أحكام اللمس في الطهارة
عبد الله السهلي
مقدمة
أحكام اللّمس في الطّهارة المقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} 2 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} 3. أما بعد: فإن التفقه في الدين أمر يجلُّ قدره، ويعظم شأنه، نوه الله تعالى بفضله في محكم تنزيله، فقال عز وجل: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين} 4 وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيرية في التفقه في الدين حيث قال: "من يرد الله به
خيراً يفقهه في الدين" 1 فتبين بذلك ما للفقه في الدين من مكانة ومنزلة مرموقة، فأشرف العلوم علوم أحكام أفعال العباد، إذ الله لم يخلق الخلق عبثاً بل خلقهم لتحقيق أسمى الغايات وهي العبادة ولا يتحقق ذلك إلا بالتفقه في الدين ألا وإن من الأمور التي ينبغي للمرء معرفتها وفقهها أحكام اللمس ما تنتقض به الطهارة فلا تصح معه العبادة وما لا تنتقض به، فأحببت أن أفرد هذا الموضوع ببحث مستقل أبين فيه مباحثه ومسائله وما يتعلق به سائلاً الله عز وجل الإعانة والتوفيق.
خطة البحث قسمت هذا البحث إلى مقدمة، وتمهيد، وثلاثة فصول: المقدمة: وتشتمل على الافتتاحية، وخطة البحث ومنهجه. التمهيد: ويشتمل على تعريف اللمس والفرق بينه وبين المس ومفهومهما في الكتاب والسنة. الفصل الأول: في لمس العورة، وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: في لمس الفرج، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: في لمس الرجل فرجه. المطلب الثاني: في لمس فرج الغير. المطلب الثالث: في لمس المرأة فرجها. المبحث الثاني: في لمس غير الفرج من العورة، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: في لمس الدبر. المطلب الثاني: في لمس الأنثيين والألية والعانة. المطلب الثالث: في لمس فرج البهيمة. المبحث الثالث: في كيفية اللمس، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: في اللمس ببطن الكف وبظهره. المطلب الثاني: في اللمس بقصد وبغير قصد. المطلب الثالث: في اللمس من وراء حائل.
الفصل الثاني: في لمس غير العورة من البدن، وفيه مبحثان: المبحث الأول: في لمس المرأة والرجل، وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: في لمس الرجل للمرأة والمراة للرجل. المطلب الثاني: في لمس الأمرد. المطلب الثالث: في لمس الرجل للرجل. المطلب الرابع: في لمس المرأة للمرأة. المبحث الثاني: في لمس المحارم والصغير وما اتصل بالجسم ووضوء الملموس، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: في لمس المحارم والصغيرة. المطلب الثاني: في لمس ما اتصل بالجسم كالشعر والظفر والسن. المطلب الثالث: في وضوء الملموس. الفصل الثالث: في لمس الميت والمصحف، وفيه مبحثان: المبحث الأول: في لمس الميت، وفيه مطلبان: المطلب الأول: في لمس الميت أثناء تغسيله. المطلب الثاني: في لمس الميت أثناء حمله أو غيره. المبحث الثاني: في لمس المصحف، وفيه مطلبان: المطلب الأول: في لمس المصحف باليد مباشرة. المطلب الثاني: في حمل المصحف بدون ملامسته باليد مباشرة. الخاتمة
منهج البحث سلكت في إعداد هذا البحث المنهج الآتي: 1-جمعت المادة العلمية المتعلقة بأحكام اللمس في الطهارة. 2-درست المسائل الواردة في هذا البحث دراسة موازنة، وحرصت على بيان المذاهب الأربعة في كل مسألة، وقد أذكر في المسألة أقوال بعض الصحابة والتابعين وغيرهم من الفقهاء كما أنني ذكرت قول الظاهرية في بعض المسائل مراعياً في ذلك الترتيب الزمني بين الفقهاء. 3-حرصاً مني على إخراج المسائل بأسلوب مبسط، يسهل معه معرفة الحكم في المسألة، صدرتها بالإجماع إن كانت من المسائل المجمع عليها، كما أنني إن رأيت الخلاف ليس قوياً في المسألة صدرت المسألة بقول أكثر أهل العلم وبعد ذلك أشير إلى القول المخالف ثم أذكر أدلة كل قول وما قد يرد عليه من نقاش إن وجد، ثم أختم المسألة بالقول الراجح وقد أؤخر المناقشة مع الترجيح. 4-حرصت على نقل أقوال الفقهاء من مصادرها الأصلية. 5-ذكرت أرقام الآيات القرآنية الواردة في البحث مع بيان أسماء سورها. 6-خرجت الأحاديث الواردة في البحث مبيناً الكتاب والباب والجزء والصفحة، فإن كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بتخريجه منهما أو من أحدهما، وإن لم يكن فيهما أو في أحدهما اجتهدت في تخريجه من كتب السنة الأخرى مع ذكر درجة الحديث صحة أو ضعفاً معتمداً على الكتب التي تعنى بذلك. 7-بينت معاني الكلمات التي تحتاج إلى بيان معتمداً على الكتب التي تعنى بذلك.
