أحكام تمني الموت (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثالث)

محمد بن عبد الوهاب

أحكام تمني الموت

أحكام تمني الموت تأليف: شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد وآله وصحبه وسلم. عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " 1 2. ولمسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم، انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا" 3. وللبخاري عنه مرفوعا: "لا يتمنين أحدكم الموت، إما محسنا فلعله أن يزداد، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب" 4. ولأحمد والحاكم عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنوا الموت، فإن هول المطلع شديد، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد حتى يرزقه الله الإنابة" 5. وقال أنس: "لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن تمني الموت لتمنيناه" أخرجاه. ولأحمد حديث أبي هريرة: "إلا أن يكون قد وثق بعمله" 6. وعن أبي بكرة "أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: من طال عمره، وحسن عمله. قال: فأي الناس شر؟ قال: من طال عمره، وساء عمله" 7 صححه الترمذي.

_ 1 البخاري: المرضى (5671) والدعوات (6351) , ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2680) , والترمذي: الجنائز (971) , والنسائي: الجنائز (1820 ,1821) , وابن ماجه: الزهد (4265) , وأحمد (3/101 ,3/104 ,3/171 ,3/195 ,3/208 ,3/247 ,3/281) . 2 أخرجه الجماعة بألفاظ متقاربة. 3 مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2682) , وأحمد (2/316 ,2/350) . 4 البخاري: المرضى (5673) . 5 أحمد (3/332) . 6 أحمد (2/350) . 7 الترمذي: الزهد (2330) , وأحمد (5/40 ,5/43 ,5/47 ,5/48 ,5/49 ,5/50) , والدارمي: الرقاق (2742) .

ولأحمد عن أبي هريرة قال: "كان رجلان من بلي، وهم حي من قضاعة، أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد أحدهما، وأخر الآخر سنة، قال طلحة بن عبيد الله: فرأيت الجنة، فرأيت المؤخر منهما أدخل قبل الشهيد، فتعجبت لذلك، فأصبحت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أليس قد صام بعده رمضان، وصلى ستة آلاف ركعة، أو كذا وكذا ركعة، صلاة السنة". وله عن طلحة مرفوعا. "ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام، لتسبيحه وتكبيره وتهليله" 1 وفي حديث الرؤيا: "وإذا أردت بقوم فتنة، فاقبضني إليك غير مفتون" 2. وأخرج مالك عن عمر أنه قال: "اللهم قد ضعفت قوتي، وكبرت سني، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مقصر. فما جاوز ذلك الشهر حتى قبض". وأخرج أحمد عن عليم الكندي قال: "كنت مع أبي عبس الغفاري على سطح، فرأى قوما يتحملون 3 من الطاعون، فقال: يا طاعون خذني إليك. ثلاثا يقولها، فقال له عليم: لم تقول هذا؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنى أحدكم الموت، فإنه عند ذلك انقطاع عمله، ولا يرد فيستعتب؟ فقال أبو عبس: أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بادروا بالموت ستا، إمارة السفهاء، وكثرة الشرط، وبيع الحكم، واستخفافا بالدم، وقطيعة الرحم، ونشوا اتخذوا القرآن مزامير، يقدمون الرجل ليغنيهم بالقرآن، وإن كان أقلهم فقها" 4. وللحاكم عن الحسن عن ابن عمر مثله، وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة مثله، لكن ذكر

_ 1 أحمد (1/163) . 2 أخرجه أحمد والترمذي عن ابن عباس. 3 أي يرتحلون هربا منه. 4 أحمد (3/494) .

التهاون بالذنب بدل الدم، وللطبراني عن عمرو بن عبسة: "لا يتمنى أحدكم الموت، إلا أن يثق بعمله، فإن رأيتم في الإسلام ستا فتمنوا الموت، وإن كانت نفسك بيدك فأرسلها"، فذكر كما تقدم. وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عمرو مرفوعا: "تحفة المؤمن الموت". ولأحمد وسعيد عن محمود بن لبيد مرفوعا: "اثنتان يكرههما ابن آدم، يكره الموت والموت خير له من الفتنة، ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب" 1. وأخرج أبو نعيم عن عمر بن عبد العزيز قال: "إنما خلقتم للأبد، ولكنكم تنقلون من دار إلى دار". وأخرج سعيد في سننه عن علي في قوله: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} 2 قال: "هي الملائكة تنزع أرواح الكفار. {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً} 3 هي الملائكة تنشط أرواح الكفار ما بين الأظفار والجلد حتى تخرجها. {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً} 4 هي الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين بين السماء والأرض. {فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً} 5 هي الملائكة يسبق بعضها بعضا بأرواح المؤمنين إلى الله". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} 6 قال: "هي أنفس الكفار تنزع ثم تنشط ثم تغرق في النار". وأخرج عن الربيع بن أنس في قوله: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً} 7 قال: "هاتان الآيتان للكفار عند نزع النفس، تنشط نشطا عنيفا مثل سفود جعلته في صوف فكان خروجه شديدا، {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً (فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً} 8 قال: هاتان للمؤمنين".

_ 1 أحمد (5/427) . 2 سورة النازعات آية: 1. 3 سورة النازعات آية: 2. 4 سورة النازعات آية: 3. 5 سورة النازعات آية: 4. 6 سورة النازعات آية: 1. 7 سورة النازعات آية: 1-2. 8 سورة النازعات آية: 3-4.

وأخرج عن السندي في قوله: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} 1 قال: "النفس حين تغرق في الصدر". وأخرج مسلم عن ابن مسعود قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سدرة المنتهى، وإليها ينتهي ما يعرج من الأرواح - وفي حديث الإسراء عن أبي هريرة: "ثم انتهى إلى سدرة، فقيل له: هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك على سبيلك". أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم. ولمسلم عن أبي هريرة قال: "إذا خرج روح المؤمن تلقاها ملكان فصعدا بها، فذكر من طيبها، وتقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض، صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه. فينطلقون به إلى ربه تعالى، ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل. وإن الكافر إذا خرجت روحه، فذكر من نتنها، وذكر لعنا، ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض، فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل". ولأحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن إذا قبض أتته ملائكة الرحمة بحرير أبيض، فيقولون: اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح الله وريحان ورب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى إنه ليناوله بعضهم بعضا فيشمونه حتى يأتوا به باب السماء فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءت من قبل الأرض! كلما أتوا سماء قالوا ذلك، حتى يأتوا به أرواح المؤمنين، فلهم أفرح به من أحدكم بغائبه إذا قدم عليه، فيسألونه: ما فعل فلان؟ فيقولون: دعوه حتى يستريح، فإنه كان في غم الدنيا، فإذا قيل لهم: ما أتاكم؟ فإنه قد مات، يقولون: ذهب به إلى أمه الهاوية. وأما الكافر فتأتيه ملائكة

_ 1 سورة النازعات آية: 1.

العذاب بمسح، فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب الله وسخطه، فتخرج كأنتن ريح جيفة، فينطلقون إلى باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح!. كلما أتوا على أرض قالوا ذلك، حتى يأتوا به أرواح الكفار". وأخرج هناد وعبد في تفسيره، والطبراني بسند رجاله ثقات، عن عبد الله بن عمرو قال: "إذا قتل العبد في سبيل الله، فأول قطرة تقع على الأرض من دمه يكفِّر الله له ذنوبه كلها، ثم يرسل الله بريطة 1 من الجنة، فتقبض فيها نفسه، وبجسد من الجنة حتى تركب فيه روحه، ثم يعرج مع الملائكة كأنه كان معهم منذ خلقه الله، حتى يؤتى به الرحمن، فيسجد قبل الملائكة، ثم تسجد الملائكة بعده، ثم يغفر له ويطهر، تم يؤمر به إلى الشهداء، فيجدهم في رياض خفر وقباب من حرير، عندهم ثور وحوت يلقنانهم كل يوم بشيء لم يلقناه بالأمس، يظل الحوت في أنهار الجنة، فإذا أمسى وكزه الثور بقرنه، فذكاه، فأكلوا من لحمه، فوجدوا في طعم لحمه كل رائحة من ريح الجنة، ويبيت الثور نافشا 2 في الجنة، يأكل من ثمر الجنة، فاذا أصبح غدا عليه الحوت فذكاه بذنبه، فأكلوا من لحمه، فوجدوا في طعم لحمه كل ثمرة من الجنة، ينظرون إلى منازلهم، يدعون الله بقيام الساعة. وإذا توفى الله العبد المؤمن، أرسل إليه ملكين بخرقة من الجنة وريحان من ريحان الجنة، فقالا: أيتها النفس الطيبة. اخرجي إلى روح وريحان

_ 1 في النهاية: الريطة كل ثوب رقيق لين. 2 النقش: الرعي ليلا.

ورب غير غضبان، اخرجي فنعم ما قدمت، فتخرج كأطيب رائحة مسك وجدها أحدكم بأنفه، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون: سبحان الله! لقد جاء من الأرض اليوم ريح طيبة، فلا يمر بباب إلا فتح له، ولا ملك إلا صلى عليه وشفع، حتى يؤتى به ربه (فتسجد الملائكة قبله، ثم يقولون: ربنا، هذا عبدك فلان، توفي وأنت أعلم به، فيقول: مروه بالسجود، فتسجد النسمة، ثم يدعى ميكائيل فيقال: اجعل هذه النسمة مع أنفس المؤمنين، حتى أسألك عنها يوم القيامة، فيؤمر بقبره، فيوسع له، طوله سبعون، وعرضه سبعون، وينبذ فيه الريحان، ويبسط له فيه الحرير، وإن كان معه شيء من القرآن نوره، والا جعل له مثل نور الشمس، ثم يفتح له باب إلى الجنة، فينظر إلى مقعده من الجنة، بكرة وعشيا. وإذا توفى الله العبد الكافر، أرسل إليه ملكين وأرسل إليه بقطعة بجاد 1 أنتن من كل نتن، وأخشن من كل خشن، فقالا: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى جهنم وعذاب أليم ورب عليك ساخط، اخرجي، فساء ما قدمت، فتخرج كأنتن جيفة وجدها أحدكم بأنفه قط، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون: سبحان الله! لقد جاء من الأرض جيفة ونسمة خبيثة، لا يفتح لها باب السماء، فيؤمر بجسده، فيضيق عليه في القبر، ويملأ حيات مثل أعناق البخت تأكل لحمه، فلا تدع من عظامه شيئا، ثم يرسل الله ملائكة صما عميا، معهم فطاطيس 2 من حديد، لا يبصرونه

_ 1 هو الكساء الغليظ. 2 قطع ثقيلة منفرشة.

فيرحمونه، ولا يسمعون صوته فيرحمونه، فيضربونه، ويخبطونه، ويفتح له باب من النار، فينظر إلى مقعده من النار، بكرة وعشية، يسأل الله أن يديم ذلك عليه، فلا يصير إلى ما وراءه من النار". وأخرج البيهقي وغيره عن أبي موسى قال: "تخرج نفس المؤمن وهي أطيب ريحا من المسك" 1 الحديث، وأخرجه أبو داود بنحوه، وفيه: "فيصعد به من الباب الذي كان يصعد عمله منه" وفي آخره في الكافر: "فيردوه إلى أسفل الأرضين الثرى". وأخرج ابن أبي حاتم وغيره عن ابن عباس في قوله: {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} 2 قال: "قيل من يرقى بروحه، ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب؟ ". وفي الصحيحين: حديث الرجل الذي اختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب 3. وأخرج سعيد في سننه عن الحسن قال: "إذا احتضر المؤمن حضره خمسمائة ملك، فيقبضون روحه، فيعرجون به إلى السماء، فتلقاهم أرواح المؤمنين الماضية، فيريدون أن يستخبروه، فتقول لهم الملائكة: ارفقوا به، فإنه خرج من كرب عظيم، ثم يستخبرونه، حتى يستخبر الرجل عن أخيه وعن صاحبه، فيقول: هو كما عهدت، حتى يستخبرونه عن إنسان قد مات قبله، فيقول: أوما أتى عليكم؟ فيقولون: أوقد هلك؟ فيقول: إي والله، فيقولون: قد ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم، وبئست المربية".

_ 1 أحمد (3/384) . 2 سورة القيامة آية: 27. 3 هو الذي قتل مائة نفس فسأل هل له من توبة؟.

وللحاكم في المستدرك عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: "أن أباه مرض مرضا، فأغمي عليه، حتى ظنوا أنه قد فاضت نفسه، حتى قاموا من عنده، وجللوه ثوبا، ثم أفاق، فقال: إنه أتاني ملكان فظان غليظان، فقالا: انطلق بنا نحاكمك إلى العزيز الأمين، فذهبا به، فلقيهما ملكان، هما أرق منهما وأرحم، فقالا: أين تذهبان؟ قالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين، فقالا: دعاه، فإنه ممن سبقت له السعادة وهو في بطن أمه، وعاش بعد ذلك شهرا، ثم توفي (". وقال سعيد في سننه: حدثنا سفيان عن عطاء: "أن سلمان أصاب مسكا، فاستودعه امرأته، فلما حضره الموت، قال: أين الذي كنت استودعتك؟ قالت: هو ذا. قال: فأديفيه 1 بالماء ورشيه حول فراشي، فإنه يحضرني خلق من خلق الله لا يأكلون الطعام، ولا يشربون الشراب، ويجدون الريح". وأخرج ابن أبي الدنيا عن مكحول قال: قال عمر: "احضروا موتاكم، وذكروهم، فإنهم يرون ما لا ترون". ولسعيد عن الحسن عن عمر: "احضروا موتاكم، ولقنوهم لا إله إلا الله، فإنهم يرون ويقال لهم". وله عن مكحول عنه: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، واعقلوا ما تسمعون من المطيعين، فإنه يجلى لهم أمور صادقة". ولابن أبي شيبة عن يزيد بن شجرة الصحابي قال: "ما من ميت يموت حتى يمثل له جلساؤه عند موته، إن كانوا أهل لهو فأهل لهو، وإن كانوا أهل ذكر فأهل ذكر".

_ 1 أي بليه بالماء واخلطيه.

ولابن أبي الدنيا عن مجاهد نحوه، وذكر البيهقي قول الرجل حين لقن: اشرب واسقني، وقول الآخر: ده يازده. وأخرج ابن أبي الدنيا عن حنظلة بن الأسود قال: "مات مولاي، فجعل يغطي وجهه مرة، ويكشفه أخرى، فذكرت ذلك لمجاهد، فقال: بلغنا أن نفس المؤمن لا تخرج حتى يعرض عليه عمله، خيره وشره". وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن 1: "أن معاذ بن جبل طعن ابنه عام عمواس، فمات، فصبر واحتسب، فلما طعن في كفه قال: حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، قال: فقلت يا معاذ هل ترى شيئا 2؟ شكر لي ربي حسن عزائي. أتاني روح ابني، فبشرني أن محمدا صلى الله عليه وسلم في مائة صف من الملائكة المقربين والشهداء والصالحين، يصلون على روحي، ويسوقوني إلى الجنة. ثم أغمي عليه، فرأيته كأنه يصافح قوما، ويقول: مرحبا مرحبا، أتيتكم، فقضى. فرأيته في المنام بعد ذلك حوله زحام كزحامنا على خيل بلق عليهم ثياب بيض، وهو ينادي: يا سعد بين رامح ومطعون، الحمد لله الذي أورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشاء، فنعم أجر العاملين، ثم انتبهت". وأخرج الشيخان عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى عليه الله وسلم قال: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. فقالت عائشة رضي الله عنها: إنا نكره الموت، قال: ليس

_ 1 بياض بالأصل. 2 بياض بالأصل.

