أحكام التيمم دراسة فقهية مقارنة
رائد بن حمدان الحازمي
رسالة ماجستير أحكام التيمم دراسة فقهية مقارنة إعداد رائد بن حمدان بن حميد الحازمي تقديم فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن سليمان المنيع دار الصميعي للنشر والتوزيع
ح دار الصميعي للنشر والتوزيع 1430 هـ فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثنناء النشر الحازمي، رائد حمدان أحكام التيمم دراسة فقهية مقارنة/ رائد حمدان الحازمي - الرياض، 1430 هـ 754 ص 17 × 24 سم ردمك: 6 - 02 - 8050 - 603 - 978 1 - التيمم 2 - الطهارة أ. العنوان ديوي: 16، 252 ... 3715/ 1430 رقم الإيداع: 3715/ 1430 ردمك: 6 - 02 - 8050 - 603 - 978 دار الصميعي للنشر والتوزيع/ المملكة العربية السعودية الرياض ص. ب: 4967 الرمز البريدي 11412 المركز الرئيسي: الرياض. السويدي - شارع السويدي العام هاتف: 4262945 - 4251459، فاكس: 4245341 فرع القصيم: عنيزة - بجوار مؤسسة الشيخ محمد بن عثيمين الخيرية هاتف. 3631728 تلفاكس: 3624428 الموزع في المنطقة الغربية والجنوبية / جوال 0509771568 مدير التسويق 0555169051 البريد الالكتروني: [email protected] جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1432 هـ / 2011 م الصف والإخراج الفني بدار الصميعي أصل هذا الكتاب رسالة علمية مقدمة إلى مركز الدراسات الإسلامية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة؛ لنيل درجة الماجستير. وقد نال بها المؤلف درجة الامتياز 97 درجة مع مرتبة الشرف الأولى، إثر مناقشة علمية تمت بتاريخ 6/ 6/ 1429 هـ.
مقدمة صاحب المعالي فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن سليمان المنيع -حفظه الله ورعاه- عضو هيئة كبار العلماء
مقدمة صاحب المعالي فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن سليمان المنيع -حفظه الله ورعاه- عضو هيئة كبار العلماء الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على رسول الله الأمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد: فلقد مَنَّ الله عليّ بالإطلاع على الكتاب القيم -أحكام التيمم دراسة فقهية مقارنة- وهو بحث مقدم من الطالب رائد بن حمدان الحازمي للحصول به على درجة الماجستير. قرأت البحث فأكبرت فيه أن يكون بحثا لنيل الماجستير فهو بحث علمي فقهي مؤصل تأصيل فقيه متميز وعالم له هواجسه العلمية المبنية على التمكن من إدراك المقاصد الشرعية في القواعد والأصول. يتضح ذلك من عرضه المسائل في المباحث والمطالب أمانته في نقل الخلاف في المسألة وقدرته على مناقشته الأقوال فيها ثم الاختيار. فهو بحث تعجز الكثير من بحوث درجات الدكتوراه أن تأتي بمثله. وحينما قدمه لي صاحبه الأستاذ/ رائد وهو يحتوي على قرابة ستمائة صفحة استكثرت واستغربت أن يكون للتيمم هذه الكثرة الكاثرة من الأحكام وحينما انتهيت من قراءته وقد استفدت منه كثيراً رددت قول الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.
والواقع أن البحث ليس في حاجة إلى تزكيتي فقد صدرت تزكية البحث من اللجنة المشكلة لمناقشته والوصية بطبعه فهنيئاً لجامعة أم القرى أن يكون هذا البحث من بحوث طلابها وهنيئاً لمعده أن يكون في عداد أهل العلم وفي عداد المحققين منهم والله المستعان وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أعد هذا التقديم/ عبد الله سليمان المنيع 27/ 5/ 1430 هـ عضو هيئة كبار العلماء
المقدمة
المقدمة الحمد لله الذي شرَّف العلماء، فقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، وفضل الفقهاء، فقال: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122]، وخصَّ المستنبطين منهم، فقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7]، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان الدائمان على سيدنا ونبينا محمد إمام المتقين، المبعوث رحمة للعالمين، وخاتمًا للأنبياء والمرسلين، القائل: «من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين» (¬1)، وعلى آله الطيبين الطاهرين، ورضي الله تعالى عن صحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان وسار على هديهم وسنَنَهم إلى يوم الدين. أما بعد: فإن الشريعة الإسلامية تمتاز باليسر والسماحة ورفع الحرج عن الناس، حيث راعت أحوال الناس، ولم تغفل أي جانب من جوانب حياتهم، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن هذا ¬
الدين يُسر، ولن يُشادّ الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا» (¬1)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما بعثتم مبشِّرين، ولم تبعثوا معسِّرين» (¬2)، فالتيسير مطلب أساسي ومبدأ رئيسي في الفقه الإسلامي، والشارع الحكيم يراعيه ويعتني به في جميع أحكامه، فلا يمكن أن يضع المكلف في حرج ومشقة، قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. ومن مظاهر التيسير في الفقه الإسلامي مشروعية التيمم، حيث إن المسلم مطالب في الأصل بالطهارة بالماء من الحدث الأصغر والأكبر، فإذا تعذر التطهر به حقيقة أو حكمًا، وجب التطهر بالتراب الطهور، وفي هذا تكريم لأمة الإسلام، إذ لم تكرم أمة به غير هذه الأمة. ولما كان التيمم من خصائص هذه الأمة، وأحد مظاهر التخفيف ورفع الحرج في الشريعة الإسلامية، أحببت أن أتقدم فيه ببحث يتضمن ما يتعلق به من المسائل والأحكام في رسالة علمية بعنوان: (أحكام التيمم، دراسة فقهية مقارنة)، إكمالاً لنيل درجة الماجستير، راجيًا من الله سبحانه وتعالى أن أكون بدراسته قد قدمت مفيدًا، وأضفت جديدًا. ¬
أـ أهمية الموضوع وأسباب اختياره
أـ أهمية الموضوع وأسباب اختياره: 1ـ كون التيمم مرتبط بشعيرة عظيمة من أركان الإسلام، وهي: الصلاة عمود الدين، فاستحق أن يُهتَم به ويُعْتَنى بأحكامه. 2ـ كون التيمم من خصائص أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. 3ـ بيان عظمة الشريعة الإسلامية، ومدى مراعاتها لأحوال الناس حيث أباحث لهم التيمم عند وجود أي سبب من الأسباب الموجبة للتيمم، وفي هذا دليل واضح على سمو الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان. 4ـ حاجة المسلمين لمعرفة الأحكام الفقهية المتعلقة بهذا الموضوع، المبني على أساس من كتاب الله، وصحيح السنة؛ ليعبد الإنسان ربه على بصيرة. 5ـ الحاجة لجمع أحكام التيمم في مصنف يجمع مباحثه ومسائله، لاسيما وأن الناس قد يتضررون باستعمال الماء، إما لمرض، أو لشدة برد ولا يجد ما يسخِّن به الماء، أو لعدم وجوده، أو ما أشبه ذلك، فاستحق بذلك أن يجمع شتات مسائله، ودراستها دراسة فقهية متكاملة ليسهل الرجوع إليه، والاستفادة منه. 6ـ الحاجة الماسة إلى صياغة مسائل هذا الموضوع بلسان العصر، وبيان الراجح في تلك المسائل، بأسلوب سهل وميسر، وخاصة أن الأسلوب الفقهي في تلك المراجع الفقهية الثمينة قد لا يستطيع استيعابه كثير من الناس لاسيما غير المتخصصين.
ب ـ الدراسات السابقة
ب ـ الدراسات السابقة: بعد البحث والمتابعة ومن خلال مراسلتي لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض وبعض الجامعات، اتضح لي أنه لا توجد رسالة جامعية في هذا الموضوع، كما لم أطلع على من بحث في هذا الموضوع بحثًا فقهيًا مقارنًا بصورة متكاملة، وإنما وجدت كتابًا لأحد المعاصرين قد كتب في هذا الموضوع، وهو للدكتور: مساعد بن قاسم الفالح، بعنوان [التيمم أحكامه ومسائله]، وهو كتاب جيد، ويقع في (143) ورقة من الحجم العاديِّ، ولكن يلاحظ على هذا الكتاب ما يلي: 1ـ عدم بحث موضوع التيمم من جميع جوانبه، بل ترك الباحث كثيرًا من المسائل الفقهية التي بحثها الفقهاء، وقد أحصيت نحوًا من مائة مسألة قد ذكرتها في رسالتي، ولم يتناولها في كتابه. 2ـ يقتصر الباحث في كثير من مسائل بحثه على المذهب الحنبلي فقط، دون ذكر المذاهب الأخرى. 3ـ عدم ذكر أدلة الأقوال كاملة، بل يقتصر على بعض الأدلة، وفي بعض المسائل لا يذكر الأدلة أصلاً. 4ـ الاقتصار في مناقشة الأدلة على ما أورده بعض الحنابلة في كتبهم، ونادرًا ما يذكر المناقشة من كتب المذاهب الأخرى.
ج ـ خطة البحث
ج ـ خطة البحث: قسمت البحث إلى مقدمة، وتمهيد، وسبعة أبواب، وخاتمة. المقدمة: وتشتمل على ما يلي: أـ أهمية الموضوع وأسباب اختياره. ب ـ الدراسات السابقة. ج ـ خطة البحث. د ـ منهج البحث. التمهيد: في التيمم [التعريف، والمشروعية، والاختصاص]، وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: تعريف التيمم في اللغة والاصطلاح. المبحث الثاني: مشروعية التيمم، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: أدلة مشروعية التيمم. المطلب الثاني: سبب مشروعية التيمم. المطلب الثالث: الحكمة من مشروعية التيمم. المبحث الثالث: اختصاص الأمة بالتيمم. الباب الأول: الأسباب الموجبة للتيمم، وفيه ثلاثة فصول: الفصل الأول: فقد الماء، وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: طلب الماء قبل التيمم، وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: حكم الطلب. المطلب الثاني: وقت الطلب. المطلب الثالث: مسافة الطلب. المطلب الرابع: صفة الطلب. المطلب الخامس: تكرار الطلب. المبحث الثاني: شراء الماء، وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: حكم شراء الماء لمن فقده. المطلب الثاني: حكم الاقتراض لشراء الماء. المطلب الثالث: شراء الماء في الذمة. المطلب الرابع: حكم قبول الماء الموهوب. المبحث الثالث: نسيان الماء، وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: التيمم لمن نسي الماء بعد أن علم به. المطلب الثاني: التيمم لمن ضل عن مكانه الذي فيه الماء. المطلب الثالث: إذا قام وصلى ثم بان أنه بقربه بئر أو ماء. المطلب الرابع: إذا وُضع الماء في رحله ولم يعلم به. المطلب الخامس: التيمم لمن ظن أن الماء قد نفذ.
المبحث الرابع: التيمم لمن وجد ماء لا يكفي للطهارة، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: حكم من وجد من الماء بعض ما يكفيه. المطلب الثاني: كيفية استعمال الماء الذي لا يكفي للطهارة. المطلب الثالث: إذا كان مع الجنب ماء يكفي للوضوء فقط. المبحث الخامس: التيمم لمن أراق الماء أو باعه أو وهبه ولم يترك ما يتطهر به، وفيه مطلبان: المطلب الأول: حكم إراقة الماء بعد دخول الوقت. المطلب الثاني: التيمم لمن باع الماء أو وهبه بعد دخول الوقت. الفصل الثاني: عدم القدرة على استعمال الماء، وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: تيمم المريض، وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: تيمم المريض العادم للماء. المطلب الثاني: حكم تيمم المريض الواجد للماء. المطلب الثالث: ضابط الخوف المبيح للتيمم. المطلب الرابع: حكم تيمم المريض الذي لا يجد من يناوله الماء. المطلب الخامس: من يعتمد قوله في تقدير المرض. المبحث الثاني: تيمم الجريح، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: طهارة من كان بعض بدنه جريحًا وبعضه صحيحًا. المطلب الثاني: كيفية الجمع بين التيمم والغسل لمن كان بعض بدنه جريحًا.
المطلب الثالث: حكم تيمم من وضع على الجرح أو الكسر جبيرة أو لصوقًا. المبحث الثالث: عدم القدرة على استعمال الماء. الفصل الثالث: الخوف من استعمال الماء، وفيه خمسة مباحث: المبحث الأول: تيمم الصحيح الخائف من العطش. المبحث الثاني: تيمم الصحيح الخائف من البرد، وفيه مطلبان: المطلب الأول: حكم تيمم الصحيح الخائف من البرد. المطلب الثاني: حكم إعادة الصلاة لمن صلى بالتيمم لخوف البرد. المبحث الثالث: التيمم لمن خاف فوات الوقت للصلوات المكتوبة. المبحث الرابع: التيمم لمن خاف فوات صلاة العيدين والجنازة ونحوهما. المبحث الخامس: التيمم لمن خاف فوات الجمعة. الباب الثاني: في أحكام التيمم، وفيه خمسة فصول: الفصل الأول: حكم التيمم بين الرخصة والعزيمة، وفيه مبحثان: المبحث الأول: تعريف الرخصة والعزيمة في اللغة والاصطلاح. المبحث الثاني: حكم التيمم بين الرخصة والعزيمة. الفصل الثاني: بدلية التيمم عن الماء، وفيه مبحثان: المبحث الأول: نوع بدلية التيمم. المبحث الثاني: ما يترتب على الخلاف في نوع بدلية التيمم، وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: وقت التيمم. المطلب الثاني: حكم الوطء لعادم الماء. المطلب الثالث: حكم إمامة المتيمم للمتوضئ. المطلب الرابع: حكم المسح على الخفين لمن لبسه على طهارة التيمم. المطلب الخامس: حكم التيمم إذا وجد الماء بعد التيمم وقبل الصلاة. الفصل الثالث: حكم التيمم للطهارة عن الحدث، وفيه مبحثان: المبحث الأول: حكم التيمم عن الحدث الأكبر. المبحث الثاني: حكم التيمم عن الحدث الأصغر. الفصل الرابع: حكم التيمم للنجاسة، وفيه مبحثان: المبحث الأول: حكم التيمم للنجاسة في الثوب والبدن، وفيه مطلبان: المطلب الأول: حكم التيمم للنجاسة في الثوب والبدن. المطلب الثاني: ما يترتب على القول بجواز التيمم لنجاسة البدن. المبحث الثاني: حكم من اجتمع عليه نجاسة وحدث ومعه ماء يكفي أحدهما. الفصل الخامس: التيمم في السفر والحضر، وفيه مبحثان: المبحث الأول: التيمم في السفر، وفيه مطلبان: المطلب الأول: حكم التيمم في السفر. المطلب الثاني: تيمم العاصي بسفره.
المبحث الثاني: حكم التيمم في الحضر. الباب الثالث: شروط التيمم، وفيه ثمانية شروط: الشرط الأول: النية، وفيه سبعة مباحث: المبحث الأول: حكم النية في التيمم، وفيه مطلبان: المطلب الأول: حكم اشتراط النية في التيمم. المطلب الثاني: حكم التيمم بنية تعليم الغير. المبحث الثاني: التيمم بنية رفع الحدث. المبحث الثالث: ما ينويه بالتيمم. المبحث الرابع: إذا نوى بتيممه فرض التيمم. المبحث الخامس: ما يستباح بالتيمم، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: ما يباح له بتيممه إذا نوى به الفريضة. المطلب الثاني: ما يباح له بتيممه إذا نوى به نافلة أو صلاة مطلقة. المطلب الثالث: مراتب النية. المبحث السادس: حكم الجمع بين الصلاتين للمتيمم. المبحث السابع: حكم اشتراط النية في الحدث الأصغر أو الأكبر، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: حكم تعيين نية ما يتيمم فيه من حدث أصغر أو أكبر.
المطلب الثاني: اجتماع الأحداث وأثره في تداخلها عند النسيان. المطلب الثالث: إذا نوى الحدثين بتيمم واحد. الشرط الثاني: الإسلام. الشرط الثالث: التكليف. الشرط الرابع: انقطاع دم الحيض والنفاس. الشرط الخامس: إزالة ما يمنع مسح أعضاء التيمم. الشرط السادس: طلب الماء وإعوازه بعد الطلب. الشرط السابع: دخول الوقت. الشرط الثامن: التيمم بالصعيد، وفيه ثمانية مباحث: المبحث الأول: حكم التيمم بكل ما هو من جنس الأرض، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: التيمم بغير التراب. المطلب الثاني: حكم إيصال التراب إلى أعضاء التيمم. المطلب الثالث: حكم التيمم بغبار اللبد ونحوه. المبحث الثاني: التيمم على الخشب والزرع والحشيش. المبحث الثالث: التيمم على الثلج. المبحث الرابع: التيمم بالتراب المختلط بغيره. المبحث الخامس: حكم التيمم بالطين المحترق.
المبحث السادس: التيمم بالأرض النجسة، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: حكم التيمم بالأرض النجسة. المطلب الثاني: حكم التيمم بالأرض التي أصابتها نجاسة فزال أثرها بالشمس أو الريح. المطلب الثالث: التيمم بتراب المقبرة. المبحث السابع: حكم التيمم بالتراب المستعمل. المبحث الثامن: حكم التيمم بالتراب المغصوب. الباب الرابع: فروض التيمم، وفيه ثلاثة فروض: الفرض الأول: مسح الوجه واليدين مع الاستيعاب، وفيه تسعة مباحث: المبحث الأول: تحديد أعضاء التيمم. المبحث الثاني: تحديد مسح اليدين. المبحث الثالث: تحديد القدر الواجب من الضرب في التيمم. المبحث الرابع: حكم استيعاب المسح للوجه واليدين. المبحث الخامس: حكم إيصال التراب إلى ما تحت الشعر الخفيف. المبحث السادس: صفة مسح الوجه واليدين. المبحث السابع: حكم التيمم من غير ضرب، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: حكم ضرب الأرض باليد.
المطلب الثاني: حكم من وصل التراب إلى وجهه ويديه من غير ضرب. المطلب الثالث: حكم التمعك في التراب بنية التيمم. المبحث الثامن: حكم تيمم مقطوع اليد أو بعضها. المبحث التاسع: حكم مسح الوجه بيد واحدة أو ببعض أصابعه. الفرض الثاني: الترتيب. الفرض الثالث: الموالاة، وفيه مبحثان: المبحث الأول: حكم الموالاة بين أعضاء التيمم. المبحث الثاني: حكم الموالاة بين التيمم والصلاة. الباب الخامس: سنن التيمم ومكروهاته، وفيه فصلان: الفصل الأول: سنن التيمم، وفيه سبعة مباحث: المبحث الأول: التسمية. المبحث الثاني: تقديم اليد اليمنى على اليسرى. المبحث الثالث: استقبال القبلة. المبحث الرابع: تخفيف التراب المأخوذ بنفض أو نفخ. المبحث الخامس: تفريج الأصابع. المبحث السادس: تخليل الأصابع. المبحث السابع: سنن أخرى تستحب في التيمم.
الفصل الثاني: مكروهات التيمم، وفيه مبحثان: المبحث الأول: تجديد التيمم. المبحث الثاني: تكرار المسح. الباب السابع: مبطلات التيمم وفاقد الطهورين، وفيه فصلان: الفصل الأول: مبطلات التيمم، وفيه سبعة مباحث: المبحث الأول: مبطلات الوضوء. المبحث الثاني: وجود الماء، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: وجود الماء قبل الصلاة. المطلب الثاني: وجود الماء أثناء الصلاة. المطلب الثالث: وجود الماء بعد الصلاة. المبحث الثالث: خروج وقت الصلاة. المبحث الرابع: زوال العذر المبيح للتيمم. المبحث الخامس: الردة عن الإسلام. المبحث السادس: الفصل الطويل بين التيمم والصلاة. المبحث السابع: خلع ما يجوز المسح عليه. الفصل الثاني: فاقد الطهورين، وفيه مبحثان: المبحث الأول: حكم صلاة فاقد الطهورين.
د ـ منهج البحث
المبحث الثاني: صفة صلاة فاقد الطهورين. الخاتمة: وتشتمل على أهم نتائج البحث. الفهارس: وتشتمل على ما يلي: 1ـ فهرس الآيات القرآنية. 2ـ فهرس الأحاديث النبوية. 3ـ فهرس الآثار. 4ـ فهرس الأعلام المترجم لهم. 5ـ فهرس الأماكن والبلدان. 6ـ فهرس الكلمات الغريبة. 7ـ فهرس الأبيات الشعرية. 8ـ فهرس المصادر. 9ـ فهرس الموضوعات. د ـ منهج البحث: سلكت في إعداد هذا البحث منهجًا ملخصه في النقاط التالية: 1ـ إذا كانت المسألة من مواضع الاتفاق ذكرت حكمها مقترنًا بالدليل والتعليل مع التوثيق من المصادر المعتبرة. 2ـ إذا كانت المسألة من مسائل الخلاف، فإني سلكت فيها الطرق التالية:
أـ تحرير محل النزاع إذا كانت بعض صور المسألة محل خلاف، وبعضها محل اتفاق. ب ـ ذكر سبب الخلاف إن أمكن. ج ـ ذكر الأقوال في المسألة، مقتصرًا على أقوال المذاهب الأربعة التي يسندها الدليل، وأما الأقوال الشاذة فإني لا أذكرها ولكن أشير إليها أحيانًا في الهامش. د ـ توثيق كل قول من كتب المذهب نفسه. هـ ـ استقصاء أدلة كل قول من خلال ما ذكره أصحابه من الكتاب ثم السنة ثم الأثر ثم المعقول، مع بيان وجه الدلالة، وذكر ما ورد عليها من المناقشة، وما أجيب به عنها ـ إن عثرت على مناقشة ـ وإن لم أعثر على مناقشة حاولت توجيه الدليل، مع إيراد ما يمكن أن يناقش به، وما يمكن أن يجاب به على تلك المناقشة، فإذا كانت المناقشة من عند غيري، فإني أقول: «نوقش»، وإن كانت المناقشة من عندي أو اقتباسًا من كلام الفقهاء، فإني أقول: «يمكن مناقشته»، أو: «يناقش». وـ ترجيح أحد الأقوال بناءً على ما ظهر لي من قوة الأدلة. 3ـ إذا كان الكلام منقولاً بنصه، أو فيه شيء من التصرف، فإني أكتب في الهامش المصدر مباشرة، وإذا كان المقصود الإحالة فقط، فإني أكتب قبل المصدر «انظر». 4ـ قمت بعزو الآيات القرآنية، بذكر اسم السورة، ورقم الآية، خلف الآية مباشرة.
5ـ تخريج الأحاديث التي وردت في ثنايا البحث، ببيان ما ذكره أهل الشأن في درجتها ـ إن لم تكن في الصحيحين، أو أحدهما ـ، فإن كان الحديث فيهما، أو في أحدهما فإني اكتفيت بعزو الحديث إليهما أو إلى أحدهما. 6ـ عزو الآثار التي وردت في صلب البحث إلى مصادرها الأصلية، وأذكر حكم الأئمة فيها إن وجدته. 7ـ تفسير ما ورد في الرسالة من مصطلحات أو ألفاظ غريبة، معتمدًا في ذلك على كتب غريب الحديث واللغة والمصطلحات. 8ـ ترجمت للأعلام الوارد ذكرهم في الرسالة، وأحلت على أهم مصادر تراجمهم، واستثنيت من ذلك المشهورين من الصحابة، والأئمة الأربعة، وأصحاب الكتب الستة. وبعد، فهذا البحث جهد بشري، والبشر طبيعتهم النقص، والخطأ، والتقصير، فالنقص فيه لا يُستغرب، والخطأ فيه لا يُشنع، والتقصير فيه لا يُجحد، فالكمال لله تعالى وحده القائل: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]. ولا أملك إلا أن أقول: ما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وله الفضل والمنة، وما كان من خطأ فذلك من نقصي وتقصيري، والله ورسوله بريئان منه، وأسأل الله أن يكون هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يرزقه القبول الحسن، وينفع به كاتبه وقارئه وسامعه وجميع المسلمين. وأخيرًا: فإنني أتوجه إلى الله العلي القدير بالدعاء لكل من ساهم في تعليمي
وأعانني عليه منذ صغري حتى تحضير هذه الرسالة، وأخص بالدعاء والديَّ الكريمين اللذين لم يألوا جهدًا في توجيهي للخير، وحثي على طلب العلم. ثم أتوجه بالشكر الجزيل، والامتنان العظيم، لفضيلة شيخنا الدكتور: محمد عبد الله ولد كريم، المشرف على هذه الرسالة، على جهده، ونصحه، وتوجيهه لي بأسلوب يجمع بين الأسلوب العلمي واللطف الأبوي، فجزاه الله عني خير الجزاء، وأجزل له المثوبة والأجر في الدنيا والآخرة. كما أشكر جامعة أم القرى بمكة المكرمة ممثلة في مركز الدراسات الإسلامية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية على تسهيل كتابتي لهذا البحث. ولا يفوتني هنا أن أتقدم بالشكر لكل من أفادني، أو أرشدني، أو أعانني، فأسأل الله أن يجزيهم خير الجزاء. وأختم هذه المقدمة كما ابتدأتها بحمد الله وشكره والثناء عليه، فله الحمد والشكر أولاً وآخرًا، باطنًا وظاهرًا، على توفيقه وتسديده، وتيسيره وتأييده، وأسأله أن يغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين، وصلى الله على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين. وكتبه رائد بن حمدان الحازمي مكة المكرمة - البحيرات ص. ب: 20048
التمهيد في التيمم التعريف، والمشروعية، والاختصاص
التمهيد في التيمم التعريف، والمشروعية، والاختصاص ويشتمل على ثلاثة مباحث: المبحث الأول: ... تعريف التيمم في اللغة والاصطلاح. المبحث الثاني: ... مشروعية التيمم. المبحث الثالث: ... اختصاص الأمة بالتيمم.
المبحث الأول تعريف التيمم في اللغة والاصطلاح
المبحث الأول تعريف التيمم في اللغة والاصطلاح أولاً: تعريف التيمم في اللغة: التيمم في اللغة: القصد. قال ابن فارس (¬1) ـ رحمه الله ـ: «الياء والميم كلمة تدل على قصد الشيء، وتعمده، وقصده» (¬2). يقال: تيممت فلانًا، وتأممته، ويممته، وأممته أي: تعمدته وقصدته، ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] أي: ولا تعمدوا ولا تقصدوا (¬3). وقوله تعالى: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2] أي: قاصدين (¬4). ومنه أيضًا قول الشاعر: ¬
ثانيا: تعريف التيمم في الاصطلاح
تيممتِ العينَ التي عند ضارجٍ ... يفئ عليها الظلُّ عرمضها طامي (¬1) وقول الشاعر: فما أدري إذا يَّمْمتُ أرضًا ... أريد الخير أيهما يليني أالخير الذي أنا أبتغيه ... أم الشر الذي هو يبتغيني (¬2) ثم كثر استعمال هذه الكلمة حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب (¬3). ثانيًا: تعريف التيمم في الاصطلاح: عرَّف فقهاء المذاهب الأربعة التيمم بعدة تعريفات، وفيما يلي تلك التعاريف: أولاً: تعريفه عند الحنفية: هو استعمال الصعيد في عضوين مخصوصين على قصد التطهر بشرائط مخصوصة (¬4). ¬
وهذا التعريف جيد، يكاد يكون أقرب التعاريف للتيمم، إلا أن التعريف ينقصه عبارة (على صفة مخصوصة) وهي قيد مهم، فكان الأولى تقييد التعريف بها؛ ليكون التعريف جامعًا لفروض التيمم. ثانيًا: تعريفه عند المالكية: طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين بنية، تستعمل عند عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله (¬1). ثالثًا: تعريفه عند الشافعية: إيصال التراب إلى الوجه واليدين بدلاً عن الوضوء والغسل أو عضو منهما بشرائط مخصوصة (¬2). ويؤخذ على التعريفين السابقين ما يلي: 1 ـ تقييد التيمم بالتراب، مع أن التيمم يجوز بكل ما تصاعد على وجه الأرض من رمل وتراب وغيرهما ـ على القول الراجح (¬3) ـ؛ لعموم قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]. 2 ـ عدم تقييد التعريفين بعبارة (على صفة مخصوصة). رابعًا: تعريفه عند الحنابلة: استعمال تراب مخصوص لوجه ويدين بدل طهارة ماء لكل ما يُفعل به عند عجزٍ عنه شرعًا (¬4)، أو مسح الوجه واليدين ¬
بتراب طهور على وجه مخصوص (¬1). وبالنظر إلى تعريف الحنابلة للتيمم نجد أنه يُعد ناقصًا لأمرين: 1 ـ تقييد التيمم بالتراب، مع أن التيمم يجوز بكل ما صعد على وجه الأرض. 2 ـ عدم تقييد التعريف بعبارة (بشرائط مخصوصة) وهي قيد مهم؛ لأن المعاني الشرعية لا توجد بدون شروطها، فلابد من ذكر الشروط حتى يتحقق المعنى الشرعي (¬2). التعريف المختار وشرحه: ويمكن ـ بعد هذه التعاريف السابقة ـ أن نخلص إلى أن التعريف المختار للتيمم اصطلاحًا هو: قصد الصعيد الطيب لمسح الوجه واليدين بشرائط مخصوصة على وجه مخصوص؛ وذلك لما يلي: 1ـ أن هذا التعريف موافق للمعني اللغوي؛ إذ لابد في الألفاظ الاصطلاحية المنقولة عن اللغوية أن يوجد فيها المعنى اللغوي غالبًا، ويكون المعنى الاصطلاحي أخص من اللغوي (¬3). ولا شك أن التعريف الموافق للمعنى اللغوي أولى من غيره؛ لأن الأصل إنما هو التقرير دون التغيير؛ لكون التقرير أقرب إلى الفهم، وأسرع إلى ¬
الإنقياد، ولهذا كان التقرير هو الغالب، وكان متفقًا عليه بخلاف التغيير (¬1)، فكان هذا التعريف أولى من غيره من التعاريف السابقة. 2ـ أن هذا التعريف لا ترد عليه الاعتراضات السابقة؛ لكونه جامعًا مانعًا، جامعًا لشرائط التيمم وفروضه، مانعًا من دخول غيره فيه. 3ـ أن هذا التعريف قد قيد التيمم بالصعيد وهذا ما نصت عليه الآية الكريمة في قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]. شرح التعريف: لفظ: (قصد) يدل على اشتراط النية في التيمم. ولفظ: (الصعيد) يدل على جواز التيمم بكل ما صعد على وجه الأرض من تراب وحجارة ورمل ونحو ذلك. ولفظ: (الطيب) يدل على اشتراط طهارة ما يتيمم به، فلا يصح التيمم على الأرض النجسة. ولفظ: (لمسح الوجه واليدين) بيان لمحل التيمم، وهو الوجه واليدان، فلا يكون التيمم إلا فيهما. ولفظ: (بشرائط مخصوصة) إشارة إلى شروط التيمم وأسبابه. ولفظ: (على وجه مخصوص) إشارة إلى فروض التيمم وأركانه. ¬
المبحث الثاني مشروعية التيمم
المبحث الثاني مشروعية التيمم وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: ... أدلة مشروعية التيمم. المطلب الثاني: ... سبب مشروعية التيمم. المطلب الثالث: ... الحكمة من مشروعية التيمم.
المطلب الأول أدلة مشروعية التيمم
المطلب الأول أدلة مشروعية التيمم التيمم مشروع بالكتاب والسنة والإجماع. أولاً: من الكتاب: 1ـ قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 43]. 2ـ قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة من هاتين الآيتين: في هاتين الآيتين دليل صريح على مشروعية التيمم عند عدم الماء أو عند عدم القدرة على استعماله (¬1). ¬
ثانيا: من السنة
ثانيًا: من السنة: قد وردت أحاديث كثيرة في مشروعية التيمم، وسيأتي ذكر عدد منها في بعض مباحث الرسالة، وسأكتفي هنا بذكر الأحاديث التالية: 1ـ حديث عمران بن حصين الخزاعي (¬1) رضي الله عنه في القصة الطويلة، وفيها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما انفتل (¬2) من صلاته إذ هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، قال: «ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟» قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: «عليك بالصعيد، فإنه يكفيك» (¬3). ¬
2ـ حديث أبي ذر (¬1) رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير» (¬2). ¬
3ـ حديث أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري (¬1) رضي الله عنه قال: «أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل (¬2)، فلقيه رجل (¬3) فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام» (¬4). وجه الدلالة من هذه الأحاديث: تدل هذه الأحاديث جميعًا على جواز التيمم عند عدم الماء، من غير فرق بين من كان حدثه حدثًا أصغر أم أكبر، كما تدل على أن الصعيد طهور للمسلم وأنه متى تعذر استعمال الماء فإن التيمم جائز ولو طال الزمن، يفعل ¬
ثالثا: الإجماع
به ما يفعله المتطهر بالماء من الفرائض والنوافل والفضائل (¬1). فهذه الأدلة جميعًا فيها الدلالة الواضحة الصريحة على مشروعية التيمم. ثالثًا: الإجماع: أجمعت الأمة على جواز التيمم ومشروعيته عند عدم الماء، أو عند الخوف من استعماله. وهذه بعض النقولات من أقوال الفقهاء رحمهم الله: قال ابن المنذر (¬2): «وأجمعوا على أن التيمم بالتراب ذي الغبار جائز» (¬3). وقال الوزير بن هبيرة (¬4): «وأجمعوا على التيمم بالصعيد الطيب عند عدم ¬
الماء أو الخوف من استعماله» (¬1). وقال الكاساني (¬2): «فلا خلاف في أن التيمم من الحدث جائز، عرف جوازه بالكتاب والسنة والإجماع» (¬3). وقال الحطَّاب (¬4): «وانعقد الإجماع على مشروعيته» (¬5) أي: التيمم. ¬
وقال النووي (¬1): «والتيمم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة» (¬2). ¬
المطلب الثاني سبب مشروعية التيمم
المطلب الثاني سبب مشروعية التيمم سبب نزول فرض التيمم هو ما وقع لعائشة رضي الله عنها في غزوة بني المصطلق (المريسيع) (¬1) حينما أضاعت عقدها، وحان وقت الصلاة وليس معهم ماء، فنزلت آية التيمم. فعن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: «خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء ـ أو بذات الجيش ـ انقطع عقدٌ لي، فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق، فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضعٌ رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في ¬
خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فخذي، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم (¬1) فتيمموا، فقال أسيد ¬
بن الحضير (¬1): ما هي أول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فأصبنا العقد تحته» (¬2). ¬
من فوائد الحديث: في هذا الحديث فوائد عظيمة يجدر بنا أن نقف على بعض منها، ومن أهم تلك الفوائد ما يلي: 1ـ جواز خروج النساء في الأسفار مع أزواجهن، سواء كان السفر للجهاد أو لغيره، إلا أن خروجهن إلى الجهاد مع ذوي المحارم والأزواج إنما يصح إذا كان العسكر كثيرًا تؤمن عليه الغلبة (¬1). 2ـ جواز الإقامة بموضع لا ماء فيه لحوائجه ومصالحه، فإنه لا يجب الانتقال عنه؛ لأن فرضه إما الطهارة المائية أو التيمم عند عدم الماء (¬2). 3ـ جواز تأديب الرجل ولده بالقول والفعل والضرب، وإن كان بالغًا أو امرأة كبيرة متزوجة (¬3). 4ـ استحباب الصبر لمن ناله ما يوجب الحركة أو يحصل به تشويش لغيره من نائم أو مصلي أو مشتغل بعلم؛ لأن عائشة رضي الله عنها منعها من التحرك خشية استيقاظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). ¬
5ـ فيه دليل على أن الوضوء كان واجبًا على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل نزول آية الوضوء ولهذا استعظم الصحابة نزولهم على غير ماء، ومن المعلوم عند جميع أهل السير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ افترض عليه الصلاة بمكة لم يصلِّ إلا بوضوء مثل وضوئنا اليوم. والحكمة في نزول آية الوضوء ـ مع تقدم العمل به ـ ليكون فرضها المتقدم متلوًا في التنزيل، ولهذا قالت عائشة: «فنزلت آية التيمم» ولم تقل: فنزلت آية الوضوء، مما يدل على أن الذي طرأ على الصحابة رضوان الله عليهم من العلم في ذلك الوقت حكم التيمم لا حكم الوضوء (¬1). ¬
المطلب الثالث الحكمة من مشروعية التيمم
المطلب الثالث الحكمة من مشروعية التيمم تمتاز الشريعة الإسلامية باليسر والسهولة والسماحة؛ حيث راعت أحوال الناس، ولم تغفل أي جانب من جوانب حياتهم، فخففت عنهم في أحكام شتى من أحكام شريعتهم، ومن مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية التيمم، فقد شرعه الله تيسيرًا على المكلف ودفعًا للحرج عنه. وقد بين الله تعالى في كتابه الكريم الحكمة من مشروعية التيمم في قوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6]. فهذه الآية بينت الحكمة من مشروعية التيمم غاية البيان والإيضاح، وهي كالآتي: 1ـ رفع الحرج؛ لقوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} وهو الضيق والمشقة. قال ابن كثير (¬1): «أي فلهذا سهَّل عليكم ويسَّر ولم يعسِّر، بل أباح التيمم ¬
عند المرض، وعند فقد الماء توسعة عليكم، ورحمة بكم، وجعله في حق من شرع له يقوم مقام الماء» (¬1). 2 ـ إرادة التطهير؛ لقوله تعالى: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}. قال ابن جرير الطبري (¬2): «ولكن يريد أن يطهركم بما فرض عليكم من الوضوء والأحداث، والغسل من الجنابة والتيمم عند عدم الماء، فتنظفوا وتطهروا به أجسامكم من الذنوب» (¬3). 3 ـ إتمام النعمة؛ لقوله تعالى: {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. قال ابن جرير: «أي يتم نعمته عليكم بإباحته لكم التيمم، وتصييره لكم الصعيد الطيب طهورًا، رخصة منه لكم في ذلك مع سائر نعمه التي أنعم بها عليكم أيها المؤمنون لعلكم تشكرون الله على نعمه التي أنعمها عليكم بطاعتكم إياه» (¬4). ¬
فمن رحمة الله بعباده أن شرع لهم التيمم منَّة منه وفضلاً، ودفعًا للحرج والمشقة، ولو شاء الله لضيَّق علينا ولكن الله بالناس لرؤوف رحيم. ومن أهم الحكم التي تتجلى في مشروعية التيمم ـ غير ما سبق ـ ما يلي (¬1): 1ـ أن الله سبحانه وتعالى لما علم من النفس الكسل، والميل إلى ترك الطاعة، شرع لها التيمم عند عدم الماء؛ لئلا تعتاد ترك العبادة فيصعب عليها معاودتها عند وجود الماء. 2ـ ليستشعر الإنسان بعدم الماء موته، وبالتراب إقباره فيزول عنه الكسل، ويسهل عليه ما صعب من العمل. 3ـ تحقيق معنى الطاعة والخضوع لأمر الله تعالى، والإذعان لشرعه، بتحقيق وامتثال ما أمر الله به. 4ـ أن من الحكمة في كون التيمم بالتراب لتوفره، فلا يكاد يخلو منه مكان، ومع أن التراب موجود في كل مكان إلا أن الشارع لم يأمر إلا بالمسح دون التمرغ (¬2) وتعفير (¬3) أعضاء الوضوء في التراب؛ لأن فيه حرجًا ومشقة على العباد. ¬
5ـ أن في التيمم بالتراب شعورًا بالذل لله، والتواضع له، والإفتقار إليه. 6ـ أن الغرض من التيمم التخفيف والتيسير، ولهذا نجد أن الشارع الحكيم جعل المسح في التيمم قاصرًا على بعض الأعضاء دون بعض؛ دفعًا للحرج والمشقة في تعميمه لسائر الأعضاء. قال الإمام ابن القيم (¬1) ـ رحمه الله ـ: «وأما كونه في عضوين ففي غاية الموافقة للقياس والحكمة، فإن وضع التراب على الرؤوس مكروه في العادات، وإنما يفعل عند المصائب والنوائب، والرِّجْلان محل ملابسة التراب في أغلب الأحوال، وفي تتريب الوجه من الخضوع والتعظيم لله، والذل له، والإنكسار لله ما هو من أحب العبادات إليه وأنفعها للعبد، ولذلك يستحب للساجد أن يُتَرِّب وجهه لله، وأن لا يقصد وقاية وجهه من التراب كما قال بعض الصحابة لمن رآه قد سجد وجعل بينه وبين التراب وقاية فقال: «تَرِّب وجهك» وهذا المعنى لا يوجد في تتريب الرجلين. ¬
وأيضًا فموافقة القياس من وجه آخر، وهو أن التيمم جُعل في العضوين المغسولين وسقط عن العضوين الممسوحين، فإن الرجلين تُمسحان في الخف، والرأس في العمامة، فلما خفف عن المغسولين بالمسح، خفف عن الممسوحين بالعفو؛ إذ لو مسحا بالتراب لم يكن فيه تخفيف عنهما، بل كان فيه انتقال من مسحهما بالماء إلى مسحهما بالتراب، فظهر أن الذي جاءت به الشريعة هو أعدل الأمور وأكملها، وهو الميزان الصحيح» (¬1). ومما سبق يتضح جلياً رحمة الله بعباده حين شرع لهم التيمم حتى لا ينقطع الإنسان من عبادة ربه بل يعبده ويتقرب إليه في كل مكان وعلى كل حال، وهذه سنة الله في خلقه، كلما ازداد أمر عبده ضيقًا وحرجًا زاد له فرجًا ومخرجًا. ¬
المبحث الثالث اختصاص الأمة بالتيمم
المبحث الثالث اختصاص الأمة بالتيمم من الخصائص التي خصَّ الله بها أمة الإسلام فضيلة التيمم، والتي تفردت بها هذه الأمة المباركة على غيرها من الأمم، لطفًا من الله بها وإحسانًا. فالتيمم خاصية لهذه الأمة المحمدية، فلم يكن مشروعًا لأمة من الأمم قبلها، كما صرح بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة (¬1)، وسأكتفي هنا بذكر الأحاديث التالية: 1. حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أُعطيت خمسًا لم يعطهن أحدٌ قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأُعطيت الشفاعة، وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصةً وبُعثت إلى الناس عامة» (¬2). ¬
2. حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «فُضلت على الأنبياء بست: أُعطيت جوامع الكلم، ونُصرت بالرعب، وأُحلت لي الغنائم، وجُعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأُرسلت إلى الخلق كافة، وخُتم بي النبيون» (¬1). 3. حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فضلنا على الناس بثلاث: جُعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجُعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت ترتبها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء»، وذكر خصلة أخرى (¬2). قال الإمام الخطابي (¬3) ـ رحمه الله ـ: «وقوله: «جُعلت لي الأرض مسجدًا ¬
وطهورًا»، فإن أهل الكتاب لم تكن أُبيحت لهم الصلاة إلا في بيعهم وكنائسهم، ورخَّص الله تعالى لهذه الأمة أن يصلوا حيث أدركتهم الصلاة، وذلك من رحمة الله تعالى ورأفته بهم تيسيرًا للطاعة وتكثيرًا لها لتكثر عليها مثوبتهم» (¬1). وقد اتفق الفقهاء على أن التيمم من خصائص هذه الأمة، ومما فضلهم الله تعالى به على غيرهم من الأمم، فلم يجعله الله طهورًا لغيرها، رحمة من الله بها، وتوسعة عليها (¬2). جاء في البحر الرائق شرح كنز الدقائق: «ثم اعلم أن التيمم لم يكن مشروعًا لغير هذه الأمة، وإنما شرع رخصة لنا» (¬3). وجاء في الفواكه الدواني: «وهو ـ أي التيمم ـ من خصائص هذه الأمة؛ لأن الأمم السابقة لا تصلي إلا بالوضوء، كما أنها كانت لا تصلي إلا في أماكن ¬
مخصوصة يعينونها للصلاة، ويسمونها بيعًا وكنائس وصوامع، ومن عدم منهم الماء، أو غاب عن محل صلاته يدع الصلاة حتى يجد الماء، أو يعود إلى مصلاة» (¬1). وجاء في المجموع: «وهو ـ أي التيمم ـ رخصة وفضيلة اختصت بها هذه الأمة زادها الله شرفًا لم يشاركها فيها غيرها من الأمم، كما صرحت به الأحاديث الصحيحة المشهورة عن رسول الله» (¬2). وجاء في المبدع شرح المقنع: «وهو ـ أي التيمم ـ من خصائص هذه الأمة؛ لأن الله لم يجعله طهورًا لغيرها، توسعة عليها وإحسانًا إليها» (¬3). ¬
الباب الأول الأسباب الموجبة للتيمم
الباب الأول الأسباب الموجبة للتيمم ويشتمل على ثلاثة فصول: الفصل الأول: ... فقد الماء. الفصل الثاني: ... عدم القدرة على استعمال الماء. الفصل الثالث: ... الخوف من استعمال الماء.
الفصل الأول فقد الماء
الفصل الأول فقد الماء وفيه خمسة مباحث: المبحث الأول: ... طلب الماء قبل التيمم. المبحث الثاني: ... شراء الماء. المبحث الثالث: ... نسيان الماء. المبحث الرابع: ... التيمم لمن وجد ماء لا يكفي للطهارة. المبحث الخامس: ... التيمم لمن أراق الماء أو باعه أو وهبه ولم يترك ما يتطهر به.
المبحث الأول طلب الماء قبل التيمم
المبحث الأول طلب الماء قبل التيمم وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: ... حكم الطلب. المطلب الثاني: ... وقت الطلب. المطلب الثالث: ... مسافة الطلب. المطلب الرابع: ... صفة الطلب. المطلب الخامس: ... تكرار الطلب.
المطلب الأول حكم الطلب
المطلب الأول حكم الطلب مَن عَدِمَ الماء وأراد الطهارة لفعل صلاة مكتوبة أو نافلة فإنه لا يخلو من ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يتيقن العادم من وجود الماء في المكان الذي هو فيه أو يغلب ذلك على ظنه كما إذا أخبره عدل بكون الماء قريبًا، أو يجد علامة ظاهرة دالة على قربه كما إذا رأى خضرة أو طيورًا، فإن وجودها دليل على قرب الماء، فإنه في هذه الحالة يلزمه الطلب باتفاق العلماء (¬1). واستدلوا على ذلك بأدلة منها: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]. ¬
ثانيا: من المعقول
وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى شرط لجواز التيمم عدم وجود الماء، وهذا واجد للماء في الظاهر فيلزمه طلب الماء. ثانيًا: من المعقول: 2ـ أنه يعد واجدًا للماء نظرًا للدليل وهو غلبة الظن، لأنها قائمة مقام العلم في العبادات (¬1). 3ـ أنه إذا كان يسعى لأشغاله الدنيوية القريبة فلأن يسعى لما يعتبر شرطًا من شروط الصلاة أولى (¬2). 4ـ قياسًا على من علم أن بقربه ماء لم يجز له التيمم، فكذا إذا غلب على ظنه (¬3). الحالة الثانية: أن يتيقن عدم الماء في المكان الذي هو فيه، أو يغلب ذلك على ظنه، كأن يكون في بعض رمال البوادي، أو ما أشبه ذلك، أو يخبره عدل عن عدم الماء في المكان الذي هو فيه، فإنه في هذه الحالة يتيمم ولا يجب عليه طلب الماء باتفاق الفقهاء (¬4). ¬
الحالة الثالثة
واستدلوا على ذلك بأدلة منها: 1ـ أن طلب ما يعلم استحالة وجوده محال (¬1). 2ـ أن الطلب مع يقين العدم عبث ولا فائدة منه (¬2)، وهو ليس من الحكمة في شيء (¬3). 3ـ أنه إذا طلب الماء في هذه الحالة قد يلحقه الحرج والمشقة فربما ينقطع عن أصحابه، وما شرع التيمم إلا لدفع الحرج (¬4). الحالة الثالثة: أن يشك في وجود الماء أو عدمه من غير يقين، وقد وقع الخلاف في هذه الحالة على قولين: القول الأول: يجب طلب الماء لصحة التيمم في هذه الحالة، وهو قول المالكية، والشافعية، ورواية عند الحنابلة هي الصحيح من المذهب (¬5). ¬
القول الثاني
القول الثاني: ليس عليه طلب الماء في هذه الحالة ويصح التيمم، وهو قول الحنفية، ورواية عند الحنابلة (¬1). سبب الخلاف: سبب اختلاف الفقهاء في هذه الحالة هو: هل يسمى من لم يجد الماء دون طلب غيرَ واجد للماء أو لا يسمى غير واجد للماء إلا إذا طلب الماء فلم يجده (¬2)؟ فمن يرى أنه لا يثبت أنه غير واجد للماء إلا بعد الطلب قال: باشتراط الطلب، ومن يرى أنه يثبت أنه غير واجد للماء بدون طلب قال: بعدم اشتراط الطلب. أدلة القول الأول: استدل القائلون بوجوب طلب الماء لمن شك في وجود الماء أو عدمه بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أنه لا يثبت أنه غير واجد للماء إلا بعد الطلب، وهذا يفيد وجوب الطلب (¬3)؛ لجواز أن يكون بقربه الماء ولا يعلمه (¬4). ¬
المناقشة: نوقش بأن الوجود لا يقتضي سابقة الطلب، بدليل قوله تعالى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} [الأعراف: 44] ولا طلب، وبقوله تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} [الأعراف: 102]، لاستحالة الطلب على الله، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من وجد لقطة ...» الحديث (¬1)، ولا طلب من الملتقط (¬2). الجواب: أجيب عن الآية الأولى والحديث بأن الكلام في جانب النفي لا الإثبات (¬3)، فالوجود لا يفتقر إلى طلب، وإنما يفتقر عدم الوجود إلى طلب، ومسألة التيمم إنما هي في عدم الوجود لا في الوجود (¬4). وأما استدلالهم بالآية الأخرى فلا يصح؛ لأن الله سبحانه وتعالى طلب منهم الثبات على العهد، أي أمرهم بذلك، فهو سبحانه وتعالى يطلب منهم ما قدمه إليهم من العهد، فلذلك قال سبحانه: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} (¬5). ¬
ثانيا: من السنة
ثانيًا: من السنة: حديث عمران بن حصين رضي الله عنه الطويل، وفيه: «... ودعا عليًا فقال: اذهبا فابتغيا الماء ...» الحديث (¬1). وجه الدلالة: دل الحديث على أن الطلب شرط في صحة التيمم. ثالثًا: من المعقول: 1ـ أن التيمم بدل عن الماء عند فقده، فلا يجوز العدول إليه إلا عند عدم المبدل وهو الماء، ولا يتحقق العدم إلا بالطلب، كالصيام في الكفارة مع العتق والإطعام، فإن الله سبحانه وتعالى لما أمر في الظهار بتحرير رقبة قال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4]، لم يبح له الصيام حتى يطلب الرقبة، ولم يعد قبل ذلك غير واجد، وكالهدي في حج التمتع، فإنه لا ينتقل إلى بدله وهو الصوم إلا بعد طلبه، وكالقياس مع النص في الحادثة فإنه لا ينتقل إلى القياس إلا بعد طلب النص في مظانه (¬2). ¬
أدلة القول الثاني
2ـ أن البدل من شرطه الضرورة، وهي بعد الطلب متحققة حسب الإمكان، أما قبله فمشكوك فيها، فلا تثبت الرخصة، ولهذا لو قال لوكيله: اشتر لي رطبًا فإن لم تجد فعنبًا، لا يجوز أن يشتري العنب قبل طلب الرطب (¬1). 3ـ أن الماء شرط لصحة الصلاة يختص بها، فإذا أعوزه لزمه الاجتهاد في طلبه كما يجتهد إذا شك في جهة القبلة (¬2). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بعدم وجوب طلب الماء لمن شك في وجود الماء أو عدمه، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]. ثانيًا: من السنة: حديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته» (¬3). ¬
ثالثا: من المعقول
وجه الدلالة من الآية والحديث: في الآية والحديث رتب إباحة التيمم على عدم وجدان الماء مطلقًا عن قيد الطلب لعدم اشتراطه فيها، فيعمل بإطلاقه، وهذا ليس بواجد قبل الطلب، فهو عادم (¬1). المناقشة: يمكن مناقشته بأنه لا يقال لمن لم يطلب الشيء: إنه لم يجده، وإنما يقال: ليس هو عنده، فإذا وجده من غير طلب لا يقال: إنه وجده، بل يقال: أصابه إن كان عنده (¬2). ثالثًا: من المعقول: 1 ـ أنه غير عالم بوجود الماء فأشبه ما لو طَلَبَ فلم يجد (¬3). المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: بالمنع؛ لافتراق حال من تيقن العجز ومن لم يتيقنه، كما لا يستوي حال من جهل القبلة من غير طلب، ومن عجز عنها بعد الطلب (¬4). ¬
الوجه الثاني: أن هذا التعليل خلاف تعليل القرآن؛ لأن الله تعالى جعل العلة في جواز التيمم ثبوت عدم الماء، وعندهم العلة فيه ألا يعلم بالماء (¬1). 2 ـ أن كل عبادة تعلق وجوبها بوجود شرط لم يلزمه طلب ذلك الشرط، كالمال في الحج والزكاة (¬2). المناقشة: نوقش بأن ما كان شرطًا في وجوب العبادة لم يلزم طلبه كالمال في الحج، وما كان شرطًا في الانتقال عن العبادة لزم طلبه كالرقبة في الكفارة، وعدم الماء شرط في جواز الإنتقال فلزم فيه الطلب (¬3). 3 ـ أنه عادم للماء في الظاهر، فلم يلزمه الطلب كالفقير لا يلزمه طلب الرقبة (¬4). المناقشة: نوقش بأن هذا القياس غير سديد؛ لأنه يجب عليه أن يطلب الرقبة في المواضع التي جرت العادة بطلبها فيها مثل سوق الرقيق ونحوها (¬5). ¬
الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو مذهب الجمهور القائل بوجوب طلب الماء لصحة التيمم، وذلك لقوة أدلتهم، ودلالتها على إفادة المطلوب، وسلامتها من الاعتراضات القادحة، في مقابل ضعف أدلة القول الثاني بما حصل من مناقشتها.