8-لم أترجم للأعلام الواردة في البحث خشية الإطالة. 9-بينت في نهاية البحث في الخاتمة أهم النتائج التي توصلت إليها. 10-وضعت فهرساً للمصادر التي اعتمدت عليها مرتباً حسب الحروف الهجائية، وآخر للموضوعات.
التمهيد
التمهيد في التعريف باللمس والفرق بينه وبين المس واللمس في الكتاب والسنة. تعريف اللمس في اللغة: لمس: بفتح فسكون مصدر لمس الشيء، أمسه بيده فهو لا مس، ولمس المرأة باشرها. واللام والميم والسين أصل واحد يدل على تطلب شيء ومسيسه أيضاً. تقول: تلمست الشيءإذا تطلبته، ويأتي بمعنى الحس. وقال ابن الأعرابي: اللمس قد يكون مس الشيء بالشيء ويكون معرفة الشيء وإن لم يكن ثم جوهر. وقال الراغب الأصفهاني: "اللمس مطلقاً؛ لأنه يقال المس إدراك بظاهر البشرة، واللمس والملامسة المجامعة مجازاً"1. تعريف اللمس في اصطلاح الفقهاء: هو: قوة منبثقة في جميع البدن تدرك بها الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ونحو ذلك عند التماس الاتصال به2. وقيل هو: إلصاق الجارحة بالشيء وهو عرف باليد؛ لأنها آلته الغالبة
،ويستعمل كناية عن الجماع1. وقيل هو: أن يلمس الرجل بشرة المرأة والمرأة بشرة الرجل بلا حائل بينهما2. وقيل: حقيقة اللمس ملاقاة البشرتين3. وكما هو واضح من هذه التعاريف كلها تدل على أن المراد من اللمس ملاقاة البشرتين. الفرق بين اللمس والمس: ذُكرت بعض الفروق بين اللمس والمس ومن ذلك: أن مطلق التقاء الجسمين يسمى مساً، فإن كان بالجسد سمي مباشرة، وإن كان باليد سمي مساً، وإن كان بالفم على وجه مخصوص سمي قبلة4. أن المس كاللمس لكن اللمس قد يقال لطلب شيء وإن لم يوجد والمس يقال فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس5. أن اللمس لصوق بإحساس، والمس أقل تمكناً من الإصابة وهو أقل درجاتها. أنه يكنى بالمس عن النكاح والجنون، ويقال في كل ما ينال الإنسان من أذى مس، ولا اختصاص له باليد لأنه لصوق فقط، وهذا بخلاف اللمس فإنه
يكون باليد1. أن اللمس أخص من المس إذ لا يطلق إلا على مس لطلب معنى من حرارة مثلاً. أن المس لا يكون إلا بباطن الكف، واللمس يكون بأي جزء من البدن. أن المس يكون من شخص واحد بخلاف اللمس فإنه لا يكون إلا بين اثنين. أن المس يختص بالفرج بخلاف اللمس فلا يختص به2. مفهوم اللمس في القرآن الكريم: ورد ذكر اللمس والمس في عدة آيات من القرآن الكريم: 1- قول الله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ …} 3. 2- قول الله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} 4. 3- قول الله تعالى: {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً ... } 5. 4- قول الله تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} 6.
