أحكام الصلاة على الجنازة في المسجد

ابن قُطْلُوْبَغَا

أحكام الصلاة على الجنازة في المسجد تصنيف الحافظ زين الدين قاسم بن قُطْلُوبُغَا الحَنَفِي المتوفى سنة 879 هـ حققه وعلق عليه أبو المنذر مَحْمُود بن مُحمَّدِ بن مُصْطَفَى المِنِياوِي عفا الله تعالى عنه وعن والديه

[مقدمة التحقيق]

بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}. أما بعد، .. فهذا جهد المقل في تحقيق مخطوط " أحكام الصلاة على الجنازة في المسجد " وهي ضمن سلسلة رسائل ألفها الحافظ قاسم بن قطلوبغا الحنفي - رحمه الله تعالى -. عملي في المخطوط: 1 - قمت بنسخ المخطوط. 2 - ترجمت لمعظم الأعلام الوارد أسماؤهم في الرسالة الذين ليس لهم شهرة كبيرة. 3 - التعريف ببعض الكتب التي ينقل عنها المؤلف. 4 - تخريج الأحاديث والآثار الواردة في الرسالة مع الحكم على أسانيدها ما أمكنني ذلك. حول المخطوط: جاءت هذه الرسالة في صدر مجموع فيه بضع وعشرين رسالة للحافظ ابن قطلوبغا. بيانات المخطوط (المجموع): اسم المؤلف: قاسم بن قطلوبغا الحنفي / ت 879 هـ.

عدد الأوراق: 123 ورقة بكل ورقة وجهان، ما عدا الأخيرة فهي وجه واحد وفيها خاتمة الرسالة الأخيرة والمجموع كامل ومكتوب بخط واضح، وتحتل رسالتنا موضوع التحقيق أقل من ثلاث ورقات فتبدأ من منتصف الوجه الأول من الورقة رقم 26، وتنتهي في السطر الأول من الوجه الثاني للورقة رقم 28 وتتمة الورقة بها رسالة في التراويح والوتر. وكل ورقة بها وجهان وبكل وجه من 29: 30 سطر، وبكل سطر ما لا يزيد على 13 كلمة. مصدر المخطوط: مكتبة برنستون نيوجيرسي أمريكا. رقم المخطوط: جاريت 3393. ملاحظة: بآخره رسالة: تعريف المسترشد في حكم الغراس في المسجد لابن أمير حاج حلبي. صور المخطوط: الوجه الأول للورقة الأولى:

الوجه الأول من الورقة الأخيرة:

تحقيق نسبة المخطوط للمؤلف

تحقيق نسبة المخطوط للمؤلف: والرسالة منسوبة لقاسم بن قُطْلُوبُغا، وهي ضمن سلسلة رسائله ومكتوب على طرتها اسمه بخط واضح لا طمس فيه، وقال قال ابن عابدين في حاشيته رد المحتار (2/ 224): (مطلب في كراهة صلاة الجنازة في المسجد: (قوله: وقيل تنزيها) رجحه المحقق ابن الهمام وأطال؛ ووافقه تلميذه العلامة ابن أمير حاج، وخالفه تلميذه الثاني الحافظ الزيني قاسم في فتواه برسالة خاصة، فرجح القول الأول لإطلاق المنع).

ترجمة المصنف

ترجمة المصنِّف (¬1): اسمه ونسبه ولقبه وكنيته: هو: قاسم بن قُطْلُوبُغا بن عبد الله السُّودوني، الجَمالي، المصري، الحنفي. لقبه: «زين الدين» أو «الزين»، وربما لُقِّبَ «الشَّرَف». كنيته: أبو العدل. ونسبته: السودوني، وهي نسبة لمُعتق أبيه سودون الشيخوني نائب السَّلْطنة في ذلك العصر. مولده ونشأته: ولد الحافظ ابن قطلوبغا في المحرم سنة اثنتين وثمانمائة بالقاهرة. ومات أبوه وهو صغير، فنشأ يتيماً، وحفظ القرآن وكتباً عرض بعضها على العز بن جماعة، وتكسب بالخياطة وقتاً، وبرع فيها. طلبه للعلم وشيوخه: -أقبل الحافظ ابن قطلوبغا على الاشتغال مبكراً، فسمع تجويد القرآن على «الزراتيتي». ¬

_ (¬1) وقد قمت بنسخ الترجمة التي أعدها الشيخ: شادي بن محمد بن سالم آل نعمان في صدر تحقيقه لكتاب "الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة" للمؤلف، وهذا توفيرا للوقت وللاستفادة من الجهود السابقة مع الأمانة العلمية في عزو الأقوال لقائليها، وقد عزا الترجمة للمصادر التالية: «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع»: (6/ 184 - 190، 223) و «البدر الطالع»: (2/ 45 - 47) و «شذرات الذهب»: (7/ 326) و «بدائع الزهور»: (3/ 67) و «عنوان الزمان»: (2/ 470) و «الفوائد البهية»: (ص99) و «فهرس الفهارس»: (2/ 972) و «الأعلام»: (5/ 180) و «معجم المؤلفين»: (2/ 648) و «هدية العارفين»: (1/ 830) و «معجم المطبوعات»: (1/ 216) و «تاريخ الأدب العربي»: (6/ 321).

