أحكام النساء - مستخلصا من كتب الألباني

أبو مالك بن عبد الوهاب

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين القائل في محكم آياته: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} الزمر: 9 والصلاة والسلام على من أرسله هاديًا , وبشيرًا , ونذيرًا. القائل: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِى فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِى الأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِى الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ». ورضي الله عن صحابته الأطهار الكرام أبو بكر , وعمر, وعثمان , وعلي القائل:" يَا حَمَلَةَ الْعِلْمِ اعْمَلُوا بِهِ، فَإِنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَوَافَقَ عِلْمُهُ عَمَلَهُ، وَسَيَكُونُ أَقْوَامٌ يَحْمِلُونَ الْعِلْمَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يُخَالِفُ عَمَلُهُمْ عِلْمَهُمْ وَتُخَالِفُ سَرِيرَتُهُمْ عَلاَنِيَتَهُمْ يَجْلِسُونَ حِلَقاً فَيُبَاهِى بَعْضُهُمْ بَعْضاً حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْضَبُ عَلَى جَلِيسِهِ أَنْ يَجْلِسَ إِلَى غَيْرِهِ وَيَدَعَهُ، أُولَئِكَ لاَ تَصْعَدُ أَعْمَالُهُمْ فِى مَجَالِسِهِمْ تِلْكَ إِلَى اللَّهِ." ومن حملة العلم - بل من منارات العلم - في هذا العصر , المحدث العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله الذي طارت كتبه بين المشرق والمغرب , وتناولتها الأيدي بالبحث والتنقيب , حتى صحَّ أن يُقال: بأنه محيي السنة في هذا العصر , وأن كل من اشتغل بعلم الحديث من الشبيببة

في هذا العصر؛ صاروا عيالاً على كتبه النافعة , الماتعة. ولأن الشيخ له هذه المكانة بين قلوب طلبة العلم , وكل المشتغلين به , ولقلة كلام الشيخ في الفقه , ولندرة كتبه المؤلفة فيه, لكل هذه الأسباب: أحببتُ أن أجمع كتابًا فيه بيان لأحكام النساء , مرتبًا على أبواب الفقه المتعارف عليها. خدمةً للعلم ولطلبته , وإثراءً للمكتبة العربية والإسلامية , بمثل هذا الكتاب المرصع بأحكام وتعليقات الشيخ رحمه الله , والتي كانت منتثرة , مبثوثة في شتات كتبه المتفرقة. وهذه ليست بأول مرة أغوص في كتب الشيخ:؛ فقد سبق لنا أن أخرجنا كتاب " فرائد الشوارد لما في كتب الألباني من فوائد " , ولعل الله ييسر بخروج كتابي " الجامع في أحكام الصلاة " , و " علوم الحديث", في القريب العاجل بإذنه تعالى , وهما أيضًا مستخلصان من كتب الشيخ رحمه الله فجزى الله الشيخ خير الجزاء , وأسكنه فسيح جناته , هو ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وكتب أبو مالك محمد بن حامد بن عبد الوهاب [email protected]

كتاب الطهارة

كِتَابُ الطَّهَارَة نجاسة دم الحيض: 298 - " يكفيك الماء ولا يضرك أثره ". [الصحيحة] قال رحمه الله: أخرجه أبو داود (1/ 141 - 142 - بشرح العون) وأحمد (2/ 380) قالا: حدثنا قتيبة بن سعيد أنبأنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عيسى ابن طلحة عن أبي هريرة: " أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إنه ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال: إذا طهرت فاغسليه، ثم صلي فيه، فقالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال ". فذكره. ورواه البيهقي في " السنن " (2/ 408) من طريق عثمان بن صالح حدثنا ابن لهيعة: حدثني يزيد ابن أبي حبيب به. وتابعهما عبد الله بن وهب فقال: أخبرنا ابن لهيعة به. أخرجه البيهقي وكذا أبو الحسن القصار في " حديثه عن ابن أبي حاتم" (2/ 2) وابن الحمصي الصوفي في " منتخب من مسموعاته " (33/ 1) وابن منده في" المعرفة " (2/ 321 / 2).

وقال البيهقي: إسناده ضعيف. " تفرد به ابن لهيعة ". قلت: وقال ابن الملقن في " خلاصة الإبريز للنبيه، حافظ أدلة التنبيه " (ق 89/ 2): " وقد ضعفوه، ووثقه بعضهم ". وقال الحافظ في " فتح الباري " (1/ 266): " رواه أبو داود وغيره، وفي إسناده ضعف، وله شاهد مرسل ". ونقله عنه صاحب " عون المعبود " (1/ 141 - 142) وأقره! وقال الحافظ أيضا في " بلوغ المرام ": " أخرجه الترمذي، وسنده ضعيف ". قال شارحه الصنعاني (1/ 55) تبعا لأصله " بدر التمام " (1/ 29 / 1): " وكذلك أخرجه البيهقي، وفيه ابن لهيعة ". واغتر بقول الحافظ هذا جماعة فعزوه تبعا له إلى الترمذي، منهم صديق حسن خان في " الروضة الندية " (1/ 17)، ومن قبله الشوكاني في " نيل الأوطار " فقال (1/ 35): " أخرجه الترمذي وأحمد وأبو داود، والبيهقي من طريقين عن خولة بنت يسار، وفيه ابن لهيعة ". وكذا قال الحافظ في " التلخيص " (13) لكنه لم يذكر الترمذي وأحمد. أقول: وفي كلمات هؤلاء الأفاضل من الأوهام ما لا يجوز السكوت عليه فأقول:

أولا: عزوه الترمذي وهم محض، فإنه لم يخرجه البتة، وإنما أشار إليه عقب حديث أسماء الآتي بقوله: " وفي الباب عن أبي هريرة، وأم قيس بنت محصن ". ولذلك لما شرع ابن سيد الناس في تخريج الحديث كعادته في تخريج أحاديث الترمذي المعلقة لم يزد على قوله: " رواه أحمد "، فلم يعزه لأي موضع من " سننه "، بل ولا لأي كتاب من كتبه الأخرى. وكذلك صنع المباركفوري في شرحه عليه. إلا أنه جاء بوهم آخر! فقال (1/ 128). " أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه "! ثانيا: إطلاق الضعف على ابن لهيعة وإسناد حديثه هذا، ليس بصواب فإن المتقرر من مجموع كلام الأئمة فيه أنه ثقة في نفسه، ولكنه سيىء الحفظ، وقد كان يحدث من كتبه فلما احترقت حدث من حفظه فأخطأ، وقد نص بعضهم على أن حديثه صحيح إذا جاء من طريق أحد العبادلة الثلاثة: عبد الله بن وهب، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرىء، فقال الحافظ عبد الغني ابن سعيد الأزدي: إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح، ابن المبارك وابن وهب والمقرىء. وذكر الساجي وغيره مثله. ونحوه قول نعيم بن حماد: سمعت ابن مهدي يقول:" لا أعتد بشيء سمعته من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه ". وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى هذا بقوله في " التقريب ":

" صدوق، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما ". فإذا عرفت هذا تبين لك أن الحديث صحيح؛ لأنه قد رواه عنه أحد العبادلة وهوعبد الله بن وهب عند البيهقي وغيره، كما سبق، فينبغي التفريق بين طريق أبي داود وغيره عن ابن لهيعة، فيقال: إنها ضعيفة، وبين طريق البيهقي، فتصحح لما ذكرنا. وهذا تحقيق دقيق استفدناه من تدقيقات الأئمة في بيان أحوال الرواة تجريحا وتعديلا. والتوفيق من الله تعالى. ثالثا: قول الشوكاني: " إن الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي من طريقين: عن خولة بنت يسار، وفيه ابن لهيعة ". وهم أيضا، فإنه ليس للحديث عندهم إلا الطريق المتقدم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عيسى ابن طلحة عن أبي هريرة أن خولة بنت يسار. فالطريق ينتهي إلى أبي هريرة لا خولة، وعنه عيسى بن طلحة، ليس إلا. نعم قد رواه ابن لهيعة مرة على وجه آخر في شيخه فقال في رواية موسى بن داود الضبي عنه قال: حدثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن عيسى بن طلحة به. أخرجه أحمد (2/ 344)، فهذا إن كان ابن لهيعة قد حفظه من طريق أخرى له عن عيسى بن طلحة، وإلا فهو من أوهامه لأنها ليست من رواية

أحد العبادلة عنه بل هي مخالفة لها كما سبق، وسواء كان هذا أو ذاك فلا يصح أن يقال في هذه الطريق أنها طريق أخرى وعن خولة أيضا!! ولعل الشوكاني أراد بالطريق الأخرى ما أخرجه البيهقي عقب حديث أبي هريرة، من طريق مهدي بن حفص حدثنا علي بن ثابت عن الوازع بن نافع عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن خولة بنت يمان قالت: " قلت: يا رسول الله، إني أحيض، وليس لي إلا ثوب واحد، فيصيبه الدم. قال: اغسليه وصلي فيه. قلت: يا رسول الله، يبقى أثره. قال: لا يضر ". وقال: " قال إبراهيم الحربي: الوازع بن نافع غيره أوثق منه، ولم يسمع خولة بنت يمان أو يسار إلا في هذين الحديثين ". وأخرجه ابن منده في " المعرفه " (2/ 321 / 2) وابن سيد الناس في " شرح الترمذي " (1/ 48 / 2) من طريق عثمان بن أبي شيبة، أنبأنا علي ابن ثابت الجزري به، إلا أن الأول منهما قال " خولة " ولم ينسبها، وقال الآخر: " خولة بنت حكيم " وهو عنده من طريق الطبراني عن ابن أبي شيبة، وكذلك ذكره الهيثمي في " المجمع " (1/ 282) من رواية الطبراني في الكبير وقال: " وفيه الوازع بن نافع وهو ضعيف ". قلت: بل هو متروك شديد الضعف، أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال:" قال أحمد ويحيى: ليس بثقة ". ولذلك تعقب ابن التركماني البيهقي في تركه مثل هذا التجريح واختصاره على كلام إبراهيم الحربي الموهم بظاهره أنه ثقة لكن غيره أوثق منه! مع أنه ليس بثقة.

ولعل قوله في رواية البيهقي " بنت يمان "،وقوله " بنت حكيم " في رواية الطبراني وغيره، إنما هو من الوازع هذا، ومن العجائب قول ابن عبد البر في " الاستيعاب " في ترجمة خولة بنت يسار بعد أن ذكرحديثها المتقدم: " روى عنها أبو سلمة، وأخشى أن تكون خولة بنت اليمان، لأن إسناد حديثهما واحد، إنما هو علي بن ثابت عن الوازع بن نافع عن أبي سلمة بالحديث الذي ذكرنا في اسم خولة بنت اليمان (يعني حديث: " لا خير في جماعة النساء ... ") وبالذي ذكرنا ههنا، إلا أن من دون علي بن ثابت يختلف في الحديثين، وفي ذلك نظر ". ووجه العجب أن الحديث الذي أشار إليها بقوله " وبالذي ذكرنا هنا " إنما هو هذا الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه " ولا يضرك أثره " وهو الذي ذكره ابن عبد البر في ترجمة بنت يسار هذه كما أشرت إليه آنفا، وهو ليس من رواية أبي سلمة هذا عنها ولا عن غيرها، وإنما هو من رواية عيسى بن طلحة عن أبي هريرة كما سبق، فهذا طريق آخر للحديث، وفيه وقع اسمها منسوبا إلى يسار، والسند بذلك صحيح، فكيف نخشى أن يكون ذلك خطأ والصواب بنت يمان مع أن راويه علي بن ثابت ضعيف كما أشار إليه ابن عبد البر بل هو متروك كما سبق. وأعجب من ذلك أن الحافظ ابن حجر لما نقل كلام ابن عبد البر إلى قوله " لأن إسناد حديثهما واحد " رد عليه بقوله: " قلت: لا يلزم من كون الإسناد إليهما واحدا مع اختلاف المتن أن تكون واحدة " فسلم بقوله إن

الإسناد واحد، مع أنه ليس كذلك، وهو الإمام الحافظ، فجل من لا يسهو ولا ينسى تبارك وتعالى. رابعا: قول الحافظ فيما سبق: " وله شاهد مرسل "، وهم أيضا، فإننا لا نعلم له شاهدا مرسلا، ولا ذكره الحافظ في " التلخيص " وإنما ذكر له شاهدا موقوفا عن عائشة قالت: " إذا غسلت المرأة الدم فلم يذهب فلتغيره بصفرة ورس أو زعفران " أخرجه الدارمي (1/ 238) وسكت عليه الحافظ (13) وسنده صحيح على شرط الشيخين. ورواه أبو داود بنحوه. انظر " صحيح أبي داود " (ج 3 رقم 383) والحديث دليل على نجاسة دم الحيض لأمره صلى الله عليه وسلم بغسله، وظاهره أنه يكفي فيه الغسل، ولا يجب فيه استعمال شيء من الحواد والمواد القاطعة لأثر الدم، ويؤيده الحديث الآتي: 299 - " إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء (وفي رواية: ثم اقرصيه بماء ثم انضحي في سائره) ثم لتصلي فيه ". [الصحيحة] قال رحمه الله: أخرجه مالك (1/ 79) وعنه البخاري (1/ 325) ومسلم (1/ 166) وأبو داود (ج 3 رقم 386 - صحيحه) والبيهقي (1/ 13) كلهم عن مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت:

" سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع فيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. وتابعه يحيى بن سعيد عن هشام به. أخرجه البخاري (1/ 264) ومسلم والبيهقي (2/ 406) وأحمد (6/ 346، 353). وتابعه حماد بن سلمة عنه به، وزاد: " وانضحي ما حوله ". أخرجه أبو داود (رقم 387) والنسائي (1/ 69) وأبو داود الطيالسي (1638) والزيادة له، ولأبي داود معناها. قلت: وسنده على شرط مسلم. وتابعه وكيع عنه. أخرجه مسلم. ويحيى بن عبد الله بن سالم وعمرو بن الحارث. أخرجه مسلم والبيهقي. وتابعه عيسى بن يونس عنه. أخرجه أبو داود. وتابعه أبو خالد الأحمر عن هشام به. أخرجه ابن ماجه (1/ 217): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر به. ولفظه: " اقرصيه، واغسليه وصلي فيه ". وتابعه أبو معاوية قال: حدثنا هشام به. أخرجه أحمد (6/ 345 و 353).

وتابعه سفيان بن عيينة عن هشام به إلا أنه قال: " اقرصيه بالماء ثم رشيه ". أخرجه الترمذي (1/ 254 - 255) والدارمي (1/ 239) والشافعي في " الأم " (1/ 58) والبيهقي (1/ 13، 2/ 406). وقال الترمذي: " وفي الباب عن أبي هريرة، وأم قيس بنت محصن " قال: " حديث أسماء حديث حسن صحيح ". (تنبيه) اتفق جميع هؤلاء الرواة عن هشام بن عروة على تنكير المرأة السائلة وعدم تسميتها، إلا سفيان بن عيينة في رواية الشافعي وعمرو بن عون عند الدارمي فإنهما قالا عنه: " عن أسماء قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجعلا الراوية هي السائلة، وخالفهما الحميدي عند البيهقي وابن أبي عمر عند الترمذي فقالا عن سفيان بن عيينة مثل رواية الجماعة ولا شك أنها هي المحفوظة ورواية الشافعي وابن عون شاذة لمخالفتها لرواية الجماعة عن هشام، ورواية الحميدي وابن أبي عمر عن سفيان، ولذلك ضعفها النووي فأصاب، ولكنه لم يفصح عن العلة، فأوهم ما لا يريد، ولذلك تعقبه الحافظ في " الفتح " فقال: (1/ 264) بعد أن ذكر رواية الشافعي هذه: " وأغرب النووي فضعف هذه الرواية بلا دليل، وهي صحيحة الإسناد لا علة لها، ولا بعد في أن يهم الراوي اسم نفسه كما سيأتي في حديث أبي سعيد في قصة الرقية بفاتحة الكتاب ".

وقال في " التلخيص " (13): " (تنبيه): زعم النووي في " شرح المهذب " أن الشافعي روى في " الأم أن أسماء هي السائلة بإسناد ضعيف. وهذا خطأ، بل إسناده في غاية الصحة، وكأن النووي قلد في ذلك ابن الصلاح، وزعم جماعة ممن تكلم على " المهذب " أنه غلط في قوله إن أسماء هي السائلة، وهم الغالطون ". قلت: كلا، بل هم المصيبون، والحافظ هو الغالط، والسبب ثقته البالغة بحفظ الشافعي وهو حري بذلك، لكن رواية الجماعة أضبط وأحفظ، ويمكن أن يقال: إن الغلط ليس من الشافعي، بل من ابن عيينة نفسه، بدليل أنه صح عنه الروايتان، الموافقة لرواية الجماعة، والمخالفة لها، فروى الشافعي والذي معه هذه، وروى الحميدي والذي معه رواية الجماعة، فكانت أولى وأصح، وخلافها معلولة بالشذوذ، ولو أن الحافظ رحمه الله جمع الروايات عن هشام كما فعلنا، لم يعترض على النووي ومن معه، بل لوافقهم على تغليطهم لهذه الرواية. والعصمة لله وحده. وأما قوله " ولا بعد في أن يبهم الراوي ... " فمسلم، ولكن ذلك عندما لا تكون الرواية التي وقع فيها التسمية شاذة كما هنا. ومما يؤيد ما تقدم أن محمد بن إسحاق قد تابع هشاما على روايته فقال: حدثتني فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت:

" سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثوبها إذا طهرت من محيضها كيف تصنع به؟ قال: إن رأيت فيه دما فحكيه، ثم اقرصيه بماء، ثم انضحي في سائره فصلي فيه ". أخرجه أبو داود (385) والدارمي (1/ 239) والسياق له والبيهقي (2/ 406) وسنده حسن. فقولها " سمعت امرأة " مما يبعد أن تكون هي السامعة كما هو ظاهر. (تنبيه) في هذه الرواية زيادة " ثم انضحي في سائره "، وهي زيادة هامة لأنهاتبين أن قوله في رواية هشام " ثم لتنضحه " ليس المراد نضح مكان الدم، بل الثوب كله. ويشهد لها حديث عائشة قالت: " كانت إحدانا تحيض ثم تقرص الدم من ثوبها عند طهرها فتغسله وتنضح على سائره، ثم تصلي فيه ". أخرجه البخاري (1/ 326) وابن ماجه (1/ 217) والبيهقي (2/ 406 - 407). وظاهر الحديث يدل كالحديث الذي قبله على أن الماء يكفي في غسل دم الحيض وأنه لا يجب فيه استعمال شيء من الحوادِّ كالسدر والصابون ونحوه، لكن قد جاء ما يدل على وجوب ذلك وهو الحديث الآتي.

300 - " حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر ". [الصحيحة] قال رحمه الله: أخرجه أبو داود (1/ 41 - بشرح عون المعبود) والنسائي (1/ 69) والدارمي (1/ 239) وابن ماجه (1/ 217) وابن حبان في " صحيحه" (235) والبيهقي (2/ 407) وأحمد (6/ 355، 356) من طرق عن سفيان: حدثني ثابت الحداد حدثني عدي بن دينار قال: سمعت أم قيس بنت محصن تقول: " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب؟ قال ... " فذكره قلت: وهذا سند صحيح ورجاله كلهم ثقات، وفي ثابت الحداد وهو ابن هرمز الكوفي مولى بكر بن وائل خلاف يسير، وثقه أحمد وابن معين وابن المديني وغيرهم، وتكلم فيه بعضهم بدون حجة، وفي " التقريب ": " صدوق يهم" وكأنه لهذا لم يصحح الحافظ في " الفتح " (1/ 266) إسناده، بل قال: " إسناده حسن ". وقال في " التهذيب ": " وأخرج ابن خزيمة وابن حبان حديثه في الحيض في " صحيحيهما "، وصححه ابن القطان، وقال عقبه: لا أعلم له علة، وثابت ثقة ولا أعلم أحدا ضعفه غير الدارقطني ".

ونقل في " التلخيص " (ص 12 - 13) تصحيح ابن القطان هذا وأقره، وهو الصواب. (تنبيه): قوله " بضلع " كذا وقع عند جميع من أخرج الحديث بالضاد المعجمة، وهو بالكسر وفتح اللام ويكسر، وهو العود. لكن قال الحافظ في " التلخيص " (13): " ضبطه ابن دقيق العيد بفتح الصاد المهملة وإسكان اللام ثم عين مهملة وهوالحجر. قال: ووقع في بعض المواضع بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام، ولعله تصحيف لأنه لا معنى يقضي تخصيص الضلع بذلك. كذا قال. لكن قال الصغاني في " العباب " في مادة " ضلع " بالمعجمة: " وفي الحديث حتيه بضلع ". قال ابن الأعرابي: الضلع ههنا العود الذي فيه اعوجاج. وكذا ذكره الأزهري في المادة المذكورة وزاد عن الليث: قال: " الأصل فيه ضلع الحيوان فسمي به العود الذي يشبهه ". فقه الحديث: يستفاد من هذه الأحاديث أحكام كثيرة أذكر أهمها: الأول: أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات، لأن جميع النجاسات بمثابة دم الحيض، ولا فرق بينه وبينها اتفاقا. وهو مذهب الجمهور وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر.

قال الشوكاني (1/ 35): " والحق أن الماء أصل في التطهير لوصفه بذلك كتابا وسنة وصفا مطلقا غير مقيد لكن القول بتعينه وعدم إجزاء غيره يرده حديث مسح النعل وفرك المني، وإماطته بإذخرة، وأمثال ذلك كثير، فالإنصاف أن يقال أنه يطهر كل فرد من أفراد النجاسات المنصوص على تطهيرها بما اشتمل عليه النص، لكنه إن كان ذلك الفرد المحال عليه هو الماء فلا يجوز لعدول إلى غيره للمزية التي اختص بها وعدم مساواة غيره له فيها، وإن كان ذلك الفرد غير الماء جاز العدول عنه إلى الماء لذلك، وإن وجد فرد من أفراد النجاسة لم يقع من الشارع الإحالة في تطهيره على فرد من أفراد المطهرات بل مجرد الأمر بمطلق التطهير فالاقتصار على الماء هو اللازم لحصول الامتثال به بالقطع، وغيره مشكوك فيه. وهذه طريقة متوسطة بين القولين لا محيص عن سلوكها ". قلت: وهذا هو التحقيق فشد عليه بالنواجذ. ومما يدل على أن غير الماء لا يجزىء في دم الحيض قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الثاني: " يكفيك الماء " فإن مفهومه أن غير الماء لا يكفي. فتأمل.

باب الحيض والنفاس والاستحاضة

باب الحيض والنفاس والاستحاضة قال رحمه الله: الحيض: هو الدم الأسود الخاثر الكريه الرائحة خاصة فمتى ظهر من المرأة صارت حائضا. عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق). (د: 45 و 50، ن: 66، قط: 76، مس: 174) وابن حزم (2/ 164) عن ابن أبي عدي: ثنا محمد بن عمرو: ثنا ابن شهاب عن عروة بن الزبير عنها. وهذا سند حسن وقد حسنه ابن العربي في (العارضة) وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي. وليس كما قالا. ثم أخرجه الحاكم (1/ 174) عن سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أسماء بنت عميس قالت: قلت: يا رسول الله إن فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت منذ كذا وكذا فلم تصل. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فسبحان الله هذا من الشيطان لتجلس في مركن, فإذا رأت صفرة فوق الماء فتغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا وتغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحدا وتغتسل للفجر وتتوضأ فيما بين ذلك). وقال: (صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.

ورواه د (48) وقط (79) وطحا (60 - 61) فهذا الحديث يفيد أن الصفرة ليست دم حيض لقوله: (دم الحيض أسود يعرف) وهو مذهب ابن حزم وجمهور الظاهرية كما قال في (المحلى) (2/ 168). وأما الحمرة والصفرة بعد الطهر فلا يعد شيئا وهو قول أبي حنيفة وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وغيرهم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن أم حبيبة بنت جحش ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه ليست بالحيضة ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي). قالت عائشة: فكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتى تعلو حمرة الدم الماء. (م: 181، د 44، ن: 655، مج: 215 - 216، مي: 196 - 198، 199 و 200) وحم (6 - 83 و 187) ورواه: م (181 - 182) ن (65) د (43) وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم فربما وضعت الطست تحتها من الدم وزعم أن عائشة رأت ماء العصفر فقالت: كان هذا شيء كانت فلانة تجده. (خ: 26، مي: 217، وفي لفظ: ل خ: 327 و 4/ 226): اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مستحاضة من أزواجه فكانت ترى الحمرة والصفرة فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي.

وعن أيوب عن محمد عن أم عطية قالت: كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئا. (خ: 338، د: 50، ن: 66، مي: 214، مجج: 222، مس: 174) ثم أخرجه د مي: 215، مج: 222 ومس من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن أم الهذيل عنها بزيادة: بعد الطهر شيئا وقال: مس: (صحيح على شرطهما). وأم الهذيل هي حفصة بنت سيرين وكذا قال الذهبي وإنما هو على شرط مسلم من أجل حماد بن سلمة والأول هو على شرطهما واستدراكه على البخاري لا معنى له وروى الدارمي عن ابن سيرين قال: لم يكونوا يرون في الكدرة والسفرة بأسا. 1 - فإذا كان دم الحيض أسود يعرف فكل من رأته من النساء وميزته فهي حائض وإلا فمستحاضة. 2 - إلا التي لا تميز دمها بسبب كثرته واستدامته فعليها أن ترجع إلى عادتها وأيامها المعرفة من الحيض. 3 - وإذا لم تعرف أيام الحيض ولم تميز الدم فعليها أن ترجع إلى الغالب من عادة النساء في ذلك. يدل للأول حديث فاطمة بنت أبي حبيش المتقدم وللثاني حديث أم حبيبة عند أحمد وقد مر قريبا وهو من حديث عائشة. وقد روته - أيضا - أم سلمة عند أحمد (6 - 322 - 323 و 320 و 393) وأبو داود (42) ن (65) مي (199) مج (215) قط (76)

عن سليمان بن يسار عنها. وهو معلول بالإنقاطاع بيته وبينها فقد رواه د وغيره عنه أن رجلا أخبره عنها. لكن له طريق أخرى في (المسند) (6/ 304): ثنا سريج: ثنا عبد اله - يعني ابن عمر - عن سالم أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنها. وهذا سند حسن بما قبله. ويدل للثالث حديث حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضة شديدة كثيرة فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش قالت: قلت: يا رسول الله إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها؟ قد منعتني الصلاة والصيام. فقال: (أنعت لك الكرسف (أي: القطن) فإنه يذهب الدم. قالت: هو أكثر من ذلك. قال: (فاتخذي ثوبا). قالت: هو أكثر من ذلك. قال: (فتلجمي). قالت: إنما أثج ثجا (الثج: السيلان) فقال: سآمرك بأمرين أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر فإن قويت عليهما فأنت أعلم). فقال: لها: (إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي (أي: اجعلي نفسك حائضا) ستة ايام أو سبعة في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت فصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها فصومي فإن ذلك مجزيك وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن. وإن قويت أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين ثم تصلين الظهر والعصر جميعا ثم تؤخري المغرب وتعجلي العشاء ثم تغتسلين وتجمعين

بين الصلاتين فافعلي وتغتسلين مع الفجر وتصلين فكذلك فافعلي وصلي وصومي إن قدرت على ذلك) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهذا أعجب الأمرين إلي) رواه أصحاب السنن إلا النسائي وغيرهم وهو مخرج في التعليق على (المعجم) (ص 179 / ج 2) وهو حديث حسن. وما ذكرناه من الأحوال الثلاثة قال به أحمد وإسحاق ففي الترمذي (1/ 227): وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره وإقباله أن يكون أسود وإدباره أن يتغير إلى لاصفرة فالحكم لها على حديث فاطمة بنت أبي حبيش وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض, فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي, وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة قبل أن تستحاض فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش. وكذلك قال أبو عبيد) ولا بد للمستحاضة من أن تتوضأ لكل صلاة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي فقالت: إني أحيض الشهر والشهرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن ذلك ليس بحيض وإنما ذلك عرق فإذا أقبل الحيض فدعي الصلاة وإذا أدبر فاغتسلي لطهرك ثم توضئي عند كل صلاة) طحا (61) عن أبي حنيفة عنه. وخ (1/ 264 - 265) وت (1/ 217 - 219) قط (76) عن أبي معاوية عنه وقال ت: حسن صحيح وحب كما في (نصب الراية) (203) عن أبي حمزة عنه.

ورواه م (180) د (44) ن (64) مج (214) مي (198) طحا (62) قط (76) حم (4/ 84) من طرق عن هشام به دون قوله: (ثم توضئي عند كل صلاة) وهو رواية (خ ت) ولذلك تكلم في هذه الزيادة بعضهم بأنها مدرجة ورد ذلك الحافظ في (الفتح) وقد جاءت من طريق أخرى عن عروة ابن الزبير عند مج (215) وطحا (61) وقط (78) وحم (6/ 42 و 204 و 262) عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة. زاد ابن ماجه: ابن الزبير به نحوه بلفظ: (وتوضئي لكل صلاة إن قطر الدم على الحصير) ورجاله رجال الشيخين ولكن أعل بالانقطاع بين حبيب وعروة. وله طريق أخرى عن فاطمة عن عثمان بن سعد الكاتب عن عبد الله بن أبي مليكة قال: حدثتني فاطمة بنت أبي حبيش قالت: أتيت عائشة. . . الحديث. وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: (مري فاطمة بنت أبي حبيش فلتمسك كل شهر عدد أيام أقرائها ثم تغتسل وتحتشي وتستثفر وتنظف ثم تطهر عند كل صلاة وتصلي). . . الحديث أخرجه حم (6/ 464) وقط (80) ومس (175) وقال: (حديث صحيح) وعثمان بن سعد الكاتب بصري ثقة غزير الحديث يجمع حديثه. قلت: وضعفه غير الحاكم. وفي (التقريب) أنه ضعيف. وفي الباب أحاديث أخرى تراجع في (نصب الراية).

وقد ذهب إلى وضوء المستحاضة لكل صلاة: الشافعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم وقال ابو حنيفة وصاحباه: تتوضأ لوقت كل صلاة وهذا مجاز حذف يحتاج إلى دليل ولذلك رده الشوكاني (240) تبعا للحافظ. ويحرم وطء الحائض في الفرج ويجوز التمتع بها فيما سوى ذلك, عن أنس بن مالك: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يواكلوها ولم يجامعوها في البيوت فسأل أصحاب النبي النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل اله عز وجل: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إلى آخر الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) وفي لفظ: (إلا الجماع). رواه الجماعة إلا البخاري وقال عليه الصلاة والسلام: (من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم). رواه أهل (السنن) بإسناد صحيح كما بيناه في (نقد التاج) رقم (64). وتحريم إتيان الحائض مجمع عليه. وقد ذهب إلى الحديث أحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن وإسحاق وغيرهم أن إتيان المرأة في غير المذكور جائز ويكره ذلك لمن يخشى عليه أن يقع في المحرم سدا للذريعة. وعلى من أتاها أن يتصدق بدينار أو بنصف دينار على التخيير: عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار رواه أصحاب السنن بسند صحيح. وقد

أطال في تحقيق الكلام على أسانيده وتصحيح بعضها على متنه العلامة أحمد محمد شاكر في التعليق على الترمذي (1/ 246 - 254). ولا تصلي ولا تصوم: قال عليه الصلاة والسلام للنساء: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟) قلن بلى. قال: (فذلكن من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم)؟ قلن: بلى قال: فذلكن من نقصان دينها). رواه البخاري وتقضي الصوم دون الصلاة: عن معاذة رضي الله عنه قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة. رواه الجماعة ولا تطوف بالبيت. قال عليه الصلاة والسلام: (الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت) رواه أحمد (6/ 137) عن عائشة و (1/ 364) عن ابن عباس وأحدهما يقوي الآخر, لا سيما وأن معناه في (الصحيحين) عنها. ويحضرن مصلى العيد يكبرن مع الناس ويعتزلن الصلاة. عن أم عطية قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الدور فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب.

قال: (لتلبسها أختها من جلبابها) وفي رواية: كنا نؤمر بالخروج في العيدين والمخبأة والبكر قالت: الحيض يخرجن فيكن خلف الناس يكبرن مع الناس. م (3/ 20 - 21) وراجع خ في العيدين وغيره. ولها أن تدخل المسجد: عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ناوليني الخمرة من المسجد) ن فقلت: إني حائض؟ فقال: تناوليها فإن الحيضة ليست في يدك). (م 168) د (41) ن (1/ 52 - 53 و 68) وت (1/ 241) وصححه ومي (248) مج (218) وحم (6/ 45 و 101 و 106 و 110 و 111 و 114 و 173 و 179 و 208 و 214 و 229 و 245) من طرق عنها وفي الباب عن أبي هريرة عند م ن حم (2/ 428، 6/ 214) وأم سلمة عند ن حم (6/ 331 و 334) وابن عمر عند حم (2/ 70 و 86) وأنس عند البزار وأبي بكرة عند الطبراني في (الكبير). مجمع (1/ 283). وقد أجاز لها ذلك ابن حزم (2/ 184 - 187) وحكاه عن المزني وداود وغيرهما. ويجوز مواكلتها: عن عائشة قالت: كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في. رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي وهو في (المسند (6/ 62 و 64 و 127 و 192 و 210 و 214) وفي الدارمي (1/ 246). وقال عبد الله بن سعد: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مواكلة الحائض؟ قال: واكلها. ت (1/ 240) مي (248) وحم (4/ 342 و 5/ 293) عن عبد الرحمن ابن مهدي: ثنا معاوية بن صالح عن العلاء بن

الحارث عن حرام بن معاوية عنه. وقال الترمذي: حديث حسن. وهو كما قال. ثم أخرجه الدارمي (1/ 249) من طريق الهيثم بن حميد: ثنا اللعاء بن الحارث به بلفظ: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بعض أهلي لحائض وإنا لمتعشون إن شاء الله جميعا) ولا يجوز إتيانها إلا بعد أن تصير مستحاضة وتغتسل فلا بد من الغسل لقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} والطهر بانقطاع الحيض {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أي: اغتسلن {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة / 222] وهذا مذهب الجمهور. وانظر الدارمي (249 - 251) و (نيل المرام) لصديق حسن خان. وأما المستحاضة فلم يرد في خصوصها شيء من السنة عنه صلى الله عليه وسلم فيما علمنا. وقد اختلف العلماء في إتيانها والجمهور على جواز ذلك وهو الحق لأن الأصل في الأشياء الإباحة ولأن في المنع من ذلك ضرا على الزوج فيما إذا كانت الاستحاضة مستديمة كما جرى لأم حبيبة بنت جحش كما سبق. وما أحسن ما روى الدارمي (207) بإسناد صحيح عن سالم الأفطس قال: سئل سعيد بن جبير: أتجامع المستحاضة؟ فقال: الصلاة أعظم من الجماع. وروي مثله عن بكر بن عبد الله المزني بسند صحيح أيضا.

حكم مكث الجنب في المسجد

وأقل الحيض دفعة فإذا رأت المرأة الدم الأسود من فرجها أمسكت عن الصلاة والصوم. . . فإن - رأت - أثر الدم الأحمر. . . فقد طهرت. (المحلى) (2/ 191) ... [الثمر المستطاب 1/ 35 - 45]. حكم مكث الجنب في المسجد قوله (¬1): " يحرم على الجنب أن يمكث في المسجد لحديث عائشة قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: " وجهوا هذه البيوت عن المسجد. . فإني لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب " رواه أبو داود. وعن أم سلمة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته: " إن المسجد لا يحل لحائض ولا لجنب " رواه ابن ماجه والطبراني " قلت: سوق الحديث على هذه الصورة يوهم القارئ أنهما حديثان بإسنادين متغايرين أحدهما عن عائشة والآخر عن أم سلمة وليس كذلك بل هما حديث واحد بإسناد واحد مداره على جسرة بنت دجاجة اضطربت في روايته فمرة قالت: " عن عائشة " ومرة: " عن أم سلمة " والاضطراب مما يوهن به الحديث كما هو معروف عند المحدثين لأنه يدل على عدم ضبط الراوي وحفظه. ¬

_ (¬1) 1 - أي: الشيخ سيد سابق في فقه السنة.

يضاف إلى ذلك أن جسرة هذه لم يوثقها من يعتمد على توثيقه بل قال البخاري: " عندها عجائب ". ولذلك ضعف جماعة هذا الحديث كما قال الخطابي. وقال البيهقي: " ليس بالقوي لما " وقال عبد الحق: " لا يثبت " وبالغ ابن حزم فقال: " إنه باطل " (¬1) وللحديث شاهدان لا ينهضان لتقويته ودعمه لأن في أحدهما متروكا وفي الآخر كذابا وقد خرجتهما وفصلت القول فيهما في " ضعيف سنن أبي داود " (رقم 32) والقول عندنا في هذه المسألة من الناحية الفقهية كالقول في مس القرآن من الجنب للبراءة الأصلية وعدم وجود ما ينهض على التحريم وبه قال الإمام أحمد وغيره قال البغوي في " شرح السنة " (2/ 46): " وجوز أحمد والمزني المكث فيه وضعف أحمد الحديث لأن راويه أفلت مجهول وتأول الآية ¬

_ (¬1) 1 - قلت: وقد خفي هذا التحقيق على الشوكاني فقوى حديث عائشة بحديث أم سلمة كما خفي عليه أن علة الحديث جسرة هذه فانظر " السيل الجرار " (1/ 109)

متى تبلغ الجارية مبلغ النساء؟

على أن (عابري السبيل) هم المسافرون تصيبهم الجنابة فيتيممون ويصلون وقد روي ذلك عن ابن عباس ". قوله: " وعن يزيد بن حبيب أن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم إلى المسجد فكانت تصيبهم جنابة فلا يجدون الماء ولا طريق إليه إلا من المسجد فأنزل الله تعالى: {وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} رواه ابن جرير" قلت: كذا في الأصل: " ابن حبيب " ولعله خطأ مطبعي والصواب: " ابن أبي حبيب " كما في " تفسير ابن جرير " وكتب الرجال وهو أبو رجاء المصري وكان فقيها من ثقات التابعين إلا أنه كان يرسل. فهذه الرواية معللة بالإرسال فلا يفرح بها. [تمام المنة ص 119]. متى تبلغ الجارية مبلغ النساء؟ 185 - وقد روي عن عائشة أنها قالت: (إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة "). ص 55. موقوف. رواه الترمذي (1/ 207) والبيهقي (1/ 320) تعليقا بدون إسناد فقال: " وروينا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: فذكره. وقال: تعني الله أعلم فحاضت فهي امرأة ". قلت: وقد روي مرفوعا من حديث ابن عمر كما سيأتي في " النكاح " وبلفظه: " إذا أتى على الجارية تسع سنين فهي امرأة ". أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2/ 273) وعنه الديلمي في " المسند " (1/ 1 / 89 -

مختصرة) عن عبيد بن شريك حدثني سليمان بنت شرحبيل ثنا عبد الملك ابن مهران ثنا سهل بن أسلم العدوي عن معاوية بن قرة قال: سمعت ابن عمر به. قلت: وهذا سند ضعيف عبد الملك بن مهران قال ابن عدي: " مجهول " وقال العقيلي: " صاحب مناكير غلب عليه الوهم لا يقيم شيئا من " الحديث ". قلت: ومن دونه لم أعرفهم. 186 - (لقول عائشة: " إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض ". ذكره أحمد). ص 55 لم أقف عليه. ولا أدري في أي كتاب ذكره أحمد ولعله في بعض كتبه التي لم نقف عليها. 187 - (لقوله (صلى الله عليه وسلم) في سبايا أوطاس: " لا توطأ حامل حتى تضع. ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة "). ص 55 صحيح رواه أبو داود (2157) والدارمي (2/ 171) والدارقطني (ص 472) والحاكم (2/ 195) والبيهقي (7/ 449) وأحمد (3/ 62) من طريق شريك عن قيس بن وهب (زاد أحمد: وأبى إسحاق) عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال في سبي أوطاس: فذكره بلفظ: ". . . ولا غير حامل حتى تحيض حيضة " وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". وأقره الذهبي وفيه نظر فإن شريكا إنما أخرج له مسلم مقرونا وفيه ضعف لسوء حفظه وهذا معنى قول الحافظ فيه: " صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولي القضاه بالكوفة ". ومع ذلك فقد سكت عليه في " الفتح " (4/ 351) بل قال في " التلخيص " (ص 63): " وإسناده حسن " وتبعه الشوكاني (6/ 241)

ولعل ذلك باعتبار ماله من الشواهد فقد روى ابن أبي شيبة في " المصنف " كما في " نصب الراية " (4/ 252) عن الشعبي أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أوطاس أن توطأ حامل حتى تضع أو حائل حتى تستبرئ. وكذلك رواه عبد الرزاق وإسناده مرسل صحيح فهو شاهد قوي للحديث. وروى الدارقطني (ص 398) عن عمرو بن مسلم الجندي عن عكرمة عن ابن عباس قال فذكره مثل حديث الشعبي. سكت عليه الزيلعي ثم العسقلاني وإسناده عندي حسن فإن رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال مسلم غير أبى محمد بن صاعد وهو يحيى بن محمد بن صاعد وهو ثقة حافظ وشيخه عبد الله بن عمران العابدي وهو صدوق كما قال ابن أبي حاتم في " جرح (2/ 2 / 130) عن أبيه. وله طريق أخرى من رواية مجاهد عن ابن عباس مرفوعا بالشطر الأول منه وزاد: " أتسقي زرع غيرك؟! " أخرجه الحاكم (2/ 137) وقال: " صحيح الاسناد " ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وروى الطيالسي (1679) من حديث جابر مرفوعا بالشطر الأول. وسنده صحيح وروى الترمذي (1/ 296) والحاكم (2/ 135) من حديث العرباض ابن سارية مرفوعا به. وقال الحاكم: " صحيح الاسناد " ووافقه الذهبي! وأما الترمذي فأشار لتضعيفه بقوله " حدبث غريب " فأصاب؛ لأن فيه أم حبيبة بنت العرباض بن سارية لم يرو عنها غير واحد ولم يوثقها أحد, لكن لا بأس بهذا الطريق في الشواهد. وعن أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 52) والدارقطني " الأفراد " (2/ 206). وعن رويفع بن ثابت مرفوعا: " لا يجل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره يعني إتيان الحبالى من السبايا وأن يصيب امرأة ثيبا من السبى حتى

النفاس

تستبرئها. رواه أبو داود (2158) وأحمد (4/ 108) وسنده حسن. ورواه ابن حبان في صحيحه كما في " الزيلعي ". وسيأتي في الكتاب في " باب استبراء الإماء " من " كتاب العدة ". وعن علي بن أبي طالب مرفرعا مثل حديث الشعبي. وفي إسناده ضعف وانقطاع كما قال الحافظ العسقلاني. وبالجملة فالحديث بهذه الطرق صحيح وقد استدل به المصنف على أن الحامل إذا رأت دما فليس حيضا لأنه جعل الدليل على براءتها من الحمل الحيض فلو كان يجتمع الحيض والحمل لم يصلح أن يكون دليلا على البراءة. وعندي ظاهر ويشهد له ما روى الدارمي (1/ 227، 228) من طريقين عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة قالت: إن الحبلى لا تحبض فإذا رأت الدم فلتغتسل ولتصل. وإسناده صحيح [إرواء الغليل] النفاس أكثره أربعون يوما قالت أم سلمة: كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما وكنا نطلي وجوهنا بالورس (نبت أصفر يصبغ به) من الكلف (حمرة كدرة تعلو الوجه). د (50) ت (254) مي (229) مج (223) قط (2) مس (175) حم (4/ 300، 303، 304، 309) من طرق عن علي بن عبد الأعلى عن أبي سهل البصري عن مسنة عنه.

ثم أخرجه د مس عن يونس بن رافع عن كثير بن زياد أبي سهل قال: حدثتني مسنة الأزدية قالت: حججت فدخلت على أم سلمة فقلت: يا أم المؤمنين إن سمرة بن جندب يأمر النساء يقضين صلاة الحيض فقالت: لا يقضين كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس وقال الترمذي: (حديث غريب). وأما الحاكم فقال: (صحيح). ووافقه الذهبي وهو مردود بقوله في ترجمة مسنة الأزدية هذه من (الميزان) - وقد ساق لها هذا الحديث -: (قال الدارقطني: لا يحتج بها) قلت: لا يعرف لها إلا هذا الحديث. وقال الحافظ عنها في (التقريب): (إنها مقبولة). لكن الحديث له شواهد كثيرة لا ينزل بها عن مرتبة الحسن لغيره: فمنها ما روى أبو بلال الأشعري: ثنا أبو شهاب عن هشام بن حسان عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (وقّت للنفساء في نفاسهن أربعين يوما)

أخرجه قط (81) ومس (176) وقال: إن سلم من أبي بلال فإنه مرسل صحيح فإن الحسن لم يسمع من عثمان. وقال قط: أبو بلال الأشعري هذا ضعيف. ومنها عن عائشة نحوه عند الدارقطني من طريق أبي بلال المذكور: ثنا حبان عن عطاء عن عبد الله بن أبي مليكة عنها. وقال: أبو بلال ضعيف وعطاء هو ابن عجلان متروك الحديث. ومنها عن جابر قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم للنفساء أربعين يوما. رواه الطبراني في (الأوسط) وفيه أشعث بن سوار وثقه ابن معين واختلف في الاحتجاج به كما في (المجمع) (281) وفي (التقريب): هو ضعيف. وفي الباب أحاديث أخرى سيأتي قريبا ذكرها وقد وجدت لها شاهدا قويا موقوفا أخرجه الدارمي (1/ 229 و 230) من طريق أبي عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن ابن عباس قال: تنتظر النفساء أربعين يوما أو نحوها. وهذا سند صحيح على شرط الستة وكذلك أخرجه البيهقي (1/ 341) فإن رأت الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي. وفيه أحاديث يقوي بعضها بعضا: (1) عن أنس قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت للنفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك. مج (224) قط (81) عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن سلام بن سلم عن حميد عنه. وقال قط: لم يروه عن حميد غير سلام هذا وهو سلام الطويل وهو ضعيف الحديث. وأما قول صاحب (الزوائد) أن إسناده صحيح ورجاله ثقات وهذا خطأ منشأه عدم تتبع من خرج الحديث فراجع لذلك التعليق على (لمحلى) (2/ 206) وقد أخرجه ابن حزم. (2) عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تنتظر النفساء أربعين ليلة فإن رأت الطهر قبل ذلك فهي طاهر وإن جاوزت الأربعين فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل وتصلي فإن غلبها الدم توضأت لكل صلاة) قط (81) مس (176) من طريق عمرو بن الحصين: ثنا محمد بن عبد الله بن علاثة عن عبدة بن أبي لبابة عن عبد الله بن باباه عنه وقال قط: عمرو بن الحصين وابن علاثة ضعيفان متروكان. (3) عن معاذ بن جبل مرفوعا: (إذا مضى للنفساء سبع ثم رأت الطهر فلتغتسل ولتصل) قط (82) عن عبد السلام بن محمد الحمصي ولقبه سليم: ثنا بقية بن الوليد: أنا علي بن علي عن الأسود عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عنه به. قال سليم: فلقيت علي بن علي عن الأسود عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عنه مثله. الأسود هو ابن ثعلبة شامي.

قلت: ورواه الحاكم (1/ 176) من هذا الوجه لكنه قال: ثنا بقية بن الوليد: أخبرني الأسود بن ثعلبة به. فلا أدري أهكذا الرواية عنده أم سقط من نسختنا ذكر علي بن علي. ثم ليس عنده الإسناد الثاني ثم قال: (وقد استشهد مسلم ببقية بن الوليد وأما الأسود بن ثعلبة فإنه شامي معروف). كذا قال ووافقه الذهبي مع أنه يقول في ترجمته من (الميزان): (لا يعرف) قاله ابن المديني. وفي (التقريب): (مجهول). قال الشوكاني (1/ 247): (والأدلة الدالة على أن أكثر النفاس أربعون يوما متعاضدة بالسنة إلى حد الصلاحية والاعتبار فالمصير إليها متعين فالواجب على النفساء وقوف أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك كما دلت على ذلك الأحاديث السابقة). وقال الترمذي (258): (وقد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي. فإذا رأت الدم بعد الاربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين وهو قول أكثر الفقهاء وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق)

غسل المستحاضة لكل صلاة

قلت: وما ذكره عن الشافعي هو قول له؛ وإلا فالمشهور المذكور في كتب أصحابه أن أكثر النفاس ستون يوما. وحكاه الترمذي عن عطاء بن أبي رباح والشعبي. واختلفوا في أقل النفاس على أقوال أقربها إلى الصواب أنه لا حد لأقله لقوله فيما سبق: فإن رأت الطهر قبل ذلك. وهو قول الشافعي ومحمد وهو اختيار شيخ الإسلام (16) من (الاختبارات) وابن حزم (2/ 203). واعلم أن النفاس كالحيض في جميع ما يحل ويحرم ويكره ويندب وقد نقل الإجماع في ذلك الشوكاني (248) عن (البحر). وقد أجمعوا أن الحائض لا تصلي فكذلك النفساء. [الثمر المستطاب 1/ 45 - 50]. غسل المستحاضة لكل صلاة اغتسال المستحاضة لكل صلاة أو للظهر والعصر جميعا غسلا وللمغرب والعشاء جميعا غسلا وللفجر غسلا لحديث عائشة قالت: إن أم حبيبة استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها بالغسل لكل صلاة. . الحديث. وفي رواية عنها: " استحيضت امرأة لى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرت أن تعجل العصر وتؤخر الظهر وتغتسل لهما غسلا واحدا وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلا وتغتسل لصلاة الصبح

نقض المرأة شعرها في الغسل

غسلا وإسناد هذه الرواية صحيح على شرط الشيخين والأولى صحيح فقط كما بينته في " صحيح السنن " (رقم 300 و305) [تمام المنة ص 122]. نقض المرأة شعرها في الغسل ومن (غسل المرأة) قوله: " فعن عائشة أن أسماء بنت يزيد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض قال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر. . ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها. قالت أسماء: وكيف تطهر بها؟ قال: سبحان الله تطهري بها. . وسألته عن غسل الجنابة فقال: تأخذين ماءك. . فقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. رواه الجماعة إلا الترمذي " قلت: فيه وهمان: الأول: أن جماعة المذكورين لم يرووا الحديث بتمامه وإنما رواه كذلك من بينهم مسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد (6/ 147 - 148) والسياق له. وأما بقية الجماعة وهم البخاري والنسائي فإنما أخرجا القسم الأول منه دون السؤال عن غسل الجنابة وهذا القدر هو الذي عزاه في " المنتقى " (1/ 217 - 218 بشرح الشوكاني) لرواية الجماعة إلا الترمذي.

وروى البخاري معلقا قول عائشة في آخره: " نعم النساء. . " فقال الحافظ في " شرحه " (1/ 84 ا): " هذا التعليق وصله مسلم. . عن عائشة في حديث أوله: أن أسماء بنت يزيد الأنصاري سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض. ." فهذا مما يدلك على وهم نسبته الحديث برمته إلى البخاري. وقد وقع في هذا الوهم الشيخ محمود السبكي أيضا في " الدين الخالص " (1/ 313) والظاهر أنهما قلدا غيرهما فيه. الثاني: أنه ليس عند أحد المذكورين ممن روى الحديث مختصرا أو تاما أن السائلة هي أسماء بنت يزيد بل هي عندهم أسماء غير منسوبة وبعضهم لم يسمها مطلقا اللهم إلا في رواية لمسلم (1/ 180) فإنه سماها: " أسماء بنت شكل " وما تقدم عن الحافظ أنها عند مسلم: " أسماء بنت يزيد الأنصاري " وهم منه رحمه الله ولعله منشأ وهم المؤلف أو من نقل هو عنه والله أعلم. ثم إن الحديث صريح في التفريق بين غسل المرأة في الحيض وغسلها من الجنابة حيت أكد على الحائض أن تبالغ في التدليك الشديد والتطهير ما لم يؤكد مثله في غسلها من الجنابة ,كما أن حديث أم سلمة المذكور في الكتاب دليل على عدم وجوب النقض في غسلها من الجنابة. وهو المراد في حديث عبيد بن عمير عن عائشة بقرينة اغتسالها مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا تعارض بين الأحاديث على هذا التفصيل. فيجب النقض في الحيض ولا يجب في الجنابة خلافا لما ذهب إليه المصنف وعلى مذهبه يلزم رد حديث عائشة بدون حجة ولا يجوز.

وقد ذهب إلى التفصيل المذكور الإمام أحمد وصححه ابن القيم في " تهذيب السنن " فراجعه (1/ 165 - 168) وهو مذهب ابن حزم (2/ 37 - 40) [تمام المنة ص125]. 188 - " انقضي شعرك واغتسلي. أي في الحيض " [الصحيحة] قال رحمه الله: رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1/ 26 / 1): أنبأنا وكيع عن هشام عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في الحيض: فذكره. وأخرجه ابن ماجه (641) من طريق ابن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع به. قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وهو عندهما في أثناء حديث عائشة في قصة حيضها في حجة الوداع وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: " انقضي رأسك وامتشطي وأمسكي عن عمرتك .. الحديث وليس فيه " واغتسلي " وهي زيادة صحيحة بهذا السند الصحيح، وسياق الشيخين، يقتضيها ضمنا، وإن لم يصرح بها لفظا. ولعل هذا هو وجه استدراك السندي على البوصيري قوله في " الزوائد ": " وهذا إسناد رجاله ثقات "

فقال السندي " قلت: ليس الحديث من الزوائد، بل هو في الصحيحين وغيرهما ". وأقول: ولكل وجهة، فالسندي راعى المعنى الذي يقتضيه السياق كما أشرت إليه والبوصيري راعى اللفظ، ولا شك أنه بهذه الزيادة " واغتسلي " إنما هو من الزوائد على الشيخين، ولذلك أورده البوصيري، وتكلم في إسناده ووثقه. وكان عليه أن يصرح بصحته كما فعل المجد ابن تيمية في " المنتقى " والله الموفق. ولا تعارض بين الحديث وبين ما رواه أبو الزبير عن عبيد بن عمير قال:" بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، فقالت: يا عجبا لابن عمرو هذا، يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن! أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟! لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات ". أخرجه مسلم (1/ 179) وابن أبي شيبة (1/ 24 / 1 - 2) والبيهقي (1/ 181) وأحمد (6/ 43). أقول: لا تعارض بينه وبين هذا لأمرين: الأول: أنه أصح من هذا. فإن هذا وإن أخرجه مسلم فإن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه.

الثاني: أنه وارد في الحيض، وهذا في الجنابة، كما هو ظاهر، فيجمع بينهما بذلك، فيقال يجب النقض في الحيض دون الجنابة. وبهذا قال الإمام أحمد وغيره من السلف. وهذا الجمع أولى، فقد جاء ما يشهد لهذا الحديث، عن أم سلمة قالت:" قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي، فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال:" لا إنما يكفيك إن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك فتطهرين ".

كتاب الصلاة

كِتَابُ اَلصَّلَاةِ عورة المرأة 5 - وأما المرأة فكلها عورة إلا وجهها وكفيها: وأما كونها عورة فلقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} إلى قوله {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} الآية [31 سورة النور]. قال ابن حزم في (المحلى): (فأمرهن الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب وهذا نص على ستر العورة والعنق والصدر وفيه نص على إباحة كشف الوجه لا يمكن غير ذلك وقوله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} نص على أن الرجلين والساقين مما يخفى ولا يحل ابداؤه). وفي قوله: وفيه نص على إباحة كشف الوجه) نظر لأن العلماء اختلفوا في المراد من قوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}.قال الحافظ ابن كثير: (أي: لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه. قال ابن مسعود: كالرداء والثياب. يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب ,فلا حرج عليها فيه؛ لأن هذا لا يمكنها إخفاؤها. ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها وما لا يمكن إخفاؤه. وقال بقول ابن مسعود: الحسن وابن سيرين وأبو الجوزاء

وإبراهيم النخعي وغيرهم. وقال الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: وجهها وكفيها والخاتم. وروي عن ابن عمر وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء والضحاك وإبراهيم النخعي وغيرهم نحو ذلك. وهذا يحتمل أن يكون تفسيرا للزينة التي نهين عن إبدائها كما قال أبو إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبد الله قال في قوله: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}: الزينة: القرط والدملوج والخلخال والقلادة. قال الحافظ: ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين وهذا هو المشهور عند الجمهور ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبو داود في (سننه): ثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي ومؤمل بن الفضل الحراني قالا: ثنا الوليد عن سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال: (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا) - وأشار إلى وجهه وكفيه -. لكن قال أبو داود وأبو حاتم: هو مرسل خالد بن دريك لم يسمع من عائشة رضي الله عنها) قلت: وكل هذه الآثار والأقوال أو جلها ذكرها ابن جريج بأسانيدها في (التفسير) ثم اختار قول ابن عباس ومن تابعه فقال: (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من عنى بذلك الوجه والكفين ويدخل في ذلك - إن كان كذلك - الكحل والخاتم والسوار والخضاب. وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال لإجماع الجميع أن على كل مصل أن يستر عورته في صلاته وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها وأن

عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها إلا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لها أن تبدي من ذراعها إلى قدر النصف. فإذ كان كذلك من جميعهم إجماعا كان معلوما بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره وإذا كان لها إظهار ذلك كان معلوما أنه مما استنثاه الله تعالى ذكره بقوله: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}؛ لأن كل ذلك ظاهر منها). ومال إلى هذا القول القرطبي أيضا فإنه ذكر في (تفسيره) قول ابن عطية: (ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن ونحو ذلك فـ {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه). فقال القرطبي: (قلت: هذا قول حسن إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج فيصلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها. . .) ثم ذكر الحديث السابق عند ابن كثير. ثم قال: (فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها) واعلم أن العلماء اتفقوا كما في (مراتب الإجماع) على أن شعر الحرة وجسمها - حاشا وجهها ويدها - عورة. واختلفوا في الوجه اليدين حتى أظفارهما: أعورة هي أم لا؟.

وقد ظهر لك من تفسير الآية الكريمة أنها تدل دلالة دقيقة على أن الوجه والكفين منها ليس بعورة وذلك ما دلت عليه السنة كما يأتي. (وقوله صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة) وهو من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وتمامه: (فإذا خرجت استشرفها الشيطان) أخرجه الترمذي من طريق همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عنه. وقال: (حديث حسن). وفي نسخة: (حسن صحيح) (¬1) قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم. قال المناوي في (فيض القدير): (ورواه عنه باللفظ المذكور الطبراني وزاد: (وإنها أقرب ما تكون من الله وهي في قعر بيتها) قال الهيثمي: رجاله موثقون. ورواه أيضا ابن حبان عنه) قلت: وبالزيادة المذكورة أخرجه الخطيب في (تاريخه) من طريق المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة عن أبي الأحوص به فاسقط من الإسناد مورقا. ¬

_ (¬1) وكذا في نقل العراقي في التخريج (2/ 53).

(وأما أن وجهها وكفيها ليسا بعورة فلقوله في الآية السابقة:: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} على قول ابن عباس وغيره: إن المراد الوجه والكفان. ويشهد لذلك من السنة: (1) عن ابن عباس قال: كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن الناس [قال ابن عباس: لا والله ما رأيت مثلها قط] فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه [وجافى يديه] فأنزل الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} [الحجر / 24]. أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير كما سبق. وروى نحوه الطحاوي في (شرح المعاني) والبيهقي في (سننه) عن سعيد بن جبير عنه. ثم رواه البيهقي من طريق عكرمة عنه ثم قال: وروينا عن أنس بن مالك مثل هذا ثم روى بإسناد عن عقبة بن الاصم عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة رضي الله عنه قالت: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}: الوجه والكفان. لكن عقبة بن الأصم ضعيف. ثم قال البيهقي: وروينا عن ابن عمر أنه قال: الزينة الظاهرة: الوجه والكفان. وروينا معناه عن عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وهو قول الأوزاعي. وقال ابن حزم: (وقد روينا عن ابن عباس في {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} , قال: الكف والخاتم والوجه. وعن ابن عمر: الوجه والكفان.

وعن أنس: الكف والخاتم. وكل هذا عنهم في غاية الصحة وكذلك أيضا عن عائشة وغيرها من التابعين). ثم روى البيهقي حديث عائشة مرفوعا: (إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا - وأشار إلى قول البيهقي: (مع هذا المرسل قول من مضى من الصحابة رضي الله عنهم في بيان ما أباح الله من الزينة الظاهرة فصار القول بذلك قويا) والله تعالى أعلم. وأما حديث ابن عباس فهو حديث جيد. رواه نوح بن قيس الحداني عن عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عنه. وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم غير عمرو بن مالك وهو ثقة كما قال في (الميزان). أخرجه النسائي والترمذي وابن ماجه والحاكم والطيالسي وأحمد وابن جرير في (تفسيره) والطبري في (الكبير) من طرق عنه. والزيادة والأول عند ابن جرير والأخرى عن الحاكم وقال: (صحيح الإسناد). وقال عمرو بن علي: (لم يتكلم أحد في نوح بن قيس الطاحي بحجة) قال الذهبي في (التلخيص): (قلت: هو صدوق خرج له مسلم) وأما الترمذي فأعلّه بقوله:

(وروى جعفر بن سليمان هذا الحديث عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء نحوه ولم يذكر فيه عن ابن عباس وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح). قلت: رواية جعفر هذه أخرجها ابن جرير من طريق عبد الرزاق عنه مسندة عن أبي الجوزاء قال في قول الله: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} , قال المستقدمين منكم في الصلاة والمستأخرين. قلت: وهذه الرواية المرسلة والموقوفة لا تعلل عندي الرواية الأولى الموصولة المرفوعة, لأن مع راويها زيادة علم وقبولها واجب كما تقرر في المصطلح. وأيضا فإن الرواية المرسلة لفظها يدل على أنها رواية مستقلة عن الرواية المرفوعة لأنها مختصرة جدا. والظاهر أن أبا الجوزاء كان إذا روى الحديث مرفوعا رواه بتمامه في سبب نزول الآية وإذا ذكر الآية مفسرا لها رواه مختصرا غير رافعه ولا مسنده إلى ابن عباس وإن كان هو في الأصل قد أخذه عنه. فظهر بهذا أن الرواية المرسلة لا تعل الرواية الموصولة. والله أعلم. وأما قول الحافظ ابن كثير في (تفسيره): (وهذا الحديث فيه نكارة شديدة) فغير مسلم؛ لأن ذلك البعض الذي كان ينظر من تحت إبطه جاز أن يكون من المنافقين أو من جهلة الأعراب وهذا واضح لا يخفى ,فلا نكارة ولا إشكال. ولذلك لم نر أحدا ممن خرج الحديث أو ذكره وصفه بالنكارة الشديدة حتى ولا الحافظ الذهبي المعروف

بنقده الدقيق للمتون بل صححه كما علمت وهو الذي يقول فيه ابن كثير في (تاريخه) وقد ذكر وفاته سنة: (وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه رحمه الله). والحديث دليل على أن النساء كن يصلين وراء النبي صلى الله عليه وسلم مكشوفات الوجوه ويشهد لذلك حديث عائشة رضي الله عنها: كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس. أخرجه الشيخان وغيرهما وقد مضى في المواقيت رقم (5) من الفجر فإن مفهومه أنهن يعرفن لو لم يكن الغلس ولا يعرفن عادة إلا من الوجوه ففيه دليل على أن وجه المرأة ليس بعورة في الصلاة وهو إجماع كما يفيده كلام ابن جرير السابق في تفسير الآية. وإذا كان الأمر كذلك فوجهها ليس بعورة خارجها من باب أولى لأن العلماء متفقون على أن الصلاة يطلب فيها ما لا يطلب خارجها فإذا ثبت في الشرع جواز أمر ما داخلها كان ذلك دليلا على جوازه خارجها كما لا يخفى على أنه قد جاء الدليل الصريح على أنه ليس بعورة خارج الصلاة أيضا وهو قولنا: (2) عن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: (تصدقن فإن أكثركن

حطب جهنم) فقامت امراة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: (لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير). قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن). وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم والنسائي والدارمي وأحمد من طرق عن عبدالملك بن أبي سليمان قال: ثنا عطاء عنه. قوله: (سطة). كذا هو عند مسلم ورواية الباقين: (سفلة). ولعل تلك الرواية محرفة أو مصحفة من هذه. قال النووي في (شرح مسلم): (هكذا هو في النسخ (سطة) بكسر السين وفتح الطاء المخففة وفي بعض النسخ: واسطة النساء. قال القاضي: معناه من خيارهن والوسط العدل والخيار قال: وزعم حذاق شيوخنا أن هذا الحرف مغير في كتاب مسلم وأن صوابه: من سفلة النساء. وكذا رواه ابن أبي شيبة في (مسنده) والنسائي في (سننه). وفي رواية لابن أبي شيبة: امرأة ليست من علية النساء. وهذا ضد التفسير الأول ويعضده قوله بعده: سفعاء الخدين. هذا كلام القاضي. وهذا الذي أدعوه من تغيير الكلمة غير مقبول بل هي صحيحة وليس المراد بها من خيار النساء كما فسره هو بل المراد امرأة من وسط النساء جالسة في وسطهن. قال الجواهري وغيره من أهل اللغة: يقال: وسطت القوم أسطهم وسطأ وسطة أي: توسطتهم قوله: (سفعاء الخدين) بفتح السني المهملة أي: فيها تغير وسواد) اهـ كلام النووي.

وهذا الحديث يدل على أن النساء كن يحضرن الصلاة مكشوفات الوجوه ولذلك استطاع الرواي أن يصف بعضهن بأنها سفعاء الخدين. (3) وعن ابن عباس أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع [يوم النحر] والفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث فأخذ الفضل بن عباس يلتفت إليها وكانت امرأة حسناء [وتنظر إليه] فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل فحول وجهه من الشق الآخر زاد غيره: فقال له العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ قال: رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما). الحديث أخرجه أحمد والنسائي وعنه ابن حزم من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن سليمان بن يسار أخبره أن ابن عباس أخبره به. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري من طريق شعيب عن الزهري به نحوه وفيه الزيادة الأولى. وكذلك أخرجه البيهقي. ورواه مالك في (الموطأ) عن ابن شهاب به نحوه وفيه الزيادة الثانية وهو عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي أيضا وكذا أحمد كلهم عن مالك به ثم رواه النسائي وابن ماجه وأحمد من طرق أخرى عن الزهري نحوه وفيه الزيادة الأولى.

وأما الزيادة الأخيرة فمن طريق غير ابن عباس فهي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخرجه الترمذي وأحمد وابنه عبد الله في (زوائد المسند) من طرق عن عبد الرحمن بن الحارث عن ابن عياش بن أبي ربيعة عن زيد بن علي بن حسين بن علي عن أبيه علي ابن حسين عن عبيد الله بن رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه في حديث له في صفة الحج. وهذا سند جيد رجاله ثقات وقال الترمذي: (حسن صحيح) والحديث فيه دلالة واضحة على أن الوجه من المرأة ليس بعورة؛ لأنه (لو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها عليه السلام على كشفه بحضرة الناس ولأمرها أن تسبل عليه من فوق ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء) قاله بن حزم. فثبت بذلك كله أن وجهها ليس بعورة لا في الصلاة ولا خارجها وهو قول أكثر العلماء في (بداية المجتهد) وهو مذهب الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم كما في (المجموع). واحتج بذلك بعض الفقهاء بالنظر أيضا وهو أن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء وإلى إبراز الكف للأخذ والعطاء فلم يجعل ذلك عورة. (4) عن عائشة رضي الله عنها: أن هند بنت عتبة قالت: يا نبي الله بايعني؟ [فنظر إلى يدها فـ] قال: (لا أبايعك حتى تغيري كفيك كأنهما كفا سبع).

وهذا حديث حسن أخرجه أبو داود في (السنن): ثنا مسلم بن إبراهيم: ثتني غبطة بنت عمرو المجاشيعة قالت: ثتني عمتي أم الحسن عن جدتها عنها. وهذا سند مسلسل بالمجهولات من النساء لكن قال الذهبي في (الميزان): (فصل في النسوة المجهولات: وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها). وله طريق آخر وشواهد يتقوى بها قال ابن أبي حاتم كما في (تفسير ابن كثير): ثنا نصر بن علي: ثني أم عطية بنت سليمان: ثني عمتي عن جدتي عن عائشة قالت: جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبايعه فنظر إلى يدها فقال: (اذهبي فغيري يدك) فذهبت فغيرتها بحناء ثم جاءت فقال: (أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا) فبايعته وفي يدها سواران من ذهب فقالت ما تقول في هذين السوراين؟ فقال: (جزئين من نار جهنم) سكت عليه ابن كثير وسنده كالذي قبله وأورده الهيثمي في (المجمع) بأتم منه ثم قال: (رواه أبو يعلى وفيه من لم أعرفهن) ومن شواهده: (1) عن ابن عباس أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تبايعه فقالت ولم تكن مختضبة فلم يبايعها حتى اختضبت.

