا خيرك حتى طلبناه، ولا فتحت لنا بابك حتى قرعناه» وفي العقد الفريد ج 4 ص 9- 10 «والله ما منحتنا شيئا حتى سألناه ولا فتحت لنا بابا حتى قرعناه» . [2] في الأصل: «لا الله» . [3] في أنساب الأشراف- العبارة الثانية قبل الأولى، و «قطعت عنا» محل «منعتنا» . ونص العقد كالبلاذري إلا أنه حذف «لنا» من «أوسع لنا منك» . [4] يورد البلاذري العبارة «فو الله ما أحفيناك في مسألة ولا سألناك باهضة، فاما هذا المال ... » [5] في ن. م. «حق الغنيمة وحق الفيء» . [6] في ن. م. وفي العقد الفريد «فالغنيمة» . [7] في أنساب الأشراف: «عليه» . [8] في ن. م. «اجتبيناه» ، وفي العقد الفريد «اجتنيناه» والأول أدق. [9] في أنساب الأشراف: «خرج ذلك منك» . والعبارة «فعلى أي ... حمدنا الله» ليست في رواية العقد الفريد. [10] في أنساب الأشراف: «حمدنا الله عليه» . [11] في ن. م. والعقد الفريد: «زائر» . [12] في أنساب الأشراف والعقد الفريد: «يحمله خف ولا حافر» . [13] في أنساب الأشراف: «حسبك يا ابن عباس فإنك تكوي ولا تعوي، فقال الفضل بن العباس ابن عتبة بن أبي لهب» وفي العقد الفريد «قال: كفاني فإنك لا تهر ولا تنبح» ، والأبيات غير مثبتة فيه.

ألا أبلغ معاوية ابن حرب ... وكلّ الناس يعلم ما أقول [1] لنا حقّان: حقّ الخمس جار ... وحقّ قد أنار به الرسول [2] فكلّ عطيّة وصلت إلينا ... وإن سحبت بخدعتها [3] الذيول ففي حكم القران لنا مزيد ... على ما كان لا قال وقيل [20 أ] أتأخذ حقّنا وتحوز حمدا [4] ... وهذا ليس تقبله العقول أتيح لك ابن عباس مجيبا ... كأنّ لسانه سيف صقيل [5] سوى أن قال [6] قولا مستكينا: ... كفاك. كذلك [7] المرء الذليل فأدركه الحياء وكفّ عنه ... وخطبهما إذا ذكرا جليل [8] فلا تهج [9] ابن عبّاس مجيبا ... فإنّ لسانه سلس قئول قال ابن عبّاس: وفدت على معاوية وقد قعد على سريره، وجمع بني أبيه ووفود العرب عنده، فدخلت، فسلّمت، فقعدت، فقال: يا ابن عبّاس، من الناس؟ فقلت: نحن. فقال: فإذا غبتم؟ فقلت: فلا

_ [1] في أنساب الأشراف ص 296 (الرباط) وق 1 ص 470 (إسطنبول) : ألا أبلغ معاوية ابن حرب ... فإن المرء يعلم ما يقول [2] في ن. م.: لنا حقان حق الخمس واف ... وحق الفيء جاء به الرسول [3] في ن. م.: «لخدعتها» . [4] في الأصل: «تخور حمقا» : وفي أنساب الأشراف: أتأخذ حقنا وتريد حمدا ... له، ها ذاك تأباه العقول [5] في الأصل: «صقول» . والبيت في رواية أنساب الأشراف ص 297 (الرباط) : فقال له ابن عباس مجيبا ... فلم يدر ابن هنا ما يقول [6] كذا، ولعلها «قلت» . [7] في الأصل كذاك، والبيت لا يستقيم معه. [8] هذا البيت غير مثبت وفي رواية أنساب الأشراف. [9] في الأصل: «تعج» ، وترد كذلك في أنساب الأشراف، مخطوطة إسطنبول. وترد «تهج» في نسخة الرباط وفي ص 77 من هذا الكتاب.

أحد. قال: ترى أني قعدت هذا المقعد بكم؟ قلت: فبمن قعدت؟ قال: بمن كان مثل حرب بن أميّة. قلت: من كفأ عليه إناءه وأجاره برداءيه؟ قال: فغضب معاوية، فقال: وار شخصك عني شهرا فقد أمرنا لك [1] بصلتك، وأضعفنا لك. قال: فاتكأ ابن عبّاس على يديه ليقوم فقال: ألا يسألني أحد ما الّذي أغضب معاوية؟ إنّه لم يلتق أحد من رؤساء قريش في عقبة ولا مضيق إلّا لم يتقدمه حتى يجوزه، فالتقى حرب بن أمية مع رجل من بني تميم في عقبة، فتقدّمه التميمي فقال له حرب: أنا حرب بن أميّة، فلم يلتفت إليه وجازه، فقال: موعدك مكة. فبقي التميميّ دهرا ثم أراد دخول [20 ب] مكّة، فقال: من يجيرني من حرب؟ فقالوا: عبد المطّلب. فقال: عبد المطلب أعظم قدرا من أن يجير على حرب، فأتى ليلا دار الزبير [2] فدقّ عليه الباب، فقال الزبير للغيداق [3] أخيه: قد جاءنا رجل إمّا طالب حاجة وإمّا طالب قرى وإمّا مستجير وقد أعطيناه ما أراد، قال: فخرج عليه الزبير والغيداق، قال: فقال التميمي: لاقيت حربا في الثنيّة مقبلا ... والصبح أبلج ضوءه للساري فدعا بصوت واكتنى ليروعني ... ودعا بدعوة معلن وفخار فتركته كالكلب ينبح وحده ... وأتيت قوم معالم ونجار ليثا هزبرا يستجار بقربة ... رحب المباءة [4] مكرما للجار ولقد حلفت بمكة وبزمزم ... والبيت ذي الأحجار والأستار:

_ [1] في الأصل: «لك» مكررة. [2] المقصود هو الزبير بن عبد المطلب. انظر جمهرة أنساب العرب ص 12. [3] «الغيداق» هو لقب نوفل بن عبد المطلب. ابن الكلبي- جمهرة النسب ق 1 ص 9. [4] في الأصل «المياه» .

أن الزبير لما بغى من خوفه ... ما كبّر الحجاج في الأمصار فقال: تقدّم فإنّا لا نتقدم من نجيره، فتقدّم التميميّ فدخل المسجد [1] ، فرآه حرب فقام إليه فلطمه، فحمل عليه الزبير بالسيف، فعدا حتى دخل دار عبد المطلب، فقال: أجرني من الزبير، وكفأ عليه جفنة كان هاشم يطعم الناس فيها، فقال: اخرج، فقال: كيف أخرج وتسعة من ولدك قد احتبوا بسيوفهم على الباب، فألقى عليه رداء كان كساه سيف بن ذي [21 أ] يزن له طرّتان خضراوان، فخرج عليهم، فعلموا أنّه قد أجاره فتفرقوا عنه. أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب قال: أخبرني أبي وعوانة بن الحكم والشرقيّ بن [2] القطامي قالوا: لما قدم معاوية المدينة أتاه وجوه الناس، ودخل عليه عبد الله بن الزبير، فقال له معاوية: ألا تعجب للحسن بن علي، أنّه لم يدخل [3] عليّ منذ قدمت المدينة، وأنا بها منذ ثلاث، قال: يا أمير المؤمنين! دع عنك حسنا فإنّ مثلك ومثله كما قال الشمّاخ [4] : أجامل أقواما حياء وقد أرى ... صدورهم تغلي عليّ مراضها [5] والله لو شاء الحسن أن يضربك بمائة ألف سيف لفعل، ولأهل العراق أبرّ به من أمّ الحوار بحوارها [6] . فقال معاوية: أتغريني به يا ابن الزبير!

_ [1] كذا في الأصل، ولعله يريد البيت (الكعبة) . [2] الأصل: «الشرقي القطامي» . انظر الفهرست لابن النديم (تحقيق فلوجل) ص 90. [3] عبارة: «انه لم يدخل علي» ، مثبتة في هامش الأصل. [4] زيادة من الأغاني ج 9 ص 158، والشماخ شاعر مخضرم. انظر ترجمته في الأغاني ج 9 ص 158- 174. [5] في الأصل: «مراصها» والتصويب من الأغاني. [6] في الأصل: «الجوار بجوارها» ، انظر الأغاني ج 9 ص 173.

والله لأقبلن عليه ولأصلنّ قرابته [1] ، فقال ابن الزبير: والله إنّي لمعه في حلف الفضول، ولئن دعاني إلى نصرته لأجيبنّه. فقال معاوية: والله ما أنت وحلف الفضول، تنحر نفيا وترذل هزلا، كما قال أخو همدان: إذا ما بعير قام حوّل رحله ... وإن هو أبقى ألحفوه مقطّعا [2] ثمّ إنّ الحسن دخل على معاوية في اليوم الرابع فقال: أما والله إنّي لأعلم ما خلّفك علي، أردت أن تقيم حتى أجيز الناس وأنفض ما في يدي ثم تأتيني فإن أعطيتك [21 ب] أجحفت بي، وإن لم أعطك بخّلتني قريش. يا غلام! أحسب كلّ ما أعطينا أهل المدينة فمر للحسن بمثل جميعه وأنا ابن هند. فقال الحسن: اشهدوا أني قد قبلته ووهبته الحاضرين وأنا ابن فاطمة، ثم خرج الحسن. فارتحل معاوية، وأمر بالوفادة فوفد إليه عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير، فاستأذنوا عليه والناس على الكراسي وهو على سريره، فرحّب وأدنى، فأجلس ابن عبّاس عن يمينه على سريره بينه وبين يزيد، وأجلس عبد الله بن جعفر عن يساره، وأجلس ابن الزبير على كرسي مع الناس. ثم إنّ معاوية أقبل على ابن الزبير فقال: يا ابن الزبير! أتراني أنسيت إغراءك إياي ببني عمّي بالمدينة، أما والله ما نسيت، وإني لعارف بما أردت، فنكس ابن الزبير مليّا ثم رفع رأسه وهو يقول: نصحتك يا معاوية بن حرب ... وكان جزاء نصحي أن أذمّا

_ [1] في الأصل: «لأقتلن ولأصلبن قرابته» ، وهو تحريف. وانظر الأغاني ج 9 ص 173 وفيه «والله لأصلن رحمه ولأقبلن عليه» . [2] انظر الأغاني ج 9 ص 174.

وليس جزاء ذي نصح كريم ... لدى [1] أهل المكارم أن يغمّا فقال معاوية: يا يزيد! أجبه، فقال يزيد: غششت فأبعدنّ لغشّ صدر ... وأهل ذو النميمة أن يذمّا ولو يا ابن الزبير ظللت يوما ... علينا قادرا لم تبق عظما [22 أ] والله يا ابن الزبير! إنّك لتنظر إلينا الشزر وتتنفّس الصعداء، كأنّ هذا الأمر كان دوننا فغصبناكه وغلبناك عليه، إنّما كان هذا الأمر لنا أولا ثم ثاب [2] إلينا آخرا، وأنت وأهل بيتك من ذلك في عزلة لا ترتفع [3] إليكم المطامع، ولا تشير إليكم الأصابع، وأيم الله ما أراك يدعك غيّك وبغيك حتى تجشّم رهقا وتصعّد زلقا، ثم تهوي بك عشواء مطلخمّة، عمياء مدلهمة، فهنالك تقع الندامة، حيث لا تغني فتيلا. فقام ابن الزبير ماثلا فقال: يا معاوية! أجعلت جوابي إلى ابنك، لو كان ابني حاضرا أجابه، فاسمعا معا: أمّا بعد، فإنّي أحمد الله إليكما، وأسأله العون عليكما، ثم إنّي والله لأرجو ربّي لطول عادته عندي، وأياديه لديّ، ألّا أتجشّم رهقا ولا أتصعّد زلقا، وكيف يخاف ذلك من يصدع بالحقّ ويقوم به، مع أنّي لست بالغرّ [4] الغمر وإني لكما قال الأول: أناة وحلما وانتظارا بهم غدا ... وما أنا بالواني ولا الضرع الغمر أظنّ صروف الدهر بيني وبينهم ... ستحملهم منّي على مركب وعر

_ [1] في الأصل: «لذا» . [2] في الأصل: «تاب» . [3] في الأصل: «ولا يرتفع» . [4] في الأصل: «بالغرق والغمر» .

أمّا ما ذكرت من هذا الشأن أنّه لكم أولا، فإنّما كان لرسول الله [22 ب] صلى الله عليه وسلّم لما اختصّه الله برسالته واصطفاه على خلقه، دعا الناس إلى طاعته، وكان أحبّ الناس إليه من أجاب وأناب، فدعانا ودعاكم، فأجبنا وأبيتم، وأتينا وكرهتم، وسمعنا وصممتم، وأطعنا وعصيتم، وأسلمنا وكفرتم، كلّ ذلك نحن في حزبه وأنتم في حربه، فأنا أولى به منك، لأنّ الله تعالى يقول: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ 3: 68 [1] . ولي بعد هذا ما ليس لك، إن عمّتي خديجة زوجته وأمّ ولده، وإنّ عائشة أمّ المؤمنين خالتي، وإن جدّتي صفية عمّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فهذا لي دونك. وأمّا قولك- إنّه ثاب [2] إليكم آخرا، فقد لعمري كان ذلك كذلك بطغامك، وإقدامك على غير مشورة من المسلمين، ولا اجتماع من المهاجرين، فبهم غلبتم وتأمّرتم واستكبرتم واستأثرتم، فلا أنتم انصفتمونا، ولا هم نصرونا، فهنالك يا يزيد رأيت النظر الشزر، وسمعت تنفّس الصّعداء، فلا تعجب يا بنيّ فإنّك لم تر عجبا، وستراه إن بقيت إن شاء الله. فقال يزيد: ألا تراه يا أمير المؤمنين يوعدنا في وجوهنا! فقال معاوية: عزمة منّي عليك لما صمتّ، إن الحلم عزّ، والجهل ذلّ، فمن حلم ظفر، ومن جهل خسر، فالزم الطريق، ودع [23 أ] المضيق، يك ذلك خيرا لك في دنياك وآخرتك إن شاء الله. ثم أقبل على ابن عباس فقال: ألا ترى ما يجيء به هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ابن عمك، إن أحسن فاقبل، وإن أساء فأجمل، وكن في ذلك كما قال الأول: عوّدت كندة عادة فاصبر لها ... أحلم لجاهلها وردّ سجالها

_ [1] سورة آل عمران، الآية 68. [2] في الأصل: «تاب» .

فقال معاوية: يا ابن عبّاس! طول حلمي جرّأه عليّ، فأنت الحاكم بيني وبينه. فقال ابن عباس: إني لأحبّ أن تعفيني من هذه الحكومة، فقال: والله لتفعلنّ. فقال ابن عبّاس: أمّا إذا أبيت إلا أن أفعل فسأفعل، وما توفيقي إلّا باللَّه، أراكما جميعا إنما احتججتما برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أحقّ بحقّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم منكما، لأني ابن عمّه دونكما، وأنا المظلوم فيما بينكما. فالتفت معاوية الى ابن جعفر فقال: أما تسمع لما يجيء به هؤلاء منذ اليوم؟ فقال ابن جعفر: إنّ حلمك يأتي من وراء ذلك. فقال معاوية: صدق فوك. وقطعوا الحديث وأخذوا في غيره. أبو المنذر عن عوانة عن موسى بن عبد الملك أن معاوية بينا هو في مجلسه، وقد حضره رجال من قريش منهم عبد الله بن عباس وغيره من بني هاشم، فأقبل معاوية على القوم فقال: يا بني هاشم! لم تفخرون علينا؟ أليس الأب [23 ب] واحدا والأم واحدة والدار واحدة؟ فقال ابن عباس: نفخر عليك بما أصبحت تفخر به على سائر قريش، وتفخر به قريش على الأنصار، وتفخر به الأنصار على العرب، وتفخر به العرب على العجم، برسول الله صلى الله عليه وسلّم، بما لا تستطيع له إنكارا ولا منه فرارا. فقال: يا ابن عباس! لقد أعطيت لسانا ذربا [1] ، تكاد تغلب بباطلك حقّ سواك. فقال ابن عباس: إن الباطل لا يغلب الحقّ، فدع عنك الحسد فبئس شعار الحسد. فقال معاوية: صدقت، أما والله إني لأحبّك لأربع مع مغفرتي لك أربعا، فأمّا التي أحبّك لهنّ: فقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلّم، و [الثانية] [2] أنك من أسرتي وأهل بيتي من بني عبد مناف، والثالثة أنك

_ [1] في الأصل «درب» ، والذرب: السليط. [2] زيادة من كتاب التاريخ ص 240 ب.

لسان قريش وزعيمها، والرابعة أنّ أباك كان خلّا لأبي، والتي غفرتها لك: عدوك عليّ بصفين فيمن عدا، وخذلان [1] عثمان، وسعيك على عائشة فيمن سعى، ونفيك أخي زيادا عني فيمن نفي [2] ، فضربت أنف هذا الأمر وعينه حتى استخرجت مقتك [3] من كتاب الله عز وجل ومن قول الشاعر، فأما [4] ما وافق قول الشعر فقول أخي ذبيان: ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أيّ الرجال المهذب [24 أ] وقد قبلنا منك الأول وغفرنا لك الآخر، وكنا في ذلك كما قال الأول: سأقبل ممّن [قد] [5] أحبّ جميلة ... وأعفو له ما كان من غير ذلك فقال ابن عبّاس: الحمد للَّه الّذي أمر بحمده، ووعد عليه ثوابه، أحمده كثيرا كما أنعم علينا كثيرا، وأشهد أن لا إله إلّا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. أما بعد، فإنّك ذكرت أنّك تحبّني لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وذلك الواجب عليك وعلى كلّ من آمن برسول [6] الله صلى الله عليه وسلّم، لأنّه الأجر الّذي سألكم رسول الله صلى الله عليه وسلّم، على ما أتاكم من الضياء [7] والبرهان المنير،

_ [1] في كتاب التاريخ ص 240 ب: «وخذلانك» . [2] في الأصل: «بقي» ، والتصويب من كتاب التاريخ. [3] ضبطت هذه الكلمة كما جاءت في كتاب التاريخ، والمقة: الود. [4] في كتاب التاريخ ص 240 ب «أما القرآن فقوله تعالى» ، وبعد تعالى، بياض. [5] زيادة من كتاب التاريخ ص 240 ب. [6] في كتاب التاريخ «وعلى كل من آمن باللَّه وبه ... » . [7] في كتاب التاريخ: «النور والبرهان» .

فقال: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبى 42: 23 [1] فمن لم يحب [2] رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد خاب وخزي وكبا وهو وحلّ محلّ الأشقياء. وأما قولك: إنّي من أسرتك وأهل بيتك فهو كذلك وإنّما أردت صلة الرّحم وهو من فعل الأبرار المصطفين الأخيار، ولعمري إنك لوصول لرحمك مع ما كان منك فيما لا تثريب عليك فيه اليوم. وأما قولك: إنّي لسان قريش، فإنّي لم أعط من ذلك أمرا لم تعطه ولكنك قلت فيه لشرفك وفضلك، وقد قال الأول: [24 ب] وكلّ كريم للكريم مفضّل ... يراه له أهلا وإن كان أفضلا وأمّا قولك: إنّ أبي كان خلّا لأبيك فقد كان كذلك، وقد علمت ما كان من أبي إليه يوم الفتح، وكان شاكرا كريما. وقد قال في ذلك الأول: سأحفظ من آخى أبي في حياته ... وأحفظه من بعده في الأقارب [3] ولست بمن لا يحفظ العهد واثقا ... ولا لي [4] عند النائبات بصاحب وأما قولك في عدوي عليك بصفين، فو الله إن لو لم أفعل ذلك لكنت من شر العالمين، أكانت نفسك تحدّثك أنّي كنت أخذل ابن عمّي أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وقد حشد له المهاجرون والأنصار؟ لم يا معاوية، أضنا بنفسي أم شكا في ديني أم جبنا عن سجيتي؟ والله لو فعلت ذلك لاختبأته

_ [1] سورة الشورى، الآية 23. [2] في كتاب التاريخ ص 241: «فمن لم يحبنا فقد خاب وحل محل الأشقياء» . [3] في كتاب التاريخ ص 241 أ: «للأقارب» . [4] في الأصل: «له» ، والتصويب من كتاب التاريخ.

في [1] وإن كنت قد عاتبتني عليه. وأما قولك في خذلان عثمان، فقد خذله من هو أمسّ به رحما، وأبعد رحما مني، فلي في الأقربين والأبعدين أسوة، ولم أعد عليه مع من عدا، بل كففت عنه كما كفّ أهل الحجاز. وأمّا قولك في عائشة فإنّ الله أمرها أن تحتجب بسترها وتقرّ في بيتها، فلمّا عصت ربّها، وخالفت نبيّها، صنعنا ما كان منّا إليها. وأما قولك في نفيي أخاك [زيادا] [2] [25 أ] فإنّي لم أنفه بل نفاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوله: الولد للفراش وللعاهر الحجر، وإني من بعد هذا [3] لأحبّ ما يسرّك في جميع أمرك. فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين! لا يخدعنّك بلسانه فو الله ما أحبّك طرفة عين قط، وإنّه لكما قال الأول: قد كنت حلما في الحياة مرزّءا ... وقد كنت لبّاس الرجال على غمر فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين! إنّ عمرا قد دخل بين العظم واللحم، وبين العصا واللحاء، وقد قال فليسمع، وقد وافق قرنا. يا عمرو! إني والله ما أصبحت معتذرا إلى أحد من أن أكون شانيا لك قاليا، لأن الله قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ 108: 3 [4] ، فأنت الأبتر من الدين والدنيا، وأنت شانئ محمد وآل محمد في الجاهلية والإسلام، ووجدت الله يقول: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ من حَادَّ الله وَرَسُولَهُ 58: 22 [5] ،

_ [1] في الأصل: «لاحتبأته في» ، وفي كتاب التاريخ ص 241 أ- ب: «والله إن لو فعلت ذلك لاختبأته في، وعاتبتني عليه» . واختتأ: خاف أن يعاب أو يسب. [2] زيادة من كتاب التاريخ ص 241 ب. [3] في كتاب التاريخ ص 241 ب: «هذه» . [4] سورة الكوثر، الآية 3. [5] سورة المجادلة، الآية 22.

فإنك والله لقد حاددت الله ورسوله، ولقد جهدت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بجهدك، وأجلبت عليه بخيلك ورجلك، حتى غلبك الله على أمرك، وأوهن قوتك وردّ كيدك في نحرك، ثمّ عدت لعداوة أهل بيته من بعده، ليس بك في ذلك حبّ معاوية ولا آل معاوية إلّا العداوة للَّه ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم، بالحسد القديم [25 ب] لأبناء عبد مناف، والبغض لهم، وإنك وإياهم لكما قال الأول: تعرّض لي عمرو وعمرو خزاية ... تعرّض ضبع القفر للأسد الورد فما هو لي ندا فأشتم عرضه ... ولا هو لي عبد فأبطش بالعبد فقال عمرو: اي والله. فقال معاوية: إنّك لست من رجاله، فإن شئت فقل، وإن كرهت فدع. قال: كتب هرقل [1] إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله عن الشيء، وعن لا شيء، وعن دين لا يقبل الله غيره، وعن مفتاح الصلاة، وعن غرس الجنّة، وعن صلاة كل شيء، وعن أربعة فيهم الروح لم يركضوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وعن رجل لا أب له، وعن رجل لا قوم له، وعن قبر جرى بصاحبه، وعن قوس قزح، وعن بقعة طلعت عليها الشمس مرة لم تطلع عليها قبلها ولا بعدها، وعن ظاعن [2] لم يظعن [2] قبلها ولا بعدها، وعن شجرة نبتت من غير ماء، وعن شيء يتنفس لا روح فيه، وعن اليوم وأمس وغد وبعد غد ما أجزاؤها في الكلام، وعن البرق والرعد وصوته، وعن المجرّة، وعن محو القمر. فقيل لمعاوية: لست هناك، وإنك متى تخطىء شيئا في كتابه يغتمز [3] فيك، فاكتب إلى ابن عبّاس، فكتب إليه

_ [1] انظر رواية أخرى لهذا الخبر في العقد الفريد ج 2 ص 201- 202. [2] في الأصل: بالطاء المهملة. [3] في الأصل: «يغتمر» .

بهن. فأجابه ابن عباس: أمّا الشيء فالماء، قال الله عز وجلّ: وَجَعَلْنا من الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ 21: 30 [1] ، وأما لا شيء فالدنيا تبيد وتفنى، وأما [26 أ] الدين الّذي لا يقبل الله غيره من أحد فهو: «لا إله إلّا الله» ، وأما مفتاح الصلاة: «فاللَّه أكبر» ، وأما غرس الجنّة: «فلا حول ولا قوة إلّا باللَّه» ، وأما صلاة كلّ شيء: «فسبحان الله وبحمده» ، وأما الأربعة الذين فيهم الروح لم يركضوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء: فآدم وحواء وعصا موسى والكبش الّذي فدى الله به إسماعيل، وأمّا الرجل الّذي لا أب له: فعيسى بن مريم، وأمّا الرجل الّذي لا قوم له: فآدم، وأمّا القبر الّذي جرى بصاحبه: فالحوت حيث سار بيونس في البحر، وأمّا قوس قزح: فأمان الله لعباده من الغرق، وأما البقعة التي طلعت عليها الشمس مرة لم تطلع عليها قبلها ولا بعدها: فالبحر حيث انفلق لبني إسرائيل، وأما الظاعن [2] الّذي ظعن مرة لم يظعن قبلها ولا بعدها: فجبل طور سيناء، كان بينه وبين الأرض المقدّسة أربع ليال، فلما عصت بنو إسرائيل أطاره الله بجناحين من نور فيه ألوان العذاب فأظلّه عليهم وناداهم مناد: إن قبلتم التوراة كشفته عنكم وإلّا ألقيته عليكم، فأخذوا التوراة معتذرين، فردّه الله إلى موضعه، فذلك قوله عزّ وجلّ: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ 7: 171 [3] إلى آخر الآية، وأمّا الشجرة التي نبتت من غير [26 ب] ماء: فاليقطينة التي نبتت على يونس، وأمّا الشيء الّذي يتنفّس ليس فيه روح «فالصبح إذا تنفس» ، وأمّا اليوم فعمل وغدا أجل وبعد غد أمل، وأمّا البرق: فمخاريق بأيدي الملائكة تضرب بها السحاب، وأما الرعد:

_ [1] سورة الأنبياء، الآية 30. [2] في الأصل: بالطاء. [3] سورة الأعراف، الآية 171.

فاسم الملك الّذي يسوق السحاب وصوته زجره، وأمّا المجرّة: فأبواب السّماء، ومنها يفتح الله الأبواب، وأمّا المحو الّذي في القمر، فقول الله جلّ وعزّ: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً 17: 12 [1] ، ولولا ذلك المحو لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل. قال: فبعث بها معاوية إلى قيصر، وكتب إليه بجواب كتابه، فقال قيصر: ما يعلم هذا إلّا نبيّ أو رجل من أهل بيت نبيّ. قال: قال معاوية ذات يوم وعنده ابن عبّاس: يا أبا العبّاس إنه قد ضربتني أمواج القرآن البارحة في آيتين لم أعرف تأويلهما ففزعت إليك، قال: وما هما؟ قال: قوله وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ 21: 87 [2] ، فقلت: سبحان الله أيظنّ نبيّ الله ألّا يقدر عليه وأنّه يفوته إذا أراده، ما يظنّ هذا مؤمن، وقوله: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا 12: 110 [3] ، فقلت: سبحان الله كيف هذا؟ أن ييأس الرسل من نصر الله [27 أ] ويظنّون أنّهم قد كذبهم ما وعدهم، إنّ هاتين الآيتين لهما خبر من التأويل لا يعلمه أحد. فقال ابن عبّاس: أمّا يونس فظنّ أن تبلغ خطيئته أن يقدر الله بها العذاب عليه فلم يشك أنّ الله إذا أراده قدر عليه، فهو قول الله جلّ وعزّ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ 21: 87. وأما قوله حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظنوا أنّ من أعطاهم الرضا في العلانية قد كذبهم في السرّ وذلك لطول البلاء عليهم، ولم يستيئس الرسل من نصر، ولم يظنوا أنّه قد كذبهم ما وعدهم. فقال معاوية: فرّجت الكرب عني فرّج الله عنك. فقال ابن عباس: فإن رجلا قام من عندي قرأ عليّ قول الله عزّ وجلّ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً 2: 222

_ [1] سورة الاسراء، الآية 12. [2] سورة الأنبياء، الآية 87. [3] سورة يوسف، الآية 110.

فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ في الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ 2: 222 (يعني يتوضأن) [1] فَإِذا تَطَهَّرْنَ [2] فَأْتُوهُنَّ من حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله 2: 222 [3] ، فقلت له: إن دنت بهذا التأويل كفرت إنما عنى الله حتى يطهرن من الدم فإذا تطهرن، يعني بالماء، فأتوهن من حيث أمركم الله طاهرات غير حيّض. فقال معاوية: إن قريشا تغتبط بك، لا بل جميع العرب، لا بل أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، ولولا خفّتك مع عليّ لعطفتني عليك العواطف. فقال في ذلك أيمن بن خريم الأسدي [4] وكان شاعر بني أسد: [27 ب] ما كان يعلم هذا العلم من أحد ... بعد النبيّ سوى الحبر ابن عباس يستنبط العلم غضّا من معادنه ... هذا اليقين وما بالحقّ من باس دينوا بقول ابن عبّاس وحكمته ... إنّ المنافيّ منكم عالم النّاس كالقطب قطب الرحا في كلّ حادثة ... امّ اللّحام فمنه موضع الفاس منذا يفرّج عنكم كلّ معضلة ... إن صار رمسا مقيما بين أرماس قال [5] : استأذن ابن عباس على معاوية فأذن له، فلمّا بصر به قال لسعيد ابن العاص: لاسألنّ ابن عبّاس عن مسائل يعيا بها، وقد اختلفت فيها [6] بطون

_ [1] في الأصل: «توضأن» . [2] لم ترد في النص. [3] سورة البقرة، الآية 222. [4] أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (دار الثقافة- بيروت 1964) ج 2 ص 453، والأغاني (دار الثقافة) ج 20 ص 269. [5] روى المسعودي هذا الخبر في مروج الذهب ج 3 ص 121- 125 وبين الروايتين اختلاف في كثير من الألفاظ والتعابير. [6] في الأصل: «فيه» .

قريش وأشراف العرب. فقال سعيد: مهلا يا أمير المؤمنين! فليس ابن عبّاس يعيا بمسائلك. فلمّا جلس قال له معاوية: يا ابن عبّاس! ما تقول في أبي بكر؟ [قال] [1] : كان والله للقرآن تاليا، وللشرّ قاليا، وعن المين نابيا، وعن المنكر ناهيا، وعن الفحشاء ساهيا، وبدين [2] الله عارفا، ومن الله خائفا، وعن الموبقات صادفا، وعن المحارم جانفا [3] ، فيخال [4] قلبه الدهر واجفا، وبالليل قائما، وبالنهار صائما، ومن دنياه سالما، وعلى عدل البرية عازما، وفي كل الأمور جازما، وبالمعروف آمرا، وعليه صابرا، وعن المهلكات [5] زاجرا، وبنور الله ناظرا، ولنفسه في المصالح قاهرا، [28 أ] فاق أصحابه ورعا وكفافا، وقناعة وعفافا، وسادهم زهدا وأمانة [6] ، وبرا وحياطة، فأعقب الله من طعن فيه الشقاق إلى يوم التلاق [7] . قال: فما تقول في عمر؟ قال: رحم الله أبا حفص، كان والله حليف الإسلام، وأبا [8] الأيتام، ومحلّ الإيمان، ومنتهى الإحسان، وملاذ [9] الضعفاء ومعقل الحنفاء، وكان للحقّ حصنا، وللناس عونا، قام بأمر [10] الله صابرا

_ [1] في الأصل بياض وما أثبتا من مروج الذهب وقد جاء فيه: «قال: رحم الله أبا بكر» . [2] في مروج الذهب: «وبذنبه عارفا» [3] في الأصل: «جايفا» . [4] في الأصل: «فيحال» . [5] في مروج الذهب: «ومن الشبهات» . [6] في مروج الذهب ج 5 ص 121 «وعفافا» . [7] ن. م. «فغضب الله على من أبغضه وطعن عليه» . [8] في الأصل: «أب» ، وفي مروج الذهب ج 5 ص 122 «مأوى» . [9] في مروج الذهب «وكهف» . [10] ن. م. «بحق» .

محتسبا، حتى أظهر الله الدين، وفتح الديار [1] ، وذكر الله في الأقطار والمنازل، وفي الضواحي والبقاع، وعلى التلال واليفاع، عند نقض [2] الحبى وقورا، وللَّه في الرخاء والشدة شكورا، وله في كل وقت وأوان ذكورا، فأعقب الله من [3] تنقّصه الندامة [4] إلى يوم القيامة [5] . قال: فما تقول في عثمان؟ قال: رحم الله أبا عمرو، كان والله أكرم الحفدة، وأفضل البررة، هجّادا بالأسحار، كثير الدموع عند ذكر النار، دائم التذكرة فيما يعنيه بالليل والنهار، نهّاضا إلى كلّ مكرمة [6] ، سعّاء إلى كل منجية، فرّارا [7] من كل موبقة، حييّا عاش [8] ، وقتل [9] أبيّا، صاحب جيش العسرة وختن النبيّ، فأعقب الله من ثلبه اللعائن إلى يوم التغابن [10] . قال: فما تقول في عليّ؟ قال: رحم الله أبا الحسن، كان والله علم [28 ب] الهدى، وكهف التقى، وبحر الندى، ومأوى الورى، وطود النهى، ونورا للسفر في ظلم الدجى، وداعيا إلى المحجة العظمى، ومستمسكا بالعروة الوثقى، وطاعنا إلى الغاية القصوى، وعالما بما في الصحف الأولى، عاملا بطاعة الله الملك الأعلى، عالما بالتأويل والذكرى، ومتعلّقا بأسباب الهدى، وجانفا عن طرقات الردى، وساميا إلى المجد والعلى، وقائما بالدّين والتقوى، وتاركا للجور

_ [1] ن. م. «حتى أوضح الدين وفتح البلاد» . [2] في الأصل: «نقض الجبّيّ» . [3] مروج الذهب «على من» . [4] ن. م. «اللعنة» . [5] ن. م. «الدين» . [6] ن. م. «سباقا إلى كل منحة» . [7] في الأصل: «هدّارا» . [8] زيادة وفي مروج الذهب «حييا أبيا وفيا» . [9] عين الفعل في الأصل مهملة. [10] في مروج الذهب «فأعقب الله على من يلعنه لعنة اللاعنين إلى يوم الدين» .

والأذى، وخير من آمن واتّقى، وسيّد من تقمّص وارتدى، وأكرم من أخبت وسعى، وأفضل من صام وصلّى، وأخطب أهل الدنيا، وأفصح من شهد النجوى، سوى النبيّ المصطفى، صاحب القبلتين فهل يساويه من بشر؟ وأبو السبطين فهل يوازيه أحد؟ وزوج خير النسوان فهل يفوقه مخلوق؟ كان والله للأشداء قتّالا، ولهم في الحروب ختّالا، وفي الهزاهز شغّالا، لم تر عين مثله، ولا ترى إلى يوم القيامة، فعلى من تنقّصه لعنة الله والعباد، إلى يوم التناد. قال: فما تقول في طلحة والزبير؟ قال: رحمهما الله، كانا والله عفيفين، مسلمين، خيّرين، برّين، صادقين، فاضلين، طاهرين مطهّرين، شهيدين، عالمين باللَّه زلّا زلة والله غافر ذلك لهما، [29 أ] للنصرة القديمة، والصحبة الكريمة، والأفعال الجميلة، فأعقب الله من نالهما بسوء اللعنة، إلى يوم الحسرة. قال: فما تقول في العباس؟ قال: رحم الله أبا الفضل، كان والله صنو أبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقرّة عين صفيّ الله، سيّد الأعمام، ولهميم الأقوام، حوى أخلاق آبائه، وأحلام أجداده الأمجاد، له علم بالأمور، قد زانه حلم، ونظر في العواقب وقد سدده فهم، كان دائبا يكتسب بسالة كلّ مهذب صنديد، ويجتنب محالفة [1] كلّ رعديد، تلاشت الأحساب دون فخر عشيرته، وتباعدت الأنساب عند ذكر فضيلته، صاحب البيت والسقاية، والمشعر والعلامة، ولم لا يكون كذلك، وقد ساسه أكرم من هبّ ودبّ، عبد المطلب، وأكرم من مشى وركب. قال: فقام إليه سراقة فقال: يا ابن عباس بم سمّيت قريش قريشا؟ قال: سألت عن علم مخزون، وأدب مكنون، إنما سمّيت قريش قريشا: إنّ في البحر حوتا يسمّى قريشا يأكل الحيتان

_ [1] في الأصل: «مخالفة» وهو تحريف.

ولا يؤكل، ويعلوها ولا يعلى، فلذلك سمّيت قريش قريشا، ألم تسمع قول الشاعر: إنّ قريشا هي التي تسكن البحر ... بها سمّيت قريش قريشا [1] سلّطت بالعلوّ في لجّة البحر ... على ساكن البحور جيوشا [29 ب] يأكل الغثّ والسمين ولا يترك ... فيها لذي الجناحين ريشا هكذا في البلاد حيّ قريش ... يأكلون البلاد أكلا كشيشا ولهم آخر الزّمان نبيّ ... يكثر القتل فيهم والخموشا يملأ الأرض خيله ورجال ... يحسرون المطيّ حسرا كميشا فقال معاوية: أشهد أنّك كلمانيّ قومك. فلما خرج ابن عباس قال معاوية لسعيد: ما كلمته قط إلّا رأيته مستعدا. قال: لمّا قدم معاوية المدينة في أول مقدمه تلقّاه الناس ولم يأته ابن عباس، فلمّا دخل المسجد ومعه عمرو بن العاص، نظر إلى ابن عباس في ناحية المسجد، وابن عمر قريب منه، فقال معاوية لعمرو: ألا تحرّك ابن عبّاس؟ قال عمرو: لا يا أمير المؤمنين، فإنه من قوم لم يفضحهم الله قطّ بألسنتهم، قال: عليّ ذاك، قال: أنت أعلم. فأقبل معاوية مع عمرو حتى وقفا على ابن عبّاس، فقال معاوية: يا ابن عبّاس! ما منعك أن تلقاني مع نظرائك من بني أبيك؟ قال: لم يقض ذلك. قال: فلعلّ الّذي كان بيني وبين ابن عمك منعك. قال: هو ذاك. قال معاوية: فإنّ الله قد نصرني عليه لما علم من نيتي. قال: وما علم من نيتك يا معاوية، أن آمن وكفرت، ونصر وخذلت، وقام وقعدت؟ قال: لا، ولكني لطلبي [30 أ] بدم عثمان،

_ [1] ورد البيت في لسان العرب، مادة (قريش) : وقريش هي التي تسكن البحر ... بها سميت قريش قريشا

وقال الله عز وجل وَمن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً 17: 33 [1] . قال: أفبدم عثمان استحققت الخلافة؟ قال: نعم. قال ابن عباس: قد قتل أبو هذا- يعني ابن عمر- وهو خير من صاحبك، وهذا خير منك، فهو أحقّ بالخلافة. قال: أبو هذا قتله الكافرون، وإنّ صاحبي قتله المؤمنون. قال: فذاك والله أدحض لحجّتك، وأقل لعذرك. فانصرف وكأنه خاصي حمار. قال [2] : أقبل معاوية يوما على بني هاشم، فقال: ألا تحدثوني عن ادعائكم الخلافة من دون قريش، بم [3] تكون لكم؟ أبالرضا والجماعة عليكم دون القرابة، أم للقرابة [4] دون الجماعة والرضا، أم بهما جميعا؟ [5] فإن كان هذا الأمر بالجماعة والرضا دون القرابة، فلا أرى القرابة [6] أثبتت حقا ولا ثبتت [7] ملكا. وإن كان بالقرابة دون الجماعة [والرضا] [8] ، فما منع العباس وهو عم النبي صلّى الله عليه وسلّم، ووارثه، وساقي الحجيج وضامن الأيتام أن يطلبها وقد ضمن [9] له أبو سفيان بني [10] عبد مناف؟ وإن كانت الخلافة

_ [1] سورة الاسراء، الآية 33. [2] يروي ابن قتيبة هذا الخبر في كتابه عيون الأخبار (ط. دار الكتب) ج 1 ص 5- 6، عن الهيثم عن ابن عياش عن الشعبي، وبين الروايتين اختلاف في كثير من الألفاظ نشير إلى بعضه هنا. [3] في الأصل: «لم» وما أثبتنا رواية عيون الأخبار. [4] في عيون الاخبار: «بالقرابة» . [5] في ن. م. «أبالرضا بكم أم بالاجتماع عليكم دون القرابة، أم بالقرابة دون الجماعة، أم بهما جميعا؟» . [6] في الأصل: «للقرابة» . [7] في عيون الأخبار: «أسست» . [8] زيادة من عيون الأخبار. [9] في الأصل: «ظن» وهو تحريف. [10] في الأصل: «ابن» .

بالجماعة والرضا والقرابة جميعا، فإن القرابة خصلة من خصال الإمامة [لا تكون الإمامة] [1] بها وحدها وأنتم تدعونها بها [2] ، ولكنا نقول: أحق قريش من بسط الناس إليه أيديهم، ونقلوا إليه [30 ب] أقدامهم للرغبة، وطارت أهواؤهم إليه للثقة، أو قاتل عليها بحقّها فأدركها من وجهها، إنّ أمركم لأمر تضيق به الصدور، إذا سئلتم عمّن اجتمع عليه الناس من غيركم قلتم اجتمعوا على حقّ، وإن [3] كانوا على الحقّ فقد أخرجكم الحقّ من دعواكم، انظروا فإن كان القوم أخذوا حقكم فاطلبوهم [4] ، وإن كانوا أخذوا حقّهم فسلّموا لهم، فإنه لا يسعكم [5] إن تروا لأنفسكم ما لا تراه الناس لكم. فتكلّم ابن عباس فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: ندّعي هذا الأمر بحقّ من لولا حقّه لم تقعد أنت مقعدك هذا، ونقول [6] : كان ترك الناس أن يرضوا بنا ويجتمعوا علينا حقّا ضيّعوه [7] ، وحظا حرموه، وقد اجتمعوا على ذي فضل فضّلوه [8] ، ولكلّ [9] ذي فضل حظّه من ارتفاع درجته وقرب وسيلته. فأمّا الّذي منعنا [10]

_ [1] زيادة من عيون الأخبار. [2] في ن. م. «بها وحدها» . [3] في رواية عيون الأخبار: «فان» . [4] في الأصل: «فظلموكم» ، وما أثبتنا رواية عيون الأخبار. [5] في عيون الأخبار: «لا ينفعكم» . [6] في الأصل «يقول» وما أثبتنا رواية عيون الأخبار. [7] في الأصل: «ضيعتموه» وما أثبتنا رواية عيون الأخبار. [8] في الأصل «فضله» . وفي عيون الأخبار «وقد اجتمعوا على ذي فضل لم يخطئ الورد والصدور» . [9] عبارة «ولكل ذي فضل ... وسيلته» لا ترد في عيون الأخبار، ويرد محلها «لا ينقص فضل ذي فضل فضل غيره عليه. قال الله عز وجل: وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ 11: 3. [10] في الأصل: «يمنعنا» ، وما أثبتنا رواية عيون الأخبار.

من طلب هذا الأمر بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعهد من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلينا قبلناه بقبوله [1] ، ودنا بتأويله، ولو أردنا [2] أن نأخذه على الوجه الّذي نهانا عنه [لأخذناه] [3] أو [4] أعذرنا فيه، وما [5] زدنا على أن أعفينا الناس من حقّنا حين التووا علينا، فلا يعاب أحد بترك حقّه، إنما يعاب [31 أ] بطلب ما ليس له [6] . وأمّا أبو سفيان فأراد [7] ، ولو طلبنا هذا الأمر لاستعنّا به، وكلّ صواب نافع، وردّ خطأ غير ضائر [8] ، انتهت القضية إلى داود وسليمان فحصر عليها [9] داود وفهّمها سليمان، فنفعت سليمان ولم تضرّ داود [10] ، فأما القرابة فقد [11] نفعت المشرك وهي للمؤمن أنفع [12] ، قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمه أبي طالب: قل: لا إله إلّا الله

_ [1] في عيون الأخبار: «قبلنا فيه قوله» . [2] في عيون الأخبار، «ولو أمرنا» . [3] زيادة من عيون الأخبار. [4] في الأصل «و» ، وما أثبتنا رواية عيون الأخبار. [5] عبارة: «ما زدنا ... التووا علينا» لا ترد في عيون الأخبار. [6] في عيون الأخبار: «إنما المعيب من يطلب ما ليس له» . [7] عبارة «وأما أبو سفيان ... لا تسعنا به» لا ترد في عيون الأخبار. [8] في الأصل: «ضرّاب» والتصويب من عيون الأخبار، ونصه كل صواب نافع وليس كل خطإ ضارّا. [9] في الأصل عليهما، وفي عيون الأخبار: «فلم يفهمها داود» ، وحصر عليها أي أعيا في حل المشكلة. [10] في عيون الأخبار: «وفهمها سليمان ولم يضر داود» . [11] في الأصل: «قد» والتصويب من عيون الأخبار. [12] في عيون الأخبار إضافة هنا، إذ يروى «قال رسول الله (ص) أنت عمي وصنو أبي، ومن أبغض العباس فقد أبغضني وهجرتك آخر الهجرة كما أن نبوتي آخر النبوة، وقال لأبي طالب عند موته: يا عم قل ... » .

أشفع لك بها يوم القيامة، ولم [1] يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليقول إلّا ما يكون منه على علم، وليس ذلك لأحد من الناس لأن الله يقول وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قال إِنِّي تُبْتُ الْآنَ، وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ 4: 18 [2] ... إلى آخر الآية، ثمّ سكت، فقال نواس [؟] [3] بن شبيب الفزاري وكان من وجوه قيس عيلان: معاوي قد منيت بذي مطال ... عظيم القدر يحمل ما يقول رمى فأصاب مقتلك ابن هند ... ومرميّ ابن عبّاس قتيل ويثني بعد أسهمه بوطء ... منافيّ ووطؤهم ثقيل جهلت جوابه فيكون عذرا ... يقال له من الجهل الجهول ألم تعلم بأنّ له جوابا ... ثقيلا لا ينوء به الفيول [31 ب] وعلما تقصر العلياء عنه ... يخال به- إذا فاض- السيول فلو خفت الجواب كففت عنه ... وهذا ما تضمّنه العقول نجوت ولم يكن [4] بين المخازي ... وبين ظهورها إلّا قليل فأولى ثم أولى ثم أولى ... ثلاثا إنّ أمركم جليل فلا تهج ابن عباس مجيبا ... فإن لسانه سيف صقيل [5] قال: وفد معاوية [6] بن عبد الله بن جعفر وعبد الله بن العبّاس على

_ [1] عبارة «ولم يكن رسول الله ... على علم» ليست في عيون الأخبار. [2] سورة النساء، الآية 18. هنا تنتهي رواية عيون الأخبار. [3] كذا في الأصل. [4] في الأصل: تكن. [5] انظر ص 56 من هذا الكتاب. [6] انظر في شرح نهج البلاغة ج 6 ص 295 ملاحاة بين معاوية وعبد الله بن جعفر.

معاوية ابن أبي سفيان، وكان معاوية بن عبد الله حدثا، فلما دخلا عليه رحّب بهما، وقرّب مجلسهما، فأقاما عنده، وهذا بعد وفاة الحسن بن علي. قال: فدخلا عليه ذات يوم وعنده عمرو بن العاص ومروان بن الحكم وعبد الرحمن ابن أبي الحكم، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، ورجالات من بني أمية ووجوه أهل الشام. فلما أخذا مجلسهما، وقد كان معاوية قال لهم: دونكم هذا الغلام فهجّنوه فإنّه حدث وليس يعرف عيوبكم ومساوئكم، وابن عباس فإنّه سينصر ابن عمه، ولكنكم إذا خجّلتم صاحبه انكسر [1] عنكم. فجمع لهم الناس رجاء أن يكون أشدّ لانكساره وأسرع لخجله، فلمّا أخذ القوم مجالسهم، قال عمرو: من الفتى [32 أ] يا أمير المؤمنين؟ قال: معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيّار. فقال عمرو: تناسلت والله بنو عبد المطلب بعد ما ظنّنا أن قد أفنيناهم بصفّين والمواطن، علونا والله عليكم يا معاوية بن عبد الله بالأفعال السنية، والأكف السخيّة، والأنفس الأبية عند الوغى، فليس لكم كفخرنا نحن السادة وأبناؤها. ثم قال مروان: أنعم يا أمير المؤمنين إذا قدرت، واعف إذا مننت، وأجزل إذا أعطيت، فقد قعدوا بين يديك قعود العبيد بين يدي مواليها، ما ظننتك يا ابن عبد الله تجسر على زيارة أمير المؤمنين، وقد علمت ما لقي قومك منّا، والغلبة لهم عند المخاطبة، والقهر عند المبارزة، ولكن حداثتك حملتك على ذلك فنحن نعذرك. ثم قال الوليد بن عقبة: لم تزل لنا الغلبة والرئاسة، وفينا الحماة والقادة، نصول في الحرب ونفتدي الأسرى من القتل، لا ينكر ذلك منكركم، وإن كنت تعرف غير ذلك فتكلم يا ابن عبد الله، وما أظنك تفعل لأنّه لا يقوم باطلك لحقّنا. فأراد ابن عباس أن يتكلم،

_ [1] في الأصل: «انكسر صاحبه عنكم» «وصاحبه» زيادة من الناسخ.

فأقسم عليه معاوية أن يخلّي بينه وبين القوم، فكفّ، وبدره ابن عبد الله فقال: يا ابن عم: إذا اجتمعوا عليّ فخلّ عنهم ... وعن ليث مخالبه دوامي [32 ب] ثم قال: أنا معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيّار في الجنة، الصحيح الأديم، الواضح البرهان، آبائي من العرب مصاصها، وفي الحروب لهامها، ومن الدين كاهلها وسنامها، نحن أهل بيت الرحمة ومعدن الحكمة. زعمت يا عمرو أنكم أفنيتمونا بصفّين والمواطن، كذبت. لقد ورد عمّي بلادكم فقتل مقاتلكم، فلما همّ بالسبي رفعتم المصاحف، فمنّ عليكم بالعفو، وما كان ينبغي يا عمرو أن تنطق وقد شغرت [1] برجليك وسط العجاجة كالعاهرة تطلب فحلها، ثمّ تنطق في قريش فينبغي لك، هبلتك الهوابل، ألّا تفاخرنا بعد ذلك. أطمعت في حداثة سنّي فظننت ألّا أبصر عيوبكم! لأنا أحفظ لها منّي للقرآن. ثمّ التفت إلى مروان فقال: ما ظننت الرخمة تنطق في محافل العقبان. هيهات يا مروان! قصر خطوك، وضاق باعك عن مثل الشرف الأعلى، والمراتب الأولى، والنجباء الذين نطقوا بتأويل القرآن وتنزيله، فتقاوم فروعهم، وتفاخر آباءهم، أنت أذلّ حسبا وأوتح [2] نسبا، قد أطلقك عمّي بعد ما أتي بك تقاد كما يقاد الجمل المخشوش [3] ، فمنّ عليك سيّد الأوصياء وأمير النقباء، ووصيّ الأتقياء بالعفو، وأنّى لك مثل رجالنا الذين كانوا جبال العزّ وأطواد [33 أ] الفخر، يسطع نورهم فلا يخمد، ويقبل قولهم فلا ينفذ. نطحنكم في الحروب، ونذروكم فيها ذرو الريح يابس الهشيم، نورد فلا تصدرون، ونصدر فلا توردون، علونا عليكم

_ [1] في الأصل: «شعرت» . [2] في الأصل: «أوبخ» . [3] في الأصل: «المحشوش» .

بالنّبوّة، وبالمقال في الجاهلية، وآباؤنا القدماء [1] القراسية، فزعمت أنّا قد قعدنا قعود العبيد بين أيدي مواليها وكيف يكون ويلك الذنب [2] رأسا، ضربكم عمّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورجال قومي، على حقيقة هذا الدين والإقرار باليقين، ضربا أزال الهام عن مقيله وأثكل الأمهات أولادها، فأدخلكم في الدين كرها، فلما قيض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كنّا ورثة علمه وخزانة كتبه، فأمرنا الناس بالبيعة فبايعوا، ومنهم أبوك [3] ، لولا ذلك ضاقت به الأرض ولم تنجه البحار [4] ، وكانت حاله حالك يوم الجمل، حيث ولّيت غدرا [5] وجبنا، فضاق عليك الفضاء الواسع. فأنّى أنت من آبائي القراسية الكبار، أطلب مذودا وكن راعيا، فلست من رجالات بني أمية، ولم تبلغ فخر بني عبد المطلب. ثم التفت إلى الوليد فقال: ما أنت يا وليد والكلام في قريش، ادّعيت والدا أنت أكبر سنا منه، وأبوك رجل من أهل صفورة [6] يقال له [33 ب] فروخ، فأثبت نسبك في العرب، فلمّا استمكنت ممّا أردت صرت لا ترضى حتى تجاري أبناء الأنبياء، وتذرع [7] في منطقك وتقول بالإفك والخنا، ما لك في العرب أسّ فتبني عليه، ولا بنيت على أصل ثابت، فأنت كالمذبذب بين ذلك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، تبّت يداك، عبت قوما لا يحلّ بساحتهم العار، ولا تجزي بفنائهم الدناءة والذل، نجب بها ليل، سراة مذاويد، يا لها وجوها عفّرت بالثرى، ما أكرم فعالها

_ [1] كررت كلمة «القدماء» في الأصل مرتين. [2] في الأصل: «الذيب» . [3] زيادة يقتضيها السياق، والإشارة التالية إلى الحكم بن أبي العاص بن أمية. انظر أنساب الأشراف (باعتناء محمد حميد الله) ج 1 ص 151. [4] في الأصل: «ولم ينجه من البحار» . [5] في الأصل: «غادرا» . [6] في معجم البلدان ج 3 ص 414: صفورية، كورة وبلدة من نواحي الأردن، بالشام، وهي قرب طبرية. وانظر ابن خرداذبه ص 78. [7] في الأصل: «تدرع» وتذرع أي تفرط.

في الدين، أنت بحرث الأرض وزجر الثيران أعرف وأبصر منك بنسبة بني هاشم وبذكر [1] فعالهم، فلا تجر في ميادين مضمارهم فيهلك غبارهم فلست منهم. فقال عبد الله بن عباس: حسبتموه أقطا فوجدتموه سمّا ناقعا، يرمي سوادكم بالحق فيبهتكم، وترمونه فلا تنفذ سهامكم، إنّ بني هاشم صغيرهم ككبيركم، فتزخر بحورهم، وتجمد بحوركم، لهم الرئاسة وإليهم السياسة، لهم النّبوة، فخروا بها عليكم آخر الأبد. فقال معاوية: إيها أبا العباس: فقد كفاك ابن عمّك، فسكت. وقاما فرجعا، فلما مضيا قال ابن عباس له: قد كنت حسبت أن تبقي [2] ، فيلحقنا منك عار أن تكون بنو [3] أمية ناطقونا فضعفنا عن جوابهم. وقال معاوية: فكيف [34 أ] وجدتني ورأيتني؟ قال: رأيتك أسدا باسلا، وسمّا ناقعا، وصاعقة مبيرة، أرسلك الله عليهم. فلما خرجا [4] من عنده، قال لهم معاوية: ما صنعتم شيئا، لقد قال فأفحمكم، ورماكم فلم يخطكم، فما دفعتم ضيما، ولا أدليتم بحجة، يستنّ عليكم ويبذخ. فقال عمرو: والله ما بذخ علينا إلّا مثل الّذي بذخ عليك، وما قال فينا إلّا مثل الّذي قال فيك، عاب أمية وأنت من ذراها، ورفع رجال قومه حتى ألحقهم بالسماء. فقال معاوية: هم أهل بيت أعطوا الفخر واللسان ولا يقام لمفاخرهم. قال: قدم عبد الله بن عباس على معاوية فقال له: يا ابن عباس! إنّ لك عندي قدرا لعظيم خطرك وشرفك، مع كريم منزلتك وعظيم حلمك، قد أردت مساءلتك ومناظرتك في أمور قد أهمّتني. قال: ما ذاك، لا يسؤك

_ [1] في الأصل: «يذكر» . [2] تبقي أي تعفو. [3] في الأصل: «بني» . [4] في الأصل: «خرجوا» .

الله؟ قال: تخلّف ابن عمّك عن البيعة ليزيد- يعني الحسين بن علي عليهما السلام- فأمّا ابن الزبير فكأنّي به قد هوي، وأمّا الحسين فإن له قرابة قريبة، ونفسا حيية، وأحبّ ما سرّه وأبغض ما ضرّه. قال ابن عباس: أمّا ابن الزبير فلا أدخل فيما بينكما، وأمّا الحسين فإنه قال وصدق وخفقت النعال خلفه، وهو رجل لا يملأ جنانه شيء [34 ب] ، وإنك لتعلم أنّه أتى أبا بكر وهو على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخذ بردائه [1] فنتره نترا [2] عنيفا ثمّ قال له: تنحّ عن مقام أبي. فقال أبو بكر: مقام أبيك لا مقام ابن أبي قحافة. فلم يمنعه من ذلك صغر سنّه، واجتماع الناس عليه وهيبتهم له، فكيف يهابك اليوم، وقد اشتدّ عضده وأزره، وكبر زنده، ولكن سأقول له ولا آلوه نفسي خيرا إن شاء الله. قال مروان: يا أمير المؤمنين! إني لأنهاك كثيرا عن هذه الاستكانة، ابعث إليهما فإن بايعا وإلّا فاضرب أعناقهما. فقال ابن عباس: لو كنت في موضع معاوية ما أوصيت نفسك بما أشرت به على معاوية، ولضاقت عليك إذن الأرض بما رحبت، ولو احتاج مع ذلك إلى نصرتك ما كانت نصرتك إيّاه إلّا نصرة أمة وكعاء، فهلّا أوصيت بذلك نفسك غداة قدمت البصرة ورأيت الحسرة وكانت عليك الدبرة، فعمدت إلى رجل من قريش بيعته في عنقك فرميته بمشقصك فقتلته [3] ثمّ ولّيت هاربا غادرا، فأنت في كل ذلك تابع غير متبوع، لا ترى نفسك للرئاسة موضعا، ولا يرونك لها أهلا، فإن كنت إنّما أبغضت عليّا لقتله الوليد فقد قتله بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقتله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

_ [1] في الأصل: «بردته» . [2] في الأصل: «ننثره نثرا» وهو تحريف، والنتر الجذب بجفاء. [3] إشارة إلى الرواية التي تتهم مروان بقتل طلحة بن عبيد الله في واقعة الجمل. انظر الطبري س 4 ص 2314.

[35 أ] بأمر الله ويرغم الله أنف من كان راغما، ورأس من لم يدفع ذلك والحجر. فقال عمرو: يا أمير المؤمنين: مروان شيخ من مشايخنا، يستقبله غلام من بني هاشم بما استقبله، لا يرى لمجلسك وقارا، ولا يخاف منه حذارا. فالتفت إليه ابن عباس فقال: يا عمرو عذر القراد فما بال الحلم [1] ، والله إن رجلا في قريش ما كان [2] إلّا سهما [3] جال بأيدي الرجال لحقيق بالذلة، وإنك لمن لفقه [4] وممن ختم بغير السنة. فقال معاوية، اعتديت على جليسي يا ابن عباس! قال: إنهما أسمعاني في ابن عمّي ما كرهت، وهذا مجلس يحكى عنّا، وكرهت أن يحكى عني ما لا يجمل بمثلي. قال: لما قدم المأمون العراق، كتب إلى الكوفة وإلى البصرة يسأل عمن يروي له هذه الأربعة الأحاديث لجده عبد الله بن عباس ومعاوية بن أبي سفيان، فلم يكن أحد يعرفها غير عبد الله بن صالح الأسدي الكوفي، فحمل إليه، فحدّثه بها، فولّاه قضاء فارس حتى توفّي بها. فأحدها: خبره الّذي دخل إليه فنعى الحسن بن علي وأسامة بن زيد، وقد كتب. والثاني: خبره مع ابن الزبير في مجلس معاوية، وقد كتب. والثالث: عبد الله بن صالح يرفعه إلى ابن عباس قال: قدمت على معاوية وعنده [35 ب] وفود العرب، فأذن للوفود فدخلوا عليه ودخلت معهم، فتكلّم معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أمّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنه لم يخلق للدنيا ولم تخلق له، وأما أبو بكر فلم يردها ولم ترده، وأمّا عمر فأرادته ولم يردها، وأمّا عثمان فأخذ منها وترك، وأما أنا فمالت بي وملت بها، فأي امرئ إن [5] يكن المصير إلى النار، قل

_ [1] انظر مجمع الأمثال (مطبعة السعادة 1959) ج 2 ص 39. [2] زيادة يقتضيها السياق. [3] في الأصل: «سهم» . [4] أي على شاكلته، والأصل: «لمن لقبه» . [5] الأصل: «لم» . وانظر أنساب الأشراف ق 1 ص 708 (إسطنبول) .

يا ابن عباس! قال ابن عبّاس: أقول خيرا، إن كنت تريد الدنيا فقد أمكنتك ففي يديك ضرعها، وإن كنت تريد الآخرة فقد أمكنتك ففي يديك أسبابها، فإن أردت الدنيا فارتضع وإن أردت الآخرة فارتدع، واعلم أنّه ما نقصك من دنياك وزادك في آخرتك خير لك مما نقصك من آخرتك وزادك في دنياك، فلا يغرّنك من آخرتك غارّ، ولا يسرنّك من دنياك سارّ، ولعمري لقد حلبت الدنيا أشطرها وأرضعتها مرة بعد مرة، وشربت صفوها، فانظر أي امرئ تكون غدا، فبكى معاوية وأنشأ عبد الرحمن بن حسان [1] يقول: قال ابن حرب مقالا مشفقا حذرا ... أرى الخروج من الدنيا إلى النار [36 أ] واقتصّ [زهد] [2] أبي بكر وحقّ له ... الصدّيق ثاني رسول الله في الغار واقتصّ زهد أبي حفص وقد عرضت ... دنيا يقسّم منها ألف قنطار واقتصّ زهد أبي عمرو وقد سحبت ... له الذيول من الدّنيا بآثار وقال: مالت بي الدّنيا وملت بها ... بئس المميل فيا للَّه من عار قال ابن عبّاس المحمول حكمته ... قولا يعيه [3] ذوو [4] سمع وأبصار قد أمكنتك فأمّا ما أردت فخذ ... والغبّ يعرف وردا بعد إصدار

_ [1] هو عبد الرحمن بن حسان بن ثابت. راجع بعض أخباره في الأغاني ج 15 ص 107- 121، الشعر والشعراء (دار الثقافة- بيروت) ص 225، 226، عيون الأخبار ج 2 ص 198، ج 3 ص 172. [2] زيادة دل عليها البيتان الثالث والرابع. [3] في الأصل: «يعييه» . [4] في الأصل: «ذو» .

ومن أخباره مع يزيد بن معاوية

ومن أخباره مع يزيد بن معاوية جعفر بن عبد الله بن العباس العلويّ عن أبيه عن الحارث بن كعب عن مجاهد، قال: بلغ يزيد بن معاوية أنّ ابن الزبير أخذ ابن عباس في أول أمر ابن الزبير، فكتب يزيد إلى ابن عبّاس: أما بعد فقد بلغني أن الملحد ابن الزبير، دعاك إلى نفسه [1] ، وعرض عليك الدخول في طاعته، لتكون على الباطل ظهيرا، وفي المأثم شريكا، وأنك امتنعت هنالك من طاعته، واعتصمت ببيعتنا وفاء منك لنا، وإقامتك بها طاعة الله وتثبيت ما عرّفك الله من حقّنا، فجزاك الله من ذي رحم ما جزى الواصلين لأرحامهم، الموفين بعهدهم، ما أنس من الأشياء فلست أنسى برّك وتعجيل صلتك بما أنت أهله منّي للطاعة [36 ب] والشرف والقرابة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانظر من يطلّ عليك من سحرة الملحد ابن الزبير بلسانه وزخرف مقاله، فأعلمهم حسن رأيك في طاعتي وتمسك ببيعتي فإنّهم لك أطوع، ومنك أسمع منهم للمحل الملحد [2] والسلام. فأجابه ابن عباس: بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فإن كتابك أتاني تذكر فيه دعاء [3] ابن الزبير إياي إلى نفسه، وامتناعي عليه للذي [4] دعاني إليه، فإن يك كذلك فلست أنوي حباءك ولا كيدك ولا ودّك، ولكنّ الله بالذي أنوي أعلم. ذكرت أنك لست ناسيا برّي وتعجيل صلتي، فاحبس عنّي أيها الإنسان

_ [1] في الأصل: «إلى نفسك» . [2] في الأصل: «للملح» . [3] في الأصل: «ادعاء» . [4] في الأصل: «الّذي» .

صلتك، فإنّي حابس عنك ودّي ونصرتي، ولعمري، ما تؤتينا من حقّنا إلّا القليل، وإنّك لتحبس عنا منه العريض الطويل. وسألتني أن أحثّ الناس إلى طاعتك وأخذّلهم عن ابن الزبير، فلا، ولا سرور ولا كيد ولا كرامة ولا حبور. كيف تسألني نصرتك، وتحدوني على ودّك، وقد قتلت حسينا عليه السلام، بفيك الكثكث ولك الأثلب إذ تمنيك نفسك، العازب رأيك، وإنك لأنت الملعّن المثبور. أتحسبني لا أبا لك نسيت قتلك حسينا عليه السلام وفتيان بني عبد المطلب [37 أ] مصابيح الدجى، ونجوم الأعلام، غادرتهم جنودك بأمرك مصرّعين في صعيد واحد، في الدماء مرمّلين، بالعراء مسلّبين، لا مكفّنين ولا موسّدين، تسفي عليهم الرياح، وتغزوهم الذئاب والسباع، وتنتابهم جوّع [1] الضباع، حتى أتاح الله لهم قوما لم يشركوا في دمائهم، وكفنوهم وأجنّوهم [2] ، وبي والله وبهم جلست مجلسك، وأعززت نفسك، وما أنس من الأشياء فلست أنسى تسلّطك عليهم، فلست أنسى الدعيّ [3] ابن الدعيّ ابن العاهرة الفاجرة، البعيد رحما، اللئيم أبا وأمّا، الّذي في ادعائه أبوك كسب العار والشنار والخزي والمذلة في الآخرة والأولى، والممات والمحيا، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر، فقال أبوك: الولد لغير الفراش والعاهر لا يضرّه العهر، ويلحق به ولده للبغي كما يلحق بالعفيف ولده للرشد، فقد أمات أبوك السنة جهلا، وأحيا البدع والأحداث المضلّة عمدا. وما أنس من الأشياء لست أنسى إطرادك الحسين بن علي رحمة الله عليهما ورضوانه من حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى حرم الله، وتسريبك [4] إليه الرجال ليغتالوه، ودسيسك

_ [1] في الأصل: «جرع» . [2] في الأصل: «أحبوهم» . [3] يقصد عبيد الله بن زياد بن أبيه. [4] في الأصل: «وسريتك» ، والصواب «وتسريبك» أي بعثك.

إليهم إن هو نذر بكم فبادروه، وقاتلوه، فما زلت بذلك وفي ذلك حتى أشخصته من مكة [37 ب] إلى أرض العراق، فخرج منها خائفا يترقب، يزأر عليه [1] خيلك ورجلك زئير الأسد، عداة منك للَّه ولرسوله ولأهل بيته. لعمر الله لقد كان أعزّ أهل البطحاء قدما، وأعرف أهلها بها حديثا، وأطوع أهل الحرمين بالحرمين لو نوى بهما مقاما، واستحلّ بهما قتالا، ولكنه كره أن يكون هو المرء تستحل [2] به حرمة [3] البيت أو حرمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وكتبت إلى ابن مرجانة بالخيل والرجال والأسنّة والسيوف، وأمرته بمعاجلته وترك مطاولته بالإلحاح عليه حتى يقتله ومن معه من بني عبد المطلب أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا، فنحن أولئك لسنا كآبائك الجفاة [4] الأجلاف أكباد الحمر، فطلب إليكم الحسين ابن علي عليه السلام الموادعة، وسألكم الرجعة فأبيتم، واغتنمتم قلة أنصاره، وأردتم استئصاله وأهل بيته، فعدوتم عليهم فقتلتموهم، كأنما قتلتم أهل بيت من ترك أو كابل، فلا شيء أعجب عندي من طلبك ودي وقد قتلت بني أبي، وسيفك يقطر من دمي، وأنت أخيذ [5] ثأري، فإن يشأ الله لا يطلّ [6] لديك دمي ولئن تطلّ [7] دمي وتعجزني بثأري وتسبقني فيه في الدنيا، فقتلنا ما قتل به النبيون [38 أ] وأبناء النبيين، وطلّت دماؤهم، وكان الله لهم الموعد، وكفى باللَّه للمظلوم ناصرا ومن الظالمين منتقما، فلا يعجبنّك إن ظفرت بنا اليوم، فو الله لنظفرنّ بك يوما إن شاء الله. ذكرت وفائي وما عرّفني الله من

_ [1] في الأصل: «إليه» . [2] في الأصل: «يستحل» . [3] في الأصل: «وحرمه» . [4] في الأصل: «الحفاة» . [5] في الأصل: «أخذ» . [6] في الأصل: «يبطل» . [7] في الأصل: «بطل» .

أخبار عبد الله بن العباس مع عمرو بن العاص

حقّك، فإن يك ذلك كذلك، فعمدا والله بايعت أباك وبايعتك من بعد أبيك، وإني لأعلم أني وجميع ولد أبي أحقّ بهذا الأمر منكم، ولكنكم معشر قريش استأثرتم علينا بسلطاننا حتى دفعتمونا عن حقّنا، فبعدا لمن تحرّى ظلمنا، واستغوى السفهاء علينا حتى دفعنا عن [1] حقنا واستولى على الأمر دوننا، كما بعدت ثمود وقوم هود وأصحاب مدين، ألا ومن أعجب الأعجاب عندي، وما عسيت أن أرى في الدهر من عجب، حملك بنات عبد المطلب وأغيلمة صغارا من ولد أبيه إلى الشام، كالسبي المجلوبة، ترى الناس أنّك قد قهرتنا وأنك تمنّ علينا، ولعمري لئن كنت تمسي وتصبح آمنا من جراحة يديّ إني لأرجو أن أعظم جراحك من لساني ونقضي وإبرامي، وإني لأرجو الّا يمهلك الله بعد قتل أهل بيته صلّى الله عليه وسلّم إلّا قليلا، حتى يأخذك أخذا وبيلا، ويخرجك من الدنيا مذموما مخذولا، فاعتبر لا أبا لك ما استطعت فقد والله [38 ب] زادك الله بما اقترفت، والسلام على أهل طاعة الله. أخبار عبد الله بن العباس مع عمرو بن العاص ذكر [2] خالد القرشي عن أبيه قال: قام عمرو بن العاص في موسم من المواسم فأطرى معاوية وتنقّص بني هاشم وذكر مشاهده بصفّين، فاجتمعت إليه قريش، وأقبل عبد الله بن العباس على عمرو فقال: يا عمرو، إنك بعت دينك ونفسك من معاوية بدنيا غيرك، فأعطيته ما في يديك ومنّاك ما في يد

_ [1] في الأصل: «دفعتمونا» . [2] انظر رواية المدائني لهذا الخبر في العقد الفريد ج 4 ص 11- 12.

عدوّه [1] ، وكان الّذي أخذ منك فوق ما أعطاك [2] ، وكلّ راض بما أخذ وأعطى، حتى إذا كانت مصر في يدك عيّشك فيها بالعزل [3] والتنغيص، حتى لو أن نفسك في يدك ألقيتها، وذكرت مشاهدك بصفين فو الله ما ثقلت علينا وطأتك، ولا نكتنا حزّتك [4] ، وإن كنت [5] لطويل اللسان قصير اليدين [6] ، آخر الخيل إذا أقبلت وأوائلها [7] إذا أدبرت، جبان الجنان قصير العنان [8] ، لك يدان: يد لا تبسطها إلى خير وأخرى لا تكفّها [9] عن شرّ، ولسانان: لسان شرّ ولسان غرور [10] ، ووجهان: وجه موحش ووجه مؤنس، ولعمري أنّ من باع دينه بدنيا غيره لحقيق أن يطول حزنه وندمه على ما باع واشترى [11] . أبو مخنف وعوانه، قالا [12] : حجّ عمرو [39 أ] بن العاص ذات مرّة، فمرّ بعبد الله بن عبّاس، فحسده مكانه، وما رأى من إجلال [13] الناس

_ [1] في العقد الفريد: «ومناك ما بيدك» . [2] في ن. م.: «وكان الّذي أخذ منك أكثر من الّذي أعطاك، والّذي أخذت منه دون الّذي أعطيته» وترد هذه العبارة فيه بعد التي تليها هنا. [3] آثر محققو العقد الفريد إثبات كلمة «العذل» في النص على «العزل» . [4] في العقد الفريد لم ترد هذه العبارة بل عبارة «ولقد كشفت فيها عورتك» . [5] في ن. م. «وإن كنت فيها» . [6] في العقد الفريد: «السنان» . [7] في ن. م.: «أولها» . [8] لا ترد عبارة «جبان ... العنان» في العقد الفريد. [9] في ن. م.: «لا تقبضها» . [10] في ن. م.: «ولسان غادر ذو وجهين» . [11] في ن. م.: «لحري أن يطول عليها ندمه» ، ثم يضيف «لك بيان وفيك خطل، ولك رأي وفيك نكد، ولك قدر وفيك حسد، وأصغر عيب فيك أعظم عيب في غيرك» ، وهنا ينتهي قول ابن عباس برد عمرو عليه. [12] في الأصل: «قال» ، انظر رواية أبي مخلف لهذا الخبر في العقد الفريد ج 4 ص 11. [13] في العقد الفريد: «من هيبة الناس له» .

ومن أخبار عبد الله بن عباس مع ابن الزبير

إياه وموقعه من قلوبهم، فقال له: يا ابن عباس! ما لك إذا رأيتني ولّيتني القصرة، وكأنّ بين عينيك دبرة، وإذا كنت في ملأ من الناس كنت الهوهاة الهمزة. فقال ابن عبّاس: لأنك من اللئام الفجرة، وقريش هم الكرام البررة، لا ينطقون بباطل جهلوه، ولا يكتمون حقّا علموه، وهم أعظم الناس أحلاما، وأظهرهم [1] أعلاما. دخلت في قريش ولست منها، فأنت كالساقط من الفراشين [2] ، لا في بني هاشم رحلك، ولا في [3] عبد شمس راحلتك، فأنت الأثيم الزنيم، الضالّ المضلّ، حملك معاوية على رقاب الناس، فأنت تسطو بحلمه [4] وتسمو بكرمه. فقال عمرو: أما والله يا ابن عبّاس، إني بك لمسرور فهل ينفعني ذلك عندك [5] ؟ فقال ابن عباس: لا، حيث مال الحق ملنا وحيثما [6] سلك قصدنا. ومن أخبار عبد الله بن عباس مع ابن الزبير ذكر أبو الحسن المدائني عن أبي عمرو بن المبارك قال: قام ابن الزبير ذات يوم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد فإنّ بني هاشم سوميت فأعنقت، وجوريت [7] فسبقت، وأيم الله لولا أنها أبقت بالنفوس [39 ب] قرحا

_ [1] في ن. م.: «وأرفع الناس أعلاما» . [2] في ن. م. «فأنت الساقط بين الفراشين» . [3] في ن. م.: «في بني ... » . [4] في الأصل: «يحمله» وما أثبتنا رواية العقد الفريد. [5] في العقد الفريد «أما والله أني لمسرور بك فهل ينفعني عندك؟» . [6] في ن. م. «وحيث» . [7] في الأصل: «سوعيت فأعتقت وحوربت..» .

يقرفها [1] التذكر، لا يدملها إلّا الجزاء كيلا بصاع وفاء، لما اتصل أحد بعجاج أقدامها، ولا عدّ مثل أيامها، ولكنها أخذت بأزمّة الفضائل وأبت أن تعلقها كف متناول، أو يضرب فيها بسهم مخاصل [2] ، فجوذبت الأزمّة على كرهها، فتمطت بها تمطّي الراتع في لجامه، والبازل في خطامه، فلما نظر الله إلى أنوفها قد شمخت، وإلى شفاهها قد بذخت، استوقفها بإمرئ لو عرفوا لغيره فضله كان مع أيديهم لهم باقي الدهر حربا، فعركهم كعرك السقاء وذلّلهم بعد إباء، فذاقوا [3] غبّ الخطأ وطاعة السفهاء، فرغمت معاطسها وترعبلت [4] مجالسها، فبعدا لمن أكل فريسته وحده، وجحد الشريك شركته، وإنّ مثلنا ومثلهم لكما قال الأول: كنّا لأول ما خوّلته [5] سببا ... فصرت رأسا ومن آتاكه ذنبا لا يبعد الله إلّا آنفا عطست ... على المراغم سيمت خطة عجبا لو أنها عرفت فضلا لذي رحم ... داني المحلة لم يبعد لها نسبا أضحى لها عضدا تغني بها ويدا ... تنفي بها الذلّ إما أغضبت غضبا فقام إليه ابن عبّاس فقال: مهلا يا ابن الزبير، لا تكن كالضبة [6] صالت بحدها على ما لحقت من ولدها، لا تجعل ذرب [7] لسانك [40 أ] على من أنطقك، وبلاغة قولك على من سدّدك، ولا تجن على نفسك جناية العنز

_ [1] يقرفها: يتكأها. [2] الخصلة: الإصابة في الرمي. [3] في الأصل: «قد أبوا» . [4] في الأصل: تزعبلت، والصواب «ترعبلت» ، أي تمزقت وتقطعت. [5] في الأصل: «حولته» . [6] في الأصل: «الضبية» ، والضبة أنثى الضب. انظر كتاب الحيوان للجاحظ ج 1 ص 196. [7] في الأصل: «درب» .

الباحثة عن حتفها فيقلّ ناصرك، وتقطعك أواصرك، وتطيش سهامك، ويستوعر مرامك، وأقبل قبل السفه الّذي أنت متحيّر في دجنّة طخيائه، وسواد ظلمائه، ولا تظنّ بنفسك ظنّ الأحمق المرتاب، فإنما أنت غدا أو بعده أكيلة أضبع وذئاب، كأنّي بما أصبحت تثق بنفسك قد أسلمك، وبمن أصبح يعدك النصر قد خذلك، فصرت جزور أيسار، كلّ يضرب فيك بسهم فاز قدحه أو خاب، ولو رجع إليك عازب حلمك، ونظرت في الأمور بفهمك، لعلمت أنّه لا يبعدك من هاشم إلّا نفسك، إنّ عبد المطلب لجدّك، وإنّ العبّاس لخالك، وإنّ صفيّة لأمك، وما القرح المعروف إلّا ما أبقى الدواء من الداء، وأيم الله أن لو وكلتم إلى رأيكم، وتركتم وضلال أهوائكم، لقديما أبارتكم [1] الحتوف، وتلعّبت بكم السيوف، ولكنكم كفرتم نعمة من لطف بكم، وأنعلكم، ورفق في السياسة بكم، فاشكر الله يا ابن الزبير شكر من لم يعجل عليه عجلة المبادر، حتى بقيت لهذا الموقف الّذي أظهرت فيه حسكة صدرك وهتكت به الحجاب من سترك بذكرك إنكارنا فضلك، فهل دفعناك [40 ب] عن حقّ أوجبه الكتاب لك. تصفّح كتاب الله واعرضه على قلبك فإن وجدت فيه لمهاجر في الفيء على غيره من أهل الإسلام فضلا، بفريضة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو من أبي بكر بسيرة، فها نحن قد أنكرنا وجحدنا حقّك، وإلّا يكن [2] ذلك، فما موضع الإنكار إذن؟ لا والله يا ابن الزبير! ولكن أردت أن تكون قيصرية كسروية، قبحا لرأيك وسفاهة لحلمك، أبعد الإسلام تستكثر من الدنيا وترغب فيها وتناضل عنها، كالحائن [3] المثبور ما استبقى [4] في الله؟ أما نائما

_ [1] في الأصل: «أتأرتكم» . [2] في الأصل: «وأن لا يكون ذلك» . [3] في الأصل: «للحائن» . [4] في الأصل: «وما استيقاف الله» .

ذكّرت عند ما أنكر من أعمالنا، وكره من أفعالنا؟ فالعجب كل العجب لمن ينسبنا إلى ما أصبح فيه، ويدّعي علينا ما كان منه. كلّا ليس ذلك كذلك، نحن باللَّه أعرف، وله أخوف من أن نتعرّض لسخطه بالتعدّي عمّا أمر به، أو المقارفة لما [1] نهى عنه، ولكنه تبارك وتعالى أراد أن يعظم لنا الأجر بما يلهمنا من الصبر، ويوفقنا له من الشكر، ويحقّ القول على الظالمين، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون، ثمّ تمثل فقال: وهل هي إلّا مدّة سوف تنقضي ... ويرجع فينا الأمر والأنف راغم قال أبو المنذر هشام بن محمد الكلبي [2] : قال عيسى بن طلحة: حضرت [41 أ] من ابن عبّاس محضرا ما حضرته من قرشي قط، قال: كان مروان ابن الحكم يأذن للناس بعد العصر، وكان ابن عبّاس يجلس على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند رأسه وابن [3] الزبير فيأتي فيجلس على وسادة عند رجليه، فحضرنا عشية من ذلك، فإذا منبر عند رجل مروان مقابل الستر الّذي عند رأسه، فجاء ابن عباس فجلس مجلسه وجاء ابن الزبير فجلس، وأنصت مروان، وأنصت الناس، ونظرنا إلى يدي ابن الزبير ترعد، فعرفنا أنه يريد أن يتكلم، فقال: إنّ أناسا قالوا: إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة على غير تواطؤ، وإنّ أمر أبي بكر كان أعظم من أن يقال له مثل هذا، ولعنة الله على من قاله، والله ما كان من أحد خيرا من أبي بكر ولا أفضل سابقة، فأين الذين يقولون مثل هذا حين حضرت أبا بكر الوفاة واستخلف عمر، فلم يكن إلّا ما قال أبو بكر، ثمّ حضرت عمر الوفاة فألقى حظّهم

_ [1] في الأصل: «عما» . [2] جاء هذا الخبر، مع بعض الاختلاف، في شرح نهج البلاغة ج 20 ص 131- 132، عن عثمان بن طلحة العبدري. [3] انظر شرح نهج البلاغة ج 20 ص 131.

في حظوظ وجدّهم في جدود فأسقط الله حظّهم وأدحض جدّهم، وأخذ علمهم من كان أولى بذلك منهم، حتى خرجوا عليه خروج اللصوص، فنالوا منه غرّة فقتلوه، ثمّ قتلهم الله بعد ذلك كلّ قتلة، وفرّقهم تحت بطون الكواكب. فقال ابن عباس: على رسلك أيها القائل في [41 ب] أبي بكر وعمر وعثمان، والله ما أنكرنا متقدّم من تقدّم منهم وان كانوا خيرا فما نألو أن نقول [1] ، ولو تقدّم متأخر لكان أهله. ولولا أنك تذكر حظّ غيرك وشرفه لعرفت كيف أجيبك، ولو أنّ من أولئك متكلما لأخبرته عني وعنه خبر حاضر عن حاضر، لا خبر غائب عن غائب، ولكن ما أنت وما لا عليك ولا لك؟ أقصر على حظّ نفسك فإنّه لك، وإن أحدا لن ينازعك، إنّي وإياك من الأوّلين بمنزلة، وإنّ الثالث لي دونك، فتيم لتيم، وعديّ لعدي، وأمية لأمية [2] ، وإن يك في أسد [3] شيء فهو لك، والله لأنا أقرب بك عهدا [وأبيض عندك يدا] [4] ممن أمسيت تظن [5] هذا عنده، وما أخلق ثوب صفية بعد [6] . العنزي [7] قال: حدثنا علي بن الحسين بن [8] البراء قال: حدثني عمّي عبد الله ابن محمد بن مسروق قال: حدثني أبو عبد الله الجحدري حمدان بن بانة عن ابن

_ [1] الأصل: «وإن كانوا خيرا مما نالوا أن يقول» . [2] انظر شرح نهج البلاغة ج 2 ص 132. [3] في شرح نهج البلاغة: أسد بن عبد العزى. [4] في الأصل: «فأبيض عندك» ، وما أثبتنا رواية شرح نهج البلاغة، والتتمة هي: «وأوفر عندك نعمة ممن أمسيت تظن أنك تصول به علينا» . [5] في الأصل: «يظن» . [6] في الأصل: «وما أخلقت ... بعده» ، والتصويب من شرح نهج البلاغة. [7] انظر هذا الخبر في شرح نهج البلاغة ج 9 ص 324- 327، وفيه بعض الاختلاف عما ورد هنا. [8] زيادة.

دأب قال: تزوج عبد الله بن الزبير فاطمة [1] بنت منظور الفزارية، وكان معها في سجف [2] ، فقال لها: هل تدرين [3] من معك في سجفك؟ قالت: نعم عبد الله ابن الزبير. قال: ليس إلّا [4] ؟ قالت: فما تريد؟ قال: أصبح والله من معك الغداة في سجفك من هو [في] [5] قريش بمنزلة الرأس من [42 أ] الجسد، لا بل بمنزلة العين [6] من الرأس. قالت: أما والله لو كان بعض بني هاشم [7] هاهنا ما رضي بهذا. قال: فالطعام والشراب عليّ حرام إن أنا لم أحضرهم فنقول هذا الكلام بين أيديهم فلا يستطيعون له ردا، ولا له إنكارا. قالت: أما إنّك لو أطعتني لم تفعل، وأنت وشأنك [8] أعلم. فخرج إلى المسجد فإذا هو بجماعة من بني هاشم فيهم عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر فسلّم عليهم، ثمّ قال: إني أحبّ أن تقوموا معي إلى المنزل، فلمّا دخل جاء بالطعام فأكلوا، فلما فرغوا قال: إني كنت قبيل [9] مع صاحبة هذا السجف آنفا، فقلت لها كذا وكذا، فما تقول أنت يا ابن عباس؟ قال: أقول وأنا في منزلك، وقد تحرّمنا بطعامك، فإن تشأ أن نقول قلنا، وإن تشأ أن نمسك أمسكنا. قال: وما عسيت أن تقول يا ابن عباس؟ أليس أبي

_ [1] في الأصل: «فاطمة بنت مسطور» ، والتصحيح من شرح نهج البلاغة، وقد جاء فيه «أم عمرو ابنة منظور بن زبان الفزارية» . وانظر كذلك جمهرة أنساب العرب ص 258. [2] في الأصل: «سجيف» . [3] في شرح نهج البلاغة: «فلما دخل بها قال لها تلك الليلة» «أتدرين من معك في حجلتك؟» . [4] في الأصل تكررت عبارة: «قال ليس إلا» . وفي شرح نهج البلاغة: «قال: ليس غير هذا؟» . [5] زيادة. وفي شرح نهج البلاغة: «قال: معك من أصبح في قريش بمنزلة الرأس في الجسد» . [6] في شرح نهج البلاغة: «العينين» . [7] في ن. م.: «بعض بني عبد مناف» . [8] في ن. م.: «وأنت أعلم وشأنك» . [9] تبدو «قبيل» مقحمة مع وجود «آنفا» .

حواريّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ أو ليس [1] جدي أبو بكر الصديق صديق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ أو ليس خالتي حبيبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمّ المؤمنين؟ فقال له ابن عباس: قد ذكرت شرفا شريفا، وفخرا فاخرا، غير أنّك إنما بلغت مداه ونلت سناه بنا. قال: وكيف ذاك؟ قال: لأني أولى بمن تفخر به منك. فقال له: وإن [42 ب] شئت فاخرتك، إلى ما كان منك قبل أن يبعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم [2] فقال ابن الزبير [3] : قد أنصف القارة من راماها [4] . فقال ابن عباس: تعلمون أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يفرق فرقان قط إلّا كان في خيرهما [5] ، فقد فارقناكم من جدي قصيّ [6] ، إن قلت لا كفرت وإن قلت نعم غلبت. فقال: لا، ولكن قد علم القوم أني سابق غير مسبوق، متبحبح [7] في الشرف الأنيق، بين حواري وصدّيق، غير طليق ولا ابن طليق. فقال ابن عباس: دسعت بجرتك [8] ، هاهنا كلام مردود من امرئ حسود، أما ما ذكرت من الأسرة فإن تكن الأسرة لك دوني فهي لك عليّ، وإن تكن لي دونك فهي لي عليك، والكثكث في يديك [9] ، وأما ما ذكرت من طليق

_ [1] في الأصل: «وأ ليس» . [2] في الأصل: «إن تبعت الله ومحمدا صلى الله عليه وسلم» . [3] وفي شرح النهج، القول لابن عباس. [4] انظر لسان العرب عند هذا المثل. [5] في الأصل: «في خير منهما» . [6] في شرح النهج ج 6 ص 325 «تعلمون أن رسول الله (ص) قال ما افترقت فرقتان إلا كنت في خيرهما، فقد فارقناك من بعد قصي بن كلاب، أفنحن في فرقة الخير أم لا! إن قلت نعم خصمت وإن قلت لا كفرت..» [7] في الأصل: «متبجح» . [8] في شرح النهج: «دسعت بجرتك فلم تبق شيئا» . [9] في شرح النهج: «فإن كنت أدركت هذا الفخر بأسرتك دون أسرتنا فالفخر لك علينا، وإن كنت إنما أدركته بأسرتنا فالفخر لنا عليك والكثكث في فمك ويديك» .

فلعمري لقد ابتلي فصبر، وأنعم عليه فشكر، وما نكث بيعة بعد تأكيدها، ولا كان جبانا ولا فرّارا. فقال ابن الزبير: ويحك تعيّر الزبير بالجبن [1] . فقال ابن عباس: والله لقد فرّ وما كرّ، وبايع فما برّ، وحارب فما ضرّ، وما كان إلّا كالهجين أمامه ... جياد تجاري ناجيات فاجهدا فأدرك منها مثل ما كان أهله ... وقصر عن جري الكرام وبلّدا [2] [43 أ] أحمد بن السري البزّاز قال: حدّثنا الرياشي قال: وقع إلى الحرمازي [3] قرطاس [4] فيه أنّ ابن صفوان قال لابن الزبير: هذا عبد الله ابن عبّاس يعلّم الناس الفقه وهذا عبيد الله يطعم الناس فما تركا لك؟ فقال ابن عباس: ويحك يا ابن الزبير! ما يأتينا إلّا طالب دين أو طالب دنيا. وقال أبو الطفيل عامر بن وائلة [5] : لا درّ درّ الليالي كيف تضحكنا ... منها أحاديث أيّام وتبكينا [6] ومثل ما تحدث الأيّام من غير ... وابن الزبير عن الدنيا يلهّينا [7] كنّا نجيء ابن عباس فيقبسنا ... علما ويكسبنا خيرا [8] ويهدينا

_ [1] يضيف شرح النهج، «والله إنك لتعلم منه خلاف ذلك» . [2] وفي شرح النهج: وأدرك منها بعض ما كان يرتجى ... وقصر عن جري الكرام وبلدا وما كان إلا كالهجين أمامه ... عناق فجاراه العناق فأجهدا [3] الأصل: «الجرمازي» ، انظر البلاذري ج 5 ص 347 (ط. القدس) وص 226 وص 237 (الرباط) . [4] في الأصل «قرطاسا» . [5] انظر رواية الأغاني لأبيات أبي الطفيل ج 15 ص 151- 152. [6] في الأغاني: «خطوب أعاجيب» محل «أحاديث أيام» . [7] الشطر الثاني في الأغاني «يا ابن الزبير عن الدنيا يسلينا» . [8] في الأغاني: أجرا.

ولا يزال عبيد الله مترعة ... جفانه مطعما [1] ضيفا ومسكينا فأصبح الدين والدنيا بدارهما ... ننال من ذاك [2] ما شينا إذا شينا [3] ولست فاعلمه بالأولى به نسبا ... يا ابن الزبير ومن أولى به دينا [4] لن [5] يعطي الله من أخزى ببغضهم ... في الدين عزّا ولا في الأرض تمكينا العنزي قال: حدّثنا الرياشي قال [6] : دخل عبد الله بن صفوان الجمحيّ على عبد الله بن الزبير فقال: أنت والله كما قال الشاعر: [43 ب] فإن تصبك من الأيام جائحة ... لا نبك منك على دنيا ولا دين فقال: وما ذاك ويحك؟ فقال: هذان [7] ابنا عباس أحدهما يفتي الناس في دينهم، والآخر يطعم الطعام، فماذا أبقيا لك! فأرسل إليهما، فقال: إنكما تريدان أن ترفعا راية [قد وضعها الله] [8] ففرّقا عنكما مرّاق العراق. فأرسل إليه عبد الله بن عبّاس: ويلك أيّ الرجلين نطرد عنّا، طالب

_ [1] في الأصل: «مطعم» : والتصويب من الأغاني. [2] في الأغاني بيتان بعد هذا البيت لم يردا هنا. [3] في الأغاني: فالبر والدين والدنيا بدارهما ... ننال منها الّذي نبغي إذا شينا [4] في الأغاني: ولست فاعلمه أولى منهم رحما ... يا ابن الزبير ولا أولى به دينا [5] في الأصل: «أن يعطى الله من أخرى ببعضهم» والتصويب من الأغاني، والبيت فيه: لن يؤتي الله من أخزى ببعضهم ... في الدين عزا ولا في الأرض تمكينا وقبله بيت لم يرد هنا. [6] انظر رواية محمد بن خلف، وكيع، للخبر في الأغاني ج 15 ص 151- 152. [7] في الأصل «هذا» والخبر مثبت فيما سبق ص 32 والتصويب منه. [8] زيادة من ص 32.

[دنيا] [1] أم طالب علم؟ فبلغ الخبر أبا [2] الطفيل فقال أبياته. ولما قام [3] عبد الله بن الزبير بمكة واشتدّ أمره فيها، وذلك لمّا هلك يزيد بن معاوية ووقعت الفتن، أقبل محمد بن علي بن الحنفية وعبد الله بن عبّاس بعد وقعة الحرّة حتى أتيا مكّة فعاذا بها، واعتزلا الفتنة. فدعاهما عبد الله بن الزبير إلى بيعته، فقال له محمد وعبد الله: إنّا لا نبايع إلّا من اجتمعت عليه الأمّة، فإذا اجتمعت عليك الأمّة بايعناك وكنّا أمّة من الناس. فأبى عبد الله بن الزبير أن يتركهما حتى يبايعا فأبيا أن يبايعا حتى تجتمع الأمة عليه بالبيعة، فأخذهما عبد الله فطرحهما في حجرة زمزم، ثم قال: والله لا خرجتما حتى تبايعا فأبيا فحلف لئن لم يبايعا إلى ذلك الأجل ليحرقنهما بالنار، فلما رأى عبد الله بن عباس ومحمد بن [44 أ] علي ذلك كتبا إلى المختار بن أبي [4] عبيد يستغيثان به ويخبرانه بالذي قد نكبهما ابن الزبير، وبعثا في ذلك أربعة نفر: الطفيل بن عامر ومحمد بن بشير [5] وأبا المعتمر وهاني بن قيس الهمدانيّ، فقال لهم محمد بن علي: اكتموا الخبر، وأخفوا نفوسكم، وأجّلهم محمد بن علي ثلاثة عشر يوما ذاهبين وثلاثة عشر يوما جائين. وقد كان عبد الله بن الزبير بعث عليهما، وهما بزمزم، حرسا لا يدعون أحدا يدخل عليهما، ولا يدعون واحدا منهما يخرج، وأخذ ما وجد لمحمد بن علي من مال بالمدينة، ومنع الناس أن يكلموه، وأن يدخلوا عليه.