- وبعض التفسير على «العلاء البخاري». - وأخذ علوم الحديث عن «التاج أحمد الفرغاني النعماني» قاضي بغداد، و «الحافظ ابن حجر». - والفقه وأصوله عن «السراج»، و «المجد الرومي»، و «النظام السيرامي»، و «العز عبد السلام البغدادي»، و «عبد اللطيف الكرماني»، و «العلاء البخاري»، و «الشرف السبكي». - وأصول الدين عن «العلاء»، و «البسطامي»، وكذا قرأ على «السعد بن الديري» في سنة اثنتين وثلاثين شرحه لـ «عقائد النسفي». - والفرائض والميقات عن «ناصر الدين البارنباري» وغيره، واستمد فيها وفي الحساب كثيراً بالسيد علي تلميذ ابن المجدي. - والعربية عن العلاء، والتاج، والمجد، والسبكي. - والصرف عن البسطامي. - والمعاني والبيان عن العلاء، والنظام، والبسطامي. - والمنطق عن السبكي. - وبعضهم في الأخذ عنه أكثر من بعض. - واشتدت عنايته بملازمة ابن الهمام بحيث سمع عليه غالب ما كان يقرأ عنده في هذه الفنون وغيرها، وذلك من سنة خمس وعشرين حتى مات، وكان معظم انتفاعه به ومما قرأه عليه الربع الأول من «شرحه للهداية» وقطعة من «توضيح صدر الشريعة» وجميع «المسايرة» من تأليفه. - وطلب الحديث بنفسه يسيراً فسمع على الحافظ ابن حجر، وابن الجزري، والشهاب الواسطي، والزين الزركشي، والشمس بن المصري، والبدر حسين البوصيري، وناصر الدين الفاقوسي، والتاج الشرابيشي، والتقي المقريزي، وعائشة الحنبلية، والطبقة. - ونظر في كتب الأدب ودواوين الشعر فحفظ منها شيئاً كثيراً.

رحلاته

رحلاته: - ارتحل الحافظ ابن قطلوبغا مع شيخه التاج النعماني إلى الشام بحيث أخذ عنه «جامع مسانيد أبي حنيفة» للخوارزمي، و «علوم الحديث» لابن الصلاح، وغيرهما، وأجاز له في سنة ثلاث وعشرين. - وكذا دخل إسكندرية وقرأ بها على الكمال بن خير، وقاسم التروجي. - وحَجَّ غير مرة. - وزار بيت المقدس. تصديه للتدريس والإفتاء، ونبذة عن تلاميذه: - تصدى الحافظ ابن قطلوبغا للتدريس والإفتاء قديماً. - وأخذ عنه الفضلاء في فنون كثيرة. - وأسمع من لفظه «جامع مسانيد أبي حنيفة» بمجلس الناصري ابن الظاهر جقمق، بروايته له عن التاج النعماني، عن محيي الدين أبي الحسن حيدرة بن أبي الفضائل محمد بن يحيى العباسي مدرس المستنصرية ببغداد سماعاً، عن صالح بن عبد الله بن الصباغ، عن أبي المؤيد محمد بن محمود بن محمد الخوارزمي مؤلفه. - وكان الناصري ممن أخذ عنه واختص بصحبته بل هو فقيه أخيه الملقب بعد بالمنصور. - وكذا قرئ الجامع المذكور ببيت المحب بن الشحنة وسمعه عليه هو وغيره وحمله الناس عنه قديماً وحديثاً. - وممن أخذ عنه السخاوي رحمه الله فقال عن نفسه: صحبته قديماً، وسمعت منه مع ولدي المسلسل بسماعه له على الواسطي، وكتبت عنه من نظمه وفوائده أشياء، بل قرأت عليه «شرح ألفية العراقي». - وممن كتب عنه من نظمه ونثره البقاعي. مكانته العلمية بين أبناء عصره: - عُرِفَ الحافظ ابن قطلوبغا بقوة الحافظة والذكاء وأشير إليه بالعلم، وأَذِنَ له غير واحد بالإفتاء والتدريس.