واللمس في القرآن الكريم ليس مقصوراً على معنى واحد أو مفهوم واحد فإنه يكنى به عن النكاح حيث يقال مسَّها وماسها ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} 1 والمسيس كناية عن النكاح. ويكنى به عن المس بالجنون قال تعالى: {الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} 2. والمس يقال في كل ما ينال من أذى كقوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَعْدُودَةً} 3.وكقوله تعالى: {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} 4. وكقوله تعالى: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} 5. ويكنى باللمس عن الجس باليد كقوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} 6. ويكنى باللمس عن الطلب كقوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} 7. ويطلق اللمس والمس على المباشرة في الفرج ومنه قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} 8.
أما قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} 1. وقريء: {أو لمستم النساء} 2. فاختلف المفسرون والأئمة في معنى ذلك على قولين: أحدهما: أن ذلك كناية عن الجماع. الثاني: أن المراد بذلك: كل لمس بيد كان أو بغيرها من أعضاء الإنسان. قال ابن جرير: "وأولى القولين بالصواب قول من قال عنى الله بقوله: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} الجماع دون غيره من معاني اللمس لصحة الخبر3 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ" 4. وفسره بذلك حبر الأمة ابن عباس - رضي الله عنهما - الذي علمه الله تأويل كتابه واستجاب فيه دعوة رسوله صلى الله عليه وسلم وتفسيره أولى من تفسير غيره لتلك المزية5.
وبناء على هذا الاختلاف في مفهوم اللمس اختلف الفقهاء في أثر هذا اللمس هل ينتقض به الوضوء أو لا؟ وسيأتي الكلام عليه مفصلاً إن شاء الله في الفصل الثاني من هذا البحث. مفهوم اللمس في السنة: ورد ذكر اللمس في عدة أحاديث من ذلك: 1-حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة: وهي طرح الرجل ثوبه إلى رجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه؛ ونهى عن الملامسة والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه1. قال ابن الأثير: "هو أن يقول: إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع"2. 2-حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟ " 3 3-ما جاء عن عائشة رضي الله عنها في حديث البيعة أنها قالت: "ولا والله ما مست يده امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك" 4.
ويظهر من هذه الأحاديث أن اللمس الوارد فيها هو اللمس باليد وهو ليس مقصوراً على ذلك. بل ورد اللمس بمعنى البحث والتحري ومنه: 1-حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان"1. 2-حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في شأن ليلة القدر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان"2.
الفصل الأول: في لمس العورة
الفصل الأول: في لمس العورة المبحث الأول: في لمس الفرج المطلب الأول: في لمس الرجل فرجه ... المطلب الأول في لمس الرجل فرجه اتفق الفقهاء على أن من لمس فرجه بغير يده من أعضائه أنه لا ينتقض وضوءه1. واختلفوا فيمن مس فرجه بيده على قولين: القول الأول: أن من لمس ذكره انتقض وضوءه، وهو مروي عن عمر ابن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي أيوب الأنصاري، وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله، وعائشة، وأم حبيبة، وبسرة بنت صفوان، وبه قال مكحول، وسعيد بن المسيب، وعطاء، ومجاهد، وعروة، وسليمان بن يسار، والزهري، ويحيى بن أبي كثير، والشعبي، وأبو العالية، والأوزاعي، والليث. وهو المشهور من مذهب الإمام مالك والشافعي إذا كان اللمس بباطن الكف، وأحمد في المذهب، وداود وابن حزم2. القول الثاني: أن من لمس ذكره لا ينتقض وضوءه، وهو مروي عن علي، وابن مسعود، وعمار بن ياسر، وابن عباس، وحذيفة، وعمران بن حصين، وأبي
الدرداء، وهو قول سعيد بن جبير، وطاووس والنخعي، والحسن بن حيي، وشريك، وابن المبارك، ويحيى بن معين، والحسن البصري، وقتادة، والثوري. وإليه ذهب أبو حنيفة، ومالك في قول، وأحمد في رواية، واختاره ابن المنذر، وابن تيمية1. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول بالأدلة التالية: 1-حديث بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مس ذكره فليتوضأ" 2.
2-حديث أم حبيبة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من مس فرجه فليتوضأ" 1. 3-حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما شيء فليتوضأ وضوءه للصلاة" 2.