_ [1] في الأصل بياض، وأثبتنا «دنيا» من ص 32 من هذا الكتاب. [2] زيادة. [3] انظر الخبر في أنساب الأشراف (القاهرة) ج 3 ص 189 وما بعدها، (إسطنبول) ق 1 ص 520 وما بعدها، مع بعض الاختلاف والتقديم والتأخير في السرد. [4] زيادة. [5] في أنساب الأشراف ج 3 ص 191 (القاهرة) ، ص 1 ص 521 (إسطنبول) : محمد بن بشر.

قال: فلما هدأت [1] العيون ونام ظالع الكلاب، دفع إليهم كتابا، وقال: إني قد رمقت هؤلاء الحرس حتى دار بهم النوم، فاخرجوا حتى تركبوا رواحلهم وتمضوا لوجوهكم، فإذا دخلتم مسجد الكوفة فادفعوا الكتاب إلى المختار بن أبي [2] عبيد، فإن رأيتم منه ما تحبّون حمدتم الله على ذلك، وإن رأيتم منه تقصيرا فأعلموا الناس ما جاء بكم، والحال التي نحن عليها، فإنّه ممّا يحرك المؤمنين تقوية، وسينصرنا من لم نكن نطمع في نصرته. قال: فأقبلنا حتى دخلنا على المختار، فلما قرأ الكتاب، دعا أصحابه وقرأ عليهم الكتاب [3] وكانت نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن علي إلى المختار بن أبي [44 ب] عبيد ومن قبله [4] من شيعتنا [5] أهل البيت. سلام عليكم، فإنّي أحمد إليكم الله الّذي لا إله إلّا هو [6] . أمّا بعد، فإنّي أسأل الله أن يدخلنا [7] وإياكم الجنة، وأن يصرف عنّا وعنكم النار [8] ، فإنّي كتبت إليكم [9] وأنا وأهل بيتي وبضعة عشر رجلا [10]

_ [1] في الأصل: «هدت» ، وما أثبتنا من أنساب الأشراف، وفيه «فلما هدأت العيون ونام طالع الكلاب» . [2] زيادة. [3] لم يورد أنساب الأشراف نص الكتاب، وإنما أشار إلى بعض مضمونه، ورواه ابن أعثم الكوفي في فتوحه ج 1 ص 10 ب- 11 أ. [4] ابن أعثم: «ومن يحضره» . [5] ابن أعثم: «شيعة» . [6] عبارة «سلام ... إلا هو» لا ترد في ابن أعثم. [7] ابن أعثم: «يرزقنا» . [8] ن. م. «وأن يصرف عنا وعنكم عوارض الفتنة» . [9] ن. م. «واني كتبت إليكم كتابي هذا» . [10] ن. م.: «وأنا وأهل بيتي وجماعة من أصحابي» .

محصورون لدى البيت الحرام الّذي من دخله كان آمنا، وقد منعنا ليّن [1] الطعام، وعذب الماء، وكلام الناس، ونهدد بالقتل والتحريق بالنار [2] ، وإني أنشدكم باللَّه الّذي يجزي بالإحسان إحسانا، ويتولّى ثواب البر الخيّر أن تخذلونا مرتين بين أظهركم من أهل بيت نبيّكم، فتندموا ألّا تكونوا نصرتموهم ومنعتموهم، كما قتل الحسين وآل الحسين إلى جانبكم بالأمس وأخواته وبناته ينظرن [3] إليهم، ثم لم تمنعوهم ولم تدفعوا عنهم، وأصبحتم على ألّا تكونوا فعلتم ذلك نادمين، ثم يا غوثا باللَّه، ثم يا غوثا [4] باللَّه، فإنّا لا ندعو إلى ظلم ولا إلى [5] قتال أحد، إنّما نريد أن نسلم ويجتمع أمر الناس والسلام. قال: فوثب جميع من في القصر يبكون ويضجّون ويقولون للمختار: سرّحنا إليهم الساعة وعجّل بنا [6] . قال: فو الله لو يأذن للناس كلّهم ما بقي معه منهم أحد. قال: فنادى في الناس بالصلاة جامعة، فاجتمع إليه الناس، فحمد الله [45 أ] وأثنى عليه، ثم قال: أمّا بعد فإنّ هذا كتاب مهديكم وصريح [7] أهل [8] بيت نبيّكم صلّى

_ [1] ن. م.: «وقد منعنا عذب الماء وطيب الطعام» . [2] في ابن أعثم: «ونتهدد (الأصل: يتهدد) في كل صباح ومساء بأمر عظيم» . وبقية الرسالة في ابن أعثم هي: «وأنا أنشدكم الله الّذي يجزي بالإحسان ويتولى الصالحين أن لا تخذلوا أهل بيت نبيكم فتندموا كما ندمتم قبل اليوم عن قعودكم عن الحسين (هنا كلمة ممسوحة) إذ قتل بساحة أرضكم ثم لم تمنعوهم ولم تدافعوا عنهم فأصبحتم على ما فعلتم نادمين. هذا كتابي إليكم وهو حجة عليكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته» . [3] في الأصل: «ينظرون» . [4] في أنساب الأشراف: «يا غوثنا باللَّه يا غوثنا باللَّه» . [5] في الأصل: كررت «إلى» مرتين. [6] في أنساب الأشراف: «سرحنا إليه وعجل» . [7] في الأصل: «صريخ» ، والتصويب من أنساب الأشراف، ومن ابن أعثم ج 1 ص 11 أ. [8] ابن أعثم: «آل نبيكم» .

الله عليه وسلّم [ومن معه من إخوانكم] [1] قد تركوا محظورا عليهم حظار كزرب الغنم، فينتظرون القتل والحريق [2] بالنار في آناء الليل وأوقات [3] النهار، ولست بأبي إسحاق إن لم أنصرهم نصرا مؤزرا، وإن لم أسرّب [4] إليهم الخيل في آثار الخيل، كالسيل يتلوه السيل، حتى يحلّ بابن الكاهلية [5] الويل- وكانت أم العوّام كاهلية [6] . ثم قال المختار: تجهّز يا أبا عبد الله الجدلي ثم سر، فإن قدرت أن تطير فطر، وقال لأبي المعتمر: اخرج أنت فعسكر له. فخرج أبو عبد الله الجدلي فتبعه الناس يريدون أن يخرجوا معه، ونزل المختار فدخل القصر وقال لأبي عبد الله الجدلي: تعجّل في أهل القوّة الساعة الساعة، فخرج أبو عبد الله في نحو من سبعين راكبا. ودعا المختار الطفيل ابن عامر ومحمد بن بشير وبعث معهما كتابا هذه نسخته [7] : بسم الله الرحمن الرحيم للمهدي محمد بن علي من المختار بن أبي عبيد. سلام عليك، فإنّي أحمد إليك الله الّذي لا إله إلّا هو. أمّا بعد، فقد قرأت كتابك رحمك الله

_ [1] زيادة من أنساب الأشراف. [2] في ن. م. «والتحريق» . [3] في ن. م.: «ونارات النهار» ، وأورد ابن أعثم عبارة «يستغيث بكم مما نزل به من ابن الزبير فأغيثوه وأعينوه» بدل عبارة «قد تركوا محظورا ... أوقات النهار» في هذا النص. [4] في أنساب الأشراف «واسرب» بدل «وإن لم أسرب» في هذا النص، وفي ابن أعثم «وإن لم أضرب» . [5] في ابن أعثم «حتى يحل من عاداه الويل» محل «حتى يحل بابن الكاهلية الويل» . [6] وفي أنساب الأشراف: «يعني بابن الكاهلية عبد الله بن الزبير وذلك أن أم خويلد أبي العوام زهرة بنت عمرو بن حنثر من بني كاهل بن أسد بن خزيمة» . ق 1 ص 521. [7] يورد ابن أعثم نص الرسالة ج 1 ص 11 أ- ب، وفيه اختلاف عن النص الوارد هنا.

وعفا عنك [1] ، وسيّرت إليك الشيعة أرسالا يتبع بعضهم بعضا [2] وباللَّه أفتأ أبعثهم إليك حتى [45 ب] املأ مكة على ابن الكاهلية خيلا ورجالا حتى يعلم ابن الكاهلية أنّك أعزّ منه وأكثر نفرا [3] . وقد [4] أتاك الغوث وجاءك الغيث، وقد بعثت إليك مع ظبيان [5] بن عمارة أخي بني تميم بأربعمائة ألف درهم [6] ، وسرّحت إليك معه رجالا ينصرونك [7] ، ويحفظون المال حتى يؤدّوه إليك، وسرّحت إليك أبا عبد الله الجدلي، وأمرته بالنجاء، والإغذاذ [8] حتى يأتيك، وحبست من رسلك أبا المعتمر وأخا همدان لنجهّز إليك معهما من شيعتك أنصارا يقاتلون [9] عدوك، ويدفعون الظلم عنك [10] . فأبشر ثم ابشر

_ [1] ابن أعثم: «فقد قرأت كتابك وأقرأته شيعتك وإخوانك من أهل الكوفة» . [2] ن. م.: «يتبع أولاهم أخراهم» . [3] في ابن أعثم: «وباللَّه أقسم قسما صادقا لئن لم يكف عنك من تخاف غائلته على نفسك وأهل بيتك لأبعثن إليك الخيل والرجال ما تضيق (الأصل: يضيق) به مكة على من (الأصل: ما) عاداك وناوأك حتى يعلم ابن الزبير أنك أعز منه نفرا ودعوة وأكثر نفيرا» . [4] ابن أعثم: «فأبشر فقد أتاك الغوث» . [5] في الأصل: «الطبيان» وما أثبتنا من أنساب الأشراف ق 1 ص 522. [6] ابن أعثم: «وقد وجهت إليك بأربعمائة ألف درهم لتجعلها فيمن أحببت من أهل بيتك وشيعتك» . [7] في الأصل: «لا يضرونك» والتصويب من ابن أعثم ج 1 ص 11 أ، وعبارته «وقد سرحت إليك رجالا ينصرونك» . [8] في الأصل: «الاعذار» . [9] ابن أعثم لا يورد العبارة «وسرحت إليك ... من شيعتك أنصارا» ، ويعطى محلها «ثم يقومون بين يديك فيقاتلون عدوك» . [10] تتمة الرسالة في ابن أعثم هي «ويدفعون الظلم عنك وعن أهل بيتك، فأبشر بالجيش الكبير والجند الكثير. والله الّذي أنا له لو أعلم أني أعز لك ولأهل بيتك بهذا المكان إذا لسرت إليك بنفسي، وأذب عنك وعن أهل بيتك وعن وليك وشيعتك، دفع الله عنك وعنهم السوء أجمعين والسلام عليك ورحمة الله وبركاته» ج 1 ص 11 أ.

فقد أتاك الصمد [1] بفارس بهمة وسداد ثغر وفرّاج [2] غمّ وأخ نصور [3] ، وو الله الّذي لا إله إلّا هو لولا أعلم أنه أعزّ لك ولشيعتك أن أبعث إليك الخيل والرجال، وأقيم بهذه البلدة لسرت بنفسي حتى أقتل ابن الكاهلية، أو آتيك به سلما، فاكتب إلينا برأيك وأمرك في كلّ حال، ما بدا لك، فإنّما نحن شيعتك وأنصارك والسلام عليك ورحمة الله. قال: فخرج الناس بعضهم في آثار بعض، وقد بهذه الرسالة الطفيل بن عامر ومحمد بن بشير وأصحابه، ثم جاءهم أبو عبد الله الجدلي، فأقبل حتى نزل بذات عرق [4] في سبعين راكبا فصلّى بهم الظهر والعصر حتى توافي الناس واستتم معه مائة وخمسون [46 أ] رجلا، فلمّا اجتمعوا صلّى بهم أبو عبد الله، ثم دخل مكة ومع أصحابه الخشب وكان المختار أمرهم بذلك، فدخلوا الأبطح فسمّوا الخشبية من أجل ذلك. فدخل المسجد الحرام ومحمد بن علي وعبد الله بن عباس وأهل بيته بزمزم وأولئك النفر الذين معه قد أعدّ لهم عبد الله ابن الزبير الحطب ليحرقهم فيما يزعم بالنار، وقد قال بعض الناس إنّ ابن الزبير أظهر ذلك لهم، أراد أن يرعبهم لكيما يبايعوه. وكان ابن الزبير قد أعطى الله عهدا لئن مضت بهم الجمعة ولم يبايعوه أن ينفذ فيهم رأيه. فدخل أبو عبد الله وأصحابه مكة ولم يمض من الأجل غير يومئذ، فعقلوا رواحلهم بباب المسجد ثم شدّوا على الحرس الذين وكّلوا بهم فطردوهم، ثم وثبوا على أعواد زمزم فكسروها، ثم دخلوا على ابن الحنفية يفدّونه بآبائهم

_ [1] في الأصل: «الصمور» . [2] في الأصل: «مزاح» . [3] في الأصل: «تصور» . [4] ذات عرق، من منازل الحج على بعد حوالي واحد وعشرين ميلا من المدينة. انظر «كتاب المناسك وأماكن طريق الحج» تحقيق حمد الجاسر (دار اليمامة 1969) ص 151.

وأمهاتهم وأهاليهم وأولادهم، ويقبلون رأسه ورجله ويقولون: خلّ بيننا وبين ابن الزبير، فقال لهم ابن الحنفية: ويحكم إني لا أستحلّ القتال في الحرم [1] . وخرج ابن الزبير في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: العجب [2] كل العجب من هؤلاء الخشبية السبئية الذين اغترّوني يبغون حسينا كأنّي أنا قاتل الحسين، والله لوددت أني قدرت على قتلة الحسين فقتلتهم [3] ، وأقبل على أبي عبد الله الجدلي [وأصحابه] [4] فقال: تحسبون أني مخلّ [46 ب] سبيل هذا المذمم- يعني ابن الحنفية- دون أن يبايع ويبايعوا! فقال له أبو عبد الله: أي ورب الكعبة، لتخلينّ سبيله فلينزلنّ من مكة حيث يشاء، ومن الأمصار حيث أحبّ [5] أو لنجالدنّك بأسيافنا جلادا يرتاب فيه [6] المبطلون. فنظر ابن الزبير وإذا أصحابه كثير قد كانوا يملئون المسجد، وإذا أولئك لا يتمون مائتي رجل وهم على ذلك معصوصبون [7] مجتمعون، فعلم ابن الزبير أن لهم شوكة وأن جماعتهم خشنة. فقال ابن الزبير: وما هؤلاء والله، إن هم إلّا أكلة رأس، لو أذنت لأصحابي ما مكثوا ساعة حتى تقطف رءوسهم،

_ [1] انظر أنساب الأشراف ق 1 ص 521. [2] انظر أنساب الأشراف ق 1 ص 522، وفي ابن الأعثم ج 1 ص 11 ب «أما بعد فالعجب كل العجب من هذه العصبة الردية السبائية الترابية الذين يناءوني في سلطاني ... إلخ» . [3] يضيف ابن أعثم «وهؤلاء الذين كاتبوا الحسين بن علي فأطمعوه في النصر فلما صار إليهم خذلوه وأسلموه لعدوه» ج 1 ص 11 ب وهي إضافة لها دلالتها. [4] زيادة من أنساب الأشراف. [5] في الأنساب «أتروني أخلي سبيل صاحبكم دون أن يبايع ويبايعوا! فقال الجدلي: ورب الركن والمقام والحل والإحرام لتخلين سبيله فينزل من مكة حيث شاء ومن الأرض حيث أحب ... » ق 1 ص 522، وانظر ابن أعثم ج 1 ص 11 ب. [6] ابن أعثم «يرتاب منه المبطلون» . [7] في الأصل: «معصومون» .

فقال صخر بن مالك المزني: إني لأرجو إن ذهب أولئك أن لا يوصل والله إليهم قبل أن ترى فينا ما تحب [1] . قال فمكث القوم ثلاثة أيام صافّا [2] بعضهم لبعض في المسجد الحرام، والمعتمرون يمشون بينهم [3] في الصلح، فلما كان اليوم الثالث قدم أبو المعتمر في مائة رجل، وهانئ بن قيس الهمدانيّ في مائة رجل، ونزل ظبيان [4] بن عمارة الأبطح في مائتين ومعه المال [5] ، ثم أقبلوا جميعا حتى دخلوا المسجد يكبّرون وينادون يا لثارات الحسين، يا لثارات الحسين. فلمّا رأى ذلك أصحاب ابن الزبير خافوهم، ورأى ابن الحنفية أنّه قد امتنع فقال لأصحابه: اخرجوا بنا إلى الشعب، فخرجوا، ولم يقدر ابن الزبير على حبسهم، فأقاموا [47 أ] بالشعب [6] . وبلغنا أنّ أبا عبد الله الجدلي لما نزل بذات عرق كتب إلى ابن الحنفية يعلمه قدومه، فبعث إليه ابن الحنفية: إنّي أكره أن تدخل الحرم بالسلاح، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد نهى عنه، وأقبل أبو عبد الله في أصحابه معهم الخشب حتى دخلوا المسجد، وإنما سمّوا الخشبيّة لذلك، فأخرجوا محمدا وعبد الله بن العباس وأصحابه من حظيرة زمزم، وكانت بنو هاشم من أول النهار محصورين

_ [1] انظر أنساب الأشراف ق 1 ص 522. [2] في الأصل: «صاف» ، وفي أنساب الأشراف: «قد صف» . [3] في أنساب الأشراف «فيما بينهم» . [4] في الأصل: «طيبان» والتصويب من أنساب الأشراف. [5] أنساب الأشراف: «ومعه مال بعث به المختار وهو أربعمائة ألف درهم» ق 1 ص 522. [6] يسميه ابن أعثم «شعب أبي طالب» . انظر ج 1 ص 11 ب- 12 أ. وفي البلاذري- أنساب الأشراف بعد «على حبسهم» «فخرج فنزل شعب علي وضم إليه المال الّذي عنده وأتته الشيعة في عشرة وعشرين ورجل ورجلين حتى اجتمع معه أربعة آلاف رجل ويقال أقل من أربعة آلاف فقسم بينهم المال الّذي أتاه» . ق 1 ص 522.

وآخره، ما منهم رجل إلّا وقد أخذ بحقويه [1] رهط من قريش، متعوذون بهم. قال ابن الحنفية: ما أمركم به صاحبكم، فأخرج إليه كتابين: في أحدهما أن اضرب عنق عبد الله بن الزبير وعنق عبد الله بن صفوان وأبعث إليّ برأسيهما، فقال ابن الحنفية: فإن أنا لم أفعل ذلك ولم أدعكم فمه؟ قال أبو عبد الله: أمرنا إن لم تفعل ذلك أن [2] نضع الكتاب تحت أرجلنا ونسمع لك ونطيع. قال: وحجّ الناس في تلك السنة وهي سنة ست وستين على ثلاثة منازل: محمد بن علي في أصحابه على حدة، وعبد الله بن الزبير في أصحابه على حدة، ونجدة بن عامر الحروري في أصحابه على حدة. فلما أفاض الناس من عرفات نزل محمد بن علي شعب عليّ بن أبي طالب، فأقام معه أبو عبد الله الجدلي في الشعب مع أصحابه [47 ب] حتى قتل المختار، فلما بلغه قتله، سار حتى نزل أيلة، فبعث ابن الزبير في طلبه ابنا للمنذر بن الزبير. قال: ولما قدم محمد بن الحنفية أيلة بعث إليه عبد الملك بن مروان: إن أحببت أن تقدم علينا فتدخل في أمرنا فلك ما لنا وعليك ما علينا، وإن كرهت ذلك فسر حيث شئت وأحببت، فأقام بأيلة حتى قتل ابن الزبير، وانصرف إلى مكة فأقام بشعب علي [3] . ثم إنّه خرج وعبد الله بن عبّاس وجماعة من أهل بيتهما إلى الطائف، فأقاموا بها، ومات عبد الله بن عباس، ورأوا ذلّا وصغارا، فمشى بعضهم إلى بعض فتذاكروا وصية ابن عبّاس إياهم فمشى بعضهم إلى علي بن الحسين بن علي فذكروا ذلك له وأرادوه على الخروج من المدينة، فقال علي: يا سبحان الله تأمرونني بالخروج من دار الهجرة إلى دار الأعراب، فأصير أعرابيا بعد الهجرة، وتأمرونني بفراق قبر رسول

_ [1] أي استجار به. [2] زيادة. [3] انظر أنساب الأشراف ق 1 ص 523.

الله صلّى الله عليه وسلّم ومسجده أغدو وأروح إليه والصلاة فيه تعدل بألف صلاة، فانصرف القوم عنه وانطلق علي بن عبد الله بن عباس يرتاد ويطلب حتى أتى رستاقا بين الشام والمدينة فاشترى فيه قرية يقال لها الحميمة [1] فنزلها ونزلها ولده فكانوا بها، وقلّ قدومهم المدينة. أبو المنذر عن عوانة والشعبي أن ابن [48 أ] عبّاس دخل المسجد وقد سار الحسين بن علي عليه السلام إلى العراق فإذا هو بابن الزبير في جماعة من قريش قد استعلاهم بالكلام، فجاء ابن عباس حتى ضرب بيده على عضد ابن الزبير ثم قال: أصبحت والله كما قال الأول: يا لك من حمّرة بمعمر ... خلا لك الجوّ فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري [2] خلت الحجاز من الحسين بن علي وأقبلت تهدر في جوانبها. فغضب ابن الزبير فقال: والله إنّك لترى أنّك أحق بهذا الشأن من غيرك. فقال ابن عباس: إنّما يرى من كان في حال شكّ، وأنا من ذلك على اليقين. فقال ابن الزبير: وبأي شيء استحقّ عندك أنّكم أحقّ بهذا الشأن منّي؟ فقال ابن عبّاس: لأنا أحقّ بحقّ من تدل [3] بحقّه أنت. يا ابن الزبير! وبأي شيء استحقّ عندك أنّك أحقّ بها من سائر العرب إلّا بنا؟ فقال ابن الزبير:

_ [1] تقع الحميمة على يمين الطريق من معان إلى العقبة، إذ يقطع المسافر من الحميمة 12 كم ليبلغ الطريق، وبعدئذ يقطع 75 كم ليصل العقبة. [2] في الحيوان للجاحظ (تحقيق عبد السلام هارون القاهرة 1938) ج 3 ص 66 وج 5 ص 227، «يا لك من قبرة بمعمر» . والرجز منسوب لطرفة بن العبد. وانظر حياة الحيوان للدميري (مطبعة الاستقامة 1963) ج 2 ص 24. [3] في الأصل: «يدك» .

استحقّ عندي أني أحقّ بها منكم لشرفي عليكم قديما وحديثا. قال ابن عبّاس: أفأنت أشرف أم من شرفت به؟ قال ابن الزبير: إنّ من شرفت به زادني شرفا إلى شرف قد كان لي قديما. قال ابن عبّاس: فالزيادة أشرف أم المزيد عليه؟ فأطرق طويلا ثم قال: بل الزيادة أشرف وأعرف من المزيد عليه. قال [48 ب] ابن عباس: فالزيادة منّي أو منك؟ قال: بل منك ولم أبعد. قال: صدقت فأيّها كان أول؟ فتكلم ابن أخي [1] ابن الزبير وفيه بعض الزهو فقال: ابن عباس [2] ! دعني من لسانك هذا الّذي تقلبه كيف شئت، والله لا تحبوننا يا بني هاشم. قال ابن عباس: صدقت يا بنيّ نحن أهل بيت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم لا نحب من أبغضه الله أبدا. فأخذ ابن الزبير نعله فعلا بها رأس ابن أخيه، وقال: ما أنت والكلام لا أمّ لك، تنازع ابن عباس! فقال: لن يستحقّ الضرب من صدق، وإنّما يستحقّه من مذق ومرق. قال ابن الزبير: يا ابن عبّاس! أما ينبغي لك أن تصفح عن كلمة إلّا أعددت لها جوابا. قال ابن عبّاس: إنّما الصفح عمّن أقرّ، فأمّا من هرّ فلا. قال ابن الزبير: فأين الفضل إذن؟ قال: عندنا أهل البيت، لا نصرفه عن أهله فنظلم، ولا نضعه في غير أهله فنندم. قال ابن الزبير: أولست من أهله؟ قال: بلى إن نبذت الحسد ولزمت الجدد [3] . فانقضى حديثهم وقام القوم فافترقوا. أبو المنذر عن أبي مخنف والشرقي [4] وعوانة وأبي [5] مسكين قال: قال عبد

_ [1] الأصل: «ابن الزبير» ، ويتضح من تتمة الخبر انه ابن أخي ابن الزبير. [2] أي «يا ابن عباس» . وفي حاشية الأصل: «لعله: فقال ابن الزبير» . وهو خطأ. [3] في الأصل: «الحدد» . [4] يرد الاسم في المخطوط «الشرفي» ، وهو الشرقي بن القطامي. [5] في الأصل: «أبو» . والخبر في أنساب الأشراف ج 3 ص 268 (القاهرة) وق 1 ص 545 (إسطنبول) ، رواية عباس بن هشام بن الكلبي عن أبيه وجده وعن أبي مخنف وعوانه.

الله ابن الزبير وهو على المنبر بمكة يخطب الناس إذ أقبل ابن عباس، وقد كفّ بصره: إنّ هاهنا رجلا قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره، يزعم أنّ المتعة حلال من الله ورسوله وهي الزنا المحض [1] ، [49 أ] ويفتي الناس في القملة والنملة، وقد حمل [2] بيت مال البصرة، وتركهم [3] يرضخون النوى، وكيف نلومه [4] على ذلك، وقد قاتل أمّ المؤمنين، وحواري رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن وقاه بيديه [5] . فقال ابن عبّاس: لقائده [6] سعيد ابن جبير، وهو مولى لبني أسد بن خزيمة، وقال بعضهم بل كان عكرمة: استقبل بي ابن الزبير، وارفع من صدري [7] ، ثم حسر عن ذراعيه فقال: يا ابن الزبير، إنّا إذا ما فئة نلقاها ... نردّ أولاها على أخراها بالمشرفيات إذا [8] نغشاها ... ضربا إذا نحن تقلدناها حتى تكون صرعا [9] دعواها ... قد أنصف القارة من راماها يا ابن الزبير! أمّا العمى فإنّ الله تعالى يقول فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ 22: 46

_ [1] عبارة «وهي الزنا المحض» غير مثبتة في رواية أنساب الأشراف، وانظر أيضا شرح نهج البلاغة ج 20 ص 129- 131. [2] في أنساب الأشراف: «وقد حمل ما في بيت مال البصرة» . [3] في ن. م.: «وترك أهلها» . [4] في ن. م.: «يلام» . [5] في ن. م. «ومن وقاه بيده، يعني طلحة» . [6] في ن. م.: «لقائده، يقال إنه سعيد بن جبير» . [7] عبارة «وارفع من صدري» غير مثبتة في رواية أنساب الأشراف. [8] في الأصل: «إذا ما» ولا يستقيم البيت مع «ما» . وهذا البيت ليس مثبتا في رواية أنساب الأشراف. [9] في أنساب الأشراف: «حتى يصر ضرعا دعواها» ، ق 1 ص 545.

وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي في الصُّدُورِ 22: 46 [1] ، وإنّما كان يوم زوّجت صفية بنت عبد المطلب من العوّام بن خويلد [2] . وأما فتياي في القملة والنملة فإن فيهما حكمين لا تعلمهما [3] أنت ولا أصحابك. وأمّا قولك في المتعة فقد أحلّها الله عزّ وجل في كتابه إذ قال جلّ ثناؤه: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ به مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً 4: 24 [4] ، ولقد عمل بها على عهد رسول الله صلى الله [49 ب] عليه وسلّم، وما حدث نبيّ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحلّل ويحرّم، وإنّك لمن متعة، فإذا نزلت عن منبرك فسل أمّك أسماء ابنة أبي بكر ذات النطاقين عن بردي عوسجة وهل أنت من متعة أم غير ذلك [5] . وأمّا حملي مال البصرة فإنّه مال كنّا جبيناه فأعطينا كلّ ذي حقّ حقّه، وبقيت بقية هي دون حقّنا في كتاب [6] الله فأخذناها بحقّنا. وأما قتال عائشة [7] فبنا سمّيت أمّ المؤمنين لا بك ولا بآبائك، فانطلق أبوك وخالك طلحة [8] إلى حجاب مدّه الله عليها فهتكاه عنها وانجداها [9] يقاتلان دونها وصانا حلائلهما [10] ، فو الله ما

_ [1] سورة الحج، الآية 46. [2] عبارة: «وإنما كان ... خويلد» ليست في رواية أنساب الأشراف. [3] في الأصل: «لا تعلمها» والتصويب من أنساب الأشراف. [4] سورة النساء، الآية 24. [5] انظر أنساب الأشراف ق 1 ص 545، العقد الفريد ج 4 ص 14 وص 414، ومروج الذهب ج 5 ص 187- 190 حيث يفسر هذا القول المنسوب إلى ابن عباس بما ينفيه. [6] في أنساب الأشراف «في كتاب الله وسهامه» . [7] في ن. م. «أم المؤمنين» . [8] يضيف ن. م. «فعمدا» بعد (طلحة) . [9] في ن. م. «واتخذاها فئة يقاتلان دونها» . [10] يضيف في ن. م.: «في بيوتهما» بعد (حلائلهما) .

أنصفا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [1] إذ مدّا على بناتهما ونسائهما السجوف، وأبرزا زوج رسول الله صلى الله عليه وسلّم للحتوف ومقارعة السيوف [2] . وأمّا قتالنا إيّاكم فإن زبيرا لقيناه بالبصرة فقاتل فقتل [3] ، فإن كنّا لقيناكم زحفا كفّارا [4] فقد كفرتم بفراركم من الزحف، وإن كنّا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم المؤمنين [5] ، فلا أراني أجد لأبيك مخرجا [6] ، وأيم الله لولا مكان خديجة فينا وصفيّة فيكم ما تركت فيكم مهموزا إلّا هشمته [7] . فلمّا نزل ابن الزبير عن منبره أتى أمّه فسألها عن بردي عوسجة، وعمّا قاله ابن عباس فقالت: ألم أنهك عن ابن عباس وعن بني هاشم [50 أ] وأنّهم كعم الجواب إذا بدهوا، قال: بلى، فعصيتك، قالت [8] : يا بني احذر هذا الأعمى الّذي ما أطاقته الجن ولا الأنس، واعلم أنّ عنده فضائح قريش كلّها وقومك، وصدق والله إنّك لمن متعة. وفي ذلك يقول ابن خريم بن فاتك الأسدي: يا ابن الزبير لقد لاقيت بائقة ... من البوائق [9] فالطف لطف محتال لقيته هاشميّا طاب مغرسه ... في منبتيه كريم العمّ والخال [10]

_ [1] في ن. م. «فو الله ما أنصفا الله ولا محمدا في ذلك» . [2] عبارة: «إذ مدا على بناتهما ... السيوف» غير واردة في أنساب الأشراف. [3] عبارة: «فإن زبيرا لقيناه بالبصرة فقاتل فقتل» غير مثبتة في الأنساب الأشراف. [4] في ن. م.: «ونحن كفار» . [5] في ن. م.: «إيانا» . [6] عبارة «فلا أراني أجد لأبيك مخرجا» غير مثبتة في أنساب الأشراف. [7] في أنساب الأشراف: «ما تركت لك عظما مهموزا إلا كسرته» . [8] انظر أنساب الأشراف ق 1 ص 545. [9] البائقة: الداهية. [10] في شرح نهج البلاغة ج 2 ص 131: «لاقيته هاشميا طالب منبته ... في مغرسيه كريم العم والخال»

ما زال يقرع منك العظم مقتدرا ... على الجواب بصوت مسمع عال حتى رأيتك مثل الكلب [1] منجحرا ... خلف الغبيط [2] وكنت البادئ العالي [3] إنّ ابن عبّاس المحمول [4] حكمته ... خير الأنام له حال من الحال عيّرته المتعة المتبوع سنتها ... وبالقتال وقد عيّرت بالمال لمّا رماك على رسل بأسهمه ... جرت [5] عليك كسوف الحال والبال فاحتزّ مفصلك الأعلى بشفرته ... حزّا وحيّا بلا قيل ولا قال واعلم بأنك إن حاولت نقصته ... عادت عليك مخاز [6] ذات أذيال ينبشن والدك الأعلى ووالده ... والهاشميون حيّ غير أنذال [7] أبو المنذر: عن أبي مخنف والشرقي وعوانة: أنّ معاوية بينا هو جالس على سريره [50 ب] وعنده الناس إذ استأذن عليه ابن عبّاس وابن الزبير، فدخلا وسلّما ثم جلسا على كرسيّين أحدهما تلقاء صاحبه. فأقبل معاوية على ابن الزبير فقال له: عليك بابن [8] عبّاس تجده لك قرنا [9] ودعني من منازعتك إياي فربّما آذيتني [10] . فقال ابن الزبير: أقول يا ابن عباس؟ فقال: قل ما بدا لك. قال: أيّهما أولى بالمرء: اللبّ أم الأدب؟ قال ابن عبّاس: اللبّ حباء من الربّ، والأدب تكلّف من القلب، فاللبيب من نظر في العواقب

_ [1] في الأصل: «مثل السلب» وما أثبتنا رواية أنساب الأشراف. [2] في الأصل: «العبيط» ، «والغبيط» رواية أنساب الأشراف. [3] في أنساب الأشراف: «العالي» ، وفي شرح نهج البلاغة: «الباذخ الغالي» . [4] في شرح نهج البلاغة: «المعروف» . [5] في أنساب الأشراف: «جرى» . [6] في الأصل: «مجازي» وما أثبتنا رواية أنساب الأشراف وشرح نهج البلاغة. [7] لم يرد هذا البيت في أنساب الأشراف ولا في شرح نهج البلاغة. [8] في الأصل: «يا بن» . [9] في الأصل: «قرن» . [10] في الأصل: «أدنيتني» .

وأحكمته التجارب، والأديب من قبل من المرء الأريب. قال: صدقت، فأيّهما أضرّ بالمرء: الحسد أم النكد؟ قال ابن عباس: الحسد داعية النكد ودليلك على ذلك أنّ إبليس حسد آدم فكان حسده نكدا على نفسه فصار لعينا بعد أن كان مكينا. قال: صدقت، فأيّهما أضرّ: الجهل أم قلة العقل؟ قال: لم ير جاهل [1] إلّا من قلّة العقل، وإنّما يدور الجهل على قلّة العقل. قال: فأيّهما أشين بذي الشرف: أجبنه أم بخلة؟ قال: البخل شقاء والجبن بلاء، فالشقاء أدوم ضرورة على البدن من البلاء، بخل غير البخيل، ولم تر بخيلا أنال جزيلا، ولم يبخل من أدّى حقّ الله في ماله. قال: فأيّهما أزين به: شجاعته في الحروب أم سخاؤه في الجدوب [2] ؟ قال: السخاء إذا كان في حقّ الله أجمل والشجاعة في [51 أ] سبيل الله أفضل، ولم يسخ من وضع سخاءه في غير موضعه، ولم يشجع من قاتل في غير تقوى ربّه. قال: فأيّهما أشدّ على البدن: الغمّ أم الغضب؟ قال: مخرجهما واحد واللفظ مختلف، فمن نازع من يقوى عليه أظهره فكان غضبا، وإذا نازع من لا يقوى عليه كتمه فكان غمّا. قال: فأيّهما أقبح: الكذب أم النميمة؟ قال: الكذب ذلّ والنميمة لؤم [3] ، فمن كذب فجر، ومن نمّ سحر. قال: فأيّهما أعظم: السرقة أم الخيانة؟ قال: السرقة محاربة والخيانة مواربة، فالسارق لئيم والخائن ذميم. قال: فأيّهما أشين: الإسراف أم الإقتار؟ قال: الإسراف من طينة السخاء غير أنه جاز الحقّ، وماذا بعد الحقّ إلا الضلال، والإقتار من طينة البخل، والبخل أقبحهما. قال: فأيّهما أفضل: الحلم أم العلم؟ قال: الحلم من الكرم وحسن الخلق، والعلم من الدين،

_ [1] في الأصل: «جاهلا» . [2] في الأصل: «الجذوب» . [3] انظر عيون الأخبار ج 2 ص 26.

فمن حلم ظفر، ومن علم حذر، فالحذر منجح، والحلم مفلح. قال: صدقت في كلّ ما وصفت، وقد انقضت مسائلي. قال ابن عبّاس: فأسألك؟ قال: لا. قال: وأبيك ما أنصفتني. قال: إني أخاف أن يشمت بي أو بك معاوية. قال معاوية: لا وأبيك، ما بك الشماتة يا ابن الزبير، ولكن خشيت على نفسك إذ همز بك غلام أبطحيّ هاشميّ منافيّ لم تقعد به أعراقه ولم تشنه أخلاقه فهمزك همز القناة [51 ب] لثقافها حتى اعتدل صعرك، واستقام له ميلك. قال ابن الزبير: الحمد للَّه الّذي لم [1] يمتني حتى رأيتك تفخر عليّ بفخر غيرك، أمّا ابن عباس فجماله جمالي، وهو ابن خالي، وأيم الله لو كنت أنت المتكلّم لأفحمنّك ولألجمنّك لجاما تمج لشكيمه دما ثم تستمرّه علقما. فقال معاوية: قاتلك الله يا ابن الزبير! ما أجرأك علينا، وأجبنك عن غيرنا، وإنك لكما قيل [2] : جهلا علينا وجبنا عن عدوّكم ... لبئست الخلّتان: الجهل والجبن قال ابن الزبير عند ذلك: إذا رأوا خلّة طاروا بها فرحا ... منّي وما علموا من صالح دفنوا [3] قال ابن عبّاس: يا أمير المؤمنين إنّما كلمت ابن عمّي ولم أرد به بأسا، ولم يرد بي، فأعفنا أنت مما تقول فإنك لا تدري إلى ما نؤول. أبو المنذر عن أبي مسكين عن ابن إسحاق قال: لما أخرج [4] ابن الزبير،

_ [1] زيادة يفرضها السياق. [2] في النص «قال» وفي الهامش «قيل» وبه أخذنا. [3] في اللسان: «إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ... » ، وقد نسبه صاحب اللسان لقعنب ابن أم صاحب. انظر اللسان ج 16 ص 148. [4] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 287 (القاهرة) ، ق 1 ص 551- 2 (إسطنبول) .

ابن الحنفية إلى الطائف وطرده إليها، قام ابن عباس خطيبا فقال: أمّا بعد فإن تعجّبي لا ينقضي من انتزائك [1] على بني عبد المطّلب تخرجهم من حرم الله وأمنه، وهم أولى به منك وأوفر منه نصيبا، وهم القوم الذين علوت بنسبهم ولولاهم لكنت كبعض من هو ملقى بالأبطح، أما والله يا ابن الزبير، إنّ عواقب الظلم لتردّ [2] إلى فساد وندم. [52 أ] فقال ابن الزبير: ما منك عجب [3] يا ابن عباس ولكن منّي [4] حيث أتركك تنطق عندي ملء فيك. فقال: والله ما نطقت عند وال قطّ من الولاة أخسّ عندي ولا أصغر حظّا منك، قد والله نطقت غلاما عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وعند أبي بكر وهو يتعجّب لتوفيق الله إياي، ثم نطقت رجلا عند عمر وعثمان وعليّ وهم يتعجّبون مني، وكلّ هؤلاء خير منك ومن أبيك وأبرّ وأزكى وأتقى وأنقى [5] . فقال ابن الزبير: إنّك لهاهنا، أما والله إن كنت لي ولأهل بيتي مبغضا، لقد كتمت بغضك وبغض أهل بيتك مذ أربعون سنة. فقال ابن عباس: أما والله ليبلغنّ ذاك بك إلى الخروج من الإيمان، ولقد ضرّك والله بغضي وآثمك، وكانت عواقب الضرّ فيه لك وعليك، إذ دعاك ذلك إلى ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم في خطبتك [6] ، زعمت كيلا

_ [1] في الأصل: «انبرائك» . [2] في الأصل: «ليرد» والتصويب من أنساب الأشراف ج 3 ص 199 (القاهرة) ق 1 ص 524 (إسطنبول) حيث ترد الرواية الكاملة مع اختلافات بسيطة. [3] في أنساب الأشراف ج 3 ص 199 (القاهرة) ق 1 ص 524: «ما منك أعجب» . [4] في ن. م. «ولكن من نفسي حين أدعك ... » . [5] انظر ن. م. ج 3 ص 199- 200، ق 1 ص 524. [6] في أنساب الأشراف، بعد (خطبتك) ، «فإذا عوتبت على ذلك قلت إن له أهيل (الأصل: الكيل) سوء، فإذا صليت عليه تطاولت أعناقهم وسمت رءوسهم ... » ج 3 ص 200، أو انظر شرح نهج البلاغة ج 20 ص 127- 128.

ولد عبد الله بن العباس

تطاولك [1] أعناق أهل بيتي، وتعاتب على ذلك فتقول: إنّ له أهل سوء. فقال ابن الزبير: اخرج عنّي فلا أراك تمرّ بي، فقال: أنا والله فيك أزهد من أن تراني أقربك. ولد عبد الله بن العباس عليّ بن عبد الله، كنيته أبو محمد، ولد ليلة قتل عليّ بن أبي طالب في شهر رمضان [52 ب] سنة أربعين فسمّي باسمه [2] ، وكان أصغر ولد عبد الله سنّا، وكان أجمل قرشي وأوسمه وأمرأه، وكان يقال له السجّاد. وسنفرد أخباره بعد انقضاء أخبار عبد الله بن عباس إن شاء الله. والعباس بن عبد الله كان أكبر ولده وبه كان يكنى، وكان يقال له الأعنق، وكان من أجمل ولده، وقد روى عنه ولا عقب له. ومحمد والفضل وعبد الرحمن ولبابة وأمهم زرعة بنت مشرح بن معديكرب بن وليعة بن شرحبيل بن معاوية بن حجر القرد [3] بن الحارث الولادة بن عمرو بن ثور ابن مرتّع، واسمه عمرو بن ثور وهو كندة [4] . ومشرح بن معديكرب أحد

_ [1] الأصل: «تطؤك» ، والتصويب من أنساب الأشراف. [2] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 311، ق 1 ص 560. [3] في الأصل: «الفرد» وفي أنساب الأشراف والنسب الكبير لابن الكلبي «القرد» . ويقول ابن الكلبي «إنما سمي القرد لنداه وجوده بلغتهم، وأهل اليمن يقولون: الجواد القرد» . النسب الكبير ج 1 ص 114، وص 112. وانظر جمهرة الأنساب ص 428. [4] يعطي ابن الكلبي سلسلة النسب هذه إلى «شرحبيل بن معاوية من كندة» جمهرة النسب ق 1 ص 15، ويعطي مؤرج بن عمرو السدوسي السلسلة إلى «مرتع» إذ يختمها بقوله «معاوية بن الحارث بن ثور بن مرتع من كندة» كتاب حذف من نسب قريش، (باعتناء المنجد دار

الملوك الأربعة وهم أربعة: مخوس وجمد ومشرح وأبضعة [1] ، ويقال سمّي الحارث بن عمرو الولادة لكثرة ولده. وللملوك الأربعة يقول صاحب [2] عكاظ: أنشد باللَّه ملوكا أربعة ... من مشرح وجمد وأبضعه وأسماء بنت عبد الله وأمّها أمّ ولد. وكانت لبابة بنت عبد الله عند علي ابن عبد الله بن جعفر، فولدت له محمدا وإسحاق وإبراهيم ويعقوب وإسماعيل وزينب بني علي، ثم خلف عليها إسماعيل بن طلحة بن عبيد الله، فولدت له أمّ يعقوب، ثم فارقها فتزوّجها محمد [3] بن عبيد الله بن العباس. وكانت أسماء بنت عبد الله عند [53 أ] عبد الله بن عبيد الله بن العباس فولدت له حسنا وحسينا [4] .

_ [ () ] العروبة، القاهرة 1960) وينفرد البلاذري بالقول «مشرح بن معديكرب بن وكيعة ... ويقال وليعة» أنساب الأشراف ج 3 ص 311، وانظر الطبري- المنتخب من ذيل المذيل س 4 ص 2497. [1] انظر النسب الكبير لابن الكلبي ج 1 ص 116، وجمهرة الأنساب ص 428. [2] في الأصل: «صاحبه» . ويبدو أن المشار إليه هو الأعشى ميمون بن قيس، الّذي اشترك في يوم النجير وفيه قتل الملوك الأربعة، انظر معجم البلدان ج 5 ص 272- 274 وترجمة الأعشى هذا في الأغاني. ويذكر ابن الكلبي خبر الملوك الأربعة ومقتلهم يوم النجير ويضيف «ولهم تقول (الأصل: يقول) النائحة: يا عين بكي [] الملوك الأربعة ... مخوس ومشرح وجمد وأبضعة» . انظر النسب الكبير ج 1 ص 116. [3] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 311، الطبري- المنتخب من ذيل المذيل س 4 ص 2335. [4] انظر جمهرة الأنساب ص 19.

ومن أخبار عبد الله بن العباس المنثورة

ومن أخبار عبد الله بن العباس المنثورة قال: ذكر عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه عند عبد الله بن العبّاس فقال: عقم النساء أن يأتين [1] مثله، باللَّه ما رأيت رئيسا مجرّبا قط يوزن موزنه [2] . لقد رأيته بصفّين وهو على فرس له كأنّ عينيه سراجا سليط [3] ، عليه عمامة بيضاء مصقولة، وهو يقف على شرذمة شرذمة، يحمشهم ويحضّهم، قال: فوقف عليّ وهو [4] في كثف [5] من المسلمين فقال: معاشر [6] المسلمين! استشعروا الخشية، وتجلببوا السكينة، واخفضوا الأصوات، وأقلقوا [7] السيوف في الأغماد قبل السلّة [8] ، والحظوا الخزر، واطعنوا الشزر، ونافحوا بالظبا، وصلوا السيوف بالخطا، والنبل بالقنا [9] ، واطووا عن الحياة كشحا [10] ، وامشوا إلى الموت مشية [11] سجحا، وإياكم والفرار فإنّه عار في الأعقاب ونار يوم الحساب، واعلموا أنكم بعين الله

_ [1] في الأصل: «أن يأتي» . [2] انظر عيون الأخبار لابن قتيبة (ط. دار الكتب 1925) ج 1 ص 110. [3] السليط: الزيت. [4] في عيون الأخبار: «وأنا» . [5] في الأصل: «كتف» ، والتصويب من عيون الأخبار، والكثف: الحشد والجماعة. [6] انظر نص الخطبة في شرح نهج البلاغة ج 5 ص 168، وفي عيون الأخبار ج 1 ص 110. [7] في شرح النهج وعيون الأخبار: «وقلقلوا» . [8] في شرح النهج «قبل سلها» . [9] في عيون الأخبار: «والرماح بالنبل» . [10] في شرح النهج: «وطيبوا عن أنفسكم نفسا» . [11] في ن. م. وعيون الأخبار: «مشيا» .

مع ابن عمّ رسول الله، وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطنّب فاضربوا ثبجه فإن الشيطان في كسره [1] نافج [2] خصييه [3] مفترش [ذراعيه] [4] قد قدّم للوثبة يدا وأخر للنكوص رجلا، فصمدا صمدا حتى يتجلّى [5] لكم الحقّ وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم. [53 ب] مصعب بن عبد الله قال: قال العبّاس لعبد الله: إنّي أرى هذا الرجل- يعني عمر- قد أدناك وأكرمك فاحفظ عنّي ثلاثا: لا يجربنّ عليك كذبا، ولا تفشينّ له سرّا، ولا تغتابنّ عنده أحدا. محمد بن سلام عن محمد بن القاسم الهاشميّ قال: قال العبّاس لابنه عبد الله: يا بنيّ أنت أعلم منّي وأنا أفقه منك، إنّ هذا الرجل يدنيك- يعني عمر بن الخطاب- فاحفظ عنّي ثلاثا: لا تفشينّ له سرّا، ولا تغتابنّ عنده أحدا، ولا يطّلعنّ منك على كذبة [6] . محمد بن سلام قال: سعى ساع إلى ابن عباس برجل فقال: إن شئت نظرنا فيما قلت، فإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن كنت صادقا مقتناك، وإن أحببت أقلناك، قال: هذه. أحمد بن محمد بن حرب قال: قال عبد الله بن عبّاس لرجل من جلسائه: دع ما لا يعنيك فإنّه فضل، ولا تكلّم بما يعنيك في غير موضعه،

_ [1] في شرح النهج: «كامن في كسره» وفي عيون الأخبار «راكد في كسره» . [2] في الأصل: «نافجا» . [3] في الأصل: «حضنيه» ، والتصويب من عيون الأخبار. [4] زيادة من عيون الأخبار. [5] في شرح النهج: «ينجلي لكم عمود الحق» . [6] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 214 (القاهرة) وق 1 ص 528 وص 548- 9 (إسطنبول) والكامل ج 1 ص 265 وج 2 ص 312، والعقد الفريد ج 1 ص 9- 10، وعيون الأخبار ج 1 ص 19.

فربّ متكلّم بما يعنيه في غير موضعه قد عنت، ولا تمار سفيها ولا حليما فإنّ الحليم يغلبك، وإنّ السفيه يؤذيك [1] ، واذكر أخاك بما تحبّ أن يذكرك به، ودعه ممّا تحبّ أن يدعك منه [2] ، واعمل عمل من يرى أنّه مجزيّ بالإحسان مأخوذ بالإجرام. سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: سمعت ابن عبّاس يقول: كنت [54 أ] أنا وأمّي من المستضعفين، كانت أمّي من النساء وكنت أنا من الصبيان. يحيى بن محمد عن إسحاق بن محمد المسيّبي [3] عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن الأعرج عن عبد الرحمن بن حسان عن أبيه حسّان بن ثابت قال: بدت لنا معشر الأنصار إلى الوالي حاجة، وكان الّذي طلبنا أمرا صعبا، فمشينا إليه برجال من قريش وغيرهم فكلّموه وذكروا له وصية رسول الله صلى الله عليه وسلّم بنا فذكر صعوبة الأمر، فعاوده القوم وخرجوا وألحّ عليه ابن عباس فو الله ما وجد بدّا من قضاء حاجتنا. فخرجنا حتى دخلنا المسجد فإذا القوم فيه أندية، فقال حسّان: فصحت وأنا أسمعهم: إنّه والله أولاكم بها، إنها والله صبابة النبوّة، ووراثة أحمد صلى الله عليه وسلّم، وتهذيب أعراقه، وانتزاع شبه طبائعه، فقال القوم: أجمل يا حسّان، فقال ابن عباس: صدقوا أجمل، فأنشأ حسّان يمدح ابن عباس: إذا ما ابن عبّاس بدا لك وجهه ... رأيت له في كلّ مجمعة فضلا إذا قال لم يترك مقالا لقائل ... بملتقطات لا يرى بينها فصلا

_ [1] انظر العقد الفريد ج 3 ص 6. [2] انظر العقد الفريد ج 2 ص 336. [3] في الأصل: «المسيني» . انظر ص 384 من هذا الكتاب.

كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع ... لذي رأيه في القول جدا ولا هزلا سموت إلى العليا بغير مشقّة ... فنلت ذراها لا جبانا ولا وغلا [54 ب] فقال الوالي: والله ما أراد بالجبان والوغل غيري، والله بيني وبينه. وقال عبد الله بن عبّاس: لا يزهدنّك [1] في المعروف كفر من كفره فإنّه يشكرك عليه من لم تصطنعه إليه. وقال ابن عبّاس: ألعب ابنك سبعا، واستكفه سبعا، وأصحبه نفسك سبعا، يتبيّن لك أثقة هو في المحيا والممات أم لا. أبو عبد الله محمد بن يحيى الأزدي قال: حدّثنا الحسين بن محمد المروزي قال: حدّثنا سليمان بن عمر عن رشدين بن كريب عن ابن عبّاس قال: ثلاثة لا أكافئهم: رجل ضاق بي مجلس فأوسع لي، ورجل ظمآن فسقاني، ورجل اغبرّت قدماه في الاختلاف إليّ، ورابع لا أقدر على مكافأته فإنّه رجل حزبه [2] أمر فبات ساهرا فلما أصبح لم يجد لحاجته غيري [3] . وقال ابن عباس: إنّي لأستحي من الرجل يطأ بساطي ثلاث مرات لا يرى عليه أثر من أثري. أحمد بن عبد الرحمن بن الفضل قال: حدّثنا الحسن بن محمد بن أعين الحدّاني قال: حدّثني محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن مروان قال: قال عامر ابن مسعود: كنّا جلوسا في مجلس عند الكعبة إذ مرّ بنا بريد ينعى معاوية

_ [1] في الأصل: «لابن هذيل» وهو تحريف، والتصويب من الكامل للمبرد ج 1 ص 138 وعيون الأخبار ج 3 ص 178. [2] في الأصل: «حزنه» . [3] انظر عيون الأخبار ج 3 ص 176، وأنساب الأشراف ق 1 ص 550.

[فقلت لأصحابي: قوموا إلى ابن عباس، وهو يومئذ بمكة وقد كفّ بصره، فنكون أوّل من يخبره هذا الخبر فنسمع ما يقول. فقمنا واستأذنا عليه، ودخلنا وإذا بين يديه خوان ولمّا يوضع الخبز، فسلّمنا وقلنا: هل أتاك الخبر يا أبا العبّاس؟ قال: وما هو؟ قلنا: بريد نعى معاوية] [1] ، قال [2] : ارفع خوانك يا غلام، ثم ظلّ واجما، مطأطئ الرأس لا يتكلم طويلا، ثم [55 أ] رفع رأسه فقال: جبل تزعزع ثم مال بركنه ... في البحر لارتقت عليه الأبحر اللَّهمّ فإنك أوسع لمعاوية، أما والله ما كان مثل من كان قبله، وما بعده مثله، وإنّ ابنه هذا لمن صالحي أهل بيته لقومه، ما نحن وبنو عمّنا إلّا كعضوي [3] لقمان، قتل صاحبنا غيرهم فأغرينا بهم وقتل صاحبهم غيرنا فأغروا بنا. أما والله ما أغراهم بنا إلّا أنّهم لم يجدوا مثلنا، وقد قال الأول: ألطمك أنّي لا أجد مثلك، فاتّقوا الله يا معشر فتيان قريش، ولا تقولوا: جدّ بني أمية، ذهب لعمر الله جدّهم، وبقيت بقية هي أطول مما مضى، الزموا منازلكم، وأدّوا بيعتكم، قرّب خوانك يا غلام. فإنّا لنتغدّى [4] إذ جاء رسول أمير مكّة فقال: إنّ الأمير يدعوك إلى البيعة، فقال: ما تصنعون برجل قد ذهب منه ما تخافون؟ قل له: افرغ ممّا عندك، فإذا سهل المشي إليك أتيتك فصنعت ما تريد. فلما خرج الرسول قلنا: يا أبا العبّاس! أتبايع يزيد وهو يشرب الخمر؟ قال: أين ما قلت لكم

_ [1] زيادة من كتاب التاريخ ص 242 أ. [2] في كتاب التاريخ: «فقال» ص 242 أ. [3] هكذا، ولعله: كصحر ولقمان. انظر القصة في الحيوان للجاحظ ج 1 ص 21- 22. [4] في كتاب التاريخ «فإنا لم نتغد بعد» ص 242 ب.

آنفا؟ أنكم تستمعون [1] ولا تعون، كم من شارب الخمر [2] وشرّ منه لم يشربها، ستبايعونه على ما أراد حتى يصلب مصلوب قريش. فرجع الرسول فقال [3] : لا بدّ من أن تأتيه، فقال: يا نوار [55 ب] هاتي ثيابي إلّا بدّ، وما تصنعون برجل قد ذهب منه ما تخافون؟ امتنعوا مما قد أظلكم، صبّحكم أو مسّاكم يذلّكم. ثمّ قام وقمنا معه حتى أتى الأمير فبايعه وبايعنا [4] . قال: قدم ركب من بني عبد الله بن بلال بن عامر البصرة، فبلغ ذلك عبد الله بن العبّاس وهو يومئذ عامل عليّ بن أبي طالب على البصرة، فأرسل إليهم فأتوه فقال: ما منعكم من النزول على ابن أختكم- وكانوا أخواله-؟ فقالوا: نزلنا في بني هلال، وكرهنا جماعة الناس وغمّ الأزقّة، وأحببنا، فسحة هذا الظهر نسرح فيه. قال: إذن لا تبعدوا من أن يأتيكم القرى، فكانت الجفان تغدو عليهم وتروح بألوان الطعام، فقال ابن المنتخب الهلالي: إنّ ابن عبّاس وجود يمينه ... كفى كلّ معتلّ قرانا وباخل وأرحلنا عنه ولم ينأ خيره ... ولا غاله عن برّنا أمّ غائل تروح وتغدو كلّ يوم جفانه ... بكلّ سديف الّتي للجوع قاتل الحسن بن علي العنزي قال: حدّثنا أحمد بن الهيثم بن فراس الشاميّ قال: حدّثنا أبو عمر العمري حفص بن عمر- مولى لبني عامر من قريش بصري- قال: حدثني هشيم قال: حدثني خالد بن معدان عن زيد [5] بن علي بن الحسين

_ [1] في ن. م. «تسمعون» . [2] في ن. م. «شارب خمر» ص 242 ب. [3] في ن. م. «وقال» ص 242 ب. [4] في كتاب التاريخ: «وبايعنا معه» ص 242 ب. [5] في الأصل: «يزيد» .

ابن [56 أ] علي قال: قال طلحة بن عبيد الله: يا ابن عباس هل لك في المناحبة على أن تعدل [1] عنّا النبيّ صلى الله عليه وسلّم. فتحاكما إلى كعب الأحبار فقال كعب: أنتم معشر قريش أعرف بأنسابكم، إلّا أنّا نجد في الكتب أنّ الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيا قطّ إلّا من خير من هو منه، فقضى لابن عبّاس على طلحة. قال أبو عمرو فقلت لهشيم: ما المناحبة؟ قال: المفاخرة. قال: لمّا عمي عبد الله بن عباس عزّاه الناس عن عينيه فقال: لو هنئت بثواب الله عليهما لكفّ وجدي عليهما ولقام الصبر لي مقام العزاء للذي أرجو من ثواب من أخذهما. وقال: لما فرغ عليّ رحمة الله عليه ورضوانه من قتال أهل البصرة بعث [2] ابن عباس إلى عائشة رضي الله عنها وهي في ذكر شيء خلف الستر [3] فأتاها ابن عباس فاستأذن في الدخول فلم تأذن له، فدخل من غير إذن فلم تطرح له شيئا يقعد عليه، فأخذ وسادة فجلس عليها. فقالت: أخطأت السنّة يا ابن عبّاس، دخلت علينا من غير إذن وجلست على مقرمتنا [4] من غير أمرنا. فقال: ما أنت والسنّة نحن علّمناك وأباك السنّة، ونحن أولى بها منك، والله ما هو بيتك، وإنّما بيتك الّذي خلّفك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فخرجت منه ظالمة لنفسك فأوردت من بنيك ممن أطاعك [56 ب] موارد الهلكة، ولو كنت في بيتك الّذي خلّفك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم ندخله إلّا بإذنك، إنّ أمير المؤمنين

_ [1] انظر لسان العرب مادة (نحب) ، والمناحبة المفاخرة والمحاكمة. [2] جاء هذا الخبر في العقد الفريد ج 4 ص 328- 329 منقولا عن ابن عباس مع اختلاف في كثير من الألفاظ والعبارات. وكذلك في شرح نهج البلاغة ج 6 ص 229. [3] زيادة تفرضها تتمة الرواية. [4] في الأصل: «تكرمتنا» وهو تحريف، وفي العقد الفريد «وسادتنا» .

يأمرك بتعجيل الرحلة إلى المدينة وقلّة العرجة. قالت: أردت عمر بن الخطاب؟ قال: عليّ والله أمير المؤمنين وإن تربّدت [1] فيه وجوه، وأرغمت فيه أنوف [2] ، والله إن كان إباؤك لعظيم الشؤم، ظاهر النكد، وما كان مقدار طاعتك إلّا مقدار حلب شاة، حتى صرت تأمرين فلا تطاعين، وتدعين فلا تجابين، وما مثلك إلّا كما قال أخو بني أسد: ما زال يهدي [3] والهواجر بيننا ... شتم الصديق وكثرة الألقاب حتى تركت كأنّ صوتك فيهم ... في كلّ ناحية طنين ذباب [4] فانتحبت حتى سمع حنينها [5] من وراء الستر، ثم قالت [5] : والله ما في الأرض بلدة أبغض إليّ من بلدة أنتم بها معاشر بني هاشم. فقال: والله ما ذاك يدنا عندك وعند أبيك، لقد جعلنا أباك صدّيقا وهو ابن أبي قحافة، وجعلناك للمؤمنين أمّا وأنت ابنة أمّ رومان. قالت: أتمنّون عليّ برسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ قال: إي والله أمنّ [6] عليك بما لو كان فيك قلامة منه مننت به على الخلق، وإنّما نحن دمه ولحمه وأنت حشيّة من تسع حشايا

_ [1] في الأصل: «تزبدت» . [2] كتبت كلمة «معاطس» في الأصل فوق كلمة «أنوف» . [3] في الأصل: «يهدا» . [4] في شرح نهج البلاغة: ما زال إهداء الصغائر بيننا ... نث الحديث وكثرة الألقاب حتى نزلت كأن صوتك بينهم ... في كل نائبة طنين ذباب والبيتان منسوبان في المضاف والمنسوب (ص 397) إلى حضري بن عامر. انظر شرح نهج البلاغة ج 6 ص 229. [5] في شرح نهج البلاغة «نحيبها» . [6] في العقد الفريد «نعم نمن عليك ... » .

خلّفهنّ [57 أ] رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والله ما أنت بأطولهنّ طولا ولا أنضرهنّ عودا. فانصرف ابن عبّاس وأخبر عليا بالذي جرى فقال: أنا كنت سديد الرأي حيث أرسلتك إليها. العبّاس بن محمد بن حاتم الدوري يقول: أفادني أبو بكر الأعين هذا الحديث، حدّثنا هشام بن زيد العسكري في قطعية الربيع، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن مالك بن معول عن وائل بن داود عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: دخلت أنا وأبي علي النبيّ صلى الله عليه وسلّم فلما خرجنا من عنده قلت لأبي: أما رأيت أنت الرجل الّذي كان مع النبيّ صلى الله عليه وسلّم؟ ما رأيت رجلا أحسن وجها منه، فقال لي: هو كان أحسن وجها أو النبيّ صلى الله عليه وسلّم؟ قلت: هو. قال: فارجع بنا إليه، فرجعنا فدخلنا عليه، فقال أبي: يا رسول الله! أين الرجل الّذي كان معك؟ زعم عبد الله أنه كان أحسن وجها منك. قال: يا عبد الله! ورأيته؟ قلت: نعم. قال [1] : أما إنّ ذلك جبريل، إنّه لمّا أقبلتما قال لي: يا محمد! من هذا الغلام؟ قلت: هذا ابن عمّي، هذا عبد الله بن عبّاس، قال: أما إنّه لمخيل للخير، قلت: يا روح الله! ادع له، قال: اللَّهمّ اجعل منه كثيرا طيبا [2] . قال: كان عبد الله بن عبّاس إذا أقبل قلت من أجمل الناس، وإذا

_ [1] زيادة، يؤيدها نص أنساب الأشراف. [2] في أنساب الأشراف ج 3 ص 249، ق 1 ص 539، يرد هذا الخبر عن عبد الله بن صالح المقرئ عن حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس، «قال: كنت وأبي عند النبي (ص) ، فكان كالمعرض فلما خرجنا قال لي أبي: بني، ألم تر إلى النبي كأنه معرض عني؟ فقلت إنه كان يناجي رجلا. فرجعنا إليه، فقال له: إني قلت لعبد الله كذا فقال كذا، فكان معك أحد يا رسول الله؟ فقال رسول الله (ص) : أرأيته يا عبد الله؟ قلت نعم، قال: ذاك جبريل» .

تكلم قلت من أفصح الناس، وإذا أفتى قلت من أعلم الناس [1] . وقال ابن [57 ب] عبّاس: لجليسي عليّ ثلاث: أن أرميه بطرفي إذا أقبل، وأوسع له إذا جلس، وأصغي إليه إذا حدّث [2] . أبو المنذر عن أبيه عن سعيد [3] بن جبير قال: قلت لابن عبّاس: إنّ الناس قد أكثروا عليك في المتعة، وعاتبك بنو أميّة وآل الزبير حتى قالت الشعراء. قال: وما قالت؟ قلت: قالت:- أقول للشيخ لمّا طال مجلسه ... يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس اقصد لها رخصة الأطراف ناعمة ... تكون مثواك حتى يصدر الناس [4] فشقّ ذلك عليه وأمر مناديه أن ينادي: ألا إنّ المتعة حرام كلحم الميتة ولحم الخنزير، ولا تحل إلّا لمضطرّ. أبو المنذر عن أبي مسكين قال: قال ابن عبّاس: إني لأماشي عمر في سكّة من سكك المدينة فقال لي: يا ابن عبّاس! ما أظنّ صاحبك إلّا مظلوما. فقلت في نفسي: والله لا يسبقني بها، فقلت له: فاردد [5] ظلامته، فانتزع يده من يدي، ومضى وهو يهمهم ساعة، ثمّ وقف فلحقته فقال: يا ابن

_ [1] يرد هذا الخبر في أنساب الأشراف، رواية خلف بن هشام البزاز عن شريك بن عبد الله عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق، باختلاف بسيط في بعض الألفاظ. ج 3 ص 254، ق 1 ص 540. [2] انظر عيون الأخبار ج 1 ص 306. وفي أنساب الأشراف: «المدائني عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، قال: قال ابن عباس: لجليسي عندي ثلاث، إذا أقبل رحبت به، وإذا قعد أوسعت له، وإذا حدث أنصت لحديثه واستمعت منه» ج 3 ص 282، ق 1 ص 550. [3] يروي عيون الأخبار ج 4 ص 95 هذا الخبر عن سعيد بن جبير، وهذا النص أوفى. [4] في عيون الأخبار: «حتى رجعة الناس» . [5] في الأصل: «فأردت» .

عباس! ما أظنّهم منعهم من صاحبك إلّا أنهم استصغروه. فقلت في نفسي: هذه شرّ من الأخرى، فقلت: والله ما استصغره الله ورسوله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر. وقال عمر لعبد الله بن عبّاس: أتدري ما منع الناس من ابن عمّك أن [58 أ] يولّوه هذا الأمر؟ قال: ما أدري، قال عمر: لحداثة سنّه. قال: فقد كان يوم بدر أحدثهم سنّا، يقدّمونه في المؤازرة ويؤخرونه في الإمامة. حدّثنا أبو عمر، وأحمد بن عبد الله يرفعه، قال: مرّ عمر بعلي عليه السلام وهو يحدّث الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: إلى أين يا أمير المؤمنين؟ فقال: أريد الحديقة- يعني بستانا له-. فقال: أأونسك بابن عبّاس؟ فقال عمر: إذن أوحشك منه. فقال عليّ عليه السلام: إني أوثرك به على نفسي، قم يا ابن عبّاس فحدّثه. فقام إليه وسايره، فقال عمر: ما أكمل صاحبكم هذا لولا، فقال عبد الله لولا ماذا؟ فقال عمر: لولا حداثة سنّه وكلفه بأهل بيته وبغض قريش له. فقال عبد الله بن عبّاس: أتأذن لي في الجواب؟ فقال عمر: هات. فقال: أمّا حداثة سنّه فما استحدث من جعله الله لنبيه أخا وللمسلمين وليّا، وأمّا كلفه بأهل بيته فما ولي فآثر أهل بيته على رضاء الله، وأمّا بغض قريش له فعلى من تنقم؟ أعلى الله حين بعث فيهم نبيّا، أم على نبيّه حين أدّى فيهم الرسالة، أم على عليّ حين قاتلهم في سبيل الله؟ فقال عمر: يا ابن عبّاس! أنت تغرف من بحر وتنحت من صخر [1] .

_ [1] انظر العقد الفريد ج 3 ص 280.

وصية عبد الله بن عباس عند موته [58 ب] رحمة الله عليه ورضوانه

وصية عبد الله بن عباس عند موته [58 ب] رحمة الله عليه ورضوانه قال عمارة بن حمزة: لمّا حضرت عبد الله بن عباس الوفاة أوصى عليّا ابنه فقال: يا بنيّ! إن أفضل ما أوصيك به تقوى الله الّذي هو دعامة الأمر وبه يقوم الدين والدنيا، ومن بعد ذلك فاعلم يا بنيّ أنّ الناس قد أصبحوا إلّا قليلا في عمى من أمرهم يضرب بعضهم بعضا على دنيا فانية قد نعاها الله إليهم، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول لجدّك: هذا الأمر كائن في ولدك عند زواله [1] عن بني أمية، فمن ولي منهم أمر الأمّة فليتّق الله، وليعمل بالحق، وليقتد برسول الله صلى الله عليه وسلّم فإنّ أحقّ الناس باتباع أثره أمسّهم به رحما، وليست الحجاز لكم بدار بعدي فإذا أنت واريتني فالمم شعث أهلك والحق بالشام فإنّ لبني أمية أكلا لا بدّ أن يستوفوه، وهم وإن كانوا على ضلالتهم وعتوّهم أرأف بك وبأهلك من آل الزبير للرحم التي بينك وبينهم، وتوقّ حركات [2] بني عمّك من بني عليّ بن أبي طالب وأوص بذلك ولدك فإنّ لهم حركات [2] يقتل الشاخص فيها. وهلك عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما وصلى عليه محمد بن الحنفية فلما دفن قال: مات [59 أ] ربّانيّ هذه الأمة [3] .

_ [1] في الأصل: «عند زوال هذا الأمر» وما أثبتنا من كتاب التاريخ ص 242 ب. [2] في كتاب التاريخ «خرجات» ص 243 أ. [3] انظر كتاب التاريخ ص 242 ب- 243 أ.

محمد بن يوسف بن يعقوب الهاشمي قال: حدّثني عبد الله بن عبد الرحمن ابن عيسى قال: حدثني سليمان بن عيسى بن موسى عن عيسى بن موسى بن محمد بن علي عن أبي عبد الله محمد بن علي قال: لمّا حضرت عبد الله بن العبّاس الوفاة قال له أبو محمد عليّ بن عبد الله: بأيّ الرجلين تأمرني أن ألحق؟ - يعني عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير-. قال: يا بنيّ الحق بابن عمّك عبد الملك فإنّه أقرب وأخلق للإمارة [1] ، ودع ابن الزبير فإيّاك وإيّاه، فإنّي رأيته لا يعرف صديقه من عدوّه، ومن يكن كذلك لم يتمّ أمره ولم يصف له، إنّ عبد الملك مشى القدميّة [2] وإن ابن الزبير مشى القهقرى، وتمثل: بنونا: بنو أبنائنا، وبناتنا: ... بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد وقال: يا بنيّ إذا أتيت الشام فخيّرك عبد الملك المنازل، فانزل الجبال بالشراة، فإن الملك إذا تحوّل عن بني أميّة تحوّل إلى رجل من أهل الشراة من أكبر أهل بيت في الناس، من أكثر حيّ في الناس- يعني أكثر في الشرف- وأنتم أولئك. فلما توفّي عبد الله افترق عليّ والعبّاس ابنا عبد الله فلحق العبّاس بمصعب بن الزبير، وانتهى عليّ في عبد الملك إلى قول أبيه [59 ب] ، فلما قدم عليه خيّره المنازل، فاختار الشراة، وأكرمه، وعرف له حقّه، وسأله عن أخيه العبّاس فقال: أتى العباس [العراق] [3] لحاجة له، فقال: لا بل اختار مصعبا، أما إني إن ظفرت به عرفت حقّه

_ [1] في ن. م. ص 243 أ: «بالامارة» . [2] في الأصل: «التقدمية» . [3] زيادة من كتاب التاريخ ص 243 ب.

موت عبد الله بن عباس رحمه الله

ووصلت قرابته ولم اعتد عليه بذلك. وسأل مصعب العباس عن عليّ فقال: أتى الشام لحاجة، فقال: بل اختار عبد الملك أما إني إن ظفرت به عرفت حقّه ووصلت قرابته ولم أنسها له [1] . موت عبد الله بن عباس رحمه الله حدّث محمد بن الضحاك عن داود بن عطا مولى المزنيّين عن موسى ابن عقبة عن مجاهد أن عبد الله بن العبّاس مات بالطائف فصلّى عليه ابن الحنفية فأقبل طائر أبيض فدخل في أكفانه، فما خرج منها حتى دفن معه [2] ، فلما سوّي عليه التراب قال محمد بن الحنفية: مات والله اليوم حبر هذه الأمّة. سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: لمّا مات عبد الله بن العباس قال محمد بن علي: مات ربّانيّ هذه الأمة. أبو المنذر عن أبيه عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه قال: حدّثني عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم أخبره أنّه إذا قبض سقى الله [60 أ] قبره سحابة بيضاء قدر القبر، فتصبّ ماءها حتى ترويه ثلاثا ثم تقشّع. فلما دفن سمعوا صوتا: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً 89: 27- 28 الآية [3] ،

_ [1] في ن. م. ص 243 ب، إن مصعبا قال: «أما إني إن ظفرت به لم أستبقه ولم أنسها له» . [2] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 289، ق 1 ص 522. [3] سورة الفجر، الآيتان 27 و 28.

وأتى طائر أبيض فدخل قبره، وأصابه ذلك المطر كما جاء عنه صلى الله عليه وسلّم. سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: توفّي عبد الله بن عباس بالطائف سنة ثمان وستين [1] وهو ابن إحدى وسبعين سنة، وكان يصفّر لحيته. وحدّث علي بن المغيرة عن هشام بن محمد بن السائب قال: صلى محمد ابن علي على عبد الله بن عباس وكبّر عليه أربعا وضرب على قبره فسطاطا.

_ [1] انظر مروج الذهب ج 3 ص 108، والمعارف لابن قتيبة (تحقيق ثروة عكاشة- ط. دار الكتب) ص 123.

أخبار علي بن عبد الله بن العباس [1] ولد علي بن عبد الله ليلة قتل عليّ بن أبي طالب في شهر رمضان سنة أربعين فسمّي باسمه، وكان أصغر ولد عبد الله سنّا، وكان أجمل قرشيّ وأوسمه، وكان يكنى أبا محمد، ويقال له: السجّاد. ويقال: سمّي باسم علي بن أبي طالب وكني بكنيته، أبا [2] الحسن، فقال له عبد الملك بن مروان: لا والله ما أحتمل لك الاسم والكنية جميعا فغيّر أحدهما، فغيّر كنيته فصيرها أبا محمد، وكان أصغر ولد أبيه سنّا وكان جميلا وسيما. وروي [3] عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّه افتقد عبد الله بن عباس في وقت صلاة الظهر فقال لأصحابه: ما بال [60 ب] أبي العباس لم يحضر؟ فقالوا: ولد له مولود. فلما صلى قال: امضوا بنا إليه، فأتاه فهنّأه فقال: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، ما سمّيته؟ فقال: أو يجوز أن أسمّيه حتى تسمّيه؟ فأخرج إليه فأخذه فحنّكه ودعا له ثم ردّه إليه وقال: خذ إليك أبا الأملاك، قد سمّيته عليّا، وكنّيته أبا الحسن. فلما قام [4]

_ [1] انظر أخباره في أنساب الأشراف ق 1 ص 560 وما بعدها. [2] في الأصل: «أبو» . [3] روى المبرد هذا الخبر، الكامل ج 2 ص 217. [4] انظر كتاب التاريخ ص 243 ب.

أخبار علي بن عبد الله بن العباس [1]

معاوية قال لابن عباس: ليس لكم اسمه وكنيته، قد كنّيته أبا محمد، فجرت عليه. صفة علي بن عبد الله معن بن عيسى قال: حدّثني عطّاف بن خالد الوابضيّ قال: رأيت عليّ بن عبد الله يصبغ بالسواد. الفضل بن دكين قال: حدثنا هشيم [1] بن هشام عن [2] أبي ساسان [3] عن أبي المغيرة قال: إن كنّا لنطلب لعلي ابن عبد الله الخفّ فما نجده حتى نصنعه له صنعة، والنعل فما نجدها حتى نصنعها له صنعة، وإن كان ليغضب فنعرف ذلك فيه بيّنا، وإن كان ليصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة. أبو قلابة قال: حدّثني نصر بن قديد أبو صفوان القديدي قال: حدّثني إسحاق بن عيسى بن علي بن عبد الله عن أبيه قال: بينا نحن نطوف مع أبينا علي بن عبد الله، وهو فوقنا بنحو ذراع، إذ نظر إليه شيخ [4] فقال: من هذا؟ فقيل: عليّ بن عبد الله بن عبّاس. قال: سبحان الله [61 أ] لشدّ ما نقص الناس! لقد رأيت جدّ هذا وهو مثل القبّة، ولقد رأيت أباه عبد المطلب وهو مثل الخباء [5] .

_ [1] في الأصل: هشم. انظر فهرس الطبري (ط. دي خوية) ص 614، وس 1 ص 1835. [2] زيادة. [3] هو حضين بن المنذر. انظر فهرس الطبري ص 142. [4] زيادة يقتضيها السياق. [5] قارن بالكامل ج 1 ص 93.

أحمد بن السري البزّاز الرياشي قال: حدّثنا الأصمعي قال: كان علي ابن عبد الله يتخطّى البعير وهو بارك. قال: كان علي بن عبد الله سيدا شريفا بليغا [1] . ويقال: إنّ عليّ بن عبد الله كان إلى منكب أبيه عبد الله وكان عبد الله إلى منكب العبّاس، وكان العبّاس إلى منكب عبد المطلب [2] . وقال عليّ ابن عبد الله: سادة [3] الناس في الدنيا الأسخياء وفي الآخرة الأتقياء. محمد بن عبد الله العطّار قال: حدثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ قال: حدّثني ابن عائشة عن أبيه قال: قدم طبيب من أطبّاء الرّوم على خليفة من الخلفاء من بني أميّة فلقيه عليّ بن عبد الله بن العبّاس فقال له: إنّ أبي عبد الله بن عباس ذهب بصره وعبد المطلب ذهب بصره وأنا أجد في بصري سواء، قد خفت أن يصيبني ما أصابهم، فنظر إليه فقال: تجنب الملح وما غلب عليه الملح، فتقطّعت أشفاره، وفسدت أجفانه، وبقي بصره على حاله. عبد الله بن الربيع قال: حدّثني الهيثم بن عدي قال: قال عليّ بن عبد الله بن عبّاس في وقعة الحرّة حيث وثب دونه الحصين [4] بن نمير فمنعه من أن يبايع على أنه عبد قنّ، فقال له مسرف: [61 ب] يا حصين خلعت يدك من الطاعة؟ قال: أمّا في هذا فنعم، والله لا يبايعك [5] إلّا على ما نريد. فبايعه على كتاب الله وسنّة محمد نبيّه صلى الله عليه وسلّم، ثمّ مدّ يده ليمسح بها يده فمنعه حصين ومسح حصين يده على يد عليّ ثم مسح حصين

_ [1] انظر ن. م. ج 2 ص 217. [2] انظر ن. م. ج 1 ص 92. [3] انظر العقد الفريد ج 1 ص 229. [4] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 324، ق 1 ص 564. [5] في الأصل: «نبايعك» .

يد مسرف فعند ذلك يقول عليّ بن عبد الله مفتخرا: أبي العبّاس قرم [1] بني لؤيّ [2] ... وأخوالي الكرام [3] بنو [4] وليعه هم منعوا ذماري يوم جاءت ... كتائب مسرف [5] وبنو اللكيعه أراد [6] بي التي لا عزّ [7] فيها ... فحالت دونه أيد رفيعه [8] وبايع غيره على ما أرادوا غير عليّ بن عبد الله وعليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب فإنّه قال لمسرف: أبايع على ما بايع عليه ابن عمي، فقبل ذلك منه لوصية يزيد عند توجيهه مسرفا إلى المدينة. فقال سالم بن عبد الله بن عمر لعبد الله: يا أبه! أما ترى ما يصنع هذا بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه؟ فقال: يا بنيّ! كلّ بمرأى من الله ومسمع، إن شاء أن يغيّر غيّر.

_ [1] في الأصل: «قوم» والتصويب من مروج الذهب ج 5 ص 165، والكامل ج 1 ص 260. [2] في الكامل: «بني قصي» . [3] في مروج الذهب والكامل «الملوك» . [4] في الأصل: «بني» . [5] انظر الكامل ج 1 ص 260- 261. [6] في الأصل: «أإذ» والتصويب من مروج الذهب والكامل. [7] في الأصل «لا عر فيها» والتصويب من مروج الذهب والكامل. [8] في حاشية الأصل: «ويروى: أيد منيعة» وهو نص الكامل، وفي مروج الذهب «أيدي ربيعة» .

رؤيا علي بن عبد الله

رؤيا علي بن عبد الله رأى عليّ بن عبد الله بن العبّاس في النوم كأنّ بيتا مشحونا أفاعي وأنّ [62 أ] ثعبانا أسود خرج من تحت أمّ عبد الله بن علي فأكلها، فخرجت نار من تحت أمّ أبي جعفر فأحرقت الثعبان. فلمّا أصبح قصّ رؤياه فقال: تأويل رؤياي أنّ فلانة- يعني أمّ عبد الله- تلد منّي من يقتل بني أميّة، وتلد فلانة- أمّ أبي جعفر- من يملك السلطان فينازعه قاتل بني أميّة فيقتله. ومن أخبار علي بن عبد الله مع الوليد بن عبد الملك أنّه ضربه [1] بالسوط مرتين: مرة بسبب تزويج عليّ بن عبد الله لبابة بنت عبد الله بن جعفر، وكانت عند عبد الملك، فعضّ تفّاحة ثم رمى بها إليها، وكان أبخر، فدعت بسكّين، فقال: ما تصنعين بها؟ قالت: أميط عنها

_ [1] انظر المعارف ص 207، والكامل للمبرد ج 2 ص 217- 218. وجاء في أنساب الأشراف (ق 1 ص 563، ج 3 ص 319) ، «وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده، قال: لم يزل علي بن عبد الله بن عباس أثيرا عند عبد الملك بن مروان، كريما عليه، حتى طلق عبد الملك أم أبيها بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فتزوجها علي، فتغير له، وثقل عليه، فبسط لسانه بذمة، وقال: إنما صلاته رياء وسمعة. وكان الوليد بن عبد الملك يسمع ذلك من أبيه فلما ولي أقصاه وعابه عليه حتى ضربه وسيره» . انظر أيضا مخطوط عقد الجمان للعيني (دار الكتب المصرية) ج 11 ص 487.

ومن أخباره مع سليمان بن عبد الملك وهشام

الأذى، فطلّقها، فتزوّجها عليّ بن عبد الله فضربه الوليد، وقال: إنّما تتزوّج بأمّهات أولاد الخلفاء لتضع منهم [1] ، لأن مروان بن الحكم إنّما تزوّج بأمّ خالد بن يزيد بن معاوية ليضع منه. فقال عليّ بن عبد الله: إنّما أرادت الخروج من هذا البلد، وأنا ابن عمّها، فتزوّجتها لأكون لها محرما [2] . وأما ضربه إيّاه في المرّة الثانية، فإنّه يروى أنّه ضربه بالسوط [3] ، وحمل على بعير يدار به، ووجهه مما يلي الذنب، وصائح يصيح عليه: هذا عليّ بن عبد الله الكذّاب. قال: فدنا منه رجل فقال: ما هذا الّذي نسبوك فيه إلى الكذب؟ قال بلغهم قولي: إنّ هذا [62 ب] الأمر سيكون في ولدي، والله ليكوننّ فيهم حتى يملكهم عبيدهم الصغار العيون، العراض الوجوه [4] الذين كأنّ وجوههم المجانّ المطرقة. ومن أخباره مع سليمان بن عبد الملك وهشام وروي أن عليّ بن عبد الله دخل على سليمان [5] بن عبد الملك ومعه ابنا ابنه الخليفتان أبو العباس وأبو جعفر، ويقال إنّه دخل على هشام، فأوسع له على سريره وسأله عن حاجته فقال: ثلاثون ألف درهم عليّ دين فأمر

_ [1] في كتاب التاريخ «لتضع من أمر الخلافة» . [2] في الكامل: «مخرجا» . [3] انظر الكامل ج 2 ص 218 والرواية عن أبي عبد الله محمد بن شجاع البلخي. [4] انظر كتاب التاريخ ص 244 أ- ب. [5] يخطّئ المبرد هذه الرواية ويرى أن الحادث كان في أيام هشام، وهو على صواب. انظر الكامل ج 2 ص 219.

جلالة علي بن عبد الله

بقضائه، وقال له: تستوصي بابنيّ هذين، ففعل، فشكره وقال: وصلتك رحم. فلمّا ولّى عليّ قال الخليفة لأصحابه: إنّ هذا الشيخ قد اختلّ وأسنّ وخلّط فصار يقول: إنّ هذا الأمر سيصير إلى ولده، فسمع ذاك عليّ، فالتفت إليه فقال: والله ليكوننّ ذاك، وليملكنّ هذان [1] . جلالة علي بن عبد الله قال: إنّ عليّ بن عبد الله كان إذا قدم مكة حاجّا أو معتمرا، عطّلت قريش مجالسها في المسجد الحرام [2] وهجرت مواضع حلقها [3] ولزمت مجلس علي بن عبد الله في المسجد الحرام وحلقته إجلالا له وإعظاما وتبجيلا، فإن قعد قعدوا وإن نهض نهضوا وإن مشى مشوا أجمعون [4] ، [63 أ] ولم يكن يرى لقريش مجلس في المسجد يجتمع إليه فيه حتى يخرج علي بن عبد الله من الحرم [5] . وقال زرارة الحجبي: ما رأيت من بالحرم من قريش يعظّمون منافيّا إذا قدم عليهم الحرم إعظامهم عليّ بن عبد الله، وإني يوما في بطن الكعبة ونفر من ورائي يخلّقها [6] ويخمّرها، وقد أغلقنا علينا بابها، إذ رفع باب

_ [1] انظر الكامل ج 2 ص 218- 219. [2] في الأصل: جاء بعد (المسجد الحرام) «وحلقتها» وهي زائدة حذفناها اعتمادا على رواية عيون التواريخ لابن شاكر الكتبي (خط) ص 159. [3] في الأصل: «حلقتها» والتصويب من عيون التواريخ. [4] في عيون التواريخ: «جميعا حوله» وفي عقد الجمان «حوله» . [5] في مخطوط عيون التواريخ ص 159، ومخطوط عقد الجمان ج 11 ص 488: «ولا يزالون كذلك حتى يخرج من الحرم» . [6] من الخلوق وهو الطيب.

الكعبة، وخرجت حلقته، فبادرنا إلى الباب مستعظمين لذلك، منكرين له، ففتحنا الباب، فإذا قريش مزدحمة على درجة الكعبة، فقلت: سبحان الله تفعلون هذا بباب بيت الله؟ فقالوا: أبو الخلفاء من بني هاشم قائم على بابها، وأنت في بطنها، فإذا عليّ بن عبد الله بن عبّاس في وسطهم، وهم حوله، يريد دخوله الكعبة، ففتحت [1] له الباب فدخل ودخلوا، وإنّ والي بني أميّة ما يستترون منه بإعظام عليّ بن عبد الله وتبجيله، ولا أخفوا مقالتهم مخافة أن تبلغه [2] . عبد الله بن هارون بن موسى قال: حدّثني أبي عن جدّي عن أبيه محمد ابن عبد الله قال: حضرت عند هشام بن عبد الملك، وفتح البابين، ووضع الغداء فدخل عليه آذنه فقال: يا أمير المؤمنين! بالباب رجل على برذون له، لا يدخل إلّا أن تأذن له. قال: ويلك ومن هو؟ ايذن له، فإذا عليّ ابن عبد الله بن عبّاس، فساعة دخل قام إليه ثم قال: يا معشر قريش قوموا إلى سيّدكم، هذا يرتفع من حيث يتّضع الناس، ثم سأله [63 ب] حوائجه فقضى له أربع حوائج لها قيمة عظيمة، ثم أنشأ هشام [3] يقول: إن [4] أبصرته قريش قال قائلهم ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم هذا ابن خير عباد الله كلّهم ... هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم

_ [1] في الأصل: «ففتحت» . [2] في الأصل: «أن يبلغه» . [3] الأبيات من قصيدة للفرزدق يمدح بها الإمام زين العابدين علي بن الحسين. انظر الأغاني ج 15 ص 327. [4] في الأغاني: «إذا رأته قريش قال قائلها» .

جود علي بن عبد الله

جود علي بن عبد الله رجل [1] من كنانة عن أبيه عن جدّه أنّه خرج من الحجاز إلى سليمان بن عبد الملك بالشام في خلافته، قال: فلما انصرفت من عنده، نزلت بالشراة على عليّ بن عبد الله، فأقمت عنده أيّاما وليالي، في كلّ يوم ينزل عنده نفر من الحجاز وأهل الشام فيضيفهم، ويقريهم، ويزوّدهم، ويسأل أهل الحجاز عن أهل الحجاز، وأهل الشام عن أهل الشام، فإذا ارتحل أولئك من عنده نزل قوم آخرون، فذكرت ما يلزمه في ذلك من عظيم المئونة فتمثل قول عجير [2] السلولي: وماذا علينا أن تجيء ركائب ... كريموا المحيا شاحبوا المتحسّر [3] فتخبرنا عما نريد [4] ولو خلت ... لنا [5] القدر لم نخبر [6] ولم نتخبّر [7] أحمد بن يحيى بن جابر قال: حدثني حفص بن عامر العمري عن الهيثم

_ [1] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 317، ق 1 ص 562. [2] هو العجير بن عبد الله السلولي. انظر ترجمته في الأغاني ج 13 ص 57 وما بعدها. [3] في أنساب الأشراف ج 3 ص 318. وماذا علينا أن يوافي نارنا ... كريم المحيا شاحب المتحسر وفي الأغاني ج 13 ص 66: وماذا علينا أن يخالس ضوءها ... كريم نثاه شاحب المتحسر [4] في الأصل: «تريد» وفي أنساب الأشراف «فيخبرنا عما نريد» وفي الأغاني «فيخبرنا عما قليل» . [5] في الأغاني: «له» . [6] في الأصل: «لم تحبر» ، وفي الأغاني: «لم نعجب» وما أثبتنا رواية أنساب الأشراف. [7] في الأصل: «تتحبر» وما أثبتنا رواية الأغاني وأنساب الأشراف.

[64 أ] ابن عدي عن عوانة بن الحكم عن أبيه، قال: وحدّثني [1] عبّاس ابن هشام عن أبيه فسقت حديثهما قال: دخل عبد الملك بن عبد الله بن نذيره [2] على الوليد بن عبد الملك فسأله حمالة لزمته فمنعه إيّاها وزبره وقال: أنت صهر لطيم الشيطان- يريد عمرو بن سعيد الأشدق- فقال: أنا صهر أبي أميّة، وكانت عند عمرو [أم] [3] حبيب بنت حريث بن سليم العذري، فولدت له أميّة وسعيدا، فأنشأ عبد الملك بن عبد الله العذري يقول متمثلا بشعر يحيى بن الحكم [4] : فما [5] كان عمرو عاجزا غير أنّه ... أتته المنايا بغتة وهو لا يدري فلو أنّ عمرا كان بالشام زرته ... بإعوازها، أو كان يوما على مصر فقالت أمّ البنين بنت عبد العزيز امرأة الوليد، وهي جالسة خلف الستر: يا أمير المؤمنين! من هذا الأحمق؟ فقال: العذري- يعرّض بأبيها- وكان عمرو ضربه في الخمر: وددت وبيت الله أني فديته ... وعبد العزيز يوم يضرب بالخمر [6] فقالت: ما أجرأه عليك يا أمير المؤمنين! فقال: كفّي قبل أن يأتي بخيط باطل [وكان قد] [7] قال في شعره هذا:

_ [1] ترد الرواية في أنساب الأشراف «حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن عوانة بن الحكم عن أبيه» ج 3 ص 314، ق 1 ص 561. [2] في أنساب الأشراف «نديرة» . [3] زيادة من ن. م. [4] في ن. م. يحيى بن الحكم بن أبي العاص. [5] ن. م.: «وما» . [6] في ن. م. «في الخمر» . [7] زيادة من ن. م. ج 3 ص 315، ق 1 ص 561.

صلاة علي بن عبد الله

غدرتم بحي يا [بني] [1] خيط [باطل] [1] ... وكلّكم يبني البيوت على الغدر [2] [64 ب] فأمر به الوليد فأخرج [3] ، فصار إلى عليّ بن عبد الله فأخبره خبره، فقال عليّ: علينا المعوّل وعندنا المحتمل، فأعطاه حمالته وأجازه وكساه، فأنشأ العذري يقول في ذلك: شهدت عليكم أنّكم خير قومكم ... وأنّكم رهط [4] النبيّ محمّد فنعم أبو الأضياف والطالب [5] القرى ... عليّ حليف الجود في كلّ مشهد فإنّ الّذي يرجو سواكم، وأنتم ... بنو الوارث الزاكي، لغير مسدّد وإنّي لأرجو أن تكونوا أئمّة ... تسوسون من شئتم [6] بملك مؤيّد وإنّي لمن والاكم لألوقة [7] ... وإني لمن عاداكم سمّ أسود صلاة علي بن عبد الله قال: كان لعليّ بن عبد الله خمسمائة أصل زيتون يصلّي كلّ يوم إلى كلّ أصل ركعتين، فكان يدعى ذا الثفنات [8] . قال زرين مولى عليّ ابن عبد الله: كتب إليّ عليّ أن أرسل إليّ بلوح من المروة أسجد عليه،

_ [1] زيادة من ن. م. أما الأصل فجاء فيه «غدرتم تنحى يا حيط» . [2] في أنساب الأشراف «على غدر» . [3] في أنساب الأشراف ج 3 ص 315، ق 1 ص 561 «فأخرج عنه» . [4] في ن. م.: «آل» . [5] في ن. م.: «والطالبي» . [6] في ن. م.: «من سستم» . [7] في الأصل: «لألووه» ، وفي أنساب الأشراف ج 3 ص 315 «لألوفه» . وانظر الاشتقاق لابن دريد ص 177. [8] انظر الكامل للمبرد ج 2 ص 217.

ومما كان يتمثل به علي بن عبد الله

فكان يصلّي كلّ يوم أربعمائة ركعة، ويقال: إنّه كان يصلّي ألف ركعة [1] كل يوم [2] . وكانت قريش تسميه السجّاد، وإنّما عرفوا عدد ما يركع أنّه كان له خمسمائة أصل زيتونا، فكان يصلّي كلّ يوم تحت كل شجرة ركعتين. [65 أ] أحمد بن يحيى بن جابر [3] قال: حدّثني أبو أيوب الرقي [4] قال: حدّثني الحجاج الرصافيّ عن أبيه قال: كان علي بن عبد الله بالشراة من أرض دمشق لازما مسجده يصلّي كل يوم ألف سجدة [5] على لوح أتي به من زمزم، وكان لا يمر به أحد يريد الشام من الحجاز أو يريد الحجاز من الشام إلّا أضافه ووصله إن كان ممن يلتمس صلته. ومما كان يتمثل به علي بن عبد الله شيخ من الأنصار عن عمّه أنّه قال: كنت ردف أبي على بغل بالشام وهو يساير عليّ بن عبد الله بن عبّاس إذ طلعت خيل الوليد بن عبد الملك، فلمّا رآها عليّ بن عبد الله خاص عنه، ثمّ تمثّل قول جذل [6] الطعان:

_ [1] انظر المعارف لابن قتيبة ص 123. [2] في الأصل «كل يوم ألف» . [3] هو البلاذري، ويرد هذا الخبر في أنساب الأشراف ج 3 ص 317، ق 1 ص 562. [4] في ن. م. «أبو سليمان الرقي المؤدب» . [5] في ن. م. «خمسمائة ركعة» . [6] في الأصل: «جدل» والتصويب من الأغاني، وجذل الطعان عاش في العصر الجاهلي. انظر الأغاني ج 16 ص 60 وص 67، وفي الطبري س 3 ص 281 يرد ابن جذل الطعان، وفي مخطوط له جدل.