ذلك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، وأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه. وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، وكره لقاء الله وكره الله لقاءه". وقال آدم بن أبي إياس: حدثنا حماد بن أبي 1 سلمة عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآيات: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} 2 الآيات، ثم قال: إذا كان عند الموت قيل له هذا، فإن كان من أصحاب اليمين، أحب لقاء الله" إلخ، كما تقدم، وأخرجه أحمد بمعناه، وفيه: عن عبد الرحمن حدثني فلان بن فلان أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن جريج قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: "إذا عاين المؤمن الملائكة، قالوا: نرجعك إلى الدنيا؟ فيقول: إلى دار الهموم والأحزان، قدما إلى الله. وأما الكافر فيقولون: نرجعك؟ فيقول: رب ارجعون، لعلي أعمل صالحا فيما تركت". وللترمذي وابن جرير عن ابن عباس: "من كان له مال يبلغه حج بيت ربه، أو تجب عليه فيه زكاة فلم يفعل، سأل الرجعة عند الموت. فقال رجل: يا ابن عباس اتق الله، فإنما يسأل الرجعة الكفار، فقال: سأتلو عليكم بذلك قرآنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ} 3 الآية.

_ 1 كذا بالأصل, ولعله ابن سلمة. 2 سورة الواقعة آية: 83. 3 سورة المنافقون آية: 9.

ولابن أبي حاتم عن عبادة في قوله {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} 1 قال: "الروح الرحمة، والريحان يتلقى به عند الموت". وله عن "ابن عباس في قوله {فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ} 2 قال: "لا يخرج الكافر من دار الدنيا حتى يشرب كأسا من حميم". ولابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن البراء بن عازب في قوله: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} 3 قال: "يوم يلقون ملك الموت، ليس من مؤمن تقبض روحه إلا سلم عليه". ولابن أبي الدنيا وغيره عن ابن مسعود قال: "إذا جاء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال: ربك يقرئك السلام". ولابن المبارك والبيهقي عن محمد بن كعب: إذا استنقعت نفس العبد المؤمن، جاءه ملك الموت، فقال: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرأ عليك السلام. ثم نزع بهذه الآية: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ} 4. ولابن جرير وغيره عن الضحاك في قوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} 5 قال: يعلم أين هو قبل الموت.

_ 1 سورة الواقعة آية: 89. 2 سورة الواقعة آية: 93. 3 سورة الأحزاب آية: 44. 4 سورة النحل آية: 32. 5 سورة يونس آية: 64.

ولابن أبي الدنيا عن جابر مرفوعا: أما قوله {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فهي الرؤيا الحسنة ترى للمؤمن فيبشر بها في دنياه، وأما قوله {وَفِي الْآخِرَةِ} فبشارة المؤمن عند الموت، يبشر عند الموت أن الله قد غفر لك ولمن حملك إلى قبرك". وأخرج البيهقي عن مجاهد في قوله {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ} 1 الآية: ذلك عند الموت. ولابن أبي حاتم عنه في الآيه: {أَلَّا تَخَافُوا} مما تقدمون عليه من الموت وأمر الآخرة {وَلا تَحْزَنُوا} على ما خلفتم من أمر دنياكم من ولد وأهل أو دين، فإنه سيخلفكم في ذلك كله. وله عن زيد بن أسلم في الآية: يبشر بها عند موته وفي قبره ويوم يبعث، فإنه لفي الجنة وما ذهبت فرحة البشارة من قلبه. وقال سفيان: يبشر بثلاث بشارات، عند الموت، وإذا خرج من القبر، وإذا فزع. ولمسلم عن أبي هريرة مرفوعا: "ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره; قالوا: بلى. قال: فذلك حين يتبع بصره نفسه" 2. ولابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} 3 قال: "القريب ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت".

_ 1 سورة فصلت آية: 30. 2 مسلم: الجنائز (921) . 3 سورة النساء آية: 17.

أخرج أحمد وغيره عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت يعرف من يغسله ويحمله ومن يكفنه ومن يدليه في حفرته" 1. وأخرج أبو نعيم وغيره عن عمرو بن دينار قال: "ما من ميت يموت إلا روحه في يد ملك الموت ينظر إلى جسده، كيف يغسل، وكيف يكفن، وكيف يمشى به، ويقال له وهو على سريره: اسمع ثناء الناس عليك". وأخرج ابن أبي الدنيا معناه عن جماعة من التابعين بلفظ: بيد ملك. بلا إضافة. وللشيخين عن أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قتلى بدر فقال: يا فلان بن فلان، يا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا. فقال عمر: يا رسول الله، كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا ". ولهما عن أبي سعيد مرفوعا: "إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلاه. فيسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو يسمعه الإنسان لصعق" 2. أخرج سعيد في سننه عن ابن عقلة قال: "إن الملائكة لتمثل أمام الجنازة ويقولون،: ما قدم فلان؟ ويقول الناس: ما ترك فلان"؟ وللترمذي وابن أبي حاتم وغيرهما عن أنس مرفوعا: "ما من إنسان إلا له بابان في السماء، باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات العبد المؤمن، بكيا عليه" 3.

_ 1 أحمد (3/3) . 2 البخاري: الجنائز (1314) , والنسائي: الجنائز (1909) , وأحمد (3/41 ,3/58) . 3 الترمذي: تفسير القرآن (3255) .

ولابن جرير عن ابن عباس "أنه سئل عن قوله: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} 1 هل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينزل رزقه وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن، فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه، فقد بكى عليه. وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها، ويذكر الله فيها، بكت عليه، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولم يكن يصعد لهم إلى الله منهم خير، فلم تبك عليهم السماء والأرض". ولابن أبي حاتم وغيره عن علي: "إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض، ومصعد عمله في السماء، ثم تلا: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} 2". ولابن جرير عن عطاء: بكاء السماء حمرة أطرافها، ولابن أبي الدنيا عن الحسن مثله، وله مثله عن سفيان بلفظ: كان يقال. وأخرج عن الحسن: "إن الله إذا توفى المؤمن ببلاد الغربة لم يعذبه ورحمه لغربته، وأمر الملائكة فبكته لغيبة بواكيه عنه". وله ولابن جرير عن شريح بن عبيد الحضرمي مرفوعا: "ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه، إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} 3 ثم قال: إنهما لا يبكيان على كافر".

_ 1 سورة الدخان آية: 29. 2 سورة الدخان آية: 29. 3 سورة الدخان آية: 29.

أخرج الحاكم وغيره عن أبي سعيد: "أن النبي صلى الله عليه وسلم مر في المدينة، فرأى جماعة يحفرون قبرا، فسأل عنه، فقيل: حبشي قد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا إله إلا الله، سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها! ". وأخرج الطبراني معناه عن أبي الدرداء وابن عمر. وأخرج أبو نعيم وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين، فإن الميت يتأذى بجار السوء، كما يتأذى الحي بجار السوء". وروي معناه من حديث علي وابن عباس وغيرهما. وأخرج ابن سعد عن معاوية بن صالح قال: "لما حضر عمر بن عبد العزيز الموت أوصاهم فقال: احفروا لي ولا تعمقوا، فإن خير الأرض أعلاها، وشرها أسفلها". وأخرج ابن عساكر عنه أنه قال لحفار لأخيه: احفر له على قدر طولك، أو إلى المنكب، ولا تبعد له في الأرض. وروى ابن النجار: "أن عبد الصمد بن علي أمرهم بتعجيل بعض أهله قبل المساء، وقال: حدثني أبي عن جدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن ملائكة النهار أرأف من ملائكة الليل". وفي أمالي ابن بطة عن ابن عباس مرفوعا: "لله ملك موكل بالمقابر، فإذا دفن الميت وسوي عليه وتحولوا لينصرفوا، قبض قبضة من تراب القبر، فرمى بها في أقفيتهم، وقال: انصرفوا إلى دنياكم وانسوا موتاكم".

وقال ابن وهب: حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن ابن عمرو قال: "توفي رجل بالمدينة ممن ولد بالمدينة، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ليته مات في غير مولده. فقال رجل: ولم يا رسول الله؟ قال: إن الرجل إذا مات قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة" 1. وأخرج ابن أبي شيبة عن قتادة: أن "أنسا دفن ابنا له، فقال: اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وافتح أبواب السماء لروحه، وأبدله دارا خيرا من داره". وأخرج سعيد بن منصور عن أنس: "أنه كان إذا وضع الميت في قبره قال: اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وصعد روحه، وتقبله، وتلقه منك بروح". وأخرج ابن ماجه والبيهقي في سننه عن ابن المسيب قال: "حضرت ابن عمر في جنازة، فلما وضعها في اللحد، قال: اللهم أجرها من الشيطان ومن عذاب القبر. فلما سوي الكثيب عليها، قام جانب القبر، ثم قال: اللهم جاف الأرض عن جنبيها، وصعد روحها، ولقها منك رضوانا، ثم قال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم" 2. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على القبر بعد ما يسوى عليه، فيقول: اللهم نزل بك صاحبنا، وخلف الدنيا خلف ظهره، اللهم ثبت عند المسألة منطقه، ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به".

_ 1 النسائي: الجنائز (1832) , وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (1614) , وأحمد (2/177) . 2 ابن ماجه: ما جاء في الجنائز (1553) .

وأخرج الطبراني في الكبير وابن منده عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات أحد من إخوانكم، فسويتم التراب عليه، فليقم أحدكم على رأس قبره، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يستوي قاعدا، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله. ولكن لا تشعرون، فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأنك رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما. فإن منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه، ويقول: انطلق بنا، ما نقعد عند من لقن حجته، فيكون الله حجيجه دونهما قال رجل: يا رسول الله، فإن لم يعرف أمه؟ قال: ينسبه إلى حواء، يا فلان ابن حواء" وأخرج أحمد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والبيهقي في كتاب عذاب القبر عن حذيفة قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فلما انتهيا إلى القبر، قعد على شفتيه، فجعل يردد بصره فيه، ثم قال: يضغط فيه المؤمن ضغطة تزور منها حمائله". وأخرج أحمد والبيهقي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للقبر ضغطة لو كان أحد منها ناجيا نجي منها سعد بن معاذ" 1. وأخرج أحمد والطبراني والبيهقي عن جابر بن عبد الله قال: "لما دفن سعد بن معاذ سبح النبي صلى الله عليه وسلم وسبح الناس معه طويلا، ثم كبر وكبر الناس، تم قالوا: يا رسول الله، لم سبحت؟ قال: لقد تضايق على هذا الرجل الصالح قبره، حتى فرج الله عنه".

_ 1 أحمد (6/98) .

وأخرج سعيد بن منصور والحكيم الترمذي والطبراني والبيهقي عن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم دفن سعد بن معاذ وهو قاعد على قبره قال: لو نجا من ضمة القبر أحد لنجا سعد بن معاذ، ولقد ضمه ضمة، ثم أرخي عنه". وأخرج النسائي والبيهقي عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هذا الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفا من الملائكة، لقد ضم ضمة، ثم فرج عنه" 1 يعني: سعد بن معاذ. قال الحسن: تحرك له العرش فرحا به. وأخرج الحكيم الترمذي والحاكم والبيهقي عن ابن عمر قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر سعد بن معاذ، فاحتبس، فلما خرج قيل: يا رسول الله، ما حبسك؟ قال: ضم سعد في القبر ضمة، فدعوت الله أن يكشف عنه". وأخرج الحكيم الترمذي والبيهقي من طريق ابن إسحاق، حدثني أمية بن عبد الله أنه سأل بعض أهل سعد: ما بلغكم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا؟ فقالوا: "ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك، فقال: كان يقصر في بعض الطهور من البول". وأخرج الطبراني عن أنس قال: "توفيت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجنا معه، فرأيناه مهتما شديد الحزن، فقعد على القبر هنيهة، وجعل ينظر إلى السماء، ثم ينزل فيه، فرأيته يزداد حزنا، ثم خرج، فرأيته سري عنه، فتبسم، فسألناه، فقال: كنت أذكر

_ 1 النسائي: الجنائز (2055) .

ضيق القبر وغمه وضعف زينب، فكان ذلك يشق علي، فدعوت الله أن يخفف عنها ففعل، ولكن ضغطها ضغطة سمعها من بين الخافقين إلا الجن والإنس". وأخرج أيضا بسند صحيح عن أبي أيوب: "أن صبيا دفن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أفلت أحد من ضمه القبر لأفلت هذا الصبي". وأخرج في الأوسط عن أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على صبي أو صبية، فقال: لو أن أحدا نجا من ضمة القبر لنجا هذا الصبي". وأخرج سعيد بن منصور عن زاذان أبي عمرو قال: "لما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته رقية جلس عند القبر، فتربد وجهه، ثم سري عنه، فسأله أصحابه، فقال: ذكرت ابنتي وضعفها وعذاب القبر، فدعوت الله، ففرج عنها، وأيم الله لقد ضمت ضمة سمعها من بين الخافقين". وأخرج هناد بن السري في الزهد عن ابن أبي مليكة قال: "ما أجير من ضغطة القبر أحد، ولا سعد بن معاذ الذي منديل من مناديله خير من الدنيا وما فيها". وأخرج أيضا عن الحسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - حين دفن سعد بن معاذ -: "إنه ضم في القبر ضمة حتى صار مثل الشعرة - فدعوت الله أن يرفع عنه ذلك - بأنه كان لا يستبرئ من البول". وأخرج ابن سعد أخبرنا شبابة بن سوار، أخبرني أبو معشر عن سعيد المقبري قال: "لما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا، قال: لو

نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد، لقد ضم ضمة اختلفت منها أضلاعه من أثر البول". وقال عبد الرزاق في المصنف عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: "أشد حديث سمعناه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله في سعد بن معاذ، وقوله في أمر القبر". وأخرج ابن أبي الدنيا وغيره: "أن نافعا مولى ابن عمر - لما حضرته الوفاة - جعل يبكي، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت سعدا وضغطة القبر". وللبيهقي وغيره عن ابن المسيب: أن عائشة قالت: "يا رسول الله، إنك منذ يوم حدثتني بصوت منكر ونكير وضغطة القبر، ليس ينفعني شيء، قال: يا عائشة، إن أصوات منكر ونكير في أسماع المؤمنين كالإثمد في العين، وإن ضغطة القبر على المؤمن كالأم الشفيقة، يشكو إليها ابنها الصداع 1 ولكن- يا عائشة - ويل للمشركين في الله، كيف يضغطون في قبورهم". وللدارمي في مسنده عن خالد بن معدان أنه قال: "بلغني أن " الم تنزيل " تجادل عن صاحبها في القبر، تقول: اللهم إن كنت من كتابك فشفعني فيه، وإن لم أكن من كتابك فامحني عنه، وإنها تكون كالطير، تجعل جناحيها عليه، فتشفع له، وتمنعه من عذاب القبر، وفي "تبارك" مثله. فكان خالد لا يبيت حتى يقرأ بهما".

_ 1 بياض بالأصل.

أخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة عند الموت، ولا في قبورهم، ولا في منشرهم". ولابن جرير عن جويبر قال: "مات ابن للضحاك بن مزاحم - ابن ستة أيام - فقال: إذا وضعت ابني في لحده، فأبرز وجهه، وحل عقده، فإن ابني مجلس ومسؤول، فقلت: عم يسأل؟ قال: عن الميثاق الذي أقر به في صلب آدم". أخرج ابن ماجه والحاكم عن هانئ - مولى عثمان - قال: "كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فيقال له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟ فيقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه" 1. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه 2". ولابن ماجه عن البراء قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فجلس على شفير قبر، فبكى وأبكى حتى بل الثرى، ثم قال: يا إخوتي، لمثل هذا فأعدوا". ولأحمد والنسائي عن ابن عمرو قال: "توفي رجل بالمدينة، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ليته مات في غير مولده".

_ 1 الترمذي: الزهد (2308) , وابن ماجه: الزهد (4267) , وأحمد (1/63) . 2 هو تابع للحديث قبله رواهما ابن ماجه تحت رقم 4267 ورواه أيضا الترمذي والحاكم.

فقال رجل من الناس: لم يا رسول الله؟ قال: إن الرجل إذا توفي في غير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة" 1 ولابن أبي الدنيا والبيهقي عن ابن عمر مرفوعا: "القبر حفرة من حفر جهنم، أو روضة من رياض الجنة". ولابن أبي شيبة عن علي مثله موقوفا. ولأحمد وابن أبي الدنيا عن وهب: كان عيسى - عليه السلام - واقفا على قبر، ومعه الحواريون فذكروا القبر ووحشته وظلمته وضيقه، فقال عيسى: كنتم في أضيق منه في أرحام أمهاتكم، فإذا أراد الله تعالى أن يوسع....... ولابن أبي الدنيا عن أبي غالب - صاحب أبي أمامة - "أن فتى بالشام حضره الموت، فقال لعمه: أرأيت لو أن الله تعالى دفعني إلى والدتي ما كانت صانعة بي؟ قال: إذا والله كانت تدخلك الجنة؟ قال: فوالله، لله أرحم بي من والدتي، فقبض الفتى، فدخلت القبر مع عمه، فقلنا باللبن، فسويناه عليه، فسقطت منها لبنة، فوثب عمه فتأخر، فقلت: ما شأنك؟ فقال: ملئ قبره نورا، وفسح له مد بصره". ولأبي داود وغيره عن عائشة قالت: "لما مات النجاشي، كنا نحدث: أنه لا يزال يرى على قبره نور". وفي تاريخ ابن عساكر عن عبد الرحمن بن عمارة قال: "حضرت جنازة الأحنف بن قيس، فكنت فيمن نزل قبره، فلما سويته رأيته قد فسح له مد بصري، فأخبرت بذلك أصحابي، فلم يروا ما رأيت". وعن إبراهيم الحنفي قال: "لما صلب ماهان الحنفي على بابه، كنا نرى الضوء عنده في الليل".

_ 1 النسائي: الجنائز (1832) , وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (1614) , وأحمد (2/177) .

وأخرج عبد بن حميد والبزار في مسنديهما عن ابن عباس مرفوعا: "أول ما يجازى به المؤمن بعد موته أن يغفر لجميع من تبعه". ولمسلم عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذه القبور مملوءة على أهلها ظلمة، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم" 1. وأخرج الخطيب وأبو نعيم عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال في كل يوم مائة مرة: لا إله إلا الله الملك الحق المبين،. كان له أمانا من الفقر، وأنسا في وحشة القبر، وفتحت له أبواب الجنة" وأخرجه الخطيب من حديث ابن عمر أيضا. ولأحمد في الزهد عن كعب قال: "أوحى الله إلى موسى عليه السلام: تعلم الخير، وعلمه الناس، فإني منور لمعلم العلم ومتعلمه قبورهم حتى لا يستوحشوا مكانهم". ولسعيد في سننه عن الحسن قال: "قال موسى: يا رب، ما لمن عاد مريضا؟، قال: يوكل به ملائكة، يعودونه في قبره حتى يبعث". ولأحمد عن عائشة مرفوعا: "لا يحاسب أحد يوم القيامة فيغفر له، يرى المسلم عمله في قبره" 2. ولمسلم عن زيد بن ثابت قال: "بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار، على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت به، فكادت تلقيه، وإذا

_ 1 مسلم: الجنائز (956) , وأحمد (2/388) . 2 كذا في المسند ج 6 ص 103 وزاد: يقول الله تعالى: فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان....

أقبر - ستة، أو خمسة، أو أربعة - فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل: أنا، فقال: متى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك، فقال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع" 1. ولهما عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل القبور يعذبون في قبورهم عذابا تسمعه البهائم" 2. ولأحمد وغيره عن أبي سعيد مرفوعا: "يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا تلدغه حتى تقوم الساعة" 3. وله عن عائشة مرفوعا: "يرسل على الكافر حيتان: واحدة من قبل رأسه، والأخرى من قبل رجليه، يقرضانه قرضا، كلما فرغتا عادتا إلى يوم القيامة" 4. ولابن أبي شيبة وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه". وللبيهقي وغيره عن ميمونة قالت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا ميمونة، تعوذي بالله من عذاب القبر، وإن من أشد عذاب القبر الغيبة والبول". وله عن قتادة قال: "إن عذاب القبر ثلاثة، ثلث من الغيبة، وثلث من النميمة، وثلث من البول". وله عن أبي هريرة مرفوعا نحوه، وقال: "من ثلاثة: من الغيبة والنميمة والبول، فإياكم ذلك".

_ 1 مسلم: الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2867) . 2 البخاري: الدعوات (6366) , وأحمد (6/44) . 3 أحمد (3/38) , والدارمي: الرقاق (2815) . 4 أحمد (6/152) .

ولابن أبي الدنيا عن الحويرث بن الرباب قال: "بينا أنا بالأثاية، إذ خرج علينا إنسان من قبر، يلتهب وجهه ورأسه نارا في جامعة من حديد، فقال: اسقني اسقني. وخرج في أثره إنسان، يقول: لا تسق الكافر، فأدركه، وأخذ بطرف له بسلسلة، فكبه، ثم جره، حتى دخلا القبر جميعا، قال الحويرث: فصارت الناقة لا أقدر منها على شيء، حتى التوت بعرق الضبية فبركت، فنزلت فصليت المغرب والعشاء، ثم ركبت، حتى أصبحت بالمدينة، فأتيت عمر بن الخطاب، فأخبرته، فقال: يا حويرث، والله ما أتهمك، ولقد أخبرتني خبرا شديدا، فأرسل عمر إلى مشيخة من أهل كنفي الصفراء قد أدركوا الجاهلية، ثم دعا الحويرث فقال: إن هذا حدثني حديثا، ولست أتهمه، حدثهم يا حويرث بما حدثتني. فحدثتهم؟ فقالوا: قد عرفنا هذا يا أمير المؤمنين، هذا رجل من بني غفار، مات في الجاهلية، ولم يكن يرى للضيف حقا". وأخرج عن عروة قال: "بينما راكب يسير بين مكة والمدينة، إذ مر بمقبرة، فإذا رجل قد خرج من قبره، يلتهب نارا، مصفدا في الحديد، فقال: يا عبد الله، انضح، يا عبد الله، انضح، وخرج آخر يتلوه، فقال: يا عبد الله، لا تنضح، يا عبد الله، لا تنضح. وغشي على الراكب، فأصبح وقد ابيض شعره، فأخبر عثمان بذلك، فنهى أن يسافر الرجل وحده". ولأحمد وابن خزيمة والنسائي عن أبي رافع قال: "مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع؟ قال: "أف، أف" فظننت أنه يريدني، فقلت: يا رسول الله، أحدثت شيئا؟ قال: "وما ذاك؟ " قلت:

أففت بي، قال: لا، ولكن صاحب هذا القبر - فلان - بعثته ساعيا على بني فلان، فغل درعا، فدرع الآن مثلها من النار". ولابن أبي شيبة عن عمرو بن شرحبيل قال: "مات رجل يرون أن عنده ورعا، فأتي في قبره، فقيل: إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله، قال: فبم تجلدون، فقد كنت أتوقى وأتورع؟ فقيل: خمسون. فلم يزالوا يناقصونه، حتى صار إلى جلدة، فجلد، فالتهب القبر عليه نارا، وهلك الرجل، ثم أعيد وقال: فيم جلدتموني؟ قالوا: صليت يوما وأنت على غير وضوء، ومررت بمظلوم يستغيث فلم تغثه". وأخرجه أبو الشيخ والطحاوي عن ابن مسعود مرفوعا. وأخرج البخاري عن سمرة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: "هل رأى أحد منكم رؤيا؟ " وإنه قال لنا ذات غداة: "إنه أتاني الليلة آتيان، فقالا لي: انطلق. فانطلقت معهما، فأخرجاني إلى الأرض المقدسة، فأتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه، فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى، قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق، فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق، لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه، فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل

المرة الأولى، قلت: سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق، فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور، فإذا فيه لغط وأصوات، فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، قلت: ما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق. فانطلقنا، فأتينا على نهر أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما سبح، ثم يأتي الذي جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه، فيلقمه حجرا، فينطلق فيسبح، ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه فغر له فاه، فألقمه حجرا، قلت لهما: ما هذان؟ قالا: انطلق، فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء، وإذا هو عنده نار يحشها ويسعى حولها، فقلت لهما: ما هذا؟ قالا لي: انطلق. فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة، فيها من كل نور الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قالا لي: انطلق، فانطلقنا، فأتينا إلى روضة عظيمة، لم أر روضة قط أعظم منها، ولا أحسن، قالا لي: ارق فيها، فارتقينا، فانتهينا فيها إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فأتينا باب المدينة، فاستفتحنا، ففتح لنا، فدخلناها، فتلقانا رجال، شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر. فإذا نهر معترض يجري، كأن ماءه المحض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة، قالا لي: هذه جنة عدن، وهذاك منزلك، فسما بصري صعدا، فإذا قصر مثل الربابة البيضاء، قالا لي: هذا منزلك.

قلت لهما: بارك الله فيكما، ذراني، فأدخله، قالا لي: أما الآن فلا، وأنت داخله، قلت لهما: فإني رأيت منذ الليلة عجبا، فما هذا الذي رأيت؟ قالا: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة، يفعل به إلى يوم القيامة، وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة، وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل التنور، فإنهم الزناة والزواني، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة، فإنه آكل الربا، وأما الرجل الكريه المرآة الذي عنده النار يحشها، فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم وأما الولدان الذين حوله، فكل مولود مات على الفطرة. قالوا: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ قال: وأولاد المشركين. وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح، فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، تجاوز الله عنهم، وأنا جبريل وهذا ميكائيل". وأخرج ابن عساكر عن علي نحوه: "فمضيت، وإذا بتل أسود عليه قوم مخبلون تنفح النار في أدبارهم، فتخرج من أفواههم ومناخرهم وآذانهم وأعينهم - إلى أن قال -: وأما صاحب الكلوب الذي رأيت، فأولئك الذين كانوا يمشون بين المؤمنين بالنميمة، فيفسدون بينهم فهم يعذبون بها حتى يصيروا إلى النار، وأما القوم المخبلون فأولئك الذين يعملون عمل قوم لوط الفاعل والمفعول به، فهم يعذبون حتى يصيروا إلى النار".

وللخطيب عن أبي موسى مرفوعا: "رأيت رجالا تقرض جلودهم بمقاريض من نار، قلت: ما شأن هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يتزينون إلى ما لا يحل لهم. ورأيت خباء خبيث الريح فيه صياح، قلت: ما هذا؟ قال: هن نساء يتزين إلى ما لا يحل لهن". وللبيهقي عن أبي سعيد في حديث الإسراء قال: "ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأخونة، عليها لحم مشرح، ليس يقربه أحد، وإذا أنا بأخونة، عليها لحم قد أروح ونتن، عندها أناس يأكلون منها، قلت: يا جبريل. ما هؤلاء؟ قال: قوم من أمتك، يتركون الحلال ويأتون الحرام، ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت، كلما نهض أحدهم خر، يقول: اللهم، لا تقم الساعة، وهم على سابلة آل فرعون، فتجيء السابلة، فتطأهم، فسمعتهم يضجون إلى الله، قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك الذين يأكلون الربا، ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل، فتفتح أفواههم، ويلقمون من ذلك الجمر، ثم يخرج من أسافلهم، قلت: من هؤلاء؟، قال: هؤلاء من أمتك، الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما، ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم، فيلقمون، فيقال: كل كما كنت تأكل من لحم أخيك، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء اللمازون". وله ولابن عدي عن أبي هريرة في حديث الإسراء: "ثم أتى على قوم، على أقبالهم رقاع، وعلى أدبارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الإبل والغنم، ويأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم وحجارتها، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم. ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم ينضج

في قدر، ولحم آخر نيئ خبيث، فجعلوا يأكلون من النيئ، ويدعون النضيج الطيب، قلت: من هؤلاء؟ قال: الرجل يقوم من عند امرأته حلالا فيأتي المرأة الخبيثة، فيبيت معها حتى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا فتأتي الرجل الخبيث، فتبيت عنده حتى تصبح. ثم أتى على رجل قد جمع حزمة عظيمة، لا يستطيع حملها، وهو يزيد عليها، فقال: ما هذا؟ قال: هذا الرجل يكون عنده أمانات الناس لا يقدر على أدائها، وهو يحمل عليها. ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد، كلما قرضت عادت كما كانت، لا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: ما هؤلاء؟ قال: خطباء الفتنة". ولأبي داود عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما عرج بي، مررت بأقوام لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم" وفي تاريخ ابن عساكر بسنده عن عمرو بن أسلم الدمشقي قال: "مات عندنا رجل بالثغر، فدفن، فحفر عليه في اليوم الثالث، فإذا اللبن بحاله منصوب; وليس في اللحد شيء، فسئل وكيع بن الجراح عن ذلك، فقال: سمعنا في حديث: أن من مات وهو يعمل عمل قوم لوط سار به قبره حتى يصير معهم ويحشر معهم". ولابن أبي الدنيا عن مسروق قال: "ما من ميت يموت وهو يسرق أو يزني أو يأتي شيئا من هذه إلا جعل معه شجاعان ينهشانه في قبره".