رواه البزار وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجاله ثقات كما في (المجمع) (2) عن مسلم بن عبد الرحمن قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء عام الفتح على الصفا فجاءت امراة كأن يدها رجل فابى أن يبايعها حتى ذهبت فغيرت يدها بصفرة قال الهيثمي: (رواه الطبراني والبزار وفيه سميسة بنت نبهان ولم أعرفها وبقية رجاله ثقات). قلت: كذا في الأصل (سميسة) بالسين المهملة ولعله بالمعجمة كما في (الاستيعاب) و (الإصابة) لكن وقع فيه بتقديم السين المهملة على المثناة التحتية والظاهر أنه تحريف أيضا. والحديث قال الحافظ: (رواه أبو علي بن السكن والبخاري أيضا والطبراني من طريق عباد بن كثير الرملي عن شمسية بنت نبهان عن مولاها مسلم بن عبدالرحمن به). ثم قال: (قال ابن حبان: ما أرى حديثها محفوظا) (3) عن محمد بن إسحاق عن ابن ضمرة بن سعيد عن جدته عن امرأة من نسائهم وكانت قد صلت القبلتين مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (اختضبي تترك إحداكن الخضاب حتى تكون يدها كيد الرجل) قالت: فما تركت الخضاب حتى لقيت الله تعالى وإن كانت لتختضب وهي بنت ثمانين.

أخرجه أحمد: ثنا يزيد بن هارون: أنا محمد بن إسحاق به. قال الهيثمي: (رواه أحمد وفيه من لم أعرفهم وابن إسحاق وهو مدلس). قلت: ابن ضمرة بن سعيد أورده في (التعجيل) ثم قال: (كذا وقع في نسخة وفي النسخ المعتمدة: محمد بن إسحاق عن ضمرة ابن سعيد ليس فيه (ابن) وهو الصواب). قلت: وعليه فليس فيه من لا يعرف غير جدة ضمرة بن سعيد فإنها لم تسم وأما هو - أعني ضمرة بن سعيد - فثقة من رجال مسلم. (4) عن السوداء قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه, فقال: (اذهبي فاختضبي ثم تعالي حتى أبايعك). قال الهيثمي: (رواه الطبراني في (الأوسط) و (الكبير) وفيه من لم أعرفه). قلت: ورواه ابن سعد في (الطبقات) عن شيخيه عبد العزيز بن الخطاب وإسماعيل بن أبان الوراق كلاهما عن نائلة الكوفية مولاة أبي العيزار عن أم عاصم عنها. ونائلة هذه لم أجد من ذكرها, وأم عاصم لعلها مولاة سلمة بن المحبق وهي مقبولة كما في (التقريب). (5) عن عائشة قالت: مدت امرأة من وراء الستار بيدها كتابا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال: (ما أدري أيد رجل أو يد امرأة) فقالت: بل امرأة فقال: (لو كنت امرأة غيرت أظفارك بالحناء).

أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد والبيهقي من طريق مطيع بن ميمون العنبري يكنى أبا سعيد قال: حدثتني صفية بنت عصمة عنها. وهذا سند لين. ففي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على أن كف المرأة ليس بعورة؛ لأنه عليه السلام نظر إليه وأمر بخضبه, ليكون ذلك فارقا من الفوارق بين الرجل والمرأة. وفي ذلك إقرار منه صلى الله عليه وسلم لكشفه من المرأة. وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنه قيل له: أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ولولا مكاني من الصغر ما شهدته حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلى, ثم خطب ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة فرأيتهن يهوين بأيديهن يقفنه في ثوب بلال ثم انطلق هو وبلال إلى بيته. أخرجه البخاري ومن طريقه ابن حزم وأبو داود وعنه البيهقي والنسائي من طريق سفيان الثوري قال: ثني عبد الرحمن بن عابس عنه. ولم يورد ابن حزم في الباب غيره قال: (فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أيديهن فصح أن اليد من المرأة والوجه ليسا عورة وما عداهما ففرض عليها ستره).

حكم الصلاة بدون خمار

حكم الصلاة بدون خمار (6 - وإن صلت المرأة بغير خمار يغطي رأسها فصلاتها غير مقبولة لقوله عليه السلام: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار). الحديث صحيح أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وأحمد عن حماد بن سلمة وابن حزم في (المحلى) عن حماد بن زيد كلاهما عن قتادة عن ابن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة مرفوعا به. وقال الترمذي: (حديث حسن) والحاكم: (صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي وهو كما قالا. ورواه أيضا ابن خزيمة وابن حبان في (صحيحيهما) وإسحاق بن راهويه كما في (نصب الراية) وعزاه للطيالسي أيضا في (مسنده) ولم أجده فيه والله أعلم. وأعل بعضهم الحديث بأنه روي عن ابن سيرين عن عائشة بدون ذكر صفية بينهما فهو منقطع. رواه أحمد. وعن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. . . فذكره رواه الحاكم والبيهقي فهو مرسل. وليس يخفى أن هذا ليس يقدح في رواية من رواه موصولا لأن ثقة وقد جاء بزيادة وهي مقبولة كما تقرر في المصطلح. وللحديث شاهد من حديث أبي قتادة بلفظ:

حكم الثياب الشفافة في الصلاة

(لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى تواري زينتها ولا من جارية بلغت المحيض حتى تختمر). أخرجه الطبراني في (الصغير) وفي (الأوسط) أيضا. وفي إسناده من لا يعرف والحائض في الحديث: من بلغت سن المحيض لا من هي ملابسة للحيض فإنها ممنوعة من الصلاة وهو مبين في رواية ابن خزيمة بلفظ: (لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار). قال الترمذي: (والعمل عليه عند أهل العلم أن المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من شعرها مكشوف لا تجوز صلاتها وهو قول الشافعي قال: لا تجوز صلاة المرأة وشيء من جسدها مكشوف قال الشافعي: وقد قيل: إن كان ظهر قدميها مشكوفا فصلاتها جائزة). حكم الثياب الشفافة في الصلاة (7 - ولا يجوز أن تكون ثيابها - خمارا كان أو جوربا أو غير ذلك - سخيفا أو شفافا يحكى ما تحته ويصفه لقوله صلى الله عليه وسلم: (سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رؤسهن كأسنمة البخت العنوهن فإنهن ملعونات). زاد في حديث آخر: (لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا).

الحديث الأول رواه الطبراني في (الصغير) عن ابن عمرو بإسناد حسن والآخر عند مسلم وغيره عن أبي هريرة. وهما مخرجان في (المصنف) لذا فلا حاجة إلى تخريجهما هنا والحديث من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وتنبآته الصادقة التي نبأه الله بها حتى ترى ما فيه منطبقا تمام الانطباق على أكثر نساء أهل زماننا ولا حول ولا قوة إلا بالله. (فإذا خشيت شيئا مما ذكرت فلتجعل تحت الثياب غلالة, كما قال صلى الله عليه وسلم وعلل ذلك في نفس الحديث بقوله: (فإني أخاف أن تصف حجم عظامها). الحديث إسناده حسن وهو من رواية أسامة بن زيد قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال: (ما لك لم تلبس القبطية؟) قلت: كسوتها امرأتي فقال: (مُرها فلتجعل تحتها غلالة, فإني أخاف أن تصف حجم عظامها). أخرجه أحمد والبيهقي من طريق عبد الله بن محمد ابن عقيل عن محمد بن أسامة بن زيد عنه. والحديث أورده في (المجمع) وقال: (رواه أحمد والطبراني وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن وفيه ضعف) قلت: وله شاهد من حديث دحية نفسه. أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن أيوب: ثني موسى بن جبير أن عباس ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب حدثه عن خالد بن يزيد بن

معاوية عن دحية بن خليفة به نحوه. وفيه أن دحية نفسه الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم القبطية وقال له عليه السلام: (اجعل صديعها قميصا وأعط صاحبتك صديعا تختمر به) فلما ولى دعاه قال: (مرها تجعل تحته شيئا لئلا يصف) ولعلها قصة أخرى ثم قال البيهقي: (وقال بعضهم: عباس بن عبيد الله) قال البخاري: (من قال: ابن عبيد الله أكثر) وذكر فيمن قال ابن عبيد الله: يحيى بن أيوب وابن جريج. قال البيهقي: (ورواه عبد الله بن لهيعة عن موسى بن جبير أن عبيد الله بن عباس حدثه). قلت: حديث ابن لهيعة أخرجه في (سننه) وقال عقبه: (رواه يحيى بن أيوب فقال عباس بن عبيد الله بن عباس). وهو الصواب كما قال الحافظ في (التقريب) قال: (وهو مقبول والراوي عنه موسى بن جبير مستور). فالحديث بهذا الإسناد ضعيف لكنه يتقوى بما قبله. والله أعلم وقد رواه الحاكم أيضا وصححه وأعله الذهبي بالانقطاع.

في كم تطيل ثيابها؟

في كم تطيل ثيابها؟ (8 - ويجوز لها بل يجب عليها أن تطيل ذيلها شبرا من الكعبين أو شبرين لا تزيد عليه. وذلك سترا لأقدامهن, لقوله عليه الصلاة والسلام: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: (يرخين شبرا) فقالت: إذن تنكشف أقدامهن قال: (فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه). الحديث أخرجه النسائي والترمذي عن عبد الرزاق قال: ثنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به (¬1) ... . وقال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح). وهو كما قال. ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين لكنه قد اختلف فيه على نافع فرواه معمر عن أيوب عنه هكذا. وتابعه العمري عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للنساء أن يرخين شبرا. . . الحديث نحوه ¬

_ (¬1) وأخرجه البيهقي (2/ 233) عن حماد بن زيد عن أيوب به.

أخرجه أحمد. ورواه يحيى بن أبي كثير عن نافع عن أم سلمة: أنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذيول النساء. . . الحديث أخرجه النسائي. ثم أخرجه عن أيوب بن موسى عن نافع عن صفية عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر في الإزار ما ذكر قالت أم سلمة ... . الحديث وتابعه أبو بكر بن نافع عن أبيه عن صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته به. أخرجه مالك ومن طريقه أبو داود. وتابعه محمد بن إسحاق عن نافع به. أخرجه الدارمي والبيهقي وأحمد. ثم أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد من طرق عن عبيد الله ابن عمر عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة به. وفي رواية لأحمد عن يحيى عن عبيد الله: أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة). قال: وأخبرني سليمان بن يسار أن أم سلمة ذكرت النساء. . . الحديث. فهذه أربعة أوجه من الاختلاف على نافع:

1 - عنه عن ابن عمر مباشرة 2 - عنه عن أم سلمة مباشرة 3 - عنه عنها بواسطة صفية بنت أبي عبيد 4 - عنه عنها بواسطة سليمان بن يسار والراجح عندي من هذه الروايات الأخيرتان: أما الأولى منهما فلاتفاق ثلاثة من الثقات عليها وهم أيوب بن موسى وأبو بكر بن نافع ومحمد بن إسحاق. وأما الأخرى فراويها عن نافع عبيد الله بن عمر وهو ثقة ثبت قدمه أحمد بن صالح عن مالك في نافع كما قال الحافظ في (التقريب) فهو بأن يقدم على أيوب أحرى وأولى لا سيما وأن روايته مفصلة حيث صرح بأن الحديث الأول: من جر ثوبه. . . إلخ هو من رواية نافع عن ابن عمر, وأما الحديث الآخر فصرح بأنه من رواته نافع عن سليمان بن يسار عنه ورواية أيوب مجملة ليس فيها هذا التفصيل ومتابعة العمري له لا تنهض به لأنه ضعيف الحفظ - وهو عبد الله بن عمر المكبر - لا سيما وقد خالفه أخوه عبيد الله المصغر الثقة الثبت ثم وجدت ما يدل على أن رواية أيوب قد وردت مفصلة أيضا فقال الإمام أحمد: ثنا إسماعيل: أنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي يجر ثوبه. . .) الحديث قال نافع: (فأنبئت أن أم سلمة قالت. . . الحديث قال نافع: فأنبئت أن أم سلمة قالت. . . الحديث

فهذا إسماعيل - وهو ابن إبراهيم بن علية الثقة الحافظ - يبين أيضا أن رواية أيوب مثل رواية عبيد الله من حيث التفصيل غير أن هذا قد سمى الواسطة التي أبهمها أيوب وهي زيادة مقبولة حتما. والذي يظهر أن هذه الروايات كلها صحيحة وأن نافعا كان تارة يرسل الحديث وتارة يوصله وأن له فيه شيخين: سليمان بن يسار وهو ثقة فاضل أحد الفقهاء السبعة واحتج به الشيخان وصفية بنت أبي عبيد وهي ثقة من رواة مسلم وهي زوج ابن عمر رضي الله عنه. وللحديث طريق أخرى عن ابن عمر أخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن ابن عمر قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين في الذيل شبرا ثم استزدنه فزادهن شبرا فكن يرسلن إلينا فنذرع لهن ذراعا ورجاله ثقات رجال مسلم غير زيد العمي وهو ضعيف كما في (التقريب) , فإن صحت هذه الرواية عن ابن عمر فلعله أخذها عن زوجه صفية بنت أبي عبيد التي روت الحديث عن أم سلمة كما سبق آنفا قال الحافظ في (الفتح): (وأفادت هذه الرواية قدر الذراع المأذون فيه وأنه شبران بشبر اليد المعتدلة). وله شاهد من حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة أو أم سلمة رضي الله عنهما أن تجر الذيل ذراعها. أخرجه ابن ماجه وأحمد من طريق حماد بن سلمة عن أبي المهزم عنه.

وخالفه حبيب المعلم فرواه عن أبي المهزم عن أبي هريرة عن عائشة نحوه. أخرجه ابن ماجه أيضا وكذا أحمد. وأبو المهزم متفق على تضعيفه كما في (الزوائد) وقال الحافظ في (التقريب): (متروك) (¬1) وقال: رواه بعضهم عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحين عن أبيه عن أم سلمة. قلت: وعلي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف. والحديث يدل على وجوب ستر قدمي المرأة وهو مذهب الشافعي وغيره. واعلم أنه لا فرق في ذلك بين الحرة والأمة لعدم وجود دليل الفرق نعم جاءت بعض الأحاديث في الفرق؛ لكنها ضعيفة الأسانيد لا تقوم بها حجة وقد بين ضعفها الحافظ ابن حجر في (التلخيص) فليراجعها من شاء. وما أحسن ما قال ابن حزم رحمه الله: (وأما الفرق بين الحرة والأمة فدين الله تعالى واحد والخلقة والطبيعة واحدة فكل ذلك في الحرائر والإماء سواء حتى يأتي نص في الفرق بينهما في شيء فيوقف عنده) ثم قال: ¬

_ (¬1) 1 - ولحماد فيه إسناد آخر أخرجه الترمذي (1/ 323) عنه عن علي بن زيد عن أم الحسن عن أم سلمة نحوه.

من شروط الصلاة طهارة البدن والثوب والمكان

(وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أن تحريم الزنا بالحرة كتحريم الأمة وأن الحد على الزاني بالحرة كالحد على الزاني بالأمة ولا فرق وأن تعرض الحرة في التحريم كتعرض الأمة ولا فرق ولهذا وشبهه وجب أن لا يقبل قول أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بأن يسنده إليه عليه السلام). [الثمر المستطاب 1/ 308 - 324]. من شروط الصلاة طهارة البدن والثوب والمكان (1 - ويجب تطهير البدن من كل نجس لقوله صلى الله عليه وسلم: (عامة عذاب القبر من البول فتنزهوا من البول) وقوله: (فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي). الحديث الأول حسن كما قال النووي في (المجموع) وهو من حديث ابن عباس عند الدارقطني وقال: (لا بأس به). وله طريقان ذكرناهما في (التعليق الرغيب). والحديث الثاني صحيح متفق عليه وقد مضى. وفي الباب أحاديث الاستنجاء.

وقد يقال: إن الحديث الأول خاص بالبول والثاني بدماء النساء. ولا يخفى أن قياس النجاسات الأخرى عليهما قياس صحيح بجامع اشتراكها في علة النجاسة فيجب التنزه من كل نجاسة وغسلها إذا أصابت البدن. وقد قال الخطابي: (إن جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها إجماعا) كما نقله في (الفتح). (2 - ولذلك يجب تطهير الثياب من كل نجاسة لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر / 4]. أي: اغسلها بالماء. قال ابن زيد: (كان المشركون لا يتطهرون فأمره الله أن يتطهر وأن يطهر ثيابه). وفي الآية أقوال أخرى أوردها ابن كثير وغيره, والقول المذكور هو الأظهر وهو الذي رجحه النووي في (المجموع) تبعا للبيهقي واختاره ابن جرير وكذا ابن حزم في (المحلى) وقال: (ومن ادعى أن المراد بذلك القلب فقد خص الآية بدعواه بلا برهان والأصل في اللغة التي بها نزل القرآن: أن الثياب هي الملبوسة والمتوطأة ولا ينقل عن ذلك إلى القلب والعرض إلا بدليل). وذهب ابن كثير إلى أن الآية قد تشمل الأقوال التي ذكرها وفيها هذا القول الذي رده ابن حزم أي طهارة القلب قال: (فإن العرب تطلق الثياب عليه). وابن حزم لم ينكر هذا وإنما أنكر تخصيص الآية بالقلب.

وقد ذهب إلى ما ذهب إليه ابن كثير وابن القيم ولعلهما أخذاه من شيخهما ابن تيمية رحمه الله فقال ابن القيم في (إغاثة اللهفان) - بعد أن ساق الأقوال المشار إليها: (قلت: الآية تعم هذا كله - وتدل عليه بطريق التنبيه واللزوم إن لم تتناول ذلك لفظا. فإن المأمور به إن كان طهارة القلب فطهارة الثوب وطيب مكسبه تكميل لذلك, فإن خبث الملبس يكسب القلب هيئة خبيثة, كما أن خبث المطعم يكسبه ذلك ,ولذلك حرم لبس جلود النمور والسباع بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك في عدة أحاديث صحاح لا معارض لها لما تكسب القلب من الهيئة المشابهة لتلك الحيوانات, فإن الملابسة الظاهرة تسري إلى الباطن, ولذلك حرم لبس الحرير والذهب على الذكور لما يكتسب القلب من الهيئة التي تكون لمن ذلك لبسه من النساء وأهل الفخر والخيلاء. والمقصود أن طهارة الثوب وكونه من مكسب طيب هو من تمام طهارة القلب وكمالها فإن كان المأمور به ذلك فهو وسيلة مقصودة لغيرها والمقصود لنفسه أولى أن يكون مأمورا به, وإن كان مأمورا به طهارة القلب وتزكية النفس فلا يتم إلا بذلك فتبين دلالة القرآن على هذا وهذا). (وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ثم تصلي فيه). هو من حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت: سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع فيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . الحديث.

أخرجه مالك وعنه البخاري ومسلم وأبو داود عن هاشم بن عروة عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير عنها. وأخرجه البخاري أيضا ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه والدارمي وابن ماجه والبيهقي والطيالسي وأحمد والطيالسي عن هشام ومحمد بن إسحاق عن فاطمة به نحوه. وله شاهد من حديث أم قيس بنت محصن أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب؟ قال: (حديه بضلع واغسليه بماء وسدر). أخرجه أبو داود والنسائي والدارمي وابن ماجه والبيهقي وأحمد عن سفيان قال: ثني ثابت الحداد عن عدي بن دينار عنها. وهذا سند حسن رجاله ثقات غير ثابت وهو ابن هرمز صدوق يهم كما في (التقريب). والحديث يدل على وجوب تطهير الثياب من النجاسات, وهو وإن كان واردًا في الدم, فسائر النجاسات بمثابته لا فرق بينها في القياس كما قال الخطابي في (المعالم) وفي الباب الأمر بغسل الثوب من بول الجارية وقد مضى في أول الكتاب. (وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: أصلي في الثوب الذي آتي فيه أهلي؟ قال: (نعم إلا أن ترى فيه شيئا فتغسله). هو من حديث جابر بن سمرة قال: سأل. . . إلخ أخرجه أحمد وابن ماجه عن عبيد الله بن عمر وعن عبد الملك بن عمير عنه. قال في (الزوائد):

(هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات). قلت: ورجاله رجال الشيخين. وفي الباب عن معاوية أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه؟ قالت: نعم إذا لم يكن فيه أذى. أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وأحمد عن يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج عنه. وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات وصححه ابن خزيمة وابن حبان كما في (الفتح). ورواه محمد بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة بلفظ: قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وعلي وعليه ثوب واحد فيه كان ما كان). أخرجه أحمد من طريق معاوية بن صالح قال: ثنا ضمرة بن حبيب عنه ورجاله ثقات غير محمد بن أبي سفيان فقال الحافظ في (التقريب): (مقبول وقيل: الصواب: عنبسة بن أبي سفيان). قلت: وجزم بذلك الخزرجي في (الخلاصة) فإذا صح ذلك فالإسناد صحيح؛ لأن عنبسة بن أبي سفيان ثقة من رجال مسلم. وعن عائشة قالت: كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث حائض فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه ثم يعود فإن أصابه مني شيء فعل مثل ذلك ولم يعده وصلى فيه).

أخرجه أبو داود والنسائي والدارمي عن يحيى بن سعيد القطان: ثني جابر بن صبح قال: سمعت خلاس بن عمرو قال: سمعت عائشة به. وهذا سند صحيح متصل بالسماع رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير جابر بن صبح - بضم المهملة وسكون الموحدة - وثقه ابن معين وفي (التقريب) أنه صدوق. ورواه أحمد من طريق أخرى مختصرا بلفظ: (كان يصلي في الثوب الذي يجامع فيه). رواه من طريق برد بن سنان عن سليمان بن موسى عنها ورجاله ثقات لكنه منقطع بين سليمان وعائشة وبين وفاتيهما ستون سنة فأكثر. وفي هذه الأحاديث والأحاديث المتقدمة في المسألة الأولى دلالة وجوب تطهير البدن والثياب من النجاسة وقد اختلف العلماء في ذلك فذهب الشافعية إلى أن إزالتها شرط لصحة الصلاة قال النووي في (المجموع): (وبه قال أبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء من السلف والخلف وعن مالك في إزالة النجاسة ثلاث روايات: أصحها وأشهرها أنه إن صلى عالما بها لم تصح صلاته وإن كان جاهلا أو ناسيا صحت وهو قول قديم عن الشافعي. والثانية: لا تصح الصلاة علم أو جهل أو نسي. والثالثة: تصح الصلاة مع النجاسة وإن كان عالما متعمدا وإزالتها سنة ونقل أصحابنا عن ابن عباس وسعيد بن جبير نحوه).

حكم من علم بنجاسة وهو في الصلاة:

ثم احتج النووي لما ذهب إليه الجمهور بالآية السابقة الذكر وبالأوامر الواردة في الأحاديث المتقدمة, ولا يخفى أن غاية ما تفيده هذه الأوامر هو الوجوب, والوجوب لا يستلزم الشرطية؛ لأن كون الشيء شرطا حكم شرعي وضعي لا يثبت إلا بتصريح الشارع بأنه شرط أو بتعليق الفعل به بأداة الشرط أو ينفي الفعل بدونه (¬1) نفيا متوجها إلى الصحة لا إلى الكمال أو بنفي الثمرة ولا يثبت بمجرد الأمر به كما قال الشوكاني رحمه الله. فالحق أن إزالة النجاسة ليست شرطا لصحة الصلاة وهو قول الشافعي في القديم وإنما هي واجبة لهذه الأوامر يأثم مخالفها فمن صلى وعلى بدنه أو ثوبه نجاسة كان تاركا لواجب وأما إن صلاته باطلة كما هو شأن فقدان شرط الصحة فلا لما عرفت. ويدل لذلك حديث أبي سعيد الآتي: حكم من علم بنجاسة وهو في الصلاة: (3 - ومن علم وهو يصلي بأنه يحمل نجسا, فعليه أن يزيله ويستمر في صلاته ويبني على ما كان قد صلى قبل الإزالة وصلاته صحيحة. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ذات يوم فلما كان في بعض صلاته خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى الناس ذلك خلعوا نعالهم فلما قضى صلاته قال: (ما بالكم ألقيتم نعالكم؟) قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا - أو قال أذى وفي رواية: خبثا - فألقيتهما. فإذا ¬

_ (¬1) ثم لاحظ بعض الإخوان أن حديث ابن سمرة يوجد فيه نفي الفعل أي ترك الصلاة إذا رأى شيئا وحينئذ يلزم إثبات شرطية طهارة الثوب. وهذا أمر ظاهر لأول وهلة فليتأمل ثم ليحرر.

جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر في نعليه فإن رأى فيهما قذرا - أو قال: أذى وفي رواية: خبثا - فليمسحها وليصل فيهما). هو من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم. . . إلخ. أخرجه أبو داود والدارمي والحاكم والبيهقي وكذا الطحاوي في (شرح المعاني) والطيالسي وأحمد والسياق له والرواية الأخرى في الموضعين هي رواية له ورواية غيره أخرجوه كلهم عن حماد بن سلمة إلا أبا داود فعن حماد بن زيد كلاهما عن أبي نعامة السعدي عن أبي نضرة عنه. وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي وابن الوزير في (الروض الباسم) وهو كما قالوا وصححه النووي أيضا في (المجموع) وأخرجه ابن خزيمة أيضا وابن حبان وأما البيهقي فقد ضعفه أو حاول تضعيفه بقوله: (حماد بن سلمة عن أبي نعامة عن أبي نضرة كل واحد منهم مختلف في عدالته). كذا قال وثلاثتهم ثقات احتج بهم مسلم ووثقهم الحافظ في (التقريب) وقد رد على البيهقي قوله هذا ابن التركماني في (الجوهر النقي) وأطال في ذلك وأحسن ثم إن حماد بن سلمة لم يتفرد به بل تابعه ابن زيد كما سبق على أن البيهقي نفسه روى له شاهدا من حديث أنس وقال: (وإسناده لا بأس به).

أخرجه من طريق الحاكم - وهو في (المستدرك) - موسى ابن إسماعيل وإبراهيم بن الحجاج قالا: ثنا عبد الله بن المثنى عن ثمامة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخلع نعليه في الصلاة إلا مرة فخلع الناس فقال (مالكم؟) قالوا: خلعت فخلعنا فقال: (إن جبريل عليه السلام أخبرني أن فيهما قذرا). قال البيهقي: (تفرد به عبد الله بن المثنى). قلت: وهو من رجال البخاري وكذلك ثمامة فهو صحيح على شرطه (¬1) وإن كان ابن المثنى قد تكلم فيه من قبل حفظه حتى قال في (التقريب): (صدوق كثير الغلط). قلت: فحديثه في الشواهد لا بأس به وقد أورده الهيثمي في (المجمع) وقال: (رواه الطبراني في (الأوسط) ورجاله رجال الصحيح ورواه البزار باختصار). وله شاهد آخر مرسل أخرجه أبو داود: ثنا موسى - يعني ابن إسماعيل-: ثنا أبان: ثنا قتادة: ثني بكر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا قال: فيهما خبث وفي الموضعين: (خبث). ¬

_ (¬1) وكذلك صححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين. وله شواهد أخرى موصولة في أسانيدها ضعف, فليراجعها من شاء في (التلخيص) وبالجملة فالحديث بهذه الشواهد صحيح حجة لا شبهة فيه, وقد صححه من عرفت من الأئمة والحديث دليل واضح لما احتججنا له وفي الباب عن عائشة وسيأتي في خاتمة الكلام على المسألة الرابعة. وقد قال الخطابي في (المعالم: (قلت: فيه من الفقه أن من صلى وفي ثوبه نجاسة لم يعلم بها فإن صلاته مجزية ولا إعادة عليه). وإلى هذا ذهب الشافعي في القديم كما قال البيهقي ,وعليه يدل عمل ابن عمر رضي الله عنه فقد روى البيهقي عن يزيد بن هارون: أنبأ محمد بن مطرف عن زيد بن مسلم قال: رأيت ابن عمر يصلي في ردائه وفيه دم فأتاه نافع فنزع عنه ردائه وألقى عليه رداءه ومضى في صلاته. وعن عبد الرزاق: أنبأ معمر عن الزهري عن سالم أن ابن عمر بينما هو يصلي رأى في ثوبه دما فانصرف فأشار إليهم فجاؤوه بماء فغسله ثم أتم ما بقي على ما مضى من صلاته ولم يعد. قلت: وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد قال في (باب اجتناب النجاسة) من الاختيارات العلمية): (ومن صلى بالنجاسة ناسيا أو جاهلا فلا إعادة عليه وقاله طائفة من العلماء لأن من كان مقصوده اجتناب المحظور إذا فعله مخطئا أو ناسيا فلا تبطل العبادة به).

وقال ابن القيم في (إغاثة اللهفان): (ومن ذلك - يعني مما سهل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وشدد فيها الموسوسون - ما أفتى به عبد الله بن عمر وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وطاوس وسالم ومجاهد والشعبي وإبراهيم النخعي والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري والحكم والأوزاعي ومالك وإسحاق بن راهويه وأبو ثور والإمام أحمد في أصح الروايتين وغيرهم: أن الرجل إذا رأى على بدنه أو ثوبه نجاسة بعد الصلاة لم يكن عالما بها أو كان يعلمها لكنه نسيها أو لم ينسها لكنه عجز عن إزالتها أن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه) ونسب النووي القول بذلك إلى جمهور العلماء ثم قال في (المجموع): (قال ابن المنذر: وبه أقول وهو مذهب ربيعة ومالك وهو قوي في الدليل وهو المختار). وإذا صح ما ذهبنا إليه؛ فالحديث دليل على أن إزالة النجاسة ليس شرطا لصحة الصلاة لأنه عليه الصلاة والسلام بنى على ما كان صلى قبل الخلع. فلو كانت شرطا لاستأنف الصلاة لأن الشرط يؤثر عدمه في عدم المشروط كما تقرر في الأصول قال الشوكاني: (والحديث استدل به القائلون بأن إزالة النجاسة من شروط صحة الصلاة وهو كما عرفناك عليهم لا لهم؛ لأن استمراره على الصلاة التي صلاها قبل خلع النعل وعدم استئنافه لها يدل على عدم كون الطهارة شرطا وأجاب الجمهور عن هذا بأن المراد بالقذر هو الشيء المستقذر كالمخاط والبصاق ونحوهما ولا يلزم من القذر أن يكون نجسا وبأنه يمكن أن يكون

دما يسيرا معفوا عنه وإخبار جبريل له بذلك لئلا تتلوث ثيابه بشيء مستقذر ويرد هذا الجواب بما قاله في (البارع) في تفسيره قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة / 6] أنه كنى بالغائط عن القذر. وقول الأزهري: النجس القذر الخارج من بدن الإنسان. فجعله المستقذر غير نجس أو نجس معفو عنه تحكم وإخبار جبريل في حالة الصلاة بالقذر الظاهر أنه لما فيها من النجاسة التي يجب تجنبها في الصلاة لا لمخافة التلوث لأنه لو كان لذلك لأخبره قبل الدخول في الصلاة لأن القعود حال لبسهما مظنة للتلوث بما فيها على أن هذا الجواب لا يمكن مثله في رواية الخبث المذكورة في الباب للاتفاق بين أئمة اللغة وغيرهم أن الأخبثين هما البول والغائط). وقال ابن القيم رحمه الله في (إغاثة اللهفان) بعد أن ساق الحديث: (وتأويل ذلك على ما يستقذر من مخاط أو نحوه من الطاهرات لا يصح لو جوه: أحدها: أن ذلك لا يسمى خبثا. الثاني: أن ذلك لا يؤمر بمسحه عند الصلاة فإنه لا يبطلها. الثالث: أنه لا تخلع النعل في الصلاة فإنه عمل لغير حاجة فأقل أحواله الكراهة. الرابع: أن الدارقطني روى في (سننه) في حديث الخلع من رواية ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما دم حلمة) والحلم كبار القراد).

أحوال تجوز الصلاة فيها:

أحوال تجوز الصلاة فيها: (4 - وتجوز الصلاة في أحوال: الأول: في الثياب التي هي مظنة النجاسة كثياب الحائض والمربية والمرضع والصبي فقد (كان عليه الصلاة والسلام يصلي من الليل وعائشة إلى جانبه وهي حائض وعليها مرط وعليه بعضه) و (كان يصلي وهو حامل أمامه بنت زينب فإذا ركع وسجد وضعها وإذا قام حملها [فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها]. الحديث الأول هو من رواية عائشة رضي الله عنه بلفظ: (وأنا) بالضمير المتكلم بدل: (وعائشة) و (وهي) وبلفظ: (وعلي) بدل: وعليها. أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وأحمد من طريق عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة عنها. وله طريق أخرى مختصرا بلفظ: كان نبي الله يصلي وإن بعض مرطي عليه. أخرجه الحاكم وأحمد عن قتادة عن كثيرة بن أبي كثير عن أب عياض عنها. وقال الحاكم: (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي. وهو كما قالا ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير كثير بن أبي كثير وهو مولى عبد الرحمن بن سمرة وقد وثقه العجلي وروى عنه أيوب أيضا.

ورواه أبو يعلى عنها بلفظ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي فوجد القر فقال: (يا عائشة أرخي علي مرطك) قالت: إني حائض قال: (إن حيضتك ليست في يدك). قال الهيثمي: (وإسناده حسن). وله شاهد من حديث ميمونة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض وهو يصلي وهو عليه. أخرجه أبو داود وأبو عوانة وعنه البيهقي وابن ماجه وأحمد من طريق سفيان بن عيينة عن الشيباني عن عبد الله بن شداد عنها. واللفظ لأبي داود ولأحمد نحوه وقال ابن ماجه: (بعضه عليه وعليها بعضه) ورواه البيهقي من طريق الشافعي عن سفيان بلفظ: (بعضه علي وبعضه عليه) وإسناده صحيح على شرط الشيخين وهو عند البخاري ومسلم وأحمد من طرق أخرى عن الشيباني بلفظ: كان يصلي وأنا حذاءه وأنا حائض وربما أصابني ثوبه إذا سجد. وللحديث شاهد آخر من رواية حذيفة بن اليمان قال: بت بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة, فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وعليه طرف اللحاف وعلى عائشة طرفه وهي حائض لا تصلي أخرجه أحمد: ثنا أبو نعيم: ثنا يونس عن الوليد بن العيزار قال: قا ل حذيفة. قال الهيثمي:

(رواه أحمد ورجاله ثقات). قلت: وكلهم من رجال الشيخين لكنه ظاهر الانقطاع فقد أخرجه أحمد أيضا: ثنا وكيع عن يونس عن العيزار بن حريث عن حذيفة به مختصرا. فهذا سند صحيح رجاله رجال مسلم إن كان يونس سمعه من العيزار ولعله سمعه من ابنه الوليد بن العيزار كما في الرواية الأولى. والله أعلم. (المرط): بكسر الميم وسكون الراء قال في (المعالم): (ثوب يلبسه الرجال والنساء يكون إزارا ويكون رداء وقد يتخذ من صوف ويتخذ من خز وغيره). والحديث الآخر هو من رواية عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه. أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وكذا مالك والنسائي والدارمي والبيهقي والطيالسي وأحمد من طرق عنه. وما بين المعكوفتين زيادة في رواية لأبي داود والنسائي وأحمد وهي صحيحة الإسناد على شرط الشيخين وقد أخرجه مسلم إلا أنه لم يسق لفظه. وفي رواية له: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وفي أخرى له ولأبي داود: يصلي للناس وفي أخرى لأبي داود أنها الظهر أو العصر. ووردت نحو هذه القصة عن أبي بكرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي: فإذا سجد وثب الحسن على ظهره وعلى عنقه فيرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعا رفيقا لئلا يصرع قال: فعل ذلك غير مرة. . . الحديث.

أخرجه الطيالسي وأحمد عن مبارك ابن فضالة عن الحسن: أخبرني أبو بكرة. وهذا سند حسن. ولهما طريق أخرى من حديث أبي هريرة بنحوها عند أحمد والطبراني في ترجمة الحسن بن علي من (المعجم الكبير) والحاكم من طريق كامل ابن العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة. كذا قالا ورجاله رجال مسلم غير أبي صالح هذا وليس هو ذكوان بل هو مولى ضباعة وثقه ابن حبان وفي (التقريب): (لين الحديث). وقد أورد الحديث الهيثمي في (المجمع) وقال: (رواه أحمد والبزار باختصار ورجال أحمد ثقات). وللحسن والحسين قصة أخرى لعلها تأتي في السجود إن شاء الله تعالى والحديث قال ابن القيم في (الإغاثة): (دليل على جواز الصلاة في ثياب المربية والمرضع والحائض والصبي ما لم يتحقق نجاستها) وقال النووي في (شرح مسلم): (فيه دليل لصحة صلاة من حمل آدميا أو حيوانا طاهرا من طير وشاة وغيرهما وأن ثياب الصبيان وأجسادهم طاهرة حتى تتحقق نجاستها. . . إلخ) ثم قال: (وهو يدل لمذهب الشافعي رحمه الله ومن وافقه أنه يجوز حمل الصبي والصبية وغيرهما من الحيوان الطاهر في صلاة الفرض والنفل

ويجوز ذلك للإمام والمأموم والمنفرد وحمله أصحاب مالك رضي الله عنه على النافلة ومنعوا جواز ذلك في الفريضة. وهذا التأويل فاسد؛ لأن قوله: (يؤم الناس) صريح أو كالصريح في أنه كان في الفريضة. وادعى بعض المالكية أنه منسوخ وبعضهم أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم أنه كان لضرورة. وكل هذه الدعاوى باطلة مردودة, فإنه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع, لأن الآدمي طاهر وما في جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه في معدته وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة ودلائل الشرع متظاهرة على هذا والأفعال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت) ثم قال: (فالصواب الذي لا معدل عنه: أن الحديث كان لبيان الجواز والتنبيه على هذه الفوائد فهو جائز لنا وشرع مستمر للمسلمين إلى يوم الدين). هذا وقد يعارض ما تقدم حديث عائشة أيضا قالت: كان لا يصلي في لحف نسائه أخرجه أبو داود والترمذي والبيهقي من طريق أشعث بن عبد الملك عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عنها. وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح). قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير أشعث هذا وهو ثقة ففيه كما في (التقريب). ثم رواه أبو داود عن حماد عن هشام عن ابن سيرين عن عائشة وهذا منقطع. قال حماد:

(وسمعت سعيد بن أبي صدقة قال: سألت محمدا عنه فلم يحدثني وقال: سمعته منذ زمان ولا أدري ممن سمعت ولا أدري أسمعته من ثبت أو لا فسلوا عنه). قلت: وكذلك رواه سلمة بن علقمة عن ابن سيرين لم يذكر شقيق في إسناده. أخرجه البيهقي وأخرجه أحمد أيضا عنه عن ابن سيرين قال: نبئت أن عائشة قالت: ورواه قتادة عن ابن سيرين: أن النبي صلى الله عليه وسلم كره الصلاة في ملاحف النساء. أخرجه أحمد: ثنا عفان قال: ثنا همام قال: ثنا قتادة به ورجاله ثقات رجال الستة, لكنه مرسل فهو ضعيف لا سيما بهذا اللفظ الشاذ. ولعله رواية بالمعنى وليس هذا المعنى صحيحا؛ لأن امتناعه عليه الصلاة والسلام من أمر لا يدل على كراهته. لا سيما إذا ثبت أنه فعله مرارا كما تقدم في تلك الأحاديث عن عائشة وميمونة وحذيفة وهي مثبتة وحديث عائشة نافٍ. والمثبت مقدم على النافي عند التعارض وعدم إمكان الجمع ولعل الجمع هنا ممكن بأن يقال: إن عائشة في حديثها هذا إنما نفت استمرار الرسول عليه الصلاة والسلام على الصلاة في لحف نسائه لما يدل عليه صيغة: (كان) وكان لا ينفي أنه كان يفعل ذلك أحيانا ويقوي هذا الجمع أن عائشة نفسها قد روت فعله لذلك كما في الحديث الأول من هذا الفصل وأصرح منه ما سبق في المسألة الثانية عنها أيضا بلفظ:

كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث حائض فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه. . . الحديث. فإن مفهومه أنه كان يصلي في الشعار إن لم يصبه منها شيء. و (الشِعار): هو الثوب الذي يستشعره الإنسان أي: يجعله مما يلي بدنه والدثار: ما يلبسه فوق الثياب وهو اللحاف وأصرح من هذا كله حديثها الآخر قالت: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا شعارنا وقد ألقينا فوقه كساء فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكساء فلبسه ثم خرج فصلى الغداة ثم جلس فقال: رجل: يا رسول الله هذه لمعة من دم فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يليها فبعث بها إلى مصرورة في يد الغلام فقال: (اغسلي هذه وأجفيها ثم أرسلي بها إلي) فدعوت بقُصتي فغسلتها ثم أجففتها فأحرتها إليه فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهي عليه). لكنه من رواية أم يونس بنت شداد قالت: حدثتني حماتي أم جحدر العامرية عنها. ولا يعرف حالهما كما في (التقريب) وقد قال الذهبي في (الميزان): (وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها) والحديث أخرجه أبو داود فهو صريح في صلاته عليه السلام في الكساء الذي كان ملتحفا به هو زوجه حتى تبين له أن فيه لمعة الدم فأمر بغلسه ولم يعد الصلاة من أجله لأنه لو أعادها لنقلت إلينا فهو - لو صح

ذهاب المرأة إلى المسجد وشروطه

دليل آخر على أن إزالة النجاسة ليس شرطا لصحة الصلاة وهو الحق إن شاء الله تعالى كما سبق بيانه. وبالجملة فحديث عائشة الذي نحن في صدد الكلام عليه ليس المراد منه نفي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في لحف النساء وثيابهن مطلقا بل المراد نفي دوامه عليه الصلاة والسلام على ذلك هذا ما يفيده مجموع الأحاديث الواردة في هذا الموضوع وطريقة الجمع بينها. والله أعلم [الثمر المستطاب 1/ 324 - 346] ذهاب المرأة إلى المسجد وشروطه 2 - إتيانه من النساء بشرطين: الأول: أن يخرجن غير متطيبات ولا متبرجات بزينة لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا شهدت إحداكن المسجد (وفي لفظ: (العشاء) فلا تمس طيبا) الحديث من رواية زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. أخرجه مسلم والنسائي وأبو عوانة وأحمد واللفظ الثاني له من طريق محمد بن عجلان: ثني بكير بن عبد الله ابن الأشج عن بسر بن سعيد عنها. وهذا سند حسن. وقد تابعه محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام عن بكر به باللفظ الثاني أخرجه أحمد والطيالسي وكذا النسائي وتابعه عنده الليث بن سعد باللفظ الأول.

وأخرجه مسلم من طريق مخرمة عن أبيه عن بسر بن سعيد به. وفي الباب عن أبي هريرة وغيره كما يأتي: (والثاني: أن يستأذن أزواجهن وعليهم الإذن لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا نساءكم المساجد [بالليل] إذا استأذنكم إليها [ولكن ليخرجن تفلات] [وبيوتهن خير لهن]). الحديث من رواية ابن عمر رضي الله عنه عنهما. وله عنه طرق: 1 - الزهري عن سالم بن عبد الله عنه. أخرجه البخاري ومسلم والدارمي وأحمد من طرق عنه. واللفظ لمسلم وأحمد والزيادة الأولى للبخاري وزاد مسلم: فقال بلال بن عبدالله: والله لنمنعهن قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته سب مثله قط وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن؟ وهي عند أحمد أيضا دون قوله: (سبًّا. . .) ألخ. (¬1) ¬

_ (¬1) 1 - وزاد في رواية: قال: وكانت امرأة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تصلي في المسجد فقال لها: إنك لتعلمين ما أحب فقالت: والله لا أنتهي حتى تنهاني. قال: فطعن عمر وإنها لفي المسجد. وأخرجه في مسند عمر (1/ 40) من طريق يحيى بن أبي إسحاق عن سالم بن عبد الله قال: كان عمر رجلا غيورا. فكان إذا خرج إلى

2 - مجاهد عنه بنحوه وفيه الزيادة الأولى. أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي. والطيالسي وأحمد من طرق عنه. وزادوا جميعا إلا البخاري: (فقال ابن لعبد الله بن عمر: لا ندعهن يخرجن فيتخذنه دغلا. قال: فزبره ابن عمر قال: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: لا ندعهن؟). وفي رواية لمسلم وأحمد: (فلطم في صدره). وزاد أحمد في رواية أخرى: (فما كلمه عبد الله حتى مات). وإسنادها صحيح. وعنده في رواية رابعة الزيادة الثانية من طريق ليث بن أبي سليم عن مجاهد. وليث ضعيف لكن هذه الزيادة صحيحة لورودها في أحاديث أخرى كما يأتي.

_ الصلاة اتبعته عاتكة ابنة زيد فكان يكره خروجها ويكره منعها وكان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكر الحديث. ورجاله ثقات رجال الستة غير أنه منقطع كما في (الفتح) (2/ 306) فإن سالما لم يسمع من عمر كما قال شيخه في (المجمع) (2/ 33).

3 - نافع عنه بلفظ: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد من طرق عنه. وزاد البخاري في أوله: (كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد فقيل لها: لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ قال: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . فذكره. 4 - عبد الله بن يزيد المقرئ: ثنا سعيد بن أبي أيوب: ثنا كعب بن علقمة عن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا بلفظ: (لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنوكم) فقال بلال: والله لنمنعهن فقال له عبد الله: أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أنت: لنمنعهن؟ 5 - حبيب بن أبي ثابت عنه وفيه الزيادة الأخيرة وهو بلفظ: (لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن) أخرجه أبو داود والحاكم وأحمد عن يزيد بن هارون: أنا العوام بن حوشب: أخبرني حبيب به وقال الحاكم: (صحيح على شرطهما). ووافقه الذهبي وصححه ابن خزيمة أيضا كما في (الفتح) , وكذلك صححه النووي في (المجموع) والعراقي في (التقريب).

6 - عمرو بن دينار عنه: (لا تمنعوا النساء أن يأتين المساجد. فقال ابنه: والله لنمنعهن فقال ابن عمر: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول هذا؟). أخرجه الطيالسي: ثنا هشام الدستوائي عن عمرو. وهذا إسناد صحيح على شرط الستة. وللحديث شواهد: منها عن أبي هريرة مرفوعا: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات) أخرجه أبو داود والدارمي وأحمد من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه. وهذا سند حسن وسكت عليه المنذري في (مختصره) ورواه ابن خزيمة أيضا كما في (الفتح) وعزاه العراقي في (التقريب) لمسلم وهو وهم. ومنها عن يزيد بن خالد الجهني مرفوعا مثله. أخرجه أحمد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام عن بسر بن سعيد عنه. وفي (المجمع): (رواه أحمد والبزار والطبراني في (الكبير) وإسناده حسن) كذا قال ورجال أحمد رجال مسلم غير محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام قال في (الخلاصة):

(روى عن بكير بن الأشج وعنه إبراهيم بن سعد وثقه ابن حبان). وفي (التقريب): (إنه مقبول). والحديث رواه ابن حبان أيضا كما في (الفتح). ومنها عن عائشة مثله. أخرجه أحمد: ثنا الحكم: ثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال فقال أبي يذكره عن أمه عنها به. قالت عائشة: (ولو رأى حالهن اليوم منعهن). وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الرحمن بن أبي الرجال وهو صدوق ربما أخطأ كما في (التقريب). وأم أبي الرجال اسمها عمرة بنت عبد الرحمن. وقد رواه عنها يحيى بن سعيد مقتصرا على قول عائشة بلفظ: (لو أدرك رسول الله ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعه نساء بني إسرائيل) أخرجه مالك ومن طريقه البخاري وكذا أبو داود ورواه مسلم وأحمد من طرق عن يحيى به. ولأبي هريرة حديث آخر في الباب بلفظ: (أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة).

أخرجه مسلم وأبو داود (¬1) من طريق بسر بن سعيد عنه. ثم رواه هو وابن ماجه من طريق عاصم بن عبيد الله عن عبيد مولى أبي رهم عن أبي هريرة قال: لقيته امرأة وجد منها ريح الطيب ولذيلها إعصار فقال: يا أمة الجبار جئت من المسجد؟ قالت: نعم قال: وتطيبت: قالت: نعم قال: إني سمعت حبي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تقبل صلاة لامرأة تطيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة). وهذا سند ضعيف. عاصم بن عبيد الله ضعيف. وشيخه عبيد مولى أبي رهم - وهو ابن أبي عبيد - مقبول كما في (التقريب). ومن هذا الوجه أخرجه الطيالسي وأحمد ثم أخرجه من طريق زائدة عن ليث عن عبد الكريم عن مولى أبي رهم به نحوه. وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف. وشيخه عبد الكريم هذا غير معروف كما في (التعجيل). وقد جاء من طريق أخرى خير من هذه مختصرا: ¬

_ (¬1) 1 - ورواه أيضا النسائي (2/ 283) وأحمد (2/ 304).

(إذا خرجت المرأة إلى المسجد فلتغتسل من الطيب كما تغتسل من الجنابة). أخرجه النسائي من طريق إبراهيم بن سعد قال: سمعت صفوان بن سليم - ولم أسمع من صفوان غيره - يحدث عن رجل ثقة عن أبي هريرة مرفوعا به. وقال النسائي عقبه: (مختصر). ورجاله ثقات كلهم غير الرجل الذي لم يسم فإنه مجهول عندنا ولعله عبيد مولى أبي رهم المسمى في الطريق الأولى. وفي الحديث دليل على جواز حضور النساء المساجد للصلاة بالشروط المذكورة ,ومع ذلك فصلاتهن في بيوتهن خير لهن كما قال عليه الصلاة والسلام في الزيادة الأخيرة وفي معناها أحاديث أخرى لعلها تأتي إن شاء الله تعالى في (صلاة الجماعة). وفي (الفتح): (قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث عام في النساء إلا أن الفقهاء خصوه بشروط: منها أن لا تتطيب وهو في بعض الروايات: (وليخرجن تفلات). قلت: هو بفتح المثناة وكسر الفاء أي: غير متطيبات ويقال: امرأة تفلة إذا كانت متغيرة الريح. قال: ويلحق بالطيب ما في معناه لأن سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال. وفرق كثير من الفقهاء المالكية وغيرهم بين الشابة وغيرها وفيه نظر لأنها إذا عريت مما ذكر وكانت مستترة حصل الأمن عليها. ولا سيما إذا كان ذلك بالليل وقد ورد

في بعض طرق الحديث وغيره ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد) قلت: فذكر الزيادة الأخيرة وما في معناها مما أشرنا إليه ثم قال: (ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل تحقق الأمن فيه من الفتنة ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة ومن ثم قالت عائشة ما قالت وتمسك بعضهم بقول عائشة في منع النساء مطلقا. وفيه نظر إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم لأنها علقت على شرط لم يوجد بناء على ظن ظنته فقالت: لو رأى لمنع. فيقال عليه: لم ير ولم يمنع. فاستمر الحكم حتى إن عائشة لم تصرح بالمنع ,وإن كان كلامها يشعر بأنها كانت ترى المنع ,وأيضا فقد علم الله سبحانه ما سيحدثن فما أوحى إلى نبيه بمنعهن, ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى ,وأيضا فالإحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن. فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثن والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب لإشارته صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بمنع التطيب والزينة وكذلك التقييد بالليل كما سبق) قلت: وهذا التقييد يدل على أن الإذن إنما يؤمر به الرجال الأزواج إذا كان طلب الخروج منهن إلى المسجد ليلا وأما إن كان نهارا فلا يؤمرون به فإن شاؤوا أذنوا وإن شاؤا منعوا. قال الحافظ في (شرح التقريب): (قال ابن بطال: وفي هذه الرواية دليل على أن النهار بخلاف ذلك لنصه على الليل قال: وهذا الحديث يقضي على المطلق, ألا ترى إلى قول عائشة: ما يعرفهن أحد من الغلس).

(وشرط ثالث: وهو أن ينصرفن إلى بيوتهن فور سلامهن مع الإمام الذي يمكث في مكانه ومن وراءه من الرجال حتى يخرجن منه ف (إن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله [وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل [أن يدركهن] الرجال] [فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم] فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال). الحديث من رواية أم سلمة. أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وأحمد من طرق عن ابن شهاب: أخبرتني هند بنت الحارث الفراسية أن أم سلمة أخبرتها به والسياق للبخاري والنسائي وأحمد. والزيادة الأولى لأبي داود والبيهقي وأحمد. وللبخاري نحوها وفيها زيادة: (أن يدركهن). والزيادة الأخيرة له أيضا. قال الحافظ: (وفي الحديث مراعاة الإمام أحوال المأمومين والاحتياط في اجتناب ما قد يفضي إلى المحذور, وفيه اجتناب مواضع التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا عن البيوت ومقتضى التعليل المذكور أن المأمومين إذا كانوا رجالال فقط أن لا يستحب هذا المكث وعليه حمل ابن قادمة حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار

دخول الحائض المسجد:

ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. أخرجه مسلم وفيه أن النساء كن يحضرن الجماعة في المسجد). دخول الحائض المسجد: (3 - دخول الحائض لا سيما لحاجة لحديث عائشة رضي الله عنه قالت: قال لي رسول الله: (ناوليني الخمرة من المسجد) فقلت: إني حائض فقال: (إن حيضتك ليست في يدك) [فناولتها إياه]). الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه والدارمي والطيالسي وأحمد من طريق الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عنها. والزيادة للطيالسي وليس عنده: (من المسجد). وقد تابعه عبد الملك بن حميد بن أبي غنية عن ثابت بن عبيد به. أخرجه أحمد. وهذه متابعة قوية عبد الملك هذا ثقة احتج به الستة. وقد أخرجه مسلم عنه وعن حجاج معا عن ثابت. وله طريق أخرى: أخرجه ابن ماجه عن أبي الأحوص والطيالسي عن سلام كلاهما عن أبي إسحاق عن عبد الله البهي عنها به. وهذا إسناد صحيح. وخالفهما إسرائيل فقال: عن أبي إسحاق عن البهي عن عبد الله بن عمر عنها.

أخرجه أحمد. وكذلك رواه شريك عن أبي إسحاق. رواه أحمد أيضا. وخالفهم جميعا زهير فقال: عن أبي إسحاق عن البهي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة. . . الحديث أخرجه أحمد. فجعله من مسند ابن عمر لا من روايته عن عائشة, وأغلب الظن أن هذا الاختلاف إنما هو من أبي إسحاق نفسه لا من الرواة عنهم فإنه كان قد اختلط في آخر عمره. ويترجح عندي أن الصواب رواية من قال عنه عن البهي عنها. فقد تابعه إسماعيل السدي. أخرجه الدارمي وأحمد والعباس بن ذريح عند أحمد كلاهما عن البهي عنها به. وفي رواية السدي: أنه عليه الصلاة والسلام كان في المسجد حين قال ذلك. لكن السدي هذا - وهو الكبير إسماعيل بن عبد الرحمن - وإن كان ثقة ففيه كلام وفي (التقريب): (صدوق يهم). فمثله إذا تفرد بزيادة دون جميع الرواة لا تطمئن النفس لثبوتها. أقول هذا وإن كانت هذه الزيادة قد صحت عن صحابي آخر وهو أبو هريرة كما

يأتي إلا أنه يحتمل أن تكون هذه قصة أخرى بل هذا هو الأقرب إلى ظاهر الرواية ولفظها. عن أبي هريرة قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال: (يا عائشة ناوليني الثوب) فقالت: إني حائض فقال: (إن حيضتك ليست في يدك). فناولته. أخرجه مسلم والنسائي وأحمد عن يحيى بن سعيد عن يزيد ابن كيسان عن أبي حازم عنه. ويدلك أن الواقعة متعددة أن المطلوب في هذه هو: (الثوب) وفي تلك: (الخمرة) - وهي حصير أو نسيج خوص ونحوه من النباتات كما سبق - والقول بأنها واقعة واحدة يحتاج إلى كثير من التكلف كما بينه السندي في حاشيته على مسلم: أولا: أن المطلوب في الأصل هو الخمرة والثوب معا لكن بعض الرواة اقتصر على ذكر أحدهما أو نسي. وهذا فيه توهيم الراوي ونسبته إلى القصور بدون أي دليل ولا يخفى ما فيه. ثانيا: أن قوله: (من المسجد) ليس من صلب الحديث ولا من كلامه عليه الصلاة والسلام وإنما هو من قول عائشة فهو متعلق بقولها: قال. أفاده النووي في (شرح مسلم) نقلا عن القاضي. فأصل الحديث عندهم هكذا: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد: (ناوليني الخمرة) وهذا خلاف ظاهر الحديث ويبعد جدا أن

يكون أصل الحديث ما ذكروا ثم يتفق جميع الرواة على روايته بصورة لا يتبادر إلى الذهن إلا أن قوله: (من المسجد) هو من قوله عليه الصلاة والسلام وأنه متعلق بقوله: (من المسجد) هو من قوله عليه الصلاة والسلام وأنه متعلق (ناوليني) يؤيد ما ذكرنا أن أصحاب السنن الأربعة إلا النسائي ترجموا للحديث بما يدل عليه ظاهره فقالوا: (باب الحائض تتناول الشيء من المسجد). وقال الترمذي: (حديث عائشة حسن صحيح وهو قول عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك: بأن لا بأس أن تتناول الحائض شيئا من المسجد). وقال الخطاب في (المعالم): (وفي الحديث من الفقه أن للحائض أن تتناول الشيء بيدها من المسجد. وأن من حلف لا يدخل دارا أو مسجدا فإنه لا يحنث بإدخال يده أو بعض جسده فيه ما لم يدخله جميع بدنه). وكلامه هذا يشير إلى أنه فهم من الحديث أن عائشة إنما أدخلت يدها فقط إلى المسجد, ولذلك استنبط منه ما ذكر من الحلف وهو فهم خفي وتقييد للحديث بما ليس فيه مما يدل عليه ,ولعل الخطابي ممن يرون أن ليس للحائض الدخول إلى المسجد لدليل قام عنده بذلك فقيد الحديث به. وهذا كان سائغا لو أن الدليل صح بذلك ولكنه لم يصح كما سيأتي فينبغي إبقاء الحديث على إطلاقه وقد جاء ما يؤيد الإطلاق والعموم فقال الإمام: ثنا سفيان عن منبوذ عن أمه قالت:

كنت عند ميمونة فأتاها ابن عباس فقالت: يا بني ما لك شعثا رأسك؟ قال: أم عمار مرجلتي حائض. قالت: أي بني وأين الحيضة من اليد؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن وهي حائض ثم تقوم إحدنا بخمرتها فتضعها في المسجد. أي بنى وأين الحيضة من اليد؟ وأخرجه النسائي عن محمد بن منصور عن سفيان به مختصرا بلفظ: (فتبسطها وهي حائض). قال الشوكاني: (ومحمد بن منصور ثقة ومنبوذ وثقه ابن معين وقد أخرجه بنحو هذا اللفظ عنها عبد الرزاق وابن أبي شيبة والضياء في (المختارة). وللحديث شواهد. قلت: لكن أم منبوذ قال في (التقريب): (مقبولة). وكذلك قال في ابنها أنه: (مقبول). فالإسناد حسن في الشواهد. ثم قال الشوكاني: (فهو حجة لمن قال بجواز دخول الحائض المسجد للحاجة ومؤيد لتعليق الجار والمجرور في الحديث الأول بقوله: (ناوليني)؛ لأن دخولها المسجد لوضع الخمرة فيه لا فرق بينه وبين دخولها لإخراجها).

ومن شواهد الحديث التي أشار إليها الشوكاني فيما سبق: عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: (ناوليني الخمرة من المسجد) قالت: إنها حائض قال: (إنها ليست في كفك). أخرجه أحمد من طريق ابن أبي ليلى عن نافع عنه. ورجاله رجال الشيخين غير ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ وقد خالفه عبيد الله بن عمر فرواه موقوفا على ابن عمر (إنه كان يأمر جاريته أن تناوله الخمرة من المسجد فتقول: إني حائض. فيقول: إن حيضتك ليست في كفك. فتناوله). هكذا أخرجه الدارمي: أخبرنا محمد بن عيينة عن علي بن مسهر عنه وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عيينة وقد وثقه ابن حبان وروى عنه جماعة من الثقات. لكن الحديث وإن كان موقوفا فإنه من حيث المعنى مرفوع لأنه لا ينطبق إلا على النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. ومنها عن أبي بكرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخادمه: (ناوليني الخمرة من المسجد) فقالت: إني حائض فقال: (ناوليني). قال في (المجمع):

(رواه الطبراني في (الكبير) ورجاله موثقون). ومنها عن أم أيمن قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ناوليني الخمرة من المسجد). قلت: إني حائض قال: (إن حيضتك ليست في يدك). قال الهيثمي: (رواه الطبراني في (الكبير) وفيه أبو نعيم عن صالح بن رستم؛ فإن كان هو أبو نعيم الفضل بن دكين فرجاله ثقات كلهم وإن كان ضرار بن صرد فهو ضعيف). وأما الحديث الذي أخرجه أبو داود من طريق الأفلت بن خليفة قال: ثتني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنه تقول: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: (وجهوا هذه البيوت عن المسجد) ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن ينزل فيهم رخصة فخرج إليهم بعد فقال: (وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) (¬1) ... . فهو حديث مختلف فيه ولا يصح لاضطرابه ولتفرد جسرة بنت دجاجة به وهي ليست بالمشهورة فرواه أفلت عنها هكذا. ¬

_ (¬1) 1 - وأخرجه البيهقي (2/ 442 - 443) وزاد: إلا لمحمد وآل محمد. وأشار إلى ضعف الحديث.

ورواه محدوج الذهلي عنها قالت: أخبرتني أم سلمة به مختصرا بلفظ: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته: (إن المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض). أخرجه ابن ماجه وابن أبي حاتم في (العلل) كلاهما من طريق أبي نعيم: ثنا ابن أبي غنية عن أبي الخطاب الهجري عن محدوج به. وزاد في (العلل): (إلا للنبي ولأزواجه وعلي وفاطمة بنت محمد). قال في (الزوائد): (إسناد ضعيف: محدوج لم يوثق وأبو الخطاب مجهول). وكذلك قال ابن حزم في أبي الخطاب وقال في (محدوج) أنه: (ساقط يروي المعضلات عن جسرة). ثم قال ابن أبي حاتم: (قال أبو زرعة: يقولون: عن جسرة عن أم سلمة. والصحيح عن عائشة). وفيه إشارة إلى أن محدوجا لم ينفرد به وهو كذلك فقد قال ابن حزم: (رويناه عن عبد الوهاب عن عطاء الخفاف عن ابن أبي غنية عن إسماعيل عن جسرة بنت دجاجة عن أم سلمة به وفيه الزيادة). ثم رده ابن حزم بقوله: (عطاء الخفاف هو عطاء بن مسلم: منكر الحديث وإسماعيل مجهول) قلت: كذا في (المحلى): (عبد الوهاب عن عطاء الخفاف). وعلى هامشه:

(في اليمنية: عبد الوهاب بن عطاء الخفاف وهو خطأ). قلت: وما في النسخة اليمنية هو الموافق لما نقله ابن القيم في (تهذيب السنن) عن ابن حزم ولتعقبه عليه من حيث قال: (ثم رواه (يعني ابن حزم) من طريق عبد الوهاب بن عطاء الخفاف. قال ابن حزم: عبد الوهاب بن عطاء منكر الحديث وإسماعيل مجهول. وليس الأمر كما قال أبو محمد (يعني ابن حزم) فقد قال ابن معين: إنه ثقة وقال صالح بن محمد: أنكروا على الخفاف حديثا رواه لثور بن يزيد عن مكحول عن كريب عن ابن عباس في فضل العباس وما أنكروا عليه غيره. . وأما إسماعيل؛ فإن كان إسماعيل بن رجايء بن رشد الزبيدي فإنه ذكر في ترجمة ابن أبي عتبة (كذا ولعل الأصل: غنية كما في (المحلى) وإن كان وقع في نقل ابن القيم أيضا عنه عتبة كما هنا والله أعلم) أنه روى عن إسماعيل هذا ولم يذكر في شيوخه إسماعيل غيره فهو ثقة روى له مسلم في (الصحيح). وبعد فهذا الاستثناء (يعني الزيادة المتقدمة) باطل موضوع من زيادة بعض غلاة الشيعة ولم يخرجه ابن ماجه في الحديث). والخلاصة: أن ابن حزم إنما ألان القول في (عطاء بن مسلم الخفاف) كما صريح كلامه المذكور آنفا وابن القيم ظن أنه إنما عنى به ولده عبد الوهاب بن عطاء فشرع في الرد على ابن حزم ونقل أقوال الأئمة في الثناء عليه وهو بلا شك أحسن حالا من أبيه عطاء كما يتبين ذلك بمراجعة أقوال الأئمة فيهما. وفي (التقريب): (عبد الوهاب بن عطاء الخفاف صدوق ربما أخطأ) وقال في ترجمة والده عطاء:

(صدوق يخطيء كثيرا). لكن لم يتبين لي هل راوي الحديث عن ابن أبي غنية هو الوالد أو الولد نظرا لاختلاف النسخ كما سبق. وإن كان المعلق على (المحلى) وهو القاضي أحمد محمد شاكر جزم بالأول وخطأ النسخة المخالفة ولعل حجته في ذلك كلام ابن حزم على عطاء دون عبد الوهاب وعليه يرد هذا السؤال: من يكون عبد الوهاب هذا؟ فإن قيل: إنه ابن عطاء المذكور قلنا بأنا لم نجد من ذكره في الرواة عن أبيه وإن كان غيره فلم أعرفه. والله أعلم وعلى كل حال فمدار هذا الحديث على جسرة كما في الذين قبله وهي ليست مشهورة بالثقة والعدالة بحيث تطمئن النفس بالاحتجاج بخبرها استقلالا ولم يوثقها أحد من المتقدمين ممن توثيقهم حجة بل قد غمزها البخاري كما يأتي ولذلك ضعف حديثها جماعة من المحدثين أشار إليهم الخطابي في (المعالم) وقال أبو محمد عبد الحق: (لا يثبت من قبل إسناده). وتعقبه ابن القطان بما لا يكفي ولا يشفي حيث قال: كما في (نصب الراية): (وجسرة بنت دجاجة تابعية وقول البخاري في (تاريخه الكبير): (عندها عجائب) لا يكفي في إسقاط ما روت روى عنها أفلت وقدامة ابن عبد بن عبده العامري). قلت: فكان ماذا؟ وقدامة هذا ليس بالمشهور أيضا وفي (التقريب): (قيل هو فليت العامري مقبول).

وذكر في (التهذيب) في الرواة عنه: محدوجا ,وهو مجهول كما سبق وعمر بن عمير بن محدوج ولم أجد له ترجمة. وبالجملة: فكل من روى عن جسرة غير معروف بالعدالة - حاشا أفلت- فيكف تجعل روايته عنها توثيقا لها. نعم قد صرح بتوثيقها العجلي وابن حبان حيث ذكرها في (الثقات) وتساهله في التوثيق وكذا العجلي معروف لدى من يتبع كلامهما في الرواة المختلف فيهم. ولذلك ترى الحافظ لم يعتمد على توثيقهما بالرغم من نقله ذلك عنهما في (التهذيب) فقال في (التقريب): (إنها مقبولة). يعني أن حديثها ضعيف إذا تفردت كما ذكر في المقدمة وهو قوله: (السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله وإليه الإشارة بلفظ: (مقبول) حيث يتابع وإلا فلين الحديث). ومما سبق بيانه تعلم أن قول الشوكاني أن الحديث صحيح تبعا لابن خزيمة غير صحيح وقوله: (قال ابن سيد الناس: ولعمري إن التحسين لأقل مراتبه لثقة رواته ووجود الشواهد له من خارج). ففيه نظر أيضا؛ لأن هذه الشواهد كَلا شواهد؛ لأن مدارها على جسرة كما سبق. فلم يرد الحديث من غير طريقها من وجه مقبول وإلا لذهبنا إليه

نعم رواه ابن حزم من طريق محمد بن الحسن بن زبالة عن سفيان بن حمزة عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن أذن لأحد أن يجلس في المسجد ولا يمر فيه وهو جنب إلا علي بن أبي طالب. ثم قال: (ومحمد بن الحسن مذكور بالكذب وكثير بن زيد مثله) كذا قال وكثير بن زيد هو الأسلمي السهمي ولم ينحط إلى هذه المنزلة ولم يتهم بالكذب, وإنما هو مختلف فيه وثقه بعضهم وضعفه آخرون وفي (التقريب): (صدوق يخطئ). وقال في ابن زبالة: (كذبوه). فهو علة الحديث. والمطلب بن عبد الله هو المخزومي وهو كثير التدليس والإرسال كما قال الحافظ فالحديث مرسل أيضا. وأخرجه الترمذي والبزار أيضا كما في (تخريج الكشاف) من طريق سالم بن أبي حفصة عن عطية عن أبي سعيد مرفوعا: (يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك). وقال:

(حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وسمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث فاستغربه). قلت: وهذا سند ضعيف لأن عطية هو العوفي ضعيف. وسالم بن أبي حفصة صدوق في الحديث إلا أنه شيعي غال كما في (التقريب) وقال البزار: (كان شيعيا لكنه لم يترك ولم يتابع على هذا) (¬1). ثم رواه البزار من رواية الحسن بن زياد عن خارجة بن سعد عن أبيه سعد مثله سواء وقال: (لا نعلمه عن سعد إلا بهذا الإسناد). قلت: والحسن بن زياد هو اللؤلؤي تلميذ أبي حنيفة وقد كذبه جماعة الأئمة كابن معين وغيره فتبين مما تقدم أنه لا يثبت أي حديث في تحريم دخول الحائض وكذا الجنب إلى المسجد والأصل الجواز فلا ينقل عنه إلا بناقل صحيح تقوم به الحجة. لا سيما وقد صح ما يؤيد هذا الأصل وهو قوله عليه الصلاة والسلام المذكور في الاصل: (ناوليني الخمرة من المسجد) وغيره مما يأتي: قال ابن حزم: ¬

_ (¬1) 1 - ثم رأيت ابن كثير قال في (التفسير) (1/ 501): (إنه حديث ضعيف لا يثبت سالم هذا متروك وشيخه عطية ضعيف).

