أحكام انفرد بها النساء عن الرجال

محمد حسن عبد الغفار

جواز لبس الحرير والذهب

أحكام انفرد بها النساء عن الرجال - جواز لبس الحرير والذهب اتفق العقلاء في الكون أن هناك تغايراً وتبايناً بين الرجل والمرأة وإن قال بغير ذلك أصحاب الفطر المنكوسة، ولأن الشرع عام فقد راعى الفروق بين الرجل والمرأة، فشرع أحكاماً عامة للرجال والنساء، وشرع أحكاماً أخرى وجعلها للرجال خاصة وأخرى خصها بالنساء، وحاشا أن يكون ذلك عبثاً؛ بل إنه عين الحكمة والرحمة، ومراعاة للفطر والاستعدادات المختلفة بين الجنسين التي لا يجحدها إلا معاند جاهل، زاغ قلبه عن الحق فاتبع هواه.

أحكام انفرد بها النساء عن الرجال

أحكام انفرد بها النساء عن الرجال إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فقد سئل ابن عيينة: من أحوج الناس للعلم؟ قال: العالم. فكانت وجهة نظر ابن عيينة أن خطأ العالم وزلته أقبح وأفحش من خطأ العامي وزلته, فقال: أحوج الناس إلى طلب العلم العالم، وهذا الذي سطره الحافظ ابن حجر في الفتح فقال: لا يزال العالم عالماً ما جد في الطلب، وهذا كان دأب سلفنا الصالح، إذ ما كان أحدهم يكتفي من العلم بحال من الأحوال, وقد وصل بهم التنافس إلى أن زعم البعض أن البخاري يأخذ دواء عدم النسيان، فلما سئل عن ذلك قال: أنا لا آخذ دواءً إنما هي كثرة المطالعة وشدة النهم. فطالب العلم لا ينفك عن القراءة أو عن السماع أو عن المدارسة أو عن المذاكرة، إما مع شيخ أو مع قرين أو مع تلميذ، فحياة طالب العلم ودأبه أن يبيت في علم ويقوم في علم، فهو يعلم أن الدنيا بلا علم لا تساوي شيئاً، إذ الإنسان لا يعبد ربه جل في علاه إلا بالعلم بل بإتقان العلم، نسأل الله جل في علاه أن يجعلنا من طلبة العلم الذين يجدون في الطلب. وسنتكلم في طيات هذه الوريقات عن هذا البحث المتواضع بحث: أحكام انفرد بها النساء عن الرجال، وسنتناول إن شاء الله لبس الحرير والذهب، كما سنتناول حكم افتراش الحرير وأقوال أهل العلم في حكم بيع سجاد الحرير وغير ذلك مما يمكن أن يتعلق بالنساء.

الأصل في الأحكام العموم

الأصل في الأحكام العموم معلوم أن الأصل في التشريع العموم، فالله جل في علاه خلق الخلق وهداهم هداية عامة وهداية خاصة وهداية أخص, فالهداية العامة كهداية الرجل كيف يأتي أهله، وهدايته كيف يتعايش في هذه الدنيا, أما الهداية الخاصة فهي هداية الدلالة والبيان، إذ أن الله خلق الخلق وبين لهم طريق الخير وشرع لهم الشرائع، والأصل في الأحكام التي تصدر عن الخالق جل في علاه أن تكون أحكاماً عامةً وليست خاصة، فلا تختص بعين ولا برجل ولا بامرأة ولا بطفل ولا بغيره, بل إنها تعم كل المكلفين. وأدل الأدلة على ذلك ما يستدل به دائماً: قول الله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ} [الطلاق:1]، فمع أنه يخاطب ذات النبي إلا أنه يعمم في الأحكام، فيقول: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ} [الطلاق:1]، بلفظ الجمع فعمم الخطاب للأمة، وبذلك علم أن الأصل في التشريع: أن الأحكام على العموم تشمل النساء كما تشمل الرجال فلا خصوص لأحدهما دون الآخر، وقد قعد العلماء قاعدة مهمة لا تنفك عن طالب العلم، ولا يمكن أن يتركها أو أن يحيد عنها بل لا بد أن يتقنها، ألا وهي: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذه تدل على سعة الشريعة كما تدل على أن الأحكام على العموم؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فهذا أوس بن الصامت نزلت فيه آية الظهار، والظهار هو: أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي. وآية الظهار هي: قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ} فهذه المرأة وهي خولة جاءت تشتكي للنبي صلى الله عليه وسلم أن زوجها قال لها: أنت علي كظهر أمي، وكان هذا الكلام في الجاهلية بمثابة الطلاق، وبينما هي تشتكي أنزل الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1]، فهذه الآيات لم يقل أحد من المسلمين أنها خاصة بـ أوس فقط أو بصخر فقط أو بفلان فقط, بل هي عامة لكل مسلم، فعلى كل من ظاهر امرأته ويريد الرجوع الكفارة؛ لأنه قد أتى منكراً من القول وزوراً, وبذلك علم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومثل ذلك أيضاً ما حدث لـ هلال بن أمية كما جاء في الصحيح أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الرجل إذا رأى على امرأته رجلاً ماذا يفعل؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة أو حد في ظهرك) وهو يعاود وينكر ذلك في نفسه حتى قال: إن الله جل في علاه سيظهر براءتي أو يظهر ما أنا فيه، فأنزل الله آية اللعان، ومع أنها نزلت في هلال بن أمية إلا أنه لم يقل أحد من العامة أو الخاصة أن هذه الآية تخص هلالاً فقط، بل هي عامة لكل من يلاعن امرأته، فتأكد أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فهمنا وعلمنا الأخذ بهذه القاعدة قولاً وفعلاً، أما القول: فقد جاء في صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله! طهرني! أقم علي الحد! إني قبلت امرأة -وفي رواية في السنن- قال: أتيت من المرأة ما يأتي الزوج من زوجه إلا الوطء -أي: الجماع، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ينتظر الوحي ثم صلى, فصلى الرجل مع النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عليه آيات كريمات فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم! صليت معنا؟ فقال: نعم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم قارئاً له هذه الآية العظيمة): {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السيئات) [هود:114]، والشاهد هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن نأخذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب بالقول، فقال له الرجل: يا رسول الله! لي خاصة -يعني: هذا خاص بي، فإني لما فعلت ذلك أنزل الله جل وعلا في ذلك وهو أني لو صليت فإن الحسنات تذهب السيئات، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم -وهي قاعدة عامة لكل المكلفين- قال: (بل لأمتي عامة) فبينما نزلت الآية في هذا الرجل خاصة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وهذا من ناحية القول، أما الفعل: فقد جاء في الصحيح وفي غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب زائراً لـ فاطمة رضي الله عنها وأرضاها وعلي بن أبي طالب فكانا نائمين فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تصليان في الليل، فقال علي بن أبي طالب: يارسول الله! إن أنفسنا بيد الله فإن شاء بعثنا وإن شاء لم يبعثنا، فولى النبي صلى الله عليه وسلم ظهره له وضرب على فخذه وقرأ قول الله تعالى: {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف:54] فدل فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفهم الناس وأعلم الناس بمراد رب الناس إذ هو رسول رب الناس إلى الناس صلى الله عليه وسلم: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ووجه الدلالة في هذه الآية: أنها جاءت بعد قوله تعالى: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا * وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا * وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [الكهف:52 - 53]، فالسياق في الآيات يتحدث عن الكفار، إذ أنها نزلت فيهم فلو كانت العبرة بخصوص السبب لم يصح الاحتجاج بها إلا على كل مجادل يخاصم في توحيد الله جل في علاه، لكن لما كانت العبرة بعموم اللفظ خاطب النبي صلى الله عليه وسلم علياً بها واحتج عليه بها، وهو سيد الموحدين ورابع الخلفاء الراشدين، وبذلك يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب, فبالرغم أن علياً موحد والآية نزلت في الكفار إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم يعمم مفهوم الآية ويقول لـ علي بن أبي طالب ما معناه: تجادلني في ذلك، نعم! الأرواح بيد الله، وهذا قضاء، فلم تحتج بالقضاء؟ ولو أخذت بالسبب في القيام فقلت لأحد من أهلك أن يوقظك في الليل حتى تصلي, وكأنه لما جادل علي بن أبي طالب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أرواحنا بيد الله فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف:54] اعتبر ذلك تأويلاً من النبي صلى الله عليه وسلم لهذا القرآن على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. إذاً: فالأحكام نزلت عامة تعم كل المكلفين، وعلى ذلك جماهير الأصوليين والعلماء والأئمة الأربعة يقولون: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

اعتراض والرد عليه

اعتراض والرد عليه وقد يعترض معترض على هذه القاعدة بما جاء في الصحيح: أن سالماً كان رجلاً كبيراً فتياً لما نزلت آية الحجاب وكان يدخل منزل أبي حذيفة وقد تقع عينه على زوجته فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي وتقول: كان يدخل علينا في الحر الشديد وأرى التغير في وجه أبي حذيفة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (أرضعيه يحرم عليك) سبق وأن تكلمنا: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالأحكام لا تنزل للأعيان والأشخاص فتختص بهم، بل هي عامة لجميع المكلفين وقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي حذيفة: (أرضعيه يحرم عليك) يستدل به على التأصيل الصحيح: أن كل إنسان يستطيع أن يرضع من امرأة فيكون محرماً لها، لكن أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة وجماهير الفقهاء والأصوليين قالوا: هذه حالة خاصة لـ سالم ولا تعمم على غيره، وحكي هذا القول عن كثير من الصحابة، بل كل نساء النبي صلى الله عليه وسلم قلن بأن هذه حالة خاصة سوى عائشة رضي الله عنها وأرضاها. فالأصل: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والأحكام على العموم إلا أن تأتي أدلة تثبت الخصوص، ومثال ما يوضح ذلك ما جاء في قول الله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النساء} فإنه عمم أولاً ثم لما أراد التخصيص أتى بدليل مستقل يدل على التخصيص فقال تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:50]، فلما أراد التخصيص صرح بقوله: خالصة، فكانت بمثابة الدليل المستقل؛ لأن الأصل الذي دلت عليه الأدلة: أن الأحكام كلها على العموم, فدل ذلك على أن التشريع يكون على العموم مالم تدل الأدلة على التخصيص، وفي حديث سالم ودخوله على امرأة أبي حذيفة قرائن وأدلة دلت على أن هذه حالة خاصة لـ سالم ومن تلك القرائن التي تدل على ذلك: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا رضاع إلا في الحولين) وهذا أسلوب حصر, يفيد أن الرضاع المحرم يكون في الحولين فقط، فالنفي والإثبات يفيد الحصر، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: (الرضاعة من المجاعة) فهذه دلالات تثبت أن حالة سالم حالة خاصة وهي الإجابة التي أجابها الأئمة الأربعة على الاعتراض بحديث سالم وبذلك تأكد أن الأصل في الأحكام: العموم وليس التخصيص, إلا أن الله قد خص النساء ببعض أحكام لم يشارك الرجال النساء فيها.

معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (النساء شقائق الرجال)

معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (النساء شقائق الرجال) أما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود بسند صحيح قوله: (النساء شقائق الرجال)، أي: في الأحكام، فهو يريد أن الله ما شرع حكماً للرجال إلا وأنزل تحته النساء, ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما رجل أدركته الصلاة فليصل) فلا يعني: أن المرأة لا تصلي إلا في المسجد أو مصلاها المعهود، وأن الرجل إذا أدركته الصلاة في أي أرض صلى، فهذا المفهوم غير مراد في الحديث، بل هذا على سبيل التمثيل أو التغليب؛ لأن السفر وقطع الفيافي من الرجال وليس من النساء، فالمعنى: أيما امرأة أيضاً ادركتها الصلاة في أي مكان فلها أن تتيمم ولها أن تصلي فقد جعلت لها الأرض مسجداً وطهوراً, فبذلك علم أن الأحكام على العموم إلا أن الله خص النساء ببعض الأحكام ومنها: لبس الحرير والذهب:

نسخ جواز لبس الذهب والحرير بالنسبة للرجال

نسخ جواز لبس الذهب والحرير بالنسبة للرجال ومعلوم أن الذهب كان حلالاً ثم نسخ حله بالنسبة للرجال، وهذا هو الأصل في كل لباس، والدليل على ذلك قول الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32]، فكان كل لباس حلالاً حريراً كان أو فضة أو ذهباً مالم يدل الدليل على التحريم كما دل الدليل على تحريم الذهب، وقد جاء التحريم مطلقاً ثم خصص النبي صلى الله عليه وسلم بالتحريم الرجال، كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب) يفسره حديث مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه قال: (رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً وفي يده خاتم من ذهب فأخذه فنزعه من أصبعه فطرحه ثم قال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في أصبعه أو في يده فطرحه في الأرض ومشى, فقال الناس: التقط وانتفع به) أي: خذه فبعه أو أعطه لامرأتك وانتفع به! فقال: لا والله لا آخذ شيئاً طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذاً: فهذه دلالات تبين لنا تحريم الذهب على الرجال، ومثله الحرير: فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار عليه عمر بن الخطاب أن يشتري ثوباً من حرير يقابل به الوفود قال: (هذا ثوب أو لباس من لا خلاق له) في الآخرة, ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته حلة سيراء هدية فأهداها لـ عمر فبكى عمر فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تهديني هذا وقد قلت ما قلته في هذا الزي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعطيتكها لا لتلبسها بل لتجعلها في نسائك أو تهديها) فأهداها عمر لأخ له مشرك في مكة, وجاء أيضاً عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير والجلوس عليه)، وقد ورد في حديث آخر (عن علي بن أبي طالب أنه قال: نهاني رسول صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير) ومثله أيضاً حديث حذيفة رضي الله عنه: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير) فهذه أدلة واضحة جداً في تحريم الذهب والحرير على الرجال والنساء؛ لأن الأصل في الأحكام العموم، إلا أنه جاءنا الدليل الذي جعلنا نحيد عن هذا التأصيل: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم خصص النساء من أحكام الرجال، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه أخذ الذهب بيده والحرير بيده وقال هذان حرام على ذكور أمتي حلال على إناثها) وهذا تصريح بالتخصيص، وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم خصص هذا الحكم فقد دل على أن النساء يحل لهن أن يرتدين الحرير من الثياب كما يحل لهن أن يرتدين الذهب كيف شئن، لكن بقيد وهو ألا تظهر هذه الزينة للأجانب؛ لأن الله جل في علاه يقول: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور:31]، فلها أن تتحلى بالحلي لزوجها فتمتع زوجها بالنظر إليها بما ترتدي من الثياب إلّم يكن فيها بغي أو أشر وبطر.