وأخرج ابن خزيمة وابن حبان عن أبي أمامة - وسنده جيد - قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الصبح، فقال: إني رأيت رؤيا - وهي حق - فاعقلوها، أتاني رجل، فأخذ بيدي، فاستتبعني، حتى أتى جبلا وعرا طويلا، فقال لي: ارقه، فقلت: لا أستطيع، فقال: إني سأسهله لك، فجعلت كلما رفعت قدمي وضعتها على درجة، حتى استويت إلى سواء الجبل. فانطلقنا، فإذا نحن برجال ونساء مشققة أشداقهم، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يقولون ما لا يفعلون. ثم انطلقنا، فإذا نحن برجال ونساء مسمرة أعينهم وآذانهم، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يرون أعينهم ما لا ترى، ويسمعون آذانهم ما لا يسمعون. ثم انطلقنا، فإذا نحن بنساء معلقات بعراقيبهن، مصوبة رؤوسهن، تنهش أقدامهن الحيات، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء اللاتي يمنعن أولادهن ألبانهن. فانطلقنا، فإذا نحن برجال ونساء معلقين بعراقيبهم، مصوبة رؤوسهم، يلحسون من ماء قليل وحمإ، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يصومون ثم يفطرون قبل تحلة صومهم، ثم انطلقنا، فإذا نحن برجال ونساء أقبح شيء منظرا، وأقبحه لبوسا، وأنتنه ريحا، كأن ريحهم ريح المراحيض، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزانون والزناة. ثم انطلقنا، فإذا نحن بموتى أشد شيء انتفاخا، وأقبحه ريحا، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء موتى الكفار. ثم انطلقنا، فإذا نحن برجال تحت الشجر، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء موتى المسلمين. ثم انطلقنا، فإذا نحن بغلمان وجوار يلعبون بين نهرين، قلت: من هؤلاء، قال: هؤلاء ذرية المؤمنين. ثم انطلقنا، فإذا نحن برجال

أحسن شيء وجوها، وأحسنه لبوسا، وأطيبه ريحا، كأن وجوههم القراطيس، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الصديقون والشهداء والصالحون. ثم انطلقنا، فإذا نحن بثلاثة يشربون خمرا لهم، ويتغنون، قلت: من هؤلاء؟ قال: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة". وأخرج ابن أبي الدنيا عن مرثد بن حوشب قال: "كنت جالسا عند يوسف بن عمر وإلى جنبه رجل - كأن شقة وجهه صفحة من حديد - فقال له يوسف: حدث مرثدا بما رأيت، قال: حفرت قبر إنسان ليلا، فلما دفن وسووا عليه، أقبل طائران أبيضان مثل البعيرين، حتى سقط أحدهما عند رأسه والآخر عنه رجليه، ثم أثاراه، ثم تدلى أحدهما في القبر والآخر على شفيره، فجئت فجلست على شفير القبر، فسمعته يقول: ألست الزائر أصهارك في ثوبين ممصرا نسجهما كبرا وتمشي الخيلاء؟ فقال: أنا أضعف من ذلك، فضربه ضربة امتلأ القبر حتى فاض ماء ودهنا، ثم أعاد وأعاد عليه القول، حتى ضربه ثلاث ضربات، ثم رفع رأسه، فنظر إلي فقال: انظروا 1 أين هو جالس، نكسه الله. ثم ضرب جانب وجهي فسقطت ليلتي، حتى أصبحت كما ترى". وله عن أبي إسحاق الفزاري: "أنه أتاه رجل فقال: كنت أنبش القبور، وكنت أجد قوما وجوههم لغير القبلة. فكتب إلى الأوزاعي يسأله، فقال: أولئك قوم ماتوا على غير السنة".

_ 1 هكذا بالأصل, وفي كتاب الروح لابن القيم ص 68: انظر أين هو جالس بلسه الله ... إلخ.

وللترمذي وصححه عن عمارة بن عمير قال: "لما قتل عبيد الله بن زياد، أتي برأسه ورؤوس أصحابه فألقيت في الرحبة، فجاءت حية عظيمة، فتفرق الناس من فزعها، فتخللت الرؤوس، حتى دخلت في منخر عبيد الله بن زياد، ثم خرجت من فيه، ثم دخلت من فيه وخرجت من أنفه، ففعلت به مرارا، ثم ذهبت، ثم عادت ففعلت به مثل ذلك - مرارا - من بين الرؤوس، ولا يُدْرَى من أين جاءت ولا أين ذهبت". وللبيهقي في الشعب عن عبد الحميد بن محمود المعولي قال: "كنت جالسا عند ابن عباس، فأتاه قوم، فقالوا: إنا خرجنا، ومعنا صاحب لنا، حتى أتينا ذا الصفاح، فمات، فهيأناه، ثم انطلقنا، فحفرنا له قبرا ولحدنا له، فلما فرغنا من لحده، فإذا نحن بأسود، قد ملأ اللحد، فتركناه، وحفرنا له مكانا آخر، فلما فرغنا من لحده، إذا نحن بأسود قد ملأ اللحد، فقال ابن عباس: ذلك عمله الذي كان يعمل، انطلقوا فادفنوه في بعضها، فوالذي نفسي بيده لو حفرتم الأرض كلها لوجدتموه فيها، فانطلقنا فدفناه في بعضها، فلما رجعنا سألنا امرأته: ما كان عمل زوجك؟ قالت: كان يبيع الطعام، فيأخذ منه كل يوم قوت أهله ثم يقرض 1 الفضل مثله فيلقيه فيه". وروى تمام عن أبي علي محمد بن ماهان الأنصاري عن عصمة بن أبي عصمة البخاري عن أحمد بن عمار بن خالد التمار عن عصمة العباداني قال: "كنت أجول في بعض الفلوات إذ أبصرت ديرا، وإذا في الدير صومعة،

_ 1 لم تتضح في الأصل ونقلناها من الروح لابن القيم ص 70. ?

وإذا في الصومعة راهب، فقلت له: حدثني بأعجب ما رأيت في هذا الموضع، قال: نعم، بينما أنا ذات يوم، إذ رأيت طائرا أبيض مثل النعامة، قد وقع على تلك الصخرة، فتقيأ رأسا ثم رجلا ثم ساقا، فإذا هو كلما تقيأ عضوا من تلك الأعضاء، التأمت بعضها إلى بعض أسرع من البرق، حتى استوى رجلا جالسا، فإذا هم بالنهوض نقره الطائر نقرة قطعه أعضاء، ثم يرجع فيبتلعه، فلم يزل على ذلك أياما، فكثر تعجبي منه وازددت يقينا بعظمة الله تعالى، وعلمت أن لهذه الأجساد حياة بعد الموت. فالتفت إليه يوما، فقلت: أيها الطائر، سألتك بحق الله الذي خلقك وبرأك، ألا أمسكت عنه حتى أسائله، فيخبرني بقصته، فأجابني الطائر بصوت عربي طلق: لربي الملك وله البقاء، الذي يفني كل شيء ويبقى، أنا ملك من ملائكة الله، موكل بهذا الجسد لما أجرم، فالتفت إليه، فقلت: يا هذا الرجل المسيء إلى نفسه، ما قصتك؟ ومن أنت؟ قال: أنا عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي، وإني لما قتلته وصارت روحي بين يدي الله، ناولني صحيفة مكتوب فيها ما عملته من الخير والشر منذ ولدتني أمي إلى أن قتلت عليا، وأمر الله هذا الملك بعذابي إلى يوم القيامة، فهو يفعل بي ما تراه. ثم سكت فنقره ذلك الطائر نقرة نثر أعضاءه بها، ثم جعل يبتلعه عضوا عضوا، ثم مضى". قال السيوطي: هذا الإسناد ليس فيه من تكلم فيه سوى أبي علي، فقال الذهبي: إنه كان متهما. قال ابن رجب: وقد رويت هذه الحكاية من وجه آخر أخرجها ابن النجار في تاريخه، وأيضا من طريق أبي عبد الله الرازي صاحب السداسيات عن أبي بكر بن أبي الأصبع قال: قدم علينا

شيخ غريب. فذكر: أنه كان نصرانيا سنين، وأنه تعبد في صومعة. فذكر شبيهة بالحكاية. وأخرج ابن الجوزي عن محمد بن يوسف الفريابي قال: "سمعت أبا سنان - وكان رجلا صالحا - يقول: عزيت رجلا بأخيه، فوجدته جزعا، فقال: إنما أجزع لما رأيت، لما دفنته، وسويت التراب عليه، إذا صوت من القبر يقول: أوه، فقلت: أخي والله، فكشفت التراب، فقيل: يا عبد الله لا تنبشه، فرددت عليه التراب، فلما ذهبت لأقوم إذا هو يقول: أوه، فقلت: والله لا تركت نبشه، فنبشته، فإذا هو مطوق بطوق من نار، قد التمع عليه القبر نارا، فطمعت أن أقطع ذلك الطوق، فضربته بيدي لأقطعه، فذهبت أصابعي. فأخرج لنا يده، فإذا أصابعه الأربع قد ذهبت، فأتيت الأوزاعي، فحدثته، قلت: يا أبا عمرو، يموت اليهودي والنصراني والكفار ولا نرى مثل هذا؟ فقال: نعم: أولئك لا شك أنهم في النار، ويريكم الله في أهل التوحيد لتعتبروا". قال ابن القيم: وحدثنا أبو عبد الله محمد بن الحراني: "أنه خرج من داره بآمد - بعد العصر - إلى بستان، فلما كان قبل غروب الشمس، توسط القبور، وإذا قبر منها وهو جمرة نار مثل كور الزجاج، والميت في وسطه، قال: وسألت عن صاحب القبر، فإذا هو مكاس قد توفي في ذلك اليوم". وأخرج هناد في الزهد عن مجاهد قال: "للكفار هجعة، يجدون فيها طعم النوم حتى يوم القيامة، فإذا صيح بأهل القبور، يقول الكافر: {يَا وَيْلَنَا

مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} فيقول المؤمن إلى جنبه {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} 1. أخرج الطبراني وغيره عن عبد الرحمن بن سمرة قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: إني رأيت البارحة عجبا رأيت رجلا من أمتي جاءه ملك الموت ليقبض روحه، فجاء بره بوالديه، فرده عنه. ورأيت رجلا من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر، فجاءه وضوؤه فاستنقذه من ذلك. ورأيت رجلا من أمتي احتوشته الشياطين، فجاءه ذكر الله فخلصه من بينهم. ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب، فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم. ورأيت رجلا من أمتي يلهث عطشا، كلما ورد حوضا منع عنه، فجاءه صيامه فسقاه وأرواه. ورأيت رجلا من أمتي والنبيون قعود حلقا حلقا، كلما دنا من حلقة طردته، فجاءه اغتساله من الجنابة فأخذه بيده وأقعده إلى جنبي. ورأيت رجلا من أمتي بين يديه ظلمة، وخلفه ظلمة، وعن يمينه ظلمة، وعن يساره ظلمة، ومن فوقه ظلمة، ومن تحته ظلمة، فهو متحير فيها، فجاءه حجه وعمرته، فاستخرجاه من الظلمة، وأدخلاه في النور. ورأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه، فجاءته صلة الرحم، فقالت: يا معشر المؤمنين، كلموه. فكلموه، ورأيت رجلا من أمتي يتقي وهج النار وشررها بيده عن وجهه، فجاءت صدقته، فصارت سترا على وجهه وظلا على رأسه. ورأيت رجلا من أمتي أخذته الزبانية من

_ 1 سورة يس آية: 52.

كل مكان، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فاستنقذاه من أيديهم، وأدخلاه مع ملائكة الرحمة. ورأيت رجلا من أمتي جاثيا على ركبتيه، وبينه وبين الله حجاب، فجاءه حسن خلقه، فأخذ بيده وأدخله على الله. ورأيت رجلا من أمتي قد هوت صحيفته من قبل شماله، فجاءه خوفه من الله (فأخذ صحيفته فوضعها في يمينه. ورأيت رجلا من أمتي قد خف ميزانه، فجاءته أفراطه، فثقلوا ميزانه. ورأيت رجلا من أمتي قائما على شفير جهنم، فجاءه وجله من الله فاستنقذه من ذلك ومضى. ورأيت رجلا من أمتي هوى في النار. فجاءته دموعه التي بكى من خشية الله في الدنيا، فاستخرجته من النار. ورأيت رجلا من أمتي قائما على الصراط يرعد كما ترعد السعفة، فجاءه حسن ظنه بالله، فسكن رعدته ومضى. ورأيت رجلا من أمتي على الصراط يزحف أحيانا ويحبو أحيانا، فجاءته صلاته علي، فأخذته بيده، فأقامته، ومضى على الصراط. ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه، فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله، ففتحت له الأبواب وأدخلته1 الجنة. ورأيت ناسا تقرظ شفاههم، قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: المشاؤون بالنميمة بين الناس. ورأيت رجالا معلقين بألسنتهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يرمون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا". وللترمذي وصححه، وابن ماجه عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له

_ 1 موجود بالهامش ما نصه: إلى هذا رواه أبو موسى المديني وقال حديث حسن جدا رواه عن سعيد بن المسيب عمرو بن آزر وعلي بن زيد بن جدعان وهلال أبو جبلة.

في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج بثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه". أخرج مسلم عن أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر بموسى صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في قبره" 1. ولأحمد عن عفان عن حماد عن ثابت أنه قال: "اللهم إن كنت أعطيت أحدا الصلاة في قبره، فأعطني الصلاة في قبري". ولأبي نعيم عن جبير قال: "أنا - والله الذي لا إله إلا هو - أدخلت ثابتا البناني في لحده، ومعي حميد الطويل، فلما سوينا عليه اللبن، سقطت لبنة، فإذا أنا به يصلي في قبره". وله ولابن جرير عن "ابن إبراهيم بن 2 المهلبي قال: "حدثني الذين كانوا يمرون بالجص بالأسحار، قالوا: كنا إذا مررنا بجبانة قبر ثابت البناني سمعنا قراءة القرآن". وللترمذي وحسنه عن ابن عباس قال: "ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر، وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي المانعة، هي المنجية، تنجيه من عذاب القبر" 3.

_ 1 مسلم: الفضائل (2375) , والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار (1631 ,1633 ,1634 ,1635 ,1636 ,1637) , وأحمد (3/120 ,3/148 ,3/248) . 2 بياض بالأصل. 3 الترمذي: فضائل القرآن (2890) .

وللنسائي والحاكم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نمت فرأيتني في الجنة" 1 - ولفظ النسائي: "دخلت الجنة - فسمعت صوت قارئ يقرأ، فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذاك البر، كذاك البر، كذاك البر، وكان أبر الناس بأمه" 2. ولابن أبي الدنيا عن الحسن قال: "بلغني أن المؤمن إذا مات ولم يحفظ القرآن أمر حفظته أن يعلموه القرآن في قبره حتى يبعثه الله يوم القيامة مع أهله". وله عن يزيد الرقاش نحوه، وروى السلفي معناه من مراسيل عطية العوفي. ولابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال: "كان 3 يحب حسن الكفن، ويقول: إنهم يتزاورون في أكفانهم" ومعناه في مسند ابن أبي أسامة عن جابر مرفوعا، وفيه: ويتباهون ويتزاورون في قبورهم. ولمسلم من حديثه: "إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه" 4 وللترمذي وابن ماجه ومحمد بن يحيى الهمداني في صحيحه عن أبي قتادة مرفوعا: "إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه، فإنهم يتزاورون في قبورهم" 5. وأخرج ابن أبي الدنيا بسند لا بأس به عن راشد بن سعد: "أن رجلا توفيت امرأته، فرأى نساء في المنام، ولم ير امرأته معهن، فسألهن عنها، فقلن: إنكم قصرتم في كفنها، فهي تستحي تخرج معنا. فأتى الرجل

_ 1 أحمد (6/151) . 2 أحمد (6/151) . 3 بياض بالأصل. 4 الترمذي: الجنائز (995) , وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (1474) . 5 الترمذي: الجنائز (995) , وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (1474) .