(وجائز للحائض والنفساء أن يتزوجا وأن يدخلا المسجد وكذلك الجنب؛ لأنه لم يأتي نهي عن شيء من ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لا ينجس) وقد كان أهل الصفة يبيتون في المسجد بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جماعة كثيرة ولا شك في أن فيهم من يحتلم فما نهوا قط عن ذلك. وقال قوم: لا يدخل المسجد الجنب والحائض إلا مجتازين. هذا قول الشافعي وذكروا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء / 43] فادعوا أن زيد بن أسلم أو غيره قال: معناه: لا تقربوا مواضع الصلاة. قال ابن حزم: ولا حجة في قول زيد ولو صح أنه قاله لكان خطأ منه لأنه لا يجوز أن يظن أن الله تعالى أراد أن يقول: لا تقربوا مواضع الصلاة. فيلبس علينا قوله فيقول: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} وروي أن الآية في الصلاة نفسها عن علي بن أبي طالب وابن عباس وجماعة. وقال مالك: لا يمر فيه أصلا. وقال أبو حنيفة وسفيان: لا يمرا فيه فإن اضطرا إلى ذلك تيمما ثم مرا فيه واحتج من منع ذلك بحديث. . .) قلت: فساق حديث عائشة وأم سلمة والمطلب بن عبد الله المتقدم آنفا وقال: (وهذا كله باطل).

ثم بين عللها بنحو ما سبق ثم ما روى من طريق البخاري بسنده عن عائشة أم المؤمنين: أن وليدة سوداء كانت لحي من العرب فأعتقوها فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت فكان لها خباء في المسجد أو حفش. قال ابن حزم: (فهذه امرأة ساكنة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمعهود من النساء الحيض فما منعها عليه الصلاة والسلام من ذلك ولا نهى عنه وكل ما لم ينه عليه الصلاة والسلام عنه فمباح). قال: (ولو كان دخول المسجد لا يجوز للحائض لأخبر بذلك عليه الصلاة والسلام عائشة إذ حاضت فلم ينهها إلا عن الطواف بالبيت فقط ومن الباطل المتيقن أن يكون لا يحل لها دخول المسجد فلا ينهاها عليه الصلاة والسلام عن ذلك ويقتصر على منعها من الطواف. وهذا قول المزني وداود وغيرهما) وفي (تفسير القرطبي): (ورخصت طائفة في دخول الجنب المسجد واحتج بعضهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن ليس بنجس) قال ابن المنذر: وبه نقول). قلت: وتوسط بعضهم فقال بجواز الدخول إذا توضأ ففي (تفسير العماد ابن كثير): (وذهب الإمام أحمد إلى أنه متى توضأ الجنب جاز له المكث في المسجد لما روى هو وسعيد بن منصور في (سننه) بسند صحيح: أن

الصحابة كانوا يفعلون ذلك. قال سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز بن محمد - هو الدراوردي - عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوء الصلاة. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. والله أعلم). قلت: ورواه الدارمي من حديث جابر بلفظ: (كنا نمشي في المسجد ونحن جنب لا نرى بذلك بأسا). أخرجه من طريق ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عنه. ورجاله ثقات. لكن ابن أبي ليلى سيء الحفظ. وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه. وقد رواه عنه هشيم أيضا بنحوه. أخرجه البيهقي. ولعل الوضوء مستحب لعمل الصحابة. والله أعلم وبالجملة فلا دليل على تحريم دخول الحائض وكذا الجنب المسجد والأصل الجواز وقد اقترن به ما يؤيده كما سبق. والله تعالى ولي التوفيق. [الثمر المستطاب 2/ 728 - 755].

إمامة المرأة

إمامة المرأة قوله: " وعن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء وتقف وسطهن رواه البيهقي " قلت: في " السنن الكبرى " (1/ 408 و3/ 131) من طريق الحاكم وهو في " المستدرك " (1/ 203 - 204) وفيه ليث وهو ابن أبي سليم ومن طريقه عبد الرزاق (3/ 126) وابن أبي شيبة (1/ 223) دون امامة النساء. لكن هذه الزيادة تابعه عليها ابن أبي ليلى عن عطاء عن عائشة أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 89) فأحدهما يقوي الآخر ولها طريق أخرى من حديث رائطة الحنفية أن عائشة أمت نسوة في المكتوبة فأمتهن بينهن وسطا أخرجه عبد الرزاق (3/ 141) والدارقطني (1/ 404) والبيهقي (3/ 131) وقال النووي في " المجموع " (4/ 199): " إسناده صحيح " كذا قال وأقره الزيلعي في " نصب الراية " (2/ 31) وأما الحافظ فسكت عن إسناده في " التلخيص " (2/ 42) وهو أقرب فإن رائطة هذه لم أجد لها ترجمة وفي طبقتها ما في " التهذيب ": " رائطة بنت مسلم. روت عن أبيها وعنها ابنها عبد الله بن الحارث بن أبزى المكي "

وقال الحافظ في " التقريب ": " لا تعرف ". فمن المحتمل أن تكون هي هذه أو غيرها فأنى لإسنادها الصحة؟ ولها شاهد من رواية حجيرة بنت حصين قالت: " أمتنا أم سلمة في صلاة العصر قامت بيننا " رواه عبد الرزاق أيضا وابن أبي شيبة (2/ 88) والبيهقي ورجاله ثقات غير حجيرة هذه فلم أعرفها ومع ذلك صححه النووي أيضا وسكت الحافظ عنه أيضا. لكن يقويه ما عند ابن أبي شيبة من طريق قتادة عن أم الحسن أنها رأت أم سلمة زوج النبي " صلى الله عليه وسلم " تؤم النساء تقوم معهن في صفهن. قلت: وهذا إسناد صحيح رواته ثقات معروفون من رجال الشيخين غير أم الحسن هذه وهو البصري واسمها خيرة مولاة أم سلمة وقد روى عنها جمع من الثقات ورمز لها في " التهذيب " بأنها ممن روى لها مسلم وذكرها ابن حبان في " الثقات " (4/ 216) وبالجملة فهذه الآثار صالحة للعمل بها ولا سيما وهي مؤيدة بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما النساء شقائق الرجال " كما تقدم فيما نقلناه لك من كلام الشوكاني في " السيل الجرار " فتذكره فإنه مهم. [تمام المنة ص 153 , 154].

أين تقف المرأة في الصف؟

أين تقف المرأة في الصف؟ 917 - " أخروهن من حيث أخرهن الله. يعني النساء ". [السلسلة الضعيفة والموضوعة] قال رحمه الله: لا أصل له مرفوعا. وقد أشار إلى ذلك الحافظ الزيلعي في " نصب الراية " (2/ 36) بقوله: " حديث غريب مرفوعا. وهو في " مصنف عبد الرزاق "موقوف على ابن مسعود فقال: أخبرنا سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن ابن مسعود قال: كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعا، فكانت المرأة (لها الخليل) تلبس القالبين فتقوم عليهما، تقول بهما لخليلها، فألقي عليهن الحيض، فكان ابن مسعود يقول: أخروهن من حيث أخرهن الله. قيل: فما القالبان؟ قال: أرجل من خشب يتخذها النساء يتشرفن الرجال في المساجد، ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في (معجمه) ". قلت: ورواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3/ 36 / 2) من طريق زائدة أيضا عن الأعمش به، إلا أنه لم يذكر أبا معمر في سنده. ثم ذكر الزيلعي أن بعض الجهال (كذا) من فقهاء الحنفية كان يعزوه إلى " مسند رزين " و " دلائل النبوة " للبيهقي. قال: " وقد تتبعته فلم أجده فيه لا مرفوعا ولا موقوفا ".

وأفحش من هذا الخطأ أن بعضهم عزاه للصحيحين كما نبه عليه الزركشي، ونقله السخاوي (41) وغيره عنه، ونقل الشيخ علي القاريء في " الموضوعات " عن ابن الهمام أنه قال في شرح الهداية ": لا يثبت رفعه، فضلا عن شهرته، والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود كما في " كشف الخفاء " (1/ 67). قلت: والموقوف صحيح الإسناد، ولكن لا يحتج به لوقفه، والظاهر أن القصة من الإسرائيليات. ومن العجائب أن الحنفية أقاموا على هذا الحديث مسألة فقهية خالفوا فيها جماهير العلماء، فقالوا: إن المرأة إذا وقفت بجانب الرجل أو تقدمت عليه في الصلاة أفسدت عليه صلاته، وأما المرأة فصلاتها صحيحة، مع أنها هي المعتدية! بل ذهب بعضهم إلى إبطال الصلاة ولو كانت على السدة فوقه محاذية له! وقد استدلوا على ذلك بالأمر في هذا الحديث بتأخيرهن، ولا يدل على ما ذهبوا إليه البتة، وذلك من وجوه: أولا: أن الحديث موقوف فلا حجة فيه كما سبق. ثانيا: أن الأمر وإن كان يفيد الوجوب فهو لا يقتضي فساد الصلاة، بل الإثم كما سيأتي عن الحافظ. ثالثا: أنه لو اقتضى فساد الصلاة فإنما ذلك إذا خالف الرجل الأمر ولم يؤخر المرأة أو لم يتقدم عليها، أما إذا دخل في الصلاة ثم اعتدت المرأة ووقفت بجانبه، أو تقدمت عليه، فلا يدل على بطلان صلاته بوجه من الوجوه، بل لو قيل ببطلان صلاة المرأة في هذه الحالة لم يبعد، لو كان صح رفع الحديث، ومع ذلك فهم لا يقولون ببطلان صلاتها!

وهذا من غرائب أقوال الحنفية التي لا يشهد لصحتها أثر ولا نظر! نعم من السنة أن تتأخر المرأة في الصلاة عن الرجال كما روى البخاري وغيره عن أنس بن مالك قال: " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي أم سليم خلفنا ". قال الحافظ في " شرحه " (2/ 177): " وفيه أن المرأة لا تصف مع الرجل، وأصله ما يخشى من الافتتان بها، فإذا خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور. وعن الحنفية: تفسد صلاة الرجل دون المرأة، وهو عجيب، وفي توجيهه تعسف، حيث قال قائلهم، دليله قول ابن مسعود هذا، والأمر للوجوب، وحيث ظرف مكان، ولا مكان يجب تأخرهن فيه إلا مكان الصلاة، فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل، لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها! وحكاية هذا تغني عن تكلف جوابه. والله المستعان، فقد ثبت النهي عن الصلاة في الثوب المغصوب، وأمر لابسه أن ينزعه، فلو خالف فصلى فيه ولم ينزعه أثم وأجزأته صلاته، فلم لا يقال في الرجل الذي حاذته المرأة ذلك، وأوضح منه لوكان لباب المسجد صفة مملوكة فصلى فيها شخص بغير إذنه مع اقتداره على أن ينتقل عنها إلى أرض المسجد بخطوة واحدة صحت صلاته وأثم، وكذلك الرجل مع المرأة التي حاذته، ولاسيما إن جاءت بعد أن دخل في الصلاة فصلت بجنبه ".

كتاب الجنائز

كِتَابُ اَلْجَنَائِزِ صفة كفن المرأة 42 - ولا يجوز المغالاة في الكفن ولا الزيادة فيه على الثلاثة لأنه خلاف ما كفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في المسألة السابقة وفيه إضاعة للمال وهو منهي عنه ولا سيما والحي أولى به قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صحيح) (إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال). ويعجبني بهذه المناسبة ما قاله العلامة أو الطيب في (الروضة الندية): (1/ 165): (وليس تكثير الأكفان والمغالاة في أثمانها بمحمود فإنه لولا ورود الشرع به لكان من إضاعة المال لأنه لا ينتفع به الميت ولا يعود نفعه على الحي ورحم الله أبا بكر الصديق حيث قال: (إن الحي أحق بالجديد) لما قيل له عند تعيينه لثوب من أثوابه في كفنه: (إن هذا خلق). 43 - والمرأة في ذلك كالرجل إذ لا دليل على التفريق. [أحكام الجنائز ص 85]. وأما حديث (حديث ليلى بنت قائف الثقفية قالت: " كنت فيمن غسل أم كلثوم ابنة النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاتها فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقا ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم

زيارة القبور

أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر " رواه. أبو داود). ص 170 ضعيف. رواه أبو داود (3157) وأحمد (6/ 380) من طريق نوح ابن حكيم الثقفي - وكان قارئا للقرآن - عن رجل من بني عروة بن مسعود يقال له داود قد ولدته أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلى بنت قائف الثقفية به قلت: وهذا سند ضعيف نوح هذا مجهول كما في (التقريب) [إرواء الغليل 723] زيارة القبور النساء كالرجال في استحباب زيارة القبور 772 - (قوله (صلى الله عليه وسلم) " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الموت " رواه مسلم وللترمذي: " فإنها تذكر الآخرة"). ص 179 صحيح أخرجه مسلم (3/ 65) وأبو نعيم في " مستخرجه " (5/ 37 / 1) والنسائي (1/ 286) وابن ماجه (1572) وابن أبي شيبة (4/ 139) والبيهقي (4/ 76) وأحمد (2/ 441) من حديث أبي هريرة قال: " زار النبي (صلى الله عليه وسلم) قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي واستاذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزورا القبور فإنها تذكر الموت ".

وأما الترمذي فأخرجه (1/ 196) من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكركم الآخرة ". ورواه البيهقي أتم منه بلفظ قال: (خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سفر فنزلنا منزلا ونحن معه قريبا من ألف راكب فقام فصلى ركعتين ثم أقبل علينا وعيناه تذرفان, فقام إليه عمر رضى الله عنه ففداه بالأب والأم وقال له: مالك يا رسول الله! قال: قال إني استأذنت ربي في استغفاري لأمي فلم يأذن لي فبكيت لها رحمة لها من النار وإنى كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولتزدكم زيارتها خيرا ". وكذا رواه أحمد (5/ 355) من طريق زهير عن زبيد بن الحارث اليامي عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه به والزيادة لأحمد وكذا البيهقي في رواية وإسناده صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه في صحيحه (3/ 65، 5/ 82) إلا أنه لم يسق لفظه وإنما أحال على لفظ آخر مختصر قبله من طريق أبي سنان وهو ضرار بن مرة عن محارب بن دثار به. وهكذا رواه النسائي (1/ 285) وأحمد أيضا (5/ 350) بلفظ: " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ". وفي رواية لأحمد (5/ 356 - 357) من طريق أيوب بن جابر عن سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن بريدة عن أبيه قال: " خرجت مع النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى إذا كنا بودان قال: مكانكم حتى آتيكم فانطلق ثم جاءنا وهو سقيم فقال: إني أتيت قبر أم محمد. . . " الحديث نحوه.

وأيوب هذا ضعيف لكن تابعه سفيان (وهو الثوري) عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: " لما فتح رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " مكة أتى حرم قبر فجلس إليه فجلس (الأصل: فجعل) كهيئة المخاطب وجلس الناس حوله فقام وهو يبكى فتلقاه عمر - وكان من أجرأ الناس عليه فقال: بأبي أنت وأمي يارسول الله ما الذي أبكاك؟ قال: هذا قبر أمي سألت ربي الزيارة فأذن لي وسألته الاستغفار فلم يأذن لي فذكرتها فذرفت نفسي فبكيت قال: فلم ير يوما كان أكثر باكيا منه يومئذ ". أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 139): حدثنا محمد بن عبد الله الاسدي عن سفيان به. قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم أيضا إلا الاسدي هذا هو ثقة كما قال ابن معين وأبو داود وغيرهما ولم يتفرد به فقد أخرجه أحمد (5/ 359، 361) من طريق أبي جناب عن سليمان بن بريدة عن أبيه: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) غزا غزوة الفتح فخرج يمشي إلى القبور حتى إذا أتى إلى أدناها جلس إليه كأنه يكلم انسانا. . . " الحديث نحوه. ورجاله ثقات غير أن أبا جناب هذا واسمه يحيى بن أبي حية قال الحافظ في " التقريب ": " ضعفوه لكثرة تدليسه ". وسليمان بن بريدة قد تابعه أخوه عبد الله وعنه سلمة بن كهيل بلفظ: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها عظة وعبرة " أخرجه أحمد (5/ 356) من طريق محمد بن إسحاق عن سلمة به. ورجاله ثقات لولا عنعنة ابن اسحاق. لكنه لم يتفرد به فقد أخرجه النسائي (1/ 286) من طريق أخرى عن المغيرة بن سبيع حدثني عبد الله بن بريدة به بلفظ: ". . . فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجرا ".

والمغيرة هذا ثقة وكذلك بقية الرجال فالسند صحيح. [إرواء الغليل 772]. 118 - وتشرع زيارة القبور للاتعاظ بها وتذكر الاخرة شريطة أن لا يقول عندها ما يغضب الرب سبجانه وتعالى كدعاء المقبور والاستغاثة به من دون الله تعالى، أو تزكيته والقطع له بالجنة، ونحو ذلك، وفيه أحاديث. الأول: عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): (إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، [فإنها تذكركم الاخرة]، [ولتزدكم زيارتها خيرا]، [فمن أراد أن يزور فليزر، ولا تقولوا هجرا]). أخرجه مسلم (53/ 6، 6/ 82) وأبو داود (2/ 72، 131) ومن طريقة البيهقي (4/ 77) والنسائي (1/ 285، 286، 2/ 329، 330) وأحمد (5/ 350، 355، 356، 361). والزيادة الأولى والثانية له، ولأبي داود الأولى بنحوها وللنسائي الثانية والثالثة. قال النووي رحمه الله في (المجموع) (5/ 310): والهجر: الكلام الباطل، وكان النهي أولا لقرب عهدهم من الجاهلية فربما كانوا يتكلمون بكلام الجاهلية الباطل، فلما استقرت قواعد الاسلام، وتمهدت أحكامه، واشتهرت معالمه أبيح لهم الزيارة، واحتاط (ص) بقوله: (ولا تقولوا هجرا). قلت: ولا يخفي أن ما يفعله العامة وغيرهم عند الزيارة من دعاء الميت والاستغاثة به وسؤال الله بحقه لهو من أكبر الهجر والقول الباطل، فعلى العلماء أن يبينوا لهم حكم الله في ذلك، ويفهموهم الزيارة المشروعة والغاية منها.

وقد قال الصنعاني في (سبل السلام) (2/ 162) عقب أحاديث في الزيارة والحكمة منها: (الكل دال على مشروعية زيارة القبور وبيان الحكمه فيها، وأنها للاعتبار - ... ، فإذا خلت من هذه لم تكن مرادة شرعا). الثاني: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص): (إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإن فيها عبرة. [ولا تقولوا ما يسخط الرب]). أخرجه أحمد (3/ 38، 63، 66) والحاكم (1/ 374 - 375) وعنه البيهقي (4/ 77) ثم قال: (صحيح على شرط مسلم)، ووافقه الذهبي وهو كما قالا. ورواه البزار أيضا والزيادة له كما في (مجمع الهيثمي) (3/ 58) وقال: (وإسناده رجاله رجال الصحيح). قلت: وهي عند أحمد بنحوها من طريق أخرى، وإسنادها لا بأس به في المتابعات، ولها شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بلفظ البزار أخرجه الطبراني في (المعجم الصغير) (ص 183) ورجاله موثقون. الثالث: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص): (كنت نهتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكر الاخرة، ولا تقولوا هجرا). أخرجه الحاكم (1/ 376) بسند حسن، ثم رواه (1/ 375، 376) وأحمد (3/ 237 250) من طريق أخرى عنه بنحوه، وفيه ضعف. وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه، وسيأتي.

119 - والنساء كالرجال في استحباب زيارة القبور، لوجوه: الأول: عموم قوله (ص) ( .. فزوروا القبور) فيدخل فيه النساء. وبيانه: أن النبي (ص) لما نهى عن زيارة القبور في أول الأمر. فلا شك أن النهي كان شاملا للرجال والنساء معا، فلما قال (كنت نهيتكم عن زيارة القبور) كان مفهوما أنه كان يعني الجنسين ضرورة أنه يخبرهم عما كان في أول الأمر من نهي الجنسين، فإذا كان الأمر كذلك، كان لزاما أن الخطاب في الجملة الثانية من الحديث وهو قوله: (فزوروها) إنما أراد به الجنسين أيضا. ويؤيده أن الخطاب في بقية الأفعال المذكورة في زيادة مسلم في حديث بريدة المتقدم آنفا: (ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا)، أقول: فالخطاب في جميع هذه الافعال موجه إلى الجنسين قطعا، كما هو الشأن في الخطاب الأول: (كنت: نهيتكم)، فإذا قيل بأن الخطاب في قوله (فزوروها) خاص بالرجال، اختل نظام الكلام وذهبت طراوته، الامر الذي لا يليق بمن أوتي جوامع الكلم، ومن هو أفصح من نطق بالضاد، صلى الله عليه وسلم، ويزيده تأييدا الوجوه الآتية: الثاني: مشاركتهن الرجال في العلة التي من أجلها شرعت زيارة القبور: (فإنها ترق القلب وتدمع العين) وتذكر الآخرة). الثالث: أن النبي (ص) قد رخص لهن في زيارة القبور، في حديثين حفظتهما لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:

1 - عن عبد الله بن أبي مليكة: (أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله (ص) نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم: ثم أمر بزيارتها). وفي رواية عنها (أن رسول الله (ص) رخص في زيارة القبور). أخرجه الحاكم (1/ 376) وعنه البيهقي (4/ 78) من طريق بسطام بن مسلم عن أبي التياح يزيد بن حميد عن عبد الله بن أبي مليكة، والرواية الأخرى لابن ماجه (1/ 475) قلت: سكت عنه الحاكم، وقال الذهبي (صحيح)، وقال البوصيري في (الزوائد) (988/ 1): (إسناده صحيح رجاله ثقات). وهو كما قالا. وقال الحافظ العراقي في (تخريج الاحياء) (4/ 418): (رواه ابن أبي الدنيا في (القبور) والحاكم بإسناد جيد) (¬1) ¬

_ (¬1) 1 - قلت: وقد أعله ابن القيم بشئ عجيب، والاخرى بلا شئ! فقال في (تهذيب السنن) (4/ 350): (وأما رواية البيهقي فهي من رواية بسطام بن مسلم، ولو صح، فعائشة تأولت ما تأول غيرها من دخول النساء)! قلت: وبسطام ثقة بدون خلاف أعلمه، فلا وجه لغمز ابن القيم له، والاسناد صحيج لا شبهة فيه. ولا يعله ما أخرجه الترمذي (2/ 157) من طريق ابن جريج عن عبد الله ابن أبي مليكة قال: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر ب (الحبشي) (مكان بينه وبين مكة اثنا عشر ميلا) فحمل إلى مكة فدفن فيها، فلما قدمت عائشة أتت قبر عبد الرحمن بن أبى بكر فقالت: وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل: لن يتصدعا فلما تفرقتا كأني ومالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا ثم قالت: والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت، ولو شهدتك ما زرتك) وكذا أخرجه أبن أبي شيبة في (المصنف) (4/ 140)، واستدركه

2 - عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يوما: ألا أحدثكم عني وعن أمي؟ فظننا أنه يريد أمه التي ولدته، قال: قالت عائشة: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله (ص)؟ قلنا: بلى: قالت: (لما كانت ليلتي المتي كان النبي (ص) فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظهر أنه قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب [رويدا]، فخرج، ثم أجافه رويدا، فجعلت درعي في رأسي واختمرت: وتقنعت إزاري (¬1)، ثم انطلقت على اثره حتى جاء البقيع، فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، وأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. ¬

_ الهيثمي فأورده في (المجمع) وقال: (3/ 60): (رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح)، فوهم في الاستدراك لاخراج الترمذي له، ورجاله رجال الشيخين لكن ابن جريح مدلس وقد عنعنه. فهي علة الحديث، ومع ذلك فقد ادعى ابن القيم (4/ 349) أنه (المحفوظ مع ما فيه). كذا قال، بل هو منكر لما ذكرنا ولأنه مخالف لرواية يزيد بن حميد وهو ثقة ثبت عن ابن أبي مليكة، ووجه المخالفة ظاهرة من قوله (ولو شهدتك ما زرتك) فانه صريح في أن سبب الزيارة إنما هو عدم شهودها وفاته، فلو شهدت ما زارت، بينما حديث ابن حميد صريح في أنها زارت لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزيارة القبور، فحديثه هو المحفوظ خلاف ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله تعالى. وأما ما ذكره من تأول عائشة فهو محتمل، ولكن الاحتمال الاخر وهو أنها زارت بتوقيف منه صلى الله عليه وسلم أقوى بشهادة حديثها الآتي. (¬1) 1 - بغير باء التعدية، بمعنى لبست إزاري فلهذا عدي بنفسه.

فأحضر فأحضرت، فسبقته، فدخلت، فليس إلا أن اضجعت، فدخل فقال، مالك يا عائش (¬1) حشيا (¬2) رابية؟ قالت: قلت: لا شئ [يا رسول الله]، قال: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قالت: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، فأخبرته [الخبر]، قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قلت: نعم، فلهزني في صدري لهزة (¬3) ... أوجعتي، ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله!؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله، [قال]: نعم قال: فإن جبريل أتاني حين رأيت فناداني - فأخفاه منك، فأجبته، فأخفيته منك، ولم يكن ليدخل عليك، وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك ,وخشيت أن تستوحشي - فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون). أخرجه مسلم (3/ 14) والسياق له والنسائي (1/ 286 /، 2/ 160، 160 - 161) وأحمد (6/ 221) والزيادات له إلا الأولى والثالثة فإنها للنسائي (¬4). ¬

_ (¬1) 1 - يجوز في (عائش) فتح إلشين وضمها، وهما وجهان جاريان في كل المرخمات. (¬2) 2 - بفتح المهملة وإسكان المعجمة معناه وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه من ارتفاع النفس وتواتره. وقول: (رابية) أي مرتفعة البطن. (¬3) 3 - اللهز: الضرب بجمع الكف في الصدر. (¬4) 4 - والحديث استدل به الحافظ في (التلخيص) (5/ 248) على جواز الزيارة للنساء وهو ظاهر الدلالة عليه، وهو يؤيد أن الرخصة شملهن مع الرجال، لأن هذه القصة إنما كانت في المدينة، لما هو معلوم أنه صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة في المدينة،

_ =والنهي إنما كان في أول الامر في مكة، ونحن نجزم بهذا وإن كنا لا نعرف تاريخا يؤيد ذلك، لأن الاستنتاج الصحيح يشهد له، وذلك من قوله صل الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم) إذ لا يعقل في مثل هذا النهي أن يشرع في العهد المدني، دون العهد المكي الذي كان أكثر ما شرع فيه من الأحكام إنما هو فيما يتعلق بالتوحيد والعقيدة، والنهي عن الزيارة من هذا القبيل لأنه من باب سد الذرائع، وتشريعه إنما يناسب العهد المكي لان الناس كانوا فيه، حديتي عهد بالإسلام، وعهدهم بالشرك قريبا، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن الزيارة لكي لا تكون ذريعة إلى الشرك، حتى إذا استقر التوحيد في قلوبهم، وعرفوا ما ينافيه من أنواع الشرك أذن لهم الزيارة، وأما أن يدعهم طيلة العهد المكي على عادتهم في الزيارة، ثم ينهاهم عنها في المدينة فهو بعيد جدا عن حكمة التشريح، ولهذا جزمنا بأن النهي إنما كان تشريعه في مكة، فإذا كان كذلك فأذنه لعائشة بالزيارة في المدينة دليل واضح على ما ذكرنا، فتأمله فانه شئ انقدح في النفس، ولم أر من شرحه على هذا الوجه، فان أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي. وأما استدلال صاحب رسالة (وصية شرعية) على ذلك بقوله (ص 26): (وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها على زيارة قبر عمها حمزة رضي الله عنه). فهو استدلال باطل، لأن الإقرار المذكور لا أصل له في شئ من كتب السنة، وما أظنة إلا وهما من المؤلف، فإن المروي عنها رضي الله عنها إنما هو زيارة فقط ليس في ذكر للاقرار المزعوم أصلا، ومع ذلك فلا يثبت ذلك عنها، فإنه من رواية سليمان بن داود عن جعفر بن محمد عن أبيه على بن الحسين عن أبيه أن فاطمة بنت النبي صلي الله عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده. هكذا أخرجه الحاكم (1/ 377) ومن طريقه البيهقي (4/ 78) وقال: (كذا قال، وقد قيل عن سليمان بن داود عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه دون ذكر على بن الحسين عن أبيه فيه، فهو منقطع). وقال الحاكم: (رواته عن آخرهم ثقات)! ورده الذهبي بقوله: (قلت: هذا منكر جدا، وسليمان ضعيف). قلت: وأنا أظنه سليمان بن داود بن قيس الفراء المدني، قال أبو حاتم (شيخ لا أفهمه فقط كما ينبغي) وقال الأزدي: (تكلم فيه) ولهذا أورده الذهبي في (الضعفاه)، وحكى

الرابع: إقرار النبي (ص) المرأة التي رآها عند القبر في حديث أنس رضي الله عنه: (مر رسول الله (ص) بامرأة عند قبر وهي تبكي، فقال لها: اتقي الله واصبري .. ) رواه البخاري وغيره، وقد مضى بتمامه في المسألة (19) (ص 22)، وترجم له (باب زيارة القبور). قال الحافظ في (الفتح): وموضع الدلالة منه أنه (ص) لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريره حجة). وقال العيني في (العمدة) (3/ 76): (وفيه جواز زيارة القبور مطلقا، سواء كان الزائر رجلا أو امرأة: وسواء كان المزور مسلما أو كافرا، لعدم الفصل في ذلك).

_ =قول الأزدي المذكور، فلا تغتر بسكوت الحافظ على هذا الأثر في (التلخيص) (ص 167)، وإن تابعه عليه الشوكاني كما هي عادته في (نيل الأوطار) (4/ 95)!! على أنه وقع عند الأول (على بن الحسين عن على)، فجعله من مسند علي رضي الله عنه وإنما هو من رواية ابنه الحسين رضي الله عنهما، كما عند الحاكم، أو من رواية جعفر بن محمد عن أبيه كما في رواية البيهقي المعلقة، فلعل ما في (التلخيص) وهو قوله (عن علي) محرف عن (عن أبيه). وسقط هذا كله عند الصنعاني في (سبل السلام) (2/ 151) فعزاه للحاكم من حديث علي بن الحسين أن فاطمة ... ثم قال: (قلت: وهو حديث مرسل، فإن علي بن الحسين لم يدرك فاطمة بنت محمد)! والحديث إنما هو من حديث علي بن الحسين عن أبيه على ما سبق بيانه.

وذكر نحوه الحافظ أيضا في آخر كلامه على الحديث فقال عقب قوله (لعدم الاستفصال في ذلك): (قال النووي: وبالجواز قطع الجمهور، وقال صاحب الحاوي: لا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط (¬1).انتهى). وما دل عليه الحديث من جواز زيارة المرأة هو المتبادر من الحديث، ولكن إنما يتم ذلك إذا كانت القصة لم تقع قبل النهي، وهذا هو الظاهر، إذا تذكرنا ما أسلفناه من بيان أن النهي كان في مكة، وأن القصة رواها أنس وهو مدني جاءت به أمه أم سليم إلى النبي (ص) حين قدم المدينة، وأنس ابن عشر سنين، فتكون القصة مدنية، فثبت أنها بعد النهي. فتم الاستدلال بها على الجواز، وأما قول ابن القيم في (تهذيب السنن) (4/ 350): (وتقوى الله، فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، ومن جملتها النهي عن الزيارة). فصحيح لو كان عند المرأة علم بنهي النساء عن الزيارة وأنه استمر ولم ينسخ، فحينئذ يثبت قوله: (ومن جملتها النهي عن الزيارة) أما وهذا غير معروف لدينا فهو استدلال غير صحيح، ويؤيده أنه لو كان النهي لا يزال مستمرا لنهاها رسول الله (ص) عن الزيارة صراحة وبين ذلك لها، ولم يكتف بأمرها بتقوى الله بصورة عامة، وهذا ظاهر إن شاء الله تعالى. 120 - لكن لا يجوز لهن الاكثار من زيارة القبور والتردد عليها، لان ذلك قد يفضي بهن إلى مخالفة الشريعة، من مثل الصياح والتبرج واتخاذ القبور مجالس للنزهة، وتضييع الوقت في الكلام الفارغ، كما هو مشاهد ¬

_ (¬1) 1 - قلت: والدليل عليه في المسألة الاتية.

اليوم في بعض، البلاد الاسلامية، وهذا هو المراد - إن شاء الله - بالحديث المشهور: (لعن رسول الله (ص) (وفي لفظ: لعن الله) زوارات القبور). وقد روي عن جماعة من الصحابة: أبو هريرة، حسان بن ثابت، وعبد الله ابن عباس. 1 - أما حديث أبي هريرة، فهو من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه عنه. أخرجه الترمذي (2/ 156 - تحفة) وابن ماجه (1/ 478) وابن حبان (789) والبيهقي (4/ 78) والطيالسي (1/ 171 - ترتيبه) وأحمد (2/ 337)، واللفظ الاخر للطيالسي والبيهقي، وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح، وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي في زيارة القبور. فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء. وقال بعضهم: إنما كره زيارة القبور في النساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن). قلت: ورجال إسناد الحديث ثقات كلهم، غير أن في عمر بن أبي سلمة كلاما لعل حديثه لا ينزل به عن مرتبة الحسن، لكن حديثه هذا صحيح لما له من الشواهد الآتية. 2 - وأما حديث حسان بن ثابت، فهو من طريق عبد الرحمن بن بهمان عن عبد الرحمن بن ثابث عن أبيه به.

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 141) وابن ماجه (1/ 478) والحاكم (1/ 374) والبيهقي وأحمد (2/ 243) وقال البوصيري في (الزوائد) (ق 98/ 2): (إسناده صحيح، رجاله ثقات). كذا قال، وابن بهمان هذا لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي، وهما معروفان بالتساهل في التوثيق، وقال ابن المديني فيه: (لا نعرفه)، ولذا قال الحافظ في (التقريب): (مقبول) يعني عند المتابعة، ولم أجد له متابعا، لكن الشاهد الذي قبله وبعده في حكم المتابعة، فالحديث مقبول. 3 - وأما حديث ابن عباس، فهو من طريق أبي صالح عنه باللفظ الاول إلا أنه قال: (زائرات القبور) وفي رواية (زوارات). أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 140) وأصحاب السنن الاربعة وابن حبان (788) والحاكم والبيهقي والطيالسي والرواية الاخرى لهما، وأحمد (رقم 2030، 2603، 2986،3118) وقال الترمذي: (حديث حسن، وأبو صالح هذا مولى أم هاني بنت أبي طالب واسمه باذان، ويقال: باذام). قلت: وهو ضعيف بل اتهمه بعضهم، وقد أوردت حديثه في (سلسلة الاحاديث الضعيفة) لزيادة تفرد بها فيه، وذكرت بعض أقوال الائمة في حاله فيراجع (223). فقد تبين من تخريج الحديث أن المحفوظ فيه إنما هو بلفظ (زوارات) لاتفاق حديث أبي هريرة وحسان عليه, وكذا حديث ابن عباس في رواية الأكثرين، على ما فيه من ضعف فهي إن لم تصلح للشهادة فلا تضر، كما لا يضر في الاتفاق المذكور الرواية الأخرى من حديث ابن عباس, كما هو

ظاهر، وإذا كان الأمر كذلك فهذا اللفظ (زوارات) إنما يدل على لعن النساء اللاتي يكثرن الزيارة. بخلاف غيرهن فلا يشملهن اللعن، فلا يجوز حينئذ أن يعارض بهذا الحديث ما سبق من الأحاديث الدالة على استحباب الزيارة للنساء، لأنه خاص وتلك عامة. فيعمل بكل منهما في محله، فهذا الجمع أولى من دعوى النسخ، وإلى نحو ما ذكرنا ذهب جماعة من العلماء، فقال القرطبي: (اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج. وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك وقد يقال: إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الاذن لهن، لان تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء). قال الشوكاني في (نيل الأوطار) (4/ 95): (وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر) (¬1). [أحكام الجنائز ص 229]. ¬

_ (¬1) 1 - وإلى هذا الجمع ذهب الصنعاني أيضا في: (سبل السلام)، ولكنه استدل للجواز بأدلة فيها نظر فأحبت أن أنبه عليها، أولا: حديث الحسين بن علي رضي الله عنهما (أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم كانت تزرو قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي). أخرجه الحاكم (1/ 377) وعنه البيهقي (4/ 78) وقال (وهو منقطع، وسكت عليه الحافظ في (التلخيص) (5/ 248) وتبعه الصنعاني! وسكوت هذين واقتصار البيهقي علي إعلاله بالانقطاع قد يوهم أنه سالم من علة أخرى. .

كتاب الصيام

كِتَابُ اَلصِّيَامِ حكم الحامل والمرضع 912 - (يقول إبن عباس في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} ليست بمنسوخة هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم) رواه البخاري.) صحيح. رواه البخاري في (التفسير) من (صحيحه) (8/ 135 - فتح) والدارقطني (250) من طريق زكريا بن إسحاق حدثنا عمرو بن دينار عن عطاء سمع إبن عباس يقول {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ

_ وليس كذلك كما سبق بيانه قريبا. ثانيا: حديث البيهقي في (شعب الايمان) مرسلا: (من زار قبر الولدين أو أحدهما في كل جمعة عفو له وكتب بارا). سكت عليه الصنعاني أيضا. وهو ضعيف جدا بل هو موضوع، وليس هو مرسل فقط كما ذكر الصنعاني، بل هو معضل لان الذي رفعه إنما هو محمد بن النعمان وليس تابعيا، قال إلعراقي في (تخريج الاحياء) (4/ 418): (رواه ابن أبى الدنيا وهو معضل، محمد بن النعمان مجهول). قلت: وهو تلقاه عن يحيى بن العلاء البجلي بسنده عن أبى هريرة أخرجه الطبراني في الصغير (199) ويحيي كذبه وكيع وأحمد، وقال ابن أبى حاتم (2/ 209) عن أبيه: (الحديث منكرا جدا، كأنه موضوع)

مِسْكِينٍ} قال ابن عباس: ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم مسكينا). ورواه النسائي (1/ 318 - 319) من طريق ورقاء عن عمرو بن دينار به نحوه ولفظه: {يُطِيقُونَهُ} يكلفونه {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً} طعام مسكين آخر ليست بمنسوخة {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} لا يرخص في هذا إلا للذي لا يطيق الصيام أو مريض لا يشفى). قلت: وإسناده صحيح. ورواه الدارقطني (249) وقال: (إسناده صحيح ثابت) وأخرجه إبن جرير في تفسيره (3/ 431 / 2778) عن ابن أبى نجيح عن عمرو بن دينار به مثل رواية ورقاء مع بعض اختصار. قلت: وإسناده صحيح أيضا. ثم رواه بسند مثله عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان يقول: ليست بمنسوخة. ثم أخرج هو (2752، 2753) وإبن الجارود في (المنتقى) (381) والبيهقي (4/ 230) من طرق عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (رخص للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة في ذلك وهما يطيقان الصوم أن يفطرا إن شاءا ويطعما كل يوم مسكينا ولا قضاء عليهما ثم نسخ ذلك في هذه الاية: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة لذا كانا لا يطيقان الصوم والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا كل يوم مسكينا). ورواه أبو داود (2318) من طريق إبن أبي عدي عن سعيد به إلا أنه اختصره اختصارا مخلا ولفظه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ

مِسْكِينٍ} قال: كانت رخصته للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا والحبلى والمرضع إذا خافتا - قال أبو داود: يعنى على أولادهما - أفطرتا وأطعمتا). ووجه الاخلال أنه اختصر جملة (وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم) فصارت الرواية تعطي الترخيص للشيخ والمرأة بالإفطار وهما يطيقان الصوم والواقع أن هذا منسوخ بدليل رواية الجماعة عن ابن عروبة وما قبلها من الروايات! وإسناد هذه الرواية صحيح على شرط الشيخين وأما رواية أبي داود فهي شاذة وقد وقع فيها (عروة) بدل (عزرة) وهو تصحيف بدليل رواية الجماعة وأيضا فقد رواه البيهقي من طريق أبي داود فقال (عزرة) على الصواب. وقد تصحف هذا الاسم أيضا في تفسير الطبري من الطبعة الأولى كما نبه عليه محققه الأستاذ الفاضل محمود ومحمد شاكر في تعليقه عليه طبعة دار المعارف بمصر, ثم تصحف أيضا في أحد الموضعين المشار إليهما من هذه الطبعة (2753)! ومن روايات الحديث ما عند الطبري (2758) من طريق عبدة وهو ابن سليمان الكلابي عن سعيد بن أبي عروبة بسنده المتقدم عن ابن عباس قال: (إذا خافت الحامل على نفسها والمرضع على ولدها في رمضان قال: يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينا ولا يقضيان صوما). قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وفي رواية له بالسند المذكور عن إبن عباس: (أنه رأى أم ولد له حاملا أو مرضعا فقال: أنت بمنزلة الذي لا يطيق عليك أن تطعمي مكان كل يوم مسكينا ولا قضاء عليك). زاد في رواية أخرى (2761) عن سعيد به: أن هذا إذا خافت

على نفسها). واه الدارقطني (250) من طريق روح عن سعيد به بلفظ: (أنت من الذين لا يطيقون الصيام عليك الجزاء وليس عليك القضاء). وقال الدارقطني: (إسناده صحيح). ثم روى من طريق أيوب عن سعيد بن جبير عن إبن عباس وإبن عمر قال: (الحامل والمرضع تفطر ولا تقضي). وقال: (وهذا صحيح). قلت: ورواه إبن جرير (2760) من طريق علي بن ثابت عن نافع عن ابن عمر مثل قول ابن عباس في الحامل والمرضع. قلت: وسنده صحيح ولم يسق لفظه وقد رواه الدارقطني من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر: (أن امرأته سألته وهي حبلى فقال: أفطري وأطعمي عن كل يوم مسكينا ولا تقضى). وإسناده جيد ومن طريق عبيد الله عن نافع قال: (كانت بنت لابن عمر تحت رجل من قريش وكانت حاملا فأصابها عطش في رمضان فأمرها إبن عمر أن تفطر وتطعم عن كل يوم مسكينا). وإسناده صحيح. ومنها ما عند الدارقطني وصححه من طريق منصور عن مجاهد عن ابن عباس قرأ: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) يقول: (هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا نصف صاع من حنطة). وأخرجه (249) من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: (إذا عجز الشيخ الكبير عن الصيام أطعم عن كل يوم مدا مدا). وقال: (إسناد صحيح). ومن شواهد الحديث: عن معاذ بن جبل قال: (أما أحوال الصيام فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة

أيام وصيام يوم عاشوراء ثم إن الله فرض عليه الصيام فانزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} إلى هذه الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فاجزى ذلك عنه ثم إن الله أنزل الآية الاخرى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ} إلى قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فاثبت الله صيامه على المقيم الصحيح, ورخص فيه للمريض وللمسافر وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام. فهذان حولان. . .) الحديث. أخرجه أبو داود (507) وإبن جرير (2733) والحاكم (2/ 774) والسياق له والبيهقي (4/ 200) وأحمد (5/ 246 - 247) من طريق المسعودي: حدثني عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل. وقال الحاكم: (صحيح الاسناد). وافقه الذهبي. قلت: وفيه نظر فإن المسعودي كان اختلط ثم إنه منقطع وبه أعله البيهقي فقال عقبه: (هذا مرسل عبد الرحمن لم يدرك معاذ بن جبل). وبه أعله البيهقي. وبذلك أعله الدارقطني والمنذري. وقد ذكرت كلامهما في (صحيح أبي داود) (رقم 524). لكن قد جاء بعضه من طريق غير المسعودي فراجع المصدر المذكور. ومنها: عن قتادة أن أنسا ضعف قبل موته فافطر وأمر أهله أن يطعموا مكان كل يوم مسكينا. أخرجه الدارقطني بسند صحيح

وأخرج من طريق أخرى عن أنس نحوه ولفظه: (عن أنس بن مالك أنه ضعف عن الصوم عاما فصنع جفنة ثريد ودعا ثلاثين مسكينا فاشبعهم) وسنده صحيح أيضا. وعلق البخاري بنحوه. وعن مالك عن نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها فقال: (تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة). أخرجه الشافعي (1/ 266) ومن طريق البيهقي (4/ 230) وهو في (الموطا) (1/ 308 / 52) بلاغا أن عبد الله بن عمر سئل. . . وعن أبي هريرة قال: (من أدركه الكبر فلم يستطع أن يصوم رمضان فعليه لكل يوم مد من قمح) أخرجه الدارقطني وفيه عبد الله بن صالح وفيه ضعف. (تنبيه): استدل المؤلف رحمه الله تعالى بحديث إبن عباس هذا على أن العاجز عن الصيام لكبر أو مرض مزمن يطعم عن كل يوم مسكينا وهذا صحيح يشهد له حديث إبن عمر وأبي هريرة. غير أن في قول إبن عباس في هذه الآية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ... } ليست منسوخة, وأن المراد بها الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان الصيام إشكالا كبيرا ذلك لأن معنى {يُطِيقُونَهُ} أي يستطيعون بمشقة, فكيف تفسر حينئذ بأن المراد بها من لا يستطيع الصيام. لا سيما وابن عباس نفسه يذكر في رواية عزرة أن الآية نزلت في الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان أي يستطيعان الصوم ثم نسخت فكيف تفسر الآية بتفسيرين متناقضين (يستطيعون) و (لا يستطيعون)؟! وأيضا فقد جاء عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (لما نزلت: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كان من أراد أن يفطر

ويفتدي [فعل] حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها). أخرجه الستة إلا ابن ماجه وفي رواية عنه قال: (كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين حتى نزلت هذه الآية: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} أخرجه مسلم. ويشهد له حديث معاذ المتقدم. فهذا يبين لنا أن في حديث ابن عباس إشكالا آخر وهو أنه يقول: أن الرخصة التي كانت في أول الأمر إنما كانت للشيخ أو الشيخة وهما يطيقان الصيام وحديث سلمة ومعاذ يدلان على أن الرخصة كانت عامة لكل مكلف شيخا أو غيره. وهذا هو الصواب قطعا لأن الآية عامة فلعل ذكر إبن عباس للشيخ والشيخة لم يكن منه على سبيل الحصر بل التمثيل وحينئذ فلا اختلاف بين حديثه والحديثين المذكورين. ويبقى الخلاف في الإشكال الأول قائما لأن الحديثين المشار إليهما صريحان في نسخ الآية. وابن عباس يقول ليست بمنسوخة ويحملها على الذين لا يستطيعون الصيام كما سبق بيانه! فلعل مراد إبن عباس رضي الله عنه أن حكم الفدية الذي كان خاصا بمن يطيق الصوم ويستطيعه ثم نسخ بدلالة القرآن كان هذا الحكم مقررا أيضا في حق من لا يطيق الصوم ولا يستطيعه, غير أن الأول ثبت بالقرآن وبه نسخ, وأما الآخر فإنما ثبتت مشروعيته بألسنة لا بالقرآن ثم لم ينسخ, بل استمرت مشروعيته إلى يوم القيامة فأراد ابن عباس رضي الله عنه أن يخبر عن الفرق بين الحكمين: بأن الأول نسخ والآخر لم ينسخ ولم يرد أن هذا يثبت بالقرآن بآية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}؛ وبذلك يزول الإشكال إن شاء الله تعالى.

ويؤيد ما ذكرته أن ابن عباس - في رواية عزرة - بعد أن ذكر نسخ الآية المذكورة قال: (وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا كل يوم مسكينا). ففى قوله: (ثبت) إشعار بأن هذا الحكم في حق من لا يطيق الصوم كان مشروعا كما كان مشروعا في حق من يطيق الصوم فنسخ هذا واستمر الآخر وكل من شرعيته واستمراره إنما عرفه ابن عباس من السنة وليس من القرآن. ويزيده تأييدا أن ابن عباس أثبت هذا الحكم للحبلى والمرضع لذا خافتا. ومن الظاهر جدا أنهما ليسا كالشيخ والشيخة في عدم الاستطاعة بل إنهما مستطيعتان ولذلك قال لأم ولد له أو مرضع.: (أنت بمنزلة الذي لا يطيق) كما سبق. فمن أين أعطاهما ابن عباس هذا الحكم مع تصريحه بان الآية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} منسوخة ذلك من السنة بلا ريب. ويشهد لما سبق ذكره حديث معاذ فانه بعد أن أفاد نسخ الآية المذكورة بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} قال: (فاثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام). فقد أشار بقوله (وثبت الإطعام) إلى مثل ما أشار إليه حديث إبن عباس. وبذلك يلتقي الحديثان حديث معاذ وسلمة مع حديث ابن عباس ويتبين أن في حديثه ما يوافق الحديثين, وفيه ما يوافق حديث معاذ ويزيد على حديث سلمة وهو ثبوت الإطعام على العاجز عن الصيام فاتفقت الأحاديث ولم تختلف والحمد لله على توفيقه. وإذا عرفت هذا فهو خير مما ذكره الحافظ في (الفتح) (4/ 164): (أن ابن عباس ذهب إلى أن الآية المذكورة محكمة, لكنها مخصوصة

بالشيخ الكبير). لما عرفت أن ابن عباس صرح بأن الآية منسوخة لكن حكمها منسحب إلى العاجز عن الصيام بدليل السنة لا الكتاب لما سبق بيانه وقد توهم كثيرون أن ابن عباس يخالف الجمهور الذين ذهبوا إلى نسخ الآية وانتصر لهم الحافظ ابن حجر في (الفتح) فقال (8/ 136) تعليقا على رواية البخاري عن ابن عمر أنه قرأ {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قال: (هو صريح في دعوى النسخ ورجحه إبن المنذر من جهة قوله {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} قال: لأنها لو كانت في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام لم يناسب أن يقال له {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} مع أنه لا يطيق الصيام). قلت: وهذه حجة قاطعة فيما ذكر وهو يشير بذلك إلى الرد على ابن عباس ومثله لا يخفى عليه مثلها, ولكن القوم نظروا إلى ظاهر الرواية المتقدمة عن ابن عباس عند البخاري الصريحة في نفي النسخ ولم يتأملوا في الرواية الأخرى الصريحة في النسخ ثم لم يحاولوا التوفيق بينهما وقد فعلنا ذلك بما سبق تفصيله. وخلاصته: أن يحمل النفي على نفي نسخ الحكم لا الآية والحكم مأخوذ من السنة ويحمل النسخ عليها. وبذلك يتبين أن ابن عباس رضي الله عنه ليس مخالفا للجمهور. وهذا الجمع مما لم أقف عليه في كتاب فإن كان صوابا فمن الله, وإن كان خطا فمن نفسي. واستغفر الله من كل ما لا يرضيه. [إرواء الغليل 4/ 22]

اعتكاف المرأة

اعتكاف المرأة إباحة اعتكاف المرأة وزيارتها زوجها في المسجد: ويجوز للمرأة أن تزور زوجها وهو في معتكفه وأن يودعها إلى باب المسجد لقول صفية رضي الله عنها: " كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا (في المسجد في العشر الأواخر من رمضان) فأتيته أزوره ليلا (وعنده أزواجه فرحن) فحدثته (ساعة) ثم قمت لأنقلب (فقال: لا تعجلي حتى أنصرف معك) فقام معي ليقلبني وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد (حتى إذا كان عند باب المسجد الذي عند باب أم سلمة) فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما إنها صفية بنت حيي فقالا: سبحان الله يا رسول الله قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا أو قال: شيئا أخرجه الشيخان وأبو داود والزيادة الأخيرة له وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (2133 و2134)] بل يجوز لها أن تعتكف مع زوجها أو لوحدها لقول عائشة رضي الله عنها: (اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مستحاضة (وفي رواية أنها أم سلمة) من أزواجه فكانت ترى الحمرة والصفرة فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي) [(61: رواه البخاري وهو مخرج في

" صحيح أبي داود " (2138) والرواية الأخرى لسعيد بن منصور كما في " الفتح " (4/ 281) لكن سماها الدارمي (1/ 22: (زينب). والله أعلم] وقال أيضا: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده) [(62: أخرجه الشيخان وغيرهما وسبق تخريجه (ص 35) التعليق رقم (2)] قلت: وفيه دليل على جواز اعتكاف النساء أيضا ولا شك أن ذلك مقيد بإذن أوليائهن بذلك وأمن الفتنة والخلوة مع الرجال للأدلة الكثيرة في ذلك والقاعدة الفقهية: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. [قيام رمضان ص 39]

كتاب الزكاة

كِتَابُ اَلزَّكَاةُ هل في الحلي زكاة؟ 2978 - " يا فاطمة! (هي بنت قيس) إن الحق [عز وجل] لم يبق لك شيئا. قاله صلىالله عليه وسلم لها حين قالت: خذ من طوقي الذهبي ما فرض الله ". [الصحيحة] قال رحمه الله: أخرجه أبو الشيخ في جزئه " انتقاء ابن مردويه " (83/ 30 - طبع الرشد)، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث حدثنا محمد بن المغيرة حدثنا النعمان حدثنا أبو بكر: أخبرني شعيب بن الحباب عن الشعبي قال: سمعت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها تقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بطوق فيه سبعون مثقالا من ذهب، فقلت: يا رسول الله! خذ منه الفريضة التي جعل الله فيه. قالت: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مثقالا وثلاثة أرباع مثقال، فوجهه. قالت: فقلت: يا رسول الله! خذ منه الذي جعل الله فيه. قالت: فقسم رسول الله على هذه الأصناف الستة، وعلى غيرهم، فقال: فذكره. [قالت:] قلت: يا رسول الله! رضيت لنفسي ما رضي الله عز وجل به ورسوله. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " إلى (النعمان) وهو ابن عبد السلام الأصبهاني.

وأما الراوي عنه محمد بن المغيرة فهو الأصبهاني صاحب النعمان، ترجمه أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (1/ 243 - 244) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2/ 185 - 186) برواية جمع من الثقات عنه، وذكرا أنه كان صاحب عبادة وتهجد، صحب النعمان، وسمع عامة أصوله، توفي سنة (231)، وذكره ابن حبان في " الثقات " (6/ 105). وأما شيخ أبي الشيخ (إبراهيم بن محمد بن الحارث)، فقد ترجمه أبو الشيخ في " الطبقات " أيضا (2/ 136) وكذا أبو نعيم (1/ 188 - 189)، حدث عنه أبو بكر البرذعي ومحمد بن يحيى بن منده، سمع من سعيد بن منصور وذهب سماعه، وكان عنده كتب النعمان عن محمد بن المغيرة. قال أبو الشيخ: " وحضرت مجلسه فجاء أبو بكر البزار، فأخرج إليه كتب النعمان، فانتخب عليه، وكتب عنه عن أبيه ". قال: " وكتبنا عنه من الغرائب ما لم نكتب إلا عنه ". ثم ساق له حديثا واحدا، وهو أبو إسحاق، يعرف بـ (ابن نائلة)، من أهل المدينة، و (نائلة) أمه، وساق له أبو نعيم أحاديث أخرى، عن شيوخ سبعة له عنه، منهم الطبراني، وله في " المعجم الأوسط " أربعة أحاديث (3081 - 3084 - بترقيمي) وآخر في " المعجم الصغير " رقم (275 - الروض النضير). توفي سنة (291). قلت: وفي الحديث دلالة صريحة على أنه كان معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الزكاة على حلي النساء، وذلك بعد أن أمر صلى الله عليه وسلم بها في غير ما حديث صحيح كنت ذكرت بعضها في" آداب الزفاف "، ولذلك جاءت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها بطوقها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ زكاتها منه، فليضم هذا الحديث إلى تلك،

لعل في ذلك ما يقنع الذين لا يزالون يفتون بعدم وجوب الزكاة على الحلي، فيحرمون بذلك الفقراء من بعض حقهم في أموال زكاة الأغنياء! وقد يحتج به بعضهم على جواز الذهب المحلق للنساء، والجواب هو الجواب المذكور في الأحاديث المشار إليها آنفا، فراجعه إن شئت في " الآداب ". على أن هذا ليس فيه أنها تطوق به، بخلاف بعض تلك الأحاديث، فيحتمل أن فاطمة رضي الله عنها كان قد بلغها الحكمان: النهي عن طوق الذهب، فانتهت منه، ووجوب الزكاة، فبادرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ منه الزكاة، وهذا هو اللائق بها وبدينها رضي الله عنها. تنبيه بخصوص حديث: جابر " ليس في الحلي زكاة " رواه. الطبراني) ص 195. باطل. أخرجه ابن الجوزي في " التحقيق " (1/ 196 / 1 - 2) من طريق إبراهيم بن أيوب قال: حدثنا عافية بن أيوب عن ليث بن سعد عن أبي الزبير من جبر مرفوما به. وقال: " قالوا عافية ضعيف قلنا: ما عرفنا أحدا طعن فيه " قلت: كذا قال ولا يخفى ما فيه من التسامح في النقد فإن للمخالف أن يقول له: (فهل علمت أحدا وثقه فإنه لا يلزم من عدم معرفة الراوي بطعن أنه ثقة فإن بين ذلك منزلة أخرى وهي الجهالة؟! " وهذا ظاهر بين. وقد ذكر الزيلعي في " نصب الراية " (2/ 374) هذا الحديث من طريق ابن الجوزي ثم لم يذكر كلام ابن الجوزي المذكور مشيرا إلى أنه غير مرض عنده وأيد ذلك بقوله: " قال البيهقي في " المعرفة ": (قلت: فذكر الحديث من طريق عافية) فباطل لا (أصل له إنما يروى عن جابر من قوله

وعافية بن أيوب مجهول فمن احتج به مرفرعا كان معزرا بذنبه وداخلا فيما نعيب به المخالفين من الاحتجاج برواية الكذابين. انتهى. وقال الشيخ في " الإمام ": ورأيت بخط شيخنا المنذري رحمه الله: وعافية بن أيوب لم يبلغني فيه ما يوجب تضعيفه. قال الشيخ: ويحتاج من يحتج به إلى ذكر ما يوجب تعديله. انتهى ". قلت: وكلام الشيخ - وهو ابن دقيق العيد - أعدل ما رأيت من الكلام فيه فلا بد لمن احتج به أن يثبت توثيق عافبة ويبدو أن ذلك من غير الممكن فقد جرى كل من وقفت على كلامه في هذا الحديث على أنه مجهول ولم يأت بما يثبت توثيقه. ولكني رأيت ابن أبي حاتم قال في " الجرح والتعديل " (3/ 2 / 44): " سئل أبو زرعة عن عافية بن أيوب؟ فقال: هو مصري ليس به بأس ". ولذلك قال الحافظ في (اللسان) عقب قول أبي زرعة هذا: " فليس هذا بمجهول ". وهذا هو الصواب وفيه رد على الذهبي في قوله: " تكلم فيه ما هو بحجة وفيه جهالة ". فكأنه لم يقف - كغيره - على توثيق أبي زرعة المذكور وهو إمام حجة لا مناص من التسليم لقوله. ولكن هل يصير الحديث بذلك صحيحا؟ والجواب: لا فإن في سنده. علة أخرى فإنه من إبراهيم بن أيوب الراوي له عن عافية فقد ذكره أبو العرب في " الضعفاء " ونقل عن أبي الطاهر أحمد بن محمد بن عثمان المقدسي أنه قال: إبراهيم بن أيوب حوراني ضعيف. قال أبو العرب: وكان أبو الطاهر من أهل النقد والمعرفة بالحديث بمصر وقال أبو حاتم: لا أعرفه ". فهذا هي علة الحديث؛ وإن الباحث المدقق ليعجب من ذهول كل من تكلم على الحديث عنها وانصرافهم إلى تعليله بما ليس بعلة قادحة. وذلك

كله مصداق لقول القائل: " كم ترك الأول للآخر. وللحديث علة أخرى وهي الوقف فقال ابن أبي شيبة (4/ 47): عبدة بن سليمان عن عبد الملك عنه أبي الزبير عن جابر قال: لا زكاة في الحلي. قلت: إنه يكون فيه ألف دينار؟ قال: يعار ويلبس" قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم وأبو الزبير قد صرح بالسماع وقد تابعه عمرو بن دينار قال: " سمعت رجلا يسأل جابر بن عبد الله عنه الحلي: أفيه الزكاة؟ فقال جابر: لا فقال: وإن كان يبلغ ألف دينار؟ فقال جابر: كثير ". أخرجه الشافعي (1/ 239) وأبو عبيد (442/ 1275) وإسنادهما صحيح على شرط الشيخين, وأخرجه الدارقطني (205) من طريق أبي حمزة عن الشعبي عن جابر قال: " ليس في الحلي زكاة " وبهذا السند عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (في الحلي زكاة). وقال الدارقطني: (أبو حمزة هذا ميمون ضعيف الحديث. قلت: فتبين مما تقدم أن الحديث رفعه خطأ وأن الصواب وفقه على جابر. وأن في الباب ما يخالفه وهو حديث فاطمة بنت قيس مرفوعا وهو وإن كان ضعيف الإسناد فقد جاءت له شواهد قوية تشهد له بالصحة أذكر بعضها: 1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " أتت امرأة من أهل اليمن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعها ابنة لها في يدها مسكتان من

ذهب فقال: هل تعطين زكاة هذا؟ قالت: لا قال: أيسرك أن يسورك الله بهما بسوارين من نار؟ ". أخرجه أبو داود (1563) والنسائي (1/ 343) والترمذي (1/ 124) وأبو عبيد (439/ 1260) وابن أبي شيبة (4/ 27) والبيهقي (4/ 140) وأحمد (2/ 178، 204، 208) من طرق عن عمرو به. قلت: وإسناده إلى عمرو عند أبي داود والنسائي وأبي عبيد جيد وصححه ابن القطان كما في " نصب الراية " (2/ 370). 2 - عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: " دخلنا على عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالت: دخل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا أو ما شاء الله قال: هو حسبك من النار ". أخرجه أبو داود (1565) والدارقطني (205) والحاكم (1/ 389 - 390) والبيهقي (4/ 139) عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عبد الله بن شداد. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وكلام الشيخ ابن دقيق العيد في " الإمام) على ما نقله الزيلعي (2/ 371) يشعر أنه على شرط مسلم فقط فقد قال: " ويحيى بن أيوب (أحد رواته) أخرج له مسلم. . والحديث على شرط مسلم ". ويحيى بن أيوب هو الغافقي أبو العباس المصري وقد أخرج له البخاري أيضا.

هذا ومحمد بن عمرو بن عطاء ثقة أيضا محتج به في الصحيحين وقد وقع في سند الدارقطني (محمد بن عطاء) منسوبا إلى جده فقال فيه: " مجهول " وتبعه على ذلك ابن الجوزي في " التحقيق " (1/ 198 / 1) وهو ذهول منهما رده الأئمة من بعدهما كالزيلعي والعسقلاني وغيرهما. (تنبيه على أوهام): 1 - عزا المؤلف حديث الباب إلى الطبراني وذلك وهم منه أو ممن نقله عنه فليس الحديث عند الطبراني ولم أجد أحدا غيره عزاه إليه ولا أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد ". وقد سبق للمؤلف مثل هذا الوهم في الحديث (48) فراجعه إن شئت. 2 و 3 - عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " (2/ 154 / 2) الدارقطني عن جابر وفاطمة بنت قيس. وفيه وهمان: الأول: أن حديث جابر ليس مرفوعا عند الدارقطني كما رأيت. الثاني: أن حديث فاطمة لفظه عنده " في الحلي زكاة " ليس فيه " ليس " فهو في إثبات الزكاة لا في نفيها وكذلك عزاه في " نصب الراية " (2/ 373) للدارقطني. [إرواء الغليل 817]

عدم عطية المرأة إلا بإذن زوجها

عدم عطية المرأة إلا بإذن زوجها 2571 - " إذا ملك الرجل المرأة لم تجز عطيتها إلا بإذنه ". [الصحيحة] قال رحمه الله: أخرجه الطيالسي (ص 299 رقم 2667): حدثنا حماد حدثنا حبيب المعلم عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا، وهذا سند حسن. وورد بلفظ: " لا يجوز لامرأة "، وقد مضى برقم (825) مع بعض الشواهد. ثم وجدت له شاهدا قويا آخر، وكان ذلك من دواعي إعادته هنا، وهو ما أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " (9/ 125 / 16607) عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يجوز لامرأة شيء في مالها إلا بإذن زوجها إذا هو ملك عصمتها ". قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل، فهو شاهد قوي لأحاديث الباب الموصولة. ثم رواه عن رجل عن عكرمة مرسلا نحوه. واعلم أن هذا الحديث قد عمل به قوم من السلف كما حكاه الطحاوي في " شرح المعاني " (2/ 403) ورواه ابن حزم في " المحلى " (8/ 310 - 311) عن أنس بن مالك وأبي هريرة وطاووس والحسن ومجاهد، قال: " وهو قول الليث بن سعد، فلم يجز لذات الزوج عتقا، ولا حكمافي صداقها، ولا غيره إلا بإذن زوجها، إلا الشيء اليسير الذي لابد لها منه في صلة رحم، أو ما يتقرب به إلى الله عز وجل ".

ثم ذكر أقوال العلماء الآخرين مع مناقشة أدلتهم، واختار هو جواز تصرف المرأة في مالها دون إذن زوجها. وساق في تأييد ذلك بعض الأحاديث الصحيحة, كحديث ابن عباس الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء في خطبة العيد بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي الخاتم والخرص والشيء. ولا حجة في شيء من ذلك، لأنها وقائع أعيان يحتمل كل منها وجها لا يتعارض مع حديث الترجمة، وما في معناه عند إمعان النظر، فتأمل معي إلى حديث ابن عباس هذا مثلا، فإن فيه التصريح بأن تصدقهن كان تنفيذا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلو فرض أنهن لم يكن مأذونا لهن بالتصدق من أزواجهن، بل فرض نهيهم إياهن عن الصدقة، ثم أمرهم صلى الله عليه وسلم بها، فهل من قائل بأن نهيهم مقدم على أمره صلى الله عليه وسلم، مع أنه لا نهي منهم، كل مافي الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء أن يتصدقن بغير إذن أزواجهن، فإذا أمرهن بالتصدق في مناسبة ما، فلا شك حينئذ أن هذا الأمر يكون مخصصا لنهيهم، هذا لو فرض تقدمه على الأمر ولا دليل على ذلك. والحقيقة أن ابن حزم معذور فيما ذهب إليه؛ لأنه هو الأصل الذي تدل عليه النصوص التي ذكرها، ولو أن حديث الترجمة وما في معناه صح عنده لبادر إلى العمل بها لأنها تضمنت زيادة حكم على الأصل المشار إليه. ولكنه رحمه الله أعل الحديث بأنه صحيفة منقطعة. وهذا خلاف ما عليه جماهير علماء الحديث، وفي مقدمتهم الإمام أحمد من الاحتجاج بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأنه موصول، وأما جوابه عنه بأنه لو صح منسوخ فقد عرفت الجواب عنه، ثم كيف ينسخ الجزء الكل، أي الخاص العام؟! ثم إن هذا الحديث جهله و

تجاهله جل الدعاة اليوم الذين يتحدثون عن حقوق المرأة في الإسلام، ليس لأنه ترجح لديهم مذهب المخالفين له، بل لأن هذا المذهب يوافق ما عليه الكفار، فيريدون تقريب الإسلام إليهم بأنه جاء بما يوافقهم في تصرف المرأة في مالها، وهم يعلمون أن ذلك لا ينفعهم فتيلا، لأنهم يسمحون لها أن تتصرف أيضا في غير مالها، فهي تزوج نفسها بنفسها، بل وأن تتخذ أخدانا لها!! وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].