تخصيص المرأة بجواز لبس الحرير والتحلي بالذهب من حكمته تعالى ورحمته

تخصيص المرأة بجواز لبس الحرير والتحلي بالذهب من حكمته تعالى ورحمته وتخصيص المرأة بذلك دون الرجال من حكمة الله تعالى ورحمته بها؛ لأن النساء فيهن النقص ويكمل النقص بهذه الزينة، ولذا نرى كثيراً من المتزوجين إن اقترضوا فلا يقترضوا في الغالب إلا لشراء المساحيق وأدوات الزينة التي تطالب بها الزوجات، إذ المرأة تهتم كثيراً بزينتها، ولذا نبه النبي صلى الله عليه وسلم على أنهن ناقصات فقال: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين منكن) وقال تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18]، لكن الرجل لا يحتاج لهذا، فلا تجد رجلاً يحب أن يضع الروج على فمه، أو أن يرتدي سلسلة في رقبته كأصحاب الفطر المبدلة أو يضع الأسورة في يده, وإن كان يتمنى أن يكون وسيم امرأته لكن لا يحتاج إلى كل هذه الكماليات, فكان من حكمة الله ورحمته بالمرأة -وهي الكائن الضعيف- أن أباح لها الحلي والزينة وفتح لها المجال لتتحلى لزوجها بشرط ألا تبدي هذه الزينة للأجانب. وبعد أن بينا تلك القواعد والأحكام حق لنا أن نشرع في تفصيل ما صدرنا به هذا البحث من الوعد بأننا سنتحدث عن مسألتين:

مسائل خالف فيها الرجال النساء

مسائل خالف فيها الرجال النساء المسألة الأولى: لبس الذهب للنساء. والثانية: افتراش الحرير واتخاذه سجاداً أو فرش البيت منه أو اتخاذه كستائر فهل يجوز ذلك كله أم لا؟

لبس الذهب المحلق وغير المحلق

لبس الذهب المحلق وغير المحلق اختلف العلماء في لبس الذهب بالنسبة للمرأة على قولين:

القول الأول

القول الأول يجوز للمرأة أن تلبس الحلي من الذهب مطلقاً محلق وغير محلق, أسورة كان أو سلسلة، وهذا هو قول الجمهور, واحتجوا على ذلك بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا حرام على ذكور أمتي حلال على إناثها) وهذا على العموم، كما احتجوا بالأصل إذ الأصل في الأشياء: التحليل لا التحريم ما لم يأت دليل صريح صحيح ينقلنا عن هذا الأصل.

القول الثاني وأدلته

القول الثاني وأدلته وخالف في ذلك بعض أهل العلم كمحدث الدنيا من جدد لهذه الأمة دينها: الشيخ الألباني رحمة الله عليه، ذلك الجبل الذي كان من أساطين أهل العلم, وقد شرفنا الله بأن نعيش في زمان فيه هذا الشيخ رحمة الله عليه رحمة واسعة ومتع بعلومه ونفع الناس بها، فقال رحمه الله: يحرم الذهب على النساء سواء كان أسورة- أو حلقاً- أو خلخالاً، فلا يجوز للمرأة أن تتمتع به أو تتحلى به, وأستدل على ذلك بأدلة كثيرة من السنن -وهو من هو في الحديث- ولما كان يعلم أن الأصل: هو الحل, فقد نبه على الأدلة التي تنقل عن هذا الأصل إلى التحريم, فاستدل بما روى أبو داود وأحمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب, ومن أحب أن يطوق حبيبه طوقاً من نار فليطوقه طوقاً من ذهب) ووجه الدلالة: قوله: حبيبه، فإنها على العموم وإن كان أصل وضع اللفظ للذكر حبيبه، إلا أن الأحكام تكون على العموم، كما استدل أيضاً بما جاء في السنن: (من أن بنت هبيرة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ -خواتيم كبار- فنظر النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الخواتيم فقال لها: يسرك أن يسورك الله بسوار من نار! أو قال بخاتم من نار!) ففيه دلالة واضحة عنده أنها تُحلَق أو تطوق من نار بهذا الخاتم الذي لبسته, واستدل أيضاً بحديث آخر: (عن أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها, أنها كانت ترتدي شعائر من ذهب فشد عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأعرض عنها, فسألته عن إعراضه فقال: من أجل هذه الزينة) أي: أنه أعرض عنها من أجل سلسلة الزينة التي في رقبتها, فالشيخ يرى: أن هذا الإعراض من النبي لأنها تحلقت بحلقة من ذهب.

القول الراجح وأدلته

القول الراجح وأدلته هذه هي جل الأدلة التي استدل بها الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، والقول الصحيح في ذلك: هو قول عامة أهل العلم، وكل يؤخذ من قوله ويرد والله أعلم بالصواب ولكل مجتهد نصيب، ليس نصيباً من الحق بل نصيباً من الأجر، إذ أن الحق واحد عند الله لا يتعدد؛ لأن الله جل وعلا قال: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:32]، فالصحيح: أن الحق واحد لا يتعدد لكن كل له نصيب من اجتهاده، فالصحيح والله أعلم هو قول الجمهور: وأنه يجوز للمرأة أن تلبس من الحلي المحلق وغير المحلق ما تتزين به، فقد أباحه الشرع لها والدليل على ذلك: هو عموم قوله صلى الله عليه وسلم (هذان حلال لنساء أمتي, حرام على ذكورها)، ويؤيد ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندما يخطب في الناس خطبة العيد يفرد النساء بخطبة لهن؛ لأن الصوت لا يذهب إليهن؛ لأنهن كن يبتعدن عن الرجال أدباً منهن, فيذهب النبي صلى الله عليه وسلم لهن خاصة فيخطب خطبة خاصة بالنساء, فكان يعظهن ويذكرهن، ثم أمرهن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدقن: فقال: تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار) فأمرهن بالصدقة فكانت المرأة تعطي السلسلة والخواتيم وتضعها في ثوب بلال، وهذا دليل واضح جداً على إقرار النبي صلى الله عليه وسلم، فإن المرأة أنها كانت ترتدي الخرص وترتدي الخاتم وترتدي الأسورة, ولا يرد علينا فيقال: إنها كانت تقتنيها في ثوبها ولا ترتديها فهذا بعيد جداً, إذ أن غالب النساء إن كان معهن هذا الذهب فلا يكون إلا ارتداءاً فهذا الظاهر, وغيره غير ظاهر, فالصحيح: أن حديث إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يدل على أنه يجوز للمرأة أن ترتدي هذا الحلي سواءً كان محلقاً أوغير محلق, وهذا الراجح الذي لا محيد عنه.

الرد على أدلة القول الثاني

الرد على أدلة القول الثاني أما الرد على الأدلة التي استدل بها الشيخ الفاضل الجليل الجبل الشيخ الألباني رحمة الله رحمة واسعة وجعله مع رفقة النبيين والصديقين والصالحين والشهداء, ورفع الله مقامة وذكره، فكان أول حديث من الأحاديث التي استدل بها حديث: (من أن أراد أن يحلق حبيبه) ووجه الدلالة الأول: أن اللفظ وضع للذكر لا للأنثى, فإن رد علينا وقال: الأصل العموم، قلنا: جاءت الأدلة والقرائن التي تثبت أن المقصود هو: التحريم على الرجال, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حرام على ذكور أمتي) فالمعنى: أنه إنما يحلق حلقة من نار إذا كان ذكراً، ويتضح ذلك إذا عملنا بما قعد لنا الإمام البخاري في فهم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم: بألا نأخذ الحديث منفرداً, ولكن نجمع الأحاديث التي تتحدث عن المسئلة جميعها فيتبين المعنى المراد من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ففي حديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي لبس خاتماً من ذهب (أيعمد أحدكم إلى جمرة من نار) فهذه دلالة واضحة: أن الله يحلقه بحلقة من نار إن كان ذكراً. الوجه الثاني: أن هذا الدليل يعتريه ما يعتريه من الاحتمالات, إذ هو يحتمل أن تدخل تحت اللفظ النساء، ويحتمل ألا تدخل، والقرينة الفاصلة المحكمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم عمم، وهذا الحديث لا يصح أن يخصص عموم قوله: (كل الذهب حلال لنساء أمتي) وأيضاً حديث مسلم كن يتصدقن بالخاتم وبالأسورة، فكن يلبسن ذلك، على عصر النبي ويقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أما الرد على الحديث الثاني الذي استدل به الشيخ وهو حديث بنت هبيرة حيث قال لها لما رأى بيدها السوارين: (أيسرك أن يسورك الله جل في علاه بسوارين من نار) فهذا الحديث محتمل أيضاً، فيحتمل أن يكون من أجل الحلقة من الذهب كما يحتمل أن يكون هذا الزجر لأمر آخر، ومعلوم أنه إذا اعترى الحديث الاحتمالات فلا يقال: نحكم الهوى, فالهوى يرجح لنا الصحيح -أعوذ بالله- بل يتتبع العلم. العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه والعلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه ولذا نحكم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فهي التي تفسر لنا ما أبهم، وتفصل لنا ما أُجمل، فقد جاء في المسند بسند صحيح عن أسماء بنت يزيد وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: (دخلت عليه امرأة ومعها ابنة وفي يدها أساور من ذهب فقال لها: يسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار، قالت: علام يا رسول الله؟ فقال: أديتي زكاة هذا؟) وفي الرواية تقديم وتأخير: إذ في رواية أخرى: (أنه لما رأى الأسورة ما أنكر لبسها، لكنه قال: أديتي زكاة هذا؟ قالت: لا, فقال: تريدين أن يسورك الله بسوارين من نار) , ففي الرواية الأولى قال: يسورها بسوار من نار أو خاتم من نار, وفي الحديث الثاني في نفس السياق قال: يسورك بسوار من نار, فأخفيت العلة في الحديث الأول وظهر في الحديث الثاني تفسيرها حيث قال: أديتي زكاة هذا؟ فإذاًَ: التقدير في الحديث الأول -حديث بنت هبيرة - أن يقال: كأنه صلى الله عليه وسلم يقول لها: أديتي زكاة ذلك؟ قالت: لا , قال: إذاً يلبسك الله خاتماً من نار يوم القيامة, فهذا الحديث ظاهر جدًا في تفسير الحديث الأول؛ إذ أنه في حديث بنت هبيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم زجرها أشد الزجر؛ لأنها لم تؤد الزكاة ولم يذكر التحلي ولا حرمه لا من قريب ولا من بعيد، وعلى ذلك فإنها ما استوجبت النار من أجل الأسورة لأنها من الذهب بل لأنها لم تؤد الزكاة, كما أن حديث عمرو بن شعيب بنفس اللفظ، فقد قال فيه: (تريدين أن يسورك الله بسوارين من نار، أديتي زكاة هذا؟) ومثل ذلك يقال في حديث أم سلمة وعليه يرد بنفس الرد، ففي حديث أم سلمة: أنها كانت ترتدي هذه السلسة, -وإن قلنا: إنها بلغت النصاب أو لم تبلغ النصاب- فهذا التفصيل الفقهي ليس موضعه الآن، وما يهمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم علل أن هذا العقاب مقيد بالزكاة, فإنها إن أدت الزكاة فلا عقاب وإن لم تؤدها لزم العقاب, وبذلك تبين أن هذه الأحاديث وإن كانت محتملة لكنها بعيدة جداً، وسياق الأحاديث يدل على أن العقاب والزجر ليس من أجل التحليق ولكنه من أجل الزكاة, وبذلك تسلم أدلة عامة أهل العلم بأن المرأة يجوز لها أن ترتدي السلسلة أو الأسورة أو الخاتم ذهباً كان أو غيره.

افتراش الحرير

افتراش الحرير معلوم أن الله قد أحل للنساء الحرير، فهل يجوز للمرأة أن تشتري الفراش الوثير من الحرير؟ وأن تفترش سجاد الحرير؟ وأن تستخدم الحرير استخداماً مطلقاً كما أنه حل لها أم لا؟ هذه المسألة وعرة قد اختلف العلماء فيها على أقوال ثلاثة:

القول الأول وأدلته

القول الأول وأدلته القول الأول: هو قول جماهير أهل العلم من الشافعية والمالكية والحنابلة فقالوا: لا يجوز للمرأة استخدام الحرير فراشاً كما أنه لا يجوز ذلك للرجل من باب أولى، وقال جمهور أهل العلم: إنما نخص النساء بلبس الحرير جوازاً, أما افتراش الحرير فلا يجوز لا للرجال ولا للنساء، والأدلة على ذلك عندهم حديث حذيفة وهو رأس الأمر عندهم، ففي الصحيح: أن حذيفة رضي الله عنه وأرضاه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب من آنية الذهب والفضة وعن لبس الحرير وأن نجلس عليه) وموطن الدلالة قوله: وأن نلبس الحرير، وقد تقدم أن تحريم لبس الحرير للرجال خاصة, ثم قال: وأن نجلس عليه, فظاهر هذا التصريح يدل على: حرمة الجلوس على الحرير وافتراشه، أيضاً: قد ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: نهاني النبي صلى الله عليه وسلم أن أضع الخاتم في هذا الأصبع والذي يليه ونهاني أن ألبس الحرير وأن أجلس على المياثر، وهناك روايات عن معاوية وأخرى عن علي بن أبي طالب كما في السنن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب جلد النمار) وركوب جلد النمار يعني: افتراشها، فهذه أدلة للجمهور توضح حرمة استعمال الحرير كافتراش أو كفرش يمكن للإنسان أن يجلس عليه.