النبي صلى الله عليه وسلم: فأخبره، قال النبي صلى الله عليه وسلم انظر هل إلى ثقة من سبيل؟ فأتى رجلا من الأنصار قد حضرته الوفاة، فأخبره، فقال الأنصاري: إن كان أحد يبلغ الموتى بلغت. فتوفي الأنصاري، فجاء بثوبين مزودين بالزعفران، فجعلهما في كفن الأنصاري، فلما كان الليل رأى النسوة، ومعهن امرأته، وعليها الثوبان الأصفران". وروى ابن الجوزي عن محمد بن يوسف الفريابي: "قصة المرأة التي رأت أمها في المنام، تشكو إليها الكفن، فقصوا على محمد وسألوه، وفيه: أن أمها قالت لا: اشتروا لي كفنا، وابعثوه مع فلانة، قال الفريابي: فذكرت الحديث: أنهم يتزاورون في أكفانهم، فقلت: اشتروا لها كفنا، فماتت المرأة في اليوم الذي ذكرت، ووضعوه معها". وأخرج ابن أبي شيبة عن عمير بن الأسود: "أن معاذ بن جبل أوصى امرأته وقد خرج، فماتت فكفناها في ثياب لها خلقان، فقدم وقد رفعنا أيدينا عن قبرها، فقال: في كم كفنتموها؟ قلنا: في ثيابها الخلقان، فنبشها وكفنها في ثياب جدد وقال: أحسنوا أكفان موتاكم، فإنهم يحشرون فيها". ولابن أبي الدنيا عن مجاهد قال: "إن الرجل ليبشر بصلاح ولده في قبره". وقال السدى في قوله: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ} 1 الآية: "يؤتى الشهيد بكتاب، فيه ذكر من يقدم عليه من إخوانه، يبشر به، فيستبشر به كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا".

_ 1 سورة آل عمران آية: 170.

وأخرج ابن عساكر عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال: "قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم رأيتك تناجي دحية الكلبي، فكرهت أن أقطع مناجاتكما. قال: وقد رأيته! قال: هو جبريل، أما إنه سيذهب بصرك ويرده الله عليك في موتك قال: فلما قبض ابن عباس، ووضع على سريره جاء طائر شديد الوضح، فدخل في أكفانه، فلمسوه، فقال عكرمة: ما تصنعون؟ هذا بشرى النبي صلى الله عليه وسلم له، فلما وضع في لحده تلقي بكلمة سمعها من كان على شفير القبر {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} 1 " الآية. وأخرج نحوه عن المهدي حدثني أبي عن أبيه عن جده عن ابن عباس وفي آخره: وكنا نتحدث أنه رد على عبد الله بصره حين مات. ولابن أبي شيبة وسعيد والحاكم عن حذيفة أنه قال عند موته: "ابتاعوا لي ثوبين، ولا عليكم ألا تغالوا، فإن يصب صاحبكم خيرا يكس خيرا منهما، وإلا سلبهما سلبا سريعا". وللبيهقي من طرق عنه ولفظه: "فإنهما لن يتركا علي إلا قليلا حتى أبدل بهما خيرا منهما أو شرا منهما". ولابن أبي الدنيا عن عمر نحوه، وفيه: "واقصروا في حفرتي، فإنه إن كان لي عند الله خير وسع لي قبري مد بصري، وإن كنت غير ذلك ضيقها علي حتى تختلف أضلاعي".

_ 1 سورة الفجر آية: 27-28.

وأخرج سعيد عن عائشة بنت أهبان بن صيفي الصحابي قالت: "أوصانا أنا نكفنه في قميص، قالت: فلما أصبحنا من الغد من يوم دفناه، إذا نحن بالقميص الذي دفناه فيه على المشجب". وللبيهقي عن أنس قال: "جهز عمر جيشا واستعمل عليهم العلاء بن الحضرمي، وكنت في غزاته، فلما رجعنا مات في الطريق، فدفناه، فأتى رجل بعد فراغنا من دفنه، فقال من هذا؟ فقلنا: هذا من خير البشر، هذا ابن الحضرمي، فقال: إن هذه الأرض تلفظ الموتى، فلو نقلتموه إلى ميل أو ميلين، إلى أرض تقبل الموتى. فنبشناه، فلما وصلنا إلى اللحد إذا صاحبنا ليس فيه، وإذا اللحد مد البصر نورا يتلألأ، فأعدنا التراب إلى القبر، ثم ارتحلنا". ورواه أبو نعيم عن أبي هريرة، ولفظه: "دفناه في الرمل، ثم قلنا: يجيء سبع فيأكله، فحفرناه، فلم نره". وذكر ابن الجوزي عن جعفر السراج عن بعض شيوخه قال: كشف قبر بقرب الإمام أحمد، وإذا على صدر الميت، ريحانة تهتز. ولابن أبي الدنيا عن مسكين بن بكير: "أن ورادا العجلي لما مات وحفروا له وجدوا لحده مفروشا بالريحان، فأخذ منه، فمكث سبعين يوما طريا لا يتغير، يغدو الناس ويروحون، ينظرون إليه. فأكثر الناس في ذلك، فأخذه الأمير وفرق الناس خشية الفتنة، ففقده الأمير من منزله، لا يدري كيف ذهب". وللخطيب عن محمد بن مخلد الحافظ: "أنه نزل ليلحد أمه، فانفرجت فرجة عن قبر، فإذا رجل عليه أكفان جدد، وعلى صدره طاقة ياسمين

طرية، فأخذتها فشممتها، فإذا هي أذكى من المسك، فشمها جماعة كانوا معي، ثم رددتها إلى موضعها، وسددت الفرجة". وفي طبقات ابن سعد عن أبي سعيد الخدري قال: "كنت ممن حفر لسعد بن معاذ قبره بالبقيع، وكان يفوح علينا المسك كلما حفرنا". وله عن محمد بن شرحبيل بن حسنة قال: "أخذ إنسان قبضة من تراب قبر سعد، فذهب بها، ثم نظر إليها بعد ذلك، فإذا هي مسك". ولأحمد عن جابر قال: "قدم أعرابي، ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير، فقال: اعرض علي الإسلام" الحديث. وفيه: "فبينما نحن كذلك إذ وقع من بعيره على هامته، فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الذي تعب قليلا ونعم طويلا، أحسب أنه مات جائعا، إني رأيت زوجتيه من الحور العين، وهما يدسان في فيه من ثمار الجنة". وللترمذي عن أبي هريرة مرفوعا: "رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة". ولابن أبي شيبة عن صفية بنت شيبة قالت: "كنت عند أسماء حين صلب الحجاج ابن الزبير، فأتاها ابن عمر يعزيها، فقال: يا هذه، اتقي الله واصبري، فإن هذه الجثث ليست بشيء، وإنما الأرواح عند الله، قالت: وما يمنعني من الصبر وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام إلى بغي من بغايا بني إسرائيل". وأخرج ابن سعد عن خالد بن معدان قال: "لما انهزمت الروم يوم أجنادين، انتهوا إلى موضع لا يعبره إلا إنسان إنسان، فجعلت الروم

تقاتل عليه، فتقدم هشام بن العاص وقاتلهم حتى قتل، ووقع على تلك الثلمة فسدها، فلما انتهى المسلمون إليها هابوا أن يوطئوه الخيل، فقال عمرو بن العاص: إن الله فد استشهده ورفع روحه، وإنما هي جثة، فأوطئوها الخيل. ثم وطئه هو وتبعه الناس، حتى قطعوه". وللحاكم وصححه عن أنس: "أن رجلا أسود أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أنا قاتلت حتى أقتل فأين أنا؟ قال: في الجنة فقاتل حتى قتل، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لقد بيض الله وجهك وطيب ريحك وقال لهذا أو لغيره: لقد رأيت زوجته من الحور العين نازعته جبة له من صوف، تدخل بينه وبين جبته ". وللبيهقي بسند حسن عن ابن عمر: "أن أعرابيا استشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم فقعد عند رأسه مسرورا يضحك، ثم أعرض عنه، فسئل عن ذلك، فقال: أما سروري فلما رأيت من كرامة روحه على الله، وأما إعراضي عنه فإن زوجته من الحور العين الآن عند رأسه". أخرج ابن عبد البر عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن - كان يعرفه في الدنيا - فيسلم عليه، إلا عرفه ورد عليه السلام" صححه عبد الحق، وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة. ولأحمد والحاكم عنها قالت: "كنت أدخل البيت، فأضع ثوبي، وأقول: إنما هو أبي وزوجي، فلما دفن عمر معهما ما دخلته إلا وأنا مشدودة علي ثيابي حياء من عمر".

وللبيهقي والحاكم عن أبي هريرة مرفوعا: "أشهد أنهم أحياء عند الله، فزوروهم، وسلموا عليهم، فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا عليه إلى يوم القيامة" يعني مصعب بن عمير وأصحابه. وللحاكم وصححه عن عبد الله بن أبي فروة أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبور الشهداء بأحد، فقال: "اللهم إن عبدك ونبيك يشهد أن هؤلاء شهداء، وأن من زارهم أو سلم عليهم إلى يوم القيامة ردوا عليه". وأخرج ابن سعد عن ابن المسيب: "أنه كان يلازم المسجد أيام الحرة، والناس يقتتلون، قال: فكنت إذا حانت الصلاة أسمع أذانا يخرج من قبل القبر النبوي". وأخرج الخطيب عن إبراهيم بن إسماعيل بن خلف قال: "كان أحمد بن نصر خالي، فلما قتل في المحنة وصلب أخبرت أن الرأس يقرأ القرآن، فمضيت فبت قريبا منه، فلما هدأت العيون سمعت الرأس يقرأ: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} 1" قال الذهبي: رويت هذه الحكاية من غير وجه. وأخرج ابن عساكر من طريق أبي صالح - كاتب الليث - عن يحيى ابن أيوب الخزاعي قال: سمعت من يذكر أنه "كان في زمن عمر بن الخطاب شاب متعبد، قد لزم المسجد، وكان عمر به معجبا، وكان له أب شيخ كبير، فكان إذا صلى العتمة انصرف إلى أبيه، وكان طريقه. على باب امرأة، فافتتنت به، وكانت تنصب نفسها له على طريقه، فمر بها ذات

_ 1 سورة العنكبوت آية: 1-2.

ليلة، فما زالت تغريه حتى تبعها، فلما أتى الباب دخلت، وذهب ليدخل فذكر وجلي عنه، ومثلت له هذه الآية على لسانه: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} 1 فخر الفتى مغشيا عليه، فدعت المرأة جارية لها فتعاونتا عليه، فحملتاه إلى بابه واحتبس على أبيه، فخرج أبوه يطلبه، فإذا هو على الباب مغشيا عليه، فدعا بعض أهله فحملوه فأدخلوه، فما أفاق حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فقال له أبوه: مالك يا بني؟ قال: خير، قال: فإني أسألك، فأخبره بالأمر، قال: أي بني، وأي آية قرأت؟ فقرأ الآية التي كان قرأ، فخر مغشيا عليه، فحركوه فإذا هو ميت فغسلوه، وأخرجوه ودفنوه ليلا. فلما أصبحوا رفع ذلك إلى عمر، فجاء عمر إلى أبيه، فعزاه به، وقال: ألا آذنتني؟ قال: يا أمير المؤمنين كان ليلا، قال عمر: فاذهبوا بنا إلى قبره. فأتى عمر ومن معه القبر، فقال عمر: يا فلان: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} 2 فأجابه الفتى من داخل القبر: يا عمر قد أعطانيهما ربي في الجنة. مرتين". وأخرج البيهقي وغيره عن أبي عثمان النهدي عن ابن مينا قال: "دخلت الجبان، فصليت ركعتين خفيفتين، ثم اضطجعت إلى قبر، فوالله إني لنبهان إذ سمعت قائلا في القبر يقول: قم، فقد آذيتني، أنتم تعملون ولا تعلمون، ونحن نعلم ولا نعمل، فوالله لأن أكون صليت مثل ركعتيك أحب إلي من الدنيا وما فيها". وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن المسيب: "أن سعيد بن خارجة

_ 1 سورة الأعراف آية: 201. 2 سورة الرحمن آية: 46.

الأنصاري - من بني الحارث بن الخزرج - توفى زمن عثمان، فسجي، ثم إنهم سمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم فقال: أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدق صدق أبو بكر الصديق الضعيف في نفسه القوي في أمر الله في الكتاب الأول، صدق صدق عمر بن الخطاب القوي الأمين في الكتاب الأول، صدق صدق عثمان بن عفان على منهاجهم. مضت أربع وبقيت ثنتان، أتت الفتن، وأكل القوي الضعيف، وقامت الساعة، وسيأتيكم من جيشكم خبر، يراريس وما يراريس. قال سعيد: ثم هلك رجل من بني حطمة، فسجي بثوبه، فسمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم فقال: إن أخا بني الحارث بن الخزرج صدق صدق". قال البيهقي: هذا إسناد صحيح وله شواهد. ثم أخرج هو وابن أبي الدنيا وأبو نعيم عن إسماعيل بن أبي خالد قال: "جاءنا يزيد بن النعمان بن بشير إلى حلقة القاسم بن عبد الرحمن بكتاب أبيه النعمان بن بشير: بسم الله الرحمن الرحيم من النعمان بن بشير إلى أم عبد الله بنت أبي هاشم، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، فإنك كتبت إلي لأكتب إليك بشأن زيد بن خارجة، وإنه كان من شأنه: أنه أخذه وجع في حلقه، فتوفي بين صلاة الأولى وصلاة العصر، فأضجعناه، وغشيناه، فأتاني آت في مقامي وأنا أسبح بعد العصر، فقال: إن زيدا قد تكلم بعد وفاته، فانصرفت إليه مسرعا، وقد حضره قومه من الأنصار وهو يقول: الأوسط أجلد القوم، الذي كان لا يبالي في الله لومة لائم، كان لا يأمر الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم، عبد الله أمير المؤمنين صدق صدق، كان ذلك في الكتاب الأول، ثم قال: عثمان أمير المؤمنين، وهو يعافي الناس

من ذنوب كثيرة، خلت ليلتان وبقيت أربع، ثم اقتتلت الناس وأكل بعضهم فلا نظام، وأبيحت الأحماء ثم ارعوى المؤمنون، وقالوا: كتاب الله وقدره، أيها الناس أقبلوا على أميركم واسمعوا وأطيعوا، ثم تولى فلا يعهدن ذما، كان أمر الله قدرا مقدورا، الله أكبر، هذه الجنة وهذه النار، وهؤلاء النبيون والصديقون، سلام عليك يا عبد الله بن رواحة، هل أحسست لي خارجة وسعدا اللذين قتلا يوم أحد: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى} 1 ثم خفض صوته، فسألت الرهط عما سبقني من كلامه، فقالوا: سمعناه يقول: أنصتوا، أنصتوا، فنظر بعضنا إلى بعض، فإذا الصوت من تحت الثياب، فكشفنا عن وجهه، فقال: هذا أحمد رسول الله، سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم قال: أبو بكر الصديق الأمين، خليفة رسول الله، كان ضعيفا في جسمه، قويا في أمر الله، صدق صدق، وكان في الكتاب الأول". ثم أخرجه من وجه آخر عن إسماعيل بن أبي خالد، وزاد: "وكان ذلك على تمام سنتين خلتا من إمارة عثمان، فهما الليلتان، قال: فلم أزل أحفظ العدة للأربع البواقي، وأتوقع ما هو كائن فيهن، فكان فيهن افتراء أهل العراق وخلافهم، وإرجاف المرجفين، وطعنهم على أميرهم الوليد بن عقبة". قال البيهقي: وهذا أيضا إسناد صحيح، وروى ذلك أيضا حبيب بن سالم عن النعمان، وذكر فيه: اليراريس كما في رواية ابن المسيب.

_ 1 سورة المعارج آية: 15-16-17-18.