4-ولأنه لمس يفضي إلى خروج المذي فأشبه مس الفرج بالفرج1. 5-أن الذكر يختلف عن سائر الجسد لأنه تتعلق به أحكام ينفرد بها من وجوب الغسل بإيلاجه والحد والمهر وغير ذلك2. وقد اعترض على هذه الأدلة بما يأتي: حديث بسرة اعترض عليه بعدة اعتراضات أهمها: 1-رواه عنها مروان بن الحكم وهو كان يحدث في زمانه مناكير ولذلك لم يقبل عروة منه3. 2-أن ربيعه شيخ مالك قال: "ويحكم مثل هذا يأخذ به أحد ويعمل بحديث بسرة؟ والله لو أن بسرة شهدت على هذا النعل لما أجزت شهادتها، وإنما قوام الدين الصلاة، وإنما قوام الصلاة الطهور، فلم يكن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقيم هذا الدين إلا بسرة"4. 3-قال ابن معين: لم يصح في مس الذكر حديث5. 4-رواية ابن وهب عن مالك أن الوضوء من مس الذكر سنة فكيف يصح عنده هذا الحديث ثم يستجيز هذا القول؟ 6
5-أن الرجل أولى بنقله من بسرة1. 6-أنه مما تعم به البلوى فينبغي أن ينقل مستفيضاً ولما لم يكن كذلك دل على ضعفه2. 7-إنكار كبار الصحابة لحكمه كعلي وابن مسعود وغيرهما كما تقدم في القول الثاني3. 8-أنه مخالف لإجماع الصحابة4. 9-لو سلم بصحته يحمل على غسل اليد لأنهم كانوا يستجمرون ثم يعرقون ثم يؤمر من مس موضع الحدث بالوضوء الذي هو النظافة5. 10-أنه معارض بحديث طلق، والقياس على سائر الأعضاء6. وقد أجيب على هذه الاعتراضات بما يأتي: 1-أن مروان كان عدلاً ولذلك كانت الصحابة تأتم به وتغشى طعامه وما فعل شيئاً إلا عن اجتهاد، وإنكار عروة لعدم اطلاعه7. 2-أن عدم استقلال المرأة في الشهادة لا يدل على عدم قبول روايتها وإلا لما قبلت رواية كثير من الصحابيات.
قال الشافعي: "والذي يعيب علينا الرواية عن بسرة يروي عن عائشة بنت عجرد وأم خداش وعدة من النساء لسن بمعروفات ويحتج بروايتهن ويضعف بسرة مع سابقتها وقديم هجرتها وصحبتها النبي صلى الله عليه وسلم وقد حدثت بهذا في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون ولم يدفعه منهم أحد بل علمنا بعضهم صار إليه منهم عروة بن الزبير"1. 3- إذا لم يصح الحديث عند ابن معين فقد صح عند غيره فقد صححه الجماهير من الأئمة الحفاظ واحتج به الأوزاعي والشافعي وأحمد وهم أعلام الحديث والفقه فلو كان باطلاً لم يحتجوا به، لكنه مع هذا لم يثبت عند ابن معين كما قال الحافظ ابن حجر وابن الجوزي2. 4-أن مالكاً لم يطعن في الصحة وإنما تردد في دلالة اللفظ هل هي للوجوب أم للندب؟ 3 5-أن بسرة لم تنفرد بروايته بل رواه نحو خمسة عشر من الرجال والنساء فإن في الباب عن أم حبيبة وأبي هريرة وأروى بنت أنس وعائشة وجابر وزيد بن خالد وعبد الله بن عمرو وسعد بن أبي وقاص وأم سلمة وابن عباس وابن عمر والنعمان بن بشير وأنس وأُبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة رضي الله عنه4. 6-أن الخبر نقل مستفيضاً5.