القول الثاني وأدلته

القول الثاني وأدلته القول الثاني: وهو قول الأحناف فقالوا: يجوز للرجال والنساء افتراش الحرير، واستدلوا على ذلك بنفس أحاديث النهي، وأحاديث النهي جاء فيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير، فقالوا: قد نهى النبي عن لبس الحرير فيجوز الافتراش، إذ أن الافتراش غير اللبس, واللبس هو المنهي عنه، كما أن الأصل عندنا الجواز مالم يأت ناقل ينقلنا عنه إلى غيره ولا ناقل، ووافقهم في ذلك بعض الشافعية وبعض المالكية.

القول الثالث وأدلته

القول الثالث وأدلته القول الثالث: قول الشافعية فقالوا: يجوز للنساء خاصة افتراش الحديد، واستدلوا بنفس الأدلة السابقة فاستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هذان حلال لإناث أمتي حرام على ذكورها) وهم يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجلس المرء على المياثر، ووجهة نظر الشافعية في ذلك أنهم قالوا: لما أحل الله لبس الحرير للنساء وحرمه على الرجال، علمنا أن النبي قد فرق في الأحكام بين النساء والرجال، وعندنا أن الأصل: الحل في اللبس وفي الافتراش, ويضم إليه أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق في الحكم بين المرأة وبين الرجل، فما جاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم: حلال لأمتي عموم يجعلنا نقول: يحل للنساء استعمال الحرير مطلقاً ويبقى العام على عمومه ولم يأت دليل يخصصه، فإن قيل: فما تقولون في حديث حذيفة (نهانا أن نجلس عليه) قالوا: حديث حذيفة المقصود به الخصوص, فهو عام يراد به الخصوص؛ لتفريق النبي في الأحكام بين الرجال وبين النساء، وهذا الوجه من القوة بمكان, ولولا الحيطة لقلت بهذا القول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أباح للمرأة لبس الحرير، والأصل يعضده فيبقى العام على عمومه.

القول الراجح ومناقشة الأدلة

القول الراجح ومناقشة الأدلة والصحيح الراجح: هو القول الأول: وهو قول الجمهور: أنه يحرم افتراش الحرير للنساء وإن خصت النساء بالحل في لبس الحرير، وبيان صحة هذا القول يرد على ما عداه من الأقوال، أما قول الأحناف فالرد عليه من وجهين: الوجه الأول: تصريح حديث حذيفة حيث قال: وأن نجلس عليه، وهذا حديث صريح صحيح إذ أنه في مسلم فقد صرح بالنهي عن الجلوس عليه. الوجه الثاني: أن الافتراش يسمى لبساً، والدليل على ذلك حديث في الصحيح عن أنس رضي الله عنه وأرضاه أنه لما ذهب يصلي وصفّ معه الغلام وخلفه العجوز قال: فقمت إلى حصير قد اسود من طول اللبس, فقوله: طول اللبس، فيه دلالة على: أن اللبس يطلق على الافتراش، قال العلماء: وكل شيءٍ لبسه بحسبه، فهذا بالمكوث والآخر بالارتداء وغيره بالنوم وهكذا، أما قول الشافعية -مع أنه من الوجاهة بمكان- فيقال: سلمنا لكم في التفريق لأنه من حيث النظر قوي جداً، لكن القاعدة عندنا: أنه إذا اجتمع حاظر مع مبيح جاءت إباحته من النظر، كما أن هناك قاعدة أخرى تؤكد ذلك وهي: أن الوسائل لها أحكام المقاصد، فإن استخدام المرأة لهذا الحرير فراشاً سيكون وسيلة لاستخدام الرجل أيضاً، لأن الغالب ألا يخلو بيت من رجال، وبما أن الوسيلة ستؤدي إلى محرم فهي حرام.

الإسبال تحت الكعبين

أحكام انفرد بها النساء عن الرجال - الإسبال تحت الكعبين الأصل في الأحكام أنها عامة للرجال والنساء، فما من حكم يشرعه الله تعالى إلا والنساء داخلة فيه؛ لأن النساء شقائق الرجال، لكن هناك أحكام تختص بها النساء دون سائر الرجال، ومنها ما يتعلق بأحكام اللباس، وهذا مبسوط في كتب الفقه الإسلامي.

حرمة الإسبال وأنواعه

حرمة الإسبال وأنواعه إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: ذكرنا فيما سبق أن الأصل في التشريع: هو العموم لا الخصوص، فما من حكم ينزل ويشرعه الله جل في علاه، ويرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم إلا ويشترك فيه النساء والرجال، قال صلى الله عليه وسلم: (إن النساء شقائق الرجال في الأحكام) وبينا أيضاً الحكم الذي خص به النساء دون الرجال في جواز لبس الذهب والحرير. وسنتكلم بمشيئة الله تعالى على أحكام الثياب واللباس، فنقول: إن الإسبال مذموم شرعاً، سواء للرجال والنساء، وقد ذمه النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث، وهو على حالتين: الحالة الأولى: الإسبال مع الكبر، وهذا أغلظها وأعظمها في الإثم، فهو يمشي بين الناس كالطاووس، وينظر إليهم كالنمل أو الذر، وهو العالي الشامخ، فهذا بين النبي صلى الله عليه وسلم جزاءه فقال: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) أي: نظر رحمة، فلا يرحمه الله تعالى. وقد قال أبو هريرة رضي الله عنه رافعاً هذا الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر). الحالة الثانية: الإسبال بغير مخيلة، وهذا الإسبال أخف وأهون في العقوبة، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل الكعبين فهو في النار)، أي: ليس بخيلاء، فعادة أهله أنهم يلبسون هذه الثياب والقمص والبنطال فيكونون سادلين، فينزل عن الكعبين. إذاً: قسم النبي صلى الله عليه وسلم الإسبال إلى قسمين: إسبال بخيلاء، فيأتي رجل ويقول: أنا لا أتكبر، ومع ذلك أسدل ثوبي، فأنا لا أدخل في الحديث، قلنا: نعم، أنت لا تدخل في مسألة الكبر، وليست عقوبتك: لا ينظر الله إليك يوم القيامة، لكن ستدخل في باب آخر -حتى وإن كانت الثياب مهلهلة- وهو: (ما أسفل الكعبين ففي النار).

إشكال في مسألة الإسبال والجواب عنه

إشكال في مسألة الإسبال والجواب عنه وهنا قد يرد علينا إشكال وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما فرَّق بين القسمين جمع بينهما في حديث واحد في مسند أحمد: فقال (الإسبال مخيلة)، وهنا (الإسبال): عموم، فهو لم يفرق بين القسمين المذكورين، فكيف يجاب عن هذا الإيراد؟ والجواب على هذا الإشكال: أن هذا خرج مخرج الغالب، فأغلب من يرتدي الثياب الطويلة يمشي بين الناس متكبراً، وهذا هو التوجيه الأول. التوجيه الثاني: أن هذا الحديث عام مخصوص بالكبر. التوجيه الثالث: أنه يعم القسمين، يعم الكبر وغير الكبر، أما الكبر فواضح، وأما ما أسفل الكعبين، والذي انسلخ عنه الكبر، وما قلنا بالكبر فيه، فنقول: لأنه وسيلة إلى الكبر، فوسم بالكبر. وأقول: أولاً: إذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسبال مخيلة) يعني: الإسبال كبر، وهذه بالنص في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه خيلاء) فلا تعب في ذلك. أما الثانية: في القسم الثاني: (ما أسفل الكعبين ففي النار) فهو لم يذكر الكبر، لذا فهو ينزل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (الإسبال مخيلة) أي: أنه وسيلة للمخيلة - فلو أن رجلاً كان مهلهل الثياب وأسدل ثوبه، وكان يجره في الأرض، ففي المرة الأولى يقول: استحي فثوبك مهلهل. وفي المرة الثانية يقول: ألا ترى هذا الثوب الجميل؟ إن ثوبك قذر. وفي المرة الثالثة سيقول: هم يجرون وأنا أجر، فيأتيه نوع من أنواع الكبر فيكون ذلك وسيلة للكبر- ولذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم -مع أنه أهون وأخف- مخيلة؛ لأنه وسيلة للمخيلة، وهذه قاعدة: الوسائل لها أحكام المقاصد. إذاً: فالنبي صلى الله عليه وسلم ذم الكبر ذماً شديداً، فمنه ما هو أغلظ إذا كان كبراً وخيلاء، ومنه ما هو أهون إن كان عادة، لكن هذه العادة ستكون وسيلة إلى دخول الكبر في القلب.

إسبال النساء

إسبال النساء ولذلك لما سمعت أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها هذا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله إليه يوم القيامة، قالت: يا رسول الله! وماذا على النساء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يرخين شبراً. قالت: إذاً يتكشفن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يرخين ذراعاً، ثم قال: ولا يزدن) فهذه دلالة على أن هناك إسبالاً للنساء، فلا يجوز أن يزدن على الذراع، وما أباح النبي صلى الله عليه وسلم لهن ذلك إلا لدفع مفسدة أعظم، وهي: كشف الساقين للمرأة، فراعينا المفسدة الكبرى بارتكاب المفسدة الأقل، وهي: أن تسبل المرأة ذراعاً تحت الرجل.

شروط لباس المرأة

شروط لباس المرأة إذاً: فالثوب الذي لا بد أن ترتديه المرأة لا بد أن يكون طويلاً فضفاضاً سابغاً يغطي الرجل، فيغطي ظهور القدمين، ويغطي الساق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يرخين ذراعاً ولا يزدن على ذلك). وهذا يجرنا إلى الكلام عن صفة الثياب التي لا بد أن ترتديها المرأة. أولاً: لا بد أن يكون فضفاضاً سابغاً لكل الجسد، قال الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31]، وقد اختلف العلماء في ذلك معنى قوله تعالى: ((إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)) كما سنبين، قال: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] فلا بد أن يكون الدرع سابغاً، وقد قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: -عندما قال الله تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59]- نعم النساء نساء الأنصار، لما نزلت آية الحجاب، وكن يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، تلفعن بمروطهن، ثم وصفتهن وصفاً دقيقاً يثبت العفة والحياء فقالت: فكن كالغرابيب السود. أي: لا ترى منهن شيئاً لا عيناً ولا وجهاً ولا قدماً ولا ساقاً ولا ظفراً ولا شيئاً البتة. الشرط الثاني: ألا يكون زينة في نفسه، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31]، وهذا رد على من يظهر على الفضائيات ويجيز ذلك، وقد أخبرت من الثقات فقالوا: هذا الحجاب الذي ترتديه فلانة من المكان الفلاني، فهل أنتِ أصلاً قمت تقولين: قال الله وقال الرسول وتنشرين الدين وإلا عارضة أزياء؟ تقول: هذا الزي المحجب من المكان الفلاني، وتأتي بالشراب الأحمر والأصفر والأخضر، أنا أقول: قد ثبت بسند صحيح أنه كان لـ عائشة خمار أحمر، لكن الخمار الأحمر لم يكن زينة في نفسه في عصر عائشة رضي الله عنها وأرضاها، بل خذ أرقى من ذلك في الإحداد للمرأة، فكان فقهاؤنا يقولون: ولا ترتدي الأسود، لأنه كان في زمنهم فتنة في نفسه، والثوب الزينة إذا لبسته المرأة فقد أظهرته للناس، ولفتت الأنظار إليها، وأيما امرأة خرجت من بيتها وتقصدت السير بين الرجال لتفتن الرجال بلفت الأنظار لها، فقد فعلت الفاحشة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة تعطرت أو تطيبت وخرجت فشم الرجال هذا الريح منها فقد فعلت الفاحشة) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. والثوب الذي فيه زينة لا يقل خطورة عن الرائحة التي تلفت الأنظار، وقد قال الله جل في علاه: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33]. كذلك الثياب ذات الألوان التي هي زينة في نفسها، مثل: الأسود، البني، الرمادي، الرصاصي، الكحلي، الأصفر، الليموني، الأحمر، وغيرها من الثياب لا يجوز للمرأة لبسها. والذي أعرفه: أنها تكون سواداً كالغرابيب السود. وهذه المسألة تخضع للعرف، فأي ثوب يفتن فلا بد أن تتجنبه المرأة. الشرط الثالث: ألا يصف ما تحته، وألا يحد العضو ولا يحجمه، والله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت أخوات كثيرات -ولسن بأخوات بحال من الأحوال- يرتدين ثياباً وقد حجَّم عظمة الكتف وكأنها ظاهرة، والله الذي لا إله إلا هو إن بعض ثياب النساء يحجم الوسط، فمن الذي أباح لهن أن يمشين في الطرقات بهذه الملابس؟ أيرضى من أذن لهن بذلك أن يكون ديوثاً؟ فليتق الله ربه، فكل ثوب حد العضو فلا يجوز. وقال بعض الإخوة: إن المرأة تلبس الجلباب وتلبس تحته ثياباً تلتصق بالجسد، فإذا جاء الهواء أظهر كل ما تحته، فهذا أيضاً لا يجوز، كما سنبين فيما بعد. جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صنفان من أهل النار لم أرهما من أمتي: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات). قوله: (كاسيات عاريات) ليس المقصود: أنهن يمشين في الطرقات دون ثياب، بل المقصود: أنهن يرتدين الثياب التي تصف ما تحتها، أو تحد العضو تحتها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ونساء كاسيات) وانظر! فقد سماهن (كاسيات) فهن في الظاهر يرتدين الثياب، لكن في الحقيقة لسن مرتديات للثياب؛ لأن كل فتنة موجودة في أجسادهن قد ظهرت للناس. قوله: (نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات) يعني: فصرن يتسكعن، ويملن في السير أو في الثياب، فيملن قلوب الرجال إليهن. وقوله: (مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت) وذلك كالقصة التي يسمينها: قصة الأسد، وتسمى: الدوامة، وغير الدوامة التي تعلو إلى فوق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريح الجنة ليوجد من مسيرة كذا وكذا). فهذا الحديث العظيم نبوءة نبوءات من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث وأننا في عصر الكاسيات العاريات، وما أكثرهن وأكثر عريهن! وقد فسر كثير من أهل العلم قوله: (كاسيات عاريات) أي: هن اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ما تحته، ومثل هذا ما يسمى: بالبابي الذي يلتصق بالجسد فيصف لك كل شيء، فهن كاسيات اسماً لكنهن عاريات حقيقة. وعن أسامة بن زيد الكلبي رضي الله عنه قال: (كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة -يعني: ثوباً- كانت مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي) أي: أعطيتها لامرأتي. (فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك لم تلبس ما أهديتك إياه؟ ما لك لم تلبس القبطية؟) بالفتح أو بالضم. (فقلت: يا رسول الله! كسوتها امرأتي. فقال لي: مرها فلتجعل تحتها شيئاً، إني أخاف أن تصف حجم عظامها). فإذاً: أي شيء يحد العضو لا يجوز للمرأة أن تسير به بين الرجال، أو أن تظهره للرجال. الشرط الرابع: ألا ترتدي ثوباً خاصاً بالرجال، ولا فيه تشبه بالكافرات، وبعض العلماء حجر صراحة على مسألة البنطال وقال: لا يجوز بحال من الأحوال أن ترتدي المرأة البنطال، لا لزوجها ولا لنفسها، في بيتها ولا في الخارج، وهذه فتوى الشيخ محمد صالح بن عثيمين، وقد سمعتها بأذني فقال: لا ترتدي المرأة البنطال. حتى إنه اعترض عليه معترض من طلبة العلم فقال: يا شيخنا! إن المرأة ترتديه متعة لزوجها، قال: لا ترتديه، ولو جلست له من غير بنطال أو من غير شيء تمتعه، لكن لا تمتعه بشيء حرام، لأنه يرى أن هذا الثوب أو هذا الزي خاص بالرجال. أما بالنسبة لزي الرجال فقد ورد النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء) أي: المرأة التي تتشبه بالرجال في الثياب، وفي مسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس زي الرجل)، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خالفوا المشركين) وهذا عام في الرجال وفي النساء، فلا يجوز للمرأة أن ترتدي ثوباً تتشبه به بالكافرات، وأيضاً في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خالفوا المجوس وخالفوا اليهود والنصارى)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم)، وقوله: (من تشبه بغيرنا فليس منا، لعن الله من تشبه بغيرنا). فعلى المرأة أن ترتدي ثوباً ليس فيه تشبه بالكافرات، ولا بالعاهرات ولا بالفاسقات.