فإن أعجل إليك [1] فأنت همي ... وإن ألبث فكيدك ما أكيد فقلت لعمي: في أيّ سنة كان ذلك؟ قال: لا أدري لطول مقامنا كان بالشام. زيد بن سعد الأنصاري عن أبيه عن نجدة قال: كنت عند عليّ بن عبد الله بن عبّاس فدخل شيخ من بني عبد المطلب بن عبد مناف فحادثه ثم قال: يا أبا محمد، الوليد بن عبد الملك شديد العلّة، فتمثل عليّ بن عبد الله بقول يزيد [2] بن الصعق الكلابي: [65 ب] أواردة غدوا عكاظا بفجرها ... ولم يوفها بالكيل [3] بالصاع مترعا فقال الشيخ: يا أبا محمد لئن هلك قبل أن تكيل له بالصاع الّذي كان به يكيل لتحتلبنّ بنو أميّة من بعده دما. محمد بن عبد الرحمن الجمحيّ عن أبيه عن جدّه أنّه قال: قدمت الشام في خلافة الوليد بن عبد الملك فدخلت يوما مسجد دمشق فرأيت عليّ بن عبد الله جالسا فجلست إليه فقال: اسمع ما يقول هؤلاء المشيخة، فالتفتّ فإذا مشيخة من أهل الشام يقرظون بني أميّة ويقضئون [4] بني هاشم، فاسترجعت، فأخذ بيدي، ثم نهض ونهضت معه، فلما خرج من المسجد تمثل قول نابغة بني جعدة [5] :

_ [1] في الأصل: «فإن أعجل إليك عليك فأنت همي» . [2] هو يزيد بن عمرو بن الصعق الكلابي، جاهلي. انظر الأغاني ج 11 ص 155. [3] في الأصل: «ولم يوفها الصاع بالكيل بالصاع مترعا» وهو غير مستقيم الوزن ولعل ما أثبتنا أقرب إلى الصواب. [4] في الأصل: «يقصئون» . ويقضئون يعيبون. [5] هو عبد الله بن قيس، شاعر مخضرم. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (ط. بيروت 1964) ج 1 ص 208- 214.

ولد علي بن عبد الله [4]

فلا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... موارد تحمي صفوه أن يكدّرا [1] رجل من الحجية [2] عن جدّه أنّه نزل بالشراة على عليّ بن عبد الله، قال: فركب يوما لحاجة وأنا معه ثم أقبل نحو المنزل فإذا بنوه يرمون بالنبل بين غرضين ويجزون، فقال: يا أخا قصي، أتراهم جديرين بطلب ثأرهم؟ قلت: كذاك الظن بهم، فتمثل قول زفر [3] بن حارث الكلابي: وقد ينبت المرعى على دمن الثرى ... وتبقى حزازات النفوس كما هيا ولد علي بن عبد الله [4] [66 أ] محمد بن علي أبو الخلفاء، أمّه العالية بنت عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب، وداود بن علي، وعيسى بن علي، وهما لأمّ ولد، وسليمان بن علي وصالح بن علي وهما لأمّ ولد [5] ، وأحمد ومبشّر وبشر بنو علي لا عقب لهم، وإسماعيل وعبد الصمد وهما جميعا لأمّ ولد. ولأحمد بن إسماعيل يقول ابن الدّمينة الخثعميّ [6] :

_ [1] انظر البيتين في الشعر والشعراء ج 1 ص 208- 209. [2] انظر الاشتقاق لابن دريد ص 230. [3] زفر بن الحارث الكلابي، كان مع الضحاك بن قيس في مرج راهط، وقال بعدها قصيدته التي منها هذا البيت. انظر الطبري س 2 ص 483، ومروج الذهب ج 5 ص 203، وانظر أيضا الأغاني ج 2 ص 296- 297 وج 12 ص 198- 199. [4] انظر المعارف ص 124 وجمهرة أنساب العرب ص 20. [5] اسمها سعدى. المعارف ص 124. [6] هو عبيد الله بن عبد الله بن الدمينة الخثعميّ. انظر الأغاني (ط. دار الثقافة) ج 17 ص 47 وما بعدها.

يا أحمد الخير بن إسماعيلا ... إليك أشكو الغلّ والكبولا وغشم ظلم من بني سلولا ... إليك أزجي عنسا نسولا [1] صائبة الرجل [2] بها زجولا ... أظلّ فوق رحلها معدولا وعبد الله الأكبر لا عقب له وأمّه أم أبيها [3] بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن علي، لا عقب له، وأمّه من بني الحريش، وعبد الملك وعثمان وعبد الرحمن، وعبد الله الأصغر السفاح الّذي خرج بالشام، ويحيى وإسحاق ويعقوب وعبد العزيز وإسماعيل الأصغر وعبد الله الأوسط وهو الأحنف لا عقب لهم، وهم لأمّهات أولاد شتى، وفاطمة وأم عيسى الصغرى وآمنة [4] ولبابة وبريهة الكبرى وبريهة الصغرى وميمونة وأمّ علي [66 ب] والعالية بنات علي وهنّ [5] لأمهات شتى، وأم حبيب بنت علي وأمّها أم أبيها [6] بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

_ [1] في أنساب الأشراف ج 3 ص 356، ق 1 ص 571 جاء هذا الشطر: «أزجي إليك شارفا نسولا» . [2] في الأصل: «الرحل» ، ولا يرد هذا الشطر في أنساب الأشراف. [3] في الأصل: «أم ولد انها» والتصويب من المعارف ص 124، وأنساب الأشراف ج 3 ص 213، ق 1 ص 561. [4] وفي المصدرين السابقين «أمينة» . [5] في الأصل: «وهو» . [6] في الأصل: «أم ابنها» .

خبر [1] سليط بن عبد الله بن عباس مع علي بن عبد الله

خبر [1] سليط بن عبد الله بن عباس مع علي بن عبد الله قال: أخبرني أبي عن عيسى بن عبد الله قال: كان عبد الله بن عباس وطئ جارية له كان لا يثق بها، وكانت تدخل وتخرج، فجاءت بولد ذكر سمّاه سليطا، فكان في حياته يدعوه لأمّه [2] فلما توفّي ادّعت أمّ سليط أنّه من عبد الله فخاصمت عليّ بن عبد الله إلى الوليد بن عبد الملك، فتعصّب عليه الوليد، فأراد أن يحكم لسليط، وكره علي بن عبد الله أن يدخل في نسبه من ليس منه، فأرسل إلى سليط: لا حاجة لك في حكم الوليد، فائتني فإنّي أقرّبك وأشهد لك. فزعم الناس أن سليطا قتل، ثم سكرت له ساقية في بستان كان في منزل علي بن عبد الله ثم دفن فأجري عليه الماء فسأله الوليد عنه فأنكر، فأرسل إلى منزله ففتّش وأخذ بعض غلمانه فأقروا وأروهم [3] الساقية فنبشوها فأخرجوه وحملوه إلى الوليد فأمر بعلي بن عبد الله [فأقيم في الشمس] [4] ، فاجتنبه من كان بحضرته من بني هاشم خشية للوليد فجاء إليه عبد الله [5] بن عبد الله بن الحارث فألقى عليه مطرفه وحمله إلى

_ [1] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 319، ق 1 ص 561، وفيه تفاصيل أوفى، وقد روى الخبر عن عباس بن هشام (ابن الكلبي) عن أبيه عن جده. [2] الأصل: «عبده وأمه» وهو تحريف. ودلالة الرواية أن ابن عباس لم يعترف بأن سليطا ابنه. [3] في الأصل: «وأوروهم» . [4] زيادة من أنساب الأشراف ج 3 ص 322، ق 1 ص 564. [5] انظر المصدر السابق.

ملتقطات أخبار علي بن عبد الله

منزله وعالجه، فلم يزل في منزل عبد الله حتى عوفي، فلمّا عوفي أخرجه [67 أ] الوليد إلى الحميمة، وقال: لا تجاورني بدمشق فاضطغن علي بن [1] عبد الله ما فعل به حتى كان من أمره ما كان. ملتقطات أخبار علي بن عبد الله رجل من بني مخزوم عن أبيه عن جدّه، أنّه خرج من مكّة إلى يزيد بن عبد الملك بالشام في خلافته، فلمّا انصرف من عنده نزل بالشراة على علي بن عبد الله، فصادفه في مسجده وبنوه حوله ومواليه، وفبهج عليّ برؤيته وجذل [2] بقربة وسأله عن حاله وما صنع في مسيره. قال: ثم سألني عمّن رأيت من بني أميّة بالشام [3] ومن خلفته منهم بالحجاز، فلمّا فرغ من مسألته عنهم شكاهم إليّ، ثم أقبل على بنيه فقال: يا فلان! اقرأ، يا فلان! حدّثنا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يا فلان! أفرض، يا فلان! اخطب، يا فلان! أنشد. فانتهى كل واحد إلى ما أمره به ثم قال لهم: تذاكروا الحلال والحرام، وليسأل بعضكم بعضا عنه، ويحتج بعضكم على بعض فيه، ويروي بعضكم فيه الحديث لبعض، ففعلوا ذلك. وأقبل عليّ بوجهه فقال: يا أخا مخزوم! كيف ترى فتيان بني [4] هاشم؟ قلت: يا أبا محمد! أراهم

_ [1] زيادة يقتضيها المعنى. [2] في الأصل: جدل. [3] في الأصل: «ثم سألني عمن رأيت من بني رأيته من بني أمية بالشام» فحذفنا: «من بني رأيته» لأنها مقحمة. [4] في الأصل أضيفت كلمة «بني» فوق السطر بين «فتيان» و «هاشم» .

ملء عين الصديق ورغم العدوّ. فضرب بيده على فخذي ثم قال: يا أخا مخزوم! أما وربّ الكعبة لا ينامون عن طلب ثأرهم حتى يدركوه. [67 ب] حدّث بعض مشايخنا أن زرينا مولى عبد الله بن عباس قال: كان عليّ بن عبد الله جالسا في زمزم فأقبل إليه شيخ من كنانة فقبّل رأسه وأطرافه وتنشّقه بالقبل وترشّفه، وجعل يفدّيه بأبيه وأمّه، ويسأله عن حاله وولده وأهل بيته، ثمّ جلس يحادثه، وسمعته يقول: ابشر أبا محمد بالغنى من الله فقد أظلّك النصر وأتتك الدولة، لقد شهدت مقدم معاوية المدينة حاجّا بعد هلاك عليّ بن أبي طالب، فسمعت عمرو بن عثمان بن عفّان يقول لمعاوية: يا أمير المؤمنين! لو صعدت المنبر فنلت من عليّ، فقال معاوية: لست بفاعل، إني أقبل على الأمر إذا أقبل عليّ وأدبر عنه إذا أدبر عنّي، والله لقد لقيني عليّ فما فارقني حتى خفت أن يقتلني، والله لو قتلني ما أفلحتم بعدي، واعلموا يا بني أميّة أنّ لكم من بني هاشم يوما مرّا فاستعجلوا الإعاذة باللَّه من شرّه. فقال عليّ بن عبد الله: حسبنا الله ونعم الوكيل. قيل لعليّ بن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهم: بم صحّت سلامتك على الناس؟ قال: لأنّه صحّت سلامتهم عليّ. قال: ما رأيت أحدا قطّ أكبر منّي سنّا إلّا قلت: عبد الله قبلي، ولا أحدث منّي سنّا إلّا قلت: عصيت الله قبله، ولا في مثل سنّي إلّا قلت: أعرف [68 أ] من نفسي ما لا أعرف منه. عليّ بن عبد الله القرشيّ- مولى لهم- قال: خرج الوليد [1] ليلة إضحيانة [2]

_ [1] انظر الأغاني ج 16 ص 183- 184 حيث يروي عمر بن شبة الخبر ويجعله مع عبد الملك بن مروان، ويورد رواية أخرى عن علي بن محمد بن النوفلي عن عمه تجعله مع الأمير سليمان بن عبد الملك أيام الوليد بن عبد الملك. [2] في الأصل: «اصحيانة» .

فنادى: أين الراجز العذريّ؟ فجاء فأخذ بخطام راحلته، وأقبل يرتجز ويقول: يا أيّها البكر الّذي أراكا ... عليك سهل الأرض في ممشاكا ويحك [1] هل تعلم من علاكا ... أكرم شخص ضمّه سرجاكا إنّ ابن مروان على ذراكا ... خليفة الله الّذي امتطاكا لم يجب بكرا مثلما حباكا [2] قال فأخذ الفضل بن عباس بن عتبة [3] بن أبي لهب بخطام راحلة علي بن عبد الله بن عبّاس وأنشأ يقول [4] : يا أيّها السائل عن عليّ ... تسأل [5] عن بدر لنا بدريّ من [6] نسّك في العيص [7] أبطحيّ ... سائلة غرّته مضيّ أغلب في العلياء غالبيّ ... مردّد في المجد هاشميّ [8] - أبوه عمّ المصطفى النبيّ- ... وليّن الشّيمة شمّري ليس بفحّاش ولا بذيّ ... عفّ نجيب مجتبى [9] تقيّ مهذّب مطهّر بهيّ ... أعدّ للمسكين والغنيّ

_ [1] في رواية عمر بن شبة «ويلك» كما أنها لا تورد الشطر الثاني. [2] في رواية عمر بن شبة «لم يعل بكرا مثل من علاكا» . [3] في الأصل: «عيينة» والتصويب من ابن الكلبي، جمهرة النسب ق 1 ص 18، وجمهرة أنساب العرب ص 72، والأغاني ج 16 ص 175. [4] أورد عمر بن شبة خمسة أشطر فقط، وابن النوفلي ستة أشطر مع اختلافات سنشير إليها. [5] في الأغاني «سألت» . [6] زيادة وفي رواية ابن النوفلي «مقدم في الخير أبطحي» . [7] العيص: الأصل والمنبت الكريم. [8] في الأغاني «ولين الشيمة هاشمي» . [9] في هامش الأصل كتبت كلمة «مخبت» وأشير إلى أنها بدل «مجتبى» .

[68 ب] خلطين من شحم ومن نقيّ ... شابهما بالأزرق المشويّ مصلصل طينته مكّيّ ... حلّ محل البيت زمزميّ زمزم يا بوركت من طويّ [1] ... بوركت للساقيّ والمسقيّ يسقيهم بالمشرب الرويّ ... إن تلقه بالأنس الحرميّ تلق امرأ ليس بأجنبيّ ... وليس عند العزم بالمكنيّ جاء على مهذّب مهريّ [2] ... بصلويه أثر النفيّ نفيّه الحوليّ والعاميّ ... في الحرب حتف البطل الكميّ بكلّ عضب الحدّ مشرفيّ ... وأسمر في الكفّ سمهريّ فلما أصبحوا كلّم عليّ بن عبد الله الوليد فيه فقال: لا أعطيه درهما، أليس الّذي قال البارحة ما قال! فأجازه عليّ بن عبد الله وكساه، فقال في ذلك: فإن يغضبك قولي في عليّ ... وتمنع ما لديك من النوال فإنّ محمدا منّا وإنّا ... ذوو المجد المقدّم والفعال وإنّ لدى ابن عبّاس نوالا ... وما طالبت من صفد ومال بنا دار [3] العباد لكم فأمسوا ... يسوسهم الركيك من الرجال [69 أ] كفاني ما نحلت به عليّا [4] ... فأقناني [5] ولم يك ذا اعتلال

_ [1] في رواية النوفلي في الأغاني ج 16 ص 183: «زمزم يا بوركت من ركي» . [2] في الأصل: «مهدي» والتصويب من الأغاني- رواية عمر بن شبة، وقد جاء الشطر فيه: «جاء على بكر له مهري» ، وقد روى مع هذا الشطر الشطرين الأول والثاني والخامس والسادس من القصيدة. [3] لعلها: دان. [4] في الأصل: «علي» . [5] في الأصل: «فامناني» .

أخبار علي بن عبد الله مع عبد الملك

أخبار علي بن عبد الله مع عبد الملك قال: لمّا مات عبد الله بن عباس، وقد أوصى إلى عليّ ابنه أن يلحق بعبد الملك بن مروان بالشام حفظ وصيّته، فشخص بعد موته إلى الشام، فقدم على عبد الملك، وقد استوسق له الشام، فأكرمه وأجلسه معه على سريره، وقوى بمكانه على ابن الزبير، وقال لوجوه أهل الشام: هذا ابن عمّ محمد صلّى الله عليه وسلّم قد أتاني عارفا بأنّي أولى بالأمر من ابن الزبير [1] ، فزاد ذلك في بصائرهم. وقال له عبد الملك: ارتد منزلا تضمّ فيه أهلك وخاصّتك. فبلغنا أنّ عليّا قال له: أحبّ المنازل إليّ أخلاها وأبعدها من العوامّ، فإنّي متى أقمت معك بدمشق لم آمن أن يلقاك بعض أهل الشام فيقول: قال عليّ، ولقي عليّ، وعرّضني لتهمتك. فقال له عبد الملك: وصلتك رحم، ما أنت بمتّهم، والبلقاء منزل صدق تضم فيه أهلك وحشمك وتقيم عندي ما أحببت، وتأتيني إذا شئت، ولست تبعد عنّي، ولا ينساك ذكري، ولا يبعد عنك خبر من بالحجاز من أهل بيتك. فنزل بالشراة من البلقاء ونزل من الشراة الحميمة. ولم يزل عبد الملك له مكرّما معظّما، يجلسه معه على سريره إذا دخل ويحادثه ويسامره. وقد بلغنا أنّه بينا هو [69 ب] ذات يوم جالس معه إذ فاخره عبد الملك فجعل يذكر أيّام بني أميّة، فبينا هو كذلك إذ نادى المؤذّن بالأذان فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمدا رسول الله، فقال عليّ لعبد الملك: تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

_ [1] انظر كتاب التاريخ ص 243 ب.

فقال عبد الملك: الحقّ في هذا لبيّن من أن يكابر. ولمّا شخص عبد الملك في العام الّذي أصاب فيه ابن الزبير قيل له: لو أخّرت عامك هذا، فقال: إنّي أبادر بقبالة موت رجلين من أصحاب محمد، واستفتح عليه بهذا المظلوم، عليّ بن عبد الله، فأصابه في تلك الخرجة. ولما ظفر عبد الملك بمصعب استجار عبد الله [1] بن يزيد، أبو خالد بن عبد الله القسري، بعليّ بن عبد الله فأجاره وأمنه، وكلّم فيه عبد الملك فأنفذ ذلك له، فكان خالد بن عبد الله عند ولايته العراق قد استصحب داود بن عليّ ووصله وأكرمه حفظا ليد عليّ عند أبيه. ولم يزل علي بن عبد الله على حاله عند عبد الملك حتى هلك عبد الملك، وولي ابنه الوليد عبده، فلم يكن لعليّ في إكرامه على مثل ما كان عليه أبوه. محمد بن يزيد أبو العباس النحويّ [2] قال: حدّثنا جعفر بن عيسى بن جعفر ابن سليمان عن زينب بنت سليمان بن علي قالت: كان عليّ بن عبد الله بن العباس عند عبد الملك، [70 أ] ففاجأته هدية صاحب خراسان وهي فصّ وجارية وسيف، وقال: يا أبا محمد! إنّ حاضر الهدية شريك فيها، فاختر، فاختار الجارية. قالت زينب: وهي جدّتنا، يقال لها سعدى، فولدت سليمان وصالحا ابني عليّ. وفي غير هذا [3] الحديث، أنها من سبي الصغد [4] ، من رهط عجيف بن عنبسة، فأولدها سليمان وصالحا، فلمّا أولدها سليمان

_ [1] في الأصل: «عبيد الله» . [2] أي المبرد. ويرد الخبر في الكامل ج 2 ص 220، ويبدأ «وحدثني جعفر بن عيسى بن جعفر الهاشمي قال ... » وفيه إيجاز. [3] يرد هذا في الخبر الّذي رواه المبرد في الكامل ج 2 ص 220. [4] في الأصل: «من بني الصعد» والتصويب من الكامل. عن الصغد انظر معجم البلدان ج 3 ص 409.

خبر عبد الملك وخطبته الشقراء [5]

اجتنبت فراشه، فمرض سليمان من جدريّ خرج عليه، فانصرف عليّ من مصلّاه وإذا بها على فراشه فقال: مرحبا بك يا أمّ سليمان، فوقع [1] بها، فأولدها صالحا، فاجتنبته بعد، فسألها عن ذلك فقالت: خفت أن يموت سليمان فينقطع السبب [2] بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فالآن إذ ولدت صالحا فبالحري إن يذهب واحد [3] يبقى الآخر، وليس مثلي اليوم من وطئه الرجال، وكان فيها رثّة فهي الآن معروفة في ولد سليمان وصالح [4] . خبر عبد الملك وخطبته الشقراء [5] محمد بن الهيثم بن عديّ قال: حدّثنا إبراهيم بن عديّ عن عيسى بن موسى الهاشمي قال: أخبرنا أبو جعفر أمير المؤمنين عن محمد بن علي قال: كتب عبد الملك بن مروان إلى عمر بن محمد صاحب البلقاء أن اخطب عليّ الشقراء بنت شبيب بن عوانة بن حارثة بن حليف بن مشجعة الطائية، وهي يومئذ في بادية له في خيام ومعه عدة [70 ب] من أصحابه، فأرسل إليه عمر بن محمد: إنّ أمير المؤمنين قد كتب إلينا أن اخطب عليه الشقراء بنت شبيب فاحضر، فأرسل إليه: ما لنا إليكم حاجة، فإن كانت لأمير المؤمنين حاجة فليأت

_ [1] في الأصل: «فأوقع بها» والتصويب من الكامل. [2] في الكامل: «النسب» . [3] في الكامل: «إن يذهب أحدهما أن يبقى الآخر» . [4] في الكامل: «وولد صالح» . [5] في الأصل: «شفرا» .

أو ليرسل رسولا. فقال عمر لعلي بن عبد الله: ما أرى الأعرابي يأتي فسيروا بنا إليه، فسار عمر وعلي في جماعة من وجوه أهل البلقاء، قال: فدفعنا إلى الأعرابي وهو محتب بفناء خيمته فسلّمنا فرد السلام، فتكلّم عمر فقال الأعرابي: أرسول أمير المؤمنين؟ قال: نعم. قال: فإنّا قد زوّجناه على صدقات نسائها، وتدري ما هو، مائة من الإبل وما يتبعه من الثياب والخدم. ثم جاء بثلاث جفان من كسر خبز ولبن فأكلنا، ولا والله ما حلّ حبوته، ثم انصرفنا. وكتب عمر إلى عبد الملك، فأرسل إليه بمائة من الإبل وعشرة آلاف [1] من الورق وما يتبعه من الثياب والطيب والخدم، فجهزها ثم حملها إلى عبد الملك وما معها من ذلك شيء إلّا البعير الّذي اقتعدته، ومعها نسوة من بنات عمّها، فلمّا وافت عبد الملك أمر فأدخلت دارا وأقامت أياما. ثم إنّ عبد الملك بنى بها، فكان كثيرا ما يقول: ما رأيت مثل هذه الأعرابية ظرفا وخلقا [2] ومنطقا. قال: فاشتدّ ذلك على عاتكة بنت يزيد ابن معاوية فأرسلت إلى روح [71 أ] بن زنباع، وكان من أخصّ الناس بعبد [3] الملك، فقالت: أبا زرعة! قد علمت رأي أمير المؤمنين معاوية كان فيك، ورأي يزيد أبي، ورأي أمير المؤمنين، وقد أعجبته هذه الأعرابية فتتأمل في إفساد ذلك عنده، قال: نعم ونعمة عين. ثم خلا بعبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين! كيف ترى الأعرابية؟ قال: قد جمعت ما جمع نساء أهل الحاضرة والبادية. قال: يا أمير المؤمنين! إنك من الأعرابية كما قال الأول: وإذا يسرّك من تميم خلّة ... فلما يسوءك من تميم أكثر

_ [1] في الأصل: «ألف» . [2] في الأصل: «خلعا» . [3] الأصل: «لعبد» .

قال: لا تقل ذلك. قال: كأنك بها قد حالت إلى غير ما هي، فكثر ذلك منه. ثم إنّ عبد الملك دخل عليها فقال: يا شقراء! أعلمت ما قال روح [1] فيك؟ إنّه قال كذا وكذا. قالت: ولم ذلك! إنّي لأنكر ذاك، والله ما سمع منّي أمرا يكرهه، وحال عشيرتي وعشيرته ما تعلم. قال: هو ما قلت لك، وإن أحببت أسمعتك ذاك منه، قالت: قد أحببت. فأمرها أن تجلس خلف الستر وأرسل إلى روح، فلما دخل عليه قال: هيه يا أبا زرعة! والله لقد وقع كلامك منّي موقعا، أترى ذاك؟ قال: نعم إن الأعرابية يا أمير المؤمنين تنتكث [2] كانتكاث الحبل، ثم لا تدري على ما أنت عليه منها. فعجلت [71 ب] فرفعت [3] الستر وقالت: أنت فلا حيّاك الله ولا وصل رحمك، وقد كان يبلغني هذا عنك فما كنت أصدّق. فوثب روح فقال: يا هذه إن هذا أبقاه الله أرسل إليّ فأعلمني أنّك خلف الستر فعزم عليّ أن أتكلم بهذا فلم أجد بدّا [4] من أن أبرّ عزيمته، وأمّا أنت فلا يسؤك الله. قالت: صدق والله ابن عمّي. فقال عبد الملك: ويلك يا شقراء لا تقبلي منه. قالت: هو عندي أصدق منك، وجعل روح يقول: وهو مولّ، هو والله الحق كما أقول لك، فخرج ووقع الكلام بينهما. عبيد الله بن محمد بن عائشة القرشي ثم التيمي قال: أخبرني أبي قال: أوصى علي بن عبد الله إلى ابنه سليمان فقيل له: توصي إلى سليمان وتدع محمدا! فقال: أكره أن أدنّسه بالوصايا [5] .

_ [1] في الأصل: «روحا» . [2] في الأصل: «تنتكت كانتكات» ، وانتكث الحبل: انتقض. وطلب فلان حاجة ثم انتكث عنها لأخرى: أي انصرف عنها لأخرى. [3] في الأصل: «فدفعت» . [4] في الأصل: «بد» . [5] في كتاب التاريخ ص 245 أ «بالوصاية» .

وهلك عليّ بن عبد الله بن العباس في أيام الوليد، وقد عهد إلى محمد ابنه، وألقى إليه أسراره. وأمّ عليّ زرعة بنت مشرح بن معديكرب بن وليعة. محمد بن عمر قال: كان عليّ بن عبد الله قليل الحديث [1] ، وقد روى عن أبيه، وروى عنه عبد الله بن طاووس. وتوفّي عليّ بن عبد الله سنة ثماني عشرة ومائة. [72 أ] وقال أبو معشر وغيره: توفّي بالشام سنة سبع عشرة ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك [2] .

_ [1] في كتاب التاريخ ص 245 أ «وكان علي قليل الحديث، وكان مع ذلك كثيرا ما يرى وهو يسار محمدا ابنه، فإذا رآهما غيرهما شعث وجه الحديث وأخذ في حديث الضياع والعمارات وما يشاكل ذلك» . [2] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 324، ق 1 ص 565.

أخبار محمد بن علي بن عبد الله بن العباس كان [1] عليّ بن عبد الله يقول: أكره أن أوصي إلى محمد، وكان سيد ولده، خوفا من أن أشينه بالوصيّة. فأوصى إلى سليمان، فلمّا دفن، جاء محمد إلى سعدى ليلا فقال: أخرجي إليّ وصيّة أبي. فقالت [2] : إنّ أباك أجلّ من أن تخرج [3] وصيّته ليلا، ولكنّها تأتيك غدا، فلمّا أصبح غدا بها عليه سليمان فقال: يا أبي ويا أخي هذه وصيّة أبيك. فقال محمد: جزاك الله من ابن وأخ خيرا، ما كنت لأثرّب على أبي بعد موته كما لم أثرّب عليه في حياته. يزيد بن محمد قال: قال هارون بن محمد: حدّثني إبراهيم بن المهدي قال: حدّثني الرشيد قال: أراد عليّ بن عبد الله بن عبّاس أن يوصي إلى محمد، فأبي محمد ذلك وقال: يا أبة عليّ الأثقلان [4] ، دينك وعيالك، فأمّا ما جعلت لمواليك من وقف وغير ذلك فلا أدخل فيه. قال: فمن ترى؟ قال: في ولدك شابّ أرجو أن يكون كما تحب. قال من هو؟ قال سليمان ابنك، فأوصى عليّ بن عبد الله إليه.

_ [1] انظر الكامل للمبرد ج 2 ص 220- 221، والعقد الفريد ج 5 ص 105. [2] في الأصل: «فقال» ، والتصويب من الكامل. وفي العقد الفريد: «قالت» . [3] في الأصل: «إن يخرج» ، والتصويب من الكامل والعقد الفريد. [4] في الأصل: «الاتقلات» .

أخبار محمد بن علي بن عبد الله بن العباس

صفة محمد بن علي بن عبد الله [72 ب] كان محمد بن علي من أجمل الناس وأعظمهم قدرا، وأمّه العالية بنت عبيد الله بن العبّاس، وكان بينه وبين أبيه أربع عشرة سنة، وكان أبوه يخضب بالسواد ومحمد بالحمرة، فيظنّ من لا يعرفهما أنّ محمدا هو علي [1] . علم وفقه محمد بن علي عبد الله بن أبي سعد قال: حدّثني محمد بن يوسف بن يعقوب، قال: حدّثني عبد الله بن عبد الرحيم بن عيسى بن موسى، قال: حدّثني الحسين ابن عبد الرزاق بن عيسى بن موسى قال: لمّا نشأ محمد بن علي بن عبد الله ألزمه أبوه أصحاب جدّه فكان كذلك حتى علم وفقه، فجلس يوما يفتي في المسجد الحرام بمثل فتيا جدّه. وكان سعيد بن جبير يدعو الله أن لا يميته حتى يريه رجلا من ولد عبد الله بن عبّاس يفتي بمثل فتواه، فقيل له: هل لك في رجل من ولد عبد الله بن عبّاس يفتي بمثل فتواه؟ فدلّ عليه، فجاء

_ [1] انظر المعارف ص 124، وكتاب التاريخ ص 245 أ. ويقول البلاذري ق 1 ص 560- 561 «وكان بينه وبين أبيه أربع عشرة سنة وأشهر، فلما شابا خضب علي بالسواد وخضب محمد بن علي بالحناء فلم يكن يفرق بينهما إلّا بخضابهما لتشابههما وقرب سن بعضهما من بعض» .

حتى جلس في الناس، وجعل الناس يسألونه ويجيبهم بمثل جواب ابن عبّاس، فقال ابن جبير: الحمد للَّه الّذي لم يمتني حتى أراني رجلا من ولد ابن عبّاس يفتي بفتواه. فلمّا وجّه الحجاج في طلبه، قال له محمد بن علي: اختر مني واحدة من ثلاث: إن شئت مضيت بك إلى أبي محمد وقد عرفت مكانه من عبد الملك فآخذ لك أمانا، قال: [73 أ] لا أريد هذا. قال: فإنّ هؤلاء على سوء رأيهم ما هتكوا لنا حجابا قط فادخل مع نسائي فإنّهم لن يتعرّضوا لك، قال: ولا أريد هذا. قال: فهاتان راحلتان وألف دينار وهو كلّ ما أملكه على وجه الأرض فخذه والحق بأي الأرض شئت، قال: لا، ولا أريد هذا. قال: فما تريد؟ قال: تسأل أن تفتح [1] لي الكعبة حتى أدخلها فأوخذ من أعظم حرمة من حرمات الله، فبعث إلى الحجبي وكان صديقا له، ففتح له الكعبة فدخلها، فأخرج منها. عمر بن شبّة قال: حدّثني يعقوب بن القاسم الطلحي قال: حدّثني عمرو بن معاوية بن صفار بن حميد بن رافع السلمي قال: سمعت محمد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس يسأل محمد بن سيرين: ما سمعت في ولايتنا؟ قال: تسألني والعلم يرجع إليك؟ قال: فإنّه سيليها عدّة من ولدي. قال: أين؟ قال: ببلادك وبلاد أصحابك. قال: ثمّ ماذا؟ قال: هو ذاك ما عمّروا ديارهم وأكرموا أنصارهم.

_ [1] في الأصل: «أن يفتح» والتصويب من كتاب التاريخ ص 245 ب.

حلم محمد بن علي بن عبد الله

حلم محمد بن علي بن عبد الله أحمد بن يحيى قال: حدّثني أبو مسعود عن إسحاق بن عيسى [1] بن علي قال: كان محمد بن علي يقول: لن يبلغ الرجل غاية الحلم حتى يعدّ ذليلا. أحمد بن يحيى بن [2] جابر قال: حدّثني أبو مسعود بن القتات [3] عن غالب بن سعيد عن زياد بن عامر الشروي [73 ب] قال: سمعت محمد ابن علي يقول: إذا سمعت العوراء فتطأطأ لها تخطئك [4] . وكان محمد بن علي إذا مرّ يريد المسجد خارجا من دار العبّاس التي بالسوق وقومه حافّون به، مرّ على مولى لبني أميّة يبيع الحديد عند خاتمة البلاد، فكان ذلك المولى قد ولع به، كلّما مرّ لهج بأن يقول: الزنادقة المتمنون للباطل، لا يخرج الله هذا الأمر من موضعه أبدا. فقال لمولى له- يقال له ابن شعبة- ويحك يا ابن شعبة! ترفّق بهذا حتى تدخله عليّ فإنّه قد آذاني. فجلس ابن شعبة عنده أيّاما حتى أنسه بنفسه، فقال [5] له يوما: إنّي أريد أن أشتري ببضاعة شيئا من حديدكم هذا فاتبعني إلى بعض البصريّين عسى أن تشتريه لي، فقام معه، فلمّا مرّ بباب دار العبّاس قال: فإنّي أريد أن أكلّم إنسانا في هذه الدار، فادخل معي، قال: تدخلني دار الزنادقة أقتل فيها، فلم يزل به حتى أدخله،

_ [1] في الأصل: «يحيى» والتصويب من أنساب الاشراف ج 3 ص 330، ق ص 566 وفيه: «حدثني ابن القتات عن إسحاق بن عيسى بن علي» . [2] زيادة، والخبر عن البلاذري. [3] في الأصل: «القثاث» والتصويب من أنساب الأشراف، وفيه «حدثني أبو مسعود الكوفي وهو ابن القتات» . [4] في أنساب الأشراف ج 3 ص 330، ق 1 ص 566: «تخطك» . [5] في الأصل: «قال» .

وأشار إلى غلمان لمحمد فأغلقوا باب الدار واحتملوه وسدّوا فمه حتى أدخلوه على محمد والمائدة بين يديه، وعليها أشراف من قومه، فرحّب به وأدناه حتى أجلسه بينه وبين عبد الله بن حسن، وجعل لا يأكل إلّا يلقمه بيده، حتى فرغ من الطعام، ثم أتى بالوضوء فأمر فبدئ به، ثم دعا بالغالية فغلّف [1] بها رأسه ولحيته، ودعا له بكسوة من ثيابه فخلعها عليه بعشرين [74 أ] ثوبا وقال: اكسها عيالك، ثم قال لقهرمانه: بقي معك شيء من تلك الدنانير؟ قال: نعم ثلاثمائة دينار. قال: أعطها إياه و [2] قال: تبلّغ بهذه إلى مثلها من صلتنا، فإنّا لن ندع تعاهدك. فخرج فجلس ذلك المجلس، فلمّا راح محمد بن علي، ومعه قومه حافّون به، قال: بأبي هو وأمّي، أقمار الدجى اثنا عشر، والله، مهديا يتبع بعضكم بعضا. قال محمد لابن شعبة: قال له: هادنّا [3] ، لا هذا ولا الأمر الأول. أحمد بن يحيى بن جابر قال: حدثني أبو حفص الشامي قال: أخبرني أبي عن ابن معزا قال: مرّ قوم من سفهاء بني أميّة بالحميمة، فتكلّموا في محمد بن علي وولده بكلام قبيح، فقال محمد بن علي: ربّما كان السكوت جوابا، والحلم أبلغ في رضاء الله من الانتقام، وولّى وهو يقول: يصنع الله، ومن بغي عليه لينصرنّه الله.

_ [1] في الأصل: «فطف» . [2] زيادة. [3] في الأصل بلا تشديد.

أخبار الإمامة

أخبار الإمامة قالت الكيسانية بإمامة محمد [1] بن علي، وذكروا أن أباه أوصى إليه. والكيسانية منسوبون إلى المختار بن أبي عبيد، وكان يلقب كيسان، وهو أول من قال بإمامة محمد بن علي، وبها كان يقول علي بن عبد الله وولده إلى أيّام المهدي [2] . وكان تشيّع العبّاسية أصله من قبل محمد بن الحنفية، وإلى ذلك دعا [74 ب] أبو مسلم حتى كان زمان المهدي، فردّهم المهدي إلى إثبات الإمامة للعبّاس بن عبد المطلب، وقال لهم: إنّ الإمامة كانت للعبّاس عمّ النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإنّه كان أولى الناس به وأقربهم إليه، ثم من بعده عبد الله بن العبّاس، ثم بعده عليّ بن عبد الله، ثم من بعده محمد بن علي، ثم من بعده إبراهيم بن محمد، ثم أبو العبّاس، ثم أبو جعفر، ثم المهدي، ثم مدّها في ولد المهدي فهي قائمة فيهم إلى اليوم [3] . وكان عبد الله بن [4] محمد بن علي قد أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله وألقى إليه أسراره. قال عيسى بن علي: فو الله ما سمعناه يكلّمه بشيء يرتاب به، وإن كان ليكثر مناجاته، فإذا غشيه ولده أو خاصته أجرى ذكر الضيعة والعيال، كأنّه إنّما كان يناجيه في ذلك. وكان محمد فيما وصف من حسن هيأته وفقهه وورعه وطهارته إماما لمن جاوره أو خالطه أو رآه، حتى اختصّه الله بما اختصّه به، وقد جمع له من حقوق الإمامة

_ [1] أي محمد بن الحنفية. [2] كتاب التاريخ ص 245 ب. [3] انظر كتاب التاريخ ص 246 أ. [4] زيادة يقتضيها ما جاء في هذا الكتاب. وصاحب الوصية هو أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية.

مع تناهي وصايا أهل الفضل من أهل بيته ما جمعه له، فقام بأمر الله داعيا، ذابّا عن دينه، ومحييا لحقّه، ومميتا للباطل وأشياعه، وقد اجتمعت له في ذلك خلال استحق بها الإمامة والطاعة من الأمة، وسنذكر حجّته في ذلك. منها أنّه كان ابن عبد الله بن عبّاس عمّ النبي صلى الله عليه وسلّم، [75 أ] ووارثه لا ينكر ذلك من حقّه، ومنها أنّه كان في فضله وزهده ونزاهته وفقهه وورعه واجتماع خصال الخير فيه على أمر لم يكن على مثله أحد من أهل دهره، ومنها أنّه بدر إلى القيام بالحقّ والناس نوّم عنه، فدأب فيه، وشمّر في إقامته، ومنها ما تناهى من وصايا أهل بيته إليه، وإقرارهم بأنّه أولى بالأمر منهم، وأحقّ بالتقدّم عليهم، وأنّ الأمر فيه وفي ولده بما استوعبوا من العلم بذلك، وأمروا به من دفع الوصيّة إليه. وكان محمد على ما وصفنا من حاله مقيما على بيان من أمره، غير داخل في شبهة، ولا مبادر إلى فرقة، ولا منازع في فتنة، قد كتم سرّه، وأخفى أمره، يترقّب الوقت الّذي أمر فيه ببث [1] دعوته، فإنّه بلغنا أنّه لم يظهر منه قول يدلّ على ما كان ينطوي عليه من أمره حتى لقيه جار له من بني عذره. زعم المهلهل بن صفوان قال: سمعت محمد بن علي يقول لبكير بن ماهان: احفظوا ألسنتكم، فو الله لولا ما حضر من وقتكم ما نطقت بحرف من أمركم، وإنّي لمطرق على أمري مع معرفة منّي بتمام دعوتكم منذ دهر طويل ما ذكرت منها شيئا يستدلّ به على ما عندي حتى لقيني جار لي من بني عذرة، فقال [2] : يا أبا عبد الله، لقد رأيت البارحة [75 ب] رؤيا فيك معجبة. فقلت: ما هي؟ فقال: رأيت كأنّ شهبا خرجت من فيك فأضاءت لها الدنيا، فانتبهت

_ [1] في الأصل: «يبث» . [2] في الأصل: «فقلت» .

فزعا. فقلت: يغفر الله لك إنّي لأحبّ أن تستر ما رأيت، ولئن بقيت لترينّ تأويل رؤياك بأمر يقرّ الله به عينك إن شاء الله. الحسن بن أبي سعيد قال: حدّثنا محمد بن الخطاب قال: قدم أبو هاشم ابن محمد بن علي- ابن الحنفية- فنزل على محمد بن علي بن عبد الله فاشتكى، فأوصى إلى محمد بن علي، وكان يسمّى محمد بعده: الإمام. وقتل زيد بن علي بالكوفة، وقتل ابنه يحيى بن زيد بخراسان في ولاية نصر بن سيّار الكناني، وجّه إليه سلم [1] بن أحوز التميمي فقتله، وأراد أن يصلبه فلم يحسنوا يصلبوه، فمرّ بهم رجل من أهل العراق فعلّمهم فصلبوه بجوزجان، وكان ذلك [2] سبب حركة أهل خراسان ودعاتهم، وبعث محمد بن علي يدعوهم إلى طاعة آل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقدم عليه أيّام الموسم قحطبة ابن شبيب. عبد الله بن عبد الرحمن بن عيسى بن موسى قال: حدثني أبو عبد الله المدني عن أبيه قال: كنت عند إسماعيل بن علي بن عبد الله [3] بن جعفر ابن أبي طالب فجاءه ابن أخيه فقال له: يا عم! هل تعرف فيكم رجلا يقال له عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله غيري؟ قال: لا يا ابن أخي فما ذاك؟ قال فامرأته طالق إن لم أكن رأيت في ليلتي هذه مكتوبا على باب دار مروان، [76 أ] الخليفة، عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله. قال: يا ابن أخي! ما أراك إلّا صادقا، ولكن عليك مثل التي [4] حلفت بها إن كان وراء هذا نسب كتمتناه [5] . قال هو ذاك يا عم [6] . قال: هو عبد الله بن محمد بن علي

_ [1] في الأصل: «سليم» . انظر ص 252 من هذا الكتاب. [2] في الأصل مكررة. [3] زيادة. انظر جمهرة أنساب العرب ص 67. [4] في الأصل: «الّذي» . [5] في الأصل: «كتمناه» . [6] في الأصل: «يا ابن العم» .

ابن عبد الله بن العبّاس، ابن الحارثية. أحمد بن يحيى بن جابر قال: حدّثني أبو أيوب سليمان الرقّيّ عن الحجّاج الرصافيّ عن أبيه قال: نظر عبد الملك إلى محمد بن عليّ [1] ، وهو غلام من أجمل أهل زمانه فقال: هذا والله يفتن المرأة الشريفة. فقال له خالد بن يزيد بن معاوية: أما والله إنّ ولده صاحب هذا الأمر، فقال عبد الملك: كلّا. فقال خالد: هو كذاك، إنّ تبيعا أخبرني عن كعب أنّ هذا الأمر يصير إلى بني العبّاس، وأنّه لا يلي رجل من آل أبي طالب إلّا أن يخرج على وال فيقتل، وأنّها لا تزال لولد العبّاس إلى أن ينزل المسيح. عبد الله بن عبد الرحمن بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله ابن عباس قال: سمعت يعقوب بن عيسى بن موسى يحدث عن عيسى بن موسى عن محمد بن علي قال: كنت أنا وعمر بن عبد العزيز جلوسا في مسجد دمشق في خلافة سليمان بن عبد الملك، وأيّوب بن سليمان يومئذ شاك، وكان سليمان بن عبد الملك قد رشّحه لولاية العهد، فمرّ رجل في المسجد فبعث إليه عمر بن عبد العزيز فدعاه فقال له: ما حال هذا؟ - يعني أيّوب-، قال: يموت. قال [76 ب] عمر: يموت ويبقى الناس بلا وليّ عهد؟ قال: نعم، ويموت أبوه بعده. قال: فمن يلي بعده؟ قال: أنت، فصاح به عمر، فذهب. فلم يلبث أن مات أيّوب، ثم مات سليمان بعده، وولي عمر بن عبد العزيز. فو الله إنّي لفي مسجد دمشق في خلافة يزيد بن عبد الملك إذ مرّ بي الرجل فبعثت إليه مولاي مهنأ، فدعاه، فجاءني، فقلت: لقد حدّثتنا بعجب، زعمت أنّ أيّوب يموت، ثم يموت سليمان، ويستخلف

_ [1] الأصل: «عبد الله» ، والتصويب من أنساب الأشراف حيث يرد هذا الخبر ق 1 ص 568 (إسطنبول) وص 227 (الرباط) .

عمر بن عبد العزيز، فكان كما قلت، فمن يملك بعد يزيد بن عبد الملك [1] ؟ قال: هشام. قلت: ثم من؟ قال الوليد بن يزيد، ثم يقتل. قلت: فعلى من تجتمع الناس؟ قال: على ابنك، فصحت به فقال: أي والله، ابن الحارثية، ولقد حمل به، ثم قام. فلما انصرفت على ريطة، قلت لها: هل أنكرت نفسك؟ قالت: وما دعاك إلى المسألة عن هذا؟ فو الله ما كنت تسأل عنه، وقالت: قد أنكرت نفسي منذ أيام، فاستمرّ بها الحمل، فولدت أبا العباس. عمر بن شبّة قال: حدّثني يعقوب بن القاسم قال: حدثني عبد الله بن المفضّل الغنوي عن محمد بن سوقة قال: كنت عند أبي جعفر [2] محمد بن علي، فأتاه رجل من أهل الجزيرة، فسأله عن الناس فقال: تركتهم وما لهم همّ غيرك، قال: لم؟ فو الله ما أنا بصاحبهم، وما صاحبهم إلّا أنتم بني العبّاس. قال: قرأت في كتاب جعفر بن محمد بن الفضيل بخطه: ذكر أبو اليمام الحكم بن نافع [77 أ] الحمصي قال: حدّثنا أبو الأسود، وكان قد أدرك عمر بن عبد العزيز، عن عبد الرحمن الأنصاري قال: كنت عند الوليد بن يزيد فدخل عليه محمد بن علي بن عبد الله ومعه ابناه أبو العباس وأبو جعفر، فكلّمه في شيء ثم خرج، فقال لي الوليد، وأشار إلى أبي [3] العباس، هذا صاحب بني أميّة. قلت: وكم يملك منهم؟ قال: يملك منهم أربعة وعشرون رجلا: ثمانية منهم يسمّون عبد [4] الله، وثمانية يسمّون محمدا،

_ [1] في الأصل: «عمر بن عبد العزيز» وهو سهو من الناسخ. [2] هو محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. [3] الأصل: «العباس» ، وهو سهو واضح. [4] في الأصل: «عبد الله» مكرر.

وثمانية أسماؤهم مختلفة، يلي بعضهم السنة وبعضهم السنتين، وبعضهم العشر، وبعضهم أكثر وأقل، وآخرهم يملك أربعين سنة. قلت: وكيف علمت ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: من الكتب التي بعث بها إليّ عاملي على المغرب من كتب دانيال، قال: فقلت لجعفر بن محمد الراسبي: أقرأ عليّ هذا الكتاب قال: لست أقرأه على أحد من الناس فإن أردت أن تكتبه فاكتبه فكتبته من خطّه. أبو محمد عبد الله بن أبي سعد قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز المدني قال: حدّثني [1] محمد بن سليمان بن سليط قال: قال الخراسانيون الذين أرادوا القيام في الدعوة: لا يصلح هذا الأمر إلّا لرجل من هؤلاء القوم [2] يجتمع لنا فيه ثلاث خصال: يكون أعظمهم شرفا، وأفضلهم في نفسه دينا، وأسخاهم كفّا، فيكون قوم يتبعونه لشرفه وموضعه، وقوم يتبعونه لبراعة فضله ودينه، وقوم يتبعونه لجوده، فقدموا [77 ب] المدينة، فاتفق [3] لهم عبد الله بن الحسن بن الحسن فانسلّوا إليه متنكرين فقالوا له: إنّا قوم [4] من شيعتك وإنّا خرجنا من خراسان، وبعث معنا بأموال نشتري بها لمن خلفنا حوائج، فقطع علينا، فذهبت الأموال، ولا يشبهنا في قدرنا فيمن خلفنا ألّا نفعل ما أمرنا به، وإن كان ذلك من أموالنا، ووراءنا نعم عظام،

_ [1] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 326- 327، وق 1 ص 565. وانظر العيون والحدائق ج 3 ص 179- 180 وروايته توازي هذا النص. [2] في الأصل: «لا يصلح هذا الأمر من هؤلاء القوم إلا لرجل» . انظر العيون والحدائق ج 3 ص 179. [3] في العيون والحدائق: «واتفق رأيهم على عبد الله ... » ج 3 ص 179. وفي الأنساب ق 1 ص 565، ج 3 ص 327: «وأتوا رجلا من ولد علي بن أبي طالب فدلهم على محمد بن علي ابن عبد الله وقال: هو صاحبكم وهو أفضلنا فأقره» . [4] قارن بالعيون والحدائق ج 3 ص 180.

خبر محمد بن علي مع هشام وابن رأس الجالوت [8]

ونحن نحتاج إلى مال، وقد أردنا ألّا تكون الصنيعة عندنا إلّا لرجل يجتمع لنا فيه خصلتان: الشرف في النسب والفضل في الدين، فدللنا عليك، وكنت غايتنا، وقد احتجنا إلى قرض، وسمّوا له المال. فقال لهم عبد الله بن الحسن: أدلكم على نظيري في الشرف والمذهب وفي الدين، وهو أجمل [1] لما تريدون منّي، محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فجاءوه فقالوا له مثل ما قالوا لعبد الله، فحمل إليهم المال [2] وهو لا يعرفهم، فقالوا: هذا رجل قد ظهر لكم [3] فيه الخصال التي أردتم [وهو] [4] المجتمع عليه بالفضل والبراعة [5] في النسب [6] [وقد] [7] أخبركم [عبد الله] [7] أنّه نظيره، وقدّمه على نفسه بالجود، وكان سبب قيامهم. خبر محمد بن علي مع هشام وابن رأس الجالوت [8] عمر بن شبّة قال: حدّثني عبد الله بن محمد قال: حدّثني شيخ يكنى أبا عبد الله قال: قدم محمد بن علي على هشام بن عبد الملك ومعه ابناه

_ [1] في ن. م. «وهو أحمل لما تريدون» ج 3 ص 180. [2] يضيف ن. م.: «وأكرمهم» . [3] في ن. م.: «قد اجتمع لكم» . [4] زيادة من العيون والحدائق ج 3 ص 180. [5] في الأصل: «بالبراعة» والتصويب من العيون والحدائق ج 3 ص 180. [6] «في النسب» لا ترد في العيون والحدائق. [7] زيادة من العيون والحدائق، وعبارته «وقد أخبركم عبد الله أنه نظيره في الجود» وانظر تتمة العبارة في ج 3 ص 180. [8] زيادة يقتضيها السياق.

أبو جعفر [1] وأبو العباس، فدخل يوما [78 أ] على هشام بن عبد الملك، ووافق ذلك دخول ابن رأس الجالوت عليه، وكان يهوديا، وكان محمد أصبح الناس وجها، وكان هشام صبيحا ما أغضى، فإذا رفع رأسه احولّت عيناه، فنظر هشام إلى ابن رأس الجالوت، وقد أحدّ نحو محمد بصره، فقال: ما لك تنظر إليه؟ قال: خير، من هذا؟ قال: هذا من أهل نبيّنا صلى الله عليه وسلّم. قال: هذا أقرب بالنبيّ صلى الله عليه وسلّم؟ فوقع هشام في لطخة [2] كرهها ولم يكذب نفسه، قال: بأب. قال: لئن كنت صادقا لهو أولى بصدر مجلسك منك، إنّ بيني وبين الأب الّذي تكرمني اليهود به [3] لأربعين أبا [4] . فغضب هشام عليه، وأقامه، وأقبل عليه الحاجب، وهو يخرجه، فقال: ما آمنك أن يأمرني أمير المؤمنين فأضرب عنقك. قال: فيكون ماذا أكثر من أن يقول الناس: يهودي قام بكلمة حقّ عند الخليفة فقتله. وتنكّر هشام لمحمد فقال محمد: والله يا أمير المؤمنين، ما تكلّمت ولا أجبت [5] ، ولأنت كلّمته فأجابك، فأمر له بألف دينار، فشخص من عنده، فلما كان بالرّقة أقبل على ابنيه فقال: أحدكما يبني هذه المدينة، قالا: فينزلها؟ قال: لا، ولا يتمّها ولكن يأتي من ولده من يتمّها، قالا [6] : فينزلها؟ قال: لا بل يتمها ولده وينزلها، قيل له: ثم مه! قال فعضّ على [78 ب] يده ثم قال: ثم مه، ثم مه.

_ [1] زيادة يقتضيها السياق، وانظر الكامل للمبرد ج 2 ص 218، والعقد الفريد ج 5 ص 104. [2] في الأصل: «لطحة» . [3] زيادة. [4] في الأصل: «لأربعون» . [5] في الأصل: «أحببت» . [6] في الأصل: «قال» .

أخبار محمد بن علي مع أبي هاشم عبد الله بن محمد

أخبار محمد بن علي مع أبي هاشم عبد الله بن محمد محمد بن عبد الله القطّان قال: حدّثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني حجر بن عبد الجبار بن وائل بن حجر الحضرميّ قال: سمعت عيسى بن علي، وذكر أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، فقال: كان قبيح الخلق قبيح الدابّة، فما ترك شيئا من القبح الّا نسبه إليه، وكان لا يذكر أبي، علي بن عبد الله، إلّا عابه، فبعث أبي ابنه محمد بن علي إلى باب الوليد بن عبد الملك، فأتى أبا هاشم وكتب عنه العلم، فكان إذا قام أبو هاشم يركب أخذ له بالركاب، فكفّه ذاك عن أبيه. قال: فكان يلطف ابنه محمدا بالشيء يبعث به إليه إلى دمشق فيبعث به محمد إلى أبي هاشم، فبعث أبي إلى محمد [1] ببغلة يركبها في عسكر الوليد، فبعث بها محمد إلى أبي هاشم، فكبرت عنده، وقال لمحمد: ما هذا؟ قال: بغلة بعث بها إلينا مولى لنا من مصر، فبعث بها إليّ فآثرتك بها. وكان قوم من أهل خراسان يختلفون إلى أبي هاشم، فمرض مرضه الّذي مات فيه فقال له قوم من أهل خراسان: من تأمرنا نأتي بعدك؟ قال: هذا، وهو عنده، قالوا: من هذا؟ قال: هذا محمد بن علي بن عبد الله بن عبّاس، فقالوا: ما لنا ولهذا؟ قال: لا أعلم أحدا [79 أ] أعلم منه ولا خيرا منه، فاختلفوا إليه. قال عيسى: فذاك سببنا بخراسان [2] .

_ [1] في الأصل: «أبي محمد» . [2] انظر الكامل لابن الأثير ج 5 ص 53.

قال: وكان محمد بن علي يفد على الوليد أحيانا، ويغزو الصائف، ويرابط بالسواحل هو وإخوته وولده، فوفد على الوليد بن عبد الملك في آخر أيّامه فالفى عنده أبا هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية. وكان سبب [1] قدوم أبي هاشم على الوليد فيما ذكر إسحاق بن الفضل الهاشمي أنّ زيد بن الحسن بن علي [2] بن أبي طالب صارت إليه صدقات علي، وهو يومئذ أسنّ ولد عليّ من فاطمة، فنازعه فيها أبو هاشم ورافعه إلى قضاة المدينة، وكان فيما احتج به [3] أبو هاشم أن قال [4] : أنا وأنت في النسب كفيّان، وقد جعل عليّ وصيته في صدقته إلى ذوي الفضل من أكابر ولده، فأنا أكبر سنّا منك، وأنا أعلم باللَّه وبكتابه وسنن نبيّه صلى الله عليه وسلّم منك، فعلام تحوز هذه المكرمة دوني، وإنّما الوصيّة لعليّ لا لفاطمة، فقبلت القضاة منه ذلك، ولم تدفعه [5] عنه. ولما توجّه القضاء بالمدينة لأبي هاشم على زيد بن الحسن شخص زيد إلى دمشق وقدم على الوليد، فوشى بأبي هاشم، وذكر أنّ له شيعة من أصحاب المختار، وأنّهم يأتمّون به ويحملون صدقاتهم إليه. وزعم بعض من حكى حديث حبس أبي هاشم أن التشاجر بينه وبين زيد بن حسن بن علي قد كان تفاقم حتى شخص الوليد حاجا [79 ب] سنة إحدى وتسعين، فلمّا قدم المدينة حضره أبو هاشم وزيد بن حسن، فقال الوليد لأبي هاشم: لقد أسرع إليك الشيب، فقال أبو هاشم: إنّه ليسرع إلى ذي السن، فقال زيد بن حسن بن علي: ذاك

_ [1] انظر كتاب التاريخ ص 246 ب- 247 أ. [2] زيادة. انظر جمهرة أنساب العرب ص 38، وكتاب التاريخ ص 246 ب. [3] في الأصل: «فيه» ، وما أثبتناه من كتاب التاريخ ص 246 ب. [4] في كتاب التاريخ «أن قال لزيد» . ص 246 ب. [5] في الأصل «يدفعه» والتصويب من كتاب التاريخ ص 246 ب.

يا أمير المؤمنين لغالية تهدى إليه من الكوفة يغتلف بها، فارتفع القول بينهما، إلى أن رماه زيد بانتماء من شيعته من أهل الكوفة، فلما صدر الوليد عن الموسم، فمرّ بالمدينة، أشخص معه أبا هاشم إلى دمشق، فحبسه بوشاية زيد ابن حسن. قال إسحاق بن الفضل: فشنّع، والله، زيد على أبي هاشم، وذهب إلى الوليد في أمره، فقبل ذلك منه، ورأى أن قد نصحه، فأقامه عليه وقرّب مجلسه. وذكروا أنّ الوليد تزوّج ابنة لزيد يقال لها نفيسة، وبعث إلى أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، فقدم به عليه، وأمر بحبسه، وقدم معه أخوه عون بن محمد، فلقي في أمره قبيصة بن ذؤيب الخزاعي، وكان ذا منزلة من الوليد فقال له: إنّ أخي [1] حبس مظلوما بأمر لم يجنه، ونحن نسأل أمير المؤمنين أن يدعو به فيسأله عما قرف به، فإن تبيّن له عذر عذره، أو ثبت عليه قرف أخذه به. فكلّم قبيصة الوليد، وحكى له قول عون فقال الوليد: قد بلغني أنّه امرؤ جدل، ولا أحسب ابن عمّه كذب عليه، فخبّر عونا بذلك. وبلغ خبر حبسه، وما كان من قول الوليد فيه، عليّ بن الحسين [80 أ] بن علي بن أبي طالب فوفد في أمره على الوليد ابن عبد الملك، فلما قدم عليه ألطفه، وقرّب مجلسه، وبلغنا أنّه قال: فيم تجشمت السفر على بعد الشقّة؟ قال: دعاني [2] إليه عظيم القدر الّذي أكلمك فيه، والثقة مني برعاية حرمة أهلك [3] . فقال له الوليد: وما ذاك؟ قال عليّ: ما بال أقوام يتوسلون إليك بقرباتهم بأبي بكر [4] وعمر وعثمان فترعى لهم

_ [1] في الأصل: «ابن أخي» . انظر جمهرة أنساب العرب ص 66. [2] في الأصل: «عاني» . [3] في كتاب التاريخ ص 247 أ «دعاني إليه أمر عظيم القدر أكلمك فيه ثقة برعايتك حرمة أهلك» . [4] في ن. م.: «بقراباتهم من أبي بكر..» ص 247 أ.

حرمتهم [1] بهم، وأقربوك من آل الرسول يمتون [2] إليك بقرابتهم به [3] فلا تحفظ [4] لهم حرمتهم ولا تكفّ الأذى عنهم. قال الوليد: وأيّ ذلك تعني؟ قال عليّ بن الحسين: بم حبست عبد الله بن محمد، وقرابته برسول الله صلى الله عليه وسلّم قرابته وحرمته بك حرمته، ولا نعلم في أهله رجلا نعدله به [5] في فقهه وعلمه وطهارته وبعده من كلّ ما تكره. فقال له الوليد: زعم ابن عمك زيد بن حسن أنّه يسعى في تفريق الجماعة، وأنّه جعل نفسه إماما مفترض الطاعة، وأنّه قد اتخذ لنفسه شيعة من أهل العراق قد ائتمّوا به. قال عليّ بن الحسين: والله ما بلغني هذا عنه، ولا ظننته به قط، ولقد تفاقم الّذي بينه وبين زيد حتى ما يؤمن زيد على الكذب عليه، وقد يكذب الرجل على ابن عمّه عند ما يقع من التنازع بينهما، وما خلا أهل بيت من أن يكون ذلك بينهم. قال الوليد: وكثيرا ما يكون. قال عليّ بن [80 ب] الحسين: فالذي دعا زيدا إلى ما قرف به عبد الله بن محمد، فيما يظن، ذلك، ونحن نسألك برحم رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلّا خليت سبيله. قال: اللَّهمّ [6] قد فعلت على سوء ظنّ منّي به، فخلّى سبيله، وأمره بالمقام عنده. وانصرف عليّ بن الحسين إلى المدينة، وأقام أبو هاشم بدمشق يحضر مجلس الوليد ويسامره، وربما مزح معه، فزعم إسحاق بن الفضل أنّ الوليد قال ذات ليلة، وأبو هاشم حاضره، في مجلس سمره: ما ترك رسول الله صلى

_ [1] في ن. م.: «فترعى حقهم وحرمتهم» . [2] في الأصل: «يمنون» والتصويب من كتاب التاريخ ص 247 أ. [3] في كتاب التاريخ 247 أ «منه ومنك» . [4] في الأصل: «يحفظ» والتصويب من كتاب التاريخ ص 247 أ. [5] في الأصل وفي كتاب التاريخ 247 أ «يعدله به» . [6] في كتاب التاريخ «اللَّهمّ إني» 247 ب.

الله عليه وسلّم أن يتزوج في الأنصار إلّا رغبة عنهم، ولقد أصهر إلى غيرهم من العرب. فقال أبو هاشم: أو كلّ من لم يصهر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم من العرب يشينه ذلك ويسبّ به، فها نحن- بني [1] هاشم- لم يتزوّج فينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أفذاك سبّة علينا؟ ولقد حدّثني الثقة من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سئل عن ذلك فقال: ما حيّ من العرب أحبّ إليّ من الأنصار، ولولا أنّ في الأنصار غيرة شديدة أكره لها نساءهم لأصهرت إليهم، فكانوا أحبّ من أصهر إليه. فقال له الوليد: لأنّك لشديد النصر للأنصار يا أبا البنات، ولم يكن لأبي هاشم ولد ذكر. فقال أبو هاشم: ما البنات بعار على ذي البنات، فقد كان نبيّ الله لوط أبا بنات، وكان نبيّ الله شعيب أبا بنات، وكان خير البرية محمد [2] صلى الله عليه [81 أ] وسلّم أبا بنات، فبهم الأسوة لا بمن أذكر فلم يشكر. فعنت الوليد من قوله، ورأى أنّه قد استخفّ به في جوابه، وعرّض به، فقال: إنّك للخصم [3] الألدّ، أرحل عن جواري. فقال أبو هاشم: أرحل والله عن جوارك فما الشام لي بوطن ولا أعرّج فيها على شجن، ولقد أطلت فيها حبسي، وكثر فيها ديني، وقلّت بها فائدتي، وما أنا لك بحامد، ولا- إن أعفيتني- إليك بعائد. فبلغنا أنّه قال له: فإنّي قد أعفيتك إلى يوم الحشر، فخرج عنه أبو هاشم. وكان الوليد أوّل ملوك بني أمية تكبّر في نفسه، وسار في الناس بالجبرية والخيلاء، خلا ما كان عليه من كان قبله، وما كان الناس يكلّمون به معاوية ويزيد وعبد الملك من دعائهم بأسمائهم، وانتصافهم منهم في

_ [1] في الأصل: «بنو» . [2] في الأصل: «محمدا» . [3] في كتاب التاريخ «للحضيم» 247 ب.

كلامهم، وقام [1] بذلك خطيبا على منبره فقال: إنّكم كنتم تكلمون من كان قبلي من الخلفاء بكلام الأكفاء وتقولون [2] : يا معاوية ويا يزيد، وإنّي أعطي الله عهدا يأخذني بالوفاء به: لا يكلّمني أحد منكم بمثل ذلك إلّا أتلفت نفسه، فلعمري إنّ استخفاف الرعية براعيها في مثل ذلك سيدعوها إلى الاستخفاف بطاعته والاستهانة بمعصيته. فبلغنا أن رجلا من بني مرة قال: اتّق الله يا وليد فإنّ الكبرياء للَّه، فأمر به فتوطّئ حتى مات، واتعظ الناس به وهابوه لذلك. وأخبرنا داود مولى سعيد بن [81 ب] عبد الملك قال: سمعت سعيد ابن عبد الملك يقول: إنّ أوّل من افتتح الجبرية في بني أمية الوليد، قال يوما لأهل بيته وأنا معهم: لا يحدّنّ الرجل منكم [3] إليّ نظره في مجلس عامّة كأنّي وإيّاه متكافئان، فيوشك الرجل الأثير [4] في نفسه عندي أن يفعل [5] ، فلا يرجع إليه نظره. وأخبرنا إسحاق بن الفضل الهاشمي، وكان من أعلم الناس بأمورهم، قال: دخل أبو هاشم عبد الله بن محمد ذات يوم على الوليد، وعنده خالد ابن يزيد بن معاوية وهشام بن عبد الملك، فكلّمه في أمر من أمره، ثم خرج. فقال الوليد ما رأيت في بني هاشم رجلا أعدله به، وإنّه لخليق لكلّ داهية، وإن كان الحزم عندي أن استودعه الحبس فيكون مثواه حتى يموت فيه، هل تجد يا أبا هاشم- يعني خالد بن يزيد- لهذا صفة في نقض علينا؟ قال خالد:

_ [1] في الأصل: «أقام» . [2] في الأصل: «ويقولون» . [3] في الأصل: «منهم» . [4] في الأصل: «الابثى» ولعل ما أثبتنا أقرب إلى سياق المعنى. [5] في الأصل: «تفعل» .

لا والله، ما وجدت ذلك، ولا هو بالمخوف، ولا أحد من بني أبيه، على دولتكم، ولكنّي أخاف أصلة [1] كامنة بناحية البلقاء تسعى لها أهل الشرق، يدوّخون لها البلاد، ويقتلون لها الجبابرة. قال: ومن هذه الأصلة؟ قال: ولد علي بن عبد الله بن عبّاس. قال الوليد: غفر الله لك، ما بلغنا أنّ أولئك تحرّكوا في شيء من هذا الأمر، ولا دبّوا فيه. قال: أجل، وسيكفون ذلك. قال الوليد: فمتى يكون ذلك؟ قال: لست أخافه عليك [82 أ] ولا على هذا القرن الّذي أنت فيه، وإنّما أخافه إذا قتل سميّك، ووقع [2] الاختلاف بين أهل بيتك، وابتزّ الأمر منهم سميّ جدّك، فظهرت الرايات السود بالمشرق، فبؤسا لبني أميّة، عند ذلك يزول الأمر عنهم، وتسفك دماؤهم، ويرثي لهم من كان يتمنّى هلاكهم. قال الوليد: ما قضى الله كائن، وما على القوم من سبيل ما لم يظهروا خلافا، فمن هناك قال هشام، من وفدة وفدها عليه محمد بن علي يسأله قضاء دينه: إذا طلعت الرايات السود قضينا دينك. وأخبرنا بهذا الحديث سعيد البرزي، مولى [3] هشام: أن هشاما قال ذلك للأبرش، وكان يكلّمه في قضاء دين محمد بن علي، قال: وأنا قائم على رأسه، وذكره أيضا مصفّى ابن عمّ الأبرش أنّه سمع أباه يذكر عن الأبرش. وقدم في تلك الأيام محمد بن علي دمشق في بعض ما كان يقدم عليه فيه من أموره، فنزل بمولاهم فضالة بن معاذ، وألفى أبا هاشم نازلا عليه. وكان فضالة بن معاذ تاجرا ينزل دمشق، وهو فضالة بن معاذ بن عبد الله، كان عبد الله جدّه أهداه ملك مصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم حيث

_ [1] حية قصيرة خبيثة، تثب فتهلك. [2] في الأصل: «دفع» . [3] في الأصل: «ومولى» .

أهدى إليه مارية والبغلة الشهباء، التي كانت تدعى دلدلا، فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكان ولاؤه بعده للعبّاس بن عبد المطلب، وكان عريف من في ديوان بني هاشم، وكان من [82 ب] قدم الشام من بني هاشم ينزلون عليه، وكان منصور بن زياد الكاتب يزعم أنّه مولى فضالة بن معاذ. وألفى محمد بن علي أبا هاشم نازلا على فضالة، وهو ينتظر رفقة تخرج فيخرج معها، إلى أن تهيّأ لمحمد بن علي فراغه من حوائجه فحضر شخوصه، فشخصا جميعا: محمد بن علي يريد منزله بالبلقاء، وأبو هاشم يريد المدينة، ومع أبي هاشم عدة من أصحابه فيهم رجل يقال له سلمة بن بجير من بني مسلية من رهط عامر [1] بن إسماعيل، وكان من أخصّ أصحاب أبي هاشم به، وكان أبوه بجير بن عبد الله من ذوي البصائر من أصحاب محمد بن الحنفية، وكان قد خرج مع المختار، فكان من أشدّ من كان معه في قتل قتلة الحسين وآل محمد، ولم يزل مع المختار حتى حصر في قصر الكوفة. وكان المختار قد أراد أصحابه على أن يخرجوا إلى مصعب وأصحابه فيقاتلوا [2] حتى يقتلوا، فأبوا عليه ذلك فقال [3] لهم: إنّي خارج إليهم فمقاتلهم حتى أقتل، ولو قتلوني لم تزدادوا إلّا ذلّا وضعفا، ويستنزلونكم على حكمهم، فإذا نزلتم على حكمهم، دفع كلّ رجل منكم إلى رجل منهم ممّن قتلتم أباه وقريبه، فيقتلونكم. ولما قتل المختار، وبقي من بقي من أصحابه في القصر في حصارهم، قال لهم بجير بن عبد الله المسلي: قد كان صاحبكم أشار عليكم [83 أ] بالرأي لو قبلتموه، يا قوم! إنّكم إن نزلتم على حكم القوم ذبحتم كما تذبح الغنم، فاخرجوا بأسيافكم فقاتلوا حتى تموتوا كراما،

_ [1] انظر جمهرة أنساب العرب ص 414. [2] في الأصل: «فيقاتلون» . [3] انظر أنساب الأشراف ج 5 ص 261- 2 (القدس 1936) ، ق 1 ص 1067.

فقالوا: قد أمرنا بهذا من كان أطوع فينا منك فعصيناه، فوثب إلى سيفه فتناوله ليخرج فيقاتل فوثبوا إليه فقالوا: ننشدك الله أن تشأمنا، وانتزعوا سيفه من يده. وخرجوا إلى مصعب وأصحابه على حكمهم [1] ، فأمر بهم فكتّفوا وقدّموا إلى مصعب، فتقدم بجير [2] بن عبد الله المسلي فتكلم فقال: الحمد للَّه الّذي ابتلانا بالأسر [3] ، وابتلاك ومن معك بأن تعفوا [4] وتقسطوا [5] ، وهما منزلتان: إحداها للَّه رضى، والأخرى له سخط، ومن عفا عفا الله عنه، ومن عاقب لم يأمن القصاص، يا ابن الزبير! نحن أهل قبلتكم وعلى ملّتكم [6] ولسنا بالترك [7] ولا بالديلم، لم نعد أن خالفنا إخواننا من أهل مصرنا، فأمّا أن نكون [8] أصبنا وأخطأوا، وإما أن يكونوا أصابوا وأخطأنا، فاقتتلنا بيننا كما اقتتل أهل الشام [9] واختلفوا ثم اجتمعوا، وكما اقتتل أهل البصرة ثم اصطلحوا واجتمعوا، وقد ملكتم فأسجحوا،

_ [1] في الأصل: «حكمنا» ، وانظر أنساب الأشراف ج 5 ص 262 (القدس 1936) وق 1 ص 1068. [2] انظر ابن أعثم ج 1 ص 31. [3] في الأصل: «بالأمر» ، وفي أنساب الأشراف «بالأمير» ، والتصويب من ابن أعثم ونصه «وقد ابتلانا الله بالأسر وابتلاك بالعفو» ، انظر روايته في ج 1 ص 31. [4] في الأصل: «تعفو» . [5] في الأصل «تسطو» . [6] يضيف أنساب الأشراف ج 5 ص 262 «ونحن قومكم» . [7] في أنساب الأشراف ج 6 ص 110 «لسنا بروم ولا ديلم» . والإشارة للترك في الأصل سابقة لأوانها. [8] في الأصل: «تكون» والتصويب من أنساب الأشراف. [9] انظر أنساب الأشراف ج 5 ص 262، وعبارته «كما اقتتل أهل الشام بينهم وكما اقتتل أهل البصرة بينهم، فقد افترقوا ثم اجتمعوا» .

وقدرتم فاعفوا، فما زال بهذا القول ونحوه حتى رق له الناس ورق له مصعب، فوثب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فقال: قتل أبي وعمّي وخالي وأشراف أهل مصري ثم نخلي سبيلهم، اخترنا أو اخترهم [1] ، ووثب [83 ب] عدة [2] فتكلموا بمثل كلامه، فلمّا رأى ذلك مصعب بن الزبير أمر بقتلهم. ولمّا قدّم بجير بن عبد الله [3] المسلي ليقتل قال: إنّ حاجتي إليك ألّا تقتلني مع هؤلاء، فقد كنت أمرتهم أن يخرجوا فيقاتلوا حتى يموتوا كراما، حتى قتلهم الله لئاما. وذكروا أن عمرو بن حريث قال لمصعب: إنّ هذا كان يزعم أنّه يقتل فرعون هذه الأمّة، فقال بجير: ليس هكذا قلت، ولكن حديث ممّا سمعت. قال مصعب وما سمعت؟ قال بجير: مرّ عليّ رحمة الله عليه ورضي عنه، ومعه الأشتر، فخرج إليه غلام منا بقدح فيه لبن وبكوز فيه ماء، فقال: اختر يا أمير المؤمنين، فتناول القدح والكوز، ثم صبّ الماء على اللّبن حتى روي ثم قال، ونحن مجتمعون في نديّ لنا: من الحيّ؟ فقلنا: بنو مسلية. فقال: بخ بخ، بنو مسلية تركوا الناس على ألوية شأنهم في آخر الزمان، يقتل فرعون هذه الأمة على يدي رجل منهم، شعارهم يومئذ في عسكره أشدّ عليه من حريق النار. وكان سلمة بن بجير من ثقات أبي [4] هاشم، ورأس الشيعة معه، وكانوا

_ [1] في ن. م. «فقام عبد الرحمن بن الأشعث فقال: أيها الأمير اخترنا عليهم أو اخترهم علينا» . [2] في أنساب الأشراف ج 5 ص 263 «وقام محمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمدانيّ فقال: قد قتل أبي وأشرافنا وخمسمائة أو أكثر منا ونخلي سبيلهم ودماؤنا ترقرق في أثوابهم، اخترنا أو اخترهم، فأمر بهم أن يقتلوا» . [3] زيادة. [4] في الأصل: «بني» ، والإشارة إلى أبي هاشم بن محمد بن الحنفية.

يسمونه ابن الشهيد، فلما شخص أبو هاشم، ومحمد بن علي، خلّف أبو هاشم سلمة بن بجير في حاجة له بدمشق، وقال له: اتبع أثرنا فإنّي آخذ على البلقاء مع ابن عمي محمد بن علي ولن أبرح منزله حتى تلحق، وأحسب القضاء سيحول دون [84 أ] ذلك. فأخبرنا الفضل بن سالم الأعجمي [1] عن سالم قال: أخبرني أبو رباح ميسرة النبّال، قال: لمّا خرج أبو هاشم من دمشق خرج معه ابن بجير مشيّعا له، فلما خرج من الغوطة وقف أبو هاشم فأوصى ابن بجير بما أوصاه به في حاجته، ثم ناجاه بشيء أخفاه لم نسمعه، ثم مضى ومضينا معه. وانصرف ابن بجير، وأبو هاشم يومئذ عليل، ولمّا تصرعه علّته، قال: وتزيّد مرضه، فلمّا أشرف على الشراة قال: ما أحسب منيّتي إلّا كائنة بهذا البلد، وما أمرضني إلّا ما دخلني من عتوّ الوليد، اللَّهمّ فأدل منه ومن بني أمية. ومرّضه محمد بن علي حتى توفّي رحمه الله، قال بعضهم، حيث أشرف على الشراة، وقال بعضهم، أقام في منزل محمد بن علي أيّاما مريضا، ثم هلك في منزله، ومعه عدّة من الشيعة، ورأسهم يومئذ سلمة بن بجير بن عبد الله لم يحضر وفاته لغيبته بدمشق في حاجته، وأبو رباح [2] ميسرة النبّال مولى الأزد، وقال بعضهم مولى لبني أسد فأمّا داره فكانت في الأزد وصارت بعد لجبل بن يزيد الكاتب، وأبو عمرو البزّار، مولى بني مسلية، وكان يعتصر البزر، ومحمد بن خنيس [3] ، مولى لهمدان، وأبو بسطام مصقلة الطحّان، مولى بني الحارث

_ [1] لعله «سالم الأعمى» وسيرد ذكره. [2] في الأصل: «أبو الرياح» ، ويرد بهذه الصورة في كتاب التاريخ ص 249 أ، 250 ب. ولكن الاسم جاء قبل هذا مضبوطا بالشكل. [3] في الأصل: «حبيس» . انظر الطبري س 2 ص 1358 وص 1467 وص 1488.

خبر الصحيفة الصفراء

ابن كعب، وحيّان [1] العطّار خال إبراهيم بن سلمة، وذكر بعض الكوفيين أنّ حيّان كان في أيامه مولى النخع وزعم أنّه مولى لإبراهيم بن [84 ب] الأشتر، وإبراهيم بن سلمة وهو يومئذ غلام حين بدا وجهه. خبر الصحيفة الصفراء يونس بن ظبيان عمن حدثه عن أبي [2] جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أنّه سئل عن آل العباس: هل عندهم من علم بشيء [3] ؟ قال: نعم، عندهم صحيفة صفراء كانت لعليّ بن أبي طالب، وظعن [4] الحسن، وقدم على معاوية بالشام، فتصاحب [5] الحسن والحسين ومحمد بنو علي بن أبي طالب، فانطلق محمد بن الحنفية فدخل إلى الحسن والحسين فقال لهما: إنّكما ورثتما أبي دوني، وإن لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولدني فقد ولدني أبوكما، ولكما لعمري عليّ الفضل ولا كذب، [أعطوني] [6] بعض ما أتجمل به من أبي فقد عرفتما حبّه، كان، لي. فقال

_ [1] انظر الطبري س 2 ص 1358. [2] في كتاب التاريخ ص 246 أ، ان المسئول هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. [3] في ن. م. ص 246 أ: «هل عندهم من علم أهل البيت شيء؟» . [4] في ن. م. ص 246 أ «فلما قتل علي وصالح الحسن معاوية قصد الحسن والحسين أخوهما محمد ابن الحنفية معاوية من الحجاز إلى الشام، فأراد ابن الحنفية الانصراف فدخل على أخويه وقال لهما: إنكما ورثتما أبي دوني..» . [5] في الأصل: «تصاحب» . [6] زيادة من كتاب التاريخ ص 246 أ.

الحسن للحسين: يا أخي، هو أخونا وابن أبينا فأعطه شيئا [1] من علم أبينا. قال: فأعطاه الحسين صحيفة صفراء فيها علم رايات خراسان السود، متى [2] تكون، وكيف تكون، ومتى تقوم، ومتى زمانها وعلامتها وآياتها، وأي أحياء العرب أنصارهم، وأسماء رجال يقومون بذلك، وكيف صفتهم، وصفة رجالهم وتبّاعهم [3] . فكانت تلك الصحيفة عند محمد بن علي ابن الحنفية، حتى إذا حضره الموت دفعها إلى ابنه عبد الله بن محمد، [85 أ] وهو الّذي يكنى أبا هاشم، فكانت عنده، حتى إذا حضره الموت، وذلك عند منصرفه، كان، من عند الوليد [4] بن عبد الملك، ومات بالحميمة عند محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فدفع الصحيفة إليه، وأوصاه بما أحبّ، فكانت عند محمد بن علي، حتى إذا حضره الموت أوصى بها إلى إبراهيم بن محمد بن علي وكان رئيسهم وسيّدهم وكبيرهم. وأبو هاشم هو الّذي قال لمحمد بن علي، وإبراهيم ابنه، وهو ابن أربع سنين، يلعب عندهما، فقال محمد بن علي لأبي هاشم: يا ابن عم! هل لنا ولد العباس نصيب فيما يذكر من رايات بني هاشم؟ فقال له أبو هاشم [5] : وهل هذا الأمر الّا لكم من أهل بيت نبيّكم. فقال له محمد بن علي: وكيف ذاك يا أخي؟ فقال له: هل ترى هذا الغلام، يعني إبراهيم! هو صاحب الأمر، حتى إذا يكاد يبلغ الأمر، ونازلة، نذر به القوم- يعني بني أمية- فيقتلونه، فيكون لك ابنان: عبد الله وعبيد الله، فيملكان ويتناسل الملك في أولادهما.

_ [1] في الأصل: «شيء» والتصويب من كتاب التاريخ ص 246 أ. [2] في كتاب التاريخ ص 246 أ «ومتى» . [3] انظر كتاب التاريخ ص 246 ب. [4] في كتاب التاريخ ص 236 ب «هشام بن عبد الملك» وهو خطأ. [5] كررت عبارة «فقال له أبو هاشم» في الأصل.

عهد أبي هاشم إلى محمد بن علي [1]

عهد أبي هاشم إلى محمد بن علي [1] قال عبد الله بن عمير: سمعت سالما يحدّث قال: قال محمد بن علي، ودخلت عليه في بيت من بيوته، توفي أبو هاشم في هذا البيت، وقال لي وقد أدنف، ولم [85 ب] أكن أفارقه في مرضه: فإنّما عند الله أحسبني لما بي، فأخرج عني من في البيت فإنّي أريد أن أعهد إليك. قال، ومعي داود وسليمان ابنا علي وعروة [2] مولانا، فأمرتهم بالخروج، فلمّا خرجوا قال: يا أخي! أوصيك بتقوى الله فإنّها خير ما تواصى به العباد، ومن بعد ذلك، فإن هذا الأمر الّذي نطلبه ونسعى [3] فيه و [4] طلبه آخرون [4] وسعوا فيه، وفيك وفي ولدك. حدّثني أبي أنّ عليّا قال له: يا بني! لا تسفكوا دماءكم فيما لم يقدر لكم بعدي، فإن هذا الأمر كائن بعدكم [في] [5] بني عمكم من ولد عبد الله بن عبّاس. وحدّثني أنّه سمع عليّا عليه السلام يقول: دخل العبّاس على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذات يوم، وأنا

_ [1] في أنساب الأشراف: «قالوا ... فلما سم أبو هاشم في طريقه وهو يريد الحجاز عدل إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالحميمة، فأوصى إليه وأعطاه كتبه وجمع بينه وبين قوم من الشيعة فقال: إنا كنا نظن أن الإمامة والأمر فينا، فقد زالت الشبهة وصرح اليقين بأنك الإمام والخلافة في ولدك. فمال إليه الناس وثبتوا إمامته وإمامة ولده» . ق 1 ص 565. [2] في الأصل: «عمرو» ويرد ثانية (في ص 188) «عروة» وكذا في كتاب التاريخ ص 248 ب [3] في الأصل: «تطلبه وتسعى فيه طلبه وسعوا فيه..» . [4] زيادة يقتضيها السياق. والعبارة في الأصل مضطربة. وفي كتاب التاريخ: «فإن هذا الأمر الّذي طلبوا وسعوا فيه» ليست أوضح دلالة من الأصل. وانظر الطبري: المنتخب من ذيل المذيل س 4 ص 2500. [5] زيادة من كتاب التاريخ.

عنده في منزل أمّ سلمة، وهو متوسّد وسادة أدم محشوّة ليفا فألقاها إلى العبّاس وقال له: اجلس عليها، قال، وأقبل عليه يناجيه دوني بشيء لم أسمعه، ثم نهض، فخرج، فلما توارى، قال: يا عليّ! هوّن على نفسك، فليس لك في الأمر نصيب بعدي إلّا نصيب خسيس، وإنّ هذا الأمر في هذا وفي ولده، يأتيهم الأمر عفوا عن غير جهد طلب، حتى تدركوا بثأركم وتنتقموا ممّن أساء إليكم [1] . وأخبرني أنّ عليّا عليه السلام رأى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم كأن في المسجد مائدة عظيمة وعليها رءوس [86 أ] غنم، فأقبل أبو بكر فجلس عليها فتناول شيئا يسيرا ثم نهض، ثم جاء عمر فجلس فأكل منها طويلا ثم نهض، ثم جاء عثمان فجلس عليها، فأكل منها طويلا ثم نهض، ثم جاءت بنو أمية فأكلوا منها طويلا كثيرا، ثم جاء عبد الله بن عبّاس وولده وولد ولده فأقاموهم، وجلسوا فأكلوا جميع ما كان على المائدة ولم آكل معهم، فقصّها على النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: الحمد للَّه الّذي فتح الإسلام بنا ويختمه بنا، هؤلاء القوم يلون ثم يختم الإسلام بولد عبد الله بن عبّاس. قال: ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم: وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الْأَرْضِ ... 24: 55 إلى آخر الآية [2] ، وإليك هذا الأمر، وفي ولدك يصير، وقد استودعتك من الأمر ما استودعت فاتّق الله، وانظر فيما أنت فيه ليوم مرجعك، وأوص من بعدك [3]

_ [1] في كتاب التاريخ ص 249 أ: «وإن الأمر في هذا وفي ولده يأتيهم عفوا من غير جهد ويدركون ثأركم وينتقمون ممن أساء إليكم» . [2] سورة النور، الآية 55. [3] انظر العقد الفريد ج 4 ص 476.

بذلك، وقد أحببت أن يدخل عليّ أصحابي الذين رأيت. فقلت لعروة: أدخل من أحبّ، قال: فلان وفلان، حتى سمّى من كان معه ممّن ذكرنا اسمه، فلما أدخلوا عليه قال لهم: جزاكم الله خيرا، وصلتمونا وقد قطعنا الناس، وأحببتمونا وقد أبغضنا الناس، وهجرتم أوطانكم وتركتم معايشكم، ولزمتمونا على الكره والضرّاء، أسأل الله أن يجمع بيني وبينكم في [86 ب] جنّة الخلد، إنّي كما ترون، والمريض أعلم بنفسه، وهذا صاحبكم- يعني محمد بن علي- فائتمّوا به وأطيعوه ترشدوا، فقد تناهت الوصايا إليه، وقد ألقيت ما ألقيت إليكم إلى أخي وأخيكم سلمة بن بجير، استودعتكم الله الّذي لا تخيب الودائع عنده، ولا يضيع من فوّض أمره إليه والسلام عليكم. فبكى القوم، وارتفعت أصواتهم بالبكاء فقال: رحمكم الله أمسكوا عن الجزع، فكلّ حيّ هالك. قال سالم: قال أبو رباح: فظننّا أنّه حيث قال: قد ألقيت إليكم، أنّه قد القى إليه، حيث شخص من دمشق وودّعه وهو يناجيه بأمر أخفاه. فلمّا خرجوا قال أبو هاشم لمحمد بن علي: إنّه قد تخلّف عني رجل جبله الله على حبّنا وهو لك ثقة في المشهد والمغيب، فألق إليه أمرك، وثق فيه فيما لا تثق فيه إلّا بنفسك، فإنّي لم أكن أعدل به أحدا ممّن رأيت، وإن كانوا أخيارا منتخبين، وهو سلمة بن بجير، الرجل الّذي رأيتني أكرمه، ورأيته يقوم بأكثر أمري، وإنّما تخلف في حاجتي، وهو يأتيك، فإذا أتاك فاقرأ عليه منّي السلام، وقل له: جزاك الله الحيّ الّذي لا يموت عني خيرا، ولم يلبث أبو هاشم أن هلك رحمه الله. وقد زعم بعض الناس أنّ سبب موت أبي هاشم كان أن الوليد دسّ إليه، حين شخص عن دمشق، من سقاه شربة [87 أ] لبن مسموم فكان

موته بذلك [1] ولم يذكر ذلك إسحاق بن الفضل ولا غيره ممن كان يخبر أمره. وذكر أنّه مات كمدا لما رأى من استخفاف الوليد بأمره، فاللَّه أعلم أي ذلك كان. فاشتدّ وجد محمد بن علي عليه وظهر ذلك في وجهه وشهر به، فقال له داود بن علي: لقد ظهر من جزعك على أبي هاشم شيء ما رأيته ظهر منك عند وفاة أبيك رحمه الله! فقال له: يا أخي إنّ أبا هاشم كان رجلا من ولد علي، وكان يتقدّم أهلي جميعا في شدّة ودّه لي وتعظيمه إياي وما أصبت بأحد كان أعزّ عليّ منه. وأمر أهله فبكوه وأقاموا عليه مأتما، وجمع ما كان ترك فبعث به إلى ورثته بالحجاز مع عروة مولاه. ثم دعا من كان معه من شيعته فعزّاهم به وقال لهم: لئن كنتم أصبتم بموته لقد خصصت بذلك منه، وقد جمعني وإياكم القيام بهذا الأمر وعلمت منه كثيرا ممّا لم تعلموا فاتّقوا الله ربّكم وحافظوا على هذا الحق الّذي سعيتم في إقامته واحفظوا ألسنتكم فلا تطلقوها إلّا في مواضع النفع والغناء وتصبّروا للمكروه فقد قرن بكم، فإن حفظتم ذلك فأنتم شيعتي وخاصّتي وأولى الناس بي في محياي ومماتي. قال إبراهيم بن سلمة: فتكلم ميسرة، وكان من ذوي البصائر، فقال: قد أوصى إليك صاحبنا الّذي كنّا [87 ب] نأتمّ به وذكر أنّ هذا الأمر فيك وفي ولدك، وقد قبلنا ذاك فمرنا بأمرك نقف عليه ولا نتعده. فقال لهم: أقيموا قليلا حتى يقدم ابن بجير صاحبكم، فأقام القوم على ذلك لا يرى من هناك إلّا أنهم حامّة [2] أبي هاشم يريدون الانصراف إلى أوطانهم. وأقبل ابن [3] بجير من دمشق يقصّ أثر أبي هاشم حتى ورد الشراة، فألفى أبا

_ [1] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 325- 326، ق 1 ص 565، والعقد الفريد ج 4 ص 475- 476. [2] حامة الإنسان خاصته وما يقرب منه. [3] زيادة.

هاشم قد توفي، فلقي محمد بن علي فعزّاه بأبي هاشم وخبّره بما ألقى إليه من أمره، فقال له ابن بجير: قد ألقى إليّ هذا الأمر وعهد إليّ فيه فابعث إلى أصحابه الذين كانوا معنا [1] لننظر في أمرنا. ولم يكن ابن بجير لقيهم فأرسل إليهم محمد ابن علي فلما دخلوا عليه ونظروا إلى ابن بجير بكوا وعزّاهم وعزّوه، فكان إبراهيم بن سلمة يقول: لم أر من خلق الله أحدا كان أقوى بصيرة من ابن بجير، فقال لأصحابه: قد مضى أبو هاشم ونحن نرى طاعته واجبة علينا وطاعته [2] في مماته كطاعته في حياته لا ندين إلّا بذلك وكلّ من عليها فان، فطوبى لمن مات على حقّ داعيا إلى حقّ، شمّروا في أمركم فإنّكم أيّتها العصابة قد وجبت عليكم الحجة بما عرّفكم الله من حقّه، فنافسوا في إقامته تفوزوا غدا بحسن ثوابه. ثم أقبل على محمد بن علي فقال: إنا والله ما أحببناكم [3] إلّا لما رجونا من درك ثواب الله في الآجل فانهض في أمرك، [88 أ] فقد تقارب ما كنّا ننتظره، وما آتاك الله من العلم بذلك أكثر [4] . فقال له محمد بن علي: رحمك الله، أنت أخي دون الإخوة، ولست أقطع أمرا دونك، ولا أعمل إلّا برأيك، وهذا الأمر لا تنال حقيقته إلّا بالتعاون عليه، فقوموا به يجمع لكم به خير الدنيا [وخير الآخرة] [5] ، فدعا له القوم وطابت نفوسهم، وقووا بما كلّمهم به للَّه. ثم قال له ابن بجير: إنّي قد كنت غرست لكم غرسا لا تخلف ثمرته، استجاب لي عدة من رهطي وجيرتي وخلطائي ليسوا

_ [1] في الأصل: «فيه» وما أثبتنا من كتاب التاريخ ص 249 أ. [2] في كتاب التاريخ «فطاعته» . [3] في كتاب التاريخ ص 249 أ «ما أجبناكم» . [4] في كتاب التاريخ ص 249 أ- ب: «وما آتاك الله بذلك من العلم أكبر» . [5] زيادة من كتاب التاريخ ص 249 ب، وعبارته: «يجمع الله لكم خير الدنيا وخير الآخرة» .

أول ديوان شيعة بني العباس

بدون من ترى [1] في محبتكم، والمناصحة لكم، ونحن نشخص في أمرك، وقد رأيت أن تثبت أسماءهم لتعرفهم وتستظهر بهم على أمرك. أول ديوان شيعة بني العباس قال إبراهيم بن سلمة: فتناول محمد قرطاسا، فجعل يكتب بخطّه ويملي عليه ابن بجير، فكان أول من ذكر له سالم بن بجير الّذي يقال له سالم الأعمى [2] ، وإنّما كفّ بصره بعد ذلك، وأبو هاشم بكير بن [3] ماهان. فأمّا بكير فإنّ أباه كان مولى لرجل من بني مسلية سكن الشام بالأردنّ بعد، وكان بكير ابنه ينزله بنو مسلية من صليبتهم، وكان من أهل الديوان وغزا [مع] [4] يزيد بن المهلب خراسان ودخل معه جرجان حيث افتتحت، وكان هو في عدّة من بني مسلية [5] [88 ب] قد شهدوا فتحها مع يزيد. وحفص بن سليمان وهو أبو سلمة الخلّال، وحفص الّذي يدعى الأسير، وهؤلاء جميعا موالي بني مسلية، رهط [6] عامر بن إسماعيل، وميسرة الرحال، وموسى بن سريج السرّاج [7] ، وزياد بن درهم الهمدانيّ، ومعن بن يزيد

_ [1] في الأصل: «يرى» والتصويب من كتاب التاريخ ص 249 ب. [2] في الطبري: «الأعين» ، س 2 ص 1467. [3] انظر الطبري س 2 ص 1467. [4] زيادة من كتاب التاريخ ص 249 ب. [5] في الأصل: «مسيلة» . [6] في كتاب التاريخ ص 249 ب: «ورهط» . [7] في ن. م. ص 249 ب: «موسى بن شريح السراج» .