وأخرج البخاري في تاريخه وغيره عن عبد الله بن عبيد الأنصاري، قال: "كنت فيمن دفن ثابت بن قيس بن شماس، وكان أصيب يوم اليمامة، فلما أدخلناه قبره، سمعناه يقول: محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الشهيد، عثمان لين رحيم. فنظرنا إليه فإذا هو ميت". وأخرج مسلم عن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة، فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا - إن شاء الله - بكم لاحقون" 1. وله عن عائشة: "قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا - إن شاء الله - بكم لاحقون" 2. وللنسائي وابن ماجه عن بريدة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر: السلام عليكم أهل الديار من المسلمين، وإنا - إن شاء الله - بكم لاحقون، أنتم لنا فرط، ونحن لكم تبع، أسأل الله لنا ولكم العافية" 3. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعد ابن أبي وقاص: "أنه كان يرجع من ضيعته، فيمر بقبور الشهداء، فيقول: السلام عليكم، وإنا بكم لاحقون، ثم يقول لأصحابه: ألا تسلمون على الشهداء فيردون عليكم". وله عن ابن عمر: "أنه كان لا يمر - بليل ولا نهار - بقبر إلا سلم عليه". وله عن أبي هريرة قال: "إذا مررت بالقبور كنت تعرفهم، فقل:

_ 1 مسلم: الطهارة (249) , والنسائي: الطهارة (150) , وأبو داود: الجنائز (3237) , وأحمد (2/300 ,2/408 ,2/454) , ومالك: الطهارة (60) . 2 مسلم: الجنائز (974) , والنسائي: الجنائز (2037) , وأحمد (6/221) . 3 مسلم: الجنائز (975) , والنسائي: الجنائز (2040) , وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (1547) , وأحمد (5/353 ,5/359) .

السلام عليكم أصحاب القبور، وإذا مررت بالقبور الذين لا تعرفهم، فقل: السلام على المسلمين". وله عن الحسن قال: "من دخل المقابر فقال: اللهم رب الأجساد البالية والعظام النخرة، التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة، أدخل عليها روحا من عندك وسلاما مني، أستغفر الله لكل مؤمن مات منذ خلق الله آدم" - وأخرجه ابن أبي الدنيا بلفظ -: "كتب الله له بعدد من مات من لدن آدم، إلى أن تقوم الساعة حسنات". ولابن أبي الدنيا عن أبي هريرة قال: "من دخل المقابر واستغفر لأهل القبور وترحم على الأموات، فكأنما شهد جنائزهم والصلاة عليهم". وله عن ابن عمر: "أنه كان إذا شهد جنازة، مر على أهله في المقابر فدعا لهم واستغفر لهم". أخرج مسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرواح الشهداء عند الله في حواصل طير خضر، تسرح في أنهار الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش" 1. ولأحمد وأبي داود عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما أصيب أصحابكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش" 2. ولابن منده عن ابن شهاب قال: "بلغني أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر معلقة بالعرش، تغدو ثم تروح إلى رياض الجنة، تأتي ربها - سبحانه وتعالى - كل يوم تسلم عليه".

_ 1 مسلم: الإمارة (1887) , والترمذي: تفسير القرآن (3011) , وابن ماجه: الجهاد (2801) , والدارمي: الجهاد (2410) . 2 أبو داود: الجهاد (2520) , وأحمد (1/265) .

ولابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: "إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر في قناديل تحت العرش، تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم ترجع إلى قناديلها، وإن أرواح ولدان المؤمنين في أجواف عصافير، تسرح في الجنة حيث شاءت". ولأحمد وغيره بسند حسن عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء، يخرج إليهم رزقهم من الجنة غدوة وعشية" 1. ولابن أبي شيبة وغيره عن أبي بن كعب قال: "الشهداء في قباب في رياض الجنة بفناء، يبعث إليهم ثور وحوت فيعتركان، فيتلهون بهما، فإذا احتاجوا إلى شيء، عقر أحدهما صاحبه، فيأكلون منه، فيجدون فيه طعم كل شيء في الجنة". وأخرج سعيد عن مكحول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن ذراري المسلمين أرواحهم في عصافير خضر في شجر الجنة يكلفهم أبوهم إبراهيم عليه السلام". وللبخاري عن أنس: "أن حارثة لما قتل قالت أمه: يا رسول الله، قد علمت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر، وإن يكن في غير ذلك ترى ما أصنع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها جنان كثيرة، وإنه في الفردوس الأعلى". ولأحمد ومالك في الموطأ بسند صحيح عن كعب بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما نسمة المؤمن طائر يعلق 2 في شجر

_ 1 أحمد (1/266) . (2) موجود بالهامش: قوله يعلق: أي يأكل.

الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه" ورواه الترمذي بلفظ: "إن أرواح الشهداء تعلق من ثمر الجنة - أو شجر الجنة -" 1 ولأحمد وغيره بسند حسن عن أم هانئ أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون النسم طيرا تعلق بالشجر، حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها". ولابن سعد عن محمود بن لبيد عن أم مبشر بن البراء: "أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله، هل يتعارف الموتى؟ فقال: تربت يداك، النفس الطيبة طير أخضر في الجنة، فإذا كان الطير يتعارفون في رؤوس الشجر، فإنهم يتعارفون". ولابن ماجه وغيره بسند حسن عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: "لما حضرت كعبا الوفاة أتته أم مبشر بن البراء، فقالت: أبا عبد الرحمن، إن لقيت فلانا، فأقرئه مني السلام، فقال لها: يغفر الله لك يا أم مبشر، نحن أشغل من ذلك، قالت: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن نسمة المؤمن تسرح في الجنة حيث شاءت، ونسمة الكافر في سجين؟ قال: بلى، قالت: فهو ذاك". وللطبراني وغيره عن ابن عمر قال: "الجنة مطوية في قرون الشمس، تنشر في كل عام مرتين، وأرواح المؤمنين في طير كالزرازير تأكل من ثمر الجنة". ورواه ابن منده عنه مرفوعا.

_ 1 الترمذي: فضائل الجهاد (1641) .

ولأحمد والحاكم وصححه عن أبي هريرة مرفوعا: "أولاد المؤمنين في جبل في الجنة، يكفلهم إبراهيم وسارة، حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة". ولابن أبي الدنيا عن خالد بن معدان قال: "إن في الجنة لشجرة، يقال لها طوبى، كلها ضروع، فمن مات من الصبيان الذين يرضعون، رضع من طوبى، وحاضنهم إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم. " وله عن عبيد بن عمير نحوه. وأخرجه ابن أبي حاتم عن خالد، وزاد: "وإن سقط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة، يتقلب فيه حتى تقوم القيامة، فيبعث ابن أربعين سنة". ولابن أبي شيبة وغيره عن ابن عباس عن كعب قال: "جنة المأوى فيها طير خضر، ترتقي فيها أرواح الشهداء تسرح في الجنة، وأرواح آل فرعون في أجواف طير سود، تغدو على النار وتروح، وإن أطفال المسلمين في عصافير الجنة". ولابن أبي حاتم وغيره عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم - فلم ير الخلائق أحسن من المعراج، أما رأيت الميت حين يشق بصره طامحا إلى السماء، فإن ذلك عجبه بالمعراج - فصعدت أنا وجبريل، فاستفتح باب السماء، فإذا أنا بآدم تعرض عليه أرواح ذريته، فيقول: روح طيبة ونفس طيبة، اجعلوها في عليين، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار، فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة، اجعلوها في سجين".

ولأبي نعيم عن أبي هريرة مرفوعا: "إن أرواح المؤمنين في السماء السابعة ينظرون إلى منازلهم في الجنة". وأخرج سعيد في سننه وابن جرير عن المغيرة بن عبد الرحمن قال: "لقي سلمان الفارسي عبد الله بن سلام، فقال: إن أنت مت قبلي فأخبرني بما تلقى، وإن أنا مت قبلك أخبرتك، قال: وكيف وقد مت؟ قال: إن أرواح الخلق إذا خرجت من الجسد كانت بين السماء والأرض حتى ترجع إلى الجسد. فقضي أن سلمان مات، فرآه عبد الله بن سلام في منامه، فقال: أخبرني أي شيء وجدته أفضل؟ قال: رأيت التوكل شيئا عجيبا". ولابن أبي الدنيا عن علي قال: "أرواح المؤمنين في بئر زمزم". ولابن منده وغيره عن عبد الله بن عمرو: "أرواح الكفار تجمع ببرهوت، سبخة بحضرموت، وأرواح المؤمنين تجمع بالجابية". وللحاكم في المستدرك عنه: "أما أرواح المؤمنين فتجمع بأريحاء، وأما أروح أهل الشرك فتجمع بصنعاء". وأخرج ابن عدي عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عرفت جعفرا في رفقة من الملائكة يبشرون أهل بيته بالمطر". وللحاكم عن ابن عباس قال: "بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس وأسماء بنت عميس قريب منه، إذ رد السلام، وقال: يا أسماء هذا جعفر مع جبريل وميكائيل، مروا فسلموا علينا؟ وأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا، قال: فأصبت في جسدي من مقاديمي ثلاثا وسبعين

طعنة وضربة، ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقطعت، ثم أخذته بيدي اليسرى فقطعت، فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل، أنزل من الجنة حيث شئت، وآكل من ثمارها ما شئت. قالت أسماء: هنيئا لجعفر ما رزقه الله من الخير، لكن أخاف ألا يصدق الناس، فاصعد المنبر فأخبر به الناس، فصعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن جعفر بن أبي طالب مر مع جبريل وميكائيل، وله جناحان عوضه الله من يديه، فسلم علي ثم أخبرهم بما أخبره به". وأخرج هناد في الزهد عن ابن إسحاق عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة قال: حدثنا بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشهداء ثلاثة، فأدنى الشهداء عند الله منزلة من خرج منبوذا بنفسه وماله. لا يريد أن يقتل ولا يقتل، أتاه سهم غرب، فأصابه، فأول قطرة تقطر من دمه يغفر الله له ما تقدم من ذنبه، ثم يهبط الله جسدا من السماء يجعل فيه روحه، ثم يصعد به إلى الله، فلا يمر بسماء من السماوات إلا شيعه الملائكة، حتى ينتهي إلى الله، فإذا انتهي به وقع ساجدا، ثم يؤمر به، فيكسى سبعين حلة من الإستبرق، ثم يقال: اذهبوا به إلى إخوانه من الشهداء، فاجعلوه معهم. فيؤتى إليهم، وهم في قبة خضراء عند باب الجنة، يخرج إليهم غذاؤهم من الجنة، فإذا انتهى إلى إخوانه سألوه كما تسألون الراكب الذي يقدم عليكم من بلادكم، فيقولون: ما فعل فلان؟ فيقول: أفلس فلان: ما فعل ماله؟ فوالله إن كان لكيسا جموعا تاجرا، إنا لا نعد المفلس ما تعدون، إنما المفلس من الأعمال، ما فعل فلان وامرأته فلانة؟ فيقول: طلقها، فيقولون: ما الذي جرى بينهما

حتى طلقها؟ فوالله إن كان بها لمعجبا، فيقولون: ما فعل فلان؟ فيقول: مات قبلي بزمان، فيقولون: هلك والله ما سمعنا له بذكر، إن لله طريقين أحدهما علينا والآخر مخالف به عنا، فإذا أراد الله بعبد خيرا، مر به علينا، فعرفنا متى مات، وإذا أراد الله بعبد شرا، خولف به عنا فلم نسمع له بذكر" الحديث. وأخرج ابن منده من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن حسان ابن جبلة قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشهيد إذا استشهد أنزل الله جسدا كأحسن جسد كان، فيقال لروحه: ادخلي فيه، فينظر إلى جسده الأول ما يفعل به، ويتكلم، فيظن أنهم يسمعون كلامه، وينظر إليهم، فيظن أنهم يرونه، حتى تأتيه أزواجه - يعني من الحور العين - فيذهبن به ". وعند البيهقي وغيره عن أبي سعيد في حديث الإسراء: "ثم صعدت إلى السماء الثانية، فإذا أنا بيحيى وعيسى، ومعهما نفر من قومهما، ثم صعدت إلى السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف، ومعه نفر من قومه". ثم ذكر مثله في الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة فيها: "فإذا أنا بإبراهيم، ومعه نفر من قومه، فقيل لي: هذا مكانك ومكان أمتك، ثم تلا: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} 1 وإذا أمتي شطران شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس، وشطر عليهم ثياب مدر" الحديث.

_ 1 سورة آل عمران آية: 68.

ولأحمد وغيره عن أنس: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا الحسنة، فكان فيما يقول: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ فإذا رأى الرجل الذي لا يعرفه الرؤيا سأل عنه، فإن أخبر عنه بمعروف كان أعجب لرؤياه قال: فجاءت امرأة فقالت: يا رسول الله، رأيت في المنام كأني قد خرجت فأدخلت الجنة، فسمعت وجبة ارتجت لها الجنة، فإذا أنا بفلان وفلان وفلان. حتى عدت اثني عشر رجلا - وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قبل ذلك - فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم، فقيل: اذهبوا بهم إلى نهر البيدح، فغمسوا فيه، فخرجوا ووجوههم كالقمر ليلة البدر، وأتوا بكراسي من ذهب فأقعدوا عليها، وجيء بصحيفة من ذهب فيها بسر، فأكلوا من بسره ما شاؤوا، فما يقلبونها لوجه من وجه إلا أكلوا من فاكهة ما شاؤوا، قالت: وأكلت معهم. فجاء البشير من تلك السرية، قال: يا رسول الله، كان كذا وكذا، وأصيب فلان وفلان، حتى عد اثني عشر رجلا، فقال: علي بالمرأة فقال: قصي رؤياك على هذا فقال الرجل: هو كما قالت، أصيب فلان وفلان". وله عن ثوبان مرفوعا: "من فارقت روحه الجسد، وهو بريء من ثلاث دخل الجنة، من الكبر والغلول والدين" 1. وللبزار وغيره عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن خديجة فقال: "أبصرتها على نهر من أنهار الجنة في بيت من قصب لا لغب فيه ولا نصب".

_ 1 الترمذي: السير (1572) , وابن ماجه: الأحكام (2412) , وأحمد (5/276 ,5/277 ,5/281 ,5/282) , والدارمي: البيوع (2592) .

ولأبي داود عن أبي هريرة مرفوعا: "والذي نفسي بيده، إنه الآن في أنهار الجنة ينغمس فيها" 1 - قاله في الذي رجم لما اعترف بالزنى. ولابن أبي الدنيا من مرسل سليم بن عامر الجبائري مرفوعا: "إن مثل المؤمن في الدنيا كمثل الجنين في بطن أمه، إذا خرج من بطنها بكى على مخرجه حتى إذا رأى الضوء ورضع لم يحب أن يرجع إلى مكانه، وكذلك المؤمن يجزع من الموت، فإذا أفضى إلى ربه لم يحب أن يرجع إلى الدنيا، كما لا يحب الجنين أن يرجع إلى بطن أمه". وللحكيم الترمذي عن أنس مرفوعا: "ما شبهت خروج المؤمن من الدنيا إلا مثل خروج الصبي من بطن أمه من ذلك الغم والظلمة إلى روح الدنيا". ولابن ابن الدنيا عن زيد بن أسلم قال: "كان في بني إسرائيل رجل قد اعتزل الناس في كهف جبل، وكان أهل زمانه إذا قحطوا استغاثوا به، فدعا الله فسقاهم. فمات فأخذوا في جهازه، فبينما هم كذلك إذا هم بسرير يرفرف في عنان السماء، حتى انتهى إليه، فقام رجل، فأخذه فوضعه على السرير، فارتفع السرير والناس ينظرون إليه في الهواء حتى غاب عنهم". وللبيهقي وأبي نعيم عن عروة: "أن عامر بن فهيرة قتل يوم بئر معونة فيمن قتل، وأسر عمرو بن أمية الضمري، فقال له عامر بن الطفيل: هل تعرف أصحابك؟ فقال: نعم، فطاف فيهم - يعنى في القتلى - فجعل يسأله عن أنسابهم، فقال: هل تفقد منهم من أحد؟ قال: أفقد مولى لأبي بكر يقال له عامر بن فهيرة، قال: كيف كان فيكم؟، قال:

_ 1 أبو داود: الحدود (4428) .