ستر العورة

أحكام انفرد بها النساء عن الرجال - ستر العورة ستر العورة شرط من شروط الصلاة، لا تصح الصلاة إلا به، فمن صلى كاشفاً عورته بطلت صلاته، وعورة المرأة في الصلاة جميع بدنها إلا وجهها وكفيها، أما قدمها فالصحيح أنه عورة يجب سترها في الصلاة.

أحكام ستر العورة للمرأة في الصلاة

أحكام ستر العورة للمرأة في الصلاة

الأدلة على وجوب ستر العورة في الصلاة

الأدلة على وجوب ستر العورة في الصلاة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: ستر العورة في الصلاة شرط من شروط الصلاة، لا تصح الصلاة إلا به، والأدلة على ذلك ما يلي: أولاً: قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31]، قال ابن حزم والمقصود هنا هو ستر العورة بالاتفاق. ثانياً: عن عائشة مرفوعاً: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)، وهذا دليل على ستر العورة، وهذا الحديث أعله الدارقطني بأنه موقوف على عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ومع ذلك إذا كان عن عائشة موقوفاً صحيحاً فلا بد أن يأخذ بعين الاعتبار؛ لأن المسألة توقيفية. ثالثاً: أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها تصف لنا الثياب التي تستر بها المرأة عورتها فتقول: إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور القدمين، صحت الصلاة فيه.

أنواع العورة وحكم كل نوع

أنواع العورة وحكم كل نوع والعورة عورتان: عورة نظر، وعورة صلاة، وعورة النظر لها أحكام: فيجب على المرأة أن تكشف الوجه والكفين وهي تصلي، ولا يجوز لها أن تكشفهما أمام الأجانب، فإذاً: عورة النظر تخالف عورة الصلاة.

حكم من صلى وليس على عاتقه شيء

حكم من صلى وليس على عاتقه شيء وأيضاً: النبي صلى الله عليه وسلم لم يبح للمرء أن يصلي وليس على عاتقه أي شيء، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يصلين أحدكم وليس على عاتقه شيء)، ومع ذلك يصح، فيمكن للإنسان أن يظهر أمام الناس عاري الكتفين، وإن كان ذلك من خوارم المروءة لكنه ليس بعورة. فإذاً العورة عورتان: عورة نظر وعورة الصلاة، وعورة الصلاة بالنسبة للرجال على الراجح من أقوال أهل العلم: أنها من السرة إلى الركبة. وعند الحنابلة: أن العاتق عورة، وقالوا: لا يجوز للمسلم أن يصلي بغير تغطية عظم العاتق، وفي رواية لهم: أن من صلى وليس على عاتقيه شيء بطلت صلاته. والجمهور يرون: أن تغطية العاتق في الصلاة سنة، وأن كشفه يكره، والكراهة: كراهة تنزيهية وليست تحريمية، ويستدلون على ذلك تأويلاً بحديث: (لا يصلين أحدكم وليس على عاتقه شيء)، وبحديث جابر رضي الله عنه وأرضاه أنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صليت وعليك ثوب واحد فإن كان واسعاً فالتحق به)، أو قال: (ضع على عاتقك منه شيئاً)، قال: (فإن كان ضعيفاً فاتزر به)، وإن كان واسعاً فلابد أن تضعه على عاتقيك. فالجمهور أخذوا بهذا الحديث، فصرفوا به حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلين أحدكم وليس على عاتقيه شيء). والصحيح الراجح: ما فصله الحنابلة خلافاً للجمهور، وهو إن كان الثوب واسعاً بحيث يلتحف به ويضعه على عاتقيه، أو كان له ثوبان فلا تصح الصلاة بألا يضع شيئاً من هذا الثوب على عاتقه، وإن كان ضيقاً لا يستطيع أن يلتحف به فله أن يتزر لتصح الصلاة له. فهذا التفصيل من أجود التفاصيل الذي يعمل بها كلام النبي صلى الله عليه وسلم بأسره، ولا يترك واحداً من هذه الأحكام إلا ويعمل به في موضعه، فالراجح الصحيح الذي ندين الله به: أنه لو كان عنده ثوب ولم يغط كتفه به فصلاته لا تصح، أو يأثم وصلاته صحيحة على أدنى الأقوال، وهذا بالنسبة للرجال.

عورة المرأة في الصلاة

عورة المرأة في الصلاة أما بالنسبة للنساء فإن النساء لهن أحكام في ستر العورة في الصلاة، والأصل في المرأة: أنها عورة كلها، فإذا كانت المرأة كلها عورة وجب تغطية كل بدنها في الصلاة. والأدلة في ذلك كثيرة منها مرفوعة ومنها موقوفة، فالدليل المرفوع قول عائشة: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)، وعمر بن الخطاب وعائشة وابن عمر رضي الله عنهم بينوا صفة الأثواب في الصلاة. أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عمر بن الخطاب قال: تصلي المرأة في ثلاثة أثواب. أيضاً: ورد عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه، أنه قال: إذا صلت المرأة فلتصل في ثيابها كلها، وكانت عائشة تقول: إذا صلت المرأة فلتصلي في ثلاثة أثواب، في درع وخمار وجلباب، والمقصود من هذا: مبالغة الدرع بالنسبة للمرأة؛ لأن المرأة عورة كلها. وهنا مسألتان: المسألة الأولى: هل يشترط أن تصلي المرأة في ثلاثة أبواب؟ الصحيح الراجح في هذه المسألة: أن المطلوب هو ستر بدن المرأة فقط، سواء استترت بملحفة أو استترت بجلباب، فالمهم أن كل جسد المرأة يستتر، سواء بثوب واحد أو بثوبين أو بثلاثة، فالأصل في ذلك أن تستر المرأة جسدها فتصح الصلاة بذلك، كما قال ابن المنذر: على المرأة أن تخمر جسدها في الصلاة، أو قال: تخمر في الصلاة جميع البدن سوى الوجه والكفين، ويجزئها إذا صلت في ثوب واحد أو ثوبين أو ثلاث.

هل قدم المرأة في الصلاة عورة أم لا؟

هل قدم المرأة في الصلاة عورة أم لا؟ المسألة الثانية: هل من ستر بدن المرأة ستر ظهور القدمين أم لا؟ قال الأحناف: أنه ليس بشرط أن تستر ظهور القدمين، وجماهير أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين يرون: أن ستر ظهور قدم المرأة شرط لصحة الصلاة، فلو صلت المرأة وظهور القدمين منكشفة فإن صلاتها لا تصح بذلك. ويستدل على هذا بحديثين: حديث أم سلمة -وفيه كلام- قالت: إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور القدمين أجزأها في الصلاة. فهذا قيد وشرط صحيح صريح يبين أن المرأة إذا صلت وظاهر القدم منكشف لم تصح الصلاة، وإذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور القدمين أجزأها ذلك. وأيضاً حديث آخر صحيح عن أم سلمة عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسبال بالنسبة للمرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يرخين شبراً)، فلما قال (يرخين شبراً)، دل هذا على أن أقل من شبر يكون عورة، وإرخاء الشبر يصل إلى ظهور القدمين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الخروج إلى المساجد

أحكام انفرد بها النساء عن الرجال - الخروج إلى المساجد للمرأة الخروج إلى المساجد لصلاة الجماعة فيها إذا كان خروجها وفق الآداب الشرعية، لكنه خلاف الأولى، وهو أن تقر في بيتها، فقد جاء الأمر بهذا في كتاب الله سبحانه، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

حكم خروج المرأة إلى المساجد لأداء الصلاة

حكم خروج المرأة إلى المساجد لأداء الصلاة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد:

حكم صلاة الجماعة في حق الرجال

حكم صلاة الجماعة في حق الرجال من الأحكام التي انفردت بها المرأة في الصلاة: الخروج إلى المساجد. وصلاة الرجل جماعة في المسجد مستحبة بالإجماع وليست واجبة، والخلاف الذي ظهر بين العلماء في وجوب صلاة المرء في المسجد جماعة: فالجمهور من المالكية والشافعية والأحناف يرون: الاستحباب، والحنابلة: يرون الوجوب، وهذا خلاف معتبر بين العلماء. وقد قال المحققون من الشافعية: إنها فرض كفاية أي: لا هي واجبة على الأعيان ولا هي مستحبة -أي: في كل منطقة فيها مسجد، وكذلك الأذان- فإن أقامها البعض سقط الوجوب عن الباقين، وإن لم يأت أحد للصلاة في المسجد أو أغلق المسجد في صلاة من الصلوات أثم الجميع.

حكم خروج المرأة إلى المسجد

حكم خروج المرأة إلى المسجد إذاً: انعقد الإجماع بين العلماء على استحباب صلاة الجماعة في المسجد للرجل، أما بالنسبة للمرأة فقد انفردت بهذا، وأجمعت الأمة على أنه لا يستحب للمرأة أن تخرج إلى المسجد ولو للعلم أو للصلاة أو للحفظ أو غير ذلك، قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33]، فالأفضل للمرأة أن تقر في بيتها. وفي مسند أحمد بسند صحيح عن أم حميد الساعدية أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! إني أحب الصلاة معك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاة في مسجدي هذا)، أي: في المسجد النبوي. وأجمل من ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن)، فـ أم حميد لما سمعت ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وعلمت أن السنة أن تقر في بيتها، أمرت الناس أن يبنوا لها مسجداً في بيتها فقرت فيه، فلم تخرج منه حتى ماتت ولقت ربها، فرضي الله عنها من امرأة أطاعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يقول. وهذا يؤكده قول الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33]، والصحيح الراجح: أنه يجوز للمرأة أن تخرج للمسجد وتشهد الجمعة والجماعات لكنه خلاف الأولى. وعن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه كما في الصحيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، فقامت امرأة عمر لتخرج إلى المسجد، فهيأت نفسها ذات يوم فأرادت أن تخرج إلى المسجد، فقال ابنه: أما علمت غيرة أبي؟ فقالت: أو يمنعني عمر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)؟ وفي واقعة أخرى: أن عمر قال لها: إلى أين تذهبين يا لكع؟ فقالت له: أذهب إلى المسجد، فوقف حائراً، فقالت: أتمنعني؟ فخشي على نفسه، فقال: لا أمنعك ولكن أكره، يعني: أكره خروجك، فلم تعبأ بالكلام وخرجت إلى المسجد عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله). وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: (كانت نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن) فالنساء كن يخرجن إلى المساجد، وصلاة المرأة جائزة في المساجد، ولا إنكار عليهن، مع أنه خلاف الأولى. بل وفي حديث صحيح عن ابن عمر: (كن يتوضأن بجانب الرجال)، أي: كان المكان الذي يتوضأ فيه الرجال والنساء مكاناً واحداً، فكان الرجال يولون ظهورهم للنساء، ويولي النساء ظهورهن للرجال، فلا هذا يطلع على هذا ولا هذا يطلع على هذا، وهذا الظن بالصحابة رضوان الله عليهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرى النساء في المسجد، ويحترم مكانهن، فقال: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها) وهذه دلالة على أنه كان يسوي هذه الصفوف، (وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها). وأيضاً: كان يمنع النساء أن ترفع قبل أن يرفع الإمام، وكان إذا انتهى من صلاته أخر الرجال حتى تخرج النساء من المسجد؛ احتراماً لوجود النساء، ففي هذا دلالة على جواز خروج النساء للمسجد، وإن كان خلاف الأولى. وهذا القول هو قول الجماهير، وما خالف فيه إلا عائشة وابن مسعود، فقالا: بجواز خروج المرأة فقط في عصر النبوة، أما بعد عصر النبوة فعلى الكراهة أو على التحريم، والحديث صريح عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها كانت تقول: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثت النساء بعده لمنعهن من المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل. وأيضاً: قال ذلك ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، وقال بذلك أيضاً: ولد لـ عبد الله بن عمر عندما قال له: قال رسول الله: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) فقال: والذي نفسي بيده لنمنعهن، أي: إذا دخلت المسجد للغيبة والنميمة والذهاب بالمكياج وغير المكياج والكلام فيما لا ينفع بل فيما يضر. فهذه وجهة من الوجهات التي ظهرت لنا بأن عائشة رضي الله عنها وأرضاها وابن مسعود وولداً لـ عبد الله بن عمر يرون كراهة خروج المرأة، وأن الجواز كان في عصر النبوة فقط؛ لأن المرأة في عصر النبوة كانت تتحرى ألا تَفتن وألا تُفتن، ثم بعد ذلك اتخذت المرأة للفتنة، والدلالة على ذلك كما ورد في الصحيح: أن أبا هريرة رأى امرأة ذهبت إلى المسجد فاشتم رائحتها وكانت تصلي، فلما صلت قال لها: ارجعي فاغتسلي فأعيدي صلاتك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أيما امرأة صلت متطيبة فلتغتسل ولتعد الصلاة) أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه. فالظاهر يدل على أن زمن النبوة كان فيه الحرص، والإرشاد من النبي ومن الصحابة الكرام، وبعد زمن النبوة أو بعد خروج الخيرية انتشر الفساد، فأولى بهن أن يجلسن في بيوتهن على قول عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