الهمدانيّ، والمنذر بن سعيد [1] الهمدانيّ، فكتب أسماءهم. وقد ذكروا أنّ فيمن سمّي له: أبا عمرو الأزدي، وأبا الهذيل حيّان السرّاج، وأبا إبراهيم محمد بن المختار أخا زياد بن درهم لأمّه، والوليد الأزرق. وقال له محمد ابن علي: لك سبقك في هذا الأمر، ولك فيه فضلك بنفسك وبما مضى عليه أبوك رحمه الله، ولكل رجل خاصة وخاصّتي من أهل مصركم أنت وقبيلك، فأقم وأقيموا جميعا، والقني أنت غبّا [2] ، وأظهروا أنّكم تريدون [الشخوص] [3] ، وأنكم تنتظرون رفقة تخرج فتخرجون، وسلوا عن الكري [4] ، وأظهروا العناية بالسفر لا يسترب بكم. فأخبرنا محمد بن سالم عن أبيه أنّه قال: إنّما تأثّل أمر الدعوة في بني مسلية، وتولّوا أمرها والقيام بها من قبل أن تحير. فأخبرنا الحسن بن حمزة عن سالم قال: مرض ابن بجير بالشراة، ثم تهيّأ له ولأصحابه الشخوص فشخصوا في طريق المدينة، ورئيسهم والمطاع فيهم ابن بجير، واشتد به وجعه فهلك في طريقه حيث شارف المدينة بذي خشب، فأوصى إلى أبي رباح ميسرة النبّال، وقد تخلّف إبراهيم [89 أ] بن سلمة، وهو يومئذ فتى حين بدا وجهه عند محمد بن علي فصار في حامّته، وخصّ به حتى جعل يقدّمه على عامّة أهله. وقد كان محمد بن علي أمرهم أن يكتموا اسمه، ولا يظهروا عليه إلّا من وثقوا بنيته وشدّة نصرته. وقدم أولئك الرهط الكوفة، وأبو رباح رئيسهم، وكان مجتمعهم في بني مسلية عند سالم وأصحابه، وستروا [5]

_ [1] في ن. م. ص 249 ب «سعد» . [2] في ن. م. ص 250 أ: «والقني أنت غدا» . [3] زيادة من ن. م.، وعبارته: «وأظهروا أن جماعتكم تريد الشخوص» ص 250 أ. [4] في ن. م. ص 250 أ: «وسلوا عن الكراء لئلا يستراب بكم» . [5] في الأصل: «سيروا» .

أمرهم. وقد كان محمد بن علي قال لهم، حيث جدّ بهم مسيرهم وأتوه يودّعونه: إنّي لو قدرت على أن أكتب إلى كلّ رجل منكم على حياله لكان ذلك يسيرا في ما أوجبه لكم، فاختاروا رجلا منكم أكتب إليه ويلقي ما أكتب به إليكم. فقالوا جميعا: ابن بجير لك ولنا ثقة. فقال محمد: جزاكم الله خيرا، بهذا رجوت أن يعزّكم الله ويعزّ بكم، نعم قد رضيت به فلا تخالفوه، وأمسكوا عن الجدّ في أمركم [1] حتى يهلك أشجّ [2] بني أميّة- والوالي يومئذ سليمان، ولا يظنّ القوم [3] ولا غيرهم أنّ عمر يلي شيئا من أمر الأمّة، لأنّه لم يكن من ولد عبد الملك. وكانت هذه من الأمور التي زادت الشيعة بصيرة في محمد بن علي، وقالوا: قال ذلك بفضل علمه- فإذا هلك أشجّ بني أميّة وانقضت سنة مائة وهي سنو صاحب الحمار، [فهناك أظهروا أمرنا] [4] . قال بعضهم: وما سنو صاحب الحمار؟ قال: قول الله في كتابه: [89 ب] أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها، قال: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ الله بَعْدَ مَوْتِها، فَأَماتَهُ الله مِائَةَ عامٍ 2: 259 [5] ، فأمسكوا عن الجدّ في أمركم حتى تنقضي هذه المدّة، ولا تكثّروا من أهل الكوفة،

_ [1] في الأصل: «في أمرهم» ، وفي كتاب التاريخ ص 250 أ: «وأمسكوا عن الجد واستروا أمركم» . [2] هو عمر بن عبد العزيز. [3] في كتاب التاريخ ص 250 أ «ولا يظن أحد أن عمر ... » . [4] زيادة من كتاب التاريخ ص 250 أو عبارته «فإذا انقضت سنة مائة وهي سنو صاحب الحمار فهناك أظهروا أمرنا» . وانظر العقد الفريد ج 4 ص 476. [5] سورة البقرة الآية 259 وتمامها « ... ثُمَّ بَعَثَهُ، قال كَمْ لَبِثْتَ قال لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، قال بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ، فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ، وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ، وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قال أَعْلَمُ أَنَّ الله عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» 2: 259.

ولا تقبلوا منهم إلّا أهل النيّات الصحيحة. فانقضت سنة مائة وما تبلغ شيعة الكوفة ثلاثين رجلا، وما يعرف محمد بن علي بنسبه واسمه إلّا أولئك الرهط، وكانت دعوتهم إلى الرضا من آل محمد، فإذا سئلوا عن اسمه قالوا: أمرنا بكتمان اسمه حتى يظهر. ولمّا انقضت سنة مائة مرض أبو رباح [1] ، وأتاه عدّة ممن لم يكن عرف محمد بن علي فسألوه وهو مدنف أن يخبرهم باسمه، قال، ورأسه في حجر موسى السراج: يخبركم بذلك موسى، ثم استوى قاعدا ونعله بين يديه فتناولها وألقى على ظهرها ترابا، ثم كتب فيه: الإمام محمد بن علي. وقد قال لسالم قبل ذلك: يا أخي إني لما بي، وهذا الأمر إليك وصاحبنا وإمامنا محمد بن علي وكاتبه بمثل ما كنّا نكتب فيه إليه، وقم من أمره بما كان ابن عمّك يقوم به، وقد رأيته يعتمد عليكم ويثق بكم، جمعنا الله وإيّاكم في جنّة الخلد، وأغمي عليه فما نهضوا من عنده إلّا وهو ميّت. وقام بأمر الشيعة سالم، وكتب [2] وأولئك الرهط إلى محمد بن علي [90 أ] يخبرونه بموت أبي رباح [3] ميسرة النبّال، وسألوا بكيرا أن يخرج بكتبهم [4] ، فأجاب إلى ذلك وسرّ به ونشط له. قال الحسن بن حمزة: فتهيّأ بكير للشخوص إلى محمد، ولمّا أزف ذلك منه ورد عليه كتاب من ابن عمّ له من السند يذكر أنّ أخاه يزيد بن ماهان توفّي وترك مالا جمّا كثيرا، وقد جمعوه، وسأله تعجيل القدوم عليه

_ [1] في الأصل: «أبو رياح» . [2] في كتاب التاريخ ص 250 أ- ب «وكتب عن الشيعة إلى محمد علي ... » [3] في الأصل: «أبي رياح» . [4] في الأصل: «بهم» ، والتصويب من تتمة الخبر. وفي كتاب التاريخ ص 250 ب: «وسأل بكير بن ماهان أن يخرج إليه بكتابهم، فسر لذلك ونشط» .

لقبضه. قال الحسن: فلمّا أتاه نعي أخيه أتاه الحيّ يعزّونه بأخيه، وما هيأته وشغله إلّا بجهازه لسفره إلى محمد بن علي، فقال له سالم: ابدأ بوجهك في طلب ميراثك، ونبعث بكتبنا [1] مع موسى السرّاج، فقال بكير: ما كنت لأوثر الدنيا على الآخرة، بل أمضي إلى صاحبي، وألقاه، وأستأذنه، فإن أذن لي في طلب ميراثي شخصت [2] في ذلك فما أسرع الإياب إن مدّ لي في الأجل. فشخص بكير حتى أتى دمشق ثم ابتاع بها عطرا، وحمله على بغل ابتاعه، وخرج حتى أتى الشراة في هيئة عطّار يبيع عطرة، وأتى بعض [3] قراها فباع بعض ما معه حتى شهر بذلك، ثم توجّه إلى الحميمة، فلمّا دخلها طلب منزلا ينزله، فبصر بإبراهيم بن سلمة، وكان يعرفه بحيّان [4] خاله بالكوفة، فقال له وهو متلثّم: يا فتى هل من منزل؟ قال: نعم، هذا منزل الضيفان. فخرج به حتى أدخله رحبة واسعة فيها منزل محمد بن علي [90 ب] وقد أطاف بالرحبة منازل إخوته وولده ومواليهم، وفيها مسجد لهم فيه مجتمعهم ومتحدثهم وأكثر طعامهم، فأدخل بكيرا بيت الضيفان وأدخل متاعه، فلمّا وضع رحله أسفر عن وجهه، فلمّا رآه إبراهيم بن سلمة عرفه فسلّم عليه، وقال له بكير: لا تظهرنّ معرفتك بي. قال الحسن: فأخبرنا بكير قال: فكتمت أمري، وجعلت أعرض بضاعتي، وأساهل من أبايعه من آل علي، وجعلوا يذكرون ذلك لأبي عبد الله حتى [5] أنسوا بي، وجعلت

_ [1] في الأصل: «بكتبا» . [2] في الأصل: «فشخصت» . [3] كررت في الأصل «بعض» . [4] في الأصل: «تحيان حاله» ، وحيان العطار هو خال إبراهيم بن سلمة. انظر ص 184 من هذا الكتاب. [5] في الأصل: «حتى إذا» .

أصلّي معهم وأجلس إليهم. وكان بكير رجلا عاقلا لبيبا، قد جال الآفاق، قال: فقلت لإبراهيم: إذا خلا صاحبك فأعلمه مكاني وسمّني له ولا تذكرني له وعنده أحد. قال: فترقّب خلوته وأخبره بأمره وسمّاه له فعرفه بتسمية ابن بجير اسمه له، وقال: قل له: إذا صليت العتمة فليقم يتنفّل في المسجد حتى تدخل إخوتي حامّتنا منازلهم. قال بكير: ففعلت ذلك، ودخل محمد ابن علي منزله، ودخل أهل بيته منازلهم، حتى إذا لم يبق غيري عاد إليّ إبراهيم بن سلمة فأدخلني عليه فسلّمت تسليما خاصّا، وخبّرته بأمرنا وما صرنا إليه بعد موت أبي رباح [1] ، ودفعت إليه كتاب سالم وكتب أصحابه فقرأها، وترحّم على ابن بجير فأكثر وتوجّع لموته وترحم على أبي رباح [1] ، [91 أ] ثم قال: كم يبلغ أصحابكم بالكوفة؟ قلت: لا يكونون ثلاثين رجلا. قال: سيكونون ويكثرون. فقلت: إنّا كنّا نتحفظ ونمسك عن الجدّ انتظار الوقت، فقال: قد أصبتم [2] ، وعليك بتجارتك هذه، أظهر الجدّ فيها لا يرى من أنت بين ظهرانيه أنّ شأنك غيرها. قال بكير: فدفعت إليه تسعين ومائة دينار جمعتها شيعة الكوفة. قال: ودفعت إليّ أمّ الفضل طوقا من ذهب وثوبا مرويّا من غزل يدها، وسألتني دفعهما [3] إليه، فكان أول مال حملته الشيعة إلى محمد بن علي مع بكير بن ماهان. قال إبراهيم: فكان إذا تفرّق بنو علي وحامّتهم أرسل محمد إلى بكير فيدخله عليه ويكثر الخلوة به، فقال عبد الله بن علي: قد غلبنا هذا العطّار على أبي عبد الله، فقلت له: إنّه حسن الحديث، وقد طوّف البلدان، وأخوك يعجبه حديثه. وأزف

_ [1] في الأصل: «أبي رياح» . [2] في كتاب التاريخ ص 250 ب: «فقال: قد أصبتم، وعليك بالدخول إلى خراسان فإن دولتنا مشرقية» . [3] في الأصل: «دفعه» والتصويب من كتاب التاريخ ص 250 ب.

خروج بكير، قال عمرو بن شبيب المسلي: سمعت بكيرا وهو يحدّث سالما قال: قلت لمحمد بن علي: ما أعجب غفلتك، وأنت تريد ما تريد ويأتيك من يأتيك، عن اتخاذك [1] منزلا شاسعا تنفرد فيه لأمورك وغاشيتك، وتتنحّى فيه عن جماعة أهل بيتك، فو الله ما آمن السفهاء منهم أو من غيرهم من جيرتك أن يفشو شيئا سمعه أو ظنّه حتى يلقي [2] بك [91 ب] فيما يكره، وأنت بين هذه الفراعنة. فقال لي: رحمك الله يا أبا هاشم! ما زلت أحدّث نفسي بذلك. قال: فاتخذ منزلا بكداد وبينه وبين منازل ولد أبيه بالحميمة نحو من ميلين. قال بكير: فقلت له: لو صيّرت بينك وبين شيعتك رجلا من أهلك، لا تنكر [3] خلوتك به، تكون رسلهم تأتيه ويكون هو يؤدّي عنك إليهم. فقال: إنّي فاعل وغاز في سنتي هذه وأنت معي حتى نأتي دمشق فننظر في ذلك. فأقام بكير معه حتى خرج غازيا وخرج بكير معه، ومعه عدة من إخوته وعروة مولاه والمهلهل مولاه وزيادة مولاه، وشخص معه إبراهيم بن سلمة، فلما ورد دمشق نزل بفضالة بن معاذ [4] مولاه، فكان نازلا عليه حتى تهيّأ له شخوصه. فلما اجتمع على الشخوص قال لبكير: ما ترى في فضالة أصيّره علما بيني وبينكم ترد عليه كتبكم فينفذها إليّ وترد عليه كتبي إليكم فينفذها إليكم؟ قال بكير: فقلت له: هذا رجل لا يتديّن بالائتمام بك وقد نال حظّا من تجارته مع أهل الشام ولست أثق به. قال: إنّه مولانا وإنّه وإنه، قال: فقلت: لا أرى أن تفعل. قال: فأبى إلّا أن يفعل وألقى إليه أمره وجمع بينه وبين بكير وقال له: متى أتاك رسوله

_ [1] في الأصل: «اتخاذ منزلا شاسعا» . [2] في الأصل: «يلقيك بك» . [3] في الأصل: «لا ينكر» . [4] في الأصل: «معاد» .

أو رسول [92 أ] صاحبه [1] أو كتبهم فأنفذها إليّ، ومتى كتبت إليهم بشيء وبعثت به إليك فعجّل إنفاذه [2] إليهم. قال: نعم أفعل. قال بكير: توكّد عليه وحلّفه ليناصحن، فحلف ليفعلنّ وليسترنّ أمره ولا يؤتى من قبله ولو كان هلاكه. فلمّا تهيّأ لبكير انصرافه إلى العراق، قال لمحمد بن علي: إنّي قد جوّلت الآفاق ودخلت خراسان وشهدت فتح جرجان مع يزيد بن المهلب، فما رأيت قوما أرقّ قلوبا عند ذكر آل الرسول صلى الله عليه وسلّم من أهل المشرق، ولقد لقيت رجلا من الحيّ يقال له قيس بن السري بجرجان فصادفت عنده رجلا من الأعاجم فسمعته يقول بالفارسية: ما رأينا قوما أضلّ من العرب، مات نبيّهم صلى الله عليه وسلّم فصيّروا سلطانه إلى غير عترته [3] ، ثم بكى، فو الله ما ملكت نفسي أن بكيت معه، فقلت له: رحمك الله، وكم رأيت من باطل قد علا على حقّ، شبّه على العرب، ودعوا إلى الدنيا فمال إلى الدنيا من كان في الدنيا همّته، وقد أفاق كثير [4] منهم وأبصروا خطأهم [5] . قال: فما يمنعكم من الطلب لهم ورد الأمر فيهم، فأنا لكم على أهل بلادي ضمين، ينهضون معكم في ذلك، فقلت: وتفعل [6] ؟ قال: نعم، ابسط يدك أبايعك على ذلك، فبسطت يدي فبايعني، وما لنا يومئذ أرب في نشر الدعوة بخراسان. [92 ب] وقلت له: اكتم ما جرى بيني وبينك، قال: فضحك ثم قال: لسنا بسفهاء، إن شئت أمكنتك

_ [1] لعله: «أصحابه» . [2] في الأصل: «إنفاذها» . [3] في كتاب التاريخ ص 251 أ: «فصيروا الأمر في غير عترته» . [4] في الأصل: «كثيرا» . [5] في كتاب التاريخ ص 251 أ «رشدهم» . [6] في ن. م. ص 251 أ: «أو تفعل» .

من لساني تقطعه [1] حتى تأمن ناحيتي، ثم خرج، فقلت من هذا؟ هذا والله المؤمن حقّا. فقال إسماعيل أبو [2] عامر، وكان حاضرا: هذا يزيد بن النهيد، وبينه وبين أمّ عامر قرابة، وقد ألقيت إليها شبيها بما ألقيته إليه، فهو يكثر مساءلتي عن قائم يقوم بأمر الأمّة من آل محمد، فلم أكشف له شيئا إشفاقا من أن يدفع ذلك فيكون فيه ضرر عليّ وعليه، وهلك قبل ظهور الدعوة، وقد خرج فيها أخ له يقال له بشر بن النهيد، وكان من قوّاد أبي عامر وممن خرج معه وشهد مقتل مروان. قال بكير: وأقبلت من جرجان ومعي أبو عبيدة قيس بن السري وأبو عامر إسماعيل وهما يريدان الحجّ، فلما صرنا الى الري خرج معنا قوم من حجاج خراسان فنازلنا رجل منهم يقال له سليمان بن كثير، ويكنى بأبي محمد، فتذاكرنا شيئا من حديث آل محمد فرأيت له رقة شديدة عند ذلك، فقلت: أفلا أحدّثك عن رجل من أعاجم جرجان، فحدثته بحديث ابن النهيد، فقال: وأنا والله أبايعك على ما بايعك عليه الجرجاني، وذكر لي أنّه من سكان مرو [3] ومن أهل الديوان، فقد أرى [93 أ] أن تبثّ دعوتك فيها وتكون دار هجرتك وشيعتك. فقال محمد: يا أبا هاشم دعوتنا مشرقية وأنصارنا أهل المشرق وراياتنا سود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الرايات السود مقبلة من خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج، وقال عبد الله بن العباس: إذا كانت سنة ثلاثين ومائة لم يظهر أحد بالمشرق يرفع راية سوداء إلينا إلّا نصر، وقد أذنت لك في بثّ

_ [1] في كتاب التاريخ ص 251 أ «لتقطعه» . [2] في ن. م. «ابن» ص 251 أ. [3] وهي مرو الشاهجان، مركز المقاتلة. انظر الاصطخري ص 147، اليعقوبي- البلدان ص 279، قدامة- الخراج ص 209 وما بعدها، ابن خرداذبه ص 24- 5، وهي على خط طول 42 47 شمال وخط عرض 54 61 شرق.

الدعوة بخراسان، واكتم ذلك فلا تظهر شيئا حتى ترد جرجان، ولا تلق أمرك إلّا إلى الثقات من أهلها فأنت بكر هذا الأمر وبك افتتاحه. قال عيسى بن حمزة الهمدانيّ ابن أخت بكير: سمعت بكيرا يقول: قلت لمحمد بن علي: أتاني عند شخوصي إليك نعي أخي من السند وترك مالا كثيرا أنا وارثه فإن أذنت لي في الخروج في طلبه خرجت ووافيتك عند أوان حاجتك إليّ. قال: قد أذنت لك فامض على بركة الله لوجهك ولا تظهرنّ جدّا، ولتكن دعوتكم وما تلقى به العامة أن تدعوهم [1] إلى الرضا من آل محمد، وتذكر جور بني أميّة، وأن آل محمد أولى بالأمر منهم، فإذا بلغك أنّ الأحول من بني أميّة قد ملك فعجّل الإقبال إليّ ولا تعرّج على شيء، وأبلغ أصحابك [93 ب] ما ألقيت إليك ومرهم بالكفّ إلّا في مثل ما ألقيت حتى يأتيهم رأيي، وحذّر شيعتنا التحرك في شيء مما تتحرك فيه بنو عمّنا من آل أبي طالب، فإن خارجهم مقتول وقائمهم مخذول وليس لهم في الأمر نصيب، وسندرك بثأرهم وسنبتلى بسعيهم ثم لا يكون ضرر ذلك إلّا عليهم، واحذروا جماعة أهل الكوفة ولا تقبلنّ [2] منهم أحدا إلّا ذوي البصائر فإنّهم لا يعزّ بهم من نصروه ولا يوهنون بخذلانهم من خذلوه. يا أبا هاشم أنتم خاصتي وعيبتي وثقاتي وأمنائي ومنكم القائم بأمرنا، ومنكم قاتل فرعون هذه الأمة عمرو أو عامر [3] ، واحد أبيه، شعاره في عسكره على عسكر [4] اللعين أشدّ من لهيب النار، سر صاحبك الله وكفاك ووقاك. فذهب بكير إلى العراق ومحمد بن علي إلى الصائفة، وقد ولي عمر بن عبد العزيز، فلمّا انصرف

_ [1] في الأصل: «ندعوهم» . [2] في الأصل: «تقتلن» . [3] في الأصل: «عمرا وعامرا» . [4] في الأصل: «عكس» . انظر ص 182 من هذا الكتاب.

ألفى ريطة [1] بنت عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان الحارثي، وكانت تحت ولد عبد الملك فنازعها في شيء يوما من الأيام ففخرت عليه وذكرت سلفها وأيامها فأحفظه [2] ذلك، فطلّقها [3] . فكلّم محمد بن علي عمر بن عبد العزيز وهو الوالي يومئذ فقال: ابنة خالي كانت متزوجة فيكم وقد فرغت فأردت أن أتزوّجها وأحببت أن يكون ذلك بإذنك، فقال هي أملك [94 أ] لنفسها [4] ، ومن يحول بينك وبين ذلك [5] ؟ فتزوّجها محمد بن علي، واشتملت [منه] [6] على أبي العباس، وولد في ولاية يزيد بن عبد الملك. وقدم بكير الكوفة، ولقي سالما وأصحابه فأبلغهم رسالة محمد بن علي في إنفاذ كتبهم ورسلهم إلى فضالة، لما أحبّ من ستر أمره. وتوجّه بكير إلى خراسان مع سعيد الحرسي [7] فحرّك فيها وقوّى أمر الدعوة بها، ثم مضى إلى السند آخذا على سجستان، وانحدر على السند، فصحب الجنيد بن عبد الرحمن، وصار ترجمانا له ولطفت حاله عنده، وكان الجنيد والي السند من قبل يزيد بن عبد الملك، وأصاب بكير مالا كثيرا من تركة أخيه وفي صحبته الجنيد. وذكر عمر بن شبيب: أنّ بكيرا لمّا أتى خراسان بدأ بجرجان فلقي بها أبا عامر وأبا عبيدة فأقام عندهم شهرا ثم نفذ إلى مرو ومعه أبو عبيدة، فنزل على سليمان بن كثير للمعرفة التي كانت بينهما في طريقهما إلى العراق قبل ذلك، فلذلك كان يقال: أوّل من عرّف الدعوة بخراسان وبايع أبا هاشم

_ [1] في الأصل: «رابطة» . انظر جمهرة أنساب العرب ص 20، وكتاب التاريخ ص 251 ب والطبري س 3 ص 88، وس 4 ص 2499- 2500، وكتاب حذف من نسب قريش ص 11. [2] في الأصل: «فاخفضه» ، والتصويب من كتاب التاريخ ص 251 ب. [3] ويضيف كتاب التاريخ «وكان يقال إن الرجل الّذي يزول على يده ملك بني أمية تكون أمه حارثية، فكانت بنو أمية تمنع من التزويج بالحارثيات» . ص 251 ب. [4] في الأصل: «بنفسها» ، والتصويب من كتاب التاريخ ص 251 ب. [5] انظر الكامل للمبرد ج 2 ص 219. [6] زيادة من كتاب التاريخ ص 251 ب. [7] لعله: الحرشيّ.

يزيد بن الهنيد وأبو عبيدة قيس بن السري المسلي وسليمان بن كثير الخزاعي. فأقام بكير بمرو نحوا من شهرين، وأتاه سليمان بن كثير بمالك بن الهيثم وعمرو ابن أعين وزياد بن صالح وطلحة بن زريق وأبي [94 ب] النجم، وكان صديقه، وكان معلّما فبايعه، وأتاه بخالد بن إبراهيم أبي داود، وأتاه علاء ابن الحريث وعدة من خزاعة [1] فبايعوه. وأخبرنا المهاجر بن عثمان قال: سمعت مالك بن الهيثم يقول: إنّي لجالس في المسجد بمرو وقد بايعت أبا هاشم، ومعي موسى بن كعب، ونحن نتحدث إذ طلع علينا بكير، ومعه أبو عبيدة، فلمّا بصرت به قمت إليه، فقال لي موسى: أين تذهب؟ فقلت: ألقى هذا الرجل، وأرجع إليك الساعة. فلقيت بكيرا فسلّمت عليه فصلى ركعتين ثم أقبل [2] عليّ فقال: من جليسك؟ فقد رأيته كلّمك حيث قمت. فقلت: رجل من بني تميم، وهو لنا وادّ، وإنّه ليظهر حبّ آل محمد، وما فاوضته بشيء فيهم. فقال لي: إن كنت تثق به فادعه وتوثّق منه، واحذر العامّة من قومه. ثم خرج من المسجد، وانصرفت إلى موسى، وهو في مجلسه الّذي كنّا جميعا فيه، فقال لي: من الرجل الّذي رأيتك قمت إليه؟ فقلت: أخ لنا، وإنّ معه لبضاعة، وهو يعرضها. فقال موسى: أرني بعض متاعه. فقلت: إنّه يستر ذلك. قال: فنحن نستر عليه. فقلت: عليك عهد الله وميثاقه لتسترنّ عليه؟ فقال: نعم. فأخبرته خبره وما قدم له فقال: أتعرف منزل الرجل؟ فقلت: نعم. قال: فانهض بنا إليه، فقمنا، [95 أ] فأتيناه، ولمّا وقفنا ببابه تقدمت فدخلت فأخبرته خبره فقال: أدخله عليّ، فأدخلته عليه، فبايعه، وتشمّر معنا في الدعوة.

_ [1] يضيف كتاب التاريخ «لصداقة بينهم» ص 252 أ. [2] في الأصل: «عليه» .

توجيه أبي عكرمة إلى خراسان

توجيه أبي عكرمة إلى خراسان قال الحسن بن حمزة: سمعت موسى السرّاج يقول: لما أراد محمد بن علي توجيه أبي عكرمة، واسمه زياد بن درهم، أحد شيعته [1] إلى خراسان دعاه فقال له: اكتن [2] بأبي [3] محمّد، وقد رسم لك بكير رسما فاتبعه، وإن كانت نفسك تطيب بالموت فيما تتوجّه فيه فامض، وإن جزعت منه، وهو لا محالة آتيك، فأقم، فإنّي لست أضمن لك الحياة، ولكنّي أضمن لك ثواب الله الّذي هو خير لك من الدنيا وما فيها. قال زياد: رحمك الله، ما تجشّمت ركوب [4] بعد المشقة بيني وبينك، ومفارقة الولد والأهل والوطن إلّا ونفسي طيبة لك بالموت، فأوصني بما أحببت. قال: فإنّي أوصيك بتقوى الله، والعمل ليوم مرجعك، واعلم أنّه لا تخطو خطوة فيما تذهب إليه إلّا كتب الله لك بها حسنة، وحطّ عنك بها سيئة، ولا تظهرنّ شيئا من أمرك، حتى تقدم جرجان وتلقى بها أبا عبيدة [5] وتلقي إليه ما ألقي إليك ثم تأتي [6] مرو فتلقى أهلها بتجارتك وتلابس العامّة بسنّتها وتلقى [7] سليمان بن كثير والنفر [95 ب] الذين استجابوا لأبي هاشم. ولا تظهرنّ جدّا ولا دعاء إلى سلّة سيف،

_ [1] في كتاب التاريخ ص 252 أ «أحد شيعته من الكوفة» . [2] في الأصل: «أكتني» . [3] انظر الطبري س 2 ص 1358. [4] في كتاب التاريخ «ما تجشمت ركوب هذا الأمر إلا ونفسي طيبة بالموت» ، ص 252 أ. [5] في ن. م. «والق أبا عبيدة وما رسم لك فاتبعه» . ص 252 أ. [6] في ن. م. «ثم تأتي مرو بعلة التجارة» . ص 252 أ. [7] في ن. م. «وتلقى سليمان بن كثير ومن معه بحجتك التي لا يعقلها إلا أولو الألباب» . ص 252 أ- ب.

وأقلل مكاتبتي ومراسلتي، وأنفذ كتبك إلى أبي الفضل وإلى أبي هاشم إن رجع إلى العراق، وإن دعوت أحدا من العامّة فلتكن دعوتك إلى الرضا من آل محمد، فإذا وثقت بالرجل في عقله وبصيرته فاشرح له أمركم، وقل بحجّتك التي لا يعقلها إلّا أولو الألباب، وليكن اسمي مستورا عن كل أحد إلّا عن رجل عدلك في نفسك في ثقتك به وقد وكّدت عليه وتوثقت منه وأخذت بيعته، وتقدّم بمثل ذلك إلى من توجّه من رسلك، فإن سئلتم عن اسمي فقولوا: نحن في تقيّة، وقد أمرنا بكتمان اسم إمامنا. وإذا قدمت مرو فاحلل في أهل اليمن، وتألّف ربيعة، وتوقّ مضر، وخذ بنصيبك من ثقاتهم [1] ، واستكثر من الأعاجم، فإنّهم أهل دعوتنا، وبهم يؤيّدها الله، واحذر غالبا [2] ورهيطا قد ظاهروه على رأيه من أهل الكوفة، منهم عيّاش ابن أبي عيّاش وزياد بن نذير، وهم نفير في بني تميم، وأبو خالد الجوالقي، فإنّهم قوم قد سعوا في الفتنة وقد برئنا منهم فابرءوا منهم، وكانوا، غالب وأصحابه، فاطميين دانوا [3] بإمامة محمد بن علي بن الحسين. وذكروا أن محمد بن علي أمر أبا [96 أ] عكرمة ألّا يدعو إلى دعوته زائد الخلقة ولا ناقصها، ولا مقطوع العذار- وهو الأثطّ [4]- ولا الطويل الفاحش الطول، ولا القصير الفاحش القصر. وكان ممّا أمر به محمد بن علي أبا عكرمة إغماد السيف وقال: إنّه محرّم عليكم أن تشهروا سيفا على عدوّكم، كفّوا أيديكم حتى يؤذن لكم، وبهذا سمّيت: الكفيّة [5] ،

_ [1] انظر العقد الفريد ج 4 ص 476. [2] انظر الطبري س 2 ص 1501. [3] الأصل: «كانوا» . [4] الثط والأثط من خف شعر لحيته أو حاجبيه. وجاء في حاشية الأصل «لعله الكوسج» . [5] في الأصل: «الكوفية» .

لأنهم كفّوا أيديهم فلم يشهروا سيفا، حتى كتب إبراهيم بن محمد إلى أبي مسلم يأمره بإظهار الدعوة ومجاهرة عدوه، فكلّ من أجاب الدعوة قبل ظهور أبي مسلم فهو كفيّ، ومن دخل في الدعوة بعد ظهور أبي مسلم فليس من الكفيّة. ولمّا أجمع محمد بن علي على توجيه أبي عكرمة إلى خراسان قال له سالم: ليس لنا أن نستبدّ بأمر دونك ولا نسبقك ونحن نأتمّ بك، وقد أحببت أن أستأذنك في شيء قد كنّا رأيناه فخالفنا فيه بكير إذ نحن بالكوفة. قال: فهاته وما أحب أن تخالفوا بكيرا فإنّه يحبّ [1] آل محمد، وهو ذو رأي. قال: كنا نظرنا في أمرنا هذا فرأيناك قد حللت بين أهل الشام، ورأينا لأهل الشام دولة وجماعة ونجدة فيهم ظاهرة، فرأينا [2] أن نبثّ دعوتك فيهم وندعو منهم من طمعنا في إجابته فكره ذلك بكير وخالفنا [96 ب] فيه. قال محمد: أصاب بكير وأخطأتم، أبى الله أن يأتي بالشمس من المغرب، وأحبّ أن يأتي بها من المشرق، وانّ أهل الشام أعوان الظالمين، وآفة هذا الدين، وشيعة الملاعين، وقد ابتعثوا بنصرة بني أميّة، وأغري أكثر أهل العراق بمشايعة بني أبي طالب، وقد خصّنا الله بأهل خراسان، فهم أنصارنا وأعواننا وذخائرنا، وقد حلّت عليهم من الله رحمة قد غشيتهم، ويوشك أن تتبعهم [3] ريح الحياة فتعزّ ذليلهم، وتقوّي ضعيفهم، وتقتل من قاتلهم حتى يعزّ دين الله ويظهر الحق وأهله، يقول الله عزّ وجلّ: أَنْزَلَ من السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها 13: 17 [4] فكأنّكم بالأودية قد سالت برجال خراسان أشدّ في

_ [1] في الأصل: «يحبب» . [2] كتب في الأصل فوق كلمة «فرأينا» : «فأردنا» . [3] في الأصل: «أن تتبعنهم» . [4] سورة الرعد، الآية 17.

طاعتنا من زبر الحديد، أسماؤهم الكنى، وأنسابهم القرى، يقدمهم النصر، ويحوطهم العزّ، فاله عن غير أهل خراسان، فإنّه ليس لكم بغيرها دعوة ولا من غير أهلها مجيب. ومن كلامه في هذا الجنس أنّه قال [1] لرجال الدعوة حين أراد توجيههم: أمّا الكوفة وسوادها فهناك شيعة [2] علي وولده، وأمّا البصرة وسوادها فعثمانية تدين بالكف وتقول: كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل، وأمّا الجزيرة فحرورية مارقة وأعراب كأعلاج ومسلمون [3] في أخلاق [97 أ] النصارى، وأمّا أهل الشام فليس يعرفون إلّا آل أبي سفيان وطاعة بني مروان، وعداوة لنا راسخة، وجهلا متراكبا [4] ، وأمّا أهل مكّة والمدينة فقد غلب عليهم [5] أبو بكر وعمر، ولكن عليكم بخراسان [6] فإنّ هناك العدد الكثير والجلد الظاهر، وهناك صدور سالمة [7] ، وقلوب فارغة لم تتقسّمها الأهواء ولم تتوزّعها النحل [8] ، ولم تشغلها ديانة، ولم يقدح فيها

_ [1] ترد هذه الوصية بصيغة مماثلة في مختصر كتاب البلدان لابن الفقيه الهمدانيّ (ط. دي خويه، ليدن 1885 م) ص 315 وترد مع بعض الاختلاف في شرح نهج البلاغة (ط. البابي) ج 3 ص 489. [2] في البلدان «فشيعة» بدل «فهناك شيعة» . [3] في الأصل: «مسلمين» . [4] في البلدان «وعداوة راسخة وجهل متراكم» . [5] في ن. م. «عليهما» . [6] في ن. م. «بأهل خراسان» . [7] ن. م. «سليمة» . [8] في ن. م. «لم يتوزعها الدغل» . كما أن العبارات التالية «ولم تشغلها ... (إلى) ... يتمنون الفرج ويؤملون» لا ترد فيه، وهذا يشير إلى إضافات مبكرة إلى ما يسمى بوصية محمد بن علي. انظر أيضا المقدسي- البدء والتاريخ ج 4 ص 58، والبلاذري- أنساب الأشراف ج 3 ص 236- 7، والجاحظ- مناقب الترك، في رسائل الجاحظ (تحقيق عبد السلام هارون) ج 1 ص 16- 17.

فساد، وليست لهم اليوم همم العرب، ولا فيهم كتحارب الأتباع للسادات وكتحالف القبائل وعصبيّة العشائر، وما يزالون [1] يدالون ويمتهنون ويظلمون ويكظمون ويتمنّون الفرج ويؤمّلون، وهم جند لهم أبدان وأجسام ومناكب وكواهل وهامات ولحي وشوارب وأصوات هائلة ولغات [2] تخرج من أجواف منكرة، وبعد فكأنّي [3] أتفأل إلى المشرق وإلى مطلع سراج الدنيا ومصباح هذا الخلق. وقال: إذا رأيتم الرايات السود مقبلة من خراسان لا يمرّ أهلها بحصن إلّا فتحوه، ولا يرفع لهم عدوّهم راية إلّا قصموها، ولا يلقاهم جيش إلّا هزموه، يلقى أوّلهم العدو لقاء، وتطوى لهم الأرض طيّا، ويسير الرعب بين أيديهم حتى يردوا أرض القبط ويقتلوا بها فرعون بني [97 ب] أميّة، فعند ذلك يقصم الله الجبارين من بني أميّة ويصير الأمر إلى آل رسول الله صلى الله عليه وسلّم. يا سالم! يفتتح الأمر منهم بابن الحارثية من ولدي ثم يتوارثونه فأقلّ من يملك [4] منهم سنة وأكثر من يملك منهم أربعون [5] سنة، منهم المهدي الّذي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، ولا خير في الدنيا بعدهم، وأخبرني أبي رحمه الله عن جدّي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وعنده ملأ من أصحابه: إنّ بينكم وبين الفتنة بابا مغلقا سيكسر، ثم لا تزال الفتنة مطلقة عليكم يتناحر فيها سفهاء قريش حتى يظهر قوم بالمشرق لباسهم السواد وراياتهم سود ولا تردّ لهم راية، يطفئ الله بهم الفتنة ويزفّون الأمر إلى رجل من عترتي يأتونه به هنيئا مريئا. فاجعلوا خراسان

_ [1] في الأصل: «وما يزالوا» . [2] في البلدان: «لغات فخمة» . [3] في ن. م. «فإنّي» . [4] زيادة يقتضيها السياق. [5] في الأصل: «أربعين» .

دار هجرتكم، ومستراح دعاتكم وأقلّوا لقائي إلّا في أيام المواسم، أو يحلّ بكم أمر تحتاجون إلى رأي فيه، فتبعثون إليّ به مع ثقة من أصحابكم، أو ممّن يقدم عليكم من خواصّ شيعتنا من أهل خراسان بعد أن تكونوا قد خبرتم وفاءه وصحة نيّته [1] ، وتوقّوا علينا هذه الجبابرة من بني أميّة فإنّهم مطلّون علينا بسلطانهم وأشياعهم وقد أعطوا مدة لا بدّ بالغوها وما أقرب [98 أ] زوالها، إذا ابتزّ الأمر فيهم الفظّ القاسي سمّي أبيهم فعند ذلك يحلّ بهم البلاء [2] وتقع بهم المثلات، وقبل ذلك علامات مخبرات عمّا هو كائن فيهم إذا التقى فتقا [3] المغرب والمشرق، فعند ذلك تنتهك دولتهم. فلم تزل الشيعة تتوقع ذلك حتى هاج أهل المغرب مع ميسرة البربري وقتلوا كلثوم ابن عياض، وهاج الحارث بن سريج [4] بخراسان فردّ إليها أسد [5] وقد أجلب الحارث عليه بأصحابه وجموع الترك فلقيهم أسد فهزمهم [6] . وقدم أبو هاشم بكير بن ماهان وألفى أمر الشيعة قد قوي وغلظ، ولقيه سليمان بن كثير فعظّمه وعظّمته الشيعة ودفع إليهم كتاب محمد بن علي وكانت نسخته: سلام عليكم فإنّي أحمد إليكم الله الّذي لا إله إلّا هو، وأشهد أنّ السنن والأمثال فيما بقي على أشباه ما مضى، وأشهد أن الله يبدئ الخلق ثم يعيده

_ [1] انظر كتاب التاريخ ص 252 ب. [2] في كتاب التاريخ «وتقع المثلات بهم، وإياكم وسل السيف حتى يأتيكم الإذن، فإن لها إمارات نحن أعرف بها» ص 252 ب. [3] في الأصل: «فتقي» . [4] في الأصل: «شريح» . انظر الطبري س 2 ص 1565 وما بعدها. [5] هو أسد بن عبد الله القسري، انظر الطبري س 2 ص 1573 وما بعدها. [6] الأصل: «فهزموهم» .

وهو أهون عليه، وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم، فتبارك ذو الفضل العظيم. أمّا بعد فإنّي أوصيكم بتقوى الله الّذي لا يزيد في ملكه من أطاعه، ولا ينقص من ملكه من عصاه، بيده الملك ويبقى ملكه، وهو عزيز ذو انتقام. فأعملوا أنفسكم لما خلقكم الله له فإنّ الله لم يخلقكم إلّا لعبادته، فناصحوا الله ما استطعتم بولاية [98 ب] أوليائه، وراقبوه في سرّ أمركم وعلانيتكم، واخشوا الله من كلّ قلوبكم، وتقرّبوا إليه بحسن أعمالكم فإنّكم لذلك خلقتم، وبذلك أمرتم، وعليه خصصتم، وله ابتغيتم، فإنّكم متى تواظبوا على ذلك تجدوا معه راحة من نصب الدنيا، وتراضوا بما قسم لكم منها، وتصبّروا على كلّ [1] ما منعتم من زينتها، فلا تغتروا [2] بشيء من أمر الدنيا عما ينفعكم الله به في الآخرة، فإنّ العباد لو أعطوا الدنيا وما فيها من ملك ومال ثم لم يعرفوا الله فيما أعطاهم فيها حقّه الّذي اشترط لنفسه وأوجبه لأوليائه لم تزدد منهم إلّا بعدا، فاتقوا الله ما استطعتم، وقدّموا خيرا لأنفسكم، فإنّ الله تبارك وتعالى يقسم الرزق يوما بيوم، وعلى قدر ما قسم يطلب حقّ بعضهم من بعض لبعض. فاعرفوا حقّ الله واصبروا عليه، ولا تجعلوا دينكم وما عرّفكم الله من حقّه تبعا للدنيا فإنّما خلقت بلاء وفتنة، وضرب لها أجل إذا انتهى إليه ينفد [3] ، فعليكم بالتوكل على الله فيما أوجب عليكم من حقّه فإنّه لم يخب من اعتصم باللَّه واتّقى وصبر على ما أصابه فإن ذلك من عزم الأمور، فإنّكم قد علمتم من العلم ما قد عظم به النعم وأبلغ إليكم في الحجّة، فإنّه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إنّما يتذكر [99 أ] أولو الألباب، فكذلك لا يستوي

_ [1] كررت «كل» في الأصل. [2] في الأصل: «فلا تغتدوا» . [3] في الأصل: «ينبذ» .

عاملان، أحدهما يعمل للدنيا ويكدح لها ويجهد نفسه فيها رجاء ثواب فان زائل، وعامل يعمل لآخرته رجاء ثوابها مخافة عواقب الأمور فيها، فبذل نفسه للَّه وماله وولده ومناصحته لأوليائه، فهذا ما أصبح عليه سعاة الناس وأولياؤهم، البرّ منهم والفاجر، والمؤمن منهم والكافر. فاعقلوا عن الله أمره، واتّعظوا بمواعظه، وأوفوا بعهده وعقده، وتمسّكوا بصالح الّذي عاهدتم الله عليه، وأدّوا الأمانة فيما عهد إليكم من أوليائه، وخافوا الله أن تعصوه في شيء ممّا أمركم به واعتصموا بحبل الله جميعا، وخذوا بحظكم منه، واشكروا بلاءه الّذي أصبح بكم من سوابغ نعمه، واعتبروا ما بقي بما سلف، وإنّما ضرب الله لكم أمثال ما مضى من الأمم لتعقلوا عن الله أمره فإنّكم قد رأيتم من الدنيا وتصرّفها بأهلها إلى ما صار من مضى منهم، وخير ما يصيب الناس فيما بقي من الدنيا ما أصاب الصالحون منها، ومن يقس شأن الدنيا بشأن الآخرة يجد بينهما فوتا بعيدا. ثم اعلموا علما يقينا أنّ لأهل ولاية الله منازل معروفة كأنّما ينظرون فيما أعطاهم الله من اليقين إلى عواقب الأمور ومستقرّها، فعليكم بمحابّ الله وصدق الحديث ووفاء [1] بالعهد [99 ب] وأداء الأمانة، وترك الخيانة، وبذل السلام، وطيب الكلام، وحسن العمل، وقصر الأمل، وترك الحرام، وأخذ الحلال، وعرفان الحقّ، وإنكار الباطل، ولزوم الإيمان، والتفقّه [2] في القرآن واتّباع التقوى وفراق الهوى، واجتناب قرناء السوء، وحذار الدنيا، وحبّ الآخرة، والصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والفرار من العذاب ومن سوء الحساب، وكظم الغيظ، ولين الجانب، وفعل المعروف، وذكر النعم، واجتناب السيئات، والرغبة في الحسنات، فإنّ من محابّ الله وطاعته

_ [1] لعلها: والوفاء بالعهد. [2] في الأصل: «التفقد» .

وطاعة رسوله أن تعفوا عند الغضب، وتحمدوا عند الرضا، وتكونوا صادقين أبرارا، مسدّدين أخيارا، مرشدين. لا تصدّقوا كذبا، ولا تجمعوا خبيثا لتكثّروا به طيّبا، ولا تركبوا ظلما، ولا تنتهروا سائلا، ولا تقهروا يتيما، ولا تخيفوا [1] تقيّا، ولا تحقروا يتيما صغيرا، ولا تنتهكوا ذمّة، ولا تفسدوا أرضا، ولا تشتموا مؤمنا، ولا تقطعوا رحما ماسّة محقّة، ولا ترموا بريئا، ولا تعصوا إماما، ولا تركبوا زيغا، ولا تطيعوا إثما، ولا تفتحوا مغلقا، ولا تقفلوا مفتوحا، ولا تختانوا ولاة أموركم، وأحسنوا مؤازرتهم وصيانة أمرهم، أعينوهم إذا شهدتم، [100 أ] وانصحوا لهم إذا غبتم، وأقسطوا إذا حكمتم، واعدلوا إذا قلتم، وأوفوا إذا عاهدتم، وأدّوا إذا ائتمنتم، واصبروا إذا ابتليتم، واشكروا إذا أعطيتم، واحفظوا جواركم، وارحموا من خوّلتم، وليّنوا جانبكم، واخفضوا أكنافكم، وأكرموا كريمكم، وصونوا أنفسكم، وأحرزوا أعراضكم فإنّ الله يعلم سرّكم وعلانيتكم. واشكروا الله على ما هداكم لطاعته، واعترفوا بما اشترط عليكم لنفسه، واعلموا أنّ أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق التقوى لزوم حقّه، وخير الملل ملّة إبراهيم، وأفضل السنن سنّة محمّد صلى الله عليه وسلّم، وأعظم الضلالة ضلالة بعد هدى، وأشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص كتاب الله، وخير الأمور عواقب أعمّها نفعا، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلّم، وأصدق الحديث ما جاء به أحمد صلى الله عليه وسلّم، وما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى، ونفس تناجيها بتقوى خير من نفس أمّارة بالسوء. فاتقوا الله ولا تكونوا أشباها للجفاة الذين لم يتفقّهوا في الدين، ولم يعطوا باللَّه اليقين، وإنّ الله أنزل عليكم كتابا واضحا ناطقا محفوظا، قد فصّل فيه آياته، وأحكم فيه تبيانه، وبيّن لكم

_ [1] في الأصل «تخافوا» .

حلاله وحرامه، وأمركم [100 ب] أن تتبعوا ما فيه، فاتخذوه إماما، وليكن لكم قائدا ودليلا، فعليكم به فعوه، ولا تؤثروا عليه غيره، فإنّه [1] أصدق الحديث، وأحسن القصص، وأبلغ الموعظة، به هدى الله من مضى من الأوّلين والآخرين. واذكروا الله ذكرا كثيرا، وسبّحوه بكرة وأصيلا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ من الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً. تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً 33: 43- 44 [2] ، واجتنبوا قول الزور، حنفاء للَّه غير مشركين به، فإنّ الله قد بيّن لكم ما تأتون وما تتّقون، فقال لنبيّ الرحمة: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ 7: 33 [3] الآية، وقال لنبيّه: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ 7: 29 [4] الآية، أسأل الله أن يجعلنا وإيّاكم مهتدين غير مرتابين والسلام على المرسلين والحمد للَّه ربّ العالمين. ولمّا قرءوا كتابه دعوا له وعظّموا [5] أمر كتابه. ثمّ دفع إليهم كتابا آخر صغيرا نسخته [6] : أمّا بعد، عصمنا الله وإيّاكم بطاعته وهدانا وإيّاكم سبيل الراشدين [7] . قد كنت أعلمت إخوانكم رأيي في خداش [8] وأمرتهم أن يبلغوكم قولي فيه، وإنّي أشهد الله الّذي يحفظ ما تلفظ به العباد من زكيّ القول [101 أ] وخبيثة، وإنّي بريء من خداش وممن كان على

_ [1] في الأصل: «فإن» . [2] سورة الأحزاب، الآيتان 43 و 44. [3] سورة الأعراف، الآية 33. [4] سورة الأعراف، الآية 29. [5] في الأصل: «وعظموه» . [6] انظر كتاب التاريخ ص 252 ب. [7] في ن. م.: «الرشاد» ص 253 أ. [8] عن خداش، انظر الطبري س 2 ص 1588 وص 1501- 1503، الأنساب ج 3 ص 243، المقدسي، البدء والتاريخ ج 4 ص 61، ابن الأثير (ط. صادر) ج 5 ص 196- 7.

جمع بكير الشيعة واختياره رجال الدعوة

رأيه ودان بدينه. وآمركم ألّا تقبلوا من أحد ممن أتاكم عنّي قولا ولا رسالة خالفت [1] فيها كتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلّم والسّلام. قالوا: قد أتانا هذا عنه ونحن له سامعون مطيعون. وقد كان محمد بن علي كتب مع قحطبة كتابا صغيرا، فلمّا [2] تخلف عن أصحابه لمرض احتبسه فكان معه حتى أخرجه يومئذ فدفعه إليهم، فقرأه أبو صالح كامل بن المظفّر عليهم وكانت نسخته: وفّقنا الله وإياكم لطاعته، قد وجّهت إليكم شقّة منّي بكير بن ماهان، فاسمعوا منه وأطيعوا وافهموا عنه فإنّه من نجباء الله، وهو لساني إليكم وأميني فيكم فلا تخالفوه ولا تقضوا الأمور إلّا برأيه، وقد آثرتكم به على نفسي لثقتي به في النصيحة لكم واجتهاده في إظهار نور الله فيكم والسلام. فلما قرئ عليهم ازدادوا لأبي هاشم تعظيما، وقلّدوه أمرهم، فأقام بين أظهرهم يتناول كور خراسان برسله ودعاته وقد تحدّث بأمره. جمع بكير الشيعة واختياره رجال الدعوة ثم إنّ بكيرا جمع الشيعة لمّا اضطرب أمر خراسان في منزل سليمان ابن كثير فقال لهم: يا معشر الشيعة إنّ الله قد ساق إليكم من كرامته فيما [101 ب] بصّركم من هداه ما لم يسقه إلى عامة هذا الخلق، وألّف بينكم بالحقّ وأعزّكم به وجعل سببه أقوى من سبب الأنساب، فإن تناصحتم

_ [1] في كتاب التاريخ ص 253 أ «خالفت كتاب الله ... » . [2] انظر ن. م. ص 253 أ.

قويتم، وإن ابتغيتم إيمانكم هديتم، وقد يحمد الله كثيرا ممن يستجيب لكم، وتسارع الناس إلى دعوتكم، ومتى تدعوا التثبيت فيمن يأتيكم لا يؤمن أن يدخل عليكم من ليس شأنه شأنكم من أهل السخف وأهل الطمع وأهل الضعف، ثمّ لا آمن أن يدعو ذلك إليكم سلطانكم فيسطو بكم على معرفة منه بأمركم. وقد رأيت أن أختار منكم اثني [1] عشر رجلا فيكونوا نقباء على من يجيب دعوتكم وضمناء عليهم، من رضوا إيمانه وعرفوا صحّته أخذوا بيعته، ومن اتّهموه حذروه واحترسوا منه، وتلك سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيمن أخذ من النقباء على الأنصار حين بايعوه، فكانوا هم الضمناء على أصحابهم والمتوثّقين لهم [2] منهم، وتلك سنّة موسى وأصحابه. وليس للنقيب أن يدّعي الفضل على غيره بالنقابة، وإنّما الفاضل [3] بالعمل، وقد بلغنا أنّ سعد بن معاذ لم [يشهد] [4] بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولا كان في العدّة التي حضرته ليلة العقبة ثم قدّمه رسول الله صلى الله عليه وسلّم على قومه النقباء وغير النقباء، وبلغنا أنّه أقبل [102 أ] ورسول الله صلى الله عليه وسلّم جالس في ملأ من أصحابه، فلما نظر إليه قال لمن عنده: قوموا إلى سيّدكم، فقال عمر بن الخطاب: الله سيدنا ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: وسعد سيّدك يا عمر. هذا لتعلموا أنّ الفضل إنّما هو بالعمل لا بغيره، وكم من متأخّر سيقدّمه عمله، وكم من متقدّم سيؤخره تقصيره، وقد أمرني إمامكم بالنظر في ذلك بما فيه عزّ دعوتكم وقوّة شيعته فإن وافقتموني على رأيي أمضيت رأيي فيه، وإن

_ [1] في الأصل: «اثنا عشر» . [2] لعل العبارة «والمتوثقين له منهم» أي للرسول. [3] في كتاب التاريخ: «الفضل» ص 253 ب. [4] زيادة من ن. م. ص 253 ب.

كرهتموه وفيه وهنكم تركناه. فأخبرنا موسى بن موسى الجرجاني، وكان قد شهد ذلك، وكان ممن خرج مع بكير من جرجان، قال: فتكلم كامل ابن المظفّر فقال: سدّدك الله يا أبا هاشم، فيما رأيت [1] البركة، والرضى ممن حضرك وممن غاب عنك. وقال طلحة بن زريق: ما نحن إلى شيء بأحوج منّا إلى ما ذكرت. وقال العلاء بن الحريث: يا أبا هاشم! إن وقّفت أمر من في الكور ولم تقبلهم حتى يعرفهم من تنقب اليوم قلّ تبعك. وقال موسى بن كعب: صدق والله وبرّ. قال أبو هاشم: القول على ما قلتما، ولكن النقباء إنّما هم على من بمرو ومن أتاها مجيبا لمن فيها من دعاتكم، وأمّا سائر الكور فكل داعية بها نقيب [102 ب] يختار لنفسه أمناء من أهلها يصححون له أمر من يجيبه. قالوا [2] : قد رضينا وسمعنا وأطعنا فأنفذ رأيك. قال أبو هاشم: ولا تحاسدوا ولا تنافسوا في النقابة فإن الفضل في ذلك على ما وصفت لكم بالعمل لا بالنقابة. قالوا: نعم قد رضينا. قال: اكتب يا أبا صالح، فكتب:- بسم الله الرحمن الرحيم، إنّ السنّة [3] في الأولين والمثل في الآخرين، وإنّ الله يقول [4] : وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا 7: 155، ثم قال في آية [5] أخرى: وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً 5: 12، وإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم وافاه ليلة العقبة سبعون رجلا من الأوس والخزرج فبايعوه، فجعل منهم اثني عشر نقيبا، فإنّ [6] سنّتكم سنّة بني إسرائيل

_ [1] يضيف كتاب التاريخ ص 253 ب «و» قبل «البركة» . [2] في كتاب التاريخ ص 253 ب: «فقالوا رضينا بما سمعنا ... » . [3] في ن. م. ص 253 ب: «الثقة» . [4] سورة الأعراف، الآية 155. [5] سورة المائدة، الآية 12. [6] في كتاب التاريخ ص 254 أ: «وإن» .

[وسنّة النبيّ عليه السّلام] [1] . فاجتمعوا على اختيار الاثني عشر من أهل مرو وهم: أبو عبد الحميد قحطبة [2] بن شبيب الطائي من بني نبهان، أبو النجم عمران بن إسماعيل مولى آل أبي معيط، أبو محمد سليمان [3] بن كثير الخزاعي ثم الأسلمي، أبو نصر مالك بن الهيثم الخزاعي ثم الكعبي، أبو منصور طلحة بن زريق مولى طلحة الطلحات [4] ، ويقال إنّ ولاءه لغيره، أبو الحكم عيسى [5] بن أعين مولى بريدة بن حصيب الأسلمي، أبو حمزة عمرو بن أعين [6] جعل مكان العلاء بن الحريث [7] ، أبو داود خالد بن إبراهيم الربعي ثم الذهلي [8] ، أبو علي [9] شبل بن طهمان مولى [103 أ] بني أسد، ويقال مولى الأزد، أبو عيينة موسى بن كعب التميمي [10] من بني امرئ القيس بن زيد

_ [1] زياد من ن. م. ص 254 أ. [2] في أنساب الأشراف ج 3 ص 379 «قحطبة بن شبيب الطائي واسمه زياد ويكنى أبا عبد الحميد» . وانظر تاريخ خليفة بن خياط ص 413، والمحبر لابن حبيب ص 465. [3] في أنساب الأشراف ج 3 ص 378 وص 234 (الرباط) . «سليمان بن كثير مولى خزاعة يكنى أبا علي، ويقال هو سليمان بن كثير بن أمية بن إسماعيل بن عبد الله بن المؤتنف، من أنفسهم» . وانظر رسائل الجاحظ ج 1 ص 22- 3 والطبري س 2 ص 1358 وص 1988. [4] انظر الطبري س 2 ص 1358 وص 1988، والمحبر لابن حبيب ص 465، ورسائل الجاحظ ج 1 ص 22، والأزدي- تاريخ الموصل ص 26. [5] انظر الجاحظ- رسائل ج 1 ص 22، والأزدي ص 26، والطبري س 2 ص 1358. [6] في أنساب الأشراف ج 3 ص 379 «عمرو بن أعين الخزاعي ويكنى أبا حمزة» وانظر الطبري س 2 ص 1358. [7] انظر الأنساب ج 3 ص 379 وص 234 (الرباط) . [8] انظر الجاحظ- رسائل ج 1 ص 22، الأزدي ص 26، المحبر ص 465، والطبري س 2 ص 1988. [9] انظر الطبري س 2 ص 1358، المحبر ص 465، الأزدي ص 26. [10] انظر الطبري س 2 ص 1358 وص 1988، وفي رسائل الجاحظ ج 1 ص 22

مناة، أبو جعفر لاهز بن قريظ التميمي [1] من بني امرئ القيس، أبو سهل [2] ابن مجاشع من بني امرئ القيس جعل مكان بكير بن العبّاس [3] حين عمي بكير. ثم اختاروا باقي السبعين: ثمانية وخمسين رجلا من أهل مرو وغيرهم [4] من أهل خراسان، منهم من أهل مرو أربعون [5] رجلا: النضر بن صبح [6] التميمي ثم المزني، عيسى بن ماهان، بكير بن العبّاس، عبد الله بن البحتري [7] التميمي ثم المرئي [8] ، حيّان بن ربيعة، مصعب بن زريق، معبد بن الخليل المري، هارون بن الصعق الطّفاوي، حية بن عبد الله المرئي [9] ، قريش بن شقيق السلمي، مزيد بن شقيق، الهيثم بن زياد الخزاعي، عيسى بن شبل [10] ،

_ [ () ] المراني وهو سهو إذ إن موسى بن كعب من بني امرئ القيس. وانظر البلاذري- أنساب ج 11 ص 486- 487 ويسميه السهمي «أبو عبيدة» . [1] انظر الطبري س 3 ص 1358، الجاحظ- رسائل ج 1 ص 22 وجمهرة أنساب العرب ص 214. في الأنساب ج 3 ص 379 وص 234 (الرباط) يسميه لاهز بن قريط. ويسميه الأزدي لاهز بن قرظ. والأصل هنا لاهز بن قرط التميمي. [2] انظر الجاحظ- رسائل ج 1 ص 22 (ويلقبه المزني) ، والأزدي ص 26 (التميمي) وكذا أنساب الأشراف ج 3 ص 378 ص 236 (الرباط) ، والمحبر ص 465، والطبري س 2 ص 1358. [3] كتاب التاريخ ص 254 أ «بكير بن العباس خاله» . [4] في ن. م.: «ثم اختاروا باقي السبعين، ثمانية وخمسين رجلا، أربعون منهم من أهل مرو، والباقون من غيرهم» . ص 254 أ. [5] في الأصل: «أربعين» . [6] وفي أنساب الأشراف ج 11 ص 488 والطبري س 2 ص 1953 «صبيح» . [7] في الطبري «البختري» س 2 ص 1993. [8] الأصل: «المرائي» . [9] وهو ابن عبد الله بن حدرة بن النطاق بن أزهر بن حية بن عامر بن عصبة، وعصبة ابن امرئ القيس. أنساب الأشراف ج 11 ص 487. [10] الأصل: «نشيل» ، ويرد في ص 277 «شبل» وفي الطبري س 2 ص 1954 «شبيل» .

واضح أبو الوضّاح مولى عطاء بن أبي السائب، خالد بن عثمان أبو إسحاق مولى خزاعة، حريث بن عطية، كامل بن مظفّر مولى همدان، محرز بن إبراهيم، حيوة بن المحل [1] الطّفاوي، مالك بن طوّاف التميمي، داود ابن كرّاز، عبد الحميد بن ربعي الطائي، زياد بن صالح مولى خزاعة، خالد بن كثير التميمي، مصعب بن قيس الحنفي، صبيح الأقطع أبو هاشم، موسى بن حسّان الأقطع، أبو حكيم بن بزيع، الوازع بن كثير، أبو عبدة محمد بن عبد الله الحنفي، شريك [103 ب] بن عصي التميمي، طرخون ابن الضائع، هاشم بن عقاب الخزاعي، مرّار بن أنس الضبّي، خلف بن البرد، عمر بن معبد الأعور أبو البحتري الخزاعي، الحجاج بن سليمان الأزدي ثم الجهضمي، عيسى بن رفقة الطّفاوي، الخليل بن كرشا التميمي، سارية بن نويب التميمي ومنهم من أهل نسا ستة رجال: أبو مالك أسيد بن عبد الله الخزاعي، الأحجم بن عبد الله الخزاعي، مقاتل بن حكيم [2] العكي، الحريش بن سليمان، غيلان بن عبد الله أبو فضالة الخزاعي، محقن بن غزوان العبديّ ومنهم من أهل أبيورد [3] سبعة رجال: عثمان بن نهيك العكّي، عيسى ابن نهيك العكّي، أبو العبّاس الفضل بن سليمان الطائي، عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي، يزيد بن عبد الرحمن الأزدي، أبو الخطّاب الهيثم ابن معاوية العكّي، زهير بن محمد الأزدي ثم الغامدي [4] ، ومنهم من أهل

_ [1] في الأصل «الحل» . انظر ص 222 من هذا الكتاب. [2] انظر الحلة السيراء لابن الأبار (القاهرة 1963) ص 89. [3] في الأصل: «أبيورد» . انظر معجم البلدان ج 1 ص 86، اليعقوبي- البلدان ص 278. [4] في الأصل «العامدي» .

تسمية نظراء النقباء

بلخ [1] رجلان: أبو مرضيّة البلخي، الخليل بن سعيد السروي [2] ، عمر بن عثمان. ومنهم من أهل مروالروذ [3] رجل: الأخيم بن عبد العزيز. [104 أ] ومنهم من أهل خوارزم [4] رجل: العلاء بن حريث بن قطبة الخزاعي. ومنهم من أهل آمل رجل: الحسن بن ماخنبذ [5] . وسمعنا ممن أدركنا من مشايخ الشيعة يذكرون أنّ الشيعة سمّت اثني عشر رجلا نظراء الاثني عشر النقباء، إذا مات من النقباء رجل صدّر مكانه رجل من النظراء. تسمية نظراء النقباء بعضهم من السبعين. خازم بن خزيمة، محمد بن الأشعث، محمد بن سليمان بن كثير، حميد بن قحطبة، الحسن بن قحطبة، أبو عون عبد [6] الملك بن يزيد، أبو الجهم بن عطية، المسيّب بن زهير، الحسن بن حمدان،

_ [1] انظر معجم البلدان ج 1 ص 479، الاصطخري ص 154، اليعقوبي 287، ابن خرداذبه ص 32- 34. [2] ذكر ثلاث دعاة، ويأتي اسم أبي سعيد الخليل بن سعيد السروي عند ذكر أسماء الدعاة السبعين ص 222 من هذا الكتاب. [3] معجم البلدان ج 5 ص 112، اليعقوبي- البلدان ص 291، الاصطخري ص 152، ابن خرداذبه ص 32 وص 36. [4] معجم البلدان ج 2 ص 395، الاصطخري ص 168، ابن خرداذبه ص 33. [5] في الأصل: «ماحبند» وقد جاء ثانية مع الشكل ص 222. [6] في الأصل: «عبد الله» وهو تحريف، ويرد «عبد الملك» في ص 220 من هذا الكتاب، وانظر الطبري س 2 ص 1964.

أسيد بن عبد الله، في السبعين، عيسى بن ماهان، في السبعين، عثمان بن نهيك، في السبعين. فأمّا النقباء الاثنا [1] عشر فليس بين أحد من أهل العلم فيهم اختلاف. وقد ذكروا أنّ أبا المغيرة خالد بن كثير بن أبي العوراء التميمي كان فيمن سمّي للنقابة فصرفها عنه سليمان بن كثير إلى ختنه لاهز بن قريظ [2] فاضطغن خالد ذلك على سليمان فشهد عند أبي مسلم بما شهد حتى قتله. فأمّا نظراء النقباء والسبعون فقد اختلف فيهم، فذكر بعض أهل العلم أنّ نظراء النقباء عشرون رجلا، وأنّ السبعين سوى الاثني عشر النقباء. وهذه تسمية العشرين وهم [3] نظراء النقباء [104 ب] وقد روي أنهم أحد وعشرون: أبو عون عبد الملك بن يزيد الأزدي، مقاتل بن حكيم العكّي، خازم ابن خزيمة التميمي، أبو مالك أسيد بن عبد الله الخزاعي، محمد بن الأشعث الخزاعي، أبو الجهم بن عطية، عمر بن نهيك، خالد بن برمك، المسيب ابن زهير الضبي، زياد بن صالح، محمد بن سليمان بن كثير، عيسى بن ماهان، قريش [4] بن شقيق، مصعب بن زريق، مصعب بن قيس الحنفي، خالد بن كثير بن أبي العوراء التميمي، أمية بن أعين الخزاعي، النضر بن صبح [5] التميمي، عمرو بن الأشعث البارقي [6] ، الحسن بن حمدان، العلاء ابن حريث الخزاعي.

_ [1] في الأصل: «الاثني عشر» . [2] في الأصل «قريط» . [3] في الأصل «وهو» . [4] في الأصل: «فريس» ، وقد مر في ص 216 قريش. انظر الطبري س 2 ص 1993. [5] انظر أنساب الأشراف ج 11 ص 488 والطبري س 2 ص 1953. [6] في الأصل: «البرمى» .

تسمية السبعين وهم الدعاة

تسمية السبعين وهم الدعاة حميد بن قحطبة، الحسن بن قحطبة، أبو إسحاق خالد بن عثمان بن مسعود مولى خزاعة، أبو حميد محمد بن إبراهيم الحميري، غيلان بن عبد الله الخزاعي، أبو غانم عبد الحميد بن ربعي الطائي، أبو العبّاس الفضل ابن سليمان الطوسي، أبو صالح كامل بن المظفّر، نصر بن عبد الحميد الخزاعي، عيسى بن نهيك العكّي، محمد بن صول، عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي، أبو الخطاب الهيثم بن معاوية العكّي، معبد بن خليل التميمي، [105 أ] زهير بن محمد الأزدي، نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي، الحجّاج بن سليمان الأزدي، عيينة بن موسى بن كعب، الأحجم بن عبد الله الخزاعي، الهيثم بن زياد الخزاعي، سلمة بن محمد الطائي، شعبة بن عثمان التميمي المروروذي، الأغلب بن سالم المروروذي، عبد الله بن البحتري التميمي، حيّة بن عبد الله التميمي، أبو عبدة محمد بن عبد الله الحنفي، عمر بن معبد الخزاعي، مزيد [1] بن شقيق السلمي، المرار بن أنس الضبّي، هاشم بن العقّاد الخزاعي، داود بن كرّاز الباهلي، عبد الرحمن بن سليمان أبو عاصم [2] ، الأشعث بن يحيى الطائي، محقن بن غزوان العبديّ، الحريش ابن سليمان مولى خزاعة، الهيثم بن سليمان، موسى بن حسّان الأقطع، محمد ابن الحشرج، عيسى بن رؤبة الطفاوي، بهدل بن إياس الضّبي، مروان بن أعين الخزاعي، خلف بن البرد، صالح بن سليمان الضبّي، بريدة بن خصيب، المختار بن سويد، سارية بن نويب التميمي، كلثوم بن بكير،

_ [1] في الأصل: «مريد» . انظر الطبري س 2 ص 1986 وص 217 من هذا الكتاب. [2] في الطبري س 2 ص 1953: «أبو عاصم عبد الرحمن بن سليم» .

تسمية دعاة الدعاة

جبّار بن النعمان، أبو سعيد الخليل بن سعيد السروي، الأخيم بن عبد العزيز المروروذي، الحسن بن ماخنبذ، زيادة بن مهران الطالقانيّ، أبو حرب ابن زياد، هارون بن الصعق الطفاوي، شريك بن عضي التميمي، حبيب ابن ضريس، عبد الرحمن بن المخل، أبو عاصم حيوة بن المحل الطفاوي، [105 ب] حرب بن مرثد، عيسى بن شبل [1] ، الوازع [2] بن كثير، ثابت بن شدّاد، واضح [3] أبو الوضّاح، عمرو بن حسّان، داعية بن نجاد. تسمية دعاة الدعاة نسعيد بن يحيى الطائي، أبو نعمان حبيب بن رستم، أبو خزيمة موسى ابن عطية أخو أبي الجهم، ناجية بن أثيلة الباهلي، عمران بن الحكم، أبو غانم النضر بن غانم الطائي، حمزة بن رتيم، مدرك بن كلثوم، أبو المهدي سيف بن نحا الطائي، بزيع مولى معاذ، عمرو بن نحي، زريق ابن شوذب الشيبانيّ، إبراهيم الجرشي، الحارث بن سيّار، أبو أيّوب عيسى بن صبيح، حاجب بن درهم، أبو زيد إبراهيم، الخليل بن كرشا التميمي، صبح بن الصباح، أبو عمرو الأعجمي، مسلم السجستاني، عبد الله الروندي [4] ، أبو قرّة هلال بن عبد، أبو خالد المهاجر بن عثمان

_ [1] الأصل: «نشيل» . [2] الأصل: «الوادع» ، وقد مر الاسم في ص 218. [3] في الأصل: «ابن» ، وقد مر في ص 218 «أبو» ، وانظر الطبري س 2 ص 1968. [4] في الأصل: «الروندة» .

رجع إلى خبر بكير والبيعة

الخزاعي، حزام بن عباد، عبد الله بن شعبة، أبو خالد عيسى بن سالم، الجهم ابن سنان، أبو حمزة الجربي، أبو عاصم الصغاني، يزيد بن مرثد، المسيّب ابن عثمان، عمير بن زرين أخو حميد بن زرين مولى خزاعة، عبد الأعلى ابن حكيم الأسدي، أبو تراب، أبو سيف، أبو جناح صبيح بن زريق. رجع إلى خبر بكير والبيعة [106 أ] وأخذ أبو هاشم بكير بن ماهان يومئذ البيعة على من حضره من الشيعة على مناصحة إمامهم في السرّ والعلانية، وألّا يطلعوا على أمرهم أحدا خافوا ناحيته ولم يثقوا به. ثم قال لهم: إنكم قد جدتم بأنفسكم في إقامة الحق، فجودوا لإمامكم بأموالكم وأعينوا بما قدرتم عليه من أموالكم، فقد ركبته مئونات في إحياء الحق وإماتة الباطل، لا يقوى عليها فيمن يوجّه إليكم أو يتوجّه إليه منكم إلّا بالمال. فجمعوا مالا كثيرا وأتوا به أبا هاشم، فشخص [1] ، وخلف سليمان بن كثير على الشيعة وأمرهم إذا حزبهم [2] أمر أن يجتمعوا إلى سليمان فيناظروه فيه عنده. وأمرهم أن يأخذوا برأي أبي صالح كامل بن مظفّر فإنّه ثقة في رأيه وشفقته. وسار معه من شيعة أهل مرو أبو حميد وأبو إسماعيل صبيح والأزهر بن شعيب، فأخذ على جرجان [3] ، فلمّا قدمها أقام بها شهرا أو نحوه، وجمعت

_ [1] في الأصل: «وشخص» ، والتصويب من كتاب التاريخ ص 254 ب. [2] في الأصل: «حزنهم» . [3] انظر معجم البلدان ج 2 ص 119، الاصطخري ص 125، اليعقوبي- البلدان ص 277 ابن خرداذبه ص 35.

شيعة أهل جرجان مالا وحليا، وإن كانت المرأة لتخرج من جميع حليها الّذي على جسدها فتبعث به. أخبرنا أبو سعيد الجرجاني قال: كانت تحت عامر امرأة من الأزد يقال لها ماوية بنت عمرو بن سعيد وهي بنت خالة عامر، [106 ب] فتوجّه على الأزد خمسهم بجرجان [1] ، وقد قبلت الدعوة عن عامر، قال: فخلعت ما كان عليها من حلي فبعثت به، وكان سواري ذهب وطوق ذهب وخاتم ذهب وخلخال فضة، وبعثت أمّ الهيثم امرأة أبي [2] عون بثلاثة أبرد [3] وبر من غزل يدها وسواري فضّة. فتحمّل أبو هاشم فيمن قدم معه من مرو، وشخص معه من جرجان أبو عون، وصحبه حسن [4] بن زرارة ابن عم عامر [5] وهلك قبل ظهور الدعوة بقليل، وصحبه أبو نصير الجرجاني، وسار فيمن سمّينا من أصحابه حتى قدم الكوفة وأقام يسيرا، ثم توجّه إلى محمد بن علي، وصحبته أبو سلمة، فقدم على محمد بن علي فدفع إليه ما قدم به.

_ [1] في الأصل: «توجه الأزد وعلى خمسهم بجرجان» . [2] في الأصل: «أبو» . [3] في الأصل: «ببلثه ابرها» . [4] في كتاب التاريخ ص 254 ب: «الحسن» . [5] في ن. م. ص 254 ب «عامر بن إسماعيل» .

خبر أبي مسلم مع محمد بن علي

خبر أبي مسلم مع محمد بن علي الحسن بن أبي سعيد قال: حدّثنا محمد بن الخطاب الأزدي قال: صار أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم، وأصله من أصبهان [1] من دهاقينها إلى [2] محمد بن علي ففتشه فوجده يفهم ويعقل على حداثة سنّه، فوجّهه إلى النقباء مرات بالكتب والرسائل، وكانوا يعطونه أشياء من مال وآنية وربما كان الفرو. وكان طريق أبي مسلم على نسا وأبيورد [3] ، فبينا هو جالس ذات يوم إذ جاءه راع فاستغاث به وهو لا يعرفه وأخبره بأنّ شابا من شبّانهم أخذ منه جملا فأتاه فسأله [107 أ] أن يرده فأبى عليه وجبهه، فقال أبو مسلم: من شيخ هؤلاء القوم؟ فدلّ عليه فكلمه وناشده في ردّ الجمل فأبى عليه وأغلظ له الشيخ الجواب، فلمّا ولي أبو مسلم قتلهم وقال: امتحنت شيخهم وشابّهم فوجدتهم فسّاقا. ويقال إنّه مرّ في بعض مسيره وهو على حمار فنزل في بعض سكك البريد فسألهم العلف فأبوا عليه ونالوا منه، فمرّ به معاذ بن مسلم وكان يلي السكك فأنكر ما كان من القوم وخلّصه منهم، فقال له أبو مسلم: قد أحسنت فأنا أحبّ أن أشكرك، فدعاه إلى دولة بني العبّاس فأجاب.

_ [1] انظر معجم البلدان ج 1 ص 206، الاصطخري 117، اليعقوبي- البلدان 274، ابن رسته- الاعلاق النفيسة ص 151 وأصبهان على خط طول 32 52 شمال وخط عرض 38 51 شرق. [2] زيادة. والأصل من «دهاقينها ففتشه محمد بن علي.. إلخ» . [3] في الأصل: «بيورد» .

خبر صاحب الدين مع محمد

خبر صاحب الدين مع محمد محمد بن يوسف بن يعقوب بن الهيثم الهاشمي قال: سمعت أبا خبزة قال: أخبرني رجل سمّاه قال: كان لي على محمد بن علي مال فقال لي: قد أبطأ عليك مالك، وقد عزمت على أن أضمّنه بنيّ الثلاثة أثلاثا، فقلت: ذاك إليك، أصلحك الله. فقال: يا غلام! ادع إليّ إبراهيم، وكان في صدر مجلسه وكنت مقابله، فرأيته وقد شقّ بصره نحو المدخل عليه، فعلمت أنّه قد سها عني فقال: آه، آه، هذا المنغّص، فلم ألتفت، قال: وأين إبراهيم؟ فسلم فردّ السلام واحتفى به ثم قال: يا بنيّ قد علمت ما لفلان قبلنا، وقد رأيت أن تضمن له الثلث من ذلك وأضمّن [107 ب] أخويك باقي ماله. فقال: يا أبه! أنا أضمن المال كلّه، فأبى عليه أبوه، فضمن لي، فقال له: قم فانصرف. ثم قال: يا غلام! ادع لي أبا العبّاس. ثم رأيته قد شقّ بصره نحو المدخل كنحو ما فعل، ثم قال: آه، آه، شيء وليس بشيء، ثم جاء فسلم فردّ عليه كنحو ما ردّ على إبراهيم، ثم قال: يا بنيّ! قد رأيت أن تضمن لهذا الرجل ثلث ماله، قال: بل كلّه، فأبى عليه أبوه، فضمن الثلث وانصرف. ثم قال: يا غلام! ادع لي أبا جعفر. ثم نظر إلى المدخل نحو ما نظر إلى الآخرين، ثم قال: لا حيّا الله ولا قرّب، ولكنك تطول مدّتك وتعظم بليّتك، ثم جاء حتى سلّم فلم يردّ عليه نحو ما ردّ على أخويه، ودعاه إلى الضمان فقال: يضمن هذا المال من أكله، قال: سبحان الله قد ضمن أخواك فاضمن له الثلث فضمنه بعد مرادّة، ثم قام فخرج. قال الرجل: فقضاني إبراهيم وأبو العبّاس وأمسكت عنه، فذهب المال واشتدّت الحال وكثر

العيال، فحملت نفسي على إتيانه وأنا مخاطر، كأنّ من قال: معي نصيحة أدخل عليه، فأتيت الحاجب فقلت: أدخلني على أمير المؤمنين، قال: ومن أنت؟ قلت: رجل أتيته بنصيحة، قال: وما هي؟ قلت: لا أخبرك، ولكنّني أمضي، فإن بلغه خبري أخبرته أنّي قد لقيتك، قال: مكانك، ودخل، فما لبث أن خرج فقال: ادخل. فلما [108 أ] دخلت وبصر بي نحّى من كان عنده من خدمه وقال: ادن منّي، فدنوت منه فقال: لا حيّا الله ولا قرّب، ما جاء بك؟ قلت: اشتدّت الحال، وكثر العيال، ولم آتك حتى لم أجد حيلة. قال: أخبرني عنك يوم ضمنت لك هذا المال ما سمعت من محمد يقول في ولده؟ فدفعت ذلك، فقال هو نفيّ من محمد، لئن لم تصدقني لأضربنّ عنقك. فقلت: أنا آمن؟ قال: نعم أنت آمن. فأخبرته بما قال لأخويه وما قالا له، ووقفت عنده، فقال: تكلم إنّما أردت منك ما سمعت فأخبرته، فقال: صدقت. ثم دعا بأربعة آلاف درهم فوضعت بين يدي ونحّى الخادم ثم قال: خذها لا بارك الله لك فيها، وإنّي أعطي الله عهدا لئن سمع هذا الحديث لأضربنّ عنقك، فقلت: نعم إن سمعت به فاضرب عنقي.

خبر أم الحكم بنت عبد الله بن الحارث مع محمد بن علي [1]

خبر أم الحكم بنت عبد الله بن الحارث مع محمد بن علي [1] علي بن محمد بن سليمان، قال: حدّثني أبي قال: كان لعبد الله بن الحارث عشر بنات فكانت العاشرة منهنّ أصغرهن، فسمّاها أمّ أبيها، وأحبّها حبّا شديدا، فزوّج تسعا وتركها من بينهن لا يزوّجها لصبابته بها ورقّته عليها. وكان الرجل من أهل بيته يقدم عليه من الحجاز فيخطب إليه ويسمّيها [108 ب] فلا يردّه ويزوّجه ويحتمل صداقه بأحسن جهاز ويدفعها إليه. فخطب إليه محمد بن علي إحداهن وهي أمّ الحكم، فقال بعضهم: اجتمعوا في الحج بمكّة فخطبها إليه فزوّجه، وقال بعضهم: بل كتب إليه من الشام يخطبها فجمع إليه أهله ومواليه ثم وجهها إليه في جهاز حسن ومعها مائة ألف درهم صلة له، ومعها عشرة أعبد، قد رووا الحديث، لها هبات مع ثقة من مواليه. وحدّث علي بن محمد بن سليمان عن أبيه قال: كان قمامة بن أبي زيد كاتب عبد الملك بن صالح وقهرمانه على أمره كله، وأبو زيد أحد العشرة الذين كان عبد الله بن الحارث وهبهم لابنته أم الحكم حين زوّجها محمد بن علي، فكانوا قد كتبوا وحسبوا وعلموا، وجههم معها، فلما حضرتها الوفاة أعتقتهم جميعا منهم أبو زيد ومنهم سليمان بن مجالد، فلما جاهد السلطان انتموا إلى محمد بن علي لأنّه كان زوجها ولدت منه يحيى بن محمد وكان يفخر بها على إخوته.

_ [1] في الأصل: سقط (محمد بن علي) من النص، ووضع «محمد بن» فوق «على بن» . والخبر عن علي بن محمد بن سليمان بن علي الهاشمي الراويّ. انظر فهرس الطبري ص 400.

ملتقطات أخبار محمد بن علي

ملتقطات أخبار محمد بن علي أحمد بن يحيى قال: حدّثني أبو مسعود عن شبيب بن حميد بن قحطبة قال: قال محمد بن علي: كفاك من حظ البلاغة أن تقول فتفهم وتصف فتوجز [1] . [109 أ] أحمد بن يحيى قال: حدّثني أبو مسعود بن القتّات [2] قال: قال محمد بن علي: ثلاث لا تدرك: الشباب بالخضاب، والغنى بالمنى، والعلم بالادّعاء. عبد الله بن مروان بن معاوية الفزاري قال: سمعت خالد بن عبد الرحمن السلمي يقول: قال محمد بن علي بن عبد الله: أحب المجالس إليّ مجلس تحضر فيه يدي ويسافر فيه بصري. محمد بن إبراهيم التغلبي قال: حدّثني حمزة بن عبد الله الهلالي قال: حدّثني يعقوب الحضرميّ قال: حدّثنا مسلمة بن جعفر قال: سمعت محمد ابن علي يقول: أول من دمّل الأرض داود، يعني أوّل من سمّد. مسعود الربعي قال: حدّثني عبد الملك [3] بن عبيد الله بن عبد الله بن العباس عن أبيه عن العباس بن محمد قال: اشترى لي أبي محمد بن علي ثوبا من السوق بستة دراهم يقطعه لي قميصا، وإنّ عنده لستة آلاف أو سبعة آلاف جراب من متاع خراسان كره أن يقطعه فيظهر الناس على أمره، فلمّا توفّي أظهر إبراهيم الشارة والبزّة فظهر علينا فأخذ.

_ [1] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 330، ق 1 ص 566 (إسطنبول) . [2] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 330- 331، وص 227 (نسخة الرباط) . [3] في الأصل: «عبد الملك بن عبد الله بن عبد الله بن العباس» . انظر المنتخب من ذيل المذيل للطبري س 4 ص 2335.

خبر زيد بن علي

عمر بن شبّة قال: حدّثني علي بن محمد بن جويرية بن أسماء عن قريظة ابن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: دخلت على هشام، وعنده محمد بن عليّ ابن عبد الله فقلت: أنا قريظة بن عبد الله بن عامر وشهد جدي بدرا، قال: تقرّبت بما لا يقرّبك منّا، فخرجت فلحقني محمد بن علي فقال: قد سمعت [109 ب] ما قال لك هذا، لكنّه يقرّبك منّي. قال: فلمّا كان أبو العبّاس دخلت عليه وعنده سليمان بن هشام فكرهت أن أذكر هشاما فلا أسبّه، وكرهت أن أسبّه لمكان سليمان، ثم عزمت على سبّه فقلت: يا أمير المؤمنين! إنّي دخلت على الفاسق هشام فقلت: أنا قريظة بن عبد الله بن عامر بن ربيعة شهد جدي بدرا فقال: تقرّبت بما لا يقرّبك منّا، فقال أبو العبّاس: لكن يقرّبك منّا، فأمر لي باثني عشر ألفا. وقال محمد بن علي بن عبد الله بن عبّاس، وذكر رجلا من أهله: إنّي لأكره أن يكون للسانه فضل على عمله كما أكره أن يكون لعمله فضل على عقله. خبر زيد بن علي قال: سمعت أبا هاشم يقول: قال لي محمد بن علي: قد أظلكم خروج رجل من أهل بيتي بالكوفة، يغرّ في خروجه كما غرّ غيره فيقتل ضيعة ويصلب، فحذر الشيعة قبلكم أمره. وقال عبد الله بن عمير: قدم علينا أبو هاشم منصرفه من الشراة في أول سنة اثنتين وعشرين ومائة، فأتيناه وسلّمنا عليه، وقد تحرّك زيد بن علي وتحدّث بخروجه، فقال لي: يا أبا عمير: ما تحدّثتم به؟ فقلت تحدّثنا

بأن زيد بن علي خارج من أيامنا هذه، [110 أ] وقد أطبق أهل الكوفة على الخروج معه، وقد شمّر في أمره جارك أبو كدام، وكان أبو كدام رجلا [1] من همدان جارا لبني مسلية. فقال: بؤسا لأبي كدام كأنّي [2] به قتيلا أو طريدا، وكأنّي بزيد [3] مصلوبا بالكناسة. قال: فغاظني قوله لرأيي في زيد وآل زيد فقلت: ما تزال تأتينا بترّهات تغمّنا بها، والله إني لأرجو أن يزيل الله أمر بني أمية بزيد، ولا تكون لك معه سابقة، فقال بكير: إنّي أعلم ما لا تعلمون، الزموا بيوتكم، وتجنبوا أصحاب زيد ومخالطتهم، فو الله ليقتلنّ وليصلبنّ بمجمع أصحابكم، وأمّا ما ذكرت من زوال أمر بني أميّة فما أوشكه [4] . قال: ثم بعث إلى إخوانه من الشيعة فجمعهم إليه فحذرهم أمر زيد وأخبرهم بقول إمامهم فيه وأمرهم أن يلبدوا في بيوتهم إلى أوان وقتهم الّذي ترفع فيه رايتهم. قال يقطين بن موسى: وأنا يومئذ منقطع إلى أبي سلمة، فإنّا لعند أبي هاشم إذ أتاه آت فقال له: قد خرج زيد وأمر الناس بحضور المسجد، قال: فقال: تنحوا بنا عن هؤلاء وعن شرورهم، فخرج وخرجنا معه أنا وأبو مسرور عيسى بن حمزة فأتينا الحيرة فأقمنا بها حتى قتل زيد وصلب، ثم انصرفنا إلى الكوفة وقد هدأ الناس. قال عبد الله بن عمير: فلقيت أبا هاشم فقلت له: تاللَّه ما [110 ب] رأيت شيئا أعجب من حديثك، والله لكأنّك تنظر إلى أمر زيد وما حدث به، هو والله الآن مصلوب بالكناسة.

_ [1] كتاب التاريخ ص 255 أ. [2] في الأصل: «أم كأني» . انظر كتاب التاريخ ص 255 أ. [3] في الأصل: «به» ، والتصويب من كتاب التاريخ ص 255 أ. [4] انظر كتاب التاريخ ص 255 أ.

وكان من حديث زيد أنّه كان اتّهم هو ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وداود بن علي بن عبد الله بن عبّاس في عدّة من قريش أنّ يزيد بن خالد كان استودعهم مالا، وكتب فيهم يوسف بن عمر إلى هشام، فبعث إلى يوسف بن عمر بهم، فجمع بينهم وبين يزيد بن خالد، فقال: ما لي قبلهم مال، ولا استودعتهم شيئا قط، فبسط عليه يوسف فعذّبه يومئذ عذابا أراد به قتله. ثم كتب إلى هشام فكتب إليه هشام يأمره أن يحلّفهم بعد صلاة العصر في المسجد الجامع أنّه لم يستودعهم مالا، فإن حلفوا خلّ سبيلهم. وغشيت الشيعة زيدا، فلم يزالوا به يزيّنون له الخروج حتى خرج، وقد أحصي من بايعه فبلغوا بالكوفة وحدها، سوى من بالسواد وواسط، خمسة. عشر ألف رجل، ولم يوافه عند خروجه إلّا نحو من مائتي رجل، يزيدون قليلا. فأصيب زيد وأصحابه، وصلب بالكناسة ووضع عليه حرس يحرسونه لئلا يسرق جسده، ومضى يحيى ابنه هاربا إلى خراسان فأتى سرخس [1] ونزل بيزيد بن عمر، أخي تميم بن عمر، فأقام عنده نحوا من ستة أشهر ثم شخص [111 أ] إلى بلخ فنزل بالحريش بن أبي الحريش البكري فكان عنده. ومضى أبو هاشم إلى خراسان فبدأ بجرجان فأقام بها نحوا من شهر [2] ثم شخص إلى مرو، فلمّا قدمها نزل بكامل بن المظفّر، واختلفت الشيعة إليه وأطافت به وانتشر بعض حديثه، فأتى آت نصر بن سيّار [3] .

_ [1] انظر معجم البلدان ج 3 ص 208، الاصطخري ص 154، ابن خرداذبه ص 24 وص 36، وهي على خط طول 32 36 شمال وعلى خط عرض 07 61 شرق. [2] في كتاب التاريخ ص 255 أ- ب «ثم إن بكير بن ماهان قصد جرجان وأقام بها شهرا وجدد لهم البيعة والعهد» . [3] ن. م. ص 255 ب «وانتشر بعض حديثه حتى بلغ إلى نصر بن سيار وهو إذ ذاك وال لخراسان من قبل بني أمية» .

حديث بكير مع نصر بن سيار

حديث بكير مع نصر بن سيار قال: فلمّا أعلم نصر بن سيّار بمكان بكير، كان الّذي أعلمه رجل من بني تميم يقال له أبو الحجاج، وكان لابس الشيعة ولم يعرف كنه أخبارهم، أتى نصرا فرفع إليه أنّ داعية بمرو، وقد كثر تبعه، يدعو إلى يحيى بن زيد، ينزل في موضع كذا، ووصف له موضع بكير. فقال نصر لمن حضره من ثقاته: أيّكم يأتيني بخبر الرجل؟ فزعموا أنّ عبيد الله بن بسّام، وكان أجاب الدعوة، وله منزلة من نصر، قال: أنا آتيك بصحّة خبره، وخاف إن بعث غيره أن يصحّ [1] طلب بكير. فقال له نصر: فشأنك انطلق حتى تأتيني بجليّ الخبر، وتبحث وتفتّش. فخرج عبيد الله بن بسّام وقدّم بين يديه رجلا إلى بكير يأمره بالتنحي عن الموضع فقد وجّه في طلبه [2] . ثم إنّ نصرا بعث رجلا من أصحابه أمينا [3] عليه فلحقه، فمضينا حتى انتهينا إلى منزل [111 ب] كامل بن مظفر، وقد تنحّى بكير، فقال بعضهم تنحّى إلى منزل خالد بن عثمان، وقال آخرون تنحّى إلى منزل أبي الحكم عيسى ابن أعين، ودخل عبيد الله وأمين نصر منزل كامل ففتشاه فلم يجدا فيه أحدا. ومضى عبيد الله إلى الصيد، وانصرف أمين نصر إليه وأخبره أنّ [4] ما أنهي إليه من أمر بكير باطل [5] . وأقام بكير شهرا وقد وجّه دعاته إلى الكور، ثم إنّه انصرف إلى العراق فلم يلبث إلّا يسيرا، وسار إلى محمد بن علي.

_ [1] في ن. م. ص 255 ب: «وخاف أن يبعث غيره فيدل عليهم» . [2] في ن. م. «فقد توجه مع من يشرف عليه في طلبه» . [3] في ن. م. ص 255 ب: «وبعث معه رجلا من أصحابه يشرف عليه» . [4] في الأصل: «إنه» . [5] في الأصل: «باطلا» . انظر كتاب التاريخ ص 255 ب.

ولد محمد بن علي بن عبد الله

ولد محمد بن علي بن عبد الله فولد أبا جعفر المنصور لأم ولد، وعبد الله أبا العبّاس السفّاح، وأمّه ريطة بنت عبيد [1] الله بن عبد الله- كان يقال له عبد الحجر- بن عبد المدان ابن الديّان بن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث ابن كعب بن عمرو بن علة بن جلد [2] ، كانت قبل أن يتزوّجها محمد عند عبد الله بن عبد الملك بن مروان، والإمام إبراهيم بن محمد، وموسى بن محمد، مات في حياته [3] ، وهما لأم ولد، ويحيى بن محمد صاحب الموصل، والعالية، أمّهما أم الحكم بنت عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب [4] ، والعبّاس بن محمد لأم ولد، وله يقول سعيد بن سليمان المساحقي [112 أ] : ألا قل لعبّاس على نأي داره ... عليك السلام من أخ لك حامد أتاني أن لم تنس ما كان بيننا ... على النأي في صرف الهوى المتباعد هنيئا مريئا أن قدحك فائز ... إذا حرّكت يوما قداح المشاهد رأيتك تجزي بالمودة أهلها ... وتمنح صفحا مستقيل الأباعد قطعت من الباغين سعيك وادعا ... إذا اجتهدوا يوما مناط القلائد

_ [1] في الأصل: «عبد الله» انظر جمهرة أنساب العرب ص 20 والطبري س 3 ص 88 وص 2499. [2] في الأصل: «خلد» والتصويب من جمهرة أنساب العرب ص 20. [3] انظر جمهرة أنساب العرب ص 32. [4] ن. م. ص 20.