مؤلفاته

- ووصفه ابن الديري بالشيخ العالم الذكي. - والحافظ ابن حجر بالإمام العلامة المحدث الفقيه الحافظ. - ووصفه كذلك بالشيخ الفاضل المحدث الكامل الأوحد. - ووصفه الزين رضوان بقوله: من حُذَّاق الحنفية، كَتَب الفوائد واستفاد وأفاد. - وقال السخاوي: هو إمام، علامة، قوي المشاركة في فنون، ذاكر لكثير من الأدب ومتعلقاته، واسع الباع في استحضار مذهبه وكثير من زواياه وخباياه، متقدِّم في هذا الفن، طلق اللسان، قادر على المناظرة وإفحام الخصم، لكن حافظته أحسن من تحقيقه. - وقال السخاوي كذلك: قد انفرد عن علماء مذهبه الذين أدركناهم بالتقدم في هذا الفن، وصار بينهم من أجلة شأنه ... وقُصِدَ بالفتاوى في النوازل والمهمات فبلغوا باعتنائه بهم مقاصدهم غالباً؛ واشتهر بذلك. - وقال البقاعي: كان مفنناً في علوم كثيرة: الفقه، والحديث، والأصول، وغيرها، ولم يُخَلَّف بعده حنفياً مثله. ثم بالغ في أذيته بما ذكره السخاوي. إقباله على التأليف والتصنيف: أقبل الحافظ ابن قطلوبغا على التأليف من سنة عشرين وثمانمائة، أي عندما كان في الثامنة عشرة من عمره، وهلم جرا. مؤلفاته: برع الحافظ ابن قطلوبغا في علوم شتى وكانت له يد في التصنيف والتأليف في غالب الفنون، ورأيت أن أقتصر هنا على ذكر أهم مصنفاته الخاصة بعلم الرجال لأنبه على مدى اعتنائه بهذا الفن ونبوغه فيه: 1 - «الإيثار برجال معاني الآثار». 2 - رجال «الموطأ» لمحمد بن الحسن. 3 - رجال «الآثار» لمحمد بن الحسن. 4 - رجال «مسند أبي حنيفة» لابن المقري.

الوظائف التي تولاها

5 - ترتيب «الإرشاد» للخليلي، في مجلد. 6 - ترتيب «التمييز» للجوزقاني، في مجلد. 7 - ترتيب «أسئلة الحاكم» للدارقطني. 8 - من روى عن أبيه عن جده، في مجلد. 9 - الاهتمام الكلي بإصلاح ثقات العجلي، في مجلد. 10 - زوائد رجال «الموطأ» على الكتب الستة. 11 - زوائد رجال «مسند الشافعي» على الكتب الستة. 12 - زوائد رجال «سنن الدارقطني» على الكتب الستة. 13 - الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة، وهو الذي بين يديك. 14 - تقويم «اللسان في الضعفاء»، في مجلدين. 15 - حاشية على «المشتبه» للحافظ ابن حجر. 16 - حاشية على «التقريب» للحافظ ابن حجر. 17 - تاج التراجم. الوظائف التي تولاها: لم يَلِ الحافظ ابن قطلوبغا مع انتشار ذكره وظيفة تناسبه بل كان في غالب عمره أحد صوفية الأشرفة، إلى أن استقر في تدريس الحديث بقبة البيبرسية. المؤاخذات عليه: وصف السخاويُّ الحافظ ابن قطلوبغا بأنه مغرم بالانتقاد ولو لمشايخه حتى بالأشياء الواضحة، والإكثار من ذكر ما يكون من هذا القبيل بحضرة كل أحد ترويجاً لكلامه بذلك، كثير الطرح لأمور مشكلة يمتحن بها وقد لا يكون عنده جوابها، ولهذا كان بعضهم يقول: إن كلامه أوسع من علمه، قال السخاوي: أما أنا فأزيد على ذلك بأن كلامه أحسن من قلمه.

صفاته الخلقية

صفاته الخُلُقية: وصف السخاويُّ الحافظَ ابن قطلوبغا بأنه كان غاية في التواضع، وطَرْح التكلف وصفاء الخاطر جداً، وحُسْن المحاضرة، لا سيما في الأشياء التي يحفظها، وعدم اليبس والصلابة، والرغبة في المذاكرة للعلم، وإثارة الفائدة، والاقتباس ممن دونه مما لعله لم يكن أتقنه. وقال السخاوي: ربما تفقده الأعيان من الملوك والأمراء ونحوهم فلا يدبر نفسه في الارتفاق بذلك بل يسارع إلى إنفاقه ثم يعود لحالته وهكذا مع كثرة عياله وتكرر تزويجه، وبالجملة فهو مقصر في شأنه. وذكر أنه لما عُرض عليه السكن بقاعة مشيخة المؤيدية لضيق منزله وارتفاعه لم يقبل. نظمه: مما نظمه الحافظ ابن قطلوبغا رداً لقول القائل: إن كنت كاذبة التي حدثتني ... فعليك إثم أبي حنيفة أو زُفَر الواثبين على القياس تمرداً ... والراغبين عن التمسك بالأثر فقال: كذب الذي سب المآثم للذي ... قاس المسائل بالكتاب وبالأثر إن الكتاب وسُنَّةَ المختار قد ... دلَّا عليه فدع مقالة من فشر مرضه ووفاته: تَعَلَّلَ الحافظ ابن قطلوبغا مدة طويلة بمرض حاد وبعسر التبول والحصاة وغير ذلك، وتنقل لعدة أماكن إلى أن تحول قبيل موته بيسير بقاعة بحارة الديلم بالقاهرة، فلم يلبث أن مات فيها في ليلة الخميس رابع ربيع الآخر سنة (879هـ). وصُليَ عليه من الغد تجاه جامع المارداني في مشهد حافل، ودفن على باب المشهد المنسوب لعقبة عند أبويه وأولاده، وتأسف الناس على فقده.