كتاب الحج

كِتَابُ اَلْحَجِّ ما يجوز فعله للمحرمة وما لا يجوز قال رحمه الله: وأما المرأة فلا تنزع شيئا من لباسها المشروع إلا أنها لا تشد على وجهها النقاب (¬1) والبرقع أواللثام أوالمنديل ولا تلبس القفازين (¬2) وقد قال صلى الله عليه وسلم: " لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " (¬3) ويجوز للمرأة أن تستر وجهها بشيء كالخمار أوالجلباب تلقيه على رأسها وتسدله على وجهها. وإن كان يمس الوجه على الصحيح ولكنها لا تشده عليها كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى. [مناسك الحج ص12] ¬

_ (¬1) 1 - هو القناع على مازن الأنف وهو على وجوه: إذا أدنت المرأة نقابها إلى عينها فتلك الوصوصة أو البرقع فإن أنزلته إلى المحجر فهو النقاب فإن كان على طرف الأنف فهو اللثام. وسمي نقاب المرأة لأنه يستر نقابها أي لونها بلون النقاب. انتهى ملخصا من " لسان العرب " (2/ 265 266). (¬2) 2 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " منسكه " (ص 365): (والقفازات غلاف يصنع لليد كما يفعله حملة البزاة ". والبزاة جمع باز. وهو نوع من الصقور يستخدم في الصيد (¬3) 3 - متفق عليه " صحيح أبي داود " (1600)

عمرة الحائض

عمرة الحائض 1984 - " طوافك بالبيت، وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك ". ... [الصحيحة] قال رحمه الله: أخرجه مسلم (4/ 34) وأبو داود (1897) عن عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء- وقال مسلم: عن مجاهد - عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: فذكره. لفظ عطاء، ولفظ مجاهد: أنها حاضت بـ (سرف)، فتطهرت بعرفة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجزيء عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك ". ثم أخرج مسلم وأحمد (6/ 124) من طريق عبد الله بن طاووس عن أبيه عن عائشة " أنها أهلت بعمرة، فقدمت ولم تطف بالبيت حتى حاضت، فنسكت المناسك كلها وقد أهلت بالحج، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم (النفر): " يسعك طوافك لحجك وعمرتك ". فأبت، فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج ". قلت: فالعمرة بعد الحج إنما هي للحائض التي لم تتمكن من الإتيان بعمرة الحج بين يدي الحج لأنها حاضت كما علمت من قصة عائشة هذه، فمثلها من النساء إذا أهلَّت بعمرة الحج كما فعلت هي رضي الله عنها، ثم حال بينها وبين إتمامها الحيض، فهذه يشرع لها العمرة بعد الحج، فما يفعله اليوم جماهير الحجاج من تفاهتهم على العمرة بعد الحج، مما لا نراه

مشروعا؛ لأن أحدا من الصحابة الذين حجوا معه صلى الله عليه وسلم لم يفعلها. بل إنني أري أن هذا من تشبه الرجال بالنساء، بل بالحيض منهن! ولذلك جريت على تسمية هذه العمرة بـ (عمرة الحائض) بيانا للحقيقة. 2626 - " أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم، فإذا هبطت الأكمة فمرها فلتحرم، فإنهاعمرة متقبلة ". [الصحيحة] أخرجه الحاكم (3/ 477) من طريق داود بن عبد الرحمن العطار: حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: فذكره. وسكت عنه. وقال الذهبي: " قلت: سنده قوي ". قلت: وقد أخرجه أحمد أيضا (1/ 198): حدثنا داود بن مهران الدباغ: حدثنا داود - يعني العطار - به. وأخرجه أبو داود أيضا وغيره وهو في " صحيح أبي داود " برقم (1569). وقد أخرجه البخاري (3/ 478) ومسلم (4/ 35) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن أبي بكر مختصرا. وكذلك أخرجاه من حديث عائشة نفسها، وفي رواية لهما عنها قالت: فاعتمرت، فقال: " هذه مكان عمرتك ". وفي أخرى: بنحوه قال: " مكان عمرتي التي أدركني الحج ولم أحصل منها ". وفي أخرى: " مكان عمرتي التي أمسكت عنها ". وفي أخرى: "جزاء بعمرة الناس التي اعتمروا ". رواها مسلم. وفي ذلك إشارة إلى سبب أمره صلى الله عليه وسلم لها بهذه العمرة بعد الحج. وبيان ذلك: أنها كانت أهلت بالعمرة في حجتها مع

النبي صلى الله عليه وسلم، إما ابتداءً أو فسخا للحج إلى العمرة (على الخلاف المعروف)، فلما قدمت (سرف) - مكان قريب من مكة -حاضت، فلم تتمكن من إتمام عمرتها والتحلل منها بالطواف حول البيت، لقوله صلى الله عليه وسلم لها - وقد قالت له: إني كنت أهللت بعمرة فكيف أصنع بحجتي؟ قال: - " انقضي رأسك وامتشطي وأمسكي عن العمرة وأهلي بالحج، واصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي ولا تصلي حتى تطهري. (وفي رواية: فكوني في حجك، فعسى الله أن يرزقكيها) "، ففعلت، ووقفت المواقف، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمرة، وقال لها صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر: "قد حللت من حجك وعمرتك جميعا "، فقالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت، وذلك يوم النفر، فأبت، وقالت: أيرجع الناس بأجرين وأرجع بأجر؟ وفي رواية عنها: يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد؟ وفي أخرى: يرجع الناس (وعند أحمد (6/ 219): صواحبي، وفي أخرى له (6/ 165 و266): نساؤك) بعمرة وحجة، وأرجع أنا بحجة؟ وكان صلى الله عليه وسلم رجلا سهلا إذا هويت الشيء تابعها عليه، فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن، فأهلت بعمرة من التنعيم. فقد تبين مما ذكرنا من هذه الروايات - وكلها صحيحة -أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرها بالعمرة عقب الحج بديل ما فاتها من عمرة التمتع بسبب حيضها، ولذلك قال العلماء في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم المتقدم: " هذه مكان عمرتك " أي: العمرة المنفردة التي حصل لغيرها التحلل منها بمكة، ثم أنشأوا الحج مفردا.

إذا عرفت هذا، ظهر لك جليا أن هذه العمرة خاصة بالحائض التي لم تتمكن من إتمام عمرة الحج، فلا تشرع لغيرها من النساء الطاهرات، فضلا عن الرجال. ومن هنا يظهر السر في إعراض السلف عنها، وتصريح بعضهم بكراهتها، بل إن عائشة نفسها لم يصح عنها العمل بها، فقد كانت إذا حجت تمكث إلى أن يهل المحرم ثم تخرج إلى الجحفة فتحرم منها بعمرة، كما في " مجموع الفتاوى " لابن تيمية (26/ 92). وقد أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (4/ 344) بمعناه عن سعيد بن المسيب أن عائشة رضي الله عنها كانت تعتمر في آخر ذي الحجة من الجحفة. وإسناده صحيح. وأما ما رواه مسلم (4/ 36) من طريق مطر: قال أبو الزبير: فكانت عائشة إذا حجت صنعت كما صنعت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم. ففي ثبوته نظر، لأن مطرا هذا هو الوراق فيه ضعف من قبل حفظه، لاسيما وقد خالفه الليث بن سعد وابن جريج كلاهما عن أبي الزبير عن جابر بقصة عائشة، ولم يذكرا فيها هذا الذي رواه مطر، فهو شاذ أو منكر، فإن صح ذلك فينبغي أن يحمل على ما رواه سعيد بن المسيب، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الاختيارات العلمية " (ص 119): " يكره الخروج من مكة لعمرة تطوع، وذلك بدعة لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه على عهده، لا في رمضان ولا في غيره، ولم يأمر عائشة بها، بل أذن لها بعد المراجعة تطييبا لقلبها، وطوافه بالبيت أفضل من الخروج اتفاقا، ويخرج عند من لم يكرهه على سبيل الجواز ". وهذا خلاصة ما جاء في بعض أجوبته المذكورة في "مجموع الفتاوى " (26/ 252 - 263)، ثم قال (26/ 264): "

ولهذا كان السلف والأئمة ينهون عن ذلك، فروى سعيد بن منصور في " سننه " عن طاووس - أجل أصحاب ابن عباس - قال: " الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري أيؤجرون عليها أم يعذبون؟ قيل: فلم يعذبون؟ قال: لأنه يدع الطواف بالبيت، ويخرج إلى أربعة أميال ويجيء، وإلى أن يجيء من أربعة أميال [يكون] قد طاف مائتي طواف، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء ". وأقره الإمام أحمد. وقال عطاء بن السائب: " اعتمرنا بعد الحج، فعاب ذلك علينا سعيد بن جبير ". وقد أجازها آخرون، لكن لم يفعلوها ... ". وقال ابن القيم رحمه الله في " زاد المعاد " (1/ 243): " ولم يكن صلى الله عليه وسلم في عمره عمرة واحدة خارجا من مكة كما يفعل كثير من الناس اليوم، وإنما كانت عمره كلها داخلا إلى مكة، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة، لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجا من مكة في تلك المدة أصلا، فالعمرة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعها فهي عمرة الداخل إلى مكة، لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحل ليعتمر، ولم يفعل هذا على عهده أحد قط إلا عائشة وحدها من بين سائر من كان معه، لأنها كانت قد أهلت بالعمرة فحاضت، فأمرها فأدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة، وأخبرها أن طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة قد وقع عن حجتها وعمرتها، فوجدت في نفسها أن ترجع صواحباتها بحج وعمرة مستقلين فإنهن كن متمتعات ولم يحضن ولم يقرن، وترجع هي بعمرة في ضمن حجتها، فأمر أخاها أن يعمرها من التنعيم تطييبا لقلبها، ولم يعتمر هو من التنعيم في تلك الحجة ولا أحد ممن كان معه " اهـ.

قلت: وقد يشكل على نفيه في آخر كلامه، ما في رواية للبخاري (3/ 483 - 484) من طريق أبي نعيم: حدثنا أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة، فذكر القصة -، وفيه: " فدعا عبد الرحمن فقال: اخرج بأختك الحرم فلتهل بعمرة، ثم افرغا من طوافكما ". لكن أخرجه مسلم (4/ 31 - 32) من طريق إسحاق بن سليمان عن أفلح به، إلا أنه لم يذكر: " ثم افرغا من طوافكما ". وإنما قال: " ثم لتطف بالبيت ". فأخشى أن يكون تثنية الطواف خطأ من أبي نعيم، فقد وجدت له مخالفا آخر عند أبي داود (1/ 313 - 314) من رواية خالد - وهو الحذاء - عن أفلح به نحو رواية مسلم، فهذه التثنية شاذة في نقدي لمخالفة أبي نعيم وتفرده بها دون إسحاق بن سليمان وخالد الحذاء وهما ثقتان حجتان. ثم وجدت لهما متابعا آخر وهو أبو بكر الحنفي عند البخاري (3/ 328) وأبي داود. ويؤيد ذلك أنها لم ترد لفظا ولا معنى في شيء من طرق الحديث عن عائشة، وما أكثرها في " مسند أحمد " (6/ 43 و 78 و 113 و 122 و 124 و 163 و 165 و 177 و 191 و219 و 233 و 245 و 266 و 273) وبعضها في " صحيح البخاري " (3/ 297 و 324 و464 و 477 - 478 و 482 و 4/ 99 و 8/ 84) ومسلم (4/ 27 - 34) وكذا لم ترد في حديث جابر عند البخاري (3/ 478 - 480) ومسلم (4/ 35 - 36) وأحمد (3/ 309 و 366) وكذلك لم ترد في حديث الترجمة لا من الوجه المذكور أولا، ولا من الطريق الأخرى عند الشيخين وغيرهما. نعم في رواية لأحمد (1/ 198) من طريق ابن أبي نجيح أن أباه حدثه أنه أخبره من سمع عبد الرحمن بن أبي بكر يقول:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره نحوه. إلا أنه قال: " فأهلا وأقبلا، وذلك ليلة الصدر "، لكن الواسطة بين أبي نجيح وعبد الرحمن لم يسم، فهو مجهول، فزيادته منكرة، وإن سكت الحافظ في " الفتح " (3/ 479) على زيادته التي في آخره: " وذلك ليلة الصدر "، ولعل ذلك لشواهدها. والله أعلم. وجملة القول: أنه لا يوجد ما ينفي قول ابن القيم المتقدم أنه لم يعتمر بعد الحج أحد ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة، ولذلك لما نقل كلامه مختصرا الحافظ في " الفتح " لم يتعقبه إلا بقوله (3/ 478): " وبعد أن فعلته عائشة بأمره دل على مشروعيته "! ومن تأمل ما سقناه من الروايات الصحيحة، وما فيها من بيان سبب أمره صلى الله عليه وسلم إياها بذلك تجلى له يقينا أنه ليس فيه تشريع عام لجميع الحجاج، ولو كان كما توهم الحافظ لبادر الصحابة إلى الإتيان بهذه العمرة في حجته صلى الله عليه وسلم وبعدها، فعدم تعبدهم بها، مع كراهة من نص على كراهتها من السلف كما تقدم لأكبر دليل على عدم شرعيتها. اللهم إلا من أصابها ما أصاب السيدة عائشة رضي الله عنها من المانع من إتمام عمرتها. والله تعالى ولي التوفيق. وإن مما ينبغي التنبه له أن قول ابن القيم المتقدم: " إنما كانت عمره كلها داخلا إلى مكة "، لا ينافيه اعتماره صلى الله عليه وسلم من (الجعرانة)، كما توهم البعض لأنها كانت مرجعه من الطائف، فنزلها، ثم قسم غنائم حنين بها، ثم اعتمر منها.

التلبية

التلبية قال رحمه الله: 17 - والنساء في التلبية كالرجال لعموم الحديثين السابقين فيرفعن أصواتهن ما لم يخش الفتنة ولأن عائشة كانت ترفع صوتها حتى يسمعها الرجال فقال أبوعطية: سمعت عائشة تقول: إني لأعلم كيف كانت تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سمعتها تلبي بعد ذلك: " لبيك اللهم لبيك. . . " إلخ (¬1) ... . وقال القاسم بن محمد: خرج معاوية ليلة النفر فسمع صوت تلبية فقال: من هذا؟ قيل: عائشة أم المؤمنين اعتمرت من التنعيم. فذكر ذلك لعائشة فقالت: لوسألني لأخبرته (¬2) ... . حكم تغطية الوجه 1022 - قال صلى الله عليه وسلم: (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين). رواه أحمد والبخاري). صحيح. وهو قطعة عن حديث ابن عمر المتقدم برقم (1012). ¬

_ (¬1) 1 - أخرجه البخاري (769 مختصره) والطيالسي (1513) وأحمد (6/ 32 و100 و180 و243) (¬2) 2 - رواه ابن أبي شيبة كما في " المحلى " (7/ 94 95) وسنده صحيح وقال شيخ الإسلام في " منسكه ": (والمرأة ترفع صوتها بحيث تسمع رفيقاتها ويستحب الإكثار منها عند اختلاف الأحوال. . .)

بحث قيم في هذه المسألة:

1023 - (ماروي عن أسماء: (أنها تغطيه)). ص 246 صحيح. أخرجه مالك (1/ 328 / 16) عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: (كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق). قلت: وهذا إسناد صحيح. ورواه على بن مسهر عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نمشط قبل ذلك في الاحرام). أخرجه الحاكم (1/ 454) وقال: (صحيح على شرط الشيخين). ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وله شاهد من حديث عائشة قالت: (المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوبا مسه ورس أو زعفران ولا تتبرقع ولا تتلثم وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت). أخرجه البيهقى (5/ 47) بسند صحيح. قلت: وروى ابن الجارود (418) عنها مختصرا بلفظ: (تلبس المحرمة ما شاءت إلا البرقع). وفي سنده يزيد ابن أبى زياد وفيه ضعف كما يأتي في الحديث بعده. [إرواء الغليل] بحث قيم في هذه المسألة: فأقول وبالله وحده أستعين: لم ينطق بكلمة " الإجماع " في هذه المسألة أحد من أهل العلم فيما بلغني وأحاط به علمي إلا هذا الشيخ وما حمله على ذلك إلا شدته وتعصبه لرأيه وإغماضه لعينيه عن كل ما يخالفه من النصوص فإن الخلاف فيها قديم لا يخلو منه كتاب من الكتب المتخصصة في بحث الخلافيات ولو كان

في وقتي متسع لألفت رسالة خاصة أرد فيها ما تيسر لي من أقوالهم في هذه المسألة ,ولكن لا بد لي من أن أنقل هنا بعضها مما يدل على بطلان الإجماع الذي ادعاه. فأقول: الأول: قال ابن حزم في كتابه " مراتب الإجماع " (ص 29) ما نصه: واتفقوا على أن شعر الحرة وجسمها حاشا وجهها ويديها عورة واختلفوا في الوجه واليدين حتى أظفارهما أعورة هي أم لا؟ وأقره شيخ الإسلام ابن تيمية في تعليقه عليه ولم يتعقبه كما فعل في بعض المواضع الأخرى. الثاني: قال ابن هبيرة الحنبلي في " الإفصاح " (1/ 118 - حلب): واختلفوا في عورة المرأة الحرة وحدها فقال أبو حنيفة: كلها عورة إلا الوجه والكفين والقدمين. وقد روي عنه أن قدميها عورة وقال مالك والشافعي: كلها عورة إلا وجهها وكفيها. وهو قول أحمد في إحدى روايتيه والرواية الأخرى: كلها عورة إلا وجهها خاصة. وهي المشهورة واختارها الخرقي وفاتته رواية ثالثة وهي: أنها كلها عورة حتى ظفرها. كما يأتي مع بيان رد ابن عبد البر لها قريبا. الثالث: جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة " تأليف لجنة من العلماء منهم الجزيري في بحث حد عورة المرأة (1/ 167 - الطبعة الثانية): أما إذا كانت بحضرة رجل أجنبي أو امرأة غير مسلمة فعورتها جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين فإنهما ليسا بعورة ,فيحل النظر لهما عند أمن الفتنة "

ثم استثنى من ذلك مذهب الشافعية وفيه نظر ظاهر لما تقدم في " الإفصاح " وغيره مما تقدم ويأتي. الرابع: قال ابن عبد البر في " التمهيد " (6/ 364) - وقد ذكر أن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين وأنه قول الأئمة وأصحابهم وقول الأوزاعي وأبي ثور -: " على هذا أكثر أهل العلم وقد أجمعوا على أن المرأة تكشف وجهها في الصلاة والإحرام وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: كل شيء من المرأة حتى ظفرها " ثم قال ابن عبد البر: هذا خارج عن أقاويل أهل العلم لإجماع العلماء على أن للمرأة أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله منها تباشر الأرض به وأجمعوا على أنها لا تصلى متنقبة ولا عليها أن تلبس قفازين في الصلاة (¬1) ... وفي هذا أوضح الدلائل على أن ذلك عورة, وجائز أن ينظر إلى ذلك منها كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه وأما النظر للشهوة فحرام تأملها من فوق ثيابها لشهوة فكيف بالنظر إلى وجهها مسفرة وقد روي نحو قول أبي بكر هذا عن أحمد بن حنبل (¬2). ¬

_ (¬1) 1 - قلت: وهذا مما خالف فيه التويجري فأوجب على المرأة أن تستر وجهها وكفيها حتى ظفرها في الصلاة إذا كانت تصلي بحضرة الأجانب دون حجة سوى مجرد الدعوى مع مخالفته ما كان عليه النساء في عهده صلى الله عليه وسلم كما سترى في الكتاب في قصة الرجل الذي كان ينظر إلى المرأة في الصلاة (ص 70) مع مخالفته في ذلك لقول ابن عبد البر هذا والإجماع الذي نقله (¬2) 2 - قلت: قول أحمد هذا رواه أبو داود أيضا في " مسائل الإمام أحمد " (ص 40)

قلت: وقد كنت نقلت فيما يأتي من الكتاب (ص 89) عن ابن رشد: أن مذهب أكثر العلماء على أن وجه المرأة ليس بعورة وعن النووي مثله وأنه مذهب الأئمة الثلاثة ورواية عن أحمد فبعض هذه الأقوال من هؤلاء العلماء الكبار كافية لإبطال دعوى الشيخ الإجماع فكيف بها مجتمعة؟ وإذا كان الإمام أحمد يقول فيما صح عنه: " من ادعى الإجماع فهو كاذب وما يدريه لعل الناس اختلفوا؟ ". إذا كان هذا قوله فيمن لا يدري الخلاف فماذا كان يقول يا ترى فيمن يدري الخلاف ثم يدعي الإجماع؟ فإن قيل: فمن أين يكون له أن الشيخ يعلم الخلاف المذكور ومع ذلك فهو يتجاهله ويكابر؟ فأقول: علمت ذلك من كتابه الذي رد عليه ثانيا. أما الأول فإنه نقل (ص 157) عن الحافظ ابن كثير: أن الجمهور فسر آية الزينة بالوجه والكفين أعاد ذلك (ص 234). وأما الآخر فقد ذكرت في غير موضع من كتابي من قال من العلماء بخلاف إجماعه المزعوم مثل ابن جرير وابن رشد والنووي ومنهم ابن بطال (¬1) ... الذي نقلت عنه فيما يأتي في الكتاب (ص 63) أنه استدل بحديث الخثعمية أن ستر المرأة وجهها ليس فرضا. ¬

_ بلفظ: " إذا صلت المرأة لا يرى منها ولا ظفرها تغطي كل شيء منها " وتبناه الشيخ التويجري في كتابه ولم يلتفت إلى الإجماع الذي ذكره ابن عبد البر وعليه العلم من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم. (¬1) 1 - هو العلامة علي بن خلف القرطبي شرح البخاري في مجلدات مات سنة (449)

تأويل الشيخ لكلام العلماء وتعطيله إياه: فتجاهل الشيخ ذلك كله ولم يتعرض له بجواب اللهم إلا جوابه الذي يؤكد لكل القراء أنه مكابر عنيد وهو قوله (ص 236): إن المذهب الذي نسبه الألباني لأكثر العلماء - ومنهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية عنه - إنما هو في الصلاة إذا كانت المرأة ليست بحضرة الرجال الأجانب وقلده في هذا القول جمع ممن يمشي في ركابه كابن خلف في " نظارته " وأخيرا محمد بن إسماعيل الإسكندراني في " عودة الحجاب " (3/ 228) وغيرهما كثير والله المستعان. ونظرة سريعة في قول ابن بطال المذكور يكفي في إبطال جواب الشيخ هداه الله وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الشيخ خريت ماهر - ولا فخر - في تضليل قرائه وصرفهم عن الاستفادة من أقوال علمائهم بتأويله إياها وإبطال دلالاتها الصريحة تماما كما يفعل أهل الأهواء بتعطيلهم لنصوص الكتاب والسنة وأقوال الأئمة المتعلقة بالأسماء والصفات الإلهية وهذا شيء يعرفه الشيخ منهم فيبدو أنه قد سرت عدواهم إليه - حفظه الله - ولو في مجال الأحكام هداه الله. وتأكيدا لهذا الذي ذكرت لا يسعني هنا إلا أن أذكر مذاهب الأئمة الذين افترى الشيخ عليهم بتأويله لكلامهم على خلاف مرادهم فأقول:

_ كما في " سير الذهبي " (18/ 47)

أولا: مذهب أبي حنيفة: قال الإمام محمد بن الحسن في " الموطأ " (ص 205 بشرح التعليق الممجد - هندية): ولا ينبغي للمرأة المحرمة أن تنتقب فإن أرادت أن تغطي وجهها فلتستدل الثوب سدلا من فوق خمارها. وهو قول أبي حنيفة والعمامة من فقهائنا. وقال أبو جعفر الطحاوي في " شرح المعاني " (2/ 392 - 3): أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرم عليهم من النساء إلى وجوههن وأكفهن وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمه الله تعالى. ثانيا: مذهب مالك " روى عنه صاحبه عبد الرحمن ابن القاسم المصري في " المدونة " (2/ 221) نحو قول الإمام محمد في المحرمة إذا أرادت أن تسدل على وجهها وزاد في البيان فقال: فإن كانت لا تريد سترا فلا تسدل. ونقله ابن عبد البر في " التمهيد " (15/ 111) وارتضاه وقال بعد أن ذكر تفسير ابن عباس وابن عمر لآية: (إلا ما ظهر منها) بالوجه والكفين (6/ 369): وعلى قول ابن عباس وابن عمر الفقهاء في هذا الباب. (قال:) فهذا ما جاء في المرأة وحكمها في الاستتار في صلاتها وغير صلاتها.

تأمل قوله: " وغير صلاتها ". وفي " الموطأ " رواية يحيى (2/ 935): سئل مالك: هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم منها أو مع غلامها؟ قال مالك: ليس بذلك بأس إذا كان ذلك على وجه ما يعرف للمرأة أن تأكل معه من الرجال قال: وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن يؤاكله. قال الباجي في " المنتقى شرح الموطأ " (7/ 252) عقب هذا النص: يقتضي أن نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفيها مباح لأن ذلك يبدو منها عند مؤاكلتها. ثالثا: مذهب الشافعي: قال في كتابه " الأم " (2/ 185): المحرمة لا تخمر وجهها إلا أن تريد أن تستر وجهها فتجافي. وقال البغوي في " شرح السنة " (9/ 23): فإن كانت أجنبية حرة فجميع بدنها عورة في حق الرجل لا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه واليدين إلى الكوعين وعليه غض البصر عن النظر إلى وجهها ويديها أيضا عند خوف الفتنة. فهل هذه النصوص - أيها الشيخ - في الصلاة؟ رابعا: مذهب أحمد: روى ابن صالح في " مسائله " (1/ 319) عنه قال:

المحرمة لا تخمر وجهها ولا تنتقب, والسدل ليس به بأس تسدل على وجهها. قلت: فقوله: " ليس به بأس " يدل على جواز السدل فبطل قول الشيخ بوجوبه كم بطل تقييده للرواية الأخرى عن الإمام الموافقة لقول الأئمة الثلاثة بأن وجهها وكفيها ليسا بعورة كما تقدم في كلام ابن هبيرة وقد أقرها ابن تيمية في " الفتاوى " (15/ 371) وهو الصحيح من مذهبه كما تقدم عن " الإنصاف " وهو اختيار ابن قدامة كما تقدم في " البحث الأول " وعلل ذلك بقوله: لو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما بالنقاب لأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء والكفين للأخذ والإعطاء. ومثل هذا التعليل ذكر في كثير من الكتب الفقهية وغيرها ك " البحر الرائق " لابن نجيم المصري (1/ 284) وتقدم نحوه عن الشوكاني في أول هذا " البحث الخامس " (27). ومما سبق يتبن للقراء الكرام أن أقوال الأئمة الأربعة متفقة على تخيير المرأة المحرمة في السدل على وجهها وعدم إيجاب ذلك عليها خلافا للمتشددين والمقلدين هذا من جهة. ومن جهة أخرى فقد دل قول مالك في " الموطأ " وقول ابن عبد البر: " وغير صلاتها " على بطلان تأويل التويجري المذكور وكذلك تخيير الأئمة المحرمات بالسدل لأن ذلك خارج الصلاة.

فأريد الآن أن أبين لقرائنا الأفاضل علما كتمه المذكورون - أو جهلوه وأحلاهما مر - أن سلف الأئمة رحمهم الله تعالى - فيما سبق - أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قولا وفعلا. أما القول: فهو: (صحيح) " المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوبا مسه ورس أو زعفران ولا تتبرقع لا تلثم وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت " (¬1) أخرجه البيهقي في " سننه " (5/ 47) بسند صحيح وعزاه إليه الحافظ في " الفتح " (4/ 52 - 53) ساكتا عليه فهو ثابت عنده فهو شاهد قوي لحديثها المتقدم في هذا " البحث الخامس " صفحة (27 - 28): " يا أسماء إذا بلغت المرأة المحيض. . . ". وكذلك يشهد له حديثها الآتي. وأما الفعل فهو ما جاء في حديث عمرتها من التنعيم مع أخيها عبد الرحمن قالت: " فأردفني خلفه على جمل له قالت: فجعلت أرفع خماري أحسره عن عنقي فيضرب رجلي بعلة الراحلة (¬2) قلت له: وهل ترى من أحد ..... " ¬

_ (¬1) 1 - هذا الأثر أعرض الشيخ عن ذكره لأنه حجة عليه ولما ذكره مؤلف ما سماه ب " فصل الخطاب " (ص 45) من رواية البيهقي هذه أسقط منها موضع الحجة عليهما أيضا: " إن شاءت " لأنها في عدم الوجوب ومن جهله أنه يظن أن الأثر دون هذه الزيادة يفيد الوجوب وإنما يفيد الجواز والزيادة تؤكده وقلده في الإسقاط - مع الأسف - الأخ الإسكندراني (3/ 304) مع أنه عزاه للبيهقي بالجزء والصفحة فهل وصل التقليد إلى هذا الحد أم هو الاشتراك في إثم الإسقاط وكتم الحقيقة؟ (¬2) 2 - أي سببها والمعنى: أنه يضرب رجل أخته بعود في يده عامدا لها - في صورة من يضرب الراحلة - حين تكشف خمارها عن عنقها غيرة عليها. كذا حققه النووي في

(صحيح). أخرجه مسلم (4/ 34) والنسائي في " السنن الكبرى " (2/ 223 - المصورة) والطيالسي أيضا في " مسنده " (1561) لكن بلفظ: فجعلت أحسر عن خماري فتناولني بشيء من يده. فسقط منه قولها: " عنقي " ورواية مسلم أصح سندا وأرجح متنا كما بينته في " المقدمة " ولذلك لم يعزه الشيخ إلى مسلم وتبعه على ذلك بعض المقلدة - كالمدعو درويش في " فصله " (ص 43) -؛لأنها حجة عليهم من جهة أن الخمار لا يغطي الوجه لغة كما تقدم وكونها معتمرة فلا يجوز لها أن تلثم به كما قالت آنفا فتغطيتها لوجهها بالسدل - كما في بعض الروايات - فعل منها نقول به ولكن لا يدل على الوجوب خلافا لزعم المخالفين. قلت: فبطل بهذا البيان تأويل الشيخ المذكور لمخالفته أقوال أئمة الفقه المصرحة بجواز الكشف عن الوجه في الصلاة وخارجها بحضرة الرجال ولتعليل بعضهم الجواز بحاجة المرأة إلى البيع والشراء والأخذ والإعطاء وبجواز المؤاكلة أيضا وكل هذه الأقوال يحملها الشيخ على الصلاة وليس بحضرة الرجال فما أبطله من تأويل بل تعطيل. فإنا لله وإنا إليه راجعون. [الرد المفحم ص 30]

_ " شرح مسلم "

كتاب اللباس والزينة

كِتَابُ اَللِّبَاسِ وَالزِينَة الحرير مباح للنساء 1865 - " الذهب والحرير حلال لإناث أمتي، حرام على ذكورها". [الصحيحة] قال:: رواه سمويه في " الفوائد " (35/ 1): حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد حدثنا سعيد بن أبي عروبة حدثني ثابت عن زيد بن ثابت بن زيد بن أرقم قال: حدثتني عمتي أنيسة بنت زيد بن أرقم عن أبيها زيد بن أرقم مرفوعا. ومن هذا الوجه أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (2/ 245) والطبراني في " الكبير " (5125) ,والعقيلي في " الضعفاء " (ص 62) وقال: " وهذا يروى بغير هذا الإسناد بأسانيد صالحة ". قلت: ورجاله ثقات غير أنيسة بنت زيد بن أرقم، فلم أعرفها. وثابت ابن زيد بن ثابت، روى العقيلي عن عبد الله بن أحمد قال: " سألت أبي عنه؟ فقال: روى عنه ابن أبي عروبة، وحدثنا عنه معتمر، له أحاديث مناكير، قلت: تحدث عنه؟ قال: نعم، قلت: أهو ضعيف؟ قال: أنا أحدث عنه ". وقال ابن حبان: " الغالب على حديثه الوهم لا يحتج به إذا انفرد ". وبه أعله الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5/ 143).

أحكام الشعر

والحديث صحيح؛ لأن له شواهد يتقوى بها كما أشار إلى ذلك العقيلي في كلامه السابق، وقد خرجتها في " إرواء الغليل " (277) و " غاية المرام في تخريج الحلال والحرام " (78). وهو من حيث دلالته ليس على عمومه ,بل قد دخله التخصيص في بعض أجزائه، فالذهب بالنسبة للنساء حلال إلا أواني الذهب كالفضة، فهن يشتركن مع الرجال في التحريم اتفاقا وكذلك الذهب المحلق على الراجح عندنا، عملا بالأدلة الخاصة المحرمة، ودعوى أنها منسوخة مما لا ينهض عليه دليل كما هو مبين في كتابي " آداب الزفاف في السنة المطهرة " ومن نقل عني خلاف هذا فقد افترى. وكذلك الذهب والحرير محرم على الرجال، إلا لحاجة لحديث عرفجة بن سعد الذي اتخذ أنفا من ذهب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وحديث عبد الرحمن بن عوف الذي اتخذ قميصا من حرير بترخيص النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك. أحكام الشعر 2792 - " لعن الله الواشمات والمستوشمات [والواصلات] والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله ". [الصحيحة] قال رحمه الله: أخرجه الشيخان وأصحاب السنن وغيرهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

وهو مخرج في " آداب الزفاف " (ص 203 - الطبعة الجديدة) من مصادر مطبوعة ومخطوطة، فلا داعي لإعادة تخريجه هنا، وإنما أوردته لزيادة (الواصلات)،فقد خفيت على بعض المعاصرين، فرتب على ذلك حكما يخالف حكم الوشم وغيره من المقرونات معه كما يأتي بيانه. والحديث عندهم جميعا من رواية علقمة عن ابن مسعود، والزيادة المذكورة لأبي داود (4169) بسنده الصحيح عن جرير عن منصورعن إبراهيم عنه. وله متابع قوي، أخرجه البخاري (4887) من طريق سفيان (هوالثوري) قال: ذكرت لعبد الرحمن بن عابس حديث منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة "، فقال: " سمعته من امرأة يقال لها أم يعقوب عن عبد الله مثل حديث منصور ". قلت: حديث منصور هو حديث الترجمة، فهذه طريق أخرى صحيحة إلى علقمة - غير طريق أبي داود - تقويها، وترفع عنها احتمال قول بعض ذوي الأهواء بشذوذها. ويزيدها قوة رواية عبد الرحمن بن عابس عن أم يعقوب، قال الحافظ في " فتح الباري " (10/ 373): " (تنبيه): أم يعقوب هذه لا يعرف اسمها، وهي من بني أسد بن خزيمة، ولم أقف لها على ترجمة، ومراجعتها ابن مسعود تدل على أن لها إدراكا. والله سبحانه وتعالى أعلم ". قلت: وقصة المراجعة كما في " الصحيحين " عقب الحديث: " قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته، فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك

لعنت الواشمات .. (الحديث)؟ فقال عبد الله: ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله؟! فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته! فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. فقالت المرأة: فإني أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن، قال: اذهبي فانظري. قال: فدخلت على امراة عبد الله فلم تر شيئا، فجاءت إليه فقالت: ما رأيت شيئا، فقال: أما لو كان ذلك لم نجامعها ". ثم وجدت للزيادة طريقا ثالثا من طريق مسروق: أن امرأة أتت عبد الله بن مسعود، فقالت: إني امراة زعراء أيصلح أن أصل في شعري؟ فقال: لا. قالت: أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تجده في كتاب الله؟ قال: لا، بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجده في كتاب الله، وساق الحديث. أخرجه النسائي (2/ 281) هكذا، وأحمد (1/ 415) والطبراني في " المعجم الكبير " (9/ 337 / 9468) بتمامه نحو حديث علقمة، ومن الظاهر أن هذه المرأة هي أم يعقوب المذكورة في رواية علقمة، وكذلك هي هي في رواية قبيصة بن جابر (وهو ثقة مخضرم) قال: " كنا نشارك المرأة في السورة من القرآن نتعلمها، فانطلقت مع عجوز من بني أسد إلى ابن مسعود في بيته في ثلاث نفر، فرأى جبينها يبرق! فقال: أتحلقينه؟ فغضبت، وقالت: التي تحلق جبينها امرأتك. قال: فادخلي عليها، فإن كانت تفعله فهي مني بريئة، فانطلقت، ثم جاءت فقالت: لا والله ما رأيتها تفعله، فقال عبد الله بن مسعود: سمعت رسول الله صلى الله

عليه وسلم: فذكره. رواه الهيثم بن كليب في " مسنده " بسند حسن كما في " آداب الزفاف " (ص 203 و 204 - الطبعة الجديدة). (فائدة): قال الحافظ في "الفتح " (10/ 372 - 373): " قوله: " والمتفلجات للحسن " يفهم منه أن المذمومة من فعلت ذلك لأجل الحسن، فلو احتاجت إلى ذلك لمداواة مثلا جاز. قوله: " المغيرات خلق الله " هي صفة لازمة لمن يصنع الوشم والنمص والفلج، وكذا الوصل على إحدى الروايات ". وقال العيني في " عمدة القارىء " (22/ 63): " قوله: " المغيرات خلق الله تعالى " كالتعليل لوجوب اللعن ". فإذا عرفت ما سبق يتبين لك سقوط قول الشيخ الغماري في رسالته " تنوير البصيرة ببيان علامات الكبيرة " (ص 30): " قلت: تغيير خلق الله يكون فيما يبقى أثره كالوشم والفلج، أو يزول ببطء كالتنميص، أما حلق اللحية فلا يكون تغييرا لخلق الله لأن الشعر يبدو ثاني يوم من حلقه .. ". أقول: فهذا كلام باطل من وجوه: الأول: أنه مجرد دعوى لا دليل عليها من كتاب أو سنة أو أثر، وقديما قالوا: والدعاوي ما لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء. الثاني: أنه خلاف ما يدل عليه زيادة " الواصلات "، فإن الوصل، ليس كالوشم وغيره مما لا يزول، أو يزول ببطء ولاسيما إذا كان من النوع الذي يعرف اليوم بـ (الباروكة) فإنه يمكن إزالتها بسرعة كالقلنسوة. الثالث: أن ابن مسعود رضي الله عنه أنكر حلق الجبين واحتج بالحديث كما تقدم في رواية الهيثم، فدل على أنه لا فرق بين الحلق و

النتف من حيث أن كلا منهما تغيير لخلق الله. وفيه دليل أيضا على أن النتف ليس خاصا بالحاجب كما زعم بعضهم. فتأمل. الرابع: أنه مخالف لما فهمه العلماء المتقدمون، وقد مر بك قول الحافظ الصريح في إلحاق الوصل بالوشم وغيره. وأصرح من ذلك وأفيد، ما نقله (10/ 377) عن الإمام الطبري قال: "لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص التماس الحسن، لا للزوج ولا لغيره، لمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج، أو عكسه، ومن تكون لها سن زائدة فتقلعها، أو طويلة فتقطع منها، أو لحية أو شارب أو عنفقة فتزيلها بالنتف، ومن يكون شعرها قصيرا أو حقيرا فتطوله، أو تغزره بشعر غيرها، فكل ذلك داخل في النهي، وهو من تغيير خلق الله تعالى. قال: ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر والأذية كمن يكون لها سن زائدة، أو طويلة تعيقها في الأكل .. " إلخ. قلت: فتأمل قول الإمام: " أو عكسه "، و " أو لحية .. "، وقوله: " فكل ذلك داخل في النهي، وهو من تغيير خلق الله ". فإنك ستتأكد من بطلان قول الغماري المذكور، والله تعالى هو الهادي. هذا وفي رؤية ابن مسعود جبين العجوز يبرق دليل على أن " وجه المرأة ليس بعورة "، والآثار في ذلك كثيرة قولا وفعلا، وقد سقت بعضها في "جلباب المرأة المسلمة " وأما ما زعمه البعض بأنه لا دليل في هذه الرواية على ذلك، لأن العجوز من القواعد! فهو مما لا دليل عليه، فلا يلزم من كونها عجوزا أن تكون قاعدة كما لا يخفى، وإنما ذكرنا ذلك استشهادا، وفيما ذكر هناك من الأدلة كفاية.

حكم الذهب المحلق 39 - تحريم خاتم الذهب ونحوه على النساء: واعلم أن النساء يشتركن مع الرجال في تحريم خاتم الذهب عليهن ومثله السوار والطوق من الذهب لأحاديث خاصة وردت فيهن (¬1) ... فيدخلن لذلك في بعض النصوص المطلقة التي لم تقيد بالرجال مثل الحديث الأول المتقدم آنفا وإليك الآن ما صح من الأحاديث المشار إليها: الأول: [من أحب أن يحلق حبيبه (¬2) بحلقة من نار فليحلقه حلقة (¬3) ... من ذهب ومن أحب أن يطوق حبيبه طوقا من نار فليطوقه طوقا من ذهب ومن أحب أن يسور حبيبه سوارا من نار فليطوقه طوقا (وفي رواية: فليسوره سوارا) من ذهب ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها [العبوا بها العبوا بها] (¬4) ... . ¬

_ (¬1) 1 - ويأتي بيان ما يباح لهن من الذهب (¬2) 2 - فعيل بمعنى مفعول وهو يشمل الرجل والمرأة كما يقال: رجل قتيل وامرأة قتيل وهذا معلوم في اللغة وقد جاء في رواية: " حبيبته " بصيغة التأنيث في حديث أبي موسى الآتي الإشارة إليه قريبا إن شاء الله (¬3) 3 - هو الخاتم لا فص له كذا في " النهاية " قلت: وقد توضع الحلقة في الأذن وتسمى حينئذ قرطا كما يأتي فالظاهر أن الحديث لا يشمله لكن رويت أحاديث تقتضي التحريم فيها ضعف فانظر ما يأتي (ص 236) (¬4) 4 - أخرجه أبو داود وأحمد بسند جيد.

وهذا سند جيد رجاله ثقات رجال مسلم غير أسيد هذا فوثقه ابن حبان وروى عنه جماعة من الثقات وحسن له الترمذي في " الجنائز " وصحح له جماعة ولذا قال الذهبي والحافظ: " صدوق ". الثاني: عن ثوبان رضي الله عنه قال: (جاءت بنت هبيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ [من ذهب] [أي خواتيم كبار] فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يضرب يدها [بعصية معه يقول لها: أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار؟] فأتت فاطمة تشكو إليها قال ثوبان: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة وأنا معه وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب فقالت: هذا أهدى لي أبو حسن (تعني زوجها عليا رضي الله عنه) - وفي يدها السلسلة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا فاطمة أيسرك أن يقول الناس: فاطمة بنت محمد في يدها سلسلة من نار؟ [ثم عذمها (¬1) ... عذما شديدا] فخرج ولم يقعد فعمدت فاطمة إلى السلسلة فباعتها فاشترت بها نسمة فأعتقتها فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار (¬2). ¬

_ (¬1) 1 - أي: لامها وعنفها والعذم: الأخذ باللسان واللوم كذا في " اللسان " (¬2) 2 - أخرجه النسائي والطيالسي ومن طريقه الحاكم والطبراني في " الكبير وكذا أحمد وإسناده صحيح موصول وكذلك صححه ابن حزم وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي

الثالث: عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في يد عائشة قلبين ملويين من ذهب فقال: القيهما عنك واجعلي قلبين من فضة وصفريها بزعفران (¬1) ... الرابع: عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (جعلت شعائر (¬2) ... من ذهب في رقبتها فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنها فقلت: ألا تنظر إلى زينتها فقال: عن زينتك أعرض [قالت: فقطعتها فأقبل علي بوجهه]. قال (¬3) ... : زعموا أنه قال: ما ضر إحداكن لو جعلت خرصا (¬4) من ورق ثم جعلته بزعفران (¬5) ... . ¬

_ (¬1) 1 - رواه القاسم السرقسطي في " غريب الحديث " بسند صحيح والنسائي ... والخطيب والبزار نحوه و (القلبين): السوارين. (ملويين): مفتولين. (¬2) 2 - جمع " شعيرة " وهي ضرب من الحلي على شكل الشعيرة (¬3) 3 - يعني: الراوي وهو عطاء بن أبي رباح فإنه راوي الحديث عن أم سلمة وعليه فهذا القدر من الحديث مرسل لأنه لم يسنده إلى أم سلمة فهو ضعيف نعم أسنده ليث بن أبي سليم فقال: عن عطاء عن أم سلمة به نحه أخرجه أحمد والطبراني في " الكبير " غير أن ليثا فيه ضعف من قبل حفظه وعطاء لم يسمع منها لكن هذا القدر من الحديث صحيح أيضا لأنه مرسل صحيح الإسناد وقد روي موصولا كما علمت وله شاهدان موصولان من حديث أسماء وأبي هريرة كما يأتي. (¬4) 4 - الخرص بالضم والكسر: الحلقة الصغيرة من الحلي. وهو من حلي الأذن " نهاية". (¬5) 5 - أي: صفرته بزعفران. والحديث رواه أحمد بسند صحيح على شرط الشيخين. وهو مرسل صحيح الإسناد.

وفي حديث أسماء بنت يزيد في قصة أخرى نحوه: وتتخذ لها جمانتين من فضة فتدرجه بين أناملها بشيء من زعفران فإذا هو كالذهب يبرق (¬1). 40 - شبهات حول تحريم الذهب المحلق وجوابها. واعلم أن كثيرا من علماء أعرضوا عن العمل بهذه الأحاديث لشبهات قامت لديهم ظنوها أدلة ولا يزال كثيرون منهم يتمسكون بها على أنها حجج تسوغ لهم ترك هذه الأحاديث ولذلك رأيت أنه لا بد من حكاية تلك الشبهات والرد عليها كي لا يغتر بها من لا علم عنده بطرق الجمع بين الأحاديث فيقع في مخالفة الأحاديث الصحيحة المحكمة بدون حجة أو بينة فأقول: دعوى الإجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء وردها 1 - ادعى بعضهم الإجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء وهذا مردود من وجوه: الإجماع الصحيح: الأول: أنه لا يمكن إثبات صحة الإجماع في هذه المسألة وإن نقله البيهقي في [سننه) (4/ 124) وغيره مثل الحافظ ابن حجر في [الفتح) ولكن هذا كأنه أشار لعدم ثبوته حين قال: (10/ 260) في بحث خاتم الذهب: ¬

_ (¬1) 1 - أخرجه أحمد وأبو نعيم وابن عساكر. وهو شاهد حسن لما قبله.

(فقد نقل الإجماع على إباحته للنساء) ويأتي قريبا ما يبطل هذا الإجماع وذلك لأنه لا يستطيع أحد أن يدعي أنه إجماع معلوم من الدين بالضرورة وغير هذا الإجماع مما لا يمكن تصوره فضلا عن وقوعه ولهذا قال الإمام أحمد رضي الله عنه: (من ادعى الإجماع فهو كاذب [وما يدريه؟] لعل الناس اختلفوا) رواه ابنه عبد الله في [مسائله) (ص 390) وتفصيل القول في هذا الموضوع الخطير ليس هذا موضعه فليراجع من شاء التحقيق بعض كتب علم أصول الفقه التي لا يقلد مؤلفوها من قبلهم مثل: [أصول الأحكام لابن حزم (4/ 128 - 144) وإرشاد الفحول للشوكاني] ونحوهما استحالة وجود إجماع صحيح على خلاف حديث صحيح دون وجود ناسخ صحيح. الثاني: لو كان يمكن إثبات الإجماع في الجملة لكان ادعاؤه في خصوص هذه المسألة غير صحيح لأنه مناقض للسنة الصحيحة وهذا مما لا يمكن تصوره أيضا لأنه يلزم منه اجتماع الأمة على ضلال وهذا مستحيل لقوله صلى الله عليه وسلم: [لا تجتمع أمتي على ضلالة) ومثل هذا الإجماع لا وجود له إلا في الذهن والخيال, ولا أصل له في الوجود والواقع قال أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى في [أصول الأحكام) (2/ 71 - 72): (وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكون الإجماع على خلافه قال: وذلك دليل على أنه منسوخ. وهذا عندنا خطأ فاحش متيقن لوجهين برهانيين ضروريين:

أحدهما: أن ورود حديث صحيح يكون الإجماع على خلافه معدوم لم يكن قط ولا هو في العالم فمن ادعى أنه موجود فليذكره لنا ولا سبيل له - والله - إلى وجوده أبدا والثاني: أن الله تعالى قد قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} , [الحجر: 9] فمضمون عند كل من يؤمن بالله واليوم الآخر أن ما تكفل الله عز وجل بحفظه فهو غير ضائع أبدا لا يشك في ذلك مسلم وكلام النبي صلى الله عليه وسلم كله وحي بقوله تعالى: {) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4] والوحي ذكر بإجماع الأمة كلها. والذكر محفوظ بالنص فكلامه عليه السلام محفوظ بحفظ الله تعالى عز وجل ضرورة منقول كله إلينا لا بد من ذلك فلو كان هذا الحديث الذي ادعى هذا القائل أنه مجمع على تركه وأنه منسوخ كما ذكر لكان ناسخه الذي اتفقوا عليه قد ضاع ولم يحفظ وهذا تكذيب لله عز وجل في أنه حافظ للذكر كله ولو كان ذلك لسقط كثير مما بلغ عليه السلام عن ربه وقد أبطل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله في حجة الوداع: اللهم هل بلغت؟) قال: (ولسنا ننكر أن يكون حديث صحيح وآية صحيحة التلاوة منسوخين إما بحديث آخر صحيح, وإما بآية متلوة ويكون الاتفاق على النسخ المذكور قد ثبت بل هو موجود عندنا إلا أننا نقول: لا بد أن يكون الناسخ لهما موجودا أيضا عندنا منقولا إلينا محفوظا عندنا مبلغا نحونا بلفظه قائم النص لدينا. لا بد من ذلك وإنما الذي منعنا منه فهو أن يكون المنسوخ محفوظا منقولا مبلغا إلينا ويكون الناسخ له قد سقط ولم ينقل إلينا لفظه

فهذا باطل عندنا لا سبيل إلى وجوده في العالم أبد الأبد لأنه معدوم البتة قد دخل - بأنه غير كائن - في باب المحال والممتنع عندنا. وبالله تعالى التوفيق) تقديم السنة على الإجماع الذي ليس معه كتاب أو سنة وقال العلامة المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: (ولم يزل أئمة الإسلام على تقديم الكتاب على السنة والسنة على الإجماع وجعل الإجماع في المرتبة الثالثة. قال الشافعي: الحجة كتاب الله وسنة رسوله واتفاق الأئمة وقال في [كتاب اختلافه مع مالك): (والعلم طبقات: الأولى الكتاب والسنة الثابتة ثم الإجماع فيما ليس كتابا ولا سنة. . .). وقال ابن القيم أيضا في صدد بيان أصول فتاوى الإمام أحمد: (ولم يكن (يعني الإمام أحمد) يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا ويقدمونه على الحديث الصحيح وقد كذب أحمد من ادعى هذا الإجماع ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت وكذلك الشافعي ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف ولو ساغ لتعطلت النصوص وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص (¬1). ¬

_ (¬1) 1 - الأعلام: (1/ 32 - 33).

قلت: وهذا ما فعله البعض هنا فقدموا ما زعموه إجماعا على النصوص المتقدمة مع أنه لا إجماع في ذلك وبيانه في الوجه التالي: الثالث: أنه قد ثبت ما ينقض بالإجماع المزعوم وهو ما روى عبد الرزاق في [المصنف) (11/ 70 / 19935) وابن صاعد في [حديثه) (35/ 1 - وهو بخط الحافظ ابن عساكر) وابن حزم (10/ 82) بسند صحيح عن محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول لابنته: (لا تلبسي الذهب إني أخشى عليك اللهب) وروى ابن عساكر (19/ 124 / 2) من طريقين آخرين أن ابنة لأبي هريرة قالت له: إن الجواري يعيرنني يقلن: إن أباك لا يحليك الذهب فقال: قولي لهن: إني أبي لا يحليني الذهب يخشى علي من اللهب. ورواه عبد الرزاق (19938) نحوه وعلقه البغوي في [شرح السنة) (3/ 210 / 82) وحكى الخلاف في هذه المسألة فإنه بعد أن ذكر إباحة خاتم الذهب للنساء وتحليهن به عند الأكثرين قال: (وكره ذلك قوم). ثم ساق حديث أسماء بنت يزيد المتقدم بعضه في المتن (ص 236) وتمامه في التعليق (237) وما حكاه البغوي رحمه الله من الكراهة عن أولئك الذين أشار إليهم من العلماء فهي الكراهة التحريمية؛ لأنه المعروف في اصطلاح السلف تبعا للأسلوب القرآني في عديد من الآيات الكريمة كقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ

وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7]. وقد كنت شرحت هذه المسألة الهامة في كتابي: [تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد) (ص 48 - 55) وذكرت هناك بعض الأمثلة فلتراجع. وبين أيدينا مثال آخر قريب المنال وهو ما تقدم في بحث (خاتم الخطبة) أن الإمام أحمد والإمام إسحاق بن راهويه كرها خاتم الذهب للرجال فهذه الكراهة للتحريم أيضا لتصريح الأحاديث المتقدمة هناك به وكذلك الأمر في تحريم خاتم الذهب على النساء لأن الأدلة صريحة أيضا فمن أطلق كراهته عليهن فإنما يعني الكراهة الشرعية وهي التحريم فتأمل منصفا. وذكر ابن عبد الحكم في [سيرة عمر بن عبد العزيز) (ص 163) أن ابنة عمر بعثت إليه بلؤلؤة وقالت له: إن رأيت أن تبعث لي بأخت لها حتى أجعلها في أذني فأرسل إليها ثم قال لها: إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك بعثت لك بأخت لها. ومن الظاهر أن اللؤلؤة كانت محلاة بالذهب لأنها لا تقوم بنفسها ولا تحلى عادة إلا بها ويؤيد ذلك لفظة: [الجمرتين) فإنها مستوحاة من بعض أحاديث التحريم المتقدمة كحديث بنت هبيرة فثبت بطلان دعوى الإجماع في هذه المسألة.

دعوى نسخ الأحاديث المتقدمة وإبطالها: 2 - وادعى آخرون نسخ هذه الأحاديث المحرمة بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: [أحل الذهب والحرير لإناث أمتي. . .) وهو حديث صحيح بمجموع طرقه وقد ذكرها الزيعلي في [نصب الراية) (4/ 222 - 225) ثم حققته في تخريج كتاب [الحلال والحرام) للأستاذ القرضاوي (رقم 78) وهو ادعاء باطل لأن للنسخ شروطا كثيرة معروفة عند العلماء (¬1): منها أن يكون الخطاب الناسخ متراخيا عن المنسوخ. ومنها أن لا يمكن الجمع بينهما وهذان الشرطان منفيان هنا, أما الأول فلأنه لا يعلم تأخر هذا الحديث المبيح عن أحاديث التحريم, وأما الثاني فلأن الجمع ممكن بسهولة بين الحديث المذكور وما في معناه وبين الأحاديث المتقدمة ذلك؛ لأن الحديث مطلق وتلك مقيدة بالذهب الذي هو طوق أو سوار أو حلقة فهذا هو المحرم عليهن وما سوى ذلك من الذهب المقطع فهو المباح لهن وهو المراد بحديث حل الذهب لهن فهو مطلق مقيد بالأحاديث المشار إليها فلا تعارض وبالتالي فلا نسخ. ولذلك لم نر أحدا ممن ألف في الناسخ والمنسوخ أورد الأحاديث المذكورة فيما هو منسوخ كالحافظ أبي الفرج ابن الجوزي في رسالة [إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ في الحديث) والحافظ أبي بكر الحازمي في كتابه [الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار) وغيرهما بل قد أشار ابن الجوزي رحمه الله في مقدمة رسالته المشارة إليها إلى رد دعوى نسخ هذه الأحاديث فقال: ¬

_ (¬1) 1 - انظر مقدمة " الاعتبار "

(أفردت في هذا الكتاب قدر ما صح نسخه أو احتمل وأعرضت عمَّا لا وجه لنسخه ولا احتمال, فمن سمع بخبر يدعى عليه النسخ وليس في هذا الكتاب فليعلم وهاء تلك الدعوى وقد تدبرته فإذا فيه أحد وعشرون حديثا) بل قال المحقق ابن القيم في [الأعلام) (3/ 458): (إن النسخ الواقع في الأحاديث الذي أجمعت عليه الأمة لا يبلغ عشرة أحاديث البتة ولا شطرها). قلت: ثم ساقها وليس فيها شيء من هذه الأحاديث السابقة فثبت ضعف ادعاء احتمال نسخها فكيف الجزم بنسخها؟ وقد أشار لضعف دعوى النسخ ابن الأثير في [النهاية) بقوله تعليقا على حديث أسماء المشار إليه آنفا: (قيل: كان هذا قبل النسخ فإنه قد ثبت إباحة الذهب للنساء). فإن لفظة: [قيل) للتمريض كما هو معروف). وقال العلامة صدر الدين علي بن علاء الحنفي بعد أن حكى كلام ابن الجوزي الآنف الذكر: (وهذا هو الذي يشهد العقل بصدقه إذا سلم من الهوى, وقد ادعى كثير من الفقهاء في كثير من السنة أنها منسوخة. وذلك إما لعجزه عن الجمع بينها وبين ما يظن أنه يعارضها وإما لعدم علمه ببطلان ذلك المعارض وإما لتصحيح مذهبه ودفع ما يرد عليه من جهة مخالفة, ولكن نجد غيره قد بين

الصواب في ذلك لأن هذا الدين محفوظ ولا تجتمع هذه الأمة على ضلالة (¬1) ... . ولقد صدق رحمه الله في كل ما ذكره فأنت ترى أن هذه الأحاديث المحرمة لا تتعارض مطلقا مع حديث حل الذهب للنساء؛ لأنه عام وتلك خاصة والخاص مقدم على العام كما هو مقرر في علم الأصول ولهذه القاعدة رجح الإمام النووي رضي الله عنه في [شرح مسلم) و [المجموع) وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل مع أنه مخالف لمذهبه بل ومذهب الجمهور حتى ظن بعض المتعالمين في هذا العصر أنه لا يقول بالوضوء منه عالم من علماء المسلمين كما نشر ذلك في بعض الجرائد الدمشقية سنة 1386 هـ تقريبا ولما ذكرنا قال ولي الله الدهلوي في [حجة الله البالغة) (2/ 190) بعد أن ذكر أحاديث التحريم وحديث الحل: (معناه الحل في الجملة وهذا ما يوجبه مفهوم هذه الأحاديث ولم أجد لها معارضا) وأقره صديق حسن خان في [الروضة الندية) (2/ 217 - 218) قلت: ومما يدلك على ضعف دعوى النسخ هذه أن بعض متعصبة الحنفية - وقد سبقت الإشارة إليه - لم ينظر إليها بعين الرضا مع أنه حكاها عن الجمهور الذين يقلدهم في هذه المسألة واحتج على ذلك بقوله - وقد وفق فيه -: ¬

_ (¬1) 1 - كذا في رده على رسالة الشيخ أكمل الدين في انتصاره لمذهب أبي حنيفة (103/ 1)

(إن النسخ لا يلجأ إلى القول به ما دام التوفيق بين الأحاديث ممكنا بحيث لا يرد شيء من الأدلة) وهذا حق لا ريب فيه وهو من المقرر في علم الأصول ولكنه مع الأسف لم يستقر عليه الدكتور بل رجع إلى ادعاء النسخ معارضا بذلك الأخذ بأحاديث التحريم فقال: (إن الفريقين لما تجاذبا دعوى النسخ احتجنا إلى النظر في التاريخ للترجيح بين المذهبين وتعيين الناسخ والمنسوخ والتاريخ يؤيد نظر الجمهور. فإنه لا شك في أن الصحابة في ابتداء الإسلام كانوا في أمس الحاجة للمال. . . ولقد قسم الأنصار أموالهم مناصفة بينهم وبين المهاجرين فكان التختم بالذهب في تلك الفترة بطرا وترفا فلما مضت الأيام وفتحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتوحات صار الناس في رخاء العيش فأباح النبي صلى الله عليه وسلم لبس الذهب لزوال المانع). قلت: وجوابي عليه من وجوه: الأول: أنه لم يذكر نصا تاريخيا يؤيد تأخر المبيح عن الحاظر يرجح به نظر الجمهور وإنما هو مجرد الدعوى أن الإباحة كانت بعد رخاء العيش فأين الدليل عليها؟ الثاني: هذه الدعوى لو صحت لزم منها أن يكون تحريم الذهب على الرجال قد شرع في الوقت الذي حرم على النساء إن لم يكن تقدم عليه وكل عاقل يفهم من قوله: [في ابتداء الإسلام) أنه يعني في مكة أو في أول الهجرة على أبعد تقدير وإذا كان كذلك فنحن نقطع ببطلان هذه الدعوى لأن تحريم الذهب على الرجال إنما كان في أواخر الأمر كما نص على ذلك

الحافظ الذهبي في [تلخيص المستدرك) (3/ 231) ومما يشهد له ما أخرجه البخاري في [اللباس) وأحمد في [المسند) (4/ 328) عن المسور بن مخرمة: (أن أباه مخرمة قال له: يا بني إنه بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قدمت عليه أقبية فهو يقسمها فاذهب بنا إليه فذهبنا إليه. . . فخرج وعليه قباء من الديباج مزرر بالذهب فقال: يا مخرمة هذا خبأته لك فأعطاه إياه) وإنما أسلم مخرمة عام الفتح وذلك بعد ثمان سنين ونصف من الهجرة فهذا نص على أن الذهب كان مباحا إلى ما قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بسنة ونصف تقريبا ولولا ذلك لم يلبس صلى الله عليه وسلم القباء المزرر بالذهب ولا وزعه على أصحابه كما هو ظاهر. الثالث: أنه لو صح قوله: [فأباح النبي صلى الله عليه وسلم لبس الذهب لزوال المانع) لزم منه إباحة الذهب للرجال أيضا لزوال المانع أيضا وهذا باطل لا يقوله عالم وما لزم منه باطل فهو باطل. فإن قال: هذا غير لازم لأن علة تحريم الذهب على الرجال غير علة تحريمه على النساء. قلنا: ما هيه؟ ولا سبيل له إلى إثباتها أبدا إلا بمثل هذه الدعوى التي أثبت بها أختها وليست هي إلا مجرد رأي تفرد به الدكتور في آخر الزمان. وما يلجئ بعض الناس إلى مثل هذه المضايق والآراء إلا محاولتهم التخلص من معارضة النص الشرعي لمخالفته لمذهبهم وتقليدهم وعاداتهم فيقعون فيما هو أعظم منه ولو أنهم استسلموا لحكم الله ورسوله - كما هو المفروض في المسلم - لكان خيرا لهم ولم يقعوا في مثل ذلك.

وخلاصة البحث: أن القول بنسخ الأحاديث المحرمة للذهب على النساء مما لا دليل عليه بل هو مخالف لعلم الأصول والواجب الجمع بينها وبين الأحاديث المبيحة للذهب عليهن وذلك بحمل المطلق على المقيد أو العام على الخاص كما شرحنا وينتج منه أن الذهب كله حلال على النساء إلا المحلق منه كما يحرم عليهن استعمال أواني الذهب والفضة اتفاقا فلا نسخ عندنا خلافا لما فهمه الدكتور وأدار كل بحثه في كتابه عليه كما ينبئك به كلامه السابق في المعارضة المزعومة. والله الهادي لا رب سواه رد الأحاديث المتقدمة بأحاديث مبيحة والجواب عنها. 3 - وقد يرد بعضهم هذه الأحاديث بأحاديث أخرى فيها إباحة المحلق من الذهب على النساء والجواب أن هذا كان قبل التحريم حتما وبيانه: أن من المعلوم بداهة أن النهي عن الشيء مما يحتمل التحليل والتحريم لا يكون إلا بعد أن يكون مسبوقا بالإباحة فالتمسك بها حينئذ فيه مخالفة صريحة لمنطوق الأحاديث المحرمة ومما يقرب هذا إلى المنصفين إن شاء الله تعالى أن هناك أحاديث يستفاد منها إباحة الذهب على الرجال أيضا ومع ذلك فلم يأخذ بها أحد من العلماء لمجيء النصوص المحرمة وقد سبق ذكر بعضها بل ذهبوا إلى أنها كانت قبل التحريم (¬1) ... وكذلك نقول نحن في الأحاديث المبيحة للذهب المحلق للنساء ولا فرق أنها كانت قبل التحريم ومن فرق بين هذه وتلك فهو متناقض أو متلاعب تقييد الأحاديث المتقدمة بمن لم يؤد الزكاة ورده. ¬

_ (¬1) 1 - انظر " فتح الباري " (10/ 258 - 259).

4 - وأجاب بعضهم (¬1) بأن الوعيد الوارد في الأحاديث المتقدمة إنما هو في حق من لا يؤدي زكاة تلك الحلي دون من أداها واستدل عليه بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان (أي سواران) غليظتان من ذهب فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله عز وجل ولرسوله. أخرجه أبو داود (1/ 244) والنسائي (1/ 343) وأبو عبيد في [الأموال) (رقم 1260) وإسناده حسن وصححه ابن الملقن (65/ 1) وتضعيف ابن الجوزي له في [التحقيق) (6/ 197 / 1) مردود عليه. ورواه النسائي في [السنن الكبرى) (ق 5/ 1) عن عمرو بن شعيب به موصولا ثم رواه عنه مرسلا وقال: (الموصول أولى بالصواب) والجواب: إن هذا استدلال ضعيف جدا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر في هذه القصة لبس السوارين. وإنما أنكر عدم إخراج زكاتهما بخلاف الأحاديث المتقدمة فإنه أنكر اللبس ولم يتعرض لإيجاب الزكاة عليها والظاهر أن هذه القصة كانت في وقت الإباحة فكأنه صلى الله عليه وسلم تدرج لتحريمها فأوجب الزكاة ¬

_ (¬1) 1 - هو المنذري في " الترغيب " وقلده بعض المدرسين في " كلية الشريعة " في جامعة دمشق الذي سبق بيان خطئه في تضعيف حديث أبي هريرة المتقدم ولم يتعرض البتة للجواب عن جوابنا هذا الأمر الذي زادنا ثقة بقوته وإيمانا بصوابه

عليها أولا ثم حرمها كما هو صريح الأحاديث السابقة. ولا سيما الحديث الأول من رواية أبي هريرة مرفوعا: (من أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب. . .) إلخ فإنه لا يدل دلالة قاطعة أن التحريم لنفس التحليق وما قرن معه لا لعدم إخراج زكاتها. والحق أن هذه القصة أفادت وجوب الزكاة على الحلي, ومثلها قصة عائشة الآتية في زكاة خواتيم الفضة. فهذه وتلك لا تدل على تحريم الاستعمال بل على وجوب زكاة المستعمل, فالتحريم وعكسه يؤخذ من أدلة أخرى فأخذنا تحريم الذهب المحلق عليهن الأحاديث المتقدمة وأخذنا إباحة الفضة من حديث أبي هريرة المتقدم ومن حديث عائشة المشار إليها وغيرها. وجملة القول أن هذا الحديث لا حجة فيه على ما ذكره المنذري لأنه لم ينص فيه على تحريم السوار إنما كان لأنه لم يؤد زكاته حتى يمكن أن يقال: إنه مفصل وتلك الأحاديث مجملة فيحمل المجمل على المفصل وإنما هي واقعة عين أفادت وجوب زكاة الحلي فلا يعارض ما أفادته الأحاديث السابقة من التحريم. تقييد آخر للأحاديث والجواب عنه. 5 - وأجاب هذا البعض أيضا بجواب آخر (¬1) فقال: إن الوعيد المذكور إنما هو في حق من تزينت به وأظهرته واستدل بما رواه النسائي ¬

_ (¬1) 1 - وقلده أيضا من أشرنا إليه في التعليق السابق دون أن يتعرض للجواب عن ردنا هذا عليه بل إنه أوهم طلابه أن هذا التقييد الوارد في حديث النسائي ثابت يحتج به مع أنه قد ضعفه قبل أسطر بالجهالة الآتي ذكرها ولكنه لم يسق لفظ الحديث ليعلم الطالب أنه هو الذي ورد فيه هذا التقييد فيعلم عدم ثبوته.

وأبو داود عن ربعي بن حراش عن امرأته عن أخت لحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر النساء أما لكن في الفضة ما تحلين به؟ أما إنه ليس منكن امرأة تتحلى ذهبا تظهره إلا عذبت به) ولعل الدكتور وقع منه ذلك اتفاقا ولم يتعمده والجواب من وجهين: الأول: رد الحديث من أصله لعدم ثبوته فإن في سنده امرأة ربعي وهي مجهولة كما قال ابن حزم (10/ 83) ولذلك ضعفته في [المشكاة) (4403) ثانيا: لو كانت العلة هي الإظهار لكان لا فرق في ذلك بين الذهب والفضة لاشتراكهما في العلة مع أن الحديث صريح في التفريق بينهما ولا قائل بحرمة خاتم الفضة على المرأة مع ظهوره فثبت بطلان التمسك بعلة الإظهار. ولهذا قال أبو الحسن السندي: (تظهره) يحتمل أن تكون الكراهة إذا ظهرت وافتخرت به لكن الفضة مثل الذهب في ذلك فالظاهر أن هذا لزيادة التقبيح والتوبيخ والكلام لإفادة حرمة الذهب (يعني: المحلق) على النساء مع قطع النظر عن الإظهار والافتخار).