القول الراجح في حكم خروج المرأة إلى المسجد

القول الراجح في حكم خروج المرأة إلى المسجد فإن قلنا: بأن الراجح هو الجواز وهو خلاف الأولى، فلا بد أن نجيب عن قول عائشة، فنقول: لو أن المرأة خرجت لتفتن بالرجل، أو يفتتن الرجل بها فيحرم عليها الخروج، فإن خرجت فلا بد أن تخرج ساترة بدنها، وإن مشت في الطرقات فلا تضرب في الأرض كما بين الله جل في علاه، فإن فعلت ذلك فلها أن تخرج، والأولى ألا تخرج لعلم أو لصلاة أو لغير ذلك. أما العلم فعلى أبيها أو زوجها أو أخيها أن يعلموها، فإن كان أخوها أو زوجها لا يستطيعون تعليمها فيجوز لها أن تخرج بالآداب الشرعية. ومن جملة هذه الآداب: أنها تخرج ليلاً لا نهاراً، وهذه عادة الصحابيات الفضليات، فكن يشهدن صلاة الفجر وهذا في الليل، وأيضاً في حديث صريح عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذنكم نساؤكم بالليل)، فقيد بالليل، وهذا المفهوم غير مراد، وهو يدل هنا على الأفضلية لا على أنه مكروه، قال: (إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن). وأيضاً: ورد بسند صحيح أن أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها، كانت إذا أرادات الطواف طافت خلف الرجال ليلاً على بعير، وكذلك كانت تفعل عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وفي هذا دلالة على أن الطواف يكون بالليل حتى لا تحتك المرأة بالرجل.

انفراد المرأة بأحكام العدة [1]

أحكام انفرد بها النساء عن الرجال - انفراد المرأة بأحكام العدة [1] مما اختص الله به المرأة من الأحكام: مسألة العدة، وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، وفي العدة حقان: حق لله عز وجل، وحق للزوج، والعدد هي: عدة الطلاق والخلع والوفاة، والغرض الأساسي من العدة: استبراء الرحم وخلوه من الحمل الذي قد يتسبب في اختلاط الأنساب، وأيضاً: إحياء واحترام ذكرى الزوج الأول.

من أحكام العدة

من أحكام العدة

متى تكون للرجل عدة؟

متى تكون للرجل عدة؟ إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: إخوتي الكرام! لقد انفردت المرأة عن الرجل بأحكام منها أحكام العدة، فهل للرجل عدة؟ الصحيح: أن نقول: إن العدة تختص بالنساء دون الرجال، والصحيح: أن العدة أيضاً للرجال ولها صورة واحدة، وهي: إذا تزوج الرجل أربعاً من النساء، ثم طلق امرأة منهن، وأراد أن يتزوج غيرها فهل يصح له أن يتزوج أم لا؟ ف A في هذه الحالة تكون للرجل عدة، فينتظر حتى تنقضي عدة المرأة المطلقة، فإنها في زمن العدة لا تزال زوجته، قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة:228]. وبالإجماع: أن من طلق امرأته فله أن يقول قبل أن تنقضي العدة: أرجعتك، فلو نكح امرأة أخرى في زمن عدة امرأته المطلقة، فتعتبر زوجة خامسة، والسنة: أن يكون عدد الزوجات أربعاً، خلافاً لمن قال: أن مثنى وثلاث ورباع تساوي تسعاً، وهذا قول ابن حزم، وهذا القول أوهى من بيت العنكبوت، والصحيح: أربع زوجات؛ لأن الرجل لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان عنده أكثر من امرأة قال له: (أبقِ عندك أربعاً من النسوة وطلق الباقي)، فلو تزوج الأخرى مع وجود زوجته وهي في العدة مع أن له أن يردها فقد تزوج الخامسة ووقع في المحظور، لكن هذا وطء شبهة، فيعذر فقط لجهله، لكن لا يقام عليه حد ولا يقال عنه زانٍ، لكن الصحيح: أن نقول: إن هذه هي الصورة الوحيدة التي يمكن أن نقول: إن للرجل فيها عدة، والحق: أن العدة هي عدة النساء، فمن الأحكام التي فرضت على النساء: العدة.

حقوق العدة

حقوق العدة للعدة حقان: حق لله وحق للزوج، فتلزم بها المرأة، ولو كان قد مات زوجها؛ من أجل كرامة الزوج، ومن أجل إظهار عظم حق الزوج على الزوجة. أما حق الله في العدة فهو معرفة براءة الرحم، وأما حق الزوج فإن كان قد مات عظم حقه عليها، لتبين حزنها الشديد على بعلها الذي له القوامة عليها، ولو كانت مطلقة طلاقاً رجعياً فعظم حقه أن يردها دون مهر ودون ولي ودون شهود وإن كان الطلاق ثلاثاً؛ لأن هذا تعبد لله جل في علاه، والراجح الصحيح: أن العدة ثلاثة قروء تعبداً لله جل في علاه.

أنواع العدة

أنواع العدة عدة المرأة على ثلاثة أقسام: عدة الوفاة والطلاق والخلع. والعدة لغة: مأخوذة من العد والحساب، والعد في اللغة: هو الإحصاء، وسميت بذلك؛ لاشتمالها على العدد من الأقراء أو الأشهر، فلليائسة مثلاً أو الصغيرة التي لم تحض، وعدة المرأة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها: هي ما تعده من أيام أقرائها. والعدة في الاصطلاح: هي اسم لما تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة الرحم أو للتعبد أي: تعبداً لله، ولو كان بت في طلاقها فتعتد ثلاثة قروء تعبداً لله جل في علاه، أو لتفجعها على زوجها، وهي عدة الوفاة وتكون أربعة أشهر وعشراً.

أدلة مشروعية العدة

أدلة مشروعية العدة أما أدلة مشروعية العدة فمن الكتاب ومن السنة ومن الإجماع، وهذا الحكم كما قلت انفردت به النساء قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]. وقال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق:4]. وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234]. وفي صحيح مسلم عن أم عطية رضي الله عنها وأرضاها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً). وفي مسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لـ فاطمة بنت قيس عندما طلقها زوجها فبت طلاقها اعتدي في بيت أم مكتوم). فهذا أمر، وظاهر الأمر: الوجوب، فقوله: (اعتدي) دلالة على مشروعية ذلك أو الأمر به، والإجماع حاصل من علماء الأمة: على وجوب العدة على المرأة عند الطلاق أو عند الوفاة بل وعند الخلع كما سنبين.

أصناف النساء في العدة

أصناف النساء في العدة أنواع العدة الثلاثة التي ذكرناها هي: عدة القروء، والأشهر، ووضع الحمل، فأصناف النساء في العدة ثلاثة: الصنف الأول: امرأة تحيض. الصنف الثاني: امرأة يائسة لا تحيض، أو صغيرة لم يأتها الحيض. الصنف الثالث: امرأة حامل، وفيه قسمان وقسم له فرعان: القسم الأول: امرأة حامل -وهذا ليس له فروع- فعدتها بالوضع. والقسم الثاني: امرأة حائل ليست بحامل ولها فرعان: امرأة تحيض وامرأة لا تحيض، فالتي لا تحيض إما كبيرة في السن أي: يائسة، وإما صغيرة في السن لم يأتها الحيض، فإن كانت من التي يحضن فعدتها بالقروء، وإن كانت من اليائسات فعدتها بالأشهر كما سنبين. والعدة بالقروء تكون للمطلقة الرجعية، أو المبتوتة يعني: بانت منه بينونة كبرى بأن طلقت ثلاثاً مثلاً. والقرء طهر أو حيض، ويكون للمطلقة الرجعية والمطلقة المبتوتة التي بانت من زوجها بينونة كبرى بشرط وقيد، وهو الدخول بها، فلو طلقها ولم يدخل بها فليس عليها عدة، قال تعالى في سورة الأحزاب: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49]. أما المدخول بها، قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]. وهذه العدة لصنفين من النساء: امرأة مطلقة رجعية، وامرأة مبتوتة.

اختلاف العلماء في المراد بالقرء وبيان الراجح

اختلاف العلماء في المراد بالقرء وبيان الراجح وهذا هو الإشكال العظيم حتى نعرف ماهية العدة، وهل تعتد المرأة بالطهر أم تعتد بنزول الدم يعني بالحيض؟ فالقرء يحتمل الحيض ويحتمل الطهر، والقول الفصل في هذه المسألة أن القرء لغة: يطلق على الطهر وعلى الحيض، وهذا يسمى في اللغة لفظاً مشتركاً، كأن تقول: اشترى وتعني: باع أو اشترى، فالقرء هو الطهر والحيض، واختلف العلماء في معناه اصطلاحاً: فأما الشافعية والمالكية فيرون أن المراد بقول الله تعالى: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، يعني ثلاثة أطهار، فيرون أن القرء هو الطهر، ولهم أدلة من الكتاب والسنة والنظر، أي: من الأثر والنظر.

أدلة القائلين بأن القرء هو الطهر

أدلة القائلين بأن القرء هو الطهر أما من الأثر فقد قال الله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1]. وجه الدلالة من الآية: أن العدة هي الأطهار لا الحيض. فقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] يعني: فطلقوهن في طهرهن، ويدل على هذا: حديث ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: للذي طلق زوجته في الحيض (مره فليراجعها ثم يتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن شاء أمسك وإن شاء طلق) فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يطلق في الطهر، فهذه دلالة على أن المقصود بالقرء: هو الطهر. وأيضاً ورد بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قالت: أتعرفون ما الأقراء؟ الأقراء: الأطهار. وهذه الصحابية لم يخالفها أحد، يعني: في أن عدة المرأة تحسب بالطهر. أما من النظر: فإن الشافعي استدل بدلالة قوية جداً من النظر، ألا وهي: اللغة، فقال: القرء يشتق من الجمع والجمع لا يكون إلا على الطهر، لأن الطهر هو جمع الدم أو تجميع الدم داخل الرحم، أما الحيض فهو خروج الدم من الرحم. وهذا القول من القوة بمكان، أن القرء معناه: الجمع، وإذا نظرت إلى الجمع وجدت أن الطهر: هو الذي يساوي الجمع؛ لأن الطهر معناه: تجميع الدم داخل الرحم، والحيض خروج الدم من الرحم، فصراحة لو وقفنا عند اللغة لقلنا: القرء هو الطهر، كما قال الإمام الشافعي.

أدلة القائلين بأن القرء هو الحيض

أدلة القائلين بأن القرء هو الحيض أما الأحناف والحنابلة فرأوا أن القرء هو الحيض، واستدلوا على ذلك أيضاً بالأثر وبالنظر. أما بالأثر فمن كتاب الله جل في علاه، قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]. وجه الدلالة: أن الذي طلق في الطهر سيكون على امرأته أن تعتد عدة المطلقة طهرين ونصف الطهر فلا تنطبق، ولا يمكن أن تطلق عليها ثلاثة قروء تماماً، ولا تكون إلا في الحيض، ونحن نقول: الأصل في اللفظ: أن يبقى على ظاهره وألا يؤول إلا بقرينة، ولا قرينة هنا صارفة؛ لأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم أثبت هذا العدد، وهو ثلاثة قروء، وهذه لا تصح بحال من الأحوال إلا أن تحيض للمرة الأولى ثم للمرة الثانية ثم للمرة الثالثة، فيكون ثلاثة قروء. ولو طلقها في الطهر، فستبدأ تحسب من هذا الطهر، فلو طلقها في نصف الطهر، فسيكون هذا الطهر ناقصاً ثم الطهر الثاني والثالث، فتكون عدتها طهرين كاملين وشطر طهر، فلا يمكن أن ينطبق على قول الله بأنه ثلاثة قروء، وإنما ينطبق على الحيض فقط فتكون عدتها ثلاثة كاملات. أما السنة: فحديث فاطمة بنت حبيش في السنن رضي الله عنها وأرضاها، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتكت أنها تثج الدم ثجاً، فقال: (إذا أتى قرؤك فلا تصلي) وجه الدلالة من الحديث: أن القرء هنا: الحيض، فإذا جاء الحيض فتطهري، ثم صلي بين القرء إلى القرء، يعني: في الطهر الذي بين الحيض والحيض، وهذا دليل واضح جداً على أن المرأة قرؤها هو: الحيض. أيضاً: هناك حديث مرفوع ضعيف أعله الدارقطني لكنه صح موقوفاً عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه إذ يقول: طلاق الأمة اثنتان، يعني: يطلقها الأولى والثانية، وليس لها ثالثة، ثم قال: وعدتها حيضتان، وهذا أوضح من الأول وصريح: بأن عدتها حيضتان. وأيضاً في سنن الترمذي وأبي داود بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولتدع الصلاة أيام أقرائها) يعني: في حيضها. ومن النظر: يبدوا أن العدة ما أوجبها الله إلا للتعبد أو التفجع أو براءة الرحم، وبراءة الرحم لا تعرف إلا بالحيض.