النص المحقق

النص المحقق: قال - رحمه الله -: [ق 26/أ] قد ظن بعض الناس من صلاة شيخ الإسلام سعد الدين الديري (¬1) على إبراهيم بن الجيهان في الجامع الأزهر أنه لا كراهة لذلك عندنا وأنه لا معنى لتركه لذلك وصلاتي على بعض الناس في الرحاب فسألني فقلت: المنقول المنع، قال: قال الإمام محمد بن الحسن (¬2) في موطئه (¬3): لا يصلى على جنازة في مسجد، وقال الإمام الطحاوي (¬4) في معاني الآثار: النهي ¬

_ (¬1) هو: سعد بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي بكر بن مصلح، أبو السعادات، المكنى سعد الدين، النابلسي الأصل، المقدسي الحنفي، نزيل القاهرة، ويعرف بابن الديري: نسبة لمكان بمردا جبل نابلس أو الدير الذي بحارة المرادويين من بيت المقدس، شيخ الْمَذْهَب العالم الكبير وحامل لواء التفسير، ولد في القدس عام 768 هـ، وانتقل إلى مصر، فولي فيها قضاة الحنيفة سنة 842هـ واستمر 25 سنة. ضعف بصره، فاعتزل القضاء. وتوفي بمصر عام 867 هـ. له كتاب الحبس في التهمة، والسهام المارقة في كبد الزنادقة، وتكملة شرح الهداية للسروجي، ولم يكمله، وشرح العقائد المنسوبة للنسفي، والنعمانية منظومة طويلة، فيها فوائد نثرية، وغير ذلك، وترجمته في المنهل الصافي (5/ 387)، الضوء اللامع (3/ 249) (939)، نظم العقيان (1/ 115) (86)، الأعلام (3/ 87)، معجم المؤلفين (4/ 213). (¬2) هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني , والشيباني نسبة إلى قبيلة شيبان وكنيته أبو عبد الله، فقيه حنفي, أصولي , نحوي فصيح , ويعده الحنفية من طبقة المجتهدين في المذهب، ولد في 132 هـ في مدينة واسط (في العراق)، ومن أهم مصنفاته: الأصل (ويعرف بالمبسوط في الفروع) , الجامع الكبير (جمع فيه أهم مسائل في الفقه) , الحجة على أهل المدينة , الأمالي , السِّيَر الكبير، توفي في 189 هـ في مدينة الري، وانظر ترجمته في الجواهر المضية (2/ 42)، تاج التراجم (ص/237). (¬3) قال حاجي خليفة في "كشف الظنون" (2/ 1908): (وللإمام: محمد بن الحسن الشيباني: (موطأ)، كتب فيه: على مذهبه، رواية عن الإمام مالك، وأجاب ما خالف مذهبه). (¬4) هو أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري الطحاوي الحنفي وكنيته أبو جعفر ولقب بالطحاوي نسبة إلى قريته طَحَا (من صعيد مصر)، ولد في 239هـ، وقد برز في علم الحديث والفقه، ويعده الحنفية من طبقة المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب. ومن أهم مصنفاته: شرح معاني الآثار، مشكل الآثار، اختلاف العلماء، أحكام القرآن، الشروط (الكبير - الأوسط - الصغير)، المختصر في الفقه، النوادر الفقهية وله كتاب في الفرائض، وتوفي في321 هـ ودفن بالقاهرة، وترجمته في طبقات الفقهاء (1/ 148)، الجواهر المضية (1/ 102)، الطبقات السنية (ص/136)، تاج التراجم (ص/100).

عن الصلاة في المسجد وكراهتها هو قول أبي حنيفة ومحمد، وهو قول أبي يوسف أيضا غير أن أصحاب الإملاء رووا عنه أنه قال: إذا كان مسجد أفرد للصلاة على الجنازة فيه يصلى على الجنازة فيه فلا بأس أن (¬1). وقول صاحب الهداية (¬2) في مختارات النوازل: ولا يصلى صلاة الجنازة في مسجد يصلى فيه الجماعة عندنا للحدث (¬3) وسواء كان الميت في المسجد، أو خارجا منه في ظاهر الرواية، وفي رواية: إذا كان ¬

_ (¬1) كذا بالأصل وتمامها كما هو مفهوم من عبارة الطحاوي المنقولة بتصرف: (أن يصلى على الجنائز فيه). (¬2) هو علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، أبو الحسن برهان الدين: من أكابر فقهاء الحنفية نسبته إلى مرغينان (من نواحي فرغانة) كان حافظا مفسرا محققا أديبا، من المجتهدين ولد عام 530 هـ، وتوفي 593 هـ. من تصانيفه: بداية المبتدى، وشرحه: الهداية في شرح البداية، منتقى الفروع، الفرائض، مناسك الحج، مختارات النوازل، وغيرها وله ترجمة في تاج التراجم (ص/206) (164)، الأعلام (4/ 266)، تاريخ الإسلام (12/ 1002) (140)، وغيرها. (¬3) كذا بالأصل، والصواب: "للحديث ".

