أحكام الهجر والهجرة في الإسلام

أبو فيصل البدراني

مقدمة

"بسم الله الرحمن الرحيم" الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , أما بعد: فهذه رسالة حول أحكام الهجر والهجرة في الإسلام , وقد جمعت فيها مسائل مهمة متفرقة عن هذا الموضوع

تنبيه: أعتذر لكل الأخوة القراء لعدم عزو المعلومات المسطرة في هذه الرسالة إلى مصادرها كما ينبغي , والسبب في ذلك أن أصل هذه الرسالة كان ملخصاً شخصياً ولم أكن أنوي وقتها نشرها بين الناس وبالتالي لم أهتم بمصادر المعلومات ولكن لمَا كثرت المادة لدي ارتأيت نشرها لتعم الفائدة للجميع , فجزى الله كل من ساهم في هذه الرسالة مساهمة مباشرة أو غير مباشرة كالذين نقلت عنهم ولم أذكر أسماءهم للسبب المذكور أعلاه وجعلها في موازين حسناتهم. لإبداء الملاحظات والاقتراحات فيرجى التواصل على البريد الإليكتروني: [email protected] أخوكم أبو فيصل البدراني.

أحكام الهجر في الإسلام

أحكام الهجر في الإسلام: تعريف الهجر والهجرة والهجران: المعنى اللغوي للهجرة والهجر والهجران: هو ضد الوصل وهو مفارقة الإنسان غيره إما بالبدن أو باللسان أو بالقلب والأصل فيه الترك قولاً كان أو فعلاً وقوله تعالى (واهجرهم هجراً جميلاً) يحتمل المفارقة بالبدن واللسان والقلب ومدعو إلى أن يتحرى أي الثلاثة إن أمكنه مع تحري المجاملة وأما قوله تعالى (والرجز فاهجر) فحثٌ على المفارقة بالوجوه كلها. والهجر الجميل هو الاعتزال الحسن وهو الذي يقتصر على حقيقته ولا أذى منه ولا جزع فيه وقوله (واهجرني مليا) أي اعتزلني ما دمت حياً صحيحاً ولا تكلمني. أقسام الهجر الظاهر: 1 - هجر إيجابي: وصورته هجر الكلام والسلام وحسن التعامل وإظهار البغض وهو الصادر ممن له حق الزجر والتأديب إما بسلطة مادية كالأب مع أبنائه والزوج مع زوجته أو سلطة معنوية كالشيخ مع تلاميذه , علماً بأن هذا الهجر يجب فيه إشعار المهجور بالهجر وسببه , وهو إما دواء وإما تعزير، فإن كان من أجل معصية مستمرة فهو دواء، وإن كان من أجل معصية مضت وانتهت فهو تعزير. 2 - هجر وقائي: وهو الذي يتقي الهاجر فيه شر المهجور دينياً أو دنيوياً أو الافتتان به , وهذا الهجر يجب أن يكون جميلاً ولا يلزم منه إشعار المهجور بالهجر وسببه. وهذا الهجر لا يلزم منه سوء المعاملة بل لا مانع من اجتماع الهجر الوقائي وحسن التعامل الظاهر والمداراة في حق المعين إذا كانت الجهة منفكة. مقاصد الإسلام في الهجر الإيجابي: مقاصد الإسلام في الهجر تختلف باختلاف المهجور والهاجر, فالمقصود من هجر المبتدع الداعية إنكار المنكر ومنع انتشار البدعة ولو كان صاحبها متأولاً معذوراً, وأما المقصود من هجر الفسَاق الهجر التأديبي فهو ردعهم وزجرهم عماهم فيه حتى يتوبوا وليس المقصود من هجرهم التشفَي منهم فالهجر التأديبي وسيلة وليس غاية مقصودة لذاته , وأما الهجر الوقائي فهو مشروع دائماً وهو خاص بمن يخاف الفتنة على نفسه من المبتدع أو الفاسق ويتأكد الهجر الوقائي بمن ليس له حق في الرحامة , وعلى هذا فالهجر الشرعي للمبتدع الداعية والفاسق المجاهر المراد منه تخفيف الشر أو إزالته أو حصر دائرته ويتوقف على مدى تحقيق المقاصد الشرعية من الزجر والتأديب ورجوع العامة وتحجيم المبتدع وبدعته وضمان السنة من شائبة البدعة ونحو ذلك. حكم الهجر بين المسلمين: الهجر بين المسلمين لحظِّ النفس، أو على أمرٍ دنيوي محرم ولا يجوز ,عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا تَبَاغَضُوا وَلا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ).رواه البخاري ومسلم. وهذا الهجر لا يجوز أكثر من ثلاث ليال كما سبق في الحديث وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار). رواه أبو داود

مجمل مذاهب العلماء في التعامل مع زلات الإخوة في الله

وصححه الشيخ الألباني، فهذا الحديث يدل على خطورة التقاطع والتدابر وحرمته، إذا لم يكن له ما يسوغه شرعاً ولا شك في أنه في تلك الحال ينقص الأجر، بل قد ورد أنه لا يغفر لمن بينه وبين أخيه شحناء حتى يصطلحا ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا، إلا امرءاً بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا). وعلى هذا فلا يجوز الهجران بين المسلمين عند وجود زلة من أحدهما بل يجب عليهما صرف هذه الزلة إلى الإحسان والعطف على المُخطيء بالإشفاق وترك الهجران والإغضاء عند ورود الزلات وترك المناقشة على الهفوات، وليس كل ذنب يستحق الهجر ومن ذا الذي سلم من الخطأ غير أنبياء الله ورسله عليهم السلام وكم لبعض المشاهير من العلماء من زلات لكنها مُغتفرة بجانب ما هم عليه من الحق والهدى والخير الكثير ولو أُخذ كل إنسان بهذا لما بقي معنا أحد , وما شُرع أدب الاستئذان وما تبعه من تحسيس أهل البيت بدخول الداخل إلا للبعد عن الوقوع على العثرات فكيف بتتبعها. مُجمل مذاهب العلماء في التعامل مع زلات الإخوة في الله: يقول أهل العلم أنه ينبغي العفو عن هفوة الأخ في الله والكف عن عثرته وهي لا تخلو إما أن تكون في دينه أو دنياه , فإن كانت في دنيا فالأولى التغافل وإن كانت في الدين فهي على قسمين, أن تكون صغيرة فالأولى المناصحة بين الفينة والأخرى دون المهاجرة أو أن تكون كبيرة فهي على نوعين, أن تكون زلة فالواجب العفو والصفح , أو أن يكون متلبساً بها مصراً عليها فالأولى التلطف معه ونُصحه في بداية الأمر فإن لم يستجيب فهناك مذهبين فالأول هجره والثاني التلطف معه واستمالته وتأليفه , والراجح أن المسألة تندرج تحت السياسة الشرعية , وذلك أن هجرة أهل المعاصي تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان والله تعالى أعلم. آثار الهجر المحرم: يُعطَل النصيحة والتعاون على البر والاجتماع على المصلحة , ويُسبب العقوق وقطيعة الأرحام ومُحفَز على الغيبة والبهتان ولا تُرفع صلاتهما وعملهما موقوف حتى يصطلحا. كيفية زوال الهجر المحرم: الهجر المحرم يزول بالسلام وبإزالة الوحشة بين المتهاجرين , ولو صالح أحدهما الآخر فلم يقبل منه غُفر للمُصالح وسقط عنه الإثم ففي مسند الإمام أحمد عن هِشَامَ بْنَ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ فَإِنْ كَانَ تَصَارَمَا فَوْقَ ثَلاثٍ فَإِنَّهُمَا نَاكِبَانِ عَنْ الْحَقِّ مَا دَامَا عَلَى صُرَامِهِمَا وَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا فَسَبْقُهُ بِالْفَيْءِ كَفَّارَتُهُ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ سَلَامَهُ رَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ وَرَدَّ عَلَى الآخَرِ الشَّيْطَانُ فَإِنْ مَاتَا عَلَى صُرَامِهِمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي الْجَنَّةِ أَبَدًا) صححه الألباني في الصحيحة. قال ابن عبد البر التمهيد: واختلفوا في المتهاجرين يسلم أحدهما على صاحبه أيخرجه ذلك من الهجرة أم لا فروى ابن وهب عن مالك أنه قال إذا سلم عليه فقد

هل هنالك تلازم بين الهجر الإيجابي الشرعي والبغض في الله؟

قطع الهجرة وكأنه والله أعلم أخذ هذا من قوله صلى الله عليه وسلم وخيرهما الذي يبدأ بالسلام أو من قول من قال يجزىء من الصرم السلام وقال أبو بكر الأثرم قلت لأحمد بن حنبل إذا سلم عليه هل يجزيه ذلك من كلامه إياه فقال ينظر في ذلك إلى ما كان عليه قبل أن يهجره فإن كان قد علم منه مكالمته والإقبال عليه فلا يخرجه من الهجرة إلا سلام ليس معه إعراض ولا إدبار وقد روي هذا المعنى عن مالك قيل لمالك الرجل يهجر أخاه ثم يبدوا له فيسلم عليه من غير أن يكلمه فقال إن لم يكن مؤذيا له لم يخرج من الشحناء حتى يكلمه ويسقط ما كان من هجرانه إياه ... انتهى. هل هنالك تلازم بين الهجر الشرعي والبغض في الله؟ يقول أهل العلم أن الهجر الشرعي لا يستلزم البغض في الله كما أن الصلة لا تستلزم المحبة والمودة في الله , فالهجر الشرعي شيء، والبغض والكراهية شيءٌ آخر ولا تعارض ولا تلازم بينهما. وعلى هذا فقد يصل المسلم من يُبغضه في الله كصلة الكافر القريب لأجل حقه في القرابة أو لوجود معاملة ومنفعة بينهما , وقد يهجر المسلم من يُحبه في الله خوف هلاكه من الذنوب كهجره لأخيه المسلم الذي وقع في كبيرة من الذنوب دون أن يتوب منها. حكم بدء فساق المسلمين بالسلام ورده عليهم: ذهب الجمهور إلى أنه لا يُسلم على المبتدع الداعية ولا الفاسق المُجاهر إلا أن الصواب والله أعلم أن السلام على الفاسق المسلم والمبتدع المسلم جائز لأنه لم يقل أحد من السلف ولا من بعدهم من أهل العلم بحرمة بداءتهم بالسلام بل إن بداءتهم بالسلام مستحبة من حيث الأصل حكمهم كحكم غيرهم من المسلمين ولكن يُشرع ترك السلام عليهم لمصلحة شرعية راجحة , وأما رد السلام على الفاسق فهو واجب ويجب الرد عليه إذا سلم ما لم تكن هناك مصلحة شرعية راجحة على ذلك الحق الذي أوجبه الإسلام له كأن تترك رد السلام عليه من باب الزجر والتأديب. قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في سياق ذِكر فوائد حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه -: وفيها: ترك السلام على من أذنب، وجواز هجره أكثر من ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق الثلاث: فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيّاً ... . وفيها: سقوط رد السلام على المهجور عمَّن سلَّم عليه؛ إذ لو كان واجباً: لم يقل " كعب" هل حرَّك شفتيه - أي: النبي صلى الله عليه وسلم - برد السلام ... انتهى."فتح الباري ". وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: الهجر إذا كان فيه مصلحة بالنسبة للفاسق: فاهجره، وإلا لا تهجره، لو مررت بشخصٍ يشرب الدخان - والدخان معصية وحرام، والإصرار عليه ينزل صاحبه من مرتبة العدالة إلى مرتبة الفسوق -: سلِّم عليه إذا رأيت أن هجره لا يفيد، سلِّم عليه ربما إذا سلمتَ عليه ووقفت معه وحدثته بأن هذا حرام، وأنه لا يليق بك: ربما يمتثل ويطفئ السيجارة ولا يعود، لكن لو أنك لم تسلِّم عليه، كبر ذلك في

كيفية التأليف المشروع

نفسه وكرهك وكره ما تأتي به من نصيحة، حتى لو أصر على المعصية سلِّم عليه وانصحه." لقاءات الباب المفتوح " (165 / السؤال رقم 8). كيفية التأليف المشروع: التأليَف المشروع يكون بشيء من الدنيا مع لين الكلام. المُراد بالهجر الإيجابي الوارد في كلام السلف: الهجر الوارد في كلام السلف يشمل: ترك الكلام وترك السلام وترك المجالسة والمخاطبة والاستماع وترك المناظرة وترك الدخول عليهم وترك عيادة المبتدعة إذا مرضوا وشهود جنائزهم إذا ماتوا وترك الصلاة عليهم وترك توقيرهم وإجلالهم أو ما يؤدي إلى ذلك من بسط الوجه والانشراح برؤيتهم أو تسميتهم وتلقيبهم بأسماء وألقاب التوقير أو طلب المشورة منهم إلا أن المراد بهذا الهجر غالباً هو هجر الكلام معهم , وهجر الكلام يستلزم مفردات الهجر الأخرى بطريق اللزوم، كما هجر المسلمون الثلاثة الذين تخلفوا عن الغزو، وفي صحيح مسلم: أن قريباً لعبد الله بن مغفل خذف فنهاه وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال: إنها لا تصيد صيداً، أو لا تنكأ عدواً، ولكنها تكسر السن وتفقأ العين، قال: فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ثم تخذف، لا أكلمك أبداً. وقال النووي في شرحه لحديث الثلاثة الذين خلفوا: فيه استحباب هجران أهل البدع والمعاصي الظاهرة وترك السلام عليهم ومقاطعتهم تحقيراً لهم وزجراً ... انتهى. حكم الصلاة على المبتدع الداعية المسلم والفاجر المجاهر: الصلاة على المبتدع المسلم والفاجر مشروعة لكن إن كان المبتدع داعية والفاجر مجاهراً فيُشرع ترك الصلاة عليهم وذلك مقيد بثلاثة شروط: 1 - أن يكون القصد الزجر عن حالهم , لئلا يغتر غيرهم بهم.2 - أن يغلب على الظن تحقق تلك المصلحة وإلا لم يكن ترك الصلاة عليهم مشروعاً. 3 - أن يوجد من المسلمين من يصلي عليهم. وبهذا يتبين أنه يُشرع عدم الصلاة على المبتدع المسلم الداعية والفاجر المسلم الراجح شره على خيره المجاهر للإمام أو أهل العلم والدين زجراً للناس عما وقع فيه الميت مع مراعاة أن عموم المسلمين يصلون عليهم. حكم هجر أهل المعاصي المستترين إيجابياً: مُرْتَكِبَ الْمَعَاصِي الْمُسْتَتِرَ لَا يجوز هْجَرُه إلا إذا كان وراء هجره مصلحة شرعية راجحة قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه -أي ابن حنبل-: إذَا عُلِمَ مِنْ الرَّجُلِ الْفُجُورُ أَيُخْبَرُ بِهِ النَّاسُ؟ قَالَ بَلْ يُسْتَرُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَاعِيَةً. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ فِي مَعْنَى الدَّاعِيَةِ مَنْ اُشْتُهِرَ وَعُرِفَ بِالشَّرِّ وَالْفَسَادِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَسَرَّ الْمَعْصِيَةَ. وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ الْقَاضِي فِيمَنْ أَتَى مَا يُوجِبُ حَدًّا إنْ شَاعَ عَنْهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَذْهَبَ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ لِيَأْخُذَهُ بِهِ وَإِلَّا سَتَرَ نَفْسَهُ. قَالَ الْقَاضِي: فَإِنْ كَانَ يَسْتَتِرُ بِالْمَعَاصِي فَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه أَنَّهُ لَا يُهْجَرُ. قَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لَيْسَ لِمَنْ يَسْكَرُ وَيُقَارِفُ شَيْئًا مِنْ الْفَوَاحِشِ حُرْمَةٌ وَلَا وَصْلَةٌ إذَا كَانَ مُعْلِنًا بِذَلِكَ مُكَاشِفًا.