الراجح في معنى القرء

الراجح في معنى القرء والراجح من القولين صراحةً هو كلام الأحناف والحنابلة، لأننا قد تعهدنا وأقسمنا على أنفسنا أن نتكلم ونعلم أنفسنا والآخرين أن مدار الدين كله على قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه، وهذا جاء نهر الشرع أي: كلام النبي، فلا كلام مع كلام النبي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتدع الصلاة أيام أقرائها) والحديث صححه المحدثون، فلذلك نقول: الصحيح أن القرء هو: الحيض، وأن عدة المرأة تحسب بالحيض ولا تحسب بالطهر، فهذا هو الراجح الصحيح.

الرد على أدلة القائلين بأن القرء هو الحيض

الرد على أدلة القائلين بأن القرء هو الحيض وأما الرد على ما استدل به الشافعية والمالكية، فنقول: الآية محتملة، وقد جاء الحديث وفصلنا المسألة عندما قال: (مره فليراجعها) فهو طلقها في حيض فيأثم بذلك، فليراجعها ثم يمسكها فلتطهر ثم تحيض تم تطهر. فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الطلاق السني: هو أن يطلقها بطهر، فسياق الحديث على الطلاق الذي يقبله الله لا أنه في معرض بيان العدة.

الفرق بين الطلاق السني والبدعي

الفرق بين الطلاق السني والبدعي فالعدة من الحيض لا من الطهر، والآية والحديث يبينان لنا التفريق بين الطلاق السني والطلاق البدعي، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لـ ابن عمر هذا طلاق بدعي عندما طلقها في الحيض، والطلاق السني: أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه. أما في اللغة: فلا يستطيع أحد الرد على ما قاله الإمام الشافعي؛ لأنه من القوة بمكان، ولكن نقول: إن الأثر يقدم على اللغة، فإن المسألة إن لم تحد فحدها الشرع، فإن لم يحدها الشرع فالعرف وإلا فاللغة. فاللغة لا تتقدم على لسان الشرع، وقد جاء لسان الشرع وبين أن القرء هو الحيض، فلا نقدم اللغة على الشرع، وهذا الراجح الصحيح. أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم.

انفراد المرأة بأحكام العدة [2]

أحكام انفرد بها النساء عن الرجال - انفراد المرأة بأحكام العدة [2] اختلف العلماء من أتباع الأئمة الأربعة في معنى القرء على قولين: أحدهما: أنه الطهر، وثانيهما: أنه الحيض، وقد بين الله ورسوله مقدار العدة التي تجب على المرأة إذا مات عنها زوجها، أو كانت صغيرة أو آيسة من الحيض، وفي هذا الدرس بيان لبعض أحكام العدة التي ينبغي معرفتها، فإنها من العلم المهم.

بيان الخلاف في معنى القرء

بيان الخلاف في معنى القرء إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فإن القرء عند العلماء يأتي على معنيين: الطهر أو الحيض، والمرأة التي تعتد بالقرء هي: المرأة المطلقة الحائض، أي: التي تحيض وليست بحامل، قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]،واختار الأحناف والحنابلة أن معنى القرء في هذه الآية الحيض، واختار الشافعية والمالكية أن القرء: هو الطهر، وقد بينا الخلاف والراجح.

أصناف النساء اللاتي يعتددن بالأشهر

أصناف النساء اللاتي يعتددن بالأشهر أما أصناف النساء في العدة بالأشهر فهن: المرأة المطلقة التي لا تحيض، أو التي توفي عنها زوجها، فإذاً: العدة بالأشهر في صنفين من النساء، الصنف الأول: امرأة طلقت وهي لا تحيض، إما لصغر أو يأس. وهذه عدتها الأشهر، كما قال الله جل في علاه: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق:4]، فجعلها بالأشهر {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4]، يعني: لصغر، وهذه الآية فيها دلالة واضحة عند الفقهاء على أنه يجوز أن يتزوج الرجل ابنة ثلاث سنين أو أربع أو خمس أو ست، فإن قيل: وإن كانت لا تطيق الجماع، قلنا: لو كانت لا تطيق الجماع فله أن يتمتع بخدمتها، أو يتمتع بالتقبيل، أو غير ذلك. أما اليائسة من الحيض: فهي التي انقطع عنها الدم ولم يرجع لها مرة أخرى. فعدة القسمين ثلاثة أشهر، إذ البدل يساوي الأصل، فالأصل: القرء وهو الحيض، فقد عده الله جل في علاه بثلاثة قروء، قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، فلما عدم الأصل كان البدل مساوياً للأصل، فقال: ((ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ)) [الطلاق:4]. الصنف الثاني: المرأة التي توفي عنها زوجها، وهذه على العموم، سواء كانت يائسة، أو كانت صغيرة، أو كانت حائضاً، فعدتها بالأشهر، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة:240]، وهذا في أول الأحكام ثم نسخه الله جل في علاه بقوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234]، فعدة المرأة التي توفي عنها زوجها: أربعة أشهر وعشراً، أما على غير الزوج فثلاثة أيام، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً)، فهذه العدة الثانية وهي بالأشهر. وهنا ملحوظة مهمة جداً لا بد من النظر إليها ألا وهي: أن الأشهر تحسب بالعربي لا بالميلادي، والعد يكون بالأشهر القمرية لا الشمسية، قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189]، فالمواقيت تحسب بالأهلة؛ أي: بالأشهر القمرية، سواء كانت تسعة وعشرين أو كانت ثلاثين فهي تحسب بذلك أربعة أشهر وعشراً أو ثلاثة أشهر على حسب المعتدة.

النساء اللاتي يعتددن بوضع الحمل

النساء اللاتي يعتددن بوضع الحمل الصنف الأخير أو القسم الأخير من العدد: هو العدة بوضع الحمل، ولها صنفان: امرأة حامل مطلقة، أو امرأة حامل توفي عنها زوجها. أما المرأة الحامل المطلقة: فإن عدتها: أن تضع الحمل، وأما المرأة التي توفي عنها زوجها: فعدتها: أن تضع الحمل على الراجح كما سنبين الخلاف، قال الله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4]، ووجه الدلالة من الآية: العموم، إذ بين أن أي امرأة كانت حاملة، سواء توفي عنها زوجها أم لم يتوف عنها زوجها فإن عدتها وضع الحمل، كما قال تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4]، والغرض المقصود من العدة: هو براءة الرحم، وبراءة الرحم تعرف: بالولادة، وهذا على الراجح.

خلاف العلماء في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها

خلاف العلماء في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها اختلف العلماء في المرأة التي توفي عنها زوجها وهي حامل هل عدتها وضع الحمل أم غير ذلك؟ على قولين: أما جماهير أهل العلم فقالوا: بأن عدتها وضع الحمل، والذي نجم الخلاف بسببه هو قول الله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4]، فإن هذه الآية عامة من وجه وخاصة من وجه، فهي عامة في المطلقة وفي المتوفى عنها زوجها، وخاصة بأولات الأحمال، والآية الثانية: قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234]، فإن هذه الآية أيضاً عامة من وجه وخاصة من وجه آخر، فهي عامة في الحامل والحائض وغير الحائض فعدتهن أربعة أشهر وعشراً، وخاصة بالمرأة التي توفي عنها زوجها، فقال الجمهور: أما عموم قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234]، فهو مخصوص بقول الله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4]، كأنهم يقولون: المرأة الحامل التي توفي عنها زوجها آيتها هي قول الله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4]، فخصصوا بها عموم قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234]، فالخاص من هنا يخصص عموم هذه الآية. وقال علي بن أبي طالب وابن عباس وكثير من التابعين: بأن الأصح في هذه المسألة تطبيق القاعدة الفقهية التي نتفق عليها جميعاً وهي: إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، فلا بد من إعمال الدليلين بأن نأخذ أبعد الأجلين، فنقول: إن كانت حاملاً وتوفي عنها زوجها فننظر، فإن كانت ولادتها بعد شهر قلنا لها: عدتك ثلاثة أشهر وعشراً؛ لأن هذا هو أبعد الأجلين، وإن كانت في بداية الحمل فنقول: عدتك وضع الحمل، فهي أبعد الأجلين، وبذلك نكون عملنا بالآية الأولى، وعملنا بالآية الثانية، وإعمال الكلام أولى من إهماله، وهذا القول من القوة بمكان في النظر، وهو موافق للتأصيل والتقعيد الفقهي عند العلماء، لولا أننا قد قعدنا قاعدة هي أهم من القواعد بأسرها ألا وهي: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه فهنا الآيتان ظاهرهما التعارض لكن قد فصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النزاع، ورجح بين الآيتين، كحديث سبيعة الأسلمية حيث كانت حاملاً وما هي إلا ساعات حتى ولدت فتهيأت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك وقال: يا لكع! -وقد كان يريدها- أتتزينين للخطاب؟! قالت: فجمعت علي ثيابي، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت له ما قال أبو السنابل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كذب أبو السنابل)، أي: أخطأ أبو السنابل، (قد حللت للخطاب)؛ وذلك لأن الله جل وعلا قال: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4]، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد فصل النزاع في المسألة، ونحن ندور مع الشارع حيث دار، وهذا الحديث فاصل في النزاع، وهو الصحيح الراجح.

حكم رطوبة فرج المرأة

حكم رطوبة فرج المرأة آخر المسائل التي انفرد بها النساء: هي حكم رطوبة فرج المرأة، فالمرأة تعاني كثيراً من هذه المسألة، خاصة إذا وجدت الاحتكاكات أو كانت المرأة شديدة الشهوة، فتضطرب المرأة فيها وتحتار؛ لأن الرطوبة إن كانت نجسة فعلى المرأة أن تغسل الثياب كل مرة، وأن تغسل المحل، وأن تتوضأ لكل صلاة، وإن كانت طاهرة فلا يشق عليها هذا الأمر كما سنبين، ورطوبة فرج المرأة اختلف العلماء فيها على قولين: أما جماهير أهل العلم كالشافعية والمالكية والحنابلة وبعض الأحناف فقالوا: رطوبة فرج المرأة نجسة، واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري ومسلم عن زيد بن خالد رضي الله عنهما أنه سأل عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: أرأيت إذا جامع الرجل امرأة ولم ينزل؟ قال عثمان: (يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره، وقال عثمان: سمعت ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم)، والشاهد في هذا الحديث هو قوله: (يغسل ذكره) ووجه الدلالة منه: أن عثمان أمر بغسل الذكر من جماع المرأة وإن لم ينزل، وذلك لأن الذكر قد أصابه من رطوبة فرج المرأة شيء، وجعل هذا عاماً، أي: سواء أمذى أو لم يمذ، فكأنه قال: سواء أمذيت أم لم تمذ فعليك أن تغسل ذكرك، ففيها دلالة واضحة على أنهم كانوا يعتقدون أن رطوبة فرج المرأة نجسة. والحديث الثاني أيضاً في الصحيحن وهو عن أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه قال: يا رسول الله! إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل، قال: (يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ) أو قال: (اغسل ما أصابك منه) وهذا أوضح في الدلالة، إذ أنه أمر بالغسل، ولا يأمر بالغسل إلا على نجاسة، فهذا فيه دلالة واضحة على أنها نجسة، أما حكم أن الرجل إذا جامع امرأته فعليه أن يتوضأ فهذا منسوخ. القول الثاني: وهو قول للشافعية وابن حزم، وهو ترجيح ابن عبد البر من المالكية، قالوا: رطوبة فرج المرأة طاهرة، واستدلوا بما يلي: أولاً: الأصل، فإن الأصل عدم النجاسة ما لم يدل دليل على ذلك، قالوا: فإن قيل: الدليل هو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اغسل ما أصابك)، قلنا: لا نوافق على هذا المقدمة، فإن قوله: (اغسل ما أصابك)، أي: اغسل استحباباً لا وجوباً. الدليل الثاني: الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها (أنها كانت تفرك المني من ثوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو من جماع، فيدل على أنه أصاب المرأة، وإذا أصاب المرأة فلا بد أن يصيب الثوب رطوبة فرج المرأة، وهذا الحديث ظاهر جداً في أن رطوبة فرج المرأة كانت تلاقي الثوب ومع ذلك كانت لا تغسله بل تفركه، وفيه دلالة على أنه ليس نجساً؛ إذ لو كان نجساً لأمرت بالغسل، لكنها كانت تفرك ثوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا فيه دلالة على عدم النجاسة. والراجح من القولين: هو القول الثاني، وهو أن رطوبة فرج المرأة طاهرة وليست بنجسة، لا سيما وأن مقاصد الشريعة توافق القول بذلك؛ لأن المرأة إذا كانت تتابع معها هذه الرطوبة وقلنا بالنجاسة لشق عليها هذا الأمر شقة لا يعلمها إلا الله جل في علاه، حيث يجب عليها غسل الثوب، وغسل المحل، والوضوء دائماً وفي هذه مشقة، فالصحيح الراجح في ذلك: أنها طاهرة، وهذا الذي يتفق مع روح الشريعة.