الميت خارج المسجد لا يكره، وقال في المحيط (¬1): وتركه صلاة الجنازة في المسجد خلافا للشافعي، والصحيح قولنا لما روي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى على الجنازة في المسجد فلا [ق26 /ب] شيء له) (¬2) ولأن تنزيه المسجد واجب وفي إدخال المسجد الميت احتمال وقوع النجاسة فيه فيكره كما يكره إدخال الصبي والمجنون المسجد (¬3)؛ لأنه لا يؤمن من تلويث المسجد فكذا هذا، ولو وضعت الجنازة خارج المسجد والإمام خارج المسجد ومعه صف والباقي في المسجد، اختلفوا فيه فقيل: لا تكره الصلاة عليه، وهكذا روي عن أبي يوسف في النوازل أنه ليس له فيه احتمال تلويث المسجد، وقيل يكره؛ لأن المسجد أعد لأداء المكتوبات (¬4) فلا يقام فيه غيرها قصدا إلا بعذر، وقال في شرح ¬

_ (¬1) قال الشيخ عفانة في هامش "بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود" (ص: 78): (المحيط يطلق على كتابين عند الحنفية: أولهما المحيط البرهاني للإمام برهان الدين محمود بن أحمد صاحب كتاب الذخيرة المذكور سابقاً، وقد جمع فيه مسائل المبسوط والجامعين والسير والزيادات وألحق به مسائل النوادر والفتاوى والواقعات وهو كتاب معتبر عند الحنفية وإذا أطلق المحيط في كتب الحنفية فالأرجح أنه ينصرف إليه. وثانيهما محيط السرخسي وهو شمس الأئمة محمد بن أحمد بن سهل المتوفى سنة 483 هـ، انظر كشف الظنون 2/ 511، الفوائد البهية ص 336). (¬2) ضعيف - رواه أبو داود في "سننه" (3/ 204) (3191)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 486) (1517)، وأحمد في "مسنده" (2/ 444، 445، 505)، والطيالسي في "مسنده" (ص304) (2310)، وابن الجعد في "مسنده" (ص404) (2751، 2752)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 492)، والبيهقي في "سننه الكبرى" (4/ 52) وغيرهم من طريق ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - به. وصالح اختلط وابن أبي ذئب أثبت الأكثرون روايته عنه قبل اختلاطه، والبعض روايته عنه بعد اختلاطه فيكون قد سمع منه قبل وبعد الاختلاط، كما أن الحديث ورد بلفظ " فلا شيء عليه " وبلفظ: "فلا شيء له " كما أنه مخالف لحديث مسلم من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء داخل المسجد، وعلى فرض ثبوته فقد ذهب بعض العلماء إلى أنه منسوخ، والبعض أنه على نفى الكمال، وهو الأولى. (¬3) يشير إلى حديث «جنبوا مساجدكم صبيانكم، ومجانينكم ... » وسيأتي تخريجه. (¬4) والتطوع تبع للمكتوبة، فيلحق بها.

القدوري المسمى بِالْمُضْمَرَاتِ (¬1) في قوله: ولا يصلى على ميت في مسجد جماعة: يكره أن يصلى على الميت في المسجد سواء كانت الجنازة في المسجد أو هي خارج المسجد والإمام في المسجد، وفي النسفية (¬2): سئل عن صلاة الجنازة وهي خارج والناس في المسجد هل يكره، فقال: كان المشايخ أهل سمرقند لا يكرهون ذلك ويصلون في المسجد والجنازة على باب المسجد حتى ورد عليهم السيد أبو شجاع فرأى منهم ذلك فقال: ما لكم تصلون على الجنازة في المسجد، قالوا: إن مشايخنا أجازوا ذلك، قال: قد يقدمهم مشايخ أخر لم يجوزوه، قالوا: ومن هم، قال إمام الأئمة أبو حنيفة ومن تبعه ونصوا على كراهة ذلك في كتبهم فاتفقوا على أن بنوا وراء المقصورة سقيفة بوضع الميت فيها وصفوف من الناس في هذه السقيفة ثم يتصل منه الصفوف التي في الجامع، قال: فالحاصل أن إدخال الجنازة في المسجد والصلاة عليها في المسجد مكروه عندنا، وفي وضع الجنازة على باب المسجد والإمام والقوم في المسجد اختلاف المشايخ ووضع الجنازة خارج المسجد وقيام الناس معه خارج المسجد ثم اتصال الصفوف بهم غير مكروه، وأما الحجاج فقال محمد في الموطأ ثنا مالك ثنا نافع عن ابن عمر أنه ما صلى على عمر إلا في المسجد (¬3) وقال محمد: لا يصلى على جنازة [في المسجد] (¬4)، وكذلك بلغنا عن أبي هريرة (¬5) وموضع الجنازة بالمدينة خارج المسجد، وهو الموضع ¬

_ (¬1) قال الشيخ عفانة في حاشية "بذل المجهود" (ص: 82): (ويسمى جامع المضمرات والمشكلات ليوسف بن عمر بن يوسف الصوفي الكادروي المعروف بنبيرة عمر بزار المتوفى سنة 832 هـ وهو شرح على مختصر القدوري في فروع الحنفية وهو جامع للتفاريع الكثيرة حاوٍ على المسائل الغزيرة، انظر كشف الظنون 2/ 522، الفوائد البهية ص 380). (¬2) لعله يشير إلى: "الفتاوى النسفية" لنجم الدين: عمر بن محمد النسفي، الشهير: بعلامة سمرقند، صاحب: (المنظومة) المتوفى: سنة 537، سبع وثلاثين وخمسمائة. وهي: فتاواه التي أجاب بها عن جميع ما سئل عنه في أيامه، دون ما جمعه لغيره. كما في كشف الظنون (2/ 1230). (¬3) صحيح - أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 111 - رواية الشيباني) (314)، ومن طريق مالك أخرجه جماعة منهم: عبد الرزاق ي "المصنف" (3/ 526) (6577)، وابن الأعرابي في "معجمه" (2/ 630) (1245)، والبيهقي في "معرفة السنن" (5/ 318) (7682) ورواته ثقات. (¬4) زيادة من موطأ الشيباني. (¬5) يشير للحديث الذي سبق تخريجه وهو: «من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له».

الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم [ق 27 /أ] يصلى على الجنازة فيه (¬1)، فأفاد أن عمل النبي صلى الله عليه وسلم كان على خلاف ما وقع في الصلاة على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فيحمل على العذر، وبه قال في المحيط، ولفظه: فلا يقام فيه - أي المسجد - غيرها - أي غير الصلاة - تعبدا إلا لعذر وهذا تأويل حديث عمر أنه لما قتل صلى عليه في المسجد كأنه كان لعذر وهو خوف الفتنة والصد عن الدفن عند النبي صلى الله عليه وسلم، وروى الإمام الطحاوي عن عائشة أنها لما توفي سعد بن أبي وقاص قالت: أدخلوا به المسجد حتى أصلي عليه فأنكر ذلك الناس عليها فقالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء في المسجد " (¬2) قال: فذهب قوم إلى هذا ¬

_ (¬1) قال الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز: (ص/106): (وفي ذلك أحاديث: الأول: عن ابن عمر رضي الله عنه: " أن اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل منهم، وامرأة زنيا، فأمر بهما فرجما، قريبا من موضع الجنائز عند المسجد ". الثاني: عن جابر قال: " مات رجل منا، فغسلناه .. ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل، ثم آذنا رسول الله بالصلاة عليه فجاء معنا ... فصلى عليه .. ". الثالث: عن محمد بن عبد الله بن جحش، قال: " كنا جلوس بفناء المسجد حيث توضع الجنائز ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهرانينا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره إلى السماء .. أخرجه أحمد (5/ 289) والحاكم (2/ 24) وقال: " صحيح الاسناد "ووافقه الذهبي في " تلخيصه " وأقره المنذري في " ترغيبه " (3/ 34)، وفيه أبو كثير مولى محمد بن جحش، أورده ابن أبي حاتم (4/ 2 / 429 430) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكذلك قال الهيثمي في " المجمع " (4/ 127): " مستور " ولم يورده ابن حبان في " الثقات " ومع ذلك فقد قال فيه الحافظ في " التقريب " " ثقة "! وذكر في " التهذيب " انه روى عنه جماعة من الثقات وأنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فمثله، " حسن الحديث إن شاء الله تعالى، لاسيما في الشواهد. الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلى، فصف بهم وكبر أربعا " .. أخرجه الشيخان وغيرهما بألفاظ وزيادات كثيرة ... ). (¬2) صحيح - أخرجه الطحاوي في " المعاني" (1/ 492) (2819)، وأصله في صحيح مسلم (2/ 668) (973).

الحديث فقالوا: لا بأس بالصلاة على الجنازة في المساجد، واحتجوا أيضا بما روي عن ابن عمر أن عمر صلى عليه في المسجد (¬1)، وخالفهم في ذلك آخرون فكرهوا الصلاة على الجنائز في المساجد، واحتجوا بما حدثنا .. إلخ (¬2) فروى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صلى على جنازة في مسجد فلا شيء له" (¬3)، قال: فلما اختلفت الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب نظرنا في ذلك لنعلم المتأخر من الحديثين فنجعله ناسخا للمتقدم منهما، فوجدنا حديث عائشة دليلا على أنهم كانوا تركوا الصلاة على الجنائز في المسجد بعد أن كانت تفعل فيه وارتفع ذلك من فعلهم، وذهب معرفته عن عائشة فلم يكن ذلك عندها لكراهية حدثت بل كان الأمر عندها على أنهم كانوا يصلون عليها في المسجد لو شاءوا، لذلك أمرت به حتى أنكر ذلك الناس عليها وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلمهم بما غاب عنها فبان بذلك أن الإباحة للصلاة عليها في المسجد هي المتقدمة على ما في حديث عائشة من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهل بن البيضاء في المسجد وأن الترك للصلاة عليها في المسجد هو المتأخر عن ذلك [ق 27 / ب] على ما في حديث أبي هريرة وأن حديث أبي هريرة ناسخ لحديث عائشة (¬4)، وهذا الذي ذكرناه من النهي عن ¬