حكم هجر أهل البدع الدعاة وأهل الكفر وأصحاب الكبائر

وَقَالَ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ الْمُجَانَبَةِ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يُهْجَرُ أَهْلُ الْمَعَاصِي وَمَنْ قَارَفَ الْأَعْمَالَ الرَّدِيَّةَ أَوْ تَعَدَّى حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَعْنَى الْإِقَامَةِ عَلَيْهِ أَوْ الْإِضْرَارِ. وَأَمَّا مَنْ سَكِرَ أَوْ شَرِبَ أَوْ فَعَلَ فِعْلًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَحْظُورَةِ ثُمَّ لَمْ يُكَاشِفْ بِهَا وَلَمْ يَلْقَ فِيهَا جِلْبَابُ الْحَيَاءِ فَالْكَفُّ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ وَعَنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْإِمْسَاكُ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ أَسْلَمُ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: إنَّ الْمُسْتَتِرَ بِالْمُنْكَرِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُسْتَرُ عَلَيْهِ , فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ فُعِلَ مَا يَنْكَفُّ بِهِ إذَا كَانَ أَنْفَعَ بِهِ فِي الدِّينِ. وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله رحمه الله ما ضابط هجر العاصي الذي لم تظهر معصيته علانية للناس إذا كان في هجره مصلحة؟. فأجاب: الضابط: أن هجر العاصي إن كان فيه مصلحة بحيث يرجع العاصي عن معصيته: فليهجر، وأما إذا لم يكن فيه مصلحة: فهجره حرام؛ لأن العاصي مسلم، ولو فعل ما فعل من الكبائر، إلا الكفر إذا كَفَر، هذا معلوم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان، ويعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)، فلا تهجره؛ ولأن بعض العصاة إذا هجرته: زاد في معصيته، وكرِهك أيضاً، ولم يقبل منك أي نصيحة، أما لو كان هجره ينفع، كما لو كان أحد الأبناء، أو أحد الإخوة وهو يقدِّرك، وإذا هجرته ارتدع: فهنا اهجره حتى يرتدع، فإن أخلف الظن - بمعنى: أنك هجرته ولكنه لم يرتدع -: فعُد، وسلِّم عليه، ولا تنس النصيحة. " لقاءات الباب المفتوح " (231 / السؤال رقم 9). حكم هجر أهل البدع الدعاة وأهل الكفر وأصحاب الكبائر والفواحش المجاهرين من المسلمين إيجابياً ووقائياً: هجر أهل البدع والمعاصي والكبائر المجاهرين في الله -غير الوالدين - من شُعب الإيمان، ويُلحق بأهل المعاصي أهل الكفر من باب أولى , والهجر الشرعي دل عليه الكتاب والسنة والإجماع , والأدلة عليه أكثر من أن تُحصر وأشهر من أن تُذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: من الكتاب قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام حينما خاطب قومه قائلاً (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) وقوله تعالى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً) وقوله كذلك (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) وقوله (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وقوله كذلك (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين) وقوله عن المؤمنين (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) وغير ذلك من الآيات.

ومن السنة ما ذكره أبو داود بعد أن ذكر أحاديث فيها النهي عن هجر المسلم؛ قال: النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – هَجَرَ بَعْضَ نِسَائِهِ أربعينَ يَوْماً، وابنُ عُمَرَ هَجَر ابناً له إِلَى أنْ مَاتَ. وفي صحيح مسلم أن قريباً لعبد الله بن مغفل خَذَف فنهاه فقال: إنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى عن الْخَذْف وقال: إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْدًا وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوًّا وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ، قال: فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله نهى عنه ثم عُدْتَ تخذف لا أكَلِّمك أبداً. قال النووي على حديث عبد الله بن مغفل: في هذا الحديث هجران أهل البدع والفسوق ومُنَابِذِي السنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائماً؛ والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائماً، وهذا الحديث مِمَّا يؤيده، مع نظائر له كحديثِ كعب بن مالك وغيره. انتهى. وجاء في صحيح البخاري: ودعا ابن عمر أبا أيوب فرأى في البيت ستراً على الجدار فقال ابن عمر غلبنا عليه النساء فقال من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك والله لا أطعم لكم طعاماً فرجع. انتهى. وأما الإجماع: قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث لمن كانت مخالطته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى. ومن أقوال علماء الأمة في هذا الباب: قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: يسن هجر من جهر بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية، قال أحمد في رواية حنبل: إذا علم أنه مقيم على معصيته لم يأثم إن هو جفاه، حتى يرجع، وإلا كيف يتبين للرجل ما هو عليه إذا لم ير منكراً ولا جفوة من صديق؟. انتهى. وقَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: يُسَنُّ هَجْرُ مَنْ جَهَرَ بِالْمَعَاصِي الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ والاعتقادية , وَقِيلَ: يَجِبُ إنْ ارْتَدَعَ بِهِ وَإِلَّا كَانَ مُسْتَحَبًّا. وَقِيلَ: يَجِبُ هَجْرُهُ مُطْلَقًا إلَّا مِنْ السَّلَامِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَقِيلَ تَرْكُ السَّلَامِ عَلَى مَنْ جَهَرَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى يَتُوبَ فَرْضُ كِفَايَةٍ , وَيُكْرَهُ لِبَقِيَّةِ النَّاسِ تَرْكُهُ ... انتهى. وقال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: وكل من أظهر الكبائر فإنه تسوغ عقوبته بالهجر وغيره ممن في هجره مصلحة له راجحة، فتحصل المصالح الشرعية في ذلك بحسب الإمكان. انتهى. وقال– رحمه الله –في موضع آخر: ومَن عُرف منه التظاهر بترك الواجبات، أو فعل المحرمات: فانه يستحق أن يُهجر، ولا يسلَّم عليه تعزيراً له على ذلك حتى يتوب." مجموع الفتاوى ". وقال ابن عبدالبر في الاستذكار: وأما قوله ولا يحل لمسلم أن يهجر أو يهاجر أخاه فهو عندي مخصوص أيضا بحديث كعب بن مالك إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يهجروه ويقطعوا الكلام عنه والسلام عليه لما أحدثه في تخلفه عن غزوة تبوك وهو قادر على الغزو وقد جعل بعض أهل العلم حديث كعب هذا أصلا

في هجران أهل البدع ومن أحدث في الدين ما لم يرض والذي عندي أن من خشي من مجالسته ومكالمته الضرر في الدين أو في الدنيا والزيادة في العداوة والبغضاء فهجرانه والبعد عنه خير من قربه لأنه يحفظ عليك زلاتك ويماريك في صوابك ولا تسلم من سوء عاقبة خلطته ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية ... انتهى. وفي الفروع لابن مفلح: قال القاضي أبو الحسين في التمام: لا تختلف الرواية في وجوب هجران أهل البدع وفساق الملة، وقال في الآداب: أطلق كما ترى, وظاهره أنه لا فرق بين المجاهر وغيره في المبتدع والفاسق، وقال القاضي في الأمر بالمعروف: إلى أن قال ونقل حنبل: إذا علم من الرجل أنه مقيم على معصية لم يأثم إن هو جفاه حتى يرجع, وإلا كيف يبين للرجل ما هو عليه إذا لم ير منكراً عليه, ولا جفوة من صديق. انتهى. قَالَ أَبُو دَاوُدَ رضي الله عنه: إذَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ لِلَّهِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا يَعْنِي مِنْ أَحَادِيثِ الْوَعِيدِ بِالْهِجْرَانِ بِشَيْءٍ , فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم هَجَرَ بَعْضَ نِسَائِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ... انتهى. قال النووي في شرحه لمسلم قوله: (أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف ثم تخذف لا أكلمك أبداً) فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم وأنه يجوز هجرانه دائماً، والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائماً، وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له كحديث كعب بن مالك وغيره ... انتهى). وقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: وَيَجِبُ هَجْرُ مَنْ كُفِّرَ أَوْ فُسِّقَ بِبِدْعَةٍ أَوْ دَعَا إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ أَوْ مُفَسِّقَةٍ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ عَلَيْهِ أَوْ خَافَ الِاغْتِرَارَ بِهِ وَالتَّأَذِّي دُونَ غَيْرِهِ ... انتهى. وقَالَ الْخَلَّالُ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إسْحَقَ الثَّقَفِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ جَارٌ رَافِضِيٌّ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ , قَالَ لَا وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ ... انتهى. وقال العراقي في أحاديث الأحكام: ... وأما قوله: لا هجرة بين المسلمين فوق ثلاثة أيام. فمحله إذا كان الهجران لحظوظ النفس، وتعنتات أهل الدنيا ... انتهى. قال النووي في الروضة: قال أصحابنا وغيرهم هذا في الهجران لغير عذر شرعي، فإن كان عذر بأن كان المهجور مذموم الحال لبدعة أو فسق أو نحوهما، أو كان فيه صلاح لدين الهاجر أو المهجور فلا يحرم، وعلى هذا يُحمل ما ثبت من هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه ونهيه الصحابة عن كلامهم، وكذا ما جاء من هجران السلف بعضهم بعض. انتهى. وقال الشيخ ابن باز في أحد فتاويه (الحديث لا يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث، أما الثلاث ففيها رخصة، لكن هذا الهجر فيما يتعلق بأمور الدنيا، إذا صار بينه وبين أخيه خصومة، نزاع، دعاوى، فله أن يهجره ثلاثاً فأقل، وليس له أن يهجره فوق ثلاث، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام أما إذا كان الهجر لله، للمعاصي فهذا لا يتقيد بثلاث ولا بأربع ولا بأكثر، بل يجوز الهجر ويشرع الهجر لمن أظهر المعاصي ولو أكثر من ثلاثة أيام، ولو سنة، ولو سنتين، ولو أكثر منه، حتى يتوب العاصي، حتى يقلع عن ضلاله

حكم هجر المؤمن الصالح المؤذي هجرا جميلا وقائيا

ومعصيته). وقال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -: هجر المؤمن لا يجوز فوق ثلاثة أيام إذا كان على أمر من أمور الدنيا، بل عليه أن يصالح أخاه وأن يُسلِّم عليه إذا لقيه، ومع أنه لا ينبغي ابتداءاً أن يهجر على أمر من أمور الدنيا، ولكن لو حصل شيء من الهجر: فإنه لا يتجاوز ثلاثة أيام، وهذا هو المراد بالحديث: (لا يَحِلُّ لمؤمن أن يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاث) يعني: إذا كان الهجر على أمر من أمور الدنيا ... انتهى. وقال ابنُ حَجَر في الفتح: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلى أنه لا يُسَلَّم على الْمُبتَدِع ولاَ الفاسق. انتهى. وقال أيضا: وقال الْمُهَلب: تَرْكُ السَّلاَمِ على أهلِ الْمَعَاصِي سُنَّة مَاضية، وبه قال كَثير من أهلِ العِلْمِ في أهل البِدَع ... انتهى. وقال النووي في رياض الصالحين: بابُ تحريمِ الْهُجْرَان بينَ المسلمين إلاَّ لِبِدْعَةٍ في الْمَهْجُور أو تظاهر بِفِسْق أو نحو ذلك. تنبيه مهم: الفاسق المسلم أعم من الفاسق المشروع هجره إيجابياً فكل فاسق مشروع هجره إيجابياً فهو بالضرورة يكون فاسقاً وليس كل فاسق يُشرع هجره. حكم هجر المؤمن الصالح المؤذي هجراً جميلاً وقائياً: حكم هجر المؤمن الصالح المُضر دنيوياً هجراً جميلاً وقائياً جائز بالاتفاق , وهذا من غير أن يقطع عنه السلام والكلام وحسن المعاملة إذا اجتمعا قسراً , قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا ضرر ولا ضرار". وأما حكم هجر المؤمن الصالح المُؤذي دنيوياً هجراً جميلاً فجائز على مذهب بعض أهل العلم طبعاً باستثناء الوالدين , والورع يا عبد الله يقتضي صلة المؤمن الصالح المؤذي والصبر على أذاه ما لم يصل أذاه إلى حد الضرر , والفرق بين الضرر والأذى ـ والله أعلم ـ أن الأذى هو الضرر اليسير، قال ابن عطية: قوله تعالى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً ـ معناه: لن يصيبكم منهم ضرر في الأبدان ولا في الأموال، وإنما هو أذى بالألسنة. وقال القرطبي: وَالْمَعْنَى لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا ضَرًّا يَسِيرًا. اهـ. ولكن لا يلزم أن يكون هذا التفريق الثابت هنا ثابتا أيضا في لفظي المضرة والأذى المذكور في كلام ابن عبد البر. هل كل بدعة يستحق صاحبها الهجر الإيجابي؟ بالطبع لا , وذلك أن البدعة تختلف مرتبتها من جهة كونها مكفرة أو لا , ومن جهة كونها إضافية أو حقيقية مستقلة , ومن جهة كونها بينة أو مشكلة وجهة صاحبها كونه مجتهداً أو مقلداً، داعية أو مستتراً عليها أولا, وتختلف باختلاف حال المبتدع وما فيه من خير وشر إلا أن هجر المبتدع الهجر الإيجابي عموماً شُرع لمقاصد وأغراض شرعية فمتى ما حقق تلك الأغراض فهو مشروع وإلا لم يكن مشروعاً بل قد يكون التأليف هو المشروع ويتأكد ذلك مع المبتدع المسلم المقلد المستتر غير الداعية.

هل هناك من أهل العلم من يرى حرمة هجر الكافر أو المرتد أو المنافق إيجابيا؟

هل هناك من أهل العلم من يرى حرمة هجر الكافر أو المرتد أو المنافق إيجابياً؟ لا , لا يوجد أحد من أهل العلم يرى حرمة هجر الكافر أو المرتد بل للمسلم هجر الكافر من غير تقييد باستثناء الوالدين غير المحاربين وهذا على حد علمي والله أعلم. هل المصلحة الشرعية معتبرة في الهجر الإيجابي أم أن الهجر يكون على إطلاقه؟ لاشك أن المصلحة الشرعية معتبرة في الهجر الإيجابي , والذي يدلك على هذا أن الذين وقعوا في بعض المعاصي في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كانوا يُهجرون بالكلية من جميع الناس، بل كان الناس منقسمين فيهم إلى ثلاثة أقسام: 1 - فقسم يغلظ القول عليهم ويظهر البغض لهم ويهجرهم إيجابياً. 2 - وقسم يعرض عنهم إعراضاً جميلاً، ولا يتعرض لهم إلا بالنصح والتذكير أحيانًا. 3 - وقسم ينظر إليهم بعين العطف والرحمة، ولا يؤثر المقاطعة والتباعد عنهم، إما طلبًا لإصلاحهم ونصحهم، أو خوفًا من زيادة انحرافهم وضلالهم، فهذه من دقائق الأحكام الشرعية التي تختلف فيها طرق السالكين، واجتهادات المجتهدين ويكون فيها عمل كل واحد بحسب ما تقتضيه حاله ووقته ونيته , ومن هذا الباب ما رواه ابن أبي حاتم أن عمر رضي الله عنه، افتقد رجلاً من أهل الشام من أهل البأس، فقال: ما فعل فلان بن فلان، فقالوا: يا أمير المؤمنين تتابع في هذا الشراب يعني الخمر، قال: فدعا عمر كاتبه، فقال: اكتب من عمر بن الخطاب، إلى فلان بن فلان سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، ثم قال: لأصحابه ادعوا الله لأخيكم أن يُقْبِل بقلبه ويتوب عليه، فلما بلغ الرجل الكتاب جعل يقرؤه ويردده ويقول: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي. زاد أبو نعيم: فلما بلغ عمر خبره، قال: هكذا اصنعوا إذا رأيتم أخاً لكم زل زلة فسددوه ووثقوه وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعواناً للشيطان عليه. وفي هذا الباب يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم، وضعفهم، وقلتهم، وكثرتهم؛: فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف ... انتهى). وقال - رحمه الله -في موضع آخر: (وأما هجر التعزير فمثل هجر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابَه الثلاثة الذين خُلِّفوا، وهجر عمر والمسلمين لصبيغ، فهذا من نوع العقوبات، فإذا كان يحصل بهذا الهجر حصول معروف أو اندفاع منكر: فهي [يعني: عقوبة الهجر] مشروعة، وإن كان يحصل بها من الفساد ما يزيد على فساد الذنب، فليست مشروعة.) " مجموع الفتاوى ".