حكم الوضوء من رطوبة فرج المرأة

حكم الوضوء من رطوبة فرج المرأة المسألة الثانية التي تتفرع عن هذه المسألة هي: أنه إذا قلنا بالطهارة فهل ينقض الوضوء أم لا ينقض؟ المسألة على قولين: القول الأول: وهو قول جماهير أهل العلم أنه ينقض الوضوء؛ لأنه نجس عندهم، ومن يقول بالطهارة يقول: إنه خرج من السبيلين، وكل ما خرج من السبيلين ينقض الوضوء، وهذا تفصيل من الشافعية، ونظير ذلك في الشرع: الريح، فإن الريح طاهر باتفاق، ومع ذلك فهو ينقض الوضوء. إذاً: القول الأول: ينقض الوضوء؛ لأنه خرج من السبيلين فيعامل معاملة الريح. القول الثاني: وهو قول ابن حزم قال: لا ينقض الوضوء، والدلالة على ذلك: أن الأصل عدم نقض الوضوء. ونحن نقول: قد جاء الدليل الناقل عن هذا الأصل، ألا وهو: القياس على الريح، وهذا القياس مضمون جداً، فإن الريح طاهر وخرج من السبيلين فينقض، وكذلك رطوبة الفرج فإنها تخرج من السبيلين وهي ناقض أيضاً.

بيان بطلان الصلاة بمرور المرأة البالغة

بيان بطلان الصلاة بمرور المرأة البالغة مسألة فرعية أخرى: مسألة مرور المرأة البالغة أمام المصلي تبطل الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يقطع الصلاة مرور المرأة والحمار والكلب الأسود)، فقالوا: يا رسول الله! على ما الكلب الأسود من الأصفر؟ قال: (الكلب الأسود شيطان). هذه آخر المسائل في هذا البحث، فلقد انتهينا منه بفضل الله ومنه وكرمه علينا.

حكم إمامة المرأة والجماعة لها وأحكام العقيقة

أحكام انفرد بها النساء عن الرجال - حكم إمامة المرأة والجماعة لها وأحكام العقيقة لقد جاء الإسلام بتكريم المرأة وصيانتها، والمحافظة عليها، ومن أجل ذلك فقد رتب لها أحكاماً خاصة بها، من أجل المحافظة عليها، وعلى طهارة المجتمع، ومن الأحكام التي خصها بها: أن صلاتها في بيتها أفضل لها، وعدم جواز صلاتها بالرجال، أو متقدمة عليهم، كما أنه جعل لها ضوابط في صلاتها مع الرجال في المسجد، وكل ذلك من أجل المحافظة على نقاء المجتمع وطهارته، وخوفاً من شيوع الفساد فيه.

أفضل صلاة المرأة في بيتها

أفضل صلاة المرأة في بيتها إن الحمد لله، نحمده وستعينه وستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فمن الأحكام التي انفردت بها النساء: أن المرأة لا ينبغي لها الخروج إلى المسجد، فقد جاء في حديث أم حميد الساعدية رضي الله عنها وأرضاها أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! إني أحب الصلاة معك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من الصلاة في مسجدي هذا)، فأمرت بمكان في بيتها فبني لها، فأصبح مسجداً تصلي فيه، حتى لقيت ربها جل في علاه، تطبيقاً لقول الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33].

حكم إمامة المرأة بالنساء

حكم إمامة المرأة بالنساء ويجوز للنساء أ، يعقدن لهن جماعة، ويجوز أن تؤم المرأة بالنساء وتكون وسطهن وهذه الحالة لها نظير عند الرجال، فقد كانت صلاة الرجلين مع الرجل أن يقف وسطهما، ثم نسخ ذلك. فإذاً: المرأة تقف وسط النساء، وهذا هو قول الأئمة الثلاثة الشافعي وأحمد وأبي حنيفة رحمهم الله، وأما مالك فيرى أنه لا يجوز الصلاة للنساء جماعة، فالمالكية يرون أنه لا تصح إمامة المرأة للنساء، فضلاً عن الرجال، وليس لهن جماعة. فأما الدليل على صحة جماعة النساء وأن المرأة تقف وسطهن: ما جاء في مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح: أن أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها كانت تصلي بالنساء، فتؤمهن في رمضان، وتقوم معهن في الصف، وأيضاً حدث ذلك من عائشة رضي الله عنها وأرضاها. فالصحيح الراجح الذي دلت عليه الآثار والأدلة: أنها يصح إمامة المرأة بالنساء، وقد فعلت ذلك أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ولنا بهن أسوة حسنة، وهذه فيه دلالة على أن لهذا أصلاً وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أنهن يفعلن ذلك، ويقر بذلك.

حكم إمامة المرأة بالرجال

حكم إمامة المرأة بالرجال وإذا قلنا بجواز إمامة المرأة للنساء، وأنها تقف وسطهن، كما كانت تفعل أمهات المؤمنين، فما حكم إمامة المرأة للرجال؟ إمامة المرأة بالرجال الصحيح الراجح عند الأئمة الأربعة: أنها لا تصح ولا تجوز, فإذا صلت بالرجال فالصلاة باطلة، والأدلة على ذلك كثيرة: أولاً: قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34]، وإذا جعلت المرأة إماماً لهؤلاء الرجال فقد جعلتها قوامة عليهم، وقلبت الآية، وخالفت نهج ربك جل في علاه. كذلك جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، وفي رواية أخرى بإسناد جيد قال صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم أسندوا أمرهم لامرأة)، فهذه أدلة واضحة جداً على أن المرأة لا يمكن أن تتقدم على الرجال. كذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل النساء خلف الرجال في الصلاة، وكان يقول: (أخروهن كما أخرهن الله). وهذا الحديث ضعيف، والصحيح: أنه موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف النساء آخرها، وشر صفوف النساء أولها)، فكيف يجعل النبي صلى الله عليه وسلم الشر في أول صفوف النساء، ثم يجعلها بعد ذلك أول الناس ويجعلها إمامة؟! فالصحيح الراجح: أن إمامتها باطلة، والصلاة باطلة، ومن رضي بذلك فقد خالف الفطرة السليمة الصحيحة، ورد على الله حكمه، حيث يقول الله جل في علاه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34].

ضوابط صلاة المرأة مع الجماعة في المسجد

ضوابط صلاة المرأة مع الجماعة في المسجد أما إذا أرادت المرأة أن تصلي مع الجماعة في المسجد مع الرجال، فلا بد لها من ضوابط منها: أولاً: أن تخرج تفلة غير متطيبة، كما جاء عن الإمام أحمد في مسنده بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن إذا خرجن تفلات)، يعني: غير متطيبات. كذلك جاء في مسلم مرفوعاً عنه صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء)، فإذا صلت خلف الصفوف، وظهرت رائحتها فقد ذهب أبو هريرة إلى أن عليها أن تذهب وتغتسل وتعيد هذه الصلاة -على خلاف فقهي بين العلماء- ورفع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. ثانياً: أن تكون متأخرة خلف الرجال. كما قال أنس رضي الله عنه: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم فقمت أنا والغلام خلف النبي صلى الله عليه وسلم وقامت المرأة خلفنا. فلو تقدمت المرأة -كما يحدث في الحرم كثيراً- فمن أهل العلم من يرى أن الصلاة باطلة. فإذا صلى الرجل وصلت أمامه المرأة فالصلاة باطلة، والدلالة على بطلان الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لهن مكاناً وهو الصف الأخير، فإذا خالفوا النبي صلى الله عليه وسلم فقد وقعوا في المحظور. فالدلالة على بطلان الصلاة: هو صريح قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، يعني: فهو باطل، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد). وهذا فيه دلالة واضحة على بطلان الصلاة، والجمهور والمحققون من أهل العلم يرون أن الصلاة تبطل، ويأثم المرء إن كان مختاراً، ولا شيء عليه إن كان قد غلب على أمره وهو الراجح الصحيح، فإن لم يكن مختاراً فلا شيء عليه، لكن الصلاة يقل أجرها؛ لأن فيه مخالفة صريحة لفعل وقول النبي صلى الله عليه وسلم. ثالثاً: إذا اختلجت على الإمام القراءة فإنها تصفق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نابه شيء في الصلاة فليسبح، فإنما التصفيق للنساء)، ففرق بين حكم النساء وبين حكم الرجال في ذلك.

بعض الأحكام التي انفردت بها النساء عن الرجال

بعض الأحكام التي انفردت بها النساء عن الرجال ومن الأحكام التي انفردت بها النساء عن الرجال مسألة العقيقة، ومسألة تولي المرأة القضاء والخلافة. فأما مسألة القضاء والخلافة ففيها ثلاثة أقوال، وخلاف عريض، وأدلة كثيرة جداً، وفيها أخذ ورد، وأما مسألة العقيقة، فالخلاف بين العلماء هل هي واجبة أم سنة؟ فقد اختلفوا على أقوال، والراجح عند بعض العلماء: أنها واجبة على الولي الذي ولد له المولود، والصحيح: أنها سنة عند الجمهور، ويذبح عن الطفل شاتان، وعن الجارية شاة واحدة، وهذا على الاتفاق. ثم اختلفوا في حلق الشعر، فقالوا: يحلق شعر الطفل بالاتفاق، ويتصدق بوزنه فضة على المساكين. واختلفوا في الطفلة هل يحلق شعرها أم لا؟ والصحيح: أنه يحلق أيضاً، وقد ورد أثر عن فاطمة رضي الله عنها وأرضاها بذلك، وإن كان السند لا بد أن يراجع؛ لأن فيه كلاماً ولكن الصحيح: أنه لا فرق بين الاثنين في هذه المسألة، فتحلق أيضاً الجارية، ويتصدق بوزن هذا الشعر فضة، وفي الحديث بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ولد له ولد فأحب أن يعق عنه قال: فعن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة واحدة)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. وفي المسند أيضاً بسند صحيح عن أبي رافع رضي الله عنه وأرضاه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (احلقي رأسه، وتصدقي بوزن شعره فضة على المساكين)، وهناك أيضاً فرق آخر في مسألة الطهارة، وهو: أنه يغسل الثوب من بول الجارية، ولا يغسل من بول الطفل، بل يرش أو ينضح كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

تولي المرأة القضاء أو الخلافة

أحكام انفرد بها النساء عن الرجال - تولي المرأة القضاء أو الخلافة الأحكام الشرعية تعم الرجال والنساء على السواء، لكن هناك أحكام انفردت بها النساء عن الرجال، وذلك بما يتوافق مع قدراتهن الحسية والمعنوية، وكذلك هناك أحكام انفرد بها الرجال دون النساء؛ وذلك بما يتوافق مع قدراتهم الحسية والمعنوية، ومن ذلك القوامة والخلافة والإمارة والقضاء وغير ذلك مما يختص به الرجال دون النساء، وكذلك مسألة الطلاق، فقد جعل الله سبحانه الطلاق بيد الرجال، وكل هذا يدل على حكمة الله سبحانه وتعالى.

حكم تولي المرأة القضاء والخلافة

حكم تولي المرأة القضاء والخلافة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. فهذه أحكام انفردت بها النساء، وقد انتهينا في هذه المسألة إلى تولي المرأة القضاء والخلافة ورئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة كذا وكذا وكذا، هل للمرأة أن تكون أميرة على الرجال؟ وهل لها أن تكون رئيسة عليهم؟ وهل للمرأة أن تكون خليفة للمسلمين؟ هذا الذي نبحثه الآن. القول بأن المرأة كائن قوي كالجبل الشم الشامخ، قوية البنيان قوية العقل خطأ وتدليس من أجل أن ترضى عنا النساء، لكن القول الحق: أنَّ المرأة كائن ضعيف بالاتفاق والإجماع. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ضعف المرأة بقوله: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، فقلن: يا رسول الله! علام نقصان العقل والدين؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً نقصان العقل والدين: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ فهذا نقصان العقل، وأليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ فهذا نقصان الدين)، وقد قال الله تعالى مبيناً لنا ضعف الإنسان: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء:28]، وهذا على العموم، فما بالكم بالمرأة الكائن الضعيف الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أحرج على حق الضعيفين: المرأة واليتيم) فسماها ضعيفة، وقال: (اتقوا الله في النساء؛ فإنما هن عوان عندكم) أي: أسيرات عندكم. فالمرأة بأصلها ضعيفة لا تستطيع أن تفصل في الأمور العظام، والمرأة أصل كينونتها وجبلتها أن عاطفتها تغلب على الحكمة، فإذا وجدت رجلاً يقتل رجلاً فلن تفض النزاع، ولن تقول: اتق الله! ولن تأخذ الأداة القاتلة وتكسرها، لكنها ستولول وتلطم خدها، وهذا الذي يمكن أنْ تفعله، وأنها ستأتي بباقي النساء ليولولن معها.

أقوال العلماء في مسألة تولي المرأة القضاء أو الإمارة أو الخلافة

أقوال العلماء في مسألة تولي المرأة القضاء أو الإمارة أو الخلافة إن المرأة خلقها الله وجبلها على النقص في الدين والعقل، وبالتالي لا تستطيع أن تقود هذه الأمة إلى الانتصارات وإلى العلو والرقي، فهل للمرأة أن تكون خليفة، أو أن تستلم مقاليد القضاء، أو أن تكون رئيسة؟ بعض العلماء قالوا: نعم، تكون أميرة، أو وزيرة أو رئيسة لكنْ على النساء، وليس على الرجال، كأن تكون مديرة مستشفى ولادة، أو مديرة مدرسة بنات فهذا جائز، لكن لا تكون مديرة على الرجال، كأن تكون قاضية، فيدخل الرجال عليها من بينهم رجل في وجهه سبعة عشر جُرحاً والآخر أعور، فلو رأت هذه الأشكال لسقطت، فهي لا تستطيع أن تقوم مقام القاضي، فلو كانت المرأة قاضية ودخل عليها مجرم وأخذ يفصل لها كيف زنى بامرأة، فماذا ستفعل المرأة القاضية؟ وليس من اللائق أنْ يفصل لها هذا، والعقل لا يقبل مثل هذا، لكننا تعلمنا أن نتكلم بعلم، ومن رد علينا بعلم فأهلاً به وسنأخذ بكلامه، وإن كان جاهلاً أو متعاطفاً مع الموجة فإنا نرد كلامه في نحره ونقول: العلم قال الله قال رسوله.