_ (¬1) سبق تخريجه. (¬2) مكان النقط إسناد الطحاوي وحذفها الماتن. (¬3) سبق تخريجه. (¬4) وعكس الأمر ابن شاهين فقال في " ناسخ الحديث ومنسوخه " (ص: 305): (حدثنا أحمد بن سليمان، قال: نا عبد الله بن أحمد، قال: سألت أبي عن حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له» فقال كأنه عنده ليس بثبت أو ليس بصحيح. فإن صح حديث ابن أبي ذئب فهو منسوخ بحديث سهيل بن بيضاء والدليل على ذلك الصلاة على أبي بكر وعمر في المسجد فلو ثبت الحديث ما صلى أحد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد) ونحوه قول البيهقي حيث قال في "معرفة السنن" (5/ 318): (ولو كان عند أبي هريرة نسخ ما روته عائشة لذكره يوم صلى على أبي بكر الصديق رضي الله عنه في المسجد، أو يوم صلى على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المسجد، ولذكره من أنكر على عائشة أمرها بإدخاله المسجد، أو ذكره أبو هريرة حين روت فيه الخبر". وإنما أنكره من لم يكن له معرفة بالجواز، فلما روت فيه الخبر سكتوا ولم ينكروه ولا عارضوه بغيره"). والأمر من الطرفين لا يعدو كونه احتمالا لا يقوى على ثبوت النسخ، فالأولى على فرض صحة حديث الباب حمل النهي على الكراهة، والفعل على الجواز إعمالا لكلا الدليلين.

الصلاة على الجنائز في المسجد وكراهيتها هو قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبي يوسف أيضا غير أن أصحاب الإملاء رووا عنه أنه قال: إذا كان مسجد قد أفرد للصلاة على الجنائز فلا بأس أن يصلى على الجنائز فيه انتهى. وما نقله عن أبي يوسف قال في المحيط: اختلفوا هل له حكم المسجد، والصحيح أنه ليس بمسجد؛ لأنه (¬1) ما أعد للصلاة حقيقة؛ لأن صلاة الجنازة ليست بصلاة حقيقة، ولهذا يجوز إدخاله الميت فيه وحاجة الناس ماسة إلى أنه لم يكن مسجدا توسعة للأمر عليهم. انتهى. وقال الإمام أبو الحسين القدوري (¬2) في التجريد: قال أصحابنا: تكره الصلاة على الموتى في مسجد الجماعة، وقال الشافعي: يجوز. لنا حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى على ميت في المسجد فلا شيء له" ذكره أبو داود (¬3)، قلت: ورواه عن ابن أبي شيبة بلفظ: "من صلى على جنازة في المسجد فلا صلاة له" (¬4)، قال (¬5): وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ¬

_ (¬1) وبالأصل بدون هاء وهي زيادة يقتضيها السياق. (¬2) هو أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان، أبو الحسين، بن أبي بكر القدوري، البغدادي، صاحب "المختصر". ولد سنة اثنتين وستين وثلاثمائة. انتهت إليه رئاسة الحنفية بالعراق. وعظم عندهم قدره، وارتفع جاهه. وكان حسن العبارة في النظر، جريئاً بلسانه مديما لتلاوة القرآن. صنف "المختصر" وشرح "مختصر" الكرخي. وصنف كتاب "التجريد" في سبعة أسفار، يشتمل على الخلاف بين الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه؛ شرع في إملائه سنة خمس وأربعمائة. وكتاب "التقريب" في مسائل الخلاف بين أبي حنيفة وأصحابه مجردا عن الدلائل. ثم صنَّف "التقريب" الثاني فذكر المسائل بأدلتها. وله "جزء حديثي"، ومات ببغداد في يوم الأحد منتصف رجب سنة ثمان وعشرين وأربعمائة. وترجمته في الطبقات السنية (ص/127) (294)، تاج التراجم (ص/98) (19)، الجواهر المضية (1/ 93) (180). (¬3) ولفظ أبي داود " فلا شيء عليه" وظاهره ينافي مقصودهم، وقال ابن القيم في "الزاد" (1/ 483): (وتأولت طائفة معنى قوله: (فلا شيء له) أي فلا شيء عليه؛ ليتحد معنى اللفظين، ولا يتناقضان كما قال تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7]، أي: فعليها)، وقد ذهب الشيخ الألباني - رحمه الله - وهو ممن يثبتون حديث الباب إلى تضعيف لفظ (عليه) والصواب كما ذكرنا آنفا ضعف الحديث مطلقا. (¬4) ولفظه عند ابن أبي شيبة نقلا عن مصنفه: «من صلى على جنازة في المسجد، فلا شيء له». (¬5) والقائل هو صالح مولى التوأمة كما جاء مصرحا به في رواية الطيالسي، والبيهقي، ولفظ البيهقي: (قال صالح: فرأيت الجنازة توضع في المسجد فرأيت أبا هريرة إذا لم يجد موضعا إلا في المسجد انصرف ولم يصل عليها) وصالح قد سبق بيان اختلاطه، وأن ابن أبي ذئب روى عنه قبل الاختلاط وبعده فلا تقبل روايته.