وفي الفروع لابن مفلح: (وأما هجر الفاسق فمشروع إذا كان في هجره مصلحة.) وقال الشيخ ابن باز رحمه الله (ينبغي على المؤمن أن ينظر في هذه المقامات بنظر الإيمان والشرع والتجرد من الهوى، فإذا كان هجره للمبتدع وبعده عنه لا يترتب عليه شر أعظم فإن هجره حق، وأقل أحواله أن يكون سنة، وهكذا هجر من أعلن المعاصي وأظهرها أقل أحواله أنه سنة، أما إن كان عدم الهجر أصلح لأنه يرى أن دعوة هؤلاء المبتدعين وإرشادهم إلى السنة وتعليمهم ما أوجب الله عليهم يؤثر فيهم ويزيدهم هدى فلا يعجل في الهجر .... انتهى). وبهذا تعلم أن الأمر يختلف بحسب الحال، وبحسب اجتهاد المرء في تحقيق المصلحة. والمتأمل لحال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه-رضي الله عنهم -يجد بعض هذه الصور من المعاملة، فنجده يهجر بعض أصحابه ويعرض عن بعضهم أحياناً حتى يتوب لعلمه بتأثير ذلك فيهم وربما يستقبل بعض ضعفاء الإيمان ويهش في وجوههم لمصلحة يراها في ذلك تأليفاً لهم، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم: رأى على بعض أصحابه خاتماً من ذهب فأعرض عنه، فألقاه واتخذ خاتما من حديد فقال: (هذا شر، هذا حلية أهل النار)، فألقاه فاتخذ خاتما من ورق، فسكت عنه. رواه أحمد. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم: فرأى قبة مشرفة فقال: ما هذه؟ قال له أصحابه: هذه لفلان رجل من الأنصار قال: فسكت وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عليه في الناس أعرض عنه، صنع ذلك مراراً حتى عرف الرجل الغضب فيه والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه فقال: والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خرج فرأى قبتك، قال: فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض. الحديث. رواه أبو داود، وصححه الألباني. وكما في هجره لكعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم وقصتهم في الصحيحين, وهنالك من أصحاب المعاصي من لم يهجرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حماراً، وكان يُضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنوه، فو الله ما علمت أنه يحب الله ورسوله". ولذلك قال ابن مفلح نقلاً عن ابن تيمية -رحمه الله-: واعتبر الشيخ المصلحة في ذلك. انتهى.

حكم هجر الوالدين

حكم هجر الوالدين: لا يجوز للمسلم أن يهجر والديه مهما بدر منهم إليه من الإساءة، والله تعالى يقول في شأن الوالدين الكافرين اللذين يدعوان إلى الكفر: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) ويقول تعالى في الوالدين عموماً: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)، وأي إساءة أعظم من الهجر, يقول الشيخ ابن باز رحمه الله في أحد فتاويه مُفرَقاً بين هجر الأقارب عموماً وبين هجر الوالدين (وهكذا الرجل إذا كان إخوانه يضرونه أو أعمامه أو أخواله في مجالسهم فلا حرج أن يترك الذهاب إليهم، بل يشرع له ترك الذهاب إليهم وهجرهم، إلا إذا كانت الزيارة يترتب عليها النصيحة والتوجيه وإنكار المنكر؛ هذا طيب، إذا زارهم ينكر عليهم ويعظهم ويخوفهم من الله لعل الله أن يهديهم بأسبابه فهذا مطلوب، مشروع له أن يذهب إليهم للنصيحة والتوجيه، إلا الوالدين، فالوالدان لهما شأن، الوالدان لا، لا يهجر والديه، بل يزور الوالدين ويعتني بالوالدين وينصح الوالدين ولا يهجرهما؛ لأن الله جل وعلا قال - سبحانه وتعالى - في كتابه العظيم في حق الوالدين: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، أُمر أن يصحبهما بالمعروف , وإن جاهداه على الشرك، لعل الله أن يهديهما بأسبابه، لأن حقهما عظيم، وبرهما من أهم الواجبات فلا يهجرهما، ولكن يتلطف فيهما، وقد اجتهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع أبيه مع أنه مشرك معلن بالشرك، ومع هذا اجتهد إبراهيم في دعوة أبيه عليه الصلاة والسلام، فالمقصود أن الوالدين لهما شأنٌ عظيم فلا يهجرهما الولد، بل يتلطف في نصيحتهما وتوجيههما إلى الخير ... انتهى). وعلى هذا يتبين لك أخي المسلم أنه يسن هجرة أهل المعاصي في الجملة، ويجب أحياناً ويُكره أحياناً، أما الوالدان، فلهما حق زائد عن بقية الناس، فيهجران في المعاصي التي يفعلانها ويستمر البر بهما في بقية الأوقات، ولا يجوز لك مقاطعة أحدهم بسبب معصيته، إلا أن بعض أهل العلم أجاز هجرهم في حدود ضيقة إذا تعين هجرهم طريقاً لاستصلاحهم فتجوز حينئذٍ، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين (رحمه الله): هل يجوز الهجر للوالدين المسلمين إذا كان في مصلحة شرعية؟ فأجاب: نعم، إذا كان في هجر الوالدين مصلحة شرعية لهما فلا بأس من هجرهما، لكن لا يقتضي ذلك منع صلتهما، صلهما بما يجب عليك أن تصلهما به، كالإنفاق عليهما، في الطعام والشراب والسكن وغير ذلك. لقاء الباب المفتوح. حكم هجر الأقارب إيجابياً من أصحاب الكبائر والفواحش الذين لا يزالون مسلمين: هجر أهل المعاصي والكبائر المجاهرين في الله - حتى ولو كانوا من الأرحام غير الوالدين - من شُعب الإيمان، وذلك أن القرابة لا تمنع من الهجران المشروع , وأهل العلم قرروا أن جفاء المُقيم على معصية لا إثم فيه, وأن هجر الأرحام إذا تم على وجهه الشرعي لم يكن قطيعة للرحم , وأن هجران أصحاب المعاصي والفسق جائز شرعاً, سواء كانوا أقارب أو أصدقاء أو غيرهم باستثناء الوالدين, والأدلة على ما ذهبنا إليه أكثر من أن تُحصر وأشهر من أن تُذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: ما ذكره أبو داود بعد أن ذكر أحاديث فيها النهي عن هجر المسلم؛ قال: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - هَجَرَ بَعْضَ نِسَائِهِ أربعينَ يَوْماً، وابنُ عُمَرَ هَجَر

ابناً له إِلَى أنْ مَاتَ. وفي صحيح مسلم أن قريباً لعبد الله بن مغفل خَذَف فنهاه فقال: إنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى عن الْخَذْف وقال: إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْدًا وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوًّا وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ، قال: فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله نهى عنه ثم عُدْتَ تخذف لا أكَلِّمك أبداً. قال النووي على حديث عبد الله بن مغفل: في هذا الحديث هجران أهل البدع والفسوق ومُنَابِذِي السنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانهم دائماً؛ والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائماً، وهذا الحديث مِمَّا يؤيده، مع نظائر له كحديثِ كعب بن مالك وغيره ... انتهى). وقال الشيخ ابن باز في أحد فتاويه (من أبدى المعاصي وأظهر المعاصي يستحق الهجر، إما سنة وإما واجب، اختلف العلماء هل الهجر سنة أو واجب؟، قال بعضهم: يجب إذا كان يترتب عليه ترك المنكرات، أما إذا لم يترتب عليه ترك المنكرات فهو سنة مؤكدة، وقال بعضهم: بل يجب مطلقاً، قد هجر النبي - صلى الله عليه وسلم- ثلاثة من الصحابة تخلفوا عن الغزو بغير عذر هجرهم خمسين ليلة حتى تاب الله عليهم، وهجرهم الصحابة، فالذي يُبدي المعاصي ويُظهرها ولا يبالي يستحق الهجر، سواء كان أخاً أو عماً أو غير ذلك.). وقال أيضاً (وهكذا الرجل إذا كان إخوانه يضرونه أو أعمامه أو أخواله في مجالسهم فلا حرج أن يترك الذهاب إليهم، بل يشرع له ترك الذهاب إليهم وهجرهم، إلا إذا كانت الزيارة يترتب عليها النصيحة والتوجيه وإنكار المنكر؛ هذا طيب، إذا زارهم ينكر عليهم ويعظهم ويخوفهم من الله لعل الله أن يهديهم بأسبابه فهذا مطلوب، مشروع له أن يذهب إليهم للنصيحة والتوجيه ... انتهى). وأما حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنْ كَانَ هَذَا كَمَا تَقُولُ لَكَأَنَّمَا تُسِفِّهُمُ الْمَلُّ، وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ ". فالذي يظهر أن الحديث محمول على استحباب صلة الرحم الفاسقة والمؤذية لا وجوب ذلك، وقد قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى. علما بأن الصلة تبدأ من السلام عند اللقاء، أو بمكالمة هاتفية أثناء الغيبة، ثم تمتد لتشمل كل أنواع البر الأخرى، فمن عجز عن درجة معينة من درجاتها فلا ينبغي أن يعجز عما تتحقق به الصلة في حدودها الدنيا.

حكم صلة القريب الفاجر

حكم صلة القريب الفاجر: قيل تجب صلة الرحم في جميع الأحوال ولو كان ذو الرحم المسلم فاسقاً وأن الصلة لا تتعلَّق بصلاح صاحِب الرَّحِم وفسقِه فلا يجوز قطعها لمجرد فسقه واستثنوا جواز هجره إذا ترتب عليه مصلحة , وهذا القول ضعيف , وقيل يجب هجر الرحم الفاجرة وهذا أيضاً ضعيف , إلا أن الصحيح في هذه المسألة هو أن صلة القريب الفاجر مستحبة من حيث العموم والأصل لا واجبة ولا محرمة , وأدلة استحباب صلة القريب الفاجر متضمنة لجواز صلته من باب أولى , والذي يدل على استحبابها ما يلي: عموم قوله تعالى (وأحسنوا إن الله يُحب المحسنين) , ومن جملة الإحسان صلتهم والبر بهم. وعن عبدالله بن عمرو: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((ليس الواصِل بالمكافِئ، ولكن الواصل الَّذي إذا قُطِعَتْ رحِمه وصلها))؛ رواه البخاري. فأخبر النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: أنَّ الواصل الحقيقيَّ هو الَّذي يصل مَن يقطعه من أقاربه، والقاطع فاسق بقطْعِه رحِمَه، ومع ذلك أمر النَّبيُّ بصلتِه ولَم يجعل فِسْقَه بقطع الرَّحِم مانعًا من صلته. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي فقال لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك رواه مسلم , ولا شك أن من يقطعون من يصلهم ومن يسيئون على من يُحسن إليهم ومن يجهلون على من يحلم عنهم عندهم من الفسوق ما الله به عليم, ومع ذلك نجد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يُرشد هذا الصحابي الكريم إلى مقاطعتهم بل شجعه على ما هو عليه وهذا إن دل فإنه يدل على استحباب صلتهم والإحسان إليهم. ولتعلم أخي القارىء أن أهل العلم المحققين يُفرقون بين الرحم الفاجرة التي لا تزال في دائرة الإسلام والرحم الكافرة فالأولى يتساهلون فيها وفي مواصلتها والثانية يقيدونها ببعض القيود, قال ابن حجر بعدما تكلم عن صلة الرحم الكافرة وضوابطها: "وأمّا من كان على الدين ولكنه مقصّر في الأعمال ـ مثلاً ـ فلا يشارك الكافر في ذلك"، أي: في القيد المذكور في صلة القريب الكافر. وإليك أخيراً بعض أقو ال السلف في هذه المسألة ليطمئن قلبك: قال ميمون بن مهران: "ثلاث تؤدَّى إلى البر والفاجر: الرحم توصَل برّةً كانت أو فاجرة، والأمانة تؤدَّى إلى البر والفاجر، والعهد يوفَّى للبر والفاجر". قال الفضل للإمام أحمد: رجل له إخوة وأخوات بأرض غصب، ترى أن يزورهم؟ قال: "نعم، ويزورهم ويراودهم على الخروج منها، فإن أجابوا وإلا لم يقم معهم، ولا يدع زيارتهم". أما دليل عدم وجوب صلة القريب الفاجر فهي كثيرة وجمهور أهل العلم قرروا أن جفاء المُقيم على معصية لا إثم فيه وأن القرابة لا تمنع من الهجران المشروع , وأن الهجر إذا تم على وجهه الشرعي لا يُعد قطيعة بل قال الحافظ أبو عمر بن عبد

حكم صلة القريب الكافر

البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى. حكم صلة القريب الكافر: حكم صلة القريب الكافر دون موالاته قيل أنها محرمة ويجب هجرهم وقيل جائزة وهي رخصة والصحيح أنها مستحبة والذي يدل على هذا ما يلي: عموم قوله تعالى (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) , والصلة من جملة الإحسان. وقوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). يقول ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآيات (ولما نزلت هذه الآيات الكريمات-يقصد أول سورة الممتحنة-، المهيجة على عداوة الكافرين، وقعت من المؤمنين كل موقع، وقاموا بها أتم القيام، وتأثموا من صلة بعض أقاربهم المشركين، وظنوا أن ذلك داخل فيما نهى الله عنه. فأخبرهم الله أن ذلك لا يدخل في المحرم فقال: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} أي: لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها ولا مفسدة كما قال تعالى عن الأبوين المشركين إذا كان ولدهما مسلماً: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} , [وقوله:] {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} أي: لأجل دينكم، عداوة لدين الله ولمن قام به، {وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا} أي: عاونوا غيرهم {عَلَى إِخْرَاجِكُمْ} نهاكم الله {أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} بالمودة والنصرة، بالقول والفعل، وأما بركم وإحسانكم، الذي ليس بتول للمشركين، فلم ينهكم الله عنه، بل ذلك داخل في عموم الأمر بالإحسان إلى الأقارب وغيرهم من الآدميين، وغيرهم ... انتهى). وعن أسْماء بنت أبي بكر - رضِي الله عنْهُما - قالتْ: قدمتْ علي أمِّي وهي مشركة في عهد رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فاستفتيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قلت: وهي راغبة، أفأصِل أمي؟ قال: ((نعم، صِلِي أمَّك))؛ رواه البخاري ومسلم. وعن عبدالله بن عمر - رضِي الله عنْهُما - قال: رأى عمر بن الخطَّاب حلَّة سيراء - أي حرير - عند باب المسجِد، فقال: يا رسول الله، لو اشتريْتها فلبسْتَها يوم الجمعة وللوفد، قال: ((إنَّما يلبسها مَن لا خَلاق له في الآخِرة))، ثمَّ جاءت حلل فأعْطى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عُمَر - منها حُلَّة، وقال: أكسوْتَنيها وقلت في حلَّة

عُطَارِد ما قُلْت؟! فقال: ((إنِّي لم أكسُكها لتلبسها))، فكساها عمر أخًا له بمكَّة مشركًا؛ رواه البخاري ومسلم. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط وفي رواية ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمة ورحماً وفي رواية فإذا افتتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحماً أو قال ذمة وصهراً) رواه مسلم. قال العلماء الرحم التي لهم كون هاجر أم إسماعيل صلى الله عليه وسلم منهم والصهر كون مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم. وقال ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لرياض الصالحين: وكذلك أيضاً من الأحاديث التي ساقها المؤلف رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي)) وذلك لأنهم كفار. والواجب على المؤمن أن يتبرأ من ولاية الكافرين، كما قال الله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة: 4]، فتبرأ منهم مع قرابتهم له. قال: ((ولكن لهم رحم أبلها ببلها)) يعني سأعطيها حفها من الصلة، وإن كانوا كفاراً. وهذا يدل على أن القريب له حق الصلة وإن كان كافراً، لكن ليس له الولاية، فلا يوالى ولا يناصر لما عليه من الباطل ... انتهى. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية «وأنذر عشيرتك الأقربين» دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فاجتمعوا فعم وخص وقال (يا بني عبد شمس يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها) رواه مسلم , والبلال الماء ومعنى الحديث سأصلها , شبه قطيعتها بالحرارة تُطفأ بالماء وهذه تبرد بالصلة , والشاهد قوله عليه الصلاة والسلام لعشيرته الكفار (غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها) , والنبي عليه الصلاة والسلام وصل أقاربه الكفار، وصل عمه أبا طالب، وكان يأتيه ويدعوه إلى الإسلام، وغير ذلك، وإذا تقرر جواز صلة الرحم الكافرة فجواز صلة الرحم الفاجرة الفاسقة التي لا تزال مسلمة من باب أولى , ولتعلم أن الصلة بالمعنى العام يدخل فيها الأرحام الكفار والفساق وإن كانت صلتهم عموماً تكون دون صلة الأرحام المسلمين الصالحين , والذي ينبغي من جهة الكمال والاستحباب أن تكون صلة الرحم الكافرة -غير الوالدين -من أجل التأليف على الإسلام أو مراعاة وجود من تحت ولايته من الأبناء المسلمين كما قال ابن حجر: "إن صلةَ الرحم الكافر ينبغي تقييدها بما إذا آنس منه رجوعاً عن الكفر، أو رجا أن يخرج من صلبه مسلم كما في الصورة التي استدلّ بها وهي دعاء النبي صلى الله

كيف يمكن الجمع بين من يقول أن هجر الأرحام الكفار والفساق مستحب وفي ذات الوقت يقول أن صلة القريب الفاجر والكافر مستحبة؟

عليه وسلم لقريش بالخصب وعلّل بنحو ذلك، فيحتاج من يترخّص في صلة رحمه الكافر أن يقصد إلى شيء من ذلك" انتهى. كيف يُمكن الجمع بين من يقول أن هجر الأرحام الكفار والفساق مستحب وفي ذات الوقت يقول أن صلة القريب الفاجر والكافر مستحبة؟ لا يوجد تعارض بين من يقول أن هجر الأرحام الكفار والفساق مستحب وفي ذات الوقت يقول أن صلة القريب الفاجر والكافر مستحبة وذلك أن الفرق بينهما هو النية أي بمعنى أدق أن هجر الأرحام الكفار والفساق يكون مستحباً بحسب نية الهاجر فإن كانت هجرته لهم بسبب غيرته على محارم الله من أن تُنتهك وبسبب تخلف أقاربه عن السنة والالتزام بالدين فهو بهذه النية مأجور وإن كان ما ذهب إليه من هجرهم مفضولاً عند من يصل رحمه الفساق والكفار على الوجه الذي أراده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وأما هجر الأقارب الكفار والفجار لغير الله أي بغير نية فجائز ماداموا على كفرهم وفسقهم , وهجرهم لا يُعد من قطيعة الرحم كما قررنا إلا أن الهجر منوط بالمصلحة والفائدة، فإذا تحقق أو غلب على الظن أن الهجر أنفع للهاجر أو المهجور كان هو الأولى مع مراعاة بأن هجرهم لا يُسقط مشروعية صلتهم بالدعاء بظهر الغيب وكف الأذى عنهم والإحسان إليهم بالمال والنفقة ونحوه , فإن لم يكن للهجران والمقاطعة هنا فائدة فليستمر المسلم استحباباً في مواصلة أقاربه الفساق وتذكيرهم بالله ومناصحتهم بين الفينة والأخرى وهذه الصلة يجب أن تقتصر على الواجب، دون الانبساط إليهم أو التوسع في إجابة دعوتهم، كما يجب الإعلان بكراهية ما هم عليه، وعدم مجالستهم أثناء غشيانهم المنكر، فإن ذلك كله محرم, والله أعلم. كيفية مخالطة الفاسق الراجح شره على خيره: الفاسق الراجح شره على خيره الذي ليس له حق عليك كوالدك أو قريبك فإن الخلطة به تكون محدودة وبقدر ما تُقدَم له من النصح حتى لا يسري داؤه إليك وقرناء السوء الذين تضر صحبتهم يُسن هجرهم وقيل يجب إلا لحاجة أو مصلحة راجحة. هل صلة الفاسق الراجحة معاصيه على طاعته يعني اتخاذه صديقاً؟ الاتصال بالفاسق وصلته وإجابة دعوته وحسن التعامل معه وإكرامه يكون من غير اتخاذه صاحباً ولا خليلاً. حكم صحبة الفاسق ومصادقته: من المعلوم أن الإنسان ميال إلى الاجتماع والاختلاط مع بني جنسه ولا يستغني عن التعامل معهم أتقياء كانوا أو فجاراً , وهذا أمر لا حرج فيه ولا إثم , والله تعالى خلق الإنسان مدنياً بطبعه يميل لمُخالطة الناس ومجالستهم ويتأثر بهم ويؤثر فيهم , فالطبع لص والصاحب ساحب والفاسق المسلم الراجح خيره على شره لا بأس بمصاحبته , وذلك لأن ترك صحبة الفاسق بشكل عام تتفاوت بحسب حال الهاجر وبحسب مقدار الفسق عند المهجور وحاله فقد تكون كلية , وذلك مثل من كان مبتدئاً تائباً فإنه يُشرع له هجر الفساق كلياً بل قد يجب عليه أما من تمكن من الدين نوعاً ما فلا بأس بصحبته للفاسق الراجح شره على خيره بشرط الدعوة إلى الله

وعدم مشاركته في الإثم وذلك أن مخالطة الناس بشتى أجناسهم ومللهم لغرض الدعوة إلى الله والإصلاح مشروع إلا أن الفاسق الملي الراجح شره على خيره والمبتدع لا يُصاحب ولا يُجالس كما يُصاحب ويُجالس الأتقياء ولا ينبغي أن يكون لهم في القلب محبة الأتقياء, وينبغي عدم الإفراط في مخالطتهم لئلا يتأثر بهم المُخالط فيقلدهم أو يشاركهم في المعصية , وعلى هذا فمن يُخالط العصاة وحتى الكفرة لنصحهم ووعظهم دون أن يتأثر بهم فمعاملته لهم خير من هجرانهم، فإذا غلب على الظن أنهم لا ينتصحون ولا يتعظون فالأفضل هو البعد عنهم، وينبغي التنبه إلى أنه لا يجوز مخالطة الفساق والمبتدعة حال فسقهم وبدعتهم وتصويب آراءهم تقية بل ينبغي الإنكار عليهم فإن لم ينتهوا فارقهم. وهنا تنبيه المصاحبة الجبرية التي لا دخل للعبد فيها لا تدخل فيما قررناه كما قال تعالى في شأن الوالدين المشركين (وصاحبهما في الدنيا معروفا) وكذلك صحبة الزوجة الكتابية والجار الكافر بالحسنى وصحبة الصاحب المشرك بالحسنى في السفر والعمل. قال تعالى (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ). وأما حكم مصادقة العصاة فلها تفصيل آخر , والفرق بين المصاحبة والمصادقة أن المصادقة هي درجة أرفع من المصاحبة فالمصاحبة قد تشمل جميع الناس كافرهم ومؤمنهم بخلاف الصداقة كمصاحبة الولد المسلم التقي لوالده المشرك بالمعروف ونحو ذلك. نعود إلى حكم مصادقة العصاة فالمعاصي على نوعين معاصي مكفرة كمن يشرك بالله أو يترك الصلاة تركاً كاملاً ونحو ذلك , وهناك معاصي غير مكفرة وهي التي لا تُخرج الإنسان من الملة لكن يوصف فاعلها بأنه فاسق ومؤمن ناقص الإيمان كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك ما لم يستحلها فعقيدة أهل السنة والجماعة وإجماع السلف على عدم تكفير صاحب الكبيرة ما لم يستحلها. إذا عُلم هذا فمصادقة الناس ينبغي حكمها على ما سبق فلا يجوز اتخاذ الكافرين أولياء أو مُخالطتهم مع الأنس بهم أو اتخاذهم أصدقاء وخلان أو تقديمهم على المؤمنين أو ومودتهم ومحبتهم أو نحو ذلك وهذا في حق عمومهم لكن يجب العدل معهم وعدم ظلمهم والاعتداء عليهم بغير وجه شرعي ويجوز التعامل معهم بالبيع والشراء والقرض ونحو ذلك. أما عصاة المؤمنين فتجب محبتهم بقدر ما معهم من إيمان وينبغي بغضهم بقدر ما معهم من فسق ومعصية ويجب تغليب محبتهم على بغضهم إذا كان خيرهم راجحاً على شرهم , أما اتخاذهم أصدقاء فهم على قسمين: القسم الأول: هم من كان خيرهم راجح على شرهم وهؤلاء لا بأس بصداقتهم حينئذ وإن كان خلاف الأولى. والقسم الثاني: وهم من كان شرهم راجح على خيرهم وهؤلاء صداقتهم مما يُخالف قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ، فحاملُ المسك إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة). أخرجه البخاري ومسلم. وقال النووي في شرح صحيح مسلم عند كلامه على الحديث: (إنما

مثل الجليس الصالح والجليس السوء ... الحديث) قال: وفيه فضيلة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب, والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس, أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة. انتهى. وقد حض أهل العلم على مصاحبة أهل الخير ومخالطتهم ومجالستهم, والبعد عن رفقاء السوء, واستدلوا لذلك بحديث مسلم في من قتل مائة نفس حيث أمره العالم بالانتقال من أرضه إلى أرض بها أناس صالحون ليعبد الله معهم، فقال له): انطلق إلى أرض كذا وكذا, فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. (وبحديث أبي داود: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) وبحديث أحمد: (لا تصاحب إلا مؤمناً. ( وقال سبحانه وتعالى} وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ {. قال القرطبي: الصحيح في معنى الآية أنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم , فإن صحبتهم كفر، أو معصية, إذ الصحبة –قلتُ يقصد الصداقة بالمصطلح الذي اصطلحته في هذه الرسالة-لا تكون إلا عن مودة. انتهى ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – وقد سئل عن الموقف ممن يفعل بعض الكبائر -: (من يتهم بهذه المعاصي تجب نصيحته وتحذيره منها ومن عواقبها السيئة، وأنها من أسباب مرض القلوب وقسوتها وموتها، أما من أظهرها وجاهر بها: فالواجب أن يُقام عليه حدُّها، وأن يُرفع أمره إلى ولاة الأمور، ولا تجوز صحبتهم، ولا مجالستهم، بل يجب هجرهم لعل الله يهديهم ويمنُّ عليهم بالتوبة، إلا أن يكون الهجر يزيدهم شرّاً: فالواجب الإنكار عليهم دائماً بالأسلوب الحسن والنصائح المستمرة حتى يهديهم الله، ولا يجوز اتخاذهم أصحاباً–قلتُ أيضاً يقصد صداقتهم لا مطلق المصاحبة -، بل يجب أن يستمر في الإنكار عليهم وتحذيرهم من أعمالهم القبيحة.) " فتاوى إسلامية " (4/ 520). وقد روى الدينوري فِي الْمُجَالَسَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: لَا تُوَاخِ الْفَاجِرَ فَإِنَّهُ يُزَيِّنُ لَك فِعْلَهُ وَيُحِبُّ لَوْ أَنَّك مِثْلُهُ , وَمَدْخَلُهُ عَلَيْك وَمَخْرَجُك مِنْ عِنْدِهِ شَيْنٌ وَعَارٌ , وَلَا الْأَحْمَقَ فَإِنَّهُ يُجْهِدُ نَفْسَهُ لَك وَلَا يَنْفَعُك , وَرُبَّمَا أَرَادَ أَنْ يَنْفَعَك فَضَرَّك , فَسُكُوتُهُ خَيْرٌ مِنْ نُطْقِهِ , وَبُعْدُهُ خَيْرٌ مِنْ قُرْبِهِ , وَمَوْتُهُ خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِهِ , وَلَا الْكَذَّابَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُك مَعَهُ عِشْرَةٌ , يَنْقُلُ حَدِيثَك وَيَنْقُلُ الْحَدِيثَ إلَيْك , وَإِنْ تَحَدَّثَ بِالصِّدْقِ لَا يُصَدَّقُ. وَقِيلَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ مَنْ اصْطَنَعَ مَعْرُوفًا إلَى أَحْمَقَ فَهِيَ خَطِيئَةٌ مَكْتُوبَةٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَارِمْ الْأَحْمَقَ فَلَيْسَ لَهُ خَيْرٌ مِنْ الْهِجْرَانِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: هِجْرَانُ الْأَحْمَقِ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ فِي قَافِيَتِهِ: وَلَأَنْ يُعَادِيَ عَاقِلًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَدِيقٌ أَحْمَقُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّقِ الْأَحْمَقَ لَا تَصْحَبْهُ إنَّمَا الْأَحْمَقُ كَالثَّوْبِ الْخَلَقِ فَهُوَ إنْ رَقَعْته مِنْ جَانِبٍ عَادَ مِنْ هَوْنٍ سَرِيعًا فَانْخَرَقَ ... انتهى. وبناءً على ما تقدم فصديق السوء يورد الإنسان المهالك ويضره أكثر مما ينفعه وفرق بين أن توالي ذلك الشخص وتحبه لأن معه وصف الإيمان وبين أن تصادقه

مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الهجر

فتأخذ منه ويأخذ منك لكن إن كان القصد من الجلوس مع ذلك الشخص تأليف قلبه بغرض الدعوة إلى الله وإرشاده إلى طريق الهداية أو قضاء حق له في القرابة فهذا من الأعمال الفاضلة لكن بشرط ألا يؤثر ذلك على الداعية والواصل لرحمه فيضر نفسه من حيث يريد أن ينفعها ومصادقة الأخيار مما أوصى به ربنا جل وعلا ونبينا - صلى الله عليه وسلم - والصحبة التي يتخذها العبد لنفسه ويتأثر بها لا بد من حسن اختيارها بل يجب عليه. مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الهجر: جاء في فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله - في مجموع الفتاوى جواباً عن السؤال التالي: سُئل رحمه الله عمن يجب أو يجوز بغضه أو هجره أو كلاهما لله تعالى؟ وماذا يشترط على الذي يبغضه أو يهجره لله تعالى من الشروط؟ وهل يدخل ترك السلام في الهجران أم لا؟ وإذا بدأ المهجور الهاجر بالسلام هل يجب الرد عليه أم لا؟ وهل يستمر البغض والهجران لله عز وجل حتى يتحقق زوال الصفة المذكورة التي أبغضه وهجره عليها؟ أم يكون لذلك مدة معلومة؟ فإن كان لها مدة معلومة فما حدها؟ أفتونا مأجورين. فأجاب: الهجر الشرعي نوعان: أحدهما بمعنى الترك للمنكرات. والثاني بمعنى العقوبة عليها. فالأول: هو المذكور في قوله تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}. وقوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم}. فهذا يراد به أنه لا يشهد المنكرات لغير حاجة مثل قوم يشربون الخمر يجلس عندهم. وقوم دعوا إلى وليمة فيها خمر وزمر لا يجيب دعوتهم وأمثال ذلك. بخلاف من حضر عندهم للإنكار عليهم أو حضر بغير اختياره. ولهذا يُقال: حاضر المنكر كفاعله. وفي الحديث: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر}. وهذا الهجر من جنس هجر الإنسان نفسه عن فعل المنكرات. كما قال صلى الله عليه وسلم: {المهاجر من هجر ما نهى الله عنه}. ومن هذا الباب الهجرة من دار الكفر والفسوق إلى دار الإسلام والإيمان. فإنه هجر للمقام بين الكافرين والمنافقين الذين لا يمكنونه من فعل ما أمر الله به ومن هذا قوله تعالى}: والرجز فاهجر}. النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب وهو هجر من يظهر المنكرات يُهجر حتى يتوب منها كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون: الثلاثة الذين خلفوا حتى أنزل الله توبتهم حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر ولم يهجر من أظهر الخير وإن كان منافقا فهنا الهجر هو بمنزلة التعزير. والتعزير يكون لمن ظهر منه ترك الواجبات وفعل المحرمات كتارك الصلاة والزكاة والتظاهر بالمظالم والفواحش والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بدع. وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة: إن الدعاة إلى البدع لا تُقبل شهادتهم ولا يُصلى خلفهم ولا يُؤخذ عنهم العلم ولا يُناكحون. فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا ; ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية ; لأن الداعية أظهر المنكرات فاستحق

العقوبة بخلاف الكاتم فإنه ليس شراً من المنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله مع علمه بحال كثير منهم. ولهذا جاء في الحديث: {أن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها ولكن إذا أعلنت فلم تنكر ضرت العامة} وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه}. فالمنكرات الظاهرة يجب إنكارها ; بخلاف الباطنة فإن عقوبتها على صاحبها خاصة. وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله. فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً. وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يُشرع الهجر ; بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر. والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف ; ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين. كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيراً من أكثر المؤلفة قلوبهم لما كان أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم وهؤلاء كانوا مؤمنين والمؤمنون سواهم كثير فكان في هجرهم عز الدين وتطهيرهم من ذنوبهم وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة والمهادنة تارة وأخذ الجزية تارة كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح. وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع كما كثر القدر في البصرة والتنجيم بخراسان والتشيع بالكوفة وبين ما ليس كذلك ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه. وإذا عرف هذا فالهجرة الشرعية هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسوله. فالطاعة لا بد أن تكون خالصة لله وأن تكون موافقة لأمره فتكون خالصة لله صواباً. فمن هجر لهوى نفسه أو هجر هجراً غير مأمور به: كان خارجاً عن هذا. وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله. والهجر لأجل حظ الإنسان لا يجوز أكثر من ثلاث كما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ; يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام} فلم يرخص في هذا الهجر أكثر من ثلاث كما لم يرخص في إحداد غير الزوجة أكثر من ثلاث. وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {تفتح أبواب الجنة كل اثنين وخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا ; إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا} فهذا الهجر لحق الإنسان حرام وإنما رخص في بعضه كما رخص للزوج أن يهجر امرأته في المضجع إذا نشزت. وكما رخص في هجر الثلاث. فينبغي أن يفرق بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحق نفسه. فالأول مأمور به والثاني منهي عنه ; لأن المؤمنين إخوة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم {وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في السنن: {ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة

والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين}. وقال في الحديث الصحيح: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذ اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. { -وقال رحمه الله في موضع آخر-: فإن الهجرة نوع من أنواع التعزير والعقوبة نوع من أنواع الهجرة التي هي ترك السيئات. فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال {المهاجر من هجر السيئات} وقال: {من هجر ما نهى الله عنه} فهذا هجرة التقوى. وفي هجرة التعزير والجهاد: هجرة الثلاثة الذين خلفوا وأمر المسلمين بهجرهم حتى تيب عليهم. فالهجرة تارة تكون من نوع التقوى إذا كانت هجراً للسيئات. كما قال تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون} فبين سبحانه أن المتقين خلاف الظالمين وأن المأمورين بهجران مجالس الخوض في آيات الله هم المتقون. وتارة تكون من نوع الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود وهو عقوبة من اعتدى وكان ظالماً. وعقوبة الظالم وتعزيره مشروط بالقدرة ; فلهذا اختلف حكم الشرع في نوعي الهجرتين: بين القادر والعاجز وبين قلة نوع الظالم المبتدع وكثرته وقوته وضعفه كما يختلف الحكم بذلك في سائر أنواع الظلم من الكفر والفسوق والعصيان. فإن كل ما حرمه الله فهو ظلم إما في حق الله فقط وإما في حق عباده وإما فيهما. وما أمر به من هجر الترك والانتهاء وهجر العقوبة والتعزير إنما هو إذا لم يكن فيه مصلحة دينية راجحة على فعله وإلا فإذا كان في السيئة حسنة راجحة لم تكن سيئة وإذا كان في العقوبة مفسدة راجحة على الجريمة لم تكن حسنة ; بل تكون سيئة ; وإن كانت مكافئة لم تكن حسنة ولا سيئة فالهجران قد يكون مقصوده ترك سيئة البدعة التي هي ظلم وذنب وإثم وفساد وقد يكون مقصوده فعل حسنة الجهاد والنهي عن المنكر وعقوبة الظالمين لينزجروا ويرتدعوا وليقوى الإيمان والعمل الصالح عند أهله فإن عقوبة الظالم تمنع النفوس عن ظلمه وتحضها على فعل ضد ظلمه من الإيمان والسنة ونحو ذلك. فإذا لم يكن في هجرانه انزجار أحد ولا انتهاء أحد ; بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها لم تكن هجرة مأموراً بها كما ذكره أحمد عن أهل خراسان إذ ذاك: أنهم لم يكونوا يقوون بالجهمية. فإذا عجزوا عن إظهار العداوة لهم سقط الأمر بفعل هذه الحسنة وكان مداراتهم فيه دفع الضرر عن المؤمن الضعيف ولعله أن يكون فيه تأليف الفاجر القوي. وكذلك لما كثر القدر في أهل البصرة فلو ترك رواية الحديث عنهم لا ندرس العلم والسنن والآثار المحفوظة فيهم. فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب: كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيراً من العكس. ولهذا كان الكلام في هذه المسائل فيه تفصيل. وكثير من أجوبة الإمام أحمد وغيره من الأئمة خرج على سؤال سائل قد علم المسئول حاله أو خرج خطاباً لمعين قد علم حاله

مذهب الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في الهجر

فيكون بمنزلة قضايا الأعيان الصادرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يثبت حكمها في نظيرها. فإن أقواماً جعلوا ذلك عاماً فاستعملوا من الهجر والإنكار ما لم يُؤمروا به فلا يجب ولا يستحب وربما تركوا به واجبات أو مستحبات وفعلوا به محرمات. وآخرون أعرضوا عن ذلك بالكلية فلم يهجروا ما أمروا بهجره من السيئات البدعية ; بل تركوها ترك المعرض ; لا ترك المنتهي الكاره أو وقعوا فيها وقد يتركونها ترك المنتهي الكاره ولا ينهون عنها غيرهم ولا يعاقبون بالهجرة ونحوها من يستحق العقوبة عليها فيكونون قد ضيعوا من النهي عن المنكر ما أمروا به إيجاباً أو استحباباً فهم بين فعل المنكر أو ترك النهي عنه وذلك فعل ما نهوا عنه وترك ما أمروا به فهذا هذا ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه والله سبحانه أعلم. مذهب الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في الهجر: قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -: (هجر المؤمن لا يجوز فوق ثلاثة أيام إذا كان على أمر من أمور الدنيا، بل عليه أن يصالح أخاه وأن يُسلِّم عليه إذا لقيه، ومع أنه لا ينبغي ابتداءاً أن يهجر على أمر من أمور الدنيا، ولكن لو حصل شيء من الهجر: فإنه لا يتجاوز ثلاثة أيام، وهذا هو المراد بالحديث: (لا يَحِلُّ لمؤمن أن يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاث) يعني: إذا كان الهجر على أمر من أمور الدنيا. أما إذا كان الهجر لأجل معصية ارتكبها ذلك المهجور، وكانت هذه المعصية من كبائر الذنوب، ولم يتركها: فإنه يجب مناصحته وتخويفه بالله عز وجل، وإذا لم يمتنع عن فعل المعصية ولم يتب: فإنه يُهجَر؛ لأن في الهجر تعزيراً له وردعًا له لعله يتوب؛ إلا إذا كان في هجره محذور؛ بأن يُخشى أن يزيدَ في المعصية وأن يترتب على الهجر مفسدة أكبر؛ فإنه لا يجوز هجره في هذه الحالة؛ فهجر العاصي إنما يجوز إذا كان من ورائه مصلحة ولا يترتب عليه مضرة أكبر.) " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1/ 273، 274). مذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الهجر: قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع على زاد المسقنع:<< تُسَنُّ بِشَاةٍ فَأَقَلَّ، وَتَجِبُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ إِجَابَةُ مُسْلِمٍ يَحْرُمُ هَجْرُهُ إِلَيْهَا إِنْ عَيَّنَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُنْكَرٌ، فَإِنْ دَعَاهُ الجَفَلَى، أَوْ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، أَوْ دَعَاهُ ذِمِّيٌّ كُرِهَتِ الإِْجَابَةُ، .. >> وقوله: «يحرم هجره»، أفادنا أن من المسلمين من لا يحرم هجره؛ وذلك أن الهجر ينقسم إلى أقسام: القسم الأول: من يجب هجره، وذلك كصاحب البدعة الداعي إلى بدعته، إذا لم ينتهِ إلا بالهجر، فإنه يجب علينا أن نهجره وجوباً؛ لأن في الهجر فائدة، وهو ترك الدعوة إلى البدعة، فإذا وجدنا شخصاً يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن، أو إلى أن الله ـ تعالى ـ في كل مكان وجب علينا أن نهجره، فلا نسلم عليه، ولا نرد عليه السلام، ولا نجيب دعوته، ولا نتحدث إليه حديث الصديق؛ لأن هجره هنا فيه مصلحة، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه أمر بهجر من فعل محرماً، كما في قصة كعب وصاحبيه ـ رضي الله عنهم ـ، وفاعل المحرم أهون ممن يدعو

إلى البدعة؛ لأن البدعة تستمر بالدعوة إليها، وفاعل المحرم فَعَلَه وانتهى. القسم الثاني: من هجره سُنة، وهو هجر فاعل المعصية التي دون البدعة، إذا كان في هجره مصلحة، كهجر إنسان يحلق لحيته، فإذا رأينا شخصاً قد أصر على ذلك، وكان في هجره مصلحة، وهو الرجوع إلى حظيرة السنة، فالهجر هنا سنة حتى يرجع، وكذلك يقال في شارب الدخان، والموظف في جهات ربوية، ولا نقول: إنه واجب؛ لأننا لا نتحقق به ترك المحرم، فلو تحققنا به ترك المحرم لكان الهجر واجباً. إذاً هنا الهجر سنة بشرط المصلحة، فإن لم يكن في هجره مصلحة فإنه لا يهجر؛ لأن الأصل أن هجر المؤمن حرام لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة»، فإن لم يكن مصلحة صار الهجر حراماً، إذ لا يحصل منه إلا عكس ما نريد، وأما ما يفعله بعض الإخوة المستقيمين الغيورين على دينهم من هجر أهل المعاصي مطلقاً فغلط، ومخالف للسنة، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة»، وفاعل المعصية أخ لك مهما فعل من الكبائر، إلا إذا كفر، وعلى هذا فلا يجوز هجر أهل المعاصي إلا لوجود المصلحة. القسم الثالث: هجر مباح، وهو ما يحصل بين الإنسان وأخيه بسبب سوء تفاهم، وهو مقيد بثلاثة أيام فأقل. والقول الراجح أن الهجر لا يجب، ولا يسن، ولا يباح إلا حيث تحققت المصلحة، فإذا كان هناك مصلحة هجرنا وإلا فلا؛ لأن الهجر إما دواء وإما تعزير، فإن كان من أجل معصية مستمرة فهو دواء، وإن كان من أجل معصية مضت وانتهت فهو تعزير، فيحرم أن يهجر أخاه المؤمن ما لم يصل إلى الكفر، والدليل على ذلك عمومات الأدلة الدالة على حقوق المسلم على المسلم، والمؤمن لا يخرج من الإيمان بمجرد الفسوق والعصيان عند أهل السنة والجماعة، ولذلك الأصل تحريم هجر المؤمنين، ولو فعلوا المعصية وتجاهروا بها؛ لأنهم مؤمنون، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وحق المسلم على المسلم ست، ومنها: إذا لقيته فسلم عليه»، فقال: حق المسلم، ولم يقل: حق المؤمن؛ لأن الإسلام أوسع من الإيمان، لكن إذا كان في الهجر مصلحة فإنه إما أن يسن، وإما أن يجب، حسب ما تقتضيه المصلحة، وحسب عظم الذنب، فإذا كان هذا الرجل الحالق للحية إذا هجرناه ارتدع، وصار يمشي بين الناس غريباً، لا يُسلم عليه، ولا يرد سلامه، فيخجل ويعفي لحيته، كان هجره سنة أو واجباً؛ لأن هجره مفيد، أما إذا كان هذا الرجل إذا هجرناه ازداد شره، ونفر من أخيه المؤمن، وحصلت الوحشة بينهما، فلا يسن الهجر هنا، بل لا ينبغي، والمسبل لثيابه مجاهر بالمعصية، والذي يبدو لنا أنه أعظم من حلق اللحية؛ لأنه متوعد عليه، فهو من كبائر الذنوب، وأعظم من شرب الدخان، مع أن شرب الدخان الآن أكثر من حلق اللحية والإسبال. المهم أن المذهب يقسمون الهجر إلى ثلاثة أقسام: واجب، وسنة، ومباح، ولكن الصحيح عندنا أنه لا ينقسم إلى هذه الأقسام، وأن الأصل في الهجر التحريم، إلا إذا كان فيه مصلحة.

وقال الشيخ– رحمه الله –في موضع آخر: فإن كان في الهجر مصلحة أو زوال مفسدة بحيث يكون رادعاً لغير العاصي عن المعصية، أو موجباً لإقلاع العاصي عن معصيته، كان الهجر حينئذٍ جائزاً، بل مطلوباً طلباً لازماً، أو مرغباً فيه، حسب عظم المعصية التي هجر من أجلها ... أما اليوم فإن كثيراً من أهل المعاصي لا يزيدهم الهجر إلاّ مكابرة وتمادياً في معصيتهم، ونفوراً وتنفيراً عن أهل العلم والإيمان؛ فلا يكون في هجرهم فائدة لهم ولا لغيرهم. وعلى هذا فنقول: الهجر دواء يستعمل حيث كان فيه الشفاء، وأما إذا لم يكن فيه شفاء، أو كان فيه إشفاء - وهو الهلاك -: فلا يستعمل. فأحوال الهجر ثلاث: إما أن تترجح مصلحته: فيكون مطلوباً. وإما أن تترجح مفسدته: فينهى عنه بلا شك. وإما أن لا يترجح هذا ولا هذا: فالأقرب النهي عنه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة). أما الكفار المرتدون فيجب هجرهم والبعد عنهم، وأن لا يجالسوا ولا يواكلوا، إذا قام الإنسان بنصحهم ودعوتهم إلى الرجوع إلى الإسلام فأبوا، وذلك لأن المرتد لا يُقر على ردته، بل يُدعى إلى الرجوع إلى ما خرج منه، فإن أبى وجب قتله، وإذا قُتل على ردته، فإنه لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين، وإنما يرمى بثيابه، ورجس دمه في حفرة بعيداً عن المقابر الإسلامية في مكان غير مملوك. وأما الكفار غير المرتدين فلهم حق القرابة إن كانوا من ذوي القربى، كما قال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}، وقال في الأبوين الكافرين المشركين: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (3 / السؤال رقم 385).

خلاصة فقه الهجر على المذهب المختار

خلاصة فقه الهجر على المذهب المختار: الهجر هجران هجرٌ ظاهر , وهجرٌ باطنٌ قلبي والهجر الباطن هو هجران بغض، بترك التودد إلى المهجور , وهذا الهجر الباطن خاص بالكفار والمنافقين والمرتدين والفساق الفجار الراجح شرهم على خيرهم علماً بأنه لا تلازم بين الهجران الباطن والهجران الظاهر فقد يجتمعان وقد يفترقان , والهجر الباطن لا يلزم منه سوء المعاملة بل تُشرع أحياناً حسن المعاملة مع من يجب هجره باطناً وذلك بحسب المصلحة الشرعية. وأما الهجر الظاهر فهو على قسمين: 1 - هجر إيجابي: وهو الصادر ممن له حق الزجر والتأديب إما بسلطة مادية كالأب مع أبنائه والزوج مع زوجته أو سلطة معنوية كالشيخ مع تلاميذه , علماً بأن هذا الهجر يجب فيه إشعار المهجور بالهجر وسببه , وهو إما دواء وإما تعزير، فإن كان من أجل معصية مستمرة فهو دواء، وإن كان من أجل معصية مضت وانتهت فهو تعزير , وهذا الهجر الإيجابي كهجر الكلام والسلام وحسن التعامل وإظهار البغض لا يُشرع في حق من لا يُرجى الفائدة منه كالمنافقين والكفار الميئوس من رجوعهم للإسلام والسادة المطاعين مثلاً إذا أذنبوا أما الوقائي فهو مشروع مع كل أحد. 2 - هجر وقائي: وهو الذي يتقي الهاجر فيه شر المهجور دينياً أو دنيوياً أو الافتتان به وهو مشروع مع كل أحد بلا استثناء. وهذا الهجر يجب أن يكون جميلاً ولا يلزم منه إشعار المهجور بالهجر وسببه. وعلى هذا فيجب هجر صداقة كل كافر ومنافق مرتد وفاسق فاجر شره راجح على خيره هجراً وقائياً باستثناء الزوجة الكتابية , هذا وإن كان لا مانع من حسن التعامل معهم وصحبتهم بالمعروف وصلتهم إذا اقتضت المصلحة الشرعية وذلك كصحبة الوالدين المشركين بالمعروف وصحبة الكافر في العمل والسفر والجوار بالحسنى وأما المرتد فإذا كان في بلد لا تُقيم عليه حد الشريعة فالأولى معاملته بالحسنى إذا اقتضت المصلحة ذلك لا سيما إذا كان تحته أولاد يُرجى انتشالهم من ضلاله وغيه. وأما الهجر الايجابي فهو على ثلاث أنواع: الأول: الهجر الإيجابي الذي يكون بين متخاصمين من المسلمين كلهم عدول وهو هجر لحظِّ النفس، أو على أمرٍ دنيوي وهو لا خير فيه ولا ثمرة تُرجى منه فهذا غير مشروع، بل هو منهيٌ عنه ومحرم إذا كان أكثر من ثلاث ويُستثنى من هذا النهي الهجر الوقائي الجميل لمن يُدخل عليك مضرة محققة في دنياك فذلك جائز بإجماع أهل العلم وأما من يُخل عليك الأذى دون الضرر فيجوز على مذهب بعض أهل العلم والورع والكمال يقتضي الصبر عليهم وصلتهم بالحسنى. الثاني: الهجر الإيجابي الذي يكون بين متخاصمين من المسلمين لحقِّ الله، بأن يكون من أجل وقوع المهجور في بدعة أو معصية.

وهذا هجر جائز من حيث الأصل ويختلف حكمه باختلاف المصلحة فإن تحققنا وقوع المصلحة وجب الهجر وإن ظننا ظناً غالباً استُحب الهجر وإن شككنا فيحرم الهجر إن كان المهجور عدلاً أو عاصياً مستتراً غير فاجر ولا مجاهر أو ممن له حق واجب في الصلة كالزوجة الكتابية والوالدين المشركين. الثالث: الهجر الإيجابي الذي يكون بين متخاصمين أحدهما مسلم والآخر كافر أو منافق أو فاسق فاجر شره راجح على خيره , وهو لا خير فيه ولا ثمرة تُرجى منه منه فهذا غير مشروع لكنه جائز مع الكراهة الشديدة. وهنا مسألة وهي هل نفهم مما تقدم أن هجر الظالمين هجراً مطلقاً لا يكون على الإطلاق وأن في المسألة تفصيل ولها ضوابط؟ بالطبع هجر الظالمين ليس على الإطلاق فالظالمين أنواع لكل نوع منهم الفقه الذي يضبط كيفية التعامل معهم والقدر الذي يستحقون من الوصل أو الهجر وهم أقسام: القسم الأول: الكفار وهم أصناف: الصنف الأول: الكفار المحاربون والمرتدون: فهؤلاء يتعين ويجب هجرهم إيجابياً واعتزالهم عندما يأبون إلا العناد والإعراض عن الحق ويتعين اعتزال مجالسهم ولا حظ لهم في حسن التعامل والخلق معهم وزيارتهم بل الواجب في حقهم جهادهم ومدافعة شرورهم إلا أن هناك من أهل العلم من اعتبر المصلحة في اعتزال وهجر المرتد إذا كان يعسر التحرز من هجره لأي سبب كان وخاصة مع عدم وجود الحاكم المسلم الذي يُقيم الحد على هذا المرتد بعد استتابته فيكون تأليفه أولى في هذه الحال مع مناصحته. الصنف الثاني: الكفار الأصليون المسالمون: فهؤلاء يتعين ويجب هجر صداقتهم وقائياً إلا أن هجر صداقتهم يكون دون هجر حسن التعامل معهم والتلطف لهم إلى حد ما ولكن يجوز هجرهم إيجابياً إذا اقتضت المصلحة ذلك. وعلى هذا فالأصل في التعامل مع الكافرين المُعرضين الهجر الوقائي لهم والاعتزال وهذا الأصل هو حكم عام توجد له حالات خاصَة مُستثناة يشرع فيها الوصل بقدر, ومنها إحسان الولد المسلم لأبويه الكافرين ووصلهما بالمعروف على أن لا يطيعهما في الشرك أو في شيء فيه معصية الله , ومنها صلة القريب الكافر بالمعروف ومنها عندما يستجير المشرك بالمسلمين ويطلب منهم الجوار ليسمع كلام الله ونحو ذلك ففي مثل هذه الحالة يحسن أن يستجار ويوصل بالقدر الذي يحقق الغرض من إجارته ومنها إذ قُدر للمسلم أن يجاور كافراً أو مشركاً فحينئذٍ ينبغي عليه أن يُحسن التعامل مع جاره ويصله بالمعروف لأن للجار حقاً ولو كان كافراً, ومنها إن كان الكافر من المؤلفة قلوبهم وظهرت عليه القرائن الدالة على ميوله ورغبته في الإسلام فيستحسن حينئذٍ وصله والإحسان إليه تثبيتاً له على الحق, ومنها الخلطة التي لابد منها للداعية إلى الله تعالى, ومنها أن يُقابل جميل أو معروف الكافر بمعروف آخر مشروع. وعلى هذا يتبين لك أن هجر الكفار يتفاوت بحسب درجة عناد وعداوة كل كافر أو طائفة من طوائف الكفر فلا ينبغي أن يُعامل الكفار معاملة واحدة وعليه فكلما تغلظ كفر الكافر واشتد عناده وإعراضه عن الحق كلما تعيَن الهجر والاعتزال بحقه

وكلما ظهر الكافر ميله إلى الحق وظهرت رغبته فيه كلما خفَت حدَة الهجر والاعتزال بحقه وكان للوصل مبرراته ومسوغاته الشرعية. القسم الثاني: أهل البدع الداعون لبدعتهم سواءً كان مسلماً أو كان كافراً: فهؤلاء يتعين ويجب هجرهم إيجابياً واعتزالهم والإنكار عليهم والتحذير منهم ولو كان المبتدع متأولاً معذوراً عند الله. القسم الثالث: أهل البدع المسلمون العوام المقلدة الغير دعاة إلى بدعهم: فهؤلاء لا يجوز هجرهم إيجابياً إلا لمصلحة راجحة , وعليه فيجب التلطف معهم وكشف الشبهات عنهم ومناصحتهم بالتي هي أحسن , فإذا أقيمت عليهم الحجة ولم يمتثلوا فيُلحقون بأهل المعاصي والذنوب من المسلمين. القسم الرابع: الظالمين المجاهرين من ذوي الذنوب والمعاصي والكبائر التي دون الكفر: فهؤلاء يتعين ويجب هجر صداقتهم وقائياً إلا أن هجر صداقتهم يكون دون هجر حسن التعامل معهم والتلطف لهم إلى حد ما , وذلك لوجود عقد الإسلام الذي يوجب الموالاة والوصل إلا أنه يجب التباعد عنهم حال تلبسهم بالمعاصي والذنوب , وأما هجرهم إيجابياً فيجوز إذا اقتضت المصلحة ذلك بل يجب أحياناً. وعلى هذا يتبين لك أن إظهار البغض والهجر الإيجابي للفساق الراجح شرهم على خيرهم ليست له قاعدة مطردة بل الأمر يختلف باختلاف الأشخاص الواقعين في المعصية، وباختلاف المعاصي، وباختلاف الأشخاص المظهرين للبغض والهجر كذلك. فهذه المسألة شبيهة بمسألة المريض والمرض والطبيب فالمرض شيء موجود، ولكن لكل مرض علاج وعلاج المرض الواحد يختلف باختلاف المرضى، وباختلاف الأطباء فتكون المسألة مسألة اجتهادية في حدود السياسة الشرعية، ولكن إذا اقتضى الأمر إظهار البغض والهجر الإيجابي فإن إظهاره تارة يكون بالقول، وتارة بالفعل، وتارة بهما جميعًا. فأما إظهار البغض بالقول فيكون بكف اللسان عن مكالمته ومحادثته مدة، أو بالاستخفاف به والتغليظ له في القول تارة أخرى، وأما إظهار البغض بالفعل، فبقطع السعي في إعانته مرة، وبالسعي في إساءته وإفساد مآربه مرة أخرى، وإظهار العداوة والبغض والهجر الإيجابي فيما تقدم إنما يكون مع الأشخاص الذين أظهروا المعصية ولم يندموا عليها, أما من أظهر الندامة، وأقلع عن المعصية فالأولى أن نصفح عنه ونستره، ولا نُظهر له العداوة ولا نهجره تعزيرا. القسم الرابع: الظالمين المستترين من ذوي الذنوب والمعاصي التي دون الكفر: فهؤلاء لا يجوز هجرهم إلا لمصلحة راجحة على صلتهم. وهنا أكثر من تنبيه على ما تقدم الأول هو أن الهجر الإيجابي لا يُشرع إذا كان الهاجر بحاجة المهجور في المهجور به كهجر الزوج لزوجته إذا كان بحاجة إلى جماعها مثلاً ووجد حرج من ذلك. والتنبيه الثاني هو أن الاحترام المتبادل والمعاملة الظاهرة بالبيع والشراء ونحوه لمن يجب هجره وقائياً لا يدخل في المحظور وإنما المحظور هو المكالمة بالموادة

إضاءة عامة حول فقه العزلة والخلطة

ونحو ذلك باستثناء الزوجة الكتابية طبعاً , وكذلك لا يدخل في المحظور أمر من يجب هجره بالمعروف ونهيه عن المنكر ودعوته إلى الله وتأليفه بشيء من الدنيا إذا اقتضى الحال ذلك وكذلك لا يدخل في المحظور مداراة من يجب هجره بحسن التعامل والانبساط المحدود أيضاً. التنبيه الثالث والأخير هو أن الهجر الإيجابي أعم وأشمل من الهجر الوقائي فكل من تهجره إيجابياً فأنت ولا بد من أنك هاجرٌ له وقائياً وأما العكس فلا. إضاءة عامة حول فقه العزلة والخلطة: العزلة تتراوح بين المفارقة الكلية المطلقة والمفارقة الجزئية وبين الاعتزال الحسي والاعتزال المعنوي فالعزلة قد تكون بالبدن أو بالقلب أو بهما معاً , والأصل في المسلم الاختلاط بالناس ومعاشرتهم ومخالقتهم والإسلام دين الجماعة والأصل في العزلة الكلية المطلقة هو المنع حيث يترتب عليها تضييع الحقوق وتفويت الفرائض وتعطيل كثير من الواجبات كترك التعلم والتعليم والأمر والنهي وصلة الرحم والقرابة مع التعرض لكيد الشيطان ووسوسته وتلبيسه ولكن ثمة حالات خاصة تستثنى من هذا الأصل الكلي العام , وفي الأحوال العادية التي ليس فيها فتنة عامة فالأصل فيها أن المسلم الذي يستطيع أن يخالط الناس ويصبر على أذاهم ويوصل إليهم النفع الديني والدنيوي هو خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر علي أذاهم بل يعتزل شرورهم ويتفرد بنفسه علماً بأن هناك قدر مطلوب من الخلطة بالناس ينبغي أن يكون معتدلاً في الجملة وهو يتفاوت بحسب المصلحة وهذه المصلحة منهم من يغلَب جانب المصلحة العامة ومنهم من يغلَب جانب المصلحة الشخصية من السلامة ونحوها. وهناك نوع آخر من العزلة وهي العزلة المستحبة المقيدة الجزئية وهي ترك فضول الصحبة ونبذ الزيادة منها وهي الاقتصاد على مخالطة الناس على ما لابد منه والقيام بالفرائض الواجبة وصلة الأرحام وأداء الجمعة والجماعة. وهناك العزلة القلبية وذلك بأن يخالط المسلم الناس بجسده ولكن قلبه مخالف لما هم عليه أو بمعنى أدق الخلطة بجسده ومدخله ومخرجه دون أن يؤدي به ذلك إلى الذوبان في المجتمع المحيط به أو التخلي عن علمه ودعوته والعزلة بقلبه وعمله ومشاعره وإن كان الفرد باختلاطه بالناس قد يتأثر شيئاً ما إلا أن هذا التأثير اليسير المحتمل محتمل إلى جانب المصلحة الراجحة المتحققة وهي نفع الناس وإرشادهم وتوجيههم. التفضيل بين العزلة والخلطة: الترجيح بين العزلة والخلطة مع عموم الناس مبني على التأثر والتأثير فمن كان يتأثر ولا يؤثر فهذا العزلة في حقه أفضل ومن كان يؤثر ولا يتأثر إلا التأثر البسيط فهذا المخالطة في حقه أفضل.

أحكام الهجرة في الإسلام

أحكام الهجرة في الإسلام: أنواع الهجرة عموماً: الهجرة نوعان: النوع الأول هجرة مكانية حسية ظاهرة وهي مرتبطة بالخروج والانتقال من أرض الكفر إلى أرض الإسلام ومن دار تشتد فيه الفتن إلى دار تقل فيه الفتن وهذا النوع من الهجرة مشروع. والنوع الثاني من الهجرة هو هجر المعاصي والذنوب والآثام وكل ما نهى الله تعالى عنه ومما نهى الله تعالى عنه الإقامة بين أظهر المشركين لمن لم يقدر على إظهار دينه وهذه الهجرة المعنوية القلبية الباطنة شاملة لنوعي الهجرة هجر الديار والأوطان وهجر المعاصي والذنوب والآثام وهي الأصل والمقصد والحسية الظاهرة هي وسيلة إليها. تعريف الهجرة (الحسية , المكانية , الظاهرة) شرعاً: المعنى الشرعي العام للهجرة: هناك مذهبين: الأول: هي الانتقال من دار الكفر والحرب إلى دار الإسلام فراراً بالدين. الثاني: هي الانتقال من دار الظلم ولو كانت مسلمة إلى دار العدل ولو كانت كافرة فراراً بالدين. ومعنى الهجرة المطلق شرعاً هي الخروج في سبيل الله من دار الكفر إلى دار الإسلام ومن دار شديد الفتن إلى دار أقل منه فتنة. أحكام الهجرة الحسية المكانية الظاهرة: الأولى: هجرة واجبة: وهي من دار الحرب إلى دار الإسلام على من يقدر عليها ولا يُمكنه إظهار دينه وتُلحق به الدار التي يُعمل فيها بمعاصي الله جهاراً إذا لم يتمكن من إظهار دينه. الثانية: هجرة مستحبة ومندوبة: وهي لمن يقدر عليها وهو متمكن من إظهار دينه. الثالثة: هجرة مباحة: أو غير واجبة على العاجز إما لمرض أو إكراه كالأسير أو الضعيف من النساء والولدان وشبههم. قال الحافظ في الفتح مبيناً حكم الهجرة ومتى تجب ومتى تستحب: فلا تجب الهجرة من بلد قد فتحه المسلمون، أما قبل فتح البلد فمن به من المسلمين أحد ثلاثة: الأول: قادر على الهجرة منها لا يمكنه إظهار دينه ولا أداء واجباته فالهجرة منه واجبة. الثاني: قادر لكنه يمكنه إظهار دينه وأداء واجباته فمستحبة لتكثير المسلمين بها ومعونتهم وجهاد الكفار والأمن من غدرهم والراحة من رؤية المنكر بينهم. الثالث: عاجز بعذر من أسر أو مرض أو غيره فتجوز له الإقامة فإن حمل على نفسه وتكلف الخروج منها أجر ... انتهى. بواعث وغايات الهجرة: البواعث كثيرة , وأهم تلك البواعث والغايات وأولها هي سلامة العبادة والدين فحيثما يُضيَق على المرء في دينه وعبادته ويُمنع من إظهار دينه والقيام بالواجبات الدينية المفروضة عليه يتعيَن عليه الهجرة إلى حيث يجد المكان الأمثل للمحافظة

حكم سفر المسلم لبلاد المشركين

على دينه وعبادته لربه عز وجل , وعبادة الله عز وجل هي الغاية العظمى من وجود الإنسان وخلقه تُرخَص في سبيلها جميع الغايات والمقاصد. الثاني سلامة النفس فحيثما يجد المرء نفسه مهددة بالقتل أو الهلاك المحقق من قبل الظالمين وليس له قدرة على دفع الظلم عن نفسه فله أن يُهاجر طلباً للسلامة إلى حيث يجد الأمن والأمان لنفسه وأهله. وثالث تلك البواعث هي تقوية المسلمين وإضعاف المشركين كإحياء فريضة الجهاد وتقوية المسلمين وتكثير سوادهم على المشركين فالهجرة والجهاد شيئان متلازمان وأحدهما سبب للآخر ولازم له وبقاء أحدهم لازم لبقاء الآخر. مقصد الهجرة الشرعية الرئيسي: أعظم مقاصد الهجرة الشرعية هي الفرار بالدين من الفتن والفرار بالتوحيد وهجرة ما نهى الله عنه , فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلِمُ: مَن سلمَ المسلمون من لسانه ويده، والمهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهاهُ الله عنه».رواه البخاري. حكم سفر المسلم لبلاد المشركين: السفر لبلاد المشركين جائز بشرطين: الأول أن يكون لحاجة كالعلاج والتجارة وتعلم العلوم التي لا يمكن تعلمها في بلاد المسلمين ونحو ذلك. الثاني القدرة على إظهار الدين وتكون بالقيام بالواجبات وترك المحرمات وأن لا يُداهن ولا يُماري في دينه والتحفظ من مودتهم والركون إليهم واعتزالهم والبراءة منهم. بهذه الشروط لا بأس أن يسافر ولو كان إلى بلاد الكفار الحربية أما إذا اختل شرط منها فلا يجوز له. وعلى هذا فحكم السفر والإقامة بدار الكفار يختلف تبعاً لاختلاف النية والمقاصد والباعث على السفر والإقامة عندهم. حكم إقامة المسلم في دار الكفر: حكم مساكنة المشركين في بلادهم يختلف باختلاف حال المكلف، فمن وجبت عليه الهجرة فإقامته في بلاد الكفر محرمة، ومن استحبت له الهجرة فإقامته في بلاد الكفر مكروهة أو خلاف الأولى، ولبيان هذه الحالات ننقل كلام الفقيه الحنبلي ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى. حيث قال في المغني "إذا ثبت هذا، فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب: أحدها: من تجب عليه وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار، فهذا تجب عليه الهجرة لقول الله تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته وما لا يتم الواجب به فهو واجب ......... الثالث: من تستحب له ولا تجب عليه وهو من يقدر عليها لكنه يتمكن من إظهار دينه واقامته في دار الكفر فتستحب له.

الفرق بين دار الإسلام ودار الكفر

انتهى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: فأحوال البلاد كأحوال العباد فيكون الرجل تارة مسلماً وتارة كافراً وتارة مؤمناً وتارة منافقاً وتارة براً تقياً وتارة فاسقاً وتارة فاجراً شقياً، وهكذا المساكن بحسب سكانها. فهجرة الإنسان من مكان الكفر والمعاصي إلى مكان الإيمان والطاعة كتوبته وانتقاله من الكفر والمعصية إلى الإيمان والطاعة، وهذا أمر باق إلى يوم القيامة. انتهى ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى " فالإقامة في بلاد الكفر لابد فيها من شرطين أساسيين: الشرط الأول: أمن المقيم على دينه بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه، والحذر من الانحراف والزيغ، وأن يكون مضمراً العداوة للكافرين وبغضهم، مبتعدًا عن موالاتهم ومحبتهم، فإن موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان. الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ" انتهى. وعلى هذا فإن من لا حرج عليه في الإقامة بين أظهر المشركين: 1 - من كان مُظهراً لدينه. 2 - المُستضعف العاجز عن إظهار دينه وهم الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً , علماً بأن العاجز عن إظهار دينه وعن الهجرة إن حمل على نفسه وتكلف الخروج منها أُجر. بيان الإقامة المستحبة للمسلم في دار الكفر: يستحب للمسلم أن يقيم في دار الكفر وذلك إذا كان يرجو ظهور الإسلام بإقامته أو إذا ترتب على بقائه بدار الكفر مصلحة للمسلمين. الفرق بين دار الإسلام ودار الكفر: دار الإسلام هي التي يحكمها المسلمون وتجري فيها أحكام الإسلام والنفوذ فيه للمسلمين ولو كان جميع أهلها كفاراً ودار الكفر عكسها. حكم الهجرة من بلاد الكفر المحاربة لبلاد الكفر المسالمة للدين وأهله: يشرع للمسلم الهجرة من بلاد الكفر المحاربة المضطهدة للدين وأهله المؤذية للمؤمنين إلى بلاد كفر معاهدة ومهادنة وآمنة لأن الشر القليل أهون من الشر الكثير وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بالهجرة من مكة إلى الحبشة حينما ضُيَق عليهم ولم تكن الحبشة يومئذ بلد مسلمة , وهذا في حال عدم القدرة على الهجرة إلى بلاد إسلامية يتمكن من إظهار دينه فيها. الهجرة من دار الفسق والبدعة مشروعة ولكنها لا تجب: الهجرة من بين أهل المعاصي غير واجبة سواء كانت معاصيهم كبائر أو صغائر، بل على المسلم أن يغير المنكر ما استطاع وهذا الذي عليه العمل لكن إن كان الإنسان يعيش في بلاد الفسق أو بلاد البدعة وكان لا يستطيع أن يقيم شعائر دينه أو لا يأمن على نفسه وأهله من الوقوع في الفتنة فإنه يجب عليه أن يهاجر من هذه

الأرض، أما إذا كان يستطيع أن يقيم شعائر الدين ويأمن على نفسه وأهله من الوقوع في الفتنة فإنه يستحب له أن يهاجر من هذه الأرض ولا يجب عليه ذلك، وفي حالة وجوب الهجرة فإن الإنسان ملام على عدم الهجرة إن كان يقدر على ذلك، فإن كان لا يقدر على الهجرة فليجتهد وسعه في الحفاظ على دينه ودين أهله حتى يجعل الله له فرجاً ومخرجاً. ولبيان أكثر أنقل ماجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية من خلاف حول هذه المسألة: حكم الْهِجْرَةُ مِنْ بَلَدٍ تُجْتَرَحُ فِيهَا الْمَعَاصِي: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ: الأَْوَّل لِلْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ قَوْل عَطَاءٍ: وَهُوَ وُجُوبُ الْهِجْرَةِ مِنَ الأَْرْضِ الَّتِي يُعْمَل فِيهَا بِالْمَعَاصِي. حَيْثُ قَال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ) إِذَا عُمِل فِيهَا بِالْمَعَاصِي فَاخْرُجْ مِنْهَا. قَال ابْنُ الْقَاسِمِ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُول: لاَ يَحِل لأَِحَدٍ أَنْ يُقِيمَ بِبَلَدٍ يُسَبُّ فِيهِ السَّلَفُ. الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّ كُل مَنْ أَظْهَرَ حَقًّا بِبَلْدَةٍ مِنْ بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ وَلَمْ يُقْبَل مِنْهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِظْهَارِهِ، أَوْ خَافَ فِتْنَةً فِيهِ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ مِنْهُ. قَال الرَّمْلِيُّ: لأَِنَّ الْمُقَامَ عَلَى مُشَاهَدَةِ الْمُنْكَرِ مُنْكَرٌ، وَلأَِنَّهُ قَدْ يَبْعَثُ عَلَى الرِّضَا بِذَلِكَ. وَيُوَافِقُهُ قَوْل الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُل مَنْ كَانَ بِبَلَدٍ تُعْمَل فِيهِ الْمَعَاصِي وَلاَ يُمْكِنُهُ تَغْيِيرُهَا الْهِجْرَةُ إِلَى حَيْثُ تَتَهَيَّأُ لَهُ الْعِبَادَةُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). هُوَ قَوْل الإِْمَامِ الْقُرْطُبِيِّ فِي تَذْكِرَتِهِ. حَكَاهُ صِدِّيق حَسَن خَان فِي (الْعِبْرَةِ مِمَّا جَاءَ فِي الْغَزْوِ وَالشَّهَادَةِ وَالْهِجْرَةِ. ( وَقَدْ ذَكَرَ الْهَيْتَمِيُّ فِي التُّحْفَةِ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا إِذَا ظَهَرَتْ فِي بَلَدٍ بِحَيْثُ لاَ يَسْتَحْيِي أَهْلُهُ كُلُّهُمْ مِنْ ذَلِكَ، لِتَرْكِهِمْ إِزَالَتَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ، فَتَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْهُ؛ لأَِنَّ الإِْقَامَةَ حِينَئِذٍ مَعَهُمْ تُعَدُّ إِعَانَةً وَتَقْرِيرًا لَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي، بِشَرْطِ أَلاَّ يَكُونَ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ فِي ذَلِكَ، وَأَنْ يَقْدِرَ عَلَى الاِنْتِقَال لِبَلَدٍ سَالِمَةٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَلاَّ يَكُونَ فِي إِقَامَتِهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ الْمُؤَنُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْحَجّ. الثَّالِثُ لِلْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّ الْهِجْرَةَ لاَ تَجِبُ مِنْ بَيْنِ أَهْل الْمَعَاصِي. قال في الفروع: ولا تجب الهجرة من بين أهل المعاصي، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: إن أرضي واسعة. {العنكبوت: 56}. أن المعنى إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرجوا منها. وبه قال عطاء وهذا خلاف قوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ... الحديث وعلى هذا العمل. انتهى. الرَّابِعُ لِلْمُلاَّ عَلِي الْقَارِيِّ: وَهُوَ أَنَّ الْهِجْرَةَ مِنَ الْوَطَنِ الَّذِي يُهْجَرُ فِيهِ الْمَعْرُوفُ، وَيَشِيعُ فِيهَا الْمُنْكَرُ، وَتُرْتَكَبُ فِيهِ الْمَعَاصِي مَنْدُوبَةٌ اهـ. وبعد بيان خلاف أهل العلم نذكر الراجح والذي عليه العمل وهو ما ذهب إليه الحنابلة والملا علي القاري وهو أن الْهِجْرَةَ لاَ تَجِبُ مِنْ بَيْنِ أَهْل الْمَعَاصِي والهِجْرَةَ مِنَ الْوَطَنِ الَّذِي يُهْجَرُ فِيهِ الْمَعْرُوفُ، وَيَشِيعُ فِيهَا الْمُنْكَرُ، وَتُرْتَكَبُ فِيهِ الْمَعَاصِي مَنْدُوبَةٌ غير واجبة وعلى المسلم أن يقوم بما يلزمه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما استطاع.

مناط إيجاب الهجرة

مناط إيجاب الهجرة: مناط إيجاب الهجرة هو عدم القدرة على إظهار الدين سواء كانت دار كفر أو لا. قَالَ الشَّافِعِيُّ في كتاب الأم: دَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ أَطَاقَهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ بِالْبَلَدِ الَّذِي يُسْلِمُ بِهَا. اهـ. وفي أسنى المطالب: وكذا كل من أظهر حقا ببلدة من بلاد الإسلام ولم يقبل منه ولم يقدر على إظهاره تلزمه الهجرة منها. نقله الأذرعي وغيره عن صاحب المعتمد، ونقله الزركشي عن البغوي أيضا، واستثنى البلقيني من ذلك ما إذا كان في إقامته مصلحة للمسلمين فيجوز له الإقامة، فإن لم يستطع الهجرة فهو معذور إلى أن يستطيع. انتهى. حكم استئذان الوالدين في الهجرة الواجبة المتعينة: لا يلزم استئذان الوالدين في الهجرة الواجبة المتعينة إلا أنه لو استئذنهما من باب توقيرهما لكان مستحباً لكن لو رفض الوالدين ذلك فلا طاعة لهما , وذلك أن الهجرة فراراً بالدين واجبة ولو كان فيها عصيان للوالدين. قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) وقد قالت طائفة من أهل العلم إن قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ ... الآية) إنها نزلت في الحض على الهجرة الواجبة المتعينة ورفض بلاد الكفر، وأن الخطاب لمن كان من المؤمنين بمكة وغيرها من بلاد العرب، نهوا أن يوالوا الآباء والإخوة فيكونون لهم تبعاً في سكنى البلاد والكفر. وهنا تنبيه على ما تقدم وهو أنه لا يعني قولنا بأن الهجرة الواجبة المتعينة تجب على المسلم ولو لم يأذن له والديه بأن هجر الوالدين جائز بل نقول أن هجر الوالدين جائز إذا كان على سبيل التبع بسبب الهجرة الواجبة المتعينة وهذا في حال عدم القدرة على التوفيق بين الهجرة المتعينة وفي نفس الوقت صلة الوالدين ولا يحتج أحد هنا بأن إبراهيم عليه السلام قد هجر والديه. بل إن ما وقع من إبراهيم عليه السلام هو أنه أولاً ترك ما عليه قومه من الباطل والتزم الحق، ولذلك قال فيما حكى الله عنه:} وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا {.قال ابن كثير في تفسيره وهو يبين معنى هذه الآية: أي: أجتنبكم وأتبرأ منكم ومن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله،} وَأَدْعُو رَبِّي {أي: وأعبد ربي وحده لا شريك له. اهـ. وإبراهيم عليه السلام بعد أن رأى أباه يتوعده بقوله فيما ذكر الله عنه في كتابه:} قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا {.

الخلاصة في أحكام الهجرة

فأجابه إبراهيم عليه السلام بقوله:} قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا {.وقرر بعد ذلك أن يهاجر بدينه لا أن يهجر والديه، كما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتركوا الآباء والأمهات، قال ابن كثير في تفسيره عند كلامه عن قول الله تعالى من سورة العنكبوت:} وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {.قال: يحتمل عود الضمير في قوله: وقال ـ على لوط، لأنه أقرب المذكورين، ويحتمل عوده إلى إبراهيم - قال ابن عباس، والضحاك: وهو المكنى عنه بقوله:} فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ {. أي: من قومه. ثم أخبر عنه بأنه اختار المهاجرة من بين أظهرهم، ابتغاء إظهار الدين والتمكن من ذلك. اهـ. والله أعلم. الخلاصة في أحكام الهجرة: تنقسم الهجرة الشرعية إلى قسمين: أ- حسية. ب- معنوية. الهجرة المعنوية (القلبية) هي الهجرة الحقيقية والأصلية والهجرة الحسية تابعة لها وهي الفرار مما يكرهه الله ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه الله ظاهراً وباطناً فرار من الجهل إلى العلم ومن الكفر إلى الإيمان ومن المعصية إلى الطاعة ومن الغفلة إلى الذكر. وأما عن أقسام الناس في الهجرة الحسية من حيث وجوبها وعدمه فاعلم أن الناس في ذلك على ثلاثة أضرب: أحدها: من تجب عليه وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار، فهذا تجب عليه الهجرة. الثاني: من تستحب له ولا تجب عليه وهو من يقدر عليها لكنه يتمكن من إظهار دينه وإقامته في دار الكفر. الثالث: من لا توصف له لا بوجوب ولا باستحباب وذلك لعدم استطاعته على الهجرة الواجبة وهو العاجز بعذر من أسر أو مرض أو غيره فتجوز له الإقامة فإن حمل على نفسه وتكلف الخروج منها أُجر. الرابع: من تُكره له وهو المسلم الذي يقيم في دار الكفر لمصلحة المسلمين. وأخيراً اعلم أخي المسلم أن الهجرة فراراً بالدين واجبة ولو لم يأذن لك الوالدين , واعلم أيضاً أن الهجرة من بين أهل المعاصي ومن الوطن الذي يُهجر فيه المعروف ويشيع فيها المنكر وترتكب فيها المعاصي جهاراً مندوبة وليست بواجبة إلا إذا لم تستطع إظهار دينك مع القدرة على الهجرة فإنها واجبة حينئذٍ وبهذا يتبين لك أن مناط وجوب الهجرة هو العجز عن إقامة الدين وإظهاره بغض النظر عن كون البلد مسلمة أو كافرة، وإن من قدر على إقامة دينه في أي بلاد كانت , فالهجرة في حقه مستحبة وإقامة الدين وإظهاره يعني القيام بشعائر الإسلام بدون ممانع فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذِ. وبالجملة فالإقامة في كل بلد تكون فيه أطوع لله ورسوله وأفعل للحسنات والخير فهي أفضل من الإقامة في موضع يكون حالك فيه دون ذلك من طاعة الله ورسوله.

إشكالات في باب الهجر والهجرة

إشكالات في باب الهجر والهجرة: ما حكم اعتزال الوالدين اللذين عندهما معاصٍ ظاهرة؟ وإذا كان اعتزالهم محرماً، فما تأويل اعتزال إبراهيم لأبيه وهو خليل الله؟ إن كان المقصود باعتزال الوالدين اجتناب ما هم فيه من باطل ومعصية فهذا أمر واجب، قال سبحانه: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). وقال:} وقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا {. وإن كان المقصود باعتزال الوالدين هجرهما، فإن هجرهما لا يجوز بحال، وما وقع من إبراهيم عليه السلام هو أنه أولاً ترك ما عليه قومه من الباطل والتزم الحق، ولذلك قال فيما حكى الله عنه:} وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا {. قال ابن كثير في تفسيره وهو يبين معنى هذه الآية: أي: أجتنبكم وأتبرأ منكم ومن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله،} وَأَدْعُو رَبِّي {أي: وأعبد ربي وحده لا شريك له. اهـ. ثم إن إبراهيم عليه السلام بعد أن رأى أباه يتوعده بقوله فيما ذكر الله عنه في كتابه:} قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا {. فأجابه إبراهيم عليه السلام بقوله:} قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا {.وقرر بعد ذلك أن يُهاجر بدينه لا أن يهجر والديه، كما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتركوا الآباء والأمهات، قال ابن كثير في تفسيره عند كلامه عن قول الله تعالى من سورة العنكبوت:} وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {.قال: يحتمل عود الضمير في قوله: وقال ـ على لوط، لأنه أقرب المذكورين، ويحتمل عوده إلى إبراهيم - قال ابن عباس، والضحاك: وهو المكنى عنه بقوله:} فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ {. أي: من قومه. ثم أخبر عنه بأنه اختار المهاجرة من بين أظهرهم، ابتغاء إظهار الدين والتمكن من ذلك. اهـ. والله أعلم. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ» هل نهي النبي صلى الله عليه وسلم هنا محمول على التحريم أم على الكراهة؟ خاصة إذا كانت المصاحبة للفاسق المسلم الذي يحب الله ورسوله ولا تتضمن المشاركة في الحرام، أو الإقرار عليه. وما المقصود بالمؤمن؟ هل هو من معه أصل الإيمان وعُلم من حاله أنه يحب الله ورسوله؟ أم هو المؤمن العدل؟ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فقد حذر الشرع من مصاحبة أهل الشر والفسوق الراجح شرهم على خيرهم، ومثل لذلك بمثل يوجب التنفير منهم، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الجليس الصالح

والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة). وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن مصاحبة غير المؤمنين ومخالطة غير المتقين، فقال صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل). رواه الحاكم، وصححه ووافقه الذهبي. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي). رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه الألباني. وقال الشاعر: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه **** فكل قرين بالمقارن مقتدي. وأما النهي: فقد حمله بعضهم على الكافر والمنافق، وحمله بعضهم على من كان ناقص الإيمان، قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: قوله: لا تصاحب إلا مؤمناً ـ أي كاملاً، بل مكملاً، أو المراد منه النهي عن مصاحبة الكفار والمنافقين، لأن مصاحبتهم مضرة في الدين، فالمراد بالمؤمن من جنس المؤمنين. انتهى. وقال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير: وكامل الإيمان أولى، لأن الطباع سراقة ولذلك قيل: ولا يصحب الإنسان إلا نظيره**** وإن لم يكونوا من قبيل ولا بلد. فصحبة الأخيار تورث الفلاح والنجاح ومجرد النظر إلى أهل الصلاح يؤثر صلاحاً والنظر إلى الصور يؤثر أخلاقاً وعقائد مناسبة لخلق المنظور وعقيدته كدوام النظر إلى المحزون يحزن وإلى المسرور يسر , والجمل الشرود يصير ذلولاً بمقارنة الذلول، فالمقارنة لها تأثير في الحيوان، بل في النبات والجماد ففي النفوس أولى وإنما سمي الإنسان إنساناً، لأنه يأنس بما يراه من خير وشر. انتهى. وهنا تنبيه على ما تقدم وهو أنه يُستثنى من هذا النهي ما إذا كانت مصاحبتهم لأجل النصيحة والدعوة إلى الخير، مع أمن التضرر والتأثر بهم والانجرار إلى المعاصي بسببهم، فهذا مما يندب وقد يجب بحسب طمع العبد في هداهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة.) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم.) متفق عليه. ومخالطة الناس مع الصبر على أذاهم من أجل وعظهم والسعي في هدايتهم ودعوتهم للخير من أجل الطاعات وأعظم القربات، ولا ينبغي للمسلم أن يبتعد عن الناس أو ينعزل عن إخوانه وأصدقائه بحجة فسادهم أو انشغاله بالعبادة، فالدعوة إلى الله تعالى والإصلاح من أعظم العبادات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريباً فطوبى للغرباء. (رواه مسلم، وفي رواية للترمذي): الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي. (وقال صلى الله عليه وسلم): المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز (رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم): المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. (رواه أصحاب السنن.

ويُستثنى من النهي أيضاً مصاحبة الزوجة الكتابية والوالدين المشركين والأقارب بالمعروف وصحبة العمل والسفر للمشرك بالمعروف ونحو ذلك. وأما قوله "ولا يأكل طعامك إلا تقي" قال المباركفوري في تحفة الأحوذي في شرح الترمذي: (ولا يأكل طعامك إلا تقي) أي متورع يصرف قوة الطعام إلى عبادة الله والنهي وإن نسب إلى التقي ففي الحقيقة مسند إلى صاحب الطعام، فهو من قبيل: لا أرينك ههنا. فالمعنى لا تطعم طعامك إلا تقياً. قال الخطابي هذا إنما جاء في طعام الدعوة دون طعام الحاجة وذلك أنه تعالى قال: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) ومعلوم أن أسراهم كانوا كفاراً غير مؤمنين وإنما حذر من صحبة من ليس بتقي، وزجر عن مخالطته ومؤاكلته لأن المطاعم توقع الألفة، والمودة في القلوب. وقال الطيبي: ولا يأكل نهي لغير التقي أن يأكل طعامه والمراد نهيه عن أن يتعرض لما لا يأكل التقي طعامه من كسب الحرام وتعاطي ما ينفر عنه التقي. انتهى. فمعنى الحديث كما بيَنَا أي لا تصاحب إلا مؤمن ولا يأكل طعام دعوتك إلا تقي ما لم تكن هناك مصلحة شرعية راجحة مثل نصيحة المدعو أو صلة رحم أو حاجة أو نحوها من المصالح الشرعية الراجحة والله أعلم. ماهو المراد من قول رسول الله ?"أنا بريء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين " وقوله "من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله"؟ قول رسول الله "أنا بريء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين " المقصود به أرض ودار الحرب، وقوله "من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله" محمول على من تعينت عليه الهجرة الواجبة ويدل على هذا معرفة سبب الحديث، فعن جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى خثعم، فاعتصم ناس بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر لهم بنصف العقل الدية وقال: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. وفي رواية "لا تُساكِنوا المشركين، ولا تجامِعُوهم، فَمَن ساكَنَهُم أو جَامَعَهُم فهو منهم." رواه الترمذي وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني. ومعنى الحديث كما أفاده الشراح: وجوب الهجرة من ديار الكفر لمن عجز عن إقامة شعائر دينه. جاء في فيض القدير عند شرح هذا الحديث " وأفاد الخبر وجوب الهجرة أي على من عجز عن إظهار دينه وأمكنته بغير ضرر" انتهى. كيف يُمكن التوفيق بين النصوص الواردة في مشروعية الهجر الشرعي والنصوص الواردة في فضل العفو والإغضاء عن الناس والإحسان لمن ظلم؟ النصوص الواردة في مشروعية الهجر هي إذا كانت المعصية فيما يتعلق بحق الله، أو حقوق الآخرين أما إن كانت المعصية والجناية تتعلق بحقك الشخصي أيها الإنسان أو بحق من لك الولاية عليه، فإن لك العفو والمسامحة عن ذلك في مثل ما حصل في قوله تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وذلك حين تكلم مسطح بن أثاثة في قصة الإفك، فحلف أبو بكر

رضي الله عنه أن يقطع عنه النفقة لمشاركته في نشر تلك القصة التي لا أساس لها من الصحة، ولكن الله عز وجل عرض على أبي بكر العفو والصفح مقابل مغفرة الله فأجاب أبو بكر رضي الله عنه واستمر على ما كان يدفعه إلى مسطح بن أثاثِة ولا شك أن المعصية التعرض لحرم رسول الله ? ولمكانة أبي بكر رضي الله عنه خاصة من أقرب الناس إليه حيث كان مسطح ابن خالة أبي بكر، ولكن لما كان المجني عليه في نفسه بتلك الواقعة قد ثبت له الحق في ذلك، فهو يملك العفو عمن ظلم، والإحسان إلى من أساء، وهذه من أخلاق الصديقين، لذلك عفا عنه وأحسن إليه أبو بكر رضي الله عنه وهذا يدل على أن الإحسان إلى من ظلمك أيها الإنسان مشروع وأنت عليه مأجور، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ? قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»، وهذا في غير مسألة الحد الشرعي. وبهذا تعلم أنه إذا كانت المعصية والجناية تتعلق بحقك الشخصي أو بحق من لك الولاية عليه فإن لك العفو والمسامحة عن ذلك. لماذا الفاسق أو المبتدع مشروع هجره إيجابياً ولا يُشرع هجر الكافر ابتداءً، وهو أشد جُرمًا من أهل المعاصي؟ الجواب: أن الهجران على نوعين: هجران يكون بالقلب، وهجران يكون باللسان والجوارح، فهجران الكافر بالقلب وهو هجران بغض وعداوة، بترك التودد إليه والتعاون والتناصر معه، ولا سيما إذا كان حربيًا، ولم يُشرع هجرانه تعزيراً بالكلام لعدم ارتداعه بذلك عن كفره، وإن كان لا يستحب بدؤهم بالسلام، بخلاف العاصي المسلم، فإنه ينزجر ويشعر بالخطيئة والخجل، عند مقاطعته وهجرانه، ويشترك كل من الكافر والعاصي بجواز المكالمة لغرض الدعوة إلى الله والتزام طاعته، وإنما المنهي عنه في حقهما المكالمة بالموادة مع المعصية والكفر وتمسكهما في ذلك باستثناء الزوجة الكتابية والوالدين طبعاً. يُقال أن الجلوس مع الفساق إيناساً لهم صغيرة من صغائر الذنوب ولو كانت في غير معصية، فهل هناك دليل على ذلك؟ فإن ما ذكر من أن الجلوس مع الفساق إيناساً لهم إلى آخره لا نعلم صحته ولا دليله إلا أن مجالسة أهل الفسق عموماً منهي عنها ما لم يكن هناك مصلحة راجحة وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال) إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة). وعلى هذا فإن مجالسة غير المتدين إن كانت تجر إلى منكر أو محظور شرعي فهي مضرة يجب تركها، ولا يخفى على المسلم بأن الله تعالى خلق الإنسان مدنياً بطبعه، يميل لمخالطة الناس ومجالستهم، ويتأثر بهم ويؤثر فيهم، فالطبع لص والصاحب ساحب، ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتحرى في اختيار الصحبة، ونهانا صلى الله عليه وسلم عن مصاحبة غير المؤمنين ومخالطة غير المتقين، فقال صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر

الخاتمة

أحدكم من يخالل). وقال أيضاً: لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي). رواهما أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنهما الألباني. وأما إن كانت مجالسته غير موقعة في الإثم فهي جائزة، بل إن كانت على سبيل النصيحة والدعوة إلى الخير أو صلة رحم أو نحو ذلك، مع أمن التضرر والتأثر به، والانجرار إلى المعاصي بسببه، فهي مما يُندب وقد تجب. وأما مجالسة الفاسق حال ارتكابه للمعصية فلا يجوز إلا لمن ينكر عليه وينهاه عن منكره، فإن امتنع أو لم يستطع الإنكار عليه فليعتزله وليترك مجالسته حال ارتكابه للمعصية , وفي بعض الحالات قد لا يجد المسلم بداً من مُجالسة أهل الفسق لحاجة، أو ضرورة مع الإنكار عليهم قدر المستطاع وعدم الرضا بما هم عليه، والضرورة تقدر بقدرها. ختاماً: هذا ما من الله به، ثم ما وسعه الجهد، وسمح به الوقت، وتوصل إليه الفهم المتواضع، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن فيه خطأ أو نقص فتلك سنة الله في بني الإنسان، فالكمال لله وحده، والنقص والقصور واختلاف وجهات النظر من صفات الجنس البشري، ولا أدعي الكمال، وحسبي أني قد حاولت التسديد والمقاربة، وبذلت الجهد ما استطعت بتوفيق الله - تعالى-، وأسأل الله أن ينفعني بذلك، وينفع به جميع المسلمين؛ فإنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قائمة ببعض مراجع هذه الرسالة - القرآن الكريم. - كتب الصحاح والسنن والمسانيد. - فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني. - المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للإمام النووي. - تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري. - عون المعبود شرح سنن أبي داود لشمس الحق العظيم أبادي. - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر رحمه الله. - الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار لابن عبد البر رحمه الله. - سبل السلام في شرح بلوغ المرام للصنعاني رحمه الله. - تطريز رياض الصالحين للمؤلف: فيصل بن عبد العزيز آل مبارك رحمه الله. - دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين لابن علان الصديقى. - غذاء الألباب شرح منظومة الآداب للسفاريني. - الآداب الشرعية للمؤلف: عبد الله بن محمد بن مفلح المقدسي رحمه الله. - المغني لا بن قدامة. - المجموع للنووي. - روضة الطالبين للنووي. - المفصل في شرح آية الولاء والبراء للمؤلف: علي بن نايف الشحود حفظه الله. - الولاء والبراء تأليف: مها البنيان رحمها الله. - أصول وضوابط في مجانبة الكافرين للمؤلف: ناصر العقل حفظه الله. - الموالاة والمعاداة عند أهل السنة والجماعة للمؤلف: عبد الله بن عبد الحميد الأثري حفظه الله. - من مفاهيم عقيدة السلف الصالح: الولاء والبراء في الإسلام للمؤلف: محمد بن سعيد القحطاني حفظه الله. - حقيقة الولاء والبراء في الكتاب والسنة بين تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وبراءة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من الطائفتين للمؤلف عصام السناني حفظه الله. - الولاء والبراء بين الغلو والجفاء في ضوء الكتاب والسنة للمؤلف: الشريف حاتم بن عارف العوني حفظه الله.

- الحب والبغض في الله في ضوء الكتاب والسنة للمؤلف: سليم بن عيد الهلالي حفظه الله. - الخلُق الحسن في ضوء الكتاب والسنة للمؤلف: سعيد بن علي بن وهف القحطاني حفظه الله. - مهارات التعامل مع الناس للمؤلف: ماجد بن سعود بن عبدالعزيز آل عوشن حفظه الله. - فن التعامل مع الناس للمؤلف: عبد الله الخاطر حفظه الله. - فن التعامل مع الناس للمؤلف: علي بن إبراهيم اليحي حفظه الله. - زاد الداعية إلى الله للمؤلف: محمد بن صالح العثيمين رحمه الله. - المفصل في أحكام الهجرة للمؤلف: علي بن نايف الشحود حفظه الله. - فتاوى سليمان الماجد حفظه الله. - فتاوى ابن باز رحمه الله. - مجموع فتاوى ابن تيمية رحمه الله. - فتاوى ابن عثيمين رحمه الله. - فتاوى اللجنة الدائمة. - مركز الفتوى من موقع إسلام ويب. - مختصر دعوة أهل البدع للمؤلف: خالد بن أحمد الزهراني حفظه الله - سلسلة أخطاء في السلوك والتعامل: كتاب سوء الخلق (مظاهره _ أسبابه _ علاجه) للمؤلف: محمد بن إبراهيم الحمد حفظه الله. - سلسلة أخطاء في السلوك والتعامل: كتاب أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة للمؤلف: محمد بن إبراهيم الحمد حفظه الله. - إحياء علوم الدين للمؤلف أبي حامد الغزالي رحمه الله. - العزلة والخلطة أحكام وأحوال للمؤلف: سلمان بن فهد العودة حفظه الله. - إعلام المسلمين بوجوب مقاطعة المبتدعين والفجار والفاسقين للمؤلف: محمد الزمزمي حفظه الله. - موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع للمؤلف: إبراهيم الرحيلي حفظه الله. - حكم الهجر والقطع بين الحلال والحرام في الشرع للمؤلف: محمد بن إبراهيم الحمد حفظه الله. - الهجر في الكتاب والسنة للمؤلف: مشهور بن حسن سلمان حفظه الله. - مطلع الفجر في فقه الزجر بالهجر للمؤلف: سليم بن عيد الهلالي حفظه الله. - التعامل مع المبتدع بين رد بدعته ومراعاة حقوق إسلامه للمؤلف: حاتم بن عارف العوني حفظه الله.

- هجر المبتدع للمؤلف: بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله. - الزجر بالهجر للمؤلف: جلال الدين السيوطي رحمه الله. - تصنيف الناس بين الظن واليقين للمؤلف بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله. - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (أصوله وضوابطه وآدابه) للمؤلف: خالد بن عثمان السبت حفظه الله. - مباحث في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للمؤلف: سعد بن ناصر الحمادي حفظه الله. - حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأركانه ومجالاته للمؤلف: حمد بن ناصر العمار حفظه الله. - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثرهما في تحقيق الأمن للمؤلف: عبد العزيز بن فوزان الفوزان حفظه الله. - الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس للمؤلف: محمد بن صالح المنجد حفظه الله. - تذكرة أولي الغير بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للمؤلف: عبد الله بن صالح القصير. - رسالة إلى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر للمؤلف: عبد الله جار الله بن إبراهيم الجار الله رحمه الله. - المفصل في أحكام الهجرة للمؤلف: علي بن نايف الشحود حفظه الله. - بحث منشور على النت عن الفسق (تعريفه وأحكامه وضوابطه) من إعداد أبو عبد الله الساحلي حفظه الله. - الفسق وأحكامه في الفسق الإسلامي للمؤلف: بسام بن محمد صهيوني. - التكفير وضوابطه للمؤلف: إبراهيم الرحيلي حفظه الله. - الانترنت وبعض المصادر الأخرى التي لم يتيسر لي استحضارها.

§1/1