أخبار أبي القاسم الزجاجي

الزجاجي

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا الحسن بن خضر عن أبيه قال: قال سفيان: دخل إلي جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم، فقال: يا سفيان أعلمت أني فكرت في المعروف فرأيت أنه لا يتم إلا بثلاث فقلت: ما هّن بأبي أنت وأمي؟ قال: - تعجيله، وستره، وتصغيره، فإنك إذا عجلته هنأته، وإذا سترته أتممته، وإذا صغرته عظمته. وإذا أنت مطلته وسوفته وكدرته نقصته وأفسدته. ثم أنشأ يقول متمثلا: منسرح يرّب معروفه ويحفظه ... وإنما العرف بالربابات فقلت: هذه والله الغنيمة الباردة من غير تكلف ارتحال، ولا مشقة تسيار. أنشدنا الأخفش في معنى قول سفيان: المنسرح الخافض المقيم وما شَدَّ بعيِسٍ رَحْلا ولاقَتَبَا. وغيره يقول: الشَّوْكَل: الميمنة والميسرة من العسكر، والشّاكل: البياض ما بين الآن والصُّدْغ، وفي الحديث: " تفَقَّدُوا في الطهُّوُر الشّاكل والمَغْفَلَةَ والمَنْشَلةَ فإنَّ كثيراً من الناسَ يتواَنَوَنَ عنها ": ما تحت الخاتم من الإصبع. اخبرنا الأخفش قال: حدثنا المبرد عن المازني عن الأصمعي قال: لما حرم خالد بن عبد الله القسري الغناء دخل عليه ذات يوم حنين بن بلوع مشتملا على عوده. فلما تقوضى المجلس ولم يبق فيه من يحتشم قال له: أصلح الله الأمير أني شيخ كبير السن ولي صناعة كنت أعود بها على عيالي، وقد حرمتها. قال: وما صناعتك؟ فكشف عن عوده وضرب به وأنشأ يقول: الخفيف أيّها الشّامِتُ المُعَيِّرُ بالشَّيْبِ أقَلِنَّ بالشباب افتخارا قد لَبِسْنا الشبابَ غَضّا جديدا فوجدتُ الشباب شيبا معُارا فبكى خالد حتى علا نحيبه، ثم قال له: قد أذنت لك ما لم تأت معربدا ولا سفيها. فكان حنين بعد ذلك إذا دعي يقف على باب الدار ويقول: أفيكم سفيه؟ أفيكم معربد؟ فإذا قالوا: لا، دخل. أنشدنا أبو عبد الله اليزيدي سريع لا تَكُ في كل غوى مٌنْهَمِكْ ... ولا تكونن لَجوجا محكْ واقتْدَ بأهلِ الفضلِ في فَضْلِهِيْم ... ولا تَدَعْ جَهْداً ولا تتّرِكْ فبعض أخلاق الفتى خُبثه ... وبعضها كالذهب المنسبكْ فاصنعْ إلى الناس كمثل الذي ... تُحَبُ أن تصنعَهُ الناس بك من قرّ عيناً بِغِنَي بُلْغَةٍ ... يوماَ بيوم عاش عيشَ المَلِكْ أخذ معنى البيت الأخير من قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أصبح أمينا في سربه معافى في جسمه عنده قوت يومه فكأنما ملك الدنيا بحذافيرها ". السَّرب: بالفتح الطريق، والسَّرب: الإبل أيضا، والسَّرب بالكسر: جماعة من النساء والظباء والبقر، فإذا قيل: فلان آمن في سربه بالفتح، معناه هو آمن في ماله وطريقه. وإذا قيل: هو آمن في سِربه بالكسر فمعناه آمن في نفسه ونسائه وحرمه. أخبرنا ابن دريد قال حدثنا عبد الرحمن عن الأصمعي قال سمعت أعرابيا يقول: الحسد ما حق للحسنات، والزهو جالب لمقت الله ومقت الصالحين، والعجب مانع من الازهاد في العلم داع إلى التخبط في الجهل، والبخل أسوأ الأدواء، وأجلبها لسوء الإحدوثة، والهزء فكاهة وصناعة الجهلاء، والعقوق يدعو إلى القلة، ويورث الذلة. أخبرنا اليزيدي عن عمه أبي الشيخ يرفعه إلى أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي قال: كان يجيئني رجل فيسألني عن آيات من كتاب الله مشكلات، وكنت أتبين العنت في سؤاله، وكنت إذا أجبته أرى لونه يَربَد ويسودُ، فقال لي يوما: أيجوز في كلام العرب أن نقول: " أدخلت القوم الدار ثم أخرجتهم رجلا "؟ فقلت: لا يجوز ذلك حتى تقول: أخرجتهم رجلا رجلا، تقوله في تفصيل الجنس. قال: فكيف قال الله تعالى (ثم يخرجكم طفلا) . فقلت: ليس هذا من ذاك لأن الطفل مصدر في الأصل فهو يقع على الواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد فتقول: " هذا طفل، وهذان طفل، وهؤلاء طفل ". كما قال تعالى (والطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ". فطفل في الآية موضع أطفال فكأنه قال ثم يخرجكم أطفالا. قال: فأخبرني عن قوله (يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض) . من أين لهم هذه الأرض هناك؟ فقلت له: وهمت، أما سمعت قوله تعالى (يوم تبدل الأرض غير الأرض) فودوا أن تلك الأرض تسوى. فسكت.

شرح المسألة

أخبرنا الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال للطريق إذا كان واضحا طريق مَهْيَع، وواضح، وبيَّن، وحَنّان، وجادة، ونَهّام، إذا كان بينا واسعا أو ضيقا. والوجب الرجل الأحمق، والوجب جمع وجبة وهي الأكلة الواحدة في اليوم والليلة، والوجب: السبق في الرمي يقال: وجبت فلانا: إذا أخذت وجبة في الرمي. والواجب: السافط، والوجيب: اضطراب القلب من الفزع، والحصن بضم الحاء وإسكان الصاد مصدر الحصان من النساء، وأنشد لجارية من الأعراب خرجت فتعرض لها رجل: السريع يا أمتّا أبصرني راكب ... يسير في مُسْحَنْفَرِ لاحب ما زلت أحثى التربَ في وجهِهِ ... حَثْياَ وأحَمْي حَوْزَةَ الغائِبِ فأجابتها أمها: السريع الحصن إذ قالواَ تَأيَّيْتِهِ ... من حَثْيِكِ التربَ على الراكِبِ يقال: حثا فلان التراب يحثو حثوا، وحثى يحثي حثيا بالمد قصدت وتعمدت، وتأييت بالقصر والتشديد: إذا توقفت وتحبست، وينشد: مجزوء الكامل قف بالديار وقوف زائر ... وتأىَّ إنك غير صاغر اخبرنا الأخفش قال أخبرنا ثعلب عن أبي شبة. قال: كتب يحيى ابن سليمان بن معاذ إلى عبد الله بن طاهر كتابا صدره: جعلني الله فداك وأمتع بك، فكتب إليه عبد الله بن طاهر: المنسرح أنلت ملكا فتهت في كتبك ... أم حكت ما عهدت من أدبك أم قد ترى في مناصفة الاخ ... وان نقصا عليك في حسبك إن حفاء كتاب ذي ثقة ... يكون في صدره " وأمتع بك " أتعبت كفيك في مكاتبتي ... حسبك ما يزيد في تعبك فأجابه يحيى: المنسرح أنت تجني الذنوب في كتبك ... على أخ يقشعر من غضبك أنّى توهمت ذا علي ولما ... اجن ذنبا وذاك من عجبك وهل يجوز الدعاء في كتب ... بين الأخلاء غير " أمتع بك " أنشدنا الأخفش لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر: الطويل ترى كل ذي جهل إذا زل زلّة ... تتايعَ في أمثالها وسما لها فكن إذا كانت لذي العلم هفوة ... تحفظ منها جاهدا واستقالها قوله تتابع، يقول تهافت فيها وتساقط غير محترز منها، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " تتايعون في الكذب كما يتتايع الفراش في النار " وأنشدنا له ايضا: الطويل لكل أبي بنت يُرجّى صلاحها ... ثلاثة أصهار إذا حُمد الصَّهْرُ فَبَعْلٌ يوافيها وخِدْر يصونها ... وقبرٌ يوافيها وخيرُهُمُ القبر أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن رستم الطبري. قال حدثنا المازني قال: قرأ محمد بن سليمان الهاشمي وهو أمير البصرة على المنبر " إن الله وملائكته يصلون على النبي " بالرفع فعلم انه قد لحن فبعث إلى النحويين وقال لهم: خرجوا لها وجها، فقالوا نعطف بها على موضع ان لأنها داخلة على المبتدأ والخبر فأجازهم وأحسن صلتهم، ولم يرجع عنها لئلا يقال لحن. اخبرنا الزجاج قال أخبرنا المبرد عن المازني قال حدثني الأخفش قال: كان أمير البصرة قرأ على المنبر " أن الله وملائكته يصلون على النبي " بالرفع فصرت إليه ناصحا له ومنبها فتهددني وأوعدني وقال: تلحنون أمراءكم. ثم عزل وتقلد محمد بن سليمان الهاشمي فكأنه تلقنها من المعزول. فقلت هذا هاشمي ونصيحته واجبة فجبنت وخشيت أن يتلقاني بمثل ما تلقاني به الأول. ثم حملت على نفسي فأتيته فإذا هو في غرفة وعنده أخوه والغلمان على رأسه فقلت له: أصلح الله الأمير جئت لنصيحة. قال: قل فقلت: هذا، وأومات إلى أخيه فنهض أخوه وتفرق الغلمان: فقلت: أصلح الله الأمير، أنت أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة والفصاحة وتقرأ " أن الله وملائكته " بالرفع وهو لحن لا وجه له. فقال: جزاك الله خيرا، فقد نبهت ونصحت فانصرف مشكورا. فلما صرت في نصف الدرجة إذا قائل يقول لي: قف مكانك فوقفت وهمتني نفسي وخفت أن يكون أخوه أغراه بي. فإذا بغلة سفواء وغلام وتخت ثياب، وبدرة، وقائل يقول: هذا لك، وقد أمر به الأمير، فانصرفت مغتبطا. شرح المسألة

اعلم أنك إذا قلت: " إن زيدا قائم وعمرو " كان لك في المعطوف وجهان النصب عطفا على اسم إن كقولك أن زيدا قائم وعمرا. ويرفع من ثلاثة أوجه، أحدها عطفاً على المضمر في الخبر، والآخر تعطفه على موضع إن، والعطف حملا على المعنى جائز بعد إتمام الكلام، والثالث أن ترفعه بالابتداء وتضمر له مثل الخبر المقدم. فهذا متفق عليه لا خلاف فيه وعلى ذلك قريء " إن الله بريء من المشركين ورسوله " بالرفع والنصب. ونظير النصب قول الشاعر: الرجز إن الربيع الجودَ والخريفا ... يدا أبي العباس والصُّيوفا فعطف الصيوف على الربيع بعد الخبر، فإذا عطفت على اسم إن قبل الخبر لم يكن إلا النصب كقولك: إن زيدا وعمرا قائمان، ولو عطفت على موضع إن فقلت: إن زيدا وعمرو قائمان لم يجز لأن الحمل على المعنى إنما يكون بعد تمام الكلام. فهذا نظير قوله " إن الله وملائكته " بالرفع. وقد أجازه بعض الكوفيبن، والسبب فيه الخبر الذي تقدم ذكره ولكن يجوز أن يؤخر الخبر وينصب المعطوف عليه وترفعه على أن تنوي التأخير فتقول: إن زيدا وعمرا قائم، والتقدير إن زيد، قائم وعمرا، ثم قدمت على هذا التأويل. وإن شئت قلت: إن زيدا قائم، والتقدير: إن زيدا قائم، ثم قدمت. فعلى ذلك ينشد: الطويل فَمَنْ يكْ أمسى بالمدينة رحلة ... فانّي وقياراً بهاراً لَغَريبُ برفع قيار ونصبه، وقيار اسم جحله. أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: كانت امرأة من العرب ذات مال وجمال ولسن، فآلت على نفسها إن لا تزوج نفسها إلا ممن يحاجها فقطعت حماقة فتحاماها الناس حتى انتدب لها رجل فجاء فوقف ببابها فقالت له: ممن أنت؟ قال: بشر ولد صغيرا، ونشأ كبيرا. قالت: فأين بلدك؟ قال: على بساط شاسع في بلد واسع قريب بعيد وبعيد قريب. قالت: فما اسمك، قال: من أراد اتخذ اسما ولم يكن ذلك عليه رجما. قالت: كأنه لا حاجة لك؟ قال: لو لم تكن لي حاجة لم أقف ببابك، واتصل بأسبابك، وأتعرض لخطابك. قالت: أسر حاجتك أم جهر؟ قال: سر ومستعلن. قالت كأنك خاطب؟ قال: هو ذاك. قالت حاجتك؟ قال: قولي؟ قالت: عجبت، قال: عجبت من السبخة لا يجف ثراها ولا ينبت مرعاها، قالت: عجبت؟ قال: عجبت من الحجارة لا يهرم كبارها ولا يكبر صغارها، قالت: عجبت، قال: عجبت من طالب العلم لا يبلغ منتهاه ولا يقضي مناه قال: عجبت لجوباء بين رجليك لا يمل حفرها ولا يبلغ قعرها، قالت: قضيت حاجتك. قال: شكرت. أخبرنا نفطويه قال أخبرنا محمد بن الحسن الحنيني قال حدثنا أحمد ابن المفضل عن أسباط عن السدّى فهي قوله تعالى " أتدعون بَعْلا " قال ربا. وهكذا جاء في هذا الخبر. قال الشيخ: والمعروف عند أهل اللغة إن البَعْل: الصنم فجاز لأنهم كانوا يعبدونه كما يعبدون الرب عز وجل، والبعل: الزوج والبعال: النكاح، والبعل أيضا: النخل الذي يشرب بعروقه ويستغني عن السقاء وإياه عنى الشاعر بقوله الطويل من الواردات الماء بالقاع تستقي ... بأذنابها قبل استقاء الحناجر والبعل أيضا: الرجل الذي يكون كّلا على أهله، فأما البَعَل بفتح الباء والعين فالتحيّر، يقال بعل بأمره يبعل بعلا: إذا تحير. أخبرنا نفطويه قال حدثني الحنيني قال حدثني احمد بن المفضل عن أسباط عن السدى في قوله تعالى (وأنّا لنحن الصافون) قال: يعني الصلاة، وذكر السني عن عبد الله قال: ما في السماء موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك أو قدماه ساجدا أو راكعا أو قائما، وتلا عبد الله " وأنّا لنحن الصافون) (وأنا لنحن المسبّحون) . أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: كتب معاوية إلى عبادة بن الصامت: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد اجتمعوا علي فاكتب إلي ببيعتك وزوج يزيد ابنتك، فكتبت إليه عبادة: لو اجتمعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم على عبد حبشي لسمعت وأطعت وقد كتبت إليك ببيعتي، فأما تزويج يزيد ابنتي فقد كتبت إليك بيتين فاسمعهما وهما: الطويل ولو أن نفسي طاوعتني لأصبحت ... لها حَفدٌ ممّا يعدّ كثير ولكنها نفسي علي كريمة ... عيوف لأصهار اللئام قدور

أخبرنا ابن دريد قال حدثنا أبو عثمان الأشنانداني قال اخبرنا عمارة ابن عقيل بن بلال بن جرير قال: كانت أسماء بنت مطرف بن أبان من بني أبي بكر بن كلاب لسنة لذاعة اللسان فنزلت برجل من بني نصر بن معاوية ثم من بي كلفة فلم يقرها فقالت فيه: الطويل سرت بي فتلا الذراعين حرة ... إلى ضوء نار بيبن فردة والجزر سرت ما سرت من ليلها ثم عرّست ... على كلفيّ لا يصليّ ولا يقري فكن حجرا لا تطعم الدهر قطرة ... إذا كنت ضيفا نازلا في بني نصر وقالت فيه أيضا: الطويل سرينا وإعفاء من الرمل دوننا ... إلى ناره وهنا من الليل تلمح فبات ابن شماخ يفسخ عجوة ... ولم يسقنا غير السّمار المضيّح قال: السمار: اللبن، والمضيح: الكثير المزج ومنه قول الآخر: الرجز حتى إذا جنّ الظلام المختلط ... جاءوا بضيح هل رأيت الذئب قط يقول: جاعوا بلبن قد اكثر مزجه بالماء حتى اغبر لونه فصار كلون الذئب. وقولها: " فكن حجرا لا تطعم الدهر قطرة "، فإنه يقال طعمت في الطعام والشراب والنوم، وقال الله تعالى: ومن لم يطعمه فإنه مني. وقال تعالى: (لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا) . قال العلماء: البرد: النوم الكثير. ومن كلام العرب: منعني البرد البرد أي منعني البرد من النوم. اخبرنا الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: نقول العرب نظرت بعيني، ونظرت بمعنى انتظرت. فنظرت: رحمت، ونظرت، تفكرت، وأنظرت الرجل: أخرته، وأنظرت الرجل: جعلته ينتظرني. قال: والتراب جمع واحدة ترابة والنسب إليه ترابي، وينشد: الطويل وقالوا ترابي فقلت: صدقتم ... أبي من تراب خَلقْهٌ الله آدما أراد خلقه فأسكن اللام. وفي نصب آدم وجهان، أحدهما إن يكون بدلا من الهاء في خلقه للإيضاح والتبيين، والآخر أن نصبه بإضمار أعني. أنشدنا الأخفش قال أنشدنا ثعلب قال: قرأت بخط إسحاق بن إبراهيم الموصلي لعجير السلولي: الطويل أجارى ما أزداد إلا صبابة ... إليك وما تزداد إلا تنائيا أجارى لو نفس فدت نفس ميت ... فديتك مسرورا بأهلي وماليا وقد كنت أرجو أن أملاك حقبة ... فحال قضاء الله دون رجائيا ألا ليمت من شاء بعدك إنما ... عليك من الأيام كان حداديا أخذ معنى البيت الأخير أبو نواس فقال يرثي الأمين: الطويل طوى الموت ما بيني وبين محمد ... وليس لما تطوى المنية ناشر لئن عمّرت دور بمن لا أحبه ... فقد عمّرت ممن أحب المقابر وكنت عليه أخذر الموت وحده ... فلم يبق لي شيء عليه أحاذر وقال أيضا: مجزوء الكامل كنت السواد لمقلة ... فعليك يبكي الناطر من شاء بعدك فليمت ... فعليك كنت أحاذر أنشدنا الأخفش للنابغة: الوافر فإني لا ألومك في وصول ... ولكن ما وراءك يا عصام ألم أقسم عليك لتخبرني ... أمحمول على النعش الهمام فإن يهلك أبو قابوس يهلك ... ربيع الناس والشهر الحرام ونأخذ بعده بذناب عيش ... أجب الظهر ليس له سنام أما عصام فحاجب النعمان. يقول: لا ألومك إن منعتني الوصول إليه ولكن عرفني خبره. وكان الملك إذا مرض يجعل في سرير ويحمل على أعناق الرجل يعلل بذلك ويقولون هو أرفه له. وأما قوله: ونأخذ بعده بذناب عيش

فيجوز فيه الرفع والنصب والجزم، وأما الجزم فعلى العطف على قوله: يهلك ربيع الناس، والرفع على القطع والابتداء، والنصب بالصرف على إضمار إن، وكذلك كل معطوف بعد جواب الجزاء من الأفعال المستقبلة يجوز فيه هذه الثلاثة الأوجه، ومثله قوله (إن تبدوا ما في أنفسكم ألو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) . يجوز في " يعذب " الأوجه الثلاثة التي ذكرناها في قوله " أجَبِّ الظهر " يعني مقطوع الظهر. وهذا تمثيل وتشبيه. ويروى " أجَبَّ الظهرَ " بخفضها جميعا على إضافة أجب إلى الظهر، ويروى " اجَبَّ الظهرَ " بفتح أجب ونصب الظهر على إن يكون موضع أجب خفضا، ولكنه لا ينصرف. وينصب الظهر على التشبيه بالمفعول به ويضمر في أجب الفاعل كأنه قال أجب الظهر بالتنوين ثم منعه من التنوين لأنه لا يصرف، وهو في تقدير قولك " مررت برجل حسن الوجه، وكثير المال، وطيب العيش ". ويروى " أجَبِّ الظهرُ " بفتح أجب على أنه في موضع خفض فرفع الظهر به كأنه قال " أجب ظهره " فأهل الكوفة يجعلون الألف واللام عقيب الإضافة، وأهل البصرة يضمرون ما يعلق الذكر بالأول، وتقديره عندهم: أجب الظهر منه. أخبرنا ابن الأنباري قال حدثنا إدريس بن عبد الكريم أبو الحسن المعري قال حدثنا أبو الأحوص محمد بن حيان البغوي قال حدثنا الزمخي بن خالد عن ابن جريح عن قول الله عز وجل (أتبنون بكل ربع آية تعبثون) . قال: بزوجا. أخبرنا الزجاج وابن الخياط عن الحسن بن الطيان عن ابن السكيت قال محمد بن عقيل وبلال بن جرير الربع: الجبل. وقال غيره من أصحاب اللغة: الربع: ما ارتفع من الأرض. قال ابن الأنباري أخبرني أبي عن نصر بن داود عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال يقال: أخدجت الناقة: إذا ألقت ولدها ناقص الخلق، وإن كان لتمام وقت الحمل فهي مخدج: والولد مخدج. وخدجت الناقة: إذا ألقت ولدها قبل تمام وقت الخلق وان كان تام الخلق فهي خادج والولد خديج ومخدوج. قال أبو الانباري وأخبرنا ثعلب عن سلمة عن الفراء قال، يقال: اخدجت وخدجت بعنى واحد: وحكى الكسائي وحده خدجت بكسر الدال، قال أبو القاسم: أصل الخداج: النقصان في الخلق كان أو في العدة ولكن فرق بينهما لاختلاف الموضعين، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج) . أي ذات خداج، والخداج: النقصان، ومنه قول علي رضى الله عنه في ذي الثدية " أنه مُخْدج اليد والعلماء يقولون: الثدي مذكرا، وإنما قيل ذو الثديه بالهاء لأنه ذهب إلى معنى اللحمة والزيادة. وبعضهم يقول: ذو اليدية بالياء يجعلها تصغير اليد. أخبرنا الأخفش عن ثعلب عن عمر بن شبة عن مخارق أبي المهنا، قال: دخلت على أبي العتاهية في مرضته التي مات فيها، فلما رآني هش لي وقال: ادن مني بأبي أنت وأمي فدنوت منه وقلت له: ما تحب؟ قال: احب إن اسمع منك: الخفيف. احمد قال لي ولم يدر ما بي ... أتحب الغداة عتبة حقا فتنفست ثم قلت نعم حبا ... جرى في العروق عرقا فعرقا لو تبينت ما يجن فؤادي ... لرأيت الفؤاد قرحا تفقا ليتني مت فاسترحت من الح ... ب فإني ما عشت منه ملقى قال: فغنيته، فقال: أراني كأني قد حييت، واستعاده دفعات فأعدته عليه. فقال: انصرف راشدا واتني في غد فان لم أرك مت. فلم يزل ذلك دأبه إلى اليوم الرابع فشغلت عنه فمات في ذلك اليوم. أخبرنا الأخفش قال أخبرنا المبرد قال حدثت من غير وجه أنه اجتمع أبو نوأس وأبو العتاهية وأبو الشيص والحسين الخليع في مجلس فقال لهم أبو نواس: يا اخوتي إن لهذا المجلس ما بعده وسيذكر اجتماعنا فلينشد كل واحد منا احسن ما قال. قالوا: افعلوا ولا تمنوا على تقديم أبي العتاهية لسنه فأنشأ يقول: السريع يا إخوتي إن الهوى قاتلي فيسروا الأكفان من عاجل ولا تلوموا في اتباع الهوى ... فإنني في شغل شاغل أمسي فؤادي عند خمصانة ... ذات وشاح قلق جائل كأنها من حسنها درة ... أخرجها البحر إلى الساحل لم يبق مني حبها ماخلا ... حشاشة في بدن ناحل يحسبني الناس صحيحا ولا ... يدرون بالمستبطن الداخل

أخال في فيها وفي طرفها ... سواحر أقبلن من بابل عيني على عتبة منهلة ... بدمعها المنسكب الهامل يا من رأى قبلي قتيلا بكى ... من شدة الوجد على القاتل بسطت كفي نحوكم سائلا ... ماذا تردون على السائل إن كنتم العام على عسرة ... ويلي فمنوني إلى قابل وأنشدهم أبو الشيص: الكامل وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبا لذكرك فليلمني اللوم أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ... إذ كان حظي منك حظي منهم وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا ... ما من يهون عليك ممن اكرم وأنشد الحسين الخليع الطويل كأني وحيد لا يسر بمؤنس ... من الناس حتى تنقضي الأشهر الحرم ألام على شغلي بمن أنا شغلهُ ... إذا طاف أو أصغى إلى الركن فاسْتَلَمْ سنرعى بظهر الغيب ما كان بيننا ... ونرعى لعهدينا على رغم من رغم ثم قالوا لأبي نواس: هات أنشدنا فقال البسيط لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند ... واشرب على الورد من حمراء كالورد كأسا إذا انحدرت في حلق شاربها ... أجدته حمرتها في العين والخّدَ والكأس لؤلؤة والخمر ياقوتة ... من كف جارية ممشوقة القدَ نسقيك من عينها خمرا ومن يدها ... خمرا فما لك من سكرين من بد لي نشوتان وللندمان واحدة ... شيء خصصت به من بينهم وحدي فلما استتمها قاموا فسجدوا له، فقال: أفعلتموها كسروية، والله لا كلمتكم ثلاثا ولا ثلاثا ولا ثلاثا. فلما كان من الغد كتب إليهم أخوتي إن أيام العمر اقصر من إن تحتمل فاجعلوا راحتكم اليوم عندي. أخبرنا ابن شقي النحوي قال أخبرنا احمد بن عبيد قال: روى إن أبا الدرداء قيل له: لم لا تقول الشعر وقد قاله غيرك؟ قال وأنا أيضا قلت. قالوا: ما قلت؟ قال: قلت: الوافر يريد المرء إن يعطى مناه ... ويأبى الله إلا ما أرادا يقول المرء فائدتي ومالي ... وتقوى الله أفضل ما استفادا أنشدنا الأخفش للعطوي: البسيط لا تبك أثر مول عنك منصرف ... تحت السماء وفوق الأرض أبدال الناس اكثر من إن لا ترى خلفا ... ممن زوى وجهه عن وجهك المال ما أقبح الود يدنيه ويبعده ... بين الخليلين إكثار وإقلال وأنشدنا لإسحاق بن إبراهيم الموصلي: الطويل كفى حزنا إن لا صديق ولا أخ ... ينال غني إلا تداخله كبر وإلا التوى أو ظن أنك دونه ... وتلك التي جلت فما عندها صبر أخبرنا ابن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: المهجة: خالص النفس ومنه قيل للبن الخالص اهميجان وماهج. والرداح: المرأة الثقيلة السير في مشيها. والسرباح: الجراد، والتمساح: الرجل الكذاب. والسحيف: نصل السهم العريض. والعَدِيّ: أول من يحمل في الحرب الرجالة، وينشد: الطويل هُنَا وفضَة فيها ثلاثونَ سَيْحَفاً ... إذا آنسَتْ أُولَى العَديِ أقْشَعَرَّتِ أنشدنا ابن الأنباري قال انشدني أبي: البسيط لا يبعد الله قوما إن سألتهم ... أعطوا سراعا وان قلت انصروا نصروا وإن أصابتهم نَعْماءُ سابغةٌ ... لم يبطروها وان فاتتهم صبروا الكاسرين عظاما لا جبور لها ... والجابرين فأعيا الناس ما جبروا اخبرنا نفطويه قال اخبرنا ثعلب عن عمر بن شبة عمن خبره من شيوخه قال: صعد حسان بن ثابت يوما من أكمة فصاح يا للرجال يا للرجال، فأجتمع الناس إليه فقالوا: ما شأنك؟ فقال: اسمعوا، وأنشأ يقول: الخفيف منع النوم بالعشاء الهموم وخيال إذا تغور النجوم من حبيب أصاب قلبك منه ... سقم فهو داخل مكتوم يا لقومي هل يقتل المرء مثلي ... واهن البطش والعظام شؤوم غادة طفلة بعيدة مها بين الوشاحين فيهما تهضيم

لو يدب الحولي من ولد للذر عليها لأندبتها الكلوم شأنها المسك والفراش ويعلوها لجين ولؤلؤ منظوم لم تفقها شمس النهار بشيء ... غير أن الشباب ليس يدوم رب حلم أضاعه عدم الما ... ل وجهل غطى طيه النعيم فقالوا له: ألهذا جمعتنا؟ فقال: لو بقي هذا في جوفي لقتلني. أخبرنا نفطويه قال حدثنا الحنيني قال حدثنا احمد بن المفضل عن أسباط عن السدى في قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم..) . قال: هذا نزل يوم عرفة، ولم ينزل بعده حلال ولا حرام. ورجع النبي صلى الله عليه وسلم فمات. قالت أسماء بنت عميس: كنت حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الحجة فبينما نحن نسير تجلى جبريل للنبي صلى الله عليه - وسلم فمال على الراحلة فلم تطق الراحلة لثقل ما عليها فسحبت عليه ثوبا كان عليه، ثم ذكر الميتة وما معها فأحلها في الاضطرار فقال: فمن اضطر في مخمصة - أي في مجاعة - غير متجانف لإثم - أي يبتغي نهوة ولا يتعدى إلى كلمة. قال أبو القاسم: يقال حج الإنسان حَجْةً بالكسر ولا يجوز غيره، والمعنى أنه قصد به عمل سُنّة، وأما الحَجَّة بالفتح فالمرة الواحدة من العمل نحو الركبة والضربة وليس يراد بالحجة ذلك إنما يراد بها جميع الأعمال في سننها. وأصل الحج: القصد، تقول حَجِجْتُ فلانا حَجّةً أي قصدته. فان أردت المرة الواحدة قلت حججته حجة كما تقول قصدته قصدة واحدة. ويقال هو حج البيت وحج البيت لغتان فصيحتان. والحج أيضا بالكسر الحجاج أنفسهم. انشد ابن دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي: الرجز كأنما أصواتها بالوادي ... أصوات حج من عُمان غادي اخبرنا الأخفش قال اخبرنا ثعلب عن ابن شبة قال حدثنا الباهلي عن ابن الكلبي قال حدثني الحسن بن عقبة المرادي قال: خاطرت بنو أسد مرادا في شاعر لهم يقال له محكان وفي شاعر لمراد يقال له النواح خمسين ناقة في خمسين ناقة أيهما أشعر. فأتت مراد مبرك النواح فلم يجدوه ووجدوا ابنة له صغيره فسألوها عنه. فقالت: هو غائب يرعى سوامه، فقالوا لها إنا نراه قد كبر وضعف شعره فقالت إي والله لقد كبر وانه لأشعر من مضى ومن بقي. قالوا: فإنا أضيافك فابعثي إليه. فبعثت إليه وكان يرعى على النجف فأقبل إليهم وهو يقول: الرجز يا إبلي روحي إلى الأضياف ... إن لم يكن فيك غبوق طاف فأبشري بالقدر والأثافي ... وغارف في مغرف جراف فقالوا له: إنا قد خاطرنا عنك وعن محكان بني أسد في خمسين ناقة فقال: والله لقد ضعفت وان ابنتي هذه لأشعر مني فقالت: كذب والله ما ندانيه ثم قالت له: قبحك الله من شاعر يراجم بك قومك فتخيم عنهم. فأجابهم إلى ما التمسوا منه وأنشأ: الرجز يا أيها السائل بالنواح ... أخي مراد غير ذي انتزاح ها آنذا بالمنزل القرواح ... محدد النابين للنطاح يا عجبا إن ذهبت لقاحي ... ولم أجالح أيما اجتلاح دقا على الرماح بالرماح في يوم هيج ودم سفاح ثم سار معهم فلما التقى هو ومحكان الأسدي أنشد النواح يقول: الرجز هذا جميلي باركا بالأبطح ... عليه عدلا جمل لم يفتح فقال محكان: لا والله لا أكون أول من فتحها أعطوه خطره. اخبرنا ابن دريد قال حدثني عبد الرحمن عن عمه: إن قول أبي نواس: الكامل فكان سلمى إذ تودعنا ... وقد أشرَأبَّ الدمعُ أن يكِفَا رَشَأ تواصَيْنَ القيانُ بَهِ حتى عَقَدْنَ بأذنِهِ شنَفَا مأخوذ من قول عدى بن زيد: الرمل لغزال مرشق ذي بهجهة ... أتلع الجيد ربيب للجواري ألبس الجيد نظاما محكما ... وجمانا زانه نظم عذارى قال: كانت جواري الأعراب يأخذن أوجد الغزلان فتلبسها الشنف والخرز ويزينها. فهذا المعنى أراد. اخبرنا الأخفش قال اخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: المرآة، والسجنجل، والزلفة، والزلقة، والحمامة، والعرناس، والبذيذ، بمعنى واحد. ويقال: أمر الشيء وهو ممر إذا صار مرا وهي اللغة العالية، ويقال أيضا: مرَ يمرَ مرارة، وهو مر، ويقال من اللغة الأولى في الأمر أمر يا يوم، ومن اللغة الثانية مر يا يوم بفتح الميم. وأنشد: الطويل

لئن مر في كرمان يومي لطالما ... حلا بين جنبي حلية فالمضيح والمر مصدر مررت مرا ومرورا، والمر جمع مرة، والمر: الجبل، وأنشد: الرجز زوجك يا ذات الثنايا الغرّ ... والرتلات والجبين الحر أعيا فنطناه مناط الجرّ ... ثم شددنا فوقه ممرّ والجر: الزبيل، والجر في غير هذا أصل الجبل. أنشدنا الأخفش قال أنشدنا ثعلب مما رآه بخط الموصلي: الكامل الدهر لا دام بين فرقتنا ... وكذاك فرق بيننا الدهر وكذاك يفعل في تصرفه ... والدهر ليس يناله وتر كنت الضنين بمن فجعت به ... فسلوت حين تقادم الأمر ولخير حظك في المصيبة أن ... يلقاك عند حلولها الصبر أنشدنا الزجاج قال أنشدنا المبرد لعلي بن أبي طالب عليه السلام يرثي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطويل ألا بكر الناعي بليل فراعني ... وأرقني لما استقل مناديا فقلت له لما رأيت الذي أتى ... أغير رسول الله إن كنت ناعيا فحقق ما أملت منه ولم أخل ... وكان خليلي عزتي وجماليا فو الله ما أنساك احمد ما مشت ... بي العيس في أرض وجاوزت واديا وكنت متى أهبط من للأرض تلعة ... أجد أثرا منه جديدا وباليا اخبرنا المعنوي قال اخبرنا مسيح بن حاتم عن أبي الفضل الرياشي قال حدثني أبو سلمة القماوي قال حدثني ابن أذينه قال: وقف ابن هرمة علي أبي وعنده نصيب فقال له: يا أبا عامر إني قد عملت أبياتا وقد غدوت بها إليك واحب أن يسمعها هذان الشيخان. قال: هاتهما فأنشأ: الكامل طرقت علية صحبتي وركابي ... أهلا بطيف علية المنتاب حتى أتى على قوله: هلا سألت إذا الكواكب أمحلت ... وعفت مطية طالب الأسباب وغدا الرعاة معطلي أقداحهم ... لثعالب يشوونها وذئاب هل ذم من أحد أراد خليعتي ... أم هل تعدد ساحتي وجنابي إذا تنور طارق متنور ... نبحت فدلته عليه كلابي وعوين فاستعجلته فلقينه ... يضربنه بشراشر الأذناب وتكاد من عرفان ما عودت من ... ذاك أن يفصحن بالترحاب فقال له كثير: يا ابن هرمة شعرك هذا يدل على غير البيت الذي انتسب إليه، يعني إن شعر قريش ضعيف وهذا شعر فحل جيد. قال المعنوي: حمل حسد الصناعة على أن قدح في نسبه حين لم يجد له في شعره مغمزا. قال: ويستجاد لابن هرمة قوله: المتقارب فإني وَتَركي نَدَى الأكرمينَ ... وقَدْحِي بكفِّيَ زَنْدا شَحاحا0 كتاركةٍ بيضَها بالعَراء ... ومُلْبِسةٍ بيضَ أخرى جَناحا قال أبو عبد الله الكرماني: بعني النعامة لأنها توصف بالحمق وذلك إنها تمر ببيض غيرها فتحضنه إشفاقا عليه وتترك بيضها فيفسد ويتلف. وقال ابن دريد: الموصوف بالحمق الحباري ومنه المثل: الرجز وكل شيء قد يحب ولده حتى الحباري ويطرن عنده قال لحمقها تعلم ولدها الطيران فتعتد به عن الاستواء عنه يمنة ويسرة وترى إن ذلك بر به وإنما ذلك عسف له. اخبرنا نفطويه قال أخبرنا الحنيني قال حدثنا احمد بن المفضل عن أسباط عن السدى عن ابن عباس في قوله عز وجل (أو يأخذهم على تخوف) قال: على تنقص. اخبرنا ابن الأنباري قال حدثنا الختلي عن أبي يعلى عن الأصمعي قال حدثنا سفيان عن طاووس قال: من تكلم واتقى الله خير ممن صمت واتقى الله. اخبرنا ابن الأنباري عن الختلي عن أبي يعلى عن الأصمعي قال: قال المفضل بن عياض: إذا قيل لك أتخاف الله؟ فاسكت فانك إن قلت: لا، أتيت بأمر عظيم قان قلت لم لا، فالخائف لا يفعل فعلك. اخبرنا ابن شقير النحوي قال حدثنا احمد بن عبيد قال حدثت عن هشام عن عروة عن أبيه عن النعمان بن بشير قال: بعثني عثمان أو معاوية على صدقات بني عذرة فصدقتهم وارتحلت عنهم فلما ظننت أني قد قطعت بلادهم رفع لي بيت فقصدته فإذا بفنائه شاب مستلق على قفاه لم يبق منه إلا عظم على جلد، فلما أحس بي ترنم بصوت ضعيف وأنشأ يقول: الطويل جعلت لعراف اليمامة حُكْمَهُ وعرّاف حَجْرٍ إنْ هُما شَفيَانِي

فقالا: نعم نشفي من الداء كلّه ... وقاما مع العواد يبتدران فما تركا من رُقْيَة يعلمانها ... ولا سلوة إلا وقد سقياني فقالا: شفاك الله والله مالنا ... بما ضُمِّنَتْ منك الضلوعُ يدان ثم خفق، فنظرت فإذا في كسر البيت جوز فقلت لها: يا هذه اخرجي إلي هذا الفتى فإني أظنه قد مات. قالت: وأنا أظن ذاك والله ما سمعت منه أنة منذ سنة إلا اليوم فانه قال في أوله: البسيط من كان من أمهاتي باكيا شجني فاليوم إني أراني اليوم مقبوضا يسمعننيه فاني غير سامعه ... إذا علوت رقاب القوم معروضا تم خرجت إليه فإذا هو ميت، فغسلته وكفنته ودفنته وصليت عليه ثم قلت للعجوز من هذا؟ قالت: هذا قتيل الحب عروة بن حزام. اخبرنا الزجاج قال اخبرنا المبرد قال قال رجل من بني مخزوم للأحوص ابن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت الأنصاري: أتعرف الذي يقول: الكامل الناس كنوه أبا حكم ... والله كنّاه أبا جهل أبقت رياسته لأسرته ... لؤم الفروع ورقة الأصل قال: وهذا الشعر لحسان بن ثابت الأنصاري والبيت الذي القاه المخزومي للأخطل، وذلك أن معاوية عتب على قوم من الأنصار فأمر كعب بن جعيل التغلبي بهجائهم فقال: أأهجو الأنصار؟ أرادني في الكفر بعد الإسلام ولكني أدلك على غلام من الحي نصراني كأن لسانه لسان الثور يعني الأخطل، فلما قال الأخطل هذا البيت دخل النعمان بن بشير على معاوية فأخذ عمامته من رأسه وقال: يا معاوية أترى لؤما؟ قال: ما أرى إلا كرما. فأنشأ يقول: الطويل معاوي إلا تعطنا النصف نغترف ... لحى الأزد مشدود عليها العمائم أيشتمنا عبد الأراقم صغرا ... فماذا الذي تجدي عليه الأراقم فما لي ثأر دون قطع لسانه ... فدونك من ترضيه عنه الدراهم اخبرنا الأخفش قال حدثنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال غصصت أبو بكر بن عياش وكان رجل من قريش يرمى بشرب الخمر فقال له أبو بكر بن عياش: زعموا أن نبيا يحل الخمر. فقال له القرشي: إذن لا تؤمن به حتى يبرئ الأكمه والأبرص. اخبرنا الأخفش قال حدثنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال غصصت بالطعام والشراب والريق والكلام وهو الغصص والجأز والحروة بمعنى واحد. وكذلك التحتحة. قال الأخفش: وكان المبرد يحكي عن البصريين هذا بعينه قال: فإذا فصل قيل غصصت بالطعام، وشرقت بالشراب وجرضت بالريق، ومنه المثل السائر " حال الجريض دون القريضى ". قال الأخفش: يروى عن الخيل انه قال: كان رجل له ابن نبغ يقول الشعر فنهاه عن ذلك فجاش صدره بالشر ومرض فقال لأبيه إن منعتني من قول الشعر تلفت. فلم يأذن له في ذلك حتى ثقل ويئس منه. فما رآه كذلك قال له: ابني قل ما شئت من الشعر، فقال هيهات حال الجريض دون القريض، وأنشد يقول: الوافر أيأمرني وقد فنيت حياتي ... لأبيات ترجيهن مني فأقسم لو بقيت لقلت قولا ... أذيل به قوافي كل جني اخبرنا الأخفش قال حدثنا ثعلب عن الزبير بن بكار قال دخلت ليلى الأخيلية على عبد الملك ابن مروان فقال لها: أقسمت عليك هل كان بينك وبين توبة شيء؟ قالت: لا والذي قبض روحه وهو على روحي قادر ما كان بيننا شيء أنه قدم من بعض أسفاره فأتيته فسلمت عليه فغمز يدي فظننت أن قد خضع لبعض الأمر، فأنشأت أقول: الطويل وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ... وليس إليها ما حييت سبيل لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه ... وأنت لأخرى صاحب وحليل قال أبو القاسم: ويروى خليل بالخاء المعجمة وهو الصديق، يقال: خالك الرجل مخاللة وخلالا من المودة ومنه قول أمرئ القيس: الطويل ولست بمقلي الخلال ولا قال الخليل أيضا: الرجل المحتل الحال، ومنه قول زهير: البسيط وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول: لا غائب مالي ولا حرم والخليل: الزوج.