ضاق بهم المكان رجعوا ولم يصلوا، وسيأتي له لفظ آخر والله أعلم، قال: ولا يقال أنه متروك الظاهر لأننا اجتمعنا على استحقاقه الثواب بسقوط الفرض؛ لأن الفرض وإن سقط فيجوز أن لا يحصل له الثواب وسقوط الفرض لا يوصف أنه له من غير فوات (¬1)، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نعى النجاشي إلى أصحابه خرج فصلى عليه في المصلى (¬2)، ولو كان تجوز الصلاة في المسجد لم يكن للخروج معنى ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم " (¬3) وكان المعنى فيه أنه لا يؤمن تلويث المسجد منهم، وهذا موجود في الميت، ولأن الناس أفردوا للجنائز مسجدا في سائر الأعصار ولو جاز في المسجد لم يكن الإفراد (¬4) موضع لها معنى واحتجوا بأن عائشة لما مات سعد بن أبي وقاص قالت: ادخلوه المسجد لأصلي عليه فأنكر عليها ذلك فقالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل [ق28/أ] بن البيضاء إلا في المسجد" (¬5)، ¬

_ (¬1) كذا بالأصل، والصواب: "ثواب". (¬2) صحيح - البخاري (2/ 72) (1245)، ومسلم (2/ 656) (951) من طريق ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه خرج إلى المصلى، فصف بهم وكبر أربعا» واللفظ للبخاري. (¬3) ضعيف جدا - رواه ابن ماجة ـ كتاب المساجد والجماعات، باب ما يكره في المساجد (1/ 247) (750)، وقال البوصيري في " الزوائد ": "إسناده ضعيف، فإن الحارث بن بنهان متفق على ضعفه"، ورواه الطبراني في " معجمه الكبير " (8/ 132) (7601)، (22/ 57) (136) من طريق أبي مكحول، عن واثلة بن الأسقع، به. وقال الحافظ في " التلخيص " (4/ 188): "وقال ابن الجوزي: إنه حديث لا يصح، ورواه البزار من حديث ابن مسعود، وقال: ليس له أصل من حديثه، وله طريق أخرى عن أبي هريرة واهية". (¬4) كذا بالأصل، والموافق للسياق حذف الألف (لإفراد). (¬5) سبق تخريجه.

والجواب: أن إنكارهم دل على أن الظاهر في الشرع خلاف ذلك، ولأنهم لا ينكرون ما يسوغ فيه الاجتهاد. وقولها: "ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابن البيضاء إلا في المسجد" دلالة عليهم لأنه لو كان يجوز ذلك لصلى على جميع الناس ولم يخصه، ولم نخصه بابن البيضاء، ولأنه يجوز أن يكون صلى عليه لعذر من مطر أو غيره ويجوز أن تكون الجنازة وضعت خارج المسجد وصلى عليه في المسجد فظنت عائشة أن الناس أنكروا عيها فعل الصلاة، وما روى عن عمر (¬1) أنه صلى على أبي بكر في المسجد (¬2)، وصلى صهيب على عمر في المسجد (¬3) يجوز أن يكون في مسجد الجنازة، قلت: وربما يقوي هذا أنها رضي الله عنها لم تحتج عليهم بفعلهم في عمر فإن وفاته سنة ثلاثة وعشرين ووفاة سعد خمس وخمسين، أو ست، أو سبع، قال: ولأنه لا يثبت به إجماع مع إنكار من أنكر على عائشة، قالوا: صلاة شرعية فلم يكره فعلها في المسجد كسائر الصلوات؟ قلنا: نقول بموجبه؛ لأن الصلاة لا تكره عندنا، وإنما يكره إدخال الميت، ولأن سائر الصلوات يؤمن فيها تلويث المسجد وتبطل بصلاة المستحاضة ومن به سلس البول، قالوا: المسجد أنظف من غيره من البقاع وكانت الصلوات فيه أفضل، قلنا: من أصلكم أن صلاة الاستسقاء والعيدين في غير المسجد أفضل، وإن كان المسجد أفضل البقاع انتهى. فإن قيل: قال شرف الأئمة العقيلي: إن الصلاة على الجنازة في المسجد مكروه كراهة تنزيه، قلت: الأظهر قول شرف الأئمة المكي أنها كراهة تحريم لما سمعت من قول محمد فإن أسلوبه في إطلاق المنع لذلك ومما سمعت من نسخ الإباحة، وظواهر ¬

_ (¬1) لم أقف عليه، ولعل الصواب عروة. (¬2) إسناده ضعيف - أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (3/ 526) (6576)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/ 44) (11967)، وابن المنذر في "الأوسط" (5/ 415) (3114، 3115) من طريق هشام بن عروة عن أبيه، قال: «ما صلي على أبي بكر إلا في المسجد». وهذا إسناد منقطع؛ لأن عروة ولد في أوائل خلافة عثمان ولم يدرك أبا بكر. (¬3) صحيح - أخرجه الحاكم في "المستدرك" (3/ 99) (4516)، والبيهقي في "الكبرى" (4/ 86) من طريق سليمان بن حرب، ثنا وهيب، ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، «أن عمر صلي عليه في المسجد صلى عليه صهيب رضي الله عنه» ورواته ثقات.

الاستدلال قد روى الطيالسي حدثنا ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة قال: أدركت رجالا ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر إذا جاءوا فلم يجدوا إلا أن يصلون في المسجد رجعوا فلم يصلوا (¬1)، والله أعلم. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه.

§1/1