كان من أفضلنا، قال: ألا أخبرك خبره؟ هذا طعنه برمح، ثم انتزع رمحه، فذهب بالرجل علوا في السماء حتى والله ما أراه، وكان الرجل الذي قتله من كلاب، فأتى الضحاك بن سفيان الكلابي فأسلم، وقال: دعاني إلى الإسلام ما رأيت من مقتل عامر بن فهيرة ومن رفعه إلى السماء علوا، فكتب الضحاك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه وما رأى من مقتل عامر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الملائكة وارت جثته، وأنزل في عليين". قال البيهقي: والحديث أخرجه البخاري في الصحيح، وقال في آخره: "ثم وضع". وفي مغازي موسى بن عقبة قال عروة بن الزبير: "لم يوجد جسد عامر، يرون أن الملائكة وارته". ولأحمد وغيره عن عمرو بن أمية الضمري: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه عينا وحده. فال: فجئت إلى خشبة خبيب، فرقيت فيها وأنا أتخوف العيون فأطلقته فوقع بالأرض، ثم اقتحمت فانتبذت غير بعيد، ثم التفت فلم أر خبيبا، فكأنما ابتلعته الأرض. فلم ير لخبيب أثر حتى الساعة". وللنسائي وغيره عن جابر: "أن طلحة أصيبت أنامله يوم أحد، فقال: حس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قلت: بسم الله. لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جو السماء". وأخرج ابن عساكر من طرق عن عطاء الخراساني: "أن أويسا القرني أصابه البطن في سفر فمات، فوجد في جرابه ثوبان ليسا من ثياب الدنيا".

وفي رواية: "ليسا مما ينسج بنو آدم، وذهب رجلان ليحفرا له قبرا فجاءا فقالا: قد أصبنا قبرا محفورا في صخرة، كأنما رفعت الأيدي عنه الساعة. فكفنوه ودفنوه، ثم التفتوا فلم يروا شيئا". وأخرجه أحمد في الزهد عن عبد الله بن سلمة، وفي آخره: "فقال بعضنا لبعض: لو رجعنا فعلمنا قبره، فرجعنا فإذا لا قبر ولا أثر". أخرج ابن أبي شيبة عن هذيل قال: "أرواح آل فرعون في جوف طير سود، تغدو وتروح على النار، فذلك عرضها". وأخرج اللالكائي وغيره عن ابن مسعود قال: "أرواح آل فرعون في أجواف طير سود، فيعرضون على النار كل يوم مرتين، فيقال لهم: هذه داركم، فذلك قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} 1". ولابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن زيد في الآية قال: "فهم اليوم يغدى بهم ويراح إلى أن تقوم الساعة". وللشيخين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة" 2. وللالكائي الحديث بلفظ: "ما من عبد يموت إلا وتعرض روحه" إلخ. ولهناد عنه مرفوعا: "إن الرجل ليعرض عليه مقعده من الجنة والنار غدوة وعشية في قبره".

_ 1 سورة غافر آية: 46. 2 البخاري: الجنائز (1379) , ومسلم: الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2866) , والترمذي: الجنائز (1072) , والنسائي: الجنائز (2070 ,2071 ,2072) , وابن ماجه: الزهد (4270) , وأحمد (2/16 ,2/50 ,2/113 ,2/123) , ومالك: الجنائز (564) .

وللبيهقي عن أبي هريرة: "أنه كان له صرختان في كل يوم غدوة وعشية، كان يقول في أول النهار: ذهب الليل وجاء النهار، وعرض آل فرعون على النار، فلا يسمع صوته أحد إلا استعاذ بالله من النار، فإذا كان العشي، فذكر مثله". ولأحمد وغيره عن أنس مرفوعا: "إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيرا استبشروا، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا" 1.وللطيالسي معناه من حديث جابر. ولابن المبارك وغيره عن أبي أيوب قال: "تعرض أعمالكم على الموتى، فإن رأوا حسنة فرحوا، وإن رأوا سيئة قالوا: اللهم راجع به". ولابن أبي شيبة وغيره عن إبراهيم بن ميسرة قال: "غزا أبو أيوب القسطنطينية، فمر بقاص وهو يقول: إذا عمل العبد العمل في صدر النهار، عرض على معارفه إذا أمسى من أهل الأخرى، وإذا عمل العمل في آخر النهار، عرض على معارفه إذا أصبح من أهل الأخرى، فقال أبو أيوب: انظر ما تقول، فقال: والله إنه لكما أقول، فقال أبو أيوب: اللهم إني أعوذ بك أن تفضحني عند عبادة بن الصامت وسعد بن عبادة بما عملت بعدهما، فقال القاص: والله لا يكتب الله ولايته لعبد إلا ستر عوراته، وأثنى عليه بأحسن عمله". وللبيهقي وغيره عن النعمان بن بشير مرفوعا: "الله الله في إخوانكم من أهل القبور، فإن أعمالكم تعرض عليهم".

_ 1 أحمد (3/164) .

ولابن أبي الدنيا وغيره عن أبي هريرة مرفوعا: "لا تفضحوا موتاكم بسيئات أعمالكم، فإنها تعرض على أوليائكم من أهل القبور". وله عن أبي الدرداء: أنه كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك أن يمقتني خالي عبد الله بن رواحة إذا لقيته". ولابن المبارك وغيره عنه: "إن أعمالكم تعرض على موتاكم، فيسرون ويساؤون، ويقول: اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملا يخزى به عبد الله بن رواحة". وله عن عثمان بن عبد الله بن أوس: أن سعيد بن جبير قال: "استأذن على ابنة أخي - وهي زوجة عثمان، وهي ابنة عمرو بن أوس - فاستأذن له عليها، فدخل فقال: كيف يفعل بك زوجك؟ قالت: إنه إلي لمحسن ما استطاع. فقال: أحسن إليها، فإنك لا تصنع بها شيئا إلا جاء عمرو بن أوس، فقلت: وهل يأتي الأموات أخبار الأحياء؟ قال: نعم، ما من أحد له حمو إلا ويأتيه أخبار أقاربه، فإن كان خيرا سر به وفرح وهنئ به، وإن كان شرا ابتأس وحزن، حتى إنهم ليسألون عن الرجل قد مات، فيقال: أولم يأتكم؟ فيقولون: لا، خولف به إلى أمه الهاوية". ولأبي نعيم عن ابن مسعود قال: "صل من كان أبوك يصل، فإن صلة الميت في قبره أن تصل من كان أبوك يواصله". ولابن حبان عن ابن عمر مرفوعا: "من أحب أن يصل أباه في قبره، فليصل إخوان أبيه بعده". وله ولأبي داود عن أبي أسيد قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه

وسلم فقال: يا رسول الله، هل بقي علي من بر والدي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، أربع خصال بقيت عليك: الدعاء والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما". وللترمذي وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" 1. ولأحمد وغيره عن جابر: "أن رجلا مات وعليه دين: ديناران، فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فتحملهما أبو قتادة، فصلى عليه، ثم قال له بعد ذلك بيوم: ما فعل الديناران؟ قال: إنما مات أمس، فعاد إليه من الغد؟ فقال: قضيتهما، فقال: الآن بردت عليه جلدته". وله عن سعد بن الأطول قال: "مات أبونا، وترك ثلاثمائة درهم وعيالا ودينا، فأردت أن أنفق على عياله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أباك محبوس بدينه، فاقض عنه". وللطبراني عن البراء مرفوعا: "صاحب الدين مأسور بدينه، يشكو إلى الله الوحدة". وله عن أنس قال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم وأتي برجل يصلي عليه، فقال: هل على صاحبكم دين؟ قالوا: نعم، فقال: وما ينفعكم أن أصلي على رجل روحه مرتهن في قبره، لا يصعد روحه إلى السماء، فلو ضمن رجل دينه قمت فصليت عليه، فإن صلاتي تنفعه ".

_ 1 الترمذي: الجنائز (1078) , وابن ماجه: الأحكام (2413) , وأحمد (2/440 ,2/475) , والدارمي: البيوع (2591) .

وله عن سمرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح، فقال: أهاهنا أحد من بني فلان؟ فإن صاحبكم قد احتبس بباب الجنة بدين عليه، فإن شئتم فأدوه، وإن شئتم فأسلموه إلى العذاب". وأخرج أبو الشيخ عن قيس بن قبيصة مرفوعا: "من لم يوص لم يؤذن له في الكلام مع الموتى قيل: يا رسول الله، وهل يتكلم الموتى؟ قال: نعم، ويتزاورون". وروى ابن منده بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} 1 قال: "تلتقي أرواح الأحياء والأموات في المنام، فيتساءلون بينهم، فيمسك الله أرواح الموتى، ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها". ولابن أبي حاتم عن السدي قال: {والتي لم تمت في منامها} قال: يتوفاها في منامها، قال: فتلتقي روح الحي وروح الميت، فتتذاكران وتتعارفان، قال: فترجع روح الحي إلى جسده في الدنيا إلى بقية أجلها في الدنيا، قال: وتريد روح الميت أن ترجع إلى جسده فتحبس". وللحاكم في المستدرك وغيره عن كثير بن الصلت قال: "أغفي على عثمان في اليوم الذي قتل فيه، فاستيقظ، فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي هذا، فقال: إنك شاهد معنا الجمعة". وله عن ابن عمر: "أن عثمان أصبح، فحدث، فقال: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم الليلة في المنام، "فقال يا عثمان، أفطر عندنا" فأصبح عثمان صائما، فقتل من يومه".

_ 1 سورة الزمر آية: 42.

وله عن حسين بن خارجة قال: "ولما جاءت الفتنة الأولى، أشكلت علي، فقلت: اللهم أرني من الحق أمرا أمسك به، فأريت فيما يرى النائم الدنيا والآخرة، وإذا بينهما حائط غير طويل، وإذا أنا تحته، فقلت: لو تسفلت هذا الحائط حتى أنظر إلى قتلى أشجع فيخبروني، قال: فانهبطت بأرض ذات شجر، وإذا بنفر جلوس، فقلت: أنتم الشهداء؟ فقالوا: نحن الملائكة، قلت: فأين الشهداء؟ قالوا: تقدم إلى الدرجات، فارتفعت درجة الله أعلم بها من الحسن والسعة، فإذا أنا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وإذا إبراهيم شيخ، وإذا هو يقول لإبراهيم: استغفر لأمتي، وإبراهيم يقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، أهراقوا دماءهم، وقتلوا إمامهم، فهلا فعلوا كما فعل سعد خليلي، فقلت: والله لقد رأيت رؤيا لعل الله أن ينفعني بها، أذهب فأنظر مكان سعد، فأكون معه، فأتيت سعدا، فقصصت عليه القصة، فما أكثر بها فرحا، وقال: لقد خاب من لم يكن إبراهيم خليله، قلت: مع أي الطائفتين أنت؟ قال: ما أنا مع واحد منهما، قلت فما تأمرني؟ قال: ألك غنم؟ قلت: لا; قال: فاشتر شيئا، فكن فيها، حتى تنجلي". وله عن أم سلمة: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام يبكي وعلى رأسه ولحيته التراب فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال شهدت قتل الحسين آنفا". وأخرج أبو نعيم وغيره عن عطاء الخراساني قال: حدثتني ابنة ثابت بن قيس بن شماس: "أن ثابثا قتل يوم اليمامة، وعليه درع له نفيسة، فمر به رجل من المسلمين، فأخذها، فبينما رجل من المسلمين نائم، إذ أتاه

ثابت في منامه، قال: أوصيك بوصية فإياك أن تقول: هذا حلم فتضيعه، إنني لما قتلت أمس، مر بي رجل من المسلمين، فأخذ درعي، ونزل في أقصى الناس، وعند خبائه فرس يستن في طوله، وقد أكفأ على الدرع برمة، وفوق البرمة رحل، فأت خالد بن الوليد، فمره فليبعث إلى درعي فيأخذها، وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني أبا بكر الصديق - فقل له: إن علي من الدين كذا، وفلان من رقيقي عتيق وفلان، فأتى الرجل خالدا فأخبره، فبعث إلى الدرع، فأتي بها، وحدث أبا بكر برؤياه، فأجاز وصيته، قال: ولا نعلم أحدا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت". وللحاكم عن معمر قال: حدثني شيخ لنا: "أن امرأة جاءت إلى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ادعي الله أن يطلق لي يدي، قالت: وما شأن يدك؟ قالت: كان لي أبوان، فكان أبي كثير المال والمعروف، ولم يكن عند أمي شيء من ذلك، ولم أرها تصدقت بشيء غير أنا نحرنا بقرة، فأعطت مسكينا شحمة، وألبسته خرقة، فماتت أمي ومات أبي، فرأيت أبي على نهر يسقي الناس، فقلت: يا أبتاه، هل رأيت أمي؟ قال: لا، فذهبت ألتمسها، فوجدتها قائمة عريانة ليس عليها إلا تلك الخرقة، وفي يدها تلك الشحمة، وهي تضرب بها في يدها الأخرى، ثم تمص أثرها، وتقول: واعطشاه، فقلت: يا أمه، ألا أسقيك؟ قالت: بلى، فذهبت إلى أبي، وأخذت من عنده إناء، فسقيتها، فنبه بي بعض من كان عندها قائما، فقال: من سقاها؟ شل الله يده، فاستيقظت وقد شلت يدي".

وللحاكم في المستدرك وغيره عن ابن عمر قال: "لقي عمر عليا فقال: يا أبا الحسن، الرجل يرى الرؤيا، فمنها ما يصدق، ومنها ما يكذب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد ولا أمة ينام فيمتلئ نوما، إلا يعرج بروحه إلى العرش، فالذي لا يستيقظ إلا عند العرش فتلك الرؤيا التي تصدق، والذي يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تكذب". ورواه ابن منده بإسناده عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: "لقي عمر عليا فقال: يا أبا الحسن، ربما شهدت وغبنا، وربما شهدنا وغبت، ثلاث أسألك عنهن، فهل عندك منهن علم؟ فقال: وما هن؟ قال: الرجل يحب الرجل ولم ير منه خيرا، والرجل يبغض الرجل ولم ير منه شرا، قال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الأرواح جنود مجندة، تلتقي في الهواء فتشام، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، قال عمر: واحدة، قال عمر: والرجل يحدث الحديث إذ نسيه، فبينما هو قد نسيه إذ ذكره، فقال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، فبينما القمر يضيء، إذ تجللته سحابة فأظلم، إذ تجلت عنه فأضاء، وبينما القلب يتحدث، إذ تجللته سحابة فنسي، إذ تجلت عنه فذكر. فقال عمر: اثنتان، قال: والرجل يرى الرؤيا، فذكر نحو ما تقدم. فقال عمر: ثلاث كنت في طلبهن، فالحمد لله الذي أصبتهن قبل الموت". ورواه من وجه آخر عن ابن أبي طلحة: "أن ابن عباس سأل عمر: مم يذكر الرجل، ومم ينسى؟ فذكر نحو ما تقدم، ومم تصدق الرؤيا،

ومم تكذب؟ قال: فإن الله يقول: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} 1 فمن دخل منها في ملكوت السماء فهي التي تصدق، وما كان منها دون ملكوت السماء فهي التي تكذب". ولابن أبي حاتم بإسناده عن سليم بن عامر: "أن عمر قال لعلي: أعجب من رؤيا الرجل، أنه يبيت فيرى الشيء لم يخطر على باله، فيكون كأخذ باليد، ويرى الرجل الشيء، فلا تكون رؤياه شيئا، فقال: أفلا أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين، إن الله يقول: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} 2 الآية، فالله يتوفى الأنفس كلها، فما رأت وهي عنده في السماء فهي الرؤيا الصادقة، وما رأت إذا أرسلت إلى أجسادها، تلقتها الشياطين في الهواء، فكذبتها، فأخبرتها بالأباطيل وكذبت فيها". قال ابن منده: هذا خبر مشهور عن صفوان وغيره، يعني الذي رواه عن سليم. قال: وروي عن أبي الدرداء: "إذا نام الإنسان عرج بروحه، حتى يؤتى بها العرش، فإن كان طاهرا، أذن لها بالسجود، وإن كان جنبا لم يؤذن لها بالسجود" ورواه ابن المبارك أيضا. وللبيهقي عن ابن عمرو معناه، وقال: "ومن كان ليس بطاهر سجد بعيدا عن العرش". وقال عكرمة ومجاهد: "إذا نام الإنسان كان له سبب تجري فيه الروح وأصله في الجسد، فتذهب حيث شاء الله، فما دام ذاهبا فالإنسان نائم، فإذا رجع إلى البدن انتبه الإنسان وكان بمنزلة شعاع، هو ساقط بالأرض وأصله متصل بالشمس".

_ 1 سورة الزمر آية: 42. 2 سورة الزمر آية: 42.

وللطبراني عن ابن عمرو قال: "أغمي على عبد الله بن رواحة، فقامت الناعية، فدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقد أفاق، فقال: يا رسول الله، أغمي علي فصاحت النساء: واعزاه واجبلاه، فقام ملك معه مرزبة فجعلها بين رجلي، فقال: أنت كما تقول؟ قلت: لا، ولو قلت: نعم، ضربني بها". وللحاكم وصححه عن النعمان قال: "أغمي على ابن رواحة، فجعلت أخته عمرة تبكي: واحياه واكذا. تعد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي، أنت كذا؟ ". ولابن أبي شيبة وغيره عن قيلة بنت مخرمة: "أنها ذكرت عند النبي صلى الله عليه وسلم ولدا لها مات، ثم بكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفا، فإذا مات استرجع؟ فوالذي نفس محمد بيده، إن أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه، فيا عباد الله، لا تعذبوا موتاكم". ولسعيد عن ابن مسعود: "أنه رأى نسوة في جنازة، فقال: ارجعن مأزورات غير مأجورات، إنكن لتفتن الأحياء وتؤذين الأموات". وللديلمي عن عاثشة مرفوعا: "الميت يؤذيه في قبره ما يؤذيه في بيته". وروى ابن معين عن الحسن: "إن من شر الناس للميت أهله يبكون عليه ولا يقضون دينه". وعن ابن مسعود: "أنه سئل عن الوطء على القبر، فقال: كما أكره أذى المؤمن في الحياة فإني أكره أذاه بعد موته، " أخرجه سعيد.

ولابن أبي شيبة عنه: "أذى المؤمن بعد موته كأذاه في حياته". ولابن أبي الدنيا عن سليم بن عمير: "أنه مر على مقبرة وهو حاقن، فقيل له: لو نزلت فبلت؟ فقال: سبحان الله! والله إني لأستحيي من الأموات كما أستحيي من الأحياء". ولابن أبي شيبة والحاكم عن عقبة بن عامر الصحابي قال: "لأن أطأ على جمرة أو على حد سيف حتى تخطف رجلي أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أفي القبور قضيت حاجتي أم في السوق بين ظهرانيه والناس ينظرون" وأخرجه ابن ماجه من حديثه مرفوعا. وللطبراني والحاكم عن عمارة بن حزم قال: "رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على قبر، فقال: يا صاحب القبر، انزل من على القبور، لا تؤذ صاحب القبر ولا يؤذيك ". ولأبي نعيم عن أبي سعيد مرفوعا: "إذا قبض الله، روح عبده المؤمن صعد ملكاه إلى السماء، فقالا: ربنا وكلتنا بعبدك المؤمن بقبض عمله، وقد قبضته إليك، فائذن لنا أن نسكن السماء، فقال: سمائي مملوءة من ملائكتي يسبحوني، ولكن قوما على قبر عبدي فسبحاني وهللاني وكبراني إلى يوم القيامة، واكتباه لعبدي". وأخرجه ابن أبي الدنيا وغيره من حديث أنس. ولأبي نعيم وغيره عن ثابت البناني قال: "إذا وضع الميت في قبره احتوشته أعماله الصالحة، وجاء ملك العذاب، فيقول له بعض أعماله: إليك عنه، فلو لم يكن إلا أنا لما وصلت إليه".

وللبزار والحاكم عن أنس مرفوعا: "لكل إنسان ثلاثة أخلاء، أما خليل فيقول له: ما أنفقت فلك، وما أمسكت فليس لك. فذاك ماله، وأما خليل فيقول: أنا معك، فإذا أتيت باب الملك تركتك ورجعت.. فذاك أهله وحشمه، وأما خليل فيقول: أنا معك حيث دخلت وحيث خرجت، فذاك عمله، فيقول: إن كنت لأهون الثلاثة علي". وللشيخين عنه مرفوعا: "إذا مات العبد تبعه ثلاثة: فيرجع اثنان، ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى عمله" 1. ولابن منده عن عمرو بن مرة قال: "إذا دخل الإنسان قبره، فيجيء مالك عن شماله، فيجيء القرآن فيمنعه، فيقول: مالي ولك، فوالله ما كان يعمل بك، في قول: أو ليس كنت في جوفه؟ فلا يزال حتى ينجي صاحبه". ولمسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له" 2. ولأحمد عن أبي أمامة مرفوعا: "أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: مرابط في سبيل الله" 3 وذكر نحو ما تقدم. ولمسلم من حديث جرير: "من سن سنة حسنة، ومن سن سنة سيئة". ولابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعا: "إن مما يلحق المؤمن من حسناته بعد موته: علما نشره، أو ولدا صالحا يدعو له، أو مصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته، تلحقه بعد موته".

_ 1 البخاري: الرقاق (6514) , ومسلم: الزهد والرقائق (2960) , والترمذي: الزهد (2379) , والنسائي: الجنائز (1937) , وأحمد (3/110) . 2 مسلم: الوصية (1631) , والترمذي: الأحكام (1376) , والنسائي: الوصايا (3651) , وأبو داود: الوصايا (2880) , وأحمد (2/372) , والدارمي: المقدمة (559) . 3 أحمد (5/260) .

ولأبي نعيم في حديث أنس: "سبع يجري للعبد أجرها بعد موته: من علم علما، أو أجرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، أو ورث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته". وللطبراني عن ثوبان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، واجعلوا زيارتكم لها صلاة عليهم واستغفارا لهم". ولأبي نعيم عن ابن طاوس: "قلت لأبي: ما أفضل ما يقال عند الميت؟ قال: الاستغفار". وللبيهقي في سننه عن أبي هريرة مرفوعا: "إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رب أنى لي هذه؟ فيقال: بدعاء ولدك لك" 1 وأخرجه البخاري في الأدب عنه موقوفا. وللبيهقي وغيره عن ابن عباس مرفوعا: "ما الميت في قبره إلا شبه الغريق المتغوث، ينتظر دعوة تلحقه من أب أو أم أو ولد أو صديق، فإذا لحقته كانت أحب إليه من الدنيا وما فيها، وإن الله ليدخل على أهل القبور من دعاء أهل الأرض أمثال الجبال، وإن هدية الأحياء إلى الأموات الاستغفار لهم" قال: قال الحسين بن علي الحافظ: هذا غريب من حديث ابن المبارك، لم يقع عند أهل خراسان. ولابن أبي شيبة عن الحسن قال: "بلغني أن في كتاب ابن آدم: ثنتان جعلتهما لك ولم يكونا لك، وصية في مالك بالمعروف وقد صار الملك لغيرك، ودعوة المسلمين لك وأنت في منزل لا تستعتب فيه من شيء، ولا تزيد في حسن". وللدارمي في مسنده عن ابن مسعود قال: "أربع يعطاهن الرجل بعد موته: ثلث ماله إذا كان فيه قبل ذلك مطيعا، والولد الصالح.

_ 1 أحمد (2/509) .

يدعو له من بعد موته، والسنة الحسنة يسنها الرجل فيعمل بها بعد موته، والمائة إذا شفعوا في الرجل شفعوا فيه". وللطبراني عن ابن عمرو مرفوعا: "إذا تصدق أحدكم بصدقة تطوعا فليجعلها عن أبويه، فيكون لهما أجرها، ولا ينقص من أجره شيئا". وللديلمي نحوه من حدوث معاوية بن حيدة. ولابن أبي شيبة عن أبي جعفر قال: "كان الحسن والحسين يعتقان عن علي بعد موته". وله عن الحجاج بن دينار مرفوعا: "إن من البر بعد البر أن تصلي عليهما مع صلاتك، وأن تصوم عنهما مع صيامك، وأن تصدق عنهما مع صدقتك". وأخرج سعد الزنجاني عن أبي هريرة مرفوعا: "من دخل المقابر ثم قرأ فاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد، وألهاكم التكاثر، ثم قال: إني جعلت ثواب ما قرأت من كلامك لأهل المقابر من المؤمنين والمؤمنات، كانوا شفعاء له إلى الله تعالى". وأخرج عبد العزيز صاحب الخلال بسنده عن أنس مرفوعا: "من دخل المقابر، فقرأ سورة يس، خفف الله عنهم، وكان له بعدد من فيها حسنات". أخرج أبو نعيم عن ابن مسعود مرفوعا: "من وافق موته عند انقضاء رمضان دخل الجنة، ومن وافق موته عند انقضاء عرفة دخل الجنة، ومن وافق موته عند انقضاء صدقة دخل الجنة". ولأحمد عن حذيفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال: لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها، دخل الجنة، ومن صام يوما

ابتغاء وجه الله ختم له به، دخل الجنة، ومن تصدق يوما بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها، دخل الجنة" 1. ولأبي نعيم عن خيثمة: "كان يعجبهم أن يموت الرجل عند خير يعمله، إما حج، وإما عمرة، وإما غزوة، وإما صيام رمضان". أخرج النسائي وابن حبان في صحيحة عن أبي أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت". ولابن عساكر عن زيد بن أرقم مرفوعا: "يقول الله: توسعت على عبادي بثلاث خصال: بعثت الدابة على الحبة، ولولا ذلك لكنزها ملوكهم كما يكنزون الذهب والفضة، وتغير الجسد من بعد الموت، ولولا ذلك لما دفن حميم حميمه، وأسليت حزن الحزين، ولولا ذلك لم يكن يسلو". ولمسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: "ليس من الإنسان شيء إلا يبلى، إلا عظم واحد، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة" 2. وفي رواية "منه خلق، ومنه يركب " ولأبي داود وغيره عن أوس بن أوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أكثروا من الصلاة علي في يوم الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت - يعني بليت -؟ فقال: إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء " 3. ولابن ماجه عن أبي الدرداء مرفوعا: "إن أحدا لن يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حين يفرغ منها" 4.

_ 1 أحمد (5/391) . 2 البخاري: تفسير القرآن (4935) , ومسلم: الفتن وأشراط الساعة (2955) , وأحمد (2/315 ,2/499) , ومالك: الجنائز (565) . 3 ابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1085) . 4 ابن ماجه: ما جاء في الجنائز (1637) .

وللطبراني عن ابن عمرو مرفوعا: "المؤذن المحتسب كالشهيد المتشحط في دمه، وإذا مات لم يدود في قبره". ولعبد الرزاق في المصنف عن مجاهد قال: "المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة ولا يدودون في قبورهم". ولابن منده عن جابر مرفوعا: "إذا مات حامل القرآن أوحى الله إلى الأرض أن لا تأكل لحمه، فتقول الأرض: أي رب، كيف آكل لحمه وكلامك في جوفه" قال: وفي الباب أبو هريرة وابن مسعود. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن بريدة قال: "لقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم وما يعلم الروح". وله عن ابن عباس في قوله: {الله يتوفى الأنفس} الآية قال: "نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس، فيتوفى النفس في منامه، ويدع الروح في جوفه، فيتقلب ويعيش، فإن بدا لله أن يقبضه قبض الروح فمات، وإن أخر أجله رد النفس إلى مكانها من جوفه". ولابن منده عن ابن عباس قال: "ما تزال الخصومة بين الناس حتى تخاصم الروح الجسد فتقول الروح للجسد: أنت فعلت، ويقول الجسد للروح: أنت أمرت وأنت سولت، فيبعث الله ملكا يقضي بينهما، فيقول لهما: إن مثلكما كمثل رجل مقعد وآخر ضرير دخلا بستانا، فقال المقعد للضرير: إني أرى هاهنا ثمارا ولكن لا أصل إليها، فقال له الضرير: اركبني فركبه فتناولها، فأيهما المعتدي؟ فيقولان: كلاهما، فيقول لهما الملك: إنكما قد حكمتما على أنفسكما".

انتهى، والحمد لله رب العالمين

وللدارقطني عن أنس مرفوعا معناه، وله شاهد عن سلمان موقوفا أخرجه عبد الله في زوائد الزهد، ولفظه: "مثل القلب والجسد مثل أعمى ومقعد". وأخرج الخطيب عن محمد بن حاتم الخواص قال: "رأيت يحيى بن أكثم في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: أوقفني بين يديه، وقال: يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك بالنار. فأخذني ما يأخذ العبد بين يدي مولاه، فلما أفقت قال لي: يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك بالنار فأخذني ما يأخذ العبد بين يدي مولاه. فلما أفقت قال: يا شيخ السوء، فذكر في الثالثة مثل الأوليين، فلما أفقت، قلت: يا رب، ما هكذا حدثت عنك، فقال الله تعالى: ما حدثت عني؟ وهو أعلم بذلك. قلت: حدثني عبد الرزاق بن همام قال: حدثنا معمر بن راشد عن ابن شهاب الزهري عن أنس بن مالك عن نبيك صلى الله عليه وسلم عن جبريل عنك يا عظيم أنك قلت: ما شاب لي عبد في الإسلام شيبة إلا استحييت منه أن أعذبه بالنار، فقال الله: صدق عبد الرزاق، وصدق معمر، وصدق الزهري، وصدق أنس، وصدق نبيي، وصدق جبريل، أنا قلت ذلك، انطلقوا به إلى الجنة". انتهى، والحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، والحمد لله رب العالمين.

§1/1