وهذا كله يقال على افتراض صحة الحديث. وإلا فقد عرفت ضعفه فسقط الاستدلال به أصلا. رد الأحاديث بفعل عائشة والجواب عنه 6 - ومن أعجب ما ردت به هذه الأحاديث الصحيحة قول بعض متعصبة الحنفية: (إن عائشة رضي الله عنها كانت تلبس الخواتيم من الذهب كما رآها ابن أختها القاسم بن محمد وحدث بذلك وهذا الخبر عن عائشة رواه البخاري في صحيحه) وأقول: إطلاق عزو هذا الأثر للبخاري فيه نظر لأن المعروف عند العلماء أن العزو إلى البخاري مطلقا معناه أنه في [صحيحه) مسند وليس كذلك أمر هذا الأثر فإنه إنما ذكره معلقا بدون إسناد وذكر الحافظ في [الفتح) (10/ 271) أنه وصله ابن سعد في [الطبقات). وسكت عن سنده وهو عندي حسن فقال ابن سعد (8/ 48): أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو قال: سألت القاسم بن محمد قلت: إن ناسا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأحمرين: المعصفر والذهب فقال: كذبوا والله لقد رأيت عائشة تلبس المعصفرات وتلبس خواتم الذهب. لكن رواه غير عبد العزيز بلفظ: كانت تلبس الأحمرين: المذهب (¬1) والمعصفر). أخرجه ابن سعد أيضا: وأخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن ابي ¬

_ (¬1) 1 - أي: المموه بالذهب بمعنى المطلي به و " المعصفر " هو الثوب المصبوغ بالعصفر

أويس عن سلميان بن بلال عن عمرو به وهذا الإسناد أصح لأن سليمان هذا أحفظ من عبد العزيز. فإن ثبت ذكر الخاتم في هذا الأثر عن عائشة فالجواب ما سيأتي وإلا فلا حجة فيه مطلقا لأن الرواية الأخرى - وهي الأصح - لا ذكر للخاتم فيها فهو على هذا مثل حديثها الآخر من طريق القاسم أيضا أن عائشة كانت تحلي بنات أختها الذهب ثم لا تزكيه. رواه أحمد في مسائل عبد الله (ص 145) وسنده صحيح فهذا محمول على الذهب المقطع وهو جائز لهن اتفاقا. ثم قال ذاك المذكور: (لا يتصور أن تلبس عائشة رضي الله عنها الذهب الملحق ورسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم معها وفي بيتها ثم لا ينهاها عنه). قلت: هذه مغالطة ظاهرة - ولعلها غير مقصودة - إذ ليس في الأثر المتقدم أن عائشة لبسته على علم منه صلى الله عليه وسلم بل فيه أن القاسم بن محمد رآها تلبسه فمعنى ذلك أن لبسها إياه إنما كان بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لأن القاسم لم يدركه صلى الله عليه وسلم ثم قال عطفا على ما سبق: (أو ينهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يبلغها؟ فهذا مستحيل قطعا) قلت: لا استحالة في ذلك إلا نظرا وهذا ليس يهمنا لأن الواقع خلافه فكم من سنن فعلية وأقوال نبوية خفيت على كبار الصحابة رضي الله عنهم ولولا صحة السند بذلك عنهم لقلنا كما قال المومأ إليه هاهنا ولا يتحمل هذا التعليق الإكثار من أمثلة ذلك فلنقتصر على مثالين منها:

1 - أن عائشة ترى أن الإقراء إنما هي الأطهار كما قال أحمد في [المسائل) (185) وروى مالك في [الموطأ) (2/ 96) بسند صحيح جدا عنها أنها قالت: (تدرون ما الإقراء؟ إنما الإقراء الأطهار) ونحوه في مسائل الإمام أحمد لابنه عبد الله (ص 231). أقول: وقد ثبت في السنة أن القرء إنما هو الحيض وبه قال الحنفية والرجل منهم فهل يرد حضرته مذهبه ولا سيما أنه موافق للسنة من أجل قول عائشة هذا؟ أم يجعل قولها دليلا على نسخ ذلك كما فعل في مسألتنا هذه؟ 2 - قالت عائشة رضي الله عنها: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا أو ما شاء الله قال: هو حسبك من النار أخرجه أبو داود (1/ 244) وغيره وإسناده على شرط الصحيح كما قال الحافظ في [التخليص) (6/ 19) ومحمد بن عطاء الذي في إسناده هو محمد بن عمرو بن عطاء ثقة محتج به في [الصحيحين) كما في [الترغيب) وظنه ابن الجوزي في [التحقيق) (1/ 198 / 1) رجلا آخر فجهله وضعف الحديث من أجل ذلك فلا يلتفت إليه. فهذا الحديث صريح في إيجاب الزكاة على الحلي وهو حجة الذين ذهبوا إلى إيجابه ومنهم الحنفية.

ثم إنه قد ورد عن عائشة نفسها ما يعارض هذا الحديث وهو ما أخرجه مالك (1/ 245) عن القاسم ابن محمد (راوي حديث الخاتم) أن عائشة كانت تل بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة. سنده صحيح جدا وتقدم نحوه من رواية أحمد. فهذه مخالفة صريحة عن عائشة رضي الله عنها لحديثها فإذا جاز في حقها ذلك فبالأحرى أن تخالف حديث غيرها لم تروه هي وهي على كل حال مأجورة فماذا يقول المشار إليه في هذه المخالفة؟ أيدع الحديث والمذهب لقولها أم يتمسك بالحديث ويدع قولها معتذرا عنها بأي عذر مقبول كما هو الواجب؟ وعلى كل حال فقد ظهر لكل من له قلب أن ما كان يظنه مما [لا يتصور) أو أنه [مستحيل قطعا) قد أثبتناه بالأسانيد الصحيحة ولازم ذلك أن لا يتلفت المسلم إلى أي قول يخالف ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم مهما كان شأن قائله فضلا وعلما وصلاحا لانتفاء العصمة وهذا من الأسباب التي تشجعنا على الاستمرار في خطتنا من التمسك بالكتاب والسنة وعدم الاعتداد بما سواهما. كما صنعنا في هذه المسألة التي أسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين للعمل بها وبكل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم. ترك الأحاديث لعدم العلم بها بمن عمل بها وجوابه 6 - هذا ولعل فيمن ينصر السنة ويعمل بها ويدعو إليها من يتوقف عن العمل بهذه الأحاديث بعذر أنه لا يعلم أحدا من السلف قال بها فليعلم هؤلاء الأحبة أن هذا العذر قد يكون مقبولا في بعض المسائل التي يكون

طريق تقريرها إنما هو الاستنباط والاجتهاد فحسب لأن النفس حينئذ لا تطمئن لها خشية أن يكون الاستنباط خطأ. ولا سيما إذا كان المستنبط من هؤلاء المتأخرين الذين يقررون أمورا لم يقل بها أحد من المسلمين بدعوى أن المصلحة تقتضي تشريعها دون أن ينظروا إلى موافقتها لنصوص الشرع أولا مثل إباحة بعضهم للربا الذي سماه بـ (الربا الاستهلاكي) واليانصيب الخيري - زعموا - ونحوهما أما ومسألتنا ليست من هذا القبيل فإن فيها نصوصا صريحة محكمة لم يأت ما ينسخها - كما سبق بيانه - فلا يجوز ترك العمل بها للعذر المذكور. ولا سيما أننا قد ذكرنا من قال بها مثل أبي هريرة رضي الله عنه وولي الله الدهلوي وغيرهما كما تقدم ولا بد أن يكون هناك غير هؤلاء ممن عمل بهذه الأحاديث لم نعرفهم لأن الله تعالى لم يتعهد لنا بحفظ أسماء كل من عمل بنص ما من كتاب أو سنة وإنما تعهد بحفظهما فقط كما قال: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون فوجب العمل بالنص سوءا علمنا من قال به أو لم نعلم ما دام لم يثبت نسخه كما هو الشأن في مسألتنا هذه وأختم هذا البحث بكلمة طيبة للعلامة المحقق ابن القيم رحمه الله تعالى لها مساس كبير بما نحن فيه قال: في [إعلام الموقعين) (3/ 464 - 465): (وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنا من كان ويهجرون فاعل ذلك وينكرون على من يضرب له الأمثال ولا يسوغون غير الانقياد له صلى الله عليه وسلم والتسليم

والتلقي بالسمع والطاعة ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس أو يوافق قول فلان وفلان. بل كانوا عاملين بقوله تعالى: {) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] , وبقوله تعالى: {) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65]. وبقوله تعالى: {) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3]. وأمثالها فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا يقول: من قال هذا؟ دفعا في صدر الحديث ويجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجهل وأقبح من ذلك عذره في جهله إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة. والله المستعان)

صفة لباس المرأة

صفة لباس المرأة إن تتبعنا الآيات القرآنية والسنة المحمدية والآثار السلفية في هذا الموضوع الهام قد بين لنا أن المرأة إذا خرجت من دارها وجب عليها أن تستر جميع بدنها وأن لا تظهر شيئا من زينتها حاشا وجهها وكفيها - إن شاءت - بأي نوع أو زي من اللباس ما وجدت فيه الشروط الآتية: الشرط الأول: (استيعاب جميع البدن إلا ما استثني) , فهو في قوله تعالى في [سورة النور: الآية 31]: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وقوله تعالى في [سورة الأحزاب: الآية 59]: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}. ففي الآية الأولى التصريح بوجوب ستر الزينة كلها وعدم إظهار شيء منها أمام الأجانب إلا ما ظهر بغير قصد منهن فلا يؤاخذن عليه إذا بادرن

إلى ستره قال الحافظ ابن كثير في (تفسيره): (أي: لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه قال ابن مسعود: كالرداء والثياب يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه لأن هذا لا يمكن إخفاؤه) وقد روى البخاري (7/ 290) ومسلم (5/ 197) عن أنس رضي الله عنه قال: (صحيح) (لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مجوب عليه بحجفة له. . . ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما (يعني الخلاخيل) تنقزان القرب على متونهما تفرغانه في أفواه القوم. . .) قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (وهذه كانت قبل الحجاب ويحتمل أنها كانت عن غير قصد للنظر) قلت: وهذا المعنى الذي ذكرنا في تفسير: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] هو المتبادر من سياق الآية وقد اختلفت أقوال السلف في تفسيرها: فمن قائل: إنها الثياب الظاهرة. ومن قائل: إنها الكحل والخاتم والسوار والوجه وغيرها من الأقوال التي رواها ابن جرير في (تفسيره) (18/ 84) عن بعض الصحابة والتابعين ثم اختار هو أن المراد بهذا الاستثناء الوجه والكفان فقال: (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بذلك الوجه والكفين يدخل في ذلك - إذا كان كذلك - الكحل والخاتم والسوار والخضاب وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل لإجماع الجميع على أن على كل مصل أن يستر عورته في صلاته, وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها إلا ما

روي [الحديث منكر] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لها أن تبدي من ذراعها قدر النصف فإذا كان ذلك من جميعهم إجماعا كان معلوما بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره وإذا كان لها إظهار ذلك كان معلوما أنه مما استثنى الله تعالى ذكره بقوله:: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] لأن كل ذلك ظاهر منها). وهذا الترجيح غير قوي عندي لأنه غير متبادر من الآية على الأسلوب القرآني وإنما هو ترجيح بالإلزام الفقهي وهو غير لازم هنا لأن للمخالف أن يقول: جواز كشف المرأة عن وجهها في الصلاة أمر خاص بالصلاة فلا يجوز أن يقاس عليه الكشف خارج الصلاة لوضوح الفرق بين الحالتين. أقول هذا مع عدم مخالفتنا له في جواز كشفها وجهها وكفيها في الصلاة وخارجها لدليل بل لأدلة أخرى غير هذه كما يأتي بيانه وإنما المناقشة هنا في صحة هذا الدليل بخصوصه لا في صحة الدعوى فالحق في معنى هذا الاستثناء ما أسلفناه أول البحث وأيدناه بكلام ابن كثير. ويؤيده أيضا ما في (تفسير القرطبي) (12/ 229): (قال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن ونحو ذلك فـ: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه).

قال القرطبي: (قلت: هذا قول حسن إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج فيصلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفيه فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها والله الموفق لا رب سواه). قلت: وفي هذا التعقيب نظر أيضا؛ لأنه وإن كان الغالب على الوجه والكفين ظهورهما بحكم العادة فإنما ذلك بقصد من المكلف, والآية حسب فهمنا إنما أفادت استثناء ما ظهر دون قصد فكيف يسوغ حينئذ جعله دليلا شاملا لما ظهر بالقصد؟ فتأمل. ثم تأملت فبدا لي أن قول هؤلاء العلماء هو الصواب وأن ذلك من دقة نظرهم رحمهم الله وبيانه: أن السلف اتفقوا على أن قوله تعالى:: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يعود إلى فعل يصدر من المرأة المكلفة غاية ما في الأمر أنهم اختلفوا فيما تظهره بقصد منها فابن مسعود يقول: هو ثيابها أي: جلبابها. وابن عباس ومن معه من الصحابة وغيرهم يقول: هو الوجه والكفان منها. فمعنى الآية حينئذ: إلا ما ظهر عادة بإذن الشارع وأمره.

ألست ترى أن المرأة لو رفعت من جلبابها حتى ظهر من تحته شيء من ثيابها وزينتها - كما يفعل ذلك بعض المتجلببات السعوديات - أنها تكون قد خالفت الآية باتفاق العلماء فقد التقى فعلها هذا مع فعلها الأول وكلاهما بقصد منها لا يمكن إلا هذا فمناط الحكم إذن في الآية ليس هو ما ظهر دون قصد من المرأة - فهذا مما لا مؤاخذة عليه في غير موضع الخلاف أيضا اتفاقا - وإنما هو فيما ظهر دون إذن من الشارع الحكيم فإذا ثبت أن الشرع سمح للمرأة بإظهار شيء من زينتها سواء كان كفا أو وجها أو غيرهما فلا يعترض عليه بما كنا ذكرناه من القصد لأنه مأذون فيه كإظهار الجلباب تماما كما بينت آنفا. فهذا هو توجيه تفسير الصحابة الذين قالوا: إن المراد بالاستثناء في الآية الوجه والكفان وجريان عمل كثير من النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده كما سترى في النصوص الآتية المتواترة معنى. ويعود الفضل في التنبه لهذا التوجيه - بعد الله تعالى - إلى الحافظ أبي الحسن بن القطان الفاسي رحمه الله تعالى في كتابه القيم الفريد الذي أطلعني الله عليه وأنا أهيئ مقدمة هذه الطبعة الجديدة ألا وهو (النظر في أحكام النظر) فقد تكلم فيها بعلم واسع ونظر ثاقب على كل مسائله ومنها ما نحن فيه فنبهني على ما أشرت إليه قوله فيه (ق 14/ 2): (وإنما نعني بالعادة هنا عادة من نزل عليهم القرآن وبلغوا عن النبي صلى الله عليه وسلم الشرع وحضروا به خطاب المواجهة ومن لزم تلك العادة بعدهم إلى هلم جرا لا لعادة النسوان وغيرهم المبدين أجسادهم وعوراتهم).

قلت: فابن عباس ومن معه من الأصحاب والتابعين والمفسرين إنما يشيرون بتفسيرهم لآية: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} إلى هذه العادة التي كانت معروفة عند نزولها وأقروا عليها فلا يجوز إذن معارضة تفسيرهم بتفسير ابن مسعود الذي لم يتابعه عليه أحد من الصحابة لأمرين اثنين: الأول: أنه أطلق الثياب ولا قائل بهذا الإطلاق؛ لأنه يشمل الثياب الداخلية التي هي في نفسها زينة كما تفعله بعض السعوديات كما تقدم فإذن هو يريد منها الجلباب فقط الذي تظهره المرأة من ثيابها إذا خرجت من دارها. والآخر: أن هذا التفسير - وإن تحمس له بعض المتشددين - لا ينسجم مع بقية الآية وهي: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} الآية؛ فالزينة الأولى هي عين الزينة الثانية كما هو معروف في الأسلوب العربي: أنهم إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه فهو هو فإذا كان الأمر كذلك فهل الآباء ومن ذكروا معهم في الآية لا يجوز لهم أن ينظروا إلا إلى ثيابهن الباطنة؟ ولذلك قال أبو بكر الجصاص رحمه الله في (أحكام القرآن) (3/ 316): (وقول ابن مسعود في أن: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} هو الثياب لا معنى له؛ لأنه معلوم أنه ذكر الزينة والمراد العضو الذي عليه الزينة. ألا ترى أن سائر ما تتزين به من الحلي والقلب والخلخال والقلادة يجوز أن تظهرها للرجال إذا لم تكن هي لابستها فعلمنا أن المراد مواضع الزينة كما قال في نسق الآية بعد هذا {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ}

والمراد موضع الزينة فتأويلها على الثياب لا معنى له إذ كان مما يرى الثياب عليها دون شيء من بدنها كما يراها إذا لم تكن لابستها). وكأنه لهذا لم يعرج عليه الحافظ ابن القطان في كتابه الآنف الذكر وقد ذكره في جملة ما قيل في تفسير الآية كما ذكر أقوال العلماء والمذاهب حولها بتفصيل وتحرير وتحقيق فيها لا أعرف له مثيلا, ثم ساق بعض الأحاديث التي يمكن الاستدلال بها على جواز إبداء المرأة لوجهها وكفيها للأجانب. ومع أنه فاته الكثير من الأحاديث التي ذكرت في كتابنا هذا فقد ناقشها مناقشة دقيقة وميز صحيحها وسقيمها وما يصح الاستدلال به وما لا يصح من الناحية الفقهية دون أن يتحيز لفئة. ثم تكلم على الآية وفسرها تفسيرا بديعا يدل على أنه إمام في التفسير والفقه أيضا كما هو في الحديث فأفاد - رحمه الله - أن النهي فيها مطلق من وجوه ذكرها وهي أربعة وفصل القول فيها تفصيلا رائعا ويهمنا هنا منها رابعها فقال (ق 15/ 1): (ومطلقة بالنسبة إلى كل ناظر ورد على إطلاقه منها استثناءان: أحدهما: على مطلق الزينة وخصص به منها (ما ظهر منها) فيجوز إبداؤه لكل واحد. والآخر: على مطلق الناظرين الذين يبدى لهم شيء من ذلك فخصص منهم البعولة ومن بعدهم). وبعد أن ساق قول ابن مسعود وأقوال الصحابة والتابعين المخالفة وأقوال المذاهب والأحاديث المشار إليها آنفا قال ملخصا للموضوع وموضحا رأيه فيه (ق 21/ 1):

(الأحاديث المذكورة في الباب إما أن تدل على إبدائها جميع ذلك (يعني: الوجه والكفين) أو بعضه دلالة يمكن الانصراف عنها بتحميل اللفظ أو القصة غير ذلك لكن الانصراف عما يدل عليه ظاهر اللفظ أو سياق القصة لا يكون جائزا إلا بدليل عاضد يصير الانصراف تأويلا وإذا لم يكن هناك دليل كان الانصراف تحكما. فعلى هذا يجب القول بما تظاهرت هذه الظواهر وتعاضدت عليه من جواز إبداء المرأة وجهها وكفيها لكن يستثنى من ذلك ما لا بد من استثنائه قطعا, وهو ما إذا قصدت بإبداء ذلك التبرج وإظهار المحاسن فإن هذا يكون حراما ويكون الذي يجوز لها إنما هو إبداء ما هو في حكم العادة ظاهر حين التصرف والتبذل فلا يجب عليها أن تتعاهده بالستر بخلاف ما هو في العادة (أي الشرعية) مستور إلا أن يظهر بقصد كالصدر والبطن فإن هذا لا يجوز لها إبداؤه ولا يعفى لها عن بدوه ويجب عليها ستره في حين التصرف كما يجب من ستره في حين الطمأنينة ويعضد هذه الظواهر وهذا المنزع قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ}. فمعنى الآية: لا يبدين زينتهن في مواضعها لأحد من الخلق إلا ما كان عادة ظاهرة عند التصرف فما وقع من بدوه وإبدائه بغير قصد التبرج والتعرض للفتنة فلا حرج فيه) ثم قال (ق 21/ 2): (ويتأيد المعنى الذي حملنا عليه الآية من أن الظاهر هو الوجه والكفان بقوله تعالى المتقدم متصلا به: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فإنه يفهم منه أن القرطة قد يعفيهن عند بدو وجوههن عن تعاهد سترها فتنكشف فأمرن أن يضربن بالخُمر على الجيوب حتى لا يظهر شيء من ذلك إلا الوجه الذي من شأنه أن يظهر حين التصرف, إلا أن يستر بقصد وتكلف

مشقة وكذلك الكفان وذكر أهل التفسير أن سبب نزول الآية هو أن النساء كن وقت نزولها إذا غطين رؤوسهن بالخمر يسدلنها خلفهن كما تصنع النبط فتبقى النحور والأعناق بادية فأمر الله سبحانه بضرب الخمر على الجيوب ليستر جميع ما ذكر وبالغ في امتثال هذا الأمر نساء المهاجرين والأنصار فزدن فيه تكثيف الخمر. . .). ثم ذكر حديث عائشة الآتي (ص 78) لكن من رواية أبي داود بلفظ: (شققن أكنف (وقال ابن صالح: أكثف) مروطهن فاختمرن بها). وقال: (هذا إسناد حسن). ثم قال الحافظ ابن القطان رحمه الله تعالى: (فإن قيل: هذا الذي ذهبت إليه من أن المرأة معفو لها عن بدو وجهها وكفيها - وإن كانت مأمورة بالستر جهدها - يظهر خلافه من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} الآية؟ فالجواب أن يقال: يمكن أن يفسر هذا (الإدناء) تفسيرا لا يناقض ما قلناه وذلك بأن يكون معناه: يدنين عليهن من جلابيبهن ما لا يظهر معه القلائد والقرطة مثل قوله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}؛ فإن (الإدناء) المأمور به مطلق بالنسبة إلى كل ما يطلق عليه (إدناء) فإذا حملناه على واحد مما يقال عليه (إدناء) يقضي به عن عهدة الخطاب إذ لم يطلب به كل (إدناء) فإنه إيجاب بخلاف النهي والنفي).

ويلاحظ القراء الكرام أن هذا البحث القيم الذي وقفت عليه بفضل الله من كلام هذا الحافظ ابن القطان يوافق تمام الموافقة ما كنت ذكرته اجتهادا مني وتوفيقا بين الأدلة: أن الآية مطلقة كما ستراه مصرحا به (ص 87) فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. نعم حديث عائشة عند أبي داود دليل واضح على جواز إظهار المرأة الوجه والكفين لولا أن فيه ما بيناه في التعليق إلا أنه من الممكن أن يقال: إنه يقوى بكثرة طرقه وقد قواه البيهقي, كما يأتي أدناه فيصلح حينئذ دليلا على الجواز المذكور. لا سيما وقد عمل به كثير من النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث كن يكشفن عن وجوههن وأيديهن بحضرته صلى الله عليه وسلم وهو لا ينكر ذلك عليهن وفي ذلك عدة أحاديث نسوق ما يحضرنا الآن منها: 1 - (صحيح) عن جابر بن عبد الله قال: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من سطة النساء (أي: جالسة في وسطهن) سفعاء الخدين (أي: فيهما تغير وسواد) فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن).

2 - (صحيح) عن ابن عباس [عن الفضل بن عباس]: (أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع [يوم النحر] والفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم [وكان الفضل رجلا وضيئا. . . فوقف النبي صلى الله عليه وسلم للناس يفتيهم]) الحديث وفيه: (فأخذ الفضل بن عباس يلتفت إليها وكانت امرأة حسناء (وفي رواية: وضيئة) (وفي رواية: فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها) [وتنظر إليه] فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذقن الفضل فحول وجهه من الشق الآخر). وفي رواية لأحمد (1/ 211) من حديث الفضل نفسه: (فكنت أنظر إليها فنظر إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقلب وجهي عن وجهها ثم أعدت النظر فقلب وجهي عن وجهها حتى فعل ذلك ثلاثا وأنا لا أنتهي) ورجاله ثقات لكنه منقطع إن كان الحكم بن عتيبة لم يسمعه من ابن عباس. وروى هذه القصة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذكر أن الاستفتاء كان عند المنحر بعد ما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة وزاد: (فقال له العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ قال: رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما). 3 - (صحيح) عن سهل بن سعد: (أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [وهو في المسجد] فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي [فصمت فلقد رأيتها قائمة مليا أو قال: هوينا] فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد

النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه, فلما رأت المرأة أنه لم يقصد فيها شيئا جلست) الحديث. 4 - (صحيح) عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفن من الغَلس). ووجه الاستدلال بها هو قولها: (لا يعرفن من الغلس) فإن مفهومه أنه لولا الغلس لعرفن وإنما يعرفن عادة من وجوههن وهي مكشوفة فثبت المطلوب. وقد ذكر معنى هذا الشوكاني (2/ 15) عن الباجي. ثم وجدت رواية صريحة في ذلك بلفظ: (وما يعرف بعضنا وجوه بعض) (صحيح). 5 - (صحيح) عن فاطمة بنت قيس: (أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة (وفي رواية: آخر ثلاث تطليقات) وهو غائب. . . فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له. . فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك [عنده]. (وفي رواية: انتقلي إلى أم شريك - وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله ينزل عليها الضيفان - فقلت: سأفعل فقال: لا تفعلي إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان فإني أكره أن يسقط خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن أم مكتوم [الأعمى]. . . وهو من البطن الذي

هي منه [فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك] , فانتقلت إليه فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي ينادي: الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضى صلاته جلس على المنبر فقال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال. . .) الحديث. وينبغي أن يعلم أن هذه القصة وقعت في آخر حياته صلى الله عليه وسلم لأن فاطمة بنت قيس ذكرت أنها بعد انقضاء عدتها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بحديث تميم الداري وأنه جاء وأسلم. وقد ثبت في ترجمة تميم أنه أسلم سنة تسع فدل ذلك على تأخر القصة عن آية الجلباب فالحديث إذن نص على أن الوجه ليس بعورة. 6 - (صحيح) عن ابن عباس رضي الله عنهما: (قيل له: شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ولولا مكاني من الصغر ما شهدته حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلى [قال: فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ثم أقبل يشقهم] ,ثم أتى النساء ومعه بلال [فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ} [الممتحنة: 12]؛ فتلا هذه الآية حتى فرغ منها, ثم قال حين فرغ منها: أنتن على ذلك؟ فقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها منهن: نعم يا نبي الله قال:] فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة [قال: فبسط بلال ثوبه ثم قال: هلم لكن فداكن أبي وأمي] فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه (وفي

رواية: فجعلن يلقين الفتخ والخواتم) في ثوب بلال ثم انطلق هو وبلال إلى بيته). 7 - (صحيح) عن سبيعة بنت الحارث: (أنها كانت تحت سعد بن خولة فتوفي عنها في حجة الوداع وكان بدريا فوضعت حملها قبل أن ينقضي أربعة أشهر وعشر من وفاته فلقيها أبو السنابل بن بعكك حين تعلت من نفاسها وقد اكتحلت [واختضبت وتهيأت] فقال لها: اربعي على نفسك - أو نحو هذا - لعلك تريدين النكاح؟ إنها أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجك قالت: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ما قال أبو السنابل بن بعكك فقال: قد حللت حين وضعت). 8 - (حديث حسن أو صحيح) عن عائشة رضي الله عنها: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تبايعه ولم تكن مختضبة فلم يبايعها حتى اختضبت). 9 - (صحيح) عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي. قال: (إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك) فقالت: أصبر فقالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها. 10 - (صحيح) وعن ابن عباس أيضا قال: (كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن الناس [قال ابن عباس: لا والله ما رأيت مثلها قط] فكان بعض

القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه [وجافى يديه] فأنزل الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} [الحجر: 24]. 11 - (صحيح) عن ابن مسعود قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة فأعجبته فأتى سودة وهي تصنع طيبا وعندها نساء فأخلينه فقضى حاجته ثم قال: (أيما رجل رأى امرأة تعجبه فليقم إلى أهله فإن معها مثل الذي معها). 12 - (حسن) عن عبد الله بن محمد عن امرأة منهم قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا آكل بشمالي وكنت امرأة عسرى فضرب يدي فسقطت اللقمة فقال: (لا تأكلي بشمالك وقد جعل الله تبارك وتعالى لك يمينا) أو قال: (وقد أطلق الله عز وجل لك يمينا). 13 - (صحيح) عن ثوبان رضي الله عنه قال: جاءت بنت هبيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ من ذهب [أي: خواتيم كبار] فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يضرب يدها بعصية معه يقول: (أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار؟. . .) الحديث ففي هذه الأحاديث دلالة على جواز كشف المرأة عن وجهها وكفيها فهي تؤيد حديث عائشة المتقدم وتبين أن ذلك هو المراد بقوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] كما سبق (ص 51).

على أن قوله تعالى فيما بعد: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] يدل على ما دلت عليه بعض الأحاديث السابقة من عدم وجوب ستر المرأة لوجهها؛ لأن (الخمر) جمع خمار وهو ما يغطى به الرأس. و (الجيوب) جمع (الجيب) وهو موضع القطع من الدرع والقميص وهو من الجوب وهو القطع فأمر تعالى بلي الخمار على العنق والصدر فدل على وجوب سترهما ولم يأمر بلبسه على الوجه فدل على أنه ليس بعورة ولذلك قال ابن حزم في (المحلى) (3/ 216 - 217): (فأمرهن الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب وهذا نص على ستر العورة والعنق والصدر وفيه نص على إباحة كشف الوجه لا يمكن غير ذلك). إبطال دعوى أن هذه الأدلة كلها كانت قبل فرضية الجلباب: أقول: فإن قيل: إن ما ذكرته واضح جدا غير أنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل فرض الجلباب فلا يصح الاستدلال حينئذ إلا بعد إثبات وقوعه بعد الجلباب. وجوابنا عليه من وجهين: الأول: أن الظاهر من الأدلة أنه وقع بعد الجلباب وقد حضرنا في ذلك حديثان: الأول: (صحيح) حديث أم عطية رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر النساء أن يخرجن لصلاة العيد قالت أم عطية: إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها). متفق عليه.

ففيه دليل على أن النساء إنما كن يخرجن إلى العيد في جلابيبهن وعليه فالمرأة السفعاء الخدين كانت متجلببة. ويؤيده الحديث الآتي وهو: الحديث الثاني: حديثها أيضا قالت: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت ثم أرسل إليهن عمر بن الخطاب فقام على الباب فسلم عليهن فرددن السلام فقال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن فقلن: مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبرسوله فقال: تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ولا تعصين في معروف؟ فقلن: نعم فمد عمر يده من خارج الباب ومددن أيديهن من داخل ثم قال اللهم اشهد وأمرنا (وفي رواية: فأمرنا) أن نخرج في العيدين العتق والحيض ونهينا عن اتباع الجنائز ولاجمعة علينا فسألته عن البهتان, وعن قوله: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قال: هي النياحة). ووجه الاستشهاد به إنما يتبين إذا تذكرنا أن آية بيعة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ} [الممتحنة: 12] إنما نزلت يوم الفتح كما قال مقاتل (الدر) (6/ 209) ونزلت بعد آية الامتحان, كما أخرجه ابن مردويه عن جابر (الدر) (6/ 211) وفي (البخاري) عن المسور أن آية الامتحان نزلت في يوم الحديبية وكان ذلك سنة ست على الصحيح كما قال ابن القيم في (الزاد) وآية الحجاب إنما نزلت سنة ثلاثة وقيل: خمس حين بنى صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش كما في ترجمتها من (الإصابة).

فثبت من ذلك أن أمر النساء بالخروج إلى العيد إنما كان بعد فرض الجلباب ويؤيده أن في حديث عمر أنه لم يدخل على النساء وإنما بايعهن من وراء الباب وفي هذه القصة أبلغهن أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بأن يخرجن للعيد وكان ذلك في السنة السادسة عقب رجوعه صلى الله عليه وسلم من الحديبية بعد نزول آية الامتحان والبيعة كما تقدم وبهذا تعلم معنى قول أم عطية في أول حديثها الثاني: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) أي: من الحديبية ولا تعني قدومه إليها من مكة مهاجرا كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة. فتأمل. الوجه الآخر: إذا فرضنا عجزنا عن إثبات ما ذكرنا فإن مما لا شك فيه عند العلماء أن إقراره صلى الله عليه وسلم المرأة على كشف وجهها أمام الرجال دليل على الجواز وإذا كان الأمر كذلك فمن المعلوم أن الأصل بقاء كل حكم على ما كان عليه حتى يأتي ما يدل على نسخه ورفعه, ونحن ندعي أنه لم يأت شيء من ذلك هنا بل جاء ما يؤيد بقاءه واستمراره كما سترى فمن ادعى خلاف ذلك فهو الذي عليه أن يأتي بالدليل الناسخ وهيهات هيهات. على أننا قد أثبتنا فيما تقدم من حديث الخثعمية أن الحادثة كانت في حجة النبي صلى الله عليه وسلم وهي كانت بعد فرض الجلباب يقينا وما أجابوا عنها تقدم إبطاله بما لا يبقي شبهة. ويؤيد ذلك قوله تعالى في صدر الآية المتقدمة: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ....... وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ} الآية [النور: 30 - 31]؛ فإنها تشعر بأن في المرأة شيئا مكشوفا يمكن النظر إليه.

فلذلك أمر تعالى بغض النظر عنهن وما ذلك غير الوجه والكفين, مثلها قوله صلى الله عليه وسلم: (صحيح) (إياكم والجلوس بالطرقات. . . . فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). وقوله: (الحديث حسن) (يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة) وعن جرير بن عبد الله قال: (صحيح) (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة؟ فأمرني صلى الله عليه وسلم أن أصرف بصري). هذا وقد ذكر القرطبي (12/ 230) وغيره في سبب نزول هذه الآية: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]. (أن النساء كن في ذلك الزمان إذا غطين رؤوسهن بالأخمرة, وهي المقانع سدلنها من وراء الظهر كما يصنع النبط. فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر على ذلك. فأمر الله تعالى بلي الخمار على الجيوب). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (صحيح) (يرحم الله نساء المهاجرين الأول لما أنزل الله:: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}؛ شققن مروطهن فاختمرن بها (وفي رواية: أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها).

وعن الحارث بن الحارث الغامدي قال: (صحيح) ([قلت لأبي ونحن بمنى:] ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء القوم قد اجتمعوا على صابئ لهم قال: فنزلنا (وفي رواية: فتشرفنا) فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى توحيد الله والإيمان به وهم يردون عليه [قوله] ويؤذونه حتى انتصف النهار وتصدع عنه الناس وأقبلت امرأة قد بدا نحرها [تبكي] تحمل قدحا [فيه ماء] ومنديلا فتناوله منها وشرب وتوضأ ثم رفع رأسه [إليها] فقال: يا بنية خمري عليك نحرك ولا تخافي على أبيك [غلبة ولا ذلا] قلت: من هذه؟ قالوا: [هذه] زينب بنته). ثم إن قوله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] , يدل على أن النساء يجب عليهن أن يسترن أرجلهن أيضا, وإلا لاستطاعت إحداهن أن تبدي ما تخفي من الزينة (وهي الخلاخيل) ولاستغنت بذلك عن الضرب بالرجل, ولكنها كانت لا تستطيع ذلك؛ لأنه مخالفة للشرع مكشوفة. ومثل هذه المخالفة لم تكن معهودة في عصر الرسالة ولذلك كانت إحداهن تحتال بالضرب بالرجل لتعلم الرجال ما تخفي من الزينة فنهاهن الله تعالى عن ذلك وبناء على ما أوضحنا قال ابن حزم في (المحلى) (3/ 216): (هذا نص على أن الرجلين والساقين مما يخفى ولا يحل إبداؤه) ويشهد لهذا من السنة حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حسن صحيح) (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبرا

فقالت: إذن تنكشف أقدامهن قال: فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه).أخرجه الترمذي (3/ 47) وقال: (هذا حديث حسن صحيح). وفي الحديث رخصة للنساء في جر الإزار لأنه يكون أستر لهن وقال البيهقي: (وفي هذا دليل على وجوب ستر قدميها) , وعلى هذا جرى العمل من النساء في عهده صلى الله عليه وسلم وما بعده وترتب عليه بعض المسائل الشرعية فقد أخرج مالك وغيره. (صحيح) عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؟ قالت أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطهره ما بعده). وعن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: (صحيح) (قلت: يا رسول الله إن لنا طريقا إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا؟ قال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ قالت: قلت: بلى قال: فهذه بهذه) ومن أجل ذلك كان من شروط المسلمين الأولين على أهل الذمة أن تكشف نساؤهم عن سوقهن وأرجلهن لكي لا يتشبهن بالمسلمات كما جاء في (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) (ص 59) ثم إن الله تعالى بعد أن بين في الآية السابقة - آية النور - ما يجب على المرأة أن تخفي من زينتها أمام الأجانب ومن يجوز أن تظهرها أمامهم أمرها في الآية الأخرى إذا خرجت من دارها أن تلتحف فوق ثيابها وخمارها

بالجلباب أو الملاءة لأنه أستر لها وأشرف لسيرتها وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب: 59].ولما نزلت خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية. والجلباب: هو الملاءة التي تلتحف به المرأة فوق ثيابها على أصح الأقوال وهو يستعمل في الغالب إذا خرجت من دارها كما روى الشيخان وغيرهما عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (صحيح) (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيض وذوات الخدور فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها). قال الشيخ أنور الكشميري في (فيض الباري) (1/ 388) تعليقا على هذا الحديث: (وعلم منه أن الجلباب مطلوب عند الخروج وأنها لا تخرج إن لم يكن لها جلباب. والجلباب رداء ساتر من القرن إلى القدم. وقد مر مني أن الخمر في البيوت والجلابيب عند الخروج وبه شرحت الآيتين في الحجاب: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] والثانية: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59]) وقال في المكان الذي أشار إليه (1/ 256) بعد أن فسر الجلباب والخمار بنحو ما تقدم:

فإن قلت: إن إدناء الجلباب يغني عن ضرب الخمر على جيوبهن قلت: بل إدناء الجلباب فيما إذا خرجت من بيتها لحاجة وضرب الخمر في عامة الأحوال فضرب الخمر محتاج إليه). قلت: وتقييده الخمر بالبيوت فيه نظر لأنه خلاف الظاهر من الآية الأولى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ ......... وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ .... } [النور: 31] فإن النهي عن الضرب بالأرجل قرينة واضحة على أن الأمر بضرب الخمر خارج الدار أيضا وكذلك قوله في صدر الآية: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} ... الآية [النور: 31]. فالحق الذي يقتضيه العمل بما في آيتي النور والأحزاب أن المرأة يجب عليها إذا خرجت من دارها أن تختمر وتلبس الجلباب على الخمار؛ لأنه كما قلنا سابقا أستر لها وأبعد عن أن يصف حجم رأسها وأكتافها وهذا أمر يطلبه الشارع. كما سيأتي بيانه عند الكلام على (الشرط الرابع) والذي ذكرته هو الذي فسر به بعض السلف آية الإدناء ففي (الدر) (5/ 222). (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} قال: يسدلن عليهن من جلابيبهن وهو القناع فوق الخمار ولا يحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها القناع فوق الخمار وقد شدت به رأسها ونحرها). واعلم أن هذا الجمع بين الخمار والجلباب من المرأة إذا خرجت قد أخل به جماهير النساء المسلمات, فإن الواقع منهن إما الجلباب وحده على رؤوسهن ,أو الخمار وقد يكون غير سابغ في بعضهن كالذي يسمى اليوم بـ

(الإشارب) بحيث ينكشف منهن بعض ما حرم الله عليهن أن يظهرن من زينتهن الباطنة كشعر الناصية أو الرقبة مثلا. وإن مما يؤكد وجوب هذا الجمع حديث ابن عباس:: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} الآية. واستثنى من ذلك: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً} الآية. وتمام الآية: {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 60]. وفي رواية عن ابن عباس: أنه كان يقرأ: (أن يضعن من ثيابهن) قال: الجلباب. وكذا قال ابن مسعود. قلت: فهذا نص في وجوب وضع الجلباب على الخمار على جميع النساء إلا القواعد منهن (وهن اللاتي لا يطمع فيهن لكبرهن) فيجوز لهن أن لا يضعن الحجاب على رؤوسهن. أفما آن للنساء الصالحات حيثما كن أن يتنبهن من غفلتهن ويتقين الله في أنفسهن ويضعن الجلابيب على خمرهن؟ ومن الغريب حقا أن لا يتعرض لبيان هذا الحكم الصريح في الكتاب والسنة كل الذين كتبوا اليوم - فيما علمت - عن لباس المرأة مع توسع بعضهم على الأقل في الكلام على أن وجه المرأة عورة مع كون ذلك مما اختلف فيه, والصواب خلافه كما تراه مفصلا في هذا الكتاب والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

ثم إن قوله: (والجلابيب عند الخروج) لا مفهوم له إذ إن الجلباب لستر زينة المرأة عن الأجانب, فسواء خرجت إليهم أو دخلوا عليها فلا بد على كل حال من أن تتجلبب ويؤيد هذا ما قاله قيس بن زيد: (صحيح) (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة بنت عمر. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها فتجلببت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل أتاني فقال لي: أرجع حفصة فإنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة) هذا ولا دلالة في الآية على أن وجه المرأة عورة يجب عليها ستره, بل غاية ما فيها الأمر بإدناء الجلباب عليها وهذا كما ترى أمر مطلق فيحتمل أن يكون الإدناء على الزينة ومواضعها التي لا يجوز لها إظهارها حسبما صرحت به الآية الأولى. وحينئذ تنتفي الدلالة المذكورة ويحتمل أن يكون أعم من ذلك, فعليه يشمل الوجه. وقد ذهب إلى كل من التأويلين جماعة من العلماء المتقدمين وساق أقوالهم قي ذلك ابن جرير في (تفسيره) والسيوطي في (الدر المنثور) ولا نرى فائدة كبرى بنقلها هنا, فنكتفي بالإشارة إليها. ومن شاء الوقوف عليهما فليرجع إليهما. ونحن نرى أن القول الأول أشبه بالصواب لأمور: الأول: أن القرآن يفسر بعضه بعضا. وقد تبين من آية النور المتقدمة أن الوجه لا يجب ستره فوجب تقييد الإدناء هنا بما عدا الوجه توفيقا بين الآيتين.

الآخر: أن السنة تبين القرآن فتخصص عمومه وتقيد مطلقه وقد دلت النصوص الكثيرة منها على أن الوجه لا يجب ستره فوجب تفسير هذه الآية على ضوئها وتقييدها بها. فثبت أن الوجه ليس بعورة يجب ستره , وهو مذهب أكثر العلماء كما قال ابن رشد في (البداية) (1/ 89) ومنهم أبو حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن أحمد كما في (المجموع) (3/ 169) وحكاه الطحاوي في (شرح المعاني) (2/ 9) عن صاحبي أبي حنيفة أيضا وجزم في (المهمات) من كتب الشافعية أنه الصواب كما ذكره الشيخ الشربيني في (الإقناع) (2/ 110). لكن ينبغي تقييد هذا بما إذا لم يكن على الوجه وكذا الكفين شيء من الزينة لعموم قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] , وإلا وجب ستر ذلك. ولا سيما في هذا العصر الذي تفنن فيه النساء بتزيين وجوههن وأيديهن بأنواع من الزينة والأصبغة مما لا يشك مسلم - بل عاقل ذو غيرة - في تحريمه وليس من ذلك الكحل والخضاب لاستثنائهما في الآية كما تقدم. ويؤيد هذا ما أخرجه ابن سعد (8/ 238 - 239) من طريق سفيان عن منصور عن ربعي بن خراش عن امرأة عن أخت حذيفة وكان له أخوات قد أدركن النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر النساء أليس لكن في الفضة ما تحلين؟ أما إنه ليس منكن امرأة تحلى ذهبا تظهره إلا عذبت به.

قال منصور: فذكرت ذلك لمجاهد فقال: قد أدركتهن وإن إحداهن لتتخذ لكمها زرا تواري خاتمها). وليس استشهادي في هذه الرواية بالحديث المرفوع وإن كان صريحا في ذلك - لأن في إسناده المرأة التي لم تسم - وإنما هو بقول مجاهد: (تواري خاتمها) , فهو نص صريح فيما ذكرت والحمد لله على توفيقه. ثم رأيت قول مجاهد بسند آخر صحيح عنه في (مسند أبي يعلى) (6989). هذا وقد أبان الله تعالى عن حكمة الأمر بإدناء الجلباب بقوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59]؛ يعني أن المرأة إذا التحفت بالجلباب عرفت بأنها من العفائف المحصنات الطيبات فلا يؤذيهن الفساق بما لا يليق من الكلام, بخلاف ما لو خرجت متبذلة غير مستترة فإن هذا مما يطمع الفساق فيها والتحرش بها, كما هو مشاهد في كل عصر ومصر. فأمر الله تعالى نساء المؤمنين جميعا بالحجاب سدا للذريعة. وأما ما أخرجه ابن سعد (8/ 176): أخبرنا محمد بن عمر عن ابن أبي سبرة عن أبي صخر عن ابن كعب القرظي قال: (ضعيف جدا) (كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين يؤذيهن فإذا قيل له؟ قال: كنت أحسبها أمة فأمرهن الله أن يخالفن زي الإماء ويدنين عليهن من جلابيبهن).

فلا يصح بل هو ضعيف جدا لأمور: الأول: أن ابن كعب القرظي - واسمه محمد - تابعي لم يدرك عصر النبوة فهو مرسل. الثاني: أن ابن أبي سبرة وهو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة ضعيف جدا قال الحافظ في (التقريب): (رموه بالوضع). والثالث: ضعف محمد بن عمر وهو الواقدي وهو مشهور بذلك عند المحدثين بل هو متهم. وفي معنى هذه الرواية روايات أخرى أوردها السيوطي في (الدر المنثور) وبعضها عند ابن جرير وغيره , وكلها مرسلة لا تصح؛ لأن منتهاها إلى أبي مالك وأبي صالح والكلبي ومعاوية بن قرة والحسن البصري ولم يأت شيء منها مسندا , فلا يحتج بها ,ولا سيما أن ظاهرها مما لا تقبله الشريعة المطهرة ,ولا العقول النيرة؛ لأنها توهم أن الله تعالى أقر إماء المسلمين - وفيهن مسلمات قطعا - على حالهن من ترك التستر ولم يأمرهن بالجلباب ليدفعن به إيذاء المنافقين لهن. ومن العجائب أن يغتر بعض المفسرين بهذه الروايات الضعيفة فيذهبوا بسببها إلى تقييد قوله تعالى: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 59] بالحرائر دون الإماء, وبنوا على ذلك أنه لا يجب على الأمة ما يجب على الحرة من ستر الرأس والشعر بل بالغ بعض المذاهب فذكر أن عورتها مثل عورة الرجل: من السرة إلى الركبة وقالوا:

(فيجوز للأجنبي النظر إلى شعر الأمة وذراعها وساقها وصدرها وثديها).وهذا - مع أنه لا دليل عليه من كتاب أو سنة - مخالف لعموم قوله تعالى: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 59]؛ فإنه من حيث العموم كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} الآية [النساء: 43] ولهذا قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره: (البحر المحيط) (7/ 250): (والظاهر أن قوله: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} يشمل الحرائر والإماء, والفتنة بالإماء أكثر؛ لكثرة تصرفهن بخلاف الحرائر فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح). وسبقه إلى ذلك الحافظ ابن القطان في (أحكام النظر) (ق 24/ 2) وغيره. وما أحسن ما قال ابن حزم في (المحلى) (3/ 218 - 219): (وأما الفرق بين الحرة والأمة فدين الله واحد والخلقة والطبيعة واحدة كل ذلك في الحرائر والإماء سواء حتى يأتي نص في الفرق بينهما في شيء فيوقف عنده). قال: (وقد ذهب بعض من وهل في قول الله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} إلى أنه إنما أمر الله تعالى بذلك؛ لأن الفساق كانوا يتعرضون للنساء للفسق فأمر الحرائر بأن يلبسن الجلابيب ليعرف الفساق أنهن حرائر فلا يتعرضوهن).

ونحن نبرأ من هذا التفسير الفاسد الذي هو إما زلة عالم, أو وهلة فاضل عاقل ,أو افتراء كاذب فاسق؛ لأن فيه أن الله تعالى أطلق الفساق على أعراض إماء المسلمين وهذه مصيبة الأبد وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أن تحريم الزنا بالحرة كتحريمه بالأمة, وأن الحد على الزاني بالحرة كالحد على الزاني بالأمة ولا فرق ,وأن تعرض الحرة في التحريم كتعرض الأمة ولا فرق ولهذا وشبهه وجب أن لا يقبل قول أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بأن يسنده إليه عليه السلام). ولا يعارض ما تقدم حديث أنس: (صحيح) (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اصطفى لنفسه من سبي خيبر صفية بنت حيي قال الصحابة: ما ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد؟ فقالوا: إن يحجبها فهي امرأته وإن لم يحجبها فهي أم ولد. فلما أراد أن يركب حجبها حتى قعدت على عجز البعير فعرفوا أنه تزوجها (وفي رواية: وسترها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملها وراءه وجعل رداءه على ظهرها ووجهها ثم شده من تحت رجلها وتحمل بها وجعلها بمنزلة نسائه) نقول: لا مخالفة بين هذا الحديث وبين ما اخترناه من تفسير الآية لأنه ليس فيه نفي الجلباب وإنما فيه نفي (الحجاب) ولا يلزم منه نفي الجلباب مطلقا إلا احتمالا ويحتمل أن يكون المنفي الجلباب الذي يتضمن حجب الوجه أيضا كما هو صريح قوله في الحديث نفسه: (وجعل رداءه على ظهرها ووجهها) ويقوي هذا الاحتمال أيضا ما سيأتي بيانه. فهذه الخصوصية هي التي كان بها يعرف الصحابة حرائره عليه السلام من إمائه وهي المراد من قولهم المتقدم سلبا وإيجابا: (إن يحجبها فهي امرأته وإن لم يحجبها فهي أم ولد).

فيتضح من هذا أن معنى قولهم: (وإن لم يحجبها) أي: في وجهها فلا ينفي حجب سائر البدن من الأمة وفيه الرأس فضلا عن الصدر والعنق فاتفق الحديث مع الآية والحمد لله على توفيقه. والخلاصة: أنه يجب على النساء جميعا أن يتسترن إذا خرجن من بيوتهن بالجلابيب لا فرق في ذلك بين الحرائر والإماء ويجوز لهن الكشف عن الوجه والكفين فقط لجريان العمل بذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مع إقراره إياهن على ذلك. ومن المفيد هنا أن نستدرك ما فاتنا في الطبعات السابقة من الآثار السلفية التي تنص على جريان العمل بذلك أيضا بعد النبي صلى الله عليه وسلم فأقول: 1 - (صحيح) عن قيس بن أبي حازم قال: (دخلت أنا وأبي على أبي بكر رضي الله عنه وإذا هو رجل أبيض خفيف الجسم عنده أسماء بنت عميس تذب عنه وهي [امرأة بيضاء] موشومة اليدين, كانوا وشموها في الجاهلية نحو وشم البربر فعرض عليه فرسان فرضيهما فحملني على أحدهما وحمل أبي على الآخر). 2 - (إسناده جيد في الشواهد) عن أبي السليل قال: جاءت ابنة أبي ذر وعليها مجنبتا صوف سفعاء الخدين ومعها قفة لها فمثلت بين يديه وعنده أصحابه فقالت: يا أبتاه زعم الحراثون والزراعون أن أفلسك هذه بهرجة فقال: يا بنية ضعيها فإن أباك أصبح بحمد الله ما يملك من صفراء ولا بيضاء إلا أفلسه هذه.

3 - (سنده لا بأس به في الشواهد) عن عمران بن حصين قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا إذ أقبلت فاطمة رحمها الله فوقفت بين يديه فنظرت إليها وقد ذهب الدم من وجهها فقال: ادني يا فاطمة فدنت حتى قامت بين يديه فرفع يده فوضعها على صدرها موضع القلادة وفرج بين أصابعه ثم قال: (اللهم مشبع الجاعة ورافع الوضيعة لا تجع فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم) قال عمران: فنظرت إليها وقد غلب الدم على وجهها وذهبت الصفرة كما كانت الصفرة قد غلبت على الدم. قال عمران: لقيتها بعد فسألتها؟ فقالت: ما جعت بعد يا عمران. 4 - (سنده حسن) عن قبيصة بن جابر قال: (كنا نشارك المرأة في السورة من القرآن نتعلمها فانطلقت مع عجوز من بني أسد إلى ابن مسعود [في بيته] في ثلاث نفر فرأى جبينها يبرق فقال: أتحلقينه؟ فغضبت وقالت: التي تحلق جبينها امرأتك قال: فادخلي عليها فإن كانت تفعله فهي مني بريئة فانطلقت ثم جاءت فقالت: لا والله ما رأيتها تفعله فقال عبد الله بن مسعود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لعن الله الواشمات والمستوشمات. . . .) ألخ.

5 - (صحيح) عن أبي أسماء الرحبي أنه دخل على أبي ذر [الغفاري رضي الله عنه] وهو بالربذة وعنده امرأة له سوداء مسغبة. . . قال: فقال: (ألا تنظرون إلى ما تأمرني به هذه السويداء. . .) 6 - وفي (تاريخ ابن عساكر) (19/ 73 / 2) وفي قصة صلب ابن الزبير أن أمه (أسماء بنت أبي بكر) جاءت مسفرة الوجه متبسمة. 7 - (صحيح) عن أنس قال: دخلت على عمر بن الخطاب أمة قد كان يعرفها لبعض المهاجرين أو الأنصار وعليها جلباب متقنعة به فسألها: عتقت؟ قالت: لا. قال: فما بال الجلباب؟ ضعيه عن رأسك إنما الجلباب على الحرائر من نساء المؤمنين فتلكأت فقام إليها بالدرة فضرب رأسها حتى ألقته عن رأسها. 8 - (صحيح) عن عمر بن محمد أن أباه حدثه عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: أن أروى خاصمته في بعض داره فقال: دعوها وأباها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أخذ شبرا من الأرض بغير حقه طوقه في سبع أرضين يوم القيامة) اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها. 9 - (صحيح) عن عطاء بن أبي رباح قال: رأيت عائشة رضي الله عنها تفتل القلائد للغنم تساق معها هديا. 10 - (حسن) عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال:

أرسلني علي بن الحسين إلى الربيع بنت معوذ أسألها عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يتوضأ عندها فأتيتها فأخرجت إلي إناء يكون مدا , فقالت: بهذا كنت أخرج لرسول الله صلى الله عليه وسلم للوضوء. . الحديث. 11 - (صحيح) عن عروة بن عبد الله بن قشير: أنه دخل على فاطمة بنت علي بن أبي طالب قال: فرأيت في يديها مسكا غلاظا في كل يد اثنين اثنين. قال: ورأيت في يدها خاتما. . . إلخ 12 - (إسناده جيد) وعن عيسى بن عثمان قال: كنت عند فاطمة بنت علي فجاء رجل يثني على أبيها عندها فأخذت رمادا فسفت في وجهه. 13 - (سنده جيد) وعن يحيى بن أبي سليم قال: رأيت سمراء بنت نهيك وكانت قد أدركت النبي صلى الله عليه وسلم عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. 14 - (صحيح) عن ميمون - هو ابن مهران - قال: دخلت على أم الدرداء فرأيتها مختمرة بخمار صفيق قد ضربت على حاجبها. قال: وكان فيه قصر فوصلته بسير. قال: وما دخلت في ساعة صلاة إلا وجدتها مصلية.

مشروعية ستر الوجه:

15 - (سنده جيد في الشواهد) عن معاوية رضي الله عنه: دخلت مع أبي على أبي بكر رضي الله عنه فرأيت أسماء قائمة على رأسه بيضاء ورأيت أبا بكر رضي الله عنه أبيض نحيفا. 16 - (سنده حسن) عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال: (جاءت امرأة إلى سمرة بن جندب فذكرت أن زوجها لا يصل إليها فسأل الرجل فأنكر ذلك وكتب فيه إلى معاوية رضي الله عنه قال: فكتب: أن زوجه امرأة من بيت المال لها حظ من جمال ودين. . . قال: ففعل. . . قال: وجاءت المرأة متقنعة. . .). مشروعية ستر الوجه: هذا ثم إن كثيرا من المشايخ اليوم يذهبون إلى أن وجه المرأة عورة لا يجوز لها كشفه, بل يحرم وفيما تقدم في هذا البحث كفاية في الرد عليهم ويقابل هؤلاء طائفة أخرى يرون أن ستره بدعة وتنطع في الدين كما قد بلغنا عن بعض من يتمسك بما ثبت في السنة في بعض البلاد اللبنانية فإلى هؤلاء الإخوان وغيرهم نسوق الكلمة التالية: ليعلم أن ستر الوجه والكفين له أصل في السنة وقد كان ذلك معهودا في زمنه صلى الله عليه وسلم كما يشير إليه صلى الله عليه وسلم بقوله: (صحيح) (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين). قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (تفسير سورة النور) (ص 56): (وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن).

والنصوص متضافرة عن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يحتجبن حتى في وجوههن, وإليك بعض الأحاديث والآثار التي تؤيد ما نقول: 1 - (صحيح) عن عائشة قالت: (خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها, وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين. قالت: فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وإنه ليتعشى وفي يده عرق (هو العظم إذا أخذ منه معظم اللحم) فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر: كذا وكذا قالت: فأوحى الله إليه ثم رفع عنه وإن العرق في يده ما وضعه فقال: إنه أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن). 2 - (صحيح) وعنها أيضا في حديث قصة الإفك قالت: (. . . فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان ابن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت (وفي رواية: فسترت) وجهي عنه بجلبابي. . .) الحديث. 3 - (صحيح) عن أنس في قصة غزوة خيبر واصطفائه صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه قال: (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ولم يعرس بها, فلما قرب البعير لرسول الله ليخرج وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجله لصفية لتضع قدمها على فخذه فأبت ووضعت ركبتها على فخذه وسترها

رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملها وراءه وجعل رداءه على ظهرها ووجهها ثم شده من تحت رجلها وتحمل بها وجعلها بمنزلة نسائه). 4 - (حسن في الشواهد) عن عائشة قالت: (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه). 5 - (صحيح) عن أسماء بنت أبي بكر قالت: (كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام). 6 - عن صفية بنت شيبة قالت: (رأيت عائشة طافت بالبيت وهي منتقبة). 7 - عن عبد الله بن عمر قال: (لما اجتلى النبي صلى الله عليه وسلم صفية رأى عائشة منتقبة وسط الناس فعرفها). 8 - (حسن) عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: (أن عمر بن الخطاب أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الحج في آخر حجة حجها وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف قال: كان عثمان ينادي: ألا لا يدنو إليهن أحد ولا ينظر إليهن أحد وهن في الهوادج على الإبل. فإذا نزلن أنزلهن بصدر الشعب وكان عثمان وعبد الرحمن بذنب الشعب فلم يصعد إليهن أحد).

ففي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على أن حجاب الوجه قد كان معروفا في عهده صلى الله عليه وسلم, وأن نساءه كن يفعلن ذلك وقد استن بهن فضليات النساء بعدهن وإليك مثالين على ذلك: 1 - (صحيح) عن عاصم الأحول قال: (كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذا: وتنقبت به فنقول لها: رحمك الله قال الله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} هو الجلباب قال: فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} فتقول: هو إثبات الحجاب). 2 - عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن موسى القاضي قال: حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي بالري سنة ست وثمانين ومائتين وتقدمت امرأة فادعى وليها على زوجها خمسمائة دينار مهرا فأنكر فقال القاضي: شهودك. قال: قد أحضرتهم. فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة ليشير إليها في شهادته فقام الشاهد وقال للمرأة: قومي. فقال الزوج: تفعلون ماذا؟ قال الوكيل: ينظرون إلى امرأتك وهي مسفرة لتصح عندهم معرفتها. فقال الزوج: وإني أشهد القاضي أن لها علي هذا المهر الذي تدعيه ولا تسفر عن وجهها.

فردت المرأة وأخبرت بما كان من زوجها - فقالت: فإني أشهد القاضي: أن قد وهبت له هذا المهر وأبرأته منه في الدنيا والآخرة. فقال القاضي: يكتب هذا في مكارم الأخلاق. فيستفاد مما ذكرنا أن ستر المرأة لوجهها ببرقع أو نحوه مما هو معروف اليوم عند النساء المحصنات أمر مشروع محمود. وإن كان لا يجب ذلك عليها ,بل من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج. ومما تقدم بيانه يتضح ثبوت الشرط الأول في لباس المرأة إذا خرجت ألا وهو أن يستر جميع بدنها إلا وجهها وكفيها. (فائدة هامة): قوله تعالى في آية النور المتقدمة في أول هذا الشرط: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [31] يعني: المؤمنات كما قال مجاهد وغيره من السلف خلافا لبعض المعاصرين فإنه زعم أن المعنى: الصالحات من النساء سواء كن مسلمات أو كافرات. قال الشوكاني في (فتح القدير) (4/ 22): (وإضافة النساء إليهن تدل على اختصاص ذلك بالمؤمنات). وقال البيهقي في كتاب (الآداب) (ص 407 - لبنان): (وأما قوله: {نِسَائِهِنَّ} فقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبي عبيدة بن

الجراح: إن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات ومعهن نساء من أهل الكتاب فامنع ذلك). وفي رواية أخرى: (فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلا أهل ملتها). قلت: الرواية الأولى عند البيهقي في (السنن) (7/ 95) من طريق عيسى بن يونس: ثنا هشام بن الغاز بن ربيعة الجرشي عن عبادة بن نسي الكندي قال: كتب عمر. . . ألخ ورواه ابن جرير أيضا (18/ 95). قلت: ورجاله ثقات لكنه منقطع فإن عبادة لم يدرك عمر رضي الله عنه بينهما نسي والد عبادة هكذا رواه سعيد بن منصور في (سننه) كما في (تفسير ابن كثير) (3/ 284) ومن طريقه البيهقي: ثنا إسماعيل بن عياش عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نسي عن أبيه عن الحارث بن قيس قال: كتب عمر. . . ألخ. الرواية الأخرى: ورجاله ثقات غير نسي فإنه لم يوثقه غير ابن حبان (5/ 482): وقال الحافظ في (التقريب): (مجهول).

قلت: لكن المعنى المذكور متفق عليه بين المفسرين المحققين, كابن جرير وابن كثير والشوكاني وغيرهم ممن لا يخرج عن التفسير المأثور ولا يعتد بآراء الخلف. إذا تبين ذلك فاعلم: أن من الخطورة بمكان ما ابتلي به كثير من أغنياء المسلمين اليوم من استخدامهم النساء الكافرات في بيوتهم لأنه لا يخلو الأمر من أن يقع الزوجان , أو أحدهما في الفتنة والمخالفة للشريعة أما الزوج فواضح لأنه يخشى أن يزني بها وبخاصة أنه لا عفة عندهن بحكم كونهن كافرات لا يحرمن ولا يحللن كما صرح بذلك القرآن الكريم بحق أهل الكتاب. فكيف يكون حال الوثنيات كالسيريلانكيات اللاتي لا كتاب لهن؟ وأما بالنسبة للزوجة ,فمن الصعب جدا على أكثر مسلمات هذا الزمان -زوجات وبنات بالغات- أن يحتجبن من تلك الخادمات كما تحتجب من الرجال إلا من عصم الله وقليل ما هن. ولو أننا فرضنا سلامة الزوجين من الفتنة فلن يسلم أولادهما من التأثر بأخلاقهن وعاداتهن المخالفة لشريعتنا. هذا إذا لم يقصدن إفساد تربيتهم وتشكيكهم في دينهم كما سمعنا بذلك عن بعضهن. هذا ولقد بلغني عن أحد المفتين - والعهدة على الراوي - أنه سئل عن استخدامهن فأجاب بالجواز لأنهن عنده بمنزلة السبايا والجواري اللاتي استحلت شرعا بملك اليمين. فأخشى ما أخشاه أن يصل الأمر بمثل هذا المفتي أن يستحل أيضا وطأهن قياسا على ملك اليمين وبخاصة أن هناك من أسقط الحد عمن زنى بخادمته - ولو كانت مسلمة - بشبهة استئجاره إياها قال ذلك بعض الآرائيين القدامى.

فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. هذا ما أردت بيانه للناس حول هذه المسألة لعل الله ينفع بها من قد يكون غافلا عنها ,وينفع من كان معرضا عن العمل بها وهو سبحانه ولي التوفيق والهادي إلى أقوم طريق. الشرط الثاني: (أن لا يكون زينة في نفسه). لقوله تعالى في الآية المتقدمة من سورة النور: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31]؛ فإنه بعمومه يشمل الثياب الظاهرة إذا كانت مزينة تلفت أنظار الرجال إليها ويشهد لذلك قوله تعالى في [الأحزاب: 33]: {) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}. وقوله صلى الله عليه وسلم: (صحيح) (ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا وأمة أو عبد أبق فمات وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجت بعده فلا تسأل عنهم). و (التبرج: أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها وما يجب عليها ستره مما تستدعي به شهوة الرجل). والمقصود من الأمر بالجلباب إنما هو ستر زينة المرأة فلا يعقل حينئذ أن يكون الجلباب نفسه زينة وهذا كما ترى بين لا يخفى ولذلك قال الإمام الذهبي في (كتاب الكبائر) (ص 131):

(ومن الأفعال التي تلعن عليها المرأة: إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ تحت النقاب وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت ولبسها الصباغات والأزر الحريرية والأقبية القصار مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها , وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة ولهذه الأفعال التي قد غلبت على أكثر النساء قال عنهن النبي صلى الله عليه وسلم: اطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء). قلت: وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث عمران ابن حصين وغيره وزاد أحمد وغيره من حديث ابن عمرو مرفوعا: (والأغنياء). وهذه الزيادة منكرة كما حققته في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) برقم (2800) من المجلد السادس يسر الله طباعته. قلت: ولقد بالغ الإسلام في التحذير من التبرج إلى درجة أنه قرنه بالشرك والزنى والسرقة وغيرها من المحرمات وذلك حين بايع النبي صلى الله عليه وسلم النساء على أن لا يفعلن ذلك فقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: (حسن) (جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام فقال: أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا ولا تسرقي ولا تزني ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك ولا تنوحي ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى)

واعلم أنه ليس من الزينة في شيء أن يكون ثوب المرأة الذي تلتحف به ملونا بلون غير البياض أو السواد كما يتوهم بعض النساء الملتزمات وذلك لأمرين: الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: (طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه. . .) وهو مخرج في (مختصر الشمائل) (188). والآخر: جريان العمل من نساء الصحابة على ذلك وأسوق هنا بعض الآثار الثابتة في ذلك مما رواه الحافظ ابن أبي شيبة في (المصنف) (8/ 371 - 372): 1 - عن إبراهيم وهو النخعي أنه كان يدخل مع علقمة والأسود على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيراهن في اللحف الحمر. 2 - عن ابن أبي مليكة قال: رأيت على أم سلمة درعا وملحفة مصبغتين بالعصفر. 3 - عن القاسم - وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق: أن عائشة كانت تلبس الثياب المعصفرة وهي محرمة. وفي رواية عن القاسم: أن عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر وهي محرمة. 4 - عن هشام عن فاطمة بنت المنذر: أن أسماء كانت تلبس المعصفر وهي محرمة.

5 - عن سعيد بن جبير: أنه رأى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تطوف بالبيت وعليها ثياب معصفرة. الشرط الثالث: (أن يكون صفيقا لا يشف). لأن الستر لا يتحقق إلا به وأما الشفاف فإنه يزيد المرأة فتنة وزينة وفي: ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العنوهن فإنهن ملعونات). زاد في حديث آخر: (لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا). قال ابن عبد البر: (أراد صلى الله عليه وسلم النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة) وعن أم علقمة بن أبي علقمة قالت: (رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلت على عائشة وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها فشقته عائشة عليها وقالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟ ثم دعت بخمار فكستها). (صحيح) وعن هشام بن عروة:

(أن المنذر بن الزبير قدم من العراق فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب مروية وقوهية رقاق عتاق بعدما كف بصرها قال: فلمستها بيدها ثم قالت: أف ردوا عليه كسوته قال: فشق ذلك عليه وقال: يا أمه إنه لا يشف. قالت إنها إن لم تشف فإنها تصف). وعن عبد الله بن أبي سلمة: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كسا الناس القباطي ثم قال: لا تدرعها نساؤكم فقال رجل: يا أمير المؤمنين قد ألبستها امرأتي فأقبلت في البيت وأدبرت فلم أره يشف. فقال عمر: إن لم يكن يشف فإنه يصف). وفي هذا الأثر والذي قبله إشارة إلى أن كون الثوب يشف أو يصف كان من المقرر عندهم أنه لا يجوز وأن الذي يشف شر من الذي يصف ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: (إنما الخمار ما وارى البشرة والشعر). (صحيح) وقالت شميسة: (دخلت على عائشة وعليها ثياب من هذه السيد الصفاق ودرع وخمار ونقبة قد لونت بشيء من عصفر) من أجل ذلك كله قال العلماء: ويجب ستر العورة بما لا يصف لون البشرة. . . من ثوب صفيق أو جلد أو رق فإن ستر بما يظهر فيه لون البشرة من ثوب رقيق لم يجز؛ لأن الستر لا يحصل بذلك.