اخبرنا أبو سعيد الحسن بن علي بن بكر العدوى قال حدثنا عثمان ابن طالوت قال حدثنا الأصمعي قال: دخلت البادية فرأيت جارية من احسن الناس وجها تحت اقبح الناس وبها فقلت لها: يا هذه كيف رضيت مع جمالك إن تكوني تحت اقبح الناس وجها؟ فقالت: يا هذا بئس ما قلت فلعله احسن فيما بينه وبين ربه فجعلني ثوابه. أو أنا أذنبت فيما بيني وبين ربي فعاقبني به. أفلا أرضى لما رضي الله لي؟ قال فأسكتتني. اخبرنا الأخفش قال اخبرنا المبرد عن المازني عن الجرمي قال: المحل: الكذب، يقال رجل محال أي كذاب، والمحل: السعاية، يقال أمحل فلان بفلان محلا إذا سعى به إلى السلطان، والمحل: الجدب يقال: أمحل البلد إذا أجدب، والاسم المحل كما يقال: أخصب إخصابا والاسم الخصب بالكسر لا غير. والمحل والمحال: المكر والكيد ومنه قوله تعالى شديد المحال ويروى إن عبد المطلب لما بلغه قرب أصحاب الفيل من مكة حلا على الحرم وخرج عنه، وقال: إن له إلاها يمنع منه، وأنشأ يقول: مجزوء الكامل لا هُمَّ إنَّ المرء ... يمنعُ رحلهُ فامنع رحالَكْ لا يَغْلِبَنَّ صليبُهُم ومحِالُهم عَدواً مِحالَكْ اخبرنا اليزيدي عن عمه أبي القاسم قال: عوتب دعبل بانصرافه عن النساء فتزوج امرأة فأقامت عنده ليلة ثم خلاها، فقي له في ذلك وانشأ يقول: المتقارب رأيت عجوزا وقد أقبلت ... فأبدت لعيني عن مبصقه قصيرة الخلق دحداحة ... تدحرج في المشي كالبندقية تخطط حاجبها بالمداد ... وتربط في عجزها مرفقه وثديان ثدي كبلوطة ... وآخر كالقربة المفقة اخبرنا الأخفش قال: كتب العطوي إلى المعتضد وقد أقام بسنجار: الكامل يا من أقام على قرى سنجار ... واختارها دارا بخير قرار أتركت بغداد التي لنسيمها ... أرج من الأنوار والأشجار هي جنة الدنيا فكيف تركتها ... وسكنت دارا غير ذات قرار أو ليس فيها ألف ألف مثوم ... في صحف غرته سنا الأقمار وكذاك فيها ألف ألف خريدة ... في وجهها متنزه الأبصار انظر بقلبك لا يعينك هل ترى ... كرجالها في سائر للأمصار من ذا تصاحبه هناك وعنده ... نتف من الأخبار والأشعار ممزوجة بخلائق أدبية ... في رقة الماء الزلال الجاري ولئن أقمت وبعتنا وجوارنا ... بقريب عهد أو حديث مزار فأنا أقول بفرط حرٍ في الحشا ... وسعير نار غير ذات شرار لم تستحل دمي وتعلم أنه ... من يستحل دم امرئ في النار اخبرنا الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الحال: لحم المتنين، والحال: الحمأة، والحال: الكارة التي يحملها الحمال، والحال: اللواء يعقد للأمراء وفيه ثلاث لغات: الخال وهي أعرقها والحال والجال، والحال: لحم باطن فخذ حمار الوحش، والحال: حال الإنسان، يقال: حال وحالة بمعنى واحد، والحال: الثقل، يقال: خفف عني حالي أي ثقلي والحال: امرأة الرجل، والحال: العجلة التي يعلم عليها الصبي المشي، وأنشد: السريع وما زال ينمي جده صاعدا ... مذ لد أن فارقه الحال يقول: ما زال يعلو أمره وينمي مذ فطم، وقال ابن الأعرابي: وأنشدني بعض الفصحاء في ضد هذا: الرجز وما زال مذ فرى عنه جلبه ... له من اللؤم كلاء يجذبه قال: جُلَبَة بمعنى جَلبَة وهي الغشاوة التي يكون فيها الولد فتنشق فيخرج منها، يعني مذ ولد. والطلاء: الحبل. يقول: ما زال له من اللؤم حبل يجذ به إليه. والطلا: الخمر، والطلاء: القطران، والطلا بالضم والتشديد والمد: قال: تركته يتضرب في طلائه. اخبرنا أبو محمد بن السري السراج قال أخبرني وكيع قال حدثني بعض أصحابنا أن أبا نواس رآه بعض أصدقائه في النوم بعد موته فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قال: بماذا؟ قال، بأبيات قلتها، قال: ما هي؟ قال: هي فر رقعة في مخدة كانت تحت رأسي، فصار الرجل إلى منزله فسأل عن المخدة ففتقها فإذا فيها رقعة مكتوب فيها: الكامل يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم

إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فمن الذي يدعو ويرجو المجرم أدعوك رب كما أمرت تضرّعا فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم مالي إليك وسيلة إلا التقى ... وجميل ظني ثم إني مسلم أنشدنا الأخفش قال أنشدنا ثعلب أنشدنا الرياشي قال أنشدنا المؤرج لنفسه: الطويل وفارَقْتُ حتى لا أبالي من النوى ... وإذ بانَ جيرانٌ علي كِرامُ فقد جَعِلْتْ نفسي على النَّأيِ تَنْطَوِى ... وعَيني على فَقْدِ الحَبيبِ تَنامُ اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا أبو حاتم السجستاني قال اخبرنا أبو عبيدة معمر المثنى قال: لما مات همام بن عامر البكري قال اخوته لابنيه ربيعة وكريب أيكما يأخذ سلاحه وجعبته وفرسه وقناته على أن يقضي حق همام في قومه، وأيكما يأخذ إبله على أن يقضي حق الضيف؟ فقال ربيعه أنا آخذ مكرمة أبي فأخذ جعبته وسلاحه وفرسه وقناته على أن يقضي حق قومه فيما ينوبهم. وأخذ كريب الإبل. فقيل لربيعة غبنك كريب بأخذ المال، وقيل لكريب غبنك ربيعة بأخذه مكرمة أبيه فأنشأ كريب يقول: الطويل لعمرك ما أخذت المال إلا ... لا بذله وذاك له سبيل أثمّره وأعلم أن فيه ... حقوقا تركها عار طويل وخير المهال ما أعطيت منه ... وشر المال ما أبقى البخيل ولست بقائل أبدا لشيء ... نعمم إلا وفيت بما أقول فمهما يرج عند فتى أناس ... فإني للتي يرجى مخيل وقد علمت عكابة بعد إني ... إذا ما نابها خطب جليل بأن أخي إذا ما هاج هيج ... سنان الرمح والسيف الصقيل واجرد كالهراوة مشمخر ... شديد الأسر حق له الثميل فيحمدني المضاف إذا دعاني ... خلال النقع والمرء الذليل وقال ربيعة: لوافر ألم ترني تركت الإبل عمدا ... لعلمي أنها خير قليل وقلت خذ الهجان وراعبيها ... وحسبي السيف والرمح الطويل وسلهبة يزل اللبد عنها ... وغامضة القتير لها ذبول وقدر للعفاة وجفنتاها ... ونار لا يحل بها جهوله أمور كان لوالدنا اقتناها ... وليس إلى خلاف أبي سبيل وقالوا قد غبنت فقلت لا بل ... غبنت فلا أقال ولا أقيل أآخذ بالعلا نابا ضروسا ... مذممة لها ضرع حفيل أبيت الليل أكلوها بعين ... مؤرقة لها طرف ثقيل وأترك مجد همام وجدي ... جميل والذين بهم أصول إذا ما المرء لم يخلف أباه ... تعالته من الأيام غول ستبلي إبل صاحبك الليالي ... ويبقى بعدها الذكر الجميل قال أبو القاسم: يقال رجل مخيل للخير إذا كان خليقا له، والعكابة من العكوب اشتقاقها وهو الغبار، والأجرد الفرس القصير الشعر وهو من الصفات المحمودة، والهراوة العصا، والمشمخر: الطويل، والثميل: بقية الطعام والعلف في الجوف، والسلهبة: الفرس الطويلة، والقتير: حلق الدرع، وهو في غير هذا الموضع الشيب، والناب: المسنة من الإبل، والحفيل: المملوءة لبنا ومنه قيل احتفل المجلس بأهله إذا امتلاء، والغول: ما أهلك الإنسان، والعرب تزعم إنها أنثى الشياطين، وينشد لامرئ القيس: الطويل أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال اخبرنا ابن السراج قال أخبرني وكيع قال: أرسل المتوكل إلى الحسن بن وهب أن قل شعرا في غد هذا اليوم، فقال: كيف يقول محبوس؟ فقال له بعض مات معه: قل فلعل ذلك أن يكون سببا للفرج؟ فقال: مخلع البسيط قد أسفر الصبح للقيامه واصطفقت رنة للأذان ليلة لهو يسر صبحا ... تناجه يوم ومهرجان فاسقياني وغنياني ... كل أسير وكل عان يخلص الله كل شمل ... شتته حادث الزمان أما ترى البارق اليماني ... حقا يقينا لقد شجاني ذكرني عارضي بنات ... تلك التي سادت الواني

حبيبة لي حجبت عنها ... فما أراها ولا تراني أخبرنا نفطوية عن ثعلب عن أبي نجدة عن الأصمعي قال: سمعت أعرابية تصف شبابها وهي تقول: كنت والله أحسن من السماء وأشهى من الماء. أنشدنا نفطويه عن ثعلب عن ابن الأعرابي: الطويل ألم ترني أزمعت صرما وهجرة ... لليلى فما أستطيع صرما ولا هجرا وما مر يوم مذ لدن إن هجرتها ... ولا ساعة ألا اجهد لها ذكرا فيا عجبا من وصلي الحبل كي ترى ... جديدا وقد أمست علائقه بترا فإن تصبحي بعد التجاور والهوىصددت فقد أصبحت في أذني وقرا اخبرنا ابن شقير قال: حضرت المبرد وقد سأله رجل عن معنى قول الشاعر: الطولي فلو إن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت ولكن الرماح أجَرَّتِ فقال: هذا كقول الآخر: الطويل وقافية قيلت فلم استطع لها ... دفاعا إذا لم تضربوا بالمناصل فأدفع عن حق بحق ولم يكن ... ليدفع عنكم قالة الحق باطل قال أبو القاسم: معنى هذا إن الفصيل إذا لج بالرضاع جعلوا في انفه خلالة محدودة، فإذا جاء يرضع أمه نخستها تلك الخلالة فتمنعه من الرضاع. فان كف عن رضاعها وإلا أجرِّوه، والإجرار إن يشق لسان الفصيل إن يقطع طرفه فيمتنع حينئذ من الرضاع ضرورة. فقال قائل البيت الأول: إن قومي لم يقاتلوا فأنا مجر عن مدحهم لأني ممنوع، كأن رماحهم حين قصروا عن القتال بها أجرتني عن مدحهم كما تجر الفصيل عن الرضاع. ففسره أبو العباس بالبيتين اللذين مضيا. وللإجرار موضع أخر، وهو إن يطعن الفارس الفارس فيمكن الرمح فيه ثم يتركه منهزما يجر الرمح فذلك قاتل لا محالة، ومنه قول الشاعر: الوافر وآخر منهم أجررت رمحي ... وفي البَجَلِيّ مِعْبلة وقيع وقول الآخر: الكامل ونقي بأفضلِ مالنا أحسابَنا ... ونَجُر في الهَيجا الرماحَ ونَدَّعِي اخبرنا اليزيدي عن عمه أبي القاسم عن أبي محمد يحيي بن المبارك اليزيدي قال: روى عن الشعبي انه قال قال عبد الله بن مسعود في قول الله تعالى إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا. قال: الأمة: الرجل المعلم للخير، والقانت: المطيع، والحنيف: التارك الشرك، اجتباه يقول: اصطفاه وهداد إلى صراط مستقيم يعني يستقيم به إلى الجنة. وآتيناه في الدنيا حسنة. قال: الذكر الطيب والثناء الجميل ما من أمة ولا أهل دين إلا وهم يتولونه ويرضون به. قال أبو القاسم: القنوت في اللغة طول القيام، ومنه قيل للداعي قانت، والمصلي قانت. والحنف: الميل، وقيل للمسلم حنيف لعدوله عن الشرك إلى الإسلام وميله لا رجوع معه. ومنه الحنف في الرجلين وهو إقبال كل واحدة من الإبهامين على صاحبتها وميلها عن سائر الأصابع. وكان الحنيف في الجاهلية من كان يحج البيت ويغتسل من الجنابة ويغسل موتاه ويختتن. فلما جاء الإسلام صار الحنيف المسلم. أخبرنا الأخفش عن ثعلب عن المبرد عن ابن الأعرابي عن المفضل الضبي قال قال لي أمير المؤمنين المنصور: صف لي الجواد من الخيل، فقلت: يا أمير المؤمنين إذا كان الفرس طويل ثلاث، قصير ثلاث رحب ثلاث، صافي ثلاث فذلك الجواد الذي لا يجارى. قال فسرها، فقلت: أما الثلاث الطوال، فالأذنان والهادي والفخذ، وأما القصار فالظهر والعسيب والساق، والرحاب: المنخر والجبهة واللبان والصافية: للأديم والحافر والعين. أنشدنا المعنوي قال أنشدنا الفضل بن الحباب قال أنشدني أبو محمد التوزي عن أبي عبيدة لأنيف بن جبلة الضبي فارس الشيط: الكامل ولقد حلبت الدهر اشطره ... فعرفت ما آتي وما أجتنّب ولقد شهدت الخيل تحمل شكّتي ... عتد كسرحان القصيمة ينهب أما إذا استقبلته فكأنه ... للعين جذع من أوال مشذّب وإذا اعترضت به استوت أقطاره ... وكأنه مستدبرا متصوّب قال أبو غانم معنى هذه الأبيات مأخوذة من معنى قول أبي أقيصر في وصف فرس. إذا استقبلته أقعى وإذا أستدبرته جبنى وإذا اعترضته استوى.

اخبرنا عبد الله بن مالك قال اخبرنا الرياشي قال اخبرني محمد بن أبي رجاء عن رجل من بني مخزوم عن أبيه أو عمه قال: لقيت ابن هرمة منصرفة من المدينة فقال لي: قد خرج هذا الرجل يعني محمد بن عبد الله ابن حسن وقد قلت أبياتا فاعرفها واحفظها: الطويل أرى الناس في أمر سحيل فلا تزلعلى حذر حتى ترى الأمر مبرما فإنك لا تستطيع رد الذي مضىإذا القول عن زلاته فارق الفما فكائن ترى من وافر العرض صامتا ... وآخر أردى نفسه إن تكلما اخبرنا ابن دريد قال اخبرني عمي عن ابن الكلبي قال اخبرني أبو حاتم عن أبي عبيدة قالا: خرج سامة ابن لؤي بن غالب من مكة حتى نزل بعمان فأنشأ: الخفيف بَلّغا عامرا وكعباً رسولا ... إن نفسي إليهما مشتاقه إن تكن في عمان داري فإني ... ماجد ما خربت من غير فاقه ثم خرج يسير حتى نزل على رجل من الأزد فقراه وبات عنده. فلمام أصبح قعد يستن، فنظرت إليه امرأة الأزدي فأعجبها. فلما رمى قصمة سواكه أخذتها فمصتها، فنظر إليها زوجها فحلب ناقتة إلى وضع في حلابها سماً وقدمه إلى سامة، فغمزته المرأة فهراق اللبن وخرج يسير. فبينما هو في موضع يقال له جوف الخميلة هوت ناقته إلى عرفجة فانتشلتها وفيها أفعى ففتحتها فرمت بها على ساق سامة، فنهشته فمات. فقالت الأزدية تبكيه حين بلغها أمره: الخفيف عين بكي لسامة بن لؤي ... علقت ساق سامة العلاقه لا أرى مثل سامة بن لؤي ... حملت حتفه إليه الناقه رب كأس هرقتها ابن لؤي ... حذر الموت لم تكن مهراقه وحدوس السرى تركت رديا ... بعد هجر وجرأة ورشاقه وتعاطيت مفرقا بحسام ... وتجنبت قالة العوّاقه اخبرنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفه قال حدثننا الحنيني عن احمد بن المفضل عن أسباط عن السدى قال: روى عن ابن عباس قوله تعالى (أم حسبت إن أصحاب الكهف والرقيم ... الآية) قال: أن الفتية لما هربوا من أهلهم خوفا على دينهم فقدوهم، فخبروا الملك خبرهم، فأمر بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم وألقاه خزانته، وقال: انه سيكون لهم شأن. فذلك اللوح هو الرقيم. قال أبو القاسم: في الرقيم خمسة أقوال؛ أحدها انه هذا الذي روى عن ابن عباس انه لوح كتب فيه أسماؤهم. والآخر إن الرقيم هو الدواة يروى ذلك عن مجاهد وقال: هو بلغة الروم والثالث إن الرقيم القرية وهو يروى عن كعب. والرابع إن الرقيم الوادي. والخامس ما روى عن الضحاك وقتادة قالا: الرقيم: الكتاب، والى هذا يذهب أهل اللغة ويقولون: هو فعيل ويقولون: هو فعيل بتأويل مفعول، يقال: رقمت الكتاب فهو رقيم ومرقوم كما قال تعالى كتاب مرقوم. اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا السجستاني عن أبي عبيدة عن العتبي عن أبيه عن جده قال: ولي معاوية بن أبي سفيان روح بن زنباع عملا فبلغته عنه خيانة فصرفه وأمره بالقدوم عليه، ففعل فأمر بضربه، فلما أخذته السياط قال: نشدتك الله يا أمير المؤمنين إن تهدم مني ركنا أفت بنيته أو نضع خسيسة أنت رفعتها أو تشمت بي عدو أنت وقمته وبالله إلا أتى حلمك، كل جهلي وعفوك على إفساد صنائعك. فقال معاوية: الطويل إذا الله سنّى عقد تيّسرا خلو عنه. اخبرنا الأخفش قال اخبرنا ثعلب عن عمر بن شبة قال: تزوج الحسن بي علي خولة بنت منظور بن زبان فأقامت عنده حولا لا تكتحل ولا تتزين حتى ولدت له ابنا فدخل عليها يوما وقد تزينت فقال: ما هذا؟ فقالت: خفت إن اتزين وأتصنع فيقول النساء تجملت له فلم تر عنده شيئا، فأما وقد جاء هذا فلا أبالي. فلما مات الحسن جزعت عليه جزعا شديدا فقال منظور أبوها الكامل نُبِّئْتُ خولة أمسِ قد جزعتْ ... من إن تنوبَ نوائبُ الدهرِ لا تجزعي يا خول واصطبري ... إن الكرامُ بنوا على الصبر

اخبرنا عبد الله بن مالك قال اخبرنا الزبير عن عمه قال: مات لعبد الله بن علي ابن " فجزع عليه جزعا شديدا وامتنع من الطعام والشراب ثلاثا وجب الناس عنه، فلما كان في اليوم الرابع خرج كاتبه إلى الحاجب فقال: انه قد منعني من ذلك. فقال له: ائذن فدخلوا إليه وقعد الكاتب في طريقهم فقال: عزوا الأمير وسلوه. ففعلوا فلم يسله شيء من قولهم حتى دخل عليه عمر بن حفص فقال: أصلح الله الأمير، عليكم نزل الكتاب، فأنتم أعرف بتأويله، ومنكم رسول الله، فأنتم أعلم بسنته، ولسنا نعلمك شيئا نراك تجله، ولكنا نذكرك. وهذه أبيات قالها بعض من أصابه مثل ما أصابك: الطويل لعمري لئن اتبعت عينيك ما مضىمن الدهر أو ساق الحمام إلى القبر لتستنفذن ماء الشئون بأسرهاولو كنت تمريهن من ثبج البحر فقلت لعبد الله إذ حن باكيا ... تعز وماء العين منهمر يجرى تبين فإن كان البكا رد هالكا ... على أحد فاجهد بكاك على عمرو ولا تبك ميتا بعد ميت أجنة ... علي وعباس وآل أبي بكر وأعزيك ببيت قلته وهو: الطويل وأهون ما ألقى من الوجد أنني ... أجاوره في داره اليوم أو غدا فدعا بالطعام فطعم هو وأصحابه. اخبرنا نفطويه عن احمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال: الصبر: مصدر صبرت، والصبر: لغة في الصبر لهذا المر. والصبر: الحبس، يقال: صبرت فلانا كذا وكذا أي حبسته عليه. وفي الحديث إن رجلا امسك رجلا فقتله آخر فقيل: " اقتلوا القاتل واصبروا الصابر " أي احبسوه والصبر: الاجتراء على الشيء، ومنه قوله تعالى (فما أصبرهم على النار) أي ما أجرأهم عليها. وقال المبرد: تأويله ما دعاهم إلى الصبر عليها. وأنشد ابن الأعرابي: الطويل سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ... ولكننا كنا على الموت أصبرا أي كانوا أجرأ منا على الموت فاقتحموا الحرب فقتلناهم. اخبرنا الزجاجي. قال اخبرنا المبرد عن المازني عن الأصمعي قال: يقال: أربت الناقة بالفحل، والمّت به، وعشقته: إذا لم تبرح منه وألفته. ومنه سمي المحب عاشقا. اخبرنا الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العشقة: شجرة يقال لها اللبلابة، تخضر ثم تدق ثم تصفر، ومن ذلك اشتقاق العاشق. قال ويقال: غازل الكلب الظبي: إذا عدا في أثره فلحقه وظفر به. ثم خلا عنه، ومنه مغازلة النساء كأن الرجل يلاعبها فتطمعه في نفسها، فإذا رام تقبيلها انصرفت عنه. قال الزجاج: وأصل المغازلة من الإدارة والفتل لأنه إدارة عن أمر، ومنه سمي المغزل لاستدارته وسرعة دورانه، وسمي الغزال غزالا لسرعته، ونسيت الشمس الغزالة لسرعتها واستدارتها، وأنشد: الرجز قالت له وارتفقت: ألا فتى ... يسوق بالقوم غزالات الضحى0 اخبرنا عبد الله بن مالك قال اخبرنا الزبير عن عمه قال قال عبد الله بن مسلم بن جندب: طرقني ليلة بعد ما نمت عيسى بن عمر بن طلحة ابن عبد الله بن معمر فخرجت إليه فقلت: ما جاء بك في هذا الوقت؟ فقال: انه غنتني الساعة جارية ابن حمران قولك: الطويل تعالوا أعينوني على الليل انه ... على كل عين لا تنام طويل فقلت له: قضى الله عنك الحقوق يا ابن أخي أبطأت الإجابة حتى أتى الله بالفرج. اخبرنا ابن دريد قال اخبرني عبد الرحمن عن عمه قال: مر الحسن البصري بباب عمر بن هبيرة وعليه القراء، فسلم ثم قال: مالكم جلوسا قد أحفيتم شواربكم وحلقتم رؤوسكم، وقصرتم أكمامكم وفلطحتم نعالكم أما والله لو زهدتم فيما عند الملوك لرغبوا فيما عندكم. فضحتم القراء فضحكم الله. قال عبد الرحمن: قلت لعمي: ما المفلطح في قال: هو الشيء الذي يعرض أعلاه ويدق أسفله. ومنه قيل: رأس مفلطح والعامة تقول مفرطح.

اخبرنا أبو محمد عبد الله بن مالك قال اخبرنا الزبير بن بكار قال حدثني مسلمة بن إبراهيم المخزومي عن أيوب بن مسلمة قال: كان عمر ابن عبد الله بن أبي ربيعه مستهاما مغرما بالثريا بنت عبد الله بن علي بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف وكانت عرضة ذلك، جمالا وكمالا، وكانت تصيف بالطائف: وكان عمر مدة مقامها بالطائف يبكر فيقوم على فرسه فيسأل الركبان الذين يجيئون بالفاكهة من الطائف عن الأخبار ليسكن إلى ما يسمعه من خبرها، فسألهم ذات يوم عن مغر بات أخبارهم. فقالوا: ما عندنا خبر إلا أنا سمعنا عند رحيلنا صياحا عاليا على امرأة من قريش اسمها على اسم نجم في السماء قد ذهب عنا. فقال لهم عمر: الثريا؟ فقالوا: نعم. فسار عمر على وجه يُعْدِي فَرَسَه مِلء فروجِه نحو الطائف واخذ على كَدَاء. وهي أحزن الطريقين وأخصرهما، حتى وفلى الطائف فوجدها سليمة قد خرجت تتشوفه، ومعها أختاها رضيا وأم عثمان، فأخبرها الخبر، فقالت: أنا والله أمرتهم بذلك لأعلم مالي عندك. وقال عمر في وجهه ذلك: الطويل تَشَكَّى الكُميتُ الجبريَ لمّا جَهَدْتُهُ ... وبيّن لو يَستطِيعُ أن يَتَكَّلما فقلت لهه: إنْ ألقَ للعينِ قُرَّةً ... فهان عليّ أن تكلّ وتَسْأَمَا عدمت إذن وفري وفارقت مهجتي ... لئن لم أقَلْ قَرناً أن الله سلمّا لذلك أدِني دُونَ خَيلي رباطَةُ ... وأوُصي به أن لا يُهان ويُكرما قال أبو القاسم: يقال عدا الفرس إذا حمله على العدو، وكل الرجل: إذا ضعف يكل كلا وكلالة، ومنه الكلالة في النسب إنما هو من الضعف لأنه ما عدا الوالد والولد. وبعض العلماء جعل الكلالة في قوله " يورث كلالة: المتوفى وبعضهم يجعله المال. وأكثرهم على ما بدأنا به. والكَللُّ: الضعيف، والكَلُّ: الثقيل على أهله، والكَلُّ: الصنم. اخبرنا نفطويه عن ثعلب عن الرياشي قال قال سمرة بن جندب: مات محمد بن الحجاج بن يوسف، فلما انصرفنا من جنازته اجتزت بشيخ من بني عقيل، فقال لي: من أين؟ فقلت: من جنازة محمد ابن الحجاج بن يوسف. فأنشأ الشيخ يقول: الطويل فذوقوا كما ذقنا غداة محجر ... من الغيظ في أكبادنا والتحوب قال: وكان الحجاج قتل ابنا للشيخ. اخبرنا الأخفش قال حدثنا المبرد عن المازني عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: قيل لرجل من بكر بن وائل قد عاش ثلاثين ومائتي سنة: كيف رأيت الدنيا؟ قال: عشت مائة سنة لم أصدع فيها، ثم أصابني في الثلاثين والمائة ما يصيب الناس. أنشدنا الأخفش عن ثعلب: المنسرح إنَّ مُعاذَ بَن مسلمٍ رجلٌ ... قد ضَجَّ من طولِ عمرِهِ الأبَدَ قد شاب رأس الزمان واكَتَهلَ الدهرُ وأثوابُ عُمره جُدُدُ يا نسرَ لقمانَ كم تعيشُ وكم ... تسحُب ذيلَ الحياةِ يا لُبَدُ قد أصبحت دار آدمٍ خَرِبَتْ ... وأنت فيها كأنك الوَتِدْ تسأل غربانها إذا حجلَتْ ... كيف يكون الصداع والرَّمَدُ اخبرنا الأخفش قال اخبرنا احمد بن يحيى عن أبي الفضل الرياشي عن الأصمعي قال: سمعت شيخا من بني العُجَيف يقول: تمنيت دارا فبقيت أربعة اشهر مفكرا في الدرجة كيف تقع. وقيل لرجل من الضباب: تمن. فتمنى خباء خلقا وقوسا في جلة في ليلة مطيرة وان يجيء الكلب فيدخل معه الخباء. قال أبو القاسم: القوس: بقية التمر في الجلة، والآس: بقية العسل في وعائه، أو الموضع الذي يشتار منه. والكعب: بقية السمن في النحي، والهلال: بقية الماء في الحوض. والشفا مقصور: بقية كله شيء. ويقال: العسل هو العسل، واللوص، والأرى، والضّحك، والسعابيب، والطّرم، والطريم. ويقال تمنى الرجل: إذا حدث نفسه وتفكر، وتمنى: إذا سأل ربه، وتمنى: إذا كذب. واجتاز بعض العرب بابن دأب وهو يحدث قوما فقال: هذا شيء رويته أم تمنيته؟. ويقال: تمنى الرجل: إذا تلا القرآن، ومنه قوله تعالى: (لا يعلمون الكتاب إلا أماني. وينشد الطويل تَمَنّى كتابَ الله أوَّلَ لَيلِهِ ... وآخِرَهُ لاقَى حِمامَ المَقَادِرِ

اخبرنا ابن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: أربعة لم يلحنوا في جد ولا هزل: الشعبي وعبد الملك بن مروان، والحجاج بن يوسف، وابن القرية. والحجاج أفصحهم، قال يوما لطباخه: اطبخ لنا مخللة، وأكثر عليها من الفيجن، واعمل لنا مزعزعا. فلم يفهم عنه الطباخ ما قال. فسأل بعض ندمائه، فقال: اطبخ لنا سكباجا، وأكثر عليها من السذاب، واعمل لنا فالوذا سلسا. قال: وقدم إليه مرة أخرى سمكة مشوية، فقات: خذها ويلك فسمنها وارددها. فلم يفم عنه، فقال له نديمه: يقول لي بردها فإنها حارة. قال الأصمعي: يقال: هو الفالوذ، والسِّرِ طْراط، والمُزَعْزَعُ، واللوُّاص، واللمَّصُ. فأما الفالوذج فهو أعجمي، والفالُوذَق مولدةٌ. أنشد أبو غانم: الطويل ألا من لقلب مونق بالنوائب ... رمته خطوب الدهر من كل جانب تبين يوم البين أن اعتزامه ... على الصبر من إحدى الظنون الكواذب أنشدنا نفطويه: قال أنشدنا ثعلب عن ابن الأعرابي: الوافر بأكناف الحجاز هوى دفين ... يورقني إذا هدت العيون أحن إلى الحجاز وساكنيه ... حنين الإلف فارقه القرين أنشدنا أبو الفضل زبيد قال: أنشدني محمد بن داود الأصبهاني لنفسه: الطويل أخوك الذي أمسى بحبك مغرما ... يتوب إليك اليوم مما تقدما فإن لم تصله رغبة في إخائه ... ولم تك مشتاقا فصله تكرما فقد والذي عافاك مما ابتلي به ... تندم لو يرضيك إن يتندّما وبالله ما كان الصدود الذي مضى ... دلالا ولا كان الجفاء تبرّما ولا تجزه بالهجر إن صد مكرها ... وأظهر أعراضا وأبدى تجهّما ولم يلهه عنك السلو وإنما ... تأخر لما لم يجد متقدّما وأنشدني له أيضا: الطويل له مقلة ترمي القلوب بأسهم ... أشد من الضرب المدارك بالسيف يقول خليلي: كيف صبرك بعدنا ... فقلت: وهل صبر فيسأل عن كيف اخبرنا أبو بكر محمد بن احمد بن منصور المعروف بابن الخياط النحوي قال: اخبرنا أبو الحسن بن الطيان عن أبي يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت عن الأصمعي وأبي زيد وغيرهما، بما يذكر من أسماء الشجاج في هذا الفصل دخل كلام بعضهم في بعض، قالوا: الشج في الوجه والرأس خاصة دون سائر الجسد، وأول الشجاج الحارصة، وهي التي تشق الجلد خفيفا ولما يسل منها دم، ومنه حرص القصار الثوب: إذا شقه شقا خفيفا. ثم الدامية: وهي التي يظهر دمها ولم يسل. ثم الدامعة: وهي التي قطر دمها كما تدمع العين. ثم الباضعة: وهي التي جاوزت الجلد إلى اللحم فقطعته. ثم المتلاحمة: وهي التي أخذت في الحم. ثم السمحاق: وهي التي جاوزت اللحم في الجلدة الرقيقة، وهي التي بين اللحم والعظم. وتلك الجلدة يقال لها السمحاق فسميت الشجة بها. ويقال للسمحاق: الملطاء أيضا، تمد وتقصر. ومنه الحديث الملطاء بدمها أي يحكم فيها لوقتها ولا ينظر إلى ما يؤول أمرها. ثم الموضحة: وهي التي خرقت السمحاق فأوضحت عن العظم أي أظهرته. في المقرشة إقراشا بالقاف: وهي التي صدعت العظم ولم تهشمه. ثم الهاشمة: وهي التي هشمت العظم. ثم المنقلة: وهي التي يخرج منها عظام. ثم الأمة: ويقال لها المأموم، والأميم أيضا وهي التي بلغت أم الرأس، وهو مجتمع الدماغ، وصاحبها يصعق لصوت الرعد ورغاء الإبل، ولا يمكنه البروز للشمس. ثم الدامغة: وهي التي تخسف العظم، ولا بقاء لصاحبها. اخبرنا الزجاج والأخفش قال اخبرنا المبرد قال: حدثت من غير وجه إن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه - وهو أهله - وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم. ثم أقبل على الناس فقال: يا أيها الناس، إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم. فان العبد ببين مخافتين، أجل قد مضى ما يدرى ما الله فاعل فيه، وأجل قد بقى لا يدرى ما الله قاض فيه. فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الممات، فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار، إلا الجنة أو النار.

اخبرنا الأخفش قال اخبرنا ثعلب قال اخبرنا ابن الأعرابي قال: روى عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على أمير المؤمنين رضي الله عنه فرأيت بين يديه ذهبا مصبوبا، فقلت: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذا يعسوب المنافقين. فقلت: وما معنى يعسوب المنافقين يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا يلوذ به المنافقون كمها يلوذ المؤمنون بي، فأنا يعسوب المؤمنين، وهو يعسوب المنافقين. قال ثعلب قال ابن الأعرابي: اليعسوب من الناس: السيد، واليعسوب: رئيس النحل إذا طار طارت معه، وإذا حط حطت. ويقال: هي النحل، والثّول، والدّبر، والخشرم، والخرشرم، والرسح، والدخا بتخفيف الخاء والقصر، واليعاسيب والنوب بمعنى واحد، وينشد: الطويل إذا لَسَعَتْهُ النَّحلُ لم يَرجُ لَسْعها ... وخالفها في بيت نُوبٍ عَواملِ الرجاء ها هنا: المخافة، ولذلك قال المفسرون في قوله تعالى: (ما لكم لا ترجون لله وقارا) أي لا تخافون له عظمة. اخبرنا أبو محمد عبد الله بن مالك الضرير قال اخبرنا الزبير قال: حدثني سليمان بن عياش السعدي من سعد العشيرة قال حدثتني جمال بنت عون بن مسلم عن أبيها عن جدها قال: خرجت ذات يوم فرأيت رجلا أسود كالليل معه امرأة بيضاء كاللبن، فدنوت منه ففغمتني رائحة المسك، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا الذي أقول: الطويل ألا ليت شعري ما الذي تحدثن لنا غدا غربة النأي المفرق والبعد لدى أم بكر حين تقترن النوى ... بنا ثم يخلو الكاشحون بها بعدى أتصرمني عند الذين هم العدى ... فشمتهم بي آم تدوم على العهد فصاحت به المرأة: لا والله بل ندوم على العهد. فسألت عنه فقيل: هذا نصيب، وهذه أم بكر. اخبرنا أبو القاسم الصائغ قال: حدثننا عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال: اخبرني السجستاني عن أبي عبيدة قال: لما احتضر قيس بن عاصم المنقري جمع بنيه فقال: يا بني احفظوا عني، فلا أحد أنصح لكم مني. إذا أنا مت فسودوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم فيحقر الناس كباركم فتهونوا جميعا عليهم. وعليكم بحفظ المال ففيه منبهة للكريم، ومغناة عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس فإنها آخر كسب الرجل. اخبرنا ابن مجاهد عن محمد بن الجهم قال: بلغني أن رجلا من خثعم قال: الكامل لو كنت اصعدُ في المكارم والعلا ... مثلَ التَهَبُّطِ كنتُ سيدَ خثعمِ فال: فساد قومه بعد مدة، فقيل له في ذلك، فأنشأ يقول: الكامل خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن العناء تفردي بالسؤدد اخبرنا الأخفش قال: كنت يوما بحضرة ثعلب فأسرعت القيام قبل انقضاء المجلس، فقال لي: إلى أين؟ ما أراك تصبر عن مجلس الخلدي؟ فقلت: لي حاجة. فقال: إني أراه يقدم البحتري على أبي تمام فإذا أنيته فقل له: ما معنى قول أبي تمام: الوافر أآلفة النحيب كم افتراق ... أظل فكان داعية اجتماع قال: فلمها صرت إلى المبرد سألته عنه فقال: معنى هذا إن المتحابين والعاشقين قد يتصارمان ويتهاجران إدلالا لا عزما على القطيعة، فإذا حان الرحيل وأحسا بالفراق تراجعا إلى الود وتلاقيا خوف الفراق، وأن يطول العهد بالالتقاء بعده فيكون الفراق حينئذ سببا للاجتماع كما قال الآخر: الخفيف متعا بالفراق يوم الفراق ... مستجيرين بالبكا والعناق كم أسرا هواهما حذر النا ... س وكم كاتما غليل اشتياق فأضل الفراق فيه فراق أتاهما باتفاق كيف أدعو على الفاق بحيف ... وغداة الفراق كان التلاقي قال: فلما عدوت إلى ثعلب في المجلس الآخر سألني عنه فأعدت عليه الجواب والأبيات فقال: ما أشد تمويه!، ما صنع شيئا إنما معنى البيت: إن الإنسان قد يفارق محبوبه رجاء أن يغنم في سفره فيعود إلى محبوبه مستغنيا عن التصرف فيطول اجتماعه معه. ألا تراه يقول في البيت الثاني: الوافر وليست فرحة الأوبات إلا ... لموقوف على ترح الوداع وهذا نظير قول الآخر بل منه أخذ أبو تمام: الطويل سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناي الدموع فتجمدا هذا هو ذلك بعينه. اخبرنا الأخفش قال حدثنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: دخلت على سعيد بن سلم وعنده الأصمعي ينشده قصيدة للعجاج حتى انتهى إلى قوله: الرجز

فإن تبدلت بآدي آدا ... لم يك يناد فأمسي انآدا فقد رآني أصل القعادا فقلت له: ما معنى القعاد؟ فقال: النساء. فقلت: هذا خطأ إنهما يقال في جمع النساء: القواعد كما قال الله تعالى: (والقواعد من النساء) . ويقال في جمع الرجال: القعاد كما يقال: راكب وركاب، وضارب وضراب فانقطع. وكان سبيله أن يحتج علي فيقول: قد يحمل بعض الجموع على بعض، فيحمل جمع المؤنث على المذكر، والمذكر على المؤنث عند الحاجة إلى ذلك كما قالوا في المذكر " هالك في الهوالك، وفارس وفوارس " فجمع كما يجمع المؤنث، وكما قال القطامي في المؤنث: البسيط أبصارُهُنَّ إلى الشبّان مائلة ... وقد أراهنّ عنّي غير صداد اخبرنا اليزيدي قال اخبرنا عمي الفضل بن محمد عن أبي محمد ابن المبارك اليزيدي قال: كنا ليلة ببلد مع المهدى في شهر رمضان قبل أن يستخلف بأربعة أشهر فتذكروا ليلة عنده النحو والعربية، وكنت متصلا بخالد ابن يزيد بن منصور، والكسائي مع ولد الحسن الحاجب، فبعث إلي والي الكسائي فصرت إلى الدار فإذا الكسائي بالباب قد سبقني فقال لي: أعوذ بالله من شرك يا أبا محمد، فقلت له: لا تؤتي من قبلي أو أوتي من قبلك. فلما دخلنا على المهدى أقبل علي فقال: كيف نسبوا إلى البحرين فقالوا بحراني، وإلى الحصنين فقالوا حصني، هلا قالوا حصناني كما قالوا بحراني؟ فقلت: أيها الأمير، لو قالوا في النسب إلى البحرين بحري لالتبس فلم يدر النسبة إلى البحرين وقعت أم إلى البحر؟ فزادوا ألفا للفرق بينهما، كما قالوا في النسب إلى الروح روحاني، ولم يكن لحصنين شيء يلتبس به فقالوا حصني على القياس. فسمعت الكسائي يقول لعمر بن نوح: لو سألني الأمير عنها لأجبته بأحسن من هذه العلة. فقلت: أصلح الله الأمير أن هذا يزعم أنك لو سألته لأجاب بأحسن مني. قال: فقد سألته فقال: أصلح الله الأمير كرهوا أن يقولوا حصاني فيجمعوا بين نونين ولم يكن في البحرين إلا نون واحدة، فقالوا بحراني لذلك. قلت: كيف تنسب إلى رجل من بني جنان إن لزممت قياسك؟ قلت: جني فجمعت بينه وبين المنسوب إلى الجن، وان قلت جناني رجعت عن نهيك وجمعت بين ثلاث نونات. ثم تفاوضنا الكلام إلى أن قلت له: كيف تقول: إن من خير القوم وأفضلهم أو خيرهم بتة زيد؟ فأطرق مفكرا وأطال الفكر، فقلت: أصلح الله الأمير لأن يجيب فيخطئ فيتعلم أحسمن من هذه المقالة. فقال: إن من خير القوم وأفضلهم أو خيرهم بتة زيدا. فقلت أخطأ أيها الأمير. قال: وكيف ترفعه قبل أن تأتي باسم أن ونصبه بعد الرفع وهو لا يجيزه أحد؟ فقات شيبة بن الوليد متعصبا له: لعله أراد بأو بل. فقلت: هذا لعمري معنى. فلقنه الكسائي فقال: ما أردت غيره. فقلت له: أخطأتما جميعا لأنه غير جائز أن من خير القوم وأفضلهم بل خيرهم زيدا. فقال المهدي يا كسائي ما مر بك مثل اليوم، قال: فكيف الصواب عندك؟ فقلت: أن من خير القوم وأفضلهم أو خيرهم بتة زيد، على معنى تكرير أن. فقال المهدي: قد اختلفتما وأنتما عدلان فمن يفصل بينكما؟ قلت: فصحاء الأعراب المطبوعون. فبعث إلى أبي المطوق فعملت أبياتا إلى أن يجيء. وكان المهدى يميل إلى أخواله من اليمن فقلت: المنسرح يا أيها السائلي لأخبره ... عمن بصنعاء من ذوى الحسب حمير ساداتها تقر بها ... أفضل طرا جماهر العرب فإن من خيرهم وأفضلهم ... أو خيرهم بتة أبو كرب فلما جاء أبو المطوق أنشدته الأبيات وسألته عن المسألة فوافقني: الخفيف عش بجد ولا يضرك نوك ... إنما عيش من ترى بالجدود عش بجد وكن هبنقة القيسي ... جهلا أو شيبة بن الوليد شيب يا شيب يا هني بني القعقاع ما أنت بالحليم الرشيد لا ولا فيك خصلة من خصال ... الخير أحرزتها بحلم وجود غير ما أنك المجيد لتحبير ... غناء بضرب دف وعود فعلى ذا وذاك تحتمل الدهر ... مجيدا به وغير مجيد