7-أن الحديث لم يثبت عندهم أو لم يبلغهم، وقد بلغهم حديث طلق ولم يبلغهم ما ينسخه ولو بلغهم لقالوا به ولا يجب على الصحابي أن يطلع على سائر الأحاديث1. 8-أنه لم ينعقد في هذه المسألة إجماع وإلاَّ لما ساغ الخلاف فيها ومن أراد الاطلاع على معرفة قدر اختلاف الصحابة فيها فليراجع المصادر التي ذكرتها عند عرض الأقوال في أول المسألة2. 9-أن حديث طلق الذي استدل به أصحاب القول الثاني لا يصح والقياس الذي ذكروه في قبالة النص فيكون فاسداً3. 10-أن الألفاظ الشرعية الأصل فيها أن تحمل على الحقيقة إلا إذا ورد دليل يصرفها عنها ولم يرد4 بل ورد هنا ما يخالفه كما تقدم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره - ليس بينهما شيء - فليتوضأ وضوءه للصلاة" 5. قال البيهقي وغيره: "ويكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يحتج الشيخان بأحد من رواته، وحديث بسرة قد احتجا بسائر رواة حديثها، وهذا وجه رجحان حديثها على حديث طلق من طريق الإسناد؛ لأن الرجحان إنما يقع بوجود شرائط الصحة والعدالة في حق هؤلاء الرواة دون من خالفهم"6.
واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية: 1-حديث قيس بن طلق، عن أبيه قال: "قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله، ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ فقال: "هل هو إلا مضغة1 منه؟ أو قال: بضعة2 منه" 3 2-ما روى جعفر بن الزبير عن القاسم، عن أبي أمامه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني مسست ذكري وأنا أصلي، فقال: "لا بأس إنما هو حذية4 منك" 5
3-إجماع أهل العلم على أن لا وضوء على من مس بولاً أو غائطاً أو دماً فمس الذكر أولى أن لا يوجب وضوءاً1. وقد اعترض على هذه الأدلة بما يأتي: 1-أن حديث طلق ضعيف باتفاق المحدثين وقد بين البيهقي وجوهاً من ضعفه2. 2-أنه منسوخ بحديث بسرة لأن أبا هريرة قد رواه وهو متأخر الإسلام ووفادة طلق على النبي صلى الله عليه وسلم كانت في السنة الأولى من الهجرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبني مسجده وقدوم أبي هريرة وإسلامه كان في السنة السابعة من الهجرة3. 3-أنه محمول على المس من فوق حائل لأنه قال: سألته عن مس الذكر في الصلاة، والظاهر أن الإنسان لا يمس ذكره في الصلاة بدون حائل4. 4-أن حديث بسرة أكثر رواة من حديث طلق كما تقدم5. 5-أن حديث بسرة فيه احتياط للعبادة6.
6-أن حديث جعفر بن الزبير حديث ضعيف كما تقدم في تخريجه1. 7-أن القياس الذي ذكروه قياس في مقابل النص فيكون فاسداً2. وقد أجيب عن هذه الاعتراضات بما يلي: 1-القول بأن حديث طلق حديث ضعيف باتفاق المحدثين غير مسلم فقد صححه كما سبق في تخريجه الطحاوي، وابن حبان، وابن حزم وغيرهم3. 2-دعوى النسخ لا تقبل إذ ليس في حديث بسرة ما يدل على النسخ4 3-أن كثرة الرواة لا أثر لها في باب الترجيحات لأن طريق كل واحد منهما غلبه الظن فصار كشهادة شاهدين مع شهادة أربعة5. الراجح: أطال أهل العلم النقاش حول هذه المسألة وأكثروا الاحتجاج لها وذهب كل فريق يرجح حديثه الذي احتج به بمرجحات ومبررات وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - الجمع بين الأدلة فحمل الأمر بالوضوء من مس الذكر على الاستحباب6 وأخذ به الشيخ محمد ابن عثيمين - رحمه الله - للقرينة الصارفة في حديث طلق السابق ذكره وهي: "وهل هو إلا بضعة منك" وليس فيه نسخ، وحمل الأمر على الاستحباب أولى من النسخ.