وقد عقد ابن حجر الهيتمي في (الزواجر) (1/ 127) بابا خاصا في لبس المرأة ثوبا رقيقا يصف بشرتها وأنه من الكبائر ثم ساق فيه الحديث المتقدم (ص 125) ثم قال: (وذكر هذا من الكبائر ظاهر لما فيه من الوعيد الشديد ولم أر من صرح بذلك. إلا أنه معلوم بالأولى مما مر في تشبههن بالرجال). قلت: وتأتي الأحاديث في لعن المتشبهات بالرجال عند الكلام على الشرط السادس. الشرط الرابع: (أن يكون فضفاضا غير ضيق, فيصف شيئا من جسمها)؛لأن الغرض من الثوب إنما هو رفع الفتنة. ولا يحصل ذلك إلا بالفضفاض الواسع, وأما الضيق فإنه وإن ستر لون البشرة فإنه يصف حجم جسمها أو بعضه ويصوره في أعين الرجال. وفي ذلك من الفساد والدعوة إليه ما لا يخفى فوجب أن يكون واسعا وقد قال أسامة بن زيد: (حسن) (كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال: مالك لم تلبس القبطية؟ قلت: كسوتها امرأتي فقال: مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها). فقد أمر صلى الله عليه وسلم بأن تجعل المرأة تحت القبطية غلالة - وهي شعار يلبس تحت الثوب - ليمنع بها وصف بدنها والأمر يفيد الوجوب كما تقرر في الأصول ولذلك قال الشوكاني في شرح هذا الحديث (2/ 97) ما نصه:

(والحديث يدل على أنه يجب على المرأة أن تستر بدنها بثوب لا يصفه, وهذا شرط ساتر العورة. وإنما أمر بالثوب تحته؛ لأن القباطي ثياب رقاق لا تستر البشرة عن رؤية الناظر بل تصفها). وهو كما ترى قد حمل الحديث على الثياب الرقيقة الشفافة التي لا تستر لون البشرة فهو على هذا يصلح أن يورد في الشرط السابق ولكن هذا الحمل غير متجه عندي بل هو وارد على الثياب الكثيفة التي تصف حجم الجسم من ليونتها ولو كانت غير رقيقة وشفافة وذلك واضح من الحديث لأمرين: الأول: أنه قد صرح فيه بأن القبطية كانت كثيفة أي: ثخينة غليظة فمثله كيف يصف البشرة ولا يسترها عن رؤية الناظر؟ ولعل الشوكاني رحمه الله ذهل عن هذا القيد (كثيفة) في الحديث ففسر القبطية بما هو الأصل فيها الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صرح فيه بالمحذور الذي خشيه من هذه القبطية فقال: (إني أخاف أن تصف حجم عظامها). فهذا نص في أن المحذور إنما هو وصف الحجم لا اللون. فإن قلت: فإذا كان الأمر كما ذكرت وكانت القبطية ثخينة فما فائدة الغلالة؟ قلت: فائدتها دفع ذلك المحذور لأن الثوب قد يصف الجسم ولو كان ثخينا إذا كان من طبيعته الليونة والانثناء على الجسد كبعض الثياب الحريرية والجوخ المعروفة في هذا العصر فأمر صلى الله عليه وسلم بالشعار من أجل ذلك.

والله تعالى أعلم. وقد أغرب الشافعية فقالوا: (أما لو ستر اللون ووصف حجم الأعضاء فلا بأس كما لو لبس سروالا ضيقا) قالوا: (ويستحب أن تصلي المرأة في قميص سابغ وخمار وتتخذ جلبابا كثيفا فوق ثيابها ليتجافى عنها ولا يتبين حجم أعضائها). والقول بالاستحباب فقط ينافي ظاهر الأمر فإنه للوجوب كما تقدم وعبارة الإمام الشافعي رضي الله عنه في (الأم) قريب مما ذهبنا فقد قال: (1/ 78): (وإن صلى في قميص يشف عنه لم تجزه الصلاة. . . فإن صلى في قميص واحد يصفه ولم يشف كرهت له ولا يتبين أن عليه إعادة الصلاة. . . والمرأة في ذلك أشد حالا من الرجل إذا صلت في درع وخمار يصفها الدرع وأحب إلي أن لا تصلي إلا في جلباب فوق ذلك وتجافيه عنها لئلا يصفها الدرع). وقد قالت عائشة رضي الله عنها: (صحيح) (لا بد للمرأة من ثلاثة أثواب تصلي فيهن: درع وجلباب وخمار وكانت عائشة تحل إزارها فتجلبب به). وإنما كانت تفعل ذلك لئلا يصفها شيء من ثيابها وقولها: (لا بد) دليل على وجوب ذلك ,وفي معناه قول ابن عمر رضي الله عنهما: (صحيح) (إذا صلت المرأة فلتصل في ثيابها كلها: الدرع والخمار والملحفة).

وهذا يؤيد ما سبق أن ذهبنا إليه من وجوب الجمع بين الخمار والجلباب على المرأة إذا خرجت. (انظر ص 84 - 85). ومما يحسن إيراده هنا استئناسا ما روي عن أم جعفر بنت محمد بن جعفر أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل. فإذا مت أنا فاغسليني أنت وعلي ولا يدخل علي أحد فلما توفيت غسلها علي وأسماء رضي الله عنهما). فانظر إلى فاطمة بضعة النبي صلى الله عليه وسلم كيف استقبحت أن يصف الثوب المرأة وهي ميتة فلا شك أن وصفه إياها وهي حية أقبح وأقبح فليتأمل في هذا مسلمات هذا العصر اللاتي يلبسن من هذه الثياب الضيقة التي تصف نهودهن وخصورهن وإلياتهن وسوقهن وغير ذلك من أعضائهن ثم ليستغفرن الله تعالى وليتبن إليه وليذكرن قوله صلى الله عليه وسلم: (صحيح) (الحياء والإيمان قرنا جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر). الشرط الخامس: (أن لا يكون مبخرا مطيبا). لأحاديث كثيرة تنهى النساء عن التطيب إذا خرجن من بيوتهن ونحن نسوق الآن بين يديك ما صح سنده منها:

1 - (إسناده حسن) عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية). 2 - (صحيح) عن زينب الثقفية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيبا). 3 - (صحيح) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة). 4 - (صحيح) عن موسى بن يسار عن أبي هريرة: (أن امرأة مرت به تعصف ريحها فقال: يا أمة الجبار المسجد تريدين؟ قالت: نعم قال: وله تطيبت؟ قالت: نعم قال: فارجعي فاغتسلي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله منها صلاة حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل) ووجه الاستدلال بهذه الأحاديث على ما ذكرنا العموم الذي فيها. فإن الاستعطار والتطيب كما يستعمل في البدن يستعمل في الثوب أيضا لا سيما وفي الحديث الثالث ذكر البخور؛ فإنه بالثياب أكثر استعمالا وأخص. وسبب المنع منه واضح وهو ما فيه من تحريك داعية الشهوة وقد ألحق به العلماء ما في معناه كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال.

وقال ابن دقيق العيد: (وفيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال). قلت: فإذا كان ذلك حراما على مريدة المسجد, فماذا يكون الحكم على مريدة السوق والأزقة والشوارع؟ لا شك أنه أشد حرمة وأكبر إثما وقد ذكر الهيتمي في (الزواجر) (2/ 37) أن خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة من الكبائر ولو أذن لها زوجها. ثم إن هذه الأحاديث عامة تشمل جميع الأوقات وإنما خص بالذكر العشاء الآخرة في الحديث الثالث لأن الفتنة وقتها أشد فلا يتوهمن منه أن خروجها في غير هذا الوقت جائز. وقال ابن الملك: (والأظهر أنها خصت بالنهي؛ لأنها وقت الظلمة وخلو الطريق والعطر يهيج الشهوة فلا تأمن المرأة في ذلك الوقت من كمال الفتنة. بخلاف الصبح والمغرب فإنهما وقتان فاضحان وقد تقدم أن مس الطيب يمنع المرأة من حضور المسجد مطلقا). الشرط السادس: (أن لا يشبه لباس الرجل). لما ورد من الأحاديث الصحيحة في لعن المرأة التي تتشبه بالرجل في اللباس أو غيره. وإليك ما نعلمه منها: 1 - (صحيح) عن أبي هريرة قال:

(لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل). 2 - عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس منا من تشبه بالرجال من النساء ولا من تشبه بالنساء من الرجال) 3 - (صحيح) عن ابن عباس قال: (لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال: أخرجوهم من بيوتكم. قال: فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانا وأخرج عمر فلانا). وفي لفظ: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال). 4 - (صحيح الإسناد) عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق والديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث). 5 - (صحيح) عن ابن أبي مليكة - واسمه عبد الله بن عبيد الله - قال: قيل لعائشة رضي الله عنها: إن المرأة تلبس النعل؟ فقالت: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء).

وفي هذه الأحاديث دلالة واضحة على تحريم تشبه النساء بالرجال وعلى العكس وهي عامة تشمل اللباس وغيره إلا الحديث الأول فهو نص في اللباس وحده وقد قال أبو داود في (مسائل الإمام أحمد) (ص 261): (سمعت أحمد سئل عن الرجل يلبس جاريته القرطق؟ قال: لا يلبسها من زي الرجال لا يشبهها بالرجال). قال أبو داود: (قلت لأحمد: يلبسها النعل الصرارة؟ قال: لا إلا أن يكون لبسها للوضوء. قلت: للجمال؟ قال: لا. قلت: فيجز شعرها؟ قال: لا) وقد أورد الذهبي تشبه المرأة بالرجال وتشبه الرجال بالنساء في (الكبائر) (ص 129) وأورد بعض الأحاديث المتقدمة ثم قال: (فإذا لبست المرأة زي الرجال من المقالب والفرج والأكمام الضيقة فقد شابهت الرجال في لبسهم فتلحقها لعنة الله ورسوله ولزوجها إذا أمكنها من ذلك أو رضي به ولم ينهها؛ لأنه مأمور بتقويمها على طاعة الله ونهيها عن المعصية لقول الله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} , ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صحيح) (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الرجل راع في أهله ومسؤول عنهم يوم القيامة) متفق عليه وهو مخرج في (غاية المرام) (269). وتبعه على ذلك الهيتمي في (الزواجر) (1/ 126) ثم قال: (عد هذا من الكبائر واضح لما عرفت من هذه الأحاديث الصحيحة وما فيها من الوعيد الشديد والذي رأيته لأئمتنا أن ذلك التشبه فيه قولان: أحدهما: أنه حرام وصححه النووي بل صوبه.

وثانيهما: أنه مكروه وصححه الرافعي في موضع والصحيح بل الصواب ما قاله النووي من الحرمة بل ما قدمته من أن ذلك كبيرة ثم رأيت بعض المتكلمين على الكبائر عده منها وهو ظاهر). وقال الحافظ في (الفتح) (10/ 273 - 274) عند شرح حديث ابن عباس المتقدم برقم (3) باللفظ الثاني: (لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) ما مختصره: (قال الطبري: لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا العكس وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: ظاهر اللفظ الزجر عن التشبه في كل شيء لكن عرف من الأدلة الأخرى أن المراد التشبه في الزي وبعض الصفات والحركات ونحوها لا التشبه في أمور الخير. قال: والحكمة في لعن من تشبه إخراجه الشيء عن الصفة التي وضعها عليه أحكم الحكماء وقد أشار إلى ذلك في لعن الواصلات بقوله: (المغيرات خلق الله). فثبت مما تقدم أنه لا يجوز للمرأة أن يكون زيها مشابها لزي الرجل فلا يحل لها أن تلبس رداءه وإزاره ونحو ذلك كما تفعله بعض بنات المسلمين في هذا العصر من لبسهن ما يعرف ب (الجاكيت) و (البنطلون) وإن كان هذا في الواقع أستر لهن من ثيابهن الأخرى الأجنبية. فاعتبروا يا أولي الأبصار. الشرط السابع: (أن لا يشبه لباس الكافرات).

لما تقرر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين - رجالا ونساء - التشبه بالكفار سواء في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم. وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية خرج عنها اليوم مع الأسف كثير من المسلمين حتى الذين يعنون منهم بأمور الدين والدعوة إليه جهلا بدينهم أو تبعا لأهوائهم أو انجرافا مع عادات العصر الحاضر وتقاليد أوروبا الكافرة حتى كان ذلك من أسباب ذل المسلمين وضعفهم وسيطرة الأجانب عليهم واستعمارهم {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]. لو كانوا يعلمون. وينبغي أن يعلم أن الأدلة على صحة هذه القاعدة المهمة كثيرة في الكتاب والسنة, وإن كانت أدلة الكتاب مجملة فالسنة تفسرها وتبينها كما هو شأنها دائما. ومن الآيات قوله تعالى في [الجاثية: 16 - 18] {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرائيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ*وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ* ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (الاقتضاء) (ص 8): (أخبر سبحانه وتعالى أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغيا من بعضهم على بعض, ثم جعل محمدا صلى الله عليه وسلم على شريعة من الأمر شرعها له وأمره باتباعها ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون وقد دخل في {الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} كل من خالف

شريعته. و (أهواؤهم): هو ما يهوونه وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك فهم يهوونه. وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه. ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم ويسرون به ويودون أن لو بذلوا مالا عظيما ليحصل ذلك. ولو فرض أن ليس الفعل من اتباع أهوائهم فلا ريب أن مخالفتهم في ذلك أحسم لمادة متابعتهم في أهوائهم وأعون على حصول مرضاة الله في تركها وأن موافقتهم في ذلك قد تكون ذريعة إلى موافقتهم في غيره. فإن (من حام حول الحمى أوشك أن يواقعه) وأي الأمرين كان حصل المقصود في الجملة وإن كان الأول أظهر. ومن هذا الباب قوله تعالى في [الرعد: 36 - 37]: 2 - {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ*وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ} والضمير في (أهواءهم) يعود -والله أعلم- إلى ما تقدم ذكره وهم الأحزاب الذين ينكرون بعضه, فدخل في ذلك كل من أنكر شيئا من القرآن من يهودي أو نصراني أو غيرهما. وقد قال تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [الرعد: 37] ومتابعتهم فيما يختصون به من دينهم وتوابع دينهم اتباع لأهوائهم, بل يحصل اتباع أهوائهم بما هو دون ذلك).

وقال تعالى في [الحديد: 16]: 3 - {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}. قال شيخ الإسلام (ص 43): (فقوله: {وَلا يَكُونُوا} نهي مطلق عن مشابهتهم وهو خاص أيضا في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي) وقال ابن كثير عند تفسير هذه الآية (4/ 310): (ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية). ومن ذلك قوله تعالى في [البقرة: 104]: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. قال الحافظ ابن كثير (1/ 148): (نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص- عليهم لعائن الله-, فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا قالوا: راعنا ويورون بالرعونة كما قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً}

[النساء: 46]. وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلموا إنما يقولون: (السام عليكم) والسام هو الموت ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بـ (وعليكم)؛ وإنما يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم علينا, والغرض أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولا وفعلا). وقال شيخ الإسلام عند هذه الآية ما مختصره (ص 22): (قال قتادة وغيره: كانت اليهود تقوله استهزاء فكره الله للمؤمنين أن يقولوا مثل قولهم وقال أيضا: كانت اليهود تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: راعنا سمعك يستهزئون بذلك وكانت في اليهود قبيحة. فهذا يبين أن هذه الكلمة نهي المسلمون عن قولها لأن اليهود كانوا يقولونها وإن كانت من اليهود قبيحة. ومن المسلمين لم تكن قبيحة لما كان في مشابهتهم فيها من مشابهة الكفار وتطريقهم إلى بلوغ غرضهم). وفي الباب آيات أخرى وفيما ذكرنا كفاية فمن شاء الوقوف عليها فلينظرها في (الاقتضاء) (ص: 8 - 14 و 22 و 42). فتبين من الآيات المتقدمة أن ترك هدي الكفار والتشبه بهم في أعمالهم وأقوالهم وأهوائهم من المقاصد والغايات التي أسسها وجاء بها القرآن الكريم, وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم ببيان ذلك وتفصيله للأمة وحققه في أمور كثيرة من فروع الشريعة, حتى عرف ذلك اليهود الذين كانوا في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وشعروا أنه عليه السلام يريد أن يخالفهم في كل شؤونهم الخاصة بهم كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه:

(صحيح) (إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إلى آخر الآية؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه فجاء أسيد ابن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما). وأما السنة فالنصوص فيها كثيرة طيبة في تأييد القاعدة المتقدمة وهي لا تنحصر في باب واحد من أبواب الشريعة المطهرة كالصلاة مثلا, بل قد تعدتها إلى غيرها من العبادات والآداب والاجتماعيات والعادات, وهي بيان وتفصيل لما أجمل في الآيات السابقة ونحوها. كما قدمت الإشارة إليه فثبت مما تقدم أن مخالفة الكفار وترك التشبه بهم من مقاصد الشريعة الإسلامية العليا فالواجب على كل مسلم رجالا ونساء أن يراعوا ذلك في شؤونهم كلها وبصورة خاصة في أزيائهم وألبستهم لما علمت من النصوص الخاصة فيها وبذلك يتحقق صحة الشرط السابع في زي المرأة. الشرط الثامن: (أن لا يكون لباس شهرة). لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه نارا). وإلى هنا ينتهي بنا الكلام على الشروط الواجب تحققها في ثوب المرأة وملاءتها وخلاصة ذلك: أن يكون ساترا لجميع بدنها إلا وجهها وكفيها على التفصيل السابق وأن لا يكون زينة في نفسه ولا شفافا ولا ضيقا يصف بدنها ولا مطيبا ولا مشابها للباس الرجال ولباس الكفار ولا ثوب شهرة.

كتاب النكاح

كِتَابُ اَلنِّكَاحِ تحريم مصافحة الأجنبية 226 - " لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له ". ... [الصحيحة] قال رحمه الله: رواه الروياني في " مسنده " (227/ 2): أنبأنا نصر بن علي: أنبأنا، أبي، أنبأنا شداد ابن سعيد عن أبي العلاء قال: حدثنى معقل بن يسار مرفوعا. قلت: وهذا سند جيد، رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين غير شداد بن سعيد، فمن رجال مسلم وحده، وفيه كلام يسير لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن، ولذلك فإن مسلما إنما أخرج له في الشواهد وقال الذهبي في " الميزان ": " صالح الحديث " وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". وأبو العلاء هو يزيد بن عبد الله بن الشخير. والحديث قال المنذري في " الترغيب " (3/ 66): " رواه الطبراني، والبيهقي، ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح ".

وقد روي مرسلا من حديث عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأن يقرع الرجل قرعا يخلص إلى عظم رأسه خير له من أن تضع امرأة يدها على رأسه لا تحل له، ولأن يبرص الرجل برصا حتى يخلص البرص إلى عظم ساعده خير له من أن تضع امرأة يدها على ساعده لا تحل له ". أخرجه أبو نعيم في " الطب " (2/ 33 - 34) عن هشيم عن داود بن عمرو أنبأ عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي. قلت: وهذا مع إرساله أو إعضاله، فإن هشيما كان مدلسا وقد عنعنه. (المخيط) بكسر الميم وفتح الياء: هو ما يخاط به كالإبرة والمسلة ونحوهما. وفي الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له، ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء لأن ذلك مما يشمله المس دون شك، وقد بلي بها كثير من المسلمين في هذا العصر وفيهم بعض أهل العلم، ولو أنهم استنكروا ذلك بقلوبهم، لهان الخطب بعض الشيء، ولكنهم يستحلون ذلك، بشتى الطرق والتأويلات، وقد بلغنا أن شخصية كبيرة جدا في الأزهر قد رآه بعضهم يصافح النساء، فإلى الله المشتكى من غربة الإسلام. بل إن بعض الأحزاب الإسلامية، قد ذهبت إلى القول بجواز المصافحة المذكورة، وفرضت على كل حزبي تبنيه، واحتجت لذلك بما لا يصلح، معرضة عن الاعتبار بهذا الحديث، والأحاديث الأخرى الصريحة في عدم مشروعية المصافحة.

529 - " إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة ". [الصحيحة] قال رحمه الله: أخرجه مالك (2/ 982 / 2) وعند النسائي في " عشرة النساء " من " السنن الكبرى " له (2/ 93 / 2) وكذا ابن حبان (14) وأحمد (6/ 357) عن محمد ابن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة نبايعه على الإسلام، فقلن: يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيما استطعتن وأطقتن قالت: فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وأخرجه النسائي في " المجتبى " (2/ 184) والترمذي (1/ 302) وابن ماجه (2874) وأحمد والحميدي في مسنده (341) من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر به إلا أن الحميدي والترمذي اختصراه وزاد هذا بعد قوله: " هلم نبايعك ": " قال سفيان: تعني صافحنا " وهي عند أحمد بلفظ: " قلنا يا رسول الله ألا تصافحنا؟ ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده صحيح. وتابعهما محمد بن إسحاق: حدثني محمد ابن المنكدر به.

وزاد في آخره: " قالت: ولم يصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم منا امرأة " أخرجه أحمد والحاكم (4/ 71) بسند حسن. وله شاهد من حديث أسماء بنت يزيد مثله مختصرا. أخرجه الحميدي (368) وأحمد (6/ 454، 459) والدولابي في " الكنى " (2/ 128) وابن عبد البر في " التمهيد " (3/ 24 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1/ 293) من طريق شهر بن حوشب عنها. وفيه عند أحمد: " فقالت له أسماء: ألا تحسر لنا عن يدك يا رسول الله؟ فقال لها إني لست أصافح النساء ". وشهر ضعيف من قبل حفظه وهذه الزيادة تشعر بأن النساء كن يأخذن بيده صلى الله عليه وسلم عند المبايعة من فوق ثوبه صلى الله عليه وسلم، وقد روي في ذلك بعض الروايات الأخرى ولكنهامراسيل كلها ذكرها الحافظ في " الفتح " (8/ 488)، فلا يحتج بشيء منها لاسيما وقد خالفت ما هو أصح منها كذا الحديث والآتي بعده وكحديث عائشة في مبايعته صلى الله عليه وسلم للنساء قالت: " ولا والله ما مست يده صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط في المبايعة ما بايعهن إلا بقوله: قد بايعتك على ذلك " أخرجه البخاري. وأما قول أم عطية رضي الله عنها: " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا أن لا يشركن بالله شيئا ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة يدها، فقالت: أسعدتني فلانة .... ". الحديث أخرجه البخاري.

فليس صريحا في أن النساء كن يصافحنه صلى الله عليه وسلم , فلا يرد بمثله النص الصريح من قوله صلى الله عليه وسلم هذا وفعله أيضا الذي روته أميمة بنت رقيقة وعائشة وابن عمر كما يأتي. قال الحافظ: " وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية، فعند ابن خزيمة وابن حبان والبزار والطبري وابن مردويه من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن جدته أم عطية في قصة المبايعة، قال: فمد يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال: اللهم أشهد. وكذا الحديث الذي بعده حيث قالت فيه " قبضت منا امرأة يدها، فإنه يشعر بأنهن كن يبايعنه بأيديهن ويمكن الجواب عن الأول بأن مد الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقوع المبايعة وإن لم تقع مصافحة. وعن الثاني بأن المراد بقبض اليد التأخر عن القبول، أو كانت المبايعة تقع بحائل، فقد روى أبو داود في " المراسيل " عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه على يده وقال: لا أصافح النساء .... ". ثم ذكر بقية الأحاديث بمعناه وكلها مراسيل لا تقوم الحجة بها. وما ذكره من الجواب عن حديثي أم عطية هو العمدة على أن حديثها من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن ليس بالقوي لأن إسماعيل هذا ليس بالمشهور وإنما يستشهد به كما بينته في " حجاب المرأة المسلمة " (ص 26 طبع المكتب الإسلامي). وجملة القول: أنه لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه صافح امرأة قط حتى ولا في المبايعة فضلا عن المصافحة عند الملاقاة، فاحتجاج البعض لجوازها بحديث أم عطية الذي ذكرته مع أن المصافحة لم تذكر فيه وإعراضه عن الأحاديث الصريحة في تنزهه صلى الله عليه وسلم عن

المصافحة لأمر لا يصدر من مؤمن خلص، لاسيما وهناك الوعيد الشديد فيمن يمس امرأة لا تحل له كما تقدم في الحديث (229). ويشهد لحديث أميمة بنت رقيقة الحديث الآتي. وبعد كتابة ما تقدم رأيت إسحاق بن منصور المروزي قال في " مسائل أحمد وإسحاق " (211/ 1): " قلت (يعني لأحمد): تكره مصافحة النساء قال: أكرهه. قال إسحاق: كما قال، عجوز كانت أو غير عجوز إنما بايعهن النبي صلى الله عليه وسلم على يده الثوب ". ثم رأيت في " المستدرك " (2/ 486) من طريق إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن ابن عجلان عن أبيه عن فاطمة بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس. " أن أبا حذيفة بن عتبة رضي الله عنه أتى بها وبهند بنت عتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه، فقالت: أخذ علينا، فشرط علينا، قالت: قلت له: يا ابن عم هل علمت في قومك من هذه العاهات أو الهنات شيئا؟ قال أبو حذيفة: إيها فبايعنه، فإن بهذا يبايع، وهكذا يشترط. فقالت: هند: لا أبايعك على السرقة إني أسرق من مال زوجي فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده وكفت يدها حتى أرسل إلى أبي سفيان، فتحلل لها منه، فقال أبو سفيان: أما الرطب فنعم وأما اليابس فلا ولا نعمة! قالت: فبايعناه ثم قالت فاطمة: ما كانت قبة أبغض إلي من قبتك ,ولا أحب أن يبيحها الله وما فيها, وو الله ما من قبة أحب إلي أن يعمرها الله يبارك وفيها من قبتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيضا والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده ".

جواز كلام النساء مع الرجال

قال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وإسناده حسن وفي محمد بن عجلان وإسماعيل بن أبي أويس كلام لا يضر إن شاء الله تعالى. وهذا الحديث يؤيد أن المبايعة كانت تقع بينه صلى الله عليه وسلم وبين النساء بمد الأيدي كما تقدم عن الحافظ لا بالمصافحة، إذ لو وقعت لذكرها الراوي كما هو ظاهر. جواز كلام النساء مع الرجال 2680 - " ما من امرأة تقدم ثلاثا من الولد تحتسبهن إلا دخلت الجنة. فقالت امرأة منهن: أو اثنان؟ قال: أو اثنان ". ... [الصحيحة] قال:: أخرجه الإمام أحمد (2/ 246): حدثنا سفيان حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة: جاء نسوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: يا رسول الله! ما نقدر عليك في مجلسك من الرجال، فواعدنا منك يوما نأتيك فيه. قال: " موعدكن بيت فلان ". وأتاهن في ذلك اليوم، ولذلك الموعد. قال: فكان مما قال لهن، يعني: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، و (سفيان) هو ابن عيينة، وقد أخرجه في " صحيحه " (8/ 39) من طريق أخرى عن سهيل به مختصرا، ولفظه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسوة من الأنصار: "

لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة ". فقالت امرأة منهن: أو اثنين يا رسول الله؟ قال: " أو اثنين ". وهو رواية لأحمد (2/ 378). والحديث في " الصحيحين " من حديث أبي سعيد نحوه، وهو في كتابي " مختصر صحيح البخاري " (96 - كتاب / 9 - باب) وقد مضى تحت الحديث (2302). وفيه فوائد كثيرة، أذكر بعضها: 1 - أن من مات له ولدان دخل الجنة وحجباه من النار، وليس ذلك خاصا بالإناث آباء وأولادا، لأحاديث أخرى كثيرة تعم الجنسين، وتجد جملة طيبة منها في " الترغيب والترهيب " (3/ 89 - 91) ويأتي بعد هذا أحدها. 2 - فيه فضل نساء الصحابة وما كن عليه من الحرص على تعلم أمور الدين. 3 - وفيه جواز سؤال النساء عن أمر دينهن، وجواز كلامهن مع الرجال في ذلك، وفيما لهن الحاجة إليه. 4 - جواز الوعد، وقد ترجم البخاري للحديث بقوله: " هل يجعل للنساء يوما على حدة في العلم؟ ". قلت: وأما ما شاع هنا في دمشق في الآونة الأخيرة من ارتياد النساء للمساجد في أوقات معينة ليسمعن درسا من إحداهن، ممن يتسمون بـ (الداعيات) زعمن، فذلك من الأمور المحدثة التي لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد السلف الصالح، وإنما المعهود أن

تحريم نكاح المتعة

يتولى تعليمهن العلماء الصالحون في مكان خاص كما في هذا الحديث، أو في درس الرجال حجزة عنهم في المسجد إذا أمكن، وإلا غلبهن الرجال، ولم يتمكن من العلم والسؤال عنه. فإن وجد في النساء اليوم من أوتيت شيئا من العلم والفقه السليم المستقى من الكتاب والسنة، فلا بأس من أن تعقد لهن مجلسا خاصا في بيتها أو بيت إحداهن، ذلك خير لهن، كيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم قال في صلاة الجماعة في المسجد: " وبيوتهن خير لهن "، فإذا كان الأمر هكذا في الصلاة التي تضطر المرأة المسلمة أن تلتزم فيها من الأدب والحشمة ما لا تكثر منه خارجها فكيف لا يكون العلم في البيوت أولى لهن، لاسيما وبعضهن ترفع صوتها، وقد يشترك معها غيرها فيكون لهن دوي في المسجد قبيح ذميم. وهذا مما سمعناه وشاهدناه مع الأسف. ثم رأيت هذه المحدثة قد تعدت إلى بعض البلاد الأخرى كعمان مثلا. نسأل الله السلامة من كل بدعة محدثة. تحريم نكاح المتعة 381 - " نهى عن المتعة، وقال: ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة، ومن كان أعطى شيئا فلا يأخذه ". ... [الصحيحة] قال رحمه الله: أخرجه مسلم (4/ 134) من طريق معقل عن ابن أبي عبلة عن عمر ابن عبد العزيز قال: حدثنا الربيع بن سبرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، ليس فيهم من ينبغي النظر فيه سوى معقل هذا وهو ابن عبيد الله الجزري. قال الذهبي فيه: " صدوق ضعفه ابن معين ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". قلت: فمثله يكون حديثه في مرتبة الحسن لذاته، أو لغيره على الأقل، ولم يتفرد بهذا الحديث، فقد أخرجه مسلم وغيره من طرق عن الربيع بن سبرة، لكن ليس فيها ذكر تأييد التحريم إلى يوم القيامة، إلا في هذه وفي طريق أخرى سأذكرها إن شاء الله، ومن أجل هذه الزيادة أوردت الحديث في هذه " السلسلة " وإلا فأحاديث النهي عن المتعة أشهر من أن تخرج هنا، وإن أنكرتها طائفة من الناس، اتباعا لأهوائهم، ولا ينفع البحث معهم إلا بعد وضع منهج علمي لنقد أحاديث الفريقين على ضوئه، وهيهات هيهات. والطريق التي أشرت إليها يرويها عبد العزيز بن عمر (بن عبد العزيز): حدثني الربيع بن سبرة به بلفظ: " أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ". أخرجه مسلم (4/ 132) والدارمي (2/ 140) وابن ماجه (1962) والطحاوي (2/ 14) وابن أبي شيبة في " المصنف " (7/ 44 / 1) و

ابن الجارود (699) والبيهقي (7/ 203) وأحمد (3/ 404 - 405، 405 - 406). وفي عبد العزيز هذا كلام يسير نحو الكلام في معقل، فأحدهما يقوى حديث الآخر لاسيما وقد وجدت له شاهدا من حديث جابر، يرويه صدقة بن عبد الله عن إسماعيل بن أمية عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: " خرجنا ومعنا النساء اللاتي استمتعنا بهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هن حرام إلى يوم القيامة، فودعننا عند ذلك، فسميت بذلك ثنية الوداع، وما كانت قبل ذلك إلا ثنية الركاب ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1/ 174 / 2)،وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (4/ 264 - 265): " وفيه صدقة بن عبد الله، وثقه أبو حاتم وغيره، وضعفه أحمد وجماعة وبقية رجاله رجال الصحيح ". وجملة القول: أن الحديث بمجموع طرقيه وهذا الشاهد صحيح بلا ريب، والله تعالى هو الموفق. (تنبيه): جاء في كثير من طرق هذا الحديث أن التحريم كان يوم الفتح وهو الصواب وجاء في بعضها أنه كان في حجة الوداع وهو شاذ كما حققته في " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل " رقم (1959، 1960).

1010 - " نهى عن المتعة (زمان الفتح متعة النساء)، وقال: ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة ". ... [الصحيحة] قال رحمه الله: رواه مسلم (4/ 134) والباغندي في " مسند عمر " ص (12) عن عمر بن عبد العزيز قال: حدثنا الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه مرفوعا. والزيادة التي بين المعكوفتين رواية لمسلم من طريق ابن شهاب عن الربيع ابن سبرة. وله شاهد بلفظ: " هن حرام إلى يوم القيامة. يعني النساء المتمتع بهن ". رواه الطبراني في " الأوسط " (1/ 174 / 2) عن صدقة بن عبد الله عن إسماعيل بن أمية عن محمد ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرجنا ومعنا النساء اللاتي استمتعنا بهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال: فودعننا عند ذلك، فسميت بذلك ثنية الوداع، وما كانت قبل ذلك إلا ثنية الركاب. وأعله الهيثمي في " المجمع " (4/ 264) بقوله: " وفيه صدقة بن عبد الله وثقه أبوحاتم وغيره وضعفه أحمد وجماعة وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: وفي هذا الإطلاق تسامح فإن شيخ الطبراني أحمد بن مسعود ليس من رجال الصحيح بل إني لم أعرفه ولعله أحمد بن مسعود الوزان من شيوخ بن المظفر، ترجمه الخطيب (5/ 171) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

قلت: والحديث نص صريح في تحريم نكاح المتعة تحريما أبديا، فلا يغتر أحد بإفتاء بعض أكابر العلماء بإباحتها للضرورة، فضلا عن إباحتها مطلقا مثل الزواج كما هو مذهب الشيعة. 1902 - (لمسلم عن سبرة " أمرنا رسول الله في صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج حتى نهانا عنها "). ص 175 صحيح. أخرجه مسلم (4/ 132 - 133) والبيهقي من طريق عبد الملك بن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه عن جده قال: فذكره. وتابعه عمارة بن غزية عن الربيع بن سبرة به أتم منه ولفظه: " أن أباه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة قال: فأقمنا بها خمس عشرة (ثلاثين بين ليلة ويوم) , فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء, فخرجت أنا ورجل من قومي ولي عليه فضل في الجمال , وهو قريب من الدمامة مع كل واحد منا برد , فبردي خَلِق. وأما برد ابن عمى فبرد جديد غض حتى إذا كنا بأسفل مكة ,أو بأعلاها فتلقتنا فتاة مثل البكرة العنطنطة فقلنا: هل لك أن يستمتع منك أحدنا؟ قالت: وماذا تبذلان؟ فنشر كل واحد منا برده فجعلت تنظر إلى الرجلين وبراها صاحبي تنظر إلى عطفها فقال: إن برد هذا خلق وبري صلى الله عليه وسلم جديد غض فتقول: برد هذا لا بأس به ثلاث مرار أو مرتن, ثم استمتعت منها فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ". أخرجه مسلم (4/ 131 - 132) والبيهقي وأحمد (3/ 405) وزاد بعد قوله: (أن يستمتع منك أحدنا "؟: " قالت: وهل يصلح ذلك؟ قال: قلنا: نعم ".

وهو رواية لمسلم. وتابعه عبد العزيز بن الربيع بن سبرة بن معبد قال: سمعت أبي ربيع ابن سبرة يحدث عن أبيه سبرة بن معبد: " أن نبي الله صلى الله عليه وسلم عام فتح مكة أمر أصحابه بالتمتع من النساء قال: فخرجت أنا وصاحب لي. . . " الحديث نحوه أخرجه مسلم والبيهقي (7/ 202) وأحمد (3/ 404). 1903 - (حكى عن ابن عباس: " الرجوع عن قوله بجواز المتعة ") 2/ 175. ضعيف. أخرجه الترمذي (209 - 210) والبيهقي (7/ 205 - 206) من طريق موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب عن ابن عباس قال: " إنما كانت المتعة في أول الاسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه حتى نزلت الآية {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ". هذا لفظ الترمذي وقال البيهقي: " وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} إلى آخر الآية, فنسخ الله عز وجل الأولى فحرمت المتعة وتصديقها من القرآن {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ,وما سوى هذا الفرج فهو حرام ". وسكت عليه هو والترمذي! وموسى بن عبيدة ضعيف وكلن عابدا. ولذلك قال الحافظ في " الفتح " (9/ 148): ". . . فإسناده ضعيف وهو شاذ مخالف لما تقدم من علة إباحتها.

قلت: يشير إلى ما أخرجه البخاري عن أبي جمرة قال: " سمعت ابن عباس يسأل عن متعة النساء؟ فرخص فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة أو نحوه فقال ابن عباس: نعم ". وأخرجه الطحاوي (2/ 15) والبيهقي (7/ 204) بلفظ: " إنما كان ذلك في الجهاد والنساء قليل. . . ". وليس عندهما " فرخص ". وهذا بظاهره يدل على أنه رجع عن القول بإباحة المتعة إطلاقا إلى القول بعدم جوازها مطلقا أو مقيدة بحال عدم وجود الضرورة وكأنه رجع إلى ذلك بعد أن عارضه جماعة من الصحابة في إطلاقه القول بإباحتها فروى البخاري (4/ 341) عن محمد بن علي: " أن عليا رضي الله عنه - قيل له: ان إبن عباس لا يرى بمتعة النساء بأسا فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأنسية ". وأخرج مسلم وغيره دون ذكر ابن عباس فيه. وفي رواية لمسلم عنه: " سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان: إنك رجل تائه نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم. . .). فذكره. وكذلك رواه النسائي (7/ 90). ورواه أحمد (1/ 142) بلفظ: " قال لابن عباس وبلغه أنه رخص في متعه النساء فقال له علي بن أبي طالب: إن رسول الله قد نهى. . . ". ورواه الطبراني في " الأوسط " (1/ 174 / 1) بلفظ: " تكلم علي وابن عباس في متعة النساء فقال له علي: إنك امرؤ تائه. . . " وعن سالم بن عبد الله قال: " أتي عبد الله بن عمر فقيل له ابن عباس يأمر بنكاح المتعة فقال ابن عمر: سبحان الله! ما أظن أن ابن عباس يفعل

هذا قالوا: بلى إنه يأمر به قال: وهل كان ابن عباس إلا غلاما صغيرا إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ابن عمر: نهانا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كنا مسافحين ". قلت: وإسناده قوي كما قال الحافظ في " التلخيص " (3/ 154). وعن نافع عن ابن عمر: " سئل عن المتعة؟ فقال: حرام فقيل له: إن ابن عباس يفتي بها فقال: فهلا سرموم (¬1) ... بها في زمان عمر ". أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 44) بإسناد صحيح على شرط الشيخين. وعن ابن شهاب أخبرني عن عروة بن الزبير: " أن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال: إن ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل فناداه فقال: إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين (يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك ". قال ابن شهاب: فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله أنه بينا هو جالس عند رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فأمره بها فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: مهلا ما هي والله لقد فعلت في عهد إمام المتقين قال ابن أبي عمرة: إنها كانت رخصة في أول الاسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ثم أحكم الله الدين ونهى عنها ". أخرج مسلم (4/ 133 - 134) والبيهقي (7/ 205) وفي رواية له: " يعرض بابن عباس ". وزاد في آخرها: " قال ابن شهاب: وأخبرني عبيد الله: أن ابن عباس كان يفتي بالمتعة ويغمص ذلك عليه أهل العلم فأبى ابن ¬

_ (¬1) 1 - كذا الأصل بدون إعجام

عباس أن ينتكل عن ذلك حتى طفق بعض الشعراء يقول:. . . . . . . يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس؟ هل لك في ناعم خود مبتلة تكون مثواك حتى مصدر الناس. قال: فازداد أهل العلم بها قذرا ولها بغضا حين قيل فيها الأشعار ". قلت: وإسنادها صحيح. رلها طريق أخرى عنده بنحوه وزاد: " فقال ابن عباس: ما هذا أردت وما بهذا أفتيت إن المتعة لا تحل إلا لمضطر ألا إنما هي كالميتة والدم ولحم الخنزير ". وفيه الحسن بن عمارة وهو متروك كما في " التقريب ". ثم روى من طريق ليث عن ختنه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال في المتعة: " هي حرام كالميتة والدم ولحم الخنزير " وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف أيضا. وجملة القول: أن ابن عباس رضي الله عنه روي عنه في المتعة ثلاثة أقوال: الأول: الإباحة مطلقا. الثاني: الإباحة عند الضرورة. والآخر: التحريم مطلقا وهذا مما لم يثبت عنه صراحة بخلاف القولين الأولين فهما ثابتان عنه. والله أعلم [الإرواء]

تحريم نكاح الرجل ابنته من الزنى

تحريم نكاح الرجل ابنته من الزنى 387 - " ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام ". [الضعيفة] قال رحمه الله: لا أصل له. قاله الحافظ العراقي في " تخريج المنهاج " ونقله المناوي في " فيض القدير " وأقره، وقد استدل بهذا الحديث على تحريم نكاح الرجل ابنته من الزنى، وهو قول الحنفية وهو وإن كان الراجح من حيث النظر، لكن لا يجوز الاستدلال عليه بمثل هذا الحديث الباطل، وقد قابلهم المخالفون بحديث آخر وهو: 388 - " لا يحرم الحرام، إنما يحرم ما كان بنكاح حلال ". باطل. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1/ 173 / 2 من زوائد المعجمين) وابن عدي في " الكامل " (287/ 2) وابن حبان في " الضعفاء " (2/ 99) والدارقطني (ص402) والبيهقي (7/ 269) من طريق المغيرة بن إسماعيل بن أيوب بن سلمة عن عثمان بن عبد الرحمن الزهري عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت:

" سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يتبع المرأة حراما، أينكح ابنتها، أو يتبع الابنة حراما، أينكح أمها؟ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره، قال البيهقي: تفرد به عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي هذا وهو ضعيف، قاله يحيى بن معين وغيره من أئمة الحديث. قلت: بل هو كذاب، قال ابن حبان: كان يروي عن الثقات الموضوعات، وكذبه ابن معين في رواية عنه، وقال عبد الحق في " الأحكام " (ق 138/ 2) والهيثمي في " المجمع " (4/ 269): وهو متروك، وكذا قال الحافظ في " التقريب " وزاد: وكذبه ابن معين. قلت: والراوي عنه المغيرة بن إسماعيل مجهول كما قال الذهبي. والحديث ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (1/ 418) من طريق المغيرة بن إسماعيل عن عمر بن محمد الزهري عن ابن شهاب به ثم قال: قال أبي: هذا حديث باطل، والمغيرة بن إسماعيل وعمر هذا، هما مجهولان. قلت: كذا وقع في " العلل ": عمر بن محمد الزهري بدل عثمان بن عبد الرحمن الزهري فلا أدري أهكذا وقع في روايته، أم تحرف على الناسخ والطابع، وقد استدل بالحديث الشافعية وغيرهم على أنه يجوز للرجل أن يتزوج ابنته من الزنى, وقد علمت أنه ضعيف فلا حجة فيه، والمسألة اختلف فيها السلف، وليس فيها نص مع أحد الفريقين، وإن كان

الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها

النظر والاعتبار يقتضي تحريم ذلك عليه، وهو مذهب أحمد وغيره ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية فانظر " الاختيارات " له (123 - 124)، وتعليقنا على الصفحة (36 - 39) من كتابنا " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها 1882 - (عن أبي هريرة مرفوعا " لا تجمعوا بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها ". متفق عليه) 2/ 165. صحيح. قال رحمه الله: وله عنه طرق: الأولى: عن الأعرج عن أبي هريرة به بلفظ: " لا يجمع بين. . . " أخرجه البخاري (3/ 423) ومسلم (4/ 135) ومالك (20/ 532 / 20) والنسائي (2/ 81) والبيهقي (7/ 165) وأحمد (2/ 462 و 465 و 529 و 532) كلهم عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج به. الثانية: عن قبيصة بن ذؤيب أنه سمع أبا هريرة يقول: " نهى أن تنكح المرأة على عمتها والمرأة وخالتها ". أخرجه الشيخان وأبو داود (2066) والنسائي والبيهقي وأحمد (2/ 401 و 452 و 518). الثالثة: عن محمد بن سيرين عنه بلفظ: " لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ". أخرجه مسلم والنسائي والترمذي (1/ 210) وابن

ماجه (1929) والبيهقي وأحمد (2/ 432 و 474 و 489 و 508) وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". الرابعة: عن عراك بن مالك عنه. أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي. الخامسة: عن أبي سلمة عنه. أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي وأحمد (2/ 229 و 394 و 423). السادسة: عن عبد الملك بن يسار عنه. أخرجه النسائي. السابعة: عن الشعبي عنه. أخرجه البخاري 3/ 422) تعليقا وأبو داود (206) موصولا وكذا النسائي (2/ 82) والترمذي (1/ 210) وعبد الرزاق (10758) وابن أبي شيبة (7/ 33 / 2) وابن الجارود (685) والبيهقي (7/ 166) وأحمد (2/ 4 26) من طرق عن داود بن أبي هند عن الشعبي به ولفظه: " لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها ولا المرأة على خالتها ولا الخالة على بنت أختها ولا تنكح الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم وإن خولف داود في إسناده. كما يأتي قريبا. وللحديث شواهد كثيرة عن جماعة من الصحابة منهم جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وابن عمرو وأبو سعيد وابن عمر وعلي. 1 - حديث جابر يرويه عاصم عن الشعبي سمع جابرا به. أخرجه البخاري (3/ 422) والنسائي (2/ 82) وابن أبي شيبة (7/ 33 / 2)

والبيهقي والطيالسي (رقم 1787) وأحمد (3/ 338 و 382). ويرويه ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر به. أخرجه النسائي. 2 - حديث عبد الله بن عباس يرويه عكرمة عنه. أخرجه أحمد (1/ 217 و 372) وأبو داود (2067) وابن حبان (1275) والترمذي وقال: " حديث حسن صحيح ". 3 - حديث عبد الله بن عمرو يرويه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 34 / 1) وأحمد (2/ 179 و 182 و 189 و 207) والطبراني في " الأوسط " (1/ 173 / 2) قلت: وإسناده حسن. 4 - حديث أبي سعيد يرويه محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن سليمان بن يسار عنه. أخرجه ابن ماجه (1930) وابن أبي شيبة وأحمد (3/ 67). قلت: ورجاله ثقات. ويرويه أبو حنيفة: حدثني عطية عن أبي سعيد الخدري به. أخرجه الطبراني في " الأوسط " وقال: " لم يروه عن عطية إلا أبو حنيفة ". 5 - حديث ابن عمر يرويه جعفر بن برقان عن الزهري عن سالم عن أبيه. أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 34 / 1): قلت: وسنده حسن. ويرويه زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عن نافع عنه. أخرجه الطبراني. 6 - حديث علي يرويه ابن لهيعة ثنا عبد الله بن هبيرة السبائي عن عبد الله ابن زرير الغافقي عنه. أخرجه أحمد (1/ 77 - 78). [الإرواء]

النظر إلى المخطوبة

النظر إلى المخطوبة 98 - " إذا ألقي في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها ". [الصحيحة] قال رحمه الله: رواه سعيد بن منصور في " سننه " (519) وكذا ابن ماجه (1864) والطحاوي (2/ 8) والبيهقي والطيالسي (1186) وأحمد (4/ 225) عن حجاج ابن أرطاة عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة عن عمه سليمان ابن أبي حثمة. قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل الحجاج فإنه مدلس وقد عنعنه. وقال البيهقي: " إسناده مختلف، ومداره على الحجاج بن أرطاة، وفيما مضى كفاية" وتعقبه الحافظ البوصيري فقال في " الزوائد " (117/ 2): " قلت: لم ينفرد به الحجاج بن أرطاة، فقد رواه ابن حبان في " صحيحه " عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن أبي حازم، عن سهل بن أبي حثمة عن عمه سليمان ابن أبي حثمة قال: رأيت محمد بن سلمة فذكره ". قلت: كذا وجدته بخطي نقلا عن " الزوائد "، فلعله سقط مني أو من ناسخ الأصل شيء من سنده - وذاك ما استبعده - فإنه منقطع بين أبي خيثمة وأبي حازم، فإن أبا خيثمة واسمه زهير بن حرب توفي سنة (274)

وأما أبو حازم فهو, إما سلمان الأشجعي وإما سلمة بن دينار الأعرج وهو الأرجح وكلاهما تابعي، والثاني متأخر الوفاة، مات سنة (140). ثم رأيت الحديث في " زوائد ابن حبان " (1225) مثلما نقلته عن البوصيري: إلا أنه وقع فيه " أبو خازم " بالخاء المعجمة - عن " سهل بن محمد ابن أبي حثمة " مكان " سهيل بن أبي حثمة " وسهل بن محمد بن أبي حثمة لم أجد له ترجمة ولعله في " ثقات ابن حبان " فليراجع. لكن للحديث طريقان آخران: الأولى: عن إبراهيم بن صرمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة به. أخرجه الحاكم (3/ 434) وقال: " حديث غريب، وإبراهيم بن صرمة ليس من شرط هذا الكتاب " قال الذهبي في " تلخيصه ": " قلت: ضعفه الدارقطني، وقال أبو حاتم: شيخ ". الثانية: عن رجل من أهل البصرة عن محمد بن سلمة مرفوعا به. أخرجه أحمد (4/ 226): حدثنا وكيع عن ثور عنه. قلت: ورجاله ثقات غير الرجل الذي لم يسم. وبالجملة فالحديث قوي بهذه الطرق، والله أعلم. وقد ورد عن جابر مثل ما ذكرنا عن بن مسلمة كما يأتي.

وما ترجمنا به للحديث قال به أكثر العلماء، ففي " فتح الباري " (9/ 157): " وقال الجمهور: يجوز أن ينظر إليها إذا أراد ذلك بغير إذنها، وعن مالك رواية: يشترط إذنها، ونقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوز النظر إلى المخطوبة قبل العقد بحال، لأنها حينئذ أجنبية، ورد عليهم بالأحاديث المذكورة ". فائدة: روى عبد الرزاق في " الأمالي " (2/ 46 / 1) بسند صحيح عن ابن طاووس قال: أردت أن أتزوج امرأة، فقال لي أبي: اذهب فانظر إليها، فذهبت فغسلت رأسي وترجلت ولبست من صالح ثيابي، فلما رآني في تلك الهيئة قال: لا تذهب! قلت: ويجوز له أن ينظر منها إلى أكثر من الوجه والكفين لإطلاق الأحاديث المتقدمة ولقوله صلي الله عليه وسلم: " إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " 99 - " إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " ... [الصحيحة] قال رحمه الله:

أخرجه أبو داود (2082) والطحاوي والحاكم والبيهقي وأحمد (3/ 334،360)، عن محمد بن إسحاق عن داود بن حصين عن واقد بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال: " فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها ". والسياق لأبي داود، وقال الحاكم: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة، ثم هو مدلس وقد عنعنه، لكن قد صرح بالتحديث في إحدى روايتي أحمد، فإسناده حسن، وكذا قال الحافظ في " الفتح " (9/ 156)، وقال في " التلخيص ": " وأعله ابن القطان بواقد بن عبد الرحمن، وقال: المعروف واقد بن عمرو ". قلت: رواية الحاكم فيها عن واقد بن عمرو وكذا هو عند الشافعي وعبد الرزاق ". أقول: وكذلك هو عند جميع من ذكرنا غير أبي داود وأحمد في روايته الأخرى فقالا: " واقد بن عبد الرحمن "، وقد تفرد به عبد الواحد بن زياد خلافا لمن قال: " واقد بن عمرو " وهم أكثر، وروايتهم أولى، وواقد بن عمرو ثقة من رجال مسلم، أما واقد بن عبد الرحمن فمجهول. والله أعلم.

فقه الحديث: والحديث ظاهر الدلالة لما ترجمنا له، وأيده عمل راويه به، وهو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وقد صنع مثله محمد بن مسلمة كما ذكرناه في الحديث الذي قبله، وكفى بهما حجة، ولا يضرنا بعد ذلك، مذهب من قيد الحديث بالنظر إلى الوجه والكفين فقط، لأنه تقييد للحديث بدون نص مقيد، وتعطيل لفهم الصحابة بدون حجة، لاسيما وقد تأيد بفعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال الحافظ في " التلخيص " (ص 291 - 292): (فائدة): روى عبد الرزاق وسعيد بن منصور في " سننه " (520 - 521) وابن أبي عمر وسفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن على بن الحنفية: أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم، فذكر له صغرها، (فقيل له: إن ردك، فعاوده)، فقال (له علي): أبعث بها إليك، فإن رضيت فهي امرأتك، فأرسل بها إليه، فكشف عن ساقيها، فقالت: لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينك. وهذا يشكل على من قال: إنه لا ينظر غير الوجه والكفين ". وهذا القول الذي أشار الحافظ إلى استشكاله هو مذهب الحنفية والشافعية. قال ابن القيم في " تهذيب السنن " (3/ 25 - 26):" وقال داود: ينظر إلى سائر جسدها. وعن أحمد ثلاث روايات: إحداهن: ينظر إلى وجهها ويديها.

والثانية: ينظر ما يظهر غالبا كالرقبة والساقين ونحوهما. والثالثة: ينظر إليها كلها عورة وغيرها، فإنه نص على أنه يجوز أن ينظر إليها متجردة! " قلت: والرواية الثانية هي الأقرب إلى ظاهر الحديث، وتطبيق الصحابة له والله أعلم. وقال ابن قدامة في " المغني " (7/ 454): " ووجه جواز النظر (إلى) ما يظهر غالبا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن في النظر إليها من غير علمها، علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر عادة، إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور، ولأنه يظهر غالبا فأبيح النظر إليه كالوجه، ولأنها امرأة أبيح له النظر إليها بأمر الشارع، فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم ". ثم وقفت على كتاب " ردود على أباطيل " لفضيلة الشيخ محمد الحامد، فإذا به يقول (ص 43): " فالقول بجواز النظر إلى غير الوجه والكفين من المخطوبة باطل لا يقبل ". وهذه جرأة بالغة من مثله ما كنت أترقب صدورها منه، إذ أن المسألة خلافية كما سبق بيانه، ولا يجوز الجزم ببطلان القول المخالف لمذهبه إلا بالإجابة عن حجته ودليله كهذه الأحاديث، وهو لم يصنع شيئا من ذلك، بل إنه لم يشر إلى الأحاديث أدنى إشارة، فأوهم القراء أن لا دليل لهذا القول أصلا، والواقع خلافه كما ترى، فإن هذه الأحاديث بإطلاقها تدل

على خلاف ما قال فضيلته، كيف لا وهو مخالف لخصوص قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث (99): " ما يدعوه إلى نكاحها "، فإن كل ذي فقه يعلم أنه ليس المراد منه الوجه والكفان فقط، ومثله في الدلالة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث (97): " وإن كانت لاتعلم ". وتأيد ذلك بعمل الصحابة رضي الله عنهم، عمله مع سنته صلى الله عليه وسلم، ومنهم محمد ابن مسلمة وجابر بن عبد الله، فإن كلا منهما تخبأ لخطيبته ليرى منها ما يدعوه إلى نكاحها، أفيظن بهما عاقل أنهما تخبآ للنظر إلى الوجه والكفين فقط! ومثل عمر بن الخطاب الذي كشف عن ساقي أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهم. فهؤلاء ثلاثة من كبار الصحابة أحدهم الخليفة الراشد أجازوا النظر إلى أكثر من الوجه والكفين، ولا مخالف لهم من الصحابة فيما أعلم، فلا أدري كيف استجاز مخالفتهم مع هذه الأحاديث الصحيحة؟! وعهدى بأمثال الشيخ أن يقيموا القيامة على من خالف أحدا من الصحابة اتباعا للسنة الصحيحة، ولو كانت الرواية عنه لا تثبت كما فعلوا في عدد ركعات التراويح! ومن عجيب أمر الشيخ عفا الله عنا وعنه أنه قال في آخر البحث: " قال الله تعالى: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ".! فندعو أنفسنا وإياه إلى تحقيق هذه الآية ورد هذه المسألة إلى السنة بعد ما تبينت. والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. هذا ومع صحة الأحاديث في هذه المسألة، وقول جماهير العلماء بها - على خلاف السابق - فقد أعرض كثير من المسلمين في العصور المتأخرة

عن العمل بها، فإنهم لا يسمحون للخاطب بالنظر إلى فتاتهم - ولو في حدود القول الضيق. تورعا منهم، زعموا، ومن عجائب الورع البارد أن بعضهم يأذن لابنته بالخروج إلى الشارع سافرة بغير حجاب شرعي! ثم يأبى أن يراها الخاطب في دارها، وبين أهلها بثياب الشارع! وفي مقابل هؤلاء بعض الآباء المستهترين الذين لا يغارون على بناتهم. تقليدا منهم لأسيادهم الأوربيين، فيسمحون للمصور أن يصورهن وهن سافرات سفورا غير مشروع، والمصور رجل أجنبي عنهن، وقد يكون كافرا، ثم يقدمن صورهن إلى بعض الشبان، بزعم أنهم يريدون خطبتهن، ثم ينتهي الأمر على غير خطبة، وتظل صور بناتهم معهم، ليتغزلوا بها، وليطفئوا حرارة الشباب بالنظر إليها!. ألا فتعسا للآباء الذين لا يغارون. وإنا لله وإنا إليه راجعون. 1273 - " شمي عوارضها، وانظري إلى عرقوبيها ". [الضعيفة] قال رحمه الله: منكر. أخرجه الحاكم (2/ 166) وعنه البيهقي (7/ 87) من طريق هشام بن علي: حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه.

" أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتزوج امرأة، فبعث امرأة لتنظر إليها فقال: (فذكره) قال: فجاءت إليهم فقالوا: ألا نغديك يا أم فلان! فقالت: لا آكل إلا من طعام جاءت به فلانة، قال: فصعدت في رف لهم فنظرت إلى عرقوبيها ثم قالت: أفليني يا بنية! قال: فجعلت تفليها، وهي تشم عوارضها، قال: فجاءت فأخبرت ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي! وغمز من صحته البيهقي فقال عقبه: " كذا رواه شيخنا في " المستدرك "، ورواه أبو داود السجستاني في " المراسيل " عن موسى بن إسماعيل مرسلا مختصرا دون ذكر أنس. ورواه أيضا أبو النعمان عن حماد مرسلا. ورواه محمد بن كثير الصنعاني عن حماد موصولا. ورواه عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس موصولا ". قلت: وعلة إسناد الحاكم هشام بن علي وهو شيخ شيخه علي بن حمشاذ العدل ولم أجد له ترجمة في شيء من المصادر التي عندي. وقد خالفه أبو داود، فقال في " المراسيل " (ق 11/ 2): حدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد بن سلمة عن ثابت مرسلا. فالصواب المرسل. ويؤيده رواية أبي النعمان عن حماد مرسلا. وأبو النعمان هو محمد بن الفضل عارم السدوسي، وهو ثقة ثبت تغير في آخر عمره واحتج به

الشيخان. وأما محمد ابن كثير الصنعاني الذي رواه عن حماد موصولا فهو ضعيف، قال الحافظ: " صدوق كثير الغلط ". قلت: فمخالفة هذا وهشام بن علي لأبي داود وأبي النعمان، مما يجعل روايتهما شاذة بل منكرة. ولا تتأيد برواية عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس التي علقها البيهقي ووصلها أحمد (3/ 231)، لأن عمارة هذا ضعيف أيضا. قال الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ". ولذلك قال في " التلخيص " (3/ 147) بعد أن عزاه لمن ذكرنا وزاد الطبراني (¬1):" واستنكره أحمد، والمشهور فيه طريق عمارة عن ثابت عنه" ثم ذكر طريق الحاكم الموصولة وقال: " وتعقبه البيهقي بأن ذكر أنس فيه وهم ". والخلاصة أن الحديث مرسل فهو ضعيف، لا سيما مع استنكار أحمد إياه. والله أعلم. (تنبيه) أورد الشيخ محمد الحامد في كتابه " ردود على أباطيل " (ص 44) ونقل تخريجه عن تلخيص الحافظ دون أن يشير إلى ذلك، وحذف منه إعلاله للحديث واستنكار أحمد إياه!! أورده تحت عنوان " ما يباح ¬

_ (¬1) 1 - قلت: لم يعزه الهيثمي (4/ 276) إلا لأحمد والبزار، وقد راجعت له "المعاجم الثلاثة " للطبراني فلم أره في شيء منها. فالله أعلم. اهـ.

النظر إليه من الخاطب إلى مخطوبته "، واستدل به على جواز إرسال امرأة إلى المخطوبة لتراها، ثم تصفها للخاطب. وأن القول بجواز النظر من الخاطب إلى غير الوجه والكفين من المخطوبة باطل. ولم يتعرض لذكر الأحاديث المؤيدة لهذا القول الذي أبطله بدون حجة شرعية سوى التأييد لمذهبه. وقد رددت عليه في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (95 - 99) وخرجت فيها أربعة أحاديث فيها أمره صلى الله عليه وسلم للرجل أن ينظر إلى من يريد خطبتها، وفي بعضها: " أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها " وأن بعض رواته من الصحابة كان يتخبأ ليرى منها ما يدعوه إلى تزوجها، فراجعها تزدد علما وفقها. (تنبيه): كنت ذكرت في المصدر المذكور (1/ 156) نقلا عن " تلخيص الحبير " لابن حجر العسقلاني (ص 291 - 292) من الطبعة الهندية رواية عبد الرزاق وسعيد ابن منصور وابن أبي عمر (الأصل: أبي عمرو وهو خطأ) عن سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي بن الحنفية أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم .. القصة، وفيها أن عمر رضي الله عنه كشف عن ساقيها. وقد اعتبرتها يؤمئذ صحيحة الإسناد، اعتمادا مني على ابن حجر - وهو الحافظ الثقة - وقد أفاد أن راويها هو ابن الحنفية، وهو أخو أم كلثوم، وأدرك عمر ودخل عليه، فلما طبع " مصنف عبد الرزاق " بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، ووقفت على إسنادها فيه (10/ 10352) تبين لي أن في السند إرسالا وانقطاعا، وأن قوله في " التلخيص ": " .. ابن الحنفية " خطأ لا أدري سببه، فإنه في "المصنف ": " ... عمرو بن دينار

لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها

عن أبي جعفر قال: .. " وكذلك هو عند سعيد بن منصور (3 رقم 520) كما ذكر الشيخ الأعظمي، وأبو جعفر هذا اسمه محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقد جاء مسمى في رواية ابن أبي عمر بـ " محمد ابن علي " كما ذكره الحافظ نفسه في " الإصابة "، وساقه كذلك ابن عبد البر في " الاستذكار " بإسناده إلى ابن أبي عمر، وعليه فراوي القصة ليس ابن الحنفية، لأن كنيته أبو القاسم، وإنما هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كما تقدم، لأنه هو الذي يكنى بأبي جعفر، وهو الباقر. وهو من صغار التابعين، روى عن جديه الحسن والحسين وجد أبيه علي بن أبي طالب مرسلا، كما في "التهذيب " وغيره، فهو لم يدرك عليا بله عمر، كيف وقد ولد بعد وفاته بأكثر من عشرين سنة، فهو لم يدرك القصة يقينا، فيكون الإسناد منقطعا، فرأيت أن من الواجب علي - أداء للأمانة العلمية - أن أهتبل هذه الفرصة، وأن أبين للقراء ما تبين لي من الانقطاع. والله تعالى هو المسؤول أن يغفر لنا ما زلت له أقلامنا، ونبت عن الصواب أفكارنا، إنه خير مسؤول. لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها 1839 - (حديث " لا نكاح إلا بولي " رواه الخمسة إلا النسائي وصححه أحمد وابن معين) ص 150 صحيح وقد جاء من حديث أبي موسى الأشعري وعبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وأبي هريرة.

1 - أما حديث أبي موسى فيرويه أبو إسحاق عن أبي بردة عنه مرفوعا به. أخرجه أبو داود (2085) والترمذي (1/ 203 - 204) والدارمي (2/ 137) والطحاوي (2/ 5) وابن أبي شيبة (7/ 2 / 2) وابن الجارود (702) وابن حبان (1243) والدارقطني (ص 380) والحاكم (2/ 270) والبيهقي (7/ 107) وأحمد (4/ 394، 413) وتمام الرازي في " الفوائد " (ق 291/ 2) وأبو الحسن الحربي في جزء من حديثه (35/ 1) من طرق عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق به. وقد تابعه يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق به. أخرجه أبو داود (2085) والترمذي من طريقين عنه. وأخرجه أحمد (4/ 413، 418) من طريقين عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة به لم يذكر فيه أبا إسحاق. وكذلك أخرجه ابن الجارود (701) والحاكم من طريق ثالثة عن يونس به. وتابعه شريك عن أبي إسحاق به. أخرجه الترمذي والدارمي وابن حبان (1245) وأبو علي الصواف في " الفوائد " والبيهقي (3/ 169 / 2). وتابعه أبو عوانة: ثنا أبو إسحاق به. أخرجه ابن ماجه (1881) والطحاوي والحاكم والبيهقي والطيالسي (523). وتابعه زهير بن معاوية عنه به. أخرجه إبن الجارود (703) وابن حبان (1244) والبيهقي والحاكم. وتابعه قيس بن الربيع. أخرجه الطحاوي والبيهقي والحاكم. وتابعه أخيرا شعبة عن أبي إسحاق به أخرجه الدارقطني (381) والرازي في " الفوائد " (219/ 2) وأبو علي الصواف في " الفوائد " (3/ 169 / 2). أخرجاه عن سفيان أيضا.

لكن المحفوظ عن شعبة وسفيان عن أبي إسحاق عن أبي بردة مرسلا. قالت الترمذي عقب الحديث: " وحديث أبي موسى حديث فيه اختلاف رواه إسرائيل وشريك بن عبد الله وأبو عوانة وزهير بن معاوية وقيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي (صلى الله عليه وسلم). وروى أبو عبيدة الحداد عن يونس بن أبى إسحاق عن أبي بردة عن أبي موس نحوه. ولم يذكر فيه " عن أبي إسحاق " وقد روي عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أيضا. وروى شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) " لا نكاح الا بولي ". وقد ذكر بعض أصحاب سفيان عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى ولا يصح. ورواية هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) عندي أصح لأن سماعهم من أبي إسحاق في أوقات مختلفة وإن شعبة والثوري أحفظ وأثبت من جميع هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق هذا الحديث فإن رواية هؤلاء عندي أشبه لأن شعبة والثوري سمعا هذا الحديث من أبي إسحاق في مجلس واحد ومما يدل على ذلك (ثم ذكر بسنده الصحيح عن) شعبة قالت: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق: أسمعت أبا بردة يقول: قالت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا نكاح إلا بولي؟ فقال: نعم. فدل أن سماع شعبة والثوري عن أبي إسحاق (الأصل: مكحول!) هذا الحديث في وقت واحد. وإسرائيل هو ثقة ثبت في أبي إسحاق سمعت محمد بن المثنى يقول. سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما فاتني من

حديث الثوري عن أبي إسحاق الذي فاتني إلا لما تكلت به على إسرائيل لأنه كان يأتي به أتم ". وأقول: لا شك أن قول الترمذي أن الأصح رواية الجماعة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى مرفوعا هو الصواب فظاهر السند الصحة ولذلك صححه جماعة منهم علي بن المديني ومحمد بن يحيى الذهلي كما رواه الحاكم عنهما وصححه هو أيضا ورافقه الذهبي ومنهم البخاري كما ذكر ابن الملقن في " الخلاصة " (ق 143/ 2) ولكن يرد عليهم أن أبا إسحاق وهو السبيعي كان قد اختلط ولا يدرى هل حدث به موصولا قبل الاختلاط أم بعده؟ (¬1) نعم قد ذكر له الحاكم متابعين منهم ابنه يونس وقد سبقت روايته وقال: " لست أعلم بين أئمة هذا العلم خلافا على عدالة يونس بن أبي إسحاق وأن سماعه من أبي بردة مع أبيه صحيح ثم لم يختلف على يونس في وصل هذا الحديث ". ثم وصله الحاكم من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي بردة به. قلت: وفي إسناده ضعف. لكنه إذا لم يرتق الحديث بهذه المتابعة إلى درجة الحسن أو الصحة فلا أقل من أن يرتقي إلى ذلك بشواهده الآتية فهو بها صحيح قطعا ولعل تصحيح من صححه من أجل هذه الشواهد. والله أعلم. 2 - وأما حديث ابنه عباس فله عنه طريقان: الأولى: عن عكرمة عنه به مرفوعا. أخرجه ابن ماجه (1880) والبيهقي (7/ 109 - 110) وأحمد (1/ 250) من طريق الحجاج عن عكرمة. ¬

_ (¬1) 1 - وأيضا فقد وصف بالتدليس وقد عنعنه في جمع الطرق عنه.