قال أبو القاسم: المسألة مبنية على الفساد للمغالطة. فأما جواب الكسائي فغير مرضي عند أحد، وجواب اليزيدي غير جائز عندنا لأنه اضمر أن وأعلمهما، وليس من قوتها أن تضمر فتعمل. فأما تكريرها فجائز، قد جاء في القرآن قال الله تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا أن الله يفصل له بينهم) . فجعل أن الثانية مع اسمها وخبرها خبرا عن الأولى. وقال الشاعر: البسيط إن الخليفة إن الله سربله ... سربال ملك به ترجى الخواتيم والصواب عندنا في المسألة أن يقال: أن من خير القوم وأفضلهم أو أو خيرهم البتة زيد، فيضمر اسم أن فيها ويستأنف ما بعدها. وذكر سيبويه: البتة مصدر لم تستعمله العرب إلا بالألف واللام وإن حذفهما منه خطأ. اخبرنا الزجاج قال اخبرنا المبرد قال حد ث المدائني عن العجلاني عن إسماعيل بن يسار قال: مات ابن لأرطاة بن سهية المرى فلزم قبره حولا يأتيه بالغداة فيقف عليه فيقول: أي عمرو هل أنت رائح معي أن أقمت عندك إلى العشي، ثم يأتيه بالمساء فيقول مثل ذلك، فلما كان بعد الحول أنشأ يقول: الطويل إلى إلحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر ثم أنصرف عن قبره وأنشأ يقول: الطويل وقفت على قبر ليلى فلم يكن ... وقوفي عليه غير مبكي وجزع هل أنت ابن ليلى إن نظرتك رائج ... مع الركب أوغاد غدا تئذ معي فلو كان لبي حاضري ما أصابني ... سهو على قبر بأكناف أجرع فما كنت إلا والها بعد فقدها ... على فقدها إثر الحنين المرجع إذا لم تجده تنصرف لطياتها ... من الأرض أو تأتي لألف فترتعي على الدهر فاعتب انه غير معتبوفي غير من قد وارت الأرض فاطمع اخبرنا الأخفش قال أخبرنا المبرد عن المازني عن الأصمعي قال: كان خلف إذا آوى إلى فراشه لا يضطجع حتى ينشد: البسيط لا يبرح المرء يستقرى مضاجعه ... حتى يبيت بأقصاهن مضطجعا وليس ينفك يستصفي مشاربه ... حتى يجرع من رنق البلا جرعا فامنع جفونك طول الليل رقدتها ... واقرع حشاك لذيذ الري والشبعا واستشعر البر والتقوى تعد بها ... حتى تنال بهن الفوز والرفعا اخبرنا ابن الأنباري قال أخبرني الختلي عن الأصمعي قال الخليل: نظرت في علم النجوم فهجمت منه على ما لزمني تركه. وأنشأ يقول: الخفيف بلغا عني المنجم أني ... كافر بالذي قضته الكواكب عالم أن ما يكون وما كا ... ن قضاء من المهيمن واجب قال أبو القاسم: المهيمن: الأمين، ويقول أهل اللغة إن الهاء فيه بدل من الهمزة، وينشد للعباس بن عبد المطلب بمدح النبي صلى الله عليه وسلم: المنسرح من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق ثم هبطت البلاد لا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسرا وأهله الغرق تنقل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم بدا طبق حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خندف علياء تحتها النطف وأنت لما ولدت أشرقت الأر ... ض وضاءت بنورك الأفق ونحن في ذلك الضياء وفي ... سبل الهدى والرشاد نخترق أنشدنا الأخفش عن ثعلب: الكامل وعلى قدام حملت شكة حازم ... في الروع ليس فؤاده بمثقل أما إذا استقبلتها فتخالها ... كالجذع شذ به نقي المنجل أما إذا استعرضتها فمطارة ... تنفي سنابكها رصيص الجندل ما إذا استدبرتها فنبيلة ... نهد مكان حزامها والمركل وإذا وصفت وصفت جوز جرادة ... وإذا ملكت عنانها لم تفشل وكان حيري المزاد مؤكرا ... يعلى به كفل شديد الموصل فاعتامهها بصري لعلمي أنها ... عدوا ستقبل في الرعيل الأول

أخبرنا ابن دريد قال حدثنا السجستاني عن الأصمعي عن أبي عمرو بان العلاء قال: قيل لرجل من بني بكر بن وائل قد كبر حتى ذهب منه لذة المأكل والمشرب والنكاح: أتحب أن تموت؟ قال: لا، قيل: فما بقي من لذاتك في الدنيا؟ شال: اسمع العجائب، وأنشأ يقول: الطويل وهلك الفتى أن لا يراح إلى الندى ... وأن لا يرى شيئا عجيبا فيعجبا معنى يراح: يرتاح، ومعنى الكلام: وأن لا يعجب إذا رأى العجب. اخبرنا ابن دريد قال: حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال قال رؤبة في نعت خيل وأخطأ، قال في وصف القوائم: الرجز بأربع لا يعتلقن العفقا ... يهوين مثنى ويقعن وفقها فقال له سلم: هذا خطأ، هذا يضير أتجعله يضرج برجله ويسبح بيده كما قال أبو النجم: الرجز يضرج أخراه ويقفو أوله فقال: أي بني أنت أعلم مني بالخيل، ولكن أدنني من ذنب هذا البعير. قال الأصمعي: فأدني منه فلم يصنع شيئا. اخبرنا الأخفش عن ثعلب عن ابن شبة قال: روي عن هشام بن عروة أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق دخل دمشق في الجاهلية فرأى جارية كأنها مهرة عربية حولها جوار يفدينها ويحلفن برأسها ويقلن: لا وحق ابنة الجودى. فوقعت بقلبه، فانصرف عنها وأنشأ: الطويل تذكر ليلى والسماوة دونها ... وما لابنة الجودي ليلى وماليا وكيف تعني قلبه حارثيه ... تدمن بصري أو تحل الجوابيا وكيف يلاقيها، بلى ولعلها ... إن الناس وافوا موسما أن توافيا قال: فما زال يشبب بها، فلما كان في خلافة عمر وأرسل إلى الشام قال لهم: أن اقتحمتم دمشق فانفوا ابنة الجودي إلى ابن أبي بكر، فأعطيها فآثرها على نسائه حتى شكونه إلى عائشة رضي الله عنها فعاتبته على ذلك وقالت له: إن لنسائك عليك حقا. فقال: كأنما اترشف برضابها حبة رمان. حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قال: حدثنا أبي عن احمد بن الحارث عن المدائني قال: كان عمر بن عبد العزيز يقول: إذا كان يوم القيامة ووافينا الروم بقياصرتها والفرس بأكاسرتها جئنا بالحجاج فكان عدلا لهم. اخبرنا ابن شقير احمد بن الحسين قال اخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال لقع فلان فلانا بعينه، وزلقه، وأزلقه، وشقذه، وشوهه: كل ذلك إذا أصابه بعينه. ويقول الرجل لصاحبه إذا أجاد في عمل: لا تشوه علي: أي لا تقل لي أجدت فتصيبني بعينك. ويقال: رجل ومعيون: إذا كان به عين. ويقال: رجل شائه وشاه، ومشوه، وشقذ، وشقذان: إذا كان شديد الإصابة بالعين. قال: وكان معاوية وابن الزبير يتسايران فأبصرا راكبا من بعيد فقال معاوية: هو فلان، وقال ابن الزبير: هو فلان، فلما تبيناه كان الذي قاله ابن الزبير، فقال معاوية: يا أبا بكر ما أحسن هذه الحدة مع الكبر؟ فقال: برك يا أمير المؤمنين. فقال: برّ ك يا أمير المؤمنين. فقال: برك يا أمير المؤمنين. فسكت فقال الثالثة، فسكتُ وضحك، فقال ابن الزبير: ما أحسن هذه الثنايا وأظرف هذا الوجه مع طول العمر وكثرة الهموم. ثم افترقا فاشتكى ابن الزبير عينيه حتى اشرف على ذهابهما، وسقطت ثنايا معاوية، فالتقيا في الحول الثاني فقال له: يا أبا بكر أنا أشوى منك: أي اكبر حظا منك في الإصابة بالعين. وأنا أقل ضررا منك. قال ثعلب: هو من قولهم رماه: إذا لم يصب مقتله. اخبرنا ابن اللأنباري عن أبيه عن بعض شيوخه عن محمد بن حازم وكان شاعرا ظريفا قال: دعانا بشار بن برد وكان عنده جاريتان تغنيان، وكان في المجلس منا يعبث بهما ويمد يده إليهما، فأنفت له من ذلك فكتبت إليه من الغد: الخفيف اتق الله أنت شاعر قيس ... لا تكن وصمة على الشعراء إن إخوانك المقيمين بالأمس أتوا للزناء لا للغناء أنت أعمى وللزناة هنات ... منكرات تخفى على البصراء هبك تستبهر الحديث فما علمك فيه بالغمز والإيماء والإشارات بالعيون وبالأيدي وأخذ الميعاد للالتقاء قطعوا أمرهم وأنت حمار ... موقر من بلادة وغباء قال: فأدخلهما السوق فباعها. ة شال: اخبرنا أبو عيسى محمد بن احمد بن قطن السمسار العجلي قال اخبرنا أبو جعفر بن أبي شيبة قال: رأيت ابن أبي العتاهية في المقابر قائما وهو يقول: الكامل

أهل القبور أتيتكم أتجسس ... فإذا جماعتكم أصم أخرس إن امرءا ذكر المعاد مخافة ... لأحظ ممن لم يخفه وأكيس يا أيها الرجل الحريص أما ترى ... أعلام عمرك كل يوم تدرس بك لا أبالك مذ خلقت موكلا ... ملك يعد عليك ما تتنفس فإذا انقضى الأجل الذي أجلته ... ومضى فمالك بعد ذلك محبس قال أبو عيسى: سمعت شيوخنا يقولون: إن ابن آدم يتنفس في كل يوم وليلة أربعة وعشرين ألف نفس في كل ساعة ألف نفس فيكون خروج روحه مع آخر نفس قدر له. اخبرنا نفطويه قال حدثنا إسحاق بن الحسين بن ميمون أبو يعقوب الحربي قال حدثنا الحسين بن محمد عن شيبان عن قتادة في قوله تعالى: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات..... الآية) قال: افترق القوم في أديانهم عند الممات وعند المصير. وقال قتادة: (أو يأخذهم على تخوف) قال: على تنقص. قال أبو القاسم: وأصحابنا يقولون: إن الأخفش سعيد بن مسعدة كان ينشد لهذا الحرف: البسيط تَخَوَّفَ السيرُ منها تامكاً فًرٍدا ... كما تَخَوَّفَ عودَ النبعةِ السَّفَنُ وعلى هذا التأويل أهل اللغة والمفسرون إلا ما روى عن الضحاك فإنه كان يقول: تأويله أنه يبلي قومها فيخوف بهم آخرين. اخبرنا ابن شقير النحوي والأخفش قالا اخبرنا ثعلب قال: اجتمع الكسائي الأصمعي بحضرة الرشيد وكانا ملازمين له يقيمان بإقامته ويظعنان بظعنه، فأنشد الكسائي: البسيط أنى جزوا عامرا سوأى بفعلهم ... أم كيف يجزونني السوأى من الحسن أم كيفَ ينفعُ ما تُعطي العَلوقُ بِهِ ... رِئْمانَ أنْفٍ إذا ما ضُنَّ باللَّبَنِ فقال الأصمعي: إنما هو رئمان بالنصب، فقال له الكسائي: اسكت ما أنت وهذا يجوز رئمانُ ورئمانَ ورئمانِ أنفه بالرفع والنصب والخفض. أما الرفع فعلى الرد على ما لأنها في موضع رفع بينفع فيصير التقدير: أم كيف ينفع رئمان انف. والنصب بتعطي، والخفض على الرد على الهاء التي في به. قال: فسكت الأصمعي ولم يكن له علم بالعربية وإنما كان صاحب لغة. ومعنى هذا البيت: انه مثل يضرب لمن يعدك بلسانه كل جميل ولا يفعل منه شيئا لأن قلبه منطو على ضده. كأنه قيل له: كيف ينفعني قولك الجميل إذا كنت لا تفي به. وأصله أن العلوق هي الناقة التي تفقد ولدها بنحر أو بموت فيسلخ جلده ويحشى تبنا أو حشيشا ويقدم إليها لترأمه أفي تعطف عليه ويدر لبنها فينتفع بها، فهي تنتش بأنفها وينكره قلبها، فتعطف عليه ولا ترسل اللبن. شبن هذا بذاك. اخبرنا ابن دريد عن العكلي عن أبي عبيدة قال: أجتاز الاسكندر بمدينة قد ملكها سبعة أملاك بادوا كلهم ونسلهم فسأل: هل بقي من نسلهم أحد؟ قالوا: رجل واحد يأوى إلى المقابر، فأحضره فقال: ما حملك على ملازمة القبور؟ قال: أردت إن أعزل عظام الملوك عن عظام عبيدهم فوجدتها سواء. قال: هل لك إن تتبعني فأحيي بك شرف أيامك إن كانت لك همة؟ قال: إن همتي لكبيرة إن كان عندك بغيتي؟ قال: وما بغيتك؟ قال: حياة لا موت معها، وشباب لا هرم معه، وسرور بني بغير مكروه ولا يخاف معه فقر. قال: ما ذاك إلي. قال: فامض لشأنك ودعني أطلبه. فقال الاسكندر: هذا أحكم من رأيت. اخبرنا ابن رستم الطبري قال: حضرت مجلس المازني وقد قيل له:

لم قلت روايتك عن الأصمعي؟ قال: رميت عنده بالقدر والميل إلى مذاهب أهل الاعتزال فجئته يوما وهو في مجلسه فقال: ما تقول في قول الله عز وجل (انا كل شيء خلقناه بقدر) فقلت: سيبويه يذهب إلى إن الرفع فيه أقوى من النصب في العربية لاشتغال الفعل بالمضمر وانه ليس ههنا شيء هو بالفعل أولى، ولكن أبت عامة القراء إلا النصب فنحن نقروها لذلك اتباعا لان القراءة سنة. فقال لي: فما الفرق بين الرفع والنصب في المعنى؟ فعلمت مراده فخشيت إن يغرى بي النامة فقلت: الرفع الابتداء والنحب بإضمار فعل، وتعاميت عليه فقال: حدثني أصحابنا إن الفرزدق خال يوما لأصحابه: قوموا بنا إلى مجلس الحسن البصري فإني أريد إن أطلق النوار واشهده على نفسي. فقالوا: لا تفعل فلعل نفسك تتبعها وتندم. قال: لابد من ذلك، فمضوا معه فلما وقف على الحسن قال: يا أبا سعيد تعلمن إن النوار طالق ثلاثا. قال قد سمعت، فتبعتها نفسه بعد ذلك وندم وأنشأ يقول: الوافر ندمت ندامة الكسعي لما ... غدت مني مطلقة نوار وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضرار ولو إني ملكت يدي ونفسي ... لكان علي للقدر الخيار ثم قال: والعرب تقول: لو خيرت لاخترت تحتمل على القدر وينشدون: الرجز هي المقادير فلمني أو فذر ... إن كنت أخطأت فلم يخط القدر ثم طبق نعليه وقات: انتم القناع للقدري، فأقللت غشيانه. أنشدنا الأخفش قال أنشدنا ثعلب: الرمل وكما أشياء نشريها بمال ... فإن نفقت فأكسد ما تكون قال: يعني الخيل، ونشريها: نبتاعها، ونفقت: ماتت. اخبرنا اليزيدي قال أنشدنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه: الكامل قالوا تعز فسست فلست نائلها ... حتى تمر حلاوة التمر لسنا من المتأزمين إذا ... فرخ اللموس بثابت الفقر يقول: لست تنالها حتى يكون ما لا يكون. يقال: أمر الشيء يمر فهو ممر، ومر مرارة فهو مر. والمتأزمون: المتذللون لصعوبة السنة. واللموس إذا لمس نسبه وجد فيه ضعف فهو يفرح بصعوبة الزمان يرغب فينكح إلى من هو أشرف منه فيقول: لسنا ممن يفعل هذا ويتصنع بشدة الزمان. أنشدنا الزجاج قال أنشدنا المبرد العباس بن الأحنف: الكامل يا من يكاتبني فغير قلبه ... سأكف نفسي قبل أن يتبرما سأصد عنك وفي يدي بقية ... من حبل وصلك قبل أن يتصرما يا للرجاء كعاشقين توافقا ... فتخاطبنا من غير أن يتكلما حتى إذا خافا العيون وأشفقا ... جعلا الإشارة بالأنامل سلما أخبرنا ابن دريد قال اخبرنا أبو حاتم قال اخبرنا أبو عبيدة عن يونس ابن حبيب قال: قتل مصعب بن الزبير نابئ بن ظبيان أحد بني عايش ابن مالك بن قيس بن ثعلبة، وكان أخوه عبيد الله فاتكأ شريرا فنذر ليقتلن به مائة من قريش، فقتل ثمانين ثم قتل مصعبا فأتى برأسه عبد الملك، فلما نظر إليه عبد الملك سجد فهم أن يفتك به ثم أرتد عنه وأنشأ: الطويل هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على مروان تبكي حلائله وقال أيضا: الطويل يرى مصعب إني تناسيت ما بيا ... وليس لعمر الله ما ظن مصعب فو الله لا أنساه ما مر طارق ... وما لاح في داج الليل كوكب وثبت عليه ظالما فقتلته ... فقطرك مني يوم شر عصبصب قتلت به من حي فهر بن مالك ... ثمانين منهم ناشبون وأشهب وكفي لهم رهن بعشرين أو يرى ... علي مع الأصباح نوح مسلب أأرفع رأسي وسط بكر بن وائل ... ولم أرو سيفي من دم يتصبب ثم ضاقت به البصرة فهرب إلى عمان فاستجار بسليمان بن سعيد بن الصمر بن سعيد بن الجُلنُدي فلما اخبر بفتكه خشية وتذمم إن يقتله علانية فبعث إليه بنصف بطيخة قد سمها وكان يعجبه البطيخ فقال له: هذا أول شيء رأيناه من البطيخ، وقد أكلت نصفها، وأهديت إليك بنصفها. فلما أكله أحس بالموت، ثم دخل عليه سليمان يعوده فقال: أيها الأمير ادن مني أسر إليك قولا، فقال له: قل ما بدا لك. قال: عليك لعمان أذن واعية، ويروى راعية، فمات بها.

اخبرنا أبو القاسم الزجاجي النوح جمع نائحة وهو مصدر ينيح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد كما يقال: قوم رضي وعدل وصوم، ونسوة رضي وصوم وعدل، والسلب: اللائي لبسن السلابة وهو السواد، فأخرج فعله على التوكيد حملا على لفظ نوح، قال الشاعر: الكامل هل تخمشن ابلي علي وجوهها ... أم تعصبن رؤوسها بسلاب اخبرنا الأخفش ضال اخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال: لعبت ولعبت لغتان، ويقال عبثت أعبث مات العبث مثل علمت اعلم، وعبثت أعبث من العبيثة وهو ضرب من الأقط يعني اللبن. قال: ويقال: شرط الحجام يشرط، وأشرط، وفي غيره يشرط لا غير. قال: والقد: القطع طولا، والقط: القطع عرضا، ويروى عن علي رضي الله عنه إنه كان إذا علا رجلا قدره وإذا اعترضه قطه اخبرنا، الأخفش عن ثعلب عن الرياشي عن الأصمعي قال: أغربة العرب ثلاثة، خفاف بن ندبة السلمي، وندبة أمه وكانت أمه سودا حبشية من بني الحارث بن كعب وأبوه عمير بن الحارث بن عمرو بن الشريد، وسُليَك بن السُّلَكَة أمه، وأبوه يثربي بن سيار، وعنترة بن معاويه العبسي. قال: ولم أرو شعرا أرق من قول خفاف: الطويل فما طرقت أسماء من غير مطرق ... وإنى إذا حلت بنجران نلتقي ببوح وما بالي ببوح وبالها ... ومن يلق يوما حيرة الحب يخفق حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي قال حدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب الطوسي قال حدثنا سعيد بن محمد الوراق عن بسام بن عكرمة عن ابن عباس قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبن الجلالة وعن مهر البغي وعن ثمن الكلب. قال أبو القاسم: الجلالة: الإبل التي تأكل العذرة، " وأصل الجلالة البعر، يقال: خرج الإماء يجتللن، البغاء: الفاجرة، والبغاء: الزنا، قال الله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) والبغي في غير هذه الآية الأمة، والبغية: الربيئة وهو الطليعة للقوم. وأنشد الأصمعي: الطويل وكان وراء القوم منهم بغية ... فأوفى يفاعا من بعيد فبشرا حدثنا إسماعيل الوراق قال حدثنا الحسين بن محمد قال حدثنا شامة بن سوار قال حدثنا فرأت بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال: كان أول من دخل على عمر حين أصيب علي وابن عباس رضي الله عنهما، فلما نظر إليه ابن عباس بكى وقال: أبشر بالجنة يا أمير المؤمنين، قال أشاهد لي بذلك؟ فكأنه كع فضرب علي وقال: أجل أشهد له وأنا على ذلك من الشاهدين. فقال عمر: كيف؟ فقال ابن عباس: كان إسلامك عزا، وولايتك عدلا، وميتتك شهادة. فقال: لا والله لا تعزني من ربي وديني - أو قال ديني، شك الزعفراني ثكلت عمر أمه أن لم يغفر له ربه. يقال: كع عن الأمر فهو كاع: إذا تلكأ عنه جبنا وفرقا، وأما العكّ فشدة الحر. يقال: يوم عك وعكيك، وأك وأكيك: إذا كان شديد الحر. والعكوّك من الرجال: القصير المقتدر الخلق. والعكنكع: ذكر السعالي، وانشد الخليل: مشطور الرجز غُولٌ تُنازي شَرِشاً عَكَنْكَعَا اخبرنا نفطويه عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال للعمامة: هي العمامة، والمشوذ، والسب، والمقطعة، والعصابة، والعصاب، والتاج، والاقتعاظ وهو أن يتعمم الرجل ولا يتحنك. وفي الحديث نهى عن الاقتعاظ وأمر بالتلحي وذكر أيضا أنه قال: جاء الرجل متختما أي متعمما، وما أحسن تخمنه أي تعممه. وهذا حرف لم يحكه غير ابن الأعرابي. أنشدنا الأخفش قال أنشدنا المبرد: مجزوء الكامل المرءُ يأملُ إن يعيشَ وطولُ عيشٍ ما يضرهُ تَفنى بَشاشَتُه ويَبقَى بعدَ حَلوِ العيشُُ مرَّهْ وتخونُهُ الأيامُ حتى لا يَرى شيئا يَسُرّه كم شامتٍ بي إن هلكت وقائلٍ لله دَره اخبرنا الأخفش قال اخبرنا ثعلب قال أخبرنا الرياشي قال اخبرنا عبد القاهر بن السري قال: أصاب قتيبة بن مسلم قميصا منسوجا باللؤلؤ فبعث به إلى الحجاج فبعث به إلى الوليد، ثم تتبعته نفس الحجاج فكتب إلى قتيبة: أما بعد فإنا كنا أنفذنا ما أنفذته إلينا إلى الوليد وما أحسبك إلا وقد احتبست قبلك منه لنسائك وبناتك فآثرنا بما قبلك منه فكتب إليه " لأن آكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به أحب إلي من إن أدخر عنك علقا " فكتب إليه: ذاك الظن بك.

اخبرنا نفطويه قال حدثنا إسحاق بن محمد قال حدثنا الحسن بن محمد عن شيبان عن قتادة في قول الله عز وجل وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيدكم ويعفو عن كثير قال: ذكر لنا إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: وما يصيب ابن آدم خدش من عود، ولا عثرة رجل، ولا اختلاج عرق، إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر. وبإسناده عن قتادة (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها ... الآية) قال: هذا مثل ضربه الله لمن نكث عهده. يقول: لو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه أما كنتم تقولون: ما أحمق هذه؟. والذي يذهب إليه غير قتادة أنهم نهوا عن الكفر بعد الإسلام لئلا يكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد إبرامه. وواحد الإنكاث نكث: وهو ما نقض من الأخبية والأكسية ليغزل ثانية ويعاد مع الجديد. اخبرنا نفطويه قال حدثنا إسحاق بن محمد عن الحسن عن محمد عن شيبان قال عن قتادة في قول الله تعالى (لعلك باخعٌ نَفْسَكَ) قال: قاتل نفسك. قال نفطويه قال ثعلب: يقال: بخع فلان فلانا: إذا قتله، ويخع به: إذا بالغ في ذمه، ويخع فلان وجثع: إذا ذل واستخذى وينشد لذي الرمة: الطويل ألا ايّهذا الباخِعُ الوَجْدَ نَفسَه ... لشيء نَحتْهُ عن يَدَيْهِ المَقَادِرُ أخبرنا أبو محمد عبد الله بن مالط النحوي الضرير قال أخبرني ثعلب عن عمر بن شبة قال: كان لمعاوية بن أبي سفيان عين ببلاد الروم، قال: فكتب إليه: إن هذا الطاغية قال في مجلسه إن هذا أوان استأصل فيه العرب لأنها قد اختلفت. فكتب إليه معاوية كتابا يحلف له فيه ويقول: لئن عزمت على ما أظهرته في مجلسك لأصالحن صاحبي ولأصيرن مقدمته إليك فانزل قسطنطينية الجرامقة ولأردنك أرلسيا كما كنت ترعى الخنانيص..فكتب إليه ملك الروم يحلف له فيه بالبراءة من المعمودية والدخول في الحنيفية ما هم بهذا ولا تكلم، وأهدى إليه هدايا كثيرة أكثرها اليُزبون. بضم الياء، وكسرها خطأ. وحكى عن ثعلب انه قال: الارلس: الاكادر، أنا احسبها غير عربية ولعلها بلغة القوم. والخنانيص: أولاد الخنازير واحدها خنوص. اخبرنا الأخفش قال اخبرنا المبرد عن المازني عن الأصمعي قال: كانت بثينه تكنى أم عبد الملك كان شهرة جميل بها وصبابتها به وتفاقم أمرهم تواعده أهلها وتهددوه وحلفوا إنهم إن ظفروا به قتلوه فقال في ذلك الرجز يا أم عبد الملك اصرميني ... فبيني صرمي أوصلني إن بني عمك أوعدوني ... أن يقتلوني ثم لا يدوني أما ورب البيت لو لقوني ... شفعا ووترا لتواكاوني قد علم الأعداء أن دوني ... ضربا كإيزاع المخاض الجون ثم خرج إلى مصر وبها مات، فلما حضرته الوفاة أنشأ يقول: الكامل بكر النعي وما كنى بجميل ... وثوى بمصر ثواء غير قفول قومي بثينة فاندبي بعويل ... وابكي خليلك دون كل خليل ولقد اجر البرد في وادي القرى ... نشوان بين مزارع ونخيل فلما بلغت هذه الأبيات بثينة قالت بيتين ولم تكن قالت قبلهما قط ولا بعدهما شعرا غيرهما، وهما: الطويل سواء علينا يا جميل بن معمر ... إذا مت بأساء الحياة ولينها وان سكوتي عن جميل لساعة ... من الدهر ما جاءت ولا حان حينها أنشدنا الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابي: الوافر أباكية رزئت إن أتاها ... نعي أم يكون لها اصطبار إذا ما أهل ود ودعوني ... وراحوا والأكف بها غبار دعوه واعظمي في لحد قبر ... تعاوره الجنائب والقطار تهب الريح حول محط قبرى ... ويرعى حوله اللهق النوار أزال النأي لا الهجران حولا ... وحولا ثم تجتمع الديار اللهق النوار: الوحشي الأبيض، يقال للشيء الأبيض: هي لهق ولهواق ولهاق. قال: فإذا اشتد بياض الإنسان حتى كأنه ابرص قيل: هو أمقه وامهق. وأنشدنا نفطويه لذي الرقة: الوافر إذا خفقت بأمهق صحصحان ... رؤوس القوم والتزموا الرحيلا قال: والأمقه: الأرض البيضاء الشديدة البياض لا نبات بها.

اخبرنا الأخفش عن ثعلب قال اخبرنا الرياشي قال. اخبرنا أبو عمرو الرازي عن أبي سهل عن محمد بن سالم قال: أتي بيحيى بن يعمر يوسف في قيوده إلى الحجاج فقال له: أأنت الذي تزعم أن الحسن والحسين ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأتينيّ بها من كتاب الله أو لأقطعن يديك ورجليك. فقال: لآتينك بها من كناب الله تعالى. ثم قرأ (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزى المحسنين. وزكريا ويحيى وعيسى) . فجعل عيسى من ذريته ولا أب له. أنشدنا عبد العزيز بن علي بن المنتصر قال أنشدني عبد الله بن المعتز لنفسه: الكامل قلبي يتيه بحسن صورته ... حيث السقام بلحظ مقلته وكأن عقرب صدغه وقفت ... لما دنت من نار وجنته اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا أبو حاتم وعبد الرحمن بن أخي الأصمعي جميعا عن الأصمعي قال: كنت في سفر فوقف علينا في بعض المنازل غلام فقال: أيكم رجل من أهل البصرة؟ قلنا له: ما تريد منه؟ فقال: إن مولاي لما به وهو يريد أن يوصي اليه، فقمت معه فإذا بالعباس بن الأحف. يجود بنفسه وقد ألقى بنفسه على طين مبلول فجلست عند رأسه فرفع طرفه إليّ فلما تبيّنني أنشأ يقول: المديد يا بعيد الدار عن وطنه ... مفردا يبكي على شجنه كلّما جدّ النجاء به جدت الأسقام في بدنه ثم أغمي عليه فما أفاق إلا بصوت قمرية على غصن شجرة بالقرب منه فأنشد يقول: المديد ولقد زاد الفؤاد شجي ... صوت قمريّ على فننه شّفه ما شفّني فبكا ... كلنا يبكي على سكنه ثم قضي فتوليتّ جهازه. أنشدنا الزجاج عن المبرد: الطويل فبتنا فويق الحي لا نحن منهم ... ولم نحن بالأعداء مختلطان وبتنا يقينا ساقط الطل والندى ... من الليل بردا عينه قطران نفدى بذكر الله في ذات بيته ... إذا كأن قلبا تائها بجنان ونصدر عن زي العفاف وربما ... نقعنا غليل الشوق بالرشفان قال أبو العباس: اخذ معاني هذه الأبيات من قول أمرىء القيس. بعثت إليها والنجوم ضواجع ... حذارا عليها أن تقوم فتسمعا فجاءت قطوف المشي هائبة السّرى ... يدافع ركناها كواعب أربعا يزجّينها مشي النزيف وقد جرى ... صباب الكرى في مخهّا فتقطعا تقول وشد جرّدتها من ثيابها ... كتما رعت مكحول المدامع أتلعا وجدّك لو شيء أتانا رسوله ... سواك ولكن لم نجد لك مدفعا أذن لرددناه ولو طال مكثه ... لدينا ولكّنا بحبّك ولّعا فبتناّ نصدّ الوحش عناّ كأننا ... قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا إذا أخذتها هزّة الرّوع أمسكت ... بمنكب مقدام على الهول أروعا اخبرنا أبو عبد الله اليزيدي قال: اخبرنا اليزيدي عن الأصمعي عن عبد الله بن رؤبة بن العجاج عن أبيه عن جده قال: أنشدت أبا هريرة قصيدتي التي أولها: الرجز الحمد لله الذي استقلت ... بإذنه السماء واطمأنت بإذنه الأرض فما تعنت ... ومدّها بالراسيات الثبّت وحي لها الفرار فاستقرت حتى أتيت على أخرها فقال: أشهد أنك لمؤمن. اخبرنا أبو عبد الله الأخفش واليزيدي قالا: حدثنا ثعلب عن الرياشي عن الأصمعي قال: حدثني نافع بن أبي نعيم قال قال الحجاج بن يوسف لنافع بن جبير: اضرب عنق هذا لرجل كأن بين يديه. فقال:، أن يدي طبقة. قال: فاخرج عنا، فخرج فاتبعه رسول بمائتي دينار فقال: يقول لك الأمير استعن بهذا في سفرك. قال الأصمعي يقال: يد طَبقِةٌ وطبقه: إذا كانت لاصقة بالجيب لا تبطش. اخبرنا ابن دريد قال حدثنا ابن معاذ خلف بن احمر عن دماذ بن رفيع عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: ورد يزيد بن الحكم الثقفي من الطائف على الحجاج بالعراق وكان شريفا شاعرا فولاّ هـ فارس، فلما جاء لأخذ عهده قال له: يا يزيد أنشدنا من شعرك فأنشأ يقول: الوافر ومن يك سائلا عني فأني ... أنا ابن الصيد من سلفي ثقيف وفي وسط البطاح محل بيتي ... محل الليث من وسط الغريف

وفي كعب ومن كالحي كعب ... حللت ذؤابة المجد المنيف هويت فخارها غورا ونجدا ... وذلك منتهى شرف الشريف نماني كل أصيد لا ضعيف ... لحمل المعضلات ولا عنيف فوجم الحجاج وأطرق ساعة ثم رفع رأسه فقال: الحمد لله احمده واشكره إذ لم يأت زمان الاوفينا أشعر العرب، ثم قال: أنشدنا يا يزيد، فأنشأ يقول: الكامل وأبي الذي فتح البلاد بسيفه ... فأذلهّا لبني الزمان الغابرة وأبي الذي سلب ابن كسرى راية ... في الملك تخفق كالعقاب الطائر وإذا فخرت فخرت غير مكذب ... فخرا أدقّ يه فخار الفاخر فقام الحجاج مغضبا ودخل القصر وأنصرف يزيد والعهد في يده فقال الحجاج لخادمه: اتبعه وقل له: اردد علينا عهدنا فإذا أخذته فقل له: أورثك أبوك مثل هذا؟ ففعل الخادم وأبلغه الرسالة، فردّ عليه العهد وقال: قل للحجاج: أورثني أبي مجده وفعالة، وأورثك أبوك اعنزا بالطائف ترعاها. ثم سمار تحت الليل فلحق بسليمان وهو وليّ العهد فضمهّ إليه وجعله في خاصته فقال يمدح سليمان: البسيط أن تمش عني الغواني وهي معرضة ... فقد تراهن صورا نحونا صيدا وأن تكن قد ذهلنا عن مواعدها ... فقد يكون لنا ميعادها عيدا قد نلتقي كلنا لاه بصاحبه ... ولا نخاف من العذّال تفنيدا قل للشباب إذا ما الشيب اطرده ... لا تبعدّن طريد الشيب مطرودا من صاحب الشيب قالاه وجرّ له ... للأيد صفعا وللرجلين تقييدا يا أرفض الناس للدنيا ولذتها ... أشدهم زهدا فيها وتزهيدا فأن يك الناس أمسوا كاسدين فقد ... أضحى لديك التقى والبر موجودا أن يحسدوك فكم من صالح حسدوا ... هذا نبي الهدى قد كأن محسودا عض الأخابث من عاداك من كلبوالصخر والصلب الصم الصياحيدا سمّيت اسم امرئ أشبهت شيمتهعدلا وفضلا سليمان بن داودا احمد به كأن في الماضين من ملك ... وأنت أصبحت في الباقين محمودا قال أبو القاسم: الغريف: الأجمة وكذلك الغابة، والخيس والقبيل والغراف: شجر يدبغ به، والمعضلات: جمع معضلة وهي شدائد الأمور. ومنه عضلت المرأة: إذا نشب ولدها عند الولادة ولم يخرج، وعضل الرجل ابنته: إذا منعها من التزويج، والعضال: الداء الشديد المعدوم الدواء. والمنيف: المشرف، والعنيف: خلاف الرقيق، وقوله: تراهن صورا نحونا: هو جمع أصور وصورا: أي عواطف خونا من قولك صرفت الشيء: إذا عطفته وأملته. والصيد: جمع أصيد وصيداء وهما المائلان عنقيهما كبرا وأصله من الصيد: وهو داء في عنق البعير يميله إلى جانب. والأخاشب: جمع أخشب وهو الحبل الغليظ والصلب: حجارة المسن. أنشدنا الأخفش لابن المعتز: الخفيف ساحر المقلتين أظهر صدّا ... صاغه الله في الملاحة فردا حببن نادى بكسر جفنيه قلبي ... لم تجدّ من فراقه النفس بدّا رحم الله من بكى مستهاما ... ليس يقضي لقلبه أن يردّا يقطع الليل النحيب على من ... أنبت الحسن فوق خديه وردا وأنشدنا ابن الأنباري لابن المعتز: البسيط لا أرّق الله من أهدى لي الأرقا ... وأودع القلب نار الحب فاحترقا بدر تعرض لي عمدا ليقتلني ... تذب أنواره عن وجهه الغسقا تتفاوت فيه من فرق إلى قدم ... محاسن بدع تستوقف الحدقا فكم تحيرّ من عقل ومن نظر ... فيه وكم تاه من قلب وكم خفقا يا مورث السقم جسمي بعد صحته ... عجل سراحي وإلا فالحق الرمقا لم يترك الشوق مذ غيبتّ عن بصري ... تخلقا لي في صبر ولا خلقا ومحق الخلق وعدا كنت آمله ... وسد يأسي على آمالي الطرقا ما كنت أول عبد رافع يده ... مسترزق عطف مولاه فما رزقا أني لأحسد كأسا حين يلثمها ... حتى يبيت سخين السيف معتنقا

مسألة في القرآن

مزججا كمه في مشية عبثا ... لا يتقي في دمه غيظا ولا حنقا أدار في خده صدغا يزرفنه ... وقد كسبا جيبه من شعره حلقا مسألة في القرآن قوله عز وجل: (ثم لننزعّن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيّا) فيها ستة أقوال، ثلاثة للبصربين وثلاثة للكوفيين، قال سيبويه: أيهم ههنا بتأويل، الذي وهو في موضع نصب بوقوع النزع عليه ولكنه بني على الضم لأنه وصل باسم واحد، ولو وصل بجملة لأعرب، وأشد خبر ابتداء مضمر تقديره هو أشد، وعتيا منصوب على التمييز ولو أظهر المبتدأ لنصب أي فقيل: لننزعن من كل شيعة أيهّم هو أشد. وقال الخليل: هذا على الحكاية كأنه قيل لهم لننزعن من كل شيعة الذي يقال أنهم أشد فقال سيبويه هذا غلط وألزمه أن يجيز لأظربن الفاسق الخبيث بالرفع على تقدير لأضربن الذي يقال له هو الخبيث. وقال يونس: الفعل ملغى وأي مرفوع بالابتداء وأشد خبره كما يقال عملت أيهم عندك. قال سيبويه: وهذا أيضا غلط لأنه لا يجوز أن يلغى إلا أفعال الشك واليقين نحو ظننت وعلمت وبابهما. وهو كما قال. وقال الفراء: ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد. أي لننزعن بالنداء فينادي بهم إليهم أشد، وله قول في هذا وهو أنه قال: يجوز أن يكون القول واقعا على موضع من أشد. وله فيه قول ثالث، قال: يجوز أن يكون معناه ثم لننزعن من اللذين تشايعوا فتنضروا بالتشايع أيهم أشد، فتكون أي في صلة التشايع. قال أبو القاسم: وأجود هذه الأقوال في هذا قول سيبويه، والقول الآخر من قول الفراء الذي ختمنا به المسألة. مسألة من الصلات اعلم أن الذي، ومن، وما، وأيا، والألف واللام أسماء ناقصة في الخبر لا تتم إلا بصلة وعائد وعلى غير معرفة إلا أيا وحدها فإنها معربة، وإنما لم تعرب هذه الأسماء لأنها ناقصة لا تكمل إلا بصلة وعائد فصارت كبعض حروف الاسم، وأبعاض الحروف لا تستحق الأعراب وإنما يستحق الاسم الأعراب بكامله، وأيضا فلما صارت مبهمات ضارعت بإبهامها حروف. المعاني الدالّة على ما وضعت لدلالة مشاعة فلما ضارعت هذا الأسماء الحروف لم تعرب لمضارعتها ما لا يعرب مثله، فإذا ثنيّت الذي وحدها أعربتها فقلت: اللذان في الدار أخواك، ومررت باللذين عندك، وإنما أعربت في التثنية لأنها فارقت حروف المعاني لأن حروف المعاني لا تثنى ولا تجمع ولذلك صارت الأسماء المبنيات كلها ما جاز منها فيه التثنية معربة إذا ثنيت، فإذا جمعت الذي في القرب من يوقعه بلفظ الواحد على الجميع ولا يعربه فيقول: الذي في الدار الزيدون، قال الله تعالى: (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون) وقال: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم) . ومنهم من جعله بلفظ الجميع ولا يعربه فيقول: رأيت الذي عندك، وجاءني الذي عندك، ويقول هو جمع على حد التثنية فصار كأنه اسم واحد واقع على الجميع فلذلك لم يعرب. ومنهم من يعربه ويجعله جمعا سالما فيقول: جاءني الذون عندك، ومررت بالذين عندك، ورأيت الذي عندك، قال الشاعر في هذه اللغة: الكامل وبنو نويجية الذين كأنهم ... معط مخرّمة من الخزّان فأن قيل: لم أعربت؟ أي في الخبر وهي اسم ناقص يحتاج إلى صلة وعائد كما تحتاج إليه الذي واخواتها ولم تعرب الذي وأخواتها؟ فالجواب في ذلك: إن أيا اسم تمكن بالإضافة فأعرب لأنه لا يعقل معناه إلا بما يضاف إليه فما أضيف إليه أخرجته الإضافة إلى التمكن فأعرب، ألا ترى أّن أمس مبنية على الكسر فإذا أضفنها أعربتها فقلت: مضى أمسك بما فيه، وقد كان أمسنا أطيب من يومنا، وكذلك أيّ لما أضيفت وتمكنت فأعربت ثم أفردت فحمل أفرادها على ذلك فأعرب لأن الأعراب قد ثبت فيه قبل أفراده. فأن قال: فلم لم تضف الذي ومن وما وسائر ذلك من الأسماء النواقص؟ فالجواب فيه: أن الذي معرف بالألف واللام، ولا تجتمع الإضافة معها. ومن وما أشدّ إبهاما من الذي لأنهما يكونان استفهاما فيضارعان ألف الاستفهام ويكونان جزءا فيضارعان الجزاء فصارتا كهو إبهاما من أيّ فلم جز أضافتهما، ولذلك لم يثنّيا ولم يجمعا ولم يؤنثا كما فعل ذلك بالذي. فاعرف ذلك.