وإني لم أعلم من الناس واحدا ... على غائب منهم- حلفت [1]- وشاهد أقلّ بفضل العزّ منك تطوّلا ... وأرغب في مستودعات المحامد وأرضى بثوب القصد في كلّ موطن ... إذا طمحت نفس اللجوج المعاند وأوزع للنفس اللجوج عن الهوى ... إذا وردت يوما حرون الموارد وإسماعيل بن محمد لأم ولد، ولبابة [2] بنت محمد، لأم ولد، كانت عند جعفر بن سليمان وهلكت عنده ولم تلد له. وقال سعيد بن سليمان المساحقي للعبّاس بن محمد حين غضب عليه: أبلغ أبا [3] الفضل يوما إن عرضت به ... من دائم العهد لم يخش الّذي صنعا ما بال ذي حرمة صافي الإخاء لكم ... أمسى بحوزته من ودّكم فجعا من غير ما ترة إلّا الوفاء لكم ... ما مثل حبلك من ذي حرمة قطعا [112 ب] ما تمّ ما كنت فيه من مودتكم ... حتى تباين شعب الودّ فانصدعا أما وربّ منى والعامدات له ... والدافعين بجمع يوضعون معا لو كان غيرك يطوي حبل خلّته ... دوني ويلبس ثوب الهجر ما اتّبعا فارع الذّمام ولا تقطع وسائله ... وارجع فإنّ أخا الإحسان من رجعا أشبه أخاك وأحلافا يسير بها ... في المحمدين له لم يجزه الطبعا [4] : حفظ الذمام، وإيثار الصديق إذا ... ضاع الإخاء، وتفريق الّذي جمعا قال مصعب: أخبرني أبي قال: كان سعيد بن سليمان بن مساحق عند العبّاس بن محمد ببغداد، وكان سعيد يستأذن العبّاس في الانصراف إلى المدينة

_ [1] في الأصل: «خلقت» . [2] في الأصل «لبانة» . انظر جمهرة أنساب العرب ص 20 والطبري س 3 ص 2500. [3] في الأصل: «أنا» . وعن بخل العباس بن محمد انظر الأغاني ج 3 ص 195 وج 16 ص 257. [4] الطبع: الدنس والعيب في الجسم أو الخلق.

فيأبي أن يأذن له ويقول له: أقم حولا، فكان سعيد يتطرب إلى المدينة وإلى ماله بالحفر [1] ، فقال له العبّاس: أليس [2] إلى نجد وبرد ترابه ... إلى الحول إن حمّ الإياب سبيل قال مصعب بن عبد الله: وبعث العباس بن محمد إلى أبي بهذا البيت وقال اشفعه ببيت آخر، فقال أبي: وإنّ مقام الحول في طلب الغنى ... بباب أمير المؤمنين قليل وبعث بالبيت إليه. وقال عبد الله بن سالم الخياط يمدح العبّاس بن محمد: [113 أ] عبّاس أشكو الفلسا [3] ... وذا الزمان الشكسا لان لنا إذ جئتنا ... وغبت عنّا فقسا [4] وأضجما: سيّان إحسان ... إليه وإسا [5] إن قلت خيرا ارتجي ... منه لبانا عبسا أو عند بابي [6] حوله ... ثوى به [7] ما نعسا أبيت ليلي جالسا ... مولّها ما جلسا قلت له: العبّاس أعطانا ... وأغنى وكسا

_ [1] انظر معجم البلدان ج 2 ص 275. [2] في الأصل: «ليس» ولعل ما أثبتنا أولى. [3] في الأصل: «الغلسا» . [4] في الأصل: «نعسا» . [5] في الأصل: «وأسى» . [6] في الأصل: «لو عبد بابي» . [7] في الأصل: «ثوابه» .

وصية محمد بن علي

وقال لي: عسى ومنه ... نعم مثل عسى وقال عبد الله بن سالم [1] الخيّاط للعبّاس أيضا: إلى الأمير أشتكي ... ما حلّ بي من فلسي والعسر والضعف عن ... الحيلة في ملتمسي وأعبدا، يلزمني ... هذا وذا مفترسي وأضجما، مختلف الخلق ... كثير الطّفس إن لم يواف أصلا ... باكرني في الغلس يورثني وعيده ... تقطّعا في نفسي ينحلني الذنب مسيئا ... كنت أو غير مسي إلى ابن عمّ المصطفى ... لجأت من دهر عسي [2] وصية محمد بن علي قال: قدم أبو هاشم بكير بن ماهان على أبي عبد الله محمد بن علي من خراسان بأموال [113 ب] كثيرة وحلي وثياب فدفعها [3] إليه، فقال له: استكثر منّي يا أبا هاشم! فما أوشك فراقي إيّاكم، وسيأتي عليّ ما أتى على من كان قبلي من البشر، وهذا إبراهيم [4] فلكم فيه خلف صدق مني [5] .

_ [1] في الأصل: «مسلم» ، وقد مر الاسم في ص 234. [2] في الأصل: «عبس» ، والعسي: الجاني. [3] في الأصل: «فدفعه» . [4] في كتاب التاريخ: «وهذا إبراهيم ابني» . [5] في أنساب الأشراف ج 3 ص 382 وص 234 (الرباط) : «وقدم على الإمام محمد بن

ودعا إبراهيم فقال له: يا بنيّ! اتّق الله فيما قلّدتك من هذا الأمر، ولا تؤثر على طاعته والعمل في إحياء الحقّ شيئا من عرض الدنيا، واعمل لنفسك عمل ظاعن عن رحله لا عمل مقيم في أهله، وعليك بهذا الرجل- يعني بكيرا- فإنّه ثقة في المشهد والمغيب، وهذا من بعده- يعني أبا سلمة. إنّ هذا الحيّ من بني مسلية خاصّتي وعيبتي ومستراحي وموضع سرّي، وهم منّي بمنزلة لحمتي، منهم القائم بأمرنا، ومنهم قاتل اللعين بن اللعين بأكناف مصر. ثم انصرف بكير إلى العراق فيمن كان معه من أصحابه، فقدم الكوفة. فذكر أسيد بن دغيم [1] المسلي قال: سمعت بكيرا يقول: إنّي لجالس عند محمد بن علي حين [2] أقبل أبو العبّاس ابنه فدفع إليه كتابا فقرأه فقال [3] : أتدري ممن هذا الكتاب؟ فقلت: لا. قال: من خال هذا، زياد بن عبيد الله الحارثي، سيّد قومه، يا أبا هاشم- وأشار إلى أبي العباس- هذا المجلي عن بني هاشم القائم المهدي، لا ما يقول عبد الله بن الحسن في ابنه. قال: ولمّا قدم أبو هاشم على محمد بن علي من خراسان قال له: يا أبا هاشم! أحسب ثوائي فيكم قليلا وأحسب [114 أ] الّذي بيني وبينك أيضا قليلا، وهذا إبراهيم صاحبكم بعدي وقد عهدت إليه ألّا يعدو رأيك. ثم دعا إبراهيم فقال له: يا بنيّ! قد كنت تقدمت إليك في طاعة هذا الرجل بما [4] قد علمت،

_ [ () ] علي سليمان بن كثير ولاهز بن قريظ وقحطبة بن شبيب ومعهم أموال وكسي، فأوصلوا ذلك إليه، فقال لهم: ما أظنكم تلقوني بعد عامي هذا، فإن حدث بي حدث فصاحبكم إبراهيم ابن محمد وأنا أوصيكم به خيرا فقد أوصيته بكم» . [1] في الأصل: «دعيم» ، انظر ص 249 من هذا الكتاب. [2] في الأصل: «حتى» ، وفي كتاب التاريخ «إذ» . [3] في ن. م. «فقال لي» . انظر ص 256 أ. [4] في كتاب التاريخ ص 256 أ «لما» .

موت محمد بن علي

فانته إلى ذلك ولا تخالفنّ أمره ولا تجاهدنّ بنفسك، وقد تتابعت علامات ظهور دعوة آل محمد: مضى منها فتقا المشرق والمغرب وستنبع [1] عصبيّة تقع بخراسان، بها يعزّ الله دعوتكم، ثم تختلف الناس على بني أميّة، ثم يقع بأسهم بينهم، ثم يرميهم الله بالطواعين والزلازل، وكأن قد رأيتم. وبلغنا أنّ أبا العبّاس مرّ به يومئذ وهو في حديثه مع إبراهيم وأبي هاشم، فلمّا أتاه قال لهما: قد خبّرتك يا أبا هاشم بأمر هذا فصونوه لأعظم أيّامكم ومن ولي شيئا من أمر الأمّة فليتّق الله ربّه ويعدّ لما هو موقوف عليه ومسئول عنه. وأقام عنده نحوا من عشرين ليلة، ومرض محمد بن علي فأقام ينتظر ما يكون من أمره حتى هلك [2] . موت محمد بن علي قالوا: توفّي سنة أربع وعشرين ومائة. محمد بن عبد الله الجرجاني الورّاق قال: سمعت أبا نعيم يقول: مات محمد بن علي في إمرة هشام في سنة أربع وعشرين ومائة [3] . ويقال: إنّه مات سنة اثنتين وعشرين ومائة [114 ب] وفيها ولد المهدي، ويقال: إنّه مات سنة خمس وعشرين ومائة [4] بالشراة من أرض الشام وهو ابن ستين سنة.

_ [1] في ن. م. «ستتبع ذلك» ص 256 أ. [2] انظر ن. م. ص 256 ب. [3] في ن. م. «سنة عشرين ومائة» ص 256 ب. [4] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 352.

أخبار إبراهيم بن محمد بن علي الإمام ولما مات محمد بن علي أقام أبو هاشم مع إبراهيم أيّاما، ثم شخص إلى خراسان، وقدم الكوفة، فقال عمرو بن شبيب: فقدم علينا وأقام أياما وكأنّه على الرّضف، ثم شخص إلى خراسان وقد كتب معه إبراهيم كتابا إلى الشيعة نعى إليهم فيه أباه، ووعظهم وأمرهم ونهاهم، وقرّب لهم أمرهم، وأمرهم بطاعة أبي هاشم والقبول عنه [1] . فبدأ بجرجان فلقيه الشيعة: أبو عون وعامر بن إسماعيل وأبو إسماعيل وخالد بن برمك، فنعى إليهم محمد ابن علي وأخبرهم أن الإمام بعده إبراهيم وأنّه جعل وصيّته إليه فقرأ عليهم كتاب إبراهيم بالأمر بعده، فسلّموا لأمره [2] ورضوا به، ودفع إليهم كتاب إبراهيم فأعظموه وازدادوا لأبي هاشم تعظيما، وأقام بين أظهرهم نحوا من شهرين، ثم عزم على الانصراف وقال للشيعة: ليتوجّه عدّة [3] منكم إلى إبراهيم ليلقوه، وتعرّفوه أنفسكم وتخبروه بطاعتكم. فشخص معه في تلك الدفعة قحطبة بن شبيب ومالك بن الهيثم وأبو سيف وأبو حميد والأزهر بن شعيب، فأقبل بهم حتى قدم جرجان فشخص معه [4] [115 أ] شيعة أهل جرجان: أبو عون وأبو بصير، فأقبلوا حتى قدموا الكوفة، فبلغهم بها موت هشام ابن عبد الملك واستخلاف الوليد بن يزيد بن عبد الملك وذلك في سنة خمس

_ [1] في كتاب التاريخ ص 256 ب: «منه» . [2] في الأصل: «الإمرة» . [3] في كتاب التاريخ ص 256 ب «من شاء» . [4] في ن. م. ص 257 أ «معهم» .

وعشرين ومائة، فلم يلبثوا إلّا يسيرا حتى مضوا إلى مكّة، وشخص معهم [1] أبو سلمة فلقوا إبراهيم ودفعوا إليه مالا كثيرا كانوا قدموا به. فبلغنا أنّ يحيى بن محمد وهو معه يومئذ فإن لإبراهيم فقال لإبراهيم: والله لئن لم تعنّي على مئونتي وتقضي ديني لأرفعنّ عليك، فقيل: إنّه أمر له بخمسة آلاف درهم، وقال للشيعة: احذروه فإنّ فيه ضعفا شديدا. وقال بعض من قدم مع بكير في تلك الدفعة لإبراهيم: حتى متى تأكل الطير لحوم أهل بيتك وتسفك دماؤهم! تركنا زيدا مصلوبا بالكناسة وابنه مطرّدا [2] في البلاد، وقد شملكم الخوف وطالت عليكم مدة أهل بيت السوء. فقال لهم: لسنا نعدو ما جرى به القضاء علينا في الذكر الحكيم وقد أظلتكم رحمة الله فابشروا بنصره [3] ، فأمّا ما سامتنا به بنو أميّة وركبونا فسيدال عليهم مثلا بمثل، والله لتقتلن بنو أميّة قتلا ذريعا، وليصلبنّ صلبا فظيعا وليسلبنّهم الله ملكهم سلبا وحيّا [4] ، إنّما بقيت من مدتهم سنيّات كنوم الحاكم، يقتل فاسقهم هذا، ولا يمتّع قاتله بالأمر بعده إلّا يسيرا حتى [115 ب] يموت، ثم يثب على أمرهم الفظّ منهم فيبتزّهم أمرهم فعند ذلك يقع الاختلاف بينهم وتنتقض البلاد عليهم. فقال له أبو هاشم: كنّا نقول: إنّ وقت ظهور الدعوة في سنة ثلاثين ومائة. قال إبراهيم: هو ذاك، ولن تتركوا [5] حتى تخرجوا قبلها، وكل ما هو آت قريب، وأمر [6] القوم بالانصراف فانصرفوا، وصدر معهم بأبي هاشم بكير بن ماهان وبأبي سلمة إلى منزله من الشراة، ومضى أهل خراسان، فلمّا قدموها لقوا إخوانهم فخبّروهم

_ [1] في الأصل «معه» ، وما أثبتناه من كتاب التاريخ ص 257 أ. [2] في كتاب التاريخ ص 257 م: «مطرودا» . [3] انظر ن. م. ص 257 أ. [4] الوحي: السريع العجل. [5] في الأصل: «يتركوا» ، وما أثبتناه من كتاب التاريخ ص 257 ب. [6] انظر ن. م. ص 257 ب.

عن إبراهيم وفضله وفقهه فسرّوا بذلك ودعوا له. قال أبو سلمة: انصرفنا مع إبراهيم من مكة، فلما صار إلى منزله بالشراة أتاه مقتل يحيى وما صنع بزيد حيث أحرق، فأكبر ذلك وقال: بؤسا لبني أميّة، كأني انظر إلى مصارعهم. فقال له أبو هاشم: حفظك الله أليس الوليد سطيح بني أمية؟ قال: بلى ومن بعده سطيحهم اللعين الّذي لا بقيّة لهم بعده. خبر يحيى بن زيد لما رجع بكير إلى خراسان قال لهم: إنّ يحيى بن زيد كامن بين أظهركم وكأنّكم به قد خرج على هؤلاء القوم فلا يخرجنّ معه أحد منكم، ولا يسعى في شيء من أمره فإنّه مقتول، وقد نعاه الإمام إلى أهل بيته. وكان [116 أ] يحيى مختفيا عند الحريش [1] ببلخ، إذ ورد على نصر بن سيّار كتاب من يوسف بن عمر يخبره فيه بمسير يحيى بن زيد إلى خراسان ويصف له منازله التي نزلها حين [2] نزل ببلخ عند الحريش ويأمره في كتابه أن يبعث إليه فيأخذه به أشدّ الأخذ. فكتب نصر بن سيّار إلى عقيل بن معقل الليثي، وهو عامله على بلخ يأمره أن يأخذ الحريش بيحيى بن زيد، وإن لم يدفعه إليه بسط عليه العذاب حتى يقتله، فلمّا أتى عقيل بن معقل كتاب نصر بذلك بعث إلى الحريش فسأله عن يحيى بن زيد قال: لا علم لي به، فضربه خمسمائة سوط.

_ [1] في كتاب التاريخ ص 257 ب: «الحريش بن معقل» ، وفي الطبري س 2 ص 1770: «الحريش بن عمرو بن داود» . [2] لعله: حتى.

فبلغنا أنّ الحريش قال له: والله لو كان تحت قدمي ما رفعتها لك عنه، فلما رأى ذلك فريس بن الحريش قال: لا تقتل أبي وأنا أدلّك على يحيى، فأرسل معه من دلّه عليه، فاستخرج من بيت في جوف بيت ومعه يزيد بن عمر ومولى يزيد بن عمر ومولى لعبد القيس ورجلان آخران، فأخذهم وبعث بهم إلى نصر فحبسهم نصر قبله وكتب إلى يوسف بن عمر يخبره بذلك. وكتب يوسف إلى الوليد بن يزيد فكتب إليه الوليد يأمره أن يكتب إلى نصر بأن يؤمّنه ويخلي سبيله وسبيل من كان معه، فكتب يوسف إلى نصر بذلك، وكتب يوسف إلى الوليد بن يزيد فكتب إليه الوليد يأمره أن يكتب إلى نصر بأن يؤمّنه ويخلي سبيله وسبيل من كان معه، فكتب يوسف إلى نصر بذلك، فدعا [1] نصر يحيى فوعظه وحذره الفتنة وأمر له بألفي درهم وبغلين وأشخصه [116 ب] فخرج حتى أتى سرخس فأقام بها. وبلغ ذلك نصرا فكتب في إشخاصه عنها إلى طوس، وكتب إلى صاحب طوس يأمره بإشخاصه عنها إلى نيسابور، وكتب إلى عامل نيسابور يأمره بمثل ذلك، فأشخصوه تسير به المسالح، حتى ورد نيسابور [2] وعليها عمرو بن زرارة القشيري، فلمّا قدمها أمر له عمرو بألف درهم وأشخصه إلى قومس، فلمّا انتهى إلى بيهق [3] ومعه عدة من أصحابه خاف اغتيال يوسف بن عمر إيّاه فانصرف من بيهق في سبعين رجلا من أصحابه، فمرّ بهم تجار معهم دوابّ لهم فأخذها منهم وقال لهم: علينا أثمانها، وبلغ ذلك عمرو بن زرارة فكتب إلى نصر بن سيّار يخبره خبره، فكتب إلى الحسن بن يزيد التميمي وإلى عبد الله بن قيس البكري وهما يليان مسالح ما بين طوس [4] ونيسابور وسرخس أن يمضيا فيمن معهما

_ [1] في الأصل: «فدعاه» . [2] انظر معجم البلدان ج 5 ص 331، اليعقوبي- البلدان ص 278- 279، الاصطخري ص 145، ابن رسته ص 271- 272. [3] انظر معجم البلدان ج 1 ص 537، ابن خرداذبه ص 24. [4] انظر معجم البلدان ج 4 ص 49، اليعقوبي- البلدان ص 277- 278، ابن خرداذبه ص 24، ص 35، وهي على خط طول 15 36 شمال، وخط عرض 33 59 شرق.

حتى يلحقا بعمرو بن زرارة ويسمعا له ويطيعا، وأمر بمحاربة يحيى بن زيد. فخرج عمرو ولحقه الحسن بن يزيد وعبد الله بن قيس في أصحابهما، فبلغنا أنّه كان في نحو من عشرة آلاف رجل فلحقوا يحيى بن زيد وهو في سبعين رجلا فقاتلوه، وقد نصب لهم عمرو بن زرارة راية أمان صفراء [1] ونادى: من أتى هذه الراية فهو آمن. فخبّرنا من حضر ذلك قال: فشدّ عليهم يحيى فهزمهم وقتل عمرو بن زرارة واحتوى على عسكره [117 أ] ومضى نحو هراة [2] وعليها يومئذ مغلّس بن زياد فلم يعرض له، وبلغ خبره نصرا فوجّه سلم بن أحوز المازني وهو يومئذ على شرطه [3] في جماعة، فخرج سلم في طلب يحيى فانتهى إلى هراة حين فصل منها فاتبعه فلحقه بالجوزجان في قرية يقال لها رعوى [4] وعلى الجوزجان يومئذ حمّاد بن عمرو السعدي، فبعث سلم على ميمنته سوادة بن محمد بن عزيز الهندي وعلى ميسرته حمّاد بن عمرو السعدي، وقد شهده محمد بن المثنى فأمره سلم بأن يعبّئ الناس، فتمارض ولم يشهد القتال واقتتلوا قتالا شديدا.

_ [1] في الأصل: «راية صفراء أمان» . [2] انظر معجم البلدان ج 5 ص 396، الاصطخري ص 149، ابن خرداذبه ص 36. وهي على خط طول 20 34 شمال وخط عرض 10 60 شرق. [3] في الأصل «صرطه» وهو تحريف. انظر الطبري س 2 ص 1918. [4] في الطبري س 3 ص 1428 «رعوين» ، وانظر معجم البلدان ج 2 ص 182.

ذكر السواد قال: ثم قال أبو هاشم: إنّ أبا عبد الله كان يقول في وقتكم في ظهور راياتكم السود قولا قد اقترب. قال: فقال إبراهيم: إذا شارفتم الثلاثين والمائة نجم حقّكم ثم لا يزال في نماء، وظهور دعوتكم في البلاد كلّها، والسواد يا أبا هاشم لباسنا ولباس أنصارنا وفيه عزّنا، وهو جند أيّدنا الله به، وسأخبرك عن ذلك. كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلّم سوداء، وكانت راية علي بن أبي طالب سوداء، فعليكم بالسواد فليكن لباسكم، وليكن شعاركم: يا محمد يا منصور. قال: وأمر أبا هاشم بالانصراف [117 ب] والمضيّ إلى خراسان وأمره أن يأمر الشيعة بتسويد الثياب والرايات السود، ويعدّوها إلى وقت خروجهم. فانصرف أبو هاشم ومعه أبو سلمة إلى الكوفة، فلما قدمها تعلّق به [1] غرماء له [2] فحبسوه في دين كان لهم عليه، وبعث أبا سلمة إلى خراسان، ودفع له ثلاث رايات سود، وأمره أن يدفع واحدة إلى من بمرو من الشيعة، ويدفع واحدة إلى من بجرجان من الشيعة، ويبعث بواحدة إلى ما وراء النهر. فشخص أبو سلمة إلى خراسان فكان أوّل من قدمها بالرايات السود. وكان ممّا قوّى راية الأئمة في السواد أمور منها: ما جاء فيه من ظهور الرايات السود، ومنها أنّ راية النبيّ صلى الله عليه وسلّم كانت سوداء، ومنها أنّ راية علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت سوداء وفيها يقول القائل يوم صفّين:

_ [1] في الأصل: «بهم» . [2] في الأصل: «لهم» .

لمن راية سوداء يخفق ظلّها ... إذا قيل قدّمها يزيد [1] تقدّما ومنها أنّه كان لباس داود- حيث لقي جالوت فظفر به- السواد. حكى من نظر في صور الأمم الخالية أنّه رأى صورة أصحاب داود عليه السلام، عليهم السواد، قلانسهم شاشية، قد علّقوا سيوفهم من مناطقهم، والخناجر في أوساطهم. ومنها أنّ بني عبد المطلب لم يزالوا يتيمّنون [2] بالسواد، وذلك أنّ عبد المطّلب [118 أ] لما عالج بئر زمزم استخرج منها غزالين مصنوعين من ذهب مكللين بالجوهر [3] ، فاجتمعت لذلك قريش وناقشته فيهما، ولم يكن له يومئذ ولد مدرك غير الحارث، فقالت قريش: الغزالان بيننا، وإنّما استخرجتهما من بئرنا، فقال عبد المطلب: أنا غنمتهما وبعملي استخرجتهما. فترامى الأمر بينهم إلى أن حكّموا بينهم عزّى سلمة، وكانت كاهنة تتقاضى العرب إليها، فقالت لهم: أرى أن تستهموا [4] ، فمن خرج سهمه فالغزالان له، اجعلوا سهما لعبد المطلب وسهما للكعبة، فإنّ البئر لها، وسهما لقريش، وأعلموا على سهامكم، ففعلوا، وجعل عبد المطلب سهمه أسود وجعلت قريش سهمها أبيض وجعلوا سهم الكعبة أصفر، ثم أجالوا السهام فخرج سهم عبد المطلب فصيّر [5] الغزالين للكعبة فلم

_ [1] في الأصل: «يا يزيد» ويرد البيت في كتاب «صفين» لنصر بن مزاحم المنقري (تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة 1962) ص 289. «لمن راية حمراء يخفق ظلها ... إذا قيل قدمها حصين تقدما وفي الطبري س 1 ص 3316، وفيه «حضين» بدل «حصين» . [2] في الأصل: «ينتمنون» . [3] انظر نهاية الأرب للنويري ج 16 ص 46- 48. [4] أي أن تقرعوا بالسهام. [5] في الأصل: «قصد» .

تزل بنو عبد المطلب يتيمّنون [1] بالسواد مذ ذاك. فأخبرنا عمرو بن شبيب، قال: لما قدم أبو هاشم تلك القدمة قدم ومعه راية سوداء فأخرجها إلينا فاستوحشنا منها فقلنا له: ما أردت إلى السواد؟ قال: إنّ عزّ هذه الدولة فيه، ولا تزال دعوة بني هاشم عزيزة ما لبس السواد أهلها، وقد كانت الأنصار لمّا أصابت قريش ومن كان معها [2] ما [3] أصابت من النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم أحد، سوّدوا الثياب كما تصنع العرب [118 ب] في ثيابها عند المصائب، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: ليس هذا أوان هذا وسيأتي على أمّتك زمان يلبسونه ويكون عزّهم فيه. وسئل عن الرايات السود فقال للإيمان [4] أثبت في قلوب أهلها من زبر الحديد. قال عمرو: فقال أبو هاشم: قد تتابعت على آل رسول الله صلى الله عليه وسلّم مصائب لا ينكر معها لأشياعهم لباس السواد حتى يدركوا بثأرهم [5] . رجع الحديث إلى ذكر أبي سلمة وقدم أبو سلمة خراسان فقال بعضهم: وأبو مسلم يومئذ معه خادم له، فبدأ بجرجان فدفع راية [سوداء] [6] إلى أبي عون، وهو يومئذ

_ [1] في الأصل: «ينتميون» . [2] في الأصل: «معهما» . [3] زيادة. ويبدو أن الناسخ جمع بين «معها» و «ما» . [4] في الأصل: «لا الإيمان» . [5] هكذا والصواب: «يدركوا ثأرهم» . [6] زيادة من كتاب التاريخ ص 257 ب.

رئيس القوم، وقد لقي الإمامين جميعا [1] ، وعظم قدره في الدعوة، ثم نفذ إلى مرو فدفع إلى سليمان بن كثير راية سوداء، وبعث براية إلى ما وراء النهر مع مجاشع بن حريث الأنصاري، وقيل مع عمرو بن سنان المرادي. وأقام أبو سلمة بمرو، ونصر بن سيّار يومئذ الوالي، فاضطرب أمر العرب بخراسان، وتعصّبوا وتحزّبوا واقتتلوا وهم متحيرون، وقد قتل الوليد بن يزيد، ولم يأتهم الخبر باجتماع الأمر لغيره، فتمكن أبو سلمة في تلك الأيام ممّا أراد واستثارت [2] الدعوة وقوي أهلها، وبث [3] دعاته ورسله وانصرف، وسليمان بن كثير صاحب أمر الشيعة بخراسان وكامل [119 أ] بن مظفّر يدبّر لهم أمورهم. فطالت الفتنة بين نصر بن سيّار وعلي بن الكرماني ومن كان بها من العرب حتى أضجر ذلك كثيرا من أصحابهما، وجعلت نفوسهم تطّلع [4] إلى غير ما هم فيه وإلى أمر يجمعهم، فتحركت الدعوة: يدعو اليمانيّ من الشيعة اليمانيّ، والربعيّ الربعيّ، والمضريّ المضريّ حتى كثر من استجاب لهم، وكفّوا بذلك عن القتال في العصبية. وكانت إقامة أبي سلمة هناك أربعة أشهر، ولمّا انصرف ألفى أبا هاشم محبوسا [5] على ما خلّفه عليه، وكانت حمامة بنت بكير أبي هاشم تحت أبي سلمة، فصالح أبو سلمة عنه غرماءه، وكان ما لزمه من الدين في إنفاقه على أهل الدعوة وفي أسفاره وفي أموره، وقد أنفق في ذلك مالا كثيرا لنفسه كان أفاده من السند. وخرج من الحبس وأبو سلمة يومئذ موسر حسن الحال وكان يعالج

_ [1] في ن. م. ص 257 ب «وقد لقي الإمامين محمدا وإبراهيم» . [2] في ن. م. ص 257 ب «وظهرت» . [3] في الأصل: «وثبت» وما أثبتناه من المصدر السابق ص 258 أ. [4] في الأصل «تطلّع» . [5] انظر كتاب التاريخ ص 258 أ.

الصرف، وكانت له حوانيت يباع له فيها الخلّ، وإنّما سمّي الخلّال عند قتله بذلك. وفي أيّام حبس أبي هاشم عرف أبو مسلم وانقطع إلى أبي هاشم، وعرف الدعوة واختلط بأهلها. فلم يلبث أبو هاشم إلّا نحوا من شهرين حتى مرض واشتدّ وجعه، فقال عبد الله بن عمير: دخلت على أبي هاشم في مرضه وعنده أبو سلمة وحمامة ابنته، وهي امرأة أبي سلمة، وجعل أبو سلمة يبري قلما ليكتب به فأصاب حدّ السكين يده [119 ب] فقطع منها فسال الدم فتغيّر لذلك لون حمامة امرأته، فقال لها أبو هاشم: تجزعين له من هذا الدم فكيف لو قد أتيت به يشخب، فيوضع رأسه في حجرك حتى يموت. موت أبي هاشم قال عمرو بن شبيب وأسيد بن دغيم: بينا أبا [1] هاشم عائدين له في مرضه، وقد أتانا قتل الوليد، وقدم منصور بن جمهور واليا على العراق وهرب يوسف بن عمر، فأنا لعنده، إذ دخل عليه جار له من بني الحارث يقال له مدرك ورجلان من همدان يسألون به [2] وعنده امرأة يومئذ كان قد تزوجها ولم يدخل بها، فأدخلت عليه مبادرة لتحرز ميراثها، وإن عليها لمصقّلات، وهي مستترة جالسة خلف ظهره، فقالوا له: يا أبا هاشم قتل الوليد، وهو مغلوب لشدة مرضه، فكرّروا ذلك عليه حتى فهم قولهم، فقال: أوقتل الوليد؟ قالوا: نعم. قال: قد كنت أتوقّع ذلك فالحمد للَّه

_ [1] هكذا، ولعله: بينا نزور. [2] في الأصل: «يسلون به» .

على قضائه، أما لو كانت بي [1] حياة لقرّت عيني وعظم سروري، يا أبا سلمة، وهو حاضر يومئذ: شمّر في أمرك فقد فتح الله البلاء على بني أميّة، وفتح الفرج على آل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، إنّا كنّا نقول: إنّ قتل الوليد أحد أوقاتهم [2] [120 أ] ثم العصبيّة، وقد بدت بالمشرق [3] الحرورية [4] ثم الطاعون الجارف ثم الرجفة. قال: وجعل يتكلّم فلا يفهم حتى غلب، فو الله ما برحنا حتى مات وصار إلى أبي سلمة أمر الدعاة. رجع الخبر إلى أمر خراسان والدعاة ولما قتل الوليد استخلف يزيد بن الوليد فلم يلبث إلّا يسيرا حتى هلك، ووثب على أمرهم مروان بن محمد بن [مروان بن] [5] الحكم، فابتزّهم غصبا واقتسارا، فوهن أمر بني أميّة، وانتقضت البلاد عليهم، وتشتت أمرهم، وبغى بعضهم على بعض لما أراد الله من إذلالهم واستئصالهم. وبلغ من بخراسان أمر مروان واختلاف بني أميّة فقوّى ذلك ما كان من خلاف اليمانية والربعية [6] على نصر بن سيّار. وولّى مروان ابن هبيرة على العراق، فكتب إلى نصر بن سيّار بولايته على خراسان، ذكروا أن مروان أمره بذلك، فلمّا أتاه ذلك تزيّد حنق اليمانية والربعية [6] عليه، وقد ضامّهم

_ [1] في الأصل: «به» ، وما أثبتناه من كتاب التاريخ ص 258 أ. [2] في ن. م. «أوقاته» . [3] في ن. م. ص 258 أ «ثم العصبية في خراسان وقد بدت في المشرق» . [4] في الأصل: «بالحرورية» . [5] زيادة من كتاب التاريخ ص 258 أ. [6] في الأصل: «الربيعية» ، وانظر كتاب التاريخ ص 258 أ- ب.

شيبان في الخوارج، وقاتلوا نصرا وصاروا إلى الخنادق فأقاموا فيها يقتتلون نحوا من عشرين شهرا حتى ظهرت الدعوة. وذكروا أنّ ابن هبيرة كتب إلى مروان: إن كنت تريد خراسان فعاجلها برجل عام الرأي يجمع أهلها فإن نصرا ليست [120 ب] همّته فيما هو فيه إلّا شعرا يمدح قومه ويهجو به غيرهم، فقد أوقع ذلك في صدور الناس قبله ما إن ثبت كان داعية البلاء من الاستئصال، وقد نجم بين أظهرهم قوم يدعون إلى بني هاشم. فبعث عند ذلك إلى أهل خراسان وفدا [1] فيهم الحكم بن الأبيض الطائي، وعقال بن شبة التميمي، والجودي بن أكمه الشيبانيّ، فشخصوا وقد تفاقهم الأمر بين نصر واليمانية فكلموهم ووعظوهم فقالوا: نحن على الطاعة إن عزل عنّا نصر [2] . فانصرفوا إلى مروان، وهو مشغول بحروبه التي كان فيها، ولم تنقض الحروب بينه وبين الخوارج حتى كان في شوّال سنة تسع وعشرين ومائة، ففرغ من أمر الخوارج، وانصرف إلى منزله من حرّان، وقد ظهرت الدعوة، ثم زاد ذلك اشتغال مروان بمحاربة أهل حمص وأهل فلسطين والخوارج والضحاك بن قيس وشيبان بن عبد العزيز، فتفرغ لهم وقد قوي أمرهم وكثرت جماعاتهم، ووجّه الجنود إلى العراق وهي منتقضة عليه، وقد خالف سليمان بن حبيب بن المهلّب بالأهواز وغلب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب على فارس وأصبهان والري، وغلب منصور بن جمهور الكلبي على الجبل [3] . وكتب مروان إلى ابن هبيرة أن

_ [1] في الأصل: «وقد» وفي كتاب التاريخ ص 258 ب «جيشا» . [2] انظر كتاب التاريخ ص 258 ب. [3] انظر معجم البلدان ج 2 ص 99. وانظر كتاب التاريخ ص 259 أ، والاصطخري ص 115 وما بعدها، واليعقوبي- البلدان ص 269، وابن خرداذبه ص 20.

تسير الجنود إلى خراسان إذا صلحت العراق، فشغل ابن هبيرة بإصلاح العراق عن إمضائهم [121 أ] إلى خراسان، وكلّ ذلك من قوة أسباب الدعوة وإقامة الدولة، ثم قيّض الله أبا مسلم حتى انتهت به الغاية، وحصد من كان يرمقها ويطمع فيها.

خبر ابى مسلم وابتداء أمره قال أبو الخطاب: كان أبو مسلم من أهل أصبهان، ولد في منزل عيسى بن معقل العجليّ [1] ونشأ مع ولده، فقطع الطريق على قوم من التجار في ضياع عيسى بن معقل، وذلك في إمارة خالد بن عبد الله القسري على العراق، فسأل خالد عن عيسى فأخبر أنّه يشتمل على اللصوص وأنّه لهم معقل يأوون إليه، فوجّه إليه خالد من أتى به، فتناوله بقضيب كان في يده وأمر بضربه وحبسه في السجن بالكوفة، وأبو مسلم معه يومئذ غلام يخدمه. وكان خالد قد حبس قوما من شيعة بني العبّاس من أهل الكوفة وقوما من شيعتهم من أهل خراسان بعث بهم إليه [2] أسد بن عبد الله فيهم رجل يقال له حفص الأسير، وكان أبو مسلم يسمع الشيعة الذين في الحبس يتذاكرون الدعوة فيصغي لقولهم حتى وعى بعضه فأعجبه وأخذ بقلبه، وكان يكثر لزوم أبي موسى عيسى بن إبراهيم السرّاج من أهل الكوفة، وكان من علماء الشيعة، فلذلك قيل إن أبا مسلم كان سرّاجا [3] . وكان من في السجن بالكوفة يرسلون أبا مسلم في

_ [1] يضيف كتاب التاريخ ص 259 أ «وهو جد أبي دلف العجليّ» . وانظر العيون والحدائق ج 3 ص 182- 183 وأنساب الأشراف ج 3 ص 382. [2] في الأصل: «إلى» والتصويب في كتاب التاريخ ص 259 ب. [3] في أنساب الأشراف ج 3 ص 383: «وكان إدريس وعيسى ابنا معقل محبوسين بالكوفة مع قوم حبسهم يوسف بن عمر من أهل الجبل بسبب الخراج، فكان أبو مسلم يخدمهما ويقضي

حوائجهم ويبلّغ شيعة [121 ب] أهل الكوفة رسائلهم حتى وثقوا به واستأمنوا إليه، وعظم قدره عندهم، فوجّهوه إلى إبراهيم الإمام رسولا، فلما قدم عليه أعجبه ما رأى من فهمه وحسن عقله، فسأله عن اسمه ونسبه وكان أبو مسلم يسمى إبراهيم ويكنى أبا إسحاق فأخبره باسمه وقال: أمّا نسبي فإنّي مولاك، وذاك أني رجل من الله عليّ بالإسلام، ولم تجر لأحد عليّ نعمة، فأنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وإذا كنت مولى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأنا مولاك، إذ كنت وارثه. فسمّاه إبراهيم الإمام: عبد الرحمن، وكنّاه: أبا مسلم، وكتب إلى شيعته بالكوفة يعلمهم أنّه قد سمّاه وكنّاه وقبل ولاءه، ويأمرهم أن يجعلوه رسولهم إليه فإنّه قد أفهمه وفهم عنه ولا يرسلوا غيره. وقال بعضهم: كان غلاما لعيسى بن إبراهيم أبي موسى السرّاج يتعلّم منه السراجة ويخدمه، وكان عيسى من أهل الكوفة ورئيسا من رؤساء الشيعة، وكان موسرا يأتي بالسروج وآلتها [1] نحو أصبهان والجبال والرقّة ونصيبين وآمد ويجوب البلاد فيبيعها بها. وكان [أبو مسلم] [2] مع أبي موسى بالشام ودخل معه إلى محمد بن علي [3] . ثم إنّ أبا موسى رجع إلى الكوفة وأبو

_ [ () ] حوائجهما، وهو في ذلك مع أبي موسى السراج صاحبه يخرز الأعنة ويعمل السروج وله بضاعة في الأدم» . وانظر الطبري س 2 ص 1727. [1] في كتاب التاريخ ص 260 أ: «وآلاتها» . [2] زيادة من ن. م. ص 260 أ. [3] يضيف ن. م. ص 260 أ «فلما رآه محمد قال لأبي موسى: من هذا الفتى الّذي يدخل معك؟ فقال: بعض موالينا. فقال ما اسمه؟ قال: عبد الرحمن. فقال له سرا: إني أرى أمارات تدلني على أنه الّذي يقوم بأمرنا فيجب أن تحترمه..» .

مسلم [1] معه وهو يومئذ ابن عشرين سنة وكان يسمّى إبراهيم بن ختكان فتسمّى بعبد الرحمن بن مسلم ويقال بل سمّاه [122 أ] الإمام إبراهيم بهذا الاسم. وكان [2] من ضياع بني معقل العجليين، وكان إدريس وعيسى ابنا معقل محبوسين بالكوفة في حبس يوسف بن عمر الثقفي بالخراج، وكان عاصم ابن يونس العجليّ محبوسا معهما بسبب من أسباب الفساد، فقدم سليمان بن كثير ولاهز بن قريظ [3] وقحطبة بن شبيب- وهم من النقباء الذين لقيهم محمد بن علي وعدة منهم من الشيعة من أهل خراسان- الكوفة يريدون الحج، فدخلوا على العجليين [4] مسلمين، وكان أبو مسلم يدخل إليهم ويسعى في حوائجهم ويخدمهم، وهو مع ذلك مع أبي موسى السراج صاحبه يخرز له الأعنّة ويعمل السروج وله بضاعة في الأدم، فلما رآه النقباء الثلاثة أعجبهم ما رأوا من خفّته وعقله وأدبه، ورآهم فمال إليهم [5] وجعل يذمّ بني أمية، ولم يلبث أن عرف أمرهم، فقال: أنا أصحبكم وأكون معكم. فسألوا أبا موسى أن يعينهم به ففعل، وكتب معه إلى إبراهيم الإمام، وكان قد علم أنّه يحجّ في عامه وأنّ القوم واعدوه [6] الالتقاء بمكة، فشخص أبو مسلم [معهم] [7] ، ووجدوا إبراهيم

_ [1] في الأصل: «أبو موسى» ، وهو سهو. [2] هنا بداية خبر جديد، ولكنه جاء في الأصل مع الخبر السابق وكأنهما خبر واحد. انظر كتاب التاريخ ص 260 أ. [3] في الأصل: «قرط» . [4] في كتاب التاريخ ص 260 أ «فدخلوا على إدريس وعيسى ابني معقل العجليين» . [5] في أنساب الأشراف ج 3 ص 383 «فأعجبهم عقله وظرفه وأدبه وشدة نفسه وذهابه إليها، ومال إليهم وعرف أمرهم» . [6] في الأصل: «وأعدوا» . وفي أنساب الأشراف «وإن القوم واعدوه الالتقاء بمكة» ج 3 ص 383 وص 236 (الرباط) . [7] زيادة من كتاب التاريخ ص 260 ب.

بمكة، فأعطوه عشرين ألف دينار ومائتي ألف درهم وأوصلوا إليه كسى حملوها إليه. ورأى الإمام أبا مسلم فعرفه وأثبته لأنّه كان يراه أيام اختلافه إلى أبيه في مجلسه، وتأمل أمره، وأخلاقه فأعجبه منطقه ورأيه وعقله [1] ، فقال: هذا [122 ب] عضلة من العضل، ومضى به معه فكان يخدمه. ثم إنّ هؤلاء النقباء قدموا على الإمام فسألوه أن يوجّه رجلا يقوم بأمر خراسان، فعرض الأمر [2] على سليمان بن كثير وعرضه على قحطبة فأبيا ولم يفعلا، وذكر أبا مسلم فأطرياه ووصفا له جزالته وعلمه بما يأتي وما يذر [3] ، فاستخار الله ووجّهه إلى خراسان. وقد قيل إنّ أصله من خراسان، وقد قيل إنّه من العرب، وإنّه ادّعى أنّه ابن سليط بن عبد الله بن عبّاس، ونسبه أبو دلامة [4] إلى الأكراد فقال: أبا مجرم ما غيّر الله نعمة ... على عبده حتى يغيّرها العبد أفي دولة المهديّ حاولت غدرة ... ألا إنّ أهل الغدر آباؤك الكرد أبا مجرم خوّفتني القتل فانتحى ... عليك بما خوّفتني الأسد [5] الورد

_ [1] في أنساب الأشراف «وجزالته» ج 3 ص 383 وص 234 (الرباط) . انظر الطبري س 2 ص 1727، وص 1769. [2] زيادة. وفي كتاب التاريخ «فعرض على سليمان بن كثير وعلى قحطبة..» ص 260 ب. [3] في أنساب الأشراف ج 3 ص 383 وص 234- 235 (الرباط) «فعرض على سليمان بن كثير أن يكون ذلك الرجل فأبى وعرض مثل ذلك على قحطبة فأبى، فأراد توجيه رجل من أهل بيته فكره ذلك، وذكر أبا مسلم فأطراه ووصف عقله وعلمه بما يأتي ويذر» . وانظر كتاب التاريخ ص 260 ب، والطبري س 2 ص 1937، والأزدي، تاريخ الموصل ص 52. [4] هو زند بن الجون مولى بني أسد. انظر الأغاني ج 10 ص 235 وما بعدها، والشعر والشعراء (ط. دار الثقافة) ج 2 ص 260- 261. [5] في الأصل: «الأسود» والتصويب من الأغاني ج 10 ص 235.

محمد بن الحسن الشامي قال: حدّثني محمد بن أبي صفوان الثقفي قال: قال أبو مسلم: شهدت خطبة يزيد الناقص بمسجد دمشق وأنا مع الإمام إبراهيم فقال لي: يا عبد الرحمن هذا آخر ملك بني أميّة، قد جاءهم ما كانوا يوعدون، فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ 6: 45 [1] . شمّر يا عبد الرحمن، شمّر، الوحي الوحي [2] والنجا النجا، الحق بشيعتي وأنصاري بعقوة خراسان. قال أبو مسلم: فأوصاني بوصاياه وأمرني بأمره فخرجت [123 أ] من فوري ذلك، فأزال الله ملك بني أميّة، وقطع دابرهم، وأظهر حقّ بني العبّاس، فما انصرفت إلى العراق إلّا وأبو العبّاس خليفة قد استوسقت له البلاد، واجتمعت عليه الأمّة، وظهر أمر الله وهم كارهون، وللَّه عاقبة الأمور. النّحيت بن مجاهد ابن أخي رزمة قاضي أبو شهر [3]- وكان صديقا لآل معقل بن عمير العجليين، وكان يكثر القدوم عليهم في تجارة له، ويقيم عندهم السنة والسنتين- قال: حدّثني سابق مولى معقل، وكان شيخا كبيرا قد أدرك وعلم من أمر أبي مسلم وخبره ما قد كتبناه، قال: كان برستاق فريدين من أصبهان مولى لبني عجل يقال له عثمان بن يسار فأتعب في الخراج بفريدين، فحمل جارية له أعجمية إلى عيسى بن معقل العجليّ بماوشان [4]

_ [1] سورة الأنعام، الآية 45. [2] أي البدار البدار. [3] في الأصل «ابرسهر» وابرشهر هي نيسابور، انظر معجم البلدان ج 1 ص 65، والإصطخري ص 145- 146، قدامة- الخراج ص 243، وهي على خط طول 12 63 شمال وخط عرض 49 58 شرق. [4] في الأصل: «بماشان» ، وماشان نهر يجري في وسط مرو، معجم البلدان ج 5 ص 42. أما ماوشان فناحية وقرى في واد في سفح جبل أروند من همدان، معجم البلدان ج 5 ص 47، وهذه في نطاق الحديث.

وكان من عشيرته فشكا إليه حاله في الخراج وباع منه تلك الجارية بثماني مائة درهم، وهي يومئذ حامل بأبي مسلم وهو لا يعلم بحملها. فانطلق عثمان بن يسار من وجهه ذلك فمات، وعلم عيسى بن معقل بحمل الجارية بعد ما فارقه عثمان بن يسار فحصّنها، فولدت أبا مسلم وماتت في نفاسها، فسمي سلما، ولعثمان بن يسار ولد من غير أم أبي مسلم يقال له يسار بن عثمان، وأخوات له. فلمّا تحرك أبو مسلم اختلف مع ولد عيسى بن معقل [123 ب] بقرية فريدين [1] إلى معلم يقال له عبد الرحمن بن مسلم، فلما خرج من الكتّاب، كان يخدم عيسى بن معقل، واسمه سلم، فاتخذه عيسى زنبورا يركب معه حيث ركب ويحمل صاجره في حقوه ويوضّيه، وكان كيّسا ظريفا. وكان رجل [2] يقال له هاشم بن العلاء ينزل رستاق التيمرة [3] من أرض أصبهان، واتّخذ قرية فيها وسمّاها الحجاز وكانت عنده نعم بنت معقل بن عيسى، فبينا هاشم بن العلاء عند عيسى بن معقل على نبيذ لهم وأبو مسلم يخدمهم ويسقيهم إذ سقى هاشما فرأى في القدح بعض القذى، فضرب به وجه أبي مسلم فأدماه، فقال له عيسى: بئس ما صنعت. فقال هاشم: وما هذا ابن الفاعلة؟ قال عيسى: لقد رأيت لهذا رؤيا لو رأيتها لمعقل ابني كان أحب إليّ من كل مفروح به عظيم. قال هاشم: وما رأيت في منامك؟ قال: رأيت كأنّ آتيا أتاني فقال: من هذا؟ فقلت: سلم غلامي، فقال: إنّ هذا لمن المصطفين الأخيار، على وجهه هلاك الجبّارين ونصرة آل محمد. فلمّا ظهر أبو مسلم كتب إلى عامليه على أصبهان: ابن زريق بن شوذب الشيبانيّ وزياد بن سلمان الخزاعي، أنّ قبلكما رجلا يقال له هاشم بن

_ [1] في الأصل: «فر» . [2] في الأصل: «رجلا» . [3] انظر معجم البلدان ج 1 ص 67 وابن خرداذبه ص 21.

العلاء اتّخذ قرية فسمّاها الحجاز استخفافا بحرم الله وحرم رسوله [124 أ] فابعثا [1] إليه من يضرب عنقه ويستصفي ضياعه، فهرب هاشم فلحق بالكوفة، فاختفى بها حتى قتل أبو مسلم. ثم إنّ عمّال أصبهان وهمدان [2] والماهين [3] كتبوا إلى يوسف بن عمر الثقفي، وهو على العراق، يشكون عيسى بن معقل أنّه يكسر عليهم الخراج وأنّه نازل في التخوم [4] ، فكتب يوسف بن عمر إلى صاحب قرماسين [5] يأمره أن يسير إلى عيسى بن معقل فيأخذه فيقدم به عليه. فسار صاحب قرماسين إلى عيسى بن معقل فأخذه وحمله إلى يوسف فأمر بحبسه في السجن بالكوفة، وكان في السجن يومئذ نفر من وجوه الشيعة منهم أبو سلمة الخلّال- كان يبيع الخل في زرارة [6]- وحفص الأسير، وكانوا اثني [7] عشر رجلا، وكان عاصم بن يونس مولى بني عجل قد حبس بدم، فنزل معهم في بيتهم الّذي كانوا فيه، ولم يكن له يومئذ رأي ولا معرفة بما كانوا فيه، فدعاه حفص الأسير إلى الدخول في الدعوة فاستجاب له، فلما قدم بعيسى بن معقل فأدخل

_ [1] في الأصل: «فابعث» . [2] معجم البلدان ج 5 ص 410 وما بعدها، الإصطخري ص 117، اليعقوبي ص 272، ابن خرداذبه ص 2 وهي على خط طول 64 34 شمال وخط عرض 35 48 شرق. [3] الماهان: ماه الكوفة «وهي الدينور» وماه البصرة «وهي نهاوند وهمدان وقم» . انظر ابن خرداذبه ص 20، وابن رسته- الاعلاق النفيسة ص 166، واليعقوبي- البلدان ص 272، ومعجم البلدان ج 5 ص 48. [4] في الأصل: «النجوم» . [5] انظر ابن خرداذبه ص 19 وابن رسته ص 166 وقرماسين هي كرمنشاه الحالية على خط طول 19 34 شمال وخط عرض 40 47 شرق. [6] محلة بالكوفة. معجم البلدان ج 3 ص 135. [7] في الأصل: «اثنا» .

السجن كان ذا هيئة، فرغب فيه أولئك النفر المحبوسون من الشيعة، فأنزلوه معهم في البيت الّذي هم فيه. وكان عيسى بن معقل قبل أن يشخص إلى يوسف بن عمر قد جعل أبا مسلم وكيلا على قرية من قراه، فلمّا فرغ أبو مسلم من رفع غلاله حمل أذكاره وما اجتمع [124 ب] عنده من المال، ولحق بعيسى بن معقل، فسرّ بقدومه، ونزل دار عيسى في بني عجل [1] ، وكان أبو مسلم ومولى لعيسى، كان وكيله في داره في بني عجل، يحملان طعام عيسى وشرابه من داره في كل يوم إلى السجن، ثم يخرج أبو مسلم فيقعد في السرّاجين عند دار الوليد بن عقبة التي فيها القصّارون، وكان جليسه منهم موسى بن يزيد وعثمان بن عيسى. وكان أبو مسلم يختلف إلى عيسى بن معقل وهو في السجن، يسمع كلام الشيعة الذين في السجن، فأحبه وهويه ووقع في خلده، فكان يخاتل عيسى بن معقل فإذا رآه جالسا في جانب السجن يتحدث عند قوم آخرين دخل أبو مسلم إلى أولئك الشيعة فتحدث معهم، فلمّا رأوا حبّه لأمرهم وحرصه على كلامهم أطلعوه على رأيهم ودعوه إليه، فقبله ورسخ فيه بصيرته حتى أفضوا إليه أسرارهم ووثقوا به لما رأوا من عقله وظرفه وأدبه. فكان عيسى بن معقل رجلا سخيّا صاحب طعام، فبلغ يوسف بن عمر حاله وما يتكلف من السخاء، فبعث إليه فضربه بالسياط حتى قتله. فادّعى أبو مسلم أنّ عيسى كان قد دبّره [2] فصار مع رجل من السرّاجين يكنى أبا إسحاق فنفذ في مدة يسيرة في [3] عمله فكان يكون بالليل عند الشيعة في السجن وبالنهار عند أبي إسحاق، ورأى منه أبو إسحاق أمانة وغناء [125 أ] فائتمنه على بيع متاعه، ووجّهه إلى البلدان بتجارته. ثم

_ [1] في الأصل: «بني العجل» ، انظر الاشتقاق لابن دريد ص 208. [2] التدبير- أن يعتق الرجل عبده بعد موته فيقول له أنت حر بعد موتي، اللسان مادة (دبر) . [3] في الأصل «من» .

قدم قوم من شيعة أهل خراسان يريدون إبراهيم الإمام فأحبّ شيعة الكوفة أن يكون معهم رجل من قبله فبعثوا أبا مسلم معهم وكتبوا معه إلى إبراهيم: أمّا بعد فقد بعثنا إليك غلاما أمينا لبيبا أديبا كتوما حافظا لما استرعي، مؤديا لما أعطي، اتخذناه لأنفسنا وائتمنّاه على سرّنا، فهو على ما تحب، فضع عنده ما أحببت أن تضع فإنّه على ما تحب في جميع خصاله. فقرأ إبراهيم الكتاب، وفتّش أبا مسلم وساءله وناطقه فوجده كما وصفوا وأفضل، فأجابهم إبراهيم في حوائجهم وكتب جواب كتبهم: أمّا بعد، فقد قدم عليّ رسولكم، وقرأت كتابكم، وعلمت الّذي ذكرتم، وقد تخيّلت في رسولكم الخير، وتأمّلت فيه شمائل الّذي يقوم بهذا الأمر فاحتفظوا به، وارغبوا فيه فإنّه صاحبكم الّذي يقوم بهذا الأمر. فقدم [1] أبو مسلم بالكتاب على الشيعة بالكوفة، وأخرجوا من السجن، فكانوا ينظرون في هذا الأمر، ويأتيهم وفود أهل خراسان إذا حجّوا، ويأتونهم بالزكاة فيبعثون بها مع أبي مسلم، فخرج أبو مسلم إلى إبراهيم عدة مرار. ثم إنّ إبراهيم أحبّ أن يكون أبو مسلم عنده وأن يتّخذه لنفسه، فكتب إلى الشيعة بالكوفة: إني أحب [125 ب] أن تبعثوا إليّ رجلا من ثقاتكم، وأن تحبوني بأبي مسلم يكون عندي في خدمتي لأبعثه في حوائجي وأستعين [2] به في أمري، فأمر الشيعة أبا مسلم أن يقيم عنده، وكان ذلك موافقا لأبي مسلم، فأقام عند إبراهيم سنين لا يحسبه [3] من رآه إلا عبدا لإبراهيم. ثم قدم قوم من الشيعة على إبراهيم فسألوه أن

_ [1] الخبر من: «فقدم أبو مسلم بالكتاب على الشيعة بالكوفة ... (إلى) وهو صاحبكم الّذي يقوم بهذا الأمر» مكرر فحذفنا المكرر الزائد. [2] في النص المكرر «فاستعين» . [3] في الأصل: «ويحسبنه» ، وفي المكرر «لا يحسبه» وهو ما أثبتناه. وهذا النص المكرر يعطي فكرة عن أثر النسخ في نص الكتاب.

يبعث معهم رجلا يدعو الناس إلى هذا الأمر، فقال لهم إبراهيم: هذا الغلام يخرج معكم، ويدعو الناس، وهو صاحبكم الّذي يقوم بهذا الأمر، [126 أ] فبعثه إبراهيم إلى خراسان فتوجّه إليها غير مرّة حتى شاع ذكره. فبلغ ابن هبيرة، وهو يومئذ والي العراق: أنّ رجلا يختلف إلى خراسان يفسد أهلها، فبعث إلى أصحاب المسالح: أنّ رجلا من حاله كذا وكذا يمرّ بكم فتفقّدوه، وكتب إلى نصر بن سيّار يعلمه حاله ويأمره بالجدّ في طلبه. فتفقّد [1] أصحاب المسالح كلّ من مرّ [2] بهم، وفتشوا الناس، ومرّ أبو مسلم على حمار أسود أبتر الذنب، فلمّا انتهى إلى المسلحة التي في دسكرة [3] الملك حبس صاحب المسلحة الناس وفتّشهم وسأل عن أسمائهم، وأبو مسلم فيهم، فشغل الرجل الّذي كان يسألهم ويفتّشهم عن أبي مسلم، فانسلّ على حماره ولم يتفقّدوه، ومضى حتى أتى الري [4] . وكان أبو مسلم إذا قدم الري نزل على رجل من الشيعة يقال له عمر بن المختار الثقفي، وكان يكتم أمره بالري ولا يطلع أحدا على رأيه وكان بزازا [5] لصاحب حانوت، وكان صاحب حانوت سريا يجتمع إليه الناس من أهل الري وغيرها فيتحدثون عنده، فنزل به أبو مسلم وعنده ناس من المرجئة من أهل العراق وأهل الري فذكروا علي بن أبي طالب بقتل الناس وسفك الدماء، فلما سمع أبو

_ [1] في الأصل: «فتفقده» . [2] كررت «مر» في الأصل. [3] انظر معجم البلدان ج 2 ص 455، اليعقوبي- البلدان ص 270، ابن خرداذبه ص 6 وص 13. [4] انظر ياقوت ج 3 ص 116، ابن خرداذبه ص 22، الإصطخري ص 122 وما بعدها، واليعقوبي ص 275. [5] في الأصل: «ترارا» .

أخبار إبراهيم بن محمد بن علي الإمام

مسلم ذلك منهم غضب فردّ عليهم [126 ب] ردا قبيحا، فثاروا إليه ليضربوه، وتوعّدوه ليضربوه، فخلّصه عمر بن المختار منهم، وأدخله حانوته وأغلق عليه بابه، فلمّا كان الليل سار أبو مسلم إلى خراسان، فكان أبو مسلم يعرف ذلك لعمر بن المختار، فلما ظهر أبو مسلم بعث إلى عمر ابن المختار بعهده على الري فوليها ستة أشهر ثم عزله وأقدمه عليه. وهذا خبر آخر من أخبار أبي مسلم فيما حدّث به: أنّ أباه كان من علوج أصبهان، وكان في قرية في حيّز رجل من خزاعة، وكان جدّه أبو أمّه هو الّذي يعوله ويكفله حتى بلغ، وألحّ عليهم الخزاعي في خراجهم، فهربوا فلجئوا إلى حيّز إدريس ابن معقل العجليّ. وزعم عمر بن شبيب قال: قلت لأبي سلمة حيث اشترى أبا مسلم: إنّي لا أرى لهذا الغلام هيئة العبيد، قال: أمّا هو فقد أقرّ أنّه عبد لمن أباعه [1] منا وقد كنت استربت بشأنه [2] بعد شرائي إيّاه، فقلت لعاصم بن يونس: افحص لي عن صحة أمره. فلقيني فقال لي: قد سألت عيسى بن إدريس عن أمر الغلام فذكر أن الحاجة اضطرته إلى بيعه وأنّ أمره: أنّ رجلا نزل بنا من أهل اليمن يريد قزوين [3] غازيا ومعه جارية له، فشخص وخلّفها

_ [1] أباعه: أي عرضه للبيع. [2] في الأصل «اشتريت ثانه» . [3] انظر معجم البلدان ج 4 ص 322، اليعقوبي ص 271، والاصطخري ص 122 وهي على خط طول 16 36 شمال وخط عرض 01 50 شرق.

وبها حبل فانصرف رفقاؤه فذكروا أنّه مات بقزوين، ووضعت الجارية أبا مسلم، وماتت في نفاسها فدفعنا ولدها [127 أ] إلى أهل بيت من أكرتنا، فكان عندهم حتى أيفع وضممناه إلينا، فكان مع خدمنا حتى بلغ. وزعمت امرأة من أهلي: أنّ الجارية قالت لي قبل أن تلد أبا مسلم بثلاث ليال أو [1] أربع: إنّي رأيت كأنّي قد ولدت ولدا فنظرت فإذا هو عقاب فطار لا يمر بطائر إلّا ضربه وصرعة حتى كثر ما يلقي منها، وانتبهت. وزعم إبراهيم بن هشام بن راشد ابن أخي محمد بن راشد [2] قال: تذاكرنا أمر أبي مسلم ذات يوم فقلت لعيسى بن إدريس: أخبرنا عن أمر أبي مسلم وسببه ونسبه فإنّكم أعلم به من غيركم. قال: نعم خرج أبي إدريس بن معقل حاجّا فلمّا انصرف رافقه رجل من أهل اليمن ذو هيئة وسمت حسن، فألفه أبي وأنس به ولاطفه، وأقبلا حتى إذا شارفا الكوفة قال أبي: أين تريد، وما غايتك في سيرك هذا؟ قال: أريد الغزو والرباط بناحية الديلم، وأنا رجل من مذحج ممن يسكن السروات [3] باليمن، فقال له أبي: فنصطحب حتى نحاذي الثغر [4] . قال: فخرجنا ومع الرجل جارية له تخدمه، فلمّا صرنا إلى قرماسين مرض الرجل، فقلت له: امض معنا حتى نقوم [5] عليك فإذا سلّمك الله من مرضك شخصت إلى الرباط. قال: فمال معنا حتى أتيت منزلي، فأقام ومرّضناه حتى بريء من علّته وقد احتاج فقال: نفدت نفقتنا [6]

_ [1] في الأصل: «و» . [2] في كتاب التاريخ ص 261 أ «وزعم إبراهيم بن راشد أخو محمد بن راشد» . [3] انظر معجم البلدان ج 3 ص 25. [4] في الأصل «بالثغر» وما أثبتناه من كتاب التاريخ ص 261 أ. [5] في الأصل «حتى نقم» وفي كتاب التاريخ ص 261 أ «نقم» . [6] في ن. م.: «لقد نفدت نفقتي» ص 261 أ.

وقد احتجت إلى سبع مائة درهم فإن رأيت أن تحتالها لي وتكون هذه [127 ب] الجارية رهنا بها إلى أن أقضيك، فقلت له: خذ الدراهم ولا حاجة بنا إلى الجارية، فقال: وما حاجتي إلى الجارية في الثغر؟ فدعها تكون رهنا عندك بهذه الدراهم. قال: فأعطيناه سبع مائة درهم، وشخص في جماعة خرجوا إلى الرباط من أهل ناحيتنا، فلمّا ذهب ظهر بالجارية حمل [1] ، ولمّا رجع [2] أهل ناحيتنا من الغزو، ذكروا أنّ الرجل مات بالثغر، فاستمرّ حمل [1] المرأة فولدت أبا مسلم وماتت في نفاسها، فدفعناه إلى أهل بيت من خدمنا [3] فتولّوا تربيته ورضاعه وفطامه والقيام عليه حتى بلغ ولا يعرف غيرهم، وسمّوه [4] إبراهيم. قال عيسى: وكنّا نعرفه بكبر الهمّة ومرارة النفس والذهاب بنفسه إلى المعالي، وكان لنا معلّم يعلّم صبياننا يقال له عبد الرحمن بن مسلم، ويكنى أبا مسلم، فلمّا ترعرع تسمى باسم المعلّم واكتنى بكنيته، والله أعلم أي ذلك كان. وقد زعم بعض من ذكر حديثه: أنّه اعتزى إلى مراد، فوقعت المعرفة بين أبي مسلم وعاصم بن يونس العجليّ بذلك السبب، فأخبر عاصم أبا هاشم بحاله، فدعاه وعرض عليه الدعوة فقبلها وأجاب إليها، ولزم أبا هاشم وسعى في حوائجه إلى أبي سلمة وغيره وهو عندهم فيما يرون عبد لإدريس. فأمّا ما تذكر العامة فإنّه من ادّعى معرفته منهم ذكر أنّه من أبناء العلوج [128 أ] بأصبهان من قرية من قرى إدريس، صحبه بذلك السبب فكان يخدمه في الحبس، فلمّا صار الأمر إلى أبي سلمة دخل يوما الحبس، وقد ألحّ على

_ [1] في كتاب التاريخ ص 261 ب: «حبل» . [2] في الأصل: رجعوا. [3] ن. م. ص 261 ب: «علوجنا» . [4] في ن. م. ص 261 ب: «وكنا نسميه إبراهيم» .

إدريس في أداء نجمه [1] ، فقال لعاصم: هل من حيلة؟ فقال: تبيع من أرى من خدمك وتؤدي عن نفسك. قال: فاحتل لي، قال: هذا إبراهيم خادمك إن شئت بعناه، قال: قد شئت. فقال لأبي سلمة: هل لك في إبراهيم تشتريه فتفرج عن هذا الرجل؟ والغلام، بعد [2] ، ظريف عاقل قد عرف أمرك وحسنت نيّته عندك وفي دعوتك، وأنت لا تحتشم منه شيئا فيما توجّهه فيه. قال: بكم يباع؟ قال: خذه بما شئت. فاشتراه من إدريس بسبع مائة درهم، وأشهد عليه بذلك، ولم يزل يسمّى إبراهيم حتى صار إلى إبراهيم الإمام [3] ، وليس يشكّ في شرى أبي سلمة أبا مسلم. ثم إنّ أبا سلمة أجلسه في الصرف فرأى منه ذكاء فيه وحسن معرفة، ثم أشرك بينه وبين موسى السرّاج، وموسى من كبراء الشيعة، فقعد معه في السرّاجين، فأبصر عملهم وتزيّد في حسن النيّة في الدعوة، فصحب موسى وشخص معه إلى آمد وحرّان [4] . فزعمت بنو مسلية أنّ أبا سلمة لمّا رأى رسوخه في الدعوة أعتقه ووجّهه إلى إبراهيم في بعض أموره، فلمّا كلّمه إبراهيم قال له: من أنت؟ فخبّره أنّ أبا سلمة اشتراه، فصرفه إلى أبي سلمة. ثم قدم أبو سلمة على [128 ب] إبراهيم ومعه ألطاف وهدايا إليه من خراسان فرأى [5] أبا مسلم فقال له إبراهيم: من هذا الغلام؟ قال: غلام كنت ابتعته وحسنت نيّته في الدعوة،

_ [1] أي قسط الخراج. [2] في الأصل: «يعد» . [3] في أنساب الأشراف ج 3 ص 358 وص 235 (الرباط) : «ذكر بعض ولد قحطبة أنه كان عبدا للعجليين فأسلموه إلى أبي موسى فتعلم منه السراجة فابتيع للإمام بسبع مائة درهم وأهدي إليه، وإن اللذين أهدياه سليمان بن كثير ولاهز بن قريظ» . [4] انظر معجم البلدان ج 1 ص 235، ابن خرداذبه ص 73 وص 96، ابن رسته ص 106. [5] في الأصل: «برأي» .

خروج أبي سلمة إلى خراسان وأبي مسلم معه

فأعتقته، فقال إبراهيم: استوصوا به خيرا فإنّه مخيّل للخير. قال أبو سلمة [1] : إنّ الّذي دعاني إليه أنّ أخا لنا من الشيعة أخبرني أنّ إدريس بن معقل الأصبهان قال له [وأشار إلى أبي مسلم] [2] : إنّ هذا الّذي ترى قال لي وهو يومئذ غلام حدث: [أني] [2] رأيت [في النوم] [2] كأنّ الناس جمعوا لي في صحراء، وأتي بمنبر فصعدته وجعلت آمر فيهم وأنهم. وأخبرني هو أنّه رأى كأنّ بني أمية جمعوا له فذبحوا في طست فشرب من دمائهم حتى روي، وسقى من كان معه ما فضل من دمائهم. وانصرف أبو سلمة وقد أمره إبراهيم أن يأتي خراسان فمضى إليها. خروج أبي سلمة إلى خراسان وأبي مسلم معه قال: فمضى إلى خراسان وأبو مسلم معه خادما له، فعدل إلى جرجان، ونزل بأبي عامر، ولقيته الشيعة بها، فأمرهم بالاستعداد، وقال لهم: قد حضر أمركم فأعدّوا واستعدّوا، فإذا دخلت سنة ثلاثين ومائة فأظهروا دعوتكم وسوّدوا ثيابكم واشحذوا أسلحتكم ولا تنقلبوا إلى ظهور قبل ذلك إلّا أن يضطركم أمر فتذبوا [3] له عن أنفسكم، ودفع إليهم كتابا [129 أ] من إبراهيم يبشّرهم فيه بعلوّ كلمتهم ونصر الله إيّاهم، ويأمرهم فيه بالاجتماع والاستعداد إلى الوقت الّذي وقّته لهم. ثم شخص إلى مرو، ومرّ

_ [1] انظر كتاب التاريخ ص 261 ب- 262 أ. [2] زيادة من ن. م. ص 262 أ. [3] في الأصل: «فتذبون» .

على نسا [1] فلقي من بها من الشيعة فأمرهم بالاستعداد، ثم أتى أبيورد فأمر من بها من الشيعة بمثل ذلك، ثم نفذ إلى مرو، وأهلها على ما كانوا عليه في خنادقهم على العصبية، فلقيته الشيعة وقد كثروا وأظهروا بعض كلامهم، ورغب كثير من الناس في دعوتهم، ورهبهم من [2] كان يخالف عليهم فأمرهم بالجدّ ثم قال لهم: تأهبوا وتهيّئوا إلى رأس الثلاثين ومائة، ولا تظهروا شيئا إلّا أن تضطروا، فإن اضطررتم فائتلفوا واجتمعوا، وادفعوا عن أنفسكم إلى الوقت الّذي وقّت لكم إن شاء الله. وانصرف، ووكل بالشيعة سليمان بن كثير، وبعث أبا مسلم إلى بلخ فلقي زياد بن صالح ومن بها من دعاته ثم انصرف إليه، فشخص أبو سلمة منصرفا إلى العراق، فقدم الكوفة وقد غلب عليها الضحاك بن قيس الحروري، ولم يلبث أن قدم عليه إبراهيم ابن سلمة رسولا لإبراهيم الإمام يأمره بالشخوص إليه فتهيّأ لذلك، ثم شخص ومعه أبو مسلم، وقد حمل مالا من خراسان فدفعه إلى إبراهيم. وجعل أبو مسلم يتردد في إيصال المال، فازداد إبراهيم به إعجابا فقال: يا أبا سلمة فتاك [129 ب] هذا قد أعجبني، فتجاف لنا عنه. فقال: نحن وما نملك لك، فشأنك به، ولقلّ من علم بعتقي له، وهو يصلح لما تريد في نيّته في مودتكم، وهو يعقل، فلقلّ شيء كنت أوجّهه فيه إلا رأيت منه ما أحب، وقد عرفته الشيعة وعرفهم [3] . قال: فقبله إبراهيم وأكرمه وألزمه خدمته أيام أبو سلمة مقيم عنده، وقال له: تغيّر اسمك، قال: كنت أسمّى بعبد الرحمن وأكنى بأبي مسلم، قال: فذاك اسمك وكنيتك.

_ [1] انظر معجم البلدان ج 5 ص 282، الإصطخري ص 154، اليعقوبي ص 278. [2] في الأصل: «ممن» . [3] في الأصل: «وعرفتهم» .

فذكر محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عبّاس قال: شهدت إبراهيم حيث أعتق أبا مسلم. وانصرف أبو سلمة، وتابع بالكتب إلى سليمان بن كثير وأصحابه بخراسان في الاستعداد والإكماش [1] ، واختلف أبو مسلم في ذلك مرة بعد أخرى، ثم إنّ إبراهيم وجّهه إلى خراسان، فكتب معه إلى شيعته كتابا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم صدق وعد الله لأوليائه، وحقّت كلمة الله على أعدائه، ولا تبديل لكلمات الله، ولن يخلف الله الميعاد. إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد للَّه رب العالمين [2] . أمّا بعد، فأعدوا لأعداء الله النيّات فإنّها سيوف لا تفلّ، وأعدّوا لأعداء الله البصائر فإنّها جنن يقيكم الله بها بأسهم، واستشعروا [130 أ] الطاعة فإنّها سهام لا تطيش، واعلموا أنّ بحسب السلامة في النيات تكون السلامة في الأبدان من نكبات الظالمين، وعلى قدر الزيادة في البصائر يزيد الله أهلها في الأيد والبطش، فاستبصروا اليقين، وعلى الله فتوكّلوا إن كنتم مؤمنين. أمّا بعد، فقد وجّهت إليكم مجد الدهر عبد الرحمن بن مسلم مولاي، فألقوا إليه أزمّة أموركم، وحمّلوه أعباء الورد لها والصدر في محاربة عدوّكم، وعاهدوا الله على الطاعة، وكونوا بحبله معتصمين، وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ من قَبْلِهِمْ، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ من بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً، يَعْبُدُونَنِي 24: 55

_ [1] أي الإسراع. [2] انظر الطبري س 2 ص 1937.

لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً، وَمن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ 24: 55 [1] . وأمر إبراهيم أبا مسلم بمكاتبة أبي سلمة، وأمر أبا سلمة بالمقام بالكوفة، وجعل إبراهيم إلى أبي مسلم إن هو ظهر ولاية خراسان وسجستان وكرمان وجرجان وقومس والري وأصبهان وهمدان، وجعل ولاية أبي سلمة ما دون عقبة همدان من أرض العراق فالجزيرة فالشام. فشخص أبو مسلم حتى دخل مرو في سنة تسع وعشرين ومائة، فنزل على أبي النجم واجتمع النقباء ورجال الشيعة في منزل سليمان [130 ب] بن كثير، فأتاهم أبو مسلم فوضع كتاب إبراهيم نصب أعينهم وقال: هذا كتاب إمامكم ومولاكم. فقال سليمان ابن كثير: أحسبك والله قد جئت بها دويهية [2] صمّاء، يا أبا منصور [3] ! افضض الخاتم واقرأ علينا كتاب إمامنا، وكان أبو منصور طلحة [4] بن زريق هو الّذي يتولى قراءة كتب الإمام على الشيعة ويكتب الجواب بخطّه. فقرأ أبو منصور الكتاب، فقال سليمان: صلينا بمكروه هذا الأمر، واستشعرنا الخوف، واكتحلنا السهر حتى قطعت فيه الأيدي والأرجل، وبريت فيه الألسن حزّا بالشفار، وسملت الأعين [5] ، وابتلينا بأنواع المثلات، وكان الضرب والحبس في السجون من أيسر ما نزل بنا، فلمّا تنسّمنا روح الحياة، وانفسحت [6] أبصارنا، وأينعت ثمار غراسنا طرأ علينا هذا المجهول الّذي لا

_ [1] سورة النور، الآية 55. [2] في الأصل «ذو بهية» ، و «دويهية» تصغير داهية. [3] في الأصل، وفي كتاب التاريخ ص 262 ب «يا منصور» ، و «أبو منصور» كنية طلحة بن زريق. الطبري س 2 ص 1969، والجاحظ- مناقب الترك، رسائل الجاحظ، ج 1 ص 22، والأزدي ص 26، وانظر ص 216 من هذا الكتاب. [4] في الأصل: «أبو منصور وطلحة بن زريق» . [5] يضيف كتاب التاريخ ص 262 ب «وقطعت الألسن» . [6] في ن. م. ص 262 ب: «وانفتحت» .

حديث سليمان بن كثير مع أبي مسلم

يدرى [1] أيّة [2] بيضة تفلّقت عن رأسه ولا من أي عشّ درج، والله لقد عرفت الدعوة من قبل أن يخلق هذا في بطن أمّه. اكتب يا أبا منصور بما تسمع [3] إلى الإمام، فقال أبو منصور: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير، أنا والله أول من سلّم لأمر الإمام وسمع وأطاع. وتكلّم أبو داود خالد بن إبراهيم وغيره ممن حضر فقالوا لسليمان: يا أبا محمد! إن كنت مؤتما بطاعة إمامك فقلّده شرائع الدين، [131 أ] واسمع له وأطع فيما وافقك أو خالف هواك. ومدّ أبو مسلم يده إلى كتاب إبراهيم ليأخذه. حديث سليمان بن كثير مع أبي مسلم ولمّا مدّ أبو مسلم يده إلى كتاب إبراهيم ليأخذه حذفه سليمان بن كثير بالدواة فشجّه [4] ، فسال الدم على وجهه، وقذفه بشير بن كثير أخو سليمان. فقام أبو مسلم عن المجلس وهو يقول: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبيّنات من إمامكم [5] ؟ ونهض مع أبي مسلم من المجلس ناجية ابن أثيلة الباهلي ومحمد بن علوان المروزي فجعلا يغسلان الدم عن وجهه وهو

_ [1] في ن. م. ص 263 أ: «لا ندري» . [2] في الأصل «إنّه» وفي كتاب التاريخ ص 263 أ «أي» . [3] في الأصل: «نسمع» وما أثبتناه من كتاب التاريخ 263 أ. [4] في كتاب التاريخ ص 263 أ «فشج جبينه» . [5] نص الآية الكريمة التي اقتبس منها أبو مسلم قوله «وَقال رَجُلٌ مُؤْمِنٌ من آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ الله وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ من رَبِّكُمْ» 40: 28. الآية، سورة غافر الآية 28.

يقول: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ 6: 67 [1] ، وشقّ محمد بن علوان من أسفل ثيابه عصابة فعصّب بها رأس أبي مسلم. وافترق القوم عن مجلسهم مختلفين، فكانت النقباء تحب أن تضع من أبّهة سليمان بن كثير، وكان أن يترأس عليهم أجنبي ليس منهم أروح عليهم وأوفق لهم، فاجتمعت الكلمة من الشيعة على ترئيس أبي مسلم، وخذلوا سليمان بن كثير، وأفردوه. ومضى أبو مسلم من مجلسه ذلك حتى نزل منزل أبي داود في قريته من ربع خرقان [2] ، واجتمعت إليه النقباء والشيعة فبايعوه [3] ورأسوه، واضطر سليمان إلى اتّباع إخوانه [131 ب] وأصحابه فسمع وأطاع لأبي مسلم على الكره منه، واستقامت لأبي مسلم طاعة الشيعة بخراسان وانقادوا له. ثمّ إنّ أبا مسلم راجع سليمان بن كثير وأعلمه بما أتاه وأقرأه ما كتب به إليه، وكان فيما كتب به إليه: إن قبل سليمان بن كثير القيام بأمر الدعوة ونصب نفسه لذلك فسلم له، وإن كره قبول القيام فلا [4] تعصينّ لسليمان أمرا، وقدّمه في جميع ما تدبّرون. فلمّا قرأ سليمان ذلك قال: إنّي والله ما كرهت القيام ألّا أكون أضعف الناس فيه نيّة، ولكني أخاف اختلاف أصحابي ونحن نداري ما نداري، وأنا يدك وصاحبك الّذي لا يخذلك ولا يغشّك ما لم تخالفنا وتعمل ما يوهن أمرنا، قال أبو مسلم: أحسن بي الظن فلأنا أطوع لك من يمينك. قال: فشأنك، ابعث إلى الدعاة بخراسان فيما حولك فيأتيك من قدر على ذلك، واكتب إلى من في الكور فليتأهبوا ويستعدوا. فبثّ أبو مسلم الرسل

_ [1] سورة الانعام، الآية 67. [2] في الأصل «ربع خرقأر» وفي كتاب التاريخ ص 263 ب «خرفان» . انظر الطبري س 2 ص 1953. [3] انظر الطبري س 2 ص 1937 وص 1952 وما بعدها. [4] في الأصل «ولا» .

ظهور أبي مسلم بخراسان

فيما يلي مرو، وكتب إلى من في الكور يأمرهم بالاستعداد للمحرم سنة ثلاثين ومائة، فإن نازعهم أحد أظهروا أمرهم وحاربوا من حاربهم. وبعث سليمان إلى رؤساء الشيعة، وسليمان يومئذ صاحبهم والمنظور إليه منهم، فخبّرهم بما كتب إلى أبي مسلم، وإنّ الرأي ما أمروا به من نصبه لأمرهم وقال لهم ننصبه وندبّر [132 أ] الأمر له، فذاك أرهب عند عدونا وأشدّ لهيبتهم له وإعظامهم أمره، فاتّسقوا واتفقوا على ذلك. ظهور أبي مسلم بخراسان فلمّا ارتضوا بأبي مسلم قال سليمان: انظروا في الموضع الّذي تبتدئون بإظهار أمركم فيه. فقال أبو النجم وعدّة وافقوه على رأيه: نرى أن يكون أول ظهور أمرنا بخوارزم، فإنّها بلاد منقطعة عن نصر، فإلى أن يرسل إلينا عسكره يكون قد تسامع بنا إخواننا فيأتونا ويكثر جمعنا فنقوى على من يأتينا. قال موسى بن كعب ولاهز: مروالروذ فإنّها متوسطة بين مرو وبلخ، وقال مالك بن الهيثم والعلاء بن حريث وطلحة بن زريق: فإنّ بها خلقا كثيرا من إخواننا، وبها السلطان قد وهن أمره، وبمن نقاتله يقوينا عليه ويقوى بنا عليه، ومتى يقو بها أمرنا يقو في غيرها. فبلغنا أنّ أبا مسلم قال لسليمان ابن كثير: ما تقول يا أبا محمد؟ قال: ما أرى إلّا كما قال، فإن قوتنا بها أعظم وعدوّنا أضعف، وكامل ساكت، قال أبو مسلم: ما تقول يا أبا صالح؟ قال: إذا اجتثّ الأصل فلا بقاء للفرع، إذا [1] ظهرتم بغير مرو

_ [1] في الأصل: «إذ» والمعنى يقتضي ما أثبتنا.

تفرّغ لكم سلطانكم وساعده عدوّه عليكم. فقال أبو مسلم: قلت الحق يا أبا صالح والرأي أن نظهر بمرو، فأطبقوا [132 ب] على ذلك ورضوا به [1] . وأمرهم أبو مسلم بلقاء إخوانهم والبعثة إليهم ليجتمعوا ويقيموا بموضعهم إلى دخول المحرّم. وكان الّذي دعا أبا مسلم ودعا سليمان إلى الاجتماع أنّه بلغهم أنّ نصرا قد أجمع على البعثة إليهم والتقاطهم قبل خروجهم، وكان الّذي أشار عليه بذلك سلم بن أحوز فقال له: بادر القوم وهم متفرقون تقو عليهم بجماعتك قبل أن يتألفوا فترومهم فيمتنعوا عليك. فتفرقت الدعاة الذين حضروا رأي أبي مسلم، فلقيت الشيعة، وبعثت الرسل إليهم ليجتمعوا، فأقبل الناس إليهم وأبو مسلم بشنفير [2] ، قرية سليمان بن كثير، وقد تأشب إليه طوائف من قصور اليقازم [3] ، منهم علقمة بن حكيم والعلاء بن سالم [4] في زهاء سبع مائة رجل، وهم متفرقون في قصور خزاعة، وعظمهم بشنفير. وكان أول من وافى أبا مسلم رجال خزاعة لقربهم منه، فانضم إليه منهم خمسة وعشرون رجلا، ومن طي ستة رجال ومن تميم اثنا عشر رجلا ومن النقباء والشيعة أحد وثلاثون رجلا، وتسامعت الشيعة بالخبر فأقبلت إليه من كل وجه من رساتيق مرو، وتحدّث الناس باجتماعهم فكثر سوادهم عند أبي مسلم. وكان أول

_ [1] انظر كتاب التاريخ ص 263 ب. [2] في الأصل: بستقير، ثم سنفير، انظر ص 276. وقرية سليمان بن كثير هي «سفيذنج» كما في الطبري س 2 ص 1953، وسيفذنج كما في العيون والحدائق ج 3 ص 186. ويذكر ياقوت أن سيفذنج قرية تبعد عن مرو بأربعة فراسخ، معجم البلدان ج 3 ص 298. وقد أبقينا «شنفير» رغم عدم ورود الاسم في ياقوت، ولعل اللفظة محلية. [3] في كتاب التاريخ ص 263 ب: «النقادم» وقد أخذ محقق الطبري ب «السقادم» مع ورود صيغ أخرى مثل التقادم. انظر الطبري س 2 ص 1862 وص 1955 وص 1968. [4] في كتاب التاريخ ص 263 «سامع» .

من أتى أبا مسلم في السواد حية بن عبد الله المرئي [1] ، فقال له أبو مسلم: أنت أول من أتانا في السواد [133 أ] فلك أول صافية نستصفيها [2] ، فكان أول ما [3] استصفى قصر نصر بن سيار الّذي على باب دروازق سرخس فأقطعه حيّة، فهو اليوم يعرف بقصر حيّة. وبلغ نصر بن سيّار اجتماع الشيعة وهو مشتغل بمحاربة علي بن الكرماني، فجمع ثقاته فشاورهم فيما بلغه عن أهل الدعوة، فأجمع رأيهم على أن يبعث إلى قرى خزاعة ومن لجأ إليها من أهل الدعوة فيبيّتهم ويأخذ رجالهم ورؤساءهم قبل أن يتفاقم أمرهم، فقال لهم سلم بن أحوز: كان هذا الرأي يوم أشرت عليكم أقوى، ولم يفتكم بعد. فلمّا اتّسقوا على ذلك قال لهم عقيل بن معقل: إن فعلتم ذلك خالفتكم أحياء اليمن ورأوا أنكم تريدون هضمهم وإذلالهم بدخولكم عليهم في منازلهم، ولا آمن أن يدعوهم ذلك إلى أن يدخلوا فيما دخل فيه القوم، ويسوّدوا كما سوّدوا، ولكني أرى أن تناظرهم وتبعث إليهم، فإن سهّلوا لكم الإقدام عليهم أقدمتم عليهم، وإن منعوكم عملتم على قدر ذلك، وما أهون شوكة هؤلاء إن كفّت عنهم اليمن وربيعة. فبلغنا أنّ عاصم بن عمير السمرقندي قال لهم: لا يجيبكم والله ابن الكرماني إلى إسلامهم، والحيلة بينكم وبينهم أبدا، فانقضى المجلس على ذلك ولم يبرموا فيه رأيا. وبلغ ما كان من ناحيتهم فيما [133 ب] أرادوا به أبا مسلم ومن معه، فلقي سليمان بن كثير فشاوره في ذلك، فقال: أرى أن تبادر القوم قبل أن يبادروك، وتكاثرهم قبل أن يكاثروك، فإنّ أيسر مالك عند ابني

_ [1] انظر أنساب الأشراف ج 11 ص 487 وجمهرة أنساب العرب ص 214. وانظر ص 217 من هذا الكتاب. [2] في الأصل: «تستصيغها» والتصويب في كتاب التاريخ 264 أ. [3] في الأصل: «من» .

الكرماني أن يكفّا عنك ولا يعينا عليك، ولعلهما سيميلان إليك أن لطّفت لهما، واجمع إخواننا فإنّه لا يستقيم الإقدام على منافرة القوم إلّا بعد مناظرتهم في ذلك، فبعث إليهم فاجتمعوا فخبّرهم بما انتهى إليه عن نصر، وما رأى من المبادرة بالظهور قبل استحكام مكيدة عليهم، فوافقه القوم على ذلك، ونشطوا له، واتّعدوا لإظهار أمرهم يوم الفطر من سنة تسع وعشرين ومائة، فاستعدّ القوم لذلك. وإنّهم كذلك إذ خرج الحسن بن يزيد العنبري رأس بني تميم إلى جوسق له بقرية خرق [1] ومعه يعقوب الأعسر في خيل بني تميم، فجلس على دكّان له حتى أظلم الليل، وأمر بنار فأجّجت فسطع شهابها وأصحابه جلوس معه، فرأى ذلك أهل شنفير فظنّوا أنها نار رفعها الحسن لموعد بينه وبين بني تميم يجتمعون لها، فأمر أبو مسلم فرفعت من الموضع الّذي كان فيه بشنفير نار، فاجتمع إليهم من كان في قرى خزاعة وغيرها ممن عرف أمرهم ومن لم يعرفه، فأمّا من عرفه فلدعوتهم، وأمّا من لم يعرفه فاجتمعوا لمنع أبي مسلم [134 أ] إذ حلّ بينهم وفي جوارهم، والدفع عن حرمتهم. وبعث سليمان من تعرّف لهم قصّة النار وسبب رفعها، فانصرف رسوله فخبّره أنّها نار أجّجت ليصطلوا بها ويستضيئوا بها، وليست لشيء ممّا ظنّوا. وأصبحوا على ذلك، فلمّا تيقّنوا الخبر أرادوا التفرّق والكفّ لما كانوا وقّتوا وواعدوا عليه إخوانهم من الظهور في يوم الفطر، فقال لهم كامل بن المظفّر: إنّ ما كان مستترا من أمرهم قد انكشف بما كان منكم في هذه الليلة، ولا ينتصف النهار حتى يشيع ذلك، ويبلغ نصرا وغير نصر وتسير به الركبان، فأنتم الآن من أهمّ الأمور إلى نصر وأعظمها بليّة عليه في نفسه ولم يأل [2] عن قمعكم فإن تفرّقتم انتهز ذلك منكم

_ [1] خرق، قرية كبيرة بمرو. معجم البلدان ج 2 ص 160. [2] في الأصل: «ولم يألوا» .

وركبكم على تفرقكم، وكنتم له نهزة الخاطف، وإن ثبتّم على اجتماعكم هاب القوم الإقدام عليكم ونزع إليكم أهل رأيكم وغيرهم ممن يسعى على نصر بما يكره، وإنّي لأرجو أن يكون ما قضى الله من اجتماعكم شيئا قويّا لعزّكم وقوّتكم. وقال سليمان بن كثير: صدق والله أبو صالح، والله ما تفرّق قوم بعد اجتماعهم إلّا ذلّوا وأكلوا، وقد رأيتم عند هذه الفزعة ما سرّكم من الكثرة والقوّة، فقال أبو مسلم: الرأي والله يا أبا محمد ما رأيتما، واتّفق القوم على [134 ب] ذلك، فلمّا أصبحوا، وذلك يوم الخميس لخمس بقين من شهر رمضان سنة تسع وعشرين ومائة عسكر بهم أبو مسلم في حائط حصين لسليمان، وفشا خبرهم فأقبلت الشيعة من كلّ وجه. وقدمت الدعاة بمن [1] أجابهم من إخوانهم فلم يمسوا يومهم ذلك حتى صاروا نحوا من الفين، وصبّحهم من الغد مثلهم، وتتابع الناس إليهم، فأتاهم عيسى بن شبل [2] وأبو الوضاح وأبو قرّة في نحو من ألف رجل، فأفطروا وقد كثر جمعهم، وسوّدوا ثيابهم، ونصبوا أعلامهم، ونشروا راياتهم، فصلّى بهم سليمان بن كثير يوم العيد، وهي أول جماعة كانت لأهل الدعوة. فبينما هم على ذلك إذ قدم على أبي مسلم كتاب من أبي سلمة: متى ظهرت فلا تعدلن بأن تخندق على نفسك ومن معك فإنّ ذلك رأي الإمام، وفيه عزّك، وسينزع إليك أعداء نصر ومن حاربه ليتعززوا بك، ودافع الحرب ما استطعت، وقدّم وأخّر، ولا توحش نصرا منك إلى دخول المحرّم. فأقام أبو مسلم بمعسكره اثنين وأربعين يوما، وبعث عمرو بن أعين وأبا داود إلى طخارستان [3] لما أمر من بها من الشيعة بالاستعداد إلى أن

_ [1] في الأصل: «من» . [2] انظر ص 217 و 222 من هذا الكتاب. [3] انظر الطبري س 2 ص 1953. وعن طخارستان، انظر معجم البلدان ج 4 ص 23.

يأتيهم رأيه فإن بسط أحد إليهم يده بمكروه امتنعوا وقاتلوا. وأتاه على بقية ذلك كتاب أسيد يخبره بما سار إليه [135 أ] من محاربة عاصم بن قيس بنسا، فوجّه إليهم موسى بن كعب ليقوم بمحاربة من بنسا وأعدائهم، ويذبّ عن الشيعة، ووجّه النضر بن صبح إلى مروالروذ في مثل ذلك. وقد توجّه العلاء بن حريث قبل ذلك، حيث أجمع رأيهم على أن يعسكر بشنفير ويوجّه إلى نواحيه التي كان يدعو فيها من خوارزم وآمل [1] ومن بخارى [2] والسّغد، وكتب إليه أبو مسلم بالعمل فيما يليه بما يرى، ويتوقّى أن يناجز عدوّه إلى دخول المحرّم. وأتاه ظهور أهل الطالقان قبل قدوم أبي داود وعمرو بن أعين عليهم، فزاد ذلك في قوته، وكان ظهور أهل نسا والطالقان ومروالروذ وآمل ونواحيها قريبا [3] بعضه من بعض. ثم إنّ سليمان بن كثير وعدة ممن كان يغزو مغازي خراسان وصحّت تجاربه في الحرب تناظروا فيما بينهم فرأوا أن يخندقوا على أنفسهم، ولقوا أبا مسلم فأشاروا عليه بذلك، فقال لهم: هو الرأي وقد أمرنا به. فركب سليمان بن كثير وأبو مسلم فارتادا موضع خندق بشنفير، فلم يجدا [4] موضعا أوفق لهما من الماخوان [5]- قرية خالد بن عثمان بن مسعود- فخندق أبو مسلم بها خندقا حصينا وتحوّل إليه يوم الخميس لثماني ليال خلون من ذي

_ [1] معجم البلدان ج 1 ص 57، ابن خرداذبه ص 33، الإصطخري 157 وهي على خط طول 26 36 شمال وخط عرض 24 52 شرق. [2] معجم البلدان ج 1 ص 353، ابن خرداذبه ص 38، اليعقوبي ص 392، الإصطخري 171 وهي على خط طول 47 47 39 شمال وخط عرض 26 64 شرق. [3] في الأصل: «قريب» . [4] في الأصل: «يجدوا» . [5] الماخوان: قرية كبيرة من قرى مرو. معجم البلدان ج 5 ص 33.

القعدة. وأمر محرز بن إبراهيم- وكان عظيم القدر في الدعوة، شديد الاجتهاد في [135 ب] الدعاء إليها، مشهورا بذلك- أن يعسكر بقرية يقال لها جيرنج [1] بأعلى مرو وفيما يلي طريق مروالروذ وتلك الكور ليأمن بمكانه من يأتيه من أهل تلك الناحية ويكون ممن بمرو رسله عليه، فلم يزل محرز هناك مقيما في نحو من ألف رجل حتى دخل أبو مسلم الحائط بمرو، وغلب عليها وعسكر بباب سرخس، فانضم إليه محرز عند ذلك. ولمّا تحوّل إلى خندق الماخوان تحوّل وقد كثر جمعهم، وأبو صالح يدبّر الأمور ويلي أمر مكائدهم ويكتب كتبهم، وإليه تجتمع الأموال والغنائم وقسمتها، وإليه إعطاء الجند، وهو صاحب سرّهم. وقد ذكروا أنّ أسلم بن صبيح كان على الرسائل، فاجتمعوا يوما لينظروا في شيء من أمورهم فأرادوا أن يرسلوا في شيء اتّفقوا عليه فلم يجدوا بحضرتهم أحدا، فقال سليمان بن كثير: هذا وهن، أرى أن ننتخب عدة رجال يكونون حرسا أو أشباه حرس، يحفظون أبا مسلم، فإن احتجنا إلى من نرسله أو نوجّهه في بعض أمورنا تناولنا ذلك منهم، وكانوا حفظة لما يرد علينا من الأموال والغنائم، وننتخب رجلا يقوم بأمر عسكرنا يذبّ عنه ويحكم بين أهله وينفي أهل الريب منه. فقبلوا ذلك منه [2] واتّفقوا عليه، فرأوا أن ولّوا [3] أبا نصر مالك بن الهيثم أمر العسكر [136 أ] كهيئة صاحب الشرط، وجعلوا نصر بن مالك خليفته يسير بين يدي أبي مسلم إذا

_ [1] في الأصل: «حيرنج» . انظر الطبري س 2 ص 1956، ومعجم البلدان ج 2 ص 199، والإصطخري ص 149. [2] انظر كتاب التاريخ ص 264 ب. [3] في الأصل، وفي كتاب التاريخ ص 264 ب «ان وهرا» .