وأما دعوى أن حديث طلق منسوخ لأنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني المسجد أول الهجرة، ولم يعد إليه بعد، فهذا غير مسلم لما يأتي: 1-أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، والجمع هنا ممكن1 ومن أوجه الجمع: أ-حمل حديث بسرة وما شابهه على ما كان لشهوة، وحديث طلق على ما إذا كان لغير شهوة. ب-أن يكون الأمر في حديث بسرة للاستحباب، وحديث طلق السؤال فيه للوجوب، فهو سأل عن الواجب "أعليه" وكلمة "على" ظاهرة في الوجوب2. 2-أن في حديث طلق علة لا يمكن أن تزول، وإذا ربط الحكم بعلة لا يمكن أن تزول، فإن الحكم لا يمكن أن يزول لأن الحكم يدور مع علته، والعلة قوله: "إنماهو بضعة منك" ولا يمكن في يوم من الأيام أن يكون ذكر الإنسان ليس بضعة منه، فلا يمكن النسخ. 3-أن أهل العلم قالوا: إن التاريخ لا يعلم بتقدم إسلام الراوي أو تقدم أخذه، لجواز أن يكون الراوي حدث به عن غيره3. وخلاصة القول في المسألة كما ذكر الشيخ محمد العثيمين: "أن الإنسان إذا مس ذكره استحب له الوضوء مطلقاً سواء مس بشهوة أو بغير شهوة وإذا مسه لشهوة فالقول بالوجوب قوي جداً وهو الأحوط"4 والله تعالى أعلم.
المطلب الثاني: في لمس الرجل فرج غيره
المطلب الثاني: في لمس الرجل فرج غيره ... المطلب الثاني في مس ذكر الغير بينت في المطلب السابق حكم انتقاض وضوء الإنسان بمس ذكره وفي هذا المطلب أذكر حكم مس الإنسان لذكر غيره. والكلام في هذه المسألة مبني على الكلام في مسألة من مس ذكره. فذهب الفقهاء القائلون بنقض الوضوء من مس الإنسان ذكره إلى أنه لا فرق بين مس الإنسان ذكره وذكر غيره وذهب داود وابن حزم إلى أن من مس ذكر غيره لا ينتقض وضوءه2 استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية: 1-حديث بسرة فقد ورد في بعض ألفاظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مس الذكر فليتوضأ" 3. وجه الدلالة: أن الحديث على عمومه يدخل تحت عمومه ذكره وذكر غيره4.
2-أن مس ذكر غيره معصية، وأدعى إلى الشهوة، وخروج الخارج، وحاجة الإنسان تدعو إلى مس ذكر نفسه، فإذا انتقض بمس ذكر نفسه فمس ذكر غيره أولى وهذا تنبيه يقدم على الدليل1. 3-ولأن من مس فرج غيره أغلظ من مس فرجه لما يتعلق به من هتك حرمة الغير فكان بالنقض أحق2. واستدل أصحاب القول الثاني بالآتي: أنه لا نص فيه، والأخبار إنما وردت في ذكر نفسه، فيقتصر عليه3. واعترض على هذا الاستدلال: أن ادعاء أنه لا نص فيه غير صحيح فقد ورد في بعض ألفاظ حديث بسرة كما سبق قوله صلى الله عليه وسلم: "من مس الذكر فليتوضأ". والراجح في المسألة: هو كما تقدم في المسألة السابقة أن الإنسان إذا مس ذكره استحب له الوضوء مطلقاً سواء مس بشهوة أو بغير شهوة، وإذا مس بشهوة فالقول بالوجوب قوي جداً وهو الأحوط فإذا كان هذا في مس ذكره ففي مس ذكر غيره من باب أولى، والله تعالى أعلم.
المطلب الثالث: في لمس المرأة فرجها
المطلب الثالث: في لمس المرأة فرجها ... المطلب الثالث لمس المرأة فرجها تقدم الكلام في المطلب الأول على حكم لمس الرجل ذكره وفي هذا المطلب أبين حكم لمس المرأة لفرجها أهو كحكم لمس الرجل لفرجه أم أن بينهما اختلافاً؟ اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين: القول الأول: أن لمس المرأة فرجها ينتقض به الوضوء، وهو قول مالك في المشهور عنه، والشافعي إذا كان المس بباطن الكف، وأحمد في الصحيح من المذاهب1. القول الثاني: أن لمس المرأة فرجها لا ينقض الوضوء، وهو قول أبي حنيفة ومالك في رواية، وأحمد في رواية2 الأدلة: 1-حديث أم حبيبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مس فرجه فليتوضأ" 3.