اخبرنا ابن الأنباري قال اخبرنا الختلّي قال حدثنا أبو يعلي الساجي قال حدثنا الأصمعي قال حدثنا سفيان بن عيينة قال قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لا يقيم أمر الله إلاّ من لا يصأنع ولا يضارع ولا يتبع المطامع. قوله يضارع: من الضراعة وهو الضعف، يقال: ضرع الرجل يضرع ضرعا وضراعة: إذا ضعف، ورجل ضرع وقوم ضرع ونوة كذلك. والضرع: الضمير أيضا، والمضارعة في غير هذا: المشابهة، قال الزجاج: اشتقاقها من الضرع يقال تضارع الفصيلان: إذا شربا من ضرع واحد وهو الخلف وهذا مستعار. اخبرنا ابن الأنباري قال اخبرنا الختلي عن أبي يعلى عن الأصمعي قال حدثنا سفيان بن عيينة قال علي صلوات الله عليه: إذا تعلمتم العلم فاكظموا عليه ولا تخلطوه بلعب ولا هزل فتمجه القلوب. اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا عمي الحسي بن دريد عن أبيه قال حدثنا هشام بن محمد الكلبي عن أبيه الكلبي وعن أبي مسكين وعن عبد الرحمن بن المعرا أبي حسين زهير الدوسي قال: كأن حممة بن رافع بن الحارث الدوسي من أجمل العرب وكان له جمة يقال لها الرطبة، وكأن يغسلها بالماء ثم تمتصها فيحتقن فيها الماء فإذا مضى لها يومان حلها ثم نقضها فتملأ حلساء ماء فحج على فرس له ذنوب فنظرت إليه الحمامة الكنانية وهي خناس وكانت من أجمل النساء فوقع بقلبها وكانت تحت رجل من كنانة يقال له ابن الحمارس الكناني فقالت لحممة: من أنت فو الله ما أدري أوجهك أحسن أم شعرك أم فرسك، ما أنت بالنجدى المثلب ولا التهامي القر، وقد وقعت في نفسي فاصدقني؟ فقال: أنا رجل من الأزد ثم من الدوس ومنزلي بثروق قالت: فأنت أحب الناس إليّ فاحملني معك. فارتدفها خلفه ومضى بها إلى أهله. فلما أقدمها أرضه قال لهما: قد علمت كيف كان قربك معي ووالله لا قربت إلى رجل بعدي، فقطع عرقوبها فأقامت عنده فولدت عمرو بن حممة، وكأن سيدا كريما، وولد عمرو ذا النور الذي وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأله آية تكون له ليرجع إلى قومه ويدعوهم إلى الأيمان فأعطي نورا بين عينيه كأنه قنديل يزهر، فقال: اللهم في غير وجهي. لئلا يظن قومي أنه مثلة لمفارقتي دينهم، فجعل ذلك النور في طرف سوطه في حديث طويل، فسمي ذا النور بذلك. وخرج ابن الحمارس في طلب امرأته خناس فلم يقدر عليها وأنشأ يقول: الوافر ألا حيّ الخناس على قلاها ... وأن شحطت وأن بعدت نواها تبدلت البطيخ وأرض دوس ... بجملة فارس حمّ ذراها وقد نبئتها جاعت وذلّت ... وأن الحر من طود سواها وقد نبئتها نخلت ركيبا ... وأنوارا معرقة شواها وقد نبئتها ولدت غلاما ... فلا ثبت الغلام ولا هنأها فلما أنشد عمر بن الخطاب هذا الشعر قال: قد والله ثبت الغلام وهنأها. أنشدنا الأخفش قال أنشدنا ثعلب قال أنشدنا ابن الأعرابي: البسيط مثل البرام غدا في أصدة خلق ... لم يستعن وحوامي الموت تغشاه فرحت عنه بصرعينا لأرملة ... وبائس جاء معناه كمعناه قال ابن الأعرابي يصف سائلا فقال: هو مثل البرام يعني القراد، شبهه به لنحافته وضؤولته. ويقال: هو القراد والبرام والطماح والعل والقرشام والحجن والحمنة والحمنانة والحشدل. واللام زائدة، قال: ومنه الحسد كأن الحسد يلصق بقلب الإنسان كما يلصق القراد بجلد البعير فيمصه. قال وأما قوله: غدا في أصدة خلق فان الأصدة: الصدرة، يقال: هي الصّدرة والأصرة والمجول والبقير والخيعها، والفدعة والعلقة والاتب، كله بمعنى واحد. وقوله: لم يستعن: لم يحلق عانته، وحوامي الموت: أسبابه وأصله حوايم فقلب. بصرعينا: ابل كثيرة مختلفة المشي لكثرتها والمشي جمع مشية. أنشدنا نفطويه: الطويل إذا جاءني منها الرسول نعيتها ... خلوت بنفسي حيث كنت من الأرض فابكي لنفسي رحمة من بكائهاويبكي من الهجران بعضي على بعضي وأني لأهواها على سوء فعلهاواقضي على نفسي بها بالذي أقضي فحتى متى روح الهوى لا ينالني ... وحتى متى أيام سخطك لا تمضي

اخبرنا الزجاج قال اخبرنا المبرد عن المازني قال حدثني رجل عن الأصمعي ولم اسمعه أنا منه، قال حدثنا خلف الأحمر قال كثير بن هراسة وهو رجل من بني كلاب كأن يبالغ في كلامه: أن من الناس ناسا تهون عليهم إذا عظمتهم وينتقصونك إذا زدتهم، ليس لرضاهم موضع تعرفه، ولا لسخطهم موقع تحذره، فإذا عرفت أولمك فابذل لهم موضع المودّة وامنعهم موضع الخاصة يكن ما بذلت لهم من المودة حائلا دون شرهم، وما منعتهم من الخاصة قاطعاً لحرمتهم. أنشدنا أبو عبد الله اليزيدي لعمه المنسرح لا تهن للصديق تكرمه عرضك حتى تعد من خوله يحمل أثقاله عليك كما ... يحمل أثقاله على جمله اخبرنا الأخفش قال اخبرنا المبرد قال: كتب إسحاق الموصلي إلى عريب المأمونية: الطويل تقي الله فيمن قد تبلت فؤاده ... وغيّبته حتى كأن به سحرا رعى النجد لا اسمع بيومك إنما ... سألتك شيئا ليس يعرى لكم ظهرا قال: فوقعت في الرقعة: صدقت جعلت فداك ليس يعرى لنا ظهرا ولكنه يملأ مناّ بطنا. أنشدنا ابن دريد لنفسه يهجو بعض الأغنياء: الرجز يا عالما مقاله مجهول ... لكن ما يقوله محمول أن فاتك التأويل والتنزيل ... ما فاتك التشبيه والتمثيل مسألة أغفلها الخليل ... يرفع فيها الفاعل المفعول ويبصر المخفوض يستطيل ... ويضمر الوافر والطويل عروضها مفتعل تقول أنت لها مصطلح معمول أنشدنا اليزيدي قال أنشدنا الرياشي: الطويل ولما قضينا من منى كل منسك ... ومسح بالأركان من هو ماسح أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسألت بأعناق المطي الأباطح أخبرنا نفطوية قال اخبرنا الحسين بن إسحاق بن إسحاق بن الحسن قال حدثنا الحسين ابن محمد عن شيبان عن قتادة في قوله تعالى: (وعندهم قاصرات الطرف) أي ما نعات الطرف من النظر إلى غير أزواجهن، والقصر أيضا: العشى وهو القصر ثم القصر وبعده الطفل، طفلت الشمس: إذا دنت للغروب وبعده الجنوح وهو حين تجنح في أفق المغرب أي تميل يقال: قصرك أن تفعل كذا وقصارك وقصراك وقصاراك. اخبرنا نفطويه قال حدثنا إسحاق بن الحسن عن الحسين بن محمد عن ثسيبان عن قتادة في قوله تعالى: (وتلك نعمة تمنهّا عليّ أن عبدّت بني إسرائيل) قال: قال موسى عليه السلام لفرعون حين عدد عليه تربيته وكونه معه أتمنن عليّ بأن اتخذت بني إسرائيل عبيدا وكانوا أحرارا. يقال: عبّدت الرجل بتشديد الباء وأعبدته: إذا اتخذته عبدا وأنزلته منزلة العبيد، قال الشاعر: البسيط علام تعبدني قومي وقد كثرت ... فيهم أباعر ما شاءوا وعبدان والنعمة بكسر النون: اليد، والنعّم بفتح الأول التنعمّ، ويقال: مّن فلأن على فلان: إذ اتخذ عنده يدا وأحسن إليه، ومنّ فلأن على فلأن: إذ امتنّ عليه بمعروفه وإحسانه وقرّعه بذلك ومنه يقال آفة الإحسان المن يراد به الامتنان، وقالوا في قوله تعالى ولا تمنن تستكثر أي لا تعط لتأخذ اكثر مما تعطي وليكن عطاؤك لله عز وجل. اخبرنا الأخفش قال اخبرنا ثعلب عن الرياشي قال حدثنا أبو سلمة الغفاري قال قال لي محمد بن عبد الله بن عثمان بن عفان: جمعتنا أمنا فاطمة بنت الحسين بن علي فقالت: يا بني أنه والله ما قال أهل السنة شيئا في لذاتهم بالسنة إلا وقد قال أهل المرؤات مثله أو اكثر منه بمرؤاتهم فاستتروا بستر الله. اخبرنا اليزبدي عن عمه أبي القاسم عبيد الله بن محمد قال: دخل سلم الخاسر على الفضل بن الربيع فلما مثل بين يديه أنشأ يقول: المجتث ينام من ليس يسهر ... فليت ذا الصبح أسفر أليس هذا عجيبا ... أموت طورا وأنشر قيامة كل يوم ... على فتى ليس يحشر الله حسبي وفضل ... فما أخاف وأحذر للفضل عندي أياد ... ونعمة ليس تكفر أن كان مدحي كثيرا ... فنائل الفضل أكثر قال: سل حاجتك؟ قال: توصلني إلى أمير المؤمنين الرشيد. قال: أفعل، وأمر له بخمسمائة دينار وكان على الركوب إلى الدار فحمل معه، فلما دخل على الخليفة وأخذ الناس مجلسهم قال لبعض الغلمان:

ادخل سلما فلما دخل الرشيد استأذن في النشيد فأذن له فقال: مجزوء الرمل اسمعي أو خبرينا ... يا ديار الظاعنينا أن قلبي بك رهن ... للذي قد تعلمينا نادت الأيام فيها ... بالبلى حتى بلينا كم خبطنا الهو في الدا ... ر ضروبا وفنونا من ظباء تجذب الأر ... داف منهن المتونا مثقلات يتهادين بها ... حورا وعينا خطرات الشوق منها ... تبعث الداء الدفينا فاز في الألف محب ... كان بالألف ضنينا كلما أزددت بعادا ... زاد في الحب فتونا غادرت في القلب مني ... حرقا ما تنقضينا ليس للنوم قرار ... في عيون العاشقينا صار بحر الحب غمرا ... بعدما خضناه حينا أن عبد الله هر ... ن أمير المؤمنينا ملك بث عطايا ... هـ شمالا ويمينا أن لله وليا جا ... معا دنيا ودينا يبذل الدنيا ولكن ... يمنع الدينن المصوفا ملك أضحى لما عز ... من الدنيا مهينا أنت خير الناس حيا ... وابن خير الذاهبينا رب يوم للمنايا ... نلتقي حمرا وجونا مثل يوم الحشر يردى ... بالكماة المعلمينا أمهات الوحش فيه ... ليس يرحمن جنينا ومخاريق المنايا ... في أكف المصلتينا لو دعوت الحرب عبدا ... وتعبدت المنونا أعطيات السلم طوعا ... تابعا أو مستكينا فقال الرشيد للفضل: يا فضل أعطه. قال: ماذا يا أمير المؤمنين؟ قال أعطه عشرة آلاف درهم واحمله على ثلاث من الخيل. قوله على ثلاث إنما اسقط الهاء لان الخيل مؤنث فالعدد فيه يحمل على اللفظ المذكر أو المؤنث وتقول: له عندي ثلاث من الخيل ذكور، أو له ثلاث من الخيل إناث. وكذلك النساء والإبل والبقر وما أشبه ذلك يجرى عدده على التأنيث لما ذكرته لك وهي إناث كلها. اخبرنا ابن دريد واليزيدي قالا اخبرنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال: تقول الرب ضربت فلانا حتى اهدأته، اي سكنته، وماطل فلان القول: إذا كمل بعضه على بعض، وتماطل الجواد: إذا راب بعضه بعضا. ويقال: أسكنت فلانا واحفظته: إذا أغضبته، والمقلس: الذي يلعب بين يدي الأمير إذا دخل المدينة. والصعاط: الذي يكرى الإبل. وتقول العرب: إنّا لفي سنة تجادعت أفاعيها: إذا أكل بعضها بعضا لشدة الجدب. ويقولون: أصابتها سنة خفي فيها البياض وظهر السواد: أي قل اللبن لقلة النبت وظهر التمر الاسود، ان عنده التمر والماء. قال: وقيل لي رجل من الكلابيين: أتزوجت فلانة؟ قال: نعم قالوا: إنها لا تسترك من العورة ولا تشفيك من الصورة. معنى لا تسترك من العورة: أي أنها خرقاء لا تحسن أن تبني لك بيتا تسترك به، ولا تشفيك من الصورة: أي لا تدهن رأسك ولا تفليه. أنشدنا الأخفش، لابن المعتز: الخفيف وعد البدر بالزيارة ليلا ... فإذا ما وفى قضيت نذوري قلت يا سيدي ولم تؤثر الليل على بهجة النهار النضير قال لي: لا أحب تغيير رسم ... هكذا الرسم في طلوع البدور قال: فزاحمه في هذا المعنى بعضهم فقال: الخفيف قال لي ممرضي وأظهر وجدا ... بعد صدّ ونبوة وتجاف قال إني مع العشاء مواف ... فارتقبني ولا تخف من خلاف قلت: يا سيدي فإلاّ نهارا ... هو إعلان بهجة الإئتلاف قال لي: لا أحب تغيير رسم ... هكذا البدر في الظلام يوافي أنشدنا الزجاج قال أنشدنا المبرد: البسيط إن يحسدوني فإني غير حاسدهم قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا فدام لي ولهم ما بي وما بهمومال أكثرنا غيظا بما يجد أنا الذي يجدوني في حلوقهم ... لا ارتقي صورا فيها ولا أرد قال: ونحوه قول مروان بن أبي حفه: الكامل ولقد حبيت بألف ألف لم تشب ... إلاّ بسبب خليفة ووزير

ما زلت أنف أن أؤلّف مدحه ... إلاّ لصاحب منبر وسرير ما ضرّني حسد اللئام ولم يزل ... ذو الفضل يحسده ذوو التقصير أنشدني أبو الفضل النحوي لأبيه: الوافر يقول أنا الكبير فبجّلوني ... ألا ثكلتك أمّك من كبير إذا كان الصغير أعمّ نفعا ... وأمضى عند نائبة الأمور وأنفذ في الحوادث إن ألمت ... فما فضل الكبير على الصغير اخبرنا ابن دريد عن عمه عن أبيه عن ابن الكلبي قال: حدثني رجل من أهل الكوفة من بني الطمح بن كندة قال: كنت احضر مجلس شريح وهو يتقلد القضاء لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فجاءه يوما رحل جيدر صعل الرأس ناتيء الجبهة شتيم الوجه كأنه محراث، ومعه امرأة كأنها فاقة عنساء تقلب عينين نجلاوين كأن هدبهما قوادم خطّاف فأبرزت عن ساعد كالإغريض بياضا وأنامل كنبات النقا ثم قالت بأعذب لفظ وأفصحه مبدية عن ثنايا كالبرد ثم قالت: يا أيها الحاكم هذا بعلي، فقال شريح: أهو كذلك؟ فافتر بشفتين تنصاوين عن أسنان ضخمة كأنها سناسن عير فقال لها شريح: ما شأنه؟ قالت: أيها الحاكم انه ابن عمي أنا خولة بنت محرمة أحد نساء جرم وقد هاجرني عن أهلي وغرّ ب بي عن ذوى قرابتي، فصرت لا أنظر إلاّ اليه، ولا أصول إلا عليه وهو والله نهم إذا أكل، نحس إذا سأل، مقفل اليدين بالبخل، مطلق اللسان بالخطل، يأكل وحده ويمنع رفده ويخلف وعده إن شانيت قطب، وان تراشيت غضب، يصون ماله ويمتهن عياله. فصاح الرجل: يا للرجال للأفيكة، ثم جثها على ركبتيه فقال: يا أيها الحاكم بل سائل سراة بني جرم فانهم سيخبرونك بالجالي من الخبر: البسيط هل أترك الناقة الكوماء لاهية ... إذا تلاعبت النكباء بالخطر للجار والضيف والمعتر قد عملوا ... في ليلة تنبع السغّان بالخَصَرِ وابطر الخصم ذا العوراء حجته ... حتى يلجلج من عّي ومن حصر وأترك القرن مصفرا أنامله ... دامي المرادغ منكبا على العفر واسألهم هل رموا بي نحو داهية ... فلم أكافح شيا أنيابها البتر وأسألهم كيف ذبه عن حريمهم ... إذا ترامى استعار الحرب بالشرر أني لأعظم في عين الكميّ على ... ما كان فيّ من التجدير والقصر حتى يصدّ لواذاً عن مبادهتي ... صدّ الهجارس عن ذي اللبدة الهصر تا لله تجمع شخصينا ملاءمة ... من بعد ذا اليوم في بدو ولا حضر فقال له شريح: أفصح عن نيتك فيها. فقال: هي طالق ثلاثا، وهذا الشاب ابن أبان بن أبي وليها يقوم برؤيتها إلى انقضاء عدتها، ثم نهض. الجيدر: القصير ومثله البحتر والبهتر والكؤالك والحنبل. والضكضاك والدنامة والدنية. والصعل: الصغير الرأس، والشتيم: القبيح الوجه، والمحراث: العصا التي تحرك بها النار وقد اسودت واحترق بعضها، والعنساء: الناقة البيضاء، والعينان النجلاوان: الواسعتان. والهدب: الشعر النابت حول العين، ومنبت الشعر يقال له: الشعر. والأغريض: الطلع إذا انشقّ عنه وعاؤه والوعاء: الحفرى، والأنامل: أطراف الأصابع، ونبات النقا ورد يشبه به العرب الأنامل بها لنعتها وبياضها وهي الأساريع أيضا واحدها أسروع، والنقا: الرمل مقصور، والنهم: الشره، والفلحس: الكلب، والمساناة: المداراة والملاينة، ومنه قول الشاعر: الطويل ولا تيأسا واستنورا الله انه ... إذا لله سنىّ صلّ عقد تيسّرا استنورا يقول: اطلبا منه النيرة وهي الميرة، ومعنى سنىّ: سهلّ، والأفيكة: البهتان والكذب وأصله الكلام المقلوب عن جهته، والجالي من الخبر: الواضح، والكوماء: العظيمة السنام، والسغّان: الرمح الباردة، والخَصرَ: البرد، والمرادغ: ما بين الترقوة والعنق واحدها مردغة ومثلها البادل واحدها بأدل بغير هاء. والكمي: الشجاع واشتقاقه من قولهم تكمىّ للشر إذا تعمدّ له وقال بعضهم: اشتقاقه من قولهم كمي فلان شهادته أي سترها

فكأنه ستر شجاعته، والهجارس: أولاد الثعالب، والهصر: الأسد الذي يهصر كل شيء أي يدقه ويثنيه، واللواذ والملاوذة قال الفراء: لاذ فلان بفلان: إذا استتر به يلوذ، واللواذ. الملاوذة من الشيء، والتجدير: القصر مع غلط، يقال رجل مجدّر: إذا كان قصيرا غليظا، والملأمة: الاتفاق، يقال هذا الشيء لا يلائمني أي لا يوافقني. وفلان يلاوم فلاناً بالواو إذا كان كل واحد منهما يلوم صاحبه. اخبرنا ابن دريد قال اخبرني عرب الحسين بن دريد عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف قال حدثني شيخان من أهل السراة قالوا: كان قصيب بن القاسم أحد بني منهب بن دوس من رجال العرب المشهورين نجدة وبأسا وإقداما، وكان جوادا لا يليق شيئا فخرج مرة في مسيرة من أصحابه يريد الغارة على بجيلة فصادفهم معّدين قد نذروا به وكان ماله للصعاليك من قومه وغيرهم يغزو بهم إذا اخصبوا ويمونهم إذا أورقوا، فكرّ راجعا يريد خثعم ولها جبال منكرة وشعاب وحلة آَسنة ذات عرين متواص، فكمن في بعضها أياما هو وأصحابه يقتاتون أحناش الأرض حتى أضرّ بهم ذلك وهوّا بالرجوع إلى بلادهم مخفقين، فأضحوا ذات يوم وقد جهدهم الجوع فقال لهم قصيب: يا قوم إنّا إن أقمنا على هذه الحال متنا خفاتا ثم رياء لهم فإذا بقرب الجبل في صحفة غائط إبل كالليل المظلم قد ملأت أصباره، فنزل إلى أصحابه فقال: يا قوم إني أرى بقرب هذا الجبل غائطا مشحونا لحما فهل لكم أن تدعز فيه بباقي تطيشنا فنطرد منه ما ملكنا طرده فان دفعنا حتى قاتلنا حتى نعتنق وسيقننا وان غلبنا عليه فقتلنا كان أعذر لنا في عشيرنا. قالوا: رأينا ما رأيت، ثم خرجوا من مكمنهم نحو السمت حتى أشفوا على الغائط فاطردوا من اقرب النعم إليهم صرمة ثم شلوّها ولا تحسسوا أحدا حتى ظنوا أن قد فاتوا بها وأناخوا وانتفعوا نقيعة لهم وعفى الليل الأثر وطخطخ النظر وباتوا آمنين قد ملأوا أيديهم. فلما استرق السدف واستطار العمود واستثار وما سلا حتى انتهى بهم الطريق إلى ثنية، فلما شندوا في نقبها إذا شخص على شرفه منها كالنسر ملتفع بيت فلما دنوا منه وثب فأشاع بالإبل فانكفأت راجعة تخبط ما مرّت به كأن الرماح في اعجازها. ثم أقبل يهدج في آثارها فاعترضناه فرمى رجلا مناّ ففلق قلبه فكأنه كان ناذرا بالأمس، ثم رمى آخر فأقعده ثم رمى آخر فألحقه بهما ورماه رجل منّا فانبت السهم في ذراعه ثم اقبل يمضغ القدح حتى شطاه ورمى آخر منا فانتظم فخذيه فتكركرنا عنه راجعين ونحن أربعة ما شيء أحب إلينا من فراقه ولا أكره في عيوننا منه. ثم خرج يتبع الإبل وقد تفرقت عنه حتى جمعها ثم صاح: ليأتني منكم أحد، فتواكله أصحابي فقمت والله متكارها فأتيته، فقال: من القوم؟ قلت: وما رأيك إلى السؤال عن هذا؟ والله ما تطلبنا بدم ولا نرجوك لفقد ذمام. قال: لتخبرني فإني قد رأيت لكم وجوها خشيت لها. وكان أصحابي لما أقبلت إليه اتبعوني إشفاقا منهم عليّ فقلت: نحن قوم من الأزد قال: فأيهم أنت؟ قلت: هذه التي لا تحتاج إليها ولست مخبرك عنها وقد انزيت من قد رأيت، ودماؤنا في قومك وليست مطلولة فعليك شأنك يا شيخ، قال: أفلست مخبري عن شأنك اشهد إذا لم تخبرني عن نسبك. قلت: لا واللات ما إلى ذلك من سبيل. قال: فاخبروا قومكم إن دماءكم في بردى عثعث بن هادية التحافي ودونكم هذه الصرمة فاغتنموها فإني لست بمخبر عنكم فخذوا إن شئتم أو دعوا، فرجعنا إلى الصرمة فإذا فيها أربعون تزيد ذودا فأطردناها وأتينا برحالة منفولين موتورين فتعاهدنا أن لا نخبر من شأننا لأحد من قومنا فرجعنا إلى الحيّ وسئلنا عن أصحابنا فأخبرنا أّن حنفيا قتلهم. فأنّا بعد اوبتنا بثلاث في سامر للحي إذا بهاتف يهتف ويقول: المتقارب ألا تسأل الفتية الآئبين ... إلى الحيّ بالمغنم الأخبث بأناكد ما صرمة أحرزت ... وأجلبها للنثا المجبث فليت قصيب وأشياعه ... غداة أحالوا على عثعث تودأت الأرض من تحتهم ... وآضوا رمائم في الكنكت ولم يلبسوا أصدتي طامث ... وأدنس من أصدة الطمث فيا للرجال لا حدوثة ... تناط إلى النطف الممرث فليتك بالصبّ من قبلها ... مليص تغاور في مفرث

قال ابن الكلبي: فحدثني بعض الديربين إن قصيبا كان في النادي فأملق تحت الليل فما يدرى أين شكع ولا أين ولده إلى اليوم. قوله: أورقوا: قل ما لهم وهو من الأضداد، يقال: أورق القوم: إذا قل مالهم، وأورقوا: إذا كثر مالهم. والورق بفتح الواو: المال من الإبل والغنم وغير ذاك، قال العجاج: الرجز إياك ادعوا فتقبّل ملقي ... اغفر خطاياي وثمّر ورقي أي مالي. والوِرق بكسر الواو: الفضة وكذلك الرقة ويجمع الرقين، ومن أمثالهم إّن الرقين يعطي أفن الافبين. والحضيرة: الجمهة، قال أبهو ذؤيب: الكامل يرد المياه حضيرة ونفيضة ... ورد القطاة إذا اسمأل التبّع والتبع: الطل، واسمألّ تقلص، والعرين: أجمة الأسد، والمتواصي: المتصل، وأحناش الأرض: صغار هوامها. وأصل الحنش: الحية وجمعها الحناش، والاصبار: النواحي يقال: ملأ الإناء إلى أصباره، والنطيش: الحركة ومنه قولهم نطشان، وقولهم: طخطخ النظر أي ردّ هـ والطخ: الرفع ومنه قولهم: طوبى لمن كانت له مطخة، وقوله: أشاع يريد صاح بها لتجتمع يقال: شأيعت بالإبل ونعقت بالغنم. والكرير: الراعي. فألق استك الهلباء فوق قعودها ... وشايع بها واضمم إليك البواليا والهذجان: مقاربة الخطو في سرعة، وقوله حسست لها: أي واقفت، والمجبث: المزعج وتودأت: تقطعت والكنكث: التراب، والأصدة: الصدرة، والنطف: الذي يلبس النطفة وهو الصغير من الناس. والمرث مثل المرس، والمليص: السقط من أولاد النوق، يقال: أملصت الناقة وأملطت: إذ رمت بولدها قبل تمام خلقه وكذلك يقال في النغاس إذا القي قبل أن يستقر، وهو مليص ومملص، ومليط ومملط، والمفرث: الموضعع الذي يلقى فيه الفرث. اخبرنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد الصائغ قال قال حدثنا ابن قتيبة قال روى ابن عيينه عن عمر بن دينار عن محمد بن حبيب بن جبير عن أبيه مطعم عن ابن جبير قال: أضللت بعيرا لي يوم عرفة فمرت إلى عرفة اطلبه فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا مع الناس فقلت: هذا من الحمس فما باله خرج من الحرم. قال الأصمعي الحمس: قريش ومن دان بدينها من العرب وإنما سموا بذلك لأنهم كانوا يشددون في دينهم، والحماسة: الشدة يقال حمس الأمر حمسا: إذا اشتد، ومنه قيل للشجاع أحمس وكانت قريش تقول: نحن أهل الله فلا نخرج من حرمه وكانوا لا يقفون حتى جاء الإسلام فانزل الله (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) فأمروا بالمقام مع الناس والإفاضة معهم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى عرفة ووقف مع الناس ولم يكن جبير عرف هذا لم في ذلك الوقت فأنكر وقوفه عليه الصلاة والسلام بعرفة ومخالفته مذهب قريش في ذلك. اخبرنا الصائغ قال اخبرنا ابن قتيبة قال: حدثني السجستاني عن الأصمعي قال حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة فال: مِني من مهبط العقبة إلى محشر، وموقف المزدلفة من محشر إلى أنصاب الحرم، وموقف عرفة في الحد لا في الحرم. اخبرنا اليزيدي قال اخبرني سليم بن عبد العزيز بن أبي نائب من ولد عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عبد الله بن جعفر يرفعه عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: خرج عبد المطلب إلى اليمن في رحلة الشتاء فلقيه رجل من أهل الزبور فنسبه فانتسب له فقال: أتأمرني أن انظر إلى شيء منك؟ قال: نعم ما لم تكن عورتي، فجعل يقلب وترة أنفه ويقول: إني لأرى سحرا فيه نور النبوّة ولكنّا لا نجد الأمر يكون إلاّ في بني زهرة فهل لك من شاعة؟ قال: وما الشاعة؟ قال: الزوجة. قال: أمّا اليوم فلا. قال: فارجع فتزوج في بني زهرة، فرجع فتزوج هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وزوج عبد الله ابنه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فقالت قريش: فلح عبد الله على أبيه عبد المطلب فولدت له هالة حمزة والمفدّم، وصفية بني عبد المطلب، وولدت آمنة لعبد الله محمدا صلى الله عليه وسلم. اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال قال ابن دأب:

مسألة

إنما سميّ الناس الطيب الغالية والساهرية والعبير ببنات عبد من بني عبد الله ابن صخر بن نافع بن سلف بن يقظان من أهل اليمن من العرب العاربة، وكانت له ثلاث بنات يقال لهن: الغالية والساهرية والعبير، اجتمعن فسحقن مسكا وعنبرا وعودا فخلط الغالية بالبان فقيل: هذا طيب الغالية، وخلطته الساهرية بالزئبق فقيل: هذا طيب الساهرية، وخلطته العبير بماء الورد فقيل: هذا طيب العبير. هكذا روى لنا هذا الخبر. وأما أهل اللغة فيختلفون، فالأصمعي يزعم إن العبير: الزعفران ويحتج بقول الأعشى: المتقارب وتَبْرُدُ بَرْدَ رِداءِ العَرو ... سِ في الصيفِ رَقرَْقتَ فيهِ العَبيرا وغير الأصمعي يزعم إن العبير أخلاط تجمع بالزعفران، ففرق بين العبير والزعفران. والتومة: حبة تعمل من الفضة كالدرّة. أنشدنا اليزيدي لعمه: السريع قد ضقت ذرعا بك مستصلحا ... وأنت مزوّر عن الواجب من لي بأن نفعل حتى ترى ... كم لك في العالم من غائب وأنشدنا له أيضا: الكامل قد كان بعداً صادق يختصم ... بالود يبذل ودّه لا معاد حتى مضى وعدوّه وصديقه ... سياّن في مقة له ووداد اخبرنا الزجاج قال اخبرنا المبرد قال: كان ابن الأعرابي يطعن على أبي نواس ويضع من شعره فحضر في مجلس فيه بعض رواة أبي نواس فانشده لأبي نواس: الكامل. رسم الكرى بين الجفون محيل ... عفىّ عليه بكا عليك طويل يا ناظرا ما أقلعت لحظاته ... حتى تشحطّ بينهن قتيل فقال له: ويحك. لمن هذا؟ فقد والله جود وبلغ النهاية فقال: الذي يقول: الطويل ضعيفة كر الطرف تحنث أنها ... قريبة عهد بالأفاقة من سقم وإني لآتي الأمر من حيث يتقي ... وتعلم قوسي حين انزع من أرمي فقال له: ويحك. لمن هذا؟ فقد والله أخذني عليه الرفض قال: هذا الذي يقول: البسيط ركب تساقوا على الأكواب بينهم ... كأس السرى فانتشى المسقي والساقي كأن اروسهم والنوم واصفها ... على المناكب لم توضع بأعناق خاضوا إليكم بحار الشوق آونة ... حتى أنخن إليكم قبل إشراق من كل واضحة التسمين آمنة ... مشتاقة حملت أثقال مشتاق فقال له: ويحك. لمن هذا؟ فقد والله ظرف كل الطرف. قال: لست أقوله لك أو تكتب الأبيات. فلما كتبها قلت: هذا الذي تنتقص منه وتطعن في شعره أبي نواس. قال: يا ابن أخي اكتم عليّ فلست بعائد والله أبدا. أنشدنا الأخفش عن ثعلب لزيد بن عمرو بن نفيل القرشي: الخفيف سألتاني الطلاقَ إذَ رأَتاني ... قل مالي، قد جئتماني بنُكْر ويْكَأن من يكن له محبُّ يُجِيبُ ... ومن يفتقر يعش عيش ضرّ مسألة اعلم إن عمى وكاد وكرب وجعل وأخذ هي لمقاربة الفعل، فأمّا عسى فإنها. نستعمل بأن وسائر أخواتها تستعمل بغير إن كقولك: عسى زيد إن يقوم، وعسى عمرو إن يركب، فموضع إن نصب، والتقدير: قارب زيد الانطلاق، فإن مع الفعل بتأويل المصدر كأنك قلت: عسى زيد القيام، ولو قلت: عسى زيد القيام لم يجز وإنما يجوز إذا ذكرت إن، وإن كان المعنى معنى المصدر. والعلةّ في امتناع ذلك إنك إذا أنكرت إن مع الفعل فقد دلّلت على الاستقبال لا على المعنى، فلذلك لم يجز استعمال المصدر مع عسى ولا اسم الفاعل، إلا إنه قد جاء في مثل واحد للعرب وهو قولهم: منهوك الرجز عسى الغوير أبؤسا

مسألة في الأسماء لم لم تجزم والأفعال لم لم تخفض

وهذا مثل يضرب للرجل يأتي الأمر ينسبه إلى غيره ويتهم هو به. وغوير: تصغر غار، وأول من ضرب هذا المثل الزباء الرومية لماّ جاء قصير ليأخذ بثأر عمرو وكان له حصن منيع فأدخل الرجال في الصناديق وأتى حصنها، وكان لها سرب فأقعد عليه الرجال، فلماّ أحسّت بالبلاء همتّ بالخروج من السرب فتبينت الرجال عليه فقالت: عمن الغوير أبؤسا، أي قد ذهبت من قبل الغار ثم صار مثلا يضرب لكل متهم بأمر. وفي الحديث: أن رجلا وجد ملفوطا فأقي به عمر فقال له عمر: " عسى الغوير أبؤساء " اتهاما له به فأثنى عليه عريف خيرا فقال: ربة ذلك ولا مرة. فإن قدمت إن فقلت: عسى إن يقول زيد، فموضع إن رفع التقدير: قَربَ قيام زيد. وقال الله: (عسى أن يبعثك ربك) . هذا حكم عسى، وتقول في سائر أخواتها: جعل زيد يقول كذا وكذا. وكاد زيد يخرج، ولا تقول: جعل زيد إن يقول، ولا كاد إن يخرج إلاّ في ضرورة شعر. ومن أمثال العرب: كاد النعام يطير،، وكاد العروس يكون أميرا، لقربهما من تلك الحال، قال الله تعالى: (يكاد لسنا برقه يذهب بالأبصار) . والعلة في استعمال عسى بأن وأخواتها بغير إن جعل كاد وأخذ وما أشبه ذلك لمقارنة الفعل والإشراف على وقوعه وكونه، ألا ترى إنك لا تقول: كدت ادخل المدينة إلاّ وأنت مشرف عليها، ولا تقول: جعل زيد يقول كذا وكذا إلا لحكاية حاله في القول فهذا لا يحتاج إلى إن لوقوعها على الحال.. وأمّا عسى فهي كما ذكرت لك تطلب الفعل مستقبلا ومنتظرا فهي لمقاربة اسمه لا ذاته ألا ترى إنك تقول: عمى إن أحجّ، وأنت ما برحت من موضعك بعد، وهذا بين واضح. ثم قد يجيء في الشعر ضرورة عسى بغير إن، وكاد وأخواتها بأن، مقال هدبة بن الخشوم في عسى بغير إن: الوافر عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب وقال رؤبة في كاد: الرجز قد كان من طول البلا إن يمصحا والأصل ما ذكرت لك. مسألة في الأسماء لم لم تجزم والأفعال لم لم تخفض إذا سأل سائل ففال: لم لم تجزم الأسماء؟ ففي ذلك أجوبة، منها ما اعتمد عليه سيبويه ومن تابعه بعده قال: لا تجزم الأسماء لتمكنها ولحاق التنوين بها فلم يكن ليجمعوا عليها ذهابه وذهاب الحركة. وتلخيص ذلك: إن البصريين والكوفيين قد أجمعوا على إن التنوين لازم للأسماء دون الأفعال والحروف، فلو جزم مثل جعفر لوجب إسكان الراء للجزم وبعدها التنوين على الأصل المتفق عليه بينهم فكان يجتمع ساكنان وهما التنوين والراء، وكان لا بد من تحريك أحدهما أو حذفه، وعلى أوضاع كلام العرب إذا اجتمع ساكنان والأول منهما حرف صحيح ليس بحرف مدّ ولا لين وجب تحريك الأول منهما كما تقول: اضرب زيدا، ثم تقول: اضرب الغلام، فتحرك الباء لالتقاء الساكنين. وان كان الأول منهما حرفا من حروف المدّ واللين وهي الياء والواو والألف حذف الأول حذفا كقولك: زيد يغزو القوم، وعمرو يقضي اليوم، وزيد يخشى الناس كما قال الله تعالى (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) وكقوله تعالى (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) تسقط هذه الحروف من اللفظ وان ثبتت في الخط إلا إن يلتقي ساكنان صحيحان في المدغم فتحرك الثاني منهما نحو قولك في الأمر: مدّ وشدّ لأنه لا سبيل إلى تحريك الأول لأنه إذا تحرك الأول وسكن الثاني ظهر التضعيف كقولك: مددت وشددته وما أشبهه ذلك. فلو حركت الراء من جعفر على هذا القياس بطل الجزم من الكلام لأنك كنت كلما تجزم اسما صحت فتسكن آخره فتحركه لالتقاء الساكنين ولو حذفت الراء لالتقاء الساكنين بطل الاسم لأنه يكمل معناه بتمامه، ولو حذفت التنوين لالتقاء الساكنين فقد حذفت الحركة رجعت إلى قول سيبويه من حذف حركة وتنوين وكنت تجحف بالاسم لذهاب شيئين، ومع ذلك فإن في الأسماء ما يكون قبل آخره ساكن مثل بكر وزيد، فلو جزم مثل هذا على هذا التقدير الذي ذكره كانت تجتمع فيه ثلاثة أحرف سواكن، واجتماع مثلها محال فهذا مذهب سيبويه، وقد بان منه أن دخول الجزم على الأسماء غير سائغ لفظا.

وقال الفراء وأصحابه: لم تجزم الأسماء لأنها خفيفة فلو جزموها زادوا في خفتها. ولم تخفض الأفعال لثقلها فلو خفضوها زادوا في ثقلها فعدلوا الكلام بان خفضوا الأسماء وجزموا الأفعال ليدخل الثقيل على الخفيف والخفة على الثقيل فيعتدل. وقال جماعة من البصريين وجماعة من أهل النظر منهم المبرد وثعلب لم تجزم الأسماء لاستحالة دخول حرف الجزم عليها لان الحروف الجوازم إنما هي للنفي والأمر والنهي والجزاء وما لا يؤول معناه إلى أحد هذه المعاني نحو لم ولام الأمر ولا النهي وحروف الجزاء إن ومهما وما أشبه ذلك. ومحال نفي الأسماء لأن العقول تدل ضرورة على إن النفي لا يقع على الاسم ولا على المسمى وإنما يقع على حال من أحواله أو فعل من أفعاله أو صفة من صفاته كقولك: ليس زيد عاقلا، إنما نفيت عقله، وليس زيد في الدار، إنما نفيت كونه في الدار، وكذلك: لم يقم زيد ولم ينطق عبد الله، ولا غلام لك، وما أشبه ذلك. لا يتعلق النفي بالمسمى نفسه وإنما يتعلق بأفعاله وأخباره وحلاه، وهذا المتفق عليه عند أهل النظر، والعقول تشهد بصحته. وكذلك الأمر والنهي والجزاء وما أشبه ذلك إنما تكون بالأفعال. قال: زعم زاعم إن الأسماء يتصل النفي بها بذاتها غير مراد بذلك عدم الذات من زمان أو مكان موجود فيه فليدل على صحة ذلك بها تشهد العقول بصحته ولن يجد إليه سبيلا، وليس بين العلماء فيما ذكرناه في النفي خلاف وكفى لمخالف هذا بخروجه عما تشهد الجماعة بصحته دليلا على خطئه وانقطاعه. واعلم إن انقطاع الخصم ليس يكون بسكوته وانقطاعه فقط. وقد رتب العلماء للانقطاع مؤلفات وبينوا لها وجوها، فمنها أن يعقد الإنسان مذهبا في الففه والنحو والنظر وسائر العلوم فيلقى خصما له مخالفا في مذهبه مقرر بينهما الخلاف فيتناظران في مسألة، فلا يزال أحدهما يلز الأخر بالاحتجاج عليه إلى أن يضطر صاحبه إلى أن يعتقد ما يخالف مذهبه الذي ينصره، فان اعتقد ذلك فقد انقطع بخروجه عن مذهبه الذي ابتدأ النظر فيه وكابر في انتقاله، فان لم يعتمد ما الجاه إليه واتى بما يدفع خصمه بحجة واضحة فقد قارب. وان لم يمكنه ذلك واقرّ بالحق فقد انقطع منصفا سالكا طريقة النظر. وكان اعذر من الأول المكابر. والضرب الثاني من الانقطاع أن لا تطرد العلّة في المعلول. والضرب الثالث هو أن يؤول الأمر بمن يناظره إلى أن يعتقد المحال ويقول هو حق إذا كان بزعمه مؤيدا مذهبه، وكفى بمذهب يؤيده المحال فسادا. كأنه يعتقد أن يكون جسم واحد متحركا ساكنا في حال أو لا ساكنا متحركا، أو موجودا معدوما في حال. أو يكون الإنسان قائما قاعدا في حال أو ناطقا ساكنا أو متحركا ساكنا أو يقول إذ النار مبردة والماء مسخن. ويزعم أن أمس لم ينقض بعد وان غدا حاضر أو قد انقضى. وما أشبه ذلك من المحاولات. ومثله في الإحالة قول من زعم أنا إذا قلنا: لم يقم زيد، أو لم زيد قام، لو حسن ذلك إن النفي واقع على ذات زيد لا على فعله ليس بين هذا والأول فرق في الإحالة عند من صح عقله وتمييزه ومن آل به أمر إلى هذا فقد انقطع وتقطعت جوارحه ولن ينفعه الكلام إذ قد بان سقوطه وانقطاعه وليس في طاقة خصمه أن يجبره على السكوت، وما عليه اكثر مما بينّه. والضرب الآخر من الانقطاع أن يرد على الخصم ما لا يعرف وجهته فيقر بالحق ويقول: ليس عندي في هذا الوقت جواب وأنا أذكر فيه. فهذا هو مذهب العلماء وليس هذا المقر بما ورد عليه ينقص عن مرتبة العلم باتصافه بل هو في ذلك يزداد باتصافه عند العلماء جلالة. اخبرنا الرجاج قال: سمعت المبرد يقول روى عن الشعبي انه قيل له: أما تستحيَ من كثرة ما تقول إذا سئلت لا ادري؟ فقال: لكن ملائكة الله المقربين لم يستحيوا إن سئلوا عما لا علم لهم به فقالوا: سبحانك لا علم لنا إلا فاعلمنا. اخبرنا احمد بن الحسن بن سفيان قال اخبرنا احمد بن عبيد بن ناصح قال: وفد عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير على جعفر ومحمد ابني سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس فتوسلا له إلى المهدي حتى ادخلاه عليه، فأمر بأموال ورقيق فقال: الطويل سقى الله أطلالا ونعمة ... إلى ملحز إذ يسكن الحي محلزا نحاها من بهتان رعية ... وأخرى شمالي إذا ما ترحزا