ركب، وولّوا الحرس أبا إسحاق خالد بن عثمان، وولّوا القاسم [1] بن مجاشع القضاء، فكان يصلّي بأبي مسلم ومن معه طول مقامه بالخندق ويقصّ [2] بعد العصر ويذكر جور بني أميّة ومعايبهم وفضل بني هاشم وحقهم، وانتخبوا سبعين رجلا، فكانوا في ذلك حتى قدم على أبي مسلم عمرو بن أعين في أهل الطالقان فكثرت جماعته فزاد في حرسه وصيّر منهم أهل النجدة والقوة وأهل البصائر، فلم يزالوا على ذلك حتى كان من أمره ما كان. وركب أبو مسلم ذات يوم ومعه سليمان بن كثير وكامل وأبو إسحاق ولاهز والقاسم ابن مجاشع، فخرج من الخندق، فسار قليلا ثم وقف، فبينا هو واقف إذ أقبل رجل بيده عصا يريد الخندق، فسار قليلا ثم وقف، فلما نظر إليه أبو مسلم دعاه، فقال: من أنت؟ وما تريد؟ قال: أنا غلام لعاصم بن عمرو السمرقندي، جئتكم راغبا في دعوتكم. فقال له أبو مسلم: أمسلم أنت؟ قال: نعم. قال: اتبعنا إلى الخندق. ورجع إلى الخندق فجمع رؤساء الشيعة ووجوههم يومئذ، فقال: إنّ الله جعل دعوتكم [3] أمنا وعزّا لمن لجأ إليها، فمن دخلها من حرّ أو عبد فقد وجب حقّه عليكم إذ صارت يده مع أيديكم وصحت حرمته [136 ب] وإنّ هذا الرجل ذكر أنّه عبد لعاصم، أقبل إليكم ناصرا لكم، راغبا في دعوتكم، فقد وجب حقّه بذلك عليكم، وقد أعتقه الله الّذي هو أولى به من عاصم، وأيّما عبد أتانا راغبا في أمرنا قبلناه، وكان له ما لنا وعليه ما علينا، فصوّب من حضره رأيه في ذلك.

_ [1] انظر ص 217 من هذا الكتاب. [2] في الأصل «ويقضي» ، والتصويب من كتاب التاريخ ص 264 ب، وانظر الطبري س 2 ص 1968. [3] في كتاب التاريخ ص 264 ب «دولتكم» .

ووافقهم نزوع [1] العبيد من عسكر عدوّهم، وانتشر ذلك وتحدّث به بمرو في عسكر نصر وعلي بن الكرماني. وكان مصعب بن قيس داعية العبيد، لم يكن يدعو غيرهم، وأقبلت العبيد تأتي أبا مسلم وتنزع إليه، فلمّا كثروا صيّر لهم موضعا في خندقه على حدة، وولّى عليهم داود بن كرّاز [2] . وجعل الرجل بعد الرجل يأتي أبا مسلم فيقول: غلامي هرب إليك، فلمّا رأى كثرة من يأتيه منهم وشكواهم من مواليهم أمر فنودي أنّ الأمير يأمركم أن ترجعوا إلى مواليكم، فأتاه قائدهم أبو سعيد، وقالوا أبو شراحيل، فقال: إنّ المنادي نادى بأن ترجع العبيد إلى مواليهم، وكيف يرجعون إليهم وقد خالفوهم وأسخطوهم في حبّ آل محمد، قال الله عزّ وجل: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ من أَنْفُسِهِمْ 33: 6 [3] ، فرجعوا إلى خندقهم، ولما كثر عليه في أمرهم وجّههم إلى موسى بن كعب [4] ، فكانوا أول جند أمدّ به أهل أبيورد ونسا. فما زال عسكره يزداد بكل وجه ويقوى وتجيئه الناس وقد كفّ [137 أ] عن القتال وفتح الله عليه كثيرا من البلاد بالصبر والدعاء والمداراة خمسة أشهر، لم يقاتل فيها. فلما أهلّ بهلال المحرّم من سنة ثلاثين ومائة وهو في نحو من عشر آلاف رجل، كان [5] ما ظهر من أمر الدعوة أثقل على نصر بن سيّار من حرب علي وشيبان. فبلغنا أنّه بعث إلى أبي مسلم رجلا من بني ليث ورجلا من باهلة يسألانه عن حاله ودعوته وسبب خروجه، فبعث أبو مسلم إلى سليمان بن كثير ووجوه من معه، فلمّا حضروه قال لهم: إنّ هذين

_ [1] في الأصل: «نزوغ» والتصويب من كتاب التاريخ ص 65 أ. [2] انظر الطبري س 2 ص 1968- 1969. [3] سورة الأحزاب، الآية 6. [4] انظر ص 216. [5] في الأصل: «وكان» .

أتياني برسالة نصر، فكرهت أن أسمع منهما أو أجيبهما بشيء حتى تحضروا ذلك. وقد حضرهم وقت الصلاة، فأذّن المؤذن، فقام أسلم [1] بن أبي سلام فقال له أبو مسلم: أين؟ قال: أتوضأ وأعود، فقال لرسولي [2] نصر: ونحن نريد ذلك، فإن شئتما فأقيما حتى نفرغ من أمر صلاتنا، وإن كانت بكما حاجة إلى الوضوء فامضيا مع أسلم حتى تقضيا حاجتكما ثم تنصرفا [3] معه، ونتفرغ فيما جئتما له. فنهضا مع أسلم إلى منزله، فقال أحدهما: والله ما كنّا نحسبكم تصلّون، فقال أسلم: ومن يقيم الصلاة لحقها غيرنا؟ ألستما تعرفانني قبل اليوم؟ قالا: بلى. قال: أفتريانني كنت خارجا من الإيمان داخلا في الكفر؟ لا تغترّا بأقاويل من يشنّع علينا فو الله إن أصبح الحق في شيء من المواطن يدار به إلّا في موضعنا هذا الّذي نحن فيه [137 ب] فلا تغبنا حظكما منه. فتوضّأ ودعا لهما بوضوء فتوضّيا وصلّيا، ثم دعوا بهما إلى أبي مسلم فدخلا عليه وهو يصلي، فكبّرا وجلسا، ونظر أحدهما إلى سنّور يتردد في البيت فكبّر. فلما فرغ أبو مسلم من صلاته قال لهما: لم كبّرتما؟ قال أحدهما: كان يقال لنا إنّكم لا تصلّون وإنّكم تعبدون السنانير، فلمّا رأيناك تصلي ورأينا السنّور [مهينا لديكم] [4] علمنا أنّ ما قيل فيكم باطل. فلمّا تتامّ إلى أبي مسلم وجوه أصحابه قال لرسولي نصر: قولا ما أحببتما. قالا: ونحن آمنان؟ قال: نعم. فقالا له: من أنت؟ فهو أوّل ما أمرنا به أن نسألك عنه. فقال: أنا عبد الرحمن بن مسلم. فقالا له: فما دعوتك؟ فقال: إلى كتاب الله وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وإلى

_ [1] في الأصل: «سلم» . [2] في الأصل: «لرسول» . [3] في الأصل: «تنصرفان» . [4] زيادة من كتاب التاريخ ص 265 ب.

الرضا من آل رسوله [1] . قالا له: فمن بعثك بهذا؟ قال: إمام قد افترضت طاعته. قالا: فمن يعلم بذلك؟ قال جميع من بحضرته [2] : نحن نعلم ذلك. فقالا: ومن أين علمتموه؟ قالوا: أتاه أكثر من يرى [3] ولقوة. قالا: فدلّونا عليه حتى نلقاه فإذا صحّ ما ذكرتم من أمره دخلنا [4] في مثل ما دخلتم فيه، وكنّا وأنتم يدا على من خالفنا. فقال أبو مسلم: إن أجبتمانا ووثقتما له وأعطيتمانا ما نطمئنّ إليه منكما جمعنا بينكما وبينه [5] ، فأمّا أن ندلّكما على صاحبنا وأنتما مقيمان على باطلكما فلا. وزعم أسلم بن صبيح قال: قالا له يومئذ ممن أنت؟ [138 أ] قال: أنا امرؤ [6] من المسلمين لا أعتزي إلى قبيل دون قبيل، ولقد هلك أبي في غير بلده، وجرت عليّ نعم لغير واحد، قد قال فيها قائلون، غير أنّ نسبي الإسلام، ونصري لآل محمد، وإنّي لصحيح المركب فيمن [7] أنا فيه. فانصرف رسولا نصر بذلك وقالا له: نظنّك والله قد رميت بالداهية الكبرى، فانظر لنفسك أو دع.

_ [1] في ن. م. «من آل محمد» . [2] في ن. م. ص 265 ب: «من حضر» . [3] في ن. م. ص 265 ب «ترى» . [4] في الأصل «ودخلنا» والتصويب من كتاب التاريخ ص 265 ب. [5] انظر ن. م. ص 265 ب. [6] في الأصل: «امرئ» . [7] هكذا، ولعلها «فيما» .

مراسلة نصر بن سيار أبا مسلم

مراسلة نصر بن سيار أبا مسلم قال نصر: عودا إليه وامض معهما يا حيّة، وكان حيّة رجلا يتأله، وربما ذكّر ووعظ، وقال لهم نصر: حاجّوه واذكروا أمر العبيد وما صنع بمواليهم، وما صنع أصحابه بنسا وغيرها، وما يقول في اختصاصه أهل اليمن. فعادوا إليه، فبدأ حيّة فتكلم، فحمد الله وأثنى عليه وذكّره وعظّم عليه ما صنع في العبيد، وما كان من إيقاع إخوانه بنسا وغيرها والطالقان ومروالروذ وآمل، فلما فرغ من كلامه حمد الله أبو مسلم [1] وكان نزر الكلام، وقال: أمّا العبيد فلسنا نكره أحدا منهم، فمن أراد مولاه فشأنه، وإن أنفذتم أحكامنا حكمنا بينهم وبين مواليهم بالحق [2] ، وأمّا أهل نسا وطالقان وآمل فإن الّذي كان منهم لم يكن عن رأينا ولا بأمرنا ولكنّهم أمّة أريد ظلمهم وسفك دمائهم فامتنعوا فلا حجّة عليهم. وقد كان حيّة أجاب الدعوة ثم رجع، فقال [138 ب] له أبو مسلم: أليست بيعتنا في عنقك؟ قال: كنت قد بايعتكم على كتاب الله وسنّة نبيّه. قال: فما أنكرت؟ قال: في كتاب الله وسنّة نبيّه وسنّة علي بن أبي طالب أن تأخذ عبيد أهل القبلة فتغضبهم من مواليهم؟ فقال أبو مسلم: قد خبّرتكم بحجّتي في العبيد، أو لم أردد على رجل منكم ثلاثة [3] من عبيده؟ فاتقوا الله فإنّما ندعوكم إلى كتاب الله، نحيي ما أحيا ونميت ما أمات. فقالوا له: قد بلغنا أنك تقول: إنّ صاحبك أمرك أن تنزل في أهل اليمن وتتألف ربيعة وتحذر

_ [1] في الأصل: «أبا مسلم» . [2] في الأصل: «وإن أنفذتم أحكام ما حكمنا بينهم وبين مواليهم بالحق» . [3] في الأصل: «ملته» .

مضر، ففي كتاب الله هذا؟ أما تعلم أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان رجلا من مضر؟ فقال لاهز: لكم في هذا قول، فنظر إليه أبو مسلم نظرا شديدا. فقال سليمان بن كثير: لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا الله وَالْيَوْمَ الْآخِرَ 33: 21 [1] ، اختص رسول الله صلى الله عليه وسلّم أهل اليمن لطاعتهم وإيمانهم، وجانب قومه وأقربيه لكفرهم ومعصيتهم. فقال أبو مسلم: نعم أمرني الإمام أن أنزل في أهل اليمن وأتألّف ربيعة، ولا أدع نصيبي من صالحي مضر وأحذر أكثرهم من أتباع بني أميّة، وأجمع إليّ العجم واختصّهم، وإنّما الأعمال بخواتيمها، قال الله عزّ وجل: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ 28: 5 [2] ، ومن أتانا من مضر [139 أ] ودخل في أمرنا وصحح لنا قبلناه وحملناه على رءوسنا، ومن عاندنا استعنّا الله عليه وكان الله حكما بيننا وبينه. فرضي قوله من حضر من الشيعة، وانصرف رسل نصر إليه بما ثقل عليه، وانتشر قول أبي مسلم وتحدث به، فسارعت الأعاجم وكثير من أهل اليمن وربيعة إلى الدعوة من بين متديّن بذلك أو طالب بذحل [3] أو موتور يرجو أن يدرك بها ثأره، وأتاه عدّة من ذوي البصائر من مضر. ولمّا رأى سليمان وأبو مسلم إقبال الأمر عليهم جمعوا [4] وجوه الشيعة من الدعاة والنقباء فتناظروا في أمرهم، فرأوا أن يبعثوا إلى الفريقين فيعرضوا عليهم أمرهم، واتسقوا على ذلك، فقال أبو مسلم: قد أمرنا الإمام باختصاص اليمن، فقال سليمان: إنّ عرضك أمرك على نصر لا يفسد عليك رأيك

_ [1] سورة الأحزاب، الآية 21. [2] سورة القصص، الآية 5. [3] في الأصل: «بدحل» والذحل: الثار. [4] هكذا، والصواب: جمعا.

وما أمرت به في اليمن، وإرسالك إليه حجّة لك عليه وفيه رضا من معك من مضر. قال: فقبل أبو مسلم بذلك، وبعث إلى نصر يعرض عليه أمره عرض ترغيب فيه، وأراه الميل إليه. وكان رسوله إليه لاهز بن قريظ [1] فلقي نصرا فكلّمه وأرغبه وأرهبه، فامتنع نصر ونفر من ذلك وقال للاهز: بئس وافد العشيرة أنت! يدعوني صاحبك إلى أن يعزلني ويتقدمني والسلطان في يدي والنعمة عليّ، لا ولا كرامة. فقال له لاهز: يقدّمك، ويسمع ويطيع لك، ويصلي [139 ب] خلفك وينفذ حكمك. فقال البحتري بن مجاهد- مولى شيبان- كاتب نصر: خدع كخدع الصبيان. قال نصر: ما أفلح من غررتموه [2] ، فانصرف لاهز إلى أبي مسلم فأخبره بما لقي منه [3] . وذكروا أنّ أبا مسلم بعث إلى نصر وفدا، فيهم أبو الحكم عيسى بن أعين والهيثم بن زياد الخزاعي وأبو البحتري عمر بن معبد الخزاعي، وكتب معهم إلى نصر كتابا يدعوه فيه إلى الطاعة والدخول فيما دخل فيه أهل الدعوة، ويعلمه أنّ هذه الرايات السود التي أظهرها هي التي لم يزل يسمع بها، ويحذره من أن يكون من [4] صرعاها، وأنّه قد وجّه إليه فلانا وفلانا وفلانا، وليسمع منهم. فأتى الوفد نصرا، فدفعوا إليه كتاب أبي مسلم، وعنده سلم بن أحوز المازني ومنصور بن عمر بن أبي الخرقاء [5] السلمي وعقيل بن معقل الليثي ويحيى ابن حصين الرقاشيّ وعبد الله بن حبيب الهجريّ والبحتري بن مجاهد، فقرأ نصر الكتاب، ثم قال: ليتكلم متكلمكم. فقام أبو الحكم عيسى بن أعين،

_ [1] في الأصل: «قرط» . [2] في كتاب التاريخ ص 266 أ «عززتموه» . [3] في الأصل: «به» . [4] زيادة. [5] في الأصل: «أبي الحرفا» . انظر الطبري س 2 ص 1566، 1662.

فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثم قال: أمّا بعد فإنّا قوم الله ربنا ومحمد صلى الله عليه وسلّم نبيّنا، والكعبة البيت الحرام قبلتنا، والرضا من آل محمد إمامنا، ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلّى الله عليه وسلم، وإحياء ما أحيا القرآن وإماتة ما أمات القرآن، [140 أ] والرضا من آل محمد، يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ الله وَآمِنُوا به يَغْفِرْ لَكُمْ من ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ من عَذابٍ أَلِيمٍ. وَمن لا يُجِبْ داعِيَ الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ في الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ من دُونِهِ أَوْلِياءُ 46: 31- 32 [1] ، فإن فعلتم فحظّكم أصبتم، لكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم وغلب عليكم الشقاء فنحن ندعوكم إلى الموادعة، فلا نبدؤكم بحرب حتى نؤذنكم ولا تبدءونا بحرب حتّى تؤذنوننا، ثم جلس. فقام سلم بن أحوز فقال: أصلح الله الأمير ائذن لي في جوابه، فقال نصر: اجلس. ثم قام ثانية فقال: ائذن لي في جوابه، فقال نصر: أجبه، ولا أراك تجيبه بما ينفع. فقال سلم: أمّا ما دعوتنا إليه من أمركم هذا فلا حاجة لنا فيه، وأمّا ما ذكرتم من سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما أنتم وذاك؟ نحن أولى به منكم، نحن العرب وأبناء العرب، وأنتم علوج سفلة عبدة السنانير، وأمّا الموادعة فإن شئتم وادعناكم على أن تكونوا معنا على هذا المزدي، وإلّا فلا شيء لكم عندنا إلّا السيف. ونظر منصور بن عمر إلى أبي الحكم فقال: من أيّ علوجنا أنت؟ فقال نصر: أف لكم! ما أخوفني أن يصرعكم هذا القول والبغي. فقام أبو الحكم وصاحباه وهم يقولون: لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه، وحسبنا الله ونعم الوكيل. فلما خرجوا قال نصر ليحيى بن الحصين: ما تقول أيها الشيخ؟ قال: ما أرى بالموادعة بأسا. [140 ب] قال نصر: أجل والله ما أرى بها بأسا

_ [1] سورة الأحقاف، الآيتان 31 و 32.

إن تركنا هذا السفيه. ثم أطرق نصر مليّا ثم قال: هذا والله رأي من تركه ندم، والله ما زلنا نسمع بالرايات السود حتى رأيناها وابتلينا بها، وباللَّه لو أنّي أعلم أنّي آمن [1] فيهم لأسرعت إليهم وكنت رجلا منهم، ولكن كيف لي بذلك وأنا عندهم قاتل يحيى بن زيد وهم يبكون عليه ويندبون صباحا ومساء. وبعث أبو مسلم أسلم بن أبي [2] سلام البجلي إلى عليّ بن الكرماني يعرض عليه أمره ودعوته، ويعلمه أنّه مؤمّره على نفسه ومجاهد معه من خالفه، وأنّ الإمام قد أمره بذلك. وذكروا أنّ سليمان بن كثير لقي علي بن الكرماني يومئذ مع أسلم، فقال له: قد سمعت أباك يوم وقع بينه وبين نصر ما وقع من التباعد يقول: لهفي [3] على قائم يقوم من آل محمد، ولو أنّ راية ترفع، أين دعاة آل محمد، فكان يتمنّى ما أتاك الله به عفوا، وأقبلا عليه يحرضانه ويرغّبانه ويقولان له: تدرك ثأرك من نصر، فلم يزالا به حتى أجابهما إلى قبول الدعوة، فأخذا بيعته وانصرفا. وبعث علي بن الكرماني أخاه عثمان إلى أبي مسلم يستوثق منه ويؤكّد عليه أن تكون يده مع يده حتى يستأصلا نصرا ومن معه. وبلغ أبا مسلم إقبال عثمان بن الكرماني إليه فخرج من عسكره [141 أ] متلقيا له [4] ، فالتقيا فيما بين العسكرين في منزل رجل من طي يقال له ابن حكيم، وقالوا في منزل حميد بن الخطاب المهري، وأخذ أبو مسلم بيعة عثمان ومن كان معه من قومه، واستوثق لنفسه ولعلي على أبي مسلم. وبلغنا أنّ أبا مسلم قال لعثمان: تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وتجاهدون من خالفنا

_ [1] في الأصل: «امرئ» والتصويب من كتاب التاريخ ص 266 أ. [2] في الطبري «أسلم بن سلام أبو سلام» س 2 ص 1988. [3] في كتاب التاريخ ص 266 أ «لهفي على ما فاتنا من آل محمد» . [4] في الأصل: «إليه» والتصويب من كتاب التاريخ ص 266 ب.

في دعوتنا وتناصحونا في قتال نصر وأشياع مروان، فقال عثمان: نعم قد كنّا على سبيل ضلال نناصح في قتال نصر وأعوانه، فكيف لا يكون ذلك منا على سبيل خير وهدى وحق. وافترقا على ذلك، ولم يكشفا أمرهما، وتحدّث بذلك، وانصرف أبو مسلم إلى عسكره وعثمان إلى عسكر أخيه. وبلغ نصر بن سيّار إجابة عليّ أبا مسلم، ورأى تسارع الناس إليه ولحوق كثير ممن في عسكره به، فأرسل إلى عليّ بن الكرماني: إن الحرب كانت بيننا على الحميّة، وقد كانت لبعضنا على بعض فيها بقية ترجع إلى ألفة العرب، وقد نجم بين أظهرنا من همّته استئصالنا جميعا، قد بلغك ما أوقع هؤلاء القوم بنسا وطالقان [1] ومروالروذ وآمل وزمّ [2] ، وقلة إبقائهم على حرمة العرب، فهلمّ فلتجتمع أيدينا عليهم فإذا حصدناهم عاودنا ما كنّا فيه، أو حكّمناك فأنفذنا حكمك، ورضينا بذلك. وأرسل بذلك إليه جهم ابن مسعود والبحتري بن مجاهد، فقال علي: عودا [141 ب] إليه فقولا له: والله ما وفيت لي قبل اليوم، فكيف أثق بك اليوم، وإنّما تدعوني إلى نفسك وفلّ حدي عنك، والله لو قدرت أن أقاتلك بحرشان [3] الأرض فضلا عن إنسها فعلت، وقد سنح لي من أمر هؤلاء شيء قد رجوت به صلاح أجلي ودرك قتلي قبلك، فاله عمّا أخذت فيه، فليس لك عندي إلّا السيف حتى يحكم الله بيني وبينك وهو خير الحاكمين. فأتياه بذلك، فبعث نصر إلى جبلة بن أبي دؤاد فقال له: إنّما قد وقعنا في أمر سيأتي على الأنفس والحريم، وقد لج فتاك هذا فأخبره أنّه خدع،

_ [1] انظر اليعقوبي ص 286: الاصطخري ص 152، ابن خرداذبه ص 32 وص 36. [2] معجم البلدان ج 2 ص 151، الاصطخري ص 157. [3] في اللسان «حريش» دويبة أكبر من الدود على قدر الإصبع. وفي كتاب التاريخ «حشرات» ، ص 266 ب.

تدبير أبي مسلم ونصر في محاربة بعضهم بعضا

وأنّه سيندم على إجابة هذا الرجل ويطلب أن يستقبل من خطأه فلا يقدر على ذلك. فأتى جبلة عليّا فخبّره بقول نصر، وخوّفه وحذّره، فأبى إلّا مضيّا على إجابة أبي مسلم والجد معه في إظهار الدعوة، فانصرف إلى نصر فخبّره بذلك. فلمّا رأى نصر ذلك بعث إلى المتفقّهين والمتنسّكين ومن أقام على الدخول في شيء من فتنتهم، فجمعهم فحمد الله وأثنى عليه وقال، إنّكم كرهتم مشاهدتنا في حربنا هذه وزعمتم أنها فتنة القاتل والمقتول فيها في النار، فلم نردد عليكم رأيكم في ذلك، وهذا حدث قد ظهر بحضرتكم: هذه المسوّدة وهي تدعو إلى غير ملّتنا وقد أظهروا غير سنتنا، وليسوا من أهل قبلتنا يعبدون السنانير ويعبدون [142 أ] الرءوس [1] ، علوج وأغتام [2] وعبيد وسقّاط العرب والموالي. فهلمّوا فلنتعاون على إطفاء نائرتهم [3] وقمع ضلالتهم، ولكم أن نعمل بما في كتاب الله وسنة نبيّه وسنة العمرين بعده. قالوا: فأجابوه إلى مظاهرته على حرب أبي مسلم والجد معه في ذلك، وتلافي [4] الناس به، وتداعى إليه كثير منهم، وبلغ ذلك أبا مسلم. تدبير أبي مسلم ونصر في محاربة بعضهم بعضا وبلغ ذلك أبا مسلم، فكبر عليه اجتماع أهل الدين والعوام على حربه مع نصر، ولم يلق شيئا [5] من المكايد أعظم في نفسه منه، فاغتمّ بذلك،

_ [1] في الأصل: «الروش» ، وفي «عبدة الرءوس» ، إشارة للمانوية. [2] في الأصل: «إغشام» . [3] في الأصل: «تايرتهم» . [4] تلافي به: أدرك به ثأره. [5] في الأصل: «شيء» .

واهتمت الشيعة، وتلاقوا فيه، واجتمعوا له عند أبي مسلم فتناظروا فيه. فزعم مزيد [1] بن شقيق قال: اجتمعنا لذلك عند أبي مسلم، فقال سليمان بن كثير: إنّما ينبغي لك أن تجمع إخوانك بعد إبرامك الرأي، فإذا أردت أن تصدره عرضته عليهم فإن رأوا إنفاذه أنفذته. فقال أبو مسلم: الحقّ فيما قلت، ثم نهض وأخذ بيد سليمان وخالد بن عثمان، ثم دعوا القاسم ابن مجاشع ثم دعوا أسلم بن أبي سلّام فتذاكروا عظيم ما رموا به من القرّاء وإجابتهم نصرا. قال أبو منصور غالب بن سعد [2] : فلما شاورهم في ذلك قال له أسلم بن أبي سلّام: عندي في هذا شيء ليس يفسده عندي [3] إلّا أني منفرد [4] بالرأي، وإن وافقتموني عليه فهو الحزم وفيه القوة والخروج [142 ب] من غمّ ما أتانا من قبل هذا الفاجر إن شاء الله. قال أبو مسلم: هات، فربّ هنة فرّجتها برأيك. قال: أرى أن تبكر بالغداة فتجمع أهل خندقك، ثم تخبرهم أنك أمرت بدعاء الناس كافة إلى كتاب الله عزّ وجل وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وإلى الرضا من آل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والعمل بالحق والعدل [5] ، وإنّ من تابعك على ذلك فله ما لك وعليه ما عليك، ومن أنكر ذلك جاهدته في الله حقّ جهاده، ثم تبدأ بنفسك وتبايع على ذلك، ثم تدعو بوجوه إخوانك فتأخذ عليهم البيعة بمثله، ثم تدعو جماعة الناس فتبايعهم حتى لا يبقى أحد من أهل الخندق إلّا بايع. فبلغنا أنّ خالد بن عثمان قال: هذا والله الرأي، وقال له سليمان: الثقة فيما رأيت، وقال أبو صالح والقاسم بن مجاشع: نعم الرأي هذا. قال أبو مسلم: المؤمن موفّق،

_ [1] في الأصل: «مرثد» . انظر ص 217. [2] في الطبري س 2 ص 1963: غالب بن سعيد. [3] في الأصل: «عنده» والتصويب من كتاب التاريخ ص 266 ب. [4] في ن. م. ص 266 ب «متفرد به» . [5] في كتاب التاريخ ص 267 أ «والعمل بالعدل والحق والأخذ للضعيف من القوي» .

الرأي ما رأيتم. ورجع أبو مسلم ومن معه إلى مجلسه وقد نودي بالعصر، فقال لمن حضر: بكّروا بالغداة جميعا ولا يتخلفنّ أحد، فانصرفوا على ذلك. ولم يبت نصر حتى أتاه الخبر بأنّ أبا مسلم أمر أصحابه بالاجتماع إليه لأمر يدبّره، فقال لعقيل بن معقل: انظر ما يأتينا به هذا الساحر الآن [1] ، وبعث عيونا له فدخلوا عسكر أبي مسلم من الغد، وصاروا إلى بابه، وأصبح أهل الخندق قد اجتمعوا بباب أبي مسلم، فخرج إليهم فقال: يا معشر المسلمين بلغنا أنّ [143 أ] نصر بن سيّار جمع قوما فخبّرهم بأنكم على غير دين الإسلام، وأنّكم تستحلون المحارم، ولا تعملون بكتاب الله ولا سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، يريد بذلك ليطفئ نوركم، ويؤلّب عليكم الناس، وقد كان الإمام أمرنا وتوالت كتبه إلينا بأن ندعو الناس إلى كتاب الله وسنّة نبيّه والعمل بذلك، وإظهار العدل، وإنكار الجور [2] ، وأن أبايع الناس على ذلك، وأنا أول من بايع على كتاب الله تعالى وسنّة نبيّ الله والعمل بالحق والعدل ودفع الظلم عن الضعفاء وأخذ الحق من الأقوياء، خذ بيعتي يا أبا محمد، يقول ذلك لسليمان بن كثير. فأخذ بيعته سليمان وقال: عليك عهد الله وميثاقه لتفينّ بما أعطيت من نفسك، قال: نعم. ثم تتابع الناس على ذلك: بدئ فيه بذوي القدم من النقباء وغيرهم، ثم الوجوه، ثم العامة، حتى لم يبق أحد إلّا بايع، واضطرب الصوت به، وخرجت [به] [3] الأخبار، وتحدّثت به العامّة، وانصرف إلى نصر جواسيسه فأخبروه بالذي كان، فأسقط في يديه، وأمسك عن أبي مسلم من كان قبل قول نصر وقالوا هؤلاء أولى بالإجابة إذ دعوا إلى كتاب الله وسنّة

_ [1] في ن. م. ص 267 أ «غدا» . [2] في ن. م. ص 267 أ «وإنكار الجور على أهل الجور» . [3] زيادة من كتاب التاريخ ص 267 ب.

رسوله صلى الله عليه وسلّم من نصر. فانتقض على نصر ما كان أبرمه لأهل الدعوة، ودخل الوهن عليه فيما كادهم به، وزاد في بصائر القوم، وحرّك [143 ب] ذلك من كان ممسكا عنهم بالنزوع إليهم، والاستبصار في أمورهم. وورد على أبي مسلم كتاب من جرجان أنّه قد اجتمع خلق كثير ليلحقوا بإخوانهم بمرو، فسرّ بذلك أبو مسلم وأصحابه، وبلغ الخبر نصرا فقال: قد أطبقت علينا الطالقان ومروالروذ وبلخ وما على شطّ النهر وأبيورد، وهذه مرو قد بلغ فيها ما بلغ ثم يأتيهم أهل جرجان، كأنّكم بالحبال قد وضعت في أعناقنا، ومن بجرجان من أصحابهم فصل [1] فيهم رجال قد رسخوا في هذا الأمر وقاموا به، وصاحبهم الّذي أنغل البلاد، وأفسد جرجان، وسيّر في كور خراسان، وهو صاحب طاغيتهم [2] بكير ابن ماهان أبو عون. فكتب عند ذلك إلى مروان فيه كتابا أصيبت نسخته في عدة كتب من أسرار مروان يوم قتله عامر ببوصير [3] : أمّا بعد فإنّ بجرجان حيّة منطوية بين أحجار قد أنغلت على أمير المؤمنين ما بين الري إلى السّغد وكثير من العراق، وهو أبو عون، وبكنيته يعرف، فإن رأى أمير المؤمنين أن يخرج إلى صاحب جرجان من رأيه فيه ما يقطع فيه دائرة السوء ويستأصل شأفته فعل. وكتب نصر بن سيّار إلى صاحب جرجان وإلى من بها من وجوه مضر، يخبرهم [4] بمكان من قبلهم من الشيعة، ويسألهم حبسهم والشدة عليهم، فلما انتهى ذلك إلى من بها من وجوه مضر مشوا إلى العامل [144 أ] فقالوا له:

_ [1] فصل: أي خرج. [2] في الأصل: «طاعتهم» . [3] في الأصل: «بأبوصير» . انظر ابن خرداذبه ص 81. [4] في الأصل: «فخبرهم» .

ابعث إلى هؤلاء القوم فاحبسهم، فبعث إليهم فحبس منهم عدة فيهم أبو عون وعامر بن إسماعيل وأبو إسماعيل محمد بن سعد وسنان بن عبد الله وأبو نصيب. ولما تضايق الأمر بنصر عاود عليّا فبعث إليه: أحب أن ترسل إليّ رجلين من ثقات أصحابك أحمّلهم إليك رسالة لا مئونة عليك في استماعها، فبعث إليه المنتجع بن الزبير الأزدي ويعقوب بن يحيى بن الحصين الرقاشيّ، فلمّا لقياه قال لهما: مكانكما! أبلغا عني صاحبكما وقولا له: إنّ الأمر قد جل عن الّذي كنّا نقتتل عليه وعاقبة هذا التباين فيها البوار، فإذا أبيت أن تساعدني على حرب هؤلاء المسوّدة فوادعني أشهرا فقد شغلتني عن إطفاء جمرتهم، وضع الحرب بيني وبينك حتى أتفرّغ لهم وأحاكمهم فإن ظفرت بهم فأنت على رأس أمرك، وإن ظفروا بي فأنت أعلم بشأنك بعد، وأيقن أنهم إن ظفروا بي تفرغوا لك. فرجعا إلى علي فخبراه بمقالته. قال لهما: ارجعا إليه فقولا: لست من خدعك في شيء، وقد عاقدت القوم، ولن أرجع عمّا أعطيتهم من نفسي، فأتيا نصرا فأبلغاه ذلك. فلمّا رأى نصر نفور علي منه، جمع أهل الرأي من أصحابه فقال لهم: ما ترون؟ أمّا هذا الفتى فقد لجّ في طغيانه وأبي أن يجيبنا إلى الكفّ عنّا. فقال له عقيل بن معقل: إنّه لن يجيبك، ولن يكفّ عنك، ونرى أن تراسل شيبان، ولعله [144 ب] أن يكونوا ألين عقدة وأقرب مأخذا، وإن أجابك أجابك علي، وإن لم يجبك علي وقد خذله شيبان تعلمه عظيم ما صاروا إليه من أمر أبي مسلم وأصحابه، وأخبره أنّه ليس قوم بأبعد من موافقته منهم، وأنّهم قد تشاغلوا بالذي بينهم عن إطفاء ثائرتهم، واسألهم [1] أن توادعهم لتتفرغ لهم، فإذا انقضى أمرهم تناظروا فيما نقموا، وتعاطوا إلى الحق فيما أنكروا،

_ [1] الأصل مضطرب وهو «سألهم أن يوادعهم ليتفرغ لهم» . ويلاحظ أن السؤال والموادعة للكرماني وأصحابه، والتفرغ لقتال أبي مسلم.

وكان في ذلك صلاحهم وتفرغهم لمن قد أطلّ عليك من أمم الشرك. فأبى شيبان أن يجيبه إلى ذلك للذي كان يرى في جهاد نصر، ولما سبق منه إلى الكرماني. وكان سلم بن أحوز المازني في عسكره بإزاء علي بن معقل الحنفي في عسكره من أصحاب شيبان، فلما رأى نصر امتناع شيبان من الموادعة قال لسلم: إنّا إن قدرنا على استمالة علي بن معقل إلى الموادعة سهل ذلك علينا من قبل شيبان، فقد أرى أن تقاربه وتلقاه، فتعظم عليه ما صرنا إليه، وتدعو إلى الموادعة، وتخبره بما له في ذلك من الأجر، وما يكون له في ذلك عندنا وعند الخليفة من الثواب والمكافأة. فراسل سلم عليّ بن معقل، وتلاقيا فكلمه في ذلك وأخبره بالذي له فيه فأجابه وقال: نعم الرأي هذا أنا أعمل فيه، فإن أجابني شيبان وإلّا قوّضت عسكري فلحقت بكم أو تنحيت إلى بلادي فقد نهكتنا [145 أ] الحرب وأكلتنا. وعلي بن معقل يومئذ في نحو من خمسة وعشرين ألف رجل، فلقي شيبان فقال: إنّي والله ما رأيت أمرا أضلّ من أمر نحن فيه: قتال على غير دين وعلى العصبيّة، وقد خرج من أيدينا بعض ما كان فيها من هذه الكور، وقتل إخواننا، ونحن مع ذلك في غير دارنا وتوشك هذه المسوّدة بما نحن فيه من الاشتغال أن يحوزوا البلاد ويغلبوا عليها، ثم يقبلوا علينا وقد عزّوا ووهنّا فيبرونا عن كديد [1] الأرض، إنّك إن لم تجبني إلى ما أعرضه عليك انصرفت بمن معي عنك. قال: وما هو؟ قال: أرى أن توادع نصرا وننصرف [2] إلى سرخس، وتضم إليك أهل رأيك وتجبي الكور التي في يديك، أو تقيم على ذلك وتخلّي بين نصر وبين هذه المسوّدة. فقال شيبان: قد أعطينا عليّا [3] ما أعطيناه

_ [1] في الأصل: «حديد» . [2] ولعلها «وتنصرف» . [3] في الأصل: «علي» .

الموادعة

فنعرض عليه ما ذكرت ونخبره بما اجتمعت عليه وترى رأيك، قال: فشأنك. فذكر شيبان ذلك لعلي وقال له: عليّ بن معقل أقوى أيدينا، وإن خذلنا فتنحّى عنّا وصار مع نصر اشتدت شوكته. قال: فروّ في هذا يوميك هذين ثم تعزم فلن نخالفك. الموادعة فأرسل إلى أبي مسلم يخبره بذلك مع بكر بن هاني، فلمّا لقيه به قال له أبو مسلم: إن كنتم وكان صاحبكم على الحقيقة فيما أعطاني من نفسه فلست أكره [145 ب] أن يوادع نصرا على أن يشترط عليه أن يفرّق جموعه ويؤكد عليه في ذلك. فلن [1] تزداد إلّا كثرة ولن يزداد إلّا قلّة، وتخلو لك الطريق، ويأتيك أهل رأيك، ولا تكون بنصر قوّة على مكاثرتك. قال أبو مسلم: قد نصحتنا وعلى الله جزاؤك، والتوكيد عليه إليكم، فإنّي لا آمن غدر نصر وأن يثب علينا وعليكم إذا تفرقت جماعتكم. وانصرف بكر [2] فأخبر عليا بمقالة أبي مسلم، فلقي شيبان فقال له: قد رأينا الموادعة على أن يفرّق نصر جموعه، ونفرّق جموعنا، ويكون بيننا وبينه لنا عامل فيما يليه. فاصطلحوا على ذلك وكتبوا بينهم إلى انقضاء سنة ثلاثين ومائة، وعلى أن تكون الأعمال في أيديهم على حالها، وإلى من كان يليها أيام حربهم وغيرها، وعلى أن يجتمعوا على من اجتمع الناس إليه، وتكون أيديهم واحدة على من أرادهم

_ [1] هذا كلام بكر كما يظهر، ولعل العبارة تبدأ ب: «قال» . [2] في الأصل: «بكرا» .

من المشركين، وعلى أن يتعاوروا [1] ، ولا يتحاربوا، فإن بدأ أحد منهم بالغارة [2] على صاحبه أو حاربه أو حارب من كان في حيّزه وعقده فقد حلّ قتله وقتاله ولا أمان له ولا عهد لما خالف ذلك، ففعلوا ذلك. وارتحل نصر من خندقه ومن كان معه، وكذلك علي بن الكرماني، وأقام شيبان في خندقه، وخلت الطرق لأبي مسلم وسهل السبيل لمن أراد اللحوق [146 أ] به، فانجفل الناس إليه، وجعل علي يمدّه بالرجال، ويقوّيه بالسلاح ويستر عليه، حتى غلظ أمره واستكثف من كان معه. ثم إنّ كاملا [3] أشار على أبي مسلم أن يستمدّ ويستنهض عدة من ناحية الطالقان وبلخ ومروالروذ، ففعل، وأقبل عمرو بن أعين في ألف وخمس مائة رجل من الطالقان، وأقبل عبد الله بن شعبة من مروالروذ في ألف رجل ومعهم دوابّ ومواش من غنائم مروالروذ. وبلغ ذلك نصر بن سيّار، فبعث إلى شيبان: قد أظلك قوم قد وتروك، وقتلوا بعض أصحابك، فلو بعثت إليهم من يقاتلهم، وتجمع أهل الرستاق الّذي نزلوه عليهم، رجوت أن تدرك بغيتك، وتقطع قرنا من قرون الفتنة. فشاور أصحابه فقال بعضهم: ما يؤمنك ان تبعث خيولك إليهم أن يغدر بك نصر، فتأتيك خيوله، وأنت خلو من أصحابك فلا يكون لك مانع، وقال بعضهم: ما لنصر لا يبعث إليهم دونك، فأمسك شيبان عن البعثة إليهم. وبلغ أبا مسلم مراسلة نصر شيبان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: بلغني أن هذا الفاجر أراد البعثة إلى إخواننا، وحمل شيبان على ذلك، وأنهم إن فعلوا قصدنا لنصر دونهم ومن معهم، ففي الظفر بهم

_ [1] التعاور التناوب، ويجوز أن يكون النص «على ألا يتغاوروا» ، أي لا يغير بعضهم على بعض. [2] الأصل: «الغار» . [3] في الأصل: «كامل» .

وبما معهم عوض عن عمرو بن أعين ومن معه، وبلغ ذلك نصرا فكفّ عنهم. وأقبل عمرو بن أعين بمن معه حتى نزل النصرانية [1] . فلما رأى نصر [146 ب] إقبال الأمور على أبي مسلم، شاور أصحابه، فاجتمع رأيهم على الاحتيال لشيبان، واحتراز معونته بكل وجه، ففعل فاستماله [2] . وتهيأ نصر وشيبان للمسير إلى أبي مسلم، فبعث علي إلى أبي مسلم يخبره بما أجمع الرجلان عليه، ويقول: إن شئت أتيتك فيمن معي، وإن شئت ثبّطت الناس عنك، فأرسل إليه أبو مسلم: قد تفرقت عنك أصحابك، فإذا ثبّطت عني فقد قوّيتني ونصرتني. فأقام علي بموضعه، وأقامت عشيرته، وربيعة معه، فلم يخرج مع نصر وشيبان منهم أحد خلا من كان مع شيبان منهم من أهل سرخس وغيرهم من الحرورية. ولمّا انتهى إلى أهل الخندق خبر نصر وشيبان اضطربوا وتضعضعوا له، فقال أبو مسلم: لا حاجة لنا في المرتابين، افتحوا بابي الخندق، فمن أراد أن يخرج فليخرج، فلعمري ما يخرج من ينتفع بإقامته، فجعل يخرج من يشك وتضعف نيّته، فخرج نحو من ألفي رجل، ولمّا أمسوا قال أبو مسلم: هل بقي أحد في قلبه شك يريد أن يخرج، فقيل: ليس يخرج أحد، فأمر بإغلاق البابين.

_ [1] انظر الطبري س 2 ص 1995. [2] في الأصل: «فاستمال به» .

بدء الحرب بين أبي مسلم ونصر بن سيار

بدء الحرب بين أبي مسلم ونصر بن سيار وأصبح أبو مسلم فخرج من خندقه يريد نصر بن سيّار فنزل قرية تدعى آلين [1] على فرسخين من نصر، وخندق على نفسه وأصحابه وكتب إلى طخارستان [147 أ] ومروالروذ يستنجد بقية أصحابه بهما. ولمّا رأى علي بن الكرماني ما صنع نصر وشيبان أتى شيبان فقال له: خدعك والله ابن الأقطع، إنّما يريد أن يباعدك من عسكرك لتعتزل، فيبيّتك وأنت غير محترس منه، وقد تعلم أنّك إذا سرت إلى أبي مسلم سرت في غير قرى قومك فيقطع عنك المادّة ويسير نصر في بلاد قومه، فموادّه وأعلافه مهيأة من قراهم، وعليك في مسيرك الوهن وله القوّة في مسيره، وافتعل [2] كتبا على لسان نصر إلى ثقات شيبان يدعوهم إلى الوثوب على شيبان ويضمن لهم على ذلك الصلات الجزيلة، وبعث بها إليهم فلمّا قرأ [3] أصحاب شيبان الكتب أتوا بها إلى شيبان فحققت تلك الكتب ما قاله علي، فأرسل إليه يقول: أظنّ ما ذكرت لي عن هذا الغادر حقّا وبعث إليه تلك الكتب. فلقي علي شيبان [4] وقال له: قد خبّرتك أنّ نصرا غادر فاجر، ثم انّك تسير إلى قتال رجل داخل في طاعتك، ومظهرا الميل إليك من إقامة هذه الدولة العباسية. فأقام شيبان عمّا كان أجمع عليه من محاربة أبي مسلم مع نصر، فبلغ ذلك نصرا فانحلّ برم مكيدته وانتقضت عليه حيلته ورجع إلى عسكره بباب سرخس،

_ [1] في الأصل: «البر» انظر الطبري س 2 ص 1969. [2] في هامش الأصل: «افتعل أي زور» . [3] في الأصل: «قرءوا» وما أثبتناه أفصح. [4] في الأصل: «لشيبان» .

ورجع أبو مسلم إلى خندقه بالماخوان [1] فلم يزل فيه. ورتب نصر المسالح [147 ب] فيما بينه وبين أبي مسلم مع قائد يقال له عاصم بن عمير [2] ببلاشجرد [3] ، ووضع أبا الذيّال [4] بطوسان [5] وناحيتها، فنزلت جند نصر مع هذين [6] القائدين على أهل بلاشجرد [7] وطوسان فآذوا أهلها، وذبحوا أغنامهم وبقرهم، فشكوا ذلك إلى أبي مسلم فوجّه إليهم نصر بن عبد الحميد في خيل من خيله، وأمره أن ينفي أبا الذيّال عنهم، فسار إليهم فلقيه أبو [8] الذيّال فهزمه نصر ابن عبد الحميد، وكان أول من لقوا من أصحاب نصر في الحرب، وأسر منهم خمسين رجلا، وأتى بهم إلى أبي مسلم، فكساهم وداوى جرحاهم وقال لهم: من أحبّ منكم أن يقيم معنا واسيناه، ومن كره ذلك فليلحق بوطنه، وحلّفهم ألّا يمالئوا عليه أحدا، وخلى سبيلهم، فأقام منهم نفر يسير، وانصرف أكثرهم إلى أوطانهم. ثم إنّ أبا مسلم أرسل إلى شيبان وعلي الكرماني: إنّ أصحابي قد كثروا وإنّما أنا وهم أعوانكم، وقد يؤذون إذا [9] دخلوا مرو، وتمنع الأسواق

_ [1] في الأصل: «بالماحواز» انظر الطبري س 2 ص 1967- 1968. [2] في الطبري س 2 ص 1970: «عاصم بن عمرو» . [3] في الأصل: «ببلاد شيجرا» . انظر الطبري س 2 ص 1969 و 1970، ومعجم البلدان ج 1 ص 477، وهي من قرى مرو على أربعة فراسخ منها. [4] في الأصل: «أبا الديال» . انظر الطبري س 2 ص 1970. [5] انظر معجم البلدان ج 4 ص 49 والطبري س 2 ص 1970. وطوسان على بعد فرسخين من مرو. [6] في الأصل: «هؤلاء» . [7] في الأصل: «شيجرد» . [8] في الأصل: «أبا» . [9] في الأصل: «إلى» .

والميرة عنهم من مرو فلا تحمل إلينا، فأذنا لي [1] في توجيه رجل إلى مرو يذبّ عن أصحابي إذا دخلوا إلى مرو في حوائجهم وتخرج الأسواق فأذنا له في ذلك، وبعث إلى نصر بن سيّار بمثل ذلك، فأذن له، فوجّه شبل بن طهمان النقيب في خمس مائة رجل، فنزل قصر بخار خداه [2] ، فكان كل من دخل من المسوّدة يعز [148 أ] ويكرم بمكانه، ولا يقدر أحد على أن يؤذيهم لمكانه. ثم إن نصرا أرسل إلى شيبان: إن هذا الرجل غير شأنك، فساعدني على كشف أمره، فإنّه يقدم ويؤخر ويبعث إليّ بالموافقة ويبعث إليك بمثل ذلك. فاتفقا على أن بعثا إليه: إنّا قد اتهمناك وأنكرنا أمرك ودعوتك، ورأينا قلّة إبقائكم على الحرمة [3] ، فإن كنت تحب أن نكفّ عنك ففرق جمعك، واخرج عن بلادنا. فأرسل إليهما: إن الله تعالى جمعنا على هدى فلن نرجع عنه حتى نموت دونه، ولكنّي أناظر أصحابي وندخل في بعض فرقكم هذه، وبعث لاهزا [4] إلى نصر فقال له: قل لنصر إن صاحبي أمرني بالانضمام إليك وتأميرك على نفسي إن قمت بأمر دعوته وخلعت مروان، وأنا لك ناصح، فبادر هذا الأمر قبل أن تسبق إليه. فقال نصر [5] للاهز: إن أريتني مصداق قولك قبلت، وما مثلي اختدعتموه عن نفسه، فانصرف إلى أبي مسلم فخبّره بذلك. وبعث أبو مسلم إلى علي الكرماني: إنّك قد أعطيتني من نفسك ما تعلم، وقد أمرنا بالجهاد، وأنت وقومك أنصار الحق قديما، فأنتم آويتم رسول الله صلّى

_ [1] في الأصل: «فاذن» . [2] في الأصل: «بخاذخذاه» انظر الطبري س 2 ص 1230 وص 1503 وص 1692. [3] في الأصل: «الحرية» . [4] في الأصل: «لاهز» . [5] في الأصل: «نصرا» .

الله عليه وسلم ونصرتموه، وقد أمرني صاحبي بأن استظهر بكم وألقي أمره إليكم، وقد نصب لي نصر، فإن أجبتني وعاقدتني على القيام بحق رسول الله [148 ب] صلّى الله عليه وسلّم، أمّرتك [1] أميرا عليّ وعلى من أجابني، وأطعت أمرك، وقتلت عدوّك، وصار لك سناء هذا الأمر وشرفه. فردّ عليّ إليه الرسل [2] فقال: قد أجبتك حيث عرضت عليّ أمرك، وهذي يدي عن نفسي وقومي جميعا، و [أنا] [3] مرسل إليك أخي ووجوه أصحابي، وكاشف لك عن أمري في ذلك، ولا بدّ لنا من الترفّق بشيبان حتى يجتمع لنا أمرنا و [4] ما نريد منه، فانصرف الرسل بذلك إلى أبي مسلم، فعظم سروره به. ثم أعاد الرسل إلى نصر استظهارا مرة بعد أخرى، فقال فيما بعث إليه: إنّي لست أعدل بك أحدا إن أجبتني فأنت الأمير وأنا عونك على من خالفك. فقال نصر للرسل: قولوا: قد أجبتك إن صححت مقالتك، إن كنت تفي بقولك فانضمّ إليّ، وفرّق جماعتك، وأنت في ذمّتي، لا يوصل إليك حتى يوصل إليّ، وإن أبيت إلّا مضيّا على ما يبلغني عنك من مقاربة عليّ وقومه استعنت الله عليك، وتفرّغت لحربك، فلا تغترّ بهذه اليمانية، فإنّي لو قد أقبلت عليك بجدي وحدّي قصمتك وتركتك كأمس الذاهب. فقال له عقيل بن معقل الليثي: والله ما كان جواب كلامه يرسل إليك، وقد قوي أمره، يدعوك إلى المقاربة، فترسل إليه تسترهبه وتهدده، يغتنمها منك الآن فيبعث إلى ابن الكرماني فيتودد إليه [149 أ] ويخبره بمنافرتك إيّاه فيجيبه ويستنصر معه من قومه في جهادك. فقال نصر: قد مضت

_ [1] في كتاب التاريخ ص 267 ب «صيرتك» . [2] ن. م. ص 267 ب «فرد عليّ الرسول» . [3] زيادة من ن. م. ص 267 ب. [4] زيادة.

بما فيها. فقال له عقيل بن معقل: ترفّق بالرجل، وأعطه الرضا ما لم يحرجك، وكن على رأس أمرك من كيده واغتياله. قال: فبعث إليه من الغد: انّي عليك شفيق، وقد هجم عليك الشتاء على رقّة من معك وسوء حالهم، فانضمّ إلينا بطاعتك نواسك ونتحنّن عليك، فإنّ جنود أمير المؤمنين قد أقبلت إلينا، فيوشك من اجتمع إليك أن يتفرّق عنك، ومن وعدك نصره أن يخذلك والسلام [1] . فكتب إليه أبو مسلم في جوابه: قد فهمت كتابك، وبلغتني رسالتك، ولست بوادّ ولا نصيح [و] [2] ما استشرناك ولا شكونا خلّتنا إليك، فأمّا ما ذكرت من رقّتنا وسوء حالنا فقد صدقت وذاك يدعونا إلى مزاحمتك على ما في يدك والسلام. قال: فلما قرأ نصر الكتاب تعاظمه وقطّب ما بين عينيه، وتغيّر لونه، وكرر قراءة الكتاب ثم قال: هذا جواب أحسب أن يتلوه [3] ما هو أشد منه. وكان أبو مسلم يطمع نصرا في نفسه، ويعظمه ويبدأ به في كتابه إليه حتى أجابه عليّ إلى نصرته ومظاهرته وقبول دعوته، فكتب إليه كتابا [4] بدأ فيه بنفسه وقال: إنّ الله تباركت أسماؤه عيّر [5] أقواما فلا تكن منهم، فقال عزّ وجل: وَأَقْسَمُوا 35: 42 [149 ب] بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ 35: 42

_ [1] انظر كتاب التاريخ ص 267 ب. [2] زيادة من ن. م. ص 268 أ. [3] من ن. م. ص 268 أ «سيتلوه» . [4] انظر شرح نهج البلاغة ج 3 ص 280. [5] في الأصل «غير» وجاء في عيون التواريخ، حوادث السنة التاسعة والعشرون والمائة: «أما بعد فإن الله قد تخير أقواما فقال سبحانه..» .

أَهْدى من إِحْدَى الْأُمَمِ، فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً. اسْتِكْباراً في الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ، فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَحْوِيلًا 35: 42- 43 [1] . فثقل ذلك على نصر وكتب إليه: أمّا إنك لو قبلت نصحي لك لكان خيرا، وليس يمنعني من ذلك ما أرى من ميلك إلى غيري، وأيقن أنّ أسلم [2] بن صبيح كاتبك يفشي عليك سرّك، ولا يكتم عنك، وقد كان في شيء من عملنا، وظهرنا منه على الغدر وإفشاء السر فتجنبناه لذلك. فكتب إليه أبو مسلم: سرّنا مصون عمّن لا نثق به، وما يعلم أسلم من سرّنا شيئا نكره معرفتك ومعرفة غيرك به. وجعل نصر يكتب إلى ابن هبيرة [3] ، وهو على العراق يستمده فيعده ويأمره بالمداراة، فلمّا تضايقت الأمور كتب إلى مروان الحمار، وهو آخر طغاة بني أمية يشكو له ابن هبيرة ويخبره بعظم الأمر من قبل أبي مسلم وكتب إليه: أرى خلل [4] الرماد وميض نار [5] ... ويوشك أن يكون لها ضرام [6]

_ [1] سورة فاطر، الآيتان 42 و 43. [2] انظر الطبري س 2 ص 1968. [3] انظر كتاب التاريخ ص 268 أ. [4] في الطبري س 2 ص 1973، والمسعودي- مروج الذهب ج 6 ص 62: «بين» وفي الدينَوَريّ- الأخبار الطوال ص 357 «تحت» . [5] في المصادر السابقة وفي كتاب التاريخ ص 268 أ «جمر» . [6] في الطبري س 2 ص 1973 «فأرجح بأن يكون له ضرام» ، وفي الدينَوَريّ «ويوشك أن يكون له ضرام» .

فإنّ النار بالعودين تذكى [1] ... وإنّ الحرب يبدؤها [2] الكلام [3] فقلت [4] من التعجّب ليت شعري ... أأيقاظ أميّة أم نيام [5] [150 أ] وكتب إليه يصف له أمر أبي مسلم، وكثرة الدعوة، وميل اليمانية وربيعة إليه. ثم أردف ذلك كتابا آخر وبعث فيه رسولا من وجوه أصحابه يخبره في كتابه أنّ من ظهر قبلنا لو كانت همتهم خراسان وحدها لهانت شوكتهم، ولكنهم يريدون الغاية الكبرى من التملك على الآفاق في جميع بلاد المسلمين، وإنّ أكثر ما يحاضّون عليه الطلب بثأر آل محمد من بني أمية، يتذاكرون ذلك في أحاديثهم ويدعون به إذا قضوا صلاتهم. فأتى مروان كتاب نصر بذلك لأشهر مضت من سنة ثلاثين ومائة، فكتب إليه [6] : أن أمر ناحيتك على بال أمير المؤمنين، وقد وجهت عامر بن ضبارة ونباتة بن حنظلة فعرض لهما دونك من كان أوضع [7] في الفساد من أهل الفتن فقصدا لهم حتى استأصلاهم وأباداهم. وقد انتهى إلى أمير المؤمنين كتابك حين أتاه كتاب ابن هبيرة يذكر ظفر نباتة بن حنظلة بمن كان تلفّف إلى سليمان بن حبيب بالأهواز، ويذكر ظفر ابن ضبارة وداود بن يزيد بن

_ [1] في كتاب التاريخ ص 268 أ «بالزندين تورى» . [2] في الطبري س 2 ص 1973 «مبدؤها» وفي أنساب الأشراف ج 8 ص 486: «يقدمها» وفي كتاب التاريخ ص 268 أ «أوله» ، وفي الدينَوَريّ «وإن الشر مبدؤه كلام» . [3] في كتاب التاريخ 268 أوفي العيون والحدائق ج 3 ص 189 «كلام» . [4] في كتاب التاريخ ص 268 أ، وفي مروج الذهب ج 3 ص 255: «أقول» ، وفي الدينَوَريّ «وقلت» . [5] لهذه الأبيات تتمة في كتاب التاريخ ص 268 أوفي مروج الذهب ج 3 ص 255 وفي الأخبار الطوال للدينوري ص 357. [6] انظر كتاب التاريخ ص 268 أ- ب، وأنساب الأشراف ج 8 ص 487. [7] أوضع في الفساد: أسرع فيه.

عمر بن هبيرة بابن معاوية، ومن كان ضوى إليه من أهل الفتن بفارس وتوجيههما في اثر شيبان ومن بقي من الخوارج، وكتبت إلى ابن هبيرة آمره باستحثاثهما باللحوق بك ودخول خراسان عليك فيمن معهما من خيول أمير المؤمنين من ناحية [150 ب] الطبسين [1] وناحية سجستان، فكأنك بخيول أمير المؤمنين قد وردت عليك بأحسن عدة وأكثر عدد. فثق باللَّه وتوقع الأمداد والقوة فكأن قد غشيتك، وفيما كتب أبو مسلم، وفيما وعظك أمير المؤمنين من سنة الله الماضية فيمن خلا ممن كان أشدّ منك قوّة وأكثر خيلا ورجلا وتبعا وأكثر عدة وسلاحا عبرة مرشدة وعظة مسعدة ومخبر [2] كاف، وَمن يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ من حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ الله بالِغُ أَمْرِهِ 65: 2- 3 [3] ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنّة الله تحويلا [4] ، ولا لأمره معقبا وكان الله عزيزاً حكيماً. وكتب عبد الحميد بن يحيى كاتب مروان إلى كامل بن مظفر في ذلك أيضا كتابا يصف له حاله ورياسته كانت في الكتابة، وما تعاظمه من أمره حين انتهى إليه دخوله في المسوّدة، ويسأله الإنابة والرجوع إلى طاعة مروان ويضمن له الثواب الجزيل منه على ذلك. فأقام نصر ينتظر الأمداد أن تأتيه، وقد فسد عليه أهل خراسان إلّا من كان معه من مضر خاصة. فقدم على أبي مسلم رسول لأبي سلمة يقال

_ [1] انظر معجم البلدان ج 4 ص 20، ابن خرداذبه ص 52. [2] في الأصل: «محبر» . [3] سورة الطلاق، من الآيتين 2 و 3. [4] انظر سورة فاطر، الآية 43.

له مسرور [1] بكتاب إبراهيم الإمام يخبره فيه بما انتهى إليه من تفاقم الأمر بين ابن الكرماني ونصر و [إن] [2] يدعوه إلى أمره فإن أجاب [3] نصب الحرب لنصر ولم يؤخر ذلك، وكتب إليه [151 أ] بانتهاز الفرصة في ذلك قبل أن يحدث أمر يصطلح الأمر له ويتفقون على مجانبته [4] ، فأتاه ذلك ورسله تختلف فيما بينه وبين علي ونصر. ثم أقبلت إلى أبي مسلم وجوه اليمن وربيعة ومضر ممن في عسكر نصر، فدخلوا في أمره وبايعوه. ثم أرسل علي الكرماني إلى أبي مسلم: أنا وأنت اليوم يد واحدة في هذه الدعوة، ومتى تظهر تلاقينا وتعاونّا وتوازرنا، يهدّ ذلك قرون شياطين، وقد أتاك أخي وأصحابي فدخلوا عسكرك وهم يغادونك ويراوحونك بالتسليم عليك والتعظيم لأمرك والمقاربة لأصحابك، فما الّذي يمنعك أن تزورني وتدخل عسكري فيضطرب بذلك الصوت فيقوى به وليّك وينكسر له [5] عدوك. فأرسل إليه أبو مسلم: هذا رأي وما كنت لأدعه، وأنا فاعل. فلما كان من الغد ركب أبو مسلم في جماعة كبيرة من أصحابه فرسان ورجّالة يريد عليّا في عسكره، فبلغ ذلك عليّا، فوجّه إليه أخاه عثمان في وجوه اليمن وربيعة وفرسانهم فتلقوه على الرزيق [6] ، ثم دخل الحائط، ثم خرج إلى عسكر علي وشيبان. فلما أشرف أبو مسلم على العسكر تلقّاه علي في أهل اليمن وربيعة، ثم أقبلا يسيران حتى

_ [1] في كتاب التاريخ ص 268 ب «إبراهيم» . [2] زيادة من ن. م. ص 268 ب. [3] انظر ن. م. ص 268 ب. [4] في ن. م. «في هذا الأمر وهذه الدعوة» ص 269 أ. [5] ن. م. ص 269 أ «به» . [6] في الأصل: «الزريق» . انظر معجم البلدان ج 3 ص 140، والمسالك للاصطخري ص 148 وابن خرداذبه ص 171، وهو نهر بمرو.

دخلا حجرة علي، فجلس أبو مسلم معه ساعة ثم دعا بالغداء، وقد هيأ له طعاما كثيرا ولمن معه، فقال: لست أطعم اليوم شيئا [1] ، ثم نهض، فقال له علي: [151 ب] لو لقيت شيبان فإن في لقائك إيّاه كفّ عاديته، وما يدعوه نصر إليه من محاربتك، فقال: إني أكره أن أسلّم عليه بالإمرة [2] ، ولست أستحلّ ذلك، فتقدمني ثم اجلس فإنّي أسلم بالإمرة وأعنيك بذلك. فركب علي فدخل على شيبان وجلس معه، فأقبل أبو مسلم فدخل على شيبان فسلم عليه بالإمرة وجلس فدعا له شيبان بشربة عسل، فقال أبو مسلم: أنا صائم، فحمله شيبان على برذون أبلق من نتاج أبي نميلة الأزدي. وخرج أبو مسلم فأتى سرادق علي وجلس معه ساعة، وأظهر تأميره على نفسه وحمله على برذون. فبلغنا أنّ أبا مسلم قال لعلي: إنك قد أعطيت من نفسك في القيام بدعوة آل محمد ما أرجو أن يجمع الله [به] [3] خير الدنيا والآخرة، ولك الولاية علينا، وعلينا طاعتك، وليس يلتئم بينك وبين أهل هذه الدعوة وبين شيبان، لأنّ أصل شيبان وما يدين [4] البراءة من علي، ونحن نخالفه في ذلك، فإن لم تباينه فاعمل في ذهابه عنّا لنقبل على قتال نصر ومن معه، فإنّي لست آمنا أن يخدعه نصر ومن في هذه الكور التي في يدي شيبان من إخواننا، فيتغيّر لنا شيبان عمّا هو عليه، وقد اعتذرنا إليه من إيقاع أهل نسا بعاصم، ومن يأتيه بمثل ذلك من غير أهل تلك الناحية تبطل عنده ما اعتذرنا به ويرى [5] أنا سنصول عليه. فقال له عليّ: أنا عامل [152 أ] ذلك وكافيك

_ [1] في كتاب التاريخ ص 269 أ: «إني قد نويت الصوم ولست آكل اليوم شيئا» . [2] انظر الطبري س 2 ص 1993. [3] زيادة من كتاب التاريخ ص 269 أ. [4] في الأصل «تدين» . [5] في الأصل «سرى» .

أمره حتى يتنحى عنك إن شاء الله تعالى. ثم إنّ عليّا [1] بعث بشدّاد بن جريجور [2] كاتبه على الخراج بمرو، وأمره أن ينزل أبا مسلم قصر شيبة بن الحسن الأزدي [3] ، ورتّب له ما يصلح له، فنزله أبو [4] مسلم أياما، ثم انصرف إلى عسكر الماخوان. قال: واجتمع علي وشيبان، فقال عليّ: قد شغل الله نصرا عنّا وعنك بهؤلاء القوم، وهذه الكور التي في يديك، فيما بينك وبين نيسابور وهراة وبوشنج [5] ولست آمنا باشتغالك بالمقام هاهنا أن تضعف أعوانك فيها، فقد أرى أن تسير إلى سرخس وتوجّه عمالك وتجبي خراجك وتقوّي بذلك أهل طاعتك، فإذا قويت واستجمع لك ما تريد نهضت فيما تطلب من الحق، وقد رأيت أكثر من معك قد تسللوا عنك لهذا الشأن. قال شيبان: قد لعمري كان ذاك منهم، والرأي ما رأيت، وأنا شاخص عنكم في أيّامي هذه، وقد أجمعت على ذلك من اختلاط أموركم وخشيت أن أكون مقيما على ضلال، فثبّطني عن الشخوص علي بن معقل لما جرى بينه وبين نصر، فابعث أنت الآن إلى أبي مسلم لتوكّد عليه في الكفّ عنّا وحسن مجاورتنا حتى ينصرم الأمر بينكم وبين نصر، فإذا صحّ ذلك ناظرناكم فيما فيه صلاح ديننا ودنيانا. فأرسل علي إلى أبي مسلم بذلك، فأرسل أبو مسلم: ليوكّد لنا ونوكد له على المسالمة ولا نخشى له غائلة ونكتب [152 ب] بيننا

_ [1] في الأصل: «علي» . [2] في الأصل: «جرنجوز» ويرد في الطبري س 2 ص 1688 ذكر اشبداد (أو شداد) بن جريجور. [3] في الطبري س 2 ص 1993 «محمد بن حسن الازدي» . [4] في الأصل: «أبا» . [5] في الأصل: «بوسبخ» وهي من قرى ترمذ، وهذه بوشنج وهي من نواحي هراة بينهما عشرة فراسخ، انظر معجم البلدان ج 1 ص 508، والطبري س 2 ص 79، والاصطخري ص 151، واليعقوبي ص 280.

فتح مرو

وبينه كتابا بذلك، فإن رجع أحدنا عمّا أعطى من نفسه من الحق فقد حلّ لصاحبه مباينته ومحاربته، ففعل ذلك شيبان، وكتبوا بينهم بذلك كتابا وثيقا. وتوجّه شيبان إلى سرخس في شهر ربيع الآخر سنة ثلاثين ومائة، ومعه علي ابن معقل الحنفي وجميع من كان معه من قومه وأهل رأيه، وازداد أبو مسلم بذلك قوّة ونشاطا، وازداد نصر بذلك وهنا وضعفا [1] . فتح مرو وأمّر أبو مسلم شبل بن طهمان على مرو [2] ، وأمر المتكلمين من أصحابه أن يدخلوا مرو فينشروا أمرهم ويدعوا الناس إلى رأيهم ويصفوا ما هم عليه من اتّباع السنّة والعمل بالحق. فجعلوا يدخلون ويتكلمون فأجابهم [3] الناس إلى ذلك، وجعلوا يخرجون إلى أبي مسلم، وبلغ ذلك نصرا، فوهن أمره واستخفّ به وبعامله فيها. فكتب نصر إلى ابن هبيرة: قد أخرجت من بيتي إلى مقصورتي فاستغثت بكم، فلما أبطأ غياثكم وتأخّرت مادّتكم أخرجت من مقصورتي إلى ساحة داري، وانكم إن تقاعدتم عني أخرجت من داري كلها، وإذا أخرجت منها دخل عليك دارك، ولو دخلت جحرا لدخل عليك فيه حتى يؤتى عليك وعلى غيرك. وكتب إلى مروان: [153 أ] كتبت إلى أمير المؤمنين ولم يبق مني شيء [أستعين به] [4] على عدو أمير

_ [1] كتاب التاريخ ص 269 ب. [2] انظر الطبري س 2 ص 1992. [3] في الأصل: «فأجابوهم» . [4] زيادة من كتاب التاريخ انظر ص 269 ب.

المؤمنين لا في رجالي ولا في مالي ولا في مكيدتي، ولو كنت أمددتني بألف فارس [1] من أهل الشام لاكتفيت بهم، ولقطعت دابر القوم الظالمين. إنّي حين كتبت إلى أمير المؤمنين قد أخرجت من جميع سلطاني، فأنا واقف على باب داري، وإن لم تأتني موادّ أمير المؤمنين ووكلنا [2] إلى ابن هبيرة طردت عن باب داري، ثم لا رجوع إليها إلى ملتقى الحشر، فلا يكون مثل أمير المؤمنين ومثل ابن هبيرة كما قال الأول: ولو أنّي أطيعك [3] في أمور ... تناجيني إذن لقرعت سنّي ثمّ إنّ نصرا جمع وجوه أصحابه وأهل الرأي منهم والتجارب، فأجالوا الرأي، فلم يأت واحد منهم برأي إلّا نقضه الآخر ولم يجتمعوا على شيء. وكتب أيضا نصر إلى مروان: أمّا بعد، فإنّي ومن معي من عشيرة أمير المؤمنين في موضع من مرو على مجمع الطريق، ومحجّة الناس العظمى من مختلف القوافل والرسل والجنود من العراق، في حائط قد خندقت فيه على نفسي ومن معي، وعن يميني وشمالي قرى بني تميم وسائر أحياء مضر ليس يشوبهم غيرهم إلّا قرى على حدّهم خاملة الذكر فيها خزاعة، وفيها حلّ طاغيتهم أبو مسلم، فنحن حين كتبت إلى أمير المؤمنين في أمر هائل يتكفّأ بنا تكفؤ السفينة [153 ب]

_ [1] في ن. م. «رجل» . [2] في ن. م. «وكلت» ص 269 ب. [3] في ن. م. ص 269 ب «أطعتك» والبيت للنابغة الذبيانيّ. انظر ترجمة النابغة في طبقات ابن سلام ص 46، والأغاني (ط. دار الكتب) ج 11 ص 3- 41 ويرد في ديوانه: «ولو إني أطعتك في أمور ... قرعت ندامة من ذاك سني» .

عند هبوب العواصف، ونحن من إخواننا اليمانية وأغتامهم ورعاعهم، فيما نتوقع من سفههم ولما قد شملهم من ورائهم الخبيث، على مثل لجّة البحر، وأنا معتصم بطاعة أمير المؤمنين ومن معي على مثل ذلك لا نؤثر عليها شيئا، وقد أملنا غياث أمير المؤمنين وموادّه وورود خيله وفرسانه ليقمع الله بهم كلّ مصرّ على غشّه وساع في خلافه، فلا يكوننّ مثلنا [1] يا أمير المؤمنين قول الأول [2] : لا أعرفنّك [3] بعد اليوم تندبني ... وفي حياتي ما زوّدتني زادي إنّه قد بلغ الحزام الطبيين [4] ، وكادت القلوب تبلغ [5] الحناجر، فلا يتهمني أمير المؤمنين على ما أكتب به وأغلظ له فيه، وإنّي لكما قال الأول: أحلب حلبا لك شطره [6] ، ولئن أزالنا عدوّنا من موضعنا الّذي نحن به، انها زلزلة سرير أمير المؤمنين، فلا يضعنّ أمير المؤمنين كتابي هذا إليه على الجزع وعلى الجرأة عليه، فإنّه لا مخبأ لعطر بعد عروس [7] ، ومثلنا فيما قد أشرفنا عليه

_ [1] في كتاب التاريخ ص 270 أ «فلا يكونن مثل أمير المؤمنين كما قال الأول» . [2] هو عبيد بن الأبرص بن عون الأسدي، جاهلي. انظر خزانة الأدب للبغدادي ج 1 ص 322 والشعر والشعراء لابن قتيبة (دار الثقافة بيروت 1964) ج 1 ص 187، والأغاني (الساسي) ج 19 ص 84 والبيت في ديوانه (القاهرة 1957) ص 48. [3] هكذا في الأصل وفي ديوان عبيد وفي التمثيل والمحاضرة للثعالبي (القاهرة 1961) ص 50، وجاء في الشعر والشعراء ج 1 ص 189: «لأعرفنك» . [4] انظر نهاية الأرب للنويري ج 3 ص 66، وشرح ديوان الحماسة (المرزوقي- القاهرة 1951) ج 1 ص 333. [5] في كتاب التاريخ ص 270 أ «وبلغت القلوب الحناجر» . [6] مجمع الأمثال للميداني (مطبعة السعادة بمصر 1959) ج 1 ص 195. [7] انظر ن. م. ج 2 ص 212، ونهاية الأرب ج 3 ص 57- 58.

كمثل شجرة على ضفّة البحر، قد بلي أصلها، فالأمواج تضربها من كل وجه، فما بقاؤها بعد فساد أصلها، وإلحاح الأمواج عليها. وقال نصر شعرا يحرّض فيه العرب على الهاشمية: [154 أ] . أبلغ ربيعة في مرو وإخوتهم [1] ... ليغضبوا [2] قبل ألّا ينفع الغضب ما بالكم تنصبون [3] الحرب بينكم ... كأنّ أهل الحجى عن رأيكم [4] غيب وتتركون عدوا قد أطاف بكم ... فأين غاب الحجى والرأي والأدب [5] ذروا التفرّق والأحقاد واجتمعوا ... ليوصل الحبل والأصهار والنسب

_ [1] في أنساب الأشراف ج 3 ص 402 وص 237 (الرباط) : «وذا يمن» . وفي الدينَوَريّ- الأخبار الطوال (تحقيق عبد المنعم عامر، القاهرة 1960) ص 361- 2: «واخوتها» . [2] في أنساب الأشراف: «أن اغضبوا» وفي الدينَوَريّ «أن يغضبوا» . [3] في الدينَوَريّ: «تلقحون» . [4] في ن. م.: «عن فعلكم» . [5] في أنساب الأشراف: وتتركون عدوا قد أحاط بكم ... ممن تأشب لا دين ولا حسب ومثله في الدينَوَريّ عدا «قد أظلكم» بدل «أحاط بكم» . ولا ترد الأبيات التالية في أنساب الأشراف أو الدينَوَريّ بل يرد محلها في الدينَوَريّ: ليسوا إلى عرب منا فنعرفهم ... ولا صميم الموالي إن هم نسبوا وفي الأنساب: لا عرب منكم (لعله: مثلكم) في الناس نعرفهم ... ولا صريح موال إن هم نسبوا ثم يليه في الأنساب: من كان يسألني عن أصل دينهم ... فإن دينهم ان تهلك العرب قوم يقولون قولا ما سمعت به ... عن النبي ولا جاءت به الكتب وفي الدينَوَريّ: قوما يدينون دينا ما سمعت به ... عن الرسول ولا جاءت به الكتب فمن يكن سائلي عن أصل دينهم ... فإن دينهم أن تقتل العرب

إن تبعدوا الأزد منا لا نقرّبها ... أو تدن نحمدهم يوما إذا اقتربوا أتخذلون إذا احتجنا وننصرهم ... لبئس والله ما ظنّوا وما حسبوا فأجابه العكّيّ يقول: لسنا نحابي على الرحمن من أحد ... فيما نطالب من مولى ومن عرب وديننا ضربكم حتى نقيمكم ... على الطريق ولو جثوا على الركب هلّا صبرت ابن سيّار لوقعتنا ... إن كنت ذا حسب في القوم أو نسب ولم يفرّ على جرداء سلهبة ... يرجو [1] النجاة ولا منجاة في الهرب من الإمام وقد أمست حبائله ... يدنين منك طراد الصقر للخرب فلمّا قرأ مروان الكتاب أطرق طويلا ثم رفع رأسه ورمى بالكتاب إلى عبد الحميد. فقال له عبد الحميد: يا أمير المؤمنين! انظر إلى موق هذا الرجل وسوء تدبيره، وإذا كان يكتب إلى أمير المؤمنين بمثل هذا التصريح من ذكر العشائر والقبائل فما [154 ب] يلقى به العوامّ في ذلك أوحش وأشنع. إنّ خراسان قد أنغلها هذا بحمقه وخرقه وسوء سياسته وقد انخرق عليك أمرها انخراقا لست آمن أن يدعو إلى البوار، وأنا أرى لك يا أمير المؤمنين، وفي رأيك البركة، أن تبادر خراسان برجل شامي الرأي عامّ الهوى، متألف رفيق مجرّب. قال: فمن ترى لذلك؟ قال: قد رميتها برجلين كلاهما يصلح لولايتها [عامر بن ضبارة أو] [2] نباتة بن حنظلة. فكتب مروان إلى ابن هبيرة في تولية نباتة خراسان وإمضائه إليها [من طريق قومس وتوجيه عامر بن ضبارة إليها من طريق سجستان] [3] .

_ [1] لعل البيت: «ولم تفر.. ترجو» ... [2] زيادة من كتاب التاريخ ص 270 أ. [3] زيادة من ن. م.

غلبة أبي مسلم على مرو وهرب نصر [1]

غلبة أبي مسلم على مرو وهرب نصر [1] كانت مرو نصفها في يدي نصر وعامله فيها، وشبل بن طهمان من قبل أبي مسلم، وكلا الفريقين يدخلونها مستوقين، فبينما هم على ذلك إذ مرّ فتية من المضريين عليهم السلاح في السوق فعرض لهم [2] فتى من بكر بن وائل وأعانه قوم من أصحابه فقاتلوهم فأمدّ نصر أصحابه المضريين وأمدّ علي بن الكرماني أصحابه البكريين. وخرج شبل إلى أبي مسلم فخبّره بذلك، فتهيّأ أبو مسلم وعبّأ خيله من الغد يوم الأحد لسبع خلون من شهر ربيع الآخر [3] سنة ثلاثين ومائة، وسار نحو مرو، فلما انتهى إلى قرية تسمى طوسان تلقاه رسول علي بن الكرماني يعلمه أن الحرب قد وقعت فالعجل، فسار أبو مسلم جوادا [4] ، فلما كان من المدينة على فرسخ [155 أ] لقيه وفد مضر بطاعتهم، فمال أبو مسلم إلى مسجد [5] ، وطرحت له طنفسة فجلس عليها وبايعوه وأعلموه أنّ نصر بن سيّار ومن خلفه على مثل ذلك. فدعا أبو مسلم أبا الحكم عيسى ابن أعين وأمره أن يتقدّم ويحبس مقدّمة أصحابه على القنطرة، فسار أبو الحكم جوادا حتى انتهى إلى قنطرة ابن عقيل فكفّ الناس، فلمّا وقف أبو الحكم على القنطرة أحسّت كتيبة نصر بالبوار، وظنوا أن أبا الحكم سيأخذ عليهم الطرق [6] ويحاربهم فدنا عقيل بن معقل فنادى: يا أبا الحكم! آمن

_ [1] زيادة يقتضيها السياق. [2] في الأصل: «له» . [3] في كتاب التاريخ ص 270 ب «ربيع الأول» والأصل أدق. [4] أي سريعا. [5] في كتاب التاريخ 270 ب «المسجد» . [6] في الأصل: «بالطرق» .

أنا حتى آتيك؟ فقال: نعم أنت آمن، فأتاه فصافحه وقال: سرّح معي من يبلّغني أبا مسلم، ففعل. وانصرفت كتيبة نصر إلى معسكره لم يعرض لهم عارض، فمرّ أبو الحكم حتى صرف الناس من كلّ وجه، فانتهى إلى موضع، فإذا هو بقتيلين من أصحاب أبي مسلم مسلوبين وسواد قد خرّق، وكان بإزائهما [1] عاصم بن عمير السمرقندي فانصرف قبل أن يلقاه أبو الحكم، فهمّ [2] بقتله [3] ، فقيل له سرّحه إلى أبي مسلم ليرى فيه رأيه، ففعل، فخلّى أبو مسلم سبيله. ودخل أبو مسلم مرو من باب قنوشير فتلا هذه الآية: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ من أَهْلِها 28: 15 [4] إلى آخر الآية، وتلقاه علي بن الكرماني قريبا من دار الامارة فقال له: قد ذلّ لك لأمر وملكت مرو فامض إلى دار الامارة بهيبة القوم لك، [155 ب] ورعبهم منك، فمضى أبو مسلم إلى دار الإمارة فنزلها، وعلي بن الكرماني معه، ثم دعوا الناس إلى البيعة فلم يتخلّف عنها أحد من أهل مرو. وبلغ نصر الخبر فقال لمن حضره، وقد اجتمعت إليه أشراف مضر: هذا يوم قد نعيت إليكم فيه أنفسكم، كونوا مع الناس [5] . وخرج علي بن الكرماني وأبو مسلم إلى المسجد، فصعد عليّ المنبر، وجعل أبو مسلم يبايع الناس، فإذا استوثق منهم أصعدهم إلى عليّ فمسحوا أيديهم على يده. فأقام أبو مسلم ثلاثة أيام يأخذ البيعة على أهل مرو، ثم بعث إلى نصر

_ [1] في الأصل: «بإزائهم» . [2] زيادة يقتضيها السياق. [3] في الأصل «بقتله» . [4] سورة القصص، الآية 15. [5] انظر الطبري س 2 ص 1990.

ابن سيّار، وهو في منزله بباب سرخس، على طريق العراق، بالدخول إليه. فبعث نصر إليه قيس بن يزيد الحنظليّ، ونافذة بن عمير السمرقندي: إنّي لست آمن سفهاء ربيعة واليمن أن يكمنوا لي في الأزقّة ويهيج القتال، فأبى أبو مسلم إلّا أن يلقاه فلمّا ألحّ عليه قال نصر: إن كان لا بدّ من لقائك فتحول الى قصري [1] الّذي على ماشان [2] ، ففعل. فلمّا أبطأ عليه أرسل أبو مسلم إليه سليمان بن كثير في جماعة من أصحابه في أول النهار الّذي هرب نصر في آخره، فلما أشرف على عسكر نصر أرسل إلى عدة من وجوه أصحابه، فقال: اخرجوا إليّ أعرض عليكم ما عندي وأنتم آمنون حتى تسمعوا كلامي وترجعوا إلى صاحبكم، قال: فأعلموا نصرا ذلك فقال: [156 أ] ايتوه واسمعوا منه. فخرج القوم إليه، فلمّا رآهم سليمان نزل في رهيط من أصحابه وقال لعظم أصحابه: تنحوا. فلمّا دنا منهم رحّب بهم ودعاهم إلى كتاب الله وسنّة نبيه صلّى الله عليه وسلّم، وأن يبايعوا للقائم من أهل بيته. قالوا: قد أجبناك، فناظر صاحبنا. قال سليمان: ما دعوناكم إليه على صاحبكم، وقولوا له: بادر الإجابة طوعا قبل أن تجيب إليها كرها فلا يقبل منك. فأبلغوا نصرا ذلك فقال لهم: قولوا: لست أجيب إلى هذا، وإذا اجتمع الناس على رجل كنت منهم، فأتوه بذلك. قال سليمان: فقولوا له: فما يريد أن يجيب أبا مسلم ويلقاه به؟ فقال: لست ألقاه إلّا في كتيبة خشناء. قال سليمان: اللَّهمّ قد أعذرنا وانصرف إلى أبي مسلم فخبّره،

_ [1] في الأصل: «قصر» والتصويب من كتاب التاريخ ص 270 ب. [2] في الأصل «ماسان» وما أثبتناه من كتاب التاريخ ص 270 ب. وماشان نهر يجري في وسط مرو، انظر معجم البلدان ج 5 ص 42. وفي الاصطخري ص 148، وابن خرداذبه ص 171 «الماجان» .

فلمّا صلّى الظهر من يومه بعث إليه لاهز بن قريظ [1] في جماعة، فدخلوا عليه فقال لاهز: أجب أبا مسلم. فقال: أفعل، وبعث إلى أبي مسلم من يتوثّق له في أخذ الأمان، ونودي بالعصر، فقال نصر: لست على وضوء، أتوضأ [2] وأصلّي وأخرج إليكم. ثم دخل يتوضأ، فأمر من نقب له في ظهر داره نقبا فخرج منه، وذلك يوم الجمعة لعشر من جمادى الأولى سنة ثلاثين ومائة، وحمل مالا كان معه، ولاهز ينتظر خروجه، فلمّا أبطأ عليه استراب [3] ، فقال لبعض من معه: ادخل فانظر، فإذا [156 ب] الدار منه بلاقع. فأتى آت إلى أبي مسلم فقال: هرب نصر. وركب أبو مسلم وابن الكرماني في الطلب، ففاتهما ومضى. وأمر أبو مسلم بالاحتفاظ بعسكره ألّا ينتهب، وهرب منهم من هرب، ودخل في الدعوة من دخل، وقتل منهم عدّة [4] . وكتب أبو مسلم بما كان من أمره واستيلاءه على مرو ومناصحة علي بن الكرماني واليمن إيّاه وبما أتاه عن الكور التي ظهرت فيها الدعوة، وبقوّة الهاشمية إلى إبراهيم الإمام، وكتب إلى أبي سلمة بما كتب به إلى إبراهيم. فحكي عن صالح بن الهيثم بن بسر مولى علي وأخي [5] أبي [6] العباس من الرضاعة قال: لمّا وصل كتاب أبي مسلم إلى إبراهيم بن محمد الإمام بدخوله مرو وهرب نصر، حمد الله ومجّده وأثنى عليه، ثم تمثل قول

_ [1] انظر الطبري س 2 ص 1993- 4. [2] في كتاب التاريخ ص 271 أ «ادخل وأتوضأ» . [3] في ن. م. «استراب به» ص 271 أ. [4] انظر الطبري س 2 ص 1995. [5] زيادة يقتضيها السياق. [6] في الأصل «أبو» .

خداش بن زهير العامري [1] في قوم عكاظ: فما برحت بكر تثوب وتدّعي ... ويلحق منها أوّلون وآخر لدن غدوة حتى أتى الليل وانجلت ... عماية يوم شرّه متطاير [2] فما زال ذاك الدأب حتى تخاذلت ... هوازن وارفضّت [3] سليم وعامر وكانت قريش يفلق الصخر حدّها ... إذا أوهن الناس الجدود العواثر ومرّ نصر حتى أتى نيسابور، وانضم إليه من هرب من أبي مسلم واجتمعت إليه قيس قاطبة وأعطوه من أنفسهم القيام بأمره [4] ، واستقبل خراسان ورأى أنّ [157 أ] ما خلفه [5] فيما بينه وبين ابن هبيرة ومروان ظهريّ له وقوة يتأيد بها هو ومن معه على الهاشمية، وأنشأ يقول: و [6] نصبت نفسي للرماح دريئة [7] ... إنّ الرئيس لمثل ذاك فعول وقال يحرّض قيسا ويمدحهم: سأذكر من وفاء كرام قيس ... وأعرض عن ذنوب ذوي الوصوم وعظم غنائهم في كلّ يوم ... كأن نجومه قطع الغيوم

_ [1] هو خداش بن زهير بن ربيعة بن عمرو بن عامر صعصعة، جاهلي. انظر الشعر والشعراء ج 2 ص 540، وخزانة الأدب ج 3 ص 230. [2] في الأصل: «متظاهر» والتصويب من كتاب التاريخ ص 271 أ. [3] في الأصل: «ارقصت» والتصويب من المصدر السابق ص 271 أ. [4] في كتاب التاريخ ص 271 أ «بأمرهم» . [5] في الأصل: «ما خلقه» . [6] زيادة من كتاب التاريخ ص 271 أ. [7] في الأصل: «ذرية» .

وكتب إلى ابن هبيرة يخبره بموضعه من مرو ويصف له سوء حاله وخروجه من سلطانه، وأنشأ يقول: لقد أسمعت لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن [1] تنادي ولمّا بلغ أبا مسلم إقامة نصر بنيسابور ومن اجتمع إليه وتسلل أصحابه نحوه وإجماع قيس على معاونته، وضع المراصد لئلا يخرج أحد منهم ولا يدخل إلّا بعلمه، وأمر بقتل من كان من أصحاب نصر محبوسا في القهندز.

_ [1] في كتاب التاريخ ص 271 ب «بمن» .

مسير قحطبة بن شبيب بالجنود إلى العراق وأمر أبو مسلم بجمع الناس في داره، فامتلأت الدار منهم فقال: إنّ الإمام كتب إليّ أنّه قد ولى [1] قحطبة المسير بالجنود إلى العراق لما رجا من كفايته، [157 ب] وعلى علم منه بأن الله كاسر قرنا من قرون الشيطان على يده فمن أحب أن ينتدب معه فلينتدب. وكان قحطبة قد توجّه بكتاب أبي مسلم إلى الإمام فقام فقال: إنّ الإمام يقرأ عليكم السلام ويقول لكم: إنّ الله قد قادكم إلى خير ما قاد إليه أمّة من نصرة آل نبيّكم والقيام بحقكم والانتقام بكم من أعوان الظالمين، والفوز بالخير الكثير في الدنيا والآخرة، فكبّروا لذلك وعظم سرورهم به، ودعوا لقحطبة بالبركة، واستبشروا بما خبّرهم عن الإمام. وخرج قحطبة، وأقام بخندق الواتحان من أبيورد حتى حسر عنه الشتاء، وأمكنت الطرق، وسرّب أبو مسلم إليه الجنود وبعث إليه بالسلاح [2] ، حتى إذا كان النصف من شعبان سنة ثلاثين ومائة كتب إليه أبو مسلم يأمره أن يشخص بسّام بن إبراهيم فيمن معه إلى سرخس ومعه خازم [3] بن خزيمة.

_ [1] في كتاب التاريخ «أن ولي» ص 271 ب. [2] في ن. م. ص 271 ب «وأبو مسلم يسرّب اليه الجيوش ويبعث اليه السلاح» . [3] في الأصل «حازم» .

مسير قحطبة بن شبيب بالجنود إلى العراق

فتح سرخس فسارا حتى نزلا عسكر شيبان بن سلمة الحروري الّذي كان رحل عنه، فبلغ ذلك شيبان فبعث إلى بسّام وفدا بما كان بينه وبين أبي مسلم من العقد، فقال بسّام: إنّا قدمنا سرخس مجتازين إلى هراة، ولسنا نريد قتال [158 أ] شيبان. وارتحل بسّام بمن معه يؤمّ هراة، فلما حاذى مدينة [1] سرخس عدل إليها، وخرج إليه شيبان في نحو من ثلاثة آلاف رجل، فالتقوا، فترجّل من كان مع شيبان، وبينه وبين بسّام نهر كثير الماء، فخاضه بسّام ومن معه، واقتتلوا قتالا شديدا، وقتل عامّة أصحاب شيبان وانهزم من بقي إلى المدينة، ولجئوا إلى المسجد، فقتل شيبان ومن بقي من أصحابه، وبعث برأس شيبان إلى أبي مسلم. وبلغ الخبر نصرا فاشتدّ جزعه وقال: اليوم استحكم الشرّ على مروان، وذلك أنّ أهل سرخس كانوا يدا واحدة على الهاشمية، فرثاهم رجل من بني حنيفة فقال: ما بال عينك لا تنام وقد رأت ... حول المدينة من سرخس قبورا ومصارعا لسراتنا قد قدّرت ... لا يستطيع لها النحيب نشورا [2] والطير تحجل حول نضح دمائهم ... عقبا تعاقب كلّهنّ نسورا قومي فقدتهم فزال لفقدهم ... جدّي، ولم يك قبل ذاك عثورا

_ [1] في الأصل: «بمدينة» . [2] في الأصل: «النجيب تسوّرا» .

فتح طوس

فتح طوس وكتب أبو مسلم إلى قحطبة أن يأتي طوس من أعلاها، وإلى القاسم بن مجاشع بسرخس أن يأتيها من أسفلها [1] ، وكان بها النابي بن سويد العجليّ، فلمّا بلغه خبر سرخس كتب إلى نصر بن سيّار أن يعاونه على الهاشمية ويذكّره ما [158 ب] كان فارقه عليه عند ممرّه به إلى نيسابور من أنهما يكونان يدا واحدة على الهاشمية، فوجّه إليه نصر ابنه تميما في فرسان مضر ومن أجابه من أهل نيسابور، وكتب إليه أنّه شاخص بنفسه ومن كان معه. وكان نباتة بن حنظلة [2] قد وافى الري في جمع كثيف وقوة، وأرادوا المصير إلى جرجان ليلجأ إليه فلول [3] نصر المنهزمين من أبي مسلم وفلول [3] سرخس ونسا وأبيورد، وقد بلغه أنّ قحطبة قد صمد لطوس. فكتب نصر إلى ابن هبيرة بحاله، وأنّه لم يبق لهم جمع يعتمدون عليه، وسأله أن يكتب إلى نباتة بطاعته وقبول رأيه في الحرب، فلمّا ورد كتابه على ابن هبيرة قال: ما كنت لأولي مثل نصر على نباتة، وإنّما نحن في إصلاح ما أفسد نصر، فلم يجبه إلى ذلك. وبرز تميم بن نصر والنابي، ونزل قحطبة بإزائهما، وعنّوا خيولهم، وتزاحم القوم، فلما تدانى الصفّان بعث إليهم قحطبة يدعوهم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه وإلى الرضا من آل رسوله، فشتموا رسوله ولم يسمعوا منه وقد أعجبتهم كثرتهم، وجعلوا يقولون للهاشمية: يا عبدة

_ [1] انظر الطبري س 2 ص 2000، [2] في الأصل: تكرار ل «ابن حنظلة» . انظر الطبري س 2 ص 1977- 8، وص 2004، وأنساب الأشراف ج 3 ص 405. [3] في الأصل: «ملوك» .

الرءوس، يا مجوس، يا علوج، وأفرطوا في شتمهم، وقال لهم قحطبة، لا تجيبوهم ولا تشاتموهم فإن الله ناصركم عليهم لبغيهم وعتوهم. ثم أمر قحطبة الناس أن يحملوا [1] عليهم فشدوا عليهم [159 أ] شدّة رجل واحد، وصبر القوم لهم مليّا، وقاتلوهم قتالا شديدا. ثم إنّ قحطبة صاح: يا أعوان الحقّ شدّوا على الفجّار فقد شتت الله أمرهم، وتحاضّ الناس على القتال، فهزموا تميما والنابي ومن معهما، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وقتل تميم في المعركة، وهرب عاصم بن عمير في عدّة إلى نصر، وانحاز النابي في جماعة كثيرة إلى القرية، وتحصنوا في حصنها، وأحاط بهم الجند، ونادى منادي قحطبة: من خرج إلينا فهو آمن ما خلا النابي. ولمّا خاف [2] القوم من يدخل [3] عليهم عرقبوا دوابّهم وألقوها على الباب، وثلموا في الحائط ثلمة تشرف بهم على جرف غائر [4] في الأرض، وخرجوا منه متتابعين لا يعلم الآخر ما لقي الأول، وجعل كلّ من خرج يهوي في ذلك الغور، فيقال إنّه هلك في تلك الوهدة نحو من ألفي رجل لم يمسسهم سلاح قتلوا به. وباتت الهاشمية يحرسونهم إلى الصباح [5] ، فلما أصبحوا نقبوا عليهم نقبا ودخلوا عليهم منه، وقتلوا النابي ومن كان بقي معه، وأتي قحطبة برأسه ورأس تميم. وكتب قحطبة بالفتح إلى أبي مسلم، وبعث إليه برأس تميم والنابي. وكان نصر خرج من نيسابور فعسكر في قرية يقال لها موروشك [6] في نحو من

_ [1] زيادة. [2] في الأصل: «خافوا» . [3] لعله: من أن يدخل. [4] في الأصل: «غابر» ، والتصويب من كتاب التاريخ ص 272 أ. [5] في الأصل: «الصلاح» . [6] في كتاب التاريخ ص 272 ب: «ووصل خبر القوم إلى نصر وهو بظاهر نيسابور» .