وجه الدلالة: أن الفرج هنا اسم جنس فيدخل فيه قبل المرأة لأن الفرج في اللغة الفرج بين الشيئين ويطلق على القبل والدبر من الرجل والمرأة وكثر استعماله في العرف في القبل، فعلى هذا ينتقض وضوء المرأة بلمسها فرجها1. 2-حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ" 2. 3-حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ويل للذين يمسون ذكورهم ويصلون ولا يتوضئون" قالت عائشة: "فهذا للرجال فما بال النساء قال عليه الصلاة والسلام: "إذا مست إحداكن فرجها توضأت 3. 4. ولأن المرأة آدمي مس فرجه فانتقض وضوءه كالرجل4. واستدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:
-أن الأصل عدم ورود دليل يدل على النقض1. 2-أن الحديث المشهور في مس الذكر وليس مس المرأة فرجها في معناه2. 3-أن مس الفرج لا يدعو إلى خروج خارج فلا ينقض الوضوء3. 4-أنه عضو منها فأشبه لمسه لمس سائر بدنها4. وقد أجابوا عن حديث أم حبيبة بأن فيه انقطاعاً5، وحديث عمرو بن شعيب قالوا: إن الإمام أحمد سئل عنه فقال: ليس بذاك6. وقد أجاب أصحاب القول الأول عن ذلك بأن حديث أم حبيبة حديث صحيح كما سبق تخريجه، وأن حديث عمرو بن شعيب حسن الإسناد صحيح المتن بما قبله كما سبق تخريجه. والراجح في المسألة: أن المرأة إذا مست فرجها استحب لها الوضوء مطلقاً سواء مست بشهوة أم بغير شهوة، وإذا مست بشهوة فالقول بالوجوب قوي جداً وهو الأحوط.
المبحث الثاني: في لمس غير الفرج من العورة
المبحث الثاني: في لمس غير الفرج من العورة المطلب الأول: في لمس الدبر ... المطلب الأول في لمس الدبر تقدم في المبحث الأول الكلام على حكم لمس الفرج ولما كان الدبر يدخل في مسمى الفرج فقد يتبادر إلى الذهن أنه يأخذ حكم القبل وحيث إن الدبر يختلف في بعض الصفات عن القبل كالشهوة وخروج المذي والمني فهل يأخذ حكم القبل أو لا؟ اختلف العلماء في لمس الدبر على قولين: القول الأول: أن الوضوء لا ينتقض بلمس الدبر وهو مروي عن قتادة وسفيان الثوري وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي في القديم وأحمد في رواية، وداود1. القول الثاني: أن الوضوء ينتقض بلمس الدبر وهو مروي عن عطاء والزهري، والأوزاعي، والشافعي في الجديد وهو الصحيح، وأحمد في الصحيح من المذهب، وإسحاق2.
الأدلة: استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية: 1-حديث بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من مس ذكره فليتوضأ" 1. وجه الدلالة: أنه خص الذكر بالحكم وهذا ليس في معناه لأنه لا يقصد مسه2. 2-أن مس القبل إذا كان على سبيل الشهوة يفضي إلى خروج المذي وغيره فأقيم مسه مقام خروج الخارج بخلاف الدبر3. 3-أنه لا يلتذ بمسه كالقبل فأشبه سائر الأعضاء4. واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية: 1-حديث أم حبيبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مس فرجه فليتوضأ" 5. وجه الدلالة: أن اسم الفرج يطلق على القبل والدبر جميعاً6. 2-أنه أحد سبيلي الحدث فوجب أن يكون مسه حدثاً كالقبل7.