مسألة

عهدت بها بيضاء من آل مازن ... إذا ما انتمت عدت هلال بن أجوزا رحلت المطايا يعتلين إليكم ... بوادن حتى صرن يحسبن نخّزا فكم قطعت قفا إليكم ورملة ... واقتم مغبر العجاج وأمعزا خرانق يرمين النعام على البرى ... إذا الخمس في الموماة بالركب جلزا خرانق يرمين لانعام على البري ... إذا الخمس في الموماة بالركب جلز فما بلغت حتى كأن عيونها ... قلاة من الأنمار أصبحن نكزا جزى الله عني جعفرا ومحمدا ... كرامته الله وأفضل من جزى فقد سهلا عند الخليفة مدخلي ... وقد حبواني بالجزيل فأنجزا أكفهما تندى ويعرف فضلها ... إذا ما أكف الناس أصبحن نكزا فكم من حسير قد رجا غايتهما ... فقصر مذموما كليلا وبرزا قناتاهما لم يلف ذو الضغن فيهما ... ليانا ولا الأعداء في الحرب مغمزا هما ابنا رسول الله وابنا ابن عمه ... سليمان خير الناس فرعا ومغرزا وإنكما يا ابني سليمان عدتي ... وحوزي إذا لم أجد متحوزا وأنكما أوفى نزار بذمة ... وأكرم مرقى زائر حين أعوزا قال ابن عمارة: فأنشدت والدي هذه الأبيات فقال: لقد كال ابوك لهما المديح فهل أعطيانا خادما يخدمه؟ فقلت: قد أعطيانا خادما وأموالا كثيرة. اخبرنا ابن شقير قال اخبرنا أحمد بن عبيد عن يعقوب بن السكيت قال: كان في العرب رجل سيئ الأقتضاء وآخر سيئ القضاء يقال له عقرب. فقالت العرب: وددنا أن تقع بينهما معاملة لننظر كيف يفعلان. فوقعت بينهما معاملة إلى أجل، فلما كان قبل الأجل بشهر وافى المقتضي إلى باب عقرب فبنى بحذائه دكانا فجلس عليه، فخرج عقرب فقال: ما جاء بك؟ قال: خير. قال: أوحل دينك؟ قال: وهل اقتضيتك؟ قال: فما قعودك على بابي؟ قال: أو تمنعني في الطريق؟ فلم يزل مقيما على الدكان ثلاثين يوما ليله ونهاره حتى حل الأجل، فخرج عقرب عليه فضرب بيده إليه، فما فارقه حتى قضاه دينه وأنشأ يقول: السريع قد تجرت في سوقنا عقرب ... لا مرحبا بالعقرب الفاجرة كل عدوّ يتقي شرّه ... ويتقى حمته الدابره إن عدوّ كيده في أسته ... لغير ذي شر ولا مائره إن عادت العقرب عدنا لها ... وكانت النعل لها حاضره مسألة قول الله جلّ وعلا: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم) فرفع. وقال في آخر سورة الفتح في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: (محمد رسول الله والذين معه) إلى إن انتهى إلى قوله: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) فنصب بإيقاع الفعل به. تقديره: وعد الله الذين آمنوا منهم مغفرة أي سترا على ذنوبهم المتقدمة قبل الإسلام. وصفحا عنها وأجرا عظيما بنصرتهم النبي صلى الله عليه وسلم، ومساعدتهم له فضيلة لهم على سواهم من المؤمنين ممن لم يساعده فأما الآية الأولى فقال: (وعد الله الذين آمنوا ... ) فجاءت عامة، ثم فسّر ذلك الوعد فقال: (لهم لمغفرة واجر عظيم) فتقديره: وعدهم الله وعدا ثم بين الوعد فقال: لهم مغفرة. ولو نصب وقد أتى باللام ما جاز وكان كلاما غير جائز وكان بمنزلة قولك: وعدت زيدا له درهما، ولكنه اضمر الموعود به مصدرا لان الإضمار في كلام العرب وفي كتاب الله مشهور كثير لدلالة القول عليه، منه قوله تعالى: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) تقديره: بدا لهم بدوا لان الفعل لا بد له من فاعل. ومنه (من بعد ما كاد تزيغ قلوب فريق منهم) ففي كاد فاعل مضمر ولولا ذلك لم يكن فعلا. ومنه قول العرب: من كذب كان شرا له، ومن صدق كان خيرا له، فاضمروا الصدق والكذب لدلالة الفعل عليهما. ومنه قوله: من أشبه أباه فما ظلم الشبهة، أي لم يضعه لها في موضعه. ومنه: (ولا تحسبن الذين يبخلون.......) ، ثم قال: (هو خيرا لهم....) تأويلة: البخل هو خيرا لهم. قال حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا يزيد بن هرون قال وحدثني، محمد بن الربيع بن الحكم:

اخبرنا نفطوية قال حدثنا يزيد بن هرون عن سليم بن سعيد بن مينا قال: سمعت ابن الزبير وهو على المنبر حين أراد هدم الكعبة وبنيها يقول: حدثتني خالتي عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة لولا إن قومك قريبو عهد بشرك لهدمت الكعبة ثم لزدت فيها ستة اذرع من الحجر إن قريشاً تصرّ بها حين بنوها النفقة، وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا. قال: فشهدته حين هدمها وزاد فيها من الحطيم ستة اذرع فإذا صخور مثل إعجاز الإبل فجعل لها بابين وفرح بذلك فرحا شديدا. قال نفطويه: فلما قتل: ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين أمر عبد الملك الحجاج على الحجاز فهدم ما كان بناه ابن الزبير وردّه إلى حاله الأولى، فهو إلى الآن على ذلك، وفي ذلك يقول جرير: الطويل أرى الطير بالحجاج تجري أيامنا ... لكم يا أمير المؤمنين واسعدا رجعت لبيت الله عهد نبيّه ... وأصلحت ما كان الخبيان افسدا قال: كان عبد الله بن الزبير يكنى أبا بكر وأخوه يكنى أبا خبيب فكني بأخيه فقيل: الخبيبان. اخبرنا نفطويه قال اخبرني ثعلب عن ابن الأعرابي قال: تقول العرب: اجعل هذا الأمرَ بأجاً واحدا، وسماطا واحدا، وبيانا واحدا، وسكة واحدة وأنبوبا ورزدقا وشوكلا وقدة وشراكا ورعبوبا وحنانا ووضاحا ومحجّة. كله بمعنى واحد، هكذا الرواية عن ابن الأعرابي. قال: وإنما هذا اتساع وتقارب، والبأج: القرن الواحد وهو فارسي معرب، فأما السكّة والحنان والوضاح والمحجة فالطريق، وأمّا السطر والرزدق والسماط فالصف من الناس وغيرها. وأمّا القدّة والشراك فالطريقة. أنشدنا الأخفش قال أنشدني ثعلب وقرأت على محمد بن الحسن الأحول لتأبط شرّ ا: الطويل وقالوا لها: لا تنكحيه فانه ... لأول قرن أن يلاقي مجمعا يقول: انه يقتل في أول حرب يلقاها لان يتعرض للموت. فلم تر من رأى فتيلا وحاذرت ... فأيمتها من لابس الليل أروعا يقول: لم تر من رأى حزم ما يساوي فتيلا في تركها تزوجي. والفتيل: المستطيل في بطن النواة. قليل غرار العين اكبر هّمه ... دم الثأر أو يلقى كميا مشيعا الغرار: النوم القليل، والغرار في غير هذا: حدّ السيف ونحوه. والغرار: المثال، يقال: بيوتهم على غرار واحد أي على مثال واحد. والغرار: كساد السوق، يقال: لسوقنا درة وغرار: أي نفاد وكساد. والكمي: الشجاع سميّ بذلك لأنه يتكمىّ القنال والشرّ أي يتعمّدهما، وقيل سميّ بذلك لأنه يتكمي شجاعته أي يسترها. والمشيع: أيضا الشجاع. يماصعه كل يشجع يومه ... وما ضربه هام العدى ليشجعا المماصعة: المماكرة بالسيوف وكذلك الصاع. وقوله يشجع يومه الذي يلقى فيه وما لغو، والمعنى: ضربه هام العدى ليوصف بالشجاعة. وقال ثعلب: الأجود أن تكون ما جحد، والمعنى إن خلقته خلقة الشجعان. فشجاعته طبع، وليس ضربه هام العدى ليوصف بالشجاعة ولكن طبعا. قليل ادخار اللحم إلا تعلّة ... فقد نشر الشرسوف والتصق المعا يقول: لا يعتلف من اللحم إلا بمقدار ما يتعلل به. ونشر الشرسوف يقول: بدا حجم شراسفه لالتقاء العقلب والصفاق، والشرسوف: غضروف معلق بكل ضلع مثل غضروف الكتف. يبيت بمعنى الوحش حتى ألفنه ... فأصبح لا يحمي لها الدهر مرتعا ولكن أرباب المخاض يشفهم ... إذا ما رأوه حاسرا أو مقنعا يقول: أن أرباب الإبل هم يحزنون من أجله ويخافونه لأنه يطردها على كل حال حاسرا كان أو ذا سلاح. والمخاض: الحوامل من الإبل واحدتها خلف من غير لفظها. وإنّي وإن عّمرت أعلم أنّني ... ألاقي سنان الموت يبرق أصلعا أخبرنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال حدثني أبي وأخبرنا أبو القاسم الصائغ قال حدثنا ابن قتيبة قال أخبرني السجستاني عن أبي عبيدة في قوله تعالى: (وظلّ ممدود) قال: دائم لا تنسخه الشمس قال أبو محمد: وفي الأثر (ظل الجنة سجبح) قال معناه لا حر فيه ولا برد. وقال بعض العلماء هو بمنزلة عداوات الصيف قبل طلوع الشمس. ومعنى ظل الجنة إنما هو ومنه قول الناس: فلان في ظل فلان أي في ذراه وكنفه، وظل الليل سواده لأنه يسكن فيستر بظلمته كل شيء، قال ذو الرمة: البسيط

قد أعسف النازخ المجهول معسفه ... في ظل أخضر يدعو هامه البوم أي: في ظل أسود. أخبرنا أحمد وأبو القاسم الصائغ. قال: حدثنا عبد الله بن مسلم عن السجستاني عن أبى عبيدة في قول الله تعالى (فمستقر ومستودع) قال: مستقر في الصلب، ومستودع في الرحم. اخبرنا الأخفش والزجاج عن المبرد قال: شعراء ثلاثة احترفت أشعارهم وكلهم من حمير، المسند ويحيى بن نوفل وأبو الهول. فجلس الفضل بن يحيى البرمكي بالنهروان مجلسا غانيا للشعر فتقدم إليه أبو الهول ينشده فقال: لست أسمع منك شيئا من المديح أو تنشدني مما هجوتنا به، فأبى عليه فأقسم عليه ليفعلن فأنشأ يقول: المتقارب إذا ذكر الشرك في مجلس ... أضاءت وجوه بني برمك وإن تليت عندهم سورة ... أتوا بالأحاديث من مزدك فأمر له بعشرين ألف درهم، وقال: هات المديح، فأنشأ يقول: الطويل لعهدي بهذا البحر ليس يجوزه ... سوى خائف من ذنبه أو مخاطر فصار جودك عامر ... كأن عليه محكمات القناطر فأمر له بعشرين ألف درهم، فلما قبض المال قال له: أصلحك الله أن هذا المال لا يخلص معي إلى منزلي، فبعث معه بفرسان حتى أدنوه إلى منزله. أنشدنا الزجاج قال أنشدنا المبرد قال أنشدني المازني لأبي الأسود الدؤلي: الوافر أحب محمدا حبّا شديدا ... وعبّاسا وحمزة والوصياّ أحبهم لحب الله حتى ... أجئ إذا حشرت على هويّا هوى أعطيته منذ استدارت ... رحى الإسلام لم يعدل سويّا يقول الأرذلون بنو قشير ... طوال الدهر ما تنسى عليّا بنو عم النبيّ وأقربوه ... أحبّ الناس كلهم إليّا فإن يك حبهم رشدا أصبه ... وليس بمخطئ إن كان غيّا حدثنا أبو بكر محمد بن محمود الواسطي قال حدثنا أبي قال حدثنا الصلت بن مسعود الجحدري فال حدثنا هيثم بن عدي الطافي أبو عبد الرحمن عن مجالد بن سعيد عن الشعبي قال: سألنا ابن عباس أو سئل ابن عباس: من أول الناس إسلاما؟ فقال: أبو بكر، أما سمعت قول حسان: البسيط إذا تذكّرت شجوا من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا خير البريّة أتقاها وأعدلها ... بعد النبي وأوفاهم بما حملا التالي الثاني المحمود مشهده ... وأوّ ل الناس منهم صدق الرّسلا أخبرنا نفطويه عن ثعلب عن سلمة عن الفراء قال: كل مستدير كفّه، وكل مستطيل كفّه، والكفّه: المرّ ة الواحدة من الكف بالفتح، وعلى رأي الكسائي كفّة الميزان بالفتح أيضا. والكفّة بالكسر: ماله استدارة من الرمل، والكفّة أيضا: طوق المنخل، والكفّة أيضا: حبالة الصائد ويقال لها البيضاء، وأنشد: الطويل وبيضاء من مال الفتى أن أزاحها ... أفاد وإلاّ ماله مال مقتر يقول: إن أزاح بها فقد أفاد شيئا من المال، وإلا فهو مقتر. والبيضاء: الشمس، وأنشد الطويل وبيضاء لم تطبع بعيب يرى بها ... ترى أعين الفتيان من دونها خزرا والبيضاء: بيضة النعامة، وينشد: الطويل وبيضاء ما تنحاس منا وأمها ... إذ ما رأتنا زال منا ذويلها اخبرنا الأخفش قال اخبرنا المبرد قال قال عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب: لما ثقل معاوية بعث إلى يزيد وكان في ضياعه بغلام له يقال له ليعلمه ثقل أبيه، فلما أعمله أقبل مسرعا وأنشأ يقول البسيط جاء البريد بقرطاس يجرّ به ... فأوجس القلب من قرطاسه فزعا قلنا: لك الويل ماذا في صحيفتكم ... قال الخليفة أمسى بيننا وجعا فمادت الأرض أو كادت تميد بنا ... كأّن أغبر من أركانها انقلعا نمت عليه إلى عيس مزمّمة ... تغشى الفجاج بها لا تأتي شرعا لسنا نبالي إذا أتلفن أرحلنا ... ما مات منهن بالبيداء أو ظلعا من لا تزال نفسه توفي على شرف ... توشك مقادير تلك النفس أن تقعا لما انتهينا وباب الدار منطبق ... لخوف رملة ريع القلب فارتدعا

فلما دخل عليه خلا به وأخرج أهل بيته فقال: يا يزيد: جاء أمر الله، وهذا أوان هلاكي فما أنت صانع بأمر هذه الأمة بعدي؟ فمن أجلك آثرت الدنيا على الآخرة وحملت الوزر على ظهري لتعلو بني أبيك، فقال: آخذهم بكتاب الله وسنة نبيه، واقتلهم عليه. فقال: ويحك ألا تسير بسيرة أبي بكر الذي قاتل أهل الردّ ة ومض والأمة عنه راضون؟ قال: لا إلاّ أخذهم بكتا'ب الله وسنة نبيه واقتلهم عليه. قال: أولا تسير بسيرة عمر الذي جنّد الأجناد، ومكّر الأمصار، وفرض العطية، وحيا الفيء، وقاتل العدوّ، ومضى والأمة عنه راضون؟ قال: لا إلا آخذهم بكتاب الله وسنة نبيه واقتلهم عليه. قال: أو لا تسير بسيرة عّمك عثمان الذي أكل في حياته وأطعم في مماته، واستعمل أقاربه؟ قال: لا إلا آخذهم بكتاب الله وسنة نبيه واقتلهم عليه. قال: أولا تسير بسيرة أبيك الذي أكل في حياته وأطعم في مماته وحمل الوزر على ظهره؟ قال: لا. قال: يا يزيد انقطع الرجاء منك انك ستقاتل هؤلاء كلهم فتقتل خيار قومك، وتغزو حرم ربك بأوباش الناس وتطعمهم يومهم ظلما بغير حق، ثم تفجؤك المنيةّ فلا دنيا أصبت ولا آخرة أدركت. يا يزيد أما إذا لم تصب الرشد فإني قد وطأت لك الأمور وأذللت لك أعز العرب، وأخضعت لك أهل الشرف والكرم، وكفيتك الحلّ والترحال، وجمعت لك ما يجمع واحد، ولست أخشى عليك أن ينازعك هذا الأمر إلا ثلاثة نفر، الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وابن الزبير. فأما ابن عمر فننهد اشتغل بالعبادة وخلا من الدنيا وشغل نفسه فليس ينازعك عليها أو تجيئه عفوا، وأما الذي يجثم جثوم السبع ويروغ روغان الثعلب إن أمكنته فرصة وثب عليها فابن الزبير فان هو فعل وتمكنت منه فقطعه أربا أربا ألا أن يطلب صلحا فان طلب فافعل. واحقن دماء قومك تمل قلوبهم إليك. وأما الحسين بن علي فان له حرمة وحقا وولاؤه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما أظن أهل العراق تاركيه حتى يخرجونه عليك فان فعل وتمكنت منه فاصفح عنه فأني لو كنت صاحبه لعفوت عنه، قم عنيّ. أنشدنا الأخفش قال أنشدنا المبرد لمسلم بن الوليد: البسيط لي يبق بعد حلول الشيب في الرأس ... ألاّ ترقّب داء ماله اَس حين اعتزمت على السلوان وارتدعت ... نفسي وقربت بعد الجهل افراسي مرت تصدّى لي الصهباء مشرقة ... من كف ساق بعينيه وبالكأس بانت تجافي عن الأخرى وريقتها ... تمج برد الرضا في حرّ أنفاسي اخبرنا ابن شقبر قال قال حدثنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: تقول العرب لكل من قاتل: ضرب أخماسا لأسداس، وأصل ذلك أن رجلا كان له بنون يرعون مالا له، وكان لهم نساء فكانوا يقولون لأبيهم أنا نرعى سدسا فيرعون خمسا ويسرقون يوما يأتون فيه نساءهم، وكذلك كانوا يقولون في الخمس في الخمس فيرعون ربعا ويسرقون يوما، ففطن له فقال الوافي وذلك ضرب أخماس أريدت لأسداس عسى ألاّ تكونا فنقل هذا البيت الكميت في قصيدته لأنه صار مثلا سائرا فقال: وذلك ضرب أخماس................. البيت وأنشد ابن الأعرابي في مثله البسيط والله والله لولا إنني فرق ... من الأمير لعاتبت ابن نبراس في موعد قاله لي ثم أخلفه ... غدا غدا ضرب أخماس لأسداس حتى إذا نحن ألجأنا مواعده ... إلى الحقائق في رفق وايناس أبدت مخيلته عن لا فقلت له ... لوما بدأت بها ما كان من باس وليس يرجع في لا بعدما سلفت ... منه نعم طائعا حر من الناس فأما قول للآخر: والمجد يدرك أخماسا وأسداسا فمعناه: انه مفرق لا يكاد يوجد مجتمعا في واحد. قال ابن الأعرابي: والنبراس: السراج، يقال: هو النبراس والسراج والقراط والقرط وهزلق والمصباح والوابصة والوابص والوبيص والمأنوس والحيكة بمعنى واحد. أنشدنا الأخفش قال أنشدنا المبرد لأبي الغناهية: المديد ساكن يبقى له سكن ... ما بهذا يخبر الزمن نخن في دار يخبرّنها ... عن بلاها ناطق لسن دار سوء لم يدم فرح ... لا مريء فيها ولا حزن في سبيل الله أنفسنا ... كلها بالموت مرتهن

كل نفس عند ميتتها ... حظّها من جمعها كفن حدثنا أبو بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا أبو غزية قال حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن غوفة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ العبد (إذا مرض نفى الله عنه الخطايا في مرضه كما ينفي الكير خبث الحديد) قال ابن السكيت: الكير كير الحداد، والكور: الرحل وجمعه أكوار وكيران، قال: وسمعت أبا عمرو الشيباني يقول: الكور المبني من الحديد والطين، والكير: الزق الذي ينفخ به، قال بشر يصف فرسه: الوافر كأنّ حفيف منخره إذا ما ... كتمن الربو كير مستدار حدثنا يوسف بن يعقوب قال حدثني جدّي قراءة عليه قال حدثني إسحاق الأزرق عن سفيان وحمزة الزيات عن الأعشى عن أبي وائل فال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: إني قد سمعت القرّاء فوجدتهم متقاربين فاقرءوا كما علّمتم، وإياكم والتنطعّ فإنما هو كقول أحدكم: هلمّ، وتعال وأقبل. حدثنا يعقوب قال حدثني جدي قراءة عليه عن أبي داود عن محمد بن عبد الله عن أبي إسحاق عن البراء يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الشعر حكما وان من البيان سحرا) قال أبو القاسم: كذا روينا هذا الخبر وراجعت فيه الشيخ فقال لهم: هو أن من الشعر حكما بضم وتسكين الكاف، ووجهه عندي إذا روى هكذا: أن من الشعر ما يلزم المقول فيه كلزوم الحكم للمحكوم عليه إصابة معنى وقصدا للصواب، وفي نحو هذا يقول أبو تمام: الطويل فلولا سبيل سنها الشعر ما درى ... بغاة العلا من أين تؤتى المكارم ترى حكمة ما فيه وهي فكاهة ... ويقضي لما يقضي به وهو ظالم اخبرنا الأخفش قان اخبرنا المبرد قال: قرأته على خلف فحدثني انه سمعه من أبي عمرو الشيباني وغيره أن عبد الله بن مسعود الفزاري وعمرو بن هبيرة السكوني تذاكرا الشعر عند معاوية بن أبي سفيان فقال السكوني: امرؤ القيس أشعر الناس. فقال الفزاري: كلا أن فينا لشعراء ما أظن أحدا يبلغهم إلى أن تناهي بهما القول إلى أن قالا: فأنمت بيننا يا أمير المؤمنين. فقال للسكوني: أنشدني لهما، فلم يجد عنده رواية. فقال القراري: أنا أنشدك لهما، ابن عمه يقول: الطويل فأصبحت ودعت الصّبا غير أنني ... أراقب خلات من الناس أربعا فمنهم فسوفي الخود قد بلهّا الندى ... تراقب منظوم التمائم مرضعا يعزّ عليها ريبتي ويسوؤها ... بكاه فتثني الجيد أن يتضوعا وابن عمه الذي يقول: الطويل ومرضعة أو فاطم قد طرقتها ... فألهيتها عن ذي تمائم معيل إذا ما ضنا في مهده عطفت له ... بشق وتحتي شقهّا لم يحوّل ومعاوية يقول: أفّ له، قال: وابن عمي الذي يقول: البسيط ولا أخالف جاري في حليلته ... ولا ابن عمي غالتني إذا غول ولا احدّد أظفاري لا لطمه ... أنّ السبّاب وقول السوء محمول ولا أقول وفضل الماء ذو نفس ... من الحرارة أن الماء مشغول ولا أكون وكاء الزاد امنعه ... وقد علمت بأن الزاد مأكول حَتى يقال وقد عوليت في ظعن ... أنّ ابن عوف أبو قران مجعول اخبرنا الأخفش قال اخبرنا المبرد قال: قرأته على خلف فحدثني انه سمعه حدثت عن الزهري أنه قال: كنت اختلف إلى عبيد الله بن عبد الله اكتب عنه فكنت أقوم له إذا خرج وأسوي عليه ثيابه إذا ركب حتى ظننت أني قد استفزعت ما عنده. فخرج ذات يوم فلم أقم له، فقال لي: انّك في العزاز فقم. أبو القاسم: العزاز: ما صلب من الأرض وإنما يكون في أطراف الأرضيين وأوائل الطرق فإذا توسطتها وصرت إلى اللين والسهولة فيقول له: انّك بعد في أوائل العلوم ولم تتوسطها فارجع إلى ما كنت عليه من التنظم والإكرام لي. أخبرنا الأخفش عن المبرد قال حدثني بعض جلساء الفخذمي عنه انه قال: كانت امرأة من الأعراب لها أربعة بنين وكان يجتاز بها اخوة أربعة أشكال بنيها وأسنانهم فتأنس بهم ثم أن بنيها أصيبوا فانقطعت الاخوة عنها إبقاء عليها من الحزن إذا رأتهم. ثم أنهم عزموا عزمة على المرور بها فرحا وبقيا، فلما رأتهم أنشأت تقول: الكامل

لن يلبث القرناء أن يتفرقوا ... ليل يكر عليهم ونهار فمرض أحدهم ومات، فانقطع الثلاثة عنها زمانا ثم اجتازوا بها فأنشأت تقول: السريع كل بني أم وأن أكثرت ... يوما يصيرون إلى واحد فمرض أحدهم ومات فأنقطع الاثنان عنها زمانا ثم اجتازوا بها فقالت: الوافر وكل أخ مفارقة أخوه ... لعمر أبيك ألا الفرقدان فمرض أحدهما ومات، ثم اجتاز بها الباقي فأنشأت تقول: السريع والواحد الفرد كمن قد مضى ... ليس بمتروك ولا خالد فقال لها قبليني جعلت فداك فلست والله بعائد. قال أبو القاسم: أما قوله الفرقدان فإنما رفعه لأنه جعل إلا لكل وحملها على معنى غير كأنه قال: وكل أخ غير الفرقدين مفارقة أخوه، وإلا تكون نعتا للنكرات لمضارعتها غير كقولك: لو كان معنا رجل ألا زيد لهلكنا، أو كما قال الله تعالى (لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدنا) قال سيبويه: هذا نعت والمعنى: لو كان فيها آلهة غير الله لفسدنا، وأنشد: البسيط لو كانَ غَيري سلُيمى اليومَ غيره ... وقعُ الحوادث إلا الصارم الذكر أنشدنا الأخفش قال أنشدنا محمد بن الحسن الأحول لبشر بن هذيل الفزاري: الطويل وعاذلة هّبت بليل تلومني ... ولم يفتني في قبل ذاك عذول نقول اتئد لا يَرْعُكََ الناس مُملقاً ... ويزري بمن يا بن الكرام تقول فقلت: أبت نفسٌ عليّ كريمةٌ ... وطارق ليل غير ذاك يقول سرى في سواد الليل يضرب ثوبه ... ذراعيّة تزجي السقيط بليل وقيل فان أو فلان وأعصفت شمال بضراد الجهام بليل فإني لا أخَزى إذا قيل مملقٌ ... سخّي وأحرى أن يقال بخيل فان لا يكن باعي طويلا فإنني ... له بالخلال الصالحات وصول إذا كنتُ في القوم الطوالِ فَضَلتْهُمْ ... بعارفة حتى يقال طويل وكم قد رأينا من فروع كثيرة ... تموت إذا لم يحيهن أصول وإن آل قصدا في الرجال فإنني ... إذا حلّ أمر ساحتي لجليل ولا تنظري ما يعجب العين وانظري ... إلى عنصر الأحساب أين يؤول ولا خير في حسن الجسوم وطولها ... إذا لم يزن حُسنَْ الجسومِ عقول قال أبو القاسم المملق: الفقير، واشتقاقه من الملقة وهي الصخرة الملساء التي لا يتعلق بها شيء، وجمعها ملقات، وانشد ابن السكيت: الوافر أتيح لها أقيدر ذو حشيف ... إذا سامت على الملقات ساما والذراعيه: سحابة نشأت بنوء الذراع أو ريح هبت بعقبة. والسقيط: الجليد والثلج، والبليل: الريح البادرة، والجهام: السحاب الذي لا ماء فيه. اخبرنا الأخفش قال: اخبرنا ثعلب عن الرياشي قال: كان ذئب يأتي أهل قران فيؤذيهم في ثمارهم فجاءهم صائد فقال: ما تعطونني أن أخذته؟ قالوا: شاة من كل قطيع. قال: فذهب فجاء به وقد شده فكبروا وجعلوا يتضاحكون منه فأحس منهم بالغدر فقطع الحبل ووثب شده فكبروا وجعلوا يتضاحكون منه فأحس منهم بالغدر فقطع الحبل ووثب الذئب فوثبوا عليه ليقتلوه. فقال: لا عليكم أن وفيتم لي رددته، فحلوه ليرده فانطلق وهو يقول: البسيط أعلق بالذئب حبلا ثم قلت له ... يا الحق بأهلك واسلم أيها الذيب إن كنت من أهل قران فعد لهم ... أو الكنيزة فاذهب غير مطلوب سأله كيف كانت خير عيشته ... فقال: ماض على الأهوال مرهوب النحل أدعى به ما كان ذو رطب ... وإن شتوت ففي شاء الأعاريب وبعض الناس يرويه وهو من رواية قطرب: البسيط أما تقود به شاة فنأكلها ... أو أن تبيعه في بعض الأعاريب أما قوله: يا الحق بأهلك: فانه أراد: يا هذا الحق بأهلك فأضمر المنادى كما قال الله عز وجل (إلا يسجدوا لله) . كما قال الشاعر: البسيط يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والصالحين على سمعان من جار

وأما قوله: فعد لهم فهذا هو الوجه باسكان الدال والتخفيف لأنه من عاد يعود. ورواه بعضهم: فعدّ لهم بالتشديد ووجهه عندي أن يكون نوى الوقف عليه ثم نقله لذلك ثم أجرى الوصل على الوقف كما انشد سيبويه: الراجز لقد خشيت أن أرى جَدَبا ... في عامنا ذا بعد ما أخصبا وكما قال: السريع ضخم يحبّ الخلق الأضخما وأما قوله: كيف كانت خير عيشته. فانه أنثّ خيرا لما أضافه إلى العيشة وهو بعضها كما قالوا: ذهبت بعض أصابعه، وتخرقت بعض حلته، وأما قوله: فقال ماض على الأهوال مرهوب. فذلك من شاذ العرب كما قال الآخر الوافر فقال القائلون لمن خفرتهم ... فقال السامعون لهم وزير تأويله: المخفور له وزير. نحو قول الله تعالى: (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم؟ قالوا: أساطير الأولين) . قال يونس: لم يقرروا أن الله أنزل شيئا لأنه في ذكر الكافرين، فقطعوا الجواب وابتدأوا فقالوا (هذا أساطير الأولين) . والنحل اسم موضع، وفيرواية أخرى: النخل أعمره ما كان ذا رطب ... ................ والرطب: ما كان رطبا من النبات وهو الخلا أيضا مقصور، والحشيش: ما كان يابسا، والكلأ يجمعها. وأما قوله: أو أن تبيعه. فانه أراد تبيعها فحذف الألف وهو شاذ لم يجئ له نظير في كلام العرب لأنه إنما يحذف الياء والواو المتصلتان بالمضمر، ولا تحذف الألف لخفتها. أخبرنا ابن دريد قال اخبرني عبد الرحمن عن عمه، وأبو حاتم عن أبى عبيدة قالا: كانت امرأة من العرب ذات جمال وكمال وحسب ومال فآلت لا تزوج نفسها إلا من كريم، ولئن خطبها لئين لتجدعن أنفه فتحاماها الناس حتى أنتدب لها زيد الخيل وحاتم بن عبد الله وأوس بن حارثة بن لأم الطائيون فارتحلوا إليها فلما دخلوا عليها قالت: مرحبا بكم ما كنتم زوارا فما الذي جاء بكم؟ قالوا: جئنا زوارا خطابا. قالت: أكفاء كرام فأنزلتهم وفرقت بينهم وأسبغت لهم القرى وزادت فيه. فلما كان في اليوم الثاني بعثت بعض جواريها متنكرة في زي سائلة تتعرض لهم، فدفع لها زيد وأوس شطر ما حمل إلى كل واحد منهما. فلما صارت إلى رحل حاتم دفع إليها جميع ما كان معه من نفقة وحمل معها جميع ما حمل إليه، فلما كان في اليوم الثالث دخلوا عليها، فقالت: ليصف كل واحد منكم نفسه في شعره فابتدر زيد وأنشأ يقول: البسيط هلاَ سألت بني ذبيان ما حسبي ... عند الطّعان إذا ما احمرّت الحلق وجاءت الخيل محمرا بوادرها ... بالماء يسفح عن لباتها العلق والخيل تعلم إني كنت فارسها ... يوم الأكس به من نجدة روق والجار يعلم إني لست خاذله ... إن ناب دهر لعظم الجار معترق هذا الثناء فان ترضى فراضية ... أو تسخطي فالي من تعطف العنق وقال أوس بن حارثة: انك لتعلمين أنا أكرم أحسابا وأشهر أفعالا من أن نصف أنفسنا لك أنا الذي يقول فيه الشاعر: الوافر إلى أوس بن حارثة بن لأم ... ليقضي حاجتي ولقد قضاها فما وطيء الحصا مثل ابن سعدي ... ولا لبس النعال ولا احتذاها وأنا الذي عقت عقيقته فأعتقت عن كل شعرة منها نسمة. ثم أنشأ يقول: الطويل فان تنكحي ماويّة الخير حاتما ... فما مثله فينا ولا في الأعاجم شتى لا يزال الدهر أكبر همه ... فكاك أسير أو معونة غارم وأن تنكحي زيدا ففارس قومه ... إذا الحرب يوما أقعدت كل قائم وصاحب نبهان الذي يتقّى به ... شذا الأمر عند المعظم المتفاقم ولا تنكحيني تنكحي غير فاجر ... ولا جارف جرف العشيرة هادم ولا متقّ يوما إذا الحرب شمرّت ... بأنفسها نفسي كفعل الأشائم وان طارق الأضياف لاذ برحله ... وجدت ابن سعدي للقرى غير عاتم فأي فتى أهدى لك الله فاقبلي ... فإنّا كرام من رؤوس أكارم وأنشأ حاتم يقول: الطويل أماوىّ قد طال التجنبّ والهجر ... وقد عذرتني في طلابكم عذر أماوىّ أما مانع فمبيّن ... وأمّا عطاء لا ينهنهه الزجر

أماوىّ ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر وقد علم الأقوام لو أنّ حاتما ... أراد ثراء المال كان له وفر إلى أن انتهى إلى آخر القصيدة، وهي مشهورة، فقالت: أما أنت يا زيد فقد وترت العرب وبقاؤك مع الحرّة قليل وأما أنت يا أوس فرجل ذو ضرائر، والدخول عليهن شديد، وأما أنت يا حاتم فمرضيّ الخلائق، محمود الشيم، كريم النفس وقد زوجتك نفسي. اخبرنا نفطويه قال اخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: تقول العرب: الملاحة في الفم، والحلاوة في العينين، والجمال في الأنف. قان أبو القاسم: البوادر: اللحمات بين الكتفين المنكبين والعنق واحدتها بادرة وكذلك البآدل واحدتها بادل، والعلق: الدم، والكشر: قصر الأسنان ولصوقها بأصولها، يقال منه: رجل أكشر. والبال: طول مقدم الأسنان وكذلك الروق. اخبرنا أبو عبد الله اليزيدي قال اخبرني عمي الفضل بن محمد قال أنشدني سليمان بن عبد الله بن طاهر لأبيه: الطويل ألا إنما الإنسان غمد لقلبه ... ولا خير في غمد إذا لم يكن نصل فان كان للإنسان قلب فقلبه ... هو النصل والإنسان من بعده فضل اخبرنا ابن دريد قال اخبرني عبد الرحمن عن عمه قال: وقف أعرابي على مروان بن الحكم وهو يفرض للناس بالمدينة فقال له: افرض لي فقال: قد طوينا الكتاب. فقال: افرض لي. فقال: قد طوينا الكتاب. فقال: أما علمت إني القائل: الوافر إذا هزّ الكريم يزيد خيرا ... وان هزّ اللئيم فلا يزيد فقال له مروان: نشدتك بالله أنت القائل له؟ قال: نعم. قال: أفرضوا له. أخبرنا ابن دريد قال أخبرني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: عمي يتطير مني ويتشاءم، وكانت الضرورة تدعوني إلى لقائه للقراءة عليه فكنت لا آتيه حتى يفرغ من صلاته، فباكرته يوما وهو يصلي الغداة فجلست حتى فرغ من صلاته ثم التفت إليّ فقال: عبد الرحمن أعوذ بالله منك ثم أدار وجهه إلى ناحية اليمين فقمت فجلست بحذائه فأدار وجهه إلى ناحية يساره فقمت فجلست بحذائه فأدار وجهه عنيّ وجعل إليّ قفاه فقمت فجلست بحذائه فقال: هات يا ملعون ما معك فاقرأه، ثم انشأ يقول: مجزوء الرمل نظر العين إلى ذا ... يكحل العين بداء ربّ قد أعطيتناه ... وهو من شرّ عطاء عاريا يا ربّ خذه ... في قميص ورداء اخبرنا أبو جعفر احمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال اخبرني أبي قال اخبرني السجستاني قال: كنت عند الأخفش سعيد بن مسعدة وعنده التوزي فقال التوّزي: ما صنعت في كتاب المذكر والمؤنث يا أبا حاتم؟ قلت: قد جمعنا منه شيئا، قال: فما تقول في الفردوس؟ قلت: هو مذكر قال: فان الله يقول: (الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) قلت: ذهب إلى معنى الجنّة فأنثهّ كما قال تعالى (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) فأنّث والمثل مذكر لأنه ذهب إلى معنى الحسنات. وكما قال ابن أبي ربيعة: الطويل فكان مجنيّ دون من كنت أتّقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر فأنّث والشخوص مذكر لأنه ذهب إلى النساء، وأبان ذلك بقوله كاعبان ومعصر وكما قال الاخر: الطويل وان كلابا هذه عشر أبطن ... وأنت بريء من قبائلها العشر فأنث البطن وهو مذكر لأنه ذهب به إلى القبيلة. فقال لي: يا غافل الناس يقولون: اسألكَ الفردوس الأعلى. فقلت: يا نائم هذه حجتي لان الأعلى من صفات الذكران لأنه أفعل، ولو كان مؤنثا لقال العليا كما يقال الأكبر والكبرى والأصغر والصغرى، فسكت خجلا. اخبرنا أبو بكر محمد بن محمود الواسطي عن احمد بن صالح عن عبد الرزاق عن معمر قال: سألت أبا عمرو بن العلاء عن العثان ما هو؟ فسكت ساعة ثم قال: هو الدخان من غير نار. قال أبو القاسم: يقال هو الدخان وجمعه دواخن، والعثان وجمعه عواثن، ولا يعرفه لهما نظير في الجموع لان فعالا لا يجمع على فواعل غير هذين الحرفين. ويقال للدخان الدُخ والدَّخ والنحاس. أنشدنا ابن الأعرابي: تضيء كمثل سراج السلّيط لم يجعل الله فيه نحاسا وأنشد أيضا: الرجز لا خير في الشيخ إذا ما أجلخَا ... وسال غرب عينه فلخّها

وكان أكلا كله وشخّا ... تحت رواق البيت يغشى الدّخا قال أبو القاسم: اجلخّ: اعوج، ولخّ يقول: التصقت عينه. وشخّا: يقول كثر غائطه، ويغشى الدخّ: يقول يغشى التنور فيقول: أطعموني. اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا السجستاني عن الأصمعي قال: قلت لبعض الأعراب: أيّ الأيام أقرّ؟ فقال: الأحص الورد والازب الهلوّف. قلت: فسره لي. فقال: الاحص الورد هو يوم تصفو شماله ويحمر جوّه وتطلع شمسه فلا ينفكّ من يرده لأنك لا تجد لها مساّ. والازّب الهلوّف يوم تهب فيه نكباؤه تسوق الجهام. قال ابن دريد: أصل الحصص قلة الشعر، فكأنه لما لم يكن فيه غيم شبهه بالاحص الرس. والهلوّف الجمل الكثير الوبر، يقال: لحية هلّوفة إذا كانت كثيرة الشعر فشبهه بالغيم الذي فيه بهذا. والجهام: سحاب لا ماء فيه. اخبرنا نفطويه قال اخبرنا ثعلب قال اخبرني ابن نجدة عن أبي زيد الأنصاري قال: تقول العرب لشهري البرد: شيبان وملحان لما يرى، فيهما من بياض الثلج والصقيع. واشتقاق شيبان من الشيب وملحان من الملح. ويقال هما شهرا قماح لان الماء فيهما متكرّه مهجور، أخذ من مقامحة. الإبل وذلك أن تورد الماء فلا تشرب، وترفع رؤوسها. قال بشر بن أبى خازم يصف سفينة كان هو وأصحابه فيها: الوافر ونحن على جوانبها قعودٌ ... نغُضُّ الطرّفَ كالإبلِ القماح ويزعم العلماء بالأنواء إن مدة هذين الشهرين من لدن سقوط الثريّا وطلوع الإكليل إلى سقوط الظرف وطلوع سعد بلع، وتلك خمسة أنواء. قال: وتسمى العرب ضّدي هذين الشهرين في الحر واشتداده أيام ناجر مأخوذة من النجر وهو شدة العطش. قال ذو الرّمة يصف ماء ورده: الطويل صرى آجن يزوي له المرء وجهه ولو ذاقه ظمآن في شهر ناجر ممناّهها بالخمس والخمس بعده ... وبالحلّ والترحال أيام ناجر أعاد القافية مرتين لأنه واطأ في شعره، والعرب تسمي هذا الإيطاء. أنشدنا الصولي قال أنشدنا ابن المعتز لنفسه: الطويل وليل يودَ المصطلون بناره ... لو أنهم حتى الصباح وقودها رفعت به ناري لمن يبتغي القرى ... على شرف حتى أتتني وفودها قال الصولي وأنشدني ثعلب قال أنشدني ابن الأعرابي: الرجز ليلتك يا وقادّ ليل قرّ ... والريح مع ذلك فيها صرّ أوقد يرى نارك من يمرّ ... أن جلبت ضيفا فأنت حرّ أنشدنا أبو غانم المعنوي: المنسرح يوم من الزمهرير مقرور ... عليه جيب السماء مزرور وشمسه حرّة مخدّرة ... ليس لها من ضبابة نور كأنما الجوّ حشوه إبر ... والأرض من تحته قوارير أنشدنا الأخفش قال أنشدنا ثعلب لنويفع بن نفيع قال: الكامل بانت لطيّتها الغداة جنوب ... وطربت انك ما علمت طروب ولقد تجاورنا وتهجر بيتنا ... حتى تفارق أو يقال مريب وزيارة البيت الذي لا يبتغي ... فيه سواء حديثهن معيب ولقد يميل بي الشباب إلى الصبا ... حيننا فيحكم رأيي التجريب ولقد توسدني الفتاة يمينها ... وشمالها البهانة الرعبوب نفج الحقيبة لا ترى لكعوبها ... حدا وليس لساقها ظنبوب عظمت روادفها وأكمل خلقها ... والوالدان نجيبة ونجيب لما أحل الشيب بي أثقاله ... وعلمت أن شبابي المسلوب قالت: كبرت وكل صاحب لذة ... ليلى يعود وذلك التنبيب هل لي من الكبر المبير طبيب ... فأعود غرا والشباب عجيب ذهبت لداتي والشباب فليس لي ... فيمن ترين من الأنام ضريب وإذا السنون دأبن في طلب الفتى ... لحق السنون وأدرك المطلوب فأذهب إليك فليس يعلم عالم ... من أين يجمع حظه المكتوب يسعى الفتى لينال أفضل سعيه ... هيهات ذاك ودون ذاك خطوب يسعى ويأمل والمنية خلفه ... توفي الأكام لها عليه رقيب لا موت محتقر الصغير فعادل ... عنه ولا كبر الكبير مهيب