عشرة آلاف رجل من قيس ومن ضوى إليه من أعوان بني أميّة، وخلّف إبراهيم بن عبد الرحمن القشيري في حشر الناس [159 ب] فبينا هو مقيم هناك إذ أتاه خبر هزيمة القوم، وقيل له إنّ تميما والنابي محصوران، فانصرف إلى نيسابور ونزل في حائط لمعقل بن عروة، ثم أتاه الخبر في آخر النهار بقتل تميم والنابي، فارتحل ساعة أتاه الخبر بنوح نساء أهل نيسابور وبكائهن على من قتل من رجالهن، ومضى إلى قومس [1] وخلت نيسابور من جند بني أمية وأعوانهم. وكتب نصر إلى مروان يخبره بمصاب تميم والنابي، وارفضاض الناس عنه، وخروجه عن خراسان إلى قومس. فكتب إليه مروان بإشراف نباتة عليه وإتباعه بأبي بكر بن كعب العقيلي وعطيف بن بشر في جمع كثير من أهل الشام، فلينضمّ إليه وتكون أيديهم واحدة حتى يرد عليهم ابن ضبارة في فرسان أهل الشام، وكتب إلى ابن هبيرة: أمّا بعد، فإن نصر بن سيّار كتب إلى أمير المؤمنين بمن [2] تجمّع من أعداء الله من شرار العجم وسقّاط العرب، ويشكو سوء إجابتك إيّاه، وتثاقلك عن إمداده، فما أكثر استزادة أمير المؤمنين لك في كل ما يأمرك وينهاك عنه، فإذا نظرت في كتاب أمير المؤمنين فسرّب إلى نصر الجموع بعد الجموع، ثم اتبعهم القوة بعد القوة، وسرّح من ولدك أحمدهم عندك عقلا وأصحّهم نية في جهاد عدوّ أمير المؤمنين، وولّه أمر ذلك الجند ومره [160 أ] بحسن [3] سياستهم والرّفق بهم، حتى يكون لهم كالوالد الشفيق

_ [1] انظر معجم البلدان ج 4 ص 414، اليعقوبي- البلدان ص 276، الاصطخري ص 124، ابن خرداذبه ص 23. [2] في الأصل: «من» . [3] في الأصل: «يحسن» .

أو المؤدب الرفيق حتى لا يدخله سأمة فيما يحاول من مصلحتهم. ثم آثرهم بما يجتمع عندك من الفيء، فإنّهم أحقّ به ممّن أقام ولم يصل بالحرب، فإنّ أمر خراسان قد تفاقم، واشتدت شوكة من تجمّع هناك، واستولت السفلة على الأخيار وعلى أهل الدين والحسب للذي كان الله ابتلاهم به من الفرقة والتباين، فأبدلهم الله بذلك مذلّة الأرباب وربوبية العبيد، وفي تعجيلك الجنود عزّ لأهل الطاعة، وذلّ لأهل المعصية. فاستدرك ما قد تفاوت من تفريطك، فإن العراق لك مدد، والأموال لديك كثيرة غير مقبوضة يدك عنها، ولا يحال بينك وبينها، فاجعل ما تمدّهم به من مال وسلاح من قبل فارس، فإنّهم إليه أسرع وعليهم أوسع. وقال نصر بن سيّار يرثي ابنه تميما: نفى عني العزاء وكنت جلدا ... نكوب فجائع الحدث العظيم وهمّ أورث الأحشاء وجدا ... لإجلاء الفوارس عن تميم ومصرعه على قضب الأعادي ... يذبّ عن الجماعة والحريم وفاء للخليفة وابتذالا ... لنفس من أخي ثقة كريم فإن يك دهرنا أودى مداه ... بفارسنا المقاتل في الصميم [160 ب] وإن يشمت بنكبتنا عدوّ ... فما أنا بالضعيف، ولا السئوم [1]

_ [1] انظر رواية أخرى لأبيات نصر بن سيار في الدينَوَريّ- الأخبار الطوال ص 355.

فتح نيسابور

فتح نيسابور ثم وجّه قحطبة العكّيّ إلى نيسابور في ألفي رجل، فقدمها العكيّ، ووافاه القاسم بن مجاشع في خيله، ثم شخص قحطبة إلى نيسابور، واستخلف على طوس عبد الجبار بن عبد الرحمن. وقدم قحطبة نيسابور آخر يوم من شعبان سنة ثلاثين ومائة، فآمن الناس جميعا، ولم يكشف أحدا عن شيء، ونادى مناديه بالأمان إلّا لرجل حضر مقتل يحيى بن زيد، ودعاهم إلى البيعة، فحضره وجوههم، فأخذ البيعة عليهم، ثم كلّم بعد فيمن استثنى ممن شهد مقتل يحيى بن زيد فآمنهم جميعا. وصرف القاسم بن مجاشع إلى أبي مسلم في خاصة أصحابه، وكتب قحطبة إلى أبي مسلم بدخوله نيسابور، وما فتح الله عليه، فعظم سروره وسرور من معه بذلك. وأقام قحطبة بنيسابور في أخذ البيعة شهري [1] رمضان وشوّال، وبعث إلى رساتيق نيسابور في أخذ البيعة على أهلها، وبسط لهم الأمان، ووجّه محرز بن إبراهيم وأبا كامل في ألفي رجل إلى بيهق [2] وجعله مسلحة بها ليقطع به طمع نصر بن سيّار.

_ [1] في الأصل: «شهر» والتصويب من كتاب التاريخ ص 271 ب، وعبارته «وأقام شهري رمضان وشوال حتى أخذ البيعة على أهل البلد والسواد» . [2] انظر معجم البلدان ج 1 ص 537، ابن خرداذبه ص 24.

فتح جرجان

فتح جرجان وسار نباتة بن حنظلة من الري إلى جرجان، واستخلف على الري أبا بكر بن كعب [161 أ] العقيلي، ووافى جرجان، وأمر بعرض جنود خراسان، فدعا بنصر بن سيّار، فقال عاصم: حلّقوا [1] على اسمه، وحلّق على من لم يوافقه [2] من جند خراسان [3] ، وخندق على مدينة جرجان. وبلغ نصرا إسقاط نباتة اسمه واسم من معه فقال: هذا عن رأي ابن هبيرة، ولئن ظنّ ابن القرعاء أني أقاتل عنه وأنقاد لنباتة لبئس ما ظن، وأقام بقومس. وكتب أبو مسلم إلى قحطبة أن يمضي إلى نصر ويصمد [4] صمده، فأبي أن يفعل ذلك، وكتب إليه: ما كنت أمضي إلى نصر وهو فلّ [5] ، وأدع خلفي نباتة في فرسان أهل الشام وأهل خراسان، ولكني أمضي لجرجان، فإن أظفر الله بنباتة فما أيسر أمر نصر. فكتب إليه أبو مسلم: الرأي رأيك، امض لما رأيت [6] ، فوجّه عند ذلك الحسن بن قحطبة إلى جرجان، وضمّ إليه من كان مع القاسم بن مجاشع. وأوقع الحسن بن قحطبة ببعض مسالح نباتة فقتلهم، وأخذ خيلهم وسلاحهم، وكتب بذلك إلى قحطبة، فسار قحطبة إلى جرجان، فخرج إليه خلق كثير قد سوّدوا في الأمان. وخرج إليه

_ [1] حلق على اسمه، جعل حوله حلقة فأبطل رزقه. [2] في كتاب التاريخ ص 272 ب «وحلق على من يرافقه» ، والنص هنا أصوب. [3] يضيف ن. م. «وعرف نباته جنده» ص 272 ب. [4] أي يقصده. [5] في الأصل: «قل» وما أثبتناه من المصدر السابق ص 273 أ. [6] في كتاب التاريخ «الرأي ما رأيت فامض إليه» ص 273 أ.

نباتة فيمن معه من أهل الشام، ومن انضاف إليه من عرب خراسان، فقال قحطبة: نبدؤهم بالحجّة، فندعوهم، ثم دعا السري الجعفي فقال له: اخرج إلى هذا الطاغية فقل له: إنّا ندعوك إلى كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم وإلى الرضا من آل رسوله، لا نستأثر عليك، لك ما لنا وعليك ما علينا، [161 ب] فمضى حتى دنا من صفّهم فقال: أتؤمنوني حتى أكلّمكم؟ قال: ونباتة يسمع، فقال: أنت آمن فقل ما شئت. فقال السري: هذا الأمير قحطبة يدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، وإلى الرضا من آل رسوله صلّى الله عليه وسلّم، على ألّا يستأثر عليكم، ولكم ما له، وعليكم ما عليه. قال نباتة: تعسا لك! ألهذا جئتنا؟ وقال بعض أصحابه: نحن ندعوكم [1] إلى الله، وإلى الخليفة مروان وإلى الرزق والعطاء الجاري، هذا الأمير نباتة صاحب وقعة يوم الأهواز، وله وقائع عظام في أهل الشقاق، قد بسط لكم الأمان، وهو يعرضه عليكم. فانصرف السريّ فخبّر قحطبة، فتهيأ القوم للحملة، فإذا فارس قد أقبل من الميمنة فدنا من قحطبة فقال: أيها الأمير! ينادي مناديك الساعة في موقفك، وتبعث بذلك إلى الأبواب كلّها: إنّ من دخل داره من أهل جرجان فهو آمن، فإنّي أرجو أن يرفضّ عنه [2] كثير من الناس. قال قحطبة: سرّك الله وبرّك، أصبت وأحسنت، ناد: من دخل داره من أهل جرجان وأغلق بابه فهو آمن. فلمّا نودي به في كل الأبواب تسلل خلق كثير، ونباتة واقف لم يتحلحل من موضعه. قال: وأقبل رجل من داخل المدينة فدنا من نباتة فكلّمه بشيء فمال [3] إليه برأسه يتفهّم كلامه ثم استوى على دابّته وكلّم إنسانا يليه وعطف [162 أ] بفرسه

_ [1] في الأصل: «ندعكم» . [2] في الأصل «عنك» . [3] في الأصل: «ومال» وما أثبتناه من كتاب التاريخ ص 273 أ.

راجعا إلى المدينة. قال: فقال عامر [1]- وهو الّذي أشار بالنداء- انهزم القوم وربّ الكعبة. ونادى قحطبة أن احملوا، فحملوا [2] ، وانهزم القوم، ودخل أهل الشام المدينة، وأغلقوا الأبواب دون من كان معهم من فلّال خراسان، ودخل الحسن بن قحطبة والعكيّ المدينة، وثبت لهم سالم [3] بن راوية التميمي وقاتلهم طويلا ثم قتل. ولم يلبث قحطبة أن فتح الباب الّذي كان نباتة واقفا عليه، ودخل الجند فقتلوا نباتة وقتلوا ابنه حيّة، وقتلوا الخطاب بن البحتري التميمي، وضرار بن المهلب، واستولى قحطبة على المدينة من يومه وهو يوم السبت لثلاث خلون من ذي الحجّة سنة ثلاثين ومائة. وأمر قحطبة برفع السيف عن الناس، ولم يتعرض [4] لأحد أغلق بابه عليه، وهرب أكثر قوّاد نباتة، ونودي في الناس بأمانهم وأخذت [5] البيعة عليهم. وكتب قحطبة بالفتح إلى أبي مسلم، وبعث إليه برأس نباتة ورأس ابنه حية ورأس ضرار ابن المهلب وسالم بن راوية، وكتب إليه يخبره ببلاء أهل جرجان، ووصف اجتهاد من كان معه منهم ومسارعة من قدم عليه من عوامّهم إلى الدعوة، وإنّه لم يبل أحد ممن كان معه بلاءهم. ونادى قحطبة: من أراد الفرض والجهاد في دعوة آل محمد فلينتدب، فسارع [6] أهل جرجان إلى ذلك، فلم تأت عليهم [162 ب] خامسة حتى أفرض خمسة آلاف رجل. وخرج رجل

_ [1] لعله عامر بن إسماعيل، أحد قواد قحطبة. انظر الطبري س 2 ص 2001. [2] في أنساب الأشراف ج 3 ص 406: «نادى أهل خراسان: يا محمد يا منصور، ونادى أهل الشام: يا مروان يا منصور» . [3] انظر الطبري س ص 2006. [4] في كتاب التاريخ ص 274 أ «ولم يعرض» . انظر الطبري س 2 ص 2016. [5] في كتاب التاريخ «وجمعوا فأخذت..» ص 274 أ. [6] في الأصل: «وسارع» وما أثبتناه من كتاب التاريخ ص 274 أ.

فتح قومس

من غني أو باهلة عند ما أوقع الله بنباتة، وتشبّه بالمجوس، وحلق لحيته، وشدّ كستجا على وسطه، وأتى نصرا وهو بقومس فخبّره بمقتل نباتة، فارتحل من قومس، فنزل الخوار [1] ، وعظم عنده ما أوقع بنباتة وأصحابه، واستيلاء قحطبة على جرجان. فتح قومس ووجّه قحطبة، وهو بجرجان، الحسن بن قحطبة على مقدّمته إلى قومس، فشخص في أول المحرّم سنة إحدى وثلاثين ومائة، فسار الحسن حتى نزل بسطام [2] مدينة قومس، وألفى بها محرز بن إبراهيم ومعه أبو كامل وأبو العبّاس المروزي، فصاروا جميعا مع الحسن. فوجّه الحسن أبا كامل إلى سمنان [3] ، وبينه وبين عسكر نصر بضعة عشر فرسخا، فلمّا دنا من عسكره، بعث إلى نصر من يخبره بمجيئه فيمن جاء معه من الهاشمية، وسأله أن يبعث إليه جندا كثيفا يمكنهم منهم، فبعث نصر عاصم بن عمير السمرقندي في خيل وحاتم بن الحارث وغسّان بن علي بن معقل في وجه آخر، فهجموا على الهاشمية فأحاطوا بهم من كل وجه، ونكّس أبو كامل علمه، ولحق بالقوم فيمن شايعه على أمره من خاصة أصحابه [4] ، فأسقط في يدي من بقي، وقيل لهم: من ألقى سلاحه فهو آمن، فألقوا أسلحتهم، [163 أ] وأخذوا

_ [1] انظر معجم البلدان ج 2 ص 394، والطبري س 2 ص 2016، الاصطخري ص 123. [2] معجم البلدان ج 1 ص 421، الاصطخري ص 124. [3] معجم البلدان ج 3 ص 251، الاصطخري ص 124، ابن خرداذبه ص 23، قدامة- الخراج ص 201. [4] انظر الطبري س 3 ص 1- 2.

خيلهم وسلبوهم سوادهم [1] ، وسيقوا فأدخلوا حائطا حصينا فكانوا فيه. وبعث إلى نصر بعدّة منهم، فمنّاهم ووعدهم أن يفرض لهم في شرف العطاء ويحسن إليهم، وصرفهم إلى إخوانهم في ذلك الحائط ليخبروهم برأيه فيهم، ووضع عليهم الرقباء ممن كان معه من أهل خراسان، وأقاموا يومهم ذلك، فلمّا جنّ عليهم الليل رأى رجل منهم ثلمة يمكنه الخروج منها، فدعا أصحابه إلى ذلك، فتابعه على ذلك عامّتهم، وعالجوا تلك الثلمة حتى خرج عامّتهم، وبقيت منهم بقيّة لم يقدروا على الخروج من الضعف والضر، وطلب من خرج من الغد، فلم يدركوا، فذهب بمن بقي إلى نصر، وبعث بهم نصر إلى ابن هبيرة، وبعث بهم ابن هبيرة إلى مروان. ولمّا انتهى خبر أبي كامل [وما لقي من كان معه] [2] إلى الحسن بعث خازم بن خزيمة على مقدمته إلى سمنان، ينزل [3] بها ولا يبرحها، وضمّ إليه ثلاثة آلاف رجل، فأقام بها نحوا من عشرين ليلة. وبعث نصر مسالح من أهل الشام، فبعث الحسن إليهم خيلا، فبيّتوهم، وغنموا ما كان معهم من دوابّهم وسلاحهم، وبلغ ذلك نصرا، فارتحل إلى الري وألفى بها أبا بكر بن كعب واليا عليها قد بعثه ابن هبيرة. وكتب الحسن بن قحطبة إلى قحطبة بما كان من أمر أبي كامل فبعث إليه قائدا من قواده وأعلمه أنه قادم وأمره ألّا يتحرك إلّا أن يرى فرصة [163 ب] فينتهزها. وأقام قحطبة بجرجان بقيّة ذي الحجّة والمحرم حتى جبى [4] شيئا من خراج جرجان وقسمه فيمن كان معه.

_ [1] في كتاب التاريخ ص 274 أ- ب: «فأخذت دوابهم وسلب سلاحهم» . [2] الزيادة من هامش الأصل. انظر كتاب التاريخ ص 274 ب. [3] لعله: وأمره أن ينزل، وفي كتاب التاريخ ص 274 ب «أمره الا يبرح سمنان» . [4] في الأصل: «جاء» وما أثبتناه من المصدر السابق ص 274 ب.

فتح طبرستان

فتح طبرستان ولما جبى قحطبة جرجان وقسّمه في أصحابه بعث خالد بن برمك إلى أصبهبذ [1] طبرستان يدعوه إلى الطاعة فأجاب إلى ذلك، وضمن أن يحمل صلحه [2] ، فكتب بذلك إلى أبي مسلم، وكان ذلك أوّل ما حرّك من أمر خالد. فاستخلف أسيدا [3] على جرجان، وشخص إلى الري، وكان كلّما فتح بلدا خلّف به أسيدا، ثم يبعث إليه أبو مسلم عاملا ثم يلحق أسيد بقحطبة [4] ، فلما قدم بسطام، وبها الحسن، أمره أن يتقدّم فيمن معه إلى الخوار، فتقدّم الحسن ونزل الخوار. وبلغ ذلك نصرا فخرج من الري نحو همدان، وبلغنا أن أبا بكر بن كعب وعطيف [5] بن بشر قالا له: أقم ونحن معك حتى تلقى هؤلاء القوم فإنّ جماعتنا حسنة، فقال: تركتموني حتى صرت جسرا، قلتم: أقم، شأنكم بالقوم، أمّا أنا فقد أعذرت. فقال له حبيب بن بديل [6] : إنّ ابن هبيرة يقول لك: أقم بموضعك فقد أظلّتك الأمداد، فأبى أن يقيم، وخرج إلى همدان، وخرجت خيول مروان وفيهم أبو بكر بن كعب وعطيف [7] ابن بشر وحبيب بن بديل، في جمع كثير قد تشتت أمرهم وتخاذلوا فلحقوا بعامر [164 أ] ابن ضبارة.

_ [1] في الأصل: «اصبهد» وفي كتاب التاريخ «الاصفهبذ بطبرستان» ص 274 ب. [2] في ن. م. ص 274 ب: «وضمن أن يحمل مال الصلح» . [3] في الأصل: «أسدا» ، وهو أسيد بن عبد الله الخزاعي وقد جاء بعدئذ باسم (أسيد) . انظر ن. م. ص 274 ب. [4] انظر ن. م. ص 274 ب. [5] الأصل: غطيف. انظر الطبري س 3 ص 2. [6] انظر الطبري س 3 ص 2. [7] الأصل: «غطيف» ، ويرد بصورة «عطيف» عدة مرات في هذا الكتاب.

فتح الخوار والري وموت نصر

فتح الخوار والري وموت نصر وبلغ ذلك قحطبة، فشخص وكتب إلى الحسن يأمره أن يمضي إلى الري، فمضى الحسن ولحقه قحطبة قبل أن يدخلها، فدخلها في صفر سنة إحدى وثلاثين ومائة عفوا لم يقاتل عليها. ومضى نصر وهو يريد همدان، وهو مريض شديد المرض، فلما صار بساوة [1] هلك [2] بها يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين ومائة. وبلغنا أنّه كان استخلف سيّارا ابنه على جنده، وأمره ألّا يقطع أمرا إلّا بأمر عليّ بن معقل الحنفي. فلما هلك نصر تفرق أصحابه فلحقت فرقة منهم بالبصرة وفرقة بابن ضبارة، وثبت بقيتهم مع سيّار بن نصر بن سيّار. فأقام قحطبة بالري، وكتب إلى أبي مسلم بما صنع الله له، وسهّل الأمور عليه، وبما انتهى إليه من وفاة نصر، وبلغ ابن هبيرة وفاة نصر ونزول قحطبة بالجنود الري فأعظم ذلك. وأقام قحطبة بالري نحوا من خمسة أشهر، فلا يخرج أحد من الري ولا يدخلها إلّا بإذنه وجوازه.

_ [1] انظر معجم البلدان ج 3 ص 179. [2] في الأصل «هلك بجرجان» وهو سهو من الناسخ، والتصويب من كتاب التاريخ، ونصه «لما بلغ ساوة هلك بها ... » ص 275 أ. انظر الطبري س 3 ص 2.

فتح أبهر [1]

فتح أبهر [1] وبلغ قحطبة أن بدستبى [2] قوما من الخوارج والصعاليك، قد تجمعوا هناك، فوجّه إليهم أبا عون في أهل جرجان، فخرج حتى نزل أبهر من دستبى، ثم توجّه إلى الخوارج ومن تلفّف إليهم، فدعاهم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلّى الله عليه وسلم [164 ب] وإلى الرضا من آل رسوله، فلم يجيبوه، وقاتلوه فظفر بهم بعد قتال شديد، وتحصّن عدة منهم حتى آمنهم أبو عون فخرجوا إليه، وأقام معه عدة وافترضوا، وانصرف بقيّتهم إلى أوطانهم [3] . فكتب إلى قحطبة بذلك، وكتب إليه يأمره بالمقام في موضعه، وبثّ خيوله فيما يليه، وبسط الأمان لمن أتاه، وتألف الناس. فأقام أبو عون بمدينة أبهر نحوا من ثلاثة أشهر، وبلغ قحطبة إقبال مالك بن أدهم فيمن أقبل معه من أهل الشام، وانضمام سيّار بن نصر وعلي بن معقل في أصحاب نصر إليه وما اجتمعوا عليه من التوجه إلى همدان. فتح همدان فتوجّه الحسن بن قحطبة على طريق المحجّة إلى همدان في أهل مروالروذ، فيهم خازم بن خزيمة وخفاف والأغلب وغيرهم من القواد، فشخص الحسن

_ [1] انظر: معجم البلدان ج 1 ص 83، قدامة الخراج ص 199، الاصطخري ص 116. [2] معجم البلدان ج 2 ص 454. [3] انظر كتاب التاريخ ص 275 أ.

حصار نهاوند

وقد أقبل مالك [1] يريد همدان، فلما بلغوا قلعة التستر [2] أتاهم أنّ الحسن قد نزل همدان فيمن معه، فعدل إلى نهاوند [3] ودخلوا [4] مدينتها، وتحصنوا فيها طمعا في ابن ضبارة. فبلغنا أن النضر [5] بن حميد اللخمي، وكان في ذلك الجند، قال لهم: ما إدخالكم أنفسكم في الحصار وفيه المذلّة والصغار، ولنا [6] أن نكون بساوة على ظهور خيولنا فإن طمعنا في ابن ضبارة ملنا إليه، [165 أ] وإن أبطأ عنّا لحقنا بابن هبيرة، إنّه والله ما صار أحد إلى الحصار إلّا خزي وذلّ. فأبى القوم أن يجيبوه، فقالوا: نكون في حصن فقد أظلّنا ابن ضبارة، فإذا دنا خرجنا إليه. وانتهى إلى الحسن خبرهم، فكتب إلى قحطبة يخبره بذلك، وكتب إليه يأمره بالمسير إليهم وبمحاصرتهم، وأمدّه بألفي رجل فيهم الجهم [7] بن العلاء في ألف وثلاث مائة رجل. حصار نهاوند فشخص الحسن حتى نزل نهاوند وحاصر القوم بها، فأشار بعضهم بالخروج إليه، وأبى الأكثر أن يخرجوا [8] حتى يقرب منهم ابن ضبارة.

_ [1] انظر الطبري س 3 ص 2- 3. [2] انظر معجم البلدان ج 2 ص 29. [3] ن. م. ج 5 ص 313، اليعقوبي ص 272، الاصطخري ص 118، ابن خرداذبه ص 19 وص 20، وهي على خط طول 54 35 شمال وخط عرض 32 49 شرق. [4] في كتاب التاريخ ص 275 أ. «ودخل مدينتها طمعا في أن يصل إليهم ابن ضبارة» . [5] في الأصل: «النصر» : انظر ص 173 أ. [6] في الأصل: «أنا» . [7] انظر الطبري س 3 ص 3- 4، وأنساب الأشراف ج 3 ص 406 وص 237 (الرباط) ، والإشارة إلى أبي الجهم ابن عطية مولى باهلة. [8] في الأصل «أن لا يخرجوا» ، والتصويب من كتاب التاريخ ص 275 أ- ب وعبارته «وأبى الآخرون أن يخرجوا» .

وبلغ أبا سلمة ما دبّر ابن هبيرة [1] في ابن ضبارة وما صنع مروان فيمن وجّه من الجنود، فكتب إلى أبي مسلم يخبره بذلك، وأن يسرّب الجنود إلى [2] قحطبة [3] وكتب أبو سلمة إلى قحطبة يأمره بالتأنّي حتى يستكشف أمره، وبعث بكتابه إليه مع أشيم بن دعيم المسلي، فقدم الري، فألفى قحطبة قد أراد الخروج وأن يتقدم، فلما قرأ كتاب أبي سلمة أقام بالري حتى قدمت الجنود إلى قحطبة قائدا في اثر قائد حتى سرّب إليه أحد عشر قائدا في نحو من عشرة آلاف رجل. وأراد أبو مسلم أن يكون ردءا لقحطبة ومن [4] معه وأن يقرب من مغاثهم إن نكبوا مع ما أحب من تنحية علي بن الكرماني عن مرو وبلاد قومه لما همّ به من قتله وقتل أصحابه، فسار [165 ب] أبو مسلم من مرو إلى نيسابور [5] في زهاء أربعين ألف رجل ومعه علي بن الكرماني، يصلّي أبو مسلم خلفه ولا يقطع أمرا دون عرضه عليه ورضاه به. ووجّه أبو مسلم على مقدّمته العلاء بن حريث الخزاعي، فلمّا قدم سرخس أمر العلاء أن يقيم بها، واستعمله عليها، وجعل مكانه على مقدّمته أبا سعيد بن معاوية ابن يزيد بن المهلب، فقدم أبو مسلم نيسابور في صفر سنة إحدى وثلاثين

_ [1] في كتاب التاريخ ص 275 ب محل عبارة «في ابن ضبارة.. وجه من الجنود» ما يلي: «وهو أن يدخل عامر بن ضبارة مع داود بن يزيد بن هبيرة طريق سجستان إلى خراسان ونباتة بن حنظلة من طريق قومس، وابن هبيرة يدخل بنفسه من طريق طبس فيطيفوا بالهاشمية من الجوانب فيقتلعوهم» . [2] في الأصل: «وإن يسرب إليه الجنود إلى قحطبة» . [3] يضيف ن. م. ص 275 ب «فإن خيول بني أمية تكاد تحيط بقحطبة يمنة ويسرة من جهة فارس وشهرزور» . [4] ن. م. ص 275 ب. «بمن» . [5] انظر الطبري س 3 ص 3.

فتح قم [3]

ومائة، ثم قفل إلى مرو. وانتهى الخبر إلى أبي مسلم بصدوف [1] ابن ضبارة وداود في أهل الشام عن الطريق الّذي كان أشفق أن يدخلوا عليه من قبل سجستان والطبسين لأنهم كانوا همّوا أن يمرّوا من كرمان على سجستان حتى يدخلوا خراسان [2] ثم عدلوا إلى أصبهان فسرّ أبو مسلم بذلك. فتح قم [3] نو بلغ قحطبة إقبال ابن ضبارة، فوجّه العكي في أربعة آلاف رجل إلى قم فشتا بها، ثم أتبعه بموسى بن عقيل وحباس بن خبيب. ووجّه قحطبة عمرو بن حفص العتكيّ [4] في خيل ضمّها إليه الى أصبهان وأمره أن يتطرق [5] خيول ابن ضباره ويكتب إليه بأخباره فإن دهمه أمر لا يقوى عليه انصرف إليه، فسار عمرو حتى نزل رستاقا من أصبهان يسمى أنار [6] . وأقبل ابن ضبارة [166 أ] فلما صار إلى أصبهان بلغه موضع عمرو منها، فوجّه إليه قائدا من قوّاده يقال له عبد الرحمن بن حكم المري في ثلاثة آلاف

_ [1] في الأصل: «صروف» . [2] في كتاب التاريخ ص 275 ب «حتى يدخلوا خراسان ويدخل مروان من طريق شهرزور مع جنود الشام وابن هبيرة يقصدهم من طريق خوزستان، فعدل ابن ضبارة وداود إلى أصفهان فسر بذلك أبو مسلم» . [3] انظر معجم البلدان ج 4 ص 397، اليعقوبي ص 273، الاصطخري ص 118، ابن خرداذبه ص 41. [4] في كتاب التاريخ ص 276 أ «عمر العكي» وفي الطبري يرد اسم عمر بن حفص العتكيّ س 3 ص 139. [5] في كتاب التاريخ 276 أ «يتطرف» . [6] في الأصل: «أنمار» . انظر ابن خرداذبه ص 20.

فتح أصبهان

فارس، فبيّتوه وقتلوا عدة من أصحابه فنجا عمرو وتحصّن في قرية من [1] أصبهان تدعى نميور. وبلغ قحطبة ما لقي عمرو، وكان قد وكّل عامر بن إسماعيل بالطرق ما بين الري وهمدان، وأمره أن ينزل قصر تستر [2] ، ويضع المسالح، وكتب إلى عامر هذا أن يتقدّم إلى أصبهان، وكتب إلى العكي يأمره أن يوجّه إليه رجلا في خمس مائة فارس، وكتب إلى أبي عون أن يوجّه إليه رجلا في خمس مائة أخرى، فوجّه إليه العكي المخارق بن غفّار [3] ، ووجّه أبو عون أبا الجند الأعور، وتوافي المخارق وأبو الجند [4] إلى عامر بن إسماعيل. ثم كتب قحطبة إلى أبي عون وهو [5] بأبهر [6] أن يتوجّه من موضعه فيمن معه حتى ينزل قرية تسمّى أبة [7] من أصبهان، وكتب إلى العكي وإلى عامر بن إسماعيل: إن دهمهم من عدوّهم ما لا قوّة لهم به أن ينضموا إلى أبي عون ويطيعوه. فتح أصبهان وبلغ قحطبة إقبال ابن ضبارة، فأمر أبا الجهم بعرض الجند، وإحصاء من كان قدم معه من أهل نسا وأبيورد وجرجان ومروالروذ، فبلغوا نحوا من ثلاثين ألف فارس [8] سوى من قدم على قحطبة بالري من القواد الذين

_ [1] زيادة. [2] في الأصل: «تسترا» . [3] يذكر الطبري س 3 ص 4 المخارق بن عقال بين قادة قحطبة. [4] في الأصل «الجنيد» . انظر الاشتقاق لابن دريد ص 82. [5] «هو» في الأصل مكرر. [6] انظر ابن خرداذبه ص 22. [7] في كتاب التاريخ ص 276 ب «آيه» . ويذكر ياقوت «آية» من أعمال الري، معجم البلدان ج 1 ص 297. [8] في كتاب التاريخ ص 276 ب «رجل» .

ذكرناهم، فلما فرغ من [166 ب] العرض أمر بأرزاقهم، وتهيأ للتقدم إلى أصبهان. وأقبلت خيل من ابن ضبارة مع رجل من بني مرّة يقال له عجرة، في نحو من سبعة آلاف رجل يريدون عامر بن إسماعيل، وهو أدنى جند الهاشمية اليهم، فأمر عامر المخارق أن يخرج في أصحابه، فيقف على شرف بينه وبين العسكر قدر ميل، فخرج المخارق، فأتاه رجل من أهل القرية وهو مرعوب فقال: رأيت خيل أهل الشام من وراء هذا الشرف نزولا يسقون دوابّهم فارتفعت عنهم، وجئت إليكم أعلمكم، فأمر بالتهيؤ، وركب وعبّأ أصحابه. فلم ينته المخارق إلى ذلك الشرف حتى رأى رهج القوم، فأرسل إلى عامر يخبره بذلك، ثم وقف حتى تبيّنهم وتبيّن راياتهم فانصرف إلى عامر فأخبره، فبرز من القرية، وعبّأ أصحابه، ووضع الميمنة والميسرة والكمين. قال: فلما كان بين العسكرين [1] نحو من غلوة وقفوا، وأقبل رجل منهم حتى إذا كان حيث يسمع كلامه قال: يا معشر المسلمين! اتّقوا الله وراجعوا جماعتكم، ولكم الأمان على ما أحدثتم في هذه الفتنة، ولكم العطاء والرزق الواسع. فقال عامر: يا قتيبة! كلّمه، وقتيبة كاتبه يومئذ، وادعهم [2] إلى كتاب الله وسنّة نبيه، وإلى الرضا من آل رسوله. فكلمه قتيبة، وكان متكلما، فقال: إنّا والله [167 أ] ما ننازعكم دنياكم، وما عليها نقاتلكم، ولكنّا ندعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه وإلى الرضا من أهل بيته، فإن قبلتم كنّا وأنتم متعاونين على.. [3] فقال المتكلم من أهل الشام: هذا كلام، ثم حمل القوم علينا حملة رجل واحد، فتضعضعنا، ولم ننهزم، فصاح بنا عامر، وكان صيّتا في الحرب: يا معشر المؤمنين!

_ [1] في الأصل: «الجبلين» وما أثبتناه من كتاب التاريخ ص 276 ب. [2] في ن. م. ص 276 ب «وادعه» . [3] في الأصل بياض لعله: على ذلك.

أنتم أولى مؤمنين [1] لقوا الكافرين، اصدقوهم الحملة، فقد هزمهم الله. قال: فشددنا عليهم، وحمل [2] صاحب الكمين، فلمّا عاينوا الكمين، وقد صدقناهم الحملة، ولّوا منهزمين، وقتلنا منهم نحوا من سبع مائة رجل، وكانوا على خيول مطهّمة فنجوا عليها، وحوينا أثقالهم. وكتب إلى أبي عون والعكي، بما صنع الله بهم، وكتب إلى قحطبة يخبره بما صنع الله لهم، فلمّا ورد الكتاب على قحطبة وقرأه قال: الله أكبر، وكبّر الناس حتى ارتج العسكر [3] بالتكبير، ثم انفتل فسجد طويلا، وكتب بذلك إلى أبي مسلم. وورد عليه كتاب الحسن بن قحطبة يخبره أنّ ابن ضبارة يريد أن يجتمع هو وأهل نهاوند على محاربته ويسأله أن يمده بالرجال، فلمّا بلغ الخبر ابن ضبارة، وجّه خيلا عظيمة مع أبي بكر بن كعب العقيلي، وكان لحق به حيث خرج إلى الري، فأقبل حتى نزل التيمرة الكبرى، وخندق على نفسه ولحق أصحابه، فكتب عامر بذلك إلى أبي عون [167 ب] وإلى العكّي، فوافاه أبو عون ومن معه، وزحفوا جميعا إلى خيل ابن ضبارة، فالتقوا بالتيمرة فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل، وانصرفت الهاشمية إلى عسكرهم، وانصرفت خيل ابن ضبارة فتركوا خندقهم ولحقوا بابن ضبارة. وأصبحت الهاشمية، فبلغهم جلاء عدوهم عن خندقهم فتحولوا إليه ونزلوه، وكتبوا بذلك إلى قحطبة، ولم يبرح العكيّ من موضعه بقمّ، وذلك أنّه بلغه أن خيل الشام قد توجّهت إلى قم، فأقام لذلك. وأقبل ابن ضبارة، وداود بن يزيد [4] بن عمر بن هبيرة في جمع

_ [1] في الأصل: «المؤمنين» والتصويب من كتاب التاريخ وعبارته «أنتم أول مؤمنين» ص 277 أولم نأخذ ب «أول» لأن هذه معركة بين معارك عدة. [2] في كتاب التاريخ ص 277 أ: «وصاح» . [3] ن. م. ص 277 «المعسكر» . [4] زيادة.

عظيم من أهل الشام وأهل الجزيرة [1] ، وبلغ ذلك قحطبة، فكتب إلى أبي مسلم يخبره بجدّ ابن ضبارة في لقائه، وأنّه شاخص نحوه، وسأله أن يضع بقومس رجلا يضبط ما بينه وبين الري وطبرستان ودنباوند [2] ، ويضع بالري رجلا جليدا في جند كثيف يأخذ بطرق ما بينها وبين أذربيجان ونهاوند ويقوّي بذلك من معه من جنده، ويقوّي به الحسن في موضعه، وإنّ الّذي منعه من إحكام ذلك ببعض من معه حاجته إلى الجند لما أتاه من كثرة من مع ابن ضبارة. فوجّه أبو مسلم أبا الربيع إبراهيم بن الحسن البخاري في مائتي رجل إلى قومس وأمره أن يحتفظ بالطرق، ويضع المسالح فيما بينه وبين طبرستان ودنباوند لتأمن بها الرسل ويبذرق القوافل، ووجّه [168 أ] موسى بن كعب إلى الري في ألف وثلاث مائة رجل، وأمره أن يضع المسالح فيما بينه وبين أذربيجان على طريق المحجة، وقد كانت بين موسى وبين صاحب دنباوند وقعة هزم فيها وأصيب أصحابه، ووجّه أبا الحكم عيسى ابن أعين في ألفي رجل إلى همدان وأمره أن يوجّه إلى من بأذربيجان من الخوارج وغيرهم ويضع المسالح فيما بينه وبين عسكر قحطبة، وعلى المحجة، لتأمن الرسل والقوافل. وقدم ابن ضبارة وداود أصبهان فيمن معهما من أهل الشام، وقد كان بينهما تنازع في المقام والمسير وكان ذلك ممّا أوهن أمرهما. وقيل لابن ضبارة: إن القوم غير تاركيك وإن تركتهم، فدخولك عليهم في سلطانهم أهيب في صدورهم، فلحقه داود فسارا جميعا. وبلغ قحطبة ورودهما أصبهان، وقد كان قدم عليه أسيد، وولّى أبو مسلم مكانه على

_ [1] في أنساب الأشراف ج 3 ص 407 وص 237- 238 (الرباط) ، أن ابن هبيرة كتب إلى عامر بن ضبارة المري «يأمره بالمسير إلى قحطبة ووجه معه ابنه داود بن يزيد بن هبيرة فسارا في خمسين ألفا حتى نزلا أصبهان وانضم إليهم بها ولد نصر بن سيار وجماعة من المروانية من أهل خراسان» . وانظر الطبري س 3 ص 5- 6. [2] انظر معجم البلدان ج 2 ص 470، الاصطخري ص 119، قدامة- الخراج ص 244.

وقعة جابلق [9]

جرجان مصعب بن قيس [1] ، فاستخلف قحطبة أسيدا على الري وشخص في رجب سنة إحدى وثلاثين ومائة فيمن كان معه، وأخذ في طريق وعر اختصره، وقطع مفازة قارص [2] مبادرا لابن ضبارة، وسلك عقبة بينه وبين أصبهان فقطعها وصار الّذي بينه وبين العكّي [3] ثلاثة فراسخ، وأرسل إلى أبي عون وهو منه غير بعيد فأقبل إليه أبو عون ومعه عامر بن إسماعيل. وبلغ ابن ضبارة دنوّ قحطبة منه، فأقبل وداود معه [168 ب] يريدان قحطبة، فانتهيا إليه، فلمّا كان بينهما فرسخ، نهض إليهما قحطبة على رقة من الجند وكثرة من الوجل، وخلف على أثقاله [4] أبا شراحيل [5] في الآزادمردية [6] ، وقال له: عبئ [7] أصحابك، وكن معدّا، فإذا رجعنا وكان بيننا وبينكم [8] قدر غلوتين فازحف في أصحابك وكن وراء ظهورنا لتكون ردءا لنا. وقعة جابلق [9] ثم إنّ قحطبة عبّأ الناس وجعل على ميمنته العكّي، وعلى ميسرته أبا غانم عبد الحميد بن ربعي [10] ، وجعل عامر ابن إسماعيل خلفه مع أبي شراحيل

_ [1] مصعب بن قيس الحنفي من قواد أبي مسلم. الطبري س 2 ص 1957 وص 1968. [2] في الأصل: قارض. انظر ابن خرداذبه- المسالك ص 59، وابن رسته- الأعلاق النفيسة ص 191. [3] في الأصل: «ابن العكي» . [4] في كتاب التاريخ ص 277 أ «رجله» . [5] انظر الطبري س 2 ص 1968. [6] في الأصل «أراد مرديه» وفي كتاب التاريخ «الأزادمردية» . [7] في الأصل «عب» . [8] في كتاب التاريخ ص 277 ب «بينك» . [9] رستاق بأصبهان. انظر معجم البلدان ج 2 ص 91. [10] انظر الطبري س 3 ص 5، وأنساب الأشراف ج 3 ص 407 وهو يذكر أن قحطبة كان في اثني عشر ألفا.

ليكون ردءا لهم، ووقف قحطبة في أصحابه على تعبئة. وأقبل ابن ضبارة، فلما نظر إلى قحطبة نزل وألقى أثقاله، وخرج فصفّ أصحابه، وجعل على ميمنته محمد بن نباتة وعلى ميسرته عطيف بن بشر، ونصب علما أصفر، ونادى مناديه: من أتى هذا العلم فهو آمن. وأمر قحطبة شجرة الكندي فنادى: ندعوكم إلى العطاء والرزق. قال قحطبة: يا معشر المسلمين! شدّوا كشدّاتكم الكريمة [1] يجمع الله لكم بها خير الدنيا والآخرة، فبلغنا أن العكيّ، وهو في الميمنة كان أول من حمل على ميسرتهم، وفيها داود [ابن هبيرة] [2] فثبتوا قليلا، ثم كشفهم، ودخل العسكر، وحمل قحطبة وهو في القلب فأزال من يليه ودخل العسكر. وكان ابن ضبارة [169 أ] جالسا في فسطاطه قد وضعت بين يديه البدور [3] ونادى [4] مناديه: من جاء برأس فله مائة [5] درهم، فقتل ابن ضبارة وما تحلحل عن موضعه، وحمل محمد بن نباتة على أبي غانم وهو في الميسرة حملة شديدة، وجعل ينادي: يا أبناء الأحرار! إنّما هم الأغتام، وسقّاط العرب، فهزم الميسرة هزيمة شديدة، وخلّوا لهم موقفهم. فزعم القاسم بن الوليد قال: صاح عامر يومئذ: يا فتيان! أعينوا إخوانكم، فشددنا عليهم فثبت لنا محمد بن نباتة، وقاتلنا قتالا شديدا، وجعلت تثوب إليه العدّة بعد العدّة من أهل الشام، ثم إنّ سالما صاحب لواء عامر شدّ على رجل منهم يقال له عجرة، وكان على مقدمة ابن ضبارة، فلما هزم القلب مال إلى محمد بن نباتة وكان فارس القوم، فطعنه في فخذه

_ [1] انظر كتاب التاريخ ص 277 ب. [2] زيادة من ن. م. ص 277 ب. [3] في ن. م. ص 277 ب «البدر» . [4] في ن. م. ص 277 ب «وهو ينادي» . [5] في ن. م. ص 277 ب «ألف» .

فولّى هاربا وسقطت راية كانت في يده فتناولها أبو الأسد الأعمش فكان مع شراحيل فرفعها منكوسة. قال القاسم، كاتب عامر: اعتور عجرة أسد [1] بن المرزبان وسالم صاحب لواء عامر فطعناه جميعا وجعل الهزبر يرتجز ويقول: لتجدني بالأمير برّا ... وبالقناة مدعسا مكرّا إذا عطيف الأسديّ فرّا ... جاءوا يجرّون البنود جرّا صهب السبال يبتغون الشرا [169 ب] قال: وبينا هم كذلك إذ صاح صائح، وقد رفعت راية عجرة منكوسة: قتل ابن ضبارة، فارفضّ القوم ووقفوا غير بعيد. وصاح صائح: القوا [2] الفسطاط، فلما ألقي استحقت الهزيمة [3] ، فولّى القوم جميعا منهزمين إلى جيّ [4] ، وانتهب من قدر على الانتهاب [5] من أهل الشام العسكر، وأصابوا مالا كان مع ابن ضبارة لجنده فتمزقوه. وأتي قحطبة برأس ابن ضبارة فقال العكي: للَّه بلادك أيّ مسعر حرب وكريم كنت، وإن كنت على ضلال، مثلك فلتلد النساء لا [6] كنصر بن سيّار منتقلا من جحر إلى جحر حتى قتله الله غمّا.

_ [1] في الأصل: «وأسد» ، والواو زائدة. [2] في الأصل: «ألفوا» و «ألفى» ، والتصويب من كتاب التاريخ ص 277 ب. [3] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 407. [4] جي: اسم مدينة أصبهان القديم، فتوح البلدان (ط. دي خويه) ص 384. ويقول اليعقوبي- البلدان (ط. دي خويه ص 207) » ولأصبهان مدينتان يقال لأحدهما جي والمدينة الأخرى يقال لها اليهودية» . ويذكر ابن رسته رستاق جي بين رساتيق أصبهان ويقول عنه «وهو القصبة وبه مدينتها وأسواقها ومجمع أهلها» ، ص 152. [5] في كتاب التاريخ ص 277 ب «على انتهابه» . [6] في الأصل: «الا» والتصويب من المصدر السابق ص 278 أ.

وكانت الوقعة بجابلق [1] من أرض أصبهان يوم السبت لسبع بقين من رجب سنة إحدى وثلاثين ومائة. واحتوى قحطبة على عسكر ابن ضبارة وما فيه، فبلغنا أنّه أحصي ما أصابوا فيه من النساء فبلغن بضعة عشر ألف امرأة، حرائر قد سباهن أهل [2] الشام من القرى والمدائن التي كانوا يمرون بها، فلم يعرضوا لحرة أصابوها، وخلّاهن قحطبة وصرفهنّ إلى أوطانهن. وتصدّع أهل الشام عن أصبهان وقفرت بهم الطرق حتى انتهوا إلى ابن هبيرة، وهو معسكر بالمدائن، وفي ذلك يقول الشاعر: سما عامر المريّ في يوم جابق [3] ... بزحف بني مروان يطلب بالذحل [4] [170 أ] إلى فئة جادت لآل محمد ... بأنفسها يوم الكريهة والمحل هنالك عبّا قحطب الخير جمعه ... وجرّد سيف الحقّ فيهم على رسل وشدّ عليهم شدّة صيلميّة ... تبدّد منها جمعهم خيفة القتل وكان [5] له العكيّ خير مؤازر ... يحوط جناح القلب بالخيل والرّجل فما لبث العكيّ أن هدّ ركنهم ... ببيض رقاق الحدّ محدثة الصقل وما خار فيها عامر حين عرّدت [6] ... كتائبنا خوف الأسنّة والنبل حمى ميسرتنا [7] أن تضام وإنّما ... تكشّف أخيار الكماة لدى الفعل بفتيان صدق ليس فيهم مواكل ... ولا نأكل في الجدّ منهم وفي الهزل

_ [1] في كتاب التاريخ ص 278 أ «بجاپلق» . [2] في ن. م. ص 278 أ «أهل الشام وجنودهم» . [3] ن. م. ص 278 أ «جالق» . [4] ن. م.: «من ذحل» ص 278 ب. [5] في ن. م.: «فكان» . انظر ص 278 ب. [6] في الأصل: «غرّدت» ، وعردت أي هربت. [7] هكذا.

فما لبث المريّ أن فضّ جمعه ... وأصبح مسلوب الإمارة والشمل فكم تركوا في عسكر الشام من فتى ... ومكتهل بادي السفاهة ذي جهل وغودر في قاع من الأرض صفصف ... بمصرع ذلّ لا كبير ولا سهل تعاوره عوج الضباع وتارة ... تظلّ إليه الطير تسرع في الحجل وكم راح نحو الشام يبغي حميمه ... وباكية تبكي أخاها على ثكل سقى الله قوما من خراسان أدركوا ... تبولهم [1] عند الغواة أولى الخبل فقد قرّت العينان إذ قيل قوّضت ... كتائب أهل الشام تهوي إلى الأصل [170 ب] وقال في ابن ضبارة المريّ، ويقال قيلت في الحكم بن يزيد الأسدي حين قتل بكرمان، وهو عامل لابن هبيرة عليها، قتله تميم بن عمر التميمي حين وجّهه إليه أبو مسلم: لحي الله قوما أسلموك وجرّدوا ... غناجيج [2] أعطتها يمينك ضمّرا أما كان فيهم من أخ ذي حفيظة ... يرى الموت في بعض المواطن أعذرا يكرّ كما كرّ الشجاع بمهرة ... وما كرّ إلّا خشية أن يعيّرا ألا لا فتى بعد الركين لدى [3] الوغى ... ولا خير إلّا قد تولى وأدبرا فلم أر يوما كان أقبح منظرا ... وشلو أبي الهيدام دام معفرا تعاوره عكّ وطيّ ومذحج ... ببيض تقدّ البيض قدّا مشهّرا وقال العكيّ في قحطبة: للَّه قحطبة المأمون من رجل ... ماذا به كان للأعداء يدّخر

_ [1] تبول جمع تبل وهو الثأر. [2] في الأصل: «عناحيح» . [3] في الأصل: «لذا» .

لمّا تورّده المريّ مقتدرا ... أعطى المفازة قودا وهو مقتسر [1] فكم لقحطب [2] في قيس وإخوتها ... من المآثر إذ حازوا [3] وإذ كثروا أبادهم بسيوف غير ناقصة ... عن العدوّ وإن قلّوا وإن كثروا وقال رجل من بني فزارة: [171 أ] لحي الله طيّا في الرجال فإنّها ... إلى الكفر تعشو كالليوث الهواصر تريد زوال الملك عن مستقرّه ... وتوقد نيران الحروب المساعر فما ولدت طيّا ومذحج حرّة ... ولا حاولت بالرشد إحدى المفاخر فأجابه عبد الله بن عمير المسلي: أتسمو إلى طيّ ولولا ضرابها ... لمالت قناة الدين بل لم تهاجر إذا غضبوا شقّوا السماء تكاثرا ... وأظلم أفقاها على كلّ ناظر وهدّوا الجبال الشمّ هدّا ونهنهوا ... كواكب إلّا [4] يمسكوها تناثر قال: ويقال هي لابن المقفّع: أجدّك يا نفس هل تعلمين ... جديدا على الدهر يبقى جديدا وهل كان للناس قبلي بقاء ... فأرجو البقاء وأبغي المزيدا وهل ذقت من طعم طول الحياة ... إلّا مرارا وعيشا زهيدا وإلّا حلاوة وعد الغرور ... رجاء كذوبا ونفسا كنودا وبعد الكرامة تلقى الهوان ... وبعد الأحبّة تبقى فريدا

_ [1] في الأصل: «مقستر» . [2] في الأصل «لقحطبة» وما أثبتنا يقتضيه الوزن. [3] في الأصل: «إذ حاروا» . [4] في الأصل: «لا» .

وكنّا أناسا رزقنا زمانا ... قلوبا جميعا وبأسا شديدا فلمّا ركبنا عظام الأمور ... نضيع الحقوق ونعدو الحدودا [171 ب] لقينا عبيدا وكنّا هجانا ... فآبوا هجانا وأبنا عبيدا مررنا سراعا على عامر ... تدبّ الأساود دبّا عنيدا مررنا بقوم على نيّة ... فابنا خزايا وأوبا حميدا فكم قد تركنا غداة الهياج ... كعابا تبكّي وطفلا وليدا وخودا أضيعت خلال الديار ... تصكّ الجبين وتدمي الخدودا وتدعو الحليل بإعوالها ... وبالويل تدعو دعاء وحيدا وما كان فيها ولا قبلها ... كداود صبرا وفي الناس جودا يكرّ صبورا لوقع السيوف ... ويأبى لدى الموت إلّا نهودا فلا يبعدنّ أخو نجدة ... فقد رام بالقول أمرا سديدا تعرّض للموت لا ينثني ... لو انّ المنايا تريد المريدا تأخّر عنه مقاديره ... ليحدث للقوم شرّا جديدا فأقام قحطبة في عسكره بعد قتل ابن ضبارة، وأحصى ما غنموا فيه، وقسّمه في أصحابه، وكان المتولّي لذلك خالد بن برمك، وكتب بالفتح إلى أبي مسلم، وبعث برأس ابن ضبارة. وقد قلق أبو مسلم والأعيان [1] من الهاشمية، وتوقعوا ما يأتيهم من خبر قحطبة وابن ضبارة، وكانت هي الفيصل [172 أ] فيما بينهم وبين أهل الشام، وقد استشرف أهل العراق الأخبار [2] ، وجعلوا يقولون: إن ظفر ابن ضبارة ثبت الملك [3] وإن ظفر قحطبة تم الأمر

_ [1] في كتاب التاريخ ص 278 أ «ورءوس الهاشمية» . [2] ن. م. ص 278 أ «ووقفوا لانتظار ما يأتيهم عنهما» . [3] يضيف ن. م. ص 278 أ «في بني أمية» .

لبني هاشم. وقال [1] أبو مسلم: أطعنا ربّنا وعصاه قوم ... فذقنا غبّ طاعته وذاقوا وكتب إلى قحطبة يعظّمه ويجلّ قدره، وكتب إليه يكاتب [2] أبا سلمة وينفذ ما يأتيه عنه. وقد كان الحسن بن قحطبة ومن معه ساء ظنونهم للذي بلغهم من جموع ابن ضبارة، وجعل أهل نهاوند يرجفون بقحطبة فيشرفون عليهم ويقولون: قد اصطلم أصحابكم، قد بعث برأس قحطبة إلى ابن هبيرة، فلم يزل كذلك حتى وافاه رسول قحطبة بما صنع الله لهم، وبقتل ابن ضبارة، ومعه خاتم ابن ضبارة. فلما شارف الرسول نهاوند لقي طليعة للحسن في عدة فرسان، وكان معه دليلان من أهل أصبهان، وقد سقطا من الكلال، وأرجفت دابّته، فما تخطو إلّا خطوا ضعيفا، فلما نظر إليه صاحب الحسن عرفه فحمله على دابّة، وأقبل يركض حتى أتى الحسن، فدفع إليه كتاب أبيه وخاتم ابن ضبارة، فقرأ الكتاب، وكبّروا [3] تكبيرا متتابعا، فأشرف من في المدينة من جنود بني أمية، فقالوا لهم: قد والله قتل ابن ضبارة وفضّت جموعه واستولي على عسكره وهذا خاتمه، فاتقوا الله في أنفسكم. قال لهم مالك بن أدهم: أرونا خاتمه، فما أعرفني به. فأخرجوا خاتمه فإذا حلقة فضة ونقش [172 ب] خاتم [4] ابن ضبارة، فعرفوه وعرف ذلك مالك بن أدهم ورأوا له انكسارا شديدا. وأقام قحطبة في عسكره نحوا من عشرين ليلة حتى قدم عليه أهل أصبهان

_ [1] في ن. م. ص 278 أ «ويقال أنشد أبو مسلم لما قرأ كتاب الفتح» . [2] هكذا، ولعله: أن يكاتب. [3] انظر الطبري س 3 ص 6. [4] في الأصل: «خاتمة» .

فبايعوه، وصحّت طاعة أهلها، وكتب إلى أسيد وهو بالري يستحثّه بالقدوم عليه، ثم شخص إليها في آخر شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائة، وقد حاصر أهلها الحسن قبل قدوم أبيه بنحو من خمسين ليلة، فلما قدمها قحطبة، وجّه الحسن فيمن معه إلى قرماسين، وأمره أن يقيم بها، ويفرق مسالحه ويحتفظ بالطريق ويبذرق القوافل. وسرّب أبو مسلم الجنود إلى قحطبة، وندب الناس من قبله لذلك، فسارع الناس إلى الخروج إلى العراق، وانتدبوا له، ورغبوا فيه، وكتب أبو مسلم إلى عمّاله بكور خراسان، بردهم [1] إليه و [2] تسليم الأعمال إلى رجال سمّاهم [3] لهم، وسرّب القوّاد بالجنود إلى قحطبة ثمانية عشر قائدا في نحو من خمسة عشر ألفا، فيهم حميد بن قحطبة في ثلاثة آلاف رجل، فلمّا قدم على أبيه ولّاه المقدمة على الحسن، فاستعفى حميد لمكان الحسن فأعفاه، وولّاه الساقة. ووجّه بسّام بن إبراهيم في أصحابه إلى الحسن بقرماسين. وأقام قحطبة محاصرا لأهل نهاوند، وألح عليهم إلحاحا، فكتب إليه أبو سلمة: إنّ إقامتك على نهاوند قد قوّت من جند مروان ونسوا ما دخلهم من روع إيقاعك بهم مع ابن ضبارة، فإن تعذّر [173 أ] عليك الظفر بهم فأعطهم الأمان وف لهم به وخلّهم والتفرّق عنك، ليخلو لك وجهك لابن هبيرة، ومن قد وجّه مروان إليكم من ناحية الموصل. ولمّا رأى قحطبة مصابرة أهل نهاوند إياه، وأتاه كتاب أبي سلمة بأن يؤمنهم، راسل من بها من أهل خراسان وقال لهم: أنتم آمنون، فمن أحبّ أن يخرج إلينا ويكون معنا فرضنا له وواسيناه، ومن أحبّ أن ينصرف إلى خراسان توثّقت له في أمانه من أبي مسلم، ومن أحبّ أن يمضي إلى غيرها فموسّع

_ [1] في الأصل: «مرذهم» . [2] زيادة. [3] في الأصل: «سموهم» .

عليه، فلم يجيبوه. ثم عاودهم فقال: وَمن أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى الله وَعَمِلَ صالِحاً وَقال إِنَّنِي من الْمُسْلِمِينَ 41: 33 [1] . قال: فأغلظوا له وشتموه وقالوا: يا ساحر. فأقام يدعوهم إلى قبول الأمان نحوا من أربعين ليلة، وكان حريصا على استبقائهم، فأرسل إليهم: انكم من أهل مدرتنا، وأحقّ من أدركته عافيتنا، وقد ترون بلاء الله عندنا، فمن الآن فأجيبونا، وليكن أمرنا واحدا، فإنّ مروان ليس بأهل أن تقوه بأنفسكم. قال: فأبوا أن يجيبوه، فأرسل إليهم: إنّي إن دعوت أهل الشام إلى مثل ما دعوتكم إليه أجابوني، وصارت الحسرة بكم، فأبوا أن يجيبوه، فلما آيس منهم راسل أهل الشام. قال قحطبة ليزيد بن حاتم المهلبي: يا أبا خالد! هؤلاء الذين يأتونك [2] على سور المدينة أهل فلسطين وصاحبهم فيما ذكر لي النضر بن حميد اللخمي، فأته وكلمه وادعه [173 ب] إلى قبول الأمان فلعله يأنس بك للعشريّة [3] . قال: فأتاه يزيد فذكر آثار مروان في قومه واستهانته بهم وإيثار غيرهم عليهم، ودعاه إلى الدخول في أمره وأعلمه ما له من الحظ في إجابته إلى دعوة آل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال النضر بن حميد: والله إنّي لأعلم أنّ الأمر كما ذكرت، ولكني إذا نظرت فلم أر عليّ نعمة إلّا من بني مروان تذمّمت من الغدر بهم، وقد تضايقت الأمور عليهم. قال يزيد: نفسك أوجب عليك حقا، فاتق الله وانظر لها، فإنّك قد أعذرت في وفائك لبني مروان، فقال: أمّا الدخول معكم فلا يكون ومن بني مروان خليفة، وأمّا الخروج عن مدينتكم هذه فإنّا نجيبكم إليه على أن تؤمنونا وتوثّقوا لنا، فرجع يزيد إلى قحطبة، فأعلمه ذلك، فأعطى قحطبة من بنهاوند من أهل الشام

_ [1] سورة فصلت، الآية 33. [2] في الأصل: «تأتونك» . [3] في الأصل: «للعشرته» .

دخول الهاشمية نهاوند

خاصة ما وثقوا به. فلما استوثق للنضر بن حميد في ذلك لقي مالك بن أدهم، وقد كانوا جهدوا في حصارهم حتى صاروا إلى أكل لحوم الدواب والميتة، فقال له: علام نقتل أنفسنا بالجوع ونعرّضها للقتل، وقد قتل ابن ضبارة، وانقطعت الأمداد عنّا وقد بذلوا لنا الأمان؟ اقبل أيّها الرجل أمانهم قبل أن تلتقي حلقتا البطان عليك فتسأل ذلك فلا تجاب إليه. قال مالك: وكيف لنا بذلك؟ قال النضر: أنا لك به، هذا يزيد بن حاتم [174 أ] رسول قحطبة بذلك، أفتريد أوثق منه؟ قال مالك: حسبي إن كان ابنا [1] ليزيد بن حاتم. فدنا منه يزيد فكلمه ومالك يسمع كلامهما، قال: فأوثقوا لنا، فتراسلوا في ذلك، وهم يسرونه، حتى صاروا منه إلى ما أرادوا. ثم زحف إليهم قحطبة، وقد تواطأ أهل الشام معه، فنظر من معهم من أهل خراسان إلى ما صنعوا فقالوا: ما هذا؟ قالوا: قد استأمنّا لنا ولكم، ومضى أهل الشام لوجوههم. دخول الهاشمية نهاوند ودخل الهاشمية نهاوند، وكان أهلها خرجوا عنها، فأخذوا من وجدوا فيها من أهل خراسان وأهل الشام فاستوثقوا منهم، فكان إذا أتي بالشامي إلى قحطبة خلّى سبيله، وإذا أتي بالخراساني أمر بحبسه، ودفعهم إلى قوّاده بقيّة يومهم وليلتهم، فلما كان السحر نادى منادي قحطبة: كل من كان في يده أسير فليأت برأسه، فقتلوا جميعا [2] ، فذكروا أنّ عدتهم بلغت ثلاثة

_ [1] في الأصل «ابن» . [2] انظر الطبري س 3 ص 6- 8.

آلاف رجل قتلوا صبرا، وفيهم أبو كامل الغادر، ولم يعط بيده بل قاتل حتى قتل، وفيهم ولد نصر بن سيّار [1] . وكان فتح نهاوند يوم الاثنين لخمس ليال خلون من ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين ومائة. وكتب قحطبة إلى أبي مسلم بفتح نهاوند، وبعث إليه بالرءوس، فلما أتاه ذلك أقدم على ابني الكرماني فقتلهما، فلما أتى قحطبة الخبر بذلك تمثل: [174 ب] لنا يوم وللكروان يوم ... تطير اليائسات [2] وما نطير وقد كان ابن هبيرة وجّه عبيد الله بن العبّاس الكندي في عشرين ألف رجل من أهل الشام وأهل العراق على مقدمته، فسار حتى نزل حلوان [3] . ثم كتب إليه ابن هبيرة يأمره بالمسير فيمن معه إلى نهاوند ليغيث من بها، فسار حتى انتهى إلى الطريق [فلما بلغ إلى طزر] [4] بلغه قتل ابن ضبارة ونزول قحطبة نهاوند، فأقام، وكتب إلى ابن هبيرة يخبره بذلك، فكتب إليه يأمره بالانصراف إلى حلوان، فانصرف إليها كالفلّ [5] ، وأقام بها حتى أتاه فتح نهاوند. فكتب إليه ابن هبيرة أن ينصرف إلى خانقين، فانصرف وخلف خليفته بها، ثم كتب إليه ابن هبيرة أن ينصرف إلى برازالروز [6] ، فانصرف

_ [1] في أنساب الأشراف ج 3 ص 408 «وقال قوم كان بنو نصر بن سيار بها (أي بنهاوند) فقتلهم، والثبت أنهم قتلوا بأصبهان» . وفي كتاب التاريخ 279 أ «وفيهم ولد نصر بن سيار فقتل» . [2] في كتاب التاريخ ص 279 أ «البائسات» . [3] انظر معجم البلدان ج 2 ص 290، الاصطخري- المسالك والممالك ص 61، اليعقوبي ص 271. [4] في الأصل بياض، والزيادة من كتاب التاريخ ص 279 أ. [5] في الأصل: «العل» ، والفل المنهزم. [6] في الأصل: «براذ الروذ» . انظر تاريخ خليفة بن خياط ص 421، معجم البلدان ج 4 ص 314، ابن خرداذبه ص 41، قدامه- الخراج ص 235 وتسمى الآن بلدزور (العراق) . وهي على خط طول 43 32 شمال وخط عرض 04 45 شرق.

إليها، وأقام بها. فقدم مالك بن أدهم وأصحابه على ابن هبيرة وهو بالكوفة فشخص ابن هبيرة يريد لقاء قحطبة، فنزل المدائن وعسكر، وتوافت إليه بها فلول الشام ممن كان مع ابن ضبارة. ولما رأى أبو سلمة اختلاط الأمور على ابن هبيرة، بعث رسله ودعاته إلى البوادي المطلّة على أهل الكوفة والبصرة من الأعراب، وبعث إلى الموصل فدبّوا فيهم ودعوهم إلى النهوض، فألفوهم سراعا إلى ذلك طمعا في النهب والغنائم. فخرج موسى بن السري الأحول الهمدانيّ بحلوان، فأخذها ونفى عاملها وسوّد ودعا إلى [175 أ] آل الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ووضع مسالحه بخانقين [1] ، وكتب إلى قحطبة بطاعته. وخرج في سواد الكوفة وسواد البصرة عدة من ربيعة: أبو الخفاف [2] ، والفرافصة، والحجاج بن علاط العجليّ، فأخذوا أسافل الفرات كله، وهم متنابذون، كلّ واحد على حياله على غير نيّات صحيحة، وسوّدوا وشهروا ذلك، وكاتبوا قحطبة، وأتته رسلهم بخروجهم، وكتبوا أنّه لم تبق في يد ابن هبيرة إلّا الأمصار، فقرأ قحطبة كتبهم على أصحابه بنهاوند فكبّروا، واشتدّ سرورهم بذلك. وخرج أبو أميّة التغلبي بتكريت وما والاها، وتجمعت إليه جماعة من قومه، وكتب إلى قحطبة يخبره بذلك، فقرأ كتابه على من قبله، فكبّروا وحسن موقع ذلك منهم. وكاتب قحطبة الناس يدعوهم فكتب إلى إسحاق بن مسلم العقيلي، وكتب إلى سفيان بن معاوية وروح بن حاتم المهلبيين بالبصرة. وبعث بكتابه إلى إسحاق بن مسلم مع رجل من الأكراد، فأقبل الكردي حتى إذا كان بهيت ظفرت به مسالح مروان ففتشوه فأصابوا الكتاب في طي

_ [1] انظر معجم البلدان ج 2 ص 340، ابن خرداذبه ص 19 وهي على خط طول 22 34 شمال وخط عرض 22 45 شرق. [2] في الأصل: «أبو المكان» ، والصواب ما أثبتنا كما سيرد في هذا الكتاب.

دخول قحطبة قرماسين

عمامته فبعث به صاحبهم إلى مروان، فكتب مروان إلى إسحاق بن مسلم انّ صاحب هيت أصاب مع رجل من الأكراد كتابا من رأس الخطيئة وعمود الضلالة قحطبة يدعوك إلى دعوته ويزين لك ضلالته، ومثلك في خطرك وقدر النعمة عندك [175 ب] لم تستدرجه خدع السفهاء، فانظر لنفسك ومنصبك وعشيرتك، فإنّ الأمر الّذي يريده القوم قتلك وقتل نظرائك، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم فاقبضها من العامل قبلك، وأقدم لتؤازر خليفتك على ما نابه، وتشركه في جهاد عدوه والسلام. وبعث قحطبة بكتابه إلى سفيان وروح مع رجل من أصحاب يزيد بن حاتم، فسوّدا وخرجا بالبصرة، ومتولّي البصرة يومئذ سلم بن قتيبة، فبذل لهما مالا كثيرا ألّا يخالفا، فأبيا فخرج إليهما سلم، وقد اجتمع إليهما جمع، وسلم في قوة، فهزم سفيان وروح، وقتل معاوية [1] ، وخرج روح إلى دست ميسان [2] مظهرا للسواد، ولم يزل هنالك حتى قدم مالك بن الهيثم، فأتاه هو وسفيان فأكرمهما وعظمهما. دخول قحطبة قرماسين ولما فرغ قحطبة من نهاوند، كتب من وثب بالسواد، فشخص إلى قرماسين، وخلّف على نهاوند أبا عمارة محمد بن صول، وكتب إلى الحسن يأمره بالتقدم إلى حلوان فقدّم الحسن خازم بن خزيمة أمامه. وأقبل قحطبة،

_ [1] هو معاوية بن سفيان بن معاوية. انظر الطبري س 3 ص 22. [2] في ابن خرداذبه «طسوج دست ميسان وهي الأبلة» ص 7. وانظر قدامة- الخراج ص 235، وياقوت ج 5 ص 242.

فتح شهرزور [4]

وقد نزل الحسن حلوان، وألفى بها موسى بن السري وقد سوّد وغلب عليها، فقدّمه الحسن إلى خانقين، وعبيد الله بن العباس الكندي ببرازالرّوز [1] صاحب [176 أ] مقدّمة ابن هبيرة، فسار إليه موسى [2] ، وبلغ ذلك عبيد الله فوجّه إليه قائدا من أهل الشام في ألفي فارس، فقتلوه وقتل عامّة من كان معه، فكتب بذلك إلى ابن هبيرة، فقوّاهم ذلك في أنفسهم، وبعث البشرى إلى مروان. وقد توجّه جابر بن توبة من البصرة آخذا على الطفّ، فلقي أبا الخفاف، وقد تجمّع إليه [3] جمع كثير عند نهر الضيق، فقاتلهم فهزموه وأصابوا من جنده، وكتب بذلك أبو الخفاف إلى قحطبة، فقرأ كتابه على من كان معه، فكبّروا واستبشروا. ونزل قحطبة حلوان في ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين ومائة. فتح شهرزور [4] وكان مروان بعث عثمان بن سفيان في نخبة خيله على طريق شهرزور [5] ، فانتهى الخبر إلى قحطبة نزوله شهرزور فوجّه أبا عون [6] ، حتى نزل

_ [1] في الأصل: «ببرازالروذ» . [2] في كتاب التاريخ ص 279 أ «فسار إليه موسى بن سري مقدمة قحطبة» . [3] في الأصل: كررت «إليه» . [4] في الأصل: وضع هذا العنوان بعد «فوجه أبا عون» . [5] في الأصل: «شهزور» . انظر معجم البلدان ج 3 ص 375، والاصطخري ص 118، وابن رستة ص 164. [6] في أنساب الأشراف ج 3 ص 408 «ووجه قحطبة عبد الله بن يزيد الأزدي، أبا عون، ومالك بن الطواف في أربعة آلاف إلى شهرزور» .

قلعة النسير [1] ، ثم كتب إليه قحطبة أن يقيم حتى يوافيه عامر بن إسماعيل، وكتب إلى عامر [2] ، وهو بناحية الدينور، وكان وجّهه لمحاربة عبد الصمد الحروري صاحب مسافر القصّار، يأمره بالانضمام فيمن معه، وهم ثلاثة آلاف رجل، إلى أبي عون، فسار عامر فوافى أبا عون بسن سميرة [3] . ومضى أبو عون إلى شهرزور في طريق وعر صعب، ومضى حتى نزل البحيرة التي [176 ب] لقيته فيها خيل مروان. وبلغ قحطبة أنّ مروان قد جمع لمن توجّه في ذلك الوجه، فكتب إلى أبي عون يأمره بالانصراف إليه، وورد عليه كتابه، وقد دنا منه عثمان بن سفيان، فلما قرأ أبو عون كتاب قحطبة شاور أصحابه، فأشاروا عليه بالانصراف، وقد انضاف إلى عامر بن إسماعيل رجل من بني الحارث يقال له: عفّاق [4] بن سعيد في نحو من مائة رجل من قومه، فقال لهم [5] عامر: ما الّذي رأى صاحبكم من الانصراف؟ والله لئن فعلتم ليقتلنّكم الذرّ فضلا عن الناس، إنّي أعلم بالقوم منكم، أنهم قد [6] ملئوا منكم رعبا. فأرسل عامر إلى أبي عون بمقالة الرجل، فجاء أبو عون إلى عامر، واجتمع بالرجل فسمع منه. قال: وصبّحنا عثمان بن سفيان في أربعة آلاف وكنّا نحزرهم عشرة آلاف، وأتت أبا عون [7] طلائعه فخبّرته بدنوّه منه، فخرج، وقد تخلّف عامر لمرضه في العسكر [8] .

_ [1] انظر معجم البلدان ج 5 ص 285. [2] في الأصل: «أبي عامر» ، وهو عامر بن إسماعيل. [3] انظر معجم البلدان ج 3 ص 268، وسن سميرة على خمسة فراسخ من الدينور. وانظر ابن خرداذبه ص 119. [4] في الأصل: «غفات» وما أثبتناه من كتاب التاريخ ص 280 أ. [5] انظر ن. م. ص 280 أ. [6] في ن. م. «انهم فل ملئوا رعبا منكم» . [7] في الأصل: «أبو» والتصويب من المصدر السابق. [8] يضيف ن. م. «وكان به حمى شديدة» ص 280 أ.

قال: فأقبلنا نحوهم، وبيننا وبينهم جبل صغير، وعبأ أبو عون [1] من معه. قال: فلما تقاربنا منهم، إذا أصوات وتكبير من خلفنا، فنظرنا فإذا هو عامر قد أقبل فانضمّ إلينا، وقد أشرفنا على القوم، فصار في الميمنة، وكان أول من حمل يومئذ الموصلية الذين كانوا مع عامر، وحمل الناس عليهم فصبروا قليلا ثم ولّوا فقتلوا عن آخرهم [2] . قال: وأشار عفاق [3] بن سعيد الحارثي على [4] أبي عون أن يتقدم إلى الموصل، فإن [177 أ] مروان وترهم [5] وأساء إليهم، وما هو إلّا أن يسمعوا [6] بخبر الدعوة ومن يقرب منهم من أهلها حتى يسوّدوا ويجيبوا، فقبل ذلك منه ومضى [إلى الموصل] [7] ، وعرض لهم في طريقهم من الشراة نحو من مائتي رجل فقتلوهم وغنموا ما معهم. وانحاز أهل الموصل وأهل التخومات إلى عسكر أبي عون، فصار في سبعة آلاف رجل، ونزل قرية يقال لها قرية الملح [8] ، فهاب التقدم، وقد بلغه تحرك مروان، وأنّه استنهض ابن هبيرة أهل الكوفة فأخرج منها جماعة، وقدم عليه الحوثرة بن سهل [9] في جمع عظيم من أهل الشام، فقدم عليه الحوثرة وقد استعدّ للحصار، وجمع الأطعمة والأعلاف بواسط، فبلغ ذلك مروان فقال:

_ [1] في الأصل «أبا» . والتصويب من ن. م. ص 280 أ. [2] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 408، والطبري س 3 ص 9. [3] في الأصل: «عفان» . [4] في الأصل: «إلى» وما أثبتناه من كتاب التاريخ ص 280 أ. [5] في كتاب التاريخ ص 280 أ «قد وترهم» . [6] في الأصل: «تسمعوا» والتصويب من المصدر السابق ص 280 أ. [7] زيادة من ن. م. ص 280 أ. [8] في الأصل «المجلح» وهو تحريف. [9] في الطبري س 3 ص 10 وأنساب الأشراف ج 3 ص 408 حوثرة بن سهيل الباهلي. وانظر النجوم الزاهرة ج 1 ص 305.

إذا قلت خفّ الروع، أو قال قائل ... أمنت فباب الأمن بالخوف يقرع وكتب إلى ابن هبيرة: أمّا بعد: فإنّ أمير المؤمنين ولّاك العراق لما أمل من كفايتك، فأخلفت ظنه في أمور منها إبطاؤك عمن استصرخك من أهل طاعته بخراسان، حتى وهنت قوتهم، وقوي عدوهم عليهم، ومنها أخذك أهبة الحصار قبل أوان ذلك حتى أرعبت قلوب من معك، وسهّلت عليهم سبل الهزائم، وإنّما يكون الحصار بعد طول المنازلة والمحاربة، ومنها [177 ب] إغمادك السيف عن آل المهلب المربضين للفتن ألّا تكون سفكت دماءهم، وأبحت حريمهم، ومنها إهمالك أمر جنودك بلا شدة على أهل الريب منهم، وإقامة الحدود فيهم، ومنها تقصيرك في قطع ألسنة من ينطق فيما يكرهه أمير المؤمنين من أهل الشام، وقد رأيت آثار أمير المؤمنين وتنكيله بهم، ومنها اشتمالك على فيء المسلمين يبعثه مزاحم بن زفر يدسّسه لك إلى أحبائك بقنّسرين، وهذا أعظم قوّتك على عدوك. لعمري يا يزيد! لقد تجافى أمير المؤمنين اليوم وقبل اليوم عن أمور أخلفت فيها ظنّه، وتبلت بها [1] نبله، أنّه وإن [2] تنفّس لنا ولك في البقاء فسيعرّفك ما ظننت دونه ستورا مرخاة، ثم يكلك إلى نفسك في ذلك، ثم لا تجد [3] أمير المؤمنين يشهد الله عليك وكفى باللَّه شهيدا. فإن كانت فلول ابن ضبارة وداود قد تجمعت إليك، وقدم عليك الحوثرة ابن سهيل فيمن معه، فانهض بنفسك للقاء هذا العدو الجاهد عليك، الباسط سيفه إليك وإلى إخوانك، ولا تستبق شيئا من جدّك ولا تكن كما قال الأول:

_ [1] في الأصل «به» . [2] هكذا، ولعله: «ان» ، بدل «وإن» . [3] هكذا، ولعله: «لتجدن» ، بدل «لا تجد» .

ألم تعلم بأنّ الحرب غول ... تقلّب في تصرّفها القلوب وأنتم معشر [1] في [2] السلم حرب ... وسلم حين تستعر الحروب فبلغنا أن ابن هبيرة كتب إليه: [178 أ] قد فهمت كتاب أمير المؤمنين، وما جهلت بلاءه، ولا قصرت في نصيحته، ولا حدت عن جهة الحقّ وحزم الرأي، فإن أتت الأقدار بخلاف ما تهوى فإنّ تقدير الله فوق تقدير العباد. أمّا ما ذكر أمير المؤمنين من إبطائي عمن استصرخني بخراسان، فقد علم أمير المؤمنين أني صرت إلى العراق وهي حرب كلها، فكان أقوى ما يحضرني علاج ما قرب منّي، وكنت في ذلك قد شغلت جنود أهل الشام جميعا بالخوارج تارة، وبابن معاوية أخرى، وبسليمان بن حبيب أخرى، ولم أكن لأستعين بأهل العراق، وقد علم أمير المؤمنين ما هم عليه من غشّه وغشّ دولته فيما استصرخني فيه أهل خراسان، ولم آمن، إن فعلت، أن يظاهروا عدوّ أمير المؤمنين فيلزمني لائمته [3] في ذلك وتقصيره. وأمّا تأهبي للحصار فإنّي فعلت ذلك حين رأيت ما قدمت من القوة وقد وهنت، ورأيت من قاتل العدو وقد فشلوا وضعفت نيّاتهم في جهاد عدوّهم، فجعلت ذلك عدّة حزم إن اضطررت إليها حمدتها وإن استغنيت عنها لم أذمّها. وأمّا إغمادي السيف عن آل المهلّب فإنّي رأيتهم من اليمن بمكان فكرهت لذلك هيجهم، ولم آمن إن فعلت، أن ينابذني أهل العراق منهم ومن معي من أهل الشام، فتألّفتهم وتربّصت بهم. وأمّا إمساكي عن تأديب أهل الشام، وتركي

_ [1] في الأصل «يا معشر» ولا يستقم معها الوزن والمعنى. [2] زيادة يقتضيها السياق. [3] في الأصل: «لائمه» .

الشدّة عليهم في سوء سيرتهم فإنّي رأيت سوء السيرة قد [178 ب] شملتهم، فكرهت أن أعنف على جماعتهم، وهم يدي على عدوي، فيفسد ذلك بصائرهم ويقبلوا عليّ بعداوتهم دون عداوة عدوّهم، ولعلّ إفراط أمير المؤمنين في عقوبته وتنكيله قد أفسد عليه قلوب أهل دولته، وحملهم على التقصير في نصرته. وأمّا ما ذكر أمير المؤمنين من اشتمالي على فيء المسلمين ولعمري أنّ في عمالتي وأرزاقي لما يغنيني عن ذلك، ومنزلي من قنّسرين بحيث قد علمه أمير المؤمنين، وهو في إطلاله عليه وقربه منه بحيث لا مئونة عليه في تفتيشه والتنقيب عما ذكر له فيه، فليبعث أمير المؤمنين من يثق بدينه وصحته فيبحث عن ذلك ويبالغ في التفتيش عنه، وليس ما استقصر أمير المؤمنين من عملي وأساء ظنّا بي بمزيلي عن طاعته ولا مكدّر عندي صنيعته. وأمّا ما ذكر من تبكيتي بخطئي، فليس الخطأ بمأمون على بشر، وما أنا بغنيّ عن إيقاظ أمير المؤمنين إياي في عظيم ما حمّلني من ولايته، ولا بمكتف بما عندي دون إرشاده وتأديبه، وليت الله قد أظهر أمير المؤمنين على عدوّه، وأعطاه سؤله وبسط له يده وقوله وفعله، وخمدت نيران الفتن عنه، فيعرف نصيحتي له وقيامي بأمره، وينفذ عليّ فيما سرّني وساءني حكمه. وقد رأيت أمير المؤمنين قد حمل أكثر أموره على سوء الظن فيما يعامل به من ائتمنه عليها حتى لقد ظننت أنّه لم يبق أحد من أعوانه [179 أ] وعوامّ رعيته ألّا أوحشه ذلك منه، وخاف بادرته وسطوته، من مقارف ذنب وسليم قلب والسلام.

شخوص ابن هبيرة إلى جلولاء

شخوص ابن هبيرة إلى جلولاء وشخص ابن هبيرة إلى جلولاء في جموع أهل الشام، وخندق على نفسه خندقا حصينا، وجمع العلوفات [1] وآلة الحرب وظنّ أن الحرب ستطول، فقال [2] له ابن عمّ له: هذا خندق مشئوم، قد كانت الأعاجم [3] جمعت فيه للمسلمين، فأظهر الله المسلمين بهم، فقال: هو على مدرجة القوم، وهو يحتمل الجند. فقال له الحوثرة: إنّما يخندق الرجل إذا كان ما وراءه وما حواليه في يده، وأنت قد فسد عليك من على يمينك وشمالك وتحت قدمك، وقد طمع فيك عدوّك، والرأي لك المناجزة، فإمّا لك وإمّا عليك، وساعده على ذلك من حضر ابن هبيرة من أهل الرأي. فقال ابن هبيرة: وساعده على ذلك من حضر ابن هبيرة من أهل الرأي. فقال ابن هبيرة: رأيت من تسرّع إلى هؤلاء القوم قد انبتّ [4] ، وأكثرهم معي، ورعب ذلك في قلوبهم وقلوب فلولهم، ولكني أخندق وأضرّي من معنا على قتالهم حتى يجترئ الناس عليهم، ويذوقوا حلاوة الظفر، ثم أناجزهم. وبلغ ذلك قحطبة فأجمع على الزحف للقاء ابن هبيرة. وورد عليه كتاب أبي سلمة أنّ مروان قد حبس إبراهيم [الإمام] [5] ، وقد هيأت رجلين أبعثهما بمال يصانعان في تخليصه، وكتب أيضا إلى قحطبة: انّ ابن هبيرة في جموع عظيمة بجلولاء [6] ، وإنّي لعلى [179 ب] ثقة من إتمام الله دعوتنا [7] ،

_ [1] في كتاب التاريخ ص 280 ب «الأعلاف» . [2] انظر ن. م. ص 280 ب. [3] انظر الطبري س 3 ص 10. [4] في الأصل: «ثبت» . [5] زيادة من كتاب التاريخ ص 280 ب. [6] في ن. م. «نزل بجلولاء» . [7] في ن. م. «دولتنا» ص 280 ب.

شخوص قحطبة نحو الكوفة

وإنّي أرى أن تحيد عن عساكر ابن هبيرة وتبادر إلى الكوفة، فإنّ أهل الكوفة جميعا معك وعلى رأيك، وهم متفقون على بغض بني أميّة، واستثقال أمرهم، فاقطع هذه الأنهار بينك وبين الكوفة وسابق ابن هبيرة إليها، فإنّها إن صارت في أيدينا قوينا عليه، وكثر من يقاتله [1] معنا، وبعث إليه بذلك أبا مسرور. قال: فخرجت على الراذانات [2] ، ثم خرجت إلى تلك البراري حتى عبرت تامرا [3] ، وقدمت على قحطبة، فدفعت إليه الكتاب، فلمّا قرأه قال: أصاب والله الرأي، وأنا عامل بما أمر به، وحزن حزنا شديدا حيث بلغه حبس إبراهيم حتى ظهر ذلك، وأرجف به من رآه وقالوا: أتاه خبر كرهه. شخوص قحطبة نحو الكوفة وشخص قحطبة من حلوان، وسرّب القواد بين يديه، وتقدم إليهم ألّا يشذّ أحد من الجند عن موكب قائده، وقدّم بين أيديهم المخارق بن غفّار [4] وعبد الله الطائي في فرسان العسكر، وقدم أمامهما سعد الطلائع وطلائعه، وخلف يوسف بن عقيل على حلوان في سبع مائة رجل، وسار على تعبئة بميمنة وميسرة، وهو في القلب إلى قصر شيرين [5] . ثم رحل من

_ [1] في ن. م. ص 280 ب «يقاتل» . [2] انظر ياقوت ج 3 ص 12، وابن خرداذبه ص 6 وص 12. [3] انظر الاصطخري- المسالك ص 59. [4] انظر الطبري س 3 ص 12 وما بعدها، ويرد ذكر المخارق بن غفار ص 17. [5] في الأصل: «سيرين» . انظر معجم البلدان ج 3 ص 383 وج 4 ص 358 وقصر شيرين على خمسة فراسخ من حلوان. ابن خرداذبه ص 19، اليعقوبي ص 270.

قصر شيرين إلى خانقين، فضمّ عسكره وتهيّأ تهيؤ من يريد اللقاء، وأشاع في عسكره أنّه يريد أن يخندق بإزاء ابن هبيرة [180 أ] . ووجّه أبا غانم في جريدة خيل يتطرق [1] مسالح ابن هبيرة، فبلغ ذلك ابن هبيرة، فوجّه إليه زياد بن سويد المرّي صاحب شرطه، فتواقفا طويلا، ولحقه قحطبة، وأشرف على زياد بن سويد، وأمر فنادى مناديه: ندعوكم [2] إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، وإلى الرضا من آل رسوله [3] صلّى الله عليه وسلّم، فقال زياد بن سويد: تركتم الكتاب والسنّة، وفارقتم الجماعة. فكرّ قحطبة وقال: الموعد بيننا وبينكم هذا [4] الفحص من غد أو بعده، وانصرف وهو يقول: قد أمكنتكم الفرصة، ستعلمون غدا من الكذّاب الأشر. وأقبل إلى عسكره، لا يشكّ ابن هبيرة فيما أتاه من خبره أنّه يلقاه بموضعه من جلولاء، فلما احتفل لذلك، وقد بعث قحطبة إلى تامرّا من يأتيه بأخبار المخاوض [5] ، فأتاه ذلك [6] . ولمّا أعتم شخص من خانقين إلى تامرا و [أظهر] [7] أنّه يريد المدائن، وجاز أكثر الناس، وبقي هو في كتيبة من فرسانه [8] . فلما أصبح أتت ابن هبيرة عيونه فخبرته أنّه قد شخص وقطع تامرّا، وأنّه يريد المدائن، فلم يحلل عقدة حتى نزل الدسكرة [9] . وبلغ ذلك قحطبة فكرّ في أهل القوة حتى

_ [1] في كتاب التاريخ ص 281 أ «يتطرف بمسالح..» [2] في الأصل: «يدعوكم» وما أثبتناه من المصدر السابق. [3] في ن. م. «آل محمد» . ص 281 أ. [4] ن. م. «في هذا» ص 281 أ. [5] في ن. م. «المخاض» ص 281 أ. [6] في ن. م. «خبر ذلك» . [7] زيادة من ن. م. ص 281 أ. [8] في ن. م. «وبقي في صدر من خيله» . [9] انظر معجم البلدان ج 2 ص 450، والاصطخري- المسالك ص 61، ابن خرداذبه ص 18.

أتى جلولاء، فأصاب ما كان خلّف ابن هبيرة من السلاح والأطعمة والأعلاف وثقل [1] المتاع، فحرّق ما ثقل عليه منه وحمل ما خفّ عليه وأرسل ذلك إلى عسكره. ووجّه خيوله إلى أهل عسكر ابن هبيرة، وطمع [180 ب] في أن يصيب منهم غرّة أو شذاذا [2] لم يلحقوا به، فوجد القوم قد مضوا وتحصنوا في الدسكرة، فانصرف إلى عسكره [3] حتى عبر جميع أصحابه، وأظهر [4] أنّه يريد المدائن إذ انتشر ذلك عنه، وحملته عيون ابن هبيرة، [ثم] [5] شخص يؤمّ دجلة، ووجد عدة من الهمدانيين يهيئون له المعابر، فانتهى إلى دجلة، وقد جمع له الهمدانيون عدة من السفن [6] ، فتلقاه أبو أمية التغلبي بعدّة من المعابر، فعبر إلى أوانا [7] . وبلغ ذلك ابن هبيرة فبادر إلى جسر المدائن فعبر عليه، ووجّه ابنه داود فنزل البردان [8] . وأقبل ابن هبيرة يريد لقاء قحطبة قبل أن يعبر الفرات، وقد قيل له: دارك الرجل فما يريد إلا الكوفة، فأقبل نحوه مبادرا ليلقاه. ومضى قحطبة مسرعا نحو الأنبار [9] ، حتى إذا أشرف عليها تلقّاه شوال [10] بن سنان الأنصاري في نحو من مائتي رجل، ففرض له ولمن معه، ووجّه إلى أعالي الأنبار بحدر السفن، ووجّه خازم بن خزيمة إلى

_ [1] في الأصل: «نقل» . [2] في الأصل «شدادا» والتصويب من كتاب التاريخ ص 281 ب. [3] يضيف ن. م. «ونزل على تل عكبرا وأقام حتى عبر..» . [4] في الأصل: «ظهر» والتصويب من المصدر السابق. [5] زيادة من ن. م. ص 281 ب. [6] انظر الطبري س 3 ص 12- 13. [7] معجم البلدان ج 1 ص 274. [8] ن. م. ج 1 ص 375. [9] ن. م. ج 1 صE.I.2 ndEd. «ANBAR» ،257 [10] في الأصل: «شواك» وجاء بعدئذ باسم «شوال» فآثرناه.

خلع محمد بن خالد القسري

قصبة الأنبار فأصاب بها عامل الأنبار من قبل ابن هبيرة على الأستان [1] فقتله مع عدة من أصحابه، وحدر ما وجد من السفن إلى دمّما [2] . وأقبل شوّال ابن سنان بعده ومعه من السفن والمعابر، فوافى بها دممّا، وقد صدف قحطبة عن الأنبار يؤم دممّا فأتاها، وتوافت إليه السفن فعبر الناس، ولم يعسكر، وعسكر في غربي [181 أ] الفرات لخمس خلون من المحرم سنة اثنتين [وثلاثين] [3] ومائة. وأقبل ابن هبيرة فعسكر بحذائه. خلع محمد بن خالد القسري وكتب قحطبة إلى أبي سلمة يخبره بعبوره الفرات، وبعث بكتابه إليه مع أبي ماجد، رجل من همدان، فلما وصل إليه الكتاب بعث إلى محمد ابن خالد القسري رسولا يقول له: قد كنت تتمنى هذا اليوم، فقد بلغته، فأظهر السواد، واخرج في مواليك وعشيرتك [وصنائع أبيك] [4] ، فبعث إلى مواليه وقومه وجيرته وصنائع أبيه، فاجتمع إليه منهم نحو من ألف رجل، فأخبرهم برأيه وما أجمع عليه، وأمرهم ألّا يبيتوا حتى يفرغوا من سوادهم. وبعث أبو سلمة بمثل ذلك إلى طلحة بن إسحاق بن محمد بن الأشعث الكندي فتأهب، وبدره محمد بن خالد فخرج من منزله في جماعة كثيرة، ودس

_ [1] وهو استان العالي، كورة في غربي بغداد تشتمل على أربعة طساسيج هي الأنبار وبادوريا وقطربُّل ومسكن. انظر ابن خرداذبه ص 7، ومعجم البلدان ج 1 ص 171. [2] قرية كانت على الفرات، قرب الفلوجة الحالية. انظر معجم البلدان ج 2 ص 471. [3] زيادة ترد في كتاب التاريخ ص 281 ب. [4] زيادة من ن. م. ص 281 ب.

خطبة محمد بن خالد القسري

له أبو سلمة أصحابه، ومن كان من جيرته، فيمن يليهم، وأرغبوهم في الخروج للحوق بمحمد بن خالد ففعلوا. وانتشر الحديث بذلك فماج أهل الكوفة بعضهم في بعض، وبلغ ذلك زياد [1] بن صالح صاحب شرطة ابن هبيرة فهرب من القصر ولحق بابن هبيرة. ومضى محمد بن خالد حتى أتى القصر وليس فيه أحد، فدخله وخرج إلى المسجد [الجامع] [2] يوم الاثنين لست ليال خلون من المحرم سنة اثنتين وثلاثين ومائة، ووافاه طلحة بن إسحاق [181 ب] في جماعة قومه. خطبة محمد بن خالد القسري فصعد محمد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وخلع مروان، ودعا إلى آل محمد. وكان فيما تكلم به يومئذ أن قال: يا أهل الكوفة! إنّ الله قد أكرمكم بهذه الدعوة المباركة، وقد طلبها الأبناء بعد الآباء، فحرموها حتى ساقها الله إليكم، هذه جنود الحق قد أظلتكم، داخلة عليكم أحد اليومين، فقوموا فبايعوا. قال: فو الله ما رأيت سرورا قط كان أشدّ اجتماعا عليه من سرورهم بالبيعة، لقد أطافوا بالمنبر يستبقون إلى البيعة حتى كادوا يكسرونه، فما تخلّف عن البيعة إلّا أناس قليل. وبعث أبو سلمة إلى محمد ابن خالد أن ابعث الساعة إلى بيت المال والخزائن والطراز من يختم على ما فيها، وسمّى لها يونس بن أبي [3] الهمدانيّ والحجاج بن ارطاة النخعي وبشر

_ [1] انظر الطبري س 3 ص 17- 18. [2] زيادة من كتاب التاريخ ص 281 ب. [3] كذا، ولعله يونس بن أبي إسحاق (السبيعي) .