واعترض على هذين الدليلين بما يأتي: 1-حديث أم حبيبة اعترض عليه بأن بعض الأحاديث أطلق فيها الفرج وبعضها صرح فيها بالذكر فتحمل الأحاديث التي جاءت بلفظ الفرج أنه يراد به الذكر الذي صرح به في بعض الأحاديث ويحمل الفرج الذي أمرت المرأة بالوضوء إذا هي مسته على ما يقابل ذكر الرجل وهو القبل منها. 2-دليلهم الثاني اعترض عليه بوجود الفارق بين القبل والدبر حيث إن الدبر ليس محلاً للشهوة بخلاف القبل فإن الشهوة تثور بلمسه غالباً ومن أجل هذا أمر بالوضوء من مسه، أما الدبر فهو كأي جزء آخر من البدن لا تثور الشهوة بمسه فلا يلزم من مسه الوضوء1. الراجح: هو القول بعدم انتقاض الوضوء بمس الدبر لأن الأحاديث التي جاء فيها ذكر الفرج مطلقاً تحمل على الفرج المصرح به في حديث بسرة ولأن القبل يختلف عن الدبر في كثير من الأحكام وهو المراد في كثير من النصوص كقول تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُم} 2 خطاب للرجال بحفظ فروجهم من الزنا والمراد الذكر وقوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُن} 3 خطاب للنساء بحفظ فروجهن من الزنا والمراد القبل، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} بيان لحال المؤمنين الذين حصنوا فروجهم من الزنا، والمراد الرجال بدلالة قوله تعالى بعد ذلك: {إِلا
عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} 1 فعلى هذا فإن المراد بالفرج في النصوص هو القبل الذي هو محل الشهوة دون الدبر، والله أعلم.
المطلب الثاني: في لمس الأنثيين والألية والعانة
المطلب الثاني في لمس الأنثيين والألية والعانة عامة أهل العلم يرون أن الوضوء لا ينتقض بلمس الأنثيين والألية والعانة1. وروى عن عروة أن الوضوء ينتقض بلمسها، وقال الزهري: "أحب إليَّ أن يتوضأ"، وقال عكرمة: "من مس ما بين الفرجين فليتوضأ"2. استدل عامة أهل العلم بما يأتي: 1-أنه لا نص في هذا ولا هو في معنى المنصوص عليه فلا يثبت الحكم فيه3. 2-ولأنها مواضع من البدن لا لذة في مسها فأشبهت سائر الأعضاء4. واستدل من رأى انتقاض الوضوء بلمسها: بما روي عن بسرة بنت صفوان قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من مس ذكره أو أنثييه أو رفغيه5 فليتوضأ"6
وقد اعترض على هذا بأنه من قول عروة غير مرفوع، كذلك رواه الثقات، عن هشام منهم: أيوب السختياني، وحماد بن زيد وغيرهما وكلا الطريقين صحيح1. وقال البيهقي: "القياس أن لا وضوء في المس، وإنما اتبعنا السنة في إيجابه بمس الفرج فلا يجب بغيره"2. وقال النووي: "وهذا حديث باطل موضوع إنما هو من كلام عروة كذا قاله أهل الحديث والأصل أن لا نقض إلا بدليل"3. بل نقل ابن هبيرة الإجماع على عدم النقض فقال: "وأجمعوا على أنه لا وضوء على من مس أنثييه سواء كان من وراء حائل أو من غير وراء حائل"4. وعلى هذا فيكون الراجح هو قول عامة العلماء أن الوضوء لا ينتقض بلمس الأنثيين والألية والعانة، والله أعلم.
المطلب الثالث: في لمس فرج البهيمة
المطلب الثالث في لمس فرج البهيمة جمهور العلماء على أن لمس فرج البهيمة لا ينقض الوضوء1 وذهب الليث إلى أن لمس فرج البهيمة ينقض الوضوء، وفرق عطاء بين لمس البهيمة مأكولة اللحم وغير مأكولة اللحم فقال بالوضوء من مس مأكولة اللحم ولم يقل بالوضوء من لمس غير مأكولة اللحم2. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي: 1-أن لمس فرج البهيمة ليس بمنصوص على النقض به، ولا هو في معنى المنصوص عليه3. 2-أنه لا حرمة لها ولا تعبد عليها أي لا حرمة لها في وجوب ستر فرجها وتحريم النظر إليه ولا تعبد عليها أي أن الخارج من فرجها لا ينقض طهراً ولا يوجب وضوءاً4. 3-أنه لمس لا لذة فيه فأشبه لمس الجماد5.
واستدل للقول الثاني بما يأتي: قياس لمس فرج البهيمة على لمس فرج الآدمي1. واعترض على هذا الدليل: أن نقض الوضوء بلمس فرج الآدمي قد ورد فيه نص بخلاف لمس فرج البهيمة2. والراجح قول جمهور العلماء، لأن لمس فرج البهيمة مما لم يرد النص على النقض به وقياسه على فرج الآدمي قياس مردود.