قلت: والحجاج هو ابن أرطأة وهو مدلس وقد عنعنه. بل قال أحمد: إنه لم يسمع من عكرمة الثانية: عن سعيد بن جبير عنه به. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (163/ 3 / 2): حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل: نا عبيد الله بن عمر القواريري نا عبد الرحمن بن مهدي وبشر بن المفضل قالا: نا سفيان عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عنه. قلت. وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن أحمد وهو ثقة حافظ لكن قد أعل بالوقف كما يأتي. وأخرجه من طريق الطبراني الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (231 - 232). وقال الطبراني في " الأوسط " (1/ 164 / 2 - زوائده) ثنا أحمد بن القاسم ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ثنا عبد الله بن داود وبشر ابن المفضل وعبد الرحمن بن مهدي كلهم عن سفيان به بلفظ: " لا نكاح إلا بإذن ولي مرشد أو سلطان " وقال: " لم يروه مسندا عن سفيان إلا هؤلاء الثلاثة تفرد به القواريري ". قلت: وهو ثقة ثبت كما قال الحافظ في " التقريب " والراوي عنه أحمد بن القاسم الظاهر أنه أحمد بن القاسم بن مساور أبو جعفر الجوهري ويحتمل أنه أحمد بن القاسم بن محمد أبو الحسن الطائي البرتي وكلاهما من شيوخ الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 16، 18) وكل ثقة مترجم له في " تاريخ بغداد " (4/ 349، 350). وقد تابعه معاذ بن المثنى ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ثنا عبد الله بن داود سمعه من سفيان ذكره عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قالت عبيد الله: ثنا بشر بن منصور وعبد الرحمن بن مهدي جميعا قالا: ثنا سفيان عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وسلم) إن شاء الله قال: فذكره

" تفرد به القواريري مرفوعا والقواريري ثقة إلا أن المشهور بهذا الاسناد موقوف على ابن عباس ". ثم روى من طريق إسحاق الأبري عن عبد الرزاق عن الثوري عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه مثله ولم يرفعه (¬1). ثم رواه من طريق جعفر بن الحارث عن عبد الله بن عثمان بن خثيم به ورواه الشافعي (1542) وعنه البيهقي (7/ 112) عن مسلم بن خالد عنه ابن خثيم به. وخالفهم جميعا عيسى بن الفضل فقال: أنبا عبد الله بن عثمان بن خثيم به مرفوعا بلفظ: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فإن أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل ". أخرجه الدارقطني (382) وقال: " رفعه عدي بن الفضل ولم يرفعه غيره ". وقال البيهقي عقبه: " وهو ضعيف والصحيح موقوف ". ثم وجدت للقواريري متابعا أخرجه أبو الحسن الحمامى في " الفوائد المنتقاة " (9/ 2 / 1) من طريق مؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري به بلفظ القواريري. وقال الحافظ أبو الفتح بن أبى الفوارس في (منتقى الفوائد): " حديث غريب من حديث الثوري تفرد به مؤمل بن إسماعيل عن سفيان والمحفوظ عن سفيان موقوف ". 3 - وأما حديث جابر فله طرق: الأولى: عن أبي سفيان عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1/ 164 / 2) من طريق عمرو بن عثمان الرقي ¬

_ (¬1) 1 - وكذلك رواه ابن أبي شيبة (2/ 7 / 1): وكيع عن سفيان به موقوف

نا عيسى بن يونس عن الأعمش عنه. وقال: " لم يروه عن الأعمش إلا عيسى ولا عنه إلا عمرو ". قلت: وهو أعني عمرو بن عثمان الرقي قال الهيثمي (4/ 286) " وهو متروك وقد وثقه ابن حبان ". الثانية: عن عطاء عن جابر به أخرجه الطبراني عن عبد الله بن بزيع عن هشام القردوسي عنه. قلت: وهذا سند ضعيف عبد الله بن بزيم قال الذهبي في " الضعفاء ": " لينه الدارقطني ". الثالثة: عن أبي الزبير عنه مرفوعا بلفظ: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " أخرجه الطبراني أيضا من طريق قطن بن نسير الذراع نا عمرو بن النعمان الباهلي نا محمد بن عبد الملك عنه. وقال: " لا يروى عن جابر إلا بهذا الاسناد تفرد به قطن ". قلت: وهو صدوق يخطئ احتج به مسلم وعمرو بن النعمان الباهلي صدوق له أوهام كما في " التقريب ". وأما محمد بن عبد الملك فلم أعرفه. وقال الهيثمي: " فإن كان هو الواسطي الكبير فهو ثقة وإلا فلم أعرفه وبقية رجاله ثقات ". قلت: الواسطي هذا لم يوثقه غير ابن حبان ومع ذلك فقد رماه بالتدليس فقال في " الثقات ": " يعتبر حديثه إذا بين السماع فإنه كلن مدلسا ". قلت: وقد روى هنا بالعنعنة فلا يعتبر حديثه فكيف يطلق عليه أنه ثقة! أضف إلى ذلك أن أبا الزبير مدلس أيضا معروف بذلك! 4 - وأما حديث أبي هريرة فله عنه طرق: الأولى: عن محمد بن سيرين عنه بلفظ الكتاب. أخرجه ابن حبان (1246) من طريق أبي عتاب الدلال حدثنا أبو عامر الخزاز عنه.

قلت: وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات غير أبي عامر الخزاز واسمه صالح بن رستم المزني مولاهم قال الحافظ: " صدوق " كثير الخطأ ". والثانية: عن سعيد بن المسيب عنه به وزيادة: " وشاهدي عدل ". أخرجه ابن عيسى في " الكامل " (ق 153/ 2) والطبراني في " الأوسط " (1/ 164 / 2) من طريق سليمان بن أرقم عن الزهري عنه. وقال: " لم يروه عن الزهري إلا سليمان ". قلت: وهو متروك كما في " المجمع " (4/ 286) وقد تابعه عمر بن قيس وهو المكي عن الزهري به بلفظ: " لا تنكح المرأة إلا بإذن ولي ". أخرجه الطبراني أيضا وقال: " لم يروه عن الزهري إلا عمر ". قلت: وهو متروك أيضا. والثالثة: عن أبي سلمة عنه به وزاد: " قيل: يا رسول الله من الولي؟ قال: رجل من المسلمين ". أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (12/ 233 / 2) عن المسيب بن شريك عن محمد بن عمرو عنه. قلت: والمسيب هذا متروك كما قال مسلم وجماعة. وله طريق رابعة سأذكرها تحت الحديث (1858) وفي الباب عن جماعة آخرين من الصحابة وفي أسانيدها كلها ضعف وتجد تخريجها في " نصب الراية " و " مجمع الزوائد " وفيما ذكرنا كفاية. وخلاصة القول: أن الحديث صحيح بلا ريب, فإن حديث أبي موسى قد صححه جماعة من الأئمة كما عرفت وأسوأ أحواله أن يكون الصواب فيه أنه مرسل.

أخطأ في رفعه أبو إسحاق السبيعي فإذا انضم إليه متابعة من تابعه موصولا وبعض الشواهد المتقدمة التي لم يشتد ضعفها عن غير أبي موسى من الصحابة - مثل حديث جابر من الطريق الثانية وحديث أبي هريرة من الطريق الأولى - إذا نظرنا إلى الحديث من مجموع هذه الطرق والشواهد فإن القلب يطمئن لصحته لا سيما وقد صح عن ابن عباس موقوفا عليه كما سبق ولم يعرف له مخالف من الصحابة. أضف إلى ذلك كله أن في معناه حديث عائشة الأتي في الكتاب وهو حديث صحيح كما سيأتي تحقيقه. وقد روى ابن عيسى في " الكامل " (156/ 2) عن الامام أحمد رحمه الله أنه قالت: أحاديث: " أفطر الحاجم والمحجوم " و " لا نكاح إلا بولي " يشد بعضها بعضا وأنا أذهب إليها). 1840 - (عن عائشة مرفوعا: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها وإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي لها " رواه الخمسة إلا النسائي) ص 150. صحيح. أخرجه أبو داود (2083) والترمذي (1/ 204) وابن ماجه (1879) وأحمد (6/ 47، 165) وكذا الشافعي (1543) والدارمي (2/ 137) وابن أبي شيبة (7/ 2 / 1) والطحاوي (2/ 4) وابن الجارود (700) وابن حبان (1248) والدارقطني (381) والحاكم (2/ 168) والبيهقي (7/ 105) والطيالسي (1463) وابن عيسى في " الكامل " (ق 156/ 2) وابن عساكر (8/ 317 / 2 - 320/ 1) من طرق عديدة عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عنها.

ومن طريقه عنه عبد الرزاق قال: أنا ابن جريج قال: أخبرني سليمان بن موسى أن ابن شهاب أخبره أن عروة أخبره أن عائشة أخبرته. أخرجه أحمد وابن الجارود والدارقطني. قلت: وهذا إسناد موصول مسلسل بالتحديث على أنه ليس فيهم من يعرف بالتدليس سوى ابن جريج وقد صرح بالتحديث أيضا في رواية غير عبد الرزاق فقال الامام أحمد: ثنا إسماعيل ثنا ابن جريج قال أخبرني سليمان بن موسى به وزاد في آخره: " قال ابن جريج: فلقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه. قال: وكان سليمان بن موسى وكان فأثنى عليه ". وقول ابن جريج هذا أخرجه العقيلي أيضا في ترجمة سليمان ابن موسى (ص 164) وفيه: " قال ابن جريج: وكان سليمان وكان يعني: في الفضل ". قلت: فهذا صريح في أن الثناء المذكور على سليمان إنما هو من ابن جريج لا من الزهري وهو ظاهر عبارة أحمد في مسنده بخلاف ما رواه عنه الحاكم من طريق أبي حاتم الرازي قالت: سمعت أحمد بن حنبل يقول - وذكر عنده أن ابن علية (هو إسماعيل شيخ أحمد في الرواية المتقدمة) يذكر حديث ابن جريج في " لا نكاح إلا بولي ". قال ابن جريج فلقيت الزهري فسألته عنه فلم يعرفه وأثنى على سليمان بن موسى. قال أحمد بن حنبل: إن ابن جريج له كتب مدونة وليس هذا في كتبه يعني حكاية ابن علية عن ابن جريج ". قلت: فظاهر قوله " أثنى. . . " إنما هو الزهري لأنه أقرب مذكور وقد صار هذا الظاهر نصا في نقل الحافظ في " التلخيص " (3/ 157) لهذه العبارة عن الحاكم فزاد ها ". . وسألته عن سليمان بن موسى؟ فأثنى عليه "

فكأن الحافظ رحمه الله رواه بالمعنى الظاهر من عبارة " المستدرك " غير أن هذا الظاهر غير مراد لما تقدم من رواية العقيلي التي هي نص على خلاف ما فهم. نعم قد رواه ابن عدي على نحو ما عزاه الحافظ للحاكم فروى من طريق الشاذكوني ثنا بشر بن المفضل عن ابن جريج. . . (فذكر الحديث) قال ابن جريج: فلقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث؟ فلم يعرفه فقلت له: إن سليمان بن موسى حدثنا به عنك قالت: فعرف سليمان وذكر خيرا وقال أخاف أن يكون وهم علي ". قلت: لكن الشاذكوني هذا متهم بالكذب فلا يعارض بروايته رواية ابن علية عن ابن جريج. على أن الرواية عنه من أصلها قد طعن في صحتها الامام أحمد كما تقدم في رواية أبي حاتم عنه وروى ابن عدي بالسند الصحيح عن ابن معين أنه قال: " لا يقول هذا إلا ابن علية وابن علية عرض حديث ابن جريج على عبد المجيد بن عبد العزيز فأصلحها له ". وطعن فيها آخرون فقال الحافظ: " وأعل ابن حبان وابن عدي وابن عبد البر والحاكم وغيرهم الحكاية عن ابن جريج وأجابوا عنها على تقدير الصحة بإنه لا يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم فيه. وقد تكلم عليه أيضا الدارقطني في " جزء من حدث ونسي " والخطيب بعده وأطال الكلام عليه البيهقي في " السنن " و " الخلافيات " وابن الجوزي في " التحقيق ". وقال الترمذي عقب الحديث: " هو عندي حسن. وقد تكلم بعض أصحاب الحديث فيه (ثم ذكر الحكاية المتقدمة عن ابن جريج وقال:) وذكر عن يحيى بن معين أنه قال: لم يذكر هذا الحرف عن ابن جريج إلا إسماعيل بن إبراهيم. قال يحيى: وسماع إسماعيل عن ابن جريج ليس بذاك إنما صحح كتبه على كتب عبد المجيد بن عبد العزيز

ابن أبي رواد ما سمع من ابن جريج. وضعف يحيى رواية إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج ". قلت: وقد ذكر هذا الحرف عن ابن جريح بشر بن المفضل أيضا لكن الراوي عنه كما سبق ذكره. ومما سبق يتبين أنه لا يصلح الاعتماد على هذه الحكاية في الطعن في سند الحديث فلننظر فيه كما ننظر في أي إسناد في أي حديث. فأقول: إن الحديث رجاله كلهم ثقات رجال مسلم إلا أن سليمان بن موسى مع جلالته في الفقه فقد قال الذهبي في " الضعفاء ": " صدوق قالت البخاري: عنده مناكير ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق فقيه قي حديثه بعض لين وخلط قبل موته بقليل ". وعلى هذا فالحديث حسن الاسناد وأما الصحة فهي بعيدة عنه وإن كان صححه جماعة منهم ابن معين كما رواه ابن عدي عنه. ومنهم الحاكم فقال: " صحيح على شرط الشيخين "! كذا قال وسليمان لم يخرج له البخاري. وقال ابن الجوزي في " التحقيق " (3/ 71 / 2): " هذا الحديث صحيح ورجاله رجال الصحيح ". ورده الحافظ ابن عبد الهادي في " التنقيح " (3/ 261) بأن سليمان صدوق وليس من رجال الصحيحين نعم لم يتفرد به سليمان بن موسى بل تابعه عليه جماعة فهو بهذا الاعتبار صحيح. فتابعه جعفر بن ربيعة عن ابن شهاب به. أخرجه أبو داود (2084) والطحاوي والبيهقي وأحمد (6/ 66) وقال أبو داود:

" جعفر لم يسمع من الزهري كتب إليه ". وتابعه عبيد الله بن أبي جعفر عن ابن شهاب به مثله أخرجه الطحاوي من طريق ابن لهيعة عنه. قلت: ورجاله ثقات غير ابن لهيعة فإنه سيئ الحفظ. وهو الذي روى المتابعة التي قبل هذه. وتابعه الحجاج بن أرطاة عن الزهري بإسناده بلفظ: " لا نكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له ". أخرجه ابن ماجه (1880) وابن أبي شيبة (7/ 2 / 2) والطحاوي والبيهقي وأحمد (6/ 260). وقال ابن عدي: " وهذا حديث جليل في هذا الباب وعلى هذا الاعتماد في إبطال نكاح بغير ولي وقد رواه ابن جريج الكبار ورواه عن الزهري مع سليمان بن موسى حجاج ابن أرطاة ويزيد بن أبي حبيب ومرة بن عبد الرحمن بن حيوئيل وأيوب بن موسى وابن عيينة وإبراهيم بن سعيد وكل هؤلاء طرقهم غريبة إلا حجاج بن أرطاة فإنه مشهور رواه عنه جماعة ". وللحديث شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1/ 164 / 1) من طريق أبي يعقوب عن ابن أبي نجيح عن عطاء عنه. وقال: " لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الاسناد ". قال الهيثمي في " المجمع " (4/ 285): " وفيه (أبو) يعقوب غير مسمى فإن كان هو التوأم فقد وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين وإن كان غيره فلم أعرفه وبقية رجاله ثقات " 1841 - (عن أبي هريرة مرفوعا: " لا تزوج المرأة المرأة. ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها " رواه ابن ماجه والدارقطني) ص 151 صحيح دون الجملة الأخيرة أخرجه ابن ماجه (1882) والدارقطني (384) والبيهقي (7/ 110) من طريق جميل بن الحسن العتكي: ثنا محمد بن مروان العقيلي ثنا هشام بن حسان عن محمد بن

سيرين عن أبي هريرة به. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات غير محمد بن مروان العقيلي قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أوهام " قلت: ولكنه قد توبع فرواه مسلم بن عبد الرحمن الجرمي ثنا مخلد بن حسين عن هشام بن حسان به. أخرجه الدارقطني والبيهقي. قلت: وهذا سند رجاله ثقات غير الجرمي هذا وهو شيخ وقد أورده ابن أبي حاتم (4/ 1 / 188) فقال: " من الغزاة روى عن مخلد بن حسين. روى عنه المنذر بن شاذان الرازي وقال: إنه قتل من الروم مائة ألف (¬1) ... قال الحسن بن سفيان: وسألت يحيى بن معين عن رواية مخلد بن الحسين عن هشام بن حسان؟ فقال: ثقة فذكرت له هذا الحديث قال: نعم قد كان شيخ عندنا يرفعه عن مخلد ". قلت: وكان ابن معين يشير إلى الجرمي هذا. وروى عبد الرحمن بن محمد المحاربي ثنا عبد السلام بن حرب عن هشام به إلا أنه قال: قال أبو هريرة: كنا نعد التي تنكح نفسها هي الزانية ". فجعل القسم الأخير منه موقوفا. أخرجه الدارقطني والبيهقي. قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. ورواه الأوزاعي عن ابن سيرين به إلا أنه أوقفه كله على أبي هريرة ولم يفصل كما فعل عبد السلام بن حرب. أخرجه البيهقي وقال: " وعبد السلام قد ميز المسند من الموقوف فيشبه أن يكون قد حفظه". [الإرواء] ¬

_ (¬1) 1 - في هذا الرقم مبالغة لا تخفى بل هو ظاهر الكذب.

الكفاءة في الزواج

الكفاءة في الزواج 1067 - " تخيروا لنطفكم، فانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم ". [الصحيحة] قال رحمه الله: أخرجه ابن ماجه (1/ 706) وابن عدي في الكامل " (64/ 1) والدارقطني (416) والحاكم (2/ 163) والخطيب (1/ 264) من طريق الحارث بن عمران الجعفري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. ثم رواه الحاكم من طريق عكرمة بن إبراهيم عن هشام بن عروة به مثله. وقال: " صحيح الإسناد ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت الحارث متهم وعكرمة ضعفوه ". قلت: ومن طريق الأول ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (1/ 403 و 404) وقال: " قال أبي: الحديث ليس له أصل وقد رواه مندل أيضا، ثم قال: قال أبي: الحارث ضعيف الحديث، وهذا حديث منكر ". قلت: وذكره الخطيب من طرق أخرى عن هشام به ثم قال: " وكل طرقه واهية قال: ورواه أبو المقدام هشام بن زياد عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وهو أشبه بالصواب ". وقال الحافظ في التلخيص (3/ 146): " ومداره على أناس ضعفاء رووه عن هشام.

أمثلهم: صالح بن موسى الطلحي والحارث بن عمران الجعفري وهو حسن ". وقال في " الفتح " (9/ 102): " وأخرجه أبو نعيم من حديث عمر أيضا وفي إسناده مقال، ويقوى أحد الإسنادين بالآخر ". وروي الحديث بزيادة فيه منكرة أوردته من أجلها في " الضعيفة " (5041). ثم رأيت له متابعا آخر أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (5/ 120 / 2) من طرق عن أبي بكر أحمد بن القاسم أنبأنا أبو زرعة أخبرنا أبو النضر أخبرنا الحكم ابن هشام حدثني هشام بن عروة به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال " لتهذيب " غير أحمد بن القاسم وهو التميمي ترجمه ابن عساكر (2/ 42 / 2) وروى عن عبد العزيز الكناني أنه قال فيه: " كان ثقة مأمونا ". وفي الحكم بن هشام وأبي النضر واسمه إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الدمشقي كلام لا يضر، وقد قال الحافظ في كل منهما: " صدوق " زاد في الثاني " ضعف بلا مستند ". فالحديث بمجموع هذه المتابعات والطرق وحديث عمر رضي الله عنه صحيح بلا ريب. ولكن يجب أن نعلم أن الكفاءة إنما هي في الدين والخلق فقط.

صداق المرأة

صداق المرأة 1927 - (قال عمر: " ألا لا تغالوا في صدقات النساء " رواه أبو داود والنسائي). ص 188 صحيح. أخرجه أبو داود (2106) والنسائي (2/ 87) والترمذي أيضا (1/ 208) وصححه وكذا ابن حبان (1259) والدارمي (2/ 141) والحاكم (2/ 175) والبيهقي (7/ 234) وأحمد (1/ 40 و 48) والحميدي (23) والضياء في " الأحاديث المختارة " (1/ 107) من طرق عن محمد ابن سيرين عن أبي العجفاء (وقال أحمد: سمعه من أبي العجفاء) قال: خطبنا عمر رحه الله فقال: " ألا لا تغالوا بصدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتى عشرة أوقية ". وقال الحاكم: " صحيح الاسناد وأبو العجفاء السلمي اسمه هرم بن حيان وهو من الثقات ". . ووافقه الذهبي ولكنه تعقبه في اسم أبي العجفاء فقال: " قلت: بل هرم بن نسيب ". قلت: وقيل في اسمه غير ذلك. وقد وثقه ابن معين والدارقطني وروى عنه جماعة من الثقات فلا يلتفت بعد هذا إلى قول الحافظ فيه: " مقبول ". يعني لين الحديث عند التفرد فكيف هذا مع توثيق الامامين المذكورين إياه؟! على أن الحاكم قد ذكر له طريقين آخرين عن عمر نحوه.

هل لولي المرأة أن يشترط لنفسه شيئا من المال

(تنبيه): أما ما شاع على الألسنة من أعتراض المرأة على عمر وقولها: " نهيت الناس آنفا أن يغالوا في صداق النساء والله تعالى يقول في كتابه (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا)؟! فقال عمر رضي الله عنه: كل أحد أفقه من عمر مرتين أو ثلاثا ثم رجع إلى المنبر فقال للناس: إني كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له ". فهو ضعيف منكر يرويه مجالد عن الشعبي عن عمر. أخرجه البيهقي (7/ 233) وقال: " هذا منقطع ". قلت: ومع انقطاعه ضعيف من أجل مجالد وهو ابن سعيد ليس بالقوي ثم هو منكر المتن فأن الآية لا تنافي توجيه عمر إلى ترك المغالاة في مهور النساء ولا مجال الأن لبيان ذلك فقد كتبت فيه مقالا نشر في مجلة التمدن الاسلامي منذ بضع سنين. [الأرواء] هل لولي المرأة أن يشترط لنفسه شيئا من المال 1007 - " أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح، فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح، فهو لمن أعطيه، وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته". [الضعيفة]

ضعيف. أخرجه أبو داود (2129) والنسائي (2/ 88 - 89) وابن ماجه (1955) والبيهقي (7/ 248) وأحمد (2/ 182) عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف ; لأن ابن جريج مدلس وقد عنعنه. وقد تابعه مدلس آخر وهو الحجاج بن أرطاة فقال: عن عمرو بن شعيب به ولفظه: ما استحل به فرج المرأة من مهر أو عدة، فهو لها، وما أكرم به أبوها أو أخوها أو وليها بعد عقدة النكاح، فهو له، وأحق ما أكرم الرجل به ابنته أو أخته. أخرجه البيهقي. تنبيه: استدل بعضهم بهذا الحديث على أنه يجوز لولي المرأة أن يشترط لنفسه شيئا من المال! وهو لو صح كان دليلا ظاهرا على أنه لو اشترط ذلك لم يكن المال له بل للمرأة، قال الخطابي: هذا يتأول على ما يشترطه الولي لنفسه سوى المهر، وقد اعتاد كثير من الآباء مثل هذا الشرط، وأنا وإن كنت لا أستحضر الآن ما يدل على تحريمه، ولكني أرى - والعلم عند الله تعالى - أنه لا يخلو من شيء، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، ولا أظن مسلما سليم الفطرة، لا يرى أن مثل هذا الشرط ينافي مكارم الأخلاق، كيف لا، وكثيرا ما يكون سبباللمتاجرة بالمرأة إلى أن

الصداق إذا لم يدخل بها

يحظى الأب أو الولي بالشرط الأوفر، والحظ الأكبر، وإلا أعضلها! وهذا لا يجوز لنهي القرآن عنه. الصداق إذا لم يدخل بها 1019 - " من كشف خمار امرأة ونظر إليها فقد وجب الصداق، دخل بها أو لم يدخل بها " [الضعيفة] قال رحمه الله: ضعيف. أخرجه الدارقطني في " سننه " (419) من طريق ابن لهيعة: أخبرنا أبو الأسود عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف، لإرساله، ولضعف ابن لهيعة، ومن طريقه علقه البيهقي (7/ 256) وقال: وهذا منقطع، وبعض رواته غير محتج به. يعني ابن لهيعة، لكن قد أخرجه هو من طريق عبد الله بن صالح: حدثني الليث: حدثني عبيد الله بن أبي جعفر عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن يزيد عن محمد بن ثوبان بلفظ: من كشف امرأة فنظر إلى عورتها فقد وجب الصداق.

وهذا سند رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن صالح فمن رجال البخاري وحده، وفيه ضعف، لكنه قد توبع، فقال ابن التركماني في " الجوهر النقي": أخرجه أبو داود في " مراسيله " عن قتيبة عن الليث بالسند المذكور، وهو على شرط الصحيح، ليس فيه إلا الإرسال ". وقال الحافظ في " التلخيص " (ص 311): رواه أبو داود في " المراسيل " من طريق ابن ثوبان ورجاله ثقات. قلت: فهو ضعيف لإرساله، وقد صح موقوفا، فأخرجه الدارقطني وعنه البيهقي من طريق عبد الله بن نمير: حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: " إذا أجيف الباب، وأرخيت الستور، فقد وجب المهر. ورجاله كلهم ثقات معروفون رجال مسلم غير علي بن عبد الله بن مبشر شيخ الدارقطني فلم أجد له ترجمة، ولكنه أخرجه وهو والبيهقي من طريق أخرى عن عمر وقرن معه البيهقي عليا رضي الله عنهما، فهو عن عمر ثابت، وله عند الدارقطني طريق أخرى ثم أخرجه الدارقطني من طريق ابن أبي زائدة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مثله. قلت: وسنده صحيح. وهو في " الموطأ " (2/ 65) بإسنادين منقطعين عن عمر وزيد بن ثابت.

وجملة القول أن الحديث ضعيف مرفوعا، صحيح موقوفا، ولا يقال: فالموقوف شاهد للمرفوع لأنه لا يقال بمجرد الرأي، لأمرين: الأول: أنه مخالف لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} فهي بإطلاقها تشمل التي خلا بها، وما أحسن ما قال شريح: " لم أسمع الله تعالى ذكر في كتابه بابا ولا سترا، إذا زعم أنه لم يمسها فلها نصف الصداق ". الثاني: أنه قد صح خلافه موقوفا، فروى الشافعي (2/ 325): أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن ليث بن أبي سليم عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها: ليس لها إلا نصف الصداق لأن الله يقول: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً}. ومن طريق الشافعي رواه البيهقي (7/ 254). قلت: وهذا سند ضعيف، لكن قد جاء من طريق أخرى عن طاووس، أخرجه البيهقي من طريق سعيد بن منصور: حدثنا هشيم: أنبأ الليث عن طاووس عن ابن عباس أنه كان يقول في رجل أدخلت عليه امرأته ثم طلقها فزعم أنه لم يمسها، قال: عليه نصف الصداق. قلت: وهذا سند صحيح فبه يتقوى السند الذي قبله، والآتي بعده عن علي بن أبي طلحة، بخلاف ما نقله ابن كثير (1/ 288 - 289) عن البيهقي أنه قال في الطريق الأولى: وليث وإن كان غير محتج به، فقد رويناه من حديث ابن أبي طلحة عن ابن عباس، فهو مقوله:

وهذا معناه أنه يرى أن الليث في رواية هشيم عنه هو ابن أبي سليم أيضا، لكن الحافظ المزي لم يذكر في ترجمة ابن أبي سليم أنه روى عنه هشيم، وإنما عن الليث عن سعد، والله أعلم. ثم أخرج البيهقي عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (¬1) الآية. فهو الرجل يتزوج المرأة وقد سمى لها صداقا، ثم يطلقها من قبل أن يمسها، والمس الجماع، لها نصف الصداق، وليس لها أكثر من ذلك. قلت: وهذا ضعيف منقطع، ثم روى عن الشعبي عن عبد الله بن مسعود قال: لها نصف الصداق، وإن جلس بي رجليها، وقال: وفيه انقطاع بين الشعبي وابن مسعود، فإذا كانت المسألة مما اختلف فيه الصحابة، فالواجب حينئذ الرجوع إلى النص، والآية مؤيدة لما ذهب إليه ابن عباس على خلاف هذا الحديث، وهو مذهب الشافعي في " الأم " (5/ 215)، وهو الحق إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) 1 - تفسير القرطبي (3/ 205)، وهو عند البيهقي بسند صحيح عنه نحوه. اهـ.

آداب الجماع

آداب الجماع 1 - ملاطفة الزوجة عند البناء بها: يستحب له إذا دخل على زوجته أن يلاطفها كأن يقدم إليها شيئا من الشراب ونحوه لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: إني قينت (¬1) عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئته فدعوته لجلوتها (¬2) ... فجاء فجلس إلى جنبها فأتي بعس [(¬3) لبن فشرب ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم فخفضت رأسها واستحيت قالت أسماء: فانتهرتها وقلت لها: خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم قالت: فأخذت فشربت شيئا ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أعطي تربك (¬4) قالت أسماء: فقلت: يا رسول الله بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه من يدك فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه قالت: فجلست ثم وضعته على ركبتي ثم طفقت أديره وأتبعه بشفتي لأصيب منه شرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لنسوة عندي: [ناوليهن) فقلن: لا نشتهيه فقال صلى الله عليه وسلم] لا تجمعن جوعا وكذبا. ¬

_ (¬1) 1 - أي: زينت (¬2) 2 - أي: للنظر إليها مجلوة مكشوفة (¬3) 3 - هو القدح الكبير (¬4) 4 - أي: صديقتك.

2 - وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها: وينبغي أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك وأن يسمي الله تبارك وتعالى ويدعو بالبركة ويقول ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما [فليأخذ بناصيتها] [وليسم الله عز وجل] [وليدع بالبركة] وليقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه (¬1) وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروه سنامه وليقل مثل ذلك (¬2). قلت: وفي الحديث دليل على أن الله خالق الخير والشر خلافا لمن يقول - من المعتزلة وغيرهم - بأن الشر ليس من خلقه تبارك وتعالى وليس في كون الله خالقا للشر ما ينافي كماله تعالى بل هو من كماله تبارك وتعالى وتفصيل ذلك في المطولات ومن أحسنها كتاب " شفاء العليل في القضاء والقدر والتعليل " لابن القيم فليراجعه من شاء. ¬

_ (¬1) 1 - أي: خلقتها وطبعتها عليه. " نهاية " (¬2) 2 - أخرجه البخاري في " أفعال العباد " وأبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي وأبو يعلى في " مسنده " بإسناد حسن وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء ": " إسناده جيد ". وأشار لصحته عبد الحق الإشبيلي في " الأحكام الكبرى " بسكوته عليه كما نص في المقدمة وكذا ابن دقيق العيد في " الإلمام "

وهل يشرع هذا الدعاء في شراء مثل السيارة؟ وجوابي: نعم لما يرجى من خيرها ويخشى من شرها. 3 - صلاة الزوجين معا: ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معا لأنه منقول عن السلف. وفيه أثران: الأول: عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: (تزوجت وأنا مملوك فدعوت نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة قال: وأقيمت الصلاة قال: فذهب أبو ذر ليتقدم فقالوا: إليك قال: أو كذلك؟ قالوا: نعم (¬1). قال: فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك وعلموني فقالوا: (إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين ثم سل الله من خير ما دخل عليك وتعوذ به من شره ثم شأنك وشأن أهلك (¬2). الثاني: عن شقيق قال: ¬

_ (¬1) 1 - قلت: يشيرون بذلك إلى أن الزائر لا يؤم المزور في بيته إلا أن يأذن له لقوله صلى الله عليه وسلم: " ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه ". أخرجه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " وهو في " صحيح أبي داود ". (¬2) 2 - أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف ". وعبد الرزاق أيضا وسنده صحيح إلى أبي سعيد وهو مستور لم أجد من ذكره سوى أن الحافظ أورده في " الإصابة " فيمن روى عن مولاه أبي أسيد مالك بن ربيعة الأنصاري ثم رأيته في ثقات ابن حبان قال هندية: " يروي عن جماعة من الصحابة روى عنه أبو نضرة " ثم ساق هذه القصة دون قوله: فقالوا:. . . إلخ وهو رواية لابن أبي شيبة

(جاء رجل يقال له: أبو حريز (¬1) فقال: إني تزوجت جارية شابة [بكرا] وإني أخاف أن تفركني (¬2) ... فقال عبد الله (يعني ابن مسعود): (إن الإلف من الله والفرك من الشيطان يريد أن يكره إليكم ما أحل الله لكم فإذا أتتك فأمرها أن تصلي وراءك ركعتين. زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود: (وقل: اللهم بارك لي في أهلي وبارك لهم في اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير]. أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصدر السابق وكذا عبد الرزاق في " مصنفه " وسنده صحيح وأخرجه الطبراني بسندين صحيحين والزيادة مع الرواية الأخرى له ورواه في " الأوسط " كما في الجمع بينه وبين " الصغير " من طريق الحسين بن واقد عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخلت المرأة على زوجها يقوم الرجل فتقوم من خلفه فيصليان ركعتين ويقول: اللهم بارك لي في أهلي وبارك لأهلي في اللهم ارزقهم مني ¬

_ (¬1) 1 - بحاء مفتوحة والأصل " حرير " بدون إعجام وقد أورده الذهبي في " المشتبه " بالحاء وقال: " له صحبة ". ثم تناقض فذكره في " التجريد " بالجيم والراء المكسورة كما حكاه عنه ابن ناصر الدين في " التوضيح " وقد حكى الوجهين عن غير واحد من المتقدمين. والله أعلم (¬2) 2 - أي: تبغضني وفي " النهاية ": " فركت المرأة زوجها تفركه فركا بالكسر وفركا وفروكا فهي فروك ".

وارزقني منهم اللهم اجمع بيننا ما جمعت في خير وفرق بيننا إذا فرقت في خير ". وقال: " لم يروه عن عطاء إلا الحسين " قلت: يعني مرفوعا وعطاء بن السائب كان اختلط وقد رواه عنه حماد ابن زيد به نحوه موقوفا عليه وهو الصواب لأن حماد بن زيد روى عن عطاء قبل أن يختلط ولذلك أوردناه في المتن وهي الرواية الأخرى عن ابن مسعود. ثم رأيته من طريق آخر عن ابن مسعود عند الثقفي فانظر: " إذا تزوج أحدكم. " من " المعجم ". وله شاهد مرفوع عن سلمان أخرجه ابن عدي وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " والبزار في " مسنده " بسند ضعيف تكلمت عليه في " معجم الحديث " بلفظ: " إذا تزوج أحدكم. . . " ورواه ابن عساكر عنه وعن ابن عباس. وروى عبد الزراق عن ابن جريج قال: حدثت أن سلمان الفارسي تزوج امرأة فلما دخل عليها وقف على بابها فإذا هو بالبيت مستور فقال: ما أدري أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة إلى (كندة) والله لا أدخله حتى تهتك أستاره, فلما هتكوها. . . دخل. . . ثم عمد إلى أهله فوضع يده على رأسها. . . فقال: هل أنت مطيعتي رحمك الله؟ قالت: قد جلست مجلس من يطاع قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: " إن تزوجت يوما فليكن أول ما تلتقيان عليه من طاعة الله " فقومي فلتصل

ركعتين فما سمعتني أدعو فأمني, فصليا ركعتين وأمنت, فبات عندها فلما أصبح جاءه أصحابه فانتحاه رجل من القوم فقال: كيف وجدت أهلك؟ فأعرض عنه ثم الثاني ثم الثالث, فلما رأى ذلك صرف وجهه إلى القوم وقال: رحمكم الله فيما المسألة عما غيبت الجدران والحجب والأستار؟ بحسب امرئ أن يسأل عما ظهر إن أخبر أو لم يخبر. وفي إسناده انقطاع كما هو ظاهر. 4 - ما يقول حين يجامعها: وينبغي أن يقول حين يأتي أهله: (بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا قال صلى الله عليه وسلم: (فإن قضى الله بينما ولدا لم يضره الشيطان أبدا " (¬1). 5 - كيف يأتيها: ويجوز له أن يأتيها في قبلها من أي جهة شاء من خلفها, أو من أمامها لقول الله تبارك وتعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي: كيف شئتم مقبلة ومدبرة وفي ذلك أحاديث أكتفي باثنين منها: الأول عن جابر رضي الله عنه قال: ¬

_ (¬1) 1 - أخرجه البخاري وبقية أصحاب السنن إلا النسائي.

(كانت اليهود تقولك إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج] (¬1). الثاني: عن ابن عباس قال: (كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف (¬2) وذلك أستر ما تكون المرأة , فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات, فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني حتى شري (¬3) أمرها فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات. يعني بذلك موضع الولد. ¬

_ (¬1) 1 - رواه البخاري ومسلم والنسائي (¬2) 2 - أي: على جانب. " نهاية " (¬3) 3 - أي: عظم وتفاقم.

6 - تحريم الدبر: ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم الآية السابقة: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} , والأحاديث المتقدمة وفيه أحاديث أخرى: الأول: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم وكان المهاجرون (¬1) يجبون (¬2) وكانت الأنصار لا تجبي فأراد رجل من المهاجرين امرأته على ذلك فأبت عليه حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فأتته فاستحيت أن تسأله فسألته أم سلمة فنزلت: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) وقال: لا إلا في صمام (¬3) ... واحد (¬4). الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت. قال: وما الذي أهلكك؟ قال: حولت رحلي الليلة (¬5) ¬

_ (¬1) 1 - يعني نساء المهاجرين والأنصار (¬2) 2 - من التجبية وهو الانكباب على الأرض وفي القاموس: " جبى تجبية وضع يديه على ركبتيه وانكب على وجهه " (¬3) 3 - أي: مسلك واحد وفي " النهاية ":" الصمام: ما تسد به الفرجة فسمي الفرج به " (¬4) 4 - أخرجه أحمد والسياق له والترمذي وصححه وأبو يعلى وابن أبي حاتم في " تفسيره " والبيهقي وإسناده صحيح على شرط مسلم (¬5) 5 - كنى برحله عن زوجته أراد بها غشيانها في قبلها من جهة ظهرها لأن المجماع يعلو المرأة ويركبها مما يلي وجهها فحيث ركبها من جهة ظهرها كنا عنه بتحويل رحله

فلم يرد عليه شيئا فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول: أقبل وأدبر واتقي الدبر والحيضة " (¬1). الثالث: عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه: (أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن أو إتيان الرجل امرأته في دبرها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حلال. فلما ولى الرجل دعاه أو أمر به فدعي فقال: كيف قلت؟ في أي الخربتين أوفي الخرزتين أو في أي الخصفتين؟ (¬2) أمن دبرها في قبلها؟ فنعم أم من دبرها في دبرها؟ فلا فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن" (¬3) ... . الرابع: [لا ينظر الله إلى رجل يأتي امرأته في دبرها] (¬4). ¬

_ = إما أن يريد به المنزل والمأوى وإما أن يريد به الرحل الذي تركب عليه الإبل وهو الكور. " نهاية " (¬1) 1 - رواه النسائي في " العشرة " والترمذي وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي بسند حسن. وحسنه الترمذي (¬2) 2 - يعني: في أي الثقبين والألفاظ الثلاثة بمعنى واحد كما في " النهاية " (¬3) 3 - رواه الشافعي وقواه وعنه البيهقي والدارمي والطحاوي والخطابي في " غريب الحديث " وسنده صحيح كما قال ابن الملقن في " الخلاصة " وعله عن دالنسائي في " العشرة " والطحاوي والبيهقي وابن عساكر طرق أخر أحدها جيد كما قال المنذري وصححه ابن حبان وابن حزم ووافقهما الحافظ في " الفتح" (¬4) 4 - أخرجه النسائي في " العشرة " والترمذي وابن حبان من حديث ابن عباس وسنده

الخامس: [ملعون من يأتي النساء في محاشهن. يعني: أدبارهن] (¬1). السادس: [من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد] (¬2). ¬

_ = حسن وحسنه الترمذي وصححه ابن راهويه كما في " مسائل المروزي " وله طريق آخر عند ابن الجارود بسند جيد وقواه ابن دقيق العيد والنسائي وابن عساكر وأحمد من حديث أبي هريرة. (¬1) 1 - أخرجه ابن عدي من حديث عقبة بن عامر بسند حسن وهو من رواية ابن وهب عن ابن لهيعة وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه أبو داود وأحمد (¬2) 2 - أخرجه أصحاب " السنن " الأربعة إلا النسائي فرواه في " العشرة " والدارمي وأحمد واللفظ له والضياء في " المختارة " من حديث أبي أبي هريرة وسنده صحيح كما بينته في " نقد التاج " وروى النسائي وابن بطة في " الإبانة " عن طاوس قال: سئل ابن عباس عن الذي يأتي امرأته في دبرها؟ فقال: هذا يسألني عن الكفر؟ وسنده صحيح وعن أبي هريرة نحوه بسند فيه ضعف وقال الذهبي في " سير أعلام النبلاء ": " قد تيقنا بطرق لا محيد عنها نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أدبار النساء وجزمنا بتحريمه ولي في ذلك مصنف كبير " قلت: فلا تغتر بعد هذا بقول الشيخ جمال الدين القاسمي في " تفسيره ": " إنها ضعيفة " لأنها دعوى من غير مختص بهذا العلم أولا وخلاف ما يقتضيه البحث العلمي وشهادة الأئمة بصحة بعضها وحسن بعضها وجم الإمام الذهبي بالتحريم الذي اجتمعت عليه مفردات أحاديث الباب. وفي مقدمة المصححين الإمام إسحاق بن راهويه ثم تتابعت أقوال الأئمة من بعده من المتقدمين والمتأخرين كالترمذي وابن حبان وابن حزم والضياء والمنذري وابن الملقن وابن دقيق العيد وابن حجر وغيرهم ممن ذكروا في غير هذا الموضع فانظر مثلا " الإرواء " (7/ 65 - 70).

7 - الوضوء بين الجماعين: وإذا أتاها في المحل المشروع ثم أراد أن يعود إليها توضأ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ [بينهما وضوءا] وفي رواية: وضوءه للصلاة) [فإنه أنشط في العود] (¬1) 8 - الغسل أفضل: لكن الغسل أفضل من الوضوء لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه قال: فقلت له: يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا؟ قال: (هذا أزكى وأطيب وأطهر] (¬2). 9 - اغتسال الزوجين معا: ويجوز لهما أن يغتسلا معا في مكان واحد ولو رأى منه ورأت منه وفيه أحاديث: الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد [تختلف أيدينا فيه] فيبادرني حتى أقول: دع لي دع لي قالت: وهما جنبان] (¬3). ¬

_ (¬1) 1 - أخرجه مسلم وابن أبي شيبة في " المصنف " وأحمد وأبو نعيم والزيادة له وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري وقد خرجناه في " صحيح سنن أبي داود " برقم (216) (¬2) 2 - رواه أبو داود والنسائي في " عشرة النساء " والطبراني وأبو نعيم في " الطب " بسند حسن وقواه الحافظ وقد تكلمت عليه في " صحيح السنن " رقم (215) (¬3) 3 - رواه البخاري ومسلم وأبو عوانة في " صحاحهم " والسياق لمسلم والزيادة له وللبخاري في رواية وترجم له بـ " باب غسل الرجل مع امرأته ".

10 - الثاني: عن معاوية بن حيدة قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: [احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك]. قال: قلت: يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: (إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها]. قال: فقلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا؟ قال: (الله أحق أن يستحيى منه من الناس] (¬1). والحديث ترجم له النسائي بـ " نظر المرأة إلى عورة زوجها ", وعلقه البخاري في " صحيحه " في " باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ومن تستر فالستر أفضل " ثم ساق حديث أبي هريرة في اغتسال كل من موسى وأيوب عليهما السلام في الخلاء عريانين, فأشار فيه إلى أن قوله في الحديث: " الله أحق أن يستحيى منه " محمول على ما هو الأفضل والأكمل وليس على ظاهره المفيد للوجوب قال المناوي: " وقد حمله الشافعية على الندب وممن وافقهم ابن جريج فأول الخبر في " الآثار " على الندب قال: لأن الله تعالى لا يغيب عنه شيء من خلقه عراة أو غير عراة " وذكر الحافظ في " الفتح " نحوه فراجعه إن شئت (1/ 307). ¬

_ (¬1) 1 - رواه أصحاب " السنن " إلا النسائي والروياني في " المسند " وكذا أحمد والبيهقي واللفظ لأبي داود وسنده حسن وصححه الحاكم ووافقه الذبي وقواه ابن دقيق العيد في " الإلمام "

10 - توضؤ الجنب قبل النوم: ولا ينامان جنبين إلا إذا توضآ وفيه أحاديث: الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن [يأكل أو] ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة) (¬1). الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن عمر قال: يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ). وفي رواية: (توضأ واغسل ذكرك ثم نم). وفي رواية: (نعم ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء). وفي أخرى: (نعم ويتوضأ إن شاء) (¬2). الثالث: عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

_ (¬1) 1 - أخرجه البخاري ومسلم وأبو عوانة في " صحاحهم " (¬2) 2 - أخرجه الثلاثة في " صحاحهم " وابن عساكر والرواية الثانية لأبي داود بسند صحيح كما بينته في " صحيح أبي داود " والرواية الثالثة لمسلم وأبو عوانة والبيهقي والأخيرة لابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " كما في " التلخيص " وهي تدل على عدم وجوب هذا الوضوء وهو مذهب جمهور العلماء وسيأتي لهذا زيادة بيان في المسألة التالية وإذا كان كذلك فبالأولى أن لا يجب هذا على الوضوء على غير الجنب فتنبه.

(ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر والمتضمخ (¬1) ... بالخلوق [والجنب إلا أن يتوضأ " (¬2) 11 - حكم هذا الوضوء: وليس ذلك على الوجوب وإنما للاستحباب المؤكد لحديث عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ فقال: (نعم ويتوضأ إن شاء) ابن حبان في صحيحه (¬3). ويؤيده حديث عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء [حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل] (¬4). ¬

_ (¬1) 1 - أي: المنكر التلطخ ب " الخلوق " وهو بفتح المعجمة قال ابن الأثير: " وهو طيب معروف مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وإنما نهي عنه لأنه من طيب النساء " (¬2) 2 - حديث حسن أخرجه أبو داود في " سننه " من طريقين وأحمد والطحاوي والبيهقي من أحدهما وصححه الترمذي وغيره وفيه نظر بينته في كتابي " ضعيف سنن أبي داود " لكن متن الطريق الأولى وهو هذا له شاهدان أوردهما الهيثمي في " المجمع " ولهذا حسنته وأحدهما عند الطبراني في " الكبير " من حديث ابن عباس. (¬3) 3 - رواه ابن حبان في " صحيحه " عن شيخه ابن خزيمة وإلى " صحيحه " عزاه الحافظ في " التلخيص " كما تقدم قريبا ثم قال الحافظ: " وأصله في " الصحيحين " دون قوله: إن شاء ". قلت: بل هو في " صحيح مسلم " أيضا بهذه الزيادة كما سبق تخريجه آنفا وهي دليل صريح على عدم وجوب الوضوء قبل النوم على الجنب خلافا للظاهرية (¬4) 4 - رواه ابن أبي شيبة وأصحاب " السنن " إلا النسائي والطحاوي والطيالسي وأحمد والبغوي في " حديث علي بن الجعد " وأبو يعلى في " مسنده " والبيهقي والحاكم

وفي رواية عنها: (كان يبيت جنبا فيأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة فيقوم فيغتسل فأنظر إلى تحدر الماء من رأسه ثم يخرج فأسمع صوته في صلاة الفجر ثم يظل صائما قال مطرف: فقلت لعامر: في رمضان؟ قال: نعم سواء رمضان أو غيره (¬1) 12 - تيمم الجنب بدل الوضوء: ويجوز لهما التيمم بدل الوضوء أحيانا لحديث عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم (¬2). ¬

_ = وصححاه وهو كما قالا كما بينته في " صحيح أبي داود " برقم ورواه عفيف الدين أبو المعالي في " ستين حديثا " برقم (6) بلفظ: " فإن استيقظ من آخر الليل فإن كان له في أهله حاجة عاودهم ثم اغتسل ". وفي سنده أبو حنيفة رحمه الله. وروى ابن أبي شيبة بسند حسن عن ابن عباس قال: " إذا جامع الرجل ثم أراد أن يعود فلا بأس أن يؤخر الغسل " وعن سعيد بن المسيب قال: " إن شاء الجنب نام قبل أن يتوضأ " وسنده صحيح وهو مذهب الجمهور. (¬1) 1 - رواه ابن أبي شيبة من رواية الشعبي عن مسروق عنها. وسنده صحيح وهو شاهد قوي للذي قبله وكذا رواه أحمد وأبو يعلى في " مسنده " وله عندي طريق أخرى (¬2) 2 - رواه البيهقي من طريق عثام بن علي عن هشام عن أبيه عنها. قال الحافظ في " الفتح ": " إسناده حسن ". قلت: رواه ابن أبي شيبة عن عثام به موقوفا عليها في الرجل يصيبه جنابة من الليل فيريد أن ينام قالت: يتوضأ أو يتيمم. وسنده صحيح.=

13 - اغتساله قبل النوم أفضل: واغتسالهما أفضل لحديث عبد الله بن قيس قال: (سألت عائشة قلت: كيف كان صلى الله عليه وسلم يصنع في الجنابة؟ أكان يغتسل قبل أن ينام أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل ربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام. قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة) (¬1) 14 - تحريم إتيان الحائض: ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها (¬2) لقوله تبارك وتعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً (¬3) فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا ¬

_ = وقد تابعه إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة به مرفوعا ولفظه: " كان إذا واقع بعض أهله فكسل أن يقوم ضرب يده على الحائط فتيمم ". رواه الطبراني في " الأوسط " عن بقية بن الوليد عنه وقال:: " لم يروه عن هشام إلا إسماعيل " قلت: وإسماعيل ضعيف في روايته عن الحجازيين وهذه منها لكنه قد تابعه عثام بن علي - وهو ثقة كما سبق - ففي متابعته رد على الطبراني كما لا يخفى. (¬1) 1 - مسلم وأبو عوانة وأحمد. (¬2) 2 - قال الشوكاني في " فتح القدير ": " ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض وهو معلوم من ضرورة الدين ". (¬3) 3 - أي: هو شيء تتأذى به المرأة. وفسره القرطبي وغيره برائحة دم الحيض. قال السيد رشيد رضا رحمه الله:.

تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ (¬1) فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} وفيه أحاديث: الأول: من قوله صلى الله عليه وسلم: (من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) (¬2) الثاني: عن أنس بن مالك قال: (إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها (¬3) ... في البيت فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى ذكره: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إلى آخر الآية؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل ألا يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر (¬4) ¬

_ (¬1) 1 - هو انقطاع دم الحيض وهو ما لا يكون بفعل النساء بخلاف التطهر في قوله {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} فإنه من عملهن وهو استعمال الماء منهن وسيأتي بيان المراد منه في المسألة (17). (¬2) 2 - حديث صحيح. رواه أصحاب " السنن " وغيرهم كما سبق في المسألة. (¬3) 3 - أي: لم يخالطوها. (¬4) 4 - أي: تغير.

وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد (¬1) ... عليهما فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهما فسقاهما فظننا أنه لم يجد عليهما (¬2) 15 - كفارة من جامع الحائض: من غلبته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها فعليه أن يتصدق بنصف جنيه ذهب إنكليزي تقريبا أو ربعها لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: (يتصدق بدينار أو نصف دينار) (¬3) ... . وذهب على العمل بالحديث جماعة آخرون من السلف ذكر أسماءهم الشوكاني في النيل وقواه ¬

_ (¬1) 1 - أي: غضب (¬2) 2 - أخرجه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " (¬3) 3 - أخرجه أصحاب " السنن " والطبراني في " المعجم الكبير " وابن الأعرابي في " معجمه والدارمي والحاكم والبيهقي بإسناد صحيح على شرط البخاري وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وابن دقيق العيد وابن التركماني وابن القيم وابن حجر العسقلاني كما بينته في " صحيح سنن أبي داود " وكذا وافقه ابن الملقنفي " خلاصة البدر المنير " وقواه الإمام أحمد قبل هؤلاء وجعله من مذهبه فقال أبو داود في " المسائل ": " سمعت أحمد سئل عن الرجل يأتي امرأته وهي حائض؟ قال: ما أحسن حديث عبد الحميد فيه (قلت: يعني هذا) قلت: وتذهب إليه؟ قال: نعم إنما هو كفارة. [قلت]: فدينار أو نصف دينار: قال: كيف شاء "

16 - ما يحل له من الحائض: ويجوز له أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض وفيه أحاديث: الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) (¬1). والحديث قطعة من حديث أنس المتقدم في المسألة (14). الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يضاجعها زوجها وقالت مرة: يباشرها (¬2). الثالث: عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا [ثم صنع ما أراد] (¬3) ... . ¬

_ (¬1) 1 - أي: الجماع. قال الأزهري: " أصل النكاح في كلام العرب الوطء وقيل للتزوج: نكاح لأنه سبب للوطء المباح ". " لسان العرب " (¬2) 2 - البخاري ومسلم وأبو عوانة (¬3) 3 - أبو داود وسنده صحيح على شرط مسلم

17 - متى يجوز إتيانها إذا طهرت: فإذا طهرت من حيضها وانقطع الدم عنها جاز له وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم منها فقط, أو تتوضأ, أو تغتسل: أي ذلك فعلت جاز له إتيانها (¬1) ... لقوله تبارك وتعالى في الآية السابقة: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}. 18 - جواز العزل: ويجوز له أن يعزل عنها ماءه وفيه أحاديث: الأول: عن جابر رضي الله عنه قال: (كنا نعزل (¬2) ... والقرآن ينزل) وفي رواية: (كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا) (¬3) الثاني: عن أبي سعيد الخدري قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي وليدة (¬4) وأنا أعزل عنها وأنا أريد ما يريد الرجل وإن اليهود زعموا: [أن الموءودة ¬

_ (¬1) 1 - وهو مذهب ابن حزم ورواه عطاء وقتادة قالا في الحائض إذا رأت الطهر: أنها تغسل فرجها ويصيبها زوجها وهو مذهب الأوزاعي أيضا كما في " بداية المجتهد " قال ابن حزم: " وروينا عن عطاء أنها إذا رأت الطهر فتوضأت حل وطؤها لزوجها وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا " (¬2) 2 - في " الفتح ": " العزل: النزع بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج ". (¬3) 3 - رواه البخاري ومسلم. (¬4) 4 - يعني جارية.

الصغرى العزل) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كذبت يهود [كذبت يهود] لو أراد الله أن يخلقه لم تستطع أن تصرفه (¬1) ... . الثالث: عن جابر أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا (¬2) وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل (¬3) ... فقال: (اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها) فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت فقال: (قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها (¬4). 19 - الأولى ترك العزل: ولكن تركه أولى لأمور: الأول: أن فيه إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها (¬5) , فإن وافقت عليه ففيه ما يأتي وهو: ¬

_ (¬1) 1 - النسائي وأبو داود والطحاوي في " المشكل " والترمذي وأحمد بسند صحيح وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أبو يعلى والبيهقي بسند حسن (¬2) 2 - أي: التي تسقي لنا النخل كأنها كانت تسقي لهم عوض البعير. " نهاية " (¬3) 3 - أي: أجامعها وأكره حملها مني بولد (¬4) 4 - مسلم وأبو داود والبيهقي وأحمد (¬5) 5 - ذكره الحافظ في " الفتح "

الثاني: أنه يفوت بعض مقاصد النكاح وهو تكثير نسل أمة نبينا صلى الله عليه وسلم وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر (¬1) ... بكم الأمم (¬2). ولذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالوأد الخفي حين سألوه عن العزل فقال: (ذلك الوأد الخفي) (¬3). ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الأولى تركه في حديث أبي سعيد الخدري أيضا قال: (ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ولم يفعل ذلك أحدكم؟ - ولم يقل: فلا يفعل ذلك أحدكم - فإنه ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها ¬

_ (¬1) 1 - أي: أغالب بكم الأمم السابقة في الكثرة وهو تعليل للأمر بتزوج الولود الودود وإنما أتى بقيدين لأن الودود إذا لم تكن ولودا لا يرغب الرجل فيها والولود غير الودود لا تحصل المقصود. كذا في " فيض القدير " (¬2) 2 - حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي والمحاملي في " الأمالي " من حديث معقل بن يسار وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ورواه أحمد وسعيد بن منصور والطبراني في " الأوسط " كما في " زوائده " والبيهقي من حديث أنس وصححه ابن حبان وقال الهيثمي: " إسناده حسن " وفيه نظر كما بينته في " إرواء الغليل " وتقدم لفظه. ورواه ابو محمد بن معروف في " جزئه " والخطيب في " تاريخه " من حديث ابن عمر وسنده جيد كما قال السيوطي في " الجامع الكبير " ولأحمد نحوه من حديث ابن عمر وسنده حسن في الشواهد (¬3) 3 - أخرجه مسلم والطحاوي في " المشكل " وأحمد والبيهقي عن سعيد بن أبي أيوب: حدثني أبو الأسود عن عروة عن عائشة عن جذامة بنت وهب.

(وفي رواية) فقال: وإنكم لتفعلون وإنكم لتفعلون وإنكم لتفعلون؟ ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة) (¬1). ¬

_ (¬1) 1 - رواه مسلم بالروايتين والنسائي وابن منده في التوحيد بالأولى. والبخاري بالأخرى.

كتاب الطلاق

كِتَابُ اَلطَّلَاقِ حكم الطلاق 147 - " تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز له العرش ". [الضعيفة] قال رحمه الله: موضوع. أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (12/ 191) ومن طريقه ابن الجوزي (2/ 277) في ترجمة عمرو بن جميع عن جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي بنأبي طالب مرفوعا، وقال: عمرو كان يروي المناكير عن المشاهير والموضوعات عن الأثبات. قلت: وهو كذاب وقد تقدم له أحاديث، وجويبر ضعيف جدا وتقدم له شيء، وبهذا أعله ابن الجوزي وقال: لا يصح. والحديث أورده الصغاني في " الموضوعات " (ص 8). وأقر ابن الجوزي السيوطي في " اللآليء " (2/ 179) فالعجب منه كيف أورده من رواية ابن عدي في " الجامع الصغير " الذي اشترط في مقدمته أن يصونه مما تفرد به كذاب أو وضاع! وأعجب من هذا استدراك الشيخ العجلوني في " الكشف " (1/ 304) على حكم الصغاني عليه

جواز تطليق الرجل لزوجته ولو كانت صوامة قوامة:

بالوضع بقوله: لكن عزاه في " الجامع الصغير " لابن عدي بسند ضعيف عن علي! وكيف لا يكون هذا الحديث موضوعا، وقد طلق جماعة من السلف بل صح أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق زوجته حفصة بنت عمر رضي الله عنهما؟!. جواز تطليق الرجل لزوجته ولو كانت صوّامة قوّامة: 2007 - " كان طلق حفصة، ثم راجعها ". [الصحيحة] قال رحمه الله: أخرجه داود (2283) والنسائي (2/ 117) والدارمي (2/ 160 - 161) وابن ماجة (2016) وأبو يعلى في " مسنده " (1/ 53) والحاكم (2/ 197) والبيهقي (7/ 321 - 322) عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن صالح بن صالح عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي. وأقول: وهو كما قالا، وصالح هو ابن صالح بن حي. وله عند أبي يعلى طريق أخرى فقال: حدثنا أبو كريب أخبرنا يونس بن بكير عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عمر قال: " دخل عمر على حفصة وهي تبكي، فقال لها: وما يبكيك؟ لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك،

إن كان طلقك مرة، ثم راجعك من أجلي، والله لئن طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا ". وبهذا الإسناد أخرجه البزار (ص 156) نحوه. ثم قال: حدثناه أحمد بن يزداد الكوفي: حدثنا عمر بن عبد الغفار حدثنا الأعمش به. والإسناد الأول لا بأس به، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن يونس ابن بكير إنما أخرج له البخاري تعليقا، ثم هو صدوق يخطىء كما في " التقريب ". وقد تابعه عمر بن عبد الغفار، ولكني لم أعرفه. ثم تذكرت أنه لعله عمرو -بالواو - بن عبد الغفار، فرجعت إلى ترجمته من " الميزان "، فإذا هو هذا وهو الفقيمي، قال أبو حاتم: " متروك الحديث ". قلت: فلا يفرح بمتابعته. وللحديث شواهد مختصرة نحو حديث الترجمة: الأول: عن هشيم: أنبأ حميد عن أنس قال: " لما طلق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة أمر أن يراجعها، فراجعها ". أخرجه أبو يعلى (3/ 957) والحاكم (2/ 197)، وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأخرجه الدارمي أيضا لكنه لم يذكر الأمر، وأعل الحديث بما لا يقدح. وله عند الحاكم (4/ 15) طريق أخرى، لكنها ضعيفة. الثاني: عن موسى بن جبير عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عاصم ابن عمر مرفوعا:

أخرجه أحمد (3/ 478) وكذا الطبراني كما في " مجمع الهيثمي "، وقال:" ورجاله ثقات". قلت: وفي هذا الإطلاق للتوثيق نظر بين، فإن موسى هذا - وهو الأنصاري المدني- لم يوثقه غير ابن حبان، ومع أنه معروف بالتساهل في التوثيق، فإن تمام كلامه في كتابه " الثقات " (7/ 451): " يخطىء ويخالف ". فإذا كان كذلك، فهو ليس من الثقات الذين يحتج بهم كما هو الشأن فيمن وثق مطلقا، وإنما هو ممن ينتخب حديثه في الشواهد والمتابعات، ولاسيما قد قال فيه ابن القطان:" لا يعرف حاله ". الثالث: عن قيس بن زيد: " أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة بنت عمر، فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون، فبكت، وقالت: والله ما طلقني عن شبع، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قال لي جبريل عليه السلام: راجع حفصة، فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة ". أخرجه أبو نعيم في" الحلية " (2/ 50) والحاكم من طريق حماد بن سلمة: أنبأ أبو عمران الجوني عن قيس بن زيد. قلت: سكت عنه الحاكم ثم الذهبي، ولعل ذلك لوضوح علته وهي قيس بن زيد هذا، قال ابن أبي حاتم (3/ 2 / 98): " روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، لا أعلم له صحبة. روى عنه أبو عمران الجوني ". الرابع: عن الحسن بن أبي جعفر عن عاصم عن زر عن عمار بن ياسر قال: " أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق حفصة، فجاء جبريل

فقال: لا تطلقها، فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة ". أخرجه أبو نعيم قلت: ورجاله ثقات غير الحسن بن أبي جعفر وهو الجعفري، قال الحافظ: " ضعيف الحديث، مع عبادته وفضله ". قلت: فإذا ضم إلى المرسل الذي قبله ارتقى حديثه إلى مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى وقد رواه مرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة تطليقة، فأتاه جبريل عليه الصلاة السلام، فقال: يا محمد! طلقت حفصة وهي صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة؟ ". أخرجه الحاكم، وسكت عنه لم عرفت من حال الحسن بن أبي جعفر. وجملة القول، أن تطليقه صلى الله عليه وسلم لحفصة ثابت عنه من طرق، وكونه أمر بإرجاعها ثابت من حديث أنس الصحيح، وقول جبريل له: " راجعها فإنها صوامة ... " إلخ، حسن كما ذكرنا. والله أعلم. (فائدة): دل الحديث على جواز تطليق الرجل لزوجته ولو أنها كانت صوامة قوامة ,ولا يكون ذلك بطبيعة الحال إلا لعدم تمازجها وتطاوعها معه، وقد يكون هناك أمور داخلية لا يمكن لغيرها الاطلاع عليها، ولذلك، فإن ربط الطلاق بموافقة القاضي من أسوأ وأسخف ما يسمع به في هذا الزمان! الذي يلهج به كثير من حكامه وقضاته وخطبائه بحديث: " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " وهو حديث ضعيف كما بينته في غير ما موضع مثل " إرواء الغليل " (رقم 2040).

الطلاق بلفظ ثلاثا

الطلاق بلفظ ثلاثًا 3776 - (أيما رجل طلق امراته ثلاثاً عند الأقراء أو ثلاثاً مبهمةً، لم تحل له حتي تنكح زوجاً غيره). [الضعيفة] قال رحمه الله: ضعيف جداً: أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1/ 133/1)، والبيهقي في "سننه " (7/ 336) عن محمد بن حميد الرازي: نا سلمة بن الفضل، عن عمرو بن أبي قيس، عن إبراهيم بن عبد الأعلي، عن سويد ابن غفلة قال: كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي - رضي الله عنه - فلما قتل علي - رضي الله عنه - قالت: لتهنئك الخلافة! قال: بقتل علي تظهرين الشماتة؟! اذهبي فأنت طالق، يعني ثلاثاً، قال: فتلفعت بثيابها، وقعدت حتي قضت عدتها، فبعث إليها ببقية بقيت لها من صداقها، وعشرة آلاف صدقة، فلما جاءها الرسول قالت: (متاع قليل من حبيب مفارق)، فلما بلغه قولها، بكي، ثم قال: لولا أني سمعت جدي، أو حدثني أبي، أنه سمع جدي يقول: (فذكره) لراجعتها. وقال البيهقي: " وكذلك روي عن عمرو بن شمر، عن عمران بن مسلم وإبراهيم بن عبد الأعلي، عن سويد بن غفلة ".

قلت: وقال الكوثري في رسالته " الإشفاق " (ص 28) - بعد ماعزاه للطبراني والبيهقي - عقبه: " وإسناده صحيح، قله ابن رجب الحنبلي الحافظ بعد أن ساق الحديث في كتابه: (بيان مشكل الأحاديث الواردة في أن الطلاق الثلاث واحدة) (¬1). ولم يتعقبه بشيء، مما يدل علي أنه موافق له علي التصحيح، وهذا أمر عجيب، لاسيما من ابن رجب، فإن الإسناد لا يحتمل التحسين، فضلاً عن التصحيح! فإن سلمة بن الفضل صدوق كثير الخطأ. ومحمد بن حميد الرازي ضعيف كما في " التقريب" بل الرازي قد اتهمه غير واحد بالكذب، وتساهل البعض في إعطائه حقه من الجرح، فقد قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (4/ 339): رواه الطبراني وفي رجاله ضعف، وقد وثقوا. فإن قال قائل: أفلا يتقوي الحديث بطريق عمرو بن شمر التي علقها البيهقي؟ فأقول: كلا، فإن عمرا هذا كذب يروي الموضوعات عن الثقات، فلا يستشهد به ولا كرامة. واعلم أنه لا يوجد حديث صحيح في إيقاع الطلاق بلفظ ثلاثاً ثلاثاً فلا نغتر بكلام الكوثري في كتابه " الإشفاق " فإنه غير مشفق علي نفسه، فإنا يصحح فيه ما ليس يصح كهذا الحديث، ويتأول النصوص الصحيحة ¬

_ (¬1) 1 - ونقله عنه أيضاً ابن عبد الهادي في " سير الحاث إلي علم الطلاق الثلاث " (ق206/ 2).

الصريحة بما يتفق مع انحرافه عن السنة، كتأويله حديث ابن عباس في " صحيح مسلم " علي أنه في غير الدخول بها! ومن أراد مفرق الحق في هذه المسألة فليراجع كتب شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم وغيرهما من أئمة السنة والذابين عنها. ما روي عن ابن عباس في الطلاق بلفظ ثلاث: 2055 - (عن مجاهد قال: (جلست عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثا فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة ثم يقول: يا ابن عباس. وان الله قال: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) وانك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجا عصيت ربك فبانت منك امرأتك) رواه أبو داود) 2/ 235 - 236. صحيح. أخرجه أبو داود (2197) ومن طريقه البيهقي (7/ 331): حدثنا حميد بن مسعدة ثنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن عبد الله بن كثير عن مجاهد به وزاد في آخره: (وإن الله قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} في قبل عدتهن). قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال الحافظ في (الفتح) (9/ 316) وهو على شرط مسلم وقال أبو داود عقبه: (روى هذا الحديث حميد الأعرج وغيره عن مجاهد عن ابن عباس. ورواه شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وأبوب وابن جريج جميعا عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. وابن جريج عن عبد الحميد بن رافع عن عطاء عن ابن عباس.

ورواه الأعمش عن مالك ابن الحارث عن ابن عباس. وابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس كلهم قالوا في الطلاق الثلاث إنه أجازها قال: وبانت منك. نحو حديث إسماعيل عن أيوب عن عبد الله بن كثير). قال أبو داود: (وروى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس: (إذا قال (أنت طالق ثلاثا) بفم واحد فهى واحدة). ورواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة هذا قوله لم يذكر ابن عباس وجعله قول عكرمة). ثم قال أبو داود: (وقول ابن عباس هو أن الطلاق الثلاث تبين من زوجها مدخولا بها وغير مدخول بها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره هذا مثل خبر الصرف قال فيه ثم إنه رجع عنه. يعنى ابن عباس). ثم ساق أبو داود بإسناده الصحيح عن طاوس:: (أن أبا الصهباء قال لأبن عباس: أتعلم إنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبن بكر وثلاثا من إمارة عمر؟ قال ابن عباس: نعم). وأخرجه مسلم في (صحيحه) والنسائي وأحمد وغيرهم. وخلاصة كلام أبي داود أن ابن عباس رضي الله عنه كان له في هذه المسألة وهي الطلاق بلفظ ثلاث قولان كما كان له في مسألة الصرف قولان فكان يقول في أول الأمر بجواز صرف الدرهم بالدرهمن والدينار بالدينارين نقدا ثم بلغه نهيه صلى الله عليه وسلم عنه فترك قوله وأخذ بالنهي فكذلك كان له في هذه المسألة قولان: أحدهما: وقوع الطلاق بلفظ ثلاث. وعليه أكثر الروايات عنه. والآخر: عدم وقوعه كما في رواية عكرمة عنه. وهي صحيحة.

وهي وإن كان أكثر الطرق عنه بخلافها؛ فإن حديث طاوس عنه المرفوع يشهد لها. فالأخذ بها هو الواجب عندنا لهذا الحديث الصحيح الثابت عنه من غير طريق وإن خالفه الجماهير فقد انتصر له شيخ الأسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما فمن شاء تفصيل القول في ذلك فليرجع إلى كتبهما ففيها الشفاء والكفاية إن شاء الله تعالى. [الإرواء] تنبيه: على حديث:- 1134 - " كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرا من إمارة عمر، فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها، قال (يعني عمر): أجيزهن عليهم ". [الضعيفة] قال رحمه الله: منكر بهذا السياق. أخرجه أبو داود (2199) وعنه البيهقي (7/ 338 - 339): حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان: حدثنا أبو النعمان: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن غير واحد عن طاووس: " أن رجلا يقال له: أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة

على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر؟ وقال ابن عباس: بلى كان الرجل .. ". قلت: وهذا إسناد معلول عندي بأبي النعمان واسمه محمد بن الفضل السدوسي ولقبه عارم، وهو وإن كان ثقة فقد كان اختلط، وصفه بذلك جماعة من الأئمة منهم أبو داود والنسائي والدارقطني وغيرهم، وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4/ 1/59): " سمعت أبي يقول: اختلط في آخر عمره، وزال عقله فمن سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح ". قلت: وهذا الحديث من رواية ابن مروان وهو أبو جعفر الدقيقي الثقة، ولا ندري أسمع منه قبل الاختلاط أم بعده؟ وهذا عندي أرجح، فقد خولف عارم في إسناده ومتنه. فرواه سليمان بن حرب عن حماد بن زيد فقال: عن أيوب عن إبراهيم ابن ميسرة عن طاووس به، إلا أنه لم يذكر فيه: " قبل أن يدخل بها ". أخرجه مسلم (4/ 182) والبيهقي (7/ 336). وقال ابن أبي شيبة (5/ 26): نا عفان بن مسلم قال: نا حماد بن زيد به. ورواه محمد بن أبي نعيم: نا حماد بن زيد به. أخرجه الدارقطني (443)، وابن أبي نعيم صدوق. فهي زيادة شاذة إن لم نقل منكرة، تفرد بها عارم.

ويؤكد ذلك أن عبد الله بن طاووس قد روى الحديث عن أبيه كما رواه سليمان بن حرب بإسناده عنه بدون الزيادة. أخرجه مسلم والنسائي (2/ 96) والطحاوي (2/ 31) والدارقطني (444) والبيهقي وأحمد (1/ 314) والحاكم أيضا (2/ 196) وقال: " صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، إلا أنهما وهما في استدراكهما على مسلم. قلت: فهذه الروايات الصحيحة تدل على أن عارما إنما حدث بالحديث بعد الاختلاط، ولذلك لم يضبطه، فلم يحفظ اسم شيخ أيوب فيه، وزاد تلك الزيادة فهي لذلك شاذة غير محفوظة لمخالفته الثقات فيها، وقد خفيت هذه العلة على العلامة ابن القيم ; فصحح إسناد الحديث في " زاد المعاد " (4/ 55)، وانطلى ذلك على المعلق عليه (5/ 249 و 251)، وأعله المنذري في " مختصر السنن " (3/ 124) بقوله: " الرواة عن طاووس مجاهيل ". وإذا عرفت ذلك فلا يجوز تقييد لفظ الحديث الصحيح بها، كما فعل البيهقي، بل ينبغي تركه على إطلاقه فهو يشمل المدخول بها وغير المدخول بها، وإليك لفظ الحديث في " صحيح مسلم ": " كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم ".

قلت: وهو نص لا يقبل الجدل على أن هذا الطلاق حكم محكم ثابت غير منسوخ لجريان العمل عليه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر، وأول خلافة عمر، ولأن عمر رضي الله لم يخالفه بنص آخر عنده بل باجتهاد منه ولذلك تردد قليلا أول الأمر في مخالفته كما يشعر بذلك قوله: " إن الناس قد استعجلوا .. فلو أمضيناه عليهم .. "، فهل يجوز للحاكم مثل هذا التساؤل والتردد لو كان عنده نص بذلك؟! وأيضا، فإن قوله: " قد استعجلوا " يدل على أن الاستعجال حدث بعد أن لم يكن، فرأى الخليفة الراشد، أن يمضيه عليهم ثلاثا من باب التعزيز لهم والتأديب، فهل يجوز مع هذا كله أن يترك الحكم المحكم الذي أجمع عليه المسلمون في خلافة أبي بكر وأول خلافة عمر، من أجل رأي بدا لعمر واجتهد فيه، فيؤخذ باجتهاده، ويترك حكمه الذي حكم هو به أول خلافته تبعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر؟! اللهم إن هذا لمن عجائب ما وقع في الفقه الإسلامي، فرجوعا إلى السنة المحكمة أيها العلماء، لا سيما وقد كثرت حوادث الطلاق في هذا الزمن كثرة مدهشة تنذر بشر مستطير تصاب به مئات العائلات. وأنا حين أكتب هذا أعلم أن بعض البلاد الإسلامية كمصر وسوريا قد أدخلت هذا الحكم في محاكمها الشرعية، ولكن من المؤسف أن أقول: إن الذين أدخلوا ذلك من الفقهاء القانونيين لم يكن ذلك منهم بدافع إحياء السنة، وإنما تقليدا منهم لرأي ابن تيمية الموافق لهذا الحديث، أي إنهم أخذوا برأيه لا لأنه مدعم بالحديث، بل لأن المصلحة اقتضت الأخذ به زعموا، ولذلك فإن جل هؤلاء الفقهاء لا يدعمون أقوالهم واختياراتهم التي يختارونها اليوم بالسنة، لأنهم لا علم لهم بها، بل قد استغنوا عن ذلك

طلاق الحائض

بالاعتماد على آرائهم، التي بها يحكمون، وإليها يرجعون في تقدير المصلحة التي بها يستجيزون لأنفسهم أن يغيروا الحكم الذي كانوا بالأمس القريب به يدينون الله، كمسألة الطلاق هذه، فالذي أوده أنهم إن غيروا حكما أو تركوا مذهبا إلى مذهب آخر، أن يكون ذلك اتباعا منهم للسنة، وأن لا يكون ذلك قاصرا على الأحكام القانونية والأحوال الشخصية، بل يجب أن يتعدوا ذلك إلى عباداتهم ومعاملاتهم الخاصة بهم، فلعلهم يفعلون! طلاق الحائض 2059 - (عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له: مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء) متفق عليه. صحيح. وله عن ابن عمر طرق كثيرة أذكر منها ما تيسر لنا مع التنبيه على فوائدها الهامة. الأولى: عن نافع عنه. أخرجه البخاري (3/ 458 و 480) ومسلم (4/ 180) وكذا مالك (2/ 576 / 53) وعنه الشافعي (1 63 0) وأبو داود (2179، 2185) والنسائي (2/ 94) والدارمي (2/ 16 0) وابن أبي شيبة (7/ 75 / 2) وعنه ابن ماجه (2519) والطحاوي (2/ 3 1) وابن الجارود (73 4) والدارقطني (428/ 429) والبيهقي (7/ 323 - 324، 324)

والطيالسي (68، 1853) وأحمد (2/ 6، 5 4، 63، 6 4، 102، 124) وابن النجاد في (مسند عمر) (ق 118/ 1 - 2/ 120) من طرق عن نافع به. وزاد الشيخان وأحمد وابن النجاد في رواية عنه: (فكان ابن عمر إذا سئل عن الرجل يطلق امرأته وهي حائض يقول: أما أنت طلقتها واحدة أو أثنتين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يرجعها ثم يمهلها حتى تحيض حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر ثم يطلقها قبل أن يمسها وأما أنت تها ثلاثا فقد عصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك وبانت منك) والسياق لمسلم. وفي رواية للدارقطني وابن النجاد والطبراني في (المعجم الأوسط) (1/ 176 / 1) من طريق سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ: (أن رجلا قال لعمر: إني طلقت امرأتي البتة وهي حائض فقال: عصيت ربك وفارقت امرأتك فقال الرجل: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبدالله حين فارق امرأته وهي حائض يأمره أن يراجعها فقال له عمر: رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يراجعها في طلاق بقى له فأنت لم يبق لك ما ترجع به امرأتك). قلت: والجمحي هذا صدوق له أوهام كما في (التقريب). وفي رواية من طريق محمد بن إسحاق عن نافع: (فذكره عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بئس ما صنع مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلقها طاهرا في غير جماع). أخرجه ابن النجاد. وفي أخرى عن ابن أبي ذئب عن نافع بلفظ: (فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك له

فجعلها واحدة). أخرجه الطيالسي (68) والدارقطني (¬1) ... وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وزاد مسلم في رواية من طريق ابن نمير عن عبيداللة: قال: (قلت لنافع: ما صنعت التطليقة؟ قال: واحدة أعتد بها). الطريق الثانية: عن سالم أن عبد الله بن عمر أخبره: (أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ليراجعها. . .) الحديث نحو رواية نافع الأولى. أخرجه البخاري (3/ 35 7، 4/ 389) ومسلم وأبو داود (2181، 2182) وا لنسائي (2/ 94) والترمذي (1/ 220) والدارمي والطحاوي وابن الجارود (736) والدارقطني (427) والبيهقي وأحمد (2/ 26، 58، 61، 81، 130) من طرق عنه والسياق للبخاري وزاد مسلم والبيهقي وأحمد في رواية: (وكان عبد الله طلقها تطليقة واحدة فحسبت من طلاقها وراجعها عبد الله كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم). وفي رواية: (قال ابن عمر: فراجعتها وحسبت لها التطليقة التي طلقتها) (¬2). أخرجه مسلم والنسائي. ¬

_ (¬1) 1 - وعزاه الحافظ (9/ 308) لابن وهب في (مسنده) عن ابن أبي ذئب وزاد: قال أبن أبي ذئب وحدثني حنظلة بن أبى سفيان أنه سمع سالما يحدث عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. وقال: (وهذا نص في موضع الخلاف فيجب المصير إليه) وللدار قطني 429) من طريق أبن جريح عن نافع به (قال: هي واحدة) (¬2) 2 - وفي مسند أبن وهب رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما نقلته من (الفتح) آنفا.

ولفظ الترمذي: (أنه طلق امرأته في الحيض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا). وهو رواية لمسلم وأبي داود والآخرين وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح). الثالثة: عن يونس بن جبير قال: (قلت لأبن عمر: رجل طلق امرأته وهي حائض؟ قال: تعرف ابن عمر؟ إن أبن عمر طلق امرأته وهي حائض فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأمره أن يراجعها فإذا طهرت فأراد أن يطلقها فليطلقها. قلت: فهل عد ذلك طلاقا قال: أرأيت إن عجز واستحمق؟)!. أخرجه البخاري (3/ 459، 485) ومسلم (4/ 182) وأبو داود (2184) والترمذي (1175) وقال: (حديث حسن صحيح) والنسائي (2/ 9 5) وابن ماجه (2 0 22) والطحاوي والدارقطني (428) والبيهقي (7/ 325) والطيالسي (رقم 20، 1942) وأحمد (2/ 43، 51، 79) من طرق عنه والسياق للبخاري. وفي رواية لمسلم وغيره: (قلت: أفحسبت عليه؟ قال: فمه أو إن عجز واستحمق). وفي أخرى له والبيهقي: (أفاحتسبت بها؟ قال: ما يمنعه؟ أرأيت إن عجز واستحمق). وفي ثالثة: (وما لي لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت) رواه الدارقطني والبيهقي. وفي أخرى عن يونس بن جبير: (أنه سأل ابن عمر فقال: كم طلقت امرأتك؟ فقال: واحدة؟. أخرجه أبو داود (2183) والدارقطني.

الرابعة: عن أنس بن سيرين أنه سمع ابن عمر قال: (طلقت امرأتي وهي حائض) الحديث نحو رواية يونس وفيه: (قلت لابن عمر: أفاحتسبت بتلك التطليقة؟ قال: فمه؟) (¬1). أخرجه البخار ي (3/ 4 58) ومسلم (4/ 182) والطحاوي وابن الجارود (735) وأبو يعلى في (حديث محمد بن. بشار) (ق 128/ 1 - 2) والدارقطني والبيهقي وأحمد (2/ 61، 74، 78، 128) وفي رواية للبيهقي (قال: فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله: أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال نعم). قلت: وإسنادها ضعيف لأنها من رواية عبد الملك بن محمد الرقاشى ثنا بشر بن بشر بن عمر نا شعبة عن أنس بن سيرين. والرقاشى قال الحافظ في (التقريب) صدوق يخطئ تغيير حفظه لما سكن بغداد) فقوله في (الفتح) (9/ 308): (ورجاله إلى شعبة ثقات) لا يخفى ما فيه. الخامسة: عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: (حسبت علي بتطليقة). هكذا أخرجه البخاري (3/ 458) معلقا: وقال أبو معمر: حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير. وقد وصله أبو نعيم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه مثله. وقد تابعه أبو بشر عن سعيد به بلفظ آخر أتم منه: (طلقت امرأتي وهي حائض فرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك علي حتى طلقتها وهي طاهر). ¬

_ (¬1) 1 - وفي رواية المسلم: (قال: فراجعتها ثم طلقتها لطهرها قلت: فاعتدت بتلك التطليقة التي طلقت وهي حائض؟ قال: مالي لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت).

أخرجه النسائي (2/ 9 5) والطحاوي (2/ 3 0) والطيالسي (187 1) وأبو يعلى في (مسنده) (ق 269/ 2) من طرق عن هشيم قال: أخبرنا أبو بشر. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وأبو بشر أسمه جعفر بن إياس وهو ثقة من أثبت الناس في سعيد بن جبير كما قال الحافظ في (التقريب). السادسة: عن أبى الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل أبن عمر وأبو الزبير يسمع قال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا؟ قال: طلق عبد اللة بن عمر أمرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله فقال: إن عبد الله طلق امرأته وهي حائض؟ قال عبد الله: فردها علي ولم يرها شيئا وقال: إذا طهرت فليطلق أو ليمسك. قال ابن عمر: وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}. أخرجه مسلم (4/ 183) والشافعي (1631) وأبو داود (2185) والسياق له والطحاوي (2/ 29 - 30) وابن الجارود (733) والبهيقي (7/ 327) وأحمد (2/ 6 1، 8 0 - 8 1) من طرق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير وزاد الشافعي وأحمد: (قال ابن جريج: وسمعت مجاهدا يقرؤها كذلك). وقال أبو داود عقبه: (روى هذا الحديث عن ابن عمر يونس بن جبير وأنس بن سيرين وسعيد ابن جبير وزيد بن أسلم وأبو الزبير ومنصور عن أبى وائل معناهم كلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى

تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك وروى عطاء الخراساني عن الحسن عن ابن عمر نحو رواية نافع والزهري والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير). قلت: كذا قال وأبو الزبير ثقة حجة وإنما يخشى منه العنعنة لأنه كان مدلسا وهنا قد صرح بالسماع فأمنا شبهة تدليسه وصح بذلك حديثه والحمد لله وقد ذهب الحافظ ابن حجر في (الفتح) (9/ 308) إلى أنه صحيح على شرط الصحيح وهو الحق الذي لا ريب فيه. ولكنه ناقش في دلالته عل عدم وقوع طلاق الحائض والبحث في ذلك بين الفريقين طويل جدا فراجعه فيه وفي زاد (المعاد) فإنه قد أطال النفس فيه وأجاد. وأما دعوى أبى داود أن الأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير فيرده طريق سعيد بن جبير التي قبله فإنه موافق لرواية أبي الزبير هذه فإنه قال: (فرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك علي حتى طلقتها وهي طاهر) وإسنادها صحيح غاية كما تقدم فهى شاهد قوي جدا لحديث أبي الزبير ترد قول أبي داود المتقدم ومن نحا نحوه مثل ابن عبد البر والخطابي وغيرهم. ومن العجيب أن هذا الشاهد لم يتعرض لذكره أحد من الفريقين مع أهميته فاحفظه واشكر الله على توفيقه. وذكر له الحافظ متابعا آخر فقال: (وروى سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فقال رسول الله

صلى الله عليه وسلم: ليس ذلك بشئ). وسكت الحافظ عليه وعبد الله بن مالك بن الحارث الهمداني قال في (التقريب): (مقبول). السابعة: عن طاوس أنه سمع ابن عمر يسأل عن رجل طلق امرأته حائضا فقال: (أتعرف عبد الله بن عمر؟ قال: نعم قال: فأنه طلق امرأته حائضا) فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأمره أن يراجعها قال: ولم أسمعه يزيد على ذلك). أخرجه مسلم (4/ 1 83) وأحمد (2/ 1 4 5 - 1 4 6) والطبراني في (المعجم الكبير) (2/ 202 / 3). الثامنة: عن أبى وائل قال: (طلق ابن عمر امرأته وهي حائض فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهر في غير جماع). أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 75 - 76) والبيهقي (7/ 32 6) بسند صحيح على شرط مسلم. التاسعة والعاشرة. قال الطيالسي (1862): حدثنا حماد بن سلمة عن بشر بن حرب قال: سمعت ابن عمر. . . فذكره نحوه وزاد: (فقال ابن عمر: فطلقتها ولو شئت لأمسكتها). وقال: حدثنا حماد بن سلمة عن ابن سيرين سمع ابن عمر يذكر مثله. قلت: وإسناده الأول ضعيف والآخر صحيح. الحادية عشرة: عن الشعبى قال: (طلق ابن عمر امرأته واحدة وهي حائض فانطلق عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) فأخبره فأمره أن يراجعها ثم يستقبل الطلاق في عدتها وتحتسب التطليقة التي طلق أول مرة).

أخرجه الدارقطني (4 29) والبيهقي (7/ 326) من طريقين عن محمد ابن سابق نا شيبان عن فراس عن الشعبى. قلت: وهذا إسنأد صحيح رجاله ثقات على شرط الشيخين. وهو ثاني إسناد صحيح فيه التصريح برفع الأعتداد بطلاق الحائض إلى النبي صلى الله عليه وسلم والأول مضى في بعض الطرق عن نافع في الطريق الاولى. الثانية عشرة: عن خالد الحذاء قال: قلت لأبن عمر رجل طلق حائضا؟ قال: (أتعرف ابن عمر. . .) الحديث نحو الطريق الثالثة وفيه: (قلت: اعتددت بتلك التطليقة قال: نعم). أخرجه الدارقطني (429) عن علي بن عاصم نا خالد وهشام عن محمد عن جابر (¬1) ... الحذاء. قلت: وهذا سند ضعيف علي بن عاصم هو الواسطي قال الحافظ: (صدوق يخطئ ويصر). وجابر الحذاء كأنه لا يعرف إلا بهذا الإسناد أورده ابن حبان في (الثقات) (1/ 9) فقال: (جابر الحذاء يروي عن ابن عمر روي عنه ابن سيرين). وكذا في (الأنساب) للسمعاني. الثالثة عشرة: عن ميمون بن مهران عن ابن عمر مثل حديث أبي وائل عنه في الطريق الثامنة. أخرجه البيهقى (7/ 326) بإسناد صحيح. وجملة القول: أن الحديث مع صحته وكثرة طرقه فقد اضطرب الرواة عنه في طلقته الأولى في الحيض هل اعتد بها أم لا؟ فانقسموا إلى قسمين: ¬

_ (¬1) 1 - الأصل خالد والتصحيح من ثقات ابن حبان والأنساب.

الأول: من روى عنه الأعتداد بها وهم حسب الطرق المتقدمة: الطريق الأولى: نافع. ثبت ذلك عنه من قوله وإخباره وعنه عن ابن عمر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعلها واحدة الطريق الثانية: سالم بن عبد الله بن عمر وفيها قول ابن عمر أنها حسبت عليه. الثالثة:. يونس بن جبير وهى كالتى قبلها. الرابعة: أنس بن سيرين وفيها مثل ذلك وفي رواية عنه: أنه اعتد بها وفي أخرى رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكن إسناد هذه ضعيف كما سبق بيانه خلافا للحافظ. الخامسة: سعيد بن جبير وفيها قول ابن عمر أنها حسبت عليه. الحادية عشر: الشعبي عنه رفعه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم). والقسم الآخر: الذين رووا عنه عدم الأعتداد بها وهم حسسب الطرق أيضا: الخامسة: سعيد بن جبير عنه قال: (فرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على). السادسة: أبو الزبير عنه مرفوعا: (فردها على ولم يرها شيئا) وطريق ثالثة أوردناها في التي قبلها: عبد الله بن مالك الهمداني عنه مرفوعا (ليس ذلك بشئ). فإذا نظر المتأمل في طرق هذين القسمين وفي ألفاظهما تبين له بوضوح) غموض فيه أرجحية القسم الأول على الآخر وذلك لوجهين: الأول: كثرة الطرق فإنها ستة ثلاث منها مرفوعة وثلاث أخرى موقوفة واثنتان من الثلاث الأولى صحيحة والأخرى ضعيفة وأما القسم الآخر فكل طرقه ثلاث اثنتان منها صحيحة أيضا والأخرى ضعيفة فتقابلت المرفوعات

في القسمين قوة وضعفا. وبقي في القسم الأول الموقوفات الثلاث فضلة يترجح بها على القسم الآخر لا سيما وهي في حكم المرفوع لأن معناها أن عبد الله بن عمر عمل بما في المرفوع فلا شك أن ذلك مما يعطي المرفوع قوة على قوة كما هو ظاهر. والوجه الآخر: قوة دلالة القسم الأول على المراد دلالة صريحة لا تقبل التأويل بخلاف القسم الآخر فهو ممكن التأويل بمثل قول الأمام الشافعي (ولم يرها شيئا لا أي صوابا. وليس نصا في أنه لم يرها طلاقا بخلاف القسم الأول فهو نص في أنه رآها طلاقا فوجب تقديمه على القسم الآخر وقد اعترف ابن القيم رحمه الله بهذا ولكنه شك في صحة المرفوع من هذا القسم فقال: (4/ 50): وأما قوله في حديث ابن وهب عن ابن أبى ذئب في آخره:) وهي واحدة (فلعمر الله لو كانت هذه اللفظة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قدمنا عليها شيئا ولصرنا إليها بأول وهلة ولكن لا ندري أقالها ابن إوهب من عنده أم ابن أبي ذئب أو نافع فلا يجوز أن يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يتيقن أنه من كلامه ويشهد به عليه ونرتب عليه الأحكام ويقال: هذا من عند الله بالوهم والإحتمال). قلت: وفي هذا الكلام صواب وخطأ. أما الصواب هو اعترافه بكون هذه اللفظة نص في المسألة يحب التسليم بها والمصير إليها لو صحت. وأما الخطأ فهو تشككه في صحتها ورده لها بدعوى أنه لا يدري أقالها ابن وهب من عنده. . . وهذا شئ عجيب من مثله لأن من المتفق عليه بين العلماء أن الأصل قبول رواية الثقة كما رواها وأنه لا يجوز ردها

بالإحتملات والتشكيك وأن طريق المعرفة هو التصديق بخبر الثقة, ألا ترى أنه يمكن للمخالف لابن القيم أن يرد حديثه (فردها علي ولم يرها شيئا) بمثل الشك الذي أورده هو على حديث ابن وهب بالطعن في أبي الزبير ونحو ذلك من الشكوك وقد فعل ذلك بعض المتقدمين كما تقدمت الإشارة إلى ذلك وكل ذلك مخالف للنهج العلمي المجرد عن الإنتصار لشئ سوى الحق. على ان ابن وهب لم يتفرد باخراج الحديث بل تابعه الطيالسي كما تقدم فقال: حدثنا ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر: (أنه طلق امرأته وهي حائض فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فجعله واحدة). وتابعه أيضا يزيد بن هارون نا ابن أبي ذئب به. أخرجه الدارقطني من طريق محمد بن أمشكاب نا يزيد بن هارون. ومحمد بن أشكاب لم أعرفه الآن وبقية الرجال ثقات. ثم عرفته فهو محمد بن الحسن بن إبراهيم أبو جعفر بن اشكاب البغدادي الحافظ من شيوخ البخاري ثقة. وتابع ابن أبي ذئب ابن جريج عن نافع عن ابن عمر: (أن رسول صلى الله عليه وسلم؟ قال: هي واحدة). أخرجه الدارقطني أيضا عن عياش بن محمد نا أبو عاصم عن ابن جريج. قلت: ورجاله ثقات كلهم وعياش بن محمد هو ابن عيسى الجوهري ترجمه الخطيب وقال (12/ 279): (وكان ثقة) فهو إسناد صحيح إن

كان ابن جريج سمعه من نافع. وتابع نافعا الشعبى بلفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ثم يحتسب بالتطليقة التي طلق أول مرة لا وهو صحيح السند كما تقدم. وكل هذه الروايات مما لم يقف عليها ابن القيم رحمه الله تعالى وظني أنه لو وقف عليها لتبدد الشك الذي أبداه في رواية ابن وهب ولصار إلى القول بما دل عليه الحديث من الإعتداد بطلاق الحائض. والله تعالى هو الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد. (تنبيه): من الأسباب التي حملت ابن القيم وغيره على عدم الأعتداد بطلاق الحائض ما ذكره من رواية ابن حزم عن محمد بن عبد السلام الخشنى: حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى حدثنا عبيدالله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال في رجل يطلق امرأته وهي حائض؟ قال ابن عمر: يعتد بذلك. وقال الحافظ في (الفتح) (9/ 309): (أخرجه ابن حزم بإسناد صحيح). وقال أيضا: (واحتج بعض من ذهب إلى أن الطلاق لا يقع بما روي عن الشعبى قال: إذا طلق الرجل امرأته وهي حائض لم يعتد بها في قول ابن عمر. قال ابن عبد البر: وليس معناه ما ذهب إليه وإنما معناه لم تعتد المرأة بتلك الحيضة في العدة). ثم ذكر الحافظ عقبه رواية ابن حزم وقال: (والجواب عنه مثله). قلت: ويؤيده أمران: الأول: أن ابن أبي شيبة قد أخرج الرواية المذكورة بلفظ آخر يسقط الأستدلال به وهو:

نا عبد الوهاب الثقفى عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر في الذي يطلق امرأته وهما حائض؟ قال: (لا تعتد بتلك الحيضة). وهكذا أخرجه ابن الأعرابي في (معجمه) (ق 173/ 2) عن ابن معين: نا الثقفي به (¬1) ... . فهو بهذا اللفظ نص على أن الإعتداد المنفي ليس هو الطلاق في الحيض وإنما اعتداد المرأة المطلقة بتلك الحيضة فسقط الإستدلال المذكور. والآخر: أن عبيدالله قد روى أيضا عن نافع عن ابن عمر في حديثه المتقدم في تطليقه لزوجته قال: عبيد الله. (وكان تطليقه إياها في الحيض واحدة غير أنه خالف السنة). أخرجه الدارقطني (428). والطرق بهذا المعنى عن ابن عمر كثيرة, كما تقدم فإن حملت رواية عبيد الله الأولى على عدم الأعتداد بطلاق الحائض تناقضت مع روايته هذه والروايات الأخرى عن ابن عمر ونتيجة ذلك أن ابن عمر هو المتناقض والأصل في مثله عدم التناقض؛ فحينئذ لا بد من التوفيق بين الروايتين لرفع التناقض والتوفيق ما سبق في كلام ابن عبد البر. ودعمناه برواية ابن أبي شيبة وإن لم يمكن فلا مناص من الترجيح بالكثرة والقوة وهذا ظاهر في رواية عبيدالله الثانية ولكن لا داعي للترجيح فالتوفيق ظاهر والحمد لله. ¬

_ (¬1) 1 - وكذلك رواه البيهقي (7/ 418) عن ابن معين به بلفظ: عن ابن عمر إذا طلقها وهي حائض لم نعتد بتلك الحيضة. وقال: (قال يحيى. وهذا غريب ليس يحدث به إلا الثقفي)

(فائدة):كان تطليق ابن عمر لزوجته إطاعة منه لأبيه عمر رضي الله عنه فقد روى حمزة بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال: (كانت تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني أبى أن أطلقها فأبيت فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم (وفي رواية: فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له) فقال: يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك (قال: فطلقتها). أخرجه أبو داود (5138) والترمذي (1/ 223 - 224) وابن ماجه (2088) والطيالسي (1822) وأحمد (2/ 2 0، 4 2، 53، 157) من طريق ابن أبى ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن حمزة. وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح). قلت: ورجاله رجال الشيخين غير الحارث بن عبد الرحمن القرشى وهو صدوق. ثم وقفت على طريق أخرى عن ابن عمر تؤيد ما سبق من الروايات لراجحة وهو ما أخرجه ابن عدي في ترجمة حبيب بن أبي حبيب صاحب الأنماط من (الكامل) (103/ 2) عنه عن عمرو بن هرم قال: قال جابر بن زيد: (لا يطلق الرجل امرأته وهي حائض فإن طلقها فقد جاز طلاقه وعصى ربه وقد طلق ابن عمر امرأته تطيقة وهي حائض فأجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يراجعها فإذا طهرت طلقها إن شاء فراجعها ابن عمر حتى إذا طهرت طلقها). وإسناده هكذا: ثنا عمر بن سهل ثنا يوسف ثنا داود بن شبيب ثنا حبيب ابن أبي حبيب به. وهذا إسناد رجاله معروفون من رجال التهذيب لا باس بهم غير يوسف وهو ابن ماهان لم أجد له ترجمة وعمر بن سهل وهو ابن مخلد أورده الخطيب في (تاريخه) (11/ 224) وكناه بأبي حفص

حكم طلاق الهازل

البزار وقال: (حدث عن الحسن بن عبد العزيز الجروي روى عنه عبد الله ابن عدي الجرجاني وذكر أنه سمع منه ببغداد). (فائدة أخرى هامة) روى أبو يعلى في (حديث ابن بشار) عقب حديث ابن عمر المتقدم بلفظ. (فمه) (الطريق الرابعة): عن ابن عون عن محمد (يعني ابن سيرين) قال: (كنا ننزل قول ابن عمر في أمر طلاقه على (نعم)). قال ابن عون: (وكنا ننزل قول محمد: (لا أدري) على الكراهة). [الإرواء] حكم طلاق الهازل 1826 - (حديث " ثلاث: جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة لما حسنه الترمذي). ص 146 حسن. أخرجه أبو داود (2194) والترمذي (1/ 223) وابن ماجه (2039) والطحاوي (2/ 58) وابن الجارود (712) والدارقطني (397) والحاكم (2/ 198) وكذا ابن خزيمة في " حديث علي ابن حجر " (ج 4 رقم 54) والبغوي في " شرح السنة " (3/ 46 / 2) كلهم من طريق عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن ابن ماهك عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: فذكره.

وقال الترمذي: " حديث حسن غريب وعبد الرحمن هو ابن حبيب بن أدرك المدني". وقال الحاكم: " صحيح الاسناد وعبد الرحمن بن حبيب من ثقات المدنيين " كذا قال وقد رده الذهبي بقوله: " قلت: فيه لين ". وقال ابن القطان متعقبا على الترمذي تحسينه السابق: " فإبن أدرك لا يعرف حاله " قال الذهبي في رده عليه (ق 20/ 1): " قلت: قد قال النسائي: منكر الحديث". قلت: ولهذا قال الحافظ في " التقريب ": " لين الحديث ". وأما قوله في " التلخيص " (3/ 210): " وهو مختلف فيه قال النسائي: منكر الحديث ووثقه غيره فهو على هذا حسنه ". قلت: فليس بحسن لأن الغير المشار إليه إنما هو ابن حبان لا غير وتوثيق ابن حبان مما لا يوثق به إذا تفرد به كما بينه الحافظ نفسه في مقدمة " اللسان " وهذا إذا لم يخالف فكيف وقد خالف هنا النسائي في قوله فيه: منكر الحديث. ولذلك رأينا الحافظ لم يعتمد على توثيقه في كتابه الخاص بالرجال: " التقريب " فالسند ضعيف وليس بحسن عندي. والله أعلم. لكن قد ذكر الزيلعي في " نصب الراية " (3/ 294) في معناه أحاديث أخرى فينبغي النظر بدقة في أسانيدها لنتبين هل فيها ما يمكن أن يصلح شاهدا لهذا.

أولا: طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " ثلاث ليس فيهن لعب منه تكلم بشئ منهن لاعبا فقد وجب عليه الطلاق والعتاق والنكاح ". أخرجه ابن عدي (ق 261/ 2) عن غالب عن الحسن عن أبي هريرة به. وقال: " وغالب بن عبيد الله الجزري له أحاديث منكرة المتن ". قلت: وهو ضعيف جدا قال ابن معين: " ليس بثقة " وقال الدارقطني وغيره: " متروك " وأورد له الذهبي في ترجمته جملة أحاديث مما أنكر عليه قال في أحدها: " هذا حديث موضوع "! ثانيا: عن عبادة بن الصامت أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:" لا يجوز اللعب في ثلاث: الطلاق والنكاح والعتاق فمن قالهن فقد وجبن " اخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده ". (ص 119 من " زوائده "): حدثنا بشير بن عمر ثنا عبد الله بن لهيعة ثنا عبيد الله بن أبي جعفر عن عبادة ابن الصامت به. قلت: وهذا إسناد ضعيف وله علتان: الأولى: الانقطاع بين عبيد الله بن أبي جعفر وعبادة بن الصامت فإنه لم يثبت لعبيد الله له سماع من الصحابة. الثانية: ضعف عبد الله بن لهيعة قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق خلط بعد احتراق كتبه ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما" قلت: وليس هذا من روايتهما عنه. فيخشى أن يكون خلط فيه.

ثالثا: عن أبي ذر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز ومن نكح وهو لاعب فنكاحه جائز ". قال الزيلعي: رواه عبد الرزاق في " مصنفه ": حدثنا إبراهيم بن محمد عن صفوان بن سليم أن أبا ذر قال: فذكره. قلت: وهذا سند واه جدا إبراهيم هذا هو ابن محمد بن أبي يحيى الأسلمي " متروك " كما قال الحافظ في " التقريب ". رابعا: (وهو مما فات الزيلعي) عن الحسن قال: " كان الرجل في الجاهلية يطلق ثم يراجع يقول: كنت لاعبا ويعتق ثم يراجع ويقول: كنت لاعبا فأنزل الله تعالى (لا تتخذوا آيات الله هزوا) فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " من طلق أو حرر أو أنكح أو نكح فقال: إنى كنت لاعبا فهو جائز ". أخرجه ابن أبي شيبة قي " المصنف " (7/ 104 / 2) نا عيسى بن يونس عن عمرو عن الحسن به. وأخرجه ابن أبي حاتم في " تفسيره " (1/ 47 / 2) والطبري في " تفسيره " (5/ 13 / 4923) من طريقين آخرين عن الحسن به. قلت: وهذا مرسل صحيح الاسناد إلى الحسن وهو البصري. وقد رواه الحسن أيضا عن الحسن عن أبي الدرداء قال فذكره موقوفا عليه بلفظ: " ثلاث لا يلعب بهن: النكاح والعتاق والطلاق ". وإسناده إلى الحسن صحيح أيضا. أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 104 / 1).

ثم قال الزيلعي: " وفيه أثران أيضا أخرجهما عبد الرزاق أيضا عن علي وعمر أنهما قالا " ثلاث لا لعب فيهن: النكاح والطلاق والعتاق ". وفي رواية عنهما: " أربع " وزاد: " والنذر ". والله أعلم. قلت: ورواية الأربع أخرجها ابن أبي شيبة أيضا من طريق حجاج عن سليمان بن سحيم عن سعيد بن المسيب عن عمر. ورجاله ثقات إلا أن الحجاج وهو ابن أرطاة مدلس وقد عنعنه. والذي يتلخص عندي مما سبق أن الحديث حسن بمجموع طريق أبي هريرة الأولى التي حسنها الترمذي وطريق الحسن البصري المرسلة وقد يزداد قوة بحديث عبادة بن الصامت والآثار المذكورة عن الصحابة فإنها - ولو لم يتبين لنا ثبوتها عنهم عن كل واحد منهم - تدل على أن معنى الحديث كان معروفا عندهم والله أعلم. [الإرواء]

أحكام الخلع

أحكام الخلع 2035 - (حديث (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) رواه الخمسة إلا النسائي) 226/ 2 صحيح. أخرجه أبو داود (2226) والترمذي (1/ 223) والدارمي (2/ 162) وابن ماجه (205 5) وابن الجارود (748) وابن حبان (1320) والبيهقي (7/ 316) وابن أبي شيبة (8/ 141 / 1 - 2) والطبري في (التفسير) (4843، 4844) والحاكم (2/ 200) من طرق عن أيوب عن أبى قلابة عن أبي أسماء الرحبى عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فذكره. وقال الترمذي: (حديث حسن). وقال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين). ووافقه الذهبي. قلت: وإنما هو على شرط مسلم وحده فإن أبا أسماء الرحبى واسمه عمرو بن مرثد إنما أخرج له البخاري في (الأدب المفرد). وللحديث طريق أخرى يرويه ليث عن أبي إدريس عن ثوبان به. أخرجه الطبري (4840). وليث هو ابن أبى سليم وهو ضعيف وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا. أخرجه ابن ماجه (2054) وإسناده ضعيف. 2036 - (قوله (صلى الله عليه وسلم) لثابت بن قيس: (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة رواه البخار ي) صحيع.

أخرجه البخاري (3/ 465) والنسائي (2/ 104) وابن الجارود (750) والدارقطني (ص 396) والبيهقي (7/ 3 1 3) من طريق أزهر بن جميل قال: ثنا عبد الوهاب الثقفى قال: حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس: (أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللة ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الأسلام فقال رسول اللة صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اقبل. . .) الحديث. وتابعه أيوب عن عكرمة به نحوه دون قوله: (اقبل الحديقة. . .). وزاد: (فردت عليه وأمره ففارقها) أخرجه البخاري والبيهقي. وتابعه قتادة عن عكرمة به نحوه وزاد: (فأمره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن ياخذ منها حديقته ولا يزداد). أخرجه ابن ماجه (2056) والبيهقي من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به. وتابعه همام نا قتادة به مختصرا أخرجه البيهقى. وتابعه عمرو بن مسلم عن عكرمة به مختصرا بلفظ: (أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة). أخرجه أبو داود (2229) وقال: (وهذا الحديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) مرسلا. قلت: وللحديث شاهد عن حبيبة بنت سهل الأنصاري (أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال لها رسول الله

صلى الله عليه وسلم من هذه؟ فقالت: أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله قال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس (لزوجها) فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر فقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: خذ منها فأخذ منها وجلست في بيتها). أخرجه مالك (2/ 564 / / 31) وعنه أبو داود (2227) والنسائي وابن الجارود (749) والبيهقي وكذا ابن حبان (1326) كلهم عن مالك عن يحيى ابن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عنها. قلت: وهذا سند صحيح إن كانت عمرة سمعته من حبيبة فقد اختلف فيه ها فيه عليها كما في ترجمتها من (التهذيب). وقد أخرجه أبو داود (2228) من طريق أبي عمرو السدوسي المدينى عن عدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة (أن حبيبة بنت سهل كانت تحت. . .) الحديث ورجاله ثقات كلهم غير أبي عمرو السدوسي وهو سعيد بن سلمة بن أبى الحسام العدوي. قال الحافظ: (صدوق صحيح الكتاب يخطئ من حفظه). وشاهدان آخران يرويهما الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله ابن عمرو وعن محمد ابن سليمان بن أبي حثمة عن عمه عن سهل بن أبى حثمة قال: (كانت حبيبة ابنة سهل تحت ثابت. . في آخره: (فردت عليه حديقته وفرق بينهما.

قال: فكان ذلك أول خلع كان في الاسلام). أخرجه أحمد (4/ 3) هكذا وابن ماجه (2057) الشاهد الأول منهما والحجاج هو ابن أرطاة وهو مدلس وقد عنعنه. (تنبيه) قال المصنف رحمه الله تعالى (2/ 227) عقب الحديث: (ولا بأس به في الحيض والطهر الذي أصابها فيه لأنه (صلى الله عليه وسلم) لم يسال المختلعة عن حالها). فما عزاه إليه صلى الله عليه وسلم ليس حديثا مرويا عنه وإنما استنباط من المصنف من مجموع أحاديث الباب التى لم يرد في شئ منها السؤال عن حال المختلعة ولو وقع مثل هذا السؤال لنقل فهذا هو الذي سوغ للمصنف أن يقول ما نقلناه عنه فتوهم البعض أنه حديث مروي فطبع بين قوسين مزدوجين () فاقتضى التنبيه. 2037 - (قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جميلة (ولا تزدد) رواه ابن ماجه) صحيح. هو عند ابن ماجه من حديث ابن عباس بلفظ: (ولا يزداد) كما تقدم ذكره في الحديث السابق وكذلك رواه البيهقى. ثم رواه البيهقى بلفظ الكتاب من طريق عبد الوهاب بن عطاء: سألت سعيدا عن الرجل يخلع امرأته باكثر مما أعطاها؟ فأخبرنا عن قتادة عن عكرمة: (أن جميلة بنت السلول. . . .) فذكره نحو ما تقدم وفي آخره: (قال: ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: خذ ما أعطيتها ولا تزدد.

قلت: وله شاهد من مرسل ابن جريج عن عطاء: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها فقال: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم وزيادة قال: أما الزيادة فلا) أخرجه البيهقى وقال: (وقد رواه الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس به نحوه. ثم ساق إسناده إلى الوليد بن مسلم به وقال: (وهذا غير محفوظ والصحيح بهذا الإسناد ما تقدم مرسلا). ونحوه في (العلل) لإبن أبى حاتم عن أبيه (429/ 1) وأخرج الدارقطني (396) وعنه البيهقي من طريق أخرى عن ابن جريج: أخبرني أبو الزبير: (أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول. . .) الحديث مختصرا بنحوه وفيه: (أما الزيادة فلا). وفي آخره: (سمعه أبو الزبير من غير واحد). وقال البيهقي: (وهذا أيضا مرسل). وقال الحافظ في (الفتح) (9/ 353): (ورجال إسناده ثقات وقد وقع في بعض طرقه: سمعه أبو الزبير من غير واحد. فإن كان فيهم صحابي فهو صحيح وإلا فيعتضد بما سبق). يعني حديث ابن عباس عند ابن ماجه ومرسل عطاء. 2038 - (حديث عن على (أن النبي صلى الله عليه وسلم كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها) رواه أبو حفص) 227/ 2 لم أقف على إسناده وغالب الظن أنه لا يصح مرفوعا فقد أخرجه عبد الرزاق كما في (الفتح) (9/ 353) عن علي موقوفا. وسكت عليه.

فرق اللعان إنما هي فسخ

2039 - (حديث. (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) رواه البخاري وفي رواية (فأمره ففارقها)) صحيح. والرواية الأخرى للبخاري أيضا كما تقدم تخريجه برقم (2096). [الإرواء] فرق اللعان إنما هي فسخ 2465 - " المتلاعنان إذا تفرقا، لا يجتمعان أبدا ". [الصحيحة] قال رحمه الله: ورد من حديث ابن عمر وسهل بن سعد وعبد الله بن مسعود وعلي ابن أبي طالب. 1 - أما حديث ابن عمر، فعلقه البيهقي (7/ 409) فقال: وروينا عن محمد بن زيد عن سعيد بن جبير عنه مرفوعا به. وهذا إسناد رجاله ثقات، وابن زيد هو ابن علي الكندي، فإذا كان السند إليه ثابتا، فهو صحيح الإسناد، وعلى كل حال، فإنه يشهد له ما بعده. 2 - وأما حديث سهل فيرويه عياض بن عبد الله الفهري وغيره عن ابن شهاب عن سهل في حديث المتلاعنين قال: " فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبدا ". أخرجه أبو داود (1/ 351 - 352) والبيهقي (7/ 410).

قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله رجال مسلم، والفهري هذا وإن كان فيه ضعف، فليس شديدا، فمثله يستشهد به، ولاسيما أنه لم يتفرد به، فقد قرن به غيره، وهذا وإن لم يسم في هذه الرواية فمن المحتمل أن يكون الزبيدي الآتي، فإن كان هو، فهي متابعة قوية لأن الزبيدي هذا - واسمه محمد بن زياد - ثقة ثبت من كبار أصحاب الزهري كما قال الحافظ، وإن كان غيره، فهو مجهول إن لم يقو حديثه فلا يضره. وهذه المتابعة يرويها الأوزاعي عن الزبيدي عن الزهري به. أخرجه البيهقي قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات غير ابن أبي حسان شيخ أبي بكر الإسماعيلي، فلم أعرف اسمه الآن. 3 و 4 - وأما حديث ابن مسعود وعلي فيرويه قيس بن الربيع عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله، وعن عاصم عن زر عن علي قالا: " مضت السنة في المتلاعنين أن لا يجتمعا أبدا ". أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (7/ 112 / 12434 و 12436) والبيهقي والطبراني في " المعجم الكبير " (9/ 390 / 9661) عن ابن مسعود وحده. قلت: وإسناده حسن في المتابعات على الأقل لأن قيس بن الربيع فيه ضعف من قبل حفظه. وللحديث شاهد موقوف يرويه الأعمش عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب قال في المتلاعنين إذا تلاعنا: يفرق بينهما، ولا يجتمعان أبدا. أخرجه عبد الرزاق، والبيهقي. قلت: ورجاله موثقون، لكنه منقطع بين إبراهيم - وهو النخعي - وعمر بن الخطاب.

أحكام العدة والإحداد

إذا علمت ما تقدم: فالحديث صالح للاحتجاج به على أن فرقة اللعان إنما هي فسخ، وهو مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما، وذهب أبو حنيفة إلى أنه طلاق بائن، والحديث يرد عليه، وبه أخذ مالك أيضا والثوري وأبو عبيدة وأبو يوسف، وهو الحق الذي يقتضيه النظر السليم في الحكمة من التفريق بينهما، على ما شرحه ابن القيم رحمه الله تعالى في " زاد المعاد " فراجعه (4/ 151 و153 - 154) وإليه مال الصنعاني في " سبل السلام " (3/ 241). أحكام العدة والإحداد جواز تجمل المرأة بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها: 2722 - " إن وجدت رجلا صالحا فتزوجي ". [الصحيحة] قال رحمه الله: أخرجه ابن ماجه (1/ 625 - 626) وابن راهويه في " مسنده " (4/ 266 / 1 - 2) من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق وعمرو ابن عتبة أنهما كتبا إلى سبيعة بنت الحارث يسألانها عن أمرها؟ فكتبت إليهما: أنها وضعت بعد وفاة زوجها بخمسة وعشرين [ليلة] فتهيأت تطلب الخير، فمر بها أبو السنابل بن بعكك، فقال: قد أسرعت، اعتدي

آخر الأجلين، أربعة أشهر وعشرا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! استغفر لي. قال: وفيم ذاك؟ فأخبرته [الخبر]، فقال: والزيادتان لابن راهويه. قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه هو والبخاري وغيرهما من طرق أخرى عن سبيعة, وغيرها من الصحابة مختصرا ومطولا, وخرجت أحدها في " الإرواء " (2113)؛ وإنما آثرت هذه الرواية بالتخريج لأنها تفردت عن سائر الطرق بهذه الفائدة التي فوق هذا التخريج، حيث أمرها صلى الله عليه وسلم بأن تتزوج بالرجل الصالح إن وجدته. وقد وهم الحافظ رحمه الله فعزاها في " الفتح " (9/ 476) لرواية الأسود عن أبي السنابل نفسه عند ابن ماجه. وهذه رواية أخرى لابن ماجه ليس فيها هذه الفائدة، وهي عند ابن راهويه أيضا. وسبب الوهم - فيما يبدو لي والله أعلم - أن هذه عند ابن ماجه قبيل حديث الترجمة، فكأنه انتقل بصره عند النقل عنه إليها. والله أعلم. وفي الحديث فوائد فقهية أخرى ساق الحافظ الكثير الطيب منها كقوله: " وفيه جواز تجمل المرأة بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها، لأن في رواية الزهري عند البخاري: فقال: مالي أراك تجملت للخطاب، وفي رواية ابن إسحاق: فتهيأت للنكاح واختضبت. وفي رواية معمر عن الزهري: وقد اكتحلت، وفي رواية الأسود: فتطيبت وتصنعت ".

معتدة الوفاة تحد بالسواد ثلاثا فقط:

قلت: فما رأي المتحمسين للقول بأن المرأة كلها عورة دون استثناء في هذا الحديث الصحيح، وما ذكره الحافظ من الفائدة؟! لعلهم يقولون - كما هي عادتهم في مثل هذا النص الصريح -: كان ذلك قبل نزول آية الحجاب فنجيبهم: رويدكم! فقد كان ذلك بحجة الوداع كما في " الصحيحين " (فهل من مدكر) (¬1). معتدة الوفاة تحدُّ بالسواد ثلاثًا فقط: 3226 - (تسلبي ثلاثاً، ثم اصنعي ماشئت. قاله لأسماء بنت عميس لما أصيب زوجها جعفر بن أبي طالب). [الصحيحة] قال رحمه الله: أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (745 - موارد)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار " (2/ 438)، وابن سعد (8/ 282)، وابن جرير الطبري في " التفسير " (2/ 318)، والطبراني في " المعجم الكبير " (24/ 139/369)، وأبو نعيم في (أخبار أصبهان) (1/ 187)، والبيهقي في " السنن " (7/ 438)، و"معرفة الآثار " (6/ 61/4676) من طرق كثيرة عن محمد بن طلحة بن مصرف عن الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن أسماء بنت عميس أنها قالت: لما أصيب جعفر بن أبي طالب، أمرني ¬

_ (¬1) 1 - انظر كتابي " جلباب المرأة المسلمة " (ص 69 - الطبعة الجديدة).

رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وقد أعله البيهقي بالانقطاع بين عبد الله بن شداد وأسماء، وبمحمد بن طلحة! أما الانقطاع، فدعوي باطلة، فإن عبد الله من كبار التابعين الثقات، ولد علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم، وأسماء خالته، ولم يرم بتدليس. وأما محمد بن طلحة، فهو من رجال الشيخين، وفيه كلام يسير لا يسقط به حديثه، ولذلك جزم الذهبي في " المغني " بأنه ثقة. قال الحافظ: "صدوق له أوهام ". ولذلك قوي إسناده في " الفتح " (9/ 487)، وذكر عن أحمد أنه صححه. وقد رد ابن التركماني علي البيهقي إعلاله بما تقدم رداً قوياً، فراجعه. ومعني قوله صلي الله عليه وسلم: " تسلبي " - كما قال ابن الأثير -: " أي: البسي ثوب الحداد، وهو (السلاب)، والجمع (سلب)، وتسلبت المرأة: إذا لبسته. وقيل: هو ثوب أسود تغطي به المحد رأسها ". فأقول: هذا المعني هو صيح في رواية أحمد، فإنها بلفظ: "البسي ثوب الحداد ثلاثاً، ثم اصنعي ماشئت". ولكن في رواية أخري له (6/ 369) بلفظ: "لاتحدي بعد يومك هذا". وهو شاذ عندي بهذا اللفظ، لمخالفته للطرق المتقدمة من جهة، وللحديث المتواتر عن جمع من أمهات المؤمنين وغيرهن - من جهة أخري - الصريح في أن المتوفي عنها زوجها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً، وهو

لا زينة للمحدة:

مخرج في "الإرواء" (2114). فذهب بعض العلماء إلي أن هذا الحديث المتواتر ناسخ لحديث الترجمة، ومنهم أبو جعفر الطحاوي. فأقول: لو كان الحديث محفوظاً باللفظ الثاني، لكان القول بالنسخ مما لابد منه، أما والمحفوظ إنما هو باللفظ الأول: " تسلبي ثلاثاً "، فهو أخص من الحديث المتواتر، فيستسني الأقل من الأكثر، أي: تحد بما شاءت من الثياب الجائزة غير السواد، إلا في الثلاثة أيام، وهذا هو اختيار الإمام ابن جرير، قال - رحمه الله -: " فإنه غير دال علي أن لا إحداد علي المرأة، بل إنما دل علي أمر النبي صلي الله عليه وسلم إياها بالتسلب ثلاثاً، ثم العمل بما بدا لها من لبس ما شاءت من الثياب مما يجوز للمعتدة لبسه، مما لم يكن زينة ولا طيباً، لأنه قد يكون من الثياب ما ليس بزينة ولا ثياب تسلب، وذلك كالذي أذن صلي الله عليه وسلم للمتوفي عنها أن تلبس من ثياب العصب وبرود اليمن، فإن ذلك لا من ثياب زينة، ولا من ثياب تسلب". قلت: وهذا هو العلم والفقه والجمع بين الأحاديث، فعض عليه بالنواجذ. لا زينة للمحدة: 20 - ولا ينافي الصبر أن تمتنع المرأة من الزينة كلها، حدادا على وفاة ولدها أو غيره إذا لم تزد على ثلاثة أيام، إلا على زوجها، فتحد أربعة أشهر وعشرا، لحديث زينب بنت أبي سلمة قالت: " دخلت على أم حبيبة زوج

النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر (أن) تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " ثم دخلت على زينب بنت جحش - حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست، ثم قالت: مالي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول .. " فذكرت الحديث. أخرجه البخاري (3/ 114، 9 400/ 400 - 401). 21 - ولكنها إذا لم تحد على غير زوجها، إرضاء للزوج وقضاء لوطره منها، فهو أفضل لها، ويرجى لهما من وراء ذلك خير كثير كما وقع لام سليم وزوجها أبي طلحة الانصاري رضي الله عنهما، [أحكام الجنائز]

باب الحضانة

باب الحضانة 368 - " المرأة أحق بولدها ما لم تزوج ". [الصحيحة] قال رحمه الله: أخرجه الدارقطني في " سننه " (418) من طريق المثنى بن الصباح عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده: " أن امرأة خاصمت زوجها في ولدها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكره وكذلك رواه عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا المثنى بن الصباح به. وعن عبد الرزاق رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " كما في " نصب الراية " (3/ 265) قال الحافظ في " التلخيص " (4/ 11): " والمثنى بن الصباح ضعيف. ويقويه ما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم عن عكرمة قال: " خاصمت امرأة عمر عمر إلى أبي بكر، وكان طلقها، فقال أبو بكر: هي أعطف وألطف وأرحم وأحن وأرأف، وهي أحق بولدها ما لم تتزوج ".

أقول: وهذا مع كونه موقوفا، فهو مرسل، وقد روي من وجوه أخرى مرسلا في " الموطأ " و " المصنف " لابن أبي شيبة ومن وجه آخر موصولا بإسناد ضعيف منقطع. وقد خرجت ذلك كله في " إرواء الغليل " (2250)، ولذلك فإني أرى أن تقوية الحديث بهذا الموقوف ليس بالقوي، فالأولى تقويته بأن المثنى قد توبع عليه من غير واحد، فتابعه ابن جريج عند أحمد (2/ 182) والدارقطني، والأوزاعي عند أبي داود (2276) والحاكم (2/ 207) كلاهما عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو به أتم منه، ولفظه: " أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا، كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لهارسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تنكحي ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو حسن للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وقال المحقق ابن القيم في " زاد المعاد في هدي خير العباد ": " هذا الحديث احتاج الناس فيه إلى عمرو بن شعيب، ولم يجدوا بدا من الاحتجاج هنا به، ومدار الحديث عليه، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في سقوط الحضانة بالتزويج غير هذا، وقد ذهب إليه الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد صرح بأن الجد هو عبد الله بن عمرو فبطل قول من يقول: لعله محمد والد شعيب فيكون الحديث مرسلا، وقد صح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، فبطل

قول من قال: إنه منقطع. وقد احتج به البخاري خارج " صحيحه "، ونص على صحة حديثه، وقال: كان الحميدي وأحمد وإسحاق وعلي بن عبد الله يحتجون بحديثه، فمن الناس بعدهم؟! هذا لفظه. وقال إسحاق بن راهويه: هو عندنا كأيوب عن نافع عن ابن عمر، وحكى الحاكم في " علوم الحديث " له الاتفاق على صحة حديثه. وقولها: " كان بطني له وعاء " إلى آخره إدلاء منها وتوسل إلى اختصاصها به كما اختص بها في هذه المواطن الثلاثة، والأب لم يشاركها في ذلك، فنبهت في هذا الاختصاص على الاختصاص الذي طلبته بالاستفتاء والمخاصمة، وفي هذا دليل على اعتبار المعاني والعلل، وتأثيرها في الأحكام، وإماطتها بها، وأن ذلك أمر مستقر في الفطرة السليمة حتى فطر النساء. وهذا الوصف الذي أدلت به المرأة، وجعلته سببا لتعليق الحكم به قد قرره النبي صلى الله عليه وسلم ورتب عليه أثره، ولو كان باطلا ألغاه، بل ترتيبه الحكم عقيبه دليل على تأثيره فيه وأنه سببه " قال: " ودل الحديث على أنه إذا افترق الأبوان وبينهما ولد، فالأم أحق به من الأب ما لم يقم بالأم ما يمنع تقديمها أو بالولد وصف يقتضي

تخييره، وهذا ما لا يعرف فيه نزاع، وقد قضى به خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر ابن الخطاب ... ". وقد أشار بقوله: " ما يمنع تقديمها " إلى أنه يشترط في الحاضنة أن تكون مسلمة دينة لأن الحاضن عادة حريص على تربية الطفل على دينه، وأن يربى عليه، فيصعب بعد كبره وعقله انتقاله عنه، وقد يغيره عن فطرة الله التي فطر عليها عباده فلا يراجعها أبدا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه " فلا يؤمن تهويد الحاضن وتنصيره للطفل المسلم. وأشار بقوله " أو بالولد وصف يقتضي تخييره ". إلى أن الصبي إذا كان مميزا فيخير ولا يشمله هذا الحديث، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه ". وهو حديث صحيح كما بينته في " الإرواء " (2254). ومن شاء الاطلاع على الأحكام المستنبطة من هذا الحديث مع البسط والتحقيق، فليرجع إلى كتاب العلامة ابن القيم: " زاد المعاد ".

باب العتق

باب العتق 2417 - " لا تباع أم الولد ". [الصحيحة] قال رحمه الله: أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1/ 208 / 1 - 2) عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن خوات بن جبير قال: " مات رجل وأوصى إلي، فكان فيما أوصى به أم ولده، وامرأة حرة، فوقع بين أم الولد والمرأة كلام، فقالت لها المرأة: يا لكعا! غدا يوخذ بأذنك فتباعين في السوق! فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " فذكره. وأخرجه البيهقي (10/ 345) من هذا الوجه، وزاد: " وأمر بها، فأعتقت ". وهذا إسناد رجاله ثقات، رجال مسلم غير ابن لهيعة، فهو ضعيف لسوء حفظه. ثم رواه من طريق أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين حدثنا يونس ابن عبد الرحيم العسقلاني حدثني رشدين بن سعد المهري حدثنا طلحة بن أبي سعيد عن عبيد الله بن أبي جعفر به نحوه. قلت: وهذه متابعة قوية لابن لهيعة، فإن طلحة بن أبي سعيد ثقة من رجال البخاري لولا أن الراوي

عنه رشدين بن سعد ضعيف. وحفيده أحمد بن محمد بن الحجاج، قال ابن عدي: " كذبوه، وأنكرت عليه أشياء ". ونحو هذه القصة ما روى محمد بن إسحاق عن الخطاب بن صالح عن أمه قالت: حدثتني سلامة بنت معقل قالت: " كنت للحباب بن عمرو ولي منه غلام، فقالت لي امرأته: الآن تباعين في دينه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صاحب تركة الحباب ابن عمرو؟ فقالوا: أخوه أبو اليسر كعب بن عمرو، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "لا تبيعوها وأعتقوها، فإذا سمعتم برقيق قد جاءني، فائتوني أعوضكم ". ففعلوا، فاختلفوا فيما بينهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قوم: أم الولد مملوكة، لولا ذلك لم يعوضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منها. وقال بعضهم: هي حرة قد أعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي كان الاختلاف ". أخرجه أحمد (6/ 360) والسياق له والبيهقي، وكذا أبو داود (2/ 163) دون قصة الاختلاف، وزاد: " قالت: فأعتقوني، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رقيق، فعوضهم مني غلاما ". قلت: وإسناد ضعيف، أم خطاب بن صالح لا تعرف كما قال الحافظ وابنها خطاب، قال الذهبي: " تفرد عنه ابن إسحاق،

وقد وثقه البخاري ". وابن إسحاق مدلس وقد عنعنه. وقد يخالف ما تقدم ما روى عبد الرزاق في " المصنف " (13211): أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: " كنا نبيع أمهات الأولاد، والنبي صلى الله عليه وسلم فينا حي، لا نرى بذلك بأسا" قلت: وهذا إسناد صحيح متصل، على شرط مسلم. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن ماجة (2/ 105) والبيهقي (10/ 348) وأحمد (3/ 321) وابن حبان (1215) من طريق روح بن عبادة حدثنا ابن جريج به. وتابعه قيس بن سعد عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: " بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فلما كان عمر نهانا، فانتهينا ". أخرجه أبو داود (2/ 163) وابن حبان (1216) والحاكم (2/ 18 - 19) والبيهقي (10/ 347) وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. ثم روى له الحاكم شاهدا من طريق شعبة عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: " كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ومن هذا الوجه أخرجه الطيالسي (1/ 245) وعنه البيهقي وأحمد (3/ 22). وقال الحاكم: " صحيح"، ووافقه الذهبي! قلت: وزيد العمي ضعيف كما جزم به الحافظ في " التقريب " ولذلك قال في " التلخيص الحبير " (4/ 218): " وإسناده ضعيف "

والذهبي نفسه أورده في " المغني "، وقال: " مقارب الحال، قال ابن عدي: لعل شعبة لم يرو عن أحد أضعف منه ". قلت: ولا شك في ثبوت بيع أمهات الأولاد في عهده صلى الله عليه وسلم لهذه الأحاديث وإنما الشك في استمرار ذلك وعدم نهيه صلى الله عليه وسلم عنه، قال البيهقي: " ليس في شيء من هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بذلك، فأقرهم عليه، وقد روينا ما يدل على النهي ". قال الحافظ عقبه: " نعم قد روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " من طريق أبي سلمة عن جابر ما يدل على ذلك، وقال الخطابي: يحتمل أن يكون بيع الأمهات كان مباحا، ثم نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ولم يشتهر ذلك النهي، فلما بلغ عمر نهاهم ". وأقول: الذي يظهر لي أن نهي عمر إنما كان عن اجتهاد منه، وليس عن نهي ورده عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لتصريح علي رضي الله عنه بأنه كان عن رأي من عمر ومنه، فروى عبد الرزاق (13224) بسنده الصحيح عن عبيدة السلماني قال: سمعت عليا يقول: " اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن. قال: ثم رأيت بعد أن يبعن. قال عبيدة: فقلت له: فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة. قال: فضحك علي ". قال الحافظ: " وهذا الإسناد معدود في أصح الأسانيد ". وأخرجه البيهقي أيضا.

ويؤيد ما ذكرته أن عمر لو كان ذلك عن نص لديه لما رجع عنه علي رضي الله عنه وهذا ظاهر بين. وهذا بالطبع لا ينفي أن يكون هناك نهي صدر من النبي صلى الله عليه وسلم فيما بعد، وإن لم يقف عليه عمر، بل هذا هو الظاهر من مجموع الأحاديث الواردة في الباب، فإنها وإن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف، فمجموعها مما يقوي النهي ومن ذلك طريق أبي سلمة التي أشار إليها الحافظ فيما سبق، فإنها شاهد قوي له، على الرغم من أن الحافظ سكت عنه، وكذلك البوصيري في " زوائد ابن ماجة " (ق 156/ 2) وذكر هذا أن لفظه عند ابن أبي شيبة عن جابر: " وذكر لي أنه زجر عن بيعهن بعد ذلك، وكان عمر يشتد في بيعهن ". وهذا النهي يلتقي مع بعض الأحاديث التي تدل على أن أمة الرجل تعتق بولدها، وهي وإن كانت مفرداتها ضعيفة أيضا، فلا أقل من أن تصلح للشهادة، ومنها ما رواه عبد الرزاق (13219) عن سفيان (الأصل: أبي سفيان) عن شريك بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " أيما رجل ولدت منه أمته فهي معتقة عن دبر منه " وهذا إسناد رجاله على شرط البخاري على ضعف في حفظ شريك بن عبد الله، وهو ابن أبي نمر. وقد تابعه حسين بن عبد الله عن عكرمة به. أخرجه البيهقي (10/ 346) من طريق وكيع عن شريك (هو ابن عبد الله القاضي) عنه. وقال:

"حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس الهاشمي، ضعفه أكثر أصحاب الحديث " وفي رواية أخرى له عنه به بلفظ: " أعتق أم إبراهيم ولدها ". وهو مخرج في "الإرواء " (1799). وقال البيهقي بعد أن روى ما تقدم عن عمر من النهي: " يشبه أن يكون عمر رضي الله عنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حكم بعتقهن بموت ساداتهن نصا، فاجتمع هو وغيره على تحريم بيعهن، ويشبه أن يكون هو وغيره استدل ببعض ما بلغنا وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على عتقهن، فاجتمع هو وغيره على تحريم بيعهن، فالأولى بنا متابعتهم فيما اجتمعوا عليه قبل الاختلاف مع الاستدلال بالسنة". قلت: وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس وينشرح له الصدر ومجموع ذلك كله يشهد لصحة حديث الترجمة. والله أعلم تم بحمد الله

المحتويات - كتاب الطهارة ... 7 - 46 - نجاسة دم الحيض ... 7 - باب الحيض والنفاس والاستحاضة ... 21 - حكم مكث الجنب في المسجد ... 31 - متى تبلغ الجارية مبلغ النساء ... 33 - النفاس ... 36 - غسل المستحاضة لكل صلاة ... 41 - نقض المرأة شعرها في الغسل ... 42 - كتاب الصلاة ... 47 - 120 - عورة المرأة ... 47 - حكم الصلاة بدون خمار ... 62 - حكم الثياب الشفافة في الصلاة ... 63 - في كم تطيل ثيابها ... 65 - من شروط الصلاة: طهارة البدن والثوب والمكان ... 71 - حكم من علم بنجاسة وهو في الصلاة ... 77 - أحوال تجوز الصلاة فيها ... 83

- ذهاب المرأة إلى المسجد وشروطه ... 90 - دخول الحائض للمسجد ... 100 - إمامة المرأة ... 116 - أين تقف المرأة في الصف؟ ... 118 - كتاب الجنائز ... 121 - 136 - صفة كفن المرأة ... 121 - زيارة القبور ... 1122 - كتاب الصيام ... 137 - 147 - حكم الحامل والمرضع ... 137 - اعتكاف المرأة ... 146 - كتاب الزكاة ... 148 - 157 - هل في الحلي زكاة؟ ... 148 - عدم عطية المرأة إلا بإذن زوجها ... 155 - كتاب الحج ... 158 - 176 - ما يجوز فعله للمحرمة وما لايجوز ... 158 - عمرة الحائض ... 159 - التلبية ... 166 - حكم تغطية الوجه ... 1166

- كتاب اللباس والزينة ... 177 - 267 - الحرير مباح للنساء ... 177 - أحكام الشعر ... 178 - حكم الذهب المحلق ... 183 - صفة لباس المرأة ... 207 - كتاب النكاح ... 268 - 347 - تحريم مصافحة الأجنبية ... 268 - جواز كلام النساء مع الرجال ... 274 - تحريم نكاح المتعة ... 276 - تحريم نكاح الرجل ابنته من الزنى ... 285 - الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ... 287 - النظر إلى المخطوبة ... 290 - لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها ... 301 - الكفاءة في الزواج ... 315 - صداق المرأة ... 317 - هل لولي المرأة أن يشترط لنفسه شيئا من المال؟ ... 318 - الصداق إذا لم يدخل بها ... 320 - آداب الجماع ... 324

- كتاب الطلاق ... 347 - 393 - حكم الطلاق ... 347 - جواز تطليق الرجل لزوجته ولو كانت صوّامة قوّامة ... 348 - الطلاق بلفظ ثلاثا ... 353 - ماروي عن ابن عباس في الطلاق بلفظ ثلاث ... 354 - طلاق الحائض ... 360 - حكم طلاق الهازل ... 375 - أحكام الخلع ... 380 - فرق اللعان إنما هي فسخ ..... 385 - أحكام العدة والإحداد ...... 387 - باب الحضانة ........ 393 - باب العتق 397

§1/1