ولئن كبرت لقد عمرت كأنني ... غصن تفيئو الرياح رطيب وكذلك حقا من يعمرّ يبله ... كر الزمان عليه والتقليب حتى يعود من البلى وكأنه ... في الكف أفوق ناصل معصوب مرط القذاذ فليس فيه مصنع ... لا الريش ينفعه ولا التعقيب ذهبت شعوب بأهله وبماله ... أن المنايا للرجال شعوب والمرء من ريب الزمان كأنه ... عود تداوله الرعاء ركوب غرض لكل منية يرمي بها ... حتى يصاب سواده المنصوب قال أبو القاسم: لم يجيء في كلام العرب من المجموع على فعال إلا ستة أحرف،. ذلك قولهم: ظئر وظؤار، وعنز ربى واعنز رباب: للحديثة النتا ج، وتؤم وتؤام، وعرق وعراق، ورخل ورخال، وفرير وفرار: لولد البقرة. ومما جاء مثنى ولم ينطق له بواحد قولهم: جاء يضرب أزدريه، إذا جاء فارغا. وكذلك جاء يضرب أصدريه، ويقال للرجل إذا تهددّ وليس وراء ذلك شيء: جاء ينفض مذرويه، ويقال أيضا مثل ذلك إذا جاء فارغا لا شيء معه. ويقال: الشي، حوالينا بلفظ التثنية لا غير، ولم يفرد له واحد إلاّ في شعر شاذ الرجز أهدموا بيتك لا أبالكا ... وزعموا أنّك لا أخالكا وأنا أمشي الدّألي حوالكا ومن ذلك: دواليك، والمعنى مداولة بعد مداولة ولا يفرد له واحد. قال عبد بني الحسحاس: الطويل كأن الصبيرّيات يوم لقيننا ... ظباء أعارت طرفها للمكانس وهن بنات القوم أن يشعروا بنا ... يكن في بنات القوم إحدّى الدّهارس فكم قد شققنا من رداء منيرّ ... ومن برقع عن طفلة غير عانس إذا شقّ برد شقّ بالبرد مثله ... دوايك حتى كلّنا غير لابس ومن ذلك حنانيك، ومعناه تحننّ بعد تحننّ ولا يستعمل إلاّ هكذا منصوبا بلفظ التثنية لأنه مصدر وضد أفرد واستعمل ممكّنا. أنشد سيبويه: الطويل فقالت حنان: ما أتى بك ههنا ... أذ ونسب أم أنت بالحيّ عارف تقديره: أمرنا حنان فرفعه بالابتداء والخبر. ومعنى الحنان: الرحمة والتعطف. ومن ذلك هذا ذيك إنما لي يريد هذّا بعد هذّ، والهذّ: القطع وواحده مستعمل. أنشد سيبويه: مشطور الرجز ضربا هذا ذيك وطعنا وخضا ومن ذلك لبيكّ وسعديك، إنما تستعمل هكذا بلفظ التثنية. قال سيبويه: سألت الخليل عن اشتقاقه ومعناه فقال: معنى لبيّك من الألباب يقال ألّب الرجل بالمكان البابا: إذا أقام به فإذا قال لبيك فكأنه قال أنا مقيم على طاعتك وعند أمرك. وسعديك مأخوذ من الإسعاد، والإسعاد والمساعدة سواء، فإذا قال لله عز وجل لبيك وسعديك في التلبية فكأنه قال: أنا مقيم عند أمرك ومتابع له فقد تقرب منه بهواه لا ببدنه. هذا معنى قول الخليل وتفسيره. حدثنا أبو بكر محمد بن محمود الواسطي قال حدثنا محمد بن إسرائيل الجوهري قال حدثنا معاوية عن أبيه عن قتادة عن عبد الملك بن عمير عن بعض بني أبي المعلىّ: رجل من الأنصار عن أبيه عن جده قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر::إنّ قدمي على ترعة من ترع الحوض " وقال: " أن عبدا من عباد الله خيره الله بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش وأن يأكل من الدنيا ما شاء أن يكل وبين لقاء ربه، فاختار العبد لقاء ربه ". قال: فبكى أبو بكر حين قالها: انّا نفديك يا رسول الله بآبائنا. قال أبو القاسم: والرواية متصلة من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا في مرضه الذي مات فيه نعى نفسه إلى أصحابه. ولهذا الحديث لفظ آخر. حدثنا أبو عبد الله بن محمد الرازي عن علي بن عبد العزيز عن أبى عبيد القاسم بن سلام قال حدثني إسماعيل بن جعفر بن عمرو بن علقمة عن هذا على ترعة من ترع الجنة. قال أبو القاسم: وللعلماء في الترعة ثلاثة أقوال: قال أبو عمرو الشيباني: الترعة: الدرجة. وقال غيره الترعة: الباب. وقال أبو عبيدة الترعة: الروضة تكون في المكان المرتفع خاصة. فإذا كانت في المكان المطمئن فهي روضة وينشد للأعشى: البسيط ما روضة من رياض الحزن معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل

يضاحك الشمس منها كوكب شرق ... مؤزر بعمسم النبت مكتهل يوما بأطيب منها نشر رائحة ... ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل قال الأصمعي: قال أبو عمرو بن العلاء: لم يقل في وصف جمال النساء وطيب نشرهن أحسن من هذا الشعر ولا أبلغ. اخبرنا الأخفش قال أخبرنا المبرد قال قال المدائني: روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: يجب على العاقل ثلاث خصال، أن يكون عارفا بزمانه مالكا للسانه مقبلا على شأنه. وقال عمر بن الخطاب: من قعد به أدبه لم لي يرفعه حسبه. وقال أبو بكر الصديق: التقوى الحسب. اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا أبو خاتم قال اخبرني أبو عبيدة قال: خرج الكميت إلى أبان بن عبد الله البجلي وهو على خراسان فجعله في سماّره، وكان في الكميت حسد، فبينما هو ذات ليلة يسمر عنده أغفى أبان وتناظر القوم في الكرم والجود، فقال أحدهم: مات الجود يوم مات الفياض، ورفع صوته فانتبه البجلي فقال: فيم انتم؟ فقال الكميت: الخفيف زعم النضر والمغيرة والنعمان والبحتري وابن عياض قال: ويوحك. زعموا ماذا يا أبا المستهلّ، فقال: أنّ جود الأنام مات جميعا ... يوم راحوا منيّة الفياض قال: فقلت لهم ماذا يا أبا المستهلّ؟ قال: قلت: كذبوا والذي يلبيّ له الركب سراعا بالمفضيات العراض لا يموت الندّى ولا الجود ما عا ... ش أبان غياث ذى الانفاض فإذا ما دعا الإله أبانا ... آذن الجود بعده بانقراض فقال له: أجدت فسل حاجتك. قال: تعطيني لكل بيت عشرة آلاف درهم. قال: أفعل وأزيدك عشرة آلاف من عندي. فأمر له بستين ألف درهم. اخبرني الأخفش قال اخبرني أبي عن جدّي عن إسماعيل بن نوبخت قال: قصد أبو نواس بعض النوبختية من الكتاب وكأن بعض أجداد ذلك الكاتب كتب لبعض الأكاسرة فوجد كسرى على بعض حظاياه فدفعها إلى ذلك الكاتب النوبختي وأمره بقتلها، فكره أن يقتلها فتتبعها نفس الملك، وخشي أن يستبقيها فيتهمه بها. فاستبقاها وجبّ نفسه. ثم أن نفس الملك تتبعتها فحملها إليه، وعرفه ما صنع بنفسه، فأكبر ذلك وقال: ما جزاؤك إلاّ أن اجمع خاصّتي وأقعدك على رقبتي. فحسده وزراء الملك وقالوا له: إن هذا لقبيح ولكن يأمر الملك بأن يصاغ له تاج ويصور فيه تمثاله فيجعله على رأسه، ففعل فقال أبو نواس يذكر هذه القصة: الكامل ما حاجة علق الهدى بنجاحها ... من حاجة علقت أبا تماّم إن الرجال رأوا أباك بأعين ... كحلت لهم بمراود الأعظام فلئن مددت يدا إليّ بنائل ... فلقد هززتك هزّة الصمصام فبعث إليه بأربعة آلاف درهم، ولم يكن يملك غيرها. اخبرنا ابن شقير قال أخبرنا ثعلب عن ابن شبةّ قال:.كانت رملة بنت عبيد الله بن معمر تحت هشام بن سليمان بن عبد الملك فجرى بينهما ذات يوم كلام فقال لها: أنت بغلة لا تلدين. فقالت سه: يأبى كرمي أن يخالط لؤمك. قال أبو العباس: وشبيه بهذا من الجوابات المسكتة ما روى عن الخنساء حين دخلت على عائشة فأنشدتها قولها في أخيها صخر: الوافر ألا يا صخرُ أن أبكيتَ عَيني ... لقد أَضْحكتَني زمنهَا طَويلا بكيتكَ في نساءٍ مُعْوِلاتٍ ... وكنتُ أَحقَ منَْ أبدى العوَيلا دفعتُ بكَ الخطوبَ وأنت حيّ ... فمن ذا يدفعُ الخَطْبَ الجَليلا إذا قَبُحَ البكاءُ على قتيلٍ ... رأيتُ بكاءَكَ الحسًنَ الجَميلا فقالت لها عائشة رضي الله عنها: أتبكين صخرا وهو جمرة في النار؟ فقالت: يا أم المؤمنين: ذاك أشد لجزعي عليه وأبعث لبكائي. أنشدنا ابن دريد قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لمحمد بن بشير بن عدوان: الكامل نعم الفتى فجعت به إخوانه ... يوم البقيع حوادث الأيام سهل الفناء إذا حللت ببابه ... طلق اليدين مؤدّب الخدّام وإذا رأيت شقيقه وصديقه ... لم تدر أيهما ذوو الأرحام اخبرنا نفطويه عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الفسيط بالفاء: قلامة الظفر، والسفّيط بالفاء الموخّرة: الرجل السّخي. والسّقيط بالقاف: الرجل الأحمق، والسّفيط أيضا: الثلج والصقيع، والرّبيط: الراهب. والأربط: الأحمق.

وتقول العرب: فلان من شرطاته لا يعرف لطاته من لهاته. وبعضهم يقول: لا يعرف قطاته من لطاته. والقطاة: الدّبر، واللطّاة: الجبهة. والبطيط: العجب، والأطيط: الجوع، والأطيط أيضا: صوت تمدد النطّع وأشباهه. والحضيرة: الجماعة القليلة يغزون، وينشد: الكامل يَرِدُ المياهَ حَضِيرََةَ وَنَفِيضَة ... وِرْدَ القَطاةِ إذا اسْمَأَلَّ التبُعَّ والتبع: الظل. واسمألّ: تقلّص. اخبرنا أبو جعفر احمد بن محمد بن رستم الطبري قال اخبرنا المازني قال: كنت عند الأخفش ومعنا الرياشي فقال الأخفش: أن مذ إذا رفع بها. فهي اسم مبتدأ وما بعدها خبر كقولك: ما رأيته منذ يومان. وإذا خفض بها فهي حرف جر معنى ليس باسم كقولك: ما رأيته مذ اليوم. فقال الرياشي: فلم لا تكون في الموضعين اسما؟ فقد نرى الأسماء تنصب وتخفض كقولنا: هذا ضارب زيد أمس. فلم لا تكون مذ بهذه المنزلة؟ فلم يأت الأخفش بمقنع. فقلت أنا: لا تشبه مذ ما ذكرت من الأسماء لأنا لم نر الأسماء هكذا تلزم موضعا واحدا إلا إذا ضارعت حروف المعاني نحو أين وكيف وكذلك مذ هي مضارعة الحروف فلزمت موضعا واحدا. قال أبو جعفر: فقال أبو يعلى بن أبي زرعة للمازني: أفرأيت حرف المعنى يعمل عملين متضادين؟ قال: نعم كقولك قام القوم حاشا زيد وحاشا زيدا، وعلى زيد ثوب، وعلا زيد الجبل. فيكون مرة حرفا ومرة فعلا بلفظ واحد. قال أبو القاسم: هذا الذي فاله أبو عثمان صحيح إلا أنه كان يلزمه أن يبين لأيّ حرف ضارعت مذ؟ كما أنا قد علمنا أن متى وكيف مضارعان ألف الاستفهام؟ وأن يبين كيف وجه الرفع بمذ وأيّ شيء العامل فيها؟. والقول في ذلك أن مذ إذا خفض بها في قولك: ما رأيته مذ اليوم مضارعة من لأن من لابتداء الغايات ومذ إذا كأن معها النون فهي لابتداء الغايات في الزمان خاصة فوقعت مذ بمعنى منذ في هذا الموضع. ومنذ بمنزلة من، فقد بان تضارعهما. وأماّ القول في الرفع بها في قولك: ما رأيته مذ يومان، فأن هذا لا يصحّ إلاّ من كلامين لأنك أن جعلت الرؤية واقعة على مذ انقطعت مما بعدها ولم يكن له رافع. ولكنه على تقدير قولك: ما رأيته، ثم تقول للقائل: كم مدة ذلك؟ فيقول: يومان، أي مدة ذلك يومان، فرفعه بالابتداء والخبر. اخبرنا نفطويه قال قال ثعلب: سألني بعض أصحابنا عن قول الشاعر: الرجز جاءت به مرمّدا ماملاّ ... مانيّ ألّ خمّ حين ألي فلم أدر ما يقول، فصرت إلى ابن الأعرابي فسألته عنه ففّسره لي فقال: هذا يصف قرصا خبزته امرأة فلم تنضجه، فقال: جاءت به مرمّدا أي ملوّثا بالرماد. ماملّ في الملّة وهو الجمر والرماد الحار. ثم قال: ماني ألّ: وما زائدة كأنه قال ني، والألّ: وجهه، يعني وجه القرص، وقوله خمّ: يعني تغيرّ حين ألى أي حين أبطأ في النضج، يقال ألى الرجل: إذا توانى وأبطأ في العمل، وأنشد: الوافر فما إلى بنيّ ولا أساءوا أنشدنا الأخفش لأبي نواس الطويل ودار ندامى عطلّوها وأدلجوا ... بها أثر منهم جديد ودارس مساحب من جر الزقاق على الثرى ... وأضغاث ريحان جنيّ ويابس وقفت بها صحبي فجدّدت عهدهم ... وأني على أمثال تلك لحابس ولم أدر ماهم غير ما شهدت به ... بشرفىّ ساباط الديار البسابس أقمنا بها يوما ويوما وثالثها ... ويوما له يوم الترحل خامس تدار علينا الراح في عسجدية ... حبتها بأنواع التصاوير فارس قرارتها كسرى وفي جنباتها ... مها تدريها بالقسيّ الفوارس فللخمر ما زرّت عليه جيوبها ... وللماء ما دارت عليه القلانس قال أبو القاسم: الدار: منزل القوم مبنية كانت أو غير مبنية. ويقال:

دار ودارة. والبسابس: القفار واحدها بسبس، ومثلها السباسب، واحدها سبسب وأصلها الصحراء الواسعة الملساء. والعسجدية: كأس مصنوعة من العسجد وهو الذهب. وقوله: قرارتها كسري نصبه على الظرف، يريد أنه كان في قرارة الكأس - وهو أرضها - صورة كسرى. وفي جنباتها وهي نواحيها صورة المها وهو بقر الوحش، وصور فرسان بأيديهم قسيّ ونشاب يرمون تلك المها. وهو معنى قوله تدّريها بالقسيّ الفوارس. والدريئة: الشيء الذي يرمى يعني أنه صب الخمر في الكأس إلى أن بلغت صورة حلوق الفرسان وهو موضع الأزرار. ثم صبّ الماء مقدار رؤوس الصور، وهو الذي تحتازه القلانس. حدثنا إسماعيل الوراق قال حدثنا إبراهيم بن محمد البصري بمكة قال حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد عن أبيه عن جده عن يونس بن يّسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله، ولا تناجشوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ". قال أبو القاسم: معنى قوله: ولا تناجشوا يقول: لا يزيدّن أحدكم على ثمن سلعة إذا لم يرد شراءها لئلا ينظر إليه من لا بصر له بالسلعة فيغتر به. وأصل النجش: استثارة الشيء، ومنه النجاشي. وكان محمد بن إسحاق يقول: اسم النجاشي اسم الملك، كقولهم قيصر وهرقل، وكأن اسمه أصحمة بلغتهم وتفسيره بالعربية عطيةّ. وقوله ولا تدابروا يقول: ولا تقاطعوا ولا تهاجروا فأن المتهاجرين إذا ولى كل واحد منهما عن صاحبه فقد أولاه دبره. ويقال: بعت الشيء: إذا بعته فأخرجته من يدك، وبعته: إذا اشتريته. ويستعمل في الضدّين معا. ويقال أبعن الشيء: إذا عرضته للبيع. وينشد: الكامل وَرَضيِتُ آَلاءَ الكميت فمن يَبعْ ... فرَساً فليس جَوادنا بُمباعِ أي: بمعرّض للبيع. اخبرنا أبو القاسم الصائغ قال اخبرنا ابن قتيبة قال: روى أن وفد همدان قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فلقوه مقبلا من تبوك فقام مالك ابن نمط. الهمداني فقل: يا رسول الله نصيةّ من همدان من كل حاضر وباد، أتوك على قلص نواج، متصلة بحبائل الإسلام، من مخلاف خارف ويام، لا تأخذهم في الله لومة لائم عهدهم لا ينقض عن سنةّ ما حل، ولا سوداء عنقفير، ما قام لعلع، وما جرى اليعفور بصلعّ. فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم: هذا كتاب من محمد رسوله الله عليه السلام لمخلاف خارف وأهل جناب الهضب وحقاف الرمل مع وافدها مالك بن نمط ومن اسلم من قومه على أن لهم عزازها وهاطها وفراعها ما أقاموا الصلاة واَتوا الزكاة، يرعون علافها ويأكلون عفاءها، ولنا من دفئهم وصرامهم ما سلموا بالميثاق والأمانة. ولهم من الصدّقة الثلّب والناب والفصيل، والفارض الدّاجن، والكبش الحوري، وعليهم الصاّلغ والقارح. قوله: نصيةّ. يقول نحن نصيةّ من همدان فرفعه لأنه خبر ابتداء محذوف، والنصيةّ: الرؤساء المختارون. ويقال: انتصيت الشيء إذا اخترته، وأصله من الناصية كما أن الرؤساء من الرأس. والقلص: جماعة القلوص وهي الفتيةّ من الإبل، قال الأصمعي: القلوص من النوق بمنزلة الشابّة من النساء، والجمل بمنزلة الرجل، والبعير بمنزلة الإنسان يقع على الذكر والأنثى. والنواحي: السّراج واحدتها ناجية، والنجّاء: السرعة يمد ويقصر، قال بعض لصوص الأعراض: الرجز إذا أخذت النهب فالنجا النجا ... أني أخاف الطالب السّفنجّا وخارف ويام قبيلتان. والمخلاف لأهل اليمن كالأجناد لأهل الشام والكور لأهل العراق والطساسيج لأهل الأهواز والرستاتيق لأهل الجبال. وقوله: عهدهم لا ينقص عن سنةّ ماحل فالماحل: الساعي، يقال: محل به إلى السلطان. والسوداء العنقفير: الداهية. والسنّة: الطريقة، يريد أنهم لا يزولون عن العهد لسعي الساعي، ولا لشّدّة عظيمة تنزل بهم. ولعلع: جبل بعينه. واليعفور: ولد البقر. والصّلع: الأرض الملساء. والفراع: أعالي الجبال والأشياء المرتفعة واحدها فرعة. والفرعة في غير هذا: القملة ومنه حسان بن الفريعة. والوهاط: ما انخفض من الأرض، والعزاز: ما صلب منها وهو مثل الجلد. والدّفء: الإبل سميت بذلك لأنه يتخذ من أوبارها ما يستدفأ به. والصّرام: النخل لأنها تصرم، ويجوز أن يكون الصرام التمر نفسه. والثلَّب: الجمل المسمن. والناب: الناقة المسنة.

والفارض: الكبيرة التي ليست بصغيرة. والداجن: الذي يعلف في البيت ولا يرسل إلى المراعي. والضالع من البقر والغنم ما كمل وتناهت سنة، وذلك في السنة السادسة. والقارح مثله من الخيل. والكبش الحوري: ذكر ابن أن قتيبة أنه ضرب من الكباش الحمر الجلود، ولا أدري من أي شيء اشتقاقه إذ كان المعروف في اللغة هو أن الحور البياض، ومنه قيل للقصارين الحواريون لتبيضهم الثياب. اخبرنا اليزيزي قال اخبرني عمي الفضل بن محمد بن أبى محمد اليزيزي عن أبيه عن جده قال: اخبرني بعض أصحابنا قال: اجتزت بناحية نجد على جارية من الأعراب كأنها فلقة قمر تنظر عن عينين نجلاوتين بأهداب كفوادم النسر لم أر أكمل كمالا منها. فوقفت أنظر إليها ولحسنها وبجنبها عجوز، فقالت العجوز: ما وقوفك على هذا الغزال النجدي، ولا حظ لك فيه. فقالت الجارية: دعيه بالله يا أمتاه يكن ما قال ذو الرمة: الطويل خليلي عدا حاجتي من هواكما ... ومن ذا يواسي النفس إلا خليلها ألما بمي قبل أن تطرح النوى ... بنا مطرحا أو قبل بين يزيلها وأن لم يكن إلا معرس ساعة ... قليلا فإني نافع لي قليلها اخبرنا الأخفش قال اخبرنا ثعلب قال حدثني حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن أبيه قال: كان رجل من آل أبى جعفر يعشق مغنية فطال عليه أمرها وثقلت مؤونتها فقال يوما لبعض إخوانه إن هذه قد شغلتني عن كثير من أموري فامض بنا إليها لأكاشفها وأتاركها، فقد وجدت بعض السلو. فلما صار إليها قال لها: أتغنين قول الشاعر: الوافر وكنت أحبكم فسلوت عنكم ... عليكم في دياركم السلام قالت: لا ولكني اغني قول القائل: الوافر تحملّ أهلها منّي فبانوا ... على آثار من ذهب العفاء فاستحيا الفتى وأطرق وازداد بها عجبا وكلفا. قال لها: أتغنين قول القائل الطويل وأخضع للعتبى إذا كنت ظالما ... وأن ظلمت كنت الذي يتنصّل قالت: نعم، وقول القائل: الطويل فأن تقبلي بالود نقبل بمثله ... وأن تدبري أذهب إلى حال باليا فتقاطعا في بيتين وتواصلا في بيتين ولم يشعر بهما أحد. اخبرنا الأخفش قال اخبرنا المبرد قال: دخلت في حداثتي أنا وصديق لي من أهل الأدب إلى بعض الديارات لننظر إلى مجانين قد وصفوا لنا فرأينا منهم عجائب، حتى انتهينا إلى شاب في حجرة منهم نظيف الوجه واللباس على حصير نظيف، بيده مرآة ومشط وهو ينظر في المرآة ويسرح لحيته، فقلت: ما يقعدك هنا وأنت مباين لهؤلاء؟ فرفع طرفه وأمال آخر وأنشأ يقول: الكامل الله يعلم أنني كمد ... لا أستطيع أبثّ ما أجد نفسان لي؛ نفس تقسّمها ... بلد وأخرى حازها بلد وإذا المقيمة ليس ينفعها ... صبر تجد الذي أجد فقلت له: أراك عاشقا. قال: أجل. قلت: لمن؟ قال: أنك لسؤول. قلت: محسن أن أخبرت. قال: أن أبي عقد لي على ابنة عم لي نكاحا فتوفيّ قبل أن أزفها. وخلّف مالا عظيما، فقبض عمي على جميع المال وحبسني في هذا الدير وزعم أني مجنون، وقيمّ الدير في خلال ذلك يقول لنا: احذروه فأنه الآن يتغير ثم قال لي: أنشدني شيئا فأني أظنك من أهل الأدب. فقلت لرفيقي أنشد. فأنشد: قبلّت فاها على خوف مخالسة ... كقابس النار لم يشعر من العجل ماذا على رصد في الدار لو غفلوا ... عنيّ فقبلتها عشرا على مهل غضي جفونك عني وانظري أمما ... فإنما افتضح العشاق بالمقل فقال لي: أبو من جعلت فداك؟ قلت: أبو العباس، فقال: يا أبا العباس أنا وهذا الفتى في الطرّفين، هذا مجاور من يهواه مستقبل لما يناله منه، وأنا ناء مقصى، فبالله أنشدني أنت شيئاً. فلم يحضرني في الوقت غير قول عمر بن أبي ربيعة: الكامل قالت سكينة والدموع ذوارف ... تجرى على الخدين والجلباب ليت المغيرىّ الذي لم أجهزه ... فيما أطال تصبرّي وطلابي كانت تردّ لنا المنى أيامه ... إذ لا تلام على هوى وتصاب خبرّت ما قالت فبتّ كأنما ... ترمي الحشا بصوائب النشاّب

أسكين ما ماء الفرات وطيبه ... مناّ على ظمأ وحبّ شراب بالّذ منك وأن نأيت وقلّما ... ترعى النساء أمانة الغياّب ثم قلت له: أنشدنا أنت شيئاً آخر، فأنشأ يقول: مجزوء الوافر أبن لي أيها الطلل ... عن الأحباب ما فعلوا ترى ساروا ترى نزلوا ... بأرض الشام أو رحلوا فقال له رفيقي مجونا ولعبا: ماتوا. فقال: ويلك ماتوا؟ قال: نعم ماتوا. فاضطرب واحمرت عيناه وهم بالوثوب فتنحينا عنه فجعل يضرب برأسه الأرض ويقول: ويلك ماتوا. حتى هالنا أمره فانصرفنا عنه. ثم عدنا بعد أيام فسألنا عنه صاحب الدير فقال: ما زالت تلك حاله إلى أن مات. أخبرنا ابن دريد قال اخبرني أبو حاتم عن الأصمعي قال: تقول العرب: رجع فلان في حافرته ورجع أدراجه ورجع عوده على بدئه إذ إذا رجع في الطريق التي جاء منها. قال: والنفير والجمع أنفار: الذين ينفرون في حوائجهم، في الغزو وغير ذلك. وأمّا قولهم: لا في العير ولا في النفير قيلت يوم بدر وجرى في الإسلاَم كلام بين يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وبين عمرو الأشدق فقال عمرو ليزيد: اسكت فلست في العير ولا في النفير. فقال يزيد لجلسائه: إن هذا الأحمق سمع كلمة فأحب أن يتمثل بها، ولم يحسن أن يضعها موضعها يقول لي: لست لم في العير ولا في النفير. وصاحب العير جدّى أبو سفيان، وصاحب النفير جدي عتبة بن ربيعة. اخبرنا نفطويه عن ثعلب عن ابن الأعرابي في قول الشاعر: الرجز ما للجمال مشيها وئيدا ... أجندلا يحملن أم حديدا أم صرفانا باردا شديدا ... أم الرجال جثّما قعودا قال: الصّرفان: الرصاص، وبعض أهل اللغة يقول: الصّرفان: الموت، وقال بعضهم في هذا البيت: التمر: الصّرفان نفسه، وأكثر أهل العلم على القول الأول. والشّنف: ما علق في الأذن من أعلاها. والقرط: ما علق في أسفلها. والعر: حلقة القرط. قال أبو القاسم: قوله مشيها خفضه على البدل من الجمال لأشتمال المعنى عليه. والتقدير: مالمشي الجمال وئيدا أي ثقيلا، ونصب وئيدا على الحال. 'والقبص: الجماعات كأنه جمع قابص بمنزلة ضارب وضرّ ب. وصائم وصوّم. والقبص بكسر القاف واسكان الباء: العدد الكثير من الناس. اخبرنا أبو محمد إسماعيل بن النجم الشرابي قال: كنا في مجلس أبي العباس المبرد في يوم شديد البرد فمرّ بنا إسماعيل بن زرزور المغني وعليه غلالة قصب وكرحل ديباج وعلى رأسه منديل دبيقي وفي رلجه نعل صرّارة. فمرّ ولم يسلم فقال لنا المبرد: من هذا؟ فقلنا: ابن زرزور المغني فقال: اكتبوا: غناؤك يكسبك التزنيه ... وصفعا وطردا من الأبنيه وقذفك اجمل من أن تبرّ ... وشتمك أولى من التكنيه فيوم ولادك لتعزيات ... ويوم حمامك للتهنيه وأنشدنا غيره لابن بسّام: الكامل سيان من بالصفع مكسبه ... أو من له بغنائه جزر حالاهما في الصفع واحدة ... ما بين مكتسبيهما فتر حدثنا نفطويه قال حدثنا الحنيني عن الحسين بن محمد عن شيبان عن قتادة في قول الله عز وجل وترى الشمس إذا طلعت تزّاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال قال: معناه تدعهم ذات الشمال وهم في فجوة منه لما قال يقول: في فضاء من الغار. قال أبو القاسم: أصل تزّاور تتزاور فأبدلت التاء الثانية زايا وأدغمت في التي بعدها فقيل تزّاور، والأزور: المائل. وفي تقرضهم أقوال، قال بعض أهل اللغة: معناه تدعهم ذات اليمين كما قال قتادة. وقال آخرون: تجاوزهم ذات الشمال وهو مذهب أبي عبيدة. قال: ويقال: هل مررت بمكان كذا وكذا؟ فيقول المسؤول: قرضته ليلا أي جاوزته ليلا. وأنشد غيره لذي الرمّة: الطويل إلى ظَعنٍ يَقْرِضْنَ أجوازَ مُشْرِفٍ ... سراعا وعن أيمانهنّ الفوارسُ وقال آخرون: تقرضهم ذات الشمال أي تعدل عنهم.

وحكى ابن شقير عن ثعلب أنه قال قال الكسائي والفراء: هو من المحاذاة. يقال قرضنا الشيء وحذاني، يقرضني وجذوني، وحاذاني يحاذيني بمعنى واحد. ويقال: غربت الشمس غروبا وغابت غيوبا وغيبا ومعيبا، ووجبت وجوبا، وآبت أيابا، ووقبت وقوبا، وقنبت قنوبا، وقنبت قنوباً، وألقت يدا في كاعر. كل ذلك بمعنى واحد. ويقال: أفل الكوكب يأفل ويأفل أفلا وأفولا. وغرب، واغتمس، وخفق. فإذا دنت الشمس للغروب وبمّا تغب قيل: زبّت وأزبّت وتضيّفت ومالت، وجنحت، وطفلت. اخبرنا الأخفش والزجاج قالا اخبرنا المبرد قال: قال حدثنا من غير وجه بألفاظ منقطعة ومعان متفقة وبعضها يزيد على بعض أنه لما مات النبي صلى الله عليه وسلم تولى غَسله العباس وعلي والفضل قال علي: فلم أره يعتاد فاه من التغير ما يعتاد الموتى. فلما فرغ من غسله كشف علي الإزار عن وجهه ثم قال: بأبي أنت وأمي طبت حياّ وطبت ميتا، أنقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممن سواك من الأنبياء والنبوة، خصصت حتى صرت مسلياّ عمن سواك وعممت حتى صارت الرزيّة فيك سواء، ولولا أنك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع لأنفذنا عليك الشؤون. ولكن ما لابد منه كمد وأدبار محالفان، وهما داء الأجل، وقلا والله لك بأبي أنت وأمي اذكرنا عند ربك واجعلنا من هّمك. ثم لمح قذاة فلفظها بلسانه وردّ الإزار على وجهه. قال أبو القاسم: الشؤون: الدموع واحدها شأن ويقالَ هي مجارى الدموع. ويقال هي قبائل الرأس ومنها ابتداء مجرى الدموع. ثم سميت الدموع شؤونا لذلك وينشد لأوس بن حجر: الكامل لا تحزنيني بالفراق فأنني ... لا تستهل من الفراق شؤوني اخبرنا الزجاج قال حدثنا المبرد قال حدث لوط بن يحيى بن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال: دخلت على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه حين ضربه ابن ملجم أسأل به فلم أجلس عنده. لأنه دخلت عنده بنت مستترة، فدعا الحسن والحسين صلوات الله عليهما ثم قال لهما: أوصيكما بتقوى الله، ولا تبغيا الدنيا وأن بغتكما، ولا تبكيا على شيء زوى عنكما منها. قولا الحق، وارحما اليتيم، وأعينا الصانع، واصنعا للأخرة. كَونا للظالم خصما، وللمظلوم عونا، ولا تأخذ كما في الله لومة لائم. ثم نظر إلى ابن الحنفية فقال: أسمعت ما وصيّتهما به؟ قال: نعم قال: وأوصيك بمثله، وبتزيين أمر أخويك، ولا تقطع أمرا دونهما. ثم قال لهما، وأوصيكما به فأنه شقيقكما وابن أبيكما، وقد علمتما أّن أباه كان يحبه فأحباّه. اخبرنا اليزيدي قال اخبرني عمي الفضل بن محمد عن أبيه عن أبي محمد اليزيدي قال: لحق أبا العتاهية جفاء من عمرو بن مسعدة فكتب إليه: الطويل غنيت عن الودّ القديم غنيتا ... وضيعّت ودّا كان لي ونسيتا وقد كنت في أيام ضعف من القوى ... أبرّ وأوفى منك حين قويتا عهدتك في غير الولاية حافظا ... فأغلقت باب الودّ حين ولينا تجاهلت عما كنت تحسن وصفه ... ومت عن الإحسان حين حييتا ومن عجب الأيام أن باد من يفي ... ومن كنت ترعاني له وبقيتا غناك لمن يرجوك فقر وفاقة ... وذلّ ويأس منك يوم رجيتا اخبرنا اليزيدى عن عمه عن أبيه عن جده قال: وليّ النعمان بن المنذر بعض الأعراب باب الحيرة مما يلي البريّة فصاد ضبّاً فبعث به إلى النعمان وكتب إليه: الطويل جبى المال عمال الخراج وجبوتي ... مقطعة الآذان صفر الشواكل رعين الرّبا والبقل حتى كأنما ... كساهّن سلطان ثياب المراجل قال أبو القاسم: الرّبا جمع ربوة: وهو ما ارتفع من الأرض يقال: ربوة، وربوة، ورباوة. ويروى في بعض التفاسير أن المعنى بقول الله تعالى (وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين) : دمشق. والشواكل: جمع شاكلة وهي الخاصرة. وثياب المراجل: ثياب مخططة تعمل باليمن. ويقال أن المراجل موضع هناك تعمل فيه الثياب فنسبت إليه. أنشدنا نفطويه للمؤمل: البسيط لا تغضبنّ على قوم تحبهّم ... فليس منك عليهم ينفع الغضب ولا تخاصمهم يوما وان ظلموا ... أن القضاة إذا ما خوصموا غلبوا يا جائرين علينا في حكومتهم ... والجور أقبح ما يؤتى ويرتكب

لسنا إلى غيركم منكم نفرّ إذا ... جرتم ولكن إليكم منكم الهرب وهذا هو بعينه قول البحتري: مخلع البسيط يا ظالما لي بغير جرم ... إليك من ظلمك المفر وهذا المعنى مستنبط من كلام الله تعالى (ففروّا إلى الله أني لكم منه نذير مبين) . أنشدنا نفطويه لأبي العتاهية: الكامل كتب الفناء على البرية كلها ... والناس بين مقدّم ومخلّف سبحان ذي الملكوت أيّة ليلة ... مخضت بوجه صباح يوم الموقف ويروى بدل كلها " ربها ". حدثنا عبد الله بن محمد النيسابورى قال حدثنا عليّ بن سعيد ابن جرير النسائي قال حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة عن عبد الملك بن عمر عن ربعي: أن أبا موسى أغمي عليه فبكته زوجته فقال: ابرأ إليكم مما برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن حلق، وسلق، وخرق. قال أبو القاسم: حلق من حلق الرأس للنساء على الميّت. وأمّا السلّق: فرفع الصوت بالبكاء والعويل، قال الله تعالى: (سلقوكم بألسنة حداد) وكذلك النقع: رفع الصوت بالبكاء والعويل. وهذا كان منهيّا عنه في أول الإسلام. أعني البكاء على الميت، ثم رخّص فيه ما لم يكن مفرطا متجاوز للقدر بالصراخ والعويل. قال عمر بن الخطاب: " ما على نساء المغيرة أن يهرقن من دموعهن على أبي سليمان ما لم يكن نقع ولا لقلقة ". فالنقع ما ذكرنا. اللقلقة: تحريك اللسان والولولة. وأبو سليمان خالد بن الوليد ابن المغيرة. والسلّق: بفتح اللام والسين: المستوى من الأرض جمعه سلقان. والفلق: مطمئن بين ربوين، وجمعه فلقان. حدثنا محمد بن محمود الواسطي قال حدثنا أبو إسماعيل اليزيدى قال حدثنا عفان عن همام عن ثابت عن أنس: أنّ أبا بكر حدثهم قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار: لو أنّ أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه. فقال " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ". اخبرنا نفطويه قال اخبرنا إسماعيل بن محمد السامي قال اخبرني روك بن المحبّر قال سمعت شعبة يقول: " تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل ". حدثنا ابن الانبارى وابن شقير قالا حدثنا احمد بن عبيد قال: كان في عضد بزر جمهر: " أن كانت الحظوظ بالجدود فما الحرص وان كانت الأشياء غير دائمة فما السرور. وان كانت الدار غرّارة فما الطمأنينة إليها؟ حدثنا ابن الانبارى قال حدثنا احمد بن عبد الله الحربي قال حدثنا أبو عبد الله القرشي قال: قال أبو الحسن المدائني: بعث عبد الملك أخاه محمد بن مروان إلى مصعب بن الزبير يعطيه الأمان فقال مصعب: " مثلي لا يرجع عن هذا الموضع ألا غالبا أو مغلوباً ". اخبرنا الأخفش قال اخبرنا السكري عن الزيادى عن الأصمعي قال: كان الأحوص بن محمد يشببّ بنساء الأشراف، فشكي إلى عمر بن عبد العزيز فنفاه إلى قرية من قرى اليمن قال: ولما قال: الطويل أدور ولولا أن أرى أمّ جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور وما كنت زوّارا ولكن ذا الهوى ... إذا لم يزر لابدّ أن سيزور لقد منعت معروفها أمّ جعفر ... وأني إلى معروفها لفقير جاءت أم جعفر بكتاب حقّ على الأحوص بدين حالّ فقبضت عليه وجعلت تطالبه بالدين المذكور في هذا الكتاب، وهو يحلف بالله انه ما يعرفها، ولا رآها قط. فقالت له: يا فاسق، فأنا أمّ جعفر فلم تذكرني في شعرك ولم ترني قط؟. اخبرنا اليزيدي قال اخبرنا أبو محمد بن حمدون حزابية قال: أنشدني أبو نواس لنفسه: الكامل شبهّته بالبدر حين بدا ... أو بالعروس صبيحة العرس وأعيذه من أن يكون له ... ما تحت مئزرها من الرجس اخبرنا اليزيدى قال اخبرنا ثعلب قال: كنا عند ابن الأعرابي فأنشدني قول جرير: الطويل ويوم كإبهام القطاة تخايلت ... ضحاه وطابت بالعشيّ أصائله رزقنا به الصيد الغزير ولم نكن ... كمن نبله محرومة وحبائله فقال ابن الأعرابي: أحسن منه وهو الذي أخذ منه جرير - قول الآخر: الوافر ويوم عند دار أبي نعيم ... قصير مثل سالفة الذباب

قال أبو القاسم: وأنا أقول أن هذا نهاية في الإفراط، وخروج عن حد التشبيه المصيب. ونظيره في الإفراط في ضد هذا المعنى قول أبي تمام: الطويل ويوم كطول الدهر في عرض مثله وشوقي من هذا وهذاك أطول اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا ابن حاتم السجستاني عن أبي زيد الأنصاري قال: البطريق: الرجل المختال المعجب المزهو، وهم البطارقة والبطاريق، ولا فعل له ولا يستعمل في النساء. والهمام: الرجل السيد ذو الشجاعة والسخاء، ولا فعل له ولا يستعمل في النساء. والجحجاح: الرجل السيد الأديب ولا فعل له ولا يستعمل في النساء. أنشدنا اليزيدى قال أنشدني عمي: الرجز أمّا تريني مره العينين ... مسفّع الوجنة والخدّين جلد القميص جاسيء النعلين ... فإنما المرء بالأصغرين قال أبو القاسم: الأصغران: القلب واللسان ومنه قول ضمرة بن ضمرة وكان يغير على مسالح النعمان، وينقص أطرافه، فطلبه فأعياه وأشجاه، فجعل له أنف ناقة والأمان. فلما دخل عليه ازدراه لأنه كان حقيرا ذميما فقال النعمان: " لأن تسمع بالمعيدى خير من أن تراه " وهو أول من قالها فذهبت مثلا. فقال له ضمرة: " مهلا أبيت اللعن فإنما المرء بأصغريه: بلسانه وقلبه، أن نطق ببيان، وان قاتل بجنان " فأعجب به وولاّ هـ بابه. أنشدنا الزجاج قال أنشدني المبرد قال أنشدني الأخفش بيتين ذكرهما سيبويه في كتابه لبعض الأعراب وهما: الرجز أن الكريم وأبيك يعتمل ... أن لم يجد يوما على من يتكل قال أبو القاسم: في هذا البيت خمسة أوجه، أحدها: مذهب يونس وكان المبرد يذهب إليه قديما وذكره في كتاب " الرد على سيبويه " واختاره ثم ردّه وهو أن يكون التقدير: أن الكريم وأبيك يعتمد أن لم يجد يوما شيئاً. ثم يبدئ فيقول مستفهما على من يتكل أعلى هذا أم على هذا؟ ويكون يتكل في موضع رفع ولكنه يسكنه للقافية فيقول: يعني يكتب. والوجه الثاني كان يذهب إلية الفراء، فان معنى لم يجد: لم يدر كأنه قال أن لم يدر على من يتكل قال: وقيل لامرأة من العرب: انزلي قدرك من النار. فقالت: لا أجد بم أنزلها، أي لا أدري بأي شيء أنزلها. والوجه الثالث مذهب المازني وهو الذي اختاره المبرد أخرا، والمعنى لم يجد ولم يعلم كأنه قال: أن الكريم يعتمل أن لم يعلم على من يتكل. والوجه الرابع: أن يكون لم يجد لم يكتب كأنه قال: إذا لم يكتب على من يتكل. والوجه الخامس: مذهب سيبويه وإنما أخرناه لغموضه لان بعض الناس يزعم انه قد غلط فيه. وتقديره عند سيبويه أن يكون يجد موصلا إلى من بعلى كأن تقديره: أن لم يجد على من يتكل عليه، فتقديره: أن لم يجد من يتكل عليه، وليس وجدت مما يتعدى بحرف خفض، فلهذا خالفوه. قال المازني: وتقديره صحيح جيد لأن الفعل المتعدي قد يجوز ألا يعدّى فكأنه قصد لذلك ثم بدا له فعدّاه بعلى كما قال تعالى: (عسى أن يكون ردف لكم) وإنما جاز أن يحذف " عليه " من قوله " أن لم يجد من يتكل عليه ". لذكرها في أوّل الكلام. وأجاز على هذا أن تقول: متى تمرر أمرر. وعلى من تنزل أنزل، على إضمار به، وعليه لأنه قد جرى ذكرهما والوجه أن يؤتى بهما. أنشدنا نفطويه: الطويل ولما حللنا منزلاً طلّه الندى ... أنيقا وبستانا من النَّور خَاليا لعدّ لنا حسنُ المكان وطيبُه ... مُنىً فتمنينّا فكنتِ الأمانيا وأنشدنا أيضا في مثله: المنسرح الله لي شاهد بذاك وقد ... يشهد أهل العفاف والورع ما كنت في مجلس أسرّ به ... ألا تمنّيت أن تكون معي اخبرنا نفطويه قال اخبرنا ثعلب قال اخبرنا سلمة عن الفراء قال: يقال للجدى: هذا الجدى، والعطعط والعثعث، والأمرّ، قال: والحنان: الهيبة، والحنان العطاء، والحنان: الرزق، والحنان: الرحمة، وينشد لامرئ القيس: الوافر وَيَمْنَحُها بنو شَمَجَى بن جَرْمٍ ... مَعِيزَهُمُ حَنانَكَ ذا الحَنانِ انشدنا ابن دريد قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه: الطويل ونصر بن دهمان الهنيدة عانها ... وخمسين حولا ثم قوّم فانصاتا وعاد سواد الرأس بعد بياضه ... وشرخ الشباب بعد أن كان قد فاتا

وبدّل حلما وافرا بعد طيشه ... ولكنه من بعد ذا كلّه ماتا قال أبو القاسم: قوله: إنصات يقول: انتصب بعد أن أحنى. والهنيدة: مائة من الإبل، فاستعارها ههنا لمائة من السنين. يقول: عاش مائة وخمسين سنة. أنشدني مدرك لنفسه: الرمل أنّ سقما جدّ بي من عبث ... منك بالهجر لسحر مستمر جلّ مادقّ ضحى الأمس فما ... أنا فيه اليوم أدهى وأمر وعدوا إذ وعدوا أن يرجعوا ... عن ريب فارتقبهم واصطبر ما عليهم أن جرت في أثرهم ... أدمع تجري بماء منهمر ثم وافاه دم فالتقيا ... فوق خدّي لأمر قد قدر يا أبا القطان صبرا يا فتى ... فعسى مولاك يعقب بالظفر من غزال ماكسي أغيد ... اسمه في الصف يتلوه البشر أنشدنا الأخفش قال أنشدنا محمد بن الحسن الأحول للعطوي ويقال بل هو لعمرو بن عبد الملك الوراق في فتنة المخلوع: البسيط ماذا أصابك يا بغداد بالعين ... ألم تكوني زماناً قرّة العين ألم يكن فيك قوم كنت مسكنهم ... وكان قربهم زينا من الزين استودع الله قوما ما ذكرتهم ... ألا ترقرق ماء العين من عيني كانوا فمزّقهم دهر وصدّعهم ... والدهر يصدع ما بين الفريقين قال: وأنشدني ثعلب في هذه: المنسرح أذم بغداد والمقام بها ... من بعد ما خبرة وتجريب ما عند أملاكهم لمختبط ... روح ولا فرجة لمكروب يحتاج باغي النوال عندهم ... إلى ثلاث من بعد تقريب كنوز قارون أن تكون له ... وعمر نوح وصبر أيّوب المختبط: الذي يطلب ما عندك من غير معرفة ولا سبب. ويجوز في كنوز قارون وما بعده الرفع والخفض، فمن رفعه جعله خبر مبتدأ مضمر كأنه قال: هي كنوز قارون. ومن خفضه جعله بدلا من الثلاث. أنشدني بعض المجربين ممن قدم بغداد فاستوملها: الطويل أرى الريف يدنو كل يوم وليلة ... وأزداد من نجد وساكنه بعدا ألا إن بغداد بلادا نقيضة ... إليّ وان كانت معيشتها رغدا بلاد ترى الأرواح فيها رخيصة ... وتزداد نتنا حين تمطر أو تندا أنشدنا اليزيدى قال أنشدني عمي عن أبيه: الطويل ألا أيها البين الذي أقلق الحشا ... متى أنت عينا جدّك الله غافل أراك عن الأحباب غيرى وغيرها ... حبيبا فلاقتك الحتوف القواتل حدثنا الأخفش قال حدثنا ثعلب قال اخبرنا الرياشي قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا عبد الله بن طيقة قال حدثنا أبو زرعة بن جابر عن عمر بن علي أن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه قال: يا رسول الله أمنّا الهداة أم من غيرنا؟ قال: لا بل مناّ، بنا يختم الدين كما افتتح بنا. يستنقذ من الضلالة بنا يجمع الله بين قلوبهم بعد عداوة كما بنا جمع بنيهم بعد عداوة الشرك. قال علي: يا رسول الله فمن بقي أمؤمنون أم كافرون؟ قال: مفتون وكافر. قال أبو القاسم: الفتنة على ضروب في كلام العرب، فالفتنة: الابتلاء، والفتنة: الاختبار، والفتنة: الكفر من قوله عزّ اسمه (والفتنة أشدّ من القتل) . والفتنة: العذاب، والمفتون: المحرق بالنار من قوله: (يوم هم على النار يفتنون) . قيل: يعذبون، وقيل: يحرقون. والهداة جمع هاد. وهذا جمع اختص به المعتل، وليس له في السالم نظير. كقولك: غاز وغزاة، وقاض وقضاة، ورام ورماة، وهاد وهداة، وليس في السالم شيء جمع على " فعلة ".

اخبرنا أبو الحارث بشر بن مروان بن الحكم بن بشر بن أبي عمرو بن العلاء بالمدينة السلام يوم الخميس لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة في منزل أبي الحسين بن أبي عباد قال اخبرني محمد بن الوليد الضروى قال اخبرني أبو المقدام شيخ من أهل حزبة قال اخبرني بعض بني مخزوم بمكة سنة أربعين ومائة قال: لما وقع بين بني عذرة وخزاعة هنة في سبب غلام لامرأة من خزاعة يحطب لها ويعود بكسبه عليها، فأصابه رجل من بني عذرة فقتله فحملت عذرة قيمته إلى خزاعة فأبوا أن يقبلوها وقالوا: لا يكون ذلك أبدا حتى نقتل غلام عمرة بنت قبيصة بن سليك. فتفاقم الأمر بينهم حتى تداعوا بالأحلاف فخشي هاشم بن عبد مناف فساد الحرم وان تنهتك حرمته فدعا بمنبره المركن ووعد الناس بئر بني قصي بن كلاب الحرد التي بملتقى الرفاق. فلما اجتمع الناس قام فيهم خطيبا فخطب خطبته التي تسمى الحكيمة يختص فيها ابني نزار دون قحطان، ومضر دون ربيعة، وقريشا دون سائر القبائل، فقال: " معاشر " الناس نحن آل إبراهيم وذرية إسماعيل، وولد النضر بن كنانة، وبنو قصي بن كلاب أرباب مكة وسلطان الحرم. لنا ذروة الشرف ولباب الحسب، ومعدن المجد، وغاية العز، ونحن جبال الأرض ودعائم الحق، وسادات الأمم، ولكل في كل حلف تجب نصرته، وإجابة دعوته لا مادحا إلى عقوق عشيرة أو قطيعة رحم، وقد جمعتكم مخافة أن تقتادكم العجلة وسوء الرأي وجهل المعرفة إلى حص القمة وجرد التباعد، فيحمل كل امرئ منكم قتبا على أخيه يجتث به باسقات فروعه ويستدعي به درة الحرب. وأقسم لئن ادرّت الجرة الخلب قبل حسم الشظة ليعلون الحمة العمق ولتأنفنّ شمل السحيق حتى يردع قذيف الكبد أو تتعلق الشنان شظايا المقذرة أفواقها ويفرغ المداخن جمة الدخن وتظهر مدمجات الخواطر مضمن مستودع أنفسها. فإذا كان ذلك طاش حلم الأديب، وضلّ رأى المصيب واتسع نؤى السبوبة، وشل نزح الغرب، واتصل لجام القين. وقيل قد ضاق الطريق فأقدم. فهناك يقلب الأمراء أمره، ونقبل الحجر شدخه، وتملك السهم قصده، ويستثير كل امرئ ما دفن. يا بني خزاعة أن بني أبيكم حملوا إليكم قيمة عبد رمته المنيّة عن يد الخطأ فوافق أجله. فان كان من أرصاد طلب وطلب طالبه كان عمدا، أو أبيتم قبول ما هو سنة العرب لتعظم نيران. المنيةّ. فكونوا هامة العرب تهتف بنوها وقد حكمت بقبول قيمته، وعلى، بني عذرة بدفع ذلك إليكم، فمن أمحكه النجاح وترك ما حكمت به قلبه فأنا حليف علية، ومادّة عذرة إليه حتى يحتقبها السفر وترقل بها خوص الركاب إلى حكام العرب فتصير أمثالا. أيها الناس، الحلم شرف، والصبر ظفر، والجود سؤدد، والمعروف كنز، والحرب خدعة، والظفر دولة، والأيام غير، والأنساب منسوب إلى فعله، ومأخوذ بعمله فاستشيروا الحلم نجزكم العوراء، ودعوا الفضول يجانبكم السفهاء، وأكرموا الجليس يعمر ناديكم، وعليكم بمكارم الأخلاق فأنها رفعة، وإياكم والأخلاق الدنيئة فأنها تضع الشريف، وتهدم المجد. ألا وقد أبقت مخافة المستعجم قلوب بغير مشرع التسعين، شكيم الشوى خطاّر وفمه قرع الرياضة وقلص هاديه جبذ الجريرة. فأنقب مدمجه رضيض الأماعز لبعد المدلجة فأرجل راكبه ومتعيجه ركب أعطش أهله املاص مرس السبوبة لترك أحكام عقد الكرب، فلم تنج ألا بلمظة المرتفع شدقاه ألا أوان نهنهة الجاهل أهون من جريرته، وداس العشيرة تحمل ثقلها. ومقام الحكيم غيظه لمن انتفع، وأني لأحب رأب الشعب، وجمع الفرقة. ثم سكت فقالت بنو عذرة وبنو خزاعة: قد رضينا بحكمك يا أبا نضلة. وانصرف القوم عن صلح. قال أبو القاسم: لم يمل علينا هذا الرجل شيئا من غريب هذا الخبر ولا سألناه عنه، وأحسب أيضا أن النسّاب يقولون أن أبا عمرو لم يعقب، والله اعلم كيف كان ذلك ولكنا نقول فيما تضمنه هذا الخبر بحسب ما علمناه.

أمّا قوله: " كان يحطب لها "، فالحطب: الكسب، يقال حطب فلان على أهله أي كسب لهم، والحاطب والجارم والكاسب والجارح سواء لقول العرب: فلان جريمة أهله أي كاسبهم: كسبت المال وكسب زيد المال بغير ألف. وقد حكي في لغة شاذّة أكسبته وليس بالجيّد، والسليك تصغير السلّك وهو فرخ العجل والأنثى سلكة. والبئر الجرر تشبه أن تكون البعيدة القعر مشتق من الاجتران كأنه يبعد مجرر شائها. وآل الرجل: أتباعه وقومه وأشياعه، ومنه قوله تعالى (ادخلوا آل فرعون) يعني أتباعه وقومه، وقد تكون الآل: الأهل أيضا وتقول أهل القرية. في تصغير أهل أهيل كأن الهمزة فيه مبدلة من الهاء ثم أبدلت ألفا لاجتماع الهمزتين في كلمة واحدة كما فعل ذلك في آدم وآخر، فهذا يدل على أن أصل آل أهل أبدلت الهاء همزة ووضع للمعنى الذي ذكرنا. ونظير تصغير آل أهيل ردّ إلى الأصل. وان كان بغير ذلك المعنى قول سيبويه في تصغير مذ إذا سميّ بها منيذ،.قال لأن الأصل فيها منذ فحذفت منها النون حين جعلت اسما لأن منذ عنده حرف خافض وهو مذهب أكثر العرب. ومذ اسم للزمان يرتفع ما بعده بالابتداء ففصل بينهما لذلك. فإذا نقلها من هذا الموضع قال في تصغيرها منيذ لأن المصغر لا يكون على أقل من ثلاثة أحرف. وان سهي بها امرأة منيذة كما تقول في تصغير هند هنيدة. وإبراهيم اسم أعجمي يقول أهل النحو في وزنه قولين، فال بعضهم في تصغيره أبيره، وأبيريه في العوض. وان جمعه جمع التكسير قال أباره، وقال بعضهم: الهمزة فيه مزيدة ألا أن الهمزة لا تزاد أولا فيما جاوز ثلاثة أحرف ولكنها جاءت في أول هذا مزيدة شاذا، فتقديره عنده افعاليل فيقول في تصغيره بريهيم وفي الجمع براهمة. وكذلك القول في إسماعيل تقول. ويقال في تصغيره على هذا المذهب الثاني سميعيل في التصغير، وسماعلة في الجمع. والنضر: الذهب، والنضار أيضا وكذلك النضار ضرب من الخشب. والكنانة: الجعبة وجمعها كنائن، ومن أمثال العرب " قبل الرماء تملأ الكنائن ". وقصيّ: فعيل من القصو، يقال ناقة قصواء أي مقطوعة الأذن. ولا يقال جمل أقصى، ويجوز أن يكون اشتقاقه من الإقصاء وهو الأبعاد ألا أن ذاك أصبح قياسا وأطرد. وأرباب: جمع رب، والرب: المالك للشيء، وا لرب: المصلح، والرب: السيد. وفي اشتقاق مكة قولان، قال بعضهم: هو من قولك أمتك الصيف ما في خلف الناقة من اللبن: إذا شربه اجمع كأنها تجذب الناس إليها من جميع الآفاق. وقال آخرون أصلها بكّة والميم مبدلة من الباء كما قيل سمد رأسه وسبده إذا استأصل شعره. وسميت بذلك لأنها تبكّ أعناق الجبابرة أي تدقها. وقال بعضهم: سميت بذلك لأن الناس يتباكون فيها أي يتزاحمون. ولباب الشيء: خالصه، وكذلك لبه. والحسب: الكرم والشرف، وقال أهل اللغة: اشتقاق الحسب من الحساب من قولك حسبت الشيء إذا عددته فكأنه الذي يعد لنفسه مآثر وأفعالا حسنة أو يعد آباء أشرافا. والمعدن: المقام من قولك عدن بالمكان: إذا أقام به ومنه (جنات عدن) أي جنات إقامة، وهكذا رواه لنا بالفتح. وكل ما كان على فعل يفعل مثل ضرب يضرب ونصب ينصب فالمصدر منه على مفعل مكسور العين كقولك ضربت ضربا ومضربا إذا أردت المصدر، والمضرب: المكان الذي يضرب فيه وكذلك الزمان أيضا يبنى على مفعل كقول العرب " أتت الناقة على مضربها " أي على وقت ضرابها. فأما قول زياد الأعجم الطويل فما ترك الهاجون لي أن هجوته ... مصحّا أراه في أديم الفرزدق فانه أراد مكانا صحيحا، والمصدر مصحّ بالفتح كما ذكرت. وما كان فَعِل يَفَعْلَ مثل علم يعلم، وشرب يشرب أو على فَعَلَ يفعُل، مثل قتل يقتل فالزمان والمكان منه والمصدر على مَفْعَل كله مفتوح العين كقولك: المذهب، والمشرب، والمعلم. ويقال عدن بالمكان يعِدن بكسر المضارع. فالمعدن على هذه اللغة يجب ان يكون مكسور الدال، ويقال يعدُن بالضم. والمعدن من هذه اللغة مفتوح الدال، فتفهم هذا فقد جاءت فيه اللغتان وراجعنا فيه هذا الشيخ الذي أملى علينا الخبر فأبى أن يقول ألا معدَنا بالفتح قال: وكذلك سمعته وقد كان هو أيضاً فصيحاً. والحلف: المحالف، وكانت العرب في الجاهلية تحالف القبيلة من هو بعضهم لبعض أن تكون يدهم واحدة. فكانوا يوفون بذلك ولا يتخاذلون، ويرونه ديناً يتدينون به.

والعقوق: قطيعة الوالدين أو ذوى المحرم وأصله من العق وهو الشقّ، يقال في ثوبه عقّ، وفي سقائه عقّ أي شقّ. والعقيقة ما يبقى من شعاع البرق في السحّاب إذا نفق عنه. ومنه سمّيت العيّوق عقائق. العقيقة أيضا: الشعر الذي يولد به المولود وهو على رأسه. ويقال عقّ عن المولود: إذا حلق ذلك الشعر فتصدق عنه بشيء أو ذبحت شاة ونحوها. وفي الحديث عقّ النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين فتصدّق بزنة شعورهما ورقا. وأمّا قوله: أن تعتادكم العجلة إلى حصّ القمة من قولهم رجل أحصّ: إذا كان قليل الشعر. والحصص: ذهاب الشعر، والقمة: أعلى الرأس، وهذا مثل كأنه أراد استئصال الرؤساء ومن به قوام أمرهم. ويقال للقمة: الشعفة وجمعها الشعفات، وكذلك أعالي كل شيء من جبل ونحوه يقال له شعفات، قال العجاج: مشطور الرجز دواخسا في الأرض ألا شعفا فأمّا الأمة فالقامة قامة الإنسان قال الشاعر: المتقارب وان معاوية الأكرمين حسان ... الوجوه طوال الأمم وقوله: وجرد الساعد فان العرب تقول " فلان يقدح في نفس فلان ويفت في ساعده " يعنون الساعد العشيرة والقوم. والجرد: النحت والقشر، ومنه قيل: تجرد الرجل من ثيابه. وامرأة حسنة المجردة، والمتجرد من ذلك. والضت: الحقد ومثله الحسيكة والضغينة والوحر. والاجتثاث: قطع الشيء من أصله واستئصاله ومنه قول الله عز وجل (اجتثت من فوق الأرض) . والباسقات: الطوال، يقال: نخل باسقات من ذلك. والجرّة: اجترار الشيء ومدّه إليك. والجرّة أيضا: ما يجتره البعير من جوفه. والحسم: القطع، ومنه قيل: حسمت مادة هذا الأمر. والجمّة:.اجتماع الماء في قرار أو بئر أو غيره. والعمق: عمق البئر ونحوها وهو امتدادها في النزول وإنما هذا مثل ضربه لاستعلاء الشر وغلبته. وقوله: وليتأثفن شمل السحيق: يريد ليجتمعن على الأمر الخسيس الحقير المتناهى الحال إليه، وإقفار الحرب الناس واختلالها بأحوالهم. والثأثق: الاجتماع على شيء والإحاطة به من نواحيه مشتق من الأثافي. قال النابغة: البسيط لا تقذفني بركن لأكفاء له ... ولا تأثفك الأعداء بالرفد والسّمل: الثوب الخلق، يقال سمل الثوب وأسمل فهو سمل: إذا أخلق، ومثله نج وأنج، ومج وأمج، وأخلق اخلاقا فهو مخلق، وخلق خلوقه فهو خلق وهي أقل اللغتين. ويقال: ثوب خلق ودرس ودرس ودريس بمعنى. ومثله الحسيف، والمعوز وجمعه معاوز. قال الشماخ: الطويل إذا سقط الأنداء صينت وأشعرت ... حبيرا ولم تدرج عليها المعاوز يصف قوسا يوقيها من الندا بثياب فاخرة لا بالخلقان فإذا كان الثوب مخرّقا لا خلاقة قيل ثوب مرق وسماطيط ورعاهل بل ومردّم. ومنه قول عنترة: الكامل. هل غادر الشعراء من متردم ... ................. يقول: هل تزكوا وجها للمقال لم يقولوا فيه. وقوله: " حتى يردع قذيف الكبد " يقول: حتى يرجع إلى حيث خرج منه معكوسا، من قولهم: ارتدع انسهم إذا رجع ولم يمض على سننه، وارتدع الرجل عن الفعل القبيح. والشنان: جمع شن وهي القربة الخلق: والشظايا: جمع شظيةّ، والمقذدّة أفواقها يعني السهام، ولا معنى لتعلق الشنان بالسهام ألا أن يكون مثلا لكون ما لا يكون واستحالته، أو لكون الأشياء العجيبة إذا أراد بالشنان غير ما ذكرنا ما لم يتبين لنا معناه. وقوله: " ويفرغ المهادن جمّة الدخن ": الغلّة والقش. يقال: بينهما هدنة على دخن: إذا كانت غير نقيةّ الباطن. والدخن: من الدخان، والإفراغ ها هنا: الاستفراغ يقال: أفرغ فلان ما في إنائه بمعنى استفرغه، وأوصله اجمع من الفراغ. ومدمجات الخواصر: ما طويت الخواصر عليه يعني ما أسرّته من غش وعداوة وغير ذلك. ومنه قيل: فلان مدمج الخلق: آي مطوي الخلق ملتفه. والعرب تصف الملتف الخلق بالإدماج والإدراج كما قال رؤبة في وصف عير: الرجز محملق أدمج إدماج الطلق والأريب: العاقل، والأرب: العقل وكذلك الحجى والنهى والحول. وأمّا قوله: " واتسع فرى السّبوبة " فالفرى: الشّق: وهو القطع يقال: فيربت الجلد إذا قطعته للإصلاح، وأفريته: إذا قطعته للإفساد.

والسبوية: الدلو، وكذلك المقريّة وهو نعت لها كأنها مفعولة من فريت، وكذلك الذّنوب وهي الدّلو العظيمة، والغرب مثلها، والسجيل، والسجيلة، فإذا كانت الدلو صغيرة فهي كتعة وولغة. وإنما أراد بقوله: " اتسع فرى السبّوية " مثل قولهم: " اتسع الخرق على الراقع ". وقوله: " ووشل نزح الغرب " يقول: قل ماء الدلو الكبيرة لأنها لا تصادف ما تمتلئ به. يريد قلة الخير ونفاده. والوشل: بقية ماء في غدير قليلة. ومثله التمدد. ويقال: لها القليل الدعت. والحضج والحضج والملبطة. فإذا كان الماء كدرا قيل: ماء طرق، ورفق، ورنق. وان كانت بقية كدرة قيل هي رفقة، وغرنقة، ورجرجة. والامدان: الماء الناقع في أصول الشجر. فإذا كان الماء صافيا قيل: ماء أزرق وأخضر. وإذا كان عذبا قيل ماء عذب وتفاح، وسلسال، وسلسل، وسلاسل، وفرات. وحكى الليحاني انه يقال في جمعه فرتان. ويقال: ماء مسوس إذا كان ناميا في النسارية في أبدانها. وإذا كان ملحا قيل: ماء ملح، وذعاق، وفقاع، واجاج، وحراق. وينشد: الرجز بحرك عذاب الماء ما أعقّه ... ربّك والمحروم من لم يسقه يريد: ما أفقه فقلب. وإذا كانت البئر ضيقة الرأس قيل لها: سكّ فإذا كانت ضليعة الرأس قيل لها جلواخ. وإذا كانت فوق أكمة قيل لها جمجمة، والزبر والضرس: طيّ البئر ويقال: بئر مضروسة ومزبورة. وأماّ قوله: " واتّصل لحام القين " فالقين: الحداد ويزعم بعض أهل اللغة إن العرب تسمي كل صانع قينا، والمتفق عليه مما لا خلاف فيه إنها تسمي كل صانع اسكافا. قال الشماخ: السريع 'لم يبق إلاّ منطق وأطراف ... وريطتان وقميص هفهاف وشعبتا ميس براها اسكاف والقينة: الجارية مغنية كانت أو غير مغنية. والمقينّة: الماشطة، تقول العرب: قانت المرأة الجارية قينا إذا زيّنتها. وقال ابن كيسان: إنما سميت المرأة قينة لأنها تعما، بيديها فقد جمعت مع التزيّن والتحسنّ إنها تعمل: بيدها. والشديخ: المشدوخ بحجر أو غيره، والشادخة: الغرة التي ملأت الوجه ولم تأخذ العينين، فإذا أخذت العينين حتى تبيض أشفارها فذلك الأغراب. والفرس مغرب، والشدخ: الطفل ما دام صغيرا يرتضع. والعميد: المعمود المقصود، والعميد: السيد، والعميد: الحزين أيضا. والهنبثة: الاختلاط والاضطراب. وكذلك الهنهنة، والهنهان، وأنشد: البسيط قد كان بعدك أنباء وهنهنة ... لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب والمحل: اللياج، والخوص: جمع أخوص وخوصاء وهي الغائرة الأعين من الإبل، والحوص بالحاء غير معجمة: ضيق مؤخر العبن يقال رجل أحوص وامرأة حوصاء، والحوص: الخياطة. يقال: حص عين صقرك. والركاب: الإبل لا واحد لها من لفظها وواحدها راحلة، ويقول أهل اللغة: لا يقال راكب إلا لراكب البعير والفرس خاصة ولا يقال ذلك لراكب الحمار والبغل. والعوراء: الكلمة القبيحة، قال حاتم الطائي: الطويل وأغفر عوراء الكريم ادخاره ... وأعرض عن شتم اللئيم تكرما والشسع: سير مصفور، والشوى: الأطراف، اليدان والرجلان. والشوى: الناحية من النواحي وكذلك الحشا وينشد: الطويل يقول الذي أمسى إلى الحزن أهله ... بأي الشوى أمسى الخليط المباين والشّوى جمع شواة: وهي جلدة الرأس خاصة، ومنه قوله تعالى (نزّاعة للشوى) والشوى: رذال المال قال الشاعر: الطويل أكلنا الشوى حتى إذا لم نجد شوى ... أشرنا إلى خيراتها بالأصابع ويقال: رمى الصيد فأشواه إذا لم يصب مقتله رماه فأنماه فان أصاب مقتله قيل: رماه فأصماه ومنه: كل ما أصميت ودع ما أغنيت. والخطار: الحمل الذي يخطر بذنبه عند الصول والهياج. والوقم: الذل. وقول: " وعلص هاديه جبذ الجرير " يقول: اَلمه حتى انتفخ وورم. والعلوّص: اللوى الذي يكون في الجوف من سوء الهضم. وحكى الخليل في كتاب العين عن بعض الأعراب أنه قال: أتيت بفيجة فيها زغبذ فتناولت منها يمعو فأصبحت كأن بي علّوصا. فالفيجة: السكرجة، والزغبذ: الزبد، والمعو: الرطب، والجبذ والجذب سواء، والجرير: الحبل، ورصيص. الأماعز: الحصا، والاماعز: جمع أمعز وهو المكان الغليظ الحصا، والمرس:.الحبل يمرس مرسا: إذا خرج عن مجراه ونشب، فإذا أمر برده إلى مجراه قيل أمرس امرس وينشد: الرجز

بئس مقام الشيخ أمرس أمرس ... أمّا على قعو وأمّا اقعنس وقال أبو زيد: أما مقدم يد الرماح فلا أبكيك إلا للدلو والمرس. والكرب: أن يشدّ حبل بعد الحبل الأول فان انقطع الأول ضبط الدلو الكرب فالأول العناج، والثاني الكرب، قال الحطيئة: البسيط قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم ... شدّوا العناج وشدّ وافوقه الكربا أخبارنا الأخفش قال حدثنا بشر بن عمر عن احمد بن يحيى قال حدثنا العباس بن الفرج فال حدثنا بشر بن عمر بن عبد الله بن طيقة عن أبي زرعة عمرو بن جابر عن عبد الله بن عمر ما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لن تقوم الساعة حتى يرفع الركن والمقام ". حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الرازي عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد القاسم بن سلاّم قال حدثنا بن أبي زائدة عن مجالد بن سعيد عن الشعبي إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قضي في القارصة، والقامصة، والواقصة بالديّة أثلاثا، قال ابن أبي زائدة: وتفسير ذلك أن ثلاث جوار اجتمعن يلعبن فركبت إحداهن الأخرى فقرصت الثالثة المركوبة فقمصت فوقعت الراكبة فوقصت أي اندفعّت عنقها فماتت، فجعل على القارصة ثلث الديّة وعلى القامصة الثلث الثاني وأهدر الثلث الثالث لأنه حصة الراكبة وذلك أنها أعانت على نفسها بركوبها. قال أبو القاسم: أصل الوقص الدقّ، وكل شيء دققته فقد وقصته وكان السبيل أن يقال الموقوصة لأنه يقال وقصت فهي موقوصة، ولكنه جاء بلفظ الفاعل على معنى مفعول كما قيل ماء دافق بمعنى مدفوق، وعيشة راضية بمعنى مرضية. اخبرنا عبد الله بن مالك قال اخبرنا الزبير قال اخبرني مصعب بن عثمان عن أبيه جعفر بن الزبير بن العوّام قال: لمّا كان يوم الجمل نادى عليّ بن أبي طالب بالزبير بن العوّام فخرج إليه فقال له: يا أبا عبد الله لمن كان حلّ لك خذلاننا فحرام عليك قتالنا. قال: أفتحب أن انصرف عنك؟ قال: ومالي لا أحب ذلك وأنت سيف رسول الله وحوارى رسول الله، وصهر رسول الله، وسليل رسول الله، وابن عم رسول الله. فانصرف عنه وعارضه ابنه عبد الله فقال: ما دعاك يا أبة؟ فأخبره الخبر فقال: أما والله لقد أعلمك ابنه أبي طالب مع علمك أنّك بهذا الأمر أملك منه بعنان فرسك. ولمن أخطأك لما أن يقول الناس جبّنه ابن أبي طالب ليقولنّ خدعه. قال الزبير: ليقل منه شاء ما يشاء أن يقول فو الله لا أشري عملي بشيء أبدا، وللدنيا علي أهون من صيحة سحساحة، وانصرف راجعا. قال أبو القاسم: الضيح: اللبن يكثر مزج الماء به فيفسد. والسحساحة: من السحّ وهو الصبّ كأنّه قال: الدنيا أهون عليّ من مذقة أفسدت بالماء فصبتّ لأنه لا مستنفع فيها. اخبرنا المعنوي قال حدثني إسحاق بن إسماعيل الأصبهاني عن أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الكريم القرشي عن سعيد بن عفير عن علوان بن داود قال: خرج عمر بن الخطاب ليلة فسمع امرأة تقول من بيت: البسيط ألا سبيل إلى خمر فأشربها ... أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج فقالت لها امرأة معها: من نصر بن حجاج؟ قالت: اجل وددت أنه في ليلة من ليالي الخريف وأطول ليلة من ليالي الشتاء. وليس معه غيره. فدعا بها عمر فضربها بالدرّ ة ضربات ثم سأل عنها فلم يخبر عنها إلاّ بخير. فلما كان من الغد أرسل إلى نصر بن حجاج فأحضره وله شعرة: فقال: انه ليتمثل بك ويغنىّ بك، وأمر بشعرته فحلقت ثم راح إليه بالعشيّ فرآه في الحلاق احسن منه في الشعر فقال له: لا تساكني في بلدة واختر أيّ البلدان شئت. فكتبت المرأة إلى عمر: البسيط قل للإمام الذي تخشى بوادره ... مالي وللخمر أو نصر بن حجاج إني غنيت أبا حفص بغيرهما ... شرب الحليب وطرف قاصر ساجي لا تجعل الظنّ حقّا أو تيقّنه ... إن السبيل سبيل الخائف الراجي إن الهوى زمهّ التقوى فخيسّه ... حتى اقرّ بإلجام وإسراج فبعث إليها عمر: لم يبلغنا عنك إلاّ خير. وكتب إليه نصر بن حجاج: الطويل أأن غنت الذلفاء يوما بمنية ... وبعض أحاديث النساء غرام ظننت بي الأمر الذي ليس بعده ... بقاء ومالي في الندىّ كلام فأصحب منفيا على غير ريبة ... وقد كان لي بالمكّتين مقام

ويمنعني مما تظّن تحرّج ... وآباء صدق سالفون كرام ويمنعها من منيتيها تعبّد ... وحال لها في قومها وصيام وهاتان حالانا فهل أنت راجع ... وقد جبّ منا غارب وسنام؟ فبعث إليه: لا رجعة فارحل إلى البصرة. فنزل على رجل من قومه يقال له مجاشع بن مسعود وكانت له امرأة يقال لها خضراء بني سليم، وكانت من اجمل النساء وهي أول من لبس الشفوت. فبيناهم ليلة يتعشوّن كتب لها نصر على الأرض، وكانت المرأة تقرأ وتكتب " أحبك حباّ لو كان فوقك لأظلّك، ولو كان تحتك لأقلك " فقالت المرأة: " وأنا والله " فقال؟ لها الشيخ: ما هذا؟ فقالت: انه قال لي: ما أطيب لبن ناقتك؟ فقلت: وأنا والله. فقال الشيخ: ما هذا كذا ثم كفأ القصة على الموضع الذي رآه يخطط فيه ودعا بمعلم على باب داره فقال: اقرأ هذا. فقال: هو " أحبك حبا لو كان فوقك لأظلك ولو كان تحتك لأقلك " فقال الشيخ: أجل ثم التفت أليه فقال: يا ابن أخي أن يكون الطلاق ثلاثا فهي طالق ثلاثا. فقال: وهي طالق إن جمعني وأيّاها بيت أبدا، ثم ارتحل إلى فارس. اخبرنا اليزيدى قال: سئل عمي أبو العباس الفضل بن محمد اليزيدي عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم كل مسلم عن مسلم محرم فقال: المحرم في كلام العرب الممسك معناه: إن المسلم ممسك عن ماله المسلم وعرضه ودمه. قال وأنشدني سوار القاضي لمسكين الدرامي: الطويل أتتني هناة عن رجال كأنها ... خنافس ليل ليس فيها عقارب احلوّا على عرضي فأحرمت عنهم ... وفي الله جار لا ينام وطالب قال وأنشدني جدّ ي للراعي الكامل قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ... ودعا فلم أر مثله مخذولا قال: وفيه قولان، إن المحرم الممسك عن قتالهم، والآخر: انه إنما سميّ محرما لأنه قتل في أوسط الأشهر الحرم. قال: فقيل للفضل أعندك في هذا شعر لجاهلي؟ فقال: أنشدني محمد بن حبيب لأخضر بن عناد المازني وهو جاهلي الطويل لقد طال إعراضي وصفحي عن التي ... تبلغ عنه والقلوب قلوب وطال انتظاري عطفة الحلم منكم ... ليرجع ودّ والمعاد قريب ولست أراكم محرمين عن التي ... كرهت ومنها في القلوب ندوب فلا تأمنوا منها كفاءة فعلكم ... فيشمت قتل أو يساء حبيب وتظهر منا في المنام ومنكم ... إذا ما ارتمينا في المقال عيوب قال أبو القاسم: أنشدنا نفطويه قال أنشدنا ثعلب عن ابن الأعرابي: الطويل ألا حيى ليلى حان منك رحيل ... ونأي وان عز الفراق طويل وألمم على ليلى فان تحيّة ... لها قبل سوم الناعجات قليل فانك لا تدري إذا العيس شمرّت ... بنا أملاق أم عدى وشغول أنشدنا نفطويه للسيد بن محمد الحميرى: الطويل ساَخذ من نفسي لنفسي لعلها ... بأخذي لها منها تزحزح عن ستر ثلاثة أيام من الشهر حلفة ... أصوم وأحيانا أقوم إلى السحّر وأبيات شعر محكمات أقولها ... لآل رسول الله غرّا من الغرر قال أبو عبد الله الكرماني: ما يعد في خلق الفرس من أسماء الطير الصّردان: عرقان مكتنفان اللسان. ويقال بياض في الظهر. والذباب:

مسالة

إنسان العين. والديك: ما انحنى من لحييه. والهامة: السجالة في الدماغ، كأنه عرقي البيدقي. ويقال: هما خلف قونسة من هامته. واليعسوب الغرة الرقيقة المستطيلة. والهامة: مؤخر الدماغ، ويقال إنها الدماغ. والعصفور منبت الناصية وقرنسته. والعصفور: عظم ناتئ في كل جبين، وإذا شالت الغرة فدقت ولم تجاوز العينين فهي العصفور. والصلصل: مؤخر الناصية. والجباه: أصل الأذن والخرب: السواد يكون في الأذن من ظاهره، ويقال متون القرنين. والشمامة الدائرة التي في العنق. والخطاف: دائرة عند المركض. والقطاة: مقعد الردف. والغراب: طرف الورك من ظاهر. والرخمة عضلة الساق. والنامض: طرت القنب. في العقد الفريد: والناهض: فرخ القطا. ويقال: الكلفة والنسر. باطن الحافر كالحصا والنوى. والساق ساق الفرس. والرجل رجل الفرس. والفراشة: عظام الجبهة. والاصقع: الناصية البيضاء. والعقابان: الحدقتان. والحرّان: حقافا الأذن. والصقران: موضعا الصوت من الخاصرتين. والكرسوع: رأس الذراع مما يلي الوظيف والسعدانة: ما انجرد من ظهر ذراعي الفرس بمنزلة الحماتين وهي شعرات بيض تنبت في اليد أو الرجل. والورسان عملاق العين الأعلى. وقيل: الذرق: تحجيل يكون دوين الشعرة. وقال آخر: الزرق بياض لا يطيف بالعظم كله ولكنه رضخ. وقال في غيره: الصلصلة: ناصية الفرس. والصلصلة: الفاختة. ؟؟؟؟؟؟؟؟ مساْلة قال أبو العباس المبرد: ذكر سيبويه في تصغير أحوى مذاهب قد بينت مراد أصحابها فيها، وما يوجبه القياس. أما مذهب عيسى بن عمر، فهو عنده وعندنا خطأ لأنه كان يقول في تصغير أحوى " أحيّ " فيصرفه. والزيادة في أوله، ويحتج بأنه نقص عن الوزن فألزمه سيبويه أن يصرف رجلا يسمى يضع أو يزن لأنه قد نقص عن " يفعل " والزيادة في أوله وهذا لا يصرفه أحد لأن الزيادة التي بها ضارع الأفعال في أوله وهي الياء. وكذلك أحوى إذا صغرّ قيل أحيّ. فصرفه غير جائز لأن الهمزة في أوّله. وإنما المانع له من الصرف عندنا الوزن مع الزيادة ألا ترى أنهك تصرفه رجلا سميته خبزا أو بسرا لأن الزيادة مع الوزن قد زالا، وان كنت تريد به معنى أفعل. قال أبو العباس: ومذهب أبي عمرو بن العلاء كان سيبويه لا يقّره وأنا أتابعه على ذلك لأنه كان يقول في تصغير " أحي " ويشدّد الياء ويخفض وقد ألزمه سيبويه على قياسه أن يقول في تصغير عطاء عطيّ بالخفض وهذا لا يقوله أحد وهو لازم على قياسه. وإنما فعل أبو عمرو هذا لأنه يجتمع ثلاثة ياءات فيذهب التنوين آخرها بعد أن يدغم ياء التصغير في الواو فيقول هو عندي من باب جوار وقواص. وليس بأبعد منه عند. فيقال له: " باب جوار وقواص " لما ودعانا إليه إن الحركة ممتنعة فيه فجعلنا التنوين عوضا كما جعلناه في يومئذ وفي قوله: الخفيف طَلَبُوا صُلحنا ولاتَ أَوانٍ ... فأجَبْنا أَنْ لَيسَ حيِنَ بَقاءِ لما كان آذن لا تضاف إلى ما يفسرها ثم حذف عنها ما يوضحها وجب بناؤها وجعل التنوين فيها عوضا من المحذوف، وكذلك قوله يومئذ إنما نونت لما حذف ما يوضحها فجعلت التنوين عوضا منه ومع ذلك فقد نقص جوار وغواش عن فواعل وليست فيه زيادة المضارعة ألا ترى انك لا تنون جوارى في حال النصب لتمامها وان احتججت بأنه قد اجتمع ثلاث ياءات، فاحذف وامنع الصرف كما تفعل ذلك في يضع ويعد إذا سميت بواحد منهما على ما ألزمك سيبويه وهو لازم لك على قياسك. وأما يونس بن حبيب فانه كان يقول في تصغير أحوى أحيو فيظهر الواو ولا يدغم لأن الواو متحركة تصح في الجمع في قولك أحاو وهذا على لغة من قال في اسود اسيود إلى هذا كان مذهب سيبويه فقال هو القياس لأنه صغر على الأصل وأذهب لام الفعل لالتقاء الساكنين كما تذهب في قاض ورام وفي أعيم تصغير أعمى. ويحتج بمثل احتج به أبو عمرو وبالحاقه بباب جوار وقواض وغواش لأنها ياء قبلها كسرة وواو. فال أبو العباس: وهذا أقرب إلى الصواب وأمس به ولكن الذي

مسألة

اختاره أنا ولا أجيز غيره أن أقول في تصغير أحوى أحيّ يا فتى، وأحذف الياء الأخيرة وهي اللام ولا أنوّن لأن الزيادة في أوّله كزيادة يجد ويضع، ولأني قد رأيتهم إذا اجتمعت الياءات حذفوا تخفيفا في مثل قصي وغني إذا نسبوا إليهما وإلى ما كان مثلهما ووجدتهم أيضا يحذفون اللامات ويعربون العينات في مثل يد ودم وما أشبههما فأحذف أنا وأعرب ولا أنوّن. مسألة قال سيبويه في كتابه: " ما أغفله عنك شيئا " أي دع الشكّ. واختلف العلماء في مراد سيبويه في هذه المسألة وشرحها، فقال الأخفش سعيد بن سعدة: أنا مذ عقلت أسأل عن هذا فلم أجد من يعرفه على الحقيقة. وكان يونس يقول: ذهب من كان يعرف هذا، والسبب في هذا هو أن هذا كلام جرى كالمثل وفيه حذف قل استعماله مظهرا فمضى من كان يعرفه. وقال المازني: غرض سيبويه في هذا بينّ لأنه قال " ما أغفله عنك شيئا " أي دع الشك. فالناصب لشيء الفعل المذكور وهو أغفل تقديره عنك فنصب غفلة على المصدر، ثم يضع الشيء مكان المصدر. وقال الأخفش: ليس هذا الكلام بتعجب إنما معنى الكلام " الذي أغفله عنك شيئا " أي قليلا أمر من الأمور فيكون خبر المبتدأ مضمرا، ويكون ما بتأويل الذي على الخبر. ثم يقبل على صاحب له فيقول له: دع عنك الشك مما خبرتك به لأنه حق. وكان الزجاج يقول: لم أر من هذه التفاسير شيئا يليق بالمسألة وإنما شرحها على الحقيقة على ما شرحه لنا أبو العباس المبرد، قال: تقدير هذا الكلام أن يكون رجل له صديق مناصح له، وله عدو مكاشح له ومظهر له الموده نفاقا ومسر العداوة فقال له صديقه: إن فلانا عدوّ لك. فقال: ما هو بعدو لي ولكنه صديق. فقال له صديقه في الحقيقة: هيهات ليس الأمر كما قدرت وانه لعدوّ عليك. ثم أقبل عليه فقال: ما أغفله عنك. أي إن عدوّك غافل عنك ولو علم أنّك هكذا واثق به لأهلكك. ثم قال له بعد ذلك شيئا فنصبه بفعل مضمر كأنه قال: فكر شيئا وانظر شيئا. أي انك لو فكرت أدنى فكر ونظرت أدنى نظر بان لك انه عدو لك ولم تركن إليه بعد هذا. وشيء يستعمل موضع ما يقل مقداره جدا، كقولك: هذا الدينار يزيد قيراطا وحبتين. فإذا كان مقدار الزيادة يسيرا جدا قيل: هذا الدينار يزيد شيئا. وكذلك وضع الرجل الشيء في مسألته مكان أدنى نظر وفكر. فغمض هذا الكلام لما قلّ استعمال هذا المضمر الذي ذكرناه في كلامهم. فهذا هو معنى قول سيبويه يعقب: ما أغفله عنك شيئا. أي دع الشك؟، هذا واضح بينّ وهو معنى المسألة في الحقيقة وهو من المضمرات التي تخفي على من لم يسمعها مظهرة، ألا ترى أنّ الناصب لشيء ليس المذكور في أول الكلام وإنّما ذكر سيبويه هذا الكلام في باب لولا والمضمر بعد هذا. ونظيره قول العرب: كان ذلك حينئذ الآن. ألا ترى إن حينئذ زمان قد مضى، والآن زمان أنت فيه. وإنما معنى الكلام: كان ذلك حينئذ واستمع، أنت إليّ الآن. أو لا ترى ان المضمر الذي يتصل به الآن غير الكلام المذكور أولا، وكذلك المضمر في باب لولا لأنك إذا قلت: لولا زيد لأكرمتك. إنما ترفع زيدا بالابتداء ولا خبر له في الظاهر وإنّما الخبر مقدر مضمر، والتقدير لولا زيد أهابه وأجلّه أو ما أشبه ذلك، لأكرمتك، فاللام جواب والخبر مضمر على ما ذكرت لك، ولابد من هذا الإضمار وإلاّ كان الكلام غير مستقيم. والمضمر في كلام العرب أكثر من أن يحصى إلاّ انه يحيط به أصول ثلاثة، مضمر يجوز إظهاره وإضماره كقولك لرجل رأيته يضرب رجلا: الرأس، تريد: اضرب الرأس. أو رأيت قوما يتوقعون الهلال ثم كبرّوا فقلت: الهلال تريد: أبصروا الهلال، أو ترى رجلا في زيّ سفر فقلت: مكة أي وربي أي تريد مكة. وان شئت أظهرت هذا المضمر وان شئت أضمرته. وقال الأصمعي: قال رجل من بني تميم يوم جبلة واستقتلهم بعير أعور: يا بني تميم أأعور وذا ناب؟ على جهة التطيرّ. قال: ثم قلت لبعض الأعراب: أتعرفه بمكان كذا وكذا أو جذا، وهو موضع يمتلئ الماء، فقال: نعم وجاذا، أي أعرت به وجاذا. ومضمر لا يجوز إظهاره وهو قولك: أزيدا ضربته؟، أعبد الله أكرمته؟ وما أشبه ذلك، وهو منصوب بفعل لا يظهر. قال الشاعر: الوافر أثعلبةَ الفَوارسِ أو رياحا ... عَدَلتَ بهم طهَيةََّ والخِشابا وكذلك قول الآخر: المنسرح أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا

والذئب أخشاه أن خلوت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا فكذلك ما أشبهه منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره. وكذلك قولهم: إيّاك والشرّ وإيّاك والمراء منصوب بفعل لا يظهر. وكذلك قوله: الطويل اإّياك إيّاك المراء فانه إلى الشرّ دعاء وللشر جالب لا يجوز إظهار الناصب لا يّاك. والمراء منصوب بفعل مضمر غير الذي نصب إيّاك، والتقدير دع المراء، وإظهاره جائز. ونظائر هذا المضمر الذي لا يجوز إظهاره كثير في كلامهم وهو نحو قوله: ما أغفلك عنك شيئا، في تركهم إظهار الناصب للشيء، واستعمالهم إيّاه مضمرا علما ما فسّرت لك. ومضمر لا يجوز أن يستعمل ألا بعد موافقة المخاطب عليه وذلك إن تصير إلى رجل لم يخطر بباله ضرب زيد ولا إكرامه فغير جائز أن تقول له: زيدا، فتنصبه بفعل مضمر لأنه لا دليل عليه. فعلى هذه الأوجه الثلاثة إضمار الأفعال في كلام العرب فقس عليه إن شاء الله. حدثنا أبو بكر محمد بن محمود بن محمد الواسطي بواسط قان حدثنا احمد بن سعيد الزهري قال حدثنا مكرم بن محرز بن المهدي عن عبد الرحمن بن عمرو الخزاعي من ولد أم معبد بقديد قال حدثني أبي محرز ابن المهدى عن جدّه حكيم بن هشام عن أبيه حبيش بن خالد قتيل البطحاء يوم الفتح إن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة خرج منها مهاجرا هو وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة، ودليلهم عبد الله بن الأرقط فمروا على خيمتي أم معبد الخزاعية وكانت برزة جلدة تختبئ بفناء القبة ثم تطعم وتسقى فسألوها لحما وتمرا يشترونه منها فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وكان القوم مرملين مشتين فنظر صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم. قال: هل بها من لبن؟ قالت. هي أجهد من ذلك. قال: أتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبا فاحلبها. فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرها وسمي الله عز وجلّ ودعا لها في شاتها فتفاجَّتْ عليه ودرّت واجترّتْ. فدعا بإناءُ يُربض الرهْط فحلبت فيه ثّجاَ حتى علاه البهاء ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا وشرب آرهم ثم ازداد. ثم حلبها ثانيا بعد بدء حتى ملا الإناء ثم غادره عندها وبايعها وارتحل عنها. فقلّما لبث حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً جافاً يتساوكن هزلي ضجا هدّ هن قليل. فلما رأى أبو معبد عجب فقال: من أين لك هذا يا أم معبد والشاء عازب حيالّ، ولا حلوب في البيت؟ قالت: والله إلاّ أنه مرّ بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا: قال: صفيه لي يا أم معبد؟ قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة بلج الوجه، حسن الوجه، لم يعبه ثجلةَ ولم يزر صُقْلةَ، وسيما جسيما. أو قالت: فيما شك أبو ابرهة في عينيه دعج، وفي أشفاره غطف، وفي عنقه سطَعَ، وفي صوته صَحَل. ازج أقرن. إن صمت فعليه الوقار، وان تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب. حلو المنطق، فصل لا نزَْر ولا هذَر كأن منطقه خرزات نظم يتحدّرن من سمط، راحة لا بائن من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين فهو انظر الفتية عودا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفّون به، إن قال أنصتوا لقوله، وان أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا معتدّ. فقال أبو معبد: هذا والله صاحب قريش الذي كنا نحدث عنه بمكة ما نحدث. ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن ذلكَ إن وجدت إليه سبيلا. فأصبح صوت بمكة يسمعونه عاليا ولا يدرون من صاحبه وهو يقول: الطويل جزى الله رب الناس حين جزائه ... رفيقين نالا خيمتي أم معبد هما نزلاها بالهدى فاهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد فيا لقصيَّ ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا يجازى وسؤدد ليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلو أختكم عن شائها وأمائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد دعاء لشاة حائل فتحبلت ... له بصريح ضرة الشاة تزبد فلما سمع حساّن بن ثابت الأنصاري هذا الشعر أجاب الهاتف بقوله: الطويل لقد خاب قوم زال عنهم نبيهّم ... وقد سرّ من يسرى إليه ويغتدي

ترحّل عن قوم فضلتّ عقولهم ... وحلّ على قوم بنور مجدّد هداهم به بعد الضلالة ربّهم ... وأرشدهم من يتبع الحقّ يرشد وقد نزلت منهم على أهل يثرب ... ركاب هدى حلتّ عليهم بأسعد ليهن أبا بكر سعادة جده ... ّبصحبته من يسعد الله يسعد ليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد قال أبو القاسم: أما قوله " كانت برزة جلدة " فالبرزة: البارزة، يقول: كان قد خلا لها فكانت تبرز للناس وتظهر ولم تكن بمنزلة الصغيرة المحجوبة. يقال: رجل جلد وامرأة جلدة بينّا الجلد وذلك من القوّة واحسب أصل ذلك من الجلد وهو ما غلظ من الأرض. وقوله: " كان القوم مرملين " يقول: قد نفذ زادهم. قال أبو زيد الأنصاري يقال: أرمل الرجل وأقوى: نفذ زاده في سفر كان أو حضر. والمسنوّن: الداخلون في السنة. والسنة: المجاعة والجدب، وفي رواية أخرى على ما أخبرنا به الصائغ عن ابن قتيبة وكان القوم مشتين: أي داخلين في الشتاء لأن الشتاء وقت الشدة والضيق. وأنشد ابن قتيبة شاهدا لهذه الرواية الوافر إذا نزل الشتاء بدار قوم ... تجنّب دار قومهم الشتاء يقال: كسر وكسر كما يقال: بزر وبزر، ونفط ونفط، وجسر وجسر. ناحية منها، قال ابن قتيبة: هو الشقة التي تلي طرفها الأرض وفيه لغتان، يقال: كسر وكسر كما يقال: بزر وبزر، ونفط ونفط، وجسر وجسر. وقوله: فتفاجت عليه، يقول: فتحت رجليها تحلب، وكذلك يقال: نفج الرجل: إذا فتح ما بين رجليه ليبول. وقوله: فدعا بإناء يربض الرّهط: يريد إناء كبيرا يشرب منه الجماعة فيروون حتى يمنعهم عن النهوض ليربضوا. قال الرياشي: يقال أربضت الشمس: إذا اشتد حرّها، فتربض الشاة والظبي فتحملهما على أن يربضا ولا ينهضا. وقال الكسائي: أكبر الأقداح التبن وهو يروي عشرين رجلا وبعده الصحن وهو قريب منه، ثم العسف وهو يروى أربعة، ثم القدح وهو يروى اثنين، ثم القبب وهو يروى واحدا، والرهط: ما بين الثلاثة إلى العشرة، كذلك النفر والعصبة: فوق ذلك إلى الأربعين. وقوله فحلبت فيه بخّا: أي صبا يقال: بخبخت الماء وغيره إذا صببته. وقوله: حتى علاه البهاء. يقول: علا الإناء اللبن وهو بياض رغوته، والرغوة والثمال واحد. وقوله: يسوق أعنزا عجافا: أي هزلى نقي شهن. وقوله: يتساوكن: أي يتمايلن ضعفا قال كعب: الكامل حزق تعاورها السّفار فجسمها ... عار تساوك والفؤاد خطيف وبعضهم يرويه: تساوكن هزلا أي قد تساوين في الهزال كأنهن اشتركن فيه. والشاء عازب: أي بعيد عن المنزل في المرعى. والحياك جمع حائل وهي التي لم تحمل. وأمّا قولها في صفته صلى عليه وسلم: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، فالوضاءة: الحسن والجمال والأبلج المضيء من قولهم تبلج الصبح وانبلج: إذا انفجر ولم ترد به بلج الحاجبين لأنها وصفته بالقرن، وقولها: لم يعبه ثجله، فالثجل: عظم البطن واسترخاء أسفله، يقال: رجل أثجل وامرأة ثجلاء والثجل مثله. وقولها: ولم يفته صقله. الصقل: عظم الصقلة وهي الخاصرة، والوسيم: الجميل وكذلك المقسم والقسيم والقسامة والوسامة: الحسن. والدعج: شدة سواد العين. والأشفار: أطراف الأجفان التي ينبت عليها الشعر والشعر هو الهدب. فجعلت الأشفار ها هنا الشعر نفسه لأن العرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا جاوره أو ناسبه. والنطف: أن يطول هدب العين حتى ينعطف، والسطع: طول العنق. والصحل: كالبحّة في الصوت. والزجج: سبوغ الحاجبين وكثرة شعرهما. والقرن: أن يلتقي طرفاهما. وقولها لا يأيس من طول: تقول ليس بعظيم الطول فيأيس مطاوله من مطاولته. ولا تقحمه عين من قصر أي لا تحتقره ولا تزدريه لقصره. وقولها: محشود محفود، فالمحفود: المخدوم، والحفدة: الخدم والأخوان، والمحشود: من قولهم عين حشد من الناس أي جمع كثير. وقولها: لا عابس ولا مغتدّ تقول: ليس بعابس الوجه، والمغتدّ: الملوم. تقول: لا يلام على شيء يأتيه، وراوه ابن قتيبة لا عابس ولا معتد بالعين، وذهب إلى العداء وهو الظلم: والضرّ: لحم الضرع. والصريح: الخالص من اللبن وغيره.

حدثنا أبو العباس احمد بن محمد بن سعيد الكوفي قال حدثنا احمد ابن زكريا قال حدثنا علي بن عبيد عن سليمان بن أسير عن إبراهيم عن علقمة ومسروق والأسود عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم، ولكه كان أملككم لأربه. قال أبو العباس بن خندة: سمعت احمد بن عبد الحميد الحارثي وقد سأله رجل أهو سليمان بن يسير أو سليمان بن أسير فقال: ابن أسير بالألف، قال أبو القاسم: الاربة: الحاجة وكذلك الأرب والارب والمأربة. فأمّا الأربة بالضم: فالعقد. وأصل الصوم في كلام العرب: الإمساك، ويقال: صام النهار إذا قام قائم الظهيرة، وصامت الخيل إذا وقفت. قال النابغة: البسيط خيلٌ صِيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمةٍ ... تحتَ العَجاجِ وخيلٌ تَعْلِكُ اللُّجُما حدثنا أبو القاسم الصائغ: قال حدثنا ابن قتيبة قال روي أنَّ سويداً قدم مكة فتصدّى له النبي صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام فقال له سويد: لعل الذي معك أكدى مثل الذي معي. قال: وما معك؟ قال: مجلّة لقمان. قوله: تصدّى: يعني تعرّض. والمجلّة: صحيفة فيها شيء من الحكم. وينشد للنابغة: الطويل مجلتهم ذات الإله ودينهم ... قويم فما يرجون غير العواقب هكذا يرويه بعض الناس بالجيم. قال يعني كتبهم التي كانوا يقرءونها. ورواه بعضهم " محلّتهم " بالحاء غير معجمة. قال: يعني بيت المقدس لأنها كانت دارهم، يعني المدينة فلذلك قال محلّتهم. حدثنا أبو بكر يوسف بن يعقوب بن البهلول الأزرق قال حدثنا حميد بن الربيع قال حدثنا مسينة عن أبي الجهم عن الزهري عن أبي سليمة عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " امرؤ القيس قائد الشعراء إلى النار ". قال أبو القاسم: وليس بين العلماء خلاف أعلمه إن هذا اللفظ خرج مخرج العموم وهو خاص وإنما يراد به شعر الكفار خاصة دون الإسلاميين والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مُدِحَ وأجاز على الشعر لأنه أجاز كعب بن زهير بالبردة التي عند الخلفاء اليوم فباعها بعشرين ألف درهم. ومدحه العباس بن عبد المطلب والعباس بن مرداس وحسان بن ثابت. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسّان: " أجب قريشا عن شعرهم وروح القدس معك ". واكثر الصحابة قد قالوا الشعر. اخبرنا الأخفش عن المبرد إن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنابغة الجعدي: أنشدني، فأنشده: الطويل ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدّرا ولا خير في جهل ذا لج يكن له ... حليم إذا ما أوتي الأمر أصدرا فقال له: " أجدت لا يفضض الله فاك ". قال: فروى النابغة وقال طال عمره في زمان ابن الزبير وكأّن فاه البرد المنهل، ما سقطت سنّ ولا انغلّت غروبه. اخبرنا المعنوي قال اخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي قال اخبرني محمد ابن سلام قال حدثنا أبو يحيى الضبّي قال: لقي ذو الرّمة رؤبة بن العجاج فقال له ذو الرّمة: ما معنى قول الراعي الطويل أناخا بأشوال طروقا مخبّة ... قليلا وقد أقعى سهيل فعرّدا فجعل رؤبة يقع ههنا وههنا مرّة إلى أن قال له: ويحك هي أرض بين المكليةّ والمجدبة. فقال: هو كذلك. أخبرنا المعنوي قل حدثنا أبو خليفة قال حدثني سلام قال حدثني محمد بن أبان بن الاحوص بن محمد الشاعر كان يهوى أخت امرأته وكتم ذلك ويشبّب بها ولا يفصح باسمها، فتزوجت " مطر " فغلبه الأمر وأنشأ يقول: الوافر أإن نادى هديلا ذات فلج ... مع الإشراق في فنن حمام ظللت كأن دمعك سلك نظم ... هوى سيفا فأسلمه النظام تموت تشوقا طربا وتحيا ... وأنت جو بدائك مستهام كأنك من تذكّر أم حفص ... سقى بلدا تحل به الغمام احل النّعف من أحد وأدنى ... مساكنها الشبيكة أو سنام سلام الله يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السلام فلا غفر الإله لمنكحيها ... ذنوبهم وان صلوّا وصاموا كأن المالكين نكاح سلمى ... غداة يرومها مطر نيام فان يكن النكاح أحلّ شيئا ... فاّن نكاحها مطرا حرام فلو لم ينكحوا ألا كفيّا ... لكان كفيهّا الملك الهمام

فطلّقها فلست لها بندّ ... وألا مضّ مفرقك الحسام أمّا قوله: أأن نادى هديلا، فأني سمعت الأخفش يقول: سمعت المبرد يقول أصحابنا تقول: هديل الحمام هديلا، وهدر هديرا: إذا صوّت، وهدر الجمل ولا يقال هدل. وغير أصحابنا يجيزه، فإذا طرب قيل غردّ تغريدا. والتغريد قد يكون للإنسان وأصله من الطير. وبعضهم يقول: الهديل: ذكر الحمام، ويحتج بقول الراعي: الكامل كهداهد كسر الرّماة جناحه ... يدعو بقارعة الطريق هديل وساق حرّ: ذكر القمارى والحمام، ومنه قول الطرمّاح في تشبيهه الرماة بالحمام: المديد بين أظآر بمظلومة ... كسراة الساق ساق الحمام وأمّا قوله: " سلام الله يا مطر طيها " فانه منادى مفرد ونَوَّنهُ ضرورة. وأمّا الخليل والمازني وسيبويه، فيختارون أن ينوّنوه مرفوعا ويقولون: لما اضطررنا إلى تنوينه نوّناه على لفظه، والى هذا كان يذهب الفراء ويختاره. وأماّ أبو عمرو بن العلاء ويونس وعيسى بن عمرو الجرمي فينشدونه: " يا مطرا عليها " بالنصب والتنوين ويقولون: ردّه التنوين إلى أصله، وأصله النصب وهو مثل اسم لا ينصرف فإذا اضطر الشاعر إلى تنوينه نوّنه وصرفه وردهّ إلى أصله. قال الشاعر: الكامل ما إن رأيت ولا أرى في مدّتي ... كجواري يلعبن في الصحراء ألا ترى كيف نوّنه وخفضه. والقول عندي قول الخليل وأصحابه، وتلخيص ذلك: أن الاسم المنادى المفرد العلم مبني على الضم لمضارعته عند الخليل وأبي عمرو وأصحابهما للأصوات، وعند غيرهما لوقوعه موقع المضمر فإذا لحقه التنوين في ضرورة الشعر فالعلةّ التي من أجلها بني قائمة بعد فينوّن على لفظه لأنّا قد رأينا من المبنيّات ما هو منوّن نحو ايه، وغاق وما أشبه وليس بمنزلة ما لا ينصرف. لأن ما لا ينصرف أصله الصرف. وكثير من العرب لا يمتنع من صرف شيء في ضرورة شعر ولا غيره ألا أفعل منك. وعلى هذه اللغة قرئ " قواريرا قوايرا من فضة " بتنوينهما جميعها. فإذا نوّن فإنما يردّ إلى اصله، والمفرد المنادى العلم لم ينطق به منصوبا قط منوّنا في غير ضرورة شعر. وهذا بينّ واضح اخبرنا عبد الله بن مالك قان اخبرنا الزبير بن بكار عن عمّه قال: خرج عمر بن عبد الله بن أبى ربيعة إلى الشام فلقيه جميل فقال: أنشدني شيئا عن شعرك يا جميل فانشد الطويل خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي ثم قال: أنشدني يا أبا الخطّاب فأنشده: الطويل ألم تسأل الأطلال والمتربعا ... ببطن حليّات دوارس بلقعا أما في رسول من ثلاث كواعب ... ورابعة تستكمل الحسن أجمعا فلما تواقفنا وسلمت أقبلت ... وجوه رعاها الحسن أن تتقنّعا تبالهن بالعرفان لما عرفنني ... وقلن: امرؤ باغ أضلّ وأوضعا وقرَّبن أسباب الهوى المتيمّ ... يقيس ذراعا كلما قسن إصبعا فقلت لمطريهنّ في الحسن إنّما ... ضررت فهل تسطيع نفعا فتنفعا؟ فصاح جميل: هذا والله الذي أخذ منه النسيب، ولم ينشد شيئا إلى أن افترقا. يقال: نسب الشاعر بالمرأة ينسب نسيبا: إذا ذكر محاسنها في شعره. ونسب الرجل ينسبه نسبا ونسبة. أنشدنا الأخفش قال أنشدنا المبرد قال أنشدني العطوي لنفسه يرثي أحمد بن أبي دؤاد: الطويل وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنه أصلاب قوم تقصّف وليس نسيم المسك ريّا حنوطه ... ولكنه ذاك الثناء المخلف أنشدنا ابن دريد لنفسه: مجزوء الرمل أعن الشمس عشاء ... كشفت تلك السّجوف أم عن البدر تسرّى ... موهنا ذاك النصيف أم على ليتي غزال ... علقت تلك الشنوف أم أراك الحين ما لم ... يره القوم الوقوف إنّ حكم المقل النجل ... على الخلق يحيف هنّ قرّبن إلى ال ... وجد والوجد قذيف فأزلن الصبر عنّي ... وهو لي خدن حليف يالها شربة سقم ... شوبها سمّ مدوف ساقها الحين لنفسي ... جهرة وهي عيوف يا ابنة القيل اليماني وللدّهر صروف

أن يكن أضحى مضيئا ... فله يوما كسوف أو يكن هبّ نسيماً ... فله يوما هيوف لا يغرّنك سماحيي فمقتادي عنيف ربّما انقاد جموح ... تارة ثم يصيف فاحذري عزفة نفسي ... عنك فالنفس عزوف أقصدت ضرغام غاب ... بين خيسيه غريف ظبية يكنفها في ال ... ألمجيات الرفيف ربّما أردى الجليد السّهم والرامي ضعيف وعقار عتّقتها ... بعد أسلاف خلوف كانت الجّن اصطفتها ... قبل والأرض رجوف فهي معنى ليس يحتا ... ط به الوهم اللطيف وهي في الجسم وساع ... وهي في الكأس قطوف وهي ضدّ لظلام الليل والليل عكوف يصرف الوامق عنها ... طرفه وهو نزيف قد تعدّينا إليها النهّى والله رؤوف ومقام ورده مستوبل ظنك مخوف بكت الآجال لمّا ... ضحكت فيه الحتوف خفضت فيه العوالي ... وعلت فيه السّيوف قد تسربلت وعقبا ... ن الردى فيه تعيف حين للأنفس في الرّو ... ع من الهول وجيف أن بيتي في ذرى قحطان للبيت المنيف ولي الجمجمة العلياء والعزّ الكثيف ولي التالد في المجد قديما والطريف كل مجد لم يسمّته اليمانون نحيف السجوف: جمع سجف وهو الستر، يقال هو سجف وسجف، وقوله: تسرّى من قالك سروت ثوبي إذا ألقيته. والموهن: من أول الليل إلى ساعات منه، والنصف: الخمار، والليتان: صفحتا العنق، والشنوف جمع شنف، وهو ما علق في أعلى الأذن. والقذيف: البعيد، والحليف: الملازم، والشوب: الخلط. من قوله تعالى: (ثم أن لهم عليها لشوبا من حميم) والعيوف: الكاره للشيء، والقيل: الملك. ويقال: صاف عن الشيء إذا عدل عنه، وعزفت نفسي عن الشيء: إذا كرهته، والغاب: جمع غابة وهي الأجمة، وكذلك الخيس. والامجيّات: موضع. والرفيف: حركة الشيء وبريقه وصفاؤه. يقال: اسنان فلان ترف. والأسلاف جمع سلف. والخلوف: جمع خلف أو خالف. والخلف بفتح اللام يستعمل في الخير والشر، فأمّا الخلف بتسكين اللام فلا يكون إلا في الذمّ. والوساع: المسرعة. والقطف: مدراكة الخطو ومقاربته. والنزيف: السكران، والمستوفل: المكروه. والعوالي: جمع عالية وهي أعلى الرمح. وقوله: وعقبان الردى فيه تعيف، الردى: الهلاك، وتعيف: أي تدور حوله وتكره ورده. حدثنا نفطويه قال حدثنا أبو يعقوب قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا شيبان عن قتادة م في قوله تعالى (والذين اتخذوا من دونه وليّا ما نعبدهم إلا ليقرَبونا إلى الله زلفى) قال: كانوا يقولون ما نعبد هذه الآلهة إلا ليشفعوا لنا عند الله. قال أبو القاسم: في هذه الآية ضروب من السؤال على مذهب العربية. منها أن يقال: أين خبر " الذين " مما تراه في سياق الكلام، ومنها أن يقال: أي لام هذه التي في يقرّبونا؟ ومنها أن يسأل عن موضع " زلفى " من الإعراب. وتقدير الآية - والله أعلم - انه لما قال: (فاعبد الله مخلصا له الدين ... الآية) الدين الخالص، فأخبر أن الدين هو ما أخلص لله تعالى. ابتدأه يخبر عن الكافرين موبّخا لهم. ومنبهّا على ضلالتهم، فقال: (والذين اتخذوا من دون الله أولياء ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى) والذين مبتدأ وخبره يقولون فأضمر لما في الكلام عليه من الدليل، كما قال تعالى: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم) أي يقولون سلام. والسلام التي في قوله: " ليقربونا " لام كي تأويله لكي يقربونا وليست بلام الجحود وان كان قبلها ما، والفرق بين لام الجحود ولام كي إن لام الجود يجوز إسقاطها كقولك: " ما كان زيد ليخرج " فلو قلت " ما كان زيد يخرج " لكان كلاما كاملا ولام كي لا جوز إسقاطها. فلو قلت لأفي قولك: " قصدتك لتكرمني لمي قصدتك تكرمني لم يجز. وكذلك لا يجوز إسقاطها في هذه الآية. والزلفى: القربى وهو منصوب على المصدر لأن معنى يقربون ويزلفون سواء. والزلف: في قوله (وَزَلفا من اللّيل) جمع زلفة وهي ساعات يقرب بعضها من بعض، قال العجاج: الرجز ناج طَوَاهُ الأَيْنُ مماّ وَجَفا ... طيّ الليالي زُلَفا فزَلفَا

سمَاوَةَ الهِلالِ حتى احْقَوْقفاَ اخبرنا أبو بكر احمد بن الحسن بن العباس بن الفرج النحوي المعروف بابن شقير قال حدثنا احمد بن عبيد بن ناصح بن عصيدة عن شيوخه يرفعه إلى محمد بن إسحاق قال: كان عمرو بن الجموع بن زيد سيدا شريفا وكان قد اتخذ له صنما من خشب يقال له مناة يعبده في داره. وكان ابنه معاذ بن عمرو بايع النبي صلى الله عليه وسلم وكان يريد أباه على الإسلام فيأبى. فلما اسلم معاذ بن جبل وجماعة من فتيان قومه كانوا يجتمعون مع معاذ بن عمرو فيأتون ليلا إلى صنم عمرو فيلوثونه بالقذارة ويلطخونه بالنجاسات فإذا أصبح عمرو يقول: ويلكم من عدا الليلة على الهي فلما كثر ذلك عليه قال: إني والله لا أعلم من تعرض لك ولو علمت ذلك لمنعت عنك، ثم غسله ونظفه وطيبه وعلّق عليه سيفا وقال له: امنع عن نفسك إن كان فيك خير. فلما كان الليل وافى ابنه ومعاذ وجماعة معهم فقرنوا به كلبا ميتا وألقوه مع السيف والكلب في بئر لبني سليم مملؤة عذرة. فلما اصبح عمرو جعل يطوف عليه فلما وقف عليه استبصر وأسلم وحسن إسلامه وأنشأ يقول: المتقارب أتوب إلى الله مما مضى ... واستغفر الله من ناره وأثني عليه بآلائه ... اله الحطيم وأستاره فسبحانه عدد الخاطئين ... وقطر السحاب ومدراره هداني وقد كنت في ظلمة ... حليف مناة وأحجاره وأنقذني بعد شيب القذا ... ل من شين ذاك ومن عاره وقد كدت أهلك في ظلمه ... فدارك ذاك بمقداره فحمدا وشكرا له ما بقيتمقالة عار لإنذاره أرجى بذلك إذ قلته ... مجاورة الله في داره ثم التفت إلى صنمه وأنشأ يقول: الرجز أفّ لمنواك إلها في الدرن ... الآن فتّشناك عن سوء الغبن تالله لو كنت إلها لم تكن ... أنت وكسب وسط بئر في قرن الحمد لله الهي ذي المنن ... الواهب الرازق ديّان الدّين هو الذي أنقذني من قبل أن ... أصير في ظلمة قبر مرتهن قال أبو القاسم: يقال اخطأ الرجل في فعله يخطئ اخطا فهو مخطئ. والخطئ في دينه يخطأ خطأ إذا أثم فهو خاطئ يا هذا. فقوله: عدد الخاطئين، يريد المذنبين. والعاني: الخاضع الذليل. ومنه قوله: (وعنت الوجوه) ومنه قيل للأسير عان. والدّرن: الوسخ. والقرن: الجبل يقرن فيه بعيران، وإيّاه أراد نفي شعره. والقرن: مصدر الأقرن من الرجال وهو الذي التقى طرفا حاجبيه والقرن: جبل منفرد. والقرن كالعقل مسكن الراء -: اختصم إلى شريح في جارية بها قرن مملوكة فقال: اقعدوها فان أصاب الأرض فهو عيب وإلاّ فليس بعيب. اخبرنا عبد الله بن مالك قال اخبرنا أبو مسلم الحرّاني قال حدثت عن عبد الرحمن بن صالح عن يونس بن بكير عن مجالد عن الشعبي قال: دخلت على مصعب بن الزبير فقال لي: يا شعبي ارفع هذا الستر فرفعته فإذا عائشة بنت طلحة فقال: كيف ترى؟ فقلت: ما كنت أظنهّ أّن في أهل الأرض من يشبه هذه. تقال: أما إني ما تهنأت بالعيش معها ولا انتفعت به متى، لأني رجل مذكر أريد أن يكون الأمر لي، وهي مذكرة تريد أن يكون الأمر لها. فلا أنا أتابعها، ولا هي تتابعني. أخبرنا أبو محمد الضرير قال اخبرنا أبو مسلم الحرّاني قال روى عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن أبيه قال: رأيت عائشة بنت طلحة متكةَّ، ولو أنيخت جزور ما رؤيت. اخبرنا الأخفش ونفطويه عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الهبنقع والهبنقعة: المزهوّ الأحمق وهو الذي يجلس على أطراف أصابع رجليه، ويسأل الناس. والسخل: مزج الشراب. والسّخيل: الغلام الحديث يصادق رجلا. والخضيل بكسر الضاد: كل شيء لا يرشرش، ومنه قيل شواء خضل: إذا كان رطبا جيد الإنضاج. والخضل: بإسكان الضاد: اللؤلؤ واحدته خضلة، ويروى أن امرأة قدمت زوجها إلى الحجاج فقالت تزوجني على فضلة. ويقال: أكمخ الرجل: إذا قعد متعظما، والكيخم: من أسماء العظمة والسلطان، والكامخ عند أقحاح الأعراب السلامح. ويروى أّن أعرابيا قحا دخل قرية فاستطعم فقدموا له خبزا وكامخا فجعل يلمحه مغيظا ظنه سلامحا فقال له بعضهم: انه كامخ: قد علمت انه كامخ فأيّكم كخّ به.

اخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمدان البصري وأبو غانم المعنوي قال اخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام قال: كان سراقة البارقي شاعرا ظريفا زورا للملوك حلو الحديث فخرج في جملة من خرج لقتال المختار فوقع أسيرا فأتى به المختار فلما وقع بين يديه قال: يا أمين آل محص. انه لم يأسرني أحد ممن بين يديك. قال ويحك فمن أسرك؟ قال: رأيت رجالا على خيل بلق يقاتلوننا ما أراهم الساعة، هم الذين أسروني. فقال المختار لأصحابه: إن عدوّكم يرى من هذا الأمر ما لا ترون ثم أمر بقتله فقال: يا أمين آل محمد انك تعلم أنه ما هذا أوان تقتلي فيه. قال: فمتى أقتلك؟ قال: إذا افتتحت دمشق ونقضتها حجرا حجرا ثم جلست على كرسي في أحد أبوابها فهناك تدعوني فتقتلني وتصلبني. فقال المختار: صدقت، ثم التفت إلى صاحب شرطته. فقال: ويحك من يخرج سرى إلى الناس ثم أمر بتخلية سراقه. فلما أفلت أنشأ يقول وكان المختار يكنى أبا إسحاق: الوافر ألا أبلغ أبا إسحاق إني ... رأيت البلق دهما مصمتات ترى عيني ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالترّهات كفرت بوحيكم وجعلت نذرا ... عليّ قتالكم حتى الممات أما قوله: " ترأياه " فانه ردّه إلى أصله، والعرب لم تستعمل يرى وترى وأرى ونرى إلا بإسقاط الهمزة تخفيفا. أما في الماضي فالهمزة مثبتة. وكان المازني يقول: الاختيار عندي أن أرويه ترياه بغير همز لآن الزحاف أيسر من رد هذا إلى أصله وكذلك كان ينشد قول الآخر: الطويل ألم تر ما لاقيت والدهر أعصر ... ومن يتملّ العيش يرأ ويسمع بتحقيق الهمزة. اخبرنا نفطويه قال حدثنا أبو يعقوب الحرمي قال حدثنا الحسين بن محمد قال حدثنا شيبان عن قتادة في قوله الله ش وجل (لقد كان لسباء في مساكنهم آية جنتان عن يمين وشمال) الاثنان جميعا قال: كانوا قوما انعم الله عليهم نعما وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته، فأعرضوا أي شركوا أمر الله عز وجل فأرسل الله عليهم سيل العرم. قال: والعرم وادي سبأ كان يجتمع إليه سيول أو أي شيء فعمدوا فسدّوا ما بين الجبلين بالقير والحجارة وظفوا عليه أبوابا. وكانوا يأخذون من الماء بقدر الحكيمة ويسدون طيه ما سوى ذلك. فلما تركوا أمر الله أرسل الله عليهم جرذا يقال له الخلد فنقبه من أسفله فغرق جناتهم وخرب أرضهم وتمزقوا في البلاد وذلك عقوبة من الله لهم على كفرهم. قال: (ومزقناهم كل ممزق) ثم قال: (وبدّ لناهم بجنتهم جنتين ذواتي أكل خمط) والخمط: الأراك وأكله: بريره، والاصل شجر شبيه بالطرفاء إلا انه اعظم منه. وقوله: (وشيء من سدر قليل) قال: بنينا أرضهم خير ارض وشجرهم خير شجر، خرّب الله أرضهم وجعل شجرهم شجر شر شجر عقوبة لهم بكفرهم. قال أبو القاسم: وللعلماء في العرم ثلاثة أقوال، قال بعضهم: العرم: البثق نفسه الذي انبثق عليهم. وقال آخرون: العرم: المسنياّت وهو جمع واحدته عرمة مثل لبنة ولبن ونبقة ونبق، وإلى هذا يذهب أهل اللغة، واحتجوا بقول النابغة الجعدي: المنسرح من سَباَء الخاسرِينَ مأَْرَبَ إذْ ... يبنون من دون سيَلْهِِ العرَِما اخبرني الأخفش قال اخبرنا ثعلب قال اخبرنا الرياشي قال: سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى يذكر عن أبي الضحاك قال: شهدت البثق الذي انبثق في اليمن أيام سبأ فوجدته مثل نهر يجرى بالبصرة. وأما سبأ فمهموز وغير مهموز إلا إن للعرب فيه لغتين منهم من جعله اسم حيّ مذكرا وان نسبوا إليه فتصرفه ومنهم من يجعله اسم قبيلة فلا يصرفه. وقد قرأت القراء بالصرف وتركه وكذلك ثمود قياسه هذا القياس بعينه في الصرف وترك الصرف. والجنة في كلام العرب: البستان. فأما الجرذ من الفأر فبضم أوله والذال المعجمة. وكذلك الجرذ في أرجل الدواب بالذال معجمة إلا انه مفتوح الأول، وكذلك الزرد بالذال معجمة لا غير. اخبرني اليزيدي قال اخبرني عمي الفضل بن محمد بن أبي محمد اليزيدي

مكن أبي محمد بن المبارك اليزيدي قال: إني لأطوف غداة يوم بمكة لقيني ماسين الزيات فقال لي: يا أبا محمد أنا منتظرك عند المقام نوافيك في المصيراني إذا فرغت من الطواف، فصرت إليه فقال لي: يا أبا محمد ما نمت البارحة لشيء اختلج في صدري منعني المْكر فيه النوم وما كنت أود إلا أن اصبح. قلت: وما ذاك؟ قال: يجوز في كلام العرب أن يقول الرجل: أريد أن أقول كذا وكذا لشيء قد فعله فقد ذلك غير جائز إلا على ضرب من الحكَاية فسر لك. قال: فما تقول في قول الله عز وجل (إن فرعون علا في الأرض) إلى إن بلغ إلى قوله (ونريد أن تمنّ على الذين استضعفوا 000 الآية) فخاطب بها محمدا وقد فعل ذلك قبل. فقلت له: هذا من الحكاية التي ذكرتها لك لأنه لما قال (انه كان من المفسدين كان تقدير الكلام " وكان من حكمنا يومئذ أن تمن " فحكى ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم. كما قاله في قصة يحيى (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت.... الآية) لأن تقدير الكلام " وكان من حكمنا سلام عليه) فحكى ذلك محمد حلى الله عليه وسلم. فقال لي: جزاك الله خيرا يا أبا محمد فقد فرّجت عنيّ لما شرحت ولأفيدنّك كما أفدتني. قال أبو محمد فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان اكثر دعائه " اللهم إني أسألك اليقين والعفو والعافية وتمام النعمة في الدنيا والآخرة ". اخبرنا المعنوي قال اخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلاّم قال: كانت ميّ الني ينسب بها ذو الرمّة بنت طلبة بن قيس بن عاصم المنقري. وكانت أم ذي الرمّة مولاة لآل قيس بن عاصم. فلما رأت شغف ذي الرمةّ بها وتزايد أمره أرادت أن توقع بينهما وحشة فقالت على لسان ذي الرمةّ: الطويل على وجه ميّ مسحة من ملاحه ... وتحت الثياب الخزي لو كان باديا ألم ترأّن الماء يخبث طعمه ... ولو كان لون الماء في العين صافيا فوجدت من ذلك مي. فما زال ذو الرمة يعتذر ويحلف أنه ما قاله. فقال: وكيف يكون ذلك وقد أفنيت عمري في التشبيب بها. قال أبو القاسم: وهذا الشعر أشبه شيء بقول ذي الرمة وهو مقارب لطبعه وشبيه بهذا الوزن والروى قول ذي الرمة. أنشدنا الأخفش: الطويل تقول عجوز مدرجي متروحا ... على بابها من عند أهلي وغاديا فقلت لها: لا أن أهلي لجيرة ... لأكثبة الدهنا جميعا وماليا وما كنت مذ أبصرتني في خصومة ... أراجع فيها يا ابنة القوم قاضيا ولكنني أقبلت من جانبي قسا ... أزور فتى نجدا كرميا يمانيا من آل أبي موسى ترى القوم حوله ... كأنهم الكروان ابصرن بازيا مرمين من ليث عليه مهابة ... تفادي اسود الغاب منه تفاديا وما الخرق منه يرهبون ولا الحيا ... عليهم ولكن هيبة هي ماهيا اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا أبو حاتم قال اخبرنا الأصمعي قال: العرب تقول " العرى الفادح خير من الزي الفاضح ". اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال رفع بعض القوم إلى المنصور رقعة يسأله فيها بناء مسجد في محلته فوقع فيها: " من أشراط الساعة كثرة المساجد فازدد أفي خطاك تزدد من الأجر. اخبرنا الأخفش قال اخبرنا المبرد قال اخبرنا المازني عن الأصمعي قال اخبرني أبي وغيره: قال الحجاج بن يوسف ليحيى بن يعمر " هل الحرفي كلامي؟ " قال: معاذ الله. قال: عزمت عليك قال: تزيد الألف وتنقصها. قال: الحق بخراسان. فلما كان بعد ذلك كتب قتيبة بن مسلم من خراسان: إن العدو بعرعرة الجبل. ونحن بالحضيض. فقال الحجاج: من عند؟ وأنكر أن يكون هذا من كلامه. فقيل له: يحيى بن يعمر. فقال هذا من إملائه. قال المبرد: العرعرة: أعلى الجبل، والحضيض: أسفله حيث يفضي إلى السهل. وعرعرة البقرة: سنامها. اخبرنا الأخفش عن المبرد عن الرياشي قال قال عدىّ بن المفضل: أتيت

عمر بن عبد العزيز استحفره بئرا بالعذبة. فقال لي: وأين العذبة؟ قلت: على مسيرة ليلتين من البصرة. فأحفرني وتذمّم إلاّ يكون بمثل هذا الموضع ماء واشترط عليّ أن أدلّ شارب ابن السبيل ثم حييته في يوم الجمعة فوجدته يخطب فسمعته يقول: " أيها الناس إنكم ميتون ثم أنكم مبعوثون ثم إنكم تحاسبون. فلئن كنتم صادقين لقد قصّرتم. ولئن كنتم كاذبين لقد كذبتم. أيها الناس انه من يقدر له رزق برأس جبل أو حضيض أرض يأته فاحملوا في الطلب ". قال: فأقمت عنده شهرا ما بي إلا استماع كلامه. اخبرنا الأخفش قال اخبرنا المبرد قال: نقل الرواة انه لما توفي عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ولم تحضر عائشة زارت قبره فقالت: يا أخي إني لو حضرت وفاتك ما زرت قبرك. وأنشأت تقول متمثلة: الطويل وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدَّعا فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معها ثم إنها حفرت أبا بكر وهو يجود بنفسه فقالت: هذا والله كما قال حاتم: الطويل أماوّى ما يغني المراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر فقال لها أبو بكر: يا بنيةّ لا تقولي هكذا ولكن قولي (وجاءت سكر الحق بالموت) وهكذا كان يقروها أبو بكر رحمه الله. أنشدنا الأخفش والزجاج قال أنشدنا المبرد لأبي العتاهية يرثى علي بن ثابت وكان مؤاخيا له، قال أبو العباس: كان علي أديبا ناسكا شاعرا ظريفا: الوافر ألا من لي بأنسك أي أخيّا ... ومن لي أن أبثك ما لديّا طوتك خطوب دهرك بعد نشر ... كذاك خطوبه نشرا وطيّا فلو نشرت قواك لي المنايا ... شكوت إليك ما صنعت إلياّ وكانت في حياتك لي عظات ... وأنت اليوم أوعظ منك حيّا قال أبو العباس: اخذ هذا من قول بعض الأعاجم حضر ملكا لهم مات فقال: كان الملك أمس أنطق منه اليوم، وهو اليوم أوعظ منه أمس. وقال أبو العتاهية فيه أيضا: الخفيف يا علي بن ثابت أين أنتا ... أنت بين القبور حيث دفنتا يا علي بن ثابت بان منّي ... صاحب جلّ فقده يوم بنتا قد لعمري حكيت لي غصص المو ... ت وحركتني لها وسكنتا قال أبو العباس: وهذا أيضا مأخوذ من قول بعض الأعاجم حضر موت صديق له، فلما قضى ارتفعت الأصوات بالبكاء عليه فقال: حركنا بسكونه. وقال أبو العتاهية في عليّ بن ثابت أيضا: مجزوء الخفيف صاحب كان لي هلك ... والسبيل التي سلك كل حيّ مملّك ... سوف يفنى وما ملك يا عليّ بن ثابت ... غفر الله لي ولك اخبرنا عبد الله بن مالك قال اخبرني محمد بن أبي عبيد البصري عن أسد بن سعيد بن حنين عن أبيه قال حدثني ابن مغني رجل من ولد سعيد بن العاص قال حدثني إسحاق بن سعد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: كان العرجي وهو عبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان يشبب بامرأة محمد بن هشام قال ابن مغني: وأما الهذلي يزيد بن عبد الله فحدثني انه كان يشبب بامرأته الحارثية وهو القائل: السريع عوجي علينا ربة الهودج ... انك إن لا تفعلي تحرجي ايسر ما قال حبيب لدى ... بين حبيب قوله عرّجي تقض إليه حاجة أو يقل ... هل لي مما بي من مخرج من حباكم بنتم ولم ينصرم ... وجد فؤادي الهائم المنضج فما استطاعت غير أن أومأت ... بطرف عين شادن أدعج تذود بالبرد لها عبرة ... جاءت بها العين ولم تنتج مخافة الواشين أن يفطنوا ... بشاتها والكاشح المزمج أقول لماّ فاتني منهم ... ما كنت من وصلهم ارتجي إنّي أتيحت لي يمانية ... إحدى بني الحارث من مذحج أحجّ إن حجّت وماذا مني ... واهنة إن هي لم تحجج اخبرنا عبد الله بن الأعرابي الحارث الفهري إن إبراهيم بن المنذر حدّثهم قال حدثني محمد بن معن الغفاري قال اخبرني عمر بن عبد الله بن نصر قال: كنت جالسا عند طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر فدخل علينا كثير وأنا أتمثلّ بقول جميل: الطويل

وحدّثتماني إن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا فهذى شهور الصيف عنا قد انقضت ... فما للنوى ترمي بليلى المراميا فأخذ برحله من ورائه ثم جل طربا حتى أتى العرش، يعني صدر البيت، ثم رجع وهو يقول: هو والله انسب العرب. 1 12

§1/1