وقعة قحطبة مع أهل الشام وغرق قحطبة

ابن الفرافصة العبديّ والهلقام بن عبد الله التميمي، فبعثهم محمد بن خالد فختموا على بيت المال والخزائن والطراز، ما كان بالكوفة والحيرة. وكتب أبو سلمة إلى قحطبة يعلمه ما عمل به في إظهار محمد بن خالد، وأمره أن يقرأ كتابه على الجند، وحمل كتابه محمد أخوه. قال: فأتيت قحطبة في عسكره بإزاء ابن هبيرة قبيل ارتفاع [182 أ] النهار، فجعلا يتسايران على جانبي الفرات، فوجّه ابن هبيرة عند ذلك الحوثرة بن سهيل إلى الكوفة في جنده، وأمره أن يبادر إليها قبل أن يقدمها قحطبة، فخرج الحوثرة مغذّا، حتى إذا شارف الكوفة، بلغه ظهور محمد بن خالد وإطباق أهل الكوفة معه فأقام بشاهي [1] . وقعة قحطبة مع أهل الشام وغرق قحطبة وأقبل قحطبة يؤم الكوفة، وابن هبيرة يسايره ويرفع له الشمع إذا سار بالليل حتى لا يخفى على قحطبة في مسيره وإقامته، ونظر قحطبة إلى أهل الشام فقال: لو أصبنا مجازا إليهم لرجوت أن يقطع الله منهم في عشيتنا هذه طرفا. ومضى قحطبة فأتى في مسيره على أعرابي [2] يسوق حمارا له فقال له: ممن الرجل؟ فقال: رجل من طي. قال قحطبة: مرحبا بك، أنت ابن عمي، أتعرف فيما يليك مخاضة نقطع منها إلى هؤلاء الكفار؟ فقال: نعم، هذه المخاضة بين يديك، والماء قليل. وخرج الأعرابي يسعى بين يديه حتى وقف

_ [1] شاهي على خمسة فراسخ من الكوفة. انظر معجم البلدان ج 3 ص 316 وابن خرداذبه ص 125. [2] انظر الطبري س 3 ص 13- 14.

على المخاضة، فأمر قحطبة الناس بالنزول، فنزلوا قرب العصر [1] ، ونظر قحطبة إلى أصحاب ابن هبيرة قد انتشروا في مسيرهم وقد تقدّمهم ابن هبيرة ليعسكر [بهم] [2] ، فأقطع إليهم [3] عبد الله الطائي والمخارق بن غفار وأسد بن المرزبان في أصحابهم، [182 ب] فلما عبروا شدّوا على من يليهم، فقتلوا عدة، وانهزم القوم. وأقبل محمد بن نباتة في جمع كثير، وهو على ساقة ابن هبيرة، فلما رآهم ألقى أثقاله وأقام فسطاطه وخرج إليهم فقاتلهم وثبتوا له. ووافى قحطبة رسول أبي سلمة فناوله كتابا فلما قرأه كبّر وارتجّ العسكر بالتكبير، وسمع ذلك من عبر من أصحاب قحطبة فكبّروا، فقال أهل الشام: قد أتاهم شيء سرّوا به، فانكسروا لذلك وظهر الفشل فيهم. ووجّه قحطبة سلما مولاه في خيله، وزياد بن فرّوخ، وموسى بن ثابت، فعبروا إليهم وصاروا ردءا لهم، وكثرهم محمد بن نباتة واستعلى عليهم وحصرهم في حائط لجئوا إليه فأرسل سلم إلى قحطبة وقد أمسى يستغيث به، فعبر قحطبة في الفرسان، وأمر كلّ فارس أن يحمل راجلا، فلما عبر بمن معه حمل عليهم حملة صادقة فهزمهم، وردوا عليه فألجأوه إلى الشط وهم يقولون: اللَّهمّ تمم تمم، ثم حمل [قحطبة] [4] عليهم فاستحقت الهزيمة عليهم، وانصرف القوم، وفقدوا قحطبة، وقد اختلفوا في موته.

_ [1] في كتاب التاريخ «القصر» ص 282 أ. [2] زيادة من ن. م. [3] في ن. م. «فعبر إليهم» ص 282 أ. [4] زيادة من كتاب التاريخ ص 282 ب.

موت قحطبة

موت قحطبة فقال بعضهم: لما جالت خيله تلك الجولة، وهو واقف على جرف فانهار به الجرف، فوقع في الفرات فغرق [1] . فباتوا في موضعهم ذلك فلما أصبحوا [183 أ] أتوا معسكر ابن نباتة فأصابوا ما كان فيه من أثقالهم وما استثقلوه من سلاحهم، وفقدوا قحطبة، فأكبروا ذلك، واشتدّ حزنهم عليه، وخافوا دخول الوهن عليهم بهلاكه، فاجتمع القوم، فتناظروا في أمرهم، فأجمعوا على الرضا بحميد [2] بن قحطبة، فبايعوه وسلموا له الأمر. وكان مصاب قحطبة ليلة الأربعاء لثمان خلون من المحرّم سنة اثنتين وثلاثين ومائة. فتح الكوفة وقدم الحسن بن قحطبة إلى الكوفة في الجنود، ووكّلوا بأثقال الناس وضعفاء العسكر وما غنموا من ابن نباتة وأهل الشام أبا نصير الجرجاني في مائتي رجل. وكان ابن هبيرة حين استحقت الهزيمة عليه وعلى من معه، وقف على رأس فرسخ من الوقعة، فجعل أهل الشام يمرّون به، وقد أوقد نارا بين يديه، فإذا رأوا ضوء النار صدفوا عنه ومضوا على وجوههم، وأوقف رجلا ينادي: هذا الأمير ابن هبيرة [3] ، فلم ينعطف عليه أحد منهم. فوقف

_ [1] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 408 والطبري س 3 ص 14 وما بعدها. [2] انظر الطبري س 3 ص 20، وأنساب الأشراف ج 3 ص 409. [3] انظر كتاب التاريخ ص 282 ب.

مكانه حتى أتاه محمد بن نباتة فقال له: ما يقفك؟ قال [1] قد تقدم الناس فما ترى؟ قال: نلحق بالحوثرة بالكوفة ويجتمع الناس إليك فتقاتل والمصر في يدك. فقال طارق بن قدامة القشيري: ما الكوفة [183 ب] لكم بدار، خبرك يصبّحها بهزيمة أصحابك. قال: فما بقي إلّا واسط مدينتنا، وقد أعددنا لمثل ما رأيتم. فسار وهو لا يعلم مصاب قحطبة، فأصبح وقد كلّ وكلّ من معه، فنزل وصلّى وركب، فلمّا جاء سوق أسد [2] لقيه الخبر بظهور محمد بن خالد في السواد بالكوفة، وإطباق أهل الكوفة معه، وبلغه هلاك قحطبة، فعدل إلى فم النيل [3] ، وقد تسلل عنه كثير من أصحابه، فمنهم من لحق بمحمد بن خالد من أهل اليمن، ومنهم من عدل إلى فم النيل. فانصرف الحوثرة يريد فم النيل، ووافى ابن هبيرة، فأقام بها معه حتى أتاهم دخول الهاشمية الكوفة وظهور أبي سلمة، فمضى إلى واسط، وكتب إلى مروان: إنّا التقينا نحن والمسوّدة على شاطئ الفرات ليلا فاقتتلنا قتالا شديدا نهزمهم حتى نردّهم إلى الفرات، ويكثرون علينا حتى يدفعوا أصحابنا، وتخاذل الناس فلم يبق معي إلّا عدة صبروا وكرموا، فشددنا عليهم شدّة صادقة رددناهم بها إلى الفرات، فعبروه إلى عسكرهم، وغرق قحطبة، ولمّا انهزم الناس عنّي مضيت في أهل الحفاظ إلى واسط إلى أن يجتمع الناس، ويراجعوا طاعتهم، ثم انهض بهم إلى الكوفة، وفي مقامي بواسط كسر لحدّهم عن أمير المؤمنين إن شاء الله. [184 أ] فلما قرأ مروان كتابه قال:

_ [1] زيادة يقتضيها السياق، والقول لابن هبيرة. [2] في الأصل «آمد» وسوق أسد غربي الفرات في طسوج الفلوجة. اليعقوبي ص 301، وانظر معجم البلدان ج 3 ص 283. [3] في الأصل: «فم التيل» . وهي بليدة قرب الحلة. انظر معجم البلدان ج 5 ص 334 وانظر الطبري س 3 ص 17.

ويلي عليه [1] ابن القرعاء، يقتل قحطبة وينهزم [2] . وتفرق أهل الشام فمضى أكثرهم مع ابن هبيرة إلى واسط، ومضى بعضهم إلى الشام، ومضت طائفة منهم قليلة إلى محمد بن خالد. وأقبل حميد ابن قحطبة يسير بالناس حتى نزل دير الأعور [3] ، ثم دخل العباسية [4] ، فنزلها يوم الجمعة، يوم عاشوراء. وصلّى بالناس بالكوفة يومئذ محمد بن خالد، وقال، وهو يدعو على المنبر: اللَّهمّ أصلح الإمام من آل محمد، ولم يسمّه.

_ [1] في كتاب التاريخ ص 283 أ «ويلي عليّ من ابن القرعاء» . [2] انظر العقد الفريد ج 4 ص 210. [3] دير الأعور بظاهر الكوفة. معجم البلدان ج 2 ص 199. [4] العباسية بظاهر الكوفة. انظر الطبري س 2 ص 1709.

ظهور أبي سلمة بالكوفة وأرسل أبو سلمة إلى حميد [1] بن قحطبة أن يدخل الكوفة بأحسن هيئة [2] ، وأن يظهروا زينتهم ويشهروا سلاحهم وأعلامهم وقوّتهم، ففعل، وعبّأ الجند، ووجّههم كراديس حتى توافوا بنهر بني سليم. وظهر أبو سلمة، وأعلن أمره، وأرسل إلى محمد بن خالد فيما يأمره به، وبعث إليه حميد جماعة من القواد فيهم العكيّ في ألف رجل، وخازم في ألف رجل، وبسّام في ألف رجل، وأبو شراحيل في ألف رجل. وأتوا أبا سلمة وهو في داره ببرذون سمنّد، يقوم عليه باثني [3] عشر ألف درهم، مسرجا ملجما، فقدّم إليه فركبه، وترجّل العكيّ وبسّام وخازم وأبو شراحيل، فقبلوا يده، وتقدّم وجوه [184 ب] من معهم إليه يقبّلون يده ويدعون [4] له بالبركة، ومضى إلى العسكر، وجعل بعضهم يلقى بعضا فيقول له: تو أبي سلمة ديدى [5] ؟ فإذا قال: نعم، اعتنقه وقبّله إعظاما لأبي سلمة. وكان ظهور أبي سلمة وتوليته [6] للأمور يوم الجمعة لعشر خلون من المحرّم سنة اثنتين

_ [1] في الأصل: «إلى حميد بن قحطبة بالكوفة» والتصويب من كتاب التاريخ ص 283 أ. [2] في الأصل: «الهيئة» والتصويب من المصدر السابق. [3] في الأصل: «اثني» . [4] في الأصل: «ويدعوا» . [5] في الأصل: «توا» ، والعبارة تعني: هل رأيت أبا سلمة؟ انظر كتاب التاريخ ص 283 أ. [6] انظر الطبري س 3 ص 20، وأنساب الأشراف ج 3 ص 409- 410.

ظهور أبي سلمة بالكوفة

وثلاثين ومائة، فانتهى إلى العسكر، وقد وقف له الناس، واستقبله القواد، فلم يبق أحد منهم إلّا نزل إليه وقبّل يده، فاستقرأ صفوفهم يسلّم على عوامّهم، ويدعو بالبركة لهم، ثم نزل، وقد هيئت له حجرة فنزلها، وانقاد القوم له وسمعوا منه وأطاعوا أمره وسكنوا إليه، وبات ليلته، وقد أطافت الخراسانية بحجرته وعظمت أمره. خطبة أبي سلمة فلمّا أصبح جمع القواد ووجوه الجند [1] فحمد الله وأثنى عليه وقال: إنّ الله قد أكرمكم بهذه الدعوة المباركة التي لم تزل القلوب تتشوّق إليها فخصكم الله بها، وجعلكم أهلها، ألا وإنّه ليس لأحد [2] فيها شرف إلّا بعدكم، ولا منزلة في حباء ولا في مجلس ولا مدخل ولا مخرج عند أئمتكم إلّا دونكم، ألا وإنها دولتكم فاقبلوها وأيقنوا بنصر الله إياكم كعادته فيما أبلاكم حتى بلّغكم ما أنتم فيه، فاعتبروا ما بقي بما مضى [185 أ] وتحفظوا من خدع السفهاء وتزيين شياطينهم لكم اتّباع أهوائهم، فإنّهم سيقرّعون لكم بالحسد على هذه النعمة، فاتهموهم ولا تقاربوهم ولا تطمعوهم في أنفسكم فيردوكم على أعقابكم، وابشروا بالخير الكثير في عاجلكم إلى ما قد ذخره [3] الله لكم في آجلكم. فكان هذا ما حفظ من كلامه. فتكلم القوم في جواب ذلك، وذكروا

_ [1] يضيف كتاب التاريخ ص 283 أ: «وصعد المنبر» . [2] في ن. م. ص 283 ب «ليس لأحد معكم فيها حظ إلا ما فضل عنكم، ولا لأحد فيها شرف..» . [3] في الأصل: «دخره» .

تولية أبي سلمة العمال

طاعتهم، وقوّة بصائرهم واجتهادهم، وما هم عليه من الجدّ في مجاهدة عدوّهم، وتكلموا بالفارسية بذلك، وكبّروا تكبيرا متتابعا ارتجّ منه العسكر. فلمّا سكنوا [1] قال: إن أهل بيت اللعنة كانوا يفرضون [2] لجندهم في السنة ثلاث مائة درهم، وإنّي قد جعلت رزق الرجل منكم في الشهر ثمانين درهما، وسأخصّ قوّادكم وأهل القدم والسوابق منكم بخواصّ سنية أجريها عليكم، لكلّ رجل بقدر استحقاقه، فابشروا وقرّوا عينا، واحمدوا الله على بلائه عندكم، وكأنّكم بإمامكم قد حلّ بين أظهركم، فيعطيكم أكثر ممّا تأملون. فكبّروا وارتجّ [3] العسكر بالتكبير. ثم تحوّل فعسكر بحمّام [4] أعين، وفرض للجند، فجعل رزق الرجل في الشهر ثمانين درهما، وأجرى للخواصّ كبراء القوّاد وأهل الغناء [5] من النقباء وغيرهم ما بين ألف [185 ب] إلى ألفين، وخصّ من دونهم ما بين مائة إلى ألف [6] . تولية أبي سلمة العمال ثمّ ولّى أبا الجهم ديوان الجند، وأبا غانم الشرط، وعبيد الله بن بسّام الحرس، وعمرويه الزيّات حجابته، والمغيرة بن الريّان الخراج، ثم نقله

_ [1] في كتاب التاريخ ص 283 ب «سكتوا» . [2] في الأصل: «يقرضون» وقد جاءت مكررة، والتصويب من المصدر السابق ص 283 ب. [3] في ن. م. «حتى ارتج» . [4] حمام أعين على «نحو ثلاثة فراسخ من الكوفة» . الطبري س 3 ص 20. [5] في الأصل «أهل العناء» ، وقد حرفت في كتاب التاريخ ص 283 إلى «أهل الغنائم» . [6] في كتاب التاريخ ص 283 ب «ومن دونهم من مائتين إلى ألف» .

إلى ديوان الرسائل، وولّى يوسف بن ثابت ديوان الخراج، وولّى [1] الصوافي والقطائع والخزائن عبد السلام بن عبد الرحمن بن نعيم الغامدي [2] . وبعث إلى بيت المال والخزائن فحمل ما فيها إلى العسكر، وأعطى الجند منه جميعا على ما كان رسمه لهم، وكان ذلك أول ما قبض من ديوان بني العبّاس. وأنفذ أبو سلمة عمّال الخراج إلى كلّ كورة فجبى الخراج. وتولّى أبو العبّاس السفاح وبيوت الأموال ممتلئة. ووجّه الحسن بن قحطبة إلى ابن هبيرة في ثلاثين قائدا مثل العكيّ وخازم وأشباههما [3] ، وأمره أن يؤمن الناس جميعا خلا ابن هبيرة ومن معه من أهل الشام وأهل العراق. فقدّم الحسن خازما بين يديه، وبلغ ذلك ابن هبيرة فتحصّن بواسط، وقد أعدّ فيها ما أعدّ. فأناخ الحسن على واسط في الناحية الغربية ووجّه الفضل ابن حميد المرادي إلى فم النيل مسلحة بها فيما بينه وبين الحسن، ووجه حميد ابن قحطبة إلى المدائن في عشرة [4] من القواد، وأمره أن [186 أ] يفرض لمن أتاه من أهل العراق، وأمضاه على شط الفرات إلى الجزيرة، فنفذ حميد إلى المدائن. وأنفذ مالك بن طرّاف في خمسة آلاف رجل إلى هيت، فكان يكتب إلى حميد بأخبار الجزيرة وما يأتيه عن مروان، وأتاه عدّة من وجوه كلب بطاعتهم فأنفذهم إلى أبي سلمة، فكانوا أول من سوّد من أهل الشام، ومروان بعد على حاله. ووجّه أبو سلمة بسّام بن إبراهيم إلى الأهواز، وبها عبد الواحد بن عمر بن هبيرة، فحاربه فانهزم، فلحق بالبصرة بسلم [5] بن قتيبة.

_ [1] في ن. م. ص 283 ب «وتولي» . [2] في ن. م. ص 283 ب: عبد السلام بن نعيم الغامدي، وهو خطأ. انظر الطبري س 2 ص 1480. [3] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 410، والطبري س 3 ص 20- 21. [4] انظر الطبري س 3 ص 21. [5] في الأصل «لسلم» .

ووجّه خالد بن برمك والمسيّب بن زهير إلى السوس [1] وجنديسابور [2] ، وبها ربعي بن الأعور. ووجّه عبد الرحمن بن يزيد بن المهلّب [3] إلى عين التمر. ووجّه عمّاله على الكور في السهل والجبل. وبعث إلى فارس عمّالا من قبله، وفيها عمّال أبي مسلم، فكتب صاحب أبي مسلم إليه، وكتب إليه: دار القوم حتى تتوثق منهم، فأخذهم وقيّدهم، وبعث أبو مسلم من عنده رجلا فقتلهم. وأتى أبا سلمة كتاب أبي عون قد أوقع بخيل لمروان، وعبر الزاب الصغير وتقدم نحو الزاب الكبير، فقلق وكتب إلى حميد أن يوجّه من قبله كلثوم بن شبيب الأزدي والمخارق بن غفار [4] وذؤيب بن الأشعث في أصحابهم إلى أبي عون، وضرب البعث على من فرض له من أهل الكوفة، وكتب إلى أبي مسلم [186 ب] يستحثه بالجنود، ويخبره بتحرك مروان لمن توجّه إلى الموصل من الهاشمية. فكتب أبو مسلم إلى موسى بن كعب، وهو بالري يأمره بإمضاء أصحابه مع ابنه [5] عيينة بن موسى إلى أبي عون، وأن يقدم عليه، وكتب أبو مسلم إلى عثمان بن قرطة، وهو بالدينور في ألفي رجل، وإلى محمد بن صول بنهاوند في سبع مائة رجل أن يستخلفا ويلحقا بأبي سلمة، وأمضاها إلى أبي عون، فبلغ عدة من كان مع أبي عون إلى أن قدم عليه عبد الله بن علي واليا على عسكره ثمانية عشر ألف رجل. وأقام أبو سلمة بمعسكره من حمّام أعين يصدر الأعمال ويدبّر الأمور، ويكاتب أبا مسلم، فكان أبو مسلم يكتب إليه: للأمير حفص بن سليمان وزير آل

_ [1] في أنساب الأشراف ج 3 ص 410 والطبري س 3 ص 21 أنه وجههما إلى دير قنى. [2] في الأصل: «جند نيسابور» . انظر معجم البلدان ج 2 ص 170. [3] في أنساب الأشراف ج 3 ص 410 أنه وجه «يزيد بن حاتم في أربعمائة إلى عين التمر» . [4] في الأصل «عقار» . [5] في الأصل: «أبيه» والتصويب من أنساب الأشراف ج 11 ص 487.

جود إبراهيم الإمام

محمد [1] . ولمّا انتهى إلى مروان ما كان من إيقاع الهاشمية بعثمان بن سفيان و [2] الخارجي هاله ذلك، وإبراهيم الإمام محبوس بحرّان، فضرب البعوث على أهل الشام وأكثف، وأشاع أنّه يريد الصائفة، وعقد للوليد بن معاوية عليها، فعسكر بدابق [3] . ثم بلغ مروان دنو الهاشمية إلى الزاب فعسكر بسلسمين [4] وحشر أهل بيته، وقال لهم: قاتلوا عن ملككم، وكتب إلى الوليد بن معاوية في الشخوص إليه بالجنود من فرسان أهل الشام وأهل الجزيرة، وأقام يحشد يريد [5] ينهض إلى الهاشمية، وقد أيقن بزوال ملك بني أمية حتى ظهر [187 أ] أبو العبّاس السفّاح رضي الله عنه، فإنّه أول خلفاء بني العباس رضي الله عنهم أجمعين. جود إبراهيم الإمام عبد الرحمن بن مالك الأنصاري عن أبيه أنّه سمع شيخا لهم يقول: قدم [6] إبراهيم بن محمد علينا، بعد ما صدر من الحج، فأتته عجوز فانية من ولد الحارث بن عبد المطلب، وأنا عنده، فشكت ضنك المعيشة فقال:

_ [1] يضيف كتاب التاريخ ص 284 أ، «وهو يكتب إليه: للأمير عبد الرحمن بن مسلم أمير آل محمد» . [2] زيادة يؤيدها ما ورد في ص 358 من هذا الكتاب. وانظر الطبري س 3 ص 38. [3] قرية قرب حلب. معجم البلدان ج 2 ص 416، وابن خرداذبه ص 177. [4] قرية قرب حران. معجم البلدان ج 3 ص 240. [5] لعله: أن ينهض. [6] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 391- 392.

يا أمّه! ما يحضرني لك الكثير، ولا أرضى لك بالقليل، وأنا على سفر فاقبلي ما حضر وتفضلي بالعذر، ثم دعا مولى له فقال: ادفع إليها ما بقي معك من النفقة، وخذي هذا البعير والعبد فبيعيهما وارتفقي بثمنهما. قالت: يا ابن أم! آجرك الله في الآخرة غير معجّل على البرّ والصلة، آجرك الله وأعلى في الدنيا كعبك، ورفع فيها ذكرك، وغفر يوم الحساب ذنبك، فأنت كما قالت أم جميل ابنة حرب: زين العشيرة كلّها ... في البدو منها والحضر ورث المكارم كلّها ... وعلا على كلّ البشر ضخم الدسيعة [1] ماجد ... يعطي الكثير بلا ضجر وحدثنا بعض أشياخنا: أن الإمام إبراهيم بن محمد قدم المدينة حاجّا [2] [187 ب] فأتاه الناس ولم يأته ابن هرمة [3] ، فسأل عنه، فقيل: هو متوار من الدين، فأرسل إليه، فأتاه ابن هرمة، فسلّم عليه وساءله وحادثة ثم أنشده قصيدته التي يقول فيها: جزى الله إبراهيم عن جلّ قومه ... رشادا بكفّيه ومن شاء أرشدا [4] أغرّ كضوء البدر يستمطر الندى ... ويهتاش [5] مرتاحا إذا هو أنفدا

_ [1] الدسيعة: الجفنة الواسعة. [2] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 392- 393. [3] ابن هرمة هو إبراهيم بن علي بن سلمة الفهري المدني، توفي سنة 150 هـ. انظر عيون التواريخ لابن شاكر الكتبي (حوادث سنة 150 هـ) . [4] في الأصل: «ارشد» والتصويب من أنساب الأشراف ج 3 ص 393. انظر ديوان إبراهيم بن هرمة تحقيق محمد عبد الجبار المعيبد (النجف الأشرف 1969) ص 91- 95 وابن عساكر ج 2 ص 289- 90. [5] في أنساب الأشراف ج 3 ص 393: «يهتز» ، ويهتاش يعني يهيش ويطرب.

ومهما يكنّ مني إليك فإنّه ... بلا خطإ مني ولكن تعمّدا وقلت: امرؤ غمر [1] العطيّات ماجد ... متى ألقه ألق الجواري، أسعدا غرائب شعر قلته لك صادقا ... وأعلمته رسما فغار وأنجدا وأنت امرؤ حلو المؤاخاة باذل ... إذا ما بخيل القوم لم يصطنع يدا لك الفضل من هنّا وهنّا وراثة ... أبا عن أب لم تختلس ملك قعددا [2] بنى لك عبّاس من المجد غاية ... إلى عزّ قدموس من المجد أصيدا وشيّد عبد الله أركان مثلها ... وشدّ بأطناب العلا فتشيّدا [3] وشدّ عليّ في يديه بعروة [4] ... وحبلين من مجد أغيرا [5] فأحصدا وكم من علاء أو على قد ورثتها ... بأحسن ميراث أباك محمدا وأنت امرؤ أوفى قريش حمالة [6] ... وأكرمها فيها مقاما ومقعدا [188 أ] كريم إذا ما أوجب اليوم نائلا ... عليه جزيلا بثّ أضعافه غدا سعى ناشئا للمكرمات فنالها ... وأفرع في وادي العلا ثم أصعدا على مأثرات من أبيه وجدّه ... فأكرم بذا فرعا وبالأصل محتدا وأجرى جوادا يحسر الخيل خلفه ... إلى قصبات السبق شتى وموحدا إذا شاء يوما عدّ من آل هاشم ... أبا ذكره لا يقلب الوجه أسودا إذا هو أعطى مرّة هزّه الندى ... فعاد وكان العود بالخير أحمدا

_ [1] في الأصل: «عمر» . [2] المعيبد في الديوان المشار إليه «أبا عن أب لم يختلس تلك تعددا» ص 92. [3] في الأصل: «فتستد» . [4] في الأصل: «بعروتين» ، ولا يستقيم الوزن معها. وفي الديوان «بعروة» . [5] المعيبد «أغر» . [6] في الأصل: «وأنت امرؤ في قريش جماله» ، والحمالة: الدية، وانظر الديوان ص 93.

أغرّ منافيّا بنى المجد بيته ... مكان الثريا ثم علّى فكبّدا ومورد أمر لم يجد مصدرا له ... أتاك فأصدرت الّذي كان أوردا وموقد نار لم يجد مطفئا له ... أتاك فأطفأت الّذي كان أوقدا فلم أر في الأقوام مثلك سيّدا ... أهشّ بمعروف وأصدق موعدا وأنهض بالعزم الثقيل احتماله ... وأعظم إذ لا يرفد [1] الناس مرفدا ولو لم يجد للواقفين ببابه ... سوى الثوب ألقى ثوبه وتجردا وحدّث أشياخ من أهل الحرمين أنهم سمعوا أشياخهم يذكرون أن الإمام إبراهيم بن محمد كان إذا قدم الحرمين بهج به من بهما من ولد عبد المطلب وجذلوا [2] ، وتباشروا به واستبشروا. وقالوا: وكان إذا قدم الحرمين سأل [188 ب] من بهما من ولد عبد المطلب عن حالهم، فمن كان في نعمة زاد في نعمته، ومن كان منهم مختلّا أنعم عليه. عبد الرحمن بن مالك الأنصاري عن أبيه أنّه سمع شيخا لهم، وكان صديقا لإبراهيم الإمام، يقول: قدم إبراهيم الإمام علينا المدينة، وكنت جالسا عنده يوما، إذ أتاه عبد لرجل من مزينة، فشكا مولاه وقال: يا ابن عمّ رسول الله اشترني، فأرسل إلى مولاه فاشتراه وأعتقه. وجاء مولى للنوفليين محجوب البصر فذكر له عري أهله، فبعث إلى ثياب من السوق فدفعها إليه، وقال: اكسها عيالك. وأتاه نفر من العرب فسألوه أن يرفدهم في حمالة يحملونها [3] ، فسألهم عن مبلغ حمالتهم وما جمعوا منها وما بقي عليهم منها، فذكروا له ذلك فأعطاهم ما بقي عليهم من حمالتهم، فقلت: بأبي أنت وأمّي

_ [1] في الأصل: «يوقد» . [2] في الأصل: «جدلوا» . [3] في الأصل: «يحملوها» .

يا أبا إسحاق، أنت كما قال أعشى [1] وائل: يرى البخل مرّا والعطاء كأنّما ... يلذّ به عذبا من الماء باردا وأحلم من قيس وأمضى من الّذي ... بذي الغيل من خفّان [2] يصبح حاردا فتبسم وقال: يا أخا الأنصار! لسنا نفعل ما ترى من سعة وكثرة جدة ولكن ولد أبي لا يحسنون عند السؤال لا، ثم تمثل قول لبيد [3] : [189 أ] وبنو الديّان لا يأتون: «لا» ... وعلى ألسنهم خفّت «نعم» زيّنت أحسابهم أحلامهم ... وكذاك الحلم زين للكرم [4] عبد الله بن عبد الرحمن بن عيسى بن موسى قال: حدثني أبو طاهر أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب قال: قال الحسين بن زيد: قدم إبراهيم بن محمد الإمام علينا، فبعث إلى عبد الله بن الحسن بخمس مائة دينار، فاستزاده فزاده، وبعث إلى إبراهيم بن حسن بخمس مائة، وبعث إلى جدّي محمد بن عمر بخمس مائة، وبعث إلى جعفر بن محمد ألف دينار، وبعث إلى جماعة بمال. قال حسين بن زيد: فبعثتني أمي ريطة بنت عبد الله ابن محمد بن الحنفية، وكانت عند زيد بن علي، فقال: زيد الكوفة؟ قلت

_ [1] انظر معجم الشعراء للمرزباني (ط. مكتبة القدسي) ص 12. [2] انظر معجم البلدان ج 2 ص 379، وابن رسته ص 175، وهو موضع على بعد حوالي 15 ميلا من القادسية. [3] لبيد بن ربيعة العامري. انظر طبقات الشعراء لابن سلام ص 113، والشعر والشعراء لابن قتيبة ج 1 ص 194، والأغاني ج 14 ص 93. [4] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 391.

نعم، وعليه قميص ورداء مصبوغ بزعفران فبكى حتى أثّر في قميصي من صبغ ردائه. ثم دعا غلاما فسارّه فذهب ثم جاء بأربع مائة دينار فدفعها إليّ، ثم قال: لولا أنّه لم يبق عندي غيرها لأعطيتك كما أعطيت أصحابك، ثم صرّها في ثوبي ثم قال: أنت صغير، فدعا غلاما له فدفعها إليه وقال: انطلق بها إلى ريطة وأعذرنا عندها، فأخذتها ومضيت، فما أنفقناها حتى رأينا راية بني العباس من خراسان. بسم [1] الله الرحمن الرحيم [189 ب] حدثنا محمد بن إسحاق بن محمد المسيّبي قال: حدثني نمير بن عبد الله ابن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة [2] قال: كان مولى لأبي الجهم العدوي يجلس على بابه فيمر به إبراهيم بن محمد بن علي فيقول: هذا الّذي يرشّح للخلافة، ويزعمون أنّه قد بعث فيها من يطلبها له، فيكثر من هذا. فاغتم إبراهيم لذلك، ورأى أنّه [3] يعرّضه للمكروه، فبعث إليه بشيء، وقال لرسوله قل له [4] : فرّقنا شيئا فذكرناك، فكان بعد إذا مرّ به يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالاته، هذا والله الّذي يستأهل كذا وكذا، فأرسل إليه إبراهيم: يا هذا! لا ذا ولا ذاك. عبد [5] الرحمن بن مالك الأنصاري عن أبيه أنّه سمع شيخا لهم وكان صديقا لإبراهيم الإمام يقول: كنا [6] في مسجد رسول الله صلى الله عليه

_ [1] يبدو أن هذه تتمة ألحقت بعد قراءة ثانية أو نقلت من نسخة ثانية. [2] سليمان بن أبي حثمة الراويّ. انظر الطبري س 1 ص 2754. [3] في الأصل: ان. [4] زيادة يقتضيها السياق. [5] في الأصل، وضع عنوان نصه «جود إبراهيم الإمام» قبل هذا الخبر، وهو مقحم، إذ سبق وروده في ص 379، كما أنه لا صلة له بما يليه. [6] زيادة.

وسلّم فدخل علينا فتى من ولد زياد وسيم الوجه جميل البصر يجرّ أثوابه من الخيلاء، فسألني عنه فنسبته فتبسم ثم تمثّل قول الفرزدق [1] : أطلها فإنّ الطول ليس بنافع ... إذا كان فرع الوالدين قصيرا [2] أحمد بن يحيى قال: حدثني عبد الله بن مالك الكاتب قال: قال إبراهيم الإمام: [190 أ] سمعت أبي يقول: لا يزال الرجل يزداد في رأيه ما نصح لمن [3] استشاره، ثم قال: وأنا أقول: نصح المستشير قضاء لحق النعمة في صواب الرأي. أحمد بن يحيى قال: حدثني ابن الأعرابي أبو عبد الله قال: سأل أبو مسلم إبراهيم الإمام عن البلاغة فقال: معرفة الوصل من الفصل، وإصابة المعنى، واختصار الطريق إلى الغاية التي تريد [4] . عمر بن شبّة قال: سمعت عيسى بن عبد الله قال: حدثني أبي قال: وافينا مكة، وعلينا عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك أميرا على الحج، فجاء رسول عبد الله بن حسن إلى جعفر بن محمد، فأرسلني أبي لأنظر ما اجتمعوا له، فأرسل جعفر الأرقط محمد بن عبد الله بن علي لذلك، قال: فجئتهم فوجدت عبد الله بن حسن وإبراهيم والمنصور ابني محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وجماعة من بني هاشم، ووجدت محمد بن عبد الله بن حسن

_ [1] انظر الأغاني ج 9 ص 324- 343، والخزانة ج 1 ص 105، والشعر والشعراء لابن قتيبة ج 1 ص 381- 392. [2] في الأصل: «قصير» . [3] أنساب الأشراف ص 236 (الرباط) ، وانظر عيون الأخبار ج 1 ص 30. [4] أنساب الأشراف ص 236 (الرباط) ، وانظر العمدة لابن رشيق (مطبعة السعادة 1963) ج 1 ص 244- 6.

قائما يصلّي على طنفسة رحل [1] مثنية، فقلت: أرسلني أبي يسألكم لأي شيء اجتمعتم، فقال عبد الله بن حسن: اجتمعنا لنبايع للمهدي محمد بن عبد الله بن حسن. قال: فإنّا على ذلك إذ دخل داخل فألقم إذن إبراهيم بن محمد ابن علي فسارّه مليّا، فأقبل عليهم إبراهيم فقال: لا أرى، أبا محمد [2] ، جعفر ابن محمد بن علي [3] [190 ب] حضر، ولا أرى وجوه شيعتكم، فلو انصرفنا في هذا العام واجتمعنا قابلا. ثم نهض قائما وقمنا معه، وإذا الّذي سارّه قال له: أتبايع هذا الفتى وشيعتك [4] بخراسان يدعون إليك! قال: وأرسل إليهم عبد الواحد بن سليمان: إن كنتم تريدون شيئا خليتكم والّذي تريدون. قال: فلمّا استيأس ابن حسن من إبراهيم كتب إلى مروان: إنّي بريء من إبراهيم ابن محمد وما أحدث. عمر بن شبّة قال: حدثني يعقوب بن القاسم الطلحي قال: حدثني حسين بن حسين الجعفي قال: حدثني المغيرة بن رميل العنبري قال: كنت عند مروان، فخرجت من عنده وركبت البريد إلى مصر، فدخلت حمّام دمشق فإذا رجل في الحمام- ذكر من جماله- معه ابنان له، فقال لي: ممن أنت؟ فأخبرته أنّي أقبلت من الجزيرة، قال: وكيف تركت الناس؟ كيف علمك بالخليفة؟ قلت: أخبر الناس به، كنت نديمه قبل الخلافة وعامله فيها. قال: أفلك علم بخراسان؟ قلت: أعلم الناس بها، أقمت بها أسيرا سنين، وأميرا أربع سنين، بها الناس وجمجمة العرب وفرسانها.

_ [1] في الأصل: «رجل» ولعل ما أثبتناه هو الصواب. [2] في الأصل «أبا محمد وجعفر..» ، والمخاطب هو عبد الله بن الحسن، وكنيته أبو محمد. الطبري- المنتخب من ذيل المذيل س 4 ص 2506. [3] في الأصل: «عمر» والمقصود الإمام جعفر الصادق. [4] في الأصل: «وقد شيعتك» .

خبر مقتل إبراهيم بن محمد الإمام

قال: أفلك علم هناك برجل؟ قلت: أبو مجرم؟ قال: أبو مسلم. قلت كأنّك برويسه على عود، قال: كلّا والله حتى يبلغ أمره، فكلما [191 أ] ذهبت أقوم حبسني، ثم عرض عليّ المنزل فأبيت. ثم خرجت على البريد حتى قدمت مصر، ثم رجعت إلى الجزيرة فإذا برجل في الحديد معه فلان وفلان، قلت: قد عرفت هذين فمن هذا؟ قالوا: إبراهيم بن محمد حمل إلى الخليفة، فنظرت في وجهه فإذا هو صاحبي في الحمام. أحمد بن يحيى بن جابر قال: حدثني أبو مسعود عن ابن الكلبي قال: كان إبراهيم بن محمد يقول: الكامل المروءة من أحرز دينه ووصل رحمه، واجتنب ما يلام عليه. وقال إبراهيم لدعاته الذين وجّههم إلى خراسان: لا تدعوا إلى طاعتنا عشرة أصناف من الناس: الطويل الممدّد، والقصير المردّد، والجعد القطط، والأمهق [1] المغرب، والأعور بعين اليمين، والزائد والناقص في الخلقة، والمتشبّه من الرجال بالنساء ومن النساء بالرجال، والمصفّر لونه من غير علة. خبر مقتل إبراهيم بن محمد الإمام كان الّذي حكي من سبب ظهور مروان على أمر [2] إبراهيم وحبسه إياه، أنّ إبراهيم كان حجّ في سنة تسع وعشرين ومائة وحجّ معه قحطبة، فلقيه عبد الله بن الحسن بن الحسن [3] بن علي بن أبي طالب بمكة فاستسلفه مالا، وقد

_ [1] شعر قطط: قصير جعد. الأمهق: الأبيض الناصع البياض بغير حمرة. [2] انظر كتاب التاريخ ص 284 أ- ب. [3] في الأصل: «حسن» .

بلغه أنّ قحطبة قدم عليه بمال من خراسان، فقال له إبراهيم: كم تريد؟ قال: أريد أربعة [191 ب] آلاف دينار، فقال إبراهيم: والله ما هي عندي، ولكن هذه ألف دينار فخذها صلة [1] ، وأمر عروة مولاه [2] بحملها إليه. وانصرفوا صادرين من حجّهم وقد [سقط] [3] إلى عبد الله بن الحسن وضح من أمر إبراهيم، فلما صاروا إلى المدينة اتخذ عبد الله بن الحسن طعاما فدعا [4] أهل بيته، ودعا إبراهيم ومن كان معه، فلمّا طعموا قال عبد الله لإبراهيم، وليس معهما إلّا رجلان من مشايخهم: إنّه قد بلغنا أنّ أهل خراسان قد تحركوا لدعوتنا، فلو نظرنا في ذلك فاخترنا منّا من يقوم بالأمر فيهم، فقال إبراهيم: نجمع مشايخنا فننظر فلن نخرج ممّا اتفقوا عليه [5] . وافترقا على ذلك، وجمع أهله وأهل بيته وبعث إلى إبراهيم ومعه يومئذ داود بن علي ويحيى بن محمد، فلما أتوه قدّم إليهم الطعام، فلما فرغوا من طعامهم، قال عبد الله: إنّه قد انتهى إليّ تشمير أهل المشرق في الدعاء إلى آل محمد صلّى الله عليه وسلّم فانظروا في ذلك، واتفقوا على رجل يقوم بالأمر فتأتيهم رسله. فقال بعضهم: أنت أسنّ أهل بيتك فقل، فقال: نعم، محمد ابني فقد أمّلته الشيعة وهو في فضله ونعمة الله عليه، فوصفه بالفضل فأسكت القوم. فقال إبراهيم: سبحان الله يا أبا محمد! تدع مشايخنا وذوي الأسنان

_ [1] في كتاب التاريخ ص 284 أ «خذها صلة لك» . [2] في الأصل: «مولاهم» وما أثبتناه من ن. م. ص 284 أ. [3] زيادة من ن. م ص 284 ب، وقد جاءت بعد (قال عبد الله لإبراهيم) - وعبارته «وقد سقط إليه وصحّ من أمره» . [4] في ن. م. «ودعا» ص 284 ب. [5] في ن. م. «ولننظر في ذلك فلن يفوت الأمر» ص 284 ب، وانظر التتمة في نفس الصفحة.

منا وتدعونا إلى فتى كبعضنا، [192 أ] لو دعوتنا إلى نفسك، أو إلى بعض من ترى، ما هاهنا أحد من ذوي الأسنان يرضى بهذا في نفسه، وإن أعطاك الرضا في علانيته. قال من حضر منهم: صدق وبرّ، فأيقن بأن قد وطّأ الأمر لنفسه. وانصرف إبراهيم إلى منزله من الشراة فكان على ما كان عليه من معالجة أمر الدعوة. فانتهى إلى مروان ما يدعون إليه في الظاهر من ذكر الرضا من آل محمد، فقال: شيخ هذا البيت وذو سنّهم عبد الله بن الحسن وأحر به أن يكون صاحب هذا الشأن، فبعث إليه فأقدمه، وهو بحرّان، فأخبره بما انتهى إليه من أمر الدعوة، وأنّه اتهمه [1] في ذلك. فقال له عبد الله بن الحسن: وما أنا وهذا، وصاحب أمرهم إبراهيم بن محمد [2] ، وهو المتحرك لها، وكان أبوه من قبله على مثل رأيه [3] ، فشأنك به. فحلّفه على براءته مما ظنّ به فحلف له، ولمّا حلف له أخذ بيعته [4] وخلّى عنه. ويقال: إنّ رجلا من بني تميم كان يسمى قريظ [5] بن مجاج بن المستورد أصاب دما في قومه بالبصرة، فخاف فلحق بخراسان، وغيّر اسمه فتسمى بعبد الكريم، وتكنّى بأبي العوجاء، ولزم لاهزا والقاسم بن مجاشع، وانقطع إليهما على وجه المعاشرة، فأطلعوه [6] على أمرهم ودعوه إلى دعوتهم، فأجابهم وسعى معهم حتى عرف بالصحة وقوّة البصيرة، فوجّهه أبو مسلم مع أبي

_ [1] في ن. م. ص 284 ب «يتهمه» . [2] في ن. م. ص 284 ب «ما انا صاحب هذا الأمر بل صاحب هذا الأمر إبراهيم بن محمد بن علي» . [3] في ن. م. «على مثل ذلك رأيه» . [4] يضيف ن. م. ص 282 ب «وأجزل صلته» . [5] في ن. م. «قريط» ص 284 ب. [6] هكذا.

حميد إلى إبراهيم [192 ب] فيما كان يوجّه، فلما كانا بتدمر مرض عبد الكريم أو تمارض وتخلّف بها وقال لأبي حميد: امض فإنّي إن وجدت خفّة [1] لحقتك. فلمّا مضى أبو حميد توجّه عبد الكريم إلى حرّان فلقي بها سعيد بن عمرو بن حيدة السلمي، وكان مروان مسترضعا في حجر أبيه عمرو بن حيدة، وكان خاصته، فقال له عبد الكريم: إنّي امرؤ من قومك، وعندي علم من أمر هذه الدعوة التي ظهرت بالمشرق ومعرفة بصاحبها، فدخل على مروان فخبّره بذلك، فدعا به خاليا [فأخبره] [2] بقصة دخوله فيما كان دخل فيه من أمر الدعوة وخروجه من ذلك وبراءته منها ومن أهلها، وتوجيه أبي مسلم إيّاه فيما وجّهه له وقدومه على إبراهيم، ودفع إليه كتابه إلى أبي مسلم، فلما قرأه دعا عبد الحميد بن يحيى [3] فقال له: اسمع كلام هذا الرجل، واستعاده الحديث فأعاده، فقال عبد الحميد: ما بعد هذا شيء. فوصل مروان عبد الكريم وفرض له في شرف العطاء وقال له: اخرج حتى تلحق بأبي مسلم، فكن عينا عليه واكتب إليّ بأخباره. فانصرف عبد الكريم إلى أبي مسلم، فوجّهه أبو [4] مسلم قائدا على جند، ولم يزل معهم حتى ولي أبو جعفر الجزيرة، وهو في جنده، فولاه دارا [5] ، وانتهى إلى أبي العبّاس خبره بعد ظهوره، فكتب إلى أبي جعفر فيه فبعث إليه، وهو عامله على دارا [6] ، فقطع يديه ورجليه وضرب عنقه. [193 أ]

_ [1] في ن. م. ص 285 أ. «إفاقة» . [2] زيادة، يؤيدها نص كتاب التاريخ ص 285 أ. [3] يضيف ن. م. ص 285 أ «كاتبه» . [4] في الأصل: «أبا» . [5] انظر الاصطخري- المسالك ص 53. [6] يضيف كتاب التاريخ «ودعاه» . ص 287 أ.

ويقال: كان إبراهيم الإمام تقدّم إلى أبي مسلم وإلى النقباء الاثني عشر في كتمان اسمه، تخوّفا من مروان بن محمد، فقال مروان: كيف لي بأن أعرف اسم هذا الّذي شيعته بخراسان؟ فقال له رجل من ورائه: أنا أتعرّف لك ذلك يا أمير المؤمنين! فشخص حتى صار إلى عسكر قحطبة، فلما دخل [1] قحطبة جرجان، وانهزم عنها نباتة بن حنظلة [2] ، جاء الرجل إلى قحطبة فسلّم عليه بالإمرة ثم قال له: جئت أبايعك. قال له قحطبة: بايع. قال الرجل: لمن أبايع؟ قال: للرضا من آل محمد. قال الرجل: هذه بيعة مجهولة لا يصح بها [3] عقد. قال قحطبة: وكيف؟ قال: أرأيت إذا أخذ أهل كلّ بلد رجلا من آل محمد [4] وقالوا: الرضا في أيدينا [5] لمن تكون [6] بيعتي منهم؟ فزجره وقال بايع. فقال الرجل: ما كنت لأبايع إلّا لمن أعرف اسمه. فاستشرف الجند هذا القول، فخاف قحطبة على نفسه وأن تفسد قلوب الجند، فقال قحطبة: بايع لإبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب وهو [7] بالشراة، فأوصل خبره إلى مروان [8] ، فأخذ إبراهيم فحمل إلى حرّان. وقال محمد بن حبيب: كان سبب قتل إبراهيم وعبد الله بن عمر بن عبد العزيز أنّ نصر بن سيار كتب إلى مروان بخروج أبي مسلم وكثرة من

_ [1] في الأصل «رأى» . انظر كتاب التاريخ 285 ب. [2] في الأصل: «حنظلة بن نباته» وهو سهو. انظر ص 328 من هذا الكتاب والطبري س 2 ص 2003. [3] في كتاب التاريخ ص 285 ب «معها» . [4] يضيف ن. م. «وسموه الرضا» ص 285 ب. [5] في ن. م. «وقالوا: الرضا معنا وفينا» . [6] في الأصل: «تكن» والتصويب من كتاب التاريخ ص 285 ب. [7] يضيف ن. م. «وهو إذ ذاك» ص 285 ب. [8] في ن. م. «فرجع إلى حران وأخبر مروان» 285 ب.

معه، وأنّه يخاف أن يستولي على خراسان وأنّه يدعو إلى بيعة إبراهيم بن محمد، فوافى الكتاب إلى مروان وقد أتى رسول أبي مسلم إلى إبراهيم فأخذ جوابه [1] ، [193 ب] كتاب إبراهيم يلقى [2] فيه أبا مسلم ويأمره في كتابه ألا يدع بخراسان عربيا إلّا قتله. فانطلق الرسول بالكتاب إلى مروان، فوضعه في يده، فكتب مروان إلى الوليد بن معاوية بن عبد الملك [3] ، وهو عامله على دمشق أن اكتب إلى [عامل] [4] البلقاء فليسيّر [5] إلى كداد والحميمة وليأخذ إبراهيم بن محمد فليشدّه وثاقا ثم ليبعث به إليك في خيل كثيفة، ثم وجّه به إلى أمير المؤمنين، فأتاه، وهو جالس في مسجد القرية فأخذ بلفّ [6] رأسه، وحمل [إلى حران] [7] فأدخل على مروان فأنّبه وشتمه، فاشتد لسان إبراهيم عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين! ما أظنّ إلّا ما يروي الناس عليك حقّا في بغض بني هاشم، وما لي وما تصف. فقال له مروان: أدركك الله بأعمالك الخبيثة، فإنّ الله عزّ وجلّ لا يأخذ على أول ذنب، اذهبوا

_ [1] في الأصل: «جواب» ، انظر الطبري س 2 ص 1974. [2] لعله: «يلعن» . أورد الطبري س 2 ص 1974 رواية مماثلة وفيها «ومعه (أي الرسول) كتاب إبراهيم إلى أبي مسلم جواب كتابه، يلعن فيه أبا مسلم ويسبه حيث لم ينتهز الفرصة من نصر والكرماني إذ أمكناه ويأمره أن لا يدع بخراسان عربيا إلا قتله» . [3] في الأصل «معاوية بن الوليد» ثم يرد الاسم بعد قليل «الوليد بن معاوية» . انظر الطبري س 2 ص 1974 وأنساب الأشراف ج 3 ص 386. [4] زيادة من كتاب التاريخ ص 286 أ. [5] في أنساب الأشراف ج 3 ص 386، أنه كتب «في المسير إلى كداد والحميمة وأخذ إبراهيم ابن محمد بن علي وشده وثاقا وحمله إليه في خيل كثيفة..» . [6] في ن. م. ج 3 ص 387 «فأخذ ولف رأسه وحمل إلى دمشق» . وانظر مروج الذهب ج 3 ص 259 والطبري س 2 ص 1975. [7] زيادة من كتاب التاريخ ص 286 أ.

به إلى السجن. فحبسوه [1] أياما، ثم وجّه قوما فدخلوا السجن ليلا فغمّوا إبراهيم وعبد الله بن عمر بن عبد العزيز، فلما أصبحوا وجدوهما ميّتين. ويقال: أدخل رأسه في جراب نورة [2] . قال أبو الخطاب: بلغ مروان أن أبا مسلم وقحطبة وأصحاب الرايات [3] السود وأشياعهم شيعة لإبراهيم، وكان الّذي أعلم مروان ذلك عبد الله بن الحسن، فكتب مروان إلى الوليد بن معاوية بن عبد الملك، وهو عامله على دمشق أن يوجه إلى إبراهيم من يأتي به، فوجّه الوليد خيلا عليهم قطري مولى الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فهجموا على إبراهيم منزله بالحميمة، فاحتملوه، فأتوا به الوليد بن معاوية، فأنفذه إلى مروان وهو بحران. فلمّا قدم [194 أ] إبراهيم حلب، كتب [4] إلى أبي مسلم مع رجل من موالي عبد الله بن عباس يقال له عبد الله بن هلال ينزل حلب، كتابا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم الله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمن أَصْدَقُ من الله حَدِيثاً 4: 87 [5] . أمّا بعد، فإن رأيتموني قتيلا أو ميتا فلا يثنينّكم ذلك عن القيام بالحق، فو الّذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ليتممنّ الله أمركم، وليعزنّ دعوتكم، وليظهرنّ حقكم، وليقتلنّ جبابرة بني أميّة بأسيافكم، وليقومنّ رجل من إخوتي خليفة مطاعا وإماما متبوعا، وهو عبد الله الأصغر ابن

_ [1] في الأصل: «فحبسوا» . [2] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 387- 388. [3] في الأصل: «رايات» . [4] في الأصل: «كاتب» . [5] سورة النساء، الآية 87.

الحارثية، فليهدينّ إليه رأس مروان الجعديّ، فلا يدخلنّ رجل منكم مرية إن [1] فقدتموني ولا ارتياب، والله عليكم وكيل، وعلى ما أقول شهيد. كان هذا الكتاب آخر كتاب كتبه إبراهيم [2] ، وكتب بهذه النسخة إلى أبي سلمة مع المهلهل بن صفوان، وبهذه النسخة إلى قحطبة مع إبراهيم بن سلمة. وذكر بلخ بن زكريا مولى لريطة [3] أم أبي العباس قال: كنت [4] مع إبراهيم مخرجه من الحميمة حتى قدم على مروان بحرّان وهو في قصره خارج المدينة [5] ، فلمّا دخل عليه إبراهيم دفع إليه كتابا في قرطاس فقال: اقرأه، فلمّا نظر [194 ب] إبراهيم فيه قال: هذا خطّ عبد الله بن حسن. قال مروان: صدقت، هو ابن عمك، مصدّق عليك. قال إبراهيم: ما صدق ولقد كذب، وإذا بالكتاب: إنّك تظن يا أمير المؤمنين أن أحدا لا ينازعكم ملككم غير بني أبي طالب، هذا إبراهيم بن محمد في جوارك بالشام قد زحفت إليك شيعته من خراسان. فقال إبراهيم: كذب عبد الله بن الحسن يا أمير المؤمنين! فألّا ينصح لك في محمد ابنه الّذي يزعم أنّه مهدي هذه الأمة، وهو مستخف منك ومن الوليد بن يزيد ومن هشام بن عبد الملك تربّصه للخلافة. قال مروان: قد كتب ابن عمّك بما قرأت واتهمك [6] ، وفي الحبس ثلاثة نفر من بني عمّك لك بهم أسوة: العباس بن الوليد بن عبد الملك، وعبد الله بن

_ [1] في الأصل: «فان» . [2] في كتاب التاريخ ص 286 أ «وكان هذا آخر ما كتبه إلى شيعته» . [3] في الأصل «الريطة» . و «ريطة» أم أبي العباس، بنت عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان ابن الديان، الحارثية. كتاب حذف من نسب قريش ص 11. [4] في الأصل: «كتب» . [5] في الأصل: «خارج من المدينة» . [6] في الأصل: «اتهمتك» .

عمر بن عبد العزيز، ومحمد بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. قال بلخ: فحبس إبراهيم معهم فلم يلبث في الحبس إلا نحوا [1] من عشرين يوما ثم توفّي. وكان يخدمه في الحبس وصيف له يقال له صاعد بن سالم، صار بعد ذلك على حجابة صالح بن علي بالشام، وكان الّذي تولى تجهيزه رجلان من أهل حرّان، كلاهما قاض أحدهما يكنى أبا ساح مولى لآل أبي معيط، ويقال للآخر عمر بن الوليد مولى الأزد، وصلّى عليه عبد العزيز ابن محمد بن مروان، ودفن في ربض حرّان في موضع [195 أ] يسمى اليوم مقابر قريش، كان أول من دفن فيه إبراهيم، وحضر دفنه المهلهل بن صفوان وسابق الخوارزمي مولاه. فلمّا حبس أبو جعفر عبد الله بن الحسن قال: أنت قتلت أخي. وذكر المهلهل بن صفوان [2] قال: كنت أخدم إبراهيم بن محمد في الحبس، وكان معه في الحبس عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، وشراحيل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، فكانوا يتزاورون [3] . وخصّ [4] الّذي بين إبراهيم وشراحيل، فأتى رسول شراحيل يوما بلبن فقال: يقول لك أخوك: إنّي شربت من هذا اللبن فاستطبته، فأحببت أن تشرب منه. قال: فتناوله إبراهيم فشربه، فتوصّب [5] من ساعته وتكسر جسده، وكان يوم يأتي فيه شراحيل، فأبطأ عليه فأرسل إليه شراحيل: جعلت فداك قد أبطأت فما حبسك؟ فأرسل إليه: إنّي لما شربت اللبن الّذي أرسلت به

_ [1] في الأصل: «نحو» . [2] في أنساب الأشراف ج 3 ص 388، أنه مولاه. وترد هذه الرواية في الطبري س 2 ص 43- 44. [3] في الأصل: «يتزاورن» . [4] في الأصل: «وحص» . انظر الطبري س 3 ص 44. [5] توصب أي مرض.

خالفني [1] ، فأتاه شراحيل مذعورا فقال: لا والله الّذي لا إله إلّا هو ما شربت اليوم لبنا ولا أرسلت به إليك، فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، احتيل لك والله. قال: فو الله ما بات إبراهيم إلّا ليلته وأصبح ميتا. ولمّا مات إبراهيم جزع عليه عبد [2] الله بن عمر بن عبد العزيز جزعا شديدا فقال له مولى له: أتجزع على عدوّك وعدوّ أهل بيتك؟ قال: ويحك انّما أجزع على [195 ب] نفسي، إنّه سيسلك بي سبيله. ويقال: إنّ مروان لمّا بلغه هزيمة ابن هبيرة دسّ إليه إناء فيه لبن مسموم فناوله السجّان فشربه، فلما وصل إلى بطنه وجد مسّ السمّ فعلم أنّه قد اغتيل، فقال للسجان: قد فعلتموها! وسأله أن يدخل عليه امرأته لبابة بنت محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ففعل، فقالت لبابة: فبات يتضوّر ويتناول يدي فيضعها على فؤاده، ثم قضى من ليلته. فأرسل السجان إلى خليفة مروان فأعلمه وفاته، فأمر أن يغسّل ويحضر القاضي غسله، ففعل ذلك، وغسّلوه وعليه قيوده، فما حلّت إلّا بعد أن غسّل، سحلت حتى لطفت فأخرجت من رجليه. وكانت [3] وفاته في المحرم سنة اثنتين وثلاثين ومائة. وذكروا أن إبراهيم قدم به على مروان، وهو معسكر بسلمسين، فدفعه إلى ابنه عبد الله بن مروان، وهو عامله على الجزيرة فحبسه، فلمّا أراد مروان المسير إلى الزاب أمر بإبراهيم فجعل رأسه في جراب نورة، وغمّ عبد الله بن عمر بمرفقة جعلت على وجهه، فماتا.

_ [1] في الطبري س 3 ص 44 «إني لما شربت اللبن الّذي أرسلته إلى أخلفني» . [2] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 387- 388. [3] في الأصل: «وكان» .

وذكر علي بن عيسى بن موسى عن أبيه قال: هدم مروان على إبراهيم بيتا فقتله. وذكر عثمان بن عروة بن محمد بن عمّار بن ياسر، انّه كانت لمروان قطيفة ثقيلة يلقيها على الرجل فتغمّه حتى يموت تحتها، [196 أ] فألقاها على إبراهيم فقتله غمّا. قال: ولمّا عظم أمر إبراهيم على مروان والتبس عليه الأمر فيما يريد أن يعامله به، دعا أهل مشورته من أكابر ولده [1] ووزرائه وخاصته، فيهم عبد الحميد كاتبه، فخبّرهم بما بلغه عنه [2] ، وشاورهم في أمره، فأشار كل واحد منهم بما حضره من الرأي، واختلفوا في ذلك، وعبد الحميد ساكت لا يتكلم، فلما نهض من كان عند مروان، احتبس عبد الحميد، ثم قال له: قد رأيت سكوتك عمّا نطق فيه من رأيت، فما عندك فليس هذا من الأمر الّذي سكت عنه مثلك [3] في قدر حالك عندي وثقتي بك. فقال: يا أمير المؤمنين! لي فيه رأي قد مثلت [4] بين إظهاره لك وبين السكوت عنه، فدخلتني في ذلك حيرة، فأمّا إظهاره فالنصيحة لك ولنفسي معك، وأمّا السكوت عنه فلهيبتك ولكراهة الخلاف عليك. فقال مروان: متى كنت تخفي عنّي شيئا من رأيك ونصيحتك وان وقع بخلاف ما أهوى؟ فقال: ليس هذا يا أمير المؤمنين كبعض ما كان يكون، هذا أمر فيه بعض الخشونة أخاف أن أصير منه إلى ما تستثقله وتتهم [5] عليه. فقال: قد تعلم أنّه لا [6] يتقدمك عندي أحد في الثقة، فتكلم على حسب ذلك. قال:

_ [1] انظر كتاب التاريخ ص 288 أ. وفي الأصل كتبت فوق كلمة ولده (داره) . [2] في الأصل: «عنهم» . [3] في كتاب التاريخ ص 288 أ «فليس هذا الأمر مما يسكت عنه مثلك» . [4] في ن. م. «قد ميلت» . [5] في الأصل: «تهتم» . انظر الطبري س 3 ص 26. [6] في الأصل: «إلا» والتصويب من كتاب التاريخ ص 288 أ.

وأنت راض غير متّهم؟ قال: نعم. قال: يا أمير المؤمنين! هذا رجل زاكي [196 ب] الحسب ليس بمغمور في حسبه [1] ولا في قرابته بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد عظم الخطب [2] الّذي ترهبه [3] منه، فكنت أرى أن تستخلصه، وتدفع معرة هؤلاء القوم الذين دعوا إليه باستصلاحه والإصهار إليه، وترسل إليه قبل أن يظهر شأنه فتوكد عليه بيعتك، وتزوّجه بعض بناتك اللاتي قد ملأن قصرك [4] ، وتولّيه الجزيرة فيكون في جندك وبقربك، ويغدو ويروح عليك، وقد وصلته وأكرمته بملاحمتك إيّاه وولّيته وأذقته حلاوة سلطانك فبالحرى أن يشكرك ويحذر الغير إن كفرك، ويفي بعهدك، ولم تزر من سلطانك ولا من منزلتك شيئا، فإن قضى الله لأصحابه تفرّقا بما دبّرت من أمره فبالحري أن يكون ذلك، وإن تكن الأخرى كانت وقد وصلت رحمه وحقنت دمه ومننت عليه وأحسنت إليه، ولو بدأته بما وصفت من غير أمر داريته منه لما نقصك ذلك ولا هجّن رأيك. فنكّس مروان طويلا لا يحير [5] بشيء. فلما رأى عبد الحميد ذلك منه ولم ير شيئا يستدلّ به على غضبه وإنكاره قوله قال: يا أمير المؤمنين! هل تنقم من الرجل شيئا في دينه أو منصبه أو قرابته منك؟ قال: لا، ولو كنت ابتدأته بما ذكرت قبل أن يتفاقم [197 أ] أمره و [6] تسفك الدماء الكثيرة بسببه [7] كان الرأي الّذي دعوت إليه غير مدفوع، ولكن قد وقع من أمره ما ترى، وقتل بخراسان

_ [1] في ن. م. ص 288 أ: «نسبه» . [2] في ن. م. ص 288 أ «الخطر» . [3] في ن. م. «نرهبه» . [4] في ن. م. «اللائي ملأن هذا القصر» ص 288 أ. [5] في الأصل: «لا يخبر» والتصويب من ن. م. ص 288 ب. [6] في كتاب التاريخ ص 288 ب «أو» . [7] في الأصل: «في سببه» وما أثبتناه من المصدر السابق.

وغيرها خلق كثير من شيعتنا في سببه [1] ، فذلك يفسد ما ذكرت اليوم، وهو يعلم في نفسه، لو صرت إلى ما ذكرت وقد أشرف على استلاب ما بأيدينا، أنّ ذلك عن رهبة منّا له، وكيف تنصرف جيوشهم عن العراق، وقد فضّوا [2] من كان يدفعهم عنها، وأشرفوا على الظهور عليها. فقال: أنت يا أمير المؤمنين بين أمرين لا تخرج من أحدهما: إمّا لك، فو الله ما يضرّك ولا يعيبك ملاحمتك الرجل وإكرامك إيّاه لقرابته بك، بل يزيدك الله خيرا، ويأجرك عليه ويحسن النشر عنك فيه، أو عليك فيجيء ما جاء ويدك عند الرجل ظاهرة مشهورة، وإحسانك إليه في تزويجك إياه وحقنك دمه معروف غير مجهول. فقال مروان [3] : لست أدفع ما ذكرت إلّا أن الوقت ضيق، ليس بوقت ذاك، ولا يزداد أمره لو فعلت ذلك به إلّا القوّة، ولا يزيد ذلك أهل الشام إلّا إجلالا لأمره ومقاربة له ووحشة منا ومتابعة له خيفة من جنوده ورغبة فيه بما أظهرنا من إجلال منزلته، فلم يقبل من عبد الحميد ما أشار به عليه [4] . [197 ب] . وكتب إلى الوليد بن معاوية، وهو عامله على دمشق، وإلى سفيان بن يزيد بن محمد بن عطية السعدي، وهو عامله على البلقاء، يأمرهما بأخذ إبراهيم والبعث به، فبعث إليه. فزعم طيفور قال: أنا يومئذ غلام مراهق حيث أتته الخيل، وهو في المسجد، فأطافوا بالقرية، وأتوا منزله فطلبوه فقيل لهم: هو في المسجد، وأخذوا أبا العباس، وأتاهم إبراهيم [5] فقال لهم:

_ [1] في ن. م. ص 288 ب «في شأنه» . [2] في الأصل: «قد قصّوا» . وفي كتاب التاريخ «وقد قتلوا» ص 288 ب- 289 أ. [3] انظر الطبري س 3 ص 26. [4] انظر كتاب التاريخ ص 286 أ. [5] كررت في الأصل عبارة «وأتاهم إبراهيم» .

أنا صاحبكم، أنا إبراهيم، فخلّوا عن الرجل، فخلّوا أبا العباس وأخذوه. قال طيفور: فقال لهم إبراهيم: لو تركتموني أسلّم على أهلي وأوصيهم، قالوا: شأنك. فاجتمع النساء ودخل عليهم إبراهيم، وقد أحاطوا بالمسجد والبيت، فسلّم على أهله وأوصاهم وودّعهم ومضوا به إلى دمشق. وشخص معه أبو [1] العباس وعيسى بن موسى وعبد الله بن علي وعدة من مواليهم فيهم المهلهل بن صفوان وياسر صاحب شراب المنصور. وصحب إبراهيم المتوجّه به إلى دمشق بأرفق صحبة يخدمه ويلاطفه ويوقّره، حتى إذا أشرفوا على دمشق قال لإبراهيم وقد قرّب لهم طعام فهم يأكلونه: إنّه والله لولا خيفتي على نفسي من مروان لخليت سبيلك، وقد رأيت حسن صحبتي لكم، وقد أحببت أن أعقد بيني وبينكم عقدا وأنقطع بمودتي إلى رجل منكم. فقالوا: ما نتذكر منك إلّا الجميل، وكلّنا لك وادّ شاكر ما بقينا فاختر من شئت، [198 أ] فقال: قد اخترت أبا العبّاس. فقال: أبو [2] العباس: أنا لك على المخالصة عليك [3] ، وشكرك على ما كان منك، فمسح على يد أبي العبّاس، وقال: أليس الأمر على ما وصفت؟ قال: بلى. ومضى إبراهيم إلى الوليد بن معاوية، فلمّا أدخله عليه حبسه، وأقام [4] أهله ومواليه معه في دمشق، فأتاهم آت من أهل دمشق فقال لهم: إنّ عبدة ابن رباح الغسّاني يقول لكم: إنّي لست آمن أن يكتب بعض نصحاء مروان إليه باجتماعكم مع صاحبكم، وقد عظمت همته له في ملكه، فيأمر بأخذكم وحبسكم جميعا، وليس لصاحبكم في إقامتكم هاهنا نفع، ولعل ذلك

_ [1] في الأصل: «أبا» . [2] في الأصل: «أبا» . [3] في الأصل: «أنا لك على المخاوصه عليك» . [4] في الأصل: «وأقاموا» .

يضرّه، فانصرفوا عنه، فلأن يصاب واحد منكم خير من أن تهلكوا جميعا. فأرسلوا بذلك إلى إبراهيم، فأرسل إليهم: قد نصحكم الرجل، فانصرفوا. وأقام معه المهلهل بن صفوان وياسر صاحب شراب أبي جعفر، ولم يلبث إبراهيم بدمشق إلّا يسيرا حتى أشخصه الوليد بن معاوية ومعه عدة يحفظونه، فقدموا به على مروان، فأمر بحبسه. وذكر [1] علي بن عيسى بن موسى عن أبيه قال: بعث مروان رسولا إلى الحميمة ليأتيه بإبراهيم، ووصفه له، فقدم الرسول الحميمة، فوجد الصفة صفة أبي [2] العباس، فأخذه، فلما ظهر إبراهيم أمن، فقيل للرسول [3] ، إنّما أمرت بأخذ إبراهيم، وهذا عبد الله، فلما أن تظاهر ذلك عنده ترك [198 ب] أبا العبّاس، وأخذ إبراهيم فانطلق به. فشخصت معه أنا وناس من بني العباس ومواليهم، ومعه أم ولد له كان معجبا بها، فقلنا له: إنّما أتاك رجل واحد فهلمّ نقتله ثم ننكفئ إلى الكوفة فهم لنا شيعة، فقال: رأيكم، قلنا: فأمهل حتى نصير إلى الطريق الّذي يخرجنا إلى العراق. قال: فسرنا حتى صرنا إلى طريق يتشعب إلى العراق وآخر إلى الجزيرة، فنزلنا منزلا، وكان إبراهيم إذا أراد التعريس اعتزل لمكان أم ولده، قال: فدعوناه إلى الّذي اجتمعنا عليه من قتل الرسول، فلما قام أخذت أم ولده بثوبه، وقالت: هذا وقت لم تكن تخرج فيه، فما هاجك؟ فالتوى عليها، فأبت أن تدعه حتى

_ [1] ترد هذه الرواية في الطبري س 3 ص 25- 26 وأولها «قال عمرو حدثني عبد الله بن الحسن العبديّ قال أخبرني علي بن موسى عن أبيه» ، والسهو واضح إذ إن الراويّ هو عيسى ابن موسى الّذي رافق أبا العباس. [2] في الأصل: «أبا» . [3] في الطبري س 3 ص 26 «فلما ظهر إبراهيم بن محمد وأمن، قيل للرسول..» . ويبدو أن نص هذا الكتاب أدق.

أخبرها، فقالت: أنشدك الله أن تقتله فتشئم [1] أهل بيتك، والله لئن قتلته لا يبقى مروان من بني العباس بالحميمة أحدا إلّا قتله. قال: فلم تفارقه حتى حلف لها ألّا يقتله، ثم خرج إلينا فأخبرنا، فقلنا له: أنت أعلم قال: فتيمم [2] إلى مروان. أحمد بن يحيى بن جابر [3] قال: حدثني داود بن عبد الحميد عن أبيه قال: لمّا أتى بإبراهيم، فوقف على باب مروان بحران، دعا مولى له يقال له سابق، فدفع إليه كتابا كان معه كتبه في طريقه وأسرّ إليه شيئا، سئل عنه سابق بعد ذلك فقال: أمرني أن أقرأ على أبي العبّاس السالم وأعلمه أنّه [4] وصيه فيما كان [199 أ] الإمام محمد بن علي أمره به وكانت نسخته: [بسم الله الرحمن الرحيم] [5] حفظك الله يا أخي بحفظ [6] الإيمان، وتولّاك بالخير والإحسان، كتابي إليك من حرّان، وأنا على شرف الأمر الّذي لا بدّ منه، فإذا كان ذلك، فأنت الإمام الّذي تقيم أمرنا وترعى حرمة أوليائنا ودعاتنا، ويتمم [7] الله به وعلى يديه ما اثلت [8] وأثّل لنا. فعليك يا أخي بتقوى الله وطاعته في قولك وفعلك وإصلاح نيّتك ليصلح لك عملك، واستوص بأهل دعوتنا وشيعتنا

_ [1] في الأصل «فيشوم» ، وما أثبتناه من رواية الطبري س 3 ص 25. [2] في الأصل: «فتم» . [3] انظر أنساب الأشراف ج 3 ص 390- 391. [4] في كتاب التاريخ ص 287 أ «وأعلمه أنه هلك (لعله: هالك) وأنه وصيه..» . [5] زيادة من كتاب التاريخ ص 287 أ. [6] في ن. م. ص 287 أ «حفظ» . [7] في ن. م. ص 287 أ «يتم» . [8] في الأصل، كتب فوق «اثلت» ، «أملت» . وفي كتاب التاريخ «اثلنا» .

افتراق الناس بعد إبراهيم الإمام

خيرا واحفظ عبد الرحمن أميننا [1] والساعي في أمورنا، وعرّف أهل خراسان ما توجبه [2] له بإيثاره طاعتنا، ولا يكون [3] لك ولأهلك رأي إلّا الشخوص عن الحميمة إلى أوليائنا وأنصارنا من أهل الكوفة مخفين [4] لأشخاصكم، مستترين ممن تخافون غيلته لكم وسعيه بكم، وأنا استودعك الله خاصة، ومن قبلكم [5] من أهلنا عامة، وأسأله لكم الكفاية، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. افتراق الناس بعد إبراهيم الإمام كان قوم في دعوة بني العبّاس من أصحاب خداش يسمّون الخالدية، فسمّوا في زمن أبي جعفر الفاطمية، وذلك أن شيعة ولد العبّاس افترقت بعد إبراهيم فقالت فرقة رجعت الوصية والإمامة إلى آل علي، وظهر أبو خالد بنيسابور، فطلبه أبو مسلم، فلم يقدر عليه، فنادى بالرحيل فلم يترك منزلا إلّا قتلهم فيه [199 ب] قتلا ذريعا حتى انتهى إلى مرو، وتتبعهم إلى مرو، وتتبعهم إلى المروز [6] وما دون النهر، ومن أفلت منهم لحق بما وراء النهر. ثم إنّ أبا مسلم دسّ نساء من أهل الدعوة، كأنهن يتصدقن، فكن

_ [1] في الأصل: «أمينا» وفوقها «أميننا» ، وفي أنساب الأشراف ج 3 ص 390: «لساننا» . [2] في أنساب الأشراف ج 3 ص 390 «ما توجبه لنا بإيثار طاعتنا» وفي كتاب التاريخ ص 287 أ «ما يوجبه لنا» . [3] في أنساب الأشراف: يكونن. [4] في الأصل: «محقين» والتصويب في أنساب الأشراف وكتاب التاريخ. [5] في كتاب التاريخ ص 287 ب «ومن قبلك» . [6] لعله: المروذ، أي مروالروذ. انظر. .H.vonMzik:al -dseineLandkarten ,p.192 -3

ولد إبراهيم بن محمد

يقلن: إنّ هذا الساحر بعث إلى مولاي فقتله وحبس صبيانه في القهندز [1] ونحن باقيات [2] . وكان فيهن امرأة يقال لها أم العلا فمن سمعن منه بخلاف رفعنه إلى أبي مسلم، فبينما أم العلا في الرستاق ومعها ستون فارسا تكون حيث يتنقلون معها لقيها [3] أبو خالد متنكرا في نفر ففطن لها فقتلها ومن معها. وخرجت بعدها امرأة تسمت بها تستأكل الناس فسعي بها إلى عامل لأبي مسلم فضربها ست مائة سوط. وخرجت أم الفوارس صاحبة منزل أبي مسلم مقدمه خراسان حتى أتت أبا مسلم لتعظه وتعيب سيرته فنهاها فلم تزدد إلّا شدّة فأمر بها فضربت بالخشب ثم رجمت. ولم يزل أبو خالد مستخفيا بخراسان زمن أبي العباس وصدرا من زمن أبي جعفر حتى خلع عبد الجبار، فخرج أبو خالد في خمس مائة، فقاتل حتى قتل أصحابه، وأخذ أسيرا فرمي به في قدر محماة فتفسخ فيها. وقد قيل إنّ أبا سلمة لما جاءه نعي إبراهيم تحيّر وشكّ في أمره وهو مقيم على ذكر الإمام يقرّب لأهل خراسان ظهوره، وربما قرأ عليهم الكتاب يفتعله بيّنة [4] ، وكان كذلك حتى قدم أبو العباس [200 أ] وأهل بيته الكوفة. ولد إبراهيم بن محمد كان له ابنان: عبد الوهاب ومحمد، فولي عبد الوهاب الشام ومات [5] بها، وله عقب. وولي محمد مكة والمدينة والجزيرة واليمن ومات ببغداد

_ [1] في الأصل: «القهندر» ، والقهندز: القلعة القديمة. [2] في الأصل «بساقات» . [3] في الأصل: «فلقيها» . [4] في الأصل «بينه» . [5] انظر جمهرة أنساب العرب ص 31.

مراثي قيلت في إبراهيم الإمام

وله عقب، ولمحمد بن إبراهيم بن محمد يقول العبديّ: إنّي أتيت بأمر تقشعرّ له ... أعلى الذؤابة أمرا مفظعا عجبا لمّا عمدت كتاب الله أرهنه ... أيقنت أنّ زمان الناس قد كلبا وما عمدت كتاب الله أرهنه ... إلّا ولم يبق هذا الدهر لي نشبا وقال أيضا العبديّ لمحمد بن إبراهيم: اقض عنّي يا ابن عمّ المصطفى ... أنا باللَّه من الدين ربك [1] من غريم واخز يقعدني ... أشوه الوجه لعرضي ينتهك أنا والظل وهو ثالثنا ... أينما زلت من الأرض سلك مراثي قيلت في إبراهيم الإمام قال إبراهيم بن علي بن هرمة يرثيه: قد كنت أحسبني جلدا فضعضعني ... قبر بحرّان فيه عصمة الدين [2] [200 ب] قبر الإمام الّذي عزّت [3] مصيبته ... وعيّلت كلّ ذي مال ومسكين إنّ الإمام الّذي ولّى وغادرني ... كأنّني بعده في ثوب مجنون حال الزمان بنا إذ بات يعركنا ... عرك الصناع [4] أديما غير مدهون

_ [1] في الأصل: «دبك» وربك: ضعيف الحيلة. [2] انظر الطبري س 3 ص 44، وديوان ابن هرمة، جمع وتحقيق محمد جبار المعيبد (النجف الأشرف 1969) ص 327- 8. وديوان ابن هرمة جمع وتحقيق محمد نفاع وحسين عطوان، دمشق 1969 ص 521. [3] في الطبري س 3 ص 44، والديوان (المعيبد) ص 238: «عمت» . [4] الصناع: الماهر.

وأعقب الدهر ريشا في مناكبه ... فما يزال مع الإصماء [1] يرميني فرحمة الله أنواعا مضاعفة ... عليك من مقبض [2] ظلما ومسجون ولا [3] عفا الله عن مروان مظلمة ... لكن عفا الله عمّن قال: آمين وقال ابن هرمة أيضا لمّا جاء نعيه [4] : لمّا أتاني وأهلي من ظبائهم [5] ... بالجزع بين كنانات فمطّانا [6] ناع نعى لي إبراهيم قلت له: ... شلّت يداك وعشت الدهر عريانا والنّاس قد ثقلت يوما مضاجعهم ... إلّا ابن هرمة أحيا الليل يقظانا [7] ولا رجعت إلى مال ولا ولد ... ما كنت حيّا وما سميت إنسانا نعى [8] الإمام وخير الناس كلّهم ... أخنت عليه يد الجعديّ مروانا وكاد لولا دفاع الله يقتلني ... وما رجوت من النصر الّذي كانا فاستدرج الله مروانا بغرّته [9] ... سبحان مستدرج الجعديّ [10] سبحانا

_ [1] الديوان (المعيبد) ص 238: «الأعداء» . [2] ن. م. ص 238 «متعص» . [3] ن. م. ص 238 «فلا عفا» . [4] انظر ن. م. ص 225- 227. [5] في الأصل: «طياتهم» . [6] كذا في الأصل، ولعل الصواب: «بين كدادات وطابانا» ، وكداد بجوار الحميمة مقر إبراهيم الإمام، وانظر ص 392 من هذا الكتاب، وطابان من كور الخابور (ابن خرداذبه- المسالك ص 74) في الجزيرة. انظر أيضا الديوان (المعيبد) ص 226. [7] جاء هذا البيت في أنساب الأشراف بعد (ولا رجعت) ، ج 3 ص 393. [8] في الأصل وفي أنساب الأشراف: «تنعى» . وما أثبتناه رواية كتاب العيون والحدائق ج 3 ص 190. [9] في أنساب الأشراف ج 3 ص 393 «بقدرته» وفي العيون والحدائق ج 3 ق 190 «لعزته» . [10] في الأصل «الغربي» وما أثبتناه رواية العيون والحدائق ج 3 ص 190.

فاعتزّ [1] بالقوم لم تطلل دماؤهم ... وكان حين بني مروان قد حانا [2] [201 أ] وقال إبراهيم بن هرمة أيضا [3] : هيهات أوتي [4] [..] في سراتهم ... أهل الحميمة من مدعي خراسانا فانقضّ أهل خراسان الأولى غضبوا ... رجلا عليّ على خوف وفرسانا وقتّلوا كلّ جبار ودان لهم ... من قد أبرّ، مناداة وعصيانا [5] أبلى الخليفة فيها وهو محتسب ... بلاء من لم يرد للَّه إدهانا وجاء خير بني العبّاس كلّهم ... فنال أعلى أمور الناس سلطانا فأدخل الله إبراهيم جنّته ... فضلا، ونزّله روحا وريحانا مع النبيّ الّذي نرجو شفاعته ... وقيّض الله للجعديّ شيطانا هذا قرينك لم يمدحك من فزع ... ولم يخنك وقدما كان خوّانا فاشدد برمّته كفّيك إنّ له ... من آل عبّاس آسادا وعقبانا وقال إبراهيم بن هرمة يرثي إبراهيم الإمام ويمدح أبا [6] العبّاس السفّاح [7] . أتاني وأهلي [8] باللوى فوق مثعر [9] ... وقد زجر [10] الليل النجوم فولّت

_ [1] في العيون والحدائق ج 3 ص 190 «فأصبح القوم..» . [2] الأبيات كما وردت في أنساب الأشراف هي الثاني ثم الثالث ثم الخامس ثم السابع ثم الثامن. [3] الديوان (المعيبد) ص 227- 228. [4] كذا في الأصل. [5] انظر الديوان (المعيبد) ص 228. [6] في الأصل: «أبي» . [7] انظر الديوان (المعيبد) ص 69- 72، وابن عساكر ج 2 ص 293. [8] في الأصل: «أهل» . [9] في الأصل: «متعر» . انظر معجم البلدان ج 5 ص 54. [10] في الأصل: «رجر» ، والتصويب من ابن عساكر ج 2 ص 293.

وفاة ابن عبّاس وصيّ محمد ... فأبت فراشي حسرة ما تجلّت فإن تك أحداث المنايا اختر منه ... فقد أعظمت رزءا به وأجلّت [1] وإن يك غدر ناله من منافق ... فإنّ له العقبي إذا النعل زلّت [201 ب] نصال بني [2] الشيخ المولّى على الكنى ... أصابت حزوما [3] منهم واسمألّت فنالوا [4] بإبراهيم ثأرا ولم يكن ... دما سال يجري في دماء فطلّت أمروان أولى بالخلافة منكم [5] ؟ ... أصيبت إذن يمنى يديّ فشلّت وأنتم بنو عمّ النبيّ ورهطه ... فقد سئمت نفسي الحياة [6] وملّت فشأن المنايا بعدكم ثم شأنها ... وشأني إذا طافت بنا [7] وأظلّت [8] وقد كان إبراهيم مولى خلافة ... بها خضعت صعب [9] الرقاب وذلت وأوصى لعبد الله بالعهد بعده ... خلافة حق لا أمانيّ ضلّت فشمّر عبد الله لمّا تجردت ... لواقح من حرب زحول [10] فجلت [11] فقاد إليها الحالئين [12] فأنهلوا ... ظماء إذا صارت إلى الريّ علّت حلابا تحلتها الحروب ولم تكن ... حلابا لقاح حلئت [13] فتحلت

_ [1] في الأصل «فقد.. رؤاته وأحلت» . والتصويب من ابن عساكر ج 2 ص 293. [2] في الأصل «فصال بنو» . والتصويب من ابن عساكر ج 2 ص 293. [3] في الأصل: «حروما» وفي ابن عساكر: «جروما» . انظر الديوان ص 70. [4] في ابن عساكر: «تغالوا» . [5] في ن. م.: «منكما» . [6] في الأصل: «الخب» ، والتصويب من ابن عساكر ج 2 ص 293. [7] في ن. م. «بكم» . [8] في ن. م. «وأطلت» ، وانظر الديوان ص 71. [9] في ابن عساكر «صعر» ج 2 ص 293. [10] في الأصل: «وحول» . [11] في ن. م. «تجلت» . [12] في الأصل: «الحالين» ، والحالئون: الظماء. [13] حلئت أي منعت من الماء. وانظر الديوان ص 72.

وصول وصية إبراهيم إلى أبي العباس

فقام ابن عبّاس مقام ابن حرة ... حصان إذا البيض الصوارم سلّت أتته الضواحيّ من معدّ وغيرها [1] ... فطنّب ظلّا فوقها فاستظلّت وشام إليها الراغبون غمامة ... عريضا سناها أنشأت واستهلّت جزى الله إبراهيم خير جزائه ... وجادت عليه البارقات وظلّت وكنّا به حتى مضى لسبيله ... كذات العطول [2] حلّيت فتحلت [202 أ] يعين [3] على الجلِّيّ قريشا بماله ... ويحمل عن هلّاكها ما أكلّت تولّيتكم لمّا خشيت ضلالة ... ألا كلّ نفس أهلها من تولّت وصول وصية إبراهيم إلى أبي العباس عبد العزيز بن الربيع عن أبيه عن جده، وحسين بن محمد الهاشمي عن أشياخه: أنّ إبراهيم الإمام بن محمد أوصى أبا العبّاس عبد الله بن محمد بالقيام بالدولة وأمره بالجدّ والحركة، وألّا يكون له بالحميمة لبث ولا عرجة حتى يتوجّه إلى الكوفة، ورسم له رسوما، وأمره أن يعمل عليها، ولا يتعدّاها، ودفع الوصية إلى سابق مولاه، وشافهه بأشياء أمره أن يشافه أبا العبّاس بها، وأوصى سابقا [4] إن حدث به حدث في ليل أو نهار أن يغذّ [5]

_ [1] في الأصل: «وعزها» ، والتصويب من ابن عساكر. [2] في الأصل: «العقول» ، والتصويب من ابن عساكر. [3] في الأصل: «يعير» ، والتصويب من ابن عساكر ج 2 ص 293. وانظر الديوان (المعيبد) ص 73. [4] في الأصل: «سابق» . [5] في الأصل: «يعد» .

السير إلى الحميمة حتى يدفع وصيته إلى أبي العبّاس ويشافهه بما أمره. فلمّا قضى إبراهيم نحبه، خرج سابق حتى قدم على أبي العبّاس ففعل ما أمره به، وطوى أبو العبّاس عن أهل بيته ما جاء به، وأمر سابقا أن يعلمهم موته ويطوي عنهم أمر الوصية، ففعل. ثم أظهر أبو العبّاس من أهل بيته على أمره أبا جعفر عبد الله بن محمد وعيسى بن موسى وعبد الله بن علي وجعفر ابن يحيى وقثم بن العبّاس وكان نازلا معهم بالشراة، وتقدم إليهم في كتمان ذلك الأمر وبالخروج معه. وأظهر من مواليه على أمره أبا موسى سلم بن سلم وصالح بن الهيثم وصالح بن مجالد [202 ب] ومهلهل بن صفوان، وتقدم إليهم في كتمان ذلك، وأمرهم [1] بالخروج معه. وأظهر من مواليه على أمره عبد الله بن علي ومحمد بن أبي العباس بن دويد، وأمرهما بكتمان ذلك والخروج معه. وأظهر سابق مولى إبراهيم بن محمد بن [2] علي على ذلك بأمر أبي العباس إبراهيم بن سلمة، وكان الإمام إبراهيم أنزله وخاله حيّان الشراة، فوجههما بكتبه إلى أبي سلمة حفص بن سليمان بمشورة أبي سلمة عليه بذلك، وهما من أهل العراق، وأمره بكتمان ذلك والخروج معه. ثم خرج أبو العبّاس السفّاح في هؤلاء النفر سرّا من الحميمة متوجها إلى الكوفة، فلقيهم [3] داود بن علي وابنه موسى بن داود بدومة الجندل وهما يريدان الشراة، فسألهم داود عن قصّتهم فقصّها أبو العبّاس عليه، وأعلمه بحركة أهل خراسان مع أبي مسلم، وأنّه يريد الخروج بالكوفة. فقال داود: يا أبا العبّاس تخرج بالكوفة وشيخ بني أمية مروان مطلّ على العراق في أهل الشام والجزيرة،

_ [1] في الأصل: «ويأمرهم» . [2] زيادة. [3] انظر كتاب التاريخ ص 289 ب- 290 أ.

[203 أ] تواريخ الخلفاء من بني أمية [4]

وشيخ العرب ابن هبيرة في جلة العرب بالعراق! فقال أبو العبّاس: يا عم [1] ! من أحب الحياة ذل، ثم تمثل قول الأعشى: فما ميتة إن متّها غير عاجز [2] ... بعار إذا ما غالت [3] النفس غولها فالتفت داود إلى ابنه فقال: صدق ابن عمك فارجع بنا معه نحيا أعزاء أو نموت كراما، فرجعا، ومضى أبو العبّاس وهم صحبته حتى دخل الكوفة. [203 أ] تواريخ الخلفاء من بني أمية [4] تاريخ خلافة معاوية بن يزيد وعبد الله بن الزبير سنة أربع وستين. تاريخ خلافة مروان بن الحكم سنة أربع وستين. تاريخ خلافة عبد الملك بن مروان سنة خمس وستين هجرية. تاريخ خلافة الوليد بن عبد الملك سنة ست وثمانين. تاريخ خلافة سليمان بن عبد الملك سنة ست وتسعين. تاريخ خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه سنة تسع وتسعين. تاريخ خلافة يزيد بن عبد الملك سنة مائة وإحدى [5] للهجرة.

_ [1] في أنساب الأشراف ج 3 ص 397 «فقال: يا عم ان الله إذا أراد أمرا بلغه ومن أحب الحياة ذل ... » وانظر الطبري س 3 ص 33. [2] في الأصل: «فما موتة متها غير عاجز» وما أثبتناه من كتاب التاريخ ص 290 أ. [3] في الأصل: «عالت النفس عولها» والتصويب من المصدر السابق، وأنساب الأشراف ج 3 ص 397 والطبري س 3 ص 24. [4] لا علاقة لهذا الجدول بالكتاب، وهو إضافة متأخرة. وقد أهمل في البدء معاوية ويزيد. [5] في الأصل: «أحد» .

[203 ب] تواريخ الخلفاء من بني العباس رضي الله عنهم

تاريخ خلافة هشام بن عبد الملك مائة وخمسة. تاريخ خلافة الوليد بن يزيد سنة خمس وعشرين ومائة. تاريخ خلافة يزيد بن الوليد [1] سنة ست وعشرين ومائة. تاريخ خلافة مروان بن محمد سنة سبع وعشرين ومائة. انقضاء ملك بني أمية سنة اثنتين [2] وثلاثين ومائة. [203 ب] تواريخ الخلفاء من بني العباس رضي الله عنهم تاريخ خلافة السفاح أبي العباس سنة اثنتين [2] وثلاثين ومائة. تاريخ خلافة المنصور باللَّه في سنة ست وثلاثين ومائة. تاريخ خلافة المهدي باللَّه في سنة ثمان [3] وخمسين ومائة. تاريخ خلافة الهادي باللَّه في سنة تسع [4] وستين ومائة. تاريخ خلافة الرشيد باللَّه في سنة سبعين ومائة. تاريخ خلافة الأمين باللَّه في سنة ثلاث وتسعين ومائة. تاريخ خلافة المأمون باللَّه في سنة ثمان وتسعين ومائة. تاريخ خلافة المعتصم باللَّه في سنة ثماني [5] عشرة ومائتين. تاريخ خلافة الواثق باللَّه في سنة سبع و [6] عشرين ومائتين. تاريخ خلافة المتوكل على الله في سنة اثنتين [2] وثلاثين ومائتين. تاريخ خلافة المنتصر باللَّه في سنة سبع وأربعين ومائتين.

_ [1] زيادة، والأصل: «تاريخ خلافة ولده يزيد» . [2] في الأصل: «اثنين» . [3] في الأصل: «تسع» . [4] في الأصل: «اثنتين» . [5] في الأصل: «ثمانية» . [6] زيادة.

تاريخ خلافة المستعين باللَّه في سنة ثمان وأربعين [1] ومائتين. تاريخ خلافة المعتز باللَّه في سنة اثنتين [2] وخمسين ومائتين. [204 أ] تاريخ خلافة المهتدي باللَّه في سنة خمس وخمسين ومائتين. تاريخ خلافة المعتمد باللَّه في سنة ست وخمسين ومائتين. تاريخ خلافة المعتضد باللَّه في سنة تسع وسبعين ومائتين. تاريخ خلافة المكتفي باللَّه في سنة تسع [3] وثمانين ومائتين. تاريخ خلافة المقتدر باللَّه في سنة خمس وتسعين ومائتين. تاريخ خلافة القاهر باللَّه في سنة عشرين وثلاث ومائة. تاريخ خلافة الراضي باللَّه في سنة اثنتين [4] وعشرين وثلاث مائة. تاريخ خلافة المتقي باللَّه في سنة تسع وعشرين وثلاث مائة. تاريخ خلافة المستكفي باللَّه في سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة. تاريخ خلافة المطيع للَّه في سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة. تاريخ خلافة الطائع للَّه في سنة ثلاث وستين وثلاث مائة. تاريخ خلافة القادر باللَّه في سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة. تاريخ خلافة القائم بأمر الله في سنة اثنتين وعشرين وأربع مائة. تاريخ خلافة المقتدي باللَّه في سنة سبع وستين [5] وأربع مائة. تاريخ خلافة المستظهر باللَّه في سنة سبع وثمانين وأربع مائة. [204 ب] تاريخ خلافة المسترشد باللَّه في سنة اثنتي عشرة [6] وخمس مائة. تاريخ خلافة الراشد باللَّه في سنة تسع وعشرين وخمس مائة.

_ [1] في الأصل: «اثنين وخمسين» . [2] في الأصل: «ثلاث» . [3] في الأصل «سبع» . [4] في الأصل: «اثنين» . [5] في الأصل: «عشرين» . [6] في الأصل: «اثني عشر» .

تاريخ خلافة المقتفي [1] لأمر الله في سنة ثلاثين وخمس مائة. تاريخ خلافة المستنجد باللَّه في سنة خمس وخمسين وخمس مائة. تاريخ خلافة المستضيء بأمر الله في سنة ست وستين وخمس مائة. تاريخ خلافة الناصر لدين الله في سنة خمس وسبعين وخمس مائة. تاريخ خلافة الظاهر بأمر الله في سنة اثنتين وعشرين [2] وست مائة. تاريخ خلافة المستنصر باللَّه في سنة ثلاث وعشرين وست مائة. تاريخ خلافة المستعصم باللَّه في سنة أربعين وست مائة. تاريخ [3] خلافة الحاكم بأمر الله أبي [4] العباس أحمد سنة إحدى وستين [5] وست مائة. تاريخ خلافة [6] ولده المستكفي باللَّه أبي الربيع سليمان سنة إحدى وسبع مائة. تاريخ [7] خلافة ولده الحاكم بأمر الله أبي [4] العباس أحمد في سنة أربعين وسبع مائة. تاريخ خلافة الإمام المعتضد باللَّه أبي [8] الفتح أبي [8] بكر في سنة ثلاث [9] وخمسين وسبع مائة. تاريخ خلافة ولده الإمام المتوكل على الله أبي [8] عبد الله محمد سنة ثلاث وستين وسبع مائة. فسح الله في أجله، وهو الخليفة القوام بعصرنا هذا أدام الله أيامه.

_ [1] في الأصل: «المقتضي» . [2] في الأصل: «اثني عشر» . [3] هنا تبدأ الخلافة العباسية في مصر، وأول الخلفاء: أبو القاسم أحمد المستنصر 659 هـ. [4] في الأصل: «أبو» . [5] في الأصل: «تسع وخمسين» . [6] زيادة. [7] هنا أغفل الناسخ اسم أبي إسحاق إبراهيم الواثق 740 هـ. [8] في الأصل: «أبا» .

§1/1