القول الأول: جواز تولي المرأة القضاء والخلافة وغيرهما وأدلته

القول الأول: جواز تولي المرأة القضاء والخلافة وغيرهما وأدلته نقول: اختلف العلماء في مسألة تولي المرأة القضاء، ومن باب أولى مسألة الخلافة والإمارة على ثلاثة أقوال: القول الأول: قول ابن جرير الطبري، وقوله أضعف الأقوال. قال ابن جرير: يجوز للمرأة أن تكون خليفة أو أميرة للمؤمنين أو قاضية، وكل شيء تتولاه المرأة يصح لها أن تفعل ذلك، وهذا القول قال فيه ابن العربي: قد شذ ابن جرير، أو قال: أربأُ به أن يشذ عن العلماء، فما من أحد وافقه في مثل هذا القول، فقد قال: يجوز لها أن تتولى القضاء في الدماء وفي الأموال وفي كل شيء. ولقد بحثت كثيراً عن أدلة له فلم أجد دليلاً، لكن يمكن أن يستدل له بدليل الأحناف: وهو أن الله أباح للمرأة أن تكون شاهدة، فإذا أباح لها الولاية على الشهادة فقد أباح لها الولاية على القضاء وغير القضاء، ويمكن أن يستدل بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (النساء شقائق الرجال)، وَفي الأحكام إن تولى رجل القضاء، فالمرأة تستطيع أن تتولى القضاء، وهذا أضعف الأقوال.

القول الثاني: جواز تولي المرأة القضاء في الأموال فقط وأدلته

القول الثاني: جواز تولي المرأة القضاء في الأموال فقط وأدلته القول الثاني: قول الأحناف وهو أقوى من الأول بيسير، قالوا: يجوز للمرأة أن تتولى القضاء في الأموال فقط، فلو أن رجلاً سرق رجلاً مالاً، أو بخس حق رجل، أو تنازع الناس في التجارة في البيع والشراء، فللمرأة أن تفصل فيه. وأدلة الأحناف قالوا: قد أباح الله جل في علاه شهادة المرأة في الأموال، قال عز وجل: ((وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ)) [البقرة:282]. وأيضاً لها ذمة خاصة بها، تبيعها وتشتري كيفما شاءت، فلها أن تتولى القضاء في مثل هذا الباب الذي أباحه الله لها عن باقي الأبواب، وهذا القول حسن على الأقل؛ لأنه قيد المسألة ولم يطلقها.

القول الثالث: عدم جواز تولي المرأة للقضاء والخلافة والإمارة وغيرها وأدلته

القول الثالث: عدم جواز تولي المرأة للقضاء والخلافة والإمارة وغيرها وأدلته القول الثالث: وهو أقوى الأقوال، وهو الذي عليه جماهير أهل العلم من الخلف والسلف: لا يجوز للمرأة بحال من الأحوال أن تتولى القضاء لا في الأموال، ولا في غير الأموال، ولا أن تكون أميرة على الرجال. والأدلة على ذلك بالأثر والنظر، أما بالأثر فمن الكتاب، قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34]، والعلمانيون ينادون ويقولون: النساء قوامون على الرجال، فهل نصدق الله في عليائه أم نصدق هؤلاء؟ إنما نصدق الله سبحانه، فهو عز وجل من قدم الرجال على النساء، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34]، ولم يقل: النساء قوامون على الرجال. وأيضاً من كتاب الله جل في علاه: قال الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة:282]، ولم يجعل المرأة منفردة في مسألة أباحها لها، لكنه جعلها مقيدة؛ لضآلة عقل المرأة في هذه المسألة، ولعدم ضبطها، ولعدم تذكرها، وانظروا إلى الفقيهة الأريبة اللبيبة أم الشافعي التي أخرجت لنا الشافعي، وهذا يبين رجحان عقل المرأة، وذلك أنها دخلت على القاضي في شهادة، فقال لها: أدلي بشهادتك، فقالت: أنتظر أختي، فقال: هي على الباب، أدلي بشهادتك الآن وسأدخلها بعدك، قالت: لا، لا بد أن تكون معي، فتعجب القاضي، وقال: ولم؟ قالت: قال الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة:282]، إذاً فيد واحدة لا تأتي بنفع ولا تثمر. فلما أباح الله لها الشهادة ما جعلها منفردة، بلْ جعل معها أخرى، ووجه الدلالة في هذه الآية قوي جداً. ومن السنة: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، فقالت امرأة من سطة النساء -أي: من وسط النساء-: يا رسول الله! ما نقصان الدين والعقل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ هذا نقصان الدين، أليس الله جعل شهادة الرجل بشهادة امرأتين؟ فذاك نقصان العقل)، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن عقلها ليس براجح وإن كانت ذات عقل، فليس من الممكن أن تأتي بامرأة لتفصل في كل مسألة؛ لأنها لا تستطيع أن تحل المشكلات والمعضلات؛ لأن الله ركبها لتكون ملكة في بيتها، ولتخرج لنا الشموس التي تشرق على هذه الدنيا بحنانها وعاطفتها وجمال فعلها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)، عامٌ في ذلك، وإليكم الدليل القاطع في النزاع، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيح: (ما أفلح الله قوماً ولوا أمرهم امرأة)، وهذا خبر على: أن الله جل وعلا جعل الخراب والدمار بقوم ولوا على أمرهم امرأة، فهو يقول: خلقتكم وأنا أعلم بكم، لو وليتم أمركم امرأة فهو خراب ودمار عليكم. وأما إن كان إنشاءًً؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد دعاؤه بل يقبل. إذاً: فمن ناحيتي الخبر والإنشاء فهي مغلقة، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه ويقول: اللهم من تجرأ وولى أمره امرأة فلا تفلحه. والخبر والإنشاء أحلاهما بالنسبة للقوم الذين يولون أمرهم امرأة مر: (ما أفلح الله قوماً ولوا أمرهم امرأة)، وفي رواية أخرى يقول: (لا يفلح -أبداً إلى يوم القيامة- قوم ولوا أمرهم امرأة)، وهذه أدلة تثبت لنا عدم صحة تولي المرأة القيادة على الرجال. وأما الأدلة من النظر فنقول: المرأة ضعيفة وهي كائن لطيف، فقد تكسب المرأة حين تتغزل في محاسنها، أو تحسن لها بكلامك اللطيف، وتستطيع أن تجعلها تدعو لك، وأن تعينك على طاعة كَأَنْ تراجع لك القرآن، لكن تفصل لك الأمور، أو تقضي لك في المعضلات، فهذا لا تطيقه؛ لأنها ضعيفة لا تستطيع أن تحتمل، ولا تستطيع أن تفكر تفكيراً جلياً ينهي لها المسائل في المعضلات؛ لأن القاعدة عند النساء: العاطفة تتغلب على الحكمة، وهذا من أمتع ما يكون للنساء، فإذا كانت العاطفة تغلب الحكمة فلا يمكن لها أن تحل المعضلات والمشكلات، وتكون رقاب الأمة بأسرها في يدها تحكم فيها، فإذا وَجَدتَ رجلاً أنيقاً وسيماً عيناه زرقاوتان وشعره لطيف، فإنها ستقول: هذا الرجل سأجعله وزيراً، أو نائباً لي؛ لأن العاطفة عند المرأة تغلب على الحكمة، ولن تُعمِلَ عقلها فيما يرضي الله جل في علاه. إذاً: فالصحيح الراجح من الأثر والنظر أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى قلائد الأمور بالنسبة لرقاب العباد. وهناك شبهات يوردها العلمانيون حول تولية المرأة للقضاء والإمارة والخلافة، ويردون بها حديث: (لن يفلح قوم ولوا عليهم امرأة) وغيره من الأدلة، ومنها قولهم: هذا الحديث خاص في امرأة من فارس في الواقعة التي وقعت، ونرد عليهم ونقول: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإذا قالوا: هي خاصة بهذه المسألة، قلنا: لابد أن تعرفوا مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو كانت الأحكام تنزل بالناس خاصة، ما أخذنا بحكمٍ نعمل به، لكن الأحكام على العموم وليست على الخصوص. فإذا قالوا: عندنا أدلة أخرى قوية تدل على أن المرأة تستطيع أن تكون لها الولاية والقلادة، وهي من أدلة الأحناف، حيث قالوا: يصح للمرأة أن تكون ناظرة وقف، ويصح لها أن تكون وصية على الأيتام، كما كانت عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قلنا: هذا صحيح، لكنه لا يرتقي إلى أن تكون مباشرة للقضاء مع الرجال، ولا أنْ تحتك بهم ولو احتكت بهم لقلنا: هذا حرام، ولا يصح بحال من الأحوال. أما الوصية على الأيتام كأن يقمن لهم بالحنان والعطف فهذا لا بأس به، ومع ذلك نقول: لو كان الرجل وصياً لكان أولى من المرأة، وهذه الأمور لا تجعلها تتقلد هذه المسألة العظيمة، وهي أن تكون خليفة أو أميرة للمؤمنين. وهناك شبهات تتعلق بهذا القول، منها: شبهة الملكة بلقيس التي كانت ملكة على رجال، بل لم ينفذوا أمراً إلا بها، قال عز وجل مخبراً عنها: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل:29 - 33]. قالوا: قد بين الله جل وعلا لنا أن المرأة كانت ملكة وأقر ذلك وما أنكره، وإقرار الله يدل على الصحة، وهذه المقدمة الأولى. قالوا: والمقدمة الثانية -وهي الشبهة الأقوى في نظرهم-: أنَّ عمر بن الخطاب، جعل امرأة والية لحسبة السوق، ويقولون: وأنتم ليلاً ونهاراً على المنابر تقولون: عمر وما أدراك ما عمر، فإذا كان عمر هو الذي ولى، فخذوا بتلابيب عمر؛ لأنه هو الذي جعل للمرأة الولاية على حسبة السوق، فماذا تقولون في هذه الشبهة؟ ف A شبهة الملكة بلقيس نرد عليها من خمسة أوجه: الوجه الأول: أنهشرع من قبلنا؛ وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت في شرعنا ما ينسخه، هذا إذا كان سليمان أقرها على ملكها، لكن لا يصح أن سليمان أقرها على ملكها؛ لأن سليمان لم يملكها شيئاً، بل أخذ ملكها وأخذ عرشها، وقال الله عز وجل حاكياً عن سليمان: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} [النمل:42]، ولما دخلت الصرح الممرد من قوارير وكشفت عن ساقيها لم تصبح مع سليمان ملكة حاشا لله، وحاشا لسليمان أن يفعل ذلك. الوجه الثاني أن الهدهد حيوان من العجماوات ومع ذلك ما أقر بملك بلقيس بل أنكره، فهو عندما تكلم مع سليمان أنكر وصفها بالملك، قال: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً} [النمل:23]، فالهدهد ينكر ذلك، فما بالك بالبشر، قال: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا} [النمل:23 - 24]، إلى آخر الآيات. الوجه الثالث: على فرض أنهم قد أقروها على ذلك، وأصبحت ملكة عليهم، فقد خربت عليهم الديار، وضيعت عليهم الآخرة، وجعلتهم يعبدون الشمس، وهذا هو مصير كل من يدع للمرأة زمام الأمور، فقد عبدت الشمس فعبدوا الشمس معها، فآل أمرهم إلى بوار، ولولا رحمة الله بهم لكانوا كلهم في نار جهنم خالدين فيها، وبذلك تحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أفلح الله قوماً ولوا أمرهم امرأة). الوجه الرابع: أن سليمان أطاح بملكها ولم يعطها ملكاً. الوجه الخامس: إذا وافقناكم وقلنا: إن الملكة بلقيساً كانت ملكة وحدث الإقرار لها فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليهدم هذه القواعد، ووضح وبين أن كل هذه القواعد في ديننا لا تقبل، يقول: (ما أفلح الله قوماً ولوا أمرهم امرأة)، وكذلك في شرع سليمان أنهم كانوا يعملون له ما يشاء من التماثيل، فجاء الشرع بهدم هذه الشريعة. وأما الرد على الشبهة الثانية أو الفرية الثانية، نترك المجال لـ ابن العربي في الرج عليه، قال ابن العربي: والظن في ابن جرير أنه لا يشذ أبداً عن العلماء، بل قوله يوافق قول الأحناف أنها تتولى القضاء في مسألة الأموال فقط، يعني كما أبيحت لها مسألة الشهادة، على ضعف في هذا القول. ثم قال: وقد

مسألة الطلاق من المسائل التي انفرد بها الرجال عن النساء

مسألة الطلاق من المسائل التي انفرد بها الرجال عن النساء ومن المسائل التي انفرد بها الرجال عن النساء: الطلاق، فالطلاق لا يكون بيد النساء؛ لأن العصمة في يد الرجل، لكن هناك أمور جديدة ظهرت ونسمعها كثيراً، منها: أن المرأة تقول: العصمة في يدي، فإذا ضايقني خلعته. نقول: لا والله، إن الله جل في علاه يعلم أن المرأة لا يصح أن تقود أو تكون قوامة على الرجل؛ لأنه تفريع عن هذا الأصل الذي تكلمنا به، وأن الله يعلم من ضعف المرأة فلم يجعل الطلاق بيدها؛ لأن الحكمة عندها ضئيلة والعاطفة عندها تغلب على الحكمة، وإذا دخل الرجل على امرأته يوماً فأغضبها لأنكرت كل معروف قدمه لها. ولو كان الطلاق بيدها لطلقته ثلاثاً في الحال، والنبي صلى الله عليه وسلم قد فسر حالها، فقال: (لو أحسن معها الدهر بأسره، ورأت منه شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط)، أي: نفت كل الخير. إذاً: فالعاطفة تغلب الحكمة عند المرأة، ولذلك لم يجعل الله الطلاق بيدها، كما قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النساء:34]، وفصل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المسألة وقال: (الطلاق بيد من أخذ بالساق)، أي: أن الطلاق بيد الرجل.

§1/1