المطلب الثاني وقت الطلب
المطلب الثاني وقت الطلب اتفق جمهور الفقهاء ـ القائلون باشتراط طلب الماء لمن شك في وجود الماء أو عدمه من غير يقين ـ على أنه لا يصح طلب الماء إلا بعد دخول الوقت، فإن طلب الماء قبل دخول الوقت لم يصح تيممه وعليه إعادة الطلب والتيمم؛ لأنه طلب قبل المخاطبة بالتيمم فلم يسقط فرضه، كالشفيع إذا طلب الشفعة قبل البيع، ولأنه إنما يطلب ليثبت شرط التيمم وهو عدم الماء، فلم يجز في وقت لا يجوز فيه فعل التيمم، ولو طلب الماء في أول الوقت وأخر التيمم إلى آخر الوقت جاز التيمم بعد ذلك من غير تجديد طلب (¬1). قال الحافظ ابن حجر (¬2) ـ عند شرحه حديث عائشة رضي الله عنها في ¬
سبب مشروعية التيمم ـ: «واستدل به على أن طلب الماء لا يجب إلا بعد دخول الوقت لقوله في رواية عمرو بن الحارث بعد قوله: وحضرت الصبح «فالتمس الماء فلم يُوجد» (¬1)» (¬2). وأما الحنفية فظاهر المذهب عندهم أن له الطلب في كل وقت ولو قبل دخول وقت الصلاة (¬3). قلت: يظهر لي ـ والله أعلم ـ أن منشأ الخلاف بين الجمهور والحنفية في هذه المسألة هو: هل التيمم بدل مطلق أم بدل ضروري؟ (¬4). فمن قال: إن التيمم بدل مطلق ـ وهم الحنفية ـ أجازوا التيمم وطلب الماء قبل الوقت، ومن قال: إن التيمم بدل ضروري ـ وهم الجمهور ـ اشترطوا للتيمم ولطلب الماء دخول الوقت (¬5). ¬
المطلب الثالث مسافة الطلب
المطلب الثالث مسافة الطلب إذا لم يجد المكلف الماء وأراد التيمم، فهل ينتقل إلى التراب مباشرة أم يشترط لذلك مسافة معينة لانتقال عادم الماء إلى التيمم؟ اختلفت أقوال المذاهب في هذه المسألة وفق ما يلي عرضه: أولاً: الحنفية (¬1): يجب عليه طلب الماء إذا غلب على ظنه وجوده في مسافة تكون أقل من الميل (¬2)، فإذا بلغت المسافة ميلاً فصاعدًا فلا يلزمه حينئذ الطلب. واستدلوا على ذلك بما يلي: 1ـ أن التيمم إنما شرع لدفع الحرج، وإليه وقعت الإشارة في آية التيمم ¬
ثانيا: المالكية
وهو قوله تعالى على أثر الآية: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6]، ولا حرج فيما دون الميل، فأما الميل فصاعدًا فلا يخلو من حرج. 2ـ لئلا ينقطع عن رفقته. ثانيًا: المالكية (¬1): ذهب المالكية إلى أنه يلزمه طلب الماء لكل صلاة طلبًا لا يشق عليه في مسافة تكون أقل من الميلين، فإذا بلغت المسافة ميلين فصاعدًا فلا يلزمه الطلب. ويمكن أن يستدل لهم بما يلي: أنه ليس في طلب الماء أقل من ميلين أي حرج أو مشقة وبالتالي يلزمه الطلب، وأما الميلان فصاعدًا فمظنة المشقة وإن لم تحصل بالفعل. ثالثًا: الشافعية (¬2): ذهب الشافعية إلى التفصيل الآتي: 1ـ أن يتيقن عدم الماء حوله، كبعض رمال البوادي، فيتيمم ولا يحتاج إلى طلب الماء؛ لأن الطلب مع تيقن العدم عبث. ¬
2ـ أن لا يتيقن العدم بل يشك في وجوده وعدمه، فيجب عليه طلبه في حد الغوث (¬1)، وهو مقدار غلوة (¬2)، فإن زاد على هذا فلا يلزمه الطلب ويتيمم. 3ـ أن يتيقن وجود الماء حواليه، فله ثلاث مراتب: الأولى: أن يكون على مسافة ينتشر إليها النازلون للحطب والحشيش والرعي، فيجب السعي إليه ولا يجوز التيمم؛ لأنه إذا كان يسعى إليه لأشغاله الدنيوية فللعبادة أولى، وهذا فوق حد الغوث الذي يقصده عند التوهم، وقدروه بنصف فرسخ (¬3). الثانية: أن يكون بعيدًا عنه، بحيث لو سعى إليه لفاته فرض الوقت، فيتيمم ولا يسعى إليه؛ لأنه فاقد في الحال. الثالثة: أن يكون بين المرتبتين، فيزيد على ما ينتشر إليه النازلون، ويقصر عن خروج الوقت، فالمذهب جواز التيمم، وأن علم وصوله إلى الماء في آخر الوقت. ¬
رابعا: الحنابلة
رابعًا: الحنابلة (¬1): ذهب الحنابلة إلى أنه يلزمه طلب الماء فيما قرب منه عرفًا (¬2) وعادة (¬3). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو مذهب الحنابلة في إرجاع مسافة الطلب إلى العرف والعادة، وذلك لما يلي: 1ـ أن هذا القول أرفق بالناس، وذلك لأن كثير من الناس يجهل مثل هذه المسافات التي نص عليها الفقهاء. 2ـ أن التقدير بالمسافة المعينة لم يرد به الشرع، ومحل ما لم يحد شرعًا فيرجع فيه إلى العرف (¬4) لاسيما وأن التيمم قد شرع لدفع الحرج، والتحديد ¬
بمسافة معينة لجميع الناس فيه حرج ومشقة (¬1). 3ـ أن من قدر مسافة الطلب بالميل أو بالميلين أو بالفرسخ ونحو ذلك إنما نظر إلى المشقة التي تلحق الإنسان في ذلك العصر، وأما في عصرنا فقد يكون الحال مختلفًا، فالسيارة ليست كالراحلة، والراكب ليس كالماشي، وما دام أن الأمر ليس فيه توقيف من الشارع فيرجع فيه إلى العرف (¬2). 4ـ لأن ذلك هو الموضع الذي يطلب فيه الماء عادة (¬3). ¬
المطلب الرابع صفة الطلب
المطلب الرابع صفة الطلب اتفق الفقهاء على أنه يجب على عادم الماء أن يطلبه في رحله (¬1) بأن يبدأ بتفتيش رحله وأثاثه؛ لأنه أقرب الأشياء إليه، ثم ينظر في الناحية التي هو فيها يمينًا وشمالاً، وأمامًا وخلفًا، وهذا إذا كان في سهل من الأرض لا يحول دون نظره شيء، فإن كان دونه حائل من ربوة أو شيء قائم أتاه وطلب عنده، وكذا إن كانت له رفقة (¬2) سألهم وطلب منهم، وإن وجد من له خبرة بالمكان سأله عن الماء، فإن لم يجد فهو عادم، وإن دُل على الماء لزمه قصده ما لم يخف ضررًا على نفسه أو ماله، أو يخشى فوات رفقته (¬3). ¬
المطلب الخامس تكرار الطلب
المطلب الخامس تكرار الطلب سبق القول بأن جمهور الفقهاء اتفقوا على وجوب طلب الماء لمن شك في وجود الماء أو عدمه من غير يقين وهم المالكية والشافعية والحنابلة (¬1)، وهذا إذا لم يسبق تيممه تيمم آخر، وطلب للماء. وأما إذا سبق له طلب الماء، وتيمم، وأراد تيممًا آخر إما لبطلان التيمم الأول بحدث أو غيره، أو لدخول وقت صلاة أخرى، أو لغير ذلك، فهل يحتاج إلى إعادة الطلب؟ (¬2) اتفق جمهور الفقهاء ـ وهم المالكية والشافعية والحنابلة ـ على أن من انتقل من موضع التيمم الذي كان فيه وقت طلب الماء للصلاة الأولى، او كان فيه وحدث ما يوجب توهم وجود الماء كأن رأى سحابة أظلت بقربه، أو طلع عليه ركب، أو رأى طيورًا أو خضرة وما أشبه ذلك مما يشك معه في وجود الماء، فإنه يجب عليه تكرار الطلب؛ لأن التيمم الثاني في حكم التيمم الأول في توجيه الخطاب بالطلب (¬3). ¬
واتفقوا أيضًا على أنه لو لم ينتقل من موضعه الأول، ولم يحدث ما يقتضي توهم وجود الماء، وتيقن بالطلب الأول أن لا ماء، فإنه لا يلزمه حينئذ لأنه قد تحقق عدمه (¬1). واختلفوا إذا لم ينتقل عن موضع التيمم، ولم يتيقن العدم في الطلب الأول، بل ظن العدم، فهل يحتاج في التيمم الثاني إلى إعادة الطلب؟ على قولين (¬2): القول الأول: يحتاج إلى إعادة الطلب، وهو قول المالكية والأصح عند الشافعية وقول الحنابلة؛ لأنه قد يعثر على بئر خفيت عليه، أو يرى من يدله على ماء فيتطهر به. وعلى هذا يكون الطلب الثاني أخف من الأول. القول الثاني: لا يحتاج إلى إعادة الطلب، وهو وجه للشافعية؛ لأنه لو كان ثم ماء لظفر به بالطلب الأول. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول، القائل بإعادة الطلب في التيمم الثاني وذلك لقوة تعليلهم، ولأن بالطلب الأول لم يحصل له يقين العدم، فيعيد الطلب احتياطًا، والاحتياط في العبادة أولى. ¬
المبحث الثاني شراء الماء
المبحث الثاني شراء الماء وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: ... حكم شراء الماء لمن فقده. المطلب الثاني: ... حكم الاقتراض لشراء الماء. المطلب الثالث: ... شراء الماء في الذمة. المطلب الرابع: ... حكم قبول الماء الموهوب.
المطلب الأول حكم شراء الماء لمن فقده
المطلب الأول حكم شراء الماء لمن فقده اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز للمكلف العادم للماء أن يعدل إلى التيمم مع قدرته على شراء الماء بثمن مثله (¬1)، وكان هذا الثمن فاضلاً عن حاجته ودينه (¬2)، واستدلوا على ذلك بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن من وجد الماء بثمن مثله وعنده ثمنه فإنه يعتبر واجدًا له (¬3). ثانيًا: من المعقول: 5ـ أن القدرة على ثمن الشيء كالقدرة على الشيء نفسه، قياسًا على الرقبة في الكفارة، حيث أنه لا يجوز له أن ينتقل إلى الصوم، إذا كان يملك الرقبة أو يملك ثمنها (¬4). ¬
6ـ لأنه قادر على استعماله من غير ضرر (¬1). 7ـ لأنه يلزمه شراء ستر عورته للصلاة فكذا هنا (¬2). واتفق الفقهاء أيضًا على أن من عدم الماء، ووجده يباع بزيادة كبيرة على ثمن المثل وبغبن فاحش (¬3)، فإنه لا يلزمه شراؤه ويتيمم (¬4) (¬5) (¬6). ¬
واستدلوا على ذلك بما يلي: 1ـ أن حرمة مال المسلم كحرمة نفسه، والضرر في النفس مسقط، فكذا في المال (¬1). 2ـ أن الزيادة الكثيرة تجعله في حكم المعدوم (¬2). 3ـ أن هذا القول هو الموافق ليسر الشريعة الإسلامية ودفع الحرج والمشقة عن المكلفين في أنفسهم وأموالهم. واختلف الفقهاء فيما إذا كانت الزيادة على ثمن المثل يسيرة، فهل يلزمه شراء الماء أم لا؟ وذلك على قولين: القول الأول: يلزمه شراء الماء، وهو قول الحنفية والمالكية ووجه للشافعية، ورواية عند الحنابلة هي المذهب (¬3). القول الثاني: لا يلزمه شراء الماء، وهو الصحيح من قول الشافعية، ورواية عند الحنابلة (¬4). ¬
أدلة القول الأول: وهم القائلون بلزوم شراء الماء إذا كانت الزيادة يسيرة، استدلوا بما يلي:
أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن من وجد الماء بزيادة يسيرة على ثمن المثل وعنده ثمنه فإنه يعتبر واجدًا له (¬1). ثانيًا: من المعقول: 1ـ أن تلك الزيادة اليسيرة غير معتبرة فلا أثر لها (¬2). 2ـ أن القدرة على ثمن العين كالقدرة على العين في المنع من الانتقال إلى البدل، بدليل ما لو بيعت بثمن مثلها (¬3). 3ـ أن الضرر اليسير قد اغتفر في النفس كضرر يسير في بدنه من صداع أو برد، فتحمل الضرر اليسير في المال أحرى (¬4). ¬
أدلة القول الثاني: وهم القائلون بعدم شراء الماء سواء كثرت الزيادة عن ثمن المثل أو قلت، استدلوا بما يلي: 1 ـ أنه لو لزمه بذل اليسير للزمه بذل الكثير، ولأفضى الأمر به إلى خروجه من جميع ملكه، وهذا عدول عما يقتضيه الشرع (¬1). المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن التفريق بين الغبن اليسير والغبن الفاحش مقرر في الشرع فالمصير إليه أولى (¬2). الوجه الثاني: أن الزيادة اليسيرة لا يتحقق كونها زيادة، لدخولها بين تقويم (¬3) المقومين، فصار وجودها ووجود ثمن المثل سواء (¬4). 2 ـ أن في الزيادة عليه ضرر، فلا يلزمه بذلها، كما لو خاف لصًا يأخذ من ماله ذلك المقدار، فإنه يتيمم (¬5). المناقشة: نوقش بأن الشافعية قد قالوا في المريض: يلزمه الغسل، ما لم يخف التلف. فتحمل الضرر اليسير في المال أحرى (¬6). قال السيوطي (¬7): «... وأشكل من هذا أنهم لم يوجبوا شراء الماء بزيادة يسيرة على ثمن المثل وجوزوا التيمم، ومنعوه فيما إذا خاف شيئًا فاحشًا في عضو باطن مع أن ضرره أشد من ضرر بذل الزياذة اليسيرة جدًا، خصوصًا إذا كان رقيقًا، فإنه ينقص بذلك قيمته أضعاف قدر الزيادة المذكورة، وقد استشكله الشيخ عز الدين وغيره ولا جواب عنه» (¬8). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول، القائل بلزوم شراء الماء إذا كانت الزيادة يسيرة، وذلك لما يلي: 1ـ قوة دليل هذا القول في مقابل ضعف أدلة المخالفين بما حصل من مناقشة. 2ـ أن أغلب الناس لا يلتفتون إلى هذه الزيادة لكونها يسيرة، ولأنها في مقابل الحصول على ماء الوضوء الذي هو شرط في صحة الصلاة. ¬
المطلب الثاني حكم الاقتراض لشراء الماء
المطلب الثاني حكم الاقتراض (¬1) لشراء الماء إذا عدم المكلف الماء، ولم يجده إلا بثمن وليس معه مال، فهل يجب عليه الاقتراض لشراء الماء؟ اتفق الفقهاء على أن من عدم الماء ولم يجده إلا بثمن لم يقدر عليه، وليس عنده ما يوفيه لكونه معدمًا فإنه لا يجب عليه الاقتراض لشراء الماء ولا قبول قرضه (¬2) واستدلوا على ذلك بما يلي: 1ـ لأنه لا يأمن أن يطالبه قبل وصوله إلى ماله (¬3). 2ـ لأن الاستقراض اكتساب (¬4)، ولا يجب الاكتساب لحصول الماء (¬5). ¬
3ـ لما في ذلك من الحرج (¬1) وعظم المنّة (¬2). واختلفوا فيما إذا كان مليًا ببلده أو يستطيع الوفاء بهذا الثمن، فهل يجب عليه الاقتراض لشراء الماء؟ وذلك على قولين (¬3): القول الأول: لا يجب عليه الاقتراض لشراء الماء، وهو قول الحنفية، والأصح عند الشافعية، والصحيح عند الحنابلة. واستدلوا بالأدلة نفسها المتقدمة الدالة على عدم الاقتراض لشراء الماء لكونه معدمًا وليس عنده ما يوفيه. القول الثاني: يجب عليه الاقتراض لشراء الماء، وهو قول المالكية، ووجه للشافعية، وقول للحنابلة وعللّوا ذلك بأن المنّة لا تثقل فيها (¬4). المناقشة: يمكن مناقشته بأن السؤال صعب على ذوي المروءات وإن هان قدر المسؤول (¬5). ¬
الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم وجوب الاقتراض لشراء الماء وإن كان مليًا ببلده وله ما يوفيه، وذلك لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة.
المطلب الثالث شراء الماء في الذمة
المطلب الثالث شراء الماء في الذمة اتفق الفقهاء على أن من عدم الماء، ووجد من يبيعه الماء بثمن مؤجل في ذمته، وهو غير واجد للثمن في موضعه ولا في موضع آخر، فإنه لا يلزمه شراؤه (¬1). وعللوا ذلك بما يلي: 1. لأن العجز متحقق في الحال (¬2). 2. لأن عليه ضررًا في ذلك (¬3). واختلفوا فيما إذا لم يجد الثمن في موضعه، ويجده في موضع آخر كأن يكون له مال غائب، فهل يجب عليه شراء الماء في ذمته، أم لا؟ وذلك على قولين (¬4): القول الأول: يلزمه شراء الماء ولا يجوز له التيمم، وهو قول الحنفية، والمالكية، والصحيح عند الشافعية، وقول للحنابلة (¬5). القول الثاني: لا يلزمه شراء الماء ويجوز له التيمم، وهو وجه للشافعية، والصحيح عند الحنابلة. ¬
أدلة القول الأول: علّل الجمهور ما ذهبوا إليه بما يلي: 1ـ لأن الأجل لازم فلا مطالبة قبل حلوله بخلاف القرض (¬1). 2ـ لأن ذلك لا يخرجه عن ثمن المثل (¬2). 3ـ قياسًا على الرقبة في الكفارة (¬3). المناقشة: نوقش الدليل الثالث بأنه قياس مع الفارق لأن الصلاة مؤقتة لا يجوز تأخيرها عن وقتها، بخلاف الكفارة فيجوز انتقالها من موضع إلى موضع (¬4). أدلة القول الثاني: عللوا ما ذهبوا إليه بما يلي: 1ـ أنه قد يجوز أن يهلك المال قبل وصوله إليه (¬5). 2ـ أن عليه ضررًا في بقاء الدين في ذمته (¬6). ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بأنه لا ضرر عليه في ذلك (¬1)؛ لأنه مع القدرة على الوفاء أشبه واجد الثمن (¬2). 3ـ قياسًا على المتمتع إذا عدم الهدي في موضعه دون بلده (¬3). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بلزوم شراء الماء وإن كان له مال غائب، وذلك لوجاهة ما استدلوا به، ولأنه تحصيل للماء الذي هو شرط في صحة الصلاة. ¬
المطلب الرابع حكم قبول الماء الموهوب
المطلب الرابع حكم قبول الماء الموهوب اتفق الفقهاء على أن المكلف إذا لم يجد الماء، ووجد من يبذل له ثمنه هبة أو صدقة، فإنه يلزمه قبوله (¬1)، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم (¬2). وعللوا ذلك بما يلي: 1. لأن المنة تلحق به (¬3). 2. لأنه لا يتسامح بالثمن في الغالب، لكون المال مبني على المشاحة ولزوم المكافأة عليه (¬4). 3. لأن العجز متحقق في الحال (¬5). ¬
الفرع الأول حكم قبول الماء الموهوب
الفرع الأول حكم قبول الماء الموهوب اختلف الفقهاء فيما إذا عدم الماء ووجد من يبذله له قرضًا أو هبة أو صدقة، فهل يلزمه القبول فلا يصح تيممه في هذه الحالة أم لا يلزمه القبول ويصح تيممه؟ للفقهاء في هذه المسألة قولان: القول الأول: يلزمه القبول، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، إلا أن المالكية اشترطوا عدم تحقق المنّة وإلا لم يلزمه (¬1). القول الثاني: لا يلزمه القبول، وهو وجه عند الشافعية، وقول للحنابلة (¬2). أدلة القول الأول: استدل القائلون بأن من بذل له الماء لزمه القبول بما يلي: 1ـ أن المسامحة في الماء غالبة فلا تعظم فيه المنّة (¬3). 2ـ لأنه قادر على استعمال الماء، فيلزمه استعماله (¬4). ¬
أدلة القول الثاني: استدل القائلون بأن من بذل له الماء لم يلزمه القبول، بما يلي: 1ـ لأن المنة تلحق به (¬1). المناقشة: يمكن مناقشته بأن الماء مبتذل لا يُمن به في الغالب (¬2)، وذلك لأن أصله مباح فلا يلزم من قبوله مكافأة (¬3). 2ـ قياسًا على عدم لزوم قبول الرقبة في الكفارة (¬4). المناقشة: نوقش بأنه قياس مع الفارق؛ لأن الماء لا يُمن به في العادة بخلاف الرقبة، ولهذا لو وهبت له الرقبة ابتداءً لم يجب قبولها بخلاف الماء (¬5). 3ـ لأنه نوع يكسب للطهارة فلا يلزمه، كما لا يلزمه اكتساب ثمن الماء (¬6). ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بأن الإنسان يكتسب للأمور الدنيوية، فالاكتساب للطهارة أولى. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بلزوم القبول لمن بذل له الماء، وذلك لما يلي: 1ـ قوة الأدلة وسلامتها من المعارضة. 2ـ مناقشة أدلة القول الثاني. وبهذا يُعلم أن من بذل له الماء ولم يقبله وصلى بالتيمم فإنه يأثم ولا تصح صلاته وتلزمه الإعادة (¬1). ¬
الفرع الثاني هل يجب استيهاب الماء أو اقتراضه؟
الفرع الثاني هل يجب استيهاب الماء أو اقتراضه؟ اختلف الفقهاء فيما إذا عدم الماء ووجده عند غيره، فهل يجب استيهابه أو اقتراضه أم لا؟ وذلك على قولين (¬1): القول الأول: يجب استيهاب الماء واقتراضه، وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، إلا أن المالكية اشترطوا في الاستيهاب عدم تحقق المنّة وإلا لا يجب استيهابه. القول الثاني: لا يجب استيهاب الماء ولا اقتراضه، وهو وجه للشافعية، وقول الحنابلة. أدلة القول الأول: استدلوا بالأدلة نفسها المتقدمة الدالّة على وجوب قبول الماء المبذول. أدلة القول الثاني: استدلوا بالأدلة نفسها المتقدمة الدالة على عدم وجوب قبول الماء المبذول. ¬
الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بوجوب استيهاب الماء واقتراضه، وذلك لقوة الأدلة وسلامتها من المعارضة، ولأن أدلة القول الثاني تم مناقشتها (¬1). ¬
المبحث الثالث نسيان الماء
المبحث الثالث نسيان الماء وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: ... التيمم لمن نسي الماء بعد أن علم به. المطلب الثاني: ... التيمم لمن ضل عن مكانه الذي فيه الماء. المطلب الثالث: ... إذا قام وصلى ثم بان أنه بقربه بئر أو ماء. المطلب الرابع: ... إذا وضع الماء في رحله ولم يعلم به. المطلب الخامس: ... التيمم لمن ظن أن الماء قد نفذ.
المطلب الأول التيمم لمن نسي الماء بعد أن علم به
المطلب الأول التيمم لمن نسي الماء بعد أن علم به اختلف الفقهاء في حكم من نسي الماء في رحله أو في موضع يمكنه استعماله وكان عالمًا بالماء، فتيمم وصلى ثم تذكر الماء، فهل تجب عليه إعادة الصلاة ولا يصح تيممه أم لا؟ على قولين (¬1): القول الأول: أنه لا تجب عليه الإعادة ويصح تيممه، وهو قول أبي حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن (¬2)، والمشهور عند المالكية، وقول للشافعية (هو قول الإمام الشافعي في القديم)، ورواية عند الحنابلة. ¬
القول الثاني: أنه تجب عليه الإعادة ولا يصح تيممه، وهو قول أبي يوسف (¬1) من الحنفية، ورواية للمالكية، والصحيح عند الشافعية (هو قول الإمام الشافعي في الجديد)، ومذهب الحنابلة. أدلة القول الأول: أولاً: من الكتاب: 8ـ قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى كلفنا بحسب الوسع، وليس في وسع الناس استعمال الماء قبل علمه به، وإذا لم يكن مخاطبًا باستعماله فوجوده كعدمه (¬2). 9ـ قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]. ¬
وجه الدلالة: أن الناسي غير واجد لما هو ناس له، إذ لا سبيل إلى الوصول إلى استعماله فهو بمنزلة من لا ماء في رحله ولا بحضرته (¬1). 10ـ قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الخطاب في هذه الآية لم يتوجه إلى الناسي؛ لأن تكليف الناسي لا يصح (¬2)، وإذا لم يكن مأمورًا مكلفًا بالغسل فهو مأمور بالتيمم لا محالة؛ لأنه لا يجوز سقوطهما جميعًا عنه مع الإمكان، فثبت جواز تيممه (¬3). 11ـ قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]. وجه الدلالة: أن الآية اقتضت سقوط حكم المنسي (¬4). ¬
ثانيًا: من السنة: حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (¬1). وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى قد عفى عن المخطئ حال خطئه، وعن الناسي حال نسيانه، فيكون فرضه التيمم؛ لأن الله قد تجاوز عنه. المناقشة: نوقش بأن أهل الأصول اختلفوا في هذا الحديث هل هو مجمل أم عام؟ فإذا قيل: إنه مجمل توقف الاحتجاج به على بيان المراد فلا حجة لهم فيه. وإذا قيل: إنه عام ـ قال النووي: وهو الأصح ـ فقد خص منه غرامة المتلفات، ومن صلى محدثًا ناسيًا، ومن نسي بعض أعضاء طهارته وغير ذلك، فكذا يخص منه نسيان الماء في رحله قياسًا على نسيان بعض الأعضاء وغيره ¬
مما ذكرناه، فإن التخصيص بالقياس جائز (¬1) (¬2). ثالثًا: من المعقول: 1ـ أن الناسي قد صلى على الوجه الذي يلزمه في ذلك الوقت، فلا تجب عليه الإعادة (¬3). المناقشة: نوقش بأنه إن أرادوا يلزمه في نفس الأمر فلا يسلم به، وإن أرادوا في الظاهر وبالنسبة إلى اعتقاده فينتقض بمن نسي بعض الأعضاء (¬4). 2ـ أن العجز عن استعمال الماء قد تحقق بسبب الجهالة والنسيان، فصح تيممه، كما لو حصل العجز بسبب عدم الدلو والرشاء (¬5) (¬6). ¬
المناقشة: يمكن أن يناقش بأنه ليس بعاجز عن استعمال الماء؛ لثبوت العلم نظرًا إلى الدليل وهو وجود الماء؛ لأن الرحل معدن الماء فيجب الطلب فيه قبل التيمم، فيلحق الرحل بالعمران وإخبار المخبر ووجود طير ووحش بجامع وجود دليل الماء (¬1). 3ـ لأن النسيان عذر حال بينه وبين استعمال الماء، كما لو وجد الماء ولم يصل إليه لخوف سبع أو عدو (¬2). المناقشة: نوقش بأن هذا القياس لا يصح؛ لأن من منعه السبع أو العدو لم يحصل منه تقصير في ذلك، بخلاف الناسي، ولذلك فقد حصل الاتفاق على أن السبع لو حال بينه وبين ساتر العورة صحت صلاته عاريًا، ولو تركها ناسيًا أعاد (¬3). الجواب: يمكن أن يجاب بجوابين: الأول: أن التفريط والتقصير إنما يكون في ترك ما وجب عليه، والناسي ليس كذلك لأنه غير مأمور بما عجز عنه شرعًا. ¬
الثاني: أن القياس على من نسي ستر العورة في الصلاة لا يصح؛ لأن المقيس عليه محل خلاف (¬1). 4ـ أن الناسي صلى ولا يعلم أن معه ماء، فلم تلزمه إعادة، كمن صلى ثم رأى بقربه بئرًا (¬2). المناقشة: نوقش بأنه قياس مع الفارق؛ لأن البئر إن كانت ظاهرة لزمه الإعادة، وإن كانت خفية فلا ينسب فيها إلى تفريط بخلاف النسيان (¬3). الجواب: يمكن أن يجاب بما أجيب به في الجواب الأول من مناقشة الدليل السابق. أدلة القول الثاني: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]. ¬
وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أباح التيمم عند عدم الماء، وهذا واجد للماء، لأن وجود الماء لا ينافيه النسيان، وإنما ينافيه العدم، فلم يتحقق الشرط (¬1). المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن الوجود المراد بالآية هو القدرة على الاستعمال من غير مشقة، وهذا لا يوجد فيما نسيه (¬2). الوجه الثاني: أنه لا يوصف بأنه واجد له وإن كان موجودًا، كمن معه ماء وهو يخاف على نفسه العطش فإنه يجوز له التيمم وهو واجد للماء، فالناسي أبعد من الوجود لتعذر وصوله إلى استعماله (¬3). ثانيًا: من المعقول: 1ـ أن الناسي للماء قد نسي ما لا ينسى عادة؛ لأن الماء من أعز الأشياء في السفر؛ لكونه سببًا لصيانة نفسه عن الهلاك، فكان القلب متعلقًا به، فالتحق النسيان فيه بالعدم (¬4). ¬
المناقشة: نوقش بأنه استدلال غير صحيح؛ لأن النسيان جبلة (¬1) في البشر، خصوصًا إذا مرَّ به أمر يشغله عما وراءه، والسفر محل المشقات، ومكان المخاوف، فنسيان الأشياء فيه غير نادر (¬2). 2ـ أن الرحل موضع الماء غالبًا؛ لحاجة المسافر إليه، فكان الطلب واجبًا كما في العمران (¬3). المناقشة: نوقش بأنه ليس كذلك؛ لأن الغالب في الماء الموضوع في الرحل هو النفاد لقلته، فلا يكون بقاؤه غالبًا، فيتحقق العجز ظاهرًا بخلاف العمران لأنه لا يخلو عن الماء غالبًا (¬4). 3ـ لأن الطهارة بالماء شرط من شروط الصلاة، فلم يسقط بالنسيان كستر العورة، وغسل بعض الأعضاء، وكمريض صلى قاعدًا ـ متوهمًا عجزه عن القيام ـ وكان قادرًا، وكحاكم نسي النص فحكم بالقياس، وكمن نسي الرقبة في الكفارة فصام، وكمن كان الماء في إناء على كتفه فنسيه وتيمم وصلى فإنه يعيد بالاتفاق (¬5). ¬
المناقشة: نوقش هذا الدليل من خمسة وجوه: الوجه الأول: أن النسيان بمجرده لا يؤثر في سقوط الفرض، وإنما يؤثر مع انضمام معنى آخر إليه فيصيران عذرًا في سقوط الفرض، كالسفر الذي هو حال عدم الماء فإذا انضم إليه النسيان فإنهما يصيران عذرين في سقوط الفرض، وأما نسيان الطهارة والصلاة وستر العورة ونحو ذلك فلم ينضم إلى النسيان في ذلك معنى آخر حتى يصير عذرًا في سقوط هذه الفرائض (¬1). الوجه الثاني: أن قياس ناسي الماء على من نسي ستر العورة أو من نسي القيام فصلى قاعدًا لا يصح؛ لأن النسيان إنما يكون عذرًا في الانتقال إلى بدل لا في سقوط أصل الفرض، ومن نسي القيام وستر العورة فقد ترك فرضًا ولم ينتقل إلى بدل بخلاف من نسي الماء في رحله فإنه انتقل من الوضوء إلى التيمم، ولا يقال: إن القعود بدل عن القيام؛ لأنه فرضه، والجزء من الشيء ليس ببدل عنه (¬2). الوجه الثالث: أن القياس على من نسي غسل بعض الأعضاء غير سديد؛ لأن ترك بعض الأعضاء لا تؤثر فيه الأعذار مع بقاء فرضه، ولهذا نجد أن المرض والسفر لا يؤثران في ذلك، وانتقال الفرض من الوضوء إلى التيمم تؤثر فيه الأعذار: المرض والسفر؛ فجاز أن يؤثر فيه النسيان (¬3). ¬
الوجه الرابع: أن قياس الناسي للماء في رحله على نسيان الرقبة في الكفارة، إنما هو قياس مع الفارق؛ لأن المعتبر في الرقبة الملك، بدليل أنه لو عرض عليه رقبة كان له ألا يقبل ويكفر بالصوم، وبالنسيان لا ينعدم الملك، وأما الطهارة بالماء فالمعتبر فيها القدرة على استعمال الماء، وبالنسيان زالت القدرة، بدليل أنه لو عرض عليه الماء لزمه قبوله وبطل تيممه (¬1). الجواب: تم الإجابة عليه بأنه لا فرق بينهما، فإنه لو كان قادرًا في الموضعين على الأصل لم يجز له الإنتقال إلى البدل ولو عدم الأصل جاز له الإنتقال إلى البدل، فأما العتق مع الغيبة فلأنه يقدر أن يقول عتقت عبدي فينفذ، ولا يقدر على الوضوء بماء غائب عنه، وأما إذا بذلت له الرقبة فلا يلزمه قبولها؛ لأنه مع عدمها لا تجب عليه، فلا يلزمه أن يكتسب لتجب، ولأنه لو قبلها لم يلزمه إخراجها، فإنه يجزئه الصوم إذا كان فقيرًا حال الوجوب، ثم في قبول الرقبة منّة كثيرة بخلاف الماء فإنه لا منة فيه، والمنّة قد لا تسامح النفس بحملها (¬2). الوجه الخامس: أن القياس على من نسي الماء على كتفه لا يصح؛ لأنه لا يخلو من أن يكون راكبًا أو سائقًا، فإن كان راكبًا وكان الماء في مؤخر الرحل فهو على الاختلاف، وإن كان في مقدم الرحل لا يجوز بالإجماع؛ لأن نسيانه نادر. ¬
وأما إذا كان سائقًا فالجواب على العكس، وهو أنه إن كان في مؤخر الرحل فلا يجوز بالإجماع؛ لأنه يراه ويبصره، فكان النسيان نادرًا، وإن كان في مقدم الرحل فهو على الاختلاف (¬1). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم إعادة الصلاة لمن نسي الماء في رحله، ولكن بشرط أن يجتهد في طلب الماء قبل التيمم حتى يغلب على ظنه عدمه، وإلا فالقول بالإعادة أحوط؛ لئلا يعرض نفسه للعقوبة (¬2). وكان هذا هو الراجح لما يلي: 1. قوة أدلة هذا القول، وإفادتها المراد. 2. لأن تكليف الناس بما لا يعلمه فيه مشقة عليه، وخاصة إذا تعددت عليه الصلوات. 3. ولأن هذا القول فيه تيسير على المسلمين ورفع للحرج عنهم. ¬
المطلب الثاني التيمم لمن ضل عن مكانه الذي فيه الماء
المطلب الثاني التيمم لمن ضل عن مكانه الذي فيه الماء اتفق جمهور الفقهاء على أن من ضلَّ عن مكانه الذي فيه الماء، أو ضل رحله في الرحال بسبب ظلمة أو غيرها، أو ضل عن موضع بئر كان يعرفها، فتيمم بعد طلبه الماء فإن تيممه صحيح ولا إعادة عليه (¬1) (¬2)، إلا وجهًا لبعض الشافعية وقولاً لبعض الحنابلة أنه لا يصح تيممه وتلزمه الإعادة قياسًا على الناسي (¬3). وكانت أدلة هذا الاتفاق ما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 18]. ¬
وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أباح التيمم عند عدم الماء، وهذا غير واجد للماء فجاز له التيمم بنص الآية (¬1). ثانيًا: من المعقول: 1. أنه غير مفرط فتصح صلاته (¬2). 2. لأنه قد يشتغل بشد متاع أو إصلاح شأن فيعرض له ذلك كثيرًا (¬3). 3. ولأنه تيمم وهو مع الذكر للماء غير قادر على استعماله، فصار عاجزًا عنه (¬4). 4. ولأنه غير عالم بمكان الماء. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بصحة تيمم من ضل عن مكانه الذي فيه الماء ولا إعادة عليه، وذلك لقوة أدلتهم، ولأن القياس على الناسي لا يصح؛ لأن المقيس عليه محل خلاف، وحتى القول القائل بإعادة الصلاة لمن نسي الماء فإنه فرق بين الناسي وبين مسألتنا، فأوجب الإعادة في الناسي لتفريطه بخلاف مسألتنا. ¬
المطلب الثالث إذا قام وصلى ثم بان أنه بقربه بئر أو ماء
المطلب الثالث إذا قام وصلى ثم بان أنه بقربه بئر أو ماء اختلف الفقهاء في حكم من صلى بالتيمم ثم بان أنه كان بقربه بئر أو ماء متجمع كغدير ونحوه وهولا يعلم به، على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه لا تجب عليه الإعادة ويصح تيممه، وهو قول الحنفية، والمالكية، وابن سريج (¬1) من الشافعية، إلا أن المالكية قالوا: يعيد في الوقت استحبابًا (¬2). ويمكن أن يستدل لهم بنفس أدلة المطلب السابق الدالة على صحة التيمم لمن ضل عن مكانه وفيه الماء (¬3). القول الثاني: أنه تجب عليه الإعادة ولا يصح تيممه، وهو وجه للشافعية (¬4)، لأنه مفرط. ¬
القول الثالث: ينظر على حال البئر أو الماء المتجمع، فإن كانت معالم البئر أو الماء المتجمع ظاهرة غير خفية، فإن عليه إعادة الصلاة؛ لأنه مفرط. وإن كانت معالم البئر أو الماء المتجمع خفية غير ظاهرة، فإنه لا تجب عليه إعادة الصلاة ويصح تيممه؛ لأنه غير مفرط. وهذا القول هو الصحيح عند الشافعية، وقول الحنابلة (¬1). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم إعادة الصلاة لمن صلى بالتيمم ولا يعلم أن الماء بقربه، وذلك لما يلي: 1ـ لقوة أدلة هذا القول، وإفادتها المراد. 2ـ لأنه قد أدى فرضه على ما أمر الله به ولم يكلف علم ما غاب عنه مما لا طريق له إلى معرفته (¬2). 3ـ ولأنه لم يقصد مخالفة أمر الله تعالى، فهو حينما صلى كان منتهى قدرته أنه لا ماء حوله (¬3). ¬
المطلب الرابع إذا وضع الماء في رحله ولم يعلم به
المطلب الرابع إذا وُضع الماء في رحله ولم يعلم به اختلف الفقهاء في حكم من لم يعلم بوجود الماء في رحله كأن وضع بغير علمه فتيمم وصلى ثم وجد الماء في رحله، فهل تيممه صحيح ولا تلزمه إعادة الصلاة أم لا؟ وذلك على قولين (¬1): القول الأول: أنه لا تجب عليه الإعادة ويصح تيممه، وهو قول الحنفية والمالكية، والصحيح عند الشافعية، وهو وجه عند الحنابلة اختاره المرداوي (¬2)، إلا أن المالكية قالوا: يعيد في الوقت ندبًا. القول الثاني: أنه تجب عليه الإعادة ولا يصح تيممه، وهو قول للشافعية، والصحيح عند الحنابلة. ¬
أدلة القول الأول: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى كلفنا بحسب الوسع، وليس في الوسع استعمال الماء قبل العلم به، وإذا لم يكن مخاطبًا باستعماله فوجوده كعدمه (¬1). ثانيًا: من المعقول: 1ـ لأنه غير واجد للماء (¬2). 2ـ لأنه لا يعد في هذه الحالة مفرطًا (¬3). 3ـ لأن ذلك من فعل غيره، وهو غير مخاطب به شرعًا إذ ليس من كسبه فلا يؤاخذ به (¬4). أدلة القول الثاني: عللوا ما ذهبوا إليه بما يلي: أن على الشخص أن يبحث عن الماء في رحله قبل أن يتيمم، وهذا لم يبحث فتلزمه الإعادة لتفريطه بعدم طلبه في رحله (¬5). ¬
المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أنه لا يعلم بوضع الماء ابتداء، ففرضه التيمم، والأصل عدم العلم، ولا دال له على وجود الماء في الرحل، فصحت صلاته (¬1). الوجه الثاني: لأنه لا يخاطب بفعل الغير (¬2). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بصحة تيمم من وضع الماء في رحله ولم يعلم به، وذلك لما يلي: 1ـ قوة الأدلة وسلامتها من المعارضة. 2ـ مناقشة أدلة القول الثاني. 3ـ أن الله سبحانه وتعالى قد عفى عن المخطئ حال خطئه، وعن الناسي حال نسيانه، كما في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان ...» (¬3)، فمن وُضع الماء في رحله بغير علمه من باب أولى؛ لأن النسيان يستدعي تقدم العلم، بخلاف من وضع الماء في رحله بغير علمه إذ لا علم له أصلاً. ¬
المطلب الخامس التيمم لمن ظن أن الماء قد نفذ
المطلب الخامس التيمم لمن ظن أن الماء قد نفذ اتفق الفقهاء على أن من كان عالمًا بوجود الماء، وظن أنه قد نفذ، فتيمم وصلى ثم تبين له أن الماء لم ينفذ، فإنه لا يصح تيممه وعليه إعادة الصلاة (¬1). واستدلوا على ذلك بما يلي: 1. لأن القدرة على الاستعمال ثابتة بعلمه فلا ينعدم بظنه، فيلزمه التفتيش (¬2). 2. ولأن التفريط جاء من قلبه (¬3). 3. ولأن العلم لا يبطل بالظن، فكان الطلب واجبًا (¬4). ¬
المبحث الرابع التيمم لمن وجد ماء لا يكفي للطهارة
المبحث الرابع التيمم لمن وجد ماء لا يكفي للطهارة وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: حكم من وجد من الماء بعض ما يكفيه. المطلب الثاني: كيفية استعمال الماء الذي لا يكفي للطهارة. المطلب الثالث: إذا كان مع الجنب ماء يكفي للوضوء فقط.
المطلب الأول حكم من وجد من الماء بعض ما يكفيه
المطلب الأول حكم من وجد من الماء بعض ما يكفيه اتفق الفقهاء على جواز التيمم ومشروعيته عند عدم الماء حقيقة أو حكمًا (¬1)؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]، فلم يجعل الله تعالى للتيمم حكمًا مع وجود الماء. واختلفوا في حكم من وجد من الماء بعض ما يكفيه للوضوء أو الغسل، فهل يستعمله ثم يتيمم للباقي، أم لا يلزمه استعماله ويجزئه التيمم؟ على قولين (¬2): القول الأول: أنه يلزمه استعمال الماء ثم يتيمم للباقي، وهو الأصح عند الشافعية (هو قول الإمام الشافعي في الجديد)، ومذهب الحنابلة. القول الثاني: أنه يتيمم ولا يلزمه استعمال الماء، وهو قول الحنفية، والمالكية، وقول للشافعية (هو قول الإمام الشافعي في القديم) واختاره المزني (¬3)، ووجه للحنابلة في المحدث حدثًا أصغر. ¬
سبب الخلاف: وسبب الخلاف بين العلماء في هذه المسألة هو أن الله تعالى أمر القائم إلى الصلاة بغسل الأعضاء المذكورة في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]، ومعلوم أنها لا تغسل إلا بماء، ولكن الماء غير مذكور ولا منصوص عليه في صدر الآية، فلما قال تعالى عقب ذلك: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 2] وقع الإشكال، هل المراد ماء وإن لم يكف، فيجب استعمال ما لا يكفي في الطهارة منه، لأنه يسمى ماء، أو المراد الماء المتقدم التنبيه عليه وإن لم يذكر، فلا يجب استعمال ما لا يكفي منه (¬1)؟ أدلة القول الأول: استدل القائلون بأن من وجد من الماء بعض ما يكفيه، فإنه يلزمه استعماله ثم يتيمم للباقي بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]. ¬
وجه الدلالة: دلت الآية على أن من وجد من الماء بعض ما يكفيه فإنه يستعمله ويتيمم للباقي، وذلك من وجهين: الوجه الأول: أن الله سبحانه وتعالى اشترط للتيمم عدم الماء، ومن كان عنده شيء من الماء فإنه يعتبر واجدًا للماء (¬1). المناقشة: نوقش بالمنع؛ لأن المراد بالآية وجود الماء الكافي للطهارة، وهذا غير واجد لماء يكفيه فوجب أن يتيمم (¬2)، ويترك الماء الذي لا يكفيه؛ لأنه إن استعمله وتيمم ترك حكم الآية (¬3). الوجه الثاني: أن كلمة {مَاءً} في الآية جاءت نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم لكل ما يطلق عليه اسم الماء، فاقتضى ذلك أنه إذا وجد ماءً قليلاً كان أو كثيرًا لم يجز له التيمم (¬4). المناقشة: نوقش بأن الآية سيقت لبيان الطهارة الحكمية، فكأن التقدير فلم تجدوا ماء ¬
محللاً للصلاة بدليل أن وجود الماء النجس لا يمنع من التيمم وإن تناولته النكرة المذكورة، والحل موقوف على ما يكفي الأعضاء كلها (¬1). ثانيًا: من السنة: 1ـ حديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير» (¬2). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترط للتيمم عدم الماء، ومن وجد شيء من الماء فإنه يجب عليه استعماله ثم التيمم للباقي، ولم يفرق بين ماء قليل يكفيه أو لا يكفيه. المناقشة: ويمكن أن يناقش الاستدلال بهذا الحديث بما نوقش به الاستدلال بالآية السابقة. 2ـ حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «... وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (¬3). ¬
وجه الدلالة: أن الحديث يدل على العفو عن كل ما خرج عن طاقة الإنسان، وعلى وجوب الإتيان بما دخل تحت الاستطاعة من المأمور به، وهذا مستطيع لأن يأتي ببعض وضوئه أو ببعض غسله، غير مستطيع على باقيه، ففرض عليه أن يأتي من الغسل بما يستطيع في الأول فالأول من أعضاء الوضوء، وأعضاء الغسل حيث بلغ، فإذا نفذ لزمه التيمم لباقي أعضائه ولابد؛ لأنه غير واجد للماء في تطهيرها، فالواجب عليه تعويض التراب كما أمره الله تعالى (¬1). المناقشة: يمكن مناقشته بأن المراد في الحديث أن يأتي المكلف ما يستطيعه من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إن كان مفيدًا، ومن وجد من الماء ما يكفي بعض أعضاء الوضوء دون البعض فإنه لا يقدر على رفع حدثه بهذا القدر من الماء فهو في حكم العادم، ولا حكم لوجود ما يكفي لبعض الوضوء فإن فاعل ذلك لا يسمى متوضئًا ولا يصدق عليه أنه قد فعل ما أمر الله به من الوضوء، فالواجب عليه ترك غسل ذلك البعض الذي لم يجد من الماء إلا ما يكفيه ويعدل إلى التيمم (¬2). ¬
ثالثًا: من المعقول: 1ـ أن المكلف إذا وجد من الماء ما يمكنه استعماله في بعض جسده لزمه ذلك، كما لو كان أكثر بدنه صحيحًا وباقيه جريحًا (¬1). المناقشة: نوقش بأن هذا القياس غير صحيح؛ لأنه قياس مع الفارق، ووجه الفرق يتضح بما يلي: الأول: أن من كان بعض أعضائه جريحًا، إنما وجب عليه الطهارة بالماء؛ لأنه واجد له وباستطاعته تطهير الأعضاء السليمة، وهذا هو الأصل، ووجب عليه التيمم عن الأعضاء الجريحة لعدم القدرة على تطهيرها بالماء وإن كان موجودًا فعدل إلى ما ينوب عنه وهو التيمم للضرورة، ولا ضرورة في الجمع بين طهارة لبعض أعضاء الصحيح بالماء، وطهارة بعضه الآخر بالتيمم (¬2). الثاني: أن العجز ببعض البدن يخالف العجز ببعض الواجب بدليل أن من بعضه حر إذا ملك الرقبة لزمه إعتاقها في كفارته، ولو ملك الحر بعض الرقبة لم يلزمه إعتاقها (¬3). قلت: ويناقش أيضًا بأنه احتجاج بمذهب على مذهب، فلا يصح القياس. ¬
2ـ لأن كل من كان قادرًا على بعض الشرط فإنه يلزمه، كستر العورة وإزالة النجاسة والقراءة، فإنه يستر من عورته ويزيل من النجاسة ما قدر، ويقرأ ما أحسن (¬1). المناقشة: نوقش بأنه قياس فاسد؛ لأن السترة وإزالة النجاسة والقراءة تتجزأ فيفيد إلزامه باستعمال القليل للتقليل بخلاف ما نحن فيه، حيث لا فائدة ترجى من استعمال الماء القليل؛ لأن الحدث لا يتجزأ فهو قائم ما بقي أدنى لمعة، فاستعمال الماء والحالة هذه يعتبر مجرد إضاعة المال في موضع عزته، وهو منهي عنه (¬2). 3ـ أن العجز عن إيصال الماء إلى بعض أعضائه لا يقتضي سقوط الفرض عن إيصاله إلى ما لم يعجز عنه من أعضائه قياسًا على العادم لبعض أعضائه (¬3). المناقشة: نوقش بأن هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأنه لا أحد يقول بسقوط الفرض، وإنما يكون السقوط في أن لا يجتمع الغسل والتيمم في حال واحدة؛ لأن ¬
استعمال الماء القليل في بعض الأعضاء لا يرفع الحدث، ولابد معه من التيمم فلم يستفد باستعمال الماء شيئًا؛ لأن التيمم الذي هو بدل عن جميع الأعضاء لابد منه؛ لأن حدثه غير مرتفع (¬1) كما لو لم يجد الماء أصلاً. 4ـ قياسًا على المضطر إذا وجد بعض ما يسد به رمقه من الطعام، فإنه يلزمه أكل ذلك البعض قبل أكل الميتة (¬2). المناقشة: نوقش بأنه قياس غير صحيح، وذلك من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن أكل الطعام ليس بعبادة حتى يقال لها بدل (¬3). الوجه الثاني: أن أكل الميتة للضرورة، ولا ضرورة في استعمال الماء القليل لأنه لا يرفع الحدث. الوجه الثالث: أن هذا الدليل ينقلب عليكم في الوضوء والتيمم جميعًا؛ لأنه مع استعمال الماء الذي يكفي لغسل وجهه لا يتمه بالتيمم الذي هو بدل عند الضرورة، وإنما يأتي بالتيمم الكامل على صفته كما لو لم يجد الماء أصلاً (¬4). ¬
5ـ أنه واجد لماء طهور لا يخاف من استعماله ضررًا فوجب عليه استعماله كما لو كان يكفيه (¬1). المناقشة: نوقش بأن من وجد ماء يكفيه لجميع أعضائه فإن حدثه يرتفع، وإذا استعمل الماء القليل وتيمم لم يرتفع حدثه، فلم يجز رده إليه، وكان رده إلى من لا يجد الماء أصلاً أولى؛ لأن التيمم لا يرفع حدثه (¬2). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بأن من وجد من الماء بعض ما يكفيه فإنه لا يلزمه استعماله بل يتيمم فقط بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ...} ثم قال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أراد بالماء في قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} هو الماء الكافي للأعضاء الذي أمر بغسلها في أول الآية (¬3)، وذلك لأن مطلق ¬
الماء ينصرف إلى المتعارف، والمتعارف من الماء في باب الوضوء والغسل هو الماء الذي يكفي للوضوء والغسل فينصرف المطلق إليه، ومن لم يجد ماء كافيًا لطهارته، كان كمن لم يجد الماء أصلاً، فيكون حكمه الشرعي الانتقال إلى التيمم (¬1). المناقشة: نوقش بأنه لم يأت في أول الآية للماء ذكر حتى نحمل آخر الآية عليه، ثم لو كان ذلك صحيحًا لعرفه بالألف واللام، فقال: فلم تجدوا الماء؛ لأن إعادة المذكور يكون معرفًا كما هو عادة العرب (¬2). الجواب: أجيب عنه بجوابين: 1ـ أن الماء في مضمون الغسل ليس بملفوظ به، فلم يصح تعريف ما لم يتقدم له لفظ، ولم يجز الكناية عما لم يذكره في الابتداء (¬3). 2ـ أن الله تعالى لو ذكر في أول الآية ماء منكرًا، ثم قال: فلم تجدوا ماء لم يجب عليه أن يُعرّف بالألف واللام؛ لأنه لو عرفه لصار الأمر مقصورًا على ماء بعينه من بين سائر المياه، فأعاده بلفظ منكر؛ ليعلمنا أننا إذا عدمنا ماء من المياه يكفينا ¬
لجميع الأعضاء وجب التيمم، ومثل هذا قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5، 6]، فأراد باليسر الثاني غير ما أراد باليسر الأول (¬1). ثانيًا: من السنة: حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته ...» (¬2). وجه الدلالة: دل الحديث على أن من وجد من الماء بعض ما يكفيه فإنه لا يستعمله ويتيمم، وذلك من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرّف الماء بالألف واللام وذلك لأحد وجهين إما أن تكون لاستغراق الجنس، أو المعهود، فإن كان أراد به استغراق الجنس صار في التقدير كأنه قال: إن الصعيد طهور المسلم وإن لم يجد مياه الدنيا، وإن كان أراد به المعهود، فالمراد به ما يقع به كمال الطهارة، فلذا وجب على من وجد من الماء بعض ما يكفيه أن يتيمم بظاهر الخبر (¬3). الوجه الثاني: أن المراد بالماء في الحديث ما يكفي لرفع الحدث بنية استباحة الصلاة ونحوها، أما ما دونه فوجوده وعدمه سيان؛ إذ لا يثبت به استباحة الصلاة فكان كالمعدوم (¬4). ¬
الوجه الثالث: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فليمسه بشرته» يدل على أنه إذا وجد ماء يكفيه لإمساس بشرته كلها استعمله وإلا فلا؛ لأنه لم يقل: فليمسه بعض بشرته، فدل ذلك على أن من وجد ماء يكفي بعض بشرته لم يستعمله ويتيمم (¬1). ثالثًا: من المعقول: 1ـ أن التيمم شرع بدلاً عن الوضوء، والجمع بين البدل والمبدل عنه لا يجب، كما لو وجد بعض الرقبة لم يلزمه إعتاقها والصوم (¬2). المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن التيمم بدل عما لم يصل إليه الماء وليس عن المغسول من الأعضاء، فلم يكن جمعًا بين بدل ومبدل (¬3). الجواب: يمكن أن يجاب بأن التيمم بدل من غسل جميع الأعضاء، وغير جائز وقوعه على بعض الأعضاء دون بعض، ولهذا نجد أنه ينوب عن الغسل تارة وعن الوضوء أخرى، على أنه قام مقام جميع الأعضاء التي أوجب الحدث غسلها، فلو أوجبنا عليه غسل ما يمكنه غسله مع التيمم لم يخل التيمم من أن يقوم مقام غسل ¬
بعض أعضائه أو جمعيه، فإن قام مقام ما لم يغسل منه فقد صار التيمم إنما يقع طهارة عن بعض الأعضاء وذلك مستحيل؛ لأنه لا يتبعض، فلما بطل ذلك لم يبق إلا أنه يقوم مقام جميعها فيصير حينئذٍ متوضئًا متيممًا في الأعضاء المغسولة وذلك محال؛ لأن الحدث زائل عن العضو المغسول فلا ينوب عنه التيمم، فثبت أنه لا يجوز اجتماعهما في الوجوب (¬1). الوجه الثاني: أن القياس على من وجد بعض الرقبة غير صحيح؛ لأنه قياس مع الفارق، ووجه الفرق يتضح بما يلي: الأول: أن صيام الشهرين ـ اللذين هما بدل عن الرقبة في الكفارة ـ لما لم يجز أن يكونا بدلاً عن بعض الرقبة لم يلزمه أن يأتي ببعض الرقبة وبالصوم، ولما جاز التيمم ـ الذي هو بدل عن جميع البدن ـ أن يكون بدلاً عن بعض البدن، جاز أن يقع عن بعض أعضائه (¬2). الجواب: أجيب بالمنع؛ لأنه لم يجز أن يجتمع في الكفارة عتق هو مبدل، وصيام هو بدل، بل يسقط حكم بعض الرقبة أصلاً، وعدل إلى البدل الذي هو الصيام، كذلك يجب أن يسقط حكم الماء القليل في الطهارة ويعدل إلى التيمم الذي هو بدل، ولا يجتمع في الوجه غسل هو مبدل مع مسح هو بدل (¬3). ¬
الثاني: أنه ليس في عتق بعض الرقبة فائدة؛ لأن بعض الرقبة لو أعتقه ثم وجد بعض رقبة أخرى فتمم الرقبة الأخرى لم يجزئه، وليس كذلك في الماء؛ لأنه لو غسل بهذا الماء بعض بدنه ثم وجد ما يغسل به باقيه فتمم به أجزأه وارتفع حدثه (¬1). الجواب: أجيب بأن عتق بعض الرقبة ـ إذا كان المعتق موسرًا ـ فيه فائدة؛ لجواز أن يقدر على شراء بقيتها عندكم، ففيه فائدة على الأصلين، وهو التصرف بالعين (¬2)، وأما استعمال الماء فلا فائدة فيه لأن الماء القليل المستعمل في بعض الأعضاء لا يرفع الحدث فوجوده وعدمه سواء، ثم إن مسألة تجزئة الوضوء (¬3)، أو الغسل (¬4) محل خلاف فلا يصح الاستدلال بها. ¬
2ـ أن عدم بعض الأصل بمنزلة عدم الجميع في جواز الاقتصار على البدل (¬1)، قياسًا على من وجد بعض الرقبة في الكفارة فإنه يعدل إلى الصوم (¬2). المناقشة: نوقش بأنه قياس مع الفارق؛ لأن بعض الرقبة لا يسمى رقبة فلهذا لم يجب عليه إعتاقه، وأما بعض الماء فيسمى ماء فيجب استعماله (¬3). الجواب: أجيب عن ذلك بما ورد في الاستدلال بالدليل الأول من أدلة القول الثاني. وبأن التفرقة بالأسماء لا معنى له، وإنما الكلام في الحكم، ولهذا نجد أن الله تعالى قال في الكفارة: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4] فأضاف اسم جنس الصيام إلى الأصل المذكور، فلو قال قائل: أنا إذا صمت يومًا أو شهرًا فإنه يقع عليه اسم صوم، كما يقع على صوم شهرين اسم صوم، وأفرق بينه وبين الرقبة؛ لأن بعضها لا يتناوله اسم رقبة، وصوم يوم من شهرين ¬
يتناوله اسم صوم لكان قوله ساقطًا؛ لأن اسم الجنس إذا أضيف إلى شيء فالمقصود الاسم على الصفة التي وصف عليها، فكذلك قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} أي ما يكفي الوضوء فتيمموا (¬1). 3ـ أن الله تعالى جعل فرض المحدث أحد شيئين: إما استعمال الماء أو التراب، فمتى كان الماء لا يغني عن التيمم كان غير موجود شرعًا؛ لأن المطلوب وجود الكفاية منه (¬2). 4ـ أنه لما لم يجز الجمع بين غسل إحدى الرجلين والمسح على الخف في الرجل الأخرى لكون المسح بدلاً من الغسل، وجب أن لا يلزمه الجمع بين التيمم وغسل الأعضاء لهذه العلة (¬3). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بأن من وجد من الماء بعض ما يكفيه فإنه يتيمم ولا يستعمل الماء، وذلك لما يلي: 1 - لقوة أدلته، وسلامتها من الاعتراضات القادحة. 2 - مناقشة أدلة القول الأول. ¬
3 - أنه إذا استعمل الماء القليل قبل التيمم لم يرتفع حدثه فكان استعماله هدرًا. 4 - أن الاقتصار على التيمم فيه يسر ورفع للحرج عن المكلف وبخاصة أن التيمم يقوم مقام الطهارة المائية.
المطلب الثاني كيفية استعمال الماء الذي لا يكفي للطهارة
المطلب الثاني كيفية استعمال الماء الذي لا يكفي للطهارة تقدم في المطلب الأول اختلاف العلماء في حكم من وجد من الماء بعض ما يكفيه، وأن الراجح هو القول القائل: بعدم استعمال الماء القليل والاكتفاء بالتيمم. ولكن على القول القائل: باستعمال الماء القليل والتيمم هل يجب عليه في هذه الحالة أن يقدم استعمال الماء على التيمم أم لا؟ (¬1). اتفق الشافعية والحنابلة على وجوب تقديمه على التيمم في الوضوء والغسل (¬2)، واستدلوا على ذلك بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى اشترط للتيمم عدم الماء، ولا يكون عادمًا للماء حتى يستعمل ما معه من الماء، ليتحقق الشرط (¬3). ¬
ثانيًا: من المعقول: أنه إذا قدم استعمال الماء تميز المغسول عن غيره فعلم ما يتيمم عنه، فيجب عليه استعماله أولاً (¬1). وأما كيفية استعماله فقالوا: إن كان محدثًا حدثًا أصغر فإنه يلزمه استعمال الماء في وجهه، ثم في يديه إلى حيث بلغ، على الترتيب في أعضاء الوضوء ثم يتيمم لباقي أعضائه. وأما إن كان حدثه حدثًا أكبر فإنه يستعمله في أي بدنه شاء ثم يتيمم لباقيه، ويستحب أن يبدأ بمواضع الوضوء ثم رأسه ثم شقه الأيمن؛ لأن ذلك هو المستحب في ابتداء غسل الجنابة (¬2). ¬
المطلب الثالث إذا كان مع الجنب ماء يكفي للوضوء فقط
المطلب الثالث إذا كان مع الجنب ماء يكفي للوضوء فقط اتفق الحنفية والمالكية على أن من وجد من الماء بعض ما يكفيه للوضوء أو الغسل فإنه يقتصر على التيمم ولا يستعمل الماء، واختلفوا في ما لو تيمم الجنب ثم أحدث بعد ذلك حدثًا أصغر ومعه من الماء قدر ما يتوضأ به، فهل يستعمل هذا الماء للوضوء أو يتيمم؟ على قولين (¬1): القول الأول: أنه يتوضأ بهذا الماء ولا يتيمم، وهو قول الحنفية. وعلّلوا ذلك بأن التيمم الأول أخرجه من الجنابة إلى أن يجد من الماء ما يكفيه للاغتسال، فهذا محدث وليس بجنب، ومعه من الماء قدر ما يكفيه للوضوء فيتوضأ به (¬2). القول الثاني: أنه لا يتوضأ بهذا الماء ويتيمم، وهو قول المالكية. وعلّلوا ذلك بأنه حين أحدث انتقض تيممه الذي كان للجنابة فعاد جنبًا (¬3). جاء في المدونة: «وقال مالك في الرجل يتيمم وهو جنب ومعه قدر ما يتوضأ به، قال: يجزئه التيمم ولا يتوضأ، فإن أحدث بعد ذلك فأراد أن يتنفل ¬
فليتيمم ولا يتوضأ؛ لأنه حين أحدث انتقض تيممه الذي كان تيمم للجنابة ولم ينتقض موضع الوضوء وحده، فإذا جاء وقت صلاة أخرى مكتوبة فكذلك أيضًا ينتقض أحدث أو لم يحدث» (¬1). الترجيح: يظهر لي ـ والله أعلم ـ أن القول الأول أرجح وذلك لقوة ما استدلوا به، وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فلا يصح؛ لأنه إنما يعود جنبًا إذا أجنب لا إذا أحدث. ¬
المبحث الخامس التيمم لمن أراق الماء أو باعه أو وهبه ولم يترك ما يتطهر به
المبحث الخامس التيمم لمن أراق الماء أو باعه أو وهبه ولم يترك ما يتطهر به وفيه تمهيد ومطلبان: المطلب الأول: حكم إراقه الماء بعد دخول الوقت. المطلب الثاني: التيمم لمن باع الماء أو وهبه بعد دخول الوقت.
تمهيد اتفق الفقهاء على أن من كان معه ماء فأراقه أو باعه أو وهبه، وكان ذلك قبل دخول الوقت ثم دخل عليه الوقت وهو عادم للماء، فإن له أن يصلي بالتيمم وليس عليه إعادة (¬1) (¬2) (¬3). واستدلوا على ذلك بما يلي: 12ـ أن المكلف ليس مخاطبًا بالطهارة قبل دخول وقت الصلاة، ففرض الطهارة لم يتعين عليه (¬4). ¬
13ـ أنه عادم للماء في الوقت فعليه التيمم للصلاة (¬1). 14ـ أنه قد أتى بما هو مكلف به (¬2). وبيان هذا المبحث يكون في مطلبين: ¬
المطلب الأول حكم إراقة الماء بعد دخول الوقت
المطلب الأول حكم إراقة الماء بعد دخول الوقت اتفق جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة على تحريم إراقة الماء الصالح للطهارة به بعد دخول الوقت، وهو يعلم أنه لا يجد غيره، وذلك لأنه وسيلة إلى فوات الطهارة بالماء الواجبة (¬1). واختلفوا في حكم التيمم في هذه الحالة، فهل يصح تيممه ولا تلزمه الإعادة أم لا؟ وذلك على قولين (¬2): القول الأول: أنه لا تجب عليه الإعادة ويصح تيممه، وهو قول المالكية، والأصح عند الشافعية، والصحيح عند الحنابلة. القول الثاني: أنه تجب عليه الإعادة ولا يصح تيممه، وهو وجه للشافعية والحنابلة. أدلة القول الأول: استدل القائلون بأن من أراق الماء بعد دخول الوقت لا تجب عليه إعادة الصلاة ويصح تيممه، بما يلي: ¬
أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى اشترط للتيمم عدم الماء، وهذا عادم للماء (¬1). ثانيًا: من المعقول: 1ـ أنه صلى بتيمم صحيح، تحققت شرائطه، فلا تلزمه الإعادة، كما لو فعل ذلك قبل الوقت (¬2). 2ـ قياسًا على من كان معه رقبة فقتلها ثم انتقل إلى الصيام فلا إعادة عليه، فكذلك هاهنا مثله (¬3). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بوجوب إعادة الصلاة لمن أراق الماء بعد دخول الوقت وعدم صحة تيممه، بما يلي: أن من أراق الماء بعد أن تعين عليه فرض الصلاة بالوضوء، قد فوّت القدرة على نفسه، فبقي في عُهْدِة الواجب، فتجب عليه الإعادة لتفريطه (¬4). ¬
المناقشة: يمكن مناقشته من وجهين: الوجه الأول: أنه وإن كان مقصرًا إلا أنه لا تلزمه الإعادة؛ لأنه غير قادر على استعمال الماء أشبه ما لو فعل ذلك قبل الوقت (¬1). الوجه الثاني: قياسًا على من كَسَر ساقه فعجز عن القيام أو حرق ثوبه فصار عاريًا، فإنه يُعصى بذلك وتجزئه صلاته (¬2). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بصحة تيمم من أراق الماء بعد دخول الوقت وعدم إعادة الصلاة، وذلك لقوة الأدلة وسلامتها من المعارضة في مقابل مناقشة دليل القول الثاني. ¬
المطلب الثاني التيمم لمن باع الماء أو وهبه بعد دخول الوقت
المطلب الثاني التيمم لمن باع الماء أو وهبه بعد دخول الوقت وفيه فرعان: الفرع الأول حكم بيع الماء أو هبته بعد دخول الوقت اتفق الشافعية والحنابلة على جواز بيع الماء ـ الصالح للطهارة به ـ أو هبته بعد دخول الوقت لمحتاج إليه لشرب أو لسقي دابة أو لغسل نجاسة على ثوبه ونحو ذلك، ولا إعادة عليه لأنه معذور (¬1). واختلفوا في هبة الماء أو بيعه بعد دخول الوقت لغير محتاج إليه لعطش ونحوه، وكان هذا الماء صالحًا لطهارته، فهل يصح البيع والهبة أم لا؟ وذلك على قولين (¬2): القول الأول: لا يصح البيع ولا الهبة، وهو أصح الوجهين عند الشافعية، والصحيح عند الحنابلة وعلّلوا ذلك بأنه قد تعلق به حق الله سبحانه وتعالى بدخول وقت الصلاة، فهو عاجز من تسليمه شرعًا؛ لتعينه للطهر (¬3). ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بأن توجه الفرض وتعلُّقه لا يمنع صحة البيع والهبة؛ لأنه من أهل التصرف في ملكه، فلا يؤثر المنع في فساد العقد (¬1). القول الثاني: يصح البيع والهبة، وهو وجه للشافعية والحنابلة. وعلّلوا ما ذهبوا إليه بما يلي: 1ـ أن له في ذلك عوضًا، وهو جلب مودة صاحبه (¬2). 2ـ قياسًا على من وجب عليه عتق رقبة في كفارة فأعتقها لا عن الكفارة، فإن ذلك يصح (¬3). المناقشة: نوقش بأنه قياس مع الفارق؛ لأن الكفارة ليست على الفور بخلاف الصلاة فإن وقتها محدود (¬4). 3ـ قياسًا على من وجب عليه ديون فطولب بها فوهب ماله وسلمه (¬5). ¬
المناقشة: نوقش بأنه قياس مع الفارق؛ لأن الدائن قد رضي بتعلق حقه بالذمة فلا حجر له في العين (¬1). 15ـ قياسًا على من تصرّف في ماله الذي وجبت فيه الزكاة (¬2). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بصحة البيع والهبة، وذلك لقوة أدلتهم، في مقابل ضعف دليل القول الأول بما حصل من مناقشته. ¬
الفرع الثاني حكم التيمم لمن باع الماء أو وهبه بعد دخول الوقت
الفرع الثاني حكم التيمم لمن باع الماء أو وهبه بعد دخول الوقت اتفق الشافعية والحنابلة على أن من باع الماء أو وهبه بعد دخول الوقت ولم يترك ما يتطهر به، فإنه يجب عليه أن يسترجع الماء إذا كان موجودًا في يد الموهوب له والمشتري؛ لأن تيممه لا يصح؛ لقدرته على الماء (¬1). واختلفوا في حكم من لم يقدر على استرجاع الماء من الموهوب له أو المشتري، فهل إذا تيمم وصلى تجب عليه الإعادة أم لا؟ وذلك على قولين (¬2): القول الأول: أنه لا تجب عليه الإعادة، وهو الصحيح عند الحنابلة. ويمكن أن يستدل لهم بأدلة من قال بعدم إعادة الصلاة لمن أراق الماء بعد دخول الوقت (¬3). القول الثاني: أنه تجب عليه الإعادة، وهو قول الشافعية، ووجه للحنابلة. واستدلوا على ذلك بأنه يعد مقصرًا بتسليمه (¬4) فتجب عليه الإعادة. ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بما نوقش به دليل القول الثاني في المطلب الأول. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم إعادة الصلاة لمن تيمم بعد أن باع الماء أو وهبه، ولم يترك ما يتطهر به؛ وذلك لقوة أدلتهم وسلامتها من المعارضة، ولأن دليل القول الثاني تم مناقشته.
الفصل الثاني عدم القدرة على استعمال الماء
الفصل الثاني عدم القدرة على استعمال الماء وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: ... تيمم المريض. المبحث الثاني: ... تيمم الجريح. المبحث الثالث: ... عدم القدرة على استعمال الماء.
المبحث الأول تيمم المريض
المبحث الأول تيمم المريض وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: ... تيمم المريض العادم للماء. المطلب الثاني: ... تيمم المريض الواجد للماء. المطلب الثالث: ... ضابط الخوف المبيح للتيمم. المطلب الرابع: ... حكم تيمم المريض الذي لا يجد من يناوله الماء. المطلب الخامس: ... من يعتمد قوله في تقدير المرض.
المطلب الأول تيمم المريض العادم للماء
المطلب الأول تيمم المريض العادم للماء وفيه فرعان: الفرع الأول تعريف المرض لغة واصطلاحًا أولاً: في اللغة: المرض: هو السقم نقيض الصحة، ويكون للإنسان والبعير. ويقال: المرض والسقم في البدن والدين جميعًا، كما يقال الصحة في البدن والدين. ويطلق المرض على النقصان، يقال: بدنه مريض، أي: ناقص القوة، وقلب مريض، أي: ناقص الدين. ويطلق المرض أيضًا على إظلام الطبيعة واضطرابها بعد صفائها واعتدالها، ويطلق المرض أيضًا على الشك، ومن قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة: 10]، أي: شك. فالمرض ما يخرج به الإنسان عن حد الصحة في أي شيء كان منه (¬1). ¬
ثانيا: في الاصطلاح
ثانيًا: في الاصطلاح: لا يخرج معنى المرض في الاصطلاح عن معناه في اللغة، فالمراد به: كل ما أخرج الإنسان عن القوة والتصرف والاعتدال إلى الضعف والاعوجاج (¬1). ¬
الفرع الثاني حكم تيمم المريض العادم للماء
الفرع الثاني حكم تيمم المريض العادم للماء اتفق الفقهاء على جواز التيمم للمريض عند عدم الماء (¬1)، واستدلوا على ذلك بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر المسافر والمريض بالتيمم للصلاة عند عدم الماء (¬2). ثانيًا: من السنة: هي نفس الأدلة الدالة على مشروعية التيمم، وقد تقدمت (¬3). ¬
ثالثًا: الإجماع: وقد حكى الإجماع غير واحد من أهل العلم. قال ابن حزم (¬1): «وأجمعوا أن المريض الذي يؤذيه الماء، ولا يجده مع ذلك، أن له التيمم» (¬2). وقال ابن عبد البر (¬3): «التيمم للمريض والمسافر إذا لم يجد الماء بالكتاب والسنة والإجماع» (¬4). وقال أيضًا: «وأجمع علماء الأمصار بالحجاز والعراق والشام والمشرق والمغرب فيما علمت أن التيمم بالصعيد عند عدم الماء طهور كل مريض أو مسافر» (¬5). ¬
وقال ابن رشد (¬1): «فأجمع العلماء أنها ـ أي طهارة التيمم ـ تجوز لاثنين: للمريض وللمسافر إذا عدما الماء» (¬2). ¬
المطلب الثاني حكم تيمم المريض الواجد للماء
المطلب الثاني حكم تيمم المريض الواجد للماء ذكر الفقهاء تقسيمات كثيرة للمرض الذي يتيمم من أجله عند وجود الماء، ومنها تقسيم النووي، فقد قسم النووي المرض من حيث القول بجواز التيمم وعدمه عند وجود الماء إلى ثلاثة أنواع (¬1): النوع الأول: المرض الشديد، الذي يخاف معه من استعمال الماء الموت، أو يخاف تلف عضو، أو فوات منفعة عضو، كعمى وصمم وخرس ونحو ذلك، فهذا يتيمم باتفاق الفقهاء (¬2). وكانت أدلة هذا الاتفاق ما يلي: أولا: من الكتاب: 16ـ قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أباح التيمم للمريض الذي لا يقدر على استعمال الماء؛ لأن تقدير الآية: وإن كنتم مرضى فعجزتم أو خفتم من استعمال الماء أو ¬
كنتم على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا (¬1)، فإن المريض وإن كان واجدًا للماء صورة إلا أنه لما لم يتمكن من استعماله خشية الضرر صار الماء معدومًا حكمًا (¬2)، فجاز له التيمم. 17ـ قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى قد نهى عن قتل النفس، والمريض الذي يخشى الهلاك من استعمال الماء يدخل في الخطاب؛ لأن المرض الشديد أو زيادة المرض يؤديان إلى قتل النفس. 18ـ قوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6]. 19ـ قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]. وجه الدلالة من الآيتين: أن الله سبحانه وتعالى قد نفى الحرج عن هذه الأمة وهو الضيق، وفي الأمر باستعمال الماء الذي يخاف فيه الهلاك أعظم الضيق، ولهذا نجد أن الله عز وجل قد نفى الضيق في الآية الثانية نفيًا مطلقًا، فإن من أعظم العسر استعمال الماء الذي يؤدي بالإنسان إلى الضرر وتلف النفس أو العضو، أو زيادة المرض (¬3). ¬
ثانيًا: من السنة: 1. حديث جابر رضي الله عنه قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلًا منا حجرٌ فشجه (¬1) في رأسه ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بذلك، فقال: «قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي (¬2) السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده» (¬3). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر على الصحابة حينما أمروا الرجل بالغسل فمات، وفي الابتداء لم يعلم هل كان يخاف التلف أو الزيادة في المرض؟ (¬4)، مما يدل على جواز التيمم للمريض الذي يخاف التلف أو الزيادة في المرض مع وجود الماء. ¬
2. حديث عمرو بن العاص (¬1) رضي الله عنه قال: «احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال: فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرت ذلك له فقال: «يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟» قال: قلت: نعم يا رسول الله، إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله عز وجل: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، فتيممت ثم صليت، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئًا» (¬2). ¬
وجه الدلالة: في الحديث دليل على جواز التيمم لمن خاف على نفسه الهلاك من البرد ونحوه، فقد أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن العاص على فعله، ولم يأمره - صلى الله عليه وسلم - بغسل ولا إعادة (¬1)، فالمريض الذي يخشى على نفسه الهلاك أو زيادة المرض من باب أولى. ثالثًا: من الآثار: 1ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} قال: «إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل الله، أو القروح (¬2)، فيجنب، فيخاف أن يموت إن اغتسل فليتيمم» (¬3). 2ـ عن سعيد بن جبير (¬4) عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «رُخص للمريض التيمم بالصعيد» (¬5). ¬
رابعًا: من المعقول: 1ـ أن التيمم يباح لمن خاف العطش على نفسه، أو خاف من سبع، أو من لص يأخذ ماله، فإباحة التيمم للمريض من باب أولى، فإن الخوف لا يختلف، وإنما اختلفت جهاته (¬1). 2ـ أن زيادة المرض قد أثر في إباحة الإفطار وترك القيام بلا خلاف، فههنا أولى؛ لأن القيام ركن في باب الصلاة، والوضوء شرط، فخوف زيادة المرض لما أثر في إسقاط الركن، فلأن يؤثر في إسقاط الشرط أولى (¬2). 3ـ أن الضرر في زيادة المرض فوق الضرر في زيادة ثمن الماء، وذلك يبيح التيمم فهذا أولى (¬3)؛ لأن ثمن الماء مال، والمال خلق وقاية للنفس فكان تبعًا، ولما كان الحرج مدفوعًا عن الوقاية التي هي تبع، فلأن يكون مدفوعًا عن المُوقَى الذي هو الأصل أولى (¬4). النوع الثاني: المرض اليسير الذي لا يخاف من استعمال الماء معه تلفًا، ولا مرضًا مخوفًا، ولا إبطاء برءٍ، ولا زيادة ألم، كصداع ووجع ضرس وحمى وما أشبه ذلك، فهذا لا يجوز له التيمم باتفاق الفقهاء (¬5). ¬
واستدلوا على ذلك بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أباح التيمم للمريض الذي يضره استعمال الماء، إذ أن إباحة التيمم للمريض في الآية غير مضمنة بعدم الماء، بل هي مضمنة بخوف ضرر الماء (¬1)، ولا ضرر عليه هاهنا (¬2). ثانيًا: من السنة: حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء» (¬3). ¬
وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ندب إلى استعمال الماء للحمى فلا تكون سببًا لتركه والانتقال إلى التيمم (¬1). ثالثًا: من المعقول: 1ـ أن التيمم رخصة أبيحت للضرورة، فلا يباح بلا ضرورة، ولا ضرورة هنا (¬2). 2ـ أنه واجد للماء لا يخاف ضررًا فلا يباح له التيمم، كما لو خاف ألم البرد دون تعقب ضرر (¬3). النوع الثالث: المرض اليسير الذي يخاف من استعمال الماء معه زيادة مرض، أو تأخر برء (¬4)، أو كثرة الألم وإن لم تطل مدته، أو خاف من حدوث تشوّه في أعضائه الظاهرة كالوجه واليدين ونحوهما. وهذا النوع اختلف الفقهاء في حكم التيمم له، وذلك على قولين: القول الأول: أنه يجوز له التيمم، وهو قول الحنفية والمالكية، والصحيح عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة هي الصحيح من المذهب (¬5). ¬
القول الثاني: أنه لا يجوز له التيمم إلا عند الخوف من التلف، وهو قول للشافعية، ورواية عند الحنابلة (¬1). سبب الخلاف: يرجع سبب الخلاف في هذه المسألة إلى أمرين: الأمر الأول: اختلاف الفقهاء في الخوف المبيح للتيمم، هل هو خوف التلف، أم خوف الضرر؟ فمن رأى أن الخوف المبيح للتيمم هو خوف التلف قال: بعدم جواز التيمم لمن يخاف من استعمال الماء زيادة مرض أو تأخر برء، ومن رأى أن الخوف المبيح للتيمم هو خوف الضرر قال: بجواز التيمم لمن خاف زيادة المرض أو تأخر البرء. الأمر الثاني: اختلافهم في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ ...} الآية، هل في الآية محذوف مقدر أم لا؟ فمن رأى أن في الآية محذوف مقدر، وأن تقدير الكلام: وإن كنتم مرضى لا تقدرون على استعمال الماء، وأن مرجع الضمير في قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} إنما يعود على المسافر فقط، أجاز التيمم للمريض الذي يخاف من استعمال الماء. ¬
ومن رأى أن الضمير في قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} يعود على المريض والمسافر معًا، وأنه ليس في الآية حذف لم يجز للمريض إذا وجد الماء التيمم (¬1). أدلة القول الأول: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ ..} الآية [النساء: 43، المائدة: 6]. ¬
وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أباح التيمم للمريض مطلقًا من غير فصل بين مرض ومرض، إلا أن المرض الذي لا يضر منه استعمال الماء ليس بمراد، فبقي المرض الذي يضر معه استعمال الماء مرادًا بالنص (¬1). واستدلوا أيضًا بأدلة من قال بجواز التيمم في المرض الشديد الذي يخاف معه من استعمال الماء الموت أو التلف، وقد تقدمت (¬2). أدلة القول الثاني: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ ..} الآية [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الضمير في قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} يعود على المريض والمسافر معًا، فالآية قيدت إباحة التيمم للمريض بعدم وجود الماء، وهذا واجد للماء، فلا يجوز له التيمم (¬3). المناقشة: نوقش بأنه استدلال لا يصح؛ لأن من لم يجد الماء فالتيمم له جائز لعدمه الماء لا لأجل المرض، وإنما خص المريض بالذكر ليُخص بالحكم، فيكون بمرضه في جواز التيمم مخالفًا للصحيح، سواء وجد الماء أو عدمه، وإلا فهو داخل في جملة المحدثين إذا عدموا الماء مسافرين وغيرهم (¬4). وعلى فرض التسليم بأن الضمير في الآية يعود على المريض والمسافر معًا، فإن معنى عدم الوجود في الآية هو عدم الماء حسًا أو حكمًا، والمريض وإن كان واجدًا للماء صورة إلا أنه لما لم يتمكن من استعماله خشية الضرر صار الماء معدومًا حكمًا، فجاز له التيمم. ثانيًا: من المعقول: أن المريض الذي لا يخاف التلف من استعمال الماء لا يجوز له أن يتيمم كالذي به صداع أو حمى (¬5). ¬
المناقشة: نوقش من ثلاثة وجوه: الوجه الأول: أن التلف ليس شرطًا للتيمم، وإنما شرطه انعدام الماء حقيقة أو حكمًا (¬1). الوجه الثاني: أن ترك القيام في الصلاة، وتأخير الصيام، لا ينحصر في خوف التلف، فكذا هاهنا (¬2). الوجه الثالث: أن القياس غير صحيح؛ لأن المحموم أو من به صداع إذا خاف أحدهما من استعمال الماء زيادة المرض فهو مسألة الخلاف، وأما إذا لم يخف أحدهما من استعمال الماء فهو كالصحيح، فلا معنى للقياس عليه (¬3). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بجواز التيمم لمن كان مرضه يسيرًا، ولكن يخاف معه حدوث علة أو زيادتها بكثرة الألم أو بطء برء عند استعماله للماء، وذلك لما يلي: 1ـ لقوة أدلة هذا القول، وإفادتها المراد، وسلامتها من الاعتراضات القادحة فيها. ¬
2ـ مناقشة أدلة القول الثاني. 3ـ أن هذا القول يتفق مع مقاصد الإسلام العظيمة في التيسير على المكلفين، ورفع الحرج والمشقة عنهم، فإن المريض إذا خشي من استعمال الماء زيادة في مرضه أو طول مدته، جاز له التيمم لما في ذلك من الضيق والحرج، والله عز وجل يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].
المطلب الثالث ضابط الخوف المبيح للتيمم
المطلب الثالث ضابط الخوف المبيح للتيمم تقدم اختلاف الفقهاء في الخوف المبيح للتيمم، وأن القول الراجح في ذلك ما ذهب إليه الجمهور القائل: بأن المبيح للتيمم هو خوف الضرر (¬1). وبناء على ما سبق بيانه في المطلب السابق يمكن أن نحدد الخوف المبيح للتيمم بأنه: ما يُخاف منه عند استعمال الماء الهلاك، أو تلف عضو من أعضائه، أو ذهاب منفعة ذلك العضو، أو يخاف باستعماله مرضًا مخوفًا، أو يخاف زيادة العلة أو تأخر البرء، أو حصول شيء قبيح على عضو ظاهر (¬2) من جسمه. فعلم مما سبق أن المبيح للتيمم ليس خوف التلف فقط، ولا مطلق المرض، بل المعتبر هو حصول الضرر، فمتى خاف المكلف الضرر باستعمال الماء، أو يجد حرجًا في استعماله جاز له التيمم وإلا فلا. قال ابن رجب الحنبلي (¬3): «والحنيفية السمحة أوسع من ذلك، وخوف ¬
الموت أو المرض هو داخل في معنى المرض الذي أباح الله التيمم معه؛ لأنه إنما يباح التيمم لمرض يخشى منه زيادته، أو التلف، فحيث خشي ذلك فقد وجد السبب المبيح للتيمم» (¬1). وقال ابن الهمام (¬2): «ولولا ما عُلم قطعًا أن شرعية التيمم للمريض إنما هو رخصة لدفع الحرج عنه، والحرج إنما يتحقق عند خوف الاشتداد أو الامتداد، لكان جائزًا للمريض مطلقًا، خاف عاقبته أو لم يخف» (¬3). ¬
المطلب الرابع حكم تيمم المريض الذي لا يجد من يناوله الماء
المطلب الرابع حكم تيمم المريض الذي لا يجد من يناوله الماء اتفق الفقهاء على أن المريض إذا كان مسافرًا أو حاضرًا وعجز عن استعمال الماء بنفسه ولم يجد من يناوله إياه، فإنه يجوز له أن يتيمم ويصلي (¬1). واستدلوا على ذلك بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ ...} إلى قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن المريض الذي لا يجد من يناوله الماء غير قادر على استعمال الماء (¬2)، فيباح له التيمم. ثانيًا: من المعقول: 1ـ أنه لا سبيل له إلى الماء فأشبه من وجد بئرًا ليس له ما يستقي منها (¬3). ¬
2ـ أن العجز متحقق والقدرة موهومة فوجد شرط الجواز (¬1). 3ـ قياسًا على من حال بينه وبين الماء سبع أو عدو (¬2). 4ـ قياسًا على العادم للماء (¬3). واختلفوا في إعادة الصلاة على قولين (¬4): القول الأول: أنه لا يعيد الصلاة، وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والحنابلة. واستدلوا بالأدلة نفسها المتقدمة الدالة على صحة تيمم المريض الذي لا يجد من يناوله الماء. القول الثاني: أنه يعيد الصلاة، وهو قول الشافعية. واستدلوا على ذلك بأنه عذر نادر فلا تسقط الإعادة. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم الإعادة، وذلك لما يلي: 1ـ لقوة أدلة هذا القول وإفادتها المراد. 2ـ أن القول بأنه عذر نادر لا يصح؛ لأنه قول لا دليل عليه؛ إذ لا فرق بين ¬
العذر العام والعذر الخاص، فهذا المريض قد وجد عذره وصلى على طاقته بتيمم صحيح فلا تلزمه الإعادة، إذ لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. ثم إن فقهاء الشافعية لا يقولون بإعادة الصلاة لمن حال بينه وبين الماء سبع ونحوه، فكان يلزمهم القول بذلك في المريض الذي لا يجد من يناوله الماء؛ لأنهم قالوا بصحة تيمم المريض الذي لا يجد من يناوله الماء قياسًا على من حال بينه وبين الماء سبع بجامع أن كلاً منهما عاجز عن استعمال الماء. 3ـ أن هذا القول يتفق مع مقاصد الإسلام في رفع الحرج والمشقة عن العباد، فإن الله عز وجل يقول: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6]، ولو رخص للمريض بالتيمم مع وجوب الإعادة لحصل الحرج عليه وهو منفي شرعًا.
المطلب الخامس من يعتمد قوله في تقدير المرض
المطلب الخامس من يعتمد قوله في تقدير المرض اتفق الفقهاء على أنه يعتمد في كون المرض مرخصًا في التيمم، وأنه على الصفة المعتبرة شرعًا إذا أخبره طبيب حاذق مسلم عدل (¬1) بأنه إذا استعمل الماء سيزداد مرضه، أو سيتأخر الشفاء، أو ما أشبه ذلك من الضرر، فإنه يجوز له التيمم. وكذا إذا كان يعرف بنفسه جاز له أن يعتمد على علمه ومعرفته (¬2). واختلفوا فيما إذا لم يوجد طبيب بشرطه ولم يكن عارفًا بنفسه، فهل يجوز له التيمم بغلبة ظنه أو بتجربته أم لا؟ وذلك على قولين: القول الأول: أنه يجوز له أن يعمل بغلبة ظنه أو بتجربته، وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة، وبعض الشافعية (¬3). ¬
القول الثاني: أنه لا يجوز له أن يعمل بغلبة ظنه أو بتجربته، وهو المعتمد عند الشافعية (¬1). أدلة القول الأول: 1ـ قياسًا على المضطر إذا خاف من الطعام المحضر إليه أنه مسموم، فإنه يجوز له أن يتركه ويأكل الميتة (¬2)، فكذا هاهنا. 2ـ أن إيجاب الطهر بالماء مع الجهل بحال العلة التي هي مظنة للهلاك بعيد عن محاسن الشريعة (¬3). أدلة القول الثاني: أن ذمته هنا اشتغلت بالطهارة بالماء، فلا تبرأ ذمته من ذلك إلا بدليل يبيح له التيمم (¬4). المناقشة: نوقش بأنه كذلك في المضطر اشتغلت ذمته بطلب وقاية روحه بأكل الطاهر، وضرره غير محقق فلا يعدل عنه إلا بدليل (¬5)، وأنتم لا تقولون بذلك، فتبين بذلك أنه لا فرق بين المسألتين. ¬
الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بأنه يجوز للمريض أن يعمل بغلبة ظنه أو تجربته ويتيمم، وذلك لقوة أدلتهم وسلامتها من المعارضة، في مقابل مناقشة دليل القول الثاني. ويؤيد هذا القول حديث جابر رضي الله عنه في الرجل الذي أصابه حجر فشجه (¬1)، وكيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر على الصحابة حينما أمروا الرجل بالغسل بالماء فمات، وأرشدهم إلى جواز التيمم لمن خشي الضرر باستعمال الماء مع أنه في الابتداء لم يعلم هل كان يخاف التلف أو الزيادة في المرض؟ فالعمل بغلبة الظن أو بالتجربة من باب أولى. ¬
المبحث الثاني تيمم الجريح
المبحث الثاني تيمم الجريح وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: ... طهارة من كان بعض بدنه جريحًا وبعضه صحيحًا. المطلب الثاني: كيفية الجمع بين التيمم والغسل لمن كان بعض بدنه جريحًا. المطلب الثالث: حكم تيمم من وضع على الجرح أو الكسر جبيرة أو لصوقًا.
المطلب الأول طهارة من كان بعض بدنه جريحا وبعضه صحيحا
المطلب الأول طهارة من كان بعض بدنه جريحًا وبعضه صحيحًا من كان بعض بدنه جريحًا وأراد الطهارة للصلاة، فإنه لا يخلو من ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يمكنه غسل الجريح بالماء، فإنه في هذه الحالة يجب عليه الغسل باتفاق الفقهاء (¬1). واستدلوا على ذلك بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر باستعمال الماء في الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، ولا يعدل عنه إلا عند الضرورة، ولا ضرورة هنا. ثانيًا: من السنة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته ...» (¬2). ¬
وجه الدلالة: دل الحديث على أن الأصل في طهارة الإنسان استعمال الماء، والجريح قادر على استعمال الماء فلا يجوز له أن يعدل عنه إلى غيره. الحالة الثانية: أن يمكنه مسح الجريح بالماء، فقد وقع الخلاف بين الفقهاء في هذه الحالة على قولين: القول الأول: أنه يجب عليه مسح الجريح بالماء ويكفيه عن التيمم، وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة (¬1). واستدلوا على ذلك بما يلي: أولاً: من السنة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (¬2). ثانيًا: من المعقول: أن الغسل مأمور به، والمسح بعضه، فوجب كمن عجز عن الركوع والسجود وقدر على الإيماء (¬3). القول الثاني: أنه لا يجب مسح مواضع الجراحة بالماء وإن كان لا يخاف ¬
منه ضررًا، وإنما يجب التيمم بدلاً منه، سواء كان الجرح في غير محل التيمم أو في محله، إلا أنه إذا كان في محل التيمم فيجب إمرار التراب عليه إن أمكن، وهو قول الشافعية (¬1). واستدلوا على ذلك بأن الواجب الغسل، فإذا تعذر فلا فائدة من المسح بالماء (¬2). المناقشة: يمكن مناقشته من وجهين (¬3): الوجه الأول: أن طهارة المسح بالماء أولى من طهارة التيمم؛ فالمسح طهارة مائية والتيمم طهارة ترابية. الوجه الثاني: أنه إذا جاز المسح على حائل العضو فالمسح على العضو أولى. الراجح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بوجوب المسح، وذلك لقوة أدلتهم، وسلامتها من المعارضة، في مقابل ضعف دليل القول الثاني بما حصل من مناقشة، ولأن المسح بالماء يكون على العضو نفسه بخلاف التيمم فإنه يكون في عضوين فقط، فالمسح أولى. ¬
الحالة الثالثة: أن يتضرر بغسل الجرح أو مسحه بالماء: فهل تكون طهارته بالجمع بين غسل الصحيح من بدنه والتيمم عن الجريح، أو يقتصر على أحد الطهورين؟ اختلف الفقهاء في هذه الحالة على قولين: القول الأول: أنه لا يجمع بين الغسل والتيمم، بل إذا كان أكثر بدنه صحيحًا غسل الصحيح ومسح على مواضع الجراحة إن لم يضره، وإلا وجب عليه أن يضع على جرحه عصابة (¬1) أو يشد على كسره جبيرة (¬2) ثم يمسح عليها, ولا يتيمم، وإن كان أكثر بدنه جريحًا تيمم ولا غسل عليه، وهو قول الحنفية، والمالكية (¬3). القول الثاني: أنه يجمع بين الغسل والتيمم، فيلزمه غسل ما أمكنه ويتيمم عن الباقي، وهو قول الشافعية، والحنابلة (¬4). ¬
أدلة القول الأول: عللوا ما ذهبوا إليه بما يلي: 1ـ أن التيمم بدل عن الماء، ولا يجب الجمع بين البدل والمبدل، كالصوم والرقبة في الكفارة (¬1). المناقشة: نوقش بأنه قياس مع الفارق، ووجه الفرق يتضح بما يلي: الأول: أنه يبطل بالماسح على الخفين، فإنه يجمع بين البدل والمبدل ومع هذا فإنه جائز (¬2). الثاني: أنه يبطل بالمسح على الجبائر مع الغسل، فإنه جمع بين البدل والمبدل وهو جائز (¬3). الثالث: أن الجمع بين البدل والمبدل في الكفارة لا يجب؛ لأنهما عن شيء واحد وهو الحنث في اليمين، بخلاف هذا فإن التيمم بدل عما لم يصبه الماء دون ما أصابه (¬4). 2ـ أن الأقل تابع للأكثر، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الجريح في حديث جابر: ¬
«إنما كان يكفيه أن يتيمم» ولا أحد يقول: أنه يغسل ما بين كل جدريين، فدل على أن العبرة للأكثر، وإذا كان الأكثر مجروحًا لم يكن له بدٌ من التيمم فسقط فرض الغسل (¬1). المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن القول بأن الأقل تابع للأكثر لا يعتبر في الطهارات، ولهذا من غسل أكثر جسده من جنابة، أو أكثر أعضاء وضوئه من حدثه لم يجزه تغليبًا للأكثر، فكذا هنا (¬2). الوجه الثاني: أن الاستدلال بأنه لا أحد يقول: يجب عليه غسل ما بين الجدريين، فدل على أن العبرة للأكثر لا يصح؛ لأنه إن كان لا يلحقه الضرر في ذلك وجب عليه غسل ما بين الجدريين، وإن كان يلحقه الضرر لم يجب، وهاهنا لا يلحقه ضرر في غسل هذا الموضع فافترقا (¬3). ثم لو فرضنا أنه لا أحد يقول بهذا، فقوله مبني على أساس تعذر غسل ما بين كل جدريين أو التحرج من ذلك والحرج منفي شرعًا. ¬
أدلة القول الثاني: استدلوا على ذلك بما يلي: أولاً: من السنة: حديث جابر رضي الله عنه وفيه: «إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه، ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده» (¬1). وجه الدلالة: أن الحديث نص صريح في الجمع بين الغسل والتيمم (¬2). المناقشة: يمكن مناقشته بأن الحديث ضعيف (¬3). ثانيًا: من المعقول: 1ـ أن العجز عن إيصال الماء إلى بعض أعضائه لا يقتضي سقوط الفرض عن إيصاله إلى ما لم يعجز عنه، قياسًا على ما إذا كان عادمًا لبعض أعضائه (¬4). 2ـ أن كل جزء من الجسد يجب تطهيرة بشيء إذا استوى الجسم كله في المرض أو الصحة، فيجب الغسل بالماء إذا كان صحيحًا، ويجب التيمم إذا ¬
كان مريضًا، وإن خالفه غيره كما لو كان من جملة الأكثر، فإن حكمه لا يسقط بمعنى في غيره (¬1). 3ـ أن تطهير بعض أعضائه بالماء لا يسقط فرض التطهر عما لم يصل إليه قياسًا على من كان صحيح الأعضاء (¬2). 4ـ أنها طهارة ضرورة فلم يعف فيها إلا عن قدر ما دعت إليه الضرورة كطهارة المستحاضة (¬3). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بأنه يجمع بين الغسل والتيمم، وذلك لقوة أدلتهم وسلامتها ـ في الجملة ـ من الاعتراضات القادحة فيها، في مقابل ضعف أدلة القول الأول بما حصل من مناقشتها. ¬
المطلب الثاني كيفية الجمع بين التيمم والغسل لمن كان بعض بدنه جريحا
المطلب الثاني كيفية الجمع بين التيمم والغسل لمن كان بعض بدنه جريحًا اتفق الشافعية والحنابلة وهم القائلون بجواز الجمع بين التيمم والغسل على أن الجريح إذا كان جنبًا فهو مخير بين تقديم التيمم على الغسل أو تأخيره عنه (¬1) (¬2). إلا أن الشافعية قالوا: ويستحب للجنب ونحوه تقديم التيمم على الغسل ليزيل الماء أثر التراب (¬3). واستدلوا على ذلك بأن الترتيب والموالاة غير واجبين في الطهارة من الحدث الأكبر، فكذا هاهنا (¬4). وبناءً على ذلك يبطل تيمم الجريح إذا دخل وقت الفريضة الثانية وعليه إعادة التيمم (¬5)، ولا يلزمه إعادة غسل الجزء الصحيح، لعدم وجوب الترتيب ¬
والموالاة في طهارة الجريح للحدث الأكبر (¬1)، ولأن ما استعمله من الماء تطهير لجميع الصلوات (¬2). واختلفوا في طهارة الجريح إذا كان محدثًا حدثًا أصغر، فهل يجب عليه التيمم للجريح حين وصوله في الوضوء إلى ذلك العضو المجروح، فيرتب ويوالي، كالوضوء الكامل أم لا؟ على ثلاثة أقوال (¬3). القول الأول: أنه لا يجب الترتيب ولا الموالاة، وهو وجه عند الشافعية، والحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (¬4). وعلى هذا القول فإن الجريح يخير بين تقديم التيمم على غسل الصحيح أو تأخيرة عنه، ولا يجب عليه أن يتيمم عن كل عضو في موضع غسله (¬5). ¬
وبناءً على هذا القول يبطل تيمم الجريح إذا دخل وقت الفريضة الثانية، ولا يلزمه أن يعيد استعمال الماء ما لم يحدث، كما سبق في الجنب. القول الثاني: أنه يجب عليه الترتيب والموالاة، وهو الأصح عند الشافعية، ومذهب الحنابلة. وعلى هذا القول فإنه يجعل التيمم في مكان الغسل الذي يتيمم بدلاً عنه، فإن كان الجرح في وجهه بحيث لا يمكنه غسل شيء منه، لزمه التيمم أولاً لقيامه مقام غسل الوجه ثم يتم الوضوء. وإن كان الجرح في بعض وجهه، خُيّر بين غسل صحيح وجهه ثم يتيمم للباقي، وبين أن يتيمم ثم يغسل صحيح وجهه؛ لأن العضو الواحد لا يعتبر فيه ترتيب، ثم يكمل وضوءه. وإن كان الجرح في عضو آخر غير الوجه، لزمه غسل ما قبله مرتبًا، ثم كان الحكم في الجريح على ما ذكر في الوجه. وإن كان الجرح في وجهه ويديه ورجليه، احتاج في كل عضو إلى تيمم في محل غسله ليحصل الترتيب، فيغسل صحيح الوجه ويتيمم عن جريحه، ثم اليدين كذلك، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل الرجلين ويتيمم لجريحهما، فلو غسل صحيح وجهه ثم تيمم لجرحه وجرح يديه تيممًا واحدًا لم يجزئه؛ لأنه يؤدي إلى سقوط الفرض عن جزء من الوجه واليدين في حال واحدة، فيفوت الترتيب.
وأما إذا عمت الجراحات الأعضاء الأربعة فيكفيه تيمم واحد؛ لأنه يسقط الترتيب، لكونه لا يجب غسل شيء من الأعضاء (¬1). وبناء على هذا القول اختلفوا هل يعيد مع التيمم الوضوء إذا دخل وقت الفريضة الثانية أم لا؟ على قولين (¬2): القول الأول: أنه يعيد التيمم والوضوء، وهو قول الحنابلة، ووجه للشافعية اختاره الرافعي (¬3). وعللوا ما ذهبوا إليه بأن طهارة العضو الذي ناب عنه التيمم بطلت، فلو لم يبطل فيما بعده لتقدمت طهارة ما بعده عليه، فيفوت الترتيب (¬4). إلا أن الشافعية قالوا: إن كانت الجراحة في الرجلين أجزأ التيمم ولا يعيد الوضوء (¬5)؛ لحصول الترتيب بين التيمم الجديد والوضوء السابق، وأما ¬
الحنابلة فقالوا: بوجوب إعادة التيمم والوضوء أيضًا؛ لفوات الموالاة بين التيمم الجديد والوضوء السابق (¬1). القول الثاني: أنه يعيد التيمم دون الوضوء، وهو الصحيح عند الشافعية. واستدلوا على ذلك بأن الوضوء الكامل لا يجب إعادته لكل فريضة، فكذلك غسل الصحيح الذي هو بعضه (¬2). القول الثالث: أنه يجب تقديم غسل جميع الصحيح، وهو وجه للشافعية. وبناء على هذا القول يبطل تيمم الجريح إذا دخل وقت الفريضة الثانية، ولا يعيد الوضوء، بل يعيد التيمم لأنه طهارة ضرورة. وعللوا ما ذهبوا إليه بما يلي: 1ـ أن التيمم طهارة مفردة، فلا يجب الترتيب بينها وبين الطهارة الأخرى، كما لو كان الجريح جنبًا (¬3). 2ـ أنه يتيمم عن الحدث الأصغر، فلم يجب أن يتيمم عن كل عضو في موضع غسله، كما لو تيمم عن جملة الوضوء (¬4). 3ـ أن إيجاب الترتيب والموالاة بين استعمال الماء والتيمم لا يخلو من ¬
الحرج والمشقة (¬1)، فيندفع بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]. أدلة القول الثاني: استدلوا على وجوب الترتيب والموالاة بأن الترتيب واجب في الوضوء، والتيمم بدل عن العضو المجروح، فجعل التيمم مكانه بحيث يأخذ حكمه؛ لأنه بدل عنه، والبدل يأخذ حكم المبدل منه (¬2). المناقشة: يمكن مناقشته من وجهين: الوجه الأول: أن التيمم فرض مستقل بنفسه، فلا يجب الترتيب بينه وبين غيره؛ لأن الترتيب إنما يراعى في العبادة الواحدة (¬3). الوجه الثاني: أن الترتيب إنما وجب فيما أمر الله بغسله ومسحه ليبدأ بما بدأ الله به، وهذا الجرح ليس مأمورًا بغسله ولا مسحه فلا ترتيب له (¬4). الوجه الثالث: أن وجوب الترتيب للأصل لا يلزم منه الترتيب لبدله، لأن البدل في غير محل المبدل منه، فهو يخالفه قدرًا وموضعًا وصفة ومن غير جنسه (¬5). ¬
أدلة القول الثالث: يمكن أن يستدل لهم بأن الغسل أصل، والتيمم بدل، فيقدم الأصل، قياسًا على من وجد من الماء ما لا يكفيه، فإنه يستعمل الماء ثم يتيمم. المناقشة: يمكن مناقشته بأنه قياس مع الفارق؛ لأن علة جواز التيمم لمن وجد ماء لا يكفيه هي عدم الماء، ولا يكون عادمًا له حتى يستعمل الماء الذي معه، بخلاف التيمم للجرح فإن علة جوازه خوف الضرر، وذلك موجود قبل استعمال الماء وبعده (¬1). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم وجود الترتيب والموالاة لمن كان الجرح في بعض أعضاء وضوئه، وذلك لما يلي: 1ـ لقوة أدلتهم، وإفادتها المراد، وسلامتها من الاعتراضات القادحة. 2ـ ضعف أدلة القولين الآخرين بما حصل من مناقشة. 3ـ أنه ينبني على القول بوجوب الترتيب والموالاة بين استعمال الماء والتيمم بعض المسائل التي لا دليل عليها، وإنما هي اجتهادات محضة غير مبنية على اتباع أو نص. ¬
ثم إنه لم ينقل عن الصحابة الفصل بين أبعاض الوضوء بالتيمم، مع أن الصحابة كانت تصيبهم الجراحات في الغزوات، والتي منها ما يكون في بعض أعضاء الوضوء، مما يدل على أن القول بالترتيب والموالاة قول ضعيف. قال ابن تيمية: «الفصل بالتيمم بين أبعاض الوضوء فعل مبتدع، وفيه ضرر عظيم، ومشقة لا تأتي بها الشريعة، وهذا ونحوه إسراف في وجوب الترتيب، حيث لم يوجبه الله ورسوله» (¬1). 4ـ أن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله (¬2)، وليس هناك دليل شرعي على وجوب الترتيب في هذه المسألة، فلا يجب الترتيب حينئذٍ لعدم النص على ذلك. ¬
المطلب الثالث حكم تيمم من وضع على الجرح أو الكسر جبيرة أو لصوقا
المطلب الثالث حكم تيمم من وضع على الجرح أو الكسر جبيرة أو لصوقًا اتفق الفقهاء على مشروعية المسح على الجبائر أو على العصابة أو اللصوق (¬1) بالماء في حالة العذر نيابة عن الغسل، فإنه يمسح عليها ويجزئه عن غسل ما تحتها (¬2). واستدلوا على ذلك بما يلي: أولاً: من السنة: 1ـ حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «... إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده» (¬3). 2ـ حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «انكسر إحدى زندي (¬4)، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرني أن أمسح على الجبائر» (¬5). ¬
وجه الدلالة من الحديثين: دل الحديثان على جواز المسح على الجبيرة أو العصابة. ثالثًا: من الآثار: عن نافع (¬1) عن ابن عمر قال: «إذا كان عليه عصاب مسحه، وإن لم يكن عليه عصاب غسل ما حوله ولم يمسه الماء» (¬2). رابعًا: من المعقول: 1. أنه مسح على حائل، أبيح له المسح عليه، كالمسح على الخف، بل أولى؛ لأن صاحب الضرورة أحق بالتخفيف (¬3). 2. أن الحاجة تدعوا إلى المسح على الجبائر؛ لأن في نزعها حرجًا وضررًا (¬4). ¬
3. أنه قول ابن عمر، ولم يعرف له من الصحابة مخالف (¬1). 4. أن المسح على الجبيرة أولى من التيمم (¬2)؛ لأن المسح على الجبيرة طهارة مائية، والتيمم طهارة ترابية. واختلفوا في وجوب التيمم مع الغسل والمسح، فهل يجب عليه أن يتيمم مع المسح على الجبيرة أم لا؟ وذلك على قولين (¬3): القول الأول: أنه لا يجب عليه أن يتيمم مع المسح على الجبيرة، وهو قول الحنفية، والمالكية، وقول للشافعية (هو قول الإمام الشافعي في القديم)، ومذهب الحنابلة. القول الثاني: أنه يجب عليه التيمم مع المسح على الجبيرة، وهو الأصح عند الشافعية (هو قول الإمام الشافعي في الجديد)، ورواية للحنابلة. أدلة القول الأول: أولاً: من السنة: حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «انكسر إحدى زندي، فسالت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرني أن أمسح على الجبائر» (¬4). ¬
وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أمر عليًا رضي الله عنه بالمسح على الجبائر لم يأمره بالتيمم (¬1). يمكن مناقشته بأن الحديث ضعيف (¬2). ثانيًا: من المعقول: 1ـ أن محل الطهارة واحد، فلا يجمع فيه بين بدلين كالخف (¬3). 2ـ أن مسح الجبائر معتبر بالمسح على الخفين، وليس مع المسح على الخفين تيمم، فكذا المسح على الجبائر (¬4). 3ـ لأنه متوضئٌ فأشبه أن يباشر الأعضاء بالماء (¬5). ¬
أدلة القول الثاني: أولاً: من السنة: حديث جابر رضي الله عنه وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «... إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصب أو يعصر على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده» (¬1). وجه الدلالة: دل الحديث على الجمع بين المسح على العصابة والتيمم. المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن الحديث ضعيف (¬2)، وحتى الذين حسنوا الحديث بمجموع طرقه (¬3)، فإنهم اعتبروا الشاهد من الحديث في شأن المسح على الجبائر ـ وهي زيادة: «ثم يمسح عليها» ـ ضعيفة ومنكرة. قال البيهقي: «ولا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب ـ أي المسح على الجبيرة ـ شيء، وأصح ما روي فيه حديث عطاء بن أبي رباح الذي تقدم ـ أي حديث جابر السابق ـ وليس بالقوي» (¬4). ¬
الوجه الثاني: أنه يحتمل أن الواو في قوله: «ويعصب» بمعنى أو، ويحتمل أن التيمم فيه لشد العصابة فيه على غير طهارة (¬1). ثانيًا: من المعقول: أن واضع الجبيرة أخذ شبهًا من الجريح؛ لأنه يخاف الضرر من غسل العضو، وأخذ شبهًا من لابس الخف؛ لأن المشقة تلحقه في نزع الجبيرة، فلما أشبههما وجب الجمع بين المسح والتيمم (¬2). المناقشة: يمكن مناقشته من وجهين: الوجه الأول: أنه قياس مع الفارق، فالجريح لا يستطيع مباشرة المسح لخوف زيادة الضرر، وليس عليه جبيرة ليمسحها، والغسل متعذر، فتعين التيمم. وأما لابس الخف فطهارته تختلف عن طهارة الماسح على الجبيرة؛ لأن طهارة الماسح على الجبيرة طهارة ضرورة، وأما مسح الخف فإنه تخفيف ورخصة (¬3). ¬
الوجه الثاني: أن إيجاب طهارتين لعضو واحد مخالف للقواعد الشرعية، بل إما أن تكون طهارة العضو المسح أو التيمم، ولا يكلف الله عبدًا بعبادتين سببُهما واحد (¬1). الراجح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم وجوب التيمم مع الغسل والمسح، وذلك لقوة أدلتهم، في مقابل ضعف أدلة القول الثاني بما حصل من مناقشة (¬2). ورغم أن مذهب الحنابلة عدم التيمم مع الغسل والمسح، إلا أنهم قالوا: بوجوب الجمع بين المسح والتيمم على ما زاد من الحاجة في الجبيرة، فيغسل الصحيح ويمسح على الجبيرة ويتيمم لما زاد على قدر الحاجة (¬3). واستدلوا على ذلك بأن المسح على الجبيرة إنما جاز للضرورة، فوجب أن يتقيد الجواز بموضع الضرورة (¬4). ¬
والراجح ـ كما ذكرنا ـ أنه لا يلزمه التيمم، وأما ما استدل به الحنابلة في هذه المسألة فيجاب عنه بجوابين: 1ـ أن تقدير الموضع الزائد على الحاجة قد لا ينضبط (¬1). 2ـ أنه لما كان يتضرر بنزع الزائد صار الجميع بمنزلة الجبيرة (¬2). ¬
المبحث الثالث عدم القدرة على استعمال الماء
المبحث الثالث عدم القدرة على استعمال الماء اتفق الفقهاء على جواز التيمم لمن وجد الماء ولكنه غير قادر على استعمال الماء، كما في الأمثلة التالية: 1. من كان على رأس بئر ماء، ولم يجد آلة يستقي بها الماء. 2. إذا كان بينه وبين الماء عدو أو لصوص أو سبع، فيخاف لو سعى إلى الماء ضررًا على نفسه أو على ماله أو أهله أو رفقته. 3. أن يكون الماء بمجمع الفساق، وتخاف المرأة على نفسها منهم. 4. أن يخاف باستعمال الماء الانقطاع عن رفقته ونحو ذلك. فيجوز لأصحاب هذه الأمثلة ونحوها التيمم بالاتفاق، ولا إعادة عليهم (¬1). وكانت أدلة هذا الاتفاق ما يلي: ¬
أولاً: من الكتاب: 1 ـ قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أباح التيمم لمن لا يقدر على استعمال الماء، فإن معنى عدم الوجود في الآية هو عدم الماء حسًا وحكمًا، وأصحاب الأمثلة السابقة وإن وجدوا الماء صورة إلى أنهم لما لم يتمكنوا من استعماله خشية الضرر صار الماء معدومًا حكمًا، فيدخلون تحت النص (¬1). 2 ـ قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]. 3 ـ قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]. وجه الدلالة من الآيتين: أن الله سبحانه وتعالى نهى عن قتل النفس وإلقائها في التهلكة، وفي تكليف هؤلاء ـ أي أصحاب الأعذار السابقة ـ باستعمال الماء للطهارة إذا خافوا باستعماله ضررًا على أنفسهم أو على أموالهم أو أهلهم ونحو ذلك قتل للنفس، وتعريضها للهلاك، وهذا محرم بالنص. ثانيًا: من السنة: حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟» قال: قلت: نعم يا رسول الله، إني احتلمت ¬
في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله عز وجل: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئًا (¬1). وجه الدلالة: في الحديث دليل على جواز التيمم لمن خاف على نفسه الهلاك من البرد، مع أن عمرو بن العاص قد تيمم مع وجود الماء، وسكت عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقره. فيفهم من ذلك جواز التيمم لمن وجد الماء ولكنه خائف من استعماله الضرر؛ لأن الخوف لا يختلف، وإنما اختلفت جهاته (¬2). ثالثًا: من المعقول: 1ـ أن أصحاب هذه الأمثلة عادمون للماء حكمًا (¬3)، فيباح لهم التيمم. 2ـ أنهم خائفون من الضرر باستعمال الماء (¬4)، والضرر منفي شرعًا. 3ـ قياسًا على الجريح والمريض إذا خاف أحدهما على نفسه من استعمال الماء، فإنه يجوز له التيمم (¬5)، فكذلك من خاف على نفسه ضررًا أو على ماله أو على رفقته ونحو ذلك. ¬
4ـ أن المرأة إذا خافت على نفسها باستعمال الماء كأن يكون الماء عند فاسق ونحوه، فإنه يجوز لها التيمم ولا يحل لها المضي إلى الماء؛ لما في ذلك من التعرض للزنا، وهتك نفسها وعرضها، وربما أفضى ذلك إلى قتلها، وقد أبيح لها التيمم مع قلة الماء، أو عند الخوف من مرض، فهاهنا أولى (¬1). قلت: والشريعة الإسلامية إنما جاءت للتيسير على العباد ورفع الحرج عنهم، وما شرع التيمم إلا لذلك، وفي تكليف أصحاب هذه الأمثلة باستعمال الماء للطهارة مع وجود الضرر عليهم من لص أو حيوان أو أي خوف كان في القصد إليه مشقة لوقعوا في الحرج والمشقة، والله عز وجل يقول في الحكم من مشروعية التيمم: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6]. ¬
الفصل الثالث الخوف من استعمال الماء
الفصل الثالث الخوف من استعمال الماء وفيه خمسة مباحث: المبحث الأول: ... تيمم الصحيح الخائف من العطش. المبحث الثاني: ... تيمم الصحيح الخائف من البرد. المبحث الثالث: ... التيمم لمن خاف فوات الوقت للصلوات المكتوبة. المبحث الرابع: ... التيمم لمن خاف فوات صلاة العيدين والجنازة ونحوهما. المبحث الخامس: ... التيمم لمن خاف فوات الجمعة.
المبحث الأول تيمم الصحيح الخائف من العطش
المبحث الأول تيمم الصحيح الخائف من العطش اتفق الفقهاء على أن من كان معه ماء، وهو يحتاج إليه لشرب ونحوه، كأن يخاف على نفسه العطش إن استعمله في الطهارة، أو يخاف على غيره من إنسان، أو حيوان محترم (¬1)، فإنه يجب عليه التيمم، ويحرم عليه ـ والحالة هذه ـ استعماله في الطهارة (¬2). وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم، منهم ابن المنذر، وابن هبيرة، وابن حجر العسقلاني (¬3). ¬
واستدلوا على ذلك بأدلة منها: أولاً: من الكتاب: 20ـ قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]. 21ـ قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]. وجه الدلالة من الآيتين: أن الله سبحانه وتعالى أمر بحفظ النفس، وصونها عن أسباب الهلاك، ومن ذلك صونها عن العطش المؤدي للهلاك، فإن استعمال الماء للطهارة مع الحاجة للشرب تعريض للنفس للهلاك، وهذا محرم شرعًا. ثانيًا: من السنة: عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بينما كلب يطيف بركية (¬1) كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها (¬2) فسقته فغفر لها به» (¬3). ¬
وجه الدلالة: دل الحديث على أجر من سقي الكلب، فغيره من باب أولى (¬1). ثالثًا: من الآثار: 1ـ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «إذا أجنب الرجل في أرض فلاة ومعه ماء يسير، فليؤثر نفسه بالماء ويتيمم بالصعيد» (¬2). 2ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إذا كنت مسافرًا وأنت جنب أو أنت على غير وضوء، فخفت إن توضأت أن تموت من العطش، فلا توضأه، واحبس لنفسك» (¬3). رابعًا: من المعقول: 1ـ أنه يخاف على نفسه من الهلاك لو استعمل ما معه من الماء، فصار في حكم العاجز عن استعماله، كما لو حال بينه وبين الماء سبع أو عدو أو لصوص (¬4). 2ـ قياسًا على المريض الذي يخاف على نفسه من استعمال الماء (¬5)، فإنه يجوز له التيمم، فكذلك هاهنا، بجامع أن كلاً منهما خائف على نفسه. ¬
3ـ أنه ماء مشغول بحاجته، والمشغول بالحاجة كالمعدوم (¬1). 4ـ أن حرمة الآدمي تقدم على الصلاة، بدليل ما لو رأى حريقًا، أو غريقًا في الصلاة عند ضيق وقتها لزمه ترك الصلاة والخروج لإنقاذه، فلأن تُقدم الطهارة بالتيمم على الطهارة بالماء أولى (¬2). 5ـ أن صيانة نفس الغير أوجب من صيانة الطهارة بالماء، فإن الوضوء له بدل ولا بدل للنفس (¬3). 6ـ أن حرمة رفيقه كحرمة نفسه، والخائف على بهائمه خائف على ضياع ماله، فأشبه ما لو وجد ماء بينه وبينه لص أو سبع يخافه على بهيمته، أو شيء من ماله (¬4). ¬
المبحث الثاني تيمم الصحيح الخائف من البرد
المبحث الثاني تيمم الصحيح الخائف من البرد وفيه مطلبان: المطلب الأول: ... حكم تيمم الصحيح الخائف من البرد. المطلب الثاني: ... حكم إعادة الصلاة لمن صلى بالتيمم لخوف البرد.
المطلب الأول حكم تيمم الصحيح الخائف من البرد
المطلب الأول حكم تيمم الصحيح الخائف من البرد اتفق جمهور الفقهاء على جواز التيمم للصحيح في السفر أو الحضر إذا خاف على نفسه التلف أو حصول الضرر من استعمال الماء لشدة البرد، ولم يجد ما يسخن به الماء، أو لم يجد ما يدفئه، وسواء كان ذلك في الحدث الأكبر أو الأصغر (¬1)، إلا أن أبا يوسف ومحمد من الحنفية قالا: بجواز ذلك في السفر دون الحضر. وقد استدل جمهور الفقهاء على جواز تيمم الصحيح الخائف من البرد بما يلي: أولاً: من الكتاب: 1. قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]. 2. قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]. ¬
وجه الدلالة من الآيتين: أن الله سبحانه وتعالى نهى عن أن يعرض الإنسان نفسه للهلاك، أو التلف، أو الضرر بها، فدل ذلك على أن أي سبب يؤدي إلى الهلاك، أو التلف، أو الضرر، فإنه يتناوله هذا النهي، ومن ذلك الخوف من استعمال الماء لشدة البرد. 22ـ قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]. وجه الدلالة: دلت الآية على أن الحرج مدفوع عن المكلفين، وفي تكليف من خشي على نفسه الهلاك باستعمال الماء لشدة البرد أعظم الحرج، وهو منفي شرعًا، فيجوز له التيمم. ثانيًا: من السنة: حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: «احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال: فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرت له ذلك فقال: «يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟» قال: قلت: نعم يا رسول الله، إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله عز وجل: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، فتيممت ثم صليت، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئًا» (¬1). ¬
وجه الدلالة: دل الحديث على جواز التيمم عند شدة البرد ومخافة الهلاك إن استعمل الماء، وذلك من وجهين (¬1): الوجه الأول: التبسم والاستبشار، فإن التبسم أقوى دلالة من السكوت على الجواز. الوجه الثاني: عدم الإنكار؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقر على الخطأ، ولو كان ذلك غير جائز لبَيَّنَه له، وأمره بالإعادة. ثالثًا: من الآثار: عن عبد الرزاق (¬2) قال: سمعت الثوري (¬3) يقول: «أجمعوا على أن الرجل يكون في أرض باردة فأجنب فخشي على نفسه الموت، يتيمم وكان بمنزلة المريض» (¬4). ¬
رابعًا: من المعقول: 1. أنه خائف على نفسه الهلاك من البرد، فأبيح له التيمم كالجريح والمريض (¬1). 2. أنه قد أتى بما أمر به وقدر عليه، فأشبه سائر من يصلي بالتيمم (¬2). 3. أنه غير قادر على استعمال الماء؛ لأن العجز ثابت حقيقة، فيتيمم بالنص (¬3). 4. قياسًا على من خاف على نفسه عطشًا أو لصًا أو سبعًا، فإنه يجوز له التيمم، فكذلك هاهنا، والعلة الجامعة بينهما هي الخوف على النفس (¬4). واستدل أبو يوسف ومحمد على جواز ذلك في السفر دون الحضر بما يلي: أن الغالب في الحضر وجود الماء المسخن، ووجود ما يستدفأ به، وعدمه نادر (¬5). المناقشة: نوقش من أربعة وجوه: الوجه الأول: أن ذلك غير مسلم به في حق الفقير والغريب (¬6). الوجه الثاني: أن من جاز له التيمم مع وجود الماء، فالحضر والسفر له سواء كالمريض (¬7). ¬
الوجه الثالث: قياسًا على المسافر؛ لأن معنى الحرج من استعمال الماء ثابت فيهما، فيتيمم بالنص (¬1). الوجه الرابع: أن العذر النادر يسقط به الفرض كغيره، ولهذا من حال بينه وبين الماء سبع فإنه يجوز له التيمم، وإن كان عذرًا نادرًا (¬2). ¬
المطلب الثاني حكم إعادة الصلاة لمن صلى بالتيمم لخوف البرد
المطلب الثاني حكم إعادة الصلاة لمن صلى بالتيمم لخوف البرد اختلف الفقهاء في حكم إعادة الصلاة لمن صلى بالتيمم لخوف البرد، فهل تجب عليه الإعادة أم لا؟ وذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه لا تجب عليه الإعادة سواء أكان حاضرًا أو مسافرًا، وهو قول الحنفية والمالكية، ورواية للحنابلة هي المذهب (¬1). القول الثاني: أنه تجب عليه الإعادة في الحضر والسفر، وهو الصحيح عند الشافعية، ورواية للحنابلة (¬2). القول الثالث: أنه تجب عليه الإعادة في الحضر دون السفر، وهو قول محمد وأبي يوسف من الحنفية، وقول للشافعية، ورواية للحنابلة (¬3). سبب الخلاف: يرجع سبب الخلاف في هذه المسألة إلى مدى قياس الصحيح الذي يخاف من برد الماء على المريض الذي يخاف من استعمال الماء (¬4)، فمن قاسه ¬
عليه لم يوجب إعادة الصلاة على المتيمم لخوف البرد، ومن لم يرجح القياس أوجب الإعادة. أدلة القول الأول: أولاً: من السنة: حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه وفيه: «... فتيممت، ثم صليت، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئًا» (¬1). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر عمرو بإعادة الصلاة، ولو كانت الإعادة واجبة لأمره (¬2). المناقشة: نوقش من وجهين (¬3). الوجه الأول: أن الإعادة على التراخي وليست على الفور، فلذلك لم يأمره بها. الجواب: يمكن أن يجاب أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (¬4). ¬
الوجه الثاني: يحتمل أنه لم يأمره بذلك؛ لعلمه أن عمرًا يعلم ذلك، أو أنه كان قد قضى. ثانيًا: من المعقول: 1ـ أنه خائف على نفسه، فوجب أن تسقط عنه الإعادة كالمريض (¬1). 2ـ أنه أتى بما أمر به فأشبه سائر من يصلي بالتيمم (¬2). أدلة القول الثاني والثالث: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} إلى قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الآية قيدت إباحة التيمم للمريض والمسافر العادم، والخائف من البرد ليس بمريض ولا مسافر عادم للماء (¬3). المناقشة: يمكن مناقشته من وجهين: ¬
الوجه الأول: أن الله سبحانه وتعالى إنما خص المريض والمسافر بالذكر لمعنى، وهو أن التيمم في الغالب يكون مع المرض أو السفر، فالسفر مظنة عدم الماء غالبًا، والمرض مظنة عدم القدرة على استعمال الماء في الطهارة، فمتى ما وجدت العلة في غيرهما ـ أي المريض والمسافر ـ جاز التيمم. الوجه الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستفسر من عمرو بن العاص هل كان فعله ذلك في السفر أو الحضر، بل علل فعله بعلة عامة، وهي خوف الهلاك، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - استصوب ذلك منه (¬1)، والحكم يدور مع علته وجودًا أو عدمًا (¬2). ثانيًا: من المعقول: أن عدم وجود المسخن عذر نادر غير متصل، فلم يسقط فرض الإعادة (¬3). المناقشة: نوقش هذا الدليل بما نوقش به قول أبي يوسف ومحمد في المطلب الأول (¬4). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم إعادة الصلاة لمن صلى بالتيمم لخوف البرد، وذلك لما يلي: ¬
1ـ قوة الأدلة وسلامة أكثرها من المعارضة. 2ـ مناقشة أدلة القول الثاني والثالث. 3ـ أن القول الثاني يقول: بجواز تيممه مع الإعادة، وهذا القول في غاية الضعف؛ إذ كيف يقال للمكلف: لك أن تتيمم وتصلي ولكن يجب عليك الإعادة؟! بل إما أن نقول: إن صلاتك صحيحة ولا إعادة، أو إنها باطلة من أصلها، فما دام أن تيممه جائز وصلاته قد أُديت على الوجه الصحيح فلا معنى حينئذ لوجوب الإعادة، والله أعلم. 4ـ أن القول بالتفريق بين الأعذار النادرة وغير النادرة قول لا يصح؛ لأنه لم يثبت في ذلك دليل شرعي.
المبحث الثالث التيمم لمن خاف فوات الوقت للصلوات المكتوبة
المبحث الثالث التيمم لمن خاف فوات الوقت للصلوات المكتوبة اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز التيمم عند وجود الماء والقدرة على استعماله، واختلفوا في حكم التيمم ـ لواجد الماء ـ خوفًا من فوات الوقت للصلوات الخمس المكتوبة، فهل يتيمم ويصلي في الوقت أو يتوضأ ويصلي بعد خروج الوقت (¬1)؟ وذلك على قولين: القول الأول: أنه يتيمم ويصلي في الوقت، وهو قول زفر (¬2) من الحنفية، وقول المالكية في الراجح عندهم، ورواية للحنابلة اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية (¬3). القول الثاني: أنه يتوضأ ولا يتيمم، ولو صلى خارج الوقت، وهو قول الحنفية، وقول للمالكية اختاره المغاربة، وهو قول الشافعية والحنابلة (¬4). ¬
سبب الخلاف: يظهر لي ـ والله أعلم ـ أن سبب الخلاف في هذه المسألة مبني على الاختلاف في الآكد من الأمرين، هل هو الطهارة أم فرض الوقت؟ فمن رأى أن الآكد هو الطهارة قال: بعدم جواز التيمم، ومن رأى أن الآكد هو فرض الوقت قال: بجواز التيمم. أدلة القول الأول: استدل القائلون بجواز التيمم لمن خشي فوات الوقت للصلوات المكتوبة، بما يلي: أولاً: من السنة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «... وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (¬1). وجه الدلالة: دل الحديث على أن من فعل ما أُمر به بحسب قدرته واستطاعته فإنه معذور، ومن خشي فوات وقت الفريضة فإنه يتيمم لإدراك الوقت، وإن كان الماء موجودًا؛ لأن العبد مأمور أن يصلي في الوقت، فما قدر عليه من شروط ¬
الصلاة فعله، وما عجز عنه سقط عنه؛ لأنه اتقى الله ما استطاع، ونفذ أمر الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بحسب استطاعته (¬1). المناقشة: يمكن مناقشته بعدم التسليم؛ لأن من وجد الماء وهو قادر على استعماله لا يوصف بأنه عاجز عن استعمال الماء، إذ باستطاعته استعماله للطهارة ولو خرج وقت الصلاة، لأن الصلاة إذا خرج وقتها فإنها تفوت إلى بدل وهو القضاء (¬2)، وما كان فواته إلى بدل كأنه لم يفت. الجواب: يمكن أن يجاب بأن إيقاع الصلاة بالتيمم أداء أولى من إيقاعها قضاء بالماء. اعتراض: قد يعترض بأن إيقاع الصلاة بالتيمم مشروط بعدم وجود الماء، وهذا واجد للماء فيجب استعماله. ثانيًا: من المعقول: 1ـ قياسًا على المريض، فكما أن المريض يصلي في الوقت قاعدًا أو على جنب إذا كان القيام يزيد في مرضه، ولا يؤخر الصلاة ليصلي قائمًا بعد خروج وقتها، فكذلك هاهنا (¬3). ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بأنه قياس مع الفارق، ووجه الفرق يتضح بما يلي: الأول: أن القيام أخف؛ لأنه يسقط في النافلة مع القدرة، بخلاف الطهارة بالماء، فإنه لا يجوز تركها بحال (¬1). الثاني: أن صلاة المريض قاعدًا أو على جنب مشروطة بعدم القدرة على القيام أو على القعود، فإذا تحقق الشرط صحت صلاته، بخلاف التيمم فإن شرطه عدم الماء، وهو واجد له فلا يصح تيممه. الثالث: أن صلاة المريض قاعدًا أو على جنب إنما أُبيحت لأجل المرض لا للوقت ونحوه، بدليل أنه لو كان صحيحًا لما صحت صلاته قاعدًا أو على جنب، والتيمم إنما أبيح عند عدم الماء، وأما عند وجوده فعليه استعماله سواء خاف فوات الوقت أو لم يخف. 2ـ قياسًا على الخائف، فالصلاة في الوقت فرض يجب بحسب الإمكان والاستطاعة، فالخائف يصلي صلاة الخوف في الوقت بحسب الإمكان ولا يفوتها ليصليها صلاة أمن بعد خروج الوقت، فالصلاة المفروضة في الوقت وإن كانت ناقصة خير من تفويتها بعد الوقت وإن كانت كاملة (¬2). ¬
المناقشة: نوقف بأنه قياس غير صحيح؛ لأنه إنما أُبيحت صلاة الخائف على هذا الوجه لأجل الخوف لا للوقت ولا لغيره، والخوف موجود، والدليل على ذلك جواز صلاة الخوف في أول الوقت مع غلبة الظن بانصراف العدو قبل خروج الوقت، فدل على أنها إنما أُبيحت للخوف لا ليدرك الوقت، والتيمم إنما أبيح للعبد لعدم الماء، فنظير صلاة الخوف من التيمم أن يكون الماء معدومًا فيجوز له التيمم، وأما في حالة وجود الماء فهو بمنزلة زوال الخوف فلا يجوز له فعل الصلاة إلا على هيئتها في حال الأمن (¬1). 3ـ قياسًا على المسافر إذا علم أنه لا يجد الماء إلا بعد خروج الوقت، فإنه يجوز له التيمم ليدرك الوقت، ولا يجوز له أني يؤخر الصلاة عن وقتها حتى يصل إلى الماء، فكذلك هاهنا (¬2). المناقشة: نوقش بالمنع؛ لأن المسافر إنما أبيح له التيمم لعدم الماء لا لأجل الوقت، بدليل أنه لو كان لأجل الوقت لما أبيح له التيمم في أول الوقت حال عدم الماء؛ لأنه غير خائف من فوات الوقت، وفي اتفاق الجميع على جواز تيممه في أول الوقت دلالة على أن شرط التيمم هو عدم الماء، وفي مسألتنا واجد للماء فلا يجوز له التيمم (¬3). ¬
23ـ أن التيمم إنما شرع أصلاً للمحافظة على وقت الصلاة (¬1)؛ لأنه قد علم أن الماء لا يعدم أصلاً، وقد اتفق على أن عادمه في الوقت يتيمم مع العلم أنه سيجده بعد الوقت، فاقتضى ذلك أن العلة تحصيل الفعل في الوقت (¬2). المناقشة: يمكن مناقشته من وجهين: الوجه الأول: أن فرض الطهارة آكد من فرض الوقت بدلالة أنه لا تقبل صلاة بغير طهارة، وهي جائزة مع فوات الوقت (¬3). الوجه الثاني: أن التيمم إنما جاء لحفظ وقت الصلاة في حالة عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله، وما دام أنه قادر على الماء فلا يجوز له التيمم. أدلة القول الثاني: استدل القائلون بعدم جواز التيمم لمن خشي فوات الوقت للصلوات المكتوبة، بما يلي: أولاً: من الكتاب: 1. قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ..} [المائدة: 6]. ¬
2. قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة من الآيتين: أن الله سبحانه وتعالى أوجب استعمال الماء في حال وجوده، ونقله إلى التراب عند عدمه، فلا يجوز نقله إليه مع وجود الماء (¬1)؛ لأنه خلاف الآية الثانية. المناقشة: يمكن مناقشته بأن الآية الأولى مقيدة لمن وجد الماء في الوقت، وأما من عدم الماء في الوقت فإنه يدخل في عموم الآية الثانية. الجواب: يمكن أن يجاب بأن الله سبحانه وتعالى حين أمر بغسل هذه الأعضاء لم يقيده بشرط بقاء الوقت وإدراك فعل الصلاة فيه، بل أباح ترك الغسل بشرط عدم الماء، فما لم يوجد الشرط فيه يبقى على العموم في الوقت وبعده (¬2). ثانيًا: من السنة: 1ـ حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير» (¬3). ¬
وجه الدلالة: دل الحديث على جواز التيمم بشرط عدم وجود الماء، وأما مع وجود الماء فعليه استعماله سواء خاف فوات الوقت أو لم يخف؛ لعموم قوله: «فإذا وجد الماء فليمسه بشرته». 2ـ حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ» (¬1). 3ـ حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول» (¬2). وجه الدلالة من الحديثين: دل الحديثان على أن الطهارة بالماء شرط لصحة الصلاة، فلا تصح الصلاة بالتيمم مع وجود الماء ولو خرج الوقت. اعتراض: قد يعترض بأن التيمم طهور كالماء، فتصح صلاته بالتيمم في الوقت (¬3). ¬
الجواب: أجيب بأن التيمم طهور مع عدم الماء، وأما مع وجود الماء فليس بطهور (¬1). ثالثًا: من المعقول: 1ـ أن الطهارة شرط فلم يبح تركها خيفة فوت وقت الصلاة كسائر شرائطها (¬2). 2ـ أنه قادر على الماء فلا يجوز له التيمم، كما لو لم يخف فوات الوقت (¬3). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بعدم جواز التيمم لمن خشي فوات الوقت للصلوات المكتوبة، وذلك لما يلي: 1ـ قوة ما استدلوا به من النصوص التي تدل على وجوب الوضوء عند القدرة على استعمال الماء. 2ـ أنه عمل بما في وسعه واستطاعته، وقد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (¬4). 3ـ مناقشة أدلة القول الأول. ¬
المبحث الرابع التيمم لمن خاف فوات صلاة العيدين والجنازة ونحوهما
المبحث الرابع التيمم لمن خاف فوات صلاة العيدين (¬1) والجنازة (¬2) ونحوهما اختلف الفقهاء في المكلف يجد الماء ويقدر على استعماله، ولكنه يخشى باستعماله فوات صلاة الجنازة أو صلاة العيد ونحوهما من النوافل، فهل يجوز له أن يتيمم ليدرك هذه الصلوات أم لا؟ وذلك على قولين: القول الأول: أنه يتيمم ويصلي، وهو قول الحنفية، وقول للمالكية اختاره ¬
اللخمي (¬1)، ورواية للحنابلة، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية (¬2) (¬3). القول الثاني: أنه لا يتيمم للعيد والجنازة ونحوهما، وهو قول المالكية، والشافعية، ورواية للحنابلة هي المذهب (¬4). ¬
سبب الخلاف: أصل الخلاف في هذه المسألة هو اختلافهم في صلاتي العيد والجنازة ونحوهما هل تقضى أو لا تقضى؟ أدلة القول الأول: استدل القائلون بأنه يتيمم ويصلي بما يلي: أولاً: من السنة: حديث أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة رضي الله عنه قال: «أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه، ثم رد عليه السلام» (¬1). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تيمم لرد السلام على المسلم، وذلك خوفًا من فواته بالمواراة عن بصره، فيكون هذا أصلاً إلى أن كل ما يفوت لا إلى بدل، يجوز أداؤه بالتيمم مع وجود الماء (¬2). المناقشة: نوقش من وجهين (¬3): ¬
الوجه الأول: أنه يحتمل أنه تيمم لعدم الماء. الوجه الثاني: أنه وإن سلمنا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تيمم مع وجود الماء لرد السلام خوفًا من الفوات، فالاستدلال بالحديث أيضًا ضعيف؛ لأن الطهارة للسلام ليست بشرط فخف أمرها بخلاف الصلاة. ثانيًا: من الآثار: 1ـ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه أتي بجنازة وهو على غير وضوء فتيمم، ثم صلى عليها (¬1). المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أنه يحتمل أن فعله ذلك كان في السفر لعدم الماء (¬2). الوجه الثاني: أن الأثر ضعيف (¬3). 2ـ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في الرجل تفجأه الجنازة وهو على غير وضوء قال: «يتيمم ويصلي عليها» (¬4). ¬
المناقشة: نوقش بأن الأثر ضعيف (¬1). ثالثًا: من المعقول: 1. أن صلاة الجنازة أو العيد تفوت لا إلى بدل، فيجوز التيمم لهما، كالعادم للماء، بجامع عدم التمكن من استدراك كل منهما بالوضوء (¬2). المناقشة: نوقش بأن القياس على عادم الماء قياس غير صحيح؛ لأنه لا يشبه عادم الماء، لا حقيقة ولا حكمًا، أما أنه لا يشبه العادم حقيقة، فلأنه واجد للماء، وأما لا يشبه العادم حكمًا، فلأنه قادر على استعمال الماء (¬3). 2. أن التيمم إنما شرع في الأصل لخوف فوات الأداء مع أنه يستدرك بالقضاء، فمن باب أولى يشرع لكل ما يخاف فوته ولا يمكن قضاؤه (¬4)، فالصلاة بالتيمم خير من تفويت الصلاة (¬5). ¬
المناقشة: يمكن مناقشته من وجهين: الوجه الأول: أن ذلك منتقض بالجمعة بفوت فعلها، ولا يجوز أن يتيمم لها (¬1). اعتراض: اعترض بأن هناك فرق بين صلاة الجنازة وصلاة الجمعة، فإن الجمعة تنتقل عند فواتها إلى الظهر، بخلاف الجنازة والعيد فإنه لا يمكن استدراكهما بالقضاء (¬2). الرد: أن الظهر ليس بجمعة، بدليل قولكم ـ أي الحنفية ـ من خرج عنه وقت الجمعة وهو فيها بطلت ولا يتمها ظهرًا (¬3)، فالجمعة لا تقضى جمعة بحال. ثم إن صلاة الجنازة تقضى لأنه يصليها على القبر فلا تسقط بحال (¬4)، وكذلك صلاة العيد فإنها تقضى وله أن يصليها إن شاء إلى وقت زوال الشمس (¬5). ¬
الوجه الثاني: أنه لو جاز أن يتيمم إذا خشي فواتها إذا توضأ، لجاز أن يصليها بغير تيمم إذا خشي فواتها أن يتيمم، ولما لم يجز ترك التيمم من خشي الفوات، فكذلك في الوضوء (¬1). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بأنه لا يتيمم بما يلي: أولاً: من الكتاب: 1ـ قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية [المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى اشترط الطهارة بالماء عند وجوده، وهذا عام في كل صلاة، فلا يجوز أداؤها بالتيمم مع وجود الماء. المناقشة: نوقش بأن إطلاق الصلاة يقتضي المعهود، وذلك لا يتناول صلاة الجنازة (¬2). الجواب: أجيب بعدم التسليم؛ لأن صلاة الجنازة يتناولها اسم الإطلاق، ونقيدها ¬
بالجنازة للتنويع كما يقال صلاة الظهر والعصر والجمعة، ودخول الألف واللام لا للعهد، وإنما هو لاستغراق الجنس، وصلاة الجنازة نوع منه (¬1). 2ـ قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} الآية [النساء: 43، المائدة: 6]. ثانيًا: من السنة: حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير» (¬2). وجه الدلالة من الآية والحديث: أن شرط جواز التيمم هو عدم وجود الماء، وهذا واجد للماء وقادر على استعماله، فلا يجوز له أن يصلي بالتيمم. المناقشة: نوقش بأن المراد بالوجود: القدرة على استعماله لأداء الصلاة من غير مشقة، وهذا لا يوجد إذا خاف فوتها، فيصير غير واجد حكمًا، كمن يخاف العطش (¬3). الجواب: يمكن أن يجاب بعدم التسليم؛ لأنه واجد للماء حكمًا؛ لكونه قادر على ¬
استعماله، وأما القياس على من خاف العطش فضعيف؛ لأن من خاف العطش أبيح له التيمم لخوف الضرر، ولا ضرر هنا، فافترقا. ثالثًا: من المعقول: 1ـ أن طهارة التيمم طهارة ضرورة ولا ضرورة مع فرض كفاية أو سنة؛ لجواز تركها والاكتفاء بالمتوضئين (¬1). 2ـ قياسًا على الصلوات المكتوبة إذا خشي فواتها وهو قادر على استعمال الماء (¬2). 3ـ قياسًا على الجمعة، فإن الجمعة آكد من الجنازة؛ لأنها من فروض الأعيان، والجنازة من فروض الكفايات، ثم خوف فواتها لا يسوغ التيمم لها، فالجنازة أولى (¬3). 4ـ قياسًا على من هو عار وفي بيته ثوب لو ذهب إليه لفاتته الصلاة (¬4)، فإنه لا يجوز له أن يصلي عاريًا ولو فاتته الصلاة، فكذلك لا يجوز له أن يتيمم مع القدرة على استعمال الماء ولو فاتته الصلاة بجامع أن الطهارة وستر العورة شرطان من شروط الصلاة فلا تصح الصلاة بدونهما مع القدرة عليهما. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بعدم التيمم لمن يجد الماء ¬
ويخاف باستعماله فوات النوافل كالعيد والجنازة ونحوهما، وذلك لقوة أدلتهم وإفادتها المراد، في مقابل ضعف أدلة القول الأول بما حصل من مناقشتها.
المبحث الخامس التيمم لمن خاف فوات الجمعة
المبحث الخامس التيمم لمن خاف فوات الجمعة اختلف الفقهاء في المكلف يجد الماء ويقدر على استعماله، ولكن يخشى باستعماله فوات الجمعة، فهل يباح له التيمم ليدرك صلاة الجمعة أم يلزمه الوضوء ولا يجوز له التيمم في تلك الحالة؟ وذلك على قولين (¬1): القول الأول: أنه يلزمه الوضوء لصلاة الجمعة وإن خشي فواتها، ولا يتيمم لها، وهو قول الحنفية، والمشهور من مذهب المالكية، وقول الشافعية، والحنابلة. القول الثاني: أنه لا يلزمه الوضوء لصلاة الجمعة إذ خشي فواتها، بل يتيمم لها، وهو قول للمالكية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. سبب الخلاف: سبب الخلاف في هذه المسألة هو اختلافهم في صلاة الجمعة، هل لها بدل عند فواتها ـ وهو الظهر ـ أو ليس لها بدل لكونها فرض يومها؟ فمن رأى أن للجمعة بدل عند فواتها ـ وهو الظهر ـ قال: بعدم التيمم، ومن رأى أنه ليس للجمعة بدل قال: بجواز التيمم. ¬
أدلة القول الأول: استدلوا بالأدلة نفسها المتقدمة الدالة على عدم التيمم للجنازة والعيد ونحوهما. أدلة القول الثاني: يمكن أن يستدل لهم بأدلة من قال بجواز التيمم لمن خشي فوات الجنازة والعيد ونحوهما، وقد تقدمت (¬1). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بوجوب الوضوء لصلاة الجمعة، ولو خاف فواتها، وذلك لقوة أدلتهم، ولأن أدلة القول الثاني تم مناقشتها في المطلب السابق. وقد حكى ابن المنذر عن أبي ثور (¬2) الإجماع على عدم صلاة الجمعة بالتيمم مع وجود الماء فقال: «قال أبو ثور: لا أعلم خلافًا أن رجلاً لو أحدث يوم الجمعة، وخاف فواتها أن ليس له أن يتيمم ويصلي، فإذا كان هذا من القوم إجماعًا لوجود الماء، كان كل محدث في موضع يجد فيه الماء مثله» (¬3). ¬
الباب الثاني في أحكام التيمم
الباب الثاني في أحكام التيمم وفيه خمسة فصول: الفصل الأول: ... حكم التيمم بين الرخصة والعزيمة. الفصل الثاني: ... هل التيمم بدل مطلق أو بدل ضروري؟ الفصل الثالث: ... حكم التيمم للطهارة من الحدث. الفصل الرابع: ... حكم التيمم للنجاسة. الفصل الخامس: ... التيمم في الحضر والسفر.
الفصل الأول حكم التيمم بين الرخصة والعزيمة
الفصل الأول حكم التيمم بين الرخصة والعزيمة وفيه مبحثان: المبحث الأول: ... تعريف الرخصة والعزيمة في اللغة والاصطلاح. المبحث الثاني: ... حكم التيمم بين الرخصة والعزيمة.
المبحث الأول تعريف الرخصة والعزيمة في اللغة والاصطلاح
المبحث الأول تعريف الرخصة والعزيمة في اللغة والاصطلاح وفيه مطلبان: المطلب الأول: ... تعريف الرخصة في اللغة والاصطلاح. المطلب الثاني: ... تعريف العزيمة في اللغة والاصطلاح.
المطلب الأول تعريف الرخصة في اللغة والاصطلاح
المطلب الأول تعريف الرخصة في اللغة والاصطلاح أولاً: في اللغة: الرخصة في اللغة: مشتقة من رخص. والرخص ـ بفتح الراء وتسكين الخاء ـ الشيء الناعم اللين، يقال: قضيب رَخْص: أي طري ليِّن. والرخص ـ بضم الراء وتسكين الخاء ـ ضد الغلاء، يقال: رخص السعر رُخْصًا فهو رخيص. والرُخصة: التسهيل في الأمر والتيسير، يقال: رخص لنا الشارع في كذا ترخيصًا: إذا يسره وسهله (¬1). فإذن من المعاني السابقة يتضح لنا أن الرخصة في اللغة عبارة عن التسهيل والتيسير واللِّين. ثانيًا: في الاصطلاح: عرف الأصوليون الرخصة بتعاريف كثيرة مختلفة في ألفاظها، متقاربة في معانيها، ومن تلك التعاريف: الرخصة: هي الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر (¬2). ¬
وعرفه بعضهم بأنها: الحكم الشرعي الذي تغيّر من صعوبة إلى سهولة لعذر، مع قيام السبب الأصلي (¬1). فالرخصة إذن تسهيل وتوسعة من الشارع للمكلفين، وبهذا يتبين لنا أن العلاقة بين المعنيين ـ اللغوي والاصطلاحي ـ ظاهرة لا تخفى. ¬
المطلب الثاني تعريف العزيمة في اللغة والاصطلاح
المطلب الثاني تعريف العزيمة في اللغة والاصطلاح أولاً: في اللغة: العزيمة في اللغة: مشتقة من العزم، وهو القصد المؤكد. يقال: عزم على الشيء عزمًا وعزيمة: إذا عقد ضميره على فعله وقطع عليه، ومنه قوله تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115]، أي: قصدًا مؤكدًا على المعصية. ومنه أيضًا قوله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: 159]، أي: إذا قطعت الرأي فتوكل على الله في إمضاء أمرك. وسمي بعض الرسل أولي العزم؛ لتأكيد قصدهم في طلب الحق (¬1). ثانيًا: في الاصطلاح: هي الحكم الثابت بدليل شرعي خال عن معارض (¬2). ¬
المبحث الثاني حكم التيمم بين الرخصة والعزيمة
المبحث الثاني حكم التيمم بين الرخصة والعزيمة اتفق الفقهاء على أن التيمم واجب عند عدم الماء أو عند عدم القدرة على استعماله، ولكنهم اختلفوا في هذا الوجوب، هل هو من باب الرخصة أو هو من باب العزيمة؟ وذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن التيمم رخصة وليس عزيمة، وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬1). القول الثاني: أن التيمم عزيمة وليس رخصة، وهو قول بعض المالكية، وبعض الشافعية، وقول الحنابلة (¬2). القول الثالث: أن التيمم عزيمة في حق العادم للماء، ورخصة في حق من يجد الماء ولا يقدر على استعماله، وهو قول بعض المالكية، وقول الشافعية (¬3). ¬
سبب الخلاف: سبب الخلاف بين الفقهاء في هذه المسألة هو اختلافهم في مجامعة الرخصة للوجوب، فمن رأى أن الرخصة لا تجامع الوجوب، قال: بأن التيمم عزيمة؛ لأن الرخصة تقتضي التسهيل، والوجوب يقتضي الإلزام. ومن رأى أن الرخصة تجامع الوجوب، قال: بأن التيمم رخصة (¬1). وقد يكون سبب الخلاف أن التيمم له جهتان، وكل فريق نظر إلى جهة دون الأخرى، فمن رأى أن التيمم عزيمة نظر من جهة أن العادم للماء لا يمكنه استعماله مع عدمه لاستحالة التكليف بالماء عند عدمه (¬2)، وكذلك عند عدم القدرة على استعماله فإن التيمم يكون واجبًا، ويكون الماء في حكم المعدوم، فدل ذلك على أن التيمم عزيمة. ومن رأى أن التيمم رخصة، نظر من جهة أنه تيسير من الله على المكلف ورفع للحرج عنه، حيث إن الله سبحانه وتعالى جعله بدل الماء، واكتفى فيه بالصعيد ـ الذي هو متيسر لجميع الناس ـ وفي محله بشطر أعضاء الوضوء، فدل ذلك على أن التيمم رخصة، والله أعلم. ¬
أدلة القول الأول: استدل القائلون بأن التيمم رخصة بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: دلت الآية على أن الحكمة من مشروعية التيمم رفع الحرج، ورفع الحرج رخصة وفضيله اختص الله بها أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فرخص لنا استعمال التراب عند فقد الماء أو العجز عن استعماله. ثانيًا: من السنة: حديث جابر رضي الله عنه قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجرٌ فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم، فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بذلك فقال: «قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده» (¬1). ¬
وجه الدلالة: دل الحديث على أن التيمم رخصة؛ لأن الرجل سأل أصحابه بقوله: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ وقد أنكر عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - صنيعهم مما يدل على أن التيمم رخصة (¬1). المناقشة: يمكن مناقشته بأن الحديث ضعيف (¬2)، ولو سلمنا بصحته فليس فيه دليل على كون التيمم رخصة بالمفهوم الاصطلاحي (¬3). ثالثًا: من المعقول: أن التيمم رخصة في المحل والآلة، فأما المحل فقد اقتصر فيه على مسح الوجه واليدين من غير استيعاب لجميع أعضاء الوضوء، وأما من حيث الآلة فقد اكتفي بالصعيد الذي هو ملوث (¬4)، والصعيد متيسر لجميع الناس، فدل ذلك على أن التيمم رخصة، ورحمة من الله تعالى بهذه الأمة. المناقشة: يمكن مناقشته بأن الرخصة تكون في الشخص المتمكن من فعل الحكم الأصلي، وهنا لا يمكنه فعل الأصل الذي هو الوضوء؛ لعدم الماء، إذ إن التيمم عند عدم الماء واجب (¬5). ¬
اعتراض: يمكن أن يعترض بأن الرخصة قد تنتهي إلى الوجوب (¬1). الرد: يمكن الرد بأن الرخصة إذا انتهت إلى الوجوب صارت عزيمة (¬2)؛ لأن الرخصة تقتضي التسهيل، والوجوب يقتضي الإلزام. أدلة القول الثاني: استدل القائلون بأن التيمم عزيمة بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالتيمم أمرًا جازمًا، والأصل في الأمر الوجوب (¬3)، فالوجوب في التيمم عزيمة؛ لأنه حكم ثابت بدليل شرعي خال عن معارض. ¬
المناقشة: يمكن مناقشة القول بأن التيمم واجب مطلقًا غير مسلم؛ لأن القول بالوجوب لا يستقيم في حق العاجز عن استعمال الماء لخوف ضرر أو زيادة مرض، فإن التيمم في حقه رخصة لتمكنه من فعل الأصل في الجملة (¬1). ثانيًا: من المعقول: قياسًا على الوضوء والغسل، فإن البدل يأخذ حكم المبدل. المناقشة: يمكن مناقشته بما نوقش به دليل الكتاب السابق. أدلة القول الثالث: استدل القائلون بأن التيمم عزيمة في حق عادم الماء، ورخصة في حق من يجد الماء ولا يقدر على استعماله بما يلي: أن العزيمة لا يكون الشخص فيها متمكنًا من فعل الأصل، ومن عدم الماء لا يمكنه الوضوء الذي هو الأصل فيصير التيمم في حقه عزيمة، بخلاف من يجد الماء ولا يقدر على استعماله لحصول مشقة فادحة في حقه لتمكنه من فعل الأصل في الجملة (¬2). ¬
الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثالث القائل بأن التيمم عزيمة في حق عادم الماء، ورخصة في حق من يجد الماء ولا يقدر على استعماله، وذلك لما يلي: 24ـ لقوة دليلهم، وسلامته من المناقشة، فإن العادم للماء ليس أمامه إلا التيمم وبذلك يصبح التيمم في حقه عزيمة، وأما الواجد للماء العاجز عن استعماله فيكون التيمم له رخصة؛ لأنه يمكنه فعل الأصل الذي هو الوضوء ولكن بمشقة، فشرع له التيمم رخصة. 25ـ أنه بهذا القول يتم الجمع بين القولين، فلا يصار إلى الترجيح.
الفصل الثاني بدلية التيمم عن الماء
الفصل الثاني بدلية التيمم عن الماء وفيه تمهيد ومبحثان: المبحث الأول: ... نوع بدلية التيمم. المبحث الثاني: ... ما يترتب على الخلاف في نوع بدلية التيمم.
تمهيد خص الله سبحانه وتعالى هذه الأمة إكرامًا لها بسبب شرف نبيها عليه الصلاة والسلام وفضلها على سائر الأمم، بأن جعل لهم التراب مطهرًا بدلاً عن الماء. حيث شرع الله لنا التيمم عوضًا عن الماء في حال فقده، أو عدم القدرة على استعماله، كيلا يحرم العبد من فعل الطاعات وثوابها. وقد تقدم ذكر الأدلة الدالة على أن التيمم بدل عن الماء ويقوم مقامه عند عدم الماء، أو عند عدم القدرة على استعماله (¬1). فالتيمم بدل عن الماء، ويقوم مقامه. ولما كان التيمم بدلاً، فهل هو بل مطلق أو بدل ضروري؟ الجواب سيتضح ـ إن شاء الله ـ من خلال المبحث الآتي: ¬
المبحث الأول نوع بدلية التيمم
المبحث الأول نوع بدلية التيمم المقصود بهذه المسألة: هل التيمم بدل مطلق بحيث يقوم مقام الماء في رفع الحدث، أو أنه بدل ضروري لا يرفع الحدث، بل يبيح العبادة مع قيام الحدث؟ اتفق الفقهاء على أن التيمم لا يرفع الحدث مع وجود الماء (¬1)، واختلفوا في حكم رفع الحدث بالتيمم عند عدم الماء، هل يرفع الحدث فيكون التيمم كالماء أو لا يرفعه فيكون مبيحًا لا رافعًا؟ وذلك على قولين: القول الأول: أن التيمم لا يرفع الحدث، وإنما هو مبيح للعبادة، وهو المشهور عند المالكية، والصحيح عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة، وهي المذهب (¬2). القول الثاني: أن التيمم يرفع الحدث، وهو قول الحنفية، وقول للمالكية (¬3)، ووجه للشافعية أنه يرفع في حق فريضة واحدة، وهو قول ابن سريج، ورواية للحنابلة، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم (¬4). ¬
سبب الخلاف: ذكر ابن تيمية أن سبب الاختلاف بين الفقهاء في هذه المسألة مبني على قاعدة أصولية، وهي أن المانع المعارض للمقتضي هل يرفعه أم لا؟ (¬1). ومعنى ذلك: هل استبيحت الصلاة مع قيام السبب المانع منها وهو الحدث، أو أن السبب لم يبق حاضرًا، فكأن لا حدث؟ (¬2). أدلة القول الأول: استدل القائلون بأن التيمم مبيح للعبادة ولا يرتفع به الحدث، بما يلي: أولاً: من السنة: 1ـ حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال: فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرت ذلك له، فقال: «يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟» قال: قلت: نعم يا رسول الله، إني احتملت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله عز وجل: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئًا (¬3). ¬
وجه الدلالة: دل الحديث على أن التيمم لا يرفع الحدث؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماه جنبًا بعد تيممه (¬1). المناقشة: نوقش بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين قال له ذلك إنما هو من باب الاستفهام والاستعلام، أي: هل فعلت ذلك؟ فأخبره عمرو بأنه لم يفعله، بل تيمم لخوف أن يقتله البرد، فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئًا، ولم يأمره بالإعادة، فدل ذلك على أنه صلى بأصحابه وهو غير جنب (¬2). 2ـ حديث عمران بن حصين رضي الله عنه في القصة الطويلة، وفيها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما انفتل من صلاته إذ هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، قال: «ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟» قال: أصابتني جنابة ولا ماء. وفيها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بالتيمم، ثم لما حضر الماء أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - إناءٌ من ماء، وقال له: «أفرغه عليك» (¬3). وجه الدلالة: دل الحديث على أن الحدث لم يرتفع؛ إذ لو ارتفع لما احتاج إلى الاغتسال (¬4). ¬
المناقشة من وجهين (¬1): الوجه الأول: ليس في الحديث ما يفيد أن الأمر بالغسل للجنابة التي قد تيمم لها، ولو كان كذلك لأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعادة الصلاة التي قد فعلها بالتيمم، ولم يثبت ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم -. الوجه الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بالاغتسال استحبابًا لا وجوبًا، فالحدث مرتفع بالتيمم، وإنما الغسل لما أصاب البدن من آثار الجنابة. 26ـ حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير» (¬2). وجه الدلالة: دل الحديث على وجوب استعمال الماء عند وجوده، وذلك لرفع الحدث الذي كان قبل التيمم، ولو ارتفع الحدث لما وجب عليه استعمال الماء (¬3). المناقشة: نوقش بأن التيمم إنما يرفع الحدث بشرط عدم الماء، فإذا وجد الماء بطل التيمم أصلاً، وصار كمن لم يتيمم، ومن لم يتيمم لم يرتفع حدثه (¬4). ¬
ثانيًا: من الآثار: 1ـ عن علي رضي الله عنه قال: «يتيمم لكل صلاة» (¬1). 2ـ عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «من السنة أن لا يصلي الرجل بالتيمم إلا صلاة واحدة، ثم يتيمم للصلوات الأخرى» (¬2). 3ـ عن عمرو بن العاص أنه كان يُحدث لكل صلاة تيممًا (¬3). 4ـ عن ابن عمر رضي الله عنه قال: «يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث» (¬4). ¬
المناقشة: نوقش استدلالهم بهذه الآثار من وجهين (¬1): الوجه الأول: ضعف هذه الآثار كما تقدم عند تخريجها. الوجه الثاني: أن هذه الآثار لو صحت لما كان فيها حجة؛ إذ ورد عن بعض الصحابة ما يعارضها، ولا إجماع في المسألة، فالواجب الرد إلى الكتاب والسنة. ثالثًا: من المعقول: 1ـ أن التيمم طهارة ضرورة، فلم يرفع الحدث، كطهارة المستحاضة (¬2). المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن القول بأن التيمم طهارة ضرورة إن أُريد به أن لا يفعل إلا عند الضرورة فهو مسلم، وإن أُريد به أنه لا يجوز التيمم إلا إذا كان التيمم واجبًا، فإن هذا خلاف السنة والإجماع، بل يتيمم للواجب كالصلاة، ويتيمم للمستحب كصلاة التطوع، وقراءة القرآن ونحوهما (¬3). ¬
الوجه الثاني: أن القياس على طهارة المستحاضة قياس مع الفارق؛ لأنها طهارة يتعقبها ما يفسدها وهو خروج الدم (¬1)، بخلاف المتيمم فلا يتعقب تيممه ما يفسده إلا أن يحدث أو يجد الماء. قال ابن حزم: «لأن قياس المتيمم على المستحاضة لم يوجبه شبه بينهما ولا علة جامعة فهو باطل بكل حال» (¬2). 2ـ أن التيمم لو رفع الحدث لما بطل برؤية الماء (¬3). المناقشة: يمكن مناقشته بأنه إنما يبطل برؤية الماء؛ لأن الأصل فيه أنه يرفع الحدث رفعًا مؤقتًا إلى حين وجود الماء، فإذا وجد الماء بطل التيمم أصلاً. أدلة القول الثاني: استدل القائلون بأن التيمم يرفع الحدث، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6]. ¬
وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يطهرنا بالتراب، كما يطهرنا بالماء، فدل ذلك على أن التيمم مطهّر كالماء سواء بسواء (¬1). ثانيًا: من السنة: 1. حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير» وفي رواية: «إن الصعيد الطيب وضوء المسلم ...» (¬2) (¬3). وجه الدلالة: دل الحديث على أن طهارة التيمم ممتدة إلى غاية وجود الماء، وذلك يدل على أن التيمم في حال عدم الماء كالوضوء، فإذًا يُعطى حكم الماء فيرفع الحدث (¬4). ¬
2. حديث جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أُعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا ...» (¬1). وجه الدلالة: دل الحديث على أن الله سبحانه وتعالى جعل الأرض طهورًا كما جعل الماء طهورًا (¬2)، والطهور اسم للمُطِّهر، فدل على أن الحدث يزول بالتيمم كالوضوء (¬3). المناقشة: نوقش بأن المراد بالحديث أنه كالوضوء في استباحة الصلاة والقراءة وغير ذلك، وإلا فمن المعلوم أنه ليس تقع به الوضاءة، وإنما هو ملوَّث ومغبَّر (¬4). الجواب: أجيب بأنه من المعلوم أن استباحة الصلاة والقراءة وغير ذلك لابد أن تكون بطهارة، فلو لم يكن رافعًا للحدث لما استبيحت به الصلاة. فمن التناقض أن يقال: التيمم ليس بطهارة تامة، ولكنه يبيح فعل الصلاة ¬
ونحوها؛ لأن استباحة الصلاة لا تكون إلا بطهارة، فهو إذن على قولكم: طهارة، لا طهارة (¬1). ثالثًا: من المعقول: 1ـ أن التيمم بدل عن الماء، والبدل يقوم مقام المبدل في أحكامه، وإن لم يكن مماثلاً له في صفته، فلما كان طهارة الوضوء ترفع الحدث كان بدلها كذلك (¬2). المناقشة: نوقش بأنه بدل عنه في فعل العبادة من صلاة وغيرها، فهذا مقصود الشرع بالبدلية، وليس معنى البدلية أنه مثله في رفع الحدث، بدليل أنه إذا وجد الماء عاد حدثه، بخلاف طهارة الماء فإنها لا تبطل إلا بتجدد الحدث (¬3). الجواب: يمكن مناقشته من أربعة وجوه: الوجه الأول: أن التراب إذا كان مطهرًا من الحدث بنص الكتاب والسنة، امتنع أن يكون الحدث باقيًا، فالتيمم رافع للحدث مطهر لصاحبه، وإلا للزم على قولكم أن يكون أداؤه للصلاة على حدث، وأنتم لا تقولون بذلك. ¬
الوجه الثاني: أن قولكم: إنه لا يرفع الحدث، فإن كان المراد به أنه لا يرفع الأسباب الموجبة للحدث كالريح والوطء فكذلك الوضوء؛ لأن رفع الأسباب محال. وإن كان المراد أنه لا يرفع المنع الشرعي من الإقدام على العبادة، فإن المنع قد ارتفع بالضرورة، فإن الإباحة ثابتة إجماعًا، ومع الإباحة لا منع (¬1). الوجه الثالث: أن المتيمم إنما يعود حدثه إذا وجد الماء؛ لأن الأصل في التيمم أنه يرفع الحدث إلى حين وجود الماء، فإذا وجد الماء بطل التيمم أصلاً. الوجه الرابع: أن بطلان التيمم برؤية الماء، دليل على أنه بمنزلة الماء عند عدمه، فدل ذلك على أن التيمم يرفع الحدث كالماء. 2ـ أن التيمم طهارة عن حدث تستباح به الصلاة، فأشبه الطهارة المائية (¬2). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بأن التيمم يرفع الحدث إلى حين وجود الماء، وذلك لما يلي: 1ـ لقوة أدلتهم، وإفادتها المراد، وسلامتها من الاعتراضات القادحة. 2ـ ضعف أدلة القول الأول بما حصل من مناقشتها. 3ـ أن الشريعة الإسلامية قد دلت على أن التيمم طهور حال عدم الماء، فوجب أن يعمل عمل الماء ما بقي شرطه، حتى يقوم دليل شرعي على خلاف ذلك. ¬
4ـ أن جعله كالماء من توسيع الله على عباده فلا يجوز لأحد أن يضيق على المسلمين ما وُسِّع عليهم، والله سبحانه وتعالى أراد بالتيمم رفع الحرج عن الأمة فليس لأحد أن يجعل فيه حرجًا (¬1). ¬
المبحث الثاني ما يترتب على الخلاف في نوع بدلية التيمم
المبحث الثاني ما يترتب على الخلاف في نوع بدلية التيمم وفيه تمهيد وخمسة مطالب: المطلب الأول: ... وقت التيمم. المطلب الثاني: ... حكم الوطء لعادم الماء. المطلب الثالث: ... حكم إمامة المتيمم للمتوضئ. المطلب الرابع: ... حكم المسح على الخفين لمن لبسه على طهارة التيمم. المطلب الخامس: ... حكم التيمم إذا وجد الماء بعد التيمم وقبل الصلاة.
تمهيد ذكر بعض الفقهاء أن الخلاف بين الفقهاء في نوع بدلية التيمم إنما هو خلاف لفظي؛ لأن من قال: إن التيمم لا يرفع الحدث فمراده أنه لا يرفعه مطلقًا، بل إلى غاية لئلا يجتمع النقيضان، إذ الحدث معناه المنع، والمتيمم غير ممنوع من الصلاة، فدل ذلك على أنه خلاف لفظي (¬1). والصواب أن الخلاف حقيقي لا لفظي، فإن الفقهاء قد اختلفوا في بعض المسائل بناء على اختلافهم في التيمم هل يرفع الحدث، أو يبيح العبادة مع قيام الحدث؟. وهذا يؤكد على أن الخلاف حقيقي له ثمرة. وبيان هذه الثمرة يكون في خمسة مطالب: ¬
المطلب الأول وقت التيمم
المطلب الأول وقت التيمم وفيه ثلاثة فروع: الفرع الأول وقت التيمم للصلاة المؤقتة بوقت اختلف الفقهاء في الوقت الذي يصح فيه التيمم للصلاة المفروضة، والنافلة المؤقتة بوقت كالسنن الرواتب، والوتر ونحوهما، هل يشترط لصحة التيمم دخول وقت العبادة المؤقتة أم لا؟ وذلك على قولين: القول الأول: أنه يشترط لصحة التيمم دخول وقت العبادة المؤقتة، ولا يصح التيمم قبله، وهو قول المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬1). القول الثاني: أنه لا يشترط لصحة التيمم دخول الوقت، ويصح التيمم قبله، وهو قول الحنفية، وابن شعبان من المالكية (¬2)، وبعض الشافعية في النافلة ¬
المؤقتة، ورواية للحنابلة، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية (¬1). سبب الخلاف: سبب الخلاف بين الفقهاء في هذه المسألة هو اختلافهم في التيمم هل هو رافع للحدث أو مبيح (¬2)؟ وذكر بعض أهل العلم أن سبب الخلاف هو اختلافهم في المفهوم من آية الوضوء في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ...} الآية [المائدة: 6]. فهل ظاهرها يقتضي تكرار الطهارة عند القيام إلى الصلاة فلا يجوز التيمم والوضوء إلا عند دخول الوقت، ولكن خرج الوضوء بالنص (¬3) فبقي التيمم على مقتضى ظاهرة الآية، أو ليس هذا ظاهر الآية وإنما معنى: إذا قمتم إلى الصلاة: أي أردتم القيام إليها (¬4). أدلة القول الأول: استدل القائلون بأنه يشترط لصحة التيمم دخول الوقت، بما يلي: ¬
أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} إلى قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالوضوء عند إرادة القيام إلى الصلاة، فإن لم يجد الماء تيمم، وإنما يكون ذلك بعد دخول الوقت، ولكن خرج جواز تقديم الوضوء قبل الوقت بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فبقي التيمم على الأصل (¬1). المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن المراد بالآية: إذا أردتم القيام إلى الصلاة، وإرادة القيام تكون في الوقت، وتكون قبله، فليس في الآية دليل على اشتراط الوقت حتى يقال: خصص الوضوء بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). الوجه الثاني: أن الاستدلال على جواز تقديم الوضوء قبل الوقت ثابت ومسلم به، وليس فيه ما يدل على عدم الجواز بالنسبة للتيمم، بل إنه متى ثبت ذلك للأصل الذي هو الماء فإنه يثبت للبدل الذي أقيم مقامه عند عدمه إلا أن يدل دليل على هذا الفرق. ¬
ثانيًا: من السنة: حديث جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل» (¬1). وجه الدلالة: دل الحديث على اشتراط دخول الوقت للتيمم لتقييد الأمر بالتيمم بإدراك الصلاة، وإدراكها لا يكون إلا بعد دخول الوقت (¬2). المناقشة: يمكن مناقشته بأن الشرط في الحديث غير مقصود، وإنما المعنى متى أدركت المكلف الصلاة وليس عنده ماء وجب عليه التيمم؛ لأن وجوب التيمم لا يتصور إلا عند دخول الوقت وفقد الماء، فلو تيمم قبل الوقت، واستمر فقدان الماء حتى دخل وقت الصلاة الأخرى، فإن الوجوب قد سقط عنه بتيممه الأول، وأتى به قبل وجوبه عليه. ثم إنه لا تأثير لدخول الوقت في بطلانه؛ لأن الشارع حكيم إنما يثبت الأحكام ويبطلها بأسباب تناسبها، فكما لا يبطل الطهارة بالأمكنة لا يبطل الطهارة بالأزمنة وغيرها من الأوصاف التي لا تأثير لها في الشرع (¬3). ¬
ثالثًا: من المعقول: 1ـ أن التيمم قبل الوقت لا حاجة إليه كما لو تيمم مع وجود الماء (¬1). المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أنه يلزم من قولكم هذا بطلان التيمم في أول الوقت، ومن تيمم للنافلة (¬2). الجواب: أجيب بالمنع؛ لأن تيممه في أول الوقت ليبرئ ذمته من الصلاة الواجبة وإحراز فضيلة أول الوقت من أكبر الحاجات، وكذلك بالناس حاجة إلى النوافل لتكثير حسناتهم وتكفير سيئاتهم (¬3). اعتراض: قد يعترض بأن إحراز فضيلة أول الوقت لا يكون إلا بالتطهر قبل الوقت. الوجه الثاني: أن التيمم مع وجود الماء حصل مع القدرة على الأصل فلم يجز البدل، وقبل الوقت لم يقدر على الأصل فجاز البدل، كما لو كان في الوقت (¬4). ¬
المناقشة: نوقش بأنه إن كان هناك تيمم مع قدرته على الأصل، فهاهنا تيمم مع عدم حاجته إلى التيمم وهما في المعنى سواء (¬1). الجواب: يمكن أن يجاب بأن قولكم أن التيمم قبل الوقت لا حاجة إليه غير مسلم؛ لأن المندوب التطهر قبل الوقت ليشتغل أول الوقت بالأداء (¬2). وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تيمم لرد السلام (¬3)، فدل ذلك على أن التيمم يكون مستحبًا تارة، وواجبًا أخرى، أي أنه تيمم في وقت لا يكون التيمم واجبًا عليه أن يتيمم، وإن كان التيمم شرطًا للصلاة، فالتيمم قبل الوقت مستحب كالوضوء (¬4). 2ـ أنها طهارة ضرورة، فلم تصح قبل الوقت كطهارة المستحاضة (¬5). المناقشة: تقدم مناقشة هذا الدليل من وجهين (¬6)، ونضيف هنا وجهًا ثالثًا من المناقشة وهو أن طهارة الضرورة تتعلق بالفعل لا بالوقت، فيلزم أن لا يتيمم حتى يريد فعل الصلاة، فإذا انتهى منها بطل تيممه، وأنتم لا تقولون بهذا (¬7). ¬
أدلة القول الثاني: استدل القائلون بأنه لا يشترط لصحة التيمم دخول الوقت، بما يلي: أولاً: من الكتاب: 1ـ قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أقام التيمم مقام الماء عند فقده، ولم يفرق بين ما إذا كان قبل الوقت أو بعده (¬1). 2ـ قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]. وجه الدلالة: أن الآية اقتضت جواز فعلها عقيب الزوال، وذلك لا يمكن إلا بتقديم التيمم على الوقت (¬2). ثانيًا: من السنة: حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين» (¬3). ¬
وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعله مطهرًا للمتيمم كالماء، ولم يقيد ذلك بوقت، ولم يقل إن خروج الوقت يبطله (¬1)، وإنما علق جوازه بعدم الماء لا بالوقت (¬2). ثالثًا: من المعقول: 1ـ قياسًا على الوضوء، ومسح الخف (¬3) بجامع أن كلا منهما يصح قبل دخول الوقت. المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن القياس على الوضوء لا يصح؛ لأن الوضوء يرفع الحدث، والتيمم ضرورة لإباحة الصلاة، ولا تباح الصلاة قبل دخول الوقت (¬4). الجواب: يمكن أن يجاب عليه بأن ذلك هو عين النزاع، ولا يصلح الاستدلال بمحل النزاع. ¬
الوجه الثاني: أن المسح على الخف رخصة وتخفيف فلا يضيق باشتراط الوقت، بدليل أنه يجوز مع القدرة على غسل الرجل، والتيمم ضرورة لا يجوز مع القدرة على استعمال الماء (¬1). الجواب: يمكن أن يجاب بالمنع؛ لأن التيمم تخفيف ورخصة، كالمسح على الخفين، والتيمم بدل مثله عن الغسل بل أقوى؛ لأن المسح مؤقت بمدة قليلة والشارع جوز التيمم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء (¬2). وأما القول بأنه ضرورة، فالضرورة فيه عدم الماء، وهذا موجود قبل الوقت (¬3)، فإذًا لا فرق ما بين قبل الوقت أو بعده. 2ـ أن التيمم طهارة تبيح الصلاة، فلم تتقيد بالوقت كطهارة الماء (¬4). 3ـ أن أمر النافلة أوسع من الفرائض، فيجوز لها التيمم قبل الوقت (¬5). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بعدم اشتراط دخول الوقت لصحة التيمم، وذلك لما يلي: ¬
1ـ لقوة أدلتهم، وإفادتها المراد، وسلامتها من الاعتراضات القادحة. 2ـ مناقشة أدلة القول الأول. 3ـ أنه لم يثبت دليل من الكتاب ولا من السنة يدل على بطلان التيمم قبل الوقت. قال ابن رشد: «... فتأمل هذه المسألة فإنها ضعيفة أعني من يشترط في صحته دخول الوقت ويجعله من العبادات المؤقتة، فإن التوقيت في العبادة لا يكون إلا بدليل سمعي، وإنما يسوغ القول بهذا إذا كان على رجاء من وجود الماء قبل دخول الوقت، فيكون هذا ليس من باب أن هذه العبادة مؤقتة، لكن من باب أنه ليس ينطلق اسم غير الواجد للماء إلا عند دخول وقت الصلاة؛ لأنه ما لم يدخل وقتها أمكن أن يطرأ هو على الماء» (¬1). ¬
الفرع الثاني وقت التيمم للصلاة التي غير مؤقتة بوقت
الفرع الثاني وقت التيمم للصلاة التي غير مؤقتة بوقت اختلف الفقهاء في وقت التيمم للصلاة التي هي غير مؤقتة بوقت كالنفل المطلق، وذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يصح التيمم لها في كل وقت، وهو قول الحنفية، وبعض الشافعية، ورواية للحنابلة، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية (¬1). واستدلوا بجموع ما تقدم ذكره من أدلة القول الثاني، في الفرع الأول. القول الثاني: أنه يصح التيمم لها في كل وقت، عدا الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، وهو قول المالكية، والأصح عند الشافعية، وقول الحنابلة (¬2). واستدلوا بأن التيمم للنافلة المطلقة في وقت النهي لا يصح؛ لأنه ليس بوقت لها (¬3)، فيكون قد تيمم لها قبل وقتها (¬4). المناقشة: يمكن مناقشته من وجهين: ¬
الوجه الأول: أنه قول يحتاج إلى دليل يدل عليه، ولا دليل. الوجه الثاني: أن الأدلة الشرعية اشترطت لصحة التيمم عدم وجود الماء، ولم تشترط له شروطًا أخرى، كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر التيمم ولم يفصِّل فدل ذلك على أن التيمم يصح قبل الوقت وبعده كأصله. سبب الخلاف: أصل الاختلاف في هذه المسألة مبني على الاختلاف في التيمم هل هو رافع للحدث أم مبيح؟ الراجح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بصحة التيمم للصلاة التي غير مؤقتة في كل وقت، وذلك لقوة ما استدلوا به، في مقابل ضعف دليل القول الثاني بما حصل من مناقشة.
الفرع الثالث الوقت المستحب للتيمم
الفرع الثالث الوقت المستحب للتيمم اتفق الفقهاء على أن من عدم الماء بعد طلبه المعتبر جاز له التيمم والصلاة في أول الوقت وآخره ووسطه، ولا فرق في الجواز بين أن يتيقن وجود الماء في آخر الوقت أو لا يتيقنه (¬1). قال النووي: «هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة»، ثم ذكر من نقل الإجماع عليه (¬2). وكانت أدلة هذا الاتفاق ما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]. ¬
وجه الدلالة: قال الشافعي: «فإذا دخل وقت الصلاة له أن يتيمم، ولا ينتظر آخر الوقت؛ لأن كتاب الله تعالى يدل على أن يتيمم إذا قام إلى الصلاة فأعوزه الماء، وهو إذا صلى حينئذ أجزأ عنه» (¬1). ثانيًا: من السنة: حديث أبي سعيد الخدري (¬2) رضي الله عنه قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما وصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر، ثم آتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: «أصبت السنة وأجزأتك صلاتك»، وقال للذي توضأ وأعاد: «لك الأجر مرتين» (¬3). ¬
وجه الدلالة: دل الحديث على أن من تيمم وصلى في أول الوقت فقد أدى فرضه كما أُمر (¬1). ثالثًا: من المعقول: 1ـ أن دخول الوقت وهو على غير ماء لا يمنع من تحصيل مصلحة أول الوقت، فإذا فعل أجزأه (¬2). 2ـ أنه بدخول الوقت قد وجبت الصلاة فيمكن المكلف من فعل ما وجب عليه (¬3). 3ـ أنه أسقط فرض الصلاة فلم يعد إلى ذمته كما لو وجد الماء بعد الوقت (¬4). 4ـ أنه تيمم ليحوز فضيلة لا تتم إلا بطهارة فكان تيممه صحيحًا (¬5)، أشبه ما لو أداها بطهارة الماء (¬6). وبعد اتفاق الفقهاء على جواز التيمم والصلاة لعادم الماء في أي جزء من أجزاء الوقت بعد دخول وقت الصلاة وبعد الطلب، اختلفوا في الوقت المستحب للتيمم، هل المستحب تقديم الصلاة بالتيمم أول الوقت أم تأخيرها إلى آخر الوقت؟ ¬
اختلف الفقهاء في هذه المسألة، وسبب ذلك أن العادم للماء حال دخول وقت الصلاة لا يخلو من ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يتيقن عدم وجود الماء في الوقت، فإنه في هذه الحالة يستحب له تقديم التيمم والصلاة في أول الوقت باتفاق الفقهاء، وذلك لأنه بانتظاره إلى آخر الوقت تضيع عليه الفضيلتان: فضيلة أول الوقت، وفضيلة الطهارة بالماء، فإذا تيمم وصلى أول الوقت فإنه يحصل له بذلك فضيلة أول الوقت (¬1). الحالة الثانية: أن يتيقن وجود الماء في آخر الوقت، أو يغلب على ظنه ذلك بحيث يمكنه الوضوء والصلاة قبل خروج الوقت، وقد وقع الخلاف في هذه الحالة على قولين: القول الأول: أنه يستحب له تأخير التيمم والصلاة إلى آخر الوقت مقدار ما لو لم يجد الماء يمكنه أن يتيمم ويصلي في الوقت، فإن وجد الماء توضأ وصلى، وإن لم يجده أدى صلاته بالتيمم عند ذلك، وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة (¬2). ¬
القول الثاني: أنه إذا كان واثقًا من الحصول على الماء بحيث لا يتخلف عنه عادة قبل خروج الوقت فالتأخير أفضل، وأما من لم يتيقن وجود الماء آخر الوقت ولكن توقعه بظن غالب فقولان: أصحهما: التقديم أفضل، والقول الآخر: التأخير أفضل، وهذا قول الشافعية (¬1). أدلة القول الأول: استدل القائلون بأنه يستحب تأخير التيمم والصلاة إلى آخر الوقت لمن تيقن أو غلب على ظنه وجود الماء قبل خروج الوقت، بما يلي: أولاً: من الآثار: 1ـ ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه عرس (¬2) في بعض الطرق قريبًا من بعض المياه فاحتلم فاستيقظ، فقال: أترونا ندرك الماء قبل أن تطلع الشمس؟ قالوا: نعم، فأسرع السير حتى أدرك الماء فاغتسل وصلى (¬3). 2ـ ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: «إذا أجنب الرجل في السفر ¬
تلوَّم (¬1) ما بينه وبين آخر الوقت، فإن لم يجد الماء تيمم وصلى» (¬2). قال الكاساني: «ولم يرو عن غيره من الصحابة خلافه فيكون إجماعًا» (¬3). المناقشة: نوقش هذا الدليل من وجهين: الوجه الأول: أنه ضعيف (¬4). الوجه الثاني: أنه قد ثبت عن ابن عمر خلافه، فعن نافع أن ابن عمر تيمم وصلى العصر وبينه وبين المدينة ميل أو ميلان، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة ولم يعد» (¬5). وبهذا يتبين أن ما قاله الكاساني فيه نظر. ثانيًا: من المعقول: 1ـ أن الطهارة بالماء فريضة، والصلاة في أول الوقت فضيلة، وانتظار الفريضة أولى (¬6). ¬
المناقشة: نوقش بأن التيمم كذلك فريضة عند عدم الماء (¬1). 2ـ أن طهارة الماء أصل، والتيمم بدل (¬2)، والطهارة بالأصل أفضل من البدل، ولهذا يجوز أن يصلي بالوضوء صلوات ما لم يحدث اتفاقًا، بخلاف التيمم (¬3). 3ـ أن فضيلة الماء أعظم وأولى من فضيلة أول الوقت، ويؤيد هذا أن التيمم لا يجوز مع القدرة على الماء، ويجوز تأخير الصلاة إلى آخر الوقت مع القدرة على أدائها في أوله، فيجوز ترك فضيلة أول الوقت بدون ضرورة، ولا يجوز ترك فضيلة الماء إلا لضرورة (¬4). 4ـ أنه يستحب تأخير الصلاة إلى بعد العشاء (¬5) وقضاء الحاجة (¬6) كيلا يذهب خشوعها وحضور القلب فيها، ويستحب تأخيرها لإدراك الجماعة، فتأخيرها لإدراك الطهارة المشترطة أولى (¬7). ¬
أدلة القول الثاني: استدل الشافعية على استحباب تأخير التيمم والصلاة إلى آخر الوقت لمن تيقن أو غلب على ظنه وجود الماء قبل خروج الوقت بنفس أدلة أصحاب القول الأول. وأما أدلتهم على أفضلية تقديم التيمم والصلاة في أول الوقت لمن غلب على ظنه وجود الماء قبل خروج الوقت، فهي كالآتي: أولاً: من السنة: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أفضل؟ قال: «الصلاة في أول وقتها» (¬1). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفرق بين أن يكون بالوضوء أو بالتيمم (¬2)، فدل ذلك على فضل التعجيل بالصلاة في أول الوقت. ¬
المناقشة: نوقش بأن الحديث يقتضي الفضيلة التي تعود إلى الوقت، وهو مُسَلَّم، والخلاف في معارضة الفضيلة الأخرى (¬1). ثانيًا: من الآثار: 1. عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما «أنه أقبل من الجرف (¬2) حتى إذا كان بالمربد (¬3) تيمم، فمسح وجهه ويديه، وصلى العصر، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد الصلاة» (¬4). 2. وعنه أيضًا أنه تيمم وصلى العصر وبينه وبين المدينة ميل أو ميلان، ثم ¬
دخل المدينة والشمس مرتفعة ولم يعد (¬1). المناقشة: نوقش بأنه يحتمل أنه تيمم لأنه كان في آخر الوقت، ولو كان في سعة من الوقت ما تيمم وهو بطرف المدينة ينظر إلى الماء، ولكنه خاف خروج الوقت فتيمم (¬2)، ويحتمل أنه لم يرد أن يدخل المدينة إلا بعد الوقت ثم بدا له فدخلها، ويحتمل أيضًا أن ابن عمر تيمم لا عن حدث بل لأنه كان يتوضأ لكل صلاة استحبابًا، فلعله كان على وضوء فأراد الصلاة ولم يجد الماء فاقتصر على التيمم بدل الوضوء (¬3). ثالثًا: من المعقول: أن فضيلة أول الوقت ناجزة وهي تفوت بالتأخير يقينًا، وفضيلة الوضوء غير معلومة الحصول، فصيانة الناجز عن يقين الفوات أولى من المحافظة على أمر مظنون (¬4). المناقشة: نوقش من وجهين (¬5): ¬
الوجه الأول: أن ما عاد إلى وجود الماء فالظن واليقين فيه سواء، أصله: إذا كان مع رفيقه ماء فتيقن أنه يعطيه أو غلب على ظنه، لم يجز له التيمم. الوجه الثاني: أن الوضوء فضيلة جعلت شرطًا في الصلاة، والتقديم فضيلة ليست بشرط، فكان اعتبار ما هو شرط أولى. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل باستحباب تأخير التيمم والصلاة إلى آخر الوقت لتحصيل طهارة الماء إذا غلب على ظنه وجوده، حتى ولو فاتت فضيلة أول الوقت، وذلك لما يلي: 1ـ لقوة أدلتهم، وإفادتها المراد، وسلامة أكثرها من الاعتراضات القادحة. 2ـ مناقشة أدلة القول الثاني. 3ـ قياسًا على من تيقن وجود الماء في آخر الوقت فإن التأخير له مستحب، فكذا إذا غلب على ظنه ذلك، فإن غلبة الظن قائمة مقام العلم في العبادات (¬1). الحالة الثالثة: أن يشك في وجود الماء وعدمه في الوقت بأن يستوي عنده الاحتمالان فلا يترجح أحدهما على الآخر. وقد وقع الخلاف في هذه الحالة على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يستحب تقديم التيمم والصلاة في أول الوقت، وهو قول الحنفية، ¬
وقول للشافعية، صححه الشيرازي (¬1)، وجزم به الرافعي، وهو وجه للحنابلة (¬2). القول الثاني: أنه يستحب تأخير التيمم والصلاة إلى آخر الوقت، وهو قول للشافعية، ووجه للحنابلة، وهو المذهب (¬3). القول الثالث: أنه يستحب له التيمم والصلاة وسط الوقت، وهو قول المالكية (¬4). أدلة القول الأول: استدل القائلون بأنه يستحب تقديم الصلاة بالتيمم أول الوقت لمن شك في وجود الماء وعدمه في الوقت، بما يلي: أن فضيلة أول الوقت متيقنة، والقدرة على كمال الطهارة في آخر الوقت فضيلة مجوزة، والعمل بما تيقنه من الفضيلتين أولى من الاتكال على ما شك في وجوده (¬5). ¬
أدلة القول الثاني: استدل القائلون بأنه يستحب تأخير التيمم والصلاة إلى آخر الوقت لمن كان شاكًا في وجود الماء، بما يلي: 1ـ ما روي عن علي أنه قال: «إذا أجنب الرجل في السفر تلوم ما بينه وبين آخر الوقت، فإن لم يجد الماء تيمم وصلى» (¬1). المناقشة: نوقش بأنه ضعيف لا يحتج به (¬2). 2ـ أن الطهارة بالماء فريضة، والصلاة في أول الوقت فضيلة، وانتظار الفريضة أولى (¬3). المناقشة من وجهين: الوجه الأول: أن التيمم إذا عدم الماء صار فريضة (¬4)؛ لأن البدل يأخذ حكم المبدل. الوجه الثاني: أنه لا يستحب ترك فضيلة أول الوقت وهي متحققة لأمر مظنون. أدلة القول الثالث: استدل القائلون باستحباب التيمم وسط الوقت لمن كان شاكًا في وجود الماء، بما يلي: ¬
أن الشاك لم تبلغ فيه قوة الرجاء أن يؤخره، ولا ضعفه أن يقدمه، فاستحب له الوسط (¬1). المناقشة: يمكن مناقشته من وجهين: الوجه الأول: أنه رأى محض لا دليل عليه. الوجه الثاني: أنه لا يستحب ترك فضيلة أول الوقت وهي متحققة لأمر مظنون. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل باستحباب تقديم التيمم والصلاة في أول الوقت لمن كان شاكًا في وجود الماء أو عدمه في الوقت، وذلك لما يلي: 1ـ لقوة دليلهم، في مقابل ضعف أدلة القوة الثاني والثالث بما حصل من مناقشتها. 2ـ أن المسارعة إلى أداء الفرائض مطلوبة؛ لإبراء الذمة والحوز على أعظم الأجر، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]. قال ابن كثير: «ثم ندبهم إلى المبادرة إلى فعل الخيرات والمسارعة إلى نيل القربات» (¬2). ¬
3ـ أنه لا معنى للتأخير مع اليأس والشك، فالأفضل تقديم التيمم والصلاة في أول الوقت؛ قياسًا على المتوضئ. قال الخطابي: «ففي هذا الحديث ـ أي حديث أبي سعيد الخدري السابق (¬1) ـ من الفقه أن السنة تعجيل الصلاة للمتيمم في أول وقتها كهو للمتطهر بالماء» (¬2). ويمكن تلخيص هذه المسألة بأن يقال: 1ـ يترجح تأخير الصلاة في حالتين: الحالة الأولى: إذا علم وجود الماء. الحالة الثانية: إذا ترجح عنده وجود الماء. 2ـ ويترجح تقديم الصلاة أول الوقت في ثلاث حالات: الأولى: إذا علم عدم وجود الماء. الثانية: إذا ترجح عنده عدم وجوده. الثالثة: إذا لم يترجح عنده شيء (¬3). ¬
المطلب الثاني حكم الوطء لعادم الماء
المطلب الثاني حكم الوطء لعادم الماء اختلف الفقهاء في حكم من كان عادمًا للماء ويريد جماع أهله، فهل يجوز له أن يجامع ليتيمم بعد ذلك، أو لا يجوز له ذلك؟ وذلك على قولين: القول الأول: أنه يجوز له جماع أهله، وهو قول الحنفية، وابن وهب (¬1) وابن شعبان من المالكية، وقول الشافعية، وهو رواية عند الحنابلة هي المذهب (¬2). القول الثاني: أنه يكره له جماع أهله إلا إذا خاف الضرر على نفسه بسبب عدم الجماع فيباح له بدون كراهة، وهو قول المالكية، ورواية عند الحنابلة (¬3). سبب الخلاف: أصل الاختلاف في هذه المسألة مبني على الاختلاف في التيمم، هل هو رافع للحدث أو مبيح؟ (¬4). ¬
أدلة القول الأول: استدل القائلون بجواز الوطء لعادم الماء بدون كراهة، بما يلي: أولاً: من الكتاب: 1ـ قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الآية سيقت لبيان الأحداث التي توجب التيمم إن عدم الماء فقوله {لَامَسْتُمُ} يفيد إباحة الجماع حال عدم الماء (¬1)، لأن الملامسة هي الجماع، كما فسرها بذلك ابن عباس (¬2). 2ـ قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]. وجه الدلالة: أن التطهر يصدق على طهارة التراب عند عدم الماء كما يصدق على طهارة الماء (¬3). ثانيًا: من السنة: حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إني أعزب (¬4) عن الماء، ¬
ومعي أهلي فتصيبني الجنابة، فأصلي بغير طهور؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم ...» الحديث (¬1). وجه الدلالة: دل الحديث على جواز الوطء لعادم الماء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل التيمم يقوم مقام الماء. ثالثًا: من الآثار: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان في سفر، ومعه جارية له فتخلف عن أصحابه، فأصاب منها، ثم أدركهم، فقال: معكم ماء؟ فقالوا: لا، فقال: أما إني قد علمت ذلك، فتيمم (¬2). رابعًا: من المعقول: 1ـ قياسًا على الحدث الأصغر، فكما يجوز له اكتساب سبب الحدث في حال عدم الماء فكذلك يجوز اكتساب سبب الجنابة (¬3). ¬
2ـ أن منع النفس من جماع الزوجة بسبب عدم وجود الماء فيه حرج ومشقة، وما شرع التيمم إلا لرفع الحرج (¬1). 3ـ أن الله تعالى أباح للرجل إتيان أهله، ولا يجوز حظر ذلك ولا المنع منه إلا بسنة أو إجماع (¬2). 4ـ أنه يجوز التيمم للجنب، فلا يمنع من أهله، كما لو وجد الماء (¬3). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بكراهية الوطء لعادم الماء، بما يلي: أولاً: من الآثار: ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً أتاه فقال له: إني أعزب في إبلي أفأجامع إذا لم أجد الماء؟ قال ابن عمر: «أما أنا فلم أكن أفعل ذلك، فإن فعلت ذلك، فاتق الله واغتسل إذا وجدت الماء» (¬4). وجه الدلالة: دل الأثر على أن ابن عمر كان يكره لمن لم يجد الماء أن يجامع زوجته. ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بأن قول ابن عمر ليس صريحًا في كراهة جماع الرجل أهله عند عدم الماء، وإنما قال هذا من باب الورع والاحتياط لدينه، ولهذا منع ذلك على نفسه وأجازه لمن سأله. ثانيًا: من المعقول: 1ـ أن طهارة التيمم طهارة ضرورية، فيقتصر بها على الصلاة (¬1). المناقشة: يمكن مناقشته بأنه إذا كان طهارة للصلاة فهو طهارة لغيرها، عملاً بارتفاع المنع في الصورتين (¬2). 2ـ أنه يفوت على نفسه طهارة كان يمكن بقاؤها (¬3)، كأن يكون على طهارة مائية وهو عادم للماء، فينقضها بالجماع، وحتى لو كان على غير طهارة مائية فإنه ينتقل من تيمم الأصغر للأكبر (¬4). المناقشة: نوقش من وجهين: ¬
الوجه الأول: أن الجماع مباح فلا يمنع ولا يكره إلا بنص صريح أو إجماع، ولا نص هنا ولا إجماع. الوجه الثاني: أن الله تعالى سمى التيمم طهرًا ـ والصلاة به جائزة ـ وقد حض الله تعالى على مباضعة الرجل امرأته، وما خص الله بذلك من حكمه التيمم ممن حكمه الغسل أو الوضوء (¬1). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بجواز الوطء لعادم الماء، وذلك لما يلي: 1ـ لقوة أدلتهم وإفادتها المراد، وسلامتها من الاعتراضات القادحة. 2ـ مناقشة أدلة القول الثاني. 3ـ أن التيمم طهارة تنوب عن الماء، وهي بدل عنه، والبدل يقدم مقام المبدل، فالمتيمم متطهر طهارة صحيحة، فلا وجه للكراهية حينئذ. 4ـ أن في الوطء منافع كثيرة من امتثال الشرع، وجلب الولد ونحو ذلك، وفي الامتناع عنه قد يؤدي ذلك إلى الاحتلام، فلأن تقع الجنابة بسبب الوطء مع ما فيه من المصالح أفضل من وقوعها بالاحتلام. ¬
المطلب الثالث حكم إمامة المتيمم للمتوضئ
المطلب الثالث حكم إمامة المتيمم للمتوضئ اختلف الفقهاء في حكم إمامة المتيمم للمتطهرين بالماء، وذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يجوز بدون كراهة، وهو قول الحنفية عدا محمد بن الحسن، وابن مسلمة (¬1) من المالكية، وهو قول الشافعية والحنابلة (¬2). إلا أن الشافعية أجازوا إمامة المتيمم للمتوضئ الذي لا إعادة عليه (¬3). القول الثاني: أنه يجوز مع الكراهة، وهو المشهور في مذهب المالكية، وصرح متأخرو الحنابلة بأن إمامة المتوضئ أولى (¬4). ¬
القول الثالث: أنه لا يجوز، وهو قول محمد بن الحسن من الحنفية (¬1). سبب الخلاف: أصل الخلاف مبني على الاختلاف في التيمم، هل هو رافع للحدث أو مبيح (¬2)؟ أدلة القول الأول: استدل القائلون بجواز إمامة المتيمم للمتطهر بالماء، بما يلي: أولاً: من السنة: حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: «احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال: فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرت ذلك له، فقال: «يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟» قال: قلت: نعم يا رسول الله، إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله عز وجل: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، فتيممت ثم صليت، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئًا» (¬3). ¬
وجه الدلالة: أن عمرًا أمَّ أصحابه متيممًا وهم متوضئون فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر عليه ذلك. ثانيًا: من الآثار: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان في سفر معه أناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم عمار بن ياسر فصلى بهم وهو متيمم (¬1). وجه الدلالة: أن التيمم يقوم مقام الوضوء، ولو كانت الطهارة به ضعيفة لما أم ابن عباس وهو متيمم من كان متوضئًا (¬2). ثالثًا: من المعقول: 1ـ أن المتيمم متطهر بطهارة صحيحة، فأشبه المتوضئ (¬3). 2ـ أن كل من جاز له أن يصلي بالمتيممين جاز له أن يصلي بالمتوضئين، أصله المتطهر بالماء (¬4). ¬
3ـ أن طهارة المتيمم طهارة من حدث، فجازت الإمامة بها على الإطلاق كالوضوء (¬1). 4ـ أن البدل عند العجز عن الأصل حكمه حكم الأصل، والمتيمم صاحب بدل صحيح فهو كالماسح على الخفين يؤم الغاسلين (¬2). أدلة القول الثاني: استدل من قال بكراهة إمامة المتيمم للمتوضئ وأن إمامة المتوضئ أولى، بما يلي: 1ـ أنه ينبغي للإمام أن يكون حاله مساويًا لحال من خلفه أو أعلى منه، والمتيمم غير لاحق بفضيلة المتوضئ فلا يؤمه ولا يتقدم عليه (¬3). المناقشة: يمكن مناقشته بأن المتوضئ ليس بأطهر من المتيمم، ولا بأتم صلاة منه (¬4)، بل هما في الشرع سواء. 2ـ أن التيمم لا يرفع الحدث فيكره إمامته للمتوضئ (¬5). ¬
المناقشة: تقدم مناقشة القول القائل بأن التيمم لا يرفع الحدث في مبحث نوع بدلية التيمم (¬1)، وقد ذكرنا أن الراجح أنه يرفع الحدث كالوضوء. أدلة القول الثالث: استدل القائلون بعدم جواز إمامة المتيمم للمتوضئ، بما يلي: أولاً: من السنة: حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤم المتيمم المتوضئين» (¬2). المناقشة: نوقش بأنه ضعيف (¬3). ثانيًا: من الآثار: عن علي رضي الله عنه أنه كره أن يصلي المتيمم بالمتوضئ (¬4). ¬
المناقشة: نوقش هذا الأثر من وجهين: الوجه الأول: أنه ضعيف (¬1). الوجه الثاني: أنه على فرض التسليم بصحته فإنه قد ثبت عن ابن عباس خلافه، والمسألة إذا كانت مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم لا يكون قول البعض حجة على البعض (¬2). ثالثًا: من المعقول: أن طهارة المتيمم طهارة ضرورة فلا يؤم من لا ضرورة له، كصاحب الجرح السائل لا يؤم الأصحاء (¬3). المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن طهارة المتيمم طهارة مطلقة، ولهذا لا تتقدر بقدر الحاجة فكان المتيمم كالمتوضئ (¬4). ¬
الوجه الثاني: أن القياس على صاحب الجرح السائل لا يصح؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن التيمم بدل صحيح عند عدم الماء، بخلاف صاحب الجرح السائل فإنه ليس بصاحب بدل صحيح (¬1). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بجواز إمامة المتيمم للمتطهر بالماء بدون كراهة، وذلك لقوة أدلتهم وإفادتها المراد، في مقابل ضعف أدلة القول الثاني والثالث بما حصل من مناقشتها. قال الإمام مالك: «من قام إلى الصلاة، فلم يجد ماء، فعمل بما أمره الله به من التيمم، فقد أطاع الله، وليس الذي وجد الماء بأطهر منه ولا أتم صلاة؛ لأنهما أُمِرَا جميعًا، فَكُلٌّ عَمِلَ بما أمره الله به، وإنما العمل بما أمر الله به من الوضوء لمن وجد الماء، والتيمم لمن لم يجد الماء قبل أن يدخل في الصلاة» (¬2). ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين لنا أحق الناس بالإمامة في قوله: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنًا» (¬3). ¬
فالحديث دل بعمومه على أحق الناس بالإمامة، وهذا عام للمتوضئ والمتيمم، إذ ليس في الحديث تخصيص ذلك للمتوضئ.
المطلب الرابع حكم المسح على الخفين لمن لبسه على طهارة التيمم
المطلب الرابع حكم المسح على الخفين (¬1) لمن لبسه على طهارة التيمم التيمم يكون لعدم الماء أو لعدم القدرة على استعماله، وبالنظر لهاتين الحالتين فإن المتيمم يختلف الحكم بالنسبة لمسحه على خفيه نظرًا لسبب مسحه، وهاتان الحالتان هما: الحالة الأولى: أن يكون التيمم بسبب عدم القدرة على استعمال الماء لمرض أو جرح ونحو ذلك، فإذا لبس خفيه على هذه الطهارة ثم قدر على الماء فإنه يجوز له المسح على خفيه، وهو قول الشافعية، والحنابلة (¬2). ¬
وعللوا ما ذهبوا إليه بما يلي: 1ـ أنه مضطر إلى الترخص، وأحق من يترخص المضطر، كالمستحاضة (¬1). 2ـ أنه لا يتأثر بوجود الماء، لكنه ضعيف في نفسه فصار كالمستحاضة (¬2). الحالة الثانية: أن يكون التيمم بسبب عدم الماء، فإذا لبس خفيه على هذه الطهارة ثم وجد الماء، فهل يجوز له المسح على خفيه أم عليه خلعهما وغسل قدميه؟ للفقهاء في هذه الحالة قولان (¬3): القول الأول: أنه لا يجوز له المسح على خفيه، بل يجب عليه خلعهما وغسل قدميه، وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة. القول الثاني: أنه يجوز له المسح على خفيه، وهو قول ابن سريج من الشافعية، ورواية عند الحنابلة. سبب الخلاف: هل التيمم مبيح أو رافع؟ ¬
أدلة القول الأول: 1ـ أن طهارة التيمم طهارة غير كاملة؛ لأنها طهارة ضرورة، فبطلت من أصلها عند وجود الماء، فصار كاللابس للخف على غير طهارة (¬1). 2ـ أن التيمم لا يرفع الحدث، فصار كاللابس للخف وهو محدث (¬2). المناقشة: يمكن مناقشته بأن الراجح أنه يرفع الحدث، وقد بينا ذلك في مبحث: نوع بدلية التيمم (¬3). 3ـ أن المسح على طهارة التيمم على خلاف القياس؛ لأن الذي ورد في الشرع المسح على طهارة الماء لا على طهارة التيمم، فينبغي قصره على مورد الشرع (¬4). أدلة القول الثاني: أن طهارة التيمم طهارة تامة، كما قال تعالى ـ بعد أن ذكر طهارة التيمم ـ: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6]، فمن جازت له الصلاة بالتيمم فهو طاهر بلا شك، وإذا كان طاهرًا كله فقدماه طاهرتان بلا شك، فقد أدخل القدمين وهما طاهرتان، فجاز له المسح عليهما (¬5). ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بأن طهارة التيمم طهارة تامة ما بقي شرطها، وشرط التيمم عدم الماء. الراجح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم جواز المسح على طهارة التيمم، وذلك لما يلي: 1ـ لقوة أدلتهم، وإفادتها المراد، في مقابل ضعف دليل القول الثاني بما حصل من مناقشته. 2ـ أن التيمم بدل عن الماء إذا كان الماء متعذرًا، فإذا وجد الماء بطل التيمم أصلاً؛ لأنه صار محدثًا بالحدث السابق على التيمم (¬1)، فيكون الخف ملبوسًا على طهارة قد بطلت فلا يصح الاعتماد على تلك الطهارة. 3ـ أن التيمم يختص بالوجه والكفين، ولا تعلق لطهارة الرجل به (¬2). ¬
المطلب الخامس حكم التيمم إذا وجد الماء بعد التيمم وقبل الصلاة
المطلب الخامس حكم التيمم إذا وجد الماء بعد التيمم وقبل الصلاة تقدم ذكر اتفاق الفقهاء على أن التيمم لا يرفع الحدث مع وجود الماء (¬1)، فمن تيمم ثم وجد الماء قبل دخوله في الصلاة فإن تيممه يبطل، وعليه استعمال الماء (¬2). وهذه المسألة إنما هي ثمرة للخلاف في نوع بدلية التيمم مع من يرى بأن التيمم يرفع الحدث مطلقًا، وهو قول أبي سلمة بن عبد الرحمن (¬3)، وليست المسألة من ثمرة الخلاف في نوع بدلية التيمم بين الجمهور والحنفية؛ لاتفاقهم ببطلان التيمم عند وجود الماء. واستدل أبو سلمة على أن التيمم يرفع الحدث مطلقًا، بما يلي: أن الطهارة بعد صحتها لا تنتقض إلا بالحدث، ووجود الماء ليس بحدث (¬4). ¬
المناقشة: نوقش من ثلاثة وجوه: الوجه الأول: أنه قول مردود؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير» (¬1). وجه الدلالة: أنه - صلى الله عليه وسلم - جعل التيمم طهور المسلم إلى غاية وجود الماء، والممدود إلى غاية ينتهي عند وجود الغاية (¬2). الوجه الثاني: أن التيمم خلف عن الوضوء، ولا يجوز المصير إلى الخلف مع وجود الأصل، كما في سائر الأخلاف مع أصولها (¬3). الوجه الثالث: أن القول بأن وجود الماء ليس بحدث مسلم به؛ لأن المتيمم لا يصير محدثًا بوجود الماء، وإنما الحدث السابق يظهر حكمه عند وجود الماء، ولا يظهر حكم ذلك الحدث في حق الصلاة المؤداة (¬4). قال ابن المنذر: «أجمع عوام أهل العلم على أن من تيمم، ثم وجد الماء قبل دخوله في الصلاة أن طهارته تنقض، وعليه أن يتطهر ويصلي، إلا حرف ¬
روي عن أبي سلمة فإنه بلغني عنه أنه قال في الجنب، يتيمم، ثم يجد الماء، قال: لا يغتسل» (¬1). وقال ابن رجب الحنبلي ـ في معرض رده على أبي سلمة ـ: «وهذا شذوذ عن العلماء، ويرده قوله: «فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك»، ومن العجب أن أبا سلمة ممن يقول: إن من صلى بالتيمم ثم وجد الماء في الوقت أنه يعيد الصلاة، وهذا تناقض فاحش» (¬2). ¬
الفصل الثالث حكم التيمم للطهارة عن الحدث
الفصل الثالث حكم التيمم للطهارة عن الحدث وفيه مبحثان: المبحث الأول: ... حكم التيمم عن الحدث الأصغر. المبحث الثاني: ... حكم التيمم عن الحدث الأكبر.
المبحث الأول حكم التيمم عن الحدث الأصغر
المبحث الأول حكم التيمم عن الحدث الأصغر اتفق الفقهاء على جواز التيمم عن الحدث الأصغر (¬1)، واستدلوا لذلك بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6]. ثانيًا: من السنة: حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين ...» الحديث (¬2). وجه الدلالة من الآية والحديث: دلالة الآية والحديث على جواز التيمم للمحدث حدثًا أصغر عند عدم الماء ظاهرة بينة. ثالثًا: الإجماع (¬3): أجمعت الأمة على أن التيمم يقوم مقام الوضوء ويجزئ عنه. ¬
قال الوزير بن هبيرة: «وأجمعوا على أنه يجوز للجنب التيمم بشرطه، كما يجوز للمحدث» (¬1). وقال النووي: «يجوز التيمم عن الحدث الأصغر بالكتاب والسنة والإجماع» (¬2). رابعًا: من المعقول: أنه إذا جاز للجنب أن يتيمم فالمحدث من باب أولى (¬3). ¬
المبحث الثاني حكم التيمم عن الحدث الأكبر
المبحث الثاني حكم التيمم عن الحدث الأكبر اتفق الفقهاء على جواز التيمم عن الحدث الأكبر (¬1)، وقد نقل الإجماع عن هذا ابن عبد البر، وابن هبيرة، وابن القطان الفاسي (¬2)، والنووي، والرملي (¬3) ¬
(¬1). وكانت أدلة هذا الاتفاق ما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: دلت الآية على مشروعية التيمم عن الحدث الأكبر، وذلك من وجهين: الوجه الأول: قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}، وهو عام يشمل كل ملامسة (¬2)، ومنه الجماع. وحمل الملامسة في الآية على الجماع أولى، حتى يشمل نوعي الحدث في التيمم، كما هو الحال في الوضوء، ولو حمل على مجرد اللمس أو التقبيل لكان تكرارًا محضًا، وهذا يناف بلاغة القرآن المعهودة (¬3)، فإن التأسيس خير من التأكيد (¬4). الوجه الثاني: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} وهو عائد إلى ¬
المحدث والجنب جميعًا (¬1). ثانيًا: من السنة: 27ـ عن عبد الرحمن بن أبزي (¬2) رضي الله عنه: أن رجلاً أتى إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء، فقال: لا تصل، فقال عمار (¬3): أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا، فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت (¬4) في التراب وصليت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك»، فقال عمر: اتق الله يا عمار، قال: إن شئت لم أحدث به، فقال عمر: نوليك ما توليت (¬5) (¬6). ¬
28ـ عن أبي موسى الأشعري (¬1) رضي الله عنه قال ـ حين ناظر ابن مسعود ـ: «أرأيت يا أبا عبد الرحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع؟ فقال عبد الله: لا يصلّي حتى يجد الماء، فقال أبو موسى: فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كان يكفيك ...»، قال: ألم تر عمر لم يقنع بذلك؟ فقال أبو موسى: فدعنا من قول عمار، كيف تصنع بهذه الآية (¬2)؟ فما دري عبد الله ما يقول، فقال: إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم» (¬3) (¬4). ¬
وجه الدلالة: فيه دليل على أنهم كانوا متفقين على أن الآية تدل على جواز التيمم للجنب (¬1)، وعلى أن المراد بالملامسة في الآية: هو الجماع (¬2). 29ـ حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما انفتل من صلاته إذ هو برجل معتزل لم يصلّ مع القوم، قال: «ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟» قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: «عليك بالصعيد، فإنه يكفيك» (¬3). 30ـ حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إني أعزب عن الماء، ومعي أهل فتصيبني الجنابة، فأصلي بغير طهور، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين ...» الحديث (¬4). 31ـ حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه حين احتلم، فتيمم وصلى بأصحابه، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أصليت بأصحابك وأنت جنب؟» فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - السبب الذي منعه من الاغتسال، وهو خشية الهلاك من البرد، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئًا (¬5). ¬
وجه الدلالة من هذه الأحاديث: أن هذه الأحاديث صريحة في جواز التيمم عن الحدث الأكبر، فلا يعدل عنها إلى قول أحد. ثالثًا: من المعقول: 1ـ أنه محدث عادم للماء فجاز له التيمم، كالمحدث حدثًا أصغر (¬1). 2ـ أن التيمم إنما شرع لاستدراك مصحلة الوقت، وهذا قدر مشترك بين الحدثين الأصغر والأكبر (¬2). 3ـ أن ما كان طهورًا في الحدث الأصغر فإنه يكون طهورًا في الحدث الأكبر كالماء (¬3). ¬
الفصل الرابع حكم التيمم للنجاسة
الفصل الرابع حكم التيمم للنجاسة وفيه مبحثان: المبحث الأول: ... حكم التيمم للنجاسة في الثوب والبدن. المبحث الثاني: ... حكم من اجتمع عليه نجاسة وحدث ومعه ماء يكفي أحدهما.
المبحث الأول التيمم للنجاسة في الثوب والبدن
المبحث الأول التيمم للنجاسة في الثوب والبدن وفيه مطلبان: المطلب الأول: ... حكم التيمم للنجاسة في الثوب والبدن. المطلب الثاني: ... ما يترتب على القول بجواز التيمم لنجاسة البدن.
المطلب الأول حكم التيمم للنجاسة في الثوب والبدن
المطلب الأول حكم التيمم للنجاسة في الثوب والبدن اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز التيمم للنجاسة إذا كانت في الثوب أو في غير بدنه (¬1)، وذلك لأن التيمم طهارة في البدن، فلا ينوب عن غير البدن كالوضوء والغسل (¬2). واختلفوا إذا كانت النجاسة على البدن ولا يستطيع إزالتها، إما لعدم وجود الماء، أو لتضرره باستعمال الماء بأن كانت تلك النجاسة على جرح ونحو ذلك، فهل يتيمم لها أم لا؟ وذلك على قولين: القول الأول: أنه لا يتيمم للنجاسة مطلقًا، وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، ورواية عند الحنابلة (¬3). القول الثاني: أنه يتمم لها، وهو قول الحنابلة (¬4)، ومن مفردات المذهب الحنبلي (¬5). ¬
إلا أن الحنابلة اشترطوا أن يتيمم لها بعد تخفيفها ما أمكن، بحك يابسها ومسح رطبها. أدلة القول الأول: استدل القائلون بعدم جواز التيمم للنجاسة على البدن، بما يلي: 1ـ أن الشرع لم يرد إلا في التيمم عن الحدث فقط، ولم يرد في الشرع ما يدل على مشروعية التيمم للنجاسة على البدن (¬1). المناقشة: نوقش بأن التيمم للنجاسة داخل في عموم النصوص الواردة في مشروعية التيمم (¬2). الجواب: يمكن أن يجاب بأن النصوص الواردة في مشروعية التيمم، إنما وردت في طهارة الحدث فقط، فيجب الاقتصار على ما ورد به النص. 2ـ أن المقصود إزالة عين النجاسة، وذلك لا يزول بالتيمم (¬3). 3ـ أن التيمم مسح الوجه واليدين، وقد تكون النجاسة في غير الوجه واليدين، فكيف يؤمر بمسح الوجه واليدين عن نجاسة في غيرهما؟! كما لا يجوز أن يغسل وجهه ويديه لنجاسة في غيرهما (¬4). ¬
المناقشة: نوقش بأن الغسل يفارق التيمم، فإن التيمم في طهارة الحدث يؤتى به في غير محله، كما لو تيمم لجرح في رجله، أو موضع من بدنه غير وجهه ويديه، بخلاف الغسل فإنه يؤتى به في محل النجاسة (¬1). الجواب: يمكن أن يجاب بالمنع؛ لأن كلامنا في طهارة النجاسة وليس في طهارة الحدث، حيث إن طهارة النجاسة لا تكون إلا في موضع النجاسة، فلا يصح غسلها إلا في موضعها، وإذا لم يصح غسلها إلا في محلها فمن باب أولى أن لا يصح التيمم لها؛ لأنه في غير محلها. أدلة القول الثاني: استدل القائلون بجواز التيمم للنجاسة على البدن، بما يلي: أولاً: من السنة: 1ـ حديث أبي ذر رضي الله عنه: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين» (¬2). 2ـ حديث جابر رضي الله عنه: «... وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» (¬3). ¬
وجه الدلالة من الحديثين: أن عموم الحديثين يدخل فيه التيمم للنجاسة على البدن (¬1). المناقشة: يمكن مناقشة أن الحديثين مقصوران على نجاسة الحدث فقط، وإلا لجاز التيمم للنجاسة على الثوب وأنتم لا تقولون بذلك. ثانيًا: من المعقول: أنها طهارة في البدن تراد للصلاة، فجاز التيمم لها ـ عند عدم الماء أو عند عدم القدرة على استعماله ـ قياسًا على الحدث (¬2). المناقشة: يمكن مناقشته بأنه قياس لا يصح؛ لأنه قياس مع الفارق، ووجه الفرق يتضح بما يلي: الأول: أن طهارة الحدث يشترط لها النية، بخلاف طهارة النجاسة فلا يشترط لها النية (¬3)، فمتى خلا من النجاسة ولو بلا نية طهر منها (¬4). الثاني: أن طهارة الحدث من باب الأفعال المأمور بها، بخلاف طهارة النجاسة فهي شيء يطلب التخلي منه لا إيجاده (¬5). ¬
الثالث: أن طهارة الحدث يؤتى بها في غير محلها، بخلاف طهارة النجاسة، فإنه لا يؤتى بها إلا في محلها (¬1). الراجح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم جواز التيمم للنجاسة على البدن، وذلك لما يلي: 1ـ لقوة أدلتهم، في مقابل ضعف أدلة القول الثاني بما حصل من مناقشتها. 2ـ قياسًا على التيمم للنجاسة على الثوب والبقعة فإنه لا يتيمم لها فكذا هاهنا. ¬
المطلب الثاني ما يترتب على القول بجواز التيمم لنجاسة البدن
المطلب الثاني ما يترتب على القول بجواز التيمم لنجاسة البدن وفيه فرعان: الفرع الأول تعدد محل النجاسة على البدن مع عدم الماء هذه المسألة من المسائل المترتبة على القول بجواز التيمم لنجاسة البدن، وقد تقدم في المطلب الأول أن مشروعية التيمم للنجاسة على البدن عند عدم الماء لا يقول بها إلا الحنابلة، فهل يكتفى بتيمم واحد إذا تعددت النجاسة على البدن أم لابد من التيمم لكل نجاسة؟ هذه المسألة مبنية على مسألة أخرى وهي: هل تجب النية للتيمم من النجاسة أم لا؟ للحنابلة في هذه المسألة وجهان (¬1): الوجه الأول: تجب النية لها، وهو الصحيح من المذهب، وذلك قياسًا على التيمم من الحدث، فكما يصح التيمم للأحداث إذا تعددت بتيمم واحد، فكذا هاهنا. الوجه الثاني: لا تجب النية لها، وذلك قياسًا على بدله وهو الغسل، فكما أن غسل النجاسة لا يفتقر إلى نية، فكذلك التيمم لها. ¬
فعلم من ذلك أنه ينبني على الوجه الأول أنه يكفيه تيمم واحد للنجاسة المتعددة على البدن، وعلى الوجه الثاني لابد من تعدد التيمم.
الفرع الثاني إذا اجتمع على الشخص حدث ونجاسة فهل يكفيه تيمم واحد لهما أم لا؟
الفرع الثاني إذا اجتمع على الشخص حدث ونجاسة فهل يكفيه تيمم واحد لهما أم لا؟ هذه المسألة أيضًا من المسائل المترتبة على القول بجواز التيمم لنجاسة البدن، وقد اختلف الحنابلة في هذه المسألة على وجهين (¬1): الوجه الأول: أنه يكفيه أن يتيمم تيممًا واحدًا للحدث والنجاسة، إذا نواهما معًا، وهو المذهب عند الحنابلة. واستدلوا لذلك بما يلي: أولاً: من السنة: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (¬2). وجه الدلالة: أن المرء بنيته، فإذا نوى الحدث والنجاسة معًا فإنه يحصل له ما نواه. ¬
ثانيًا: من المعقول: أن صفة التيمم لهاتين الطهارتين واحدة، فأشبه ما لو كانت عليه أحداث توجب الوضوء أو الغسل فنواها. الوجه الثاني: أنه يتيمم لكل منهما، وهو قول بعض الحنابلة. واستدلوا لذلك بالقياس على الكفارات والحدود إذا كانتا من جنسين، فإنهما لا يتداخلان وهذا القول مبني على عدم التداخل بين الطهارتين في الغسل (¬1). ¬
المبحث الثاني حكم من اجتمع عليه نجاسة وحدث ومعه ماء يكفي أحدهما
المبحث الثاني حكم من اجتمع عليه نجاسة وحدث ومعه ماء يكفي أحدهما اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين (¬1): القول الأول: أنه يتعين عليه استعماله في إزالة النجاسة، فيغسلها، ثم يتيمم، وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة. القول الثاني: أنه يتوضأ بالماء ويصلي بالنجاسة، وهو قول أبي يوسف من الحنفية إذا كانت النجاسة على ثوبه، وهو قول بعض المالكية، ورواية عند الحنابلة فيما إذا كانت النجاسة على الثوب. أدلة القول الأول: عللوا ما ذهبوا إليه بما يلي: 1ـ أن التيمم للحدث ثابت بالنص والإجماع، وأما التيمم للنجاسة فمختلف فيه، فوجب استعمال الماء فيما لا يقوم غيره مقامه (¬2). 2ـ أن الحدث له بدل، وإزالة النجاسة لا بدل لها، فكانت أولى بالغسل (¬3). ¬
3ـ واستدلوا على غسل نجاسة الثوب والتيمم للحدث، بأنه إذا قدم غسل نجاسة البدن مع أن للتيمم فيها مدخلاً، فتقديم طهارة الثوب أولى (¬1) (¬2)، ولأن للحدث بدل ولا بدل لستر العورة (¬3). أدلة القول الثاني: عللوا ما ذهبوا إليه بما يلي: 1ـ أن طهارة الحدث واجبة بالاتفاق، بخلاف إزالة النجاسة فمختلف في وجوبها (¬4)، فينبغي أن يستعمل الماء في محل الاتفاق. 2ـ واستدل من قال باستعمال الماء لطهارة الحدث دون غسل نجاسة الثوب بأن الحدث أغلظ النجاستين، بدليل أن الصلاة مع الثوب النجس جائزة للضرورة، ولا جواز لها مع الحدث بحال (¬5). 3ـ أنه واجد للماء (¬6)، فيجب عليه استعماله. ¬
الراجح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل باستعمال الماء في إزالة النجاسة ثم التيمم للحدث، وذلك لقوة أدلتهم، ولما يلي: 1ـ أن التلوث بالنجاسة محرم، وقد ورد الوعيد الشديد على ذلك، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبدأ في غُسله بإزالة النجاسة من فرجيه بالماء أو الأحجار قبل الوضوء (¬1) (¬2). 2ـ أن صرف الماء إلى النجاسة يجعله مصليًا بطهارتين حقيقية وحكمية، فكان أولى من الصلاة بطهارة واحدة (¬3). 3ـ أن القول بأنه واجد للماء غير مسلم به؛ لأنه إذا استعمل الماء لإزالة النجاسة ثم تيمم، فإنه في هذه الحالة لا يكون واجدًا للماء. مسألة: حكم تقديم التيمم للحدث قبل استعمال الماء لإزالة النجاسة: إذا ثبت تعين الماء لغسل النجاسة والتيمم للحدث لمن وجد ماء يكفي أحدهما، فهل يجوز أن يبدأ بالتيمم أولاً ثم يغسل النجاسة أم لا؟ ¬
للفقهاء في هذه المسألة قولان: القول الأول: أنه لا يجوز له أن يتيمم قبل غسل النجاسة، ولو تيمم قبل إزالة النجاسة فإنه يعيد تيممه، وهو قول الحنفية، والمالكية، والحنابلة، ووجه للشافعية، وهو المعتمد عند المتأخرين منهم (¬1). القول الثاني: أنه يجوز له التيمم قبل غسل النجاسة، وهو وجه عند الشافعية، وصححه الماوردي (¬2) (¬3). أدلة القول الأول: عللوا ما ذهبوا إليه بما يلي: 1ـ أن شرط التيمم هو عدم الماء، وهذا واجد له، فلا يصح تيممه (¬4). 2ـ أن التيمم يراد لإباحة الصلاة، والتيمم قبل غسل النجاسة لا يبيح الصلاة؛ لبقاء النجاسة عليه، فأشبه ما لو تيمم قبل الوقت (¬5). ¬
أدلة القول الثاني: عللوا ما ذهبوا إليه بما يلي: 1. قياسًا على الجريح، فإنه يجوز له أن يتيمم ثم يغسل الصحيح، وإن كان تيممه لا تباح الصلاة عقبه (¬1). 2. أنهما طهارتان مختلفتان عن شيئين مختلفين، فلم يكن تقديم هذه بأولى من تقديم هذه (¬2). الراجح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بتقديم غسل النجاسة على التيمم، وذلك لوجاهة ما استدلوا به، ولأن القياس على الجريح لا يصح؛ لأنه محل خلاف، فمن العلماء من لا يرى الجمع بين استعمال الماء والتيمم (¬3)، ولأنه إذا تيمم بعد غسل النجاسة فإن تيممه يصح اتفاقًا (¬4). ¬
الفصل الخامس التيمم في السفر والحضر
الفصل الخامس التيمم في السفر والحضر وفيه مبحثان: المبحث الأول: ... حكم التيمم في السفر. المبحث الثاني: ... حكم التيمم في الحضر.
المبحث الأول التيمم في السفر
المبحث الأول التيمم في السفر وفيه مطلبان: المطلب الأول: ... حكم التيمم في السفر. المطلب الثاني: ... تيمم العاصي بسفره.
المطلب الأول حكم التيمم في السفر
المطلب الأول حكم التيمم في السفر اتفق الفقهاء على أن المسافر إذا عدم الماء فإنه يجوز له أن يصلي بالتيمم ولا إعادة عليه (¬1). واستدلوا على ذلك بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: دلت الآية بمنطوقها على جواز التيمم للمسافر العادم للماء. ثانيًا: من السنة: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما وصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: «أصبت السنة وأجزأتك صلاتك»، وقال للآخر: «لك الأجر مرتين» (¬2). ¬
والأحاديث الدالة على مشروعية التيمم في السفر كثيرة، وقد تقدم ذكرها في ثنايا البحث، فيكتفى بما ذكر. ثالثًا: من الأثر: عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أنه أقبل من الجرف حتى إذا كان بالمربد تيمم، فمسح وجهه ويديه وصلى العصر، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد الصلاة» (¬1). رابعًا: الإجماع: أجمع الفقهاء على مشروعية التيمم في السفر عند عدم الماء، وقد حكى الإجماع غير واحد من أهل العلم (¬2). قال ابن عبد البر: «وأجمع علماء الأمصار بالحجاز والعراق والشام والمغرب فيما علمت أن التيمم بالصعيد عند عدم الماء طهور كل مريض أو مسافر، وسواء كان جنبًا أو على غير وضوء لا يختلفون في ذلك» (¬3). وقال ابن تيمية: «وقد اتفق المسلمون على أن المسافر إذا عدم الماء صلى بالتيمم ولا إعادة عليه» (¬4). ¬
خامسًا: من المعقول: أن عدم الماء في السفر عذر عام فسقط الفرض بالتيمم بسببه، كالصلاة قاعدًا لعذر المرض (¬1). ¬
المطلب الثاني تيمم العاصي بسفره
المطلب الثاني تيمم العاصي بسفره اختلف الفقهاء في حكم تيمم العاصي بسفره إذا عدم الماء، فهل يلزمه أن يتيمم ويصلي أم لا؟ وذلك على ثلاثة أقوال (¬1) (¬2). القول الأول: أنه يلزمه التيمم ولا إعادة عليه فيما صلى به، وهو قول الحنفية، والمعتمد عند المالكية (¬3)، ووجه للشافعية، والصحيح عند الحنابلة. القول الثاني: أنه يلزمه التيمم وإعادة الصلاة، وهو الصحيح عند الشافعية، وقول للحنابلة. القول الثالث: أنه لا يجوز له التيمم، وهو قول ضعيف عند المالكية، ووجه غريب للشافعية. ¬
أدلة القول الأول: عللوا ما ذهبوا إليه بما يلي: 1ـ أن النصوص الشرعية الواردة في السفر مطلقة (¬1)، تشمل الطائع والعاصي، ولا يجوز تقييد ما أطلقه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - إلا بدليل. 2ـ أن نفس السفر ليس بمعصية، وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره، والقبح المجاور لا يعدم المشروعية (¬2). 3ـ أن المعصية لا تكون سببًا في الرخصة، وإنما السبب لحوق المشقة الناشئة من السفر (¬3). 4ـ قياسًا على من نوى سفرًا مباحًا، ثم نوى المعصية بعده، فإنه يترخص، فكذا هاهنا (¬4). وما سبق من الأدلة بناء على القول بأن التيمم رخصة، وأما على القول بأن التيمم عزيمة فحينئذ لا يجوز تركه عند وجود شرطه (¬5). أدلة القول الثاني: عللوا ما ذهبوا إليه بما يلي: ¬
1ـ أن المسافر سفر معصية يلزمه أمران: التوبة والصلاة، فإذا أخل بأحدهما لا يباح له الإخلال بالآخر (¬1). 2ـ أن سقوط الفرض بالتيمم رخصة تختص بالسفر، فلم يستبح ذلك في سفر المعصية، كالفطر والقصر (¬2). أدلة القول الثالث: عللوا ما ذهبوا إليه بأنه قادر على استباحة التيمم بالتوبة من معصيته، فلا يجوز له التيمم حتى يتوب (¬3). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بجواز تيمم العاصي بسفره ولا إعادة عليه، وذلك لما يلي: 1ـ لقوة أدلتهم، وإفادتها المراد. 2ـ أن حكم التيمم لا يختص بالسفر، فيباح في سفر المعصية كمسح يوم وليلة (¬4). 3ـ أن العاصي بسفره قد أتى بما أمر به من التيمم والصلاة، فلا يلزمه إعادة الصلاة، إذ كيف نبيح له الصلاة بالتيمم ثم نوجب عليه إعادتها؟! ¬
المبحث الثاني حكم التيمم في الحضر
المبحث الثاني حكم التيمم في الحضر اتفق الفقهاء على مشروعية التيمم للمسافر عند عدم الماء، واختلفوا في الحاضر الصحيح إذا عدم الماء، بأن انقطع الماء عنه، أو حبس في مصر ونحو ذلك، فهل يجوز له التيمم أم لا؟ وذلك على ثلاثة أقوال (¬1): القول الأول: أنه يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه وهو قول للحنفية، والمشهور عند المالكية، وقول للشافعية، والصحيح عند الحنابلة. القول الثاني: أنه يتيمم ويصلي وعليه الإعادة، وهو قول للحنفية، وابن حبيب (¬2) وابن عبد الحكم (¬3) من المالكية، والمشهور عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة. ¬
القول الثالث: أنه لا يجوز له التيمم حتى يجد الماء، وهو قول للحنفية، وقول للإمام مالك، ورواية عند الحنابلة. سبب الخلاف: يرجع سبب الخلاف في هذه المسألة إلى الاختلاف في عود الضمير في قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]، هل يعود على الحاضرين والمسافرين، أو على المسافرين فقط، فمن رآه عائدًا على جميع أصناف المحدثين أجاز التيمم للحاضرين ومن رآه عائدًا على المسافرين فقط أو على المرضى والمسافرين لم يُجز التيمم للحاضر العادم للماء (¬1). أدلة القول الأول: استدل القائلون بجوام التيمم لمن عدم الماء في الحضر ولا إعادة عليه، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى قد اشترط للتيمم شرطين: عدم الماء، وعدم القدرة على استعماله، ولم يفرق في ذلك بين المسافر والمقيم، فكل من عدم الماء ¬
فلم يجده بعد طلبه، ولا قدر عليه فإنه يجوز له التيمم في السفر والحضر (¬1). ثانيًا: من السنة: 1ـ حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإنه ذلك خير» (¬2). وجه الدلالة: دل الحديث بعمومه على جواز التيمم عند عدم الماء، ولم يفرق بين حاضر ومسافر (¬3). 2ـ حديث جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «... وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل» (¬4). وجه الدلالة: أن الحديث عام لم يخص سفرًا من حضر، فهو على عمومه حتى يقوم دليل على خلافه (¬5). ¬
3ـ حديث أبي جهيم رضي الله عنه قال: «أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام» (¬1). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تيمم لرد السلام في الحضر، مع أن رد السلام يجوز بغير طهارة، فإذا شرع التيمم في الحضر لتحصيل مصلحة رد السلام فالصلاة أولى (¬2). ثالثًا: من المعقول: 1ـ أنه مكلف دخل عليه وقت الصلاة وهو عادم للماء فلزمه التيمم للصلاة كالمسافر (¬3). 2ـ أنه عاجز عن استعمال الماء فلزمه التيمم كالمريض (¬4). واستدلوا على عدم الإعادة لمن تيمم في الحضر، بما يلي: 1ـ أنه ممن لزمه فرض التيمم فوجب أن يسقط عنه الفرض كالمسافر (¬5). ¬
المناقشة: نوقش بأن فقد الماء في السفر عذر عام، فلذلك لم يجب القضاء على المسافر بخلاف الحضر فإن فقد الماء فيه نادر، فلا يسقط به القضاء (¬1). الجواب: أجيب عن ذلك بثلاثة وجوه: الوجه الأول: أن المسافرين ربما احتاطوا في جمع الماء خوفًا أن يقطع بهم أكثر من احتياطهم في الحضر، فينبغي أن يسقط فرضه كالمسافر (¬2). الوجه الثاني: أن العذر النادر يسقط به الفرض كغيره، فمن صلى عريانًا فإنه يسقط فرضه إذا صلى، وكذلك الخائف من سبع أو عدو، وهذا كله نادر (¬3). الوجه الثالث: أن القول بإيجاب التيمم مع إيجاب الإعادة يؤدي إلى إيجاب ظهرين عن يوم، وهذا خلاف ما جاءت به الشريعة (¬4)، فإن الله تعالى إنما خاطب بصلاة واحدة يفعلها بحسب الإمكان والشرط المعجوز عليه ساقط بالعجز (¬5). ¬
2ـ أنها صلاة لزم أداؤها بالتيمم فوجب أن يسقط به الفرض كالوضوء (¬1). 3ـ أن التيمم إنما فرض لئلا تفوت الصلاة وتفعل قضاء، مع إمكان فعلها أداء، وهذه العلة موجودة في المقيم الصحيح كوجودها في المريض المسافر فوجب أن يكون حكم الجميع سواء (¬2). 4ـ أن هذا المكلف قد أتى بما أُمر به، فخرج عن عهدته، حيث صلى بالتيمم المشروع على الوجه المشروع، فلا تلزمه الإعادة كالمريض والمسافر (¬3). 5ـ أن عدم هذا الماء أكثر من عدم المسافر له، فالنص على التيمم للمسافر تنبيه على التيمم هاهنا (¬4). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بجواز التيمم لمن عدم الماء في الحضر مع وجوب الإعادة، بما يلي: أولاً: استدلوا على جواز التيمم بما استدل به أصحاب القول الأول من الكتاب والسنة والدليل الأول والثاني من أدلة المعقول. ثانيًا: استدلوا على وجوب الإعادة إذا تيمم في الحضر، بما يلي: ¬
أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ ..} الآية [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى جعل للتيمم شرطين وهما: السفر، والمرض، فدل ذلك على أن الفرض لا يسقط إلا بهما ليكون للشرط فائدة (¬1). المناقشة: يمكن مناقشته بما استدل به أصحاب القول الأول في عدم وجوب الإعادة، ولاسيما الدليل الثالث والرابع، وبأن القول بإعادة الصلاة للحاضر العادم للماء دون المسافر يحتاج إلى دليل شرعي، وليس هناك أي دليل يدل على التفريق بينهما. ثانيًا: من المعقول: 1ـ أن عدم الماء في الحضر عذر نادر غير متصل، فلا يسقط به القضاء، كالعادم للماء والتراب (¬2)، وكمن نسي بعض أعضاء الطهارة (¬3). المناقشة: تقدم مناقشة هذا الدليل بما أجيب به على مناقشة الدليل الأول من أدلة أصحاب القول الأول في عدم وجوب الإعادة. وأما ما استدلوا به من القياس فيمكن مناقشته من وجهين: ¬
الوجه الأول: القياس على عادم الماء والتراب لا يصح؛ لأن المقيس عليه مختلف فيه (¬1). الوجه الثاني: وأما القياس على من نسي بعض أعضاء الطهارة فقياس مع الفارق؛ لأن من شرط صحة الصلاة طهارة أعضاء الطهارة كلها، فمن نسي بعضها لم تصح صلاته لعدم تحقق الشرط، بخلاف مسألتنا فإن شرط التيمم فقد الماء، فإذا فقد الماء جاز التيمم في أي مكان، ولا إعادة عليه. 2ـ أنه مقيم صحيح فلا يسقط فرضه بالتيمم كالواجد للماء (¬2). المناقشة: نوقش بأنه قياس مع الفارق؛ لأن واجد الماء القادر على استعماله منهي عن التيمم، فإذا تيمم لم يجزئ في حضر ولا سفر، بخلاف عادم الماء فإنه مأمور بالتيمم حتى إن لم يفعله عصى، فوجب أن يسقط فرضه، كالمسافر إذا عدم الماء، وهذا أولى من قياسهم؛ لأن رد المأمور بالتيمم إلى مثله أولى من رد المأمور بالتيمم إلى المنهي عن التيمم (¬3). أدلة القول الثالث: استدل القائلون بعدم جواز التيمم لمن عدم الماء في الحضر، بما يلي: ¬
أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ ..} الآية [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أباح التيمم للمريض والمسافر فلم يجز لغيرهما (¬1). المناقشة: نوقش بأنه إنما ذكر المريض والمسافر؛ لأن الغالب أن التيمم يكون فيهما، لا أنه أراد به أنه لا يجوز إلا فيهما، وهذا بمنزلة قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، وليس السفر بشرط للرهن، بل لأن الغالب عدم الكاتب في السفر، فإذا جاز الرهن في الحضر، جاز التيمم في الحضر، ولا فرق بينهما (¬2). ثانيًا: من المعقول: أن عدم الماء في الحضر غير معتبر شرعًا، حتى لا يسقط عنه الفرض بالتيمم ويلزمه الإعادة، فلم يكن التيمم طهورًا له ولا صلاة إلا بطهور (¬3). المناقشة: يمكن مناقشته من ثلاثة وجوه: ¬
الوجه الأول: أن شرط التيمم هو عدم الماء، فأينما تحقق جاز التيمم (¬1). الوجه الثاني: أن القول بأن عدم الماء في الحضر غير معتبر شرعًا لا يصح؛ لأنه لم يثبت في ذلك أي دليل شرعي يدل على عدم جواز التيمم للحاضر العادم للماء. الوجه الثالث: أن المسافر والمريض إذا تيمما وصليا سقط فرضهما، فكذلك الحاضر، ولا فرق. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بجواز التيمم لمن عدم الماء في الحضر ولا إعادة عليه، وذلك لقوة أدلتهم، وسلامتها من الاعتراضات القادحة، في مقابل عدم سلامة أدلة المعارضين من المناقشة. ¬
الباب الثالث شروط التيمم
الباب الثالث شروط التيمم وفيه ثمانية شروط: الشرط الأول: ... النية. الشرط الثاني: ... الإسلام. الشرط الثالث: ... التكليف. الشرط الرابع: ... انقطاع دم الحيض والنفاس. الشرط الخامس: ... إزالة ما يمنع مسح أعضاء التيمم. الشرط السادس: ... طلب الماء وإعوازه بعد الطلب. الشرط السابع: ... دخول الوقت. الشرط الثامن: ... التيمم بالصعيد.
الشرط الأول النية
الشرط الأول النية وفيه سبعة مباحث: المبحث الأول: ... حكم النية في التيمم. المبحث الثاني: ... حكم التيمم بنية رفع الحدث. المبحث الثالث: ... ما ينويه بالتيمم. المبحث الرابع: ... إذا نوى بتيممه فرض التيمم. المبحث الخامس: ... ما يستباح بالتيمم. المبحث السادس: ... حكم الجمع بين الصلاتين للمتيمم. المبحث السابع: ... حكم اشتراط النية في الحدث الأصغر أو الأكبر.
المبحث الأول حكم النية في التيمم
المبحث الأول حكم النية في التيمم وفيه مطلبان: المطلب الأول: ... حكم اشتراط النية في التيمم. المطلب الثاني: ... حكم التيمم بنية تعليم الغير.
المطلب الأول حكم اشتراط النية في التيمم
المطلب الأول حكم اشتراط النية في التيمم للفقهاء في هذه المسألة قولان (¬1): القول الأول: أنه تشترط النية للتيمم من الحدث، وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، إلا أن المالكية والشافعية صنفوها من الأركان لا من الشروط. القول الثاني: أنه لا تشترط النية للتيمم من الحدث، بل يجزئ التيمم بغير نية، وهو قول زفر من الحنفية. أدلة القول الأول: استدل القائلون باشتراط النية للتيمم من الأحداث كلها، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالإخلاص في العبادة، والإخلاص عمل القلب وهو النية (¬2). ¬
ثانيًا: من السنة: حديث عمر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» (¬1). وجه الدلالة: دل الحديث على أن النية شرط لصحة التيمم، وذلك من وجهين (¬2): الوجه الأول: قوله: «إنما الأعمال بالنيات» دليل على أنه ليس المراد صورة العمل فإنها توجد بلا نية، وإنما المراد أن حكم العمل لا يثبت إلا بالنية. الوجه الثاني: قوله: «وإنما لكل امرئ ما نوى» فيه دليل على أن ليس له إلا ما نواه، وهذا لم ينو التيمم فلا يكون له. ثالثًا: الإجماع: وقد حكى الإجماع على اشتراط النية لصحة التيمم غير واحد من أهل العلم (¬3). قال ابن هبيرة: «وأجمعوا على أن النية شرط في صحة التيمم» (¬4). ¬
رابعًا: من المعقول: 32ـ أن التيمم عبادة غير معقولة المعنى، وهو خارج عن نمط العبادات التي كلها تعظيم وإجلال وتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، وليس في مس التراب ومسحه على الوجه صورة تعظيم، بل هو شبه العبث واللعب، فاحتاج إلى النية؛ لتخرجه من حيز اللعب إلى حيز التقرب (¬1). 33ـ أن التيمم معناه القصد إلى الصعيد الطاهر، وإذا كان كذلك فلا يتحقق بدون القصد، والقصد هو النية، فإن الأصل في الأسماء الشرعية أن يعتبر فيها ما تنبئ عنه من المعاني الشرعية (¬2). أدلة القول الثاني: استدل زفر على أنه لا تشترط النية للتيمم من الحدث، بما يلي: أن التيمم بدل عن الوضوء، والبدل يأخذ حكم المبدل في وصفه وهو الصحة، والوضوء بدون النية صحيح، فكما أن الوضوء يصح بغير نية فكذلك التيمم، وإلا لكان البدل مخالفًا لأصله في الصحة، ولا يجوز ذلك (¬3). المناقشة: يمكن مناقشته من وجهين: ¬
الوجه الأول: أن القياس على الوضوء في عدم اشتراط النية لا يصح؛ لأن المقيس عليه محل خلاف (¬1). الوجه الثاني: أن الوضوء طهارة حقيقية، ولا يشترط له الحاجة ليصير طهارة، فلا تشترط له النية، بخلاف التيمم، فإنه جعل طهارة عند الحاجة، والحاجة إنما تعرف بالنية (¬2). الراجح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل باشتراط النية لصحة التيمم، وذلك لقوة أدلتهم ووضوحها في الدلالة على المراد، وسلامتها من الاعتراضات القادحة. ¬
المطلب الثاني حكم التيمم بنية تعليم الغير
المطلب الثاني حكم التيمم بنية تعليم الغير اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز لمن تيمم وهو يريد به تعليم الغير ولا يريد به الصلاة أن يصلي بذلك التيمم (¬1)، واستدلوا على ذلك بما يلي: 1ـ أن النية شرط لصحة التيمم (¬2)، وهذا لم ينو استباحة الصلاة. 2ـ أن التعليم يحصل بالقول فلا يتوقف على الطهارة (¬3). 3ـ أن التعليم ليس بقربة مقصودة؛ لحصوله في ضمن شيء آخر بطريق التبعية، فنية التعليم لا تتضمن نية الطهارة (¬4). وأما إذا نوى مع صلاته قصد تعليم الناس فإنه يجوز لفعله - صلى الله عليه وسلم - حين صلى على المنبر وقال: «إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي» (¬5)، ولأن نية استباحة الصلاة تتضمن نية التعليم. ¬
المبحث الثاني حكم التيمم بنية رفع الحدث
المبحث الثاني حكم التيمم بنية رفع الحدث اختلف الفقهاء في حكم من نوى بتيممه رفع الحدث، فهل يرتفع حدثه أم لا؟ وذلك على قولين (¬1): القول الأول: أنه لا يرتفع حدثه، وهو المشهور عند المالكية، والصحيح عند الشافعية، ومذهب الحنابلة. القول الثاني: أنه يرتفع حدثه، وهو قول الحنفية، ووجه للشافعية، وقول للمالكية، ورواية عند الحنابلة. سبب الخلاف: أصل الاختلاف في هذه المسألة مبني على الاختلاف في التيمم، هل هو رافع للحدث أم مبيح؟ فمن قال: إن التيمم لا يرفع الحدث لم يجز التيمم بنية رفع الحدث، والعكس بالعكس. وقد تقدم ذكر أدلة كل قول في مبحث: نوعية بدلية التيمم (¬2)، وأن الراجح أنه كالوضوء في رفع الحدث. ¬
المبحث الثالث ما ينويه بالتيمم
المبحث الثالث ما ينويه بالتيمم سبق أن ذكرنا اتفاق الفقهاء على أن التيمم لا يصح إلا بنية، وسنذكر في هذا المبحث ـ إن شاء الله ـ الضابط لكل مذهب فيما ينويه بالتيمم، وبيان ذلك كالآتي: فالضابط عند الحنفية فيما ينويه بالتيمم: أن ينوي المتيمم عبادة مقصودة لا تصح إلا بالطهارة، أو ينوي الطهارة، أو استباحة الصلاة، أو رفع الحدث أو الجنابة، وتكون هذه النية مقارنة للضرب على الصعيد، أو عند مسح أعضائه بتراب أصابها (¬1). والضابط عند المالكية: أن ينوي المتيمم استباحة الصلاة ونحوها، أو فرض التيمم، وتكون هذه النية عند الضربة الأولى، ويجزئ تأخيرها إلى مسح الوجه (¬2). والضابط عند الشافعية: أن ينوي المتيمم استباحة الصلاة ونحوها، وتكون هذه النية مقارنة لنقل التراب ومستدامة إلى أن يمسح جزءًا من الوجه (¬3). والضابط عند الحنابلة: أن ينوي المتيمم استباحة ما يتيمم له، مع تعيين الحدث الذي تيمم عنه، كفرض الصلاة من الحدث الأصغر، أو الأكبر ونحوه، وتكون هذه النية عند التسمية (¬4). ¬
ومن خلال ما سبق يتضح أن فقهاء المذاهب الأربعة متفقون على أن المتيمم ينوي بتيممه استباحة الصلاة أو استباحة ما منعه الحدث، ولكنهم يختلفون في بعض المسائل، كاختلافهم في التيمم بنية رفع الحدث، فالجمهور يبطلون هذا التيمم والحنفية على جوازه، وكاختلافهم أيضًا فيما لو نوى بتيممه فرض التيمم، أو اختلافهم في اشتراط تعيين ما يتيمم عنه من حدث أصغر أو أكبر، وغيرها من المسائل المتعلقة بالنية، التي سنفرد لها مباحث خاصة إن شاء الله.
المبحث الرابع إذا نوى بتيممه فرض التيمم
المبحث الرابع إذا نوى بتيممه فرض التيمم اختلف الفقهاء في حكم من نوى بتيممه فرض التيمم هل يصح تيممه أم لا؟ وذلك على قولين (¬1): القول الأول: أنه يصح تيممه، وهو قول المالكية، ووجه للشافعية، والحنابلة. وعللوا ما ذهبوا إليه بالقياس على المتوضئ إذا نوى فرض الوضوء، فإنه يصح وضوئه، فكذلك المتيمم (¬2). القول الثاني: أنه لا يصح تيممه، وهو قول الحنفية، والأصح عند الشافعية، ووجه للحنابلة. وعللوا ما ذهبوا إليه بما يلي: 1ـ أن التيمم إنما أبيح للضرورة عند حضور فعل لا يجوز إلا به، فضعف حكمه عن أن يصح بمجرد نيته (¬3). ¬
2ـ أن نية نفس التيمم ليست بمعتبرة، بل لابد أن ينوي به المقصود من الطهارة والصلاة (¬1)، بدليل قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]، ففيه الإنباء عن المشروط (¬2). الراجح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بصحة تيمم من نوى بتيممه فرض التيمم، وذلك لوجاهة ما استدلوا به، ولأن التيمم طهارة شرعية تصح الصلاة به عند فقد الماء أو عند عدم القدرة على استعماله فإذا نواه فقد قصد أداء الصلاة به فجاز ذلك. ¬
المبحث الخامس ما يستباح بالتيمم
المبحث الخامس ما يستباح بالتيمم وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: ... ما يباح له بتيممه إذا نوى به الفريضة. المطلب الثاني: ... ما يباح له بتيممه إذا نوى به نافلة أو صلاة مطلقة المطلب الثالث: ... مراتب النية
المطلب الأول ما يباح له بتيممه إذا نوى به الفريضة
المطلب الأول ما يباح له بتيممه إذا نوى به الفريضة وفيه فرعان: الفرع الأول إذا نوى بتيممه فريضة، فهل يصلي به أكثر من فريضة؟ إذا نوى المكلف بتيممه فريضة، ثم بعد أن صلى الفريضة أراد بهذا التيمم صلاة فريضة أخرى، فهل يجوز له الصلاة بالتيمم السابق، أم لا يجوز له الصلاة بهذا التيمم أكثر من فريضة؟ للفقهاء في هذه المسألة قولان: القول الأول: أنه يجوز أن يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من الفرائض والنوافل ما لم يجد الماء أو يحدث، وهو قول الحنفية، والمزني من الشافعية، ورواية عند الحنابلة، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية (¬1). القول الثاني: أنه لا يجوز أن يصلي بالتيمم الواحد أكثر من فريضة، وهو قول المالكية، والشافعية، ورواية عند الحنابلة (¬2). ¬
القول الثالث: أنه يجوز أن يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من الفرائض والنوافل ما لم يخرج وقت الصلاة، وهو قول الحنابلة (¬1). سبب الخلاف: يرجع سبب الخلاف في هذه المسألة إلى الأمور التالية: 1ـ اختلافهم في التيمم هل هو رافع للحدث أو مبيح للصلاة؟ فمن رأى بأن التيمم رافع للحدث أجاز أن يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من الفروض والنوافل، ومن رأى بأن التيمم مبيح للصلاة قال بعدم الجواز أن يصلي بالتيمم الواحد أكثر من فريضة، أو قال بجواز ذلك ما لم يخرج وقت الصلاة. 2ـ اختلافهم في وجوب تكرار طلب الماء لكل صلاة، فمن أوجب ذلك قال بعدم جواز أن يصلي بالتيمم الواحد أكثر من فريضة، أو قال بجواز ذلك ما لم يخرج وقت الصلاة، ومن لم يوجب الطلب لكل صلاة قال بجواز أن يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من الفرائض ما لم يجد الماء أو يحدث (¬2). 3ـ اختلافهم في اشتراط دخول وقت الصلاة لصحة التيمم، فمن اشترط ذلك قال بعدم جواز أن يصلي بالتيمم الواحد أكثر من فريضة، أو قال بجواز ذلك ما لم يخرج وقت الصلاة، ومن لم يشترط دخول الوقت لصحة التيمم قال بجواز أن يصلي بتيممه ما شاء من الفرائض والنوافل ما لم يجد الماء أو يحدث (¬3). ¬
أدلة القول الأول: استدل القائلون بجواز أن يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من الفروض والنوافل بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى اشترط للتيمم عدم وجود الماء فقط، فدل هذا على جواز الصلاة بالتيمم الواحد ما شاء من الفرائض ما لم يحدث أو يجد الماء (¬1). ثانيًا: من السنة: 1ـ حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين» (¬2). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل التيمم طهارة ممتدة إلى وجود الماء، فكان في حالة العدم كالوضوء، من غير أن يوقت ذلك بفعل الصلاة، فيكون التراب في ذلك حكم الماء (¬3). ¬
المناقشة: نوقش بأن ظاهره غير مراد، وأنه يجب أن يحمل على ابتداء التيمم دون استدامته (¬1)، فيستبيح الإنسان بالتيمم صلاة بعد صلاة بتيممات، وإن استمر ذلك عشر سنين إلى أن يجد الماء (¬2). الجواب: يمكن أن يجاب بأن المعنى المبيح للصلاة ابتداء هو عدم الماء، وهو لا زال قائمًا بعد فعل الصلاة، فينبغي أن يبقى تيممه، إذ إنه لا فرق بين الابتداء والبقاء إذا كان المعنى فيهما واحدًا وهو عدم الماء (¬3). 2ـ حديث جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «... وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» (¬4). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل التراب طهورًا للمسلم، والطهور هو المطهر لغيره، فتبقى طهارته إلى وجود الماء أو ناقض آخر (¬5). ¬
ثالثًا: من المعقول: 1ـ أن التيمم طهارة صحيحة، فلا تنتقض إلا بوجود الماء أو الحدث كالوضوء (¬1). المناقشة: نوقش بأن الوضوء طهارة رفاهية يرفع الحدث، والتيمم طهارة ضرورة فقصرت على الضرورة (¬2). الجواب: يمكن أن يجاب بأن الشارع أمر بالتيمم عند عدم الماء أو عند عدم القدرة على استعماله فجعله طهورًا ولم يقيده، والضرورة قائمة ما لم يجد الماء. 2ـ أنه يجوز فعل أكثر من فريضة بتيمم واحد قياسًا على مسح الخفين؛ لأن كل واحد منهما بدل (¬3). المناقشة: نوقش بأن المسح على الخفين طهارة قوية ترفع الحدث، بخلاف التيمم، كما أن المسح على الخفين تخفيف؛ إذ يجوز المسح مع القدرة على غسل الرجلين، بخلاف التيمم فإنه طهارة ضرورة، فقصر على الضرورة (¬4). ¬
الجواب: يمكن أن يجاب بأن التيمم كذلك طهارة قوية وتخفيف، بل التيمم أقوى؛ لأن المسح مؤقت بمدة قليلة، والشارع جوز التيمم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء، وأما القول بأنه ضرورة، فالضرورة عدم الماء، وقد حصل (¬1). 34ـ أنه بالفراغ من المكتوبة لم تنتقض طهارته؛ حيث جاز له أداء النافلة، وإذا جاز له أن يؤدي النافلة فإنه يجوز له أن يؤدي الفرض؛ لأن الشرط أن يقوم إليه طاهرًا، وقد وجد (¬2). المناقشة: نوقش من وجهين (¬3). الوجه الأول: أن النوافل تكثر وتلحق المشقة الشديدة بالإنسان في إعادة التيمم لها، فخفف أمرها لذلك، بخلاف الفرائض. الجواب: أجيب بأنهما وإن افترقا في هذا الوجه المذكور، فإنهما لا يختلفان في اشتراط الطهارة لكل واحد منهما، فإذا جاز له النفل بالتيمم الذي أدى به الفرض، وجب أن يحوز فعل فرض آخر به، إذ إنه لا فرق في حكم الطهارة بين النفل والفرض في الأصول (¬4). ¬
الوجه الثاني: أن النوافل تبع للفرائض، ومعلوم أنه يجوز في التابع ما لا يجوز في المتبوع. الجواب: أجيب بأن صلاة الجنازة وسجدة التلاوة ليسا بتبع للفرض ويجوز عندكم، فدل ذلك على أنه لا خلاف بين الفرض والنفل في باب الطهارة (¬1). 35ـ أن الحدث الواحد لا يجب له طهران (¬2). المناقشة: نوقش بأن الطهارة هنا ليست للحدث بل لإباحة الصلاة، فالتيمم الأول أباح الصلاة الأولى، والثاني أباح الثانية (¬3). الجواب: يمكن أن يجاب عليه بأن ذلك هو عين النزاع، ولا يصلح الاستدلال بمحل النزاع. أدلة القول الثاني: استدل القائلون بعدم جواز الصلاة بالتيمم الواحد أكثر من فرض، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} إلى قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]. ¬
وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أوجب الطهارة عند القيام لكل صلاة، وقد خرج الوضوء بالدليل، فبقي التيمم على مقتضاه، لذا فإنه لا يجوز أن يصلي بالتيمم الواحد أكثر من فريضة (¬1). المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ} لا يقتضي التكرار في اللغة، فإذا لم يقتض ذلك في الوضوء، فلا يقتضيه كذلك في التيمم (¬2). الوجه الثاني: أن الآية لا توجب شيئًا مما ذُكر، ولو أوجبت ذلك لأوجبت غسل الجنابة على كل قائم إلى الصلاة أبدًا، وإنما حكم الآية في إيجاب الله تعالى الوضوء والتيمم، والغسل إنما هو على المجنبين والمحدثين فقط، يدل على هذا قرينة متصلة بالآية وهي {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6]، ولا يختلف اثنان في أن هاهنا حذف دل عليه ¬
العطف فيكون معنى الآية: وإن كنتم مرضى أو على سفر فأحدثتم، أو جاء أحد منكم من الغائط فبطل ما قالوا به (¬1). ثانيًا: من الآثار: 1ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «من السنة أن لا يصلي الرجل بالتيمم إلا صلاة واحدة، ثم يتيمم للصلاة الأخرى». وجه الدلالة: أن هذا الأثر له حكم الرفع؛ لأن السنة في كلام الصحابي تنصرف إلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذا دليل على عدم جواز الصلاة بالتيمم الواحد أكثر من فريضة (¬2). 2ـ عن علي رضي الله عنه قال: «يتيمم لكل صلاة». 3ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث». 4ـ عن عمرو بن العاص أنه كان يحدث لكل صلاة تيممًا» (¬3). المناقشة: تقدم مناقشة هذه الآثار (¬4)، فلا داعي للتكرار. ¬
ثالثًا: من المعقول: 1ـ أن طهارة التيمم طهارة ضرورة فبطلت بخروج الوقت، كطهارة المستحاضة (¬1). المناقشة: تقدم مناقشة هذا الدليل (¬2)، فلا داعي للتكرار. 2ـ أن طهارة التيمم طهارة ضرورة فلا يباح بها إلا قدر الضرورة (¬3). المناقشة: نوقش بأن الضرورة عدم الماء، وقد حصل (¬4). أدلة القول الثالث: استدل القائلون بجواز الصلاة بالتيمم الواحد ما شاء من الفرائض ما لم يخرج وقت الصلاة، بما يلي: 1ـ أن طهارة التيمم طهارة صحيحة، أباحت فرضًا، فأباحت فرضين، كطهارة الماء (¬5). المناقشة: تقدم مناقشة هذا الدليل والجواب على هذه المناقشة (¬6). ¬
2ـ أن الطهارة في الأصول تتقيد بالوقت دون الفعل كطهارة الماسح على الخفين (¬1). المناقشة: يمكن مناقشته بأن القياس على الماسح على الخفين قياس مع الفارق؛ لأن طهارة الماسح على الخفين مقدره بالوقت شرعًا، بخلاف التيمم فلم يرد في الشرع ما يدل على أنه مقدر بوقت. 3ـ أن كل تيمم أباح صلاة، أباح ما هو من نوعها بدليل صلوات النوافل (¬2). المناقشة: تقدم مناقشة هذا الدليل والجواب على هذه المناقشة (¬3). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بجواز أن يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من الفرائض والنوافل ما لم يجد لماء أو يحدث، وذلك لما يلي: 1ـ لقوة أدلتهم، وإفادتها المراد، وسلامتها من الاعتراضات القادحة. 2ـ ضعف أدلة القول المخالف بما حصل من مناقشة. ¬
3ـ صراحة دلالة السنة الصحيحة الثابتة على أن الصعيد الطاهر وضوء المسلم عند فقد الماء، فيأخذ التيمم حكم الماء. 4ـ أنه لم يصح حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أنه يتيمم لكل صلاة، ولا في الأمر به، وإنما دلت الأحاديث على أن التيمم يقوم مقام الوضوء، وهذا يقتضي عدم الفرق بينهما في الحكم، اللهم إلا فيما اقتضى الدليل خلافه (¬1). 5ـ أن الطهارة إذا كملت وجاز أن يصلي المرء ما شاء من النوافل، فكذلك له أن يصلي بها ما شاء من المكتوبة، إذ ليس بين طهارته للمكتوبة وطهارته للنافلة فرق في شيء من أبواب الصلاة (¬2). 6ـ أن الحكمة من مشروعية التيمم هي التخفيف والتيسير على المكلف، وفي الأمر بالتيمم لكل صلاة ما يخالف هذه الحكمة. ¬
الفرع الثاني إذا نوى بتيممه فريضة، فهل يصلي به نافلة؟
الفرع الثاني إذا نوى بتيممه فريضة، فهل يصلي به نافلة؟ للفقهاء في هذه المسألة قولان (¬1): القول الأول: أنه يجوز له التنفل بتيمم الفرض مطلقًا بعد الفريضة وقبلها، متصلاً بها أو متراخيًا عنها، وهو قول الحنفية، والأصح عند الشافعية، وقول الحنابلة. القول الثاني: أنه يجوز له التنفل بتيمم الفرض بشرطين وهما: أن تكون النافلة متأخرة عن الفرض، وأن تكون متصلة به، وهو قول المالكية، وقول للشافعية في اشتراط تأخير النفل عن الفرض، ورواية عند الحنابلة أنه لا يتنفل قبل الفريضة بغير الراتبة. أدلة القول الأول: عللوا ما ذهبوا إليه بما يلي: 1ـ أن النفل تابع للفرض، فإذا استباح المتبوع استباح التابع (¬2)، كما إذا اعتق الأم يعتق الحمل (¬3). ¬
2ـ أن كل طهارة جاز أن يتنفل بها بعد الفريضة جاز قبلها كالوضوء (¬1). 3ـ أن طهارة التيمم يستباح بها الصلاة، فجاز أن يتقدم النفل على الفرض فيها كالماء (¬2). أدلة القول الثاني: عللوا ما ذهبوا إليه بما يلي: أما اشتراط تأخر النفل فهو أن النفل تابع للفرض، فإذا قدم النفل خرج عن أن يكون تابعًا، وصار الفرض هو التابع فلم يجزئه (¬3). المناقشة: نوقش بأن النفل تبع في الاستباحة لا في الفعل، كالسنن الراتبة، وقراءة القرآن وغيرهما (¬4). وأما دليلهم على اشتراط الاتصال فيوضحه ابن رشد في قوله: «... لأن الأصل كان ألا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة ... وألا تصلى نافلة بتيمم فريضة ـ وإن اتصلت بها ـ، فإنما تصلى النافلة بتيمم الفريضة ـ إذا اتصلت بها ـ استحسانًا ومراعاة لقول من يقول: إن التيمم يرفع الحدث كالوضوء بالماء، ¬
فإذا لم يتصل بها وطال الأمر بينهما، واتسع الوقت لطلب الماء ثانية للنافلة وجب أن ينتقض التيمم على الأصل، وألا يراعى في ذلك الخلاف كما روعي إذا اتصلت بها لكونها في اتصالها بها في معنى الصلاة الواحدة» (¬1). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بجواز التنفل بتيمم الفرض مطلقًا وبغير شروط، وذلك لقوة أدلتهم، وإفادتها المراد، وسلامتها من الاعتراضات القادحة. ويؤيد هذا القول بأن الأدلة الشرعية اشترطت لصحة التيمم عدم وجود الماء، ولم تشترط الاتصال والتأخير، فينبغي أن يستمر حكم التيمم حتى يجد الماء، أو يحدث ما يبطله، وذلك لأن التيمم بدل عن الماء، والبدل يقدم مقام المبدل. ¬
المطلب الثاني ما يباح له بتيممه إذا نوى به نافلة أو صلاة مطلقة
المطلب الثاني ما يباح له بتيممه إذا نوى به نافلة أو صلاة مطلقة وفيه أربعة فروع: الفرع الأول حكم التيمم للنافلة ونحوها مما يتطهر له للفقهاء في هذه المسألة قولان: القول الأول: أنه يتيمم لكل ما يتطهر له من نافلة، أو مس مصحف، أو قراءة قرآن، أو سجود تلاوة ونحو ذلك، وهو قول الحنفية، والماليكة في المسافر والمريض مطلقًا، وهو الصحيح عند الشافعية، وقول الحنابلة (¬1). القول الثاني: أنه لا يتيمم للنافلة استقلالاً وإنما يصح التيمم لها تبعًا للفرض، وهو قول المالكية في الحاضر الصحيح العادم للماء، ووجه للشافعية (¬2). أدلة القول الأول: استدل القائلون بجواز التيمم للنافلة ونحوها مما يتطهر له، بما يلي: ¬
أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى شرع التيمم لكل من عدم الماء، ولم يشترط اقتصاره على صلاة الفريضة فقط، فدل ذلك على أنه لا فرق بين أن يتيمم لفريضة، أو نافلة، أو مس مصحف. ثانيًا: من السنة: حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصعيد الطيب وضوء المسلم ...» الحديث (¬1). وجه الدلالة: دل هذا الحديث ـ وغيره من الأحاديث الدالة على مشروعية التيمم ـ على جواز التيمم لكل من عدم الماء، وهذا عام في كل ما يمنع منه الحدث الأصغر، والأكبر، ولا فرق بين أن يتيمم للفريضة أو للنافلة. ثالثًا: من المعقول: 1ـ أن النفل، وقراءة القرآن، وسجود التلاوة مما يستباح بطهارة الماء، فجاز أن يستباح بالتيمم، كالتيمم للمكتوبة (¬2). ¬
2ـ أنه لا فرق بين الفرائض والنوافل في شيء من أبواب الطهارت (¬1). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بأنه لا يصح التيمم للنافلة استقلالاً، بما يلي: أن التيمم طهارة ضرورة، والضرورة في الفرائض لا في النوافل (¬2). المناقشة: يمكن مناقشته من وجهين: الوجه الأول: أن القول بأن التيمم طهارة ضرورة إن أريد به أن لا يفعل التيمم إلا عند تعذر الماء فهو مسلم، وإن أريد به أنه لا يجوز التيمم إلا إذا كان التيمم واجبًا، فإن هذا خلاف السنة والإجماع، بل يتيمم للواجب كالصلاة المكتوبة، ويتيمم للمستحب كصلاة التطوع، وقراءة القرآن، ومس المصحف (¬3). الوجه الثاني: أنه إذا كان لا يحتاج إلى إسقاط الفرض عن نفسه فإنه يحتاج إلى إحراز الثواب لنفسه، والحاجة إلى إحراز الثواب حاجة معتبرة، فيجوز أن يعتبر الطهارة لأجل النافلة، ولهذا اعتبرت طهارة المستحاضة في حق النوافل بلا خلاف، فكذا هاهنا (¬4). ¬
الراجح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بجواز التيمم لكل ما يتطهر له، وذلك لما يلي: 1ـ لقوة أدلتهم، وسلامتها من الاعتراضات القادحة. 2ـ مناقشة دليل القول الثاني. 3ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تيمم لرد السلام في الحضر، مع أن رد السلام يجوز بغير طهارة، فإذا شرع التيمم لتحصيل مصلحة رد السلام فإن مشروعيته للنافلة استقلالاً ـ سواء كان ذلك في السفر أم في الحضر ـ من باب أولى. 4ـ أن الشريعة الإسلامية قد دلت على أن التيمم طهور حال عدم الماء، فينبغي أن يعمل عمل الماء حتى يقوم دليل شرعي على خلاف ذلك.
الفرع الثاني إذا نوى التيمم للنافلة فهل يصلي به نوافل أخرى؟
الفرع الثاني إذا نوى التيمم للنافلة فهل يصلي به نوافل أخرى؟ ذكرنا فيما سبق الخلاف بين الفقهاء في حكم التيمم للنافلة، وسوف نذكر في هذا الفرع ما لو نوى بتيممه نافلة فهل يصلي به نوافل أخرى أم لا؟ اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، على جواز أن يصلي بتيممه هذا ما شاء من النوافل (¬1). وأما المالكية فإنهم قالوا: من تيمم لفرض سواء كان حاضرًا صحيحًا أم لا، أو تيمم لنفل استقلالاً بأن كان مريضًا أو مسافرًا فإنه يجوز له أن يصلي بذلك التيمم ما شاء من النوافل بشرط اتصال هذه النوافل بالفرض وبين النوافل بعضها مع بعض، وأن لا يكثر النفل في نفسه جدًا بالعرف، فإن طال الفصل أعاد تيممه (¬2). واستدل الفقهاء على جواز أن يتنفل بتيمم واحد ما شاء من النوافل، بما يلي: 1ـ أن النوافل مما لا يمكن المنع منها، وفي تجديد التيمم لكل واحدة منها حرج عظيم؛ لأنها لا تنضبط (¬3). ¬
2ـ أن النوافل بني أمرها على التخفيف فيجوز فيها ترك القيام وترك استقبال القبلة، ويجوز فعلها على الراحلة (¬1). 3ـ أن النوافل لما كانت غير مؤقتة ولا منحصرة في تكرارها جعلت كالصلاة الواحدة (¬2). الترجيح: والراجح ـ والله أعلم ـ في هذه المسألة أن من نوى بتيممه نافلة فإنه يجوز له أن يصلي به من النوافل ما شاء من غير عدد محصور، وأما اشتراط الاتصال وعدم كثرة النوافل ـ كما قالت المالكية ـ فلا يصح؛ لأنه لم يثبت دليل من الكتاب أو من السنة يدل على اشتراط ذلك، بل الأدلة الشرعية دلت على أن التيمم بدل عن الماء، واشترطت لصحة التيمم عدم وجود الماء، فإذا صح للمتوضئ للنافلة أن يصلي بوضوئه هذا ما شاء من النوافل من غير اشتراط الاتصال أو عدم كثرة النوافل فكذلك المتيمم للنافلة؛ إذ إن التيمم بدل عن الماء، والبدل يقوم مقام المبدل. ¬
الفرع الثالث إذا نوى التيمم لنافلة فهل يصلي به فريضة؟
الفرع الثالث إذا نوى التيمم لنافلة فهل يصلي به فريضة؟ للفقهاء في هذه المسألة قولان (¬1): القول الأول: أنه لا يصلي الفريضة بتيمم النافلة، وهو قول المالكية، والصحيح عند الشافعية، وقول الحنابلة. القول الثاني: أنه يصلي الفريضة بتيمم النافلة، وهو قول الحنفية، وقول للشافعية، ورواية عند الحنابلة، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية. سبب الخلاف: هل التيمم مبيح أو رافع؟ أدلة القول الأول: استدل القائلون بأنه لا يصلي الفريضة بتيمم النافلة، بما يلي: أولاً: من السنة: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (¬2). ¬
وجه الدلالة: دل الحديث على أن النية معتبرة في الاعتداد بالعمل شرعًا، وهذا لم ينو فرضًا، فلا يكون له أداؤه (¬1). ثانيًا: من المعقول: 1ـ أن الفرض أصل، والنفل تابع، فلا يكون المتبوع تابعًا (¬2). المناقشة: نوقش بأن هذا يبطل بالوضوء؛ لأنا نجعل الفرض تبعًا للنفل، وإنما يجوز لأنه فعل ما يستباح به الصلاة (¬3). 2ـ أن غير النفل غير منوي لا صريحًا ولا ضمنًا (¬4). 3ـ أن التيمم لا يرفع الحدث وإنما يستباح به الصلاة، فلا يستبيح به الفرض حتى ينويه بخلاف الوضوء، فإنه يرفع الحدث فاستباح به الجميع (¬5). المناقشة: يمكن مناقشته بأن ذلك هو عين النزاع، والاستدلال بمحل النزاع لا يصح. ¬
أدلة القول الثاني: استدل القائلون بجواز أن يصلي الفريضة بتيمم النافلة، بما يلي: 1. أنها طهارة وقعت للنفل فجاز أن تؤدى بها الفريضة، كالوضوء (¬1). 2. أنه نوى بطهارته ما يفتقر إلى الطهارة، فأشبه ما لو توضأ للنافلة (¬2). 3. أنه مسح أقيم مقام غسل، كمسح الخف (¬3). الراجح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بجواز أن يصلي المتيمم الفريضة بتيمم النافلة، وذلك لقوة أدلتهم وسلامتها من المعارضة، ولأن أدلة القول الأول مبنية على أن التيمم لا يرفع الحدث، وقد ذكرنا أن الراجح في هذه المسألة أن التيمم كالوضوء في رفع الحدث إلى أن يجد الماء. ¬
الفرع الرابع إذا نوى بتيممه صلاة مطلقة
الفرع الرابع إذا نوى بتيممه صلاة مطلقة اختلف الفقهاء في حكم من نوى بتيممه صلاة مطلقة، فهل يصلي الفرض والنفل؟ أو يصلي النفل دون الفرض؟ وذلك على قولين: القول الأول: أنه يصلي به النفل دون الفرض، وهو قول المالكية، والصحيح عند الشافعية، وقول الحنابلة (¬1). القول الثاني: أنه يصلي به الفرض والنفل، وهو قول الحنفية، وقول عند الحنابلة والشافعية (¬2). سبب الخلاف: هل التيمم مبيح أو رافع؟ أدلة القول الأول: استدل القائلون بأن من نوى بتيممه صلاة مطلقة فإنه يصلي النفل دون الفرض، بما يلي: 1ـ أن التعيين شرط في الفرض ولم يوجد، فأبيح له النفل؛ لأنه أقل ما يحمل عليه الإطلاق (¬3). ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بأنه لا يشترط تعيين الفرض في الوضوء، والتيمم بدل عنه فيأخذ حكمه. 2ـ أن التيمم لا يرفع الحدث وإنما يستباح به الصلاة، فلا يستبيح الفرض حتى ينويه بخلاف الوضوء، فإنه يرفع الحدث فاستباح الجميع (¬1). المناقشة: تقدم مناقشة هذا الدليل في الفرع الثالث، فلا داعي للتكرار. 3ـ قياسًا على ما إذا أحرم بالصلاة ولم يعين، فإنها تنعقد نفلاً لا فرضًا (¬2). المناقشة: نوقش بأنه قياس مع الفارق؛ لأن الصلاة لا يمكن أن يجمع فيها بين فرض ونفل بنية واحدة، فحملت على الأقل وهو النفل، بخلاف التيمم فيمكن الجمع في نيته بين فرض ونفل، فحملت الصلاة في نيته على جنس الصلاة وذلك يتناول الفرض والنفل (¬3). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بجواز أن يصلي الفرض والنفل إذا نوى بتيممه صلاة مطلقة، بما يلي: ¬
1ـ أن التيمم طهارة، فلم يفتقر إلى نية الفرض، كالوضوء (¬1). 2ـ أنه نوى استباحة الصلاة، والصلاة اسم جنس يتناول الفرض والنفل، فيستبيحهما كما لو نواهما (¬2). الراجح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بجواز أن يصلي الفرض والنفل إذا نوى بتيممه صلاة مطلقة، وذلك لما يلي: 1ـ قوة الأدلة وسلامتها من المعارضة. 2ـ مناقشة أدلة القول الأول. 3ـ أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جعل التيمم رخصة لأمته ولم يفصل بين أن ينوي بالتيمم فرضًا أو نفلاً، أو صلاة مطلقة، كما لم يفصل ذلك في الوضوء، فيجب التسوية بينهما (¬3). ¬
المطلب الثالث مراتب النية
المطلب الثالث مراتب النية مما تقدم يتضح أن الفقهاء قد اختلفوا في مسائل النية في التيمم، وهذا ما يجعلنا لزامًا أن نبين في هذا المطلب الضابط عند الفقهاء في مسألة مراتب النية وما يستباح بكل مرتبة، حتى يتبين لنا سبب الاختلاف بين الفقهاء في مسائل النية في التيمم، ومعرفة القاعدة التي مشى عليها كل مذهب في مراتب النية، وبيان ذلك كالآتي: فمراتب النية عند الحنفية على مرتبتين: المرتبة الأولى: أن ينوي المتيمم عبادة مقصودة لا تصح إلا بالطهارة، كالصلاة وقراءة القرآن، أو ينوي الطهارة، أو استباحة الصلاة، أو رفع الحدث أو الجنابة. ويستبيح بهذه المرتبة جميع الفرائض والنوافل وكل ما يتطهر له. المرتبة الثانية: أن ينوي عبادة غير مقصودة لذاتها كالأذان والإقامة، أو ينوي عبادة مقصودة تصح بدون طهارة كالتيمم للسلام ورده، أو زيارة القبور، أو ينوي ما ليس بعبادة أصلاً كدخول المسجد، ومس المصحف. فمن نوى بتيممه شيئًا من هذه المرتبة فإن تيممه يصح ولكن لا يستبيح به الصلاة (¬1). ¬
وأما مراتب النية عند المالكية فعلى مرتبتين: المرتبة الأولى: أن ينوي بتيممه الفرض فإنه يجوز له أن يستبيح به غيره من النوافل لا فرضًا آخر، واشترطوا لصحة استباحة النوافل الاتصال والتأخير، فإن طال الفصل أو تقدمت النوافل على الفرض فإنه يلزمه إعادة التيمم. المرتبة الثانية: أن ينوي بتيممه النفل استقلالاً بأن كان مريضًا أو مسافرًا فإنه يجوز له فعل ما شاء من النوافل، سواء تقدم ذلك النفل المقصود أو تأخر، واشترطوا اتصال النوافل بعضها ببعض، وأن لا تكثر جدًا (¬1). وأما مراتب النية عند الشافعية، فعلى ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: أن ينوي استباحة فرض الصلاة ولو منذورة، أو ينوي استباحة فرض الطواف، أو استباحة خطبة الجمعة، أو ما أشبه ذلك. المرتبة الثانية: أن ينوي استباحة نفل الصلاة، أو استباحة الصلاة مطلقًا، أو نفل الطواف، أو صلاة الجنازة، أو ما أشبه ذلك. المرتبة الثالثة: أن ينوي استباحة ما عدا ذلك، كنية استباحة مس المصحف، أو سجود التلاوة أو الشكر، أو قراءة القرآن من الجنب ونحوه. فإذا نوى واحدًا من المرتبة الأولى استباح واحدًا منها فقط، إما الذي نواه، وإما غيره بدلاً عنه، واستباح معه جميع الثانية والثالثة ولو مكررًا. ¬
وإذا نوى واحدًا من المرتبة الثانية استباح جميع ما فيها ولو مكررًا، وجمع ما في الثالثة دون شيء من الأولى. وإذا نوى شيئًا من المرتبة الثالثة استباحها كلها، دون الأولى والثانية (¬1). وأما القاعدة عند الحنابلة في مراتب النية فهي: أن من نوى استباحة شيء تشترط له الطهارة استباحه ومثله ودونه، لا ما هو أعلى منه. فمن نوى بتيممه صلاة الظهر مثلاً، فله فعلها وفعل مثلها كفائتة؛ لأنها في حكم صلاة واحدة، واستباح أيضًا دون ما نواه، كالنفل في المثال؛ لأنه أخف، ونية الفرض تتضمنه. وإن نوى نافلة أبيحت له، وأبيح له قراءة القرآن، ومس المصحف والطواف؛ لأن النافلة آكد من ذلك كله؛ لأن الطهارتين مشترطتان لها بالإجماع، وفي اشتراطهما لما سواها خلاف، فيدخل الأدنى في الأعلى، كدخول النافلة في الفريضة، ولأن النفل يشتمل على قراءة القرآن، فنية النفل تشتمله. وإن نوى قراءة القرآن، أو مس المصحف، أو الطواف لم يبح له التنفل بالصلاة؛ لأنه أدنى، فلا يستبيح الأعلى بنيته، كالفرض من النفل، وهكذا (¬2). ¬
الراجح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو مذهب الحنفية، وذلك لأن التيمم كالوضوء يرفع الحدث، وإذا ارتفع الحدث فله أن يصلي ما شاء من الفرائض والنوافل، وهذا هو القول الراجح كما سبق بيانه في مبحث: نوع بدلية التيمم (¬1). وأما مراتب النية عند الجمهور فهي مبنية على القول بأن التيمم لا يرفع الحدث، ولهذا نجدهم قد ذكروا من المسائل والشروط في نية التيمم ما كنا في غنية عنه لو أخذوا بالقول الراجح، وقد سبق بيان بعض هذه المسائل والشروط، وسنذكر البعض الآخر في المبحثين التاليين. ثم إن في مذهب الحنفية من اليسر والسعة ورفع الحرج عن المكلف ما يوافق الحكمة التي من أجلها شُرع التيمم. ¬
المبحث السادس حكم الجمع بين الصلاتين للمتيمم
المبحث السادس حكم الجمع بين الصلاتين للمتيمم اختلف الفقهاء في حكم من عدم الماء وأراد الجمع بين الصلاتين بالتيمم، فهل يجوز له ذلك أم لا؟ على قولين (¬1). القول الأول: أنه يجوز الجمع بين الصلاتين للمتيمم، وهو ظاهر مذهب الحنفية، وقول المالكية، والمشهور عند الشافعية، وهو قول الحنابلة (¬2). القول الثاني: أنه لا يجوز الجمع بين الصلاتين للمتيمم، وهو وجه للشافعية (¬3). دليل القول الأول: استدل القائلون بجواز الجمع بين الصلاتين للمتيمم، بما يلي: أن طهارة التيمم طهارة صحيحة، فجاز للمتيمم الجمع بين الصلاتين كالوضوء (¬4). ¬
دليل القول الثاني: استدل القائلون بعدم جواز الجمع بين الصلاتين، بما يلي: أن الصلاة الثانية تفتقر إلى تيمم واحد، والتيمم يفتقر إلى طلب، والطلب يقطع الجمع بين الصلاتين، ومن شرطه الموالاة (¬1). المناقشة: نوقش من أربعة وجوه: الوجه الأول: أن التفريق بالطلب بين الصلاتين لا يضر؛ لأنه خفيف (¬2). الوجه الثاني: أن ما يمنع الفصل بين الصلاتين إذا كان الفصل لا لأجل مصلحة الصلاة، وأما إذا كان الفصل لأجل مصلحة الصلاة فإنه لا يمنع الجمع (¬3). الوجه الثالث: أنه إذا جاز أن يفصل بين الصلاتين المجموعتين بالإقامة ـ وليست بشرط ـ فالتيمم الذي هو شرط أولى (¬4). الوجه الرابع: أن الطلب الثاني يكون دون الطلب الأول، وهذا لا يؤثر في الجمع (¬5). ¬
المبحث السابع حكم اشتراط النية في الحدث الأصغر أو الأكبر
المبحث السابع حكم اشتراط النية في الحدث الأصغر أو الأكبر وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: ... حكم تعيين نية ما يتيمم عنه من حدث أصغر أو أكبر. المطلب الثاني: ... اجتماع الأحداث وأثره في تداخلها عند النسيان. المطلب الثالث: إذا نوى الحدثين بتيمم واحد.
المطلب الأول حكم تعيين نية ما يتيمم عنه من حدث أصغر أو أكبر
المطلب الأول حكم تعيين نية ما يتيمم عنه من حدث أصغر أو أكبر للفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه لا يشترط تعيين نية التيمم من أي الحدثين، وإنما يكفي نية استباحة الصلاة ونحو ذلك، وهو قول الحنفية، وقول للمالكية، وبه قال الشافعية (¬1). القول الثاني: أنه يشترط تعيين نية التيمم من أي الحدثين، فينوي بتيممه هذا الحدث أو ذاك، وهو قول الجصاص من الحنفية (¬2)، وقول الحنابلة (¬3). القول الثالث: أنه في الحدث الأصغر لا يشترط فيه التعيين، وأما في الحدث الأكبر فيشترط التعيين، وهو المشهور عند المالكية (¬4). ¬
دليل القول الأول: استدل القائلون بعدم اشتراط التعيين في التيمم عن أحد الحدثين، بما يلي: أن التيمم طهارة، فلا تلزم نية أسبابها، كطهارة الماء (¬1). أدلة القول الثاني: استدل القائلون باشتراط التعيين في التيمم عن أحد الحدثين، بما يلي: 36ـ أن التيمم عن الأحداث يقع على صفة واحدة، فلابد من التمييز بالنية، كما في صلاة الفرض أنه لابد فيها من نية الفرض؛ لأن الفرض والنفل يتأديان على هيئة واحدة (¬2). المناقشة: نوقش بأن الحاجة إلى النية ليقع التيمم طهارة، فإذا وقع طهارة جاز له أن يؤدي ما شاء؛ لأن الشروط يراعى وجودها لا غير، فكيفما وجدت تعلق بها الحكم من غير اشتراط أي تعيين، بخلاف الصلوات فلابد فيها من التعيين (¬3). 37ـ أن التيمم لا يرفع حدثًا، وإنما تستباح به الصلاة ونحوها، فلم يكن بد من نية التعيين فيه تقويةً لضعفه (¬4). ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بأنه استدلال بمحل النزاع، فلا يصح. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم اشتراط التعيين في التيمم عن أحد الحدثين، وذلك لوجاهة ما استدلوا به.
المطلب الثاني اجتماع الأحداث وأثره في تداخلها عند النسيان
المطلب الثاني اجتماع الأحداث وأثره في تداخلها عند النسيان اتفق الفقهاء على أن من اجتمع عليه حدث أكبر وأصغر وعدم الماء فإنه يكفيه أن يتيمم لهما تيممًا واحدًا متى ما نواهما (¬1). واختلفوا فيما لو نوى أحدهما دون الآخر كأن يتيمم للحدث الأصغر ناسيًا حدثه الأكبر أو العكس، فهل يجزئه ذلك التيمم أم لا؟ وذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يجزئه ذلك التيمم، وهو قول الحنفية، وقول للمالكية، وبه قال الشافعية (¬2). القول الثاني: أنه لا يجزئه ذلك التيمم، وهو قول الحنابلة (¬3). القول الثالث: أنه إذا نوى بتيممه الحدث الأكبر أجزأ عن الأصغر، ولو نوى الحدث الأصغر لم يجزئ عن الأكبر، وهو المشهور عند المالكية (¬4). سبب الخلاف: يرجع سبب الاختلاف في هذه المسألة إلى اختلاف الفقهاء في مسألة: هل ¬
يشترط تعيين نية التيمم من أي الحدثين أم لا؟ فمن اشترط التعيين قال بعدم إجزاء الحدث الأكبر بنية الأصغر أو العكس، ومن لم يشترط التعيين قال بالإجزاء، ومن اشترط التعيين في الحدث الأكبر قال بعدم إجزاء الأصغر عن الأكبر دون العكس. أدلة القول الأول: استدل القائلون بالإجزاء، بما يلي: 1ـ أنه لما كان الحدث الأصغر والأكبر يستويان في منعهما من الصلاة، ويستويان في صفة رفعهما، أو استباحة الصلاة منهما بالتيمم، ناب التيمم لواحد منهما عن التيمم للآخر، كما لو اجتمع على المرأة جنابة وحيض، فإنه نية أحدهما تنوب عن الآخر (¬1). المناقشة: نوقش بأن حكم الجنابة والحيض واحد وهو الحدث الأكبر، ولهذا تجزئ نية أحدهما عن نية الآخر في طهارة الماء، بخلاف الحدث الأصغر والأكبر، فإنهما يختلفان حكمًا، فلا تنوب نية الأصغر عن الأعلى في الماء ولا في التيمم (¬2). 2ـ أن المقصود بالطهارة هو ارتفاع المانع من الصلاة، وقد حصل بالتيمم، فوجب إباحة الصلاة به ولا عبرة باختلاف الأسباب من كون المانع أصغر أو أكبر (¬3). ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بأنه تعليل غير وجيه؛ لأن من نوى بتيممه استباحة الصلاة مطلقًا فإن حدثه يرتفع، لأنه يلزم من نية الصلاة ارتفاع الحدثين، وإنما الخلاف فيما لو عين النية لأحد الحدثين، فنسلم بإجزاء الأكبر عن الأصغر ولكن لا نسلم بإجزاء الأصغر عن الأكبر، لأنه إذا كان الوضوء الذي يرفع الحدث باتفاق لا يجزئ عن الغسل فالتيمم الذي هو بدله من باب أولى. 3ـ أن هيئة التيمم في الحدثين واحدة، وهي مسح الوجه واليدين، فسقطت إحداهما بفعل الأخرى، كالبول والغائط (¬1). المناقشة: نوقش بأن القياس على البول والغائط قياس مع الفارق؛ لأن حكم البول والغائط واحد وهو الحدث الأصغر، ولهذا تجزئ نية أحدهما عن نية الآخر في طهارة الماء، بخلاف الحدث الأصغر والأكبر، فإنهما يختلفان حكمًا (¬2). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بعدم الإجزاء، بما يلي: ¬
أولاً: من السنة: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (¬1). وجه الدلالة: أن من نوى أحد الحدثين أجزئه عنه دون ما لم ينوه؛ لأن لكل امرئ ما نوى (¬2). المناقشة: يمكن مناقشته بأن المقصود من الحديث الثواب الأخروي. ثانيًا: من المعقول: 1ـ أن سبب الجنابة والحدث مختلف، فلم تجزئ نية أحدهما عن الأخرى كالحج والعمرة (¬3). المناقشة: نوقش من وجهين (¬4): الوجه الأول: أن كونهما سببين مختلفين، لا يمنع من تداخلهما في النية كاجتماع تحية المسجد والفريضة، فإن سببهما مختلفان، ومع ذلك تداخلا في الأفعال والنية، فتكفي الفريضة عن التحية وإن لم ينوها. ¬
الوجه الثاني: أن القياس على الحج والعمرة لا يصح؛ لأن صفتهما مختلفة، بخلاف صفة الطهارة من الجنابة والحدث في التيمم فإن صفتهما واحدة. 2ـ أنهما طهارتان، فلم تقع إحداهما بنية الأخرى (¬1). المناقشة: يمكن مناقشته بأنه استدلال بمحل النزاع، والاستدلال بمحل النزاع لا يصح. أدلة القول الثالث: استدل المالكية على التفصيل بما يلي: أن المتيمم إذا نوى الجنابة فإن التيمم حينئذ يكون بدلاً عن الغسل، والوضوء بعض أعضاء الغسل، والبدل عن الكل ينوب عن البدل عن البعض، وهو التيمم للحدث الأصغر. وأما إذا نوى بتيممه الحدث الأصغر، فإن التيمم حينئذ يكون بدلاً عن الوضوء، والوضوء بعض أعضاء الغسل، والبدل عن البعض لا ينوب عن البدل عن الكل، وهو التيمم للحدث الأكبر (¬2). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثالث القائل بالتفصيل، وذلك لوجاهة ما استدلوا به، وما جرى من مناقشة القول الأول والثاني. ¬
المطلب الثالث إذا نوى الحدثين بتيمم واحد
المطلب الثالث إذا نوى الحدثين بتيمم واحد وفيه فرعان: الفرع الأول إذا نوى الحدثين بتيمم واحد أو أحد أسباب أحدهما اتفق الفقهاء على أن التيمم للحدثين متى ما نواهما المتيمم كفاه تيمم واحد، واختلفوا فيما لو تنوعت أسباب أحد الحدثين، فنوى بتيممه أحد أسباب الحدث الأكبر أو الأصغر، فهل يجزئ هذا التيمم عن الجميع أو يجزئ عما نواه فقط؟ وذلك على قولين (¬1). القول الأول: أنه يجزئ عن الجميع، وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، والصحيح عند الحنابلة. القول الثاني: أنه لا يجزئه عن الجميع، بل يحصل له ما نواه فقط، وهو وجه عند الحنابلة. أدلة القول الأول: 10ـ أنه لما كانت تلك الأحداث من جنس واحد، كان حكمها واحدًا، فحصل بعضها بنية البعض الآخر (¬2). ¬
11ـ أن نية النظير تغني في ذلك عن نية نظيره، بدليل أنه لو عين فرضًا أو نفلاً استباح نظيره (¬1). 12ـ أن نية أحدهما نية استباحة موانعه، وهي موانع الآخر بعينها، فاكتفي بنية واحدة (¬2). أدلة القول الثاني: استدلوا بأن التيمم مبيح وليس برافع، فلا يستبيح به المحدث إلا ما نواه، ولذلك لا يبيح الفرض بنية النفل (¬3). المناقشة: يمكن مناقشته بالمنع؛ وذلك لأن القول بأن التيمم لا يرفع الحدث محل خلاف، والاستدلال بمحل الخلاف لا يصح. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بأنه إذا تنوعت أسباب أحد الحدثين ونوى الاستباحة من أحدها أجزأ التيمم عن الجميع، وذلك لقوة أدلتهم، ومناقشة دليل القول الثاني. ¬
الفرع الثاني إذا نوى الحدثين بتيمم واحد أو نوى الأكبر ثم أحدث حدثا أصغر
الفرع الثاني إذا نوى الحدثين بتيمم واحد أو نوى الأكبر ثم أحدث حدثاً أصغر اختلف الفقهاء في حكم من نوى بتيممه الجنابة والحدث بتيمم واحد ثم أحدث حدثًا أصغر، أو نوى الحدث الأكبر ثم أحدث حدثًا أصغر، فهل يبطل تيممه للحدث الأصغر فقط ولا يعود جنبًا أو يبطل تيممه للحدث الأصغر والأكبر ويعود جنبًا؟ وذلك على قولين: القول الأول: أنه لا يعود جنبًا بل يبطل تيممه للحدث الأصغر فقط، وهو قول الحنفية، والشافعية، والحنابلة (¬1). واستدلوا على ذلك بالقياس على من اغتسل ونوى الطهارتين، أو نوى الطهارة الكبرى ثم أحدث حدثًا أصغر، فإنه تبطل طهارته الصغرى فقط دون الكبرى، فكذلك هاهنا، فإن التيمم نائب عن الغسل، وإذا كان الحدث لا يبطل الغسل فلا يُبطل ما ناب عنه (¬2). القول الثاني: أنه يعود جنبًا فيبطل تيممه للحدث الأصغر والأكبر، وهو قول المالكية (¬3). ¬
ولم أجد لهم دليلاً غير أنه قول مبني على المشهور من مذهبهم في أن التيمم لا يرفع الحدث. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بأن من نوى الحدثين بتيمم واحد أو نوى الأكبر ثم أحدث حدثًا أصغر فإن تيممه يبطل للحدث الأصغر فقط، وذلك لقوة دليلهم، ولأن القول الثاني مبني على القول بأن التيمم لا يرفع الحدث، وقد سبق مناقشة هذا القول وأن التيمم كطهارة الماء في رفع الحدث (¬1). وحتى على فرض التسليم بأن التيمم لا يرفع الحدث فإن قول المالكية هذا لا يصح؛ لأنه يحتاج إلى دليل شرعي يدل عليه، ولم أقف على دليل يدل على ما ذكروه. ¬
الشرط الثاني الإسلام
الشرط الثاني الإسلام اتفق جمهور الفقهاء على أن الإسلام شرط في صحة التيمم، وذلك لأن التيمم عبادة فلا يصح تيمم الكافر، وإن أراد به الإسلام ثم أسلم (¬1). وخالف في ذلك أبو يوسف من الحنفية فقال: إذا تيمم الكافر بنية الإسلام أو الطهر فله أن يصلي بعد الإسلام بهذا التيمم، وإن تيمم بنية الصلاة لم يصح، وعلل ما ذهب إليه بأن الكافر من أهل نية الإسلام، ونية الإسلام نية قربة فإذا اقترن بالتيمم نية القربة صح منه كما يصح من المسلم، بخلاف ما إذا تيمم للصلاة لأنه ليس من أهل الصلاة، فكان تيممه للصلاة سفهًا فلا يعتبر به (¬2). المناقشة: نوقش من وجهين (¬3): الوجه الأول: أن الكافر ليس بأهل للنية والتيمم لا يصح بغير النية، ونية الإسلام لا تعتبر في التيمم وإنما تعتبر نية قربة ونية القربة لا تصح إلا ¬
بالطهارة، ولهذا لو تيمم المسلم بنية الصوم لم تصح نيته، وإن كان الصوم عبادة فكذا هاهنا. الوجه الثاني: أن إصرار الكافر على كفره إلى أن يفرغ من التيمم من أعظم العصيان فكيف يصح معه نية القربة. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل باشتراط الإسلام لصحة التيمم فلا يصح التيمم من الكافر حتى لو نوى بتيممه الإسلام، وذلك لضعف قول أبي يوسف لما جرى من مناقشته، ولما يلي: 7ـ أن الكافر ليس من أهل العبادات، وطهارة التيمم عبادة مشروعة. 8ـ أن النية شرط في التيمم، وهي لا تصح من الكافر؛ لأنه ليس بأهل للنية (¬1). 9ـ أن الكافر يجب عليه الإسلام أولاً ثم يأتي بعد ذلك بما شرعه الله عز وجل. ¬
الشرط الثالث التكليف
الشرط الثالث التكليف اتفق الفقهاء على أن من شروط التيمم أن يكون المتيمم أهلاً للطهارة بأن يكون عاقلاً بالغًا، فلا يصح تيمم المجنون ولا الصبي الذي لا يميز، وذلك لأنه ليس لهما نية صحيحة، وأما الصبي المميز فيصح منه التيمم ولا يجب عليه؛ لكونه غير مكلف (¬1). والمميز هو الذي بلغ سن التمييز، وهي تلك السن التي إذا انتهى إليها الصغير عرف مضاره ومنافعه (¬2). واعتبار العقل والتمييز شرط لصحة العبادة أمر متفق عليه عند الفقهاء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الأقوال في الشرع لا تعتبر إلا من عاقل يعلم ما يقول ويقصده، فأما المجنون والطفل الذي لا يمييز فأقواله كلها لغو في الشرع، فلا يصح منه إيمان ولا كفر، ولا عقد من العقود، ولا شيء من الأقوال باتفاق المسلمين» (¬3). ¬
وقال ابن نجيم (¬1): «فلا تصح عبادة صبي غير مميز ولا مجنون» (¬2). والمميز تصح عبادته ولا تجب عليه؛ لأن من شرط التكليف البلوغ وهو ليس ببالغ، فالبلوغ شرط لوجوب التيمم، والتمييز شرط لصحته. ¬
الشرط الرابع انقطاع دم الحيض والنفاس
الشرط الرابع انقطاع دم الحيض والنفاس اتفق الفقهاء على أن من شروط التيمم انقطاع ما ينافي التيمم من نحو حيض ونفاس وحدث وغير ذلك من نواقض الوضوء أو موجبات الغسل، كما هو شرط بدله (¬1). وعلى هذا إذا كان التيمم عن الوضوء فإنه يشترط انقطاع ما ينافيه من نواقض الوضوء، وإن كان عن حدث أكبر فإنه يشترط انقطاع ما ينافيه من حدث أكبر. ¬
الشرط الخامس إزالة ما يمنع مسح أعضاء التيمم
الشرط الخامس إزالة ما يمنع مسح أعضاء التيمم من الشروط التي اشترطها الفقهاء في المتيمم أن لا يكون على العضو حائل يحول بين المسح وبين البشرة، كالدهن والشمع وما أشبه ذلك (¬1). وعللوا ذلك بأن المسح يقع على الحائل لا على البشرة (¬2). ¬
الشرط السادس طلب الماء وإعوازه بعد الطلب
الشرط السادس طلب الماء وإعوازه بعد الطلب وإنما يشترط هذا الشرط لمن يتيمم لعذر عدم وجود الماء، وقد اتفق الفقهاء في اعتبار طلب الماء شرطًا لصحة التيمم، وذلك في حالة ما إذا كان المتيمم على طمع من وجود الماء. وأما إذا كان المتيمم على شك من وجود الماء فقد وقع الخلاف في هذه الحالة بين الجمهور والحنفية، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في مبحث: طلب الماء قبل التيمم (¬1). واتفق الفقهاء أيضًا على أنه يشترط لصحة التيمم إعواز (¬2) الماء بعد الطلب (¬3)، وقد حكى الاتفاق على ذلك ابن قدامة (¬4). واستدلوا على ذلك بأدلة منها: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]. ¬
ثانيًا: من السنة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته» (¬1). وجه الدلالة: في الآية والحديث دليل على أنه يشترط لصحة التيمم عدم الماء. ثالثًا: من المعقول: أن التيمم طهارة ضرورة، فلا يجوز إلا عند الضرورة، ومع وجود الماء لا ضرورة (¬2). ¬
الشرط السابع دخول الوقت
الشرط السابع دخول الوقت اتفق جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، على أنه يشترط لصحة التيمم دخول وقت الصلاة المتيمم لها، فلا يصح التيمم قبل دخول الوقت. وذهب الحنفية إلى أنه لا يشترط دخول الوقت لصحة التيمم، بل الأوقات كلها وقت للتيمم، فيجوز التيمم بعد دخول وقت الصلاة وقبل دخوله. وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في مبحث: وقت التيمم (¬1). ¬
الشرط الثامن التيمم بالصعيد
الشرط الثامن التيمم بالصعيد وفيه ثمانية مباحث: المبحث الأول: ... حكم التيمم بكل ما هو من جنس الأرض. المبحث الثاني: ... التيمم على الخشب والزرع والحشيش. المبحث الثالث: ... التيمم على الثلج. المبحث الرابع: ... التيمم بالتراب المختلط بغيره. المبحث الخامس: ... حكم التيمم بالطين المحترق. المبحث السادس: ... التيمم بالأرض النجسة. المبحث السابع: ... حكم التيمم بالتراب المستعمل. المبحث الثامن: ... حكم التيمم بالتراب المغصوب.
المبحث الأول حكم التيمم بكل ما هو من جنس الأرض
المبحث الأول حكم التيمم بكل ما هو من جنس الأرض وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: ... التيمم بغير التراب. المطلب الثاني: ... حكم إيصال التراب إلى أعضاء التيمم. المطلب الثالث: حكم التيمم بغبار اللبد ونحوه.
المطلب الأول التيمم بغير التراب
المطلب الأول التيمم بغير التراب أجمع العلماء على جواز التيمم بالتراب الطاهر (¬1)، قال ابن المنذر: «أجمع أهل العلم أن التيمم بالتراب ذي الغبار جائز إلا من شذ منهم» (¬2). وقال ابن عبد البر: «أجمع العلماء على أن التيمم بالتراب جائز» (¬3). ومستند الفقهاء على جواز التيمم بالتراب حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «فضلنا على الناس بثلاث: ... وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت ترتبها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء» (¬4). وإذا ثبت إجماع العلماء على جواز التيمم بالتراب فإنهم اختلفوا في حكم التيمم بغير التراب مما هو من جنس الأرض، وذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يجوز التيمم بكل ما كان من جنس الأرض، وبما تصاعد على وجه الأرض من جميع أجزائها (¬5)، من تراب، أو رمل (¬6)، أو حجر، أو ¬
جص (¬1)، أو نورة (¬2)، أو زرنيخ (¬3)، أو غير ذلك، وبذلك قال الحنفية والمالكية، ورواية عند الحنابلة إذا لم يجد ترابًا، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية (¬4). القول الثاني: أنه لا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد، وبذلك قال أبو يوسف من الحنفية، وابن شعبان من المالكية، وهو قول الشافعية والحنابلة (¬5). القول الثالث: أنه يجوز التيمم بالتراب والرمل دون غيرهما، وهو قول لأبي يوسف من الحنفية، ورواية عند الحنابلة (¬6). ¬
سبب الخلاف: يرجع سبب الخلاف في هذه المسألة إلى أمرين (¬1): الأول: اختلاف الفقهاء في المراد من الصعيد (¬2) الطيب في قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]، فإن اسم الصعيد مشترك في لسان العرب، فإنه مرة يطلق على التراب الخالص، ومرة يطلق على جميع أجزاء الأرض الطاهرة، فمن قال باختصاصه بما على جميع أجزاء الأرض، ذهب إلى جواز التيمم بكل ما كان من أجزاء الأرض سواء كان ترابًا أو غيره. ومن قال بأن المراد من لفظ الصعيد في الآية هو التراب، ذهب إلى عدم جواز التيمم بما عدا التراب من أجزاء الأرض. الثاني: أنه قد ورد حديث عام وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» (¬3)، وهناك من قال عن هذا الحديث بأنه مطلق، وجاءت رواية أخرى لهذا الحديث وقد ورد فيها: «وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت ترتبها لنا طهورًا» (¬4)، فجعل البعض هذه الرواية مخصصة للحديث ¬
السابق، وجعلها الآخرون مقيدة له، وهؤلاء القائلون بالتخصيص أوالتقييد، هم الذين ذهبوا إلى عدم جواز التيمم بما عدا التراب من أجزاء الأرض. وأما القائلون بجواز التيمم بكل ما كان من أجزاء الأرض أبقوا الحديث على عمومه، ولم يقبلوا دعوى التخصيص أو التقييد. أدلة القول الأول: استدل القائلون بجواز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]. ثانيًا: من السنة: حديث عمران بن حصين رضي الله عنه وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «عليك بالصعيد، فإنه يكفيك» (¬1). وجه الدلالة من الآية والحديث: في الآية والحديث دليل على جواز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض، وذلك لأن الصعيد هو كل ما يصعد على وجه الأرض ترابًا كان أو غيره، وهذا منقول أئمة اللغة (¬2)، فكل ما صعد على وجه الأرض فهو صعيد يجوز التيمم به، إلا ما خصه الدليل (¬3). ¬
المناقشة: نوقش بعدم اختصاص الصعيد بما تصاعد على الأرض، بل هو لفظ مشترك يطلق على وجه الأرض وعلى التراب وعلى الطريق، وإذا كان كذلك لم يخص بأحد الأنواع إلا بدليل، وقد دل الدليل الشرعي على تخصيص التيمم بالتراب كما في حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «... وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا» (¬1)، فخص ترابها بحكم الطهارة، وذلك يقتضي نفي الحكم عما عداه (¬2). الجواب: أجيب من وجهين: الوجه الأول: أن الاسم المشترك إذا جمع المسميات بمعنى واحد جاز حينئذ استعماله في معانيه، كالأخ الذي يتناول الإخوة المختلفين لاجتماعهم في معنى واحد، وهو الانتساب إلى أحد الأبوين، كذلك الصعيد فيما تصاعد (¬3). الوجه الثاني: أن القول بأن حديث حذيفة رضي الله عنه قد خصص التيمم بالتراب لا يصح، وذلك لما يلي: ¬
5ـ أنه قول يحتاج إلى دليل (¬1). 6ـ أن حديث حذيفة رضي الله عنه ليس من باب التخصيص أو التقييد، وإنما من باب النص على بعض أشخاص العموم كما قال تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68]، وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98]، فخص النخل والرمان في الآية الأولى من بين الفاكهة وهذا لا يخرجهما عن كونهما من الفاكهة، وخص جبريل وميكائيل في الآية الثانية من بين الملائكة، وهذا لا يخرجهما عن كونهما من الملائكة، فكذلك حديث حذيفة رضي الله عنه، وذلك لأن شرط المخصص أن يكون منافيًا، والتراب ليس بمناف للصعيد؛ لأنه بعض منه، فالنص عليه في حديث علي (¬2) وحذيفة لبيان أفضليته على غيره لا لأنه لا يجزئ غيره (¬3). 7ـ أنه يمكن الجمع بين حديث حذيفة رضي الله عنه «وجعلت تربتها لنا طهورًا» وحديث: «وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا»، وذلك بأن نحمل ¬
المقيد على تقييده فيدل على جواز التيمم بالتراب، ونحمل المطلق على إطلاقه فيدل على جواز التيمم بجميع أجزاء الأرض (¬1)، إذ ليس في قوله: «وتربتها لنا طهورًا» نفي لغيره (¬2). ثانيًا: من السنة: 9ـ حديث جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «... وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل» (¬3). وجه الدلالة: أن الحديث يفيد العموم فأي بقعة من الأرض جازت الصلاة عليها فإنه يجوز التيمم منها، فلا يجوز تخصيص التيمم وتقييده بالتراب (¬4). المناقشة: نوقش بأن حديث جابر رضي الله عنه عام مطلق، وقد ورد ما يخصص عمومه، ويقيد إطلاقه بالتراب، كما في حديث حذيفة رضي الله عنه وفيه: «... وجعلت تربتها لنا طهورًا»، فدل ذلك على أن المقصود بالأرض ترابها (¬5). ¬
الجواب: هذه المناقشة قد وردت على الاستدلال بالدليل الأول، وأجيب عنها في الوجه الثاني، ويجاب عنها هنا بما أجيب هناك (¬1). 10ـ حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنا نكون في الرمل وفينا الحائض والجنب والنفساء، ولا نجد الماء أربعة أشهر أو خمسة أشهر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بالأرض» (¬2). وجه الدلالة: دل الحديث على جواز التيمم بكل ما كان من الأرض (¬3). المناقشة: نوقش بأن الحديث ضعيف (¬4). ¬
38ـ حديث أبي جهيم الأنصاري رضي الله عنه قال: «أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام» (¬1). وجه الدلالة: دل الحديث على جواز التيمم بغير التراب لأنه عليه الصلاة والسلام تيمم بالجدار، ومعلوم أنه لم يعلق بيده منه تراب إذ لا تراب على الجدار (¬2). المناقشة: نوقش بأنه محمول على جدار عليه تراب (¬3)، ولهذا جاء في رواية الشافعية لهذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حت الجدار بالعصا (¬4). الجواب: يمكن أن يجاب بأن الجدار إذا كان من حجر فإنه لا يحتمل التراب؛ لأنه لا يثبت عليه، خصوصًا وحيطان المدينة من حجارة سوداء (¬5). وأما رواية الحت، فهي ضعيفة (¬6). ¬
39ـ حديث عمار رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما على وجهك وكفيك» (¬1). وجه الدلالة: دل الحديث على أن التيمم لا يختص بتراب ذي غبار يعلق بالعضو، وأن المقصود هو وضع اليد على ما كان من الأرض، بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفخ في يديه ليتناثر ما عليها من تراب (¬2). المناقشة: نوقش بأن هذه قضية في عين، وحكاية حال، فيحتمل أنه قصد أن يبين مقدار ما يمسح من أعضائه لأنه أخبره أنه تمعك في التراب، ولم يكن قصده الطهارة والصلاة، ويحتمل أنه صعد على يديه تراب كثير فخففه بالنفخ وذلك جائز فلم يكن فيه حجة (¬3). الجواب: أجيب بأن هذا خرج مخرج التعليم فلا يجوز أن يغفل بيانه، ولو كان ¬
الحكم فيه يختلف لبين لعمار الحكم فيه، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «ثم تنفخ» ولم يفصل له صفة النفخ، وقد ثبت أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نفض يديه (¬1)، فدل ذلك على أنه ليس المقصود حصول التراب في وجهه ويديه (¬2). ثالثًا: من المعقول: أن ما سوى التراب من الأرض أسوة بالتراب في كونه مكان الصلاة فكذلك في كونه طهورًا (¬3). أن هذه الأجزاء طاهرة من الأرض لم تتغير عن جنس الأصل فجاز التيمم بها قياسًا على التراب (¬4). المناقشة: نوقش بأن القياس على التراب منتقض بالفضة والذهب، فإنه لا يصح التيمم عليهما (¬5). الجواب: أجيب بالمنع؛ وذلك لأنه ينبغي التفريق بين ما هو من جنس الأرض وما ¬
كان من غير جنسها، فكل ما لا يلين ولا ينطبع (¬1) بالنار كالجص والنورة والزرنيخ فهو من جنس الأرض، وكل ما يلين وينطبع كالحديد والنحاس والذهب والفضة ونحوها فليس من جنس الأرض؛ لأن من طبع الأرض أن لا تلين بالنار (¬2). ويؤيد هذا أن الذهب والفضة لا يوجد فيها التفتت والغبار كالجص ونحوه، فدل ذلك على أنها من غير جنس الأرض، وإنما هما من الجواهر المودوعة في الأرض (¬3). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بأنه لا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: في الآية دليل على أنه لا يجوز التيمم إلا بتراب له غبار يعلق باليد، وذلك من وجهين: ¬
الوجه الأول: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالتيمم الصعيد وهو التراب كما فسره ابن عباس رضي الله عنهما بذلك حيث قال: «أطيب الصعيد الحرث، وأرض الحرث» (¬1). المناقشة: نوقش بأن الصعيد هو الصاعد على وجه الأرض، وهذا يعم كل صاعد، بدليل قوله تعالى: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40]، أي تصبح أرضًا ملساء لا شيء فيها، ولا يقال تراب زلق (¬2). وأما تفسير ابن عباس رضي الله عنهما للصعيد بأنه تراب الحرث فهو تفسير بالأغلب (¬3)، ثم إنه ليس في تفسير ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على تخصيص الصعيد بالتراب؛ لأن قوله: «أطيب الصعيد الحرث، وأرض الحرث»، يفيد أن غير أرض الحرث يسمى صعيدًا، لكن أرض الحرث أطيب منها (¬4). ¬
الوجه الثاني: أن الله سبحانه وتعالى أمر المتيمم أن يمسح بشيء من التراب؛ لأن قوله: {مِنْهُ} أي ببعضه، ولا يحصل المسح بشيء منه إلا أن يكون ذا غبار يعلق باليد (¬1). المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن كلمة {مِنْهُ} في الآية ليست دالة على التبعيض، وإنما هي لابتداء الغاية، فيكون ابتداء الفعل بالأرض، وانتهاء المسح بالوجه، فيمسح من وقت الضرب لا قبله (¬2). الجواب: أجيب بالمنع؛ وذلك لأن (من) في حقيقة الوضع للتبعيض، فإنه لا يفهم أحد من العرب من قول القائل: مسح برأسه من الدهن، إلا معنى التبعيض، وأما القول بأن ابتداء الفعل بالأرض فلا يصح؛ لأن ابتداء المسح بإمرار اليد على الوجه لا بالأخذ من الأرض (¬3). ¬
اعتراض: اعترض بأنه على فرض التسليم بأن كلمة {مِنْهُ} في الآية دالة على التبعيض فإن المراد بـ {مِنْهُ} الموضع الطاهر من الأرض أو مما تصاعد من الأرض، فإن الهاء كناية عن الصعيد، فلا يخص بعض ما تصاعد منها من بعض، وقد يتصاعد منها الرمل والجص وغير ذلك (¬1). الوجه الثاني: أن آية التيمم في سورة النساء ليس فيها كلمة {مِنْهُ} كما قال تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}، فدل ذلك على عدم اشتراط أن يعلق التراب باليد (¬2). ثانيًا: من السنة: حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أُعطيت ما لم يعط نبي من أنبياء الله، نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الغيب، وسميت أحمد، وجعل لي التراب طهورًا، وجعلت أمتي خير الأمم» (¬3). حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «... وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا» (¬4). ¬
وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عم الأرض بحكم المسجد، وخص ترابها بحكم الطهارة، وذلك يقتضي نفي الحكم عما عداه، إذ لو كان غير التراب طهورًا لذكره فيما منَّ الله به عليه (¬1). المناقشة: نوقش هذا الاستدلال بما أجيب به في الوجه الثاني على مناقشته الاستدلال بدليل الكتاب من أدلة أصحاب القول الأول (¬2). ثالثًا: من المعقول: أن الطهارة تتعلق بجامد ومائع، ثم ثبت أنها في المائع تختص بأعم المائعات وجودًا وهو الماء، فكذلك في الجامد يجب أن تختص بأعم الجامدات وجودًا وهو التراب (¬3). المناقشة: نوقش من ثلاثة وجوه: الوجه الأول: أن الطهارة بالمائع تعلقت بجنس يجوز منه ما يعم وجوده وما لا يعم وجوده، كماء الشجر، وماء زمزم، وكذلك بالجامد، فتعلق بما يعم وبما لا يعم (¬4). ¬
الوجه الثاني: أن التيمم قد تعلق بما يعم وجوده وما لا يعم وجوده، فكان أوسع من الأصل الذي يتعلق بنوع واحد، وما شرع التيمم إلا عند الضرورة، فيجوز أن يتسع لأجل الضرورة (¬1). الوجه الثالث: أن قياس التراب على الماء لا يصح؛ لأنه قياس مع الفارق، فإنه في طهارة الماء يجب أن يلاقي كل جزء من الأعضاء جزء من الماء، وهذا غير موجود في التيمم؛ لأن المتيمم إذا ضرب بيده على التراب ثم أمرها على وجهه فهو إلى أن يبلغ حد الذقن لا يبقى في يده من التراب شيء (¬2). أو نقول: إن هذه العبادة غير معقولة المعنى فلا قياس فيها. أن غير التراب جوهر مستودع في الأرض فلم يجز التيمم به كالفضة والذهب (¬3). المناقشة: نوقش بما أجيب به على مناقشة دليل المعقول من أدلة القول الأول. أن الله سبحانه وتعالى إنما نقلنا عن الماء عند عدمه وتعذره إلى ما هو أيسر وجودًا وأهون فقدًا، والكحل والزرنيخ أعز في أكثر الأحوال وجودًا من الماء، فلم يجز أن ننتقل عن الأهون إلى الأعز (¬4). ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بالمنع؛ وذلك لأنه ليس المقصود استعمال الكحل أو الزرنيخ بخصوصه، بل المقصود جواز التيمم بكل ما صعد على وجه الأرض، وفي ذلك نفي للحرج عن الناس؛ لأن تكليف الناس استعمال التراب بخصوصه في الأرض الرملية والجبلية مشقة وحرج كبير. أدلة القول الثالث: استدل القائلون بجواز التيمم بالتراب والرمل دون غيرهما، بما يلي: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنا نكون في الرمل وفينا الحائض والجنب والنفساء، ولا نجد الماء أربعة أشهر، أو خمسة أشهر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بالأرض» (¬1). وجه الدلالة: دل الحديث على جواز التيمم بالرمل. المناقشة: نوقش بأن الحديث ضعيف (¬2). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بجواز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض، وذلك لما يلي: ¬
لقوة أدلتهم، وإفادتها المراد، وسلامة أكثرها من الاعتراضات القادحة. اتفاق أهل اللغة على أن الصعيد ليس خاصًا بالتراب، بل يشمل كل ما كان على وجه الأرض، من تراب، أو رمل، أو حجارة، أو غير ذلك. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سافر هو وأصحابه رضي الله عنهم في غزوة تبوك (¬1) قطعوا الرمال في طريقهم، ولم يحملوا معهم ترابًا بلا شك، وماؤهم في غاية القلة، وهي مفاوز (¬2) معطشة، حتى شكى الصحابة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقطعًا كانوا يتيممون بالأرض التي هم فيها نازلون، فدل ذلك على جواز التيمم بغير التراب (¬3). مسألة: نقل التراب للتيمم: هذه المسألة تعتبر ثمرة للقول القائل باشتراط أن يكون المتيمم به ترابًا، كما هو قول الشافعية والحنابلة، خلافًا للحنفية والمالكية الذين أجازوا التيمم بكل ما هو من جنس الأرض. ¬
فإذا أراد المرء السفر في أرض ليس فيها تراب لكونها جبلية أو رملية، فهل يستحب له أن ينقل معه ترابًا ليتيمم به أم لا؟ للفقهاء في هذه المسألة على قولان (¬1): القول الأول: أنه يستحب نقل التراب للتيمم به، وهو رواية عند أحمد، وهي المذهب (¬2)، لأن نقل التراب معه للتيمم أحوط للعبادة، فقد تدركه الصلاة ولا يجد ماء ولا ترابًا، فيصلي صلاةً بدون ماء ولا تراب، والصلاة ـ والحالة هذه ـ يرى كثير من الأئمة لزوم إعادتها (¬3). القول الثاني: أنه يكره نقل التراب للتيمم به، وهو اختيار ابن تيمية، وابن القيم، وابن مفلح (¬4)، والمرداوي (¬5). ¬
واستدلوا على ذلك بأنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه أنهم كانوا ينقلون معهم التراب ليتيمموا به مع كثرة أسفارهم في مفاوز الرمال فيها أكثر من التراب (¬1). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بكراهة نقل التراب ليتيمم به، وذلك لوجاهة ما استدلوا به. ¬
المطلب الثاني حكم إيصال التراب إلى أعضاء التيمم
المطلب الثاني حكم إيصال التراب إلى أعضاء التيمم للفقهاء في هذه المسألة قولان: القول الأول: أنه لا يجب إيصال التراب إلى أعضاء التيمم، فلو ضرب بيده على طين رطب أو صخرة ملساء لا غبار عليها ومسح بها وجهه ويده أجزأه، وهو قول أبي حنيفة، وقول المالكية (¬1). القول الثاني: أنه يجب إيصال التراب إلى أعضاء التيمم، فلو ضرب بيده على طين رطب أو صخرة ملساء لا غبار عليها لم يجزه، وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية، وقول الشافعية والحنابلة (¬2). سبب الاختلاف: يرجع سبب الخلاف في هذه المسألة إلى اختلافهم في حرف (من) في قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]، وذلك أن (من) قد ترد للتبعيض، وقد ترد لابتداء الغاية، فمن ذهب إلى أنها هاهنا للتبعيض أوجب نقل التراب إلى أعضاء التيمم، ومن رأى أنها لابتداء الغاية، قال: ليس النقل واجبًا (¬3). ¬
أدلة القول الأول: استدل القائلون بعدم وجوب إيصال التراب إلى أعضاء التيمم، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن المأمور به هو التيمم بالصعيد مطلقًا من غير شرط الالتزاق، ولا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل (¬1). ثانيًا: من السنة: حديث أبي جهيم الأنصاري رضي الله عنه قال: «أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام» (¬2). وجه الدلالة: دل الحديث على عدم وجوب إيصال التراب إلى أعضاء التيمم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تيمم بالجدار، ومعلوم أنه لم يعلق بيده منه تراب؛ إذ لا تراب على الجدار (¬3). ¬
المناقشة: وقد تقدم مناقشة الاستدلال بهذا الحديث، والجواب على هذه المناقشة (¬1). حديث عمار رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما على وجهك وكفيك» (¬2). وجه الدلالة: دل الحديث على أنه لا يجب إيصال التراب إلى أعضاء التيمم، وأن المقصود هو وضع اليد على ما كان من الأرض، بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفخ في يديه ليتناثر ما عليها من تراب (¬3). المناقشة: وقد تقدم مناقشة الاستدلال بهذا الحديث، والجواب على هذه المناقشة (¬4). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بوجوب إيصال التراب إلى أعضاء التيمم، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. ¬
وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر المتيمم أن يمسح بشيء من التراب؛ لأن قوله: {مِنْهُ} أي: ببعضه، وهذا يدل على أنه لابد من نقل التراب إلى محل التيمم. المناقشة: وقد تقدم مناقشة الاستدلال بهذه الآية بالتفصيل (¬1)، فلا داعي للتكرار. ثانيًا: من المعقول: أن المتيمم مأمور بالمسح، وهذا يقتضي ممسوحًا به قياسًا على مسح الرأس في الوضوء (¬2). المناقشة: نوقش من ثلاثة وجوه: الوجه الأول: أن هذا القياس منقوض بما ورد في حديث عمار من نفخ اليد أو نفضها قبل المسح، ومن تيممه - صلى الله عليه وسلم - على الجدار (¬3)، وكل قياس يقابل نصًا فهو باطل. الوجه الثاني: أن قياس التراب على الماء لا يصح؛ لأنه قياس مع الفارق، فإنه في طهارة الماء يجب أن يلاقي كل جزء من الأعضاء جزء من الماء، وهذا غير موجود في التيمم؛ لأن المتيمم إذا ضرب بيده على التراب ثم أمرها على وجهه فهو إلى أن يبلغ حد الذقن لا يبقى في يده من التراب شيء (¬4). ¬
الوجه الثالث: أنه إذا سقط مسح الرأس والرجلين في التيمم كان سقوط الممسوح به في الوجه واليدين أخف (¬1). أن المأمور به استعمال الصعيد، وذلك بأن يلتزق بيده شيء منه، فأما ضرب اليد على ما له صلابة وملاسة، من غير استعمال جزء منه فضرب من السفه (¬2). المناقشة: نوقش بأن المأمور به هو مس وجه الأرض باليدين وإمرارها على العضوين، فإذا تحقق ذلك صح التيمم؛ لكونه تعبدًا غير معقول المعنى لحكمة استأثر الله تعالى بعلمها (¬3). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بأنه لا يجب إيصال التراب إلى أعضاء التيمم، وذلك لقوة أدلتهم في مقابل ضعف أدلة القول الثاني بما حصل من مناقشة. ¬
المطلب الثالث حكم التيمم بغبار اللبد (¬1) ونحوه اختلف الفقهاء في حكم التيمم بغبار التراب إذا كان على لبد أو ثوب أو مخدة أو جدار أو حصير أو نحو ذلك، فهل يجوز التيمم به أم لا؟ وذلك على قولين: القول الأول: أنه يجوز التيمم بغبار اللبد والثياب ونحو ذلك، وهو قول الحنفية، والشافعية، والحنابلة (¬2). القول الثاني: أنه لا يجوز التيمم بغبار اللبد ونحوه، وهو قول أبي يوسف من الحنفية، وقول المالكية، إلا أن أبا يوسف قال: لا يجوز التيمم بالغبار في حال القدرة على الصعيد وإلا فيجوز (¬3). سبب الخلاف: سبب الخلاف في هذه المسألة يرجع إلى اختلاف الفقهاء في الغبار، هل هو تراب خالص أو غالب أم لا؟ فمن قال بالأول قال بجواز التيمم بالغبار، ومن قال بالثاني قال بعدم الجواز (¬4). ¬
أدلة القول الأول: استدل القائلون بجواز التيمم بغبار اللبد ونحوه، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن (من) للتبعيض، فيحتاج أن يمسح بجزء منه، والغبار جزء من الصعيد (¬1). ثانيًا: من السنة: حديث أبي جهيم الأنصاري رضي الله عنه قال: «أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام» (¬2). وجه الدلالة: دل الحديث على جواز التيمم بالغبار؛ وذلك لأن التيمم بالجدار محمول على جدار عليه غبار؛ لأن جدرانهم من الطين ولا تراب عليها (¬3). ثالثًا: من الأثر: عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «لا يتيمم بالثلج، فمن لم يجد، فضفَّة ¬
سرجه (¬1)، أو معرفة دابته (¬2)» (¬3). قال الكاساني: «ولم ينكر عليه أحد، فيكون إجماعًا» (¬4). رابعًا: من المعقول: أن الغبار تراب رقيق، ويدل على ذلك أن من نفض ثوبه يتأذى جاره من التراب، فإذا جاز التيمم بالتراب الخشن جاز بالرقيق لاتحاد الجنس (¬5). أنه قصد الصعيد، ولا فرق بين أن يكون على الأرض أو على غيرها (¬6)، كما أن الماء لا يختلف حكمه في كونه في إناء أو نهر أو ما عصر من ثوب مبلول (¬7). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بعدم جواز التيمم بغبار اللبد ونحوه، بما يلي: ¬
أن الغبار ليس من جنس الصعيد؛ لأنه ليس بتراب خالص، بل هو تراب من وجه دون وجه فلا يجوز التيمم به (¬1). المناقشة: يمكن مناقشته بالمنع؛ وذلك لأن الغبار تراب من كل الوجوه ولكنه رقيق، ورقته لا تخرجه من كونه ترابًا، فدل ذلك على أنه من جنس الصعيد. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بجواز التيمم بغبار اللبد ونحوه، وذلك لقوة أدلتهم، ولأن القول بجواز التيمم بغبار اللبد ونحوه مأثور عن بعض الصحابة والتابعين (¬2). ¬
المبحث الثاني التيمم على الخشب والزرع والحشيش
المبحث الثاني التيمم على الخشب والزرع والحشيش اختلف الفقهاء في حكم التيمم على الخشب أو الزرع أو الحشيش، وذلك على قولين: القول الأول: أنه لا يجوز التيمم عليها، وهو قول الحنفية، وقول للمالكية، وهو قول الشافعية والحنابلة (¬1)، واستدلوا على ذلك بما يلي: 40ـ أن هذه الأشياء مما يحول بين المتيمم وبين الأرض، فلا يصح التيمم بها (¬2). 41ـ أن الله سبحانه وتعالى جعل الصعيد بدلاً من الماء، فلا يجوز إثبات بدل منه إلا بتوقيف، وإلا لجاز أن يضرب المكلف بيده على ثوب لا غبار عليه فيتيمم به (¬3). القول الثاني: أنه يجوز التيمم عليها بشرط ألا يجد غيرها، وألا يمكن ¬
قلعها، وضاق الوقت، وإلا فلا يجوز، وهو الراجح عند المالكية (¬1)، لأن هذه الأشياء صاعدة على الأرض (¬2). المناقشة: نوقش بالمنع؛ لأن هذه الأشياء لا تسمى صعيدًا، ولا تشبه الصعيد (¬3). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بأنه لا يجوز التيمم على الخشب أو الزرع أو الحشيش، وذلك لقوة تعليلهم، ولضعف دليل القول الثاني بما حصل من مناقشة. ¬
المبحث الثالث التيمم على الثلج
المبحث الثالث التيمم على الثلج للفقهاء في هذه المسألة قولان (¬1): القول الأول: أنه لا يجوز التيمم به، وهو قول الحنفية، ورواية عند المالكية، وهو قول الشافعية، وقول عند الحنابلة، وهو قول ابن المنذر. القول الثاني: أنه يجوز التيمم به، وهو رواية عند المالكية، والصحيح عند الحنابلة، إلا أن الحنابلة قالوا: إذا وجد ثلجًا ولم يمكن تذويبه، فإنه يلزمه مسح أعضاء وضوئه به ويصلي ولا يعيد إذا جرى الماء على الأعضاء بالمس؛ لوجود الغسل المأمور به وإن كان خفيفًا. وأما إذا لم يجر على الأعضاء بالمس فإنه يعيد الصلاة؛ لأنه صلى مع وجود الماء في الجملة بلا طهارة كاملة. أدلة القول الأول: استدل القائلون بأنه لا يجوز التيمم بالثلج، بما يلي: ¬
أولاً: من الأثر: عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «لا يتيمم بالثلج، فمن لم يجد، فضفة سرجه، أو معرفة دابته» (¬1). ثانيًا: من المعقول: أن الثلج ليس بصعيد فلم يجز التيمم به كالنبات (¬2). أنه لم يأت في التيمم على الثلج نص ولا إجماع، فلا يصح التيمم به (¬3). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بجواز التيمم بالثلج، بما يلي: أولاً: من السنة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (¬4). وجه الدلالة: دل الحديث على أن المكلف يعبد الله بحسب استطاعته، وهذا لا يقدر على استعمال الماء إلا كذلك، فوجب أن يستعمل الاستعمال المقدور عليه (¬5). ¬
ثانيًا: من المعقول: أن الثلج أشبه بجموده الحجر فالتحق بأجزاء الأرض (¬1). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم جواز التيمم بالثلج، وذلك لقوة أدلتهم، ولأن النصوص الشرعية تدل على أن التيمم لا يكون إلا بالتراب ـ وذلك باتفاق الفقهاء ـ أو بالصعيد وهو كل ما صعد على وجه الأرض من جميع أجزائها ـ وذلك على القول الراجح ـ، والثلج بعيد عن مسمى التراب أو مسمى الصعيد. وبناء على القول الراجح في هذا المطلب، والمطلب الذي قبله، فإن من لم يجد ما يتيمم به مما تصاعد على وجه الأرض من جميع أجزائها فإن حكمه كحكم العادم للماء والمتيمم به (¬2)، والله أعلم. ¬
المبحث الرابع التيمم بالتراب المختلط بغيره
المبحث الرابع التيمم بالتراب المختلط بغيره اتفق الفقهاء على جواز التيمم بالتراب، واختلفوا في حكم التيمم بتراب خالطه جص، أو زعفران (¬1)، أو دقيق، أو غير ذلك من الطاهرات التي تعلق بالعضو، فهل يصح التيمم به أم لا؟ وذلك على قولين: القول الأول: أنه لا يصح التيمم به، سواء أكان الخليط قليلاً أم كثيرًا مستهلكًا، وهو الصحيح عند الشافعية، وقول بعض الحنابلة (¬2)، لأن الخليط ربما علق بالعضو فيمنع وصول التراب إليه (¬3). القول الثاني: أنه يصح التيمم به، إذا كان الخليط مستهلكًا في التراب، ولم يغلب عليه، وهو ظاهر مذهب الحنفية والمالكية (¬4)، ووجه للشافعية، وقول الحنابلة (¬5)، لأن حكمه حكم الماء الذي خالطه مائع طاهر، واستهلك المائع في الماء ولم يؤثر فيه (¬6). ¬
الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بجواز التيمم بتراب خالطه جص أو زعفران أو غير ذلك إذا كان هذا الخلط مستهلكًا في التراب، وذلك لقوة تعليلهم، ولأن هذه الأشياء طاهرة مستهلكة في التراب، ولم يؤثر فيه، فبقي التراب على صلاحيته للتيمم. وأما القول بأنه قد يسبق الخليط التراب إلى الأعضاء، فقد سبق أن رجحنا في مسألة حكم إيصال التراب إلى أعضاء التيمم بأنه لا يشترط في التيمم إيصال التراب إلى أعضاء التيمم (¬1). ¬
المبحث الخامس حكم التيمم بالطين المحترق
المبحث الخامس حكم التيمم بالطين المحترق اختلف الفقهاء في حكم التيمم بالطين المحترق إذ دُق، فهل يجوز التيمم به أم لا؟ وذلك على قولين (¬1): القول الأول: أنه لا يجوز التيمم به، وهو قول المالكية، ووجه للشافعية، وبه قال أكثرهم، وهو الصحيح عند الحنابلة؛ لأن الطبخ أخرجه عن أن يقع عليه اسم التراب، كطبخ الخزف (¬2)، والآجر (¬3) (¬4). القول الثاني: أنه يجوز التيمم به، وهو قول الحنفية، ووجه للشافعية، رجحه الرافعي والنووي، وهو قول للحنابلة (¬5)؛ لأن المتغير لون التراب لا ذاته، فهو لا يزال يسمى ترابًا (¬6). ¬
الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بجواز التيمم بمدقوق الطين المحترق، وذلك لقوة تعليلهم. وأما قياس الطين المحترق على الخزف والآجر فلا يصح؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن طبخ الخزف والآجر يسلب اسم التراب، ويجعله جنسًا آخر، بخلاف الطين المحترق فإن اسم التراب لا يزول عنه بمجرد الطبخ.
المبحث السادس التيمم بالأرض النجسة
المبحث السادس التيمم بالأرض النجسة وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: ... حكم التيمم بالأرض النجسة. المطلب الثاني: ... حكم التيمم بالأرض التي أصابتها نجاسة فزال أثرها بالشمس أو الريح. المطلب الثالث: التيمم بتراب المقبرة.
المطلب الأول حكم التيمم بالأرض النجسة
المطلب الأول حكم التيمم بالأرض النجسة اتفق الفقهاء على اشتراط طهارة ما يتيمم به، فلا يصح التيمم على الأرض النجسة (¬1)، قال العيني (¬2): «لو كان التراب نجسًا لم يجز التيمم به إجماعًا» (¬3). وذكر ابن قدامة أنه لا يعلم خلافًا في عدم جواز التيمم لمن ضرب بيديه غير طاهر (¬4). وعللوا ذلك بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]. ¬
وجه الدلالة: أن المراد بالطيب في الآية هو الطاهر، والنجس ليس بطيب (¬1). قال الإمام الطبري في قوله تعالى: {طَيِّبًا}: «يعني: طاهرًا نظيفًا غير قذر ولا نجس» (¬2). ثانيًا: من السنة: حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم ...» الحديث (¬3). ثالثًا: من المعقول: أن التيمم طهارة، فلم يجز بغير طاهر، كالوضوء (¬4). ¬
المطلب الثاني حكم التيمم بالأرض التي أصابتها نجاسة فزال أثرها بالشمس أوالريح
المطلب الثاني حكم التيمم بالأرض التي أصابتها نجاسة فزال أثرها بالشمس أوالريح اختلف الفقهاء في النجاسة إذا أصابت الأرض وذهبت بالشمس أو الريح أو الاستحالة (¬1)، فهل تطهر الأرض بذلك فيجوز له أن يتيمم بها أم لا؟ وذلك على ثلاثة أقوال (¬2): القول الأول: أنها لا تطهر بذلك فلا يجوز التيمم بها، وهو مذهب المالكية، والأصح عند الشافعية (وهو قول الإمام الشافعي في القديم)، ومذهب الحنابلة، وقول زفر من الحنفية. القول الثاني: أنها تطهر بذلك فيجوز التيمم بها، وهو قول للحنفية، وقول للشافعية (هو قول الإمام الشافعي في القديم)، وهو قول للحنابلة، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. القول الثالث: أنها تطهر بذلك طهارة للصلاة دون التيمم، وبهذا قال أكثر الحنفية، وهو ظاهر الرواية عندهم. ¬
أدلة القول الأول: استدل القائلون بعدم طهارة الأرض النجسة بالشمس أو الريح، بما يلي: أولاً: من السنة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فقام إليه الناس ليقعوا به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «دعوه وأريقوا على بوله سجْلاً (¬1) من ماء، أو ذنوبًا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» (¬2). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بتطهير الأرض بالماء، والأمر يقتضي الوجوب (¬3)، ولو كان جفافه بالشمس أو الريح ونحو ذلك مطهرًا للأرض لبين ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في معرض بيان وتعليم لأصحابه، ولما كان للتكليف في طلب الماء معنى، فدل ذلك على اختصاص الماء بالتطهير دون غيره (¬4). المناقشة: نوقش هذا الدليل بأن المراد بالحديث يحمل على أحد الاحتمالات التالية: الاحتمال الأول: أن المقصود بالحديث تعجيل تطهير المسجد، إذ لو تركه حتى تطهره الشمس لتأخر تطهيره (¬5)، فليس في الحديث ما يدل على حصر ¬
التطهير بالماء ولا المنع من تطهير الأرض النجسة بالشمس أو الريح. الاحتمال الثاني: أنه إنما أمر بالمبادرة بإزالة بول الأعرابي بالماء خشية تنجس أحد به، أو لكي لا ينتقل بالمشي إلى مكان آخر في المسجد (¬1). الاحتمال الثالث: أن بول الأعرابي كان نهارًا، والصلاة في المسجد تتابع في النهار، بخلاف الليل، فإنه مدته تطول (¬2). الاحتمال الرابع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد بصب الماء أكمل الطهارتين (¬3). ثانيًا: من المعقول: أنه محل نجس فلم يطهر بغير الغسل كالثوب النجس (¬4). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بطهارة الأرض النجسة بالشمس أو بالريح، بما يلي: أولاً: من السنة: حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: «كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكونوا يرشون شيئًا من ذلك» (¬5). ¬
وجه الدلالة: أنه نص في المسألة، إذ لو كانت النجاسة باقية لوجب غسلها بالماء مما يدل على أنها طهرت بالريح أو الشمس (¬1). المناقشة: نوقش بأنه محمول على أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها، وتقبل وتدبر في المسجد عابرة، فيكون إقبالها وإدبارها في المسجد بعد بولها في مواطنها (¬2). الجواب: أجيب بأنه تأويل بعيد، وذلك لما يلي: أن قوله: «في المسجد» ليس ظرفًا لقوله: «تقبل وتدبر» وحده، بل هو ظرف أيضًا لقوله: «تبول وتقبل وتدبر» جميعًا. أن قوله: «فلم يكونوا يرشون شيئًا من ذلك» يمنع التأويل؛ لأنها لو كانت تبول في مواطنها، ما كان يُحتاج إلى ذكر الرش؛ إذ لا فائدة فيه. أن أبا داود بَوَّبَ على هذا الحديث بقوله في ترجمة الباب: «باب طهور الأرض إذا يبست» (¬3)، وفي هذا رد على التأويل الذي ذكروه (¬4). ¬
ثانيًا: من الآثار: ما روي عن محمد بن الحنفية (¬1) أنه قال: «إذا جفت الأرض فقد زكت (¬2)» (¬3). وجه الدلالة: أن أثر محمد رجاله رجال الجماعة (¬4)، وهو مما لا يدرك بالقياس فله حكم الرفع (¬5). ثالثًا: من المعقول: أن المطلوب زوال النجاسة، فإذا زالت فقد زال حكمها، ومعلوم أن الشمس تحرق النجاسة، وتفرقها الريح، وتحول عينها الأرض، وينشفها الهواء، فلا تبقى عينها بعد تأثير هذه الأشياء فيها، فتعود الأرض كما كانت قبل الإصابة (¬6). أن النجاسة قد استحالت أرضًا بذهاب أثرها؛ لأن من شأن الأرض جذب الأشياء إلى طبعها، وذهاب الأثر طهارة كاملة للصلاة والتيمم (¬7). ¬
أدلة القول الثالث: استدل القائلون بأن الأرض النجسة تطهر بالشمس أو الريح طهارة للصلاة دون التيمم، بما يلي: أولاً: استدلوا على طهارة الأرض النجسة بالشمس أو الريح بمجموع ما تقدم ذكره من أدلة أصحاب القول الثاني. ثانيًا: استدلوا على التفريق بين الصلاة والتيمم، بما يلي: أن الأرض التي أصابتها نجاسة ثم جفت إما بفعل الشمس أو بفعل الريح أو بغيرهما أصبحت طاهرة غير مطهرة، وطهارتها كافية في الصلاة عليها، بخلاف التيمم فإنه يشترط له الطهورية لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]، وحديث ابن عمر السابق يدل على الطهارة دون الطهورية، فالأرض قبل التنجس كانت طاهرة وطهورًا، وبالتنجس زال الوصفان، ثم بالجفاف ثبتت الطهارة دون الطهورية، وحتى يتيمم بالتراب لابد من ثبوت الوصفين معًا (¬1). المناقشة: يمكن مناقشته بأن القول بالتفريق بين الصلاة والتيمم يحتاج إلى دليل صريح، فإن الكتاب العزيز اشترط أن يكون التراب طاهرًا، وقد ثبت لنا بحديث ابن عمر أن الجفاف يجعله طاهرًا، فلذا صحت عليه الصلاة، فكذلك يصح التيمم، إذ إن كل أرضٍ جازت الصلاة عليها فإنه يجوز التيمم بها كالأرض الطاهرة. ¬
الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بجواز التيمم والصلاة على الأرض التي أصابتها نجاسة ثم جفت، وذلك لما يلي: لقوة أدلتهم، وإفادتها المراد، وسلامتها من الاعتراضات القادحة. أن القول بأن الأرض تطهر بالجفاف مأثور عن بعض التابعين (¬1). أنه إذا كان التراب يطهر غيره، فلأن يطهر نفسه من باب أولى (¬2). أن الإنسان إذا كان في سفر ونحوه فأراد أن يتيمم لعدم الماء فإنه يجوز له التيمم من الصعيد مع احتمال أن هذا الصعيد وقع عليه نجاسة من إنسان أو حيوان، وهذا يدل على أن الأرض تطهر بالجفاف. ¬
المطلب الثالث التيمم بتراب المقبرة
المطلب الثالث التيمم بتراب المقبرة تقدم نقل اتفاق الفقهاء على اشتراط طهارة المتيمم به، وأنه لا يصح التيمم على المكان النجس. فإن تيمم المتيمم بتراب المقبرة، فما الحكم؟ جملة القول في هذه المسألة: التفريق بين أن تكون أرض المقبرة قد نُبشت أو لم تنبش. فإن كانت المقبرة لم تنبش أو غلب على ظنه عدم نجاستها فإنه يجوز التيمم بترابها. قال ابن عبد البر: «وأجمع العلماء على أن التيمم على مقبرة المشركين إذا كان الموضع طيبًا طاهرًا نظيفًا، جائز» (¬1). وأما إذا نبشت، كأن يتكرر الدفن فيها مرارًا، فترابها نجس لا يجوز التيمم به؛ لاختلاطه بصديد الموتى ولحومهم (¬2). وكذا لو غلب على ظنه نجاسة ترابها فإنه لا يجوز التيمم بها (¬3). ¬
قلت: ويمكن أن يتخرج على المطلب السابق في الطهارة بالجفاف القول بجواز التيمم من المقبرة وإن نبشت، إذا كان أثر النجاسة قد زال بفعل الشمس والريح واستحالت، كالقول في طهارة الأرض النجسة بالجفاف، والله أعلم.
المبحث السابع حكم التيمم بالتراب المستعمل
المبحث السابع حكم التيمم بالتراب المستعمل اتفق الفقهاء على أن تيمم الجماعة من الموضع الواحد جائز؛ لأن التراب المستعمل هو ما علق باليدين أما ما بقي على الأرض فلم يكن مستعملاً في عبادة، فأشبه الماء الباقي في الإناء فيكون طاهرًا بلا خلاف (¬1). واختلفوا في حكم التيمم بالتراب المستعمل الذي يصيب العضو ثم يتناثر منه، فهل يجوز التيمم به أم لا؟ وذلك على قولين (¬2): القول الأول: أنه يجوز التيمم به، وهو قول الحنفية، والمالكية، ووجه للشافعية، صححه الماوردي، ووجه عند الحنابلة؛ لأن المستعمل منه ما بقي على العضو، وما تناثر غير مستعمل فجاز التيمم به (¬3). واستدل الماوردي أيضًا: بأن التيمم لا يرفع الحدث، ولكن يجيز الصلاة فقط، فلا يصير التراب مستعملاً به، بخلاف الماء؛ لأنه يرفع الحدث فصار مستعملاً برفعه (¬4). ¬
القول الثاني: أنه لا يجوز التيمم به، وهو الأصح عند الشافعية، والصحيح عند الحنابلة؛ لأنه مستعمل في طهارة أباحت الصلاة فأشبه الماء المستعمل (¬1). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بجواز التيمم بالتراب المستعمل، وذلك لقوة تعليلهم، وأما ما استدل به الماوردي بأن التيمم لا يرفع الحدث فقد تقدم مناقشة هذا القول (¬2)، وأن الراجح أن التيمم يرفع الحدث كالماء (¬3). ومن أسباب الترجيح ما يلي: أن الماء المستعمل يخالف التراب المستعمل؛ وذلك لأن الماء لا يدفع بعضه بعضًا، وأما التراب فيدفع بعضه بعضًا، حيث دفع ما أدى به الفرض في العضو ما تناثر منه (¬4). أنه ليس هناك أي دليل صحيح يدل على عدم كون المستعمل طهورًا لا في الماء، ولا في التراب (¬5). ¬
المبحث الثامن حكم التيمم بالتراب المغصوب
المبحث الثامن حكم التيمم بالتراب المغصوب للفقهاء في هذه المسألة قولان: القول الأول: أنه يصح التيمم به، وهو قول الحنفية والمالكية والشافعية (¬1). القول الثاني: أنه لا يصح التيمم به، وهو قول الحنابلة (¬2). أدلة القول الأول: استدل القائلون بأنه يصح التيمم بالتراب المغصوب، بما يلي: أن التيمم صحيح؛ لأن النهي من التيمم بالتراب المغصوب لا يعود إلى الطهارة، فالغاصب مأذون له بالطهارة، وإنما النهي من جهة الغصب، فيصح فعله مع الإثم، ونظير ذلك أن يقول السيد لعبده خط هذا الثوب ولا تدخل هذه الدار فإن امتثلت أعتقتك وإن ارتكبت النهي عاقبتك، فخاط الثوب في الدار فإنه يحسن من السيد حينئذ عتقه وعقوبته (¬3). ¬
أدلة القول الثاني: استدل القائلون بأنه لا يصح التيمم بالتراب المغصوب، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188]. ثانيًا: من السنة: حديث أبي بكرة (¬1) رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب» (¬2). وجه الدلالة من الآية والحديث: في الآية والحديث النهي عن أكل أموال الناس بالباطل، ومن تيمم بتراب مغصوب فإن استعماله لهذا التراب محرم منهي عنه؛ لأنه داخل تحت تحريم الأموال، وتحت العمل بخلاف ما أمر الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - فلا يصح تيممه (¬3). ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بأن نص الكتاب والسنة يدلان على حرمة أكل أموال الناس بالباطل، وهذا لا يستلزم بطلان التيمم بالمغصوب؛ لأن التحريم والصحة غير متلازمين، ففعله من حيث إنه تيمم مطلوب، ومحرم من حيث إنه غصب، فالنهي لا يعود إلى التيمم وإنما إلى أمر خارج وهو الغصب (¬1). حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (¬2). وجه الدلالة: أن كل عمل لا يوافق ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو باطل مردود على صاحبه، ولم يكن من أمره - صلى الله عليه وسلم - التيمم بالمغصوب، فيكون باطلاً مردودًا على صاحبه (¬3). المناقشة: يمكن مناقشة هذا الاستدلال بما نوقش به الاستدلال بالدليلين السابقين. ثالثًا: من المعقول: أن التيمم وهو عبادة لا يتأدى بما هو منهي عنه، فلا يستعمل هذا التراب ¬
المنهي عنه لأنه ممنوع شرعًا فهو كالمعدوم حسًا، فتكون صورة التطهير معدومة حسًا مع العمد، وذلك مبطل للطهارة والصلاة (¬1). المناقشة: نوقش بالمنع؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى حين أمر بالطهارة لم يشترط فيها أن تكون الأداءة مباحة، بل إنه سبحانه وتعالى أوجب الطهارة مطلقًا، وحرم الغصب، ولا يلزم من تحريم الشيء أن يكون عدمه شرطًا، كما لو سرق في صلاته لم تبطل صلاته مع مقارنة المحرم، فكذلك ها هنا (¬2). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بصحة التيمم بالتراب المغصوب، وذلك لقوة دليلهم، ولأن أدلة القول الثاني تم مناقشتها. ويؤيد ذلك أنه لم يثبت دليل صحيح يدل على عدم صحة التيمم بالتراب المغصوب. ¬
الباب الرابع فروض التيمم
الباب الرابع فروض التيمم وفيه ثلاثة فروض: الفرض الأول: ... مسح الوجه واليدين مع الاستيعاب. الفرض الثاني: ... الترتيب. الفرض الثالث: ... الموالاة.
الفرض الأول مسح الوجه واليدين مع الاستيعاب
الفرض الأول مسح الوجه واليدين مع الاستيعاب وفيه تسعة مباحث: المبحث الأول: ... تحديد أعضاء التيمم. المبحث الثاني: ... تحديد مسح اليدين. المبحث الثالث: ... تحديد القدر الواجب من الضرب في التيمم. المبحث الرابع: ... حكم استيعاب المسح للوجه واليدين. المبحث الخامس: ... حكم إيصال التراب إلى ما تحت الشعر الخفيف. المبحث السادس: ... صفة مسح الوجه واليدين. المبحث السابع: ... حكم التيمم من غير ضرب. المبحث الثامن: ... حكم تيمم مقطوع اليد أو بعضها. المبحث التاسع: حكم مسح الوجه بيد واحدة أو ببعض أصابعه.
المبحث الأول تحديد أعضاء التيمم
المبحث الأول تحديد أعضاء التيمم اتفق الفقهاء على أن الوجه واليدين هما من فروض التيمم، فلا يكون التيمم إلا فيهما، سواء أكان التيمم عن الحدث الأصغر أو الأكبر (¬1)، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم (¬2). واستدلوا على ذلك بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43]، وقوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. ثانيًا: من السنة: 42ـ حديث عمار رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك» (¬3). 43ـ حديث أبي جهيم الأنصاري رضي الله عنه قال: «أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من نحر بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام» (¬4). ¬
وجه الدلالة: أن هذه الأدلة تدل على فرضية مسح الوجه واليدين في التيمم.
المبحث الثاني تحديد مسح اليدين
المبحث الثاني تحديد مسح اليدين اتفق الفقهاء على أن مسح اليدين من فروض التيمم، واختلفوا في تحديد الواجب مسحه من اليدين، وذلك على قولين: القول الأول: أنه يجب مسح اليدين إلى المرفقين (¬1)، وهو مذهب الحنفية، وقول للمالكية، ومذهب الشافعية (هو قول الإمام الشافعي في الجديد) (¬2). القول الثاني: أنه يجب مسح الكفين (¬3) فقط، وهو قول الشافعي في القديم، ومذهب الحنابلة (¬4). القول الثالث: أن الواجب هو المسح إلى الكفين، ويستحب إلى المرفقين، وهو المشهور في مذهب المالكية، واختاره القاضي أبو يعلى (¬5) من الحنابلة (¬6). ¬
سبب الخلاف: يرجع سبب الخلاف في هذه المسألة إلى أمرين (¬1): الأول: اشتراك اسم اليد في لغة العرب، وذلك أن اليد في كلام العرب تطلق على ثلاثة معان: على الكف فقط، وعلى الكف والساعد (¬2)، وعلى الكف والساعد والعضد (¬3). الثاني: اختلاف الأحاديث الواردة في كيفية التيمم (¬4). أدلة القول الأول: استدل القائلون بأنه يجب مسح اليدين إلى المرفقين، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الآية أطلقت اليد فقيدت بالمرفق؛ لكونه الغاية في الوضوء، والتيمم بدل عن الوضوء، والبدل لا يخالف المبدل (¬5). ¬
المناقشة: نوقش من ثلاثة وجوه: الوجه الأول: أن القياس هنا غير صحيح؛ لأنه قياس مع الفارق، ووجه الفرق يتضح بما يلي (¬1): الأول: أن الوضوء في أربعة أعضاء بخلاف التيمم فإنه في عضوين. الثاني: أن الوضوء شرع فيه التثليث بخلاف التيمم. الثالث: أن الوضوء يغسل فيه الفم والأنف وباطن الشعر الخفيف بخلاف التيمم. الرابع: أن طهارة التيمم مبنية على التخفيف بخلاف الوضوء فإنه مبني على الإسباغ (¬2). الوجه الثاني: أن القول بأن البدل لا يكون إلا على صفة المبدل منه لا يصح، فإن البدل يأخذ حكم مبدله لا صفته (¬3)، ولهذا أوجب الله تعالى الرقبة في الظهار، وفي كفارة اليمين، وكفارة قتل الخطأ، وكفارة المجامع عمدًا في نهار رمضان وهو صائم، ثم عوضها الله تعالى وأبدل من رقبة كفارة اليمين صيام ¬
ثلاثة أيام، ومن رقاب القتل والجماع والظهار صيام شهرين متتابعين، وعوض من ذلك إطعامًا في الظهار والجماع ولم يعوضه في القتل، فلا يشترط أن تكون صفة البدل في المبدل منه (¬1). الوجه الثالث: أن هناك دليلاً على التقييد بالكف، وهو حديث عمار رضي الله عنه فقد تيمم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الكف فقط، وتقييد النص بالنص أولى من تقييد النص بالقياس. ثانيًا: من السنة: حديث جابر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين» (¬2). المناقشة: نوقش بأن الصواب في هذا الحديث أنه موقوف عن جابر رضي الله عنه (¬3). ¬
حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين» (¬1). المناقشة: نوقش بأن الحديث ضعيف (¬2). حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إلى المرفقين» (¬3). المناقشة: نوقش بأن الحديث ضعيف (¬4). ¬
حديث الأسلع (¬1) رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فقال لي: «يا أسلع قم، فارحل لنا»، فقلت: يا رسول الله أصابتني بعدك جنابة، فسكت حتى أتاه جبريل بآية التيمم، فقال لي: «يا أسلع، قم فتيمم صعيدًا طيبًا: ضربتين، ضربة لوجهك، وضربة لذراعيك، ظاهرهما وباطنهما» فلما انتهينا إلى الماء، قال: «يا أسلع قم فاغتسل» (¬2). المناقشة: نوقش بأنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة (¬3). حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في التيمم: «ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين» (¬4). ¬
المناقشة: نوقش بأن الحديث ضعيف (¬1). حديث أبي أمامة (¬2) رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «التيمم ضربة للوجه وضربة إلى المرفقين» (¬3). المناقشة: نوقش بأن الحديث ضعيف جدًا (¬4). حديث أبي الجهيم الأنصاري رضي الله عنه قال: «أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه وذراعيه، ثم رد عليه السلام» (¬5). ¬
المناقشة: نوقش بأن هذا الحديث بهذه الرواية: «وذراعيه» ضعيف (¬1)، والحديث ورد في الصحيحين وليس فيه مسح الذراعين. عن نافع قال: انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس فقضى ابن عمر حاجته، وكان من حديثه يومئذ أن قال: مر رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سكة (¬2) من السكك وقد خرج من غائط أو بول فسلم فلم يرد عليه، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى (¬3) في السكة ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه، ثم رد على الرجل السلام وقال: «إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر» (¬4). ¬
المناقشة: نوقش بأن الحديث ضعيف (¬1). ثالثًا: من المعقول: قياس التيمم على الصلاة، وذلك أن الصلاة في السفر سقط منها ركعتان، وبقي ركعتان كاملتان، فكذلك التيمم؛ حيث الذي سقط منه عضوان عن الوضوء، وبقي عضوان فيكون التيمم فيهما كاملاً كالوضوء (¬2). المناقشة: نوقش بأنه قياس في مقابلة النص، وهو حديث عمار الثابت في الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين، فهو قياس فاسد الاعتبار (¬3). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بأنه يجب مسح الكفين فقط، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أطلق اليد هنا ولم يقيدها، ومطلق اسم اليد يتناول الكف ¬
فقط كما في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 8]، وكانت السنة في القطع من الكفين، فكذا المسح في التيمم يكون إلى الكفين (¬1). المناقشة: نوقش بأن قياس التيمم في الكفين على القطع في السرقة لا يصح؛ وذلك لأنه في القطع عقوبة لا يؤخذ فيها إلا باليقين، والتيمم عبادة، والعبادات يؤخذ فيها بالاحتياط (¬2). الجواب: أجيب بأن الله سبحانه وتعالى لما أراد في الوضوء الزيادة على الكفين قيدها بالمرفقين، فوقفنا عند تحديده، وأطلق القول في اليدين ـ في التيمم ـ فحملناه على ظاهر مطلق اسم اليد، وهو الكفان، كما فعلنا في السرقة، فهذا أخذ بالظاهر فلا قياس للعبادة على العقوبة (¬3). ثانيًا: من السنة: حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «إنما كان يكفيك هكذا» فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه (¬4). ¬
وفي رواية: قال عمار لعمر: تمعكت فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يكفيك الوجه والكفان» (¬1). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح وجهه وكفيه ولم يمسح إلى المرفقين مما يدل دلالة واضحة على أن الواجب في مسح اليدين إنما هو إلى الكفين. المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن حديث عمار فيه اضطراب (¬2)؛ لأنه روى في رواية أخرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إلى المرفقين» والمضطرب لا يكون حجة (¬3). ¬
الجواب: أجيب بأن رواية المرفقين ضعيفة (¬1)، بخلاف رواية الكفين فإنها في الصحيحين وهي سالمة من القدح والمعارضة، وعليه فلا اضطراب في حديث عمار؛ لكون رواية المرفقين مرجوحة ضعيفة بالنسبة إلى غيرها، فسقط الاعتبار بها. قال ابن حجر: «وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن، وفي رواية إلى نصف الذراع، وفي رواية إلى الآباط. فأما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال ...» (¬2). الوجه الثاني: أن المراد بالكفين الذراعين إطلاقًا لاسم الجزء على الكل أو المراد ظاهرهما مع الباقي (¬3). الجواب: أجيب بأنه لا يعرف في اللغة التعبير بالكفين عن الذراعين (¬4). ثالثًا: من المعقول: أنه حكم علق على مطلق اليد فلم يدخل فيه الذراع، كقطع السارق، ومس الفرج (¬5). ¬
أن من مسح يده إلى الكوع (¬1) فقد مسح مفصلاً من اليد تجب بإصابته الدية (¬2). أدلة القول الثالث: استدل القائلون بأن الواجب هو المسح إلى الكفين مع استحباب المسح إلى المرفقين، بما يلي: استدلوا بمجمل أحاديث القولين الأولين، حيث حملوا حديث عمار الثابت في الصحيحين على الوجوب، وأحاديث المرفقين على الاستحباب (¬3). المناقشة: نوقش بأنه إنما ينبغي أن يصار إلى هذا القول إن صحت أحاديث المرفقين (¬4). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بأن الواجب هو مسح الكفين فقط، وذلك لما يلي: ¬
أن حديث عمار رضي الله عنه صحيح وصريح في وجوب الاقتصار على مسح الوجه والكفين، ولهذا عقد البخاري في صحيحه باب «التيمم للوجه والكفين» (¬1)، وأتى بذلك على صيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوة دليله (¬2). أنه لم يثبت حديث مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتيمم إلى المرفقين، وإنما صح ذلك موقوفًا على بعض الصحابة، وقول الصحابي إذا خالف قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا عبرة به. أن عمارًا الراوي للحديث كان يفتي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الواجب هو الاقتصار على الوجه والكفين، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره (¬3). ¬
المبحث الثالث تحديد القدر الواجب من الضرب في التيمم
المبحث الثالث تحديد القدر الواجب من الضرب في التيمم للفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوال: القول الأول: أن الواجب ضربتان، واحدة للوجه، وأخرى لليدين، وهو مذهب الحنفية، وقول للمالكية، وهو المذهب عند الشافعية (¬1). القول الثاني: أن الواجب والمسنون ضربة واحدة فقط للوجه واليدين، وهو مذهب الحنابلة (¬2). القول الثالث: أن الواجب ضربة واحدة، لكن يسن ضربة أخرى، وهو مذهب المالكية، وقول عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة، اختارها القاضي أبو يعلى (¬3). سبب الخلاف: يرجع سبب الخلاف في هذه المسألة إلى ثلاثة أمور (¬4): ¬
الأول: الإجمال الوارد في آية التيمم. الثاني: التعارض بين الأحاديث الواردة في المسألة، إذ أفاد بعضها أن التيمم ضربة واحدة، وأفاد بعضها الآخر أنه ضربتان. الثالث: معارضة المعقول للمنقول، وذلك أن قياس التيمم على الوضوء يقتضي تخصيص كل من الوجه واليدين بضربة مستقلة، وهذا يعارض النص الوارد في أن التيمم ضربة واحدة. أدلة القول الأول: استدل القائلون بأن التيمم ضربتان، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الآية وإن لم تتعرض للأمر بتكرار التيمم من الصعيد نصًا، إلا أنها تعرضت له دلالة؛ لأن التيمم بدل عن الوضوء، ولا يجوز استعمال ماء واحد في عضوين مختلفين عند الوضوء، فكذلك في التيمم لا يجوز استعمال تراب واحد في عضوين مختلفين أيضًا؛ لأن البدل لا يخالف المبدل (¬1). ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بأنه قياس في مقابلة النص، وهو حديث عمار الثابت في الصحيحين في الاقتصار على ضربة واحدة (¬1). ثانيًا: من السنة: ما رواه عبيد الله بن عبد الله (¬2) عن عمار رضي الله عنه: «أنه كان يحدث أنهم تمسحوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصعيد لصلاة الفجر فضربوا بأكفهم الصعيد، ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم» (¬3). وجه الدلالة: دل الحديث على أن الواجب في التيمم الضرب على الصعيد ضربتين، واحدة للوجه، وأخرى لليدين. المناقشة: نوقش من وجهين: ¬
الوجه الأول: أن الحديث ضعيف لانقطاعه، فإن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لم يدرك عمار بن ياسر (¬1). الجواب: أن الحديث صحيح لاتصال إسناده من طرق أخرى (¬2). الوجه الثاني: على التسليم بصحته، فالجواب عنه من وجهين: الأول: أن عمارًا لم يذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بذلك، وإنما قال: فعلنا كذا وكذا، فلما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه صفة التيمم، فالحجة فيما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، والدليل على صحة هذا القول أن عمارًا علمهم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - في ولايته أيام عمر على الكوفة أن التيمم ضربة للوجه والكفين (¬3). الثاني: إن كان ذلك وقع بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فكل تيمم للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعده فهو ناسخ له، قاله الشافعي وغيره (¬4). ¬
استدلوا بالأحاديث التي نصت على ذكر الضربتين، وقد تقدم ذكر هذه الأحاديث في المبحث السابق عند ذكر أدلة من قال بأنه يجب مسح اليدين إلى المرفقين (¬1). المناقشة: تقدم مناقشة هذه الأحاديث التي اشتملت على ذكر الضربتين (¬2)، فلا داعي للتكرار. أدلة القول الثاني: استدل القائلون بأن الواجب المسنون ضربة واحدة فقط، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالتيمم مطلقًا فلم يقيده بضربة أو بضربتين، وامتثال هذا الأمر يحصل بضربة واحدة، فلا يجب أكثر منها (¬3). ¬
ثانيًا: من السنة: حديث عمار رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «إنما كان يكفيك هكذا»، فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه (¬1). وفي رواية: «إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا»، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه (¬2). وجه الدلالة: أن الحديث نص في أن المشروع المجزئ في التيمم ضربة واحدة، ولو كان المشروع أكثر من ضربة لعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لعمار رضي الله عنه، إذ يبعد أن يقتصر النبي - صلى الله عليه وسلم - على تعليمه الجائز فقط، ويدع تعليمه فيما هو أفضل منه. المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن الحديث لا يدل على أن الواجب ضربة واحدة؛ لأن المراد بالحديث هنا صورة الضرب للتعليم، وليس المراد به بيان جميع ما يحصل به التعليم (¬3). ¬
الجواب: أجيب عن ذلك بجوابين: الأول: أن سياق الحديث يدل على أن المراد به بيان جميع ما يحصل به التيمم؛ لأن ذلك هو الظاهر من قوله: «إنما كان يكفيك» (¬1)، فحمله على مجرد تعليم صورة الضرب حمل بعيد (¬2). الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في معرض بيان الحاجة، فلو لم يكن المقصود من التعليم بيان جميع ما يحصل به التيمم لكان ذلك سكوتًا في معرض الحاجة، وهو غير جائز من صاحب الشرع (¬3). الوجه الثاني: أن تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمار رضي الله عنه وقع بالفعل، وقد وردت الأحاديث القولية بأن الضرب على الصعيد ضربتان، والراجح تقديم القول على الفعل (¬4). الجواب: أجيب بأن تعليم عمار رضي الله عنه وإن كان بالفعل لكن انضم إليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما كان يكفيك هكذا»، وعليه فإن هذا الحديث يكون في حكم الحديث القولي (¬5). ¬
وقد ورد في رواية أخرى للحديث قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك» (¬1)، وهذا يدل على أن تعليمه - صلى الله عليه وسلم - لعمار وقع بالقول أيضًا. أدلة القول الثالث: يمكن أن يستدل لهم بمجمل أحاديث القولين الأولين، فيحمل حديث عمار الثابت في الصحيحين على أن الواجب ضربة واحدة فقط، وأما أحاديث الضربتين فتحمل على الاستحباب. المناقشة: يمكن مناقشته بالتسليم على أن الواجب ضربة واحدة فقط، ولكن لا نسلم بحمل أحاديث الضربتين على الاستحباب؛ وذلك لأن أحاديث الضربتين أحاديث ضعيفة جدًا، وبعضها الصحيح فيه أنه موقوف، وقد سبق بيان ذلك (¬2)، وعليه فلا تكون تلك الأحاديث حجة على استحباب الضربة الثانية. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بأن الواجب والمسنون في التيمم ضربة واحدة فقط، وذلك لما يلي: أن حديث عمار رضي الله عنه صريح في أن الضربة الواحدة كافية، ولم يأت دليل صحيح صريح بالزيادة على ذلك. ¬
أن ما عدا حديث عمار رضي الله عنه من أحاديث الضربتين، فهو إما ضعيف، أو موقوف، ومعلوم أن الضعيف لا يصلح للاحتجاج به، والموقوف لا يُسقط المرفوع. قال الشوكاني رحمه الله: «والحاصل أن جميع الأحاديث الصحيحة ليس فيها إلا ضربة واحدة، ... وجميع ما ورد في الضربتين لا يخلو من ضعف يسقط به عن درجة الاعتبار، ولا يصلح للعمل به حتى يقال إنه مُشتمل على زيادة، والزيادة يجب قبولها، ... فالحق الوقوف على ما ثبت في الصحيحين من حديث عمار رضي الله عنه من الاقتصار على ضربة واحدة حتى تصح الزيادة على هذا المقدار) (¬1). 44ـ أن ما ثبت عن عمار رضي الله عنه أنه كان يعلم الناس التيمم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ضربة واحدة للوجه واليدين، يوافق أثبت ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يقوى على معارضته أحاديث الضربتين. 4ـ ضعف أدلة المخالفين بما حصل من مناقشة. ¬
المبحث الرابع حكم استيعاب المسح للوجه واليدين
المبحث الرابع حكم استيعاب المسح للوجه واليدين اختلف الفقهاء في حكم استيعاب عضوي التيمم بالمسح، فهل يجب الاستيعاب أم لا؟ وذلك على قولين (¬1): القول الأول: أنه يجب الاستيعاب، فإن ترك موضعًا كان يغسله بالماء في الوضوء لم يمسحه بالتراب في التيمم لم يجزئه وإن قل، وهو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. القول الثاني: أنه لا يجب الاستيعاب، بل إذا مسح الأكثر فإنه يقوم مقام الكل، وهو رواية عن أبي حنيفة، وبه قال ابن مسلمة من المالكية. أدلة القول الأول: استدل القائلون بأنه يجب استيعاب عضوي التيمم بالمسح، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالمسح في الآية، والأمر بالمسح تعلق باسم ¬
الوجه واليدين، وهذا يقتضي أن يكون المسح لجميع الوجه واليدين، إذ إن الباء هنا للإلصاق وليست للتبعيض فوجب الاستيعاب (¬1). ثانيًا: من المعقول: أن التيم بدل عن الوضوء، والاستيعاب في الوضوء من تمام الركن فكذا في البدل (¬2). المناقشة: يمكن مناقشته بأن البدل إنما يقوم مقام المبدل عنه في حكمه فقط، لا في صفته، ولهذا لايجب في التيمم المضمضة والاستنشاق بخلاف الوضوء، ولا يستحب في التيمم تثنية ولا تثليث بخلاف الوضوء، فلما ثبت الفرق بين المقيس والمقيس عليه بطل القياس. أدلة القول الثاني: استدل القائلون بأنه لا يجب الاستيعاب، بما يلي: 1 - أن هذا مسح فلا يجب فيه الاستيعاب كمسح الرأس والخف (¬3). 2 - أن ذلك مما تكثر به البلوى فوجب التخفيف (¬4). ¬
الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بعدم وجوب الاستيعاب في التيمم، وذلك لقوة دليلهم، ولما يلي: 1 - عدم الدليل الصريح على وجوب الاستيعاب في التيمم، وكل الأحاديث الواردة في ذلك لم تذكر أنه - صلى الله عليه وسلم - مسح جميع وجهه ويديه، وإنما ورد فيها «ومسح وجهه وكفيه»، وعادة الشرع في المسح لا تقتضي الاستيعاب. قال ابن حزم رحمه الله: «إن لفظة المسح لم تأتِ في الشريعة إلا في أربعة مواضع ولا مزيد: مسح الرأس، ومسح الوجه واليدين في التيمم، ومسح على الخفين والعمامة والخمار، ومسح الحجر الأسود في الطواف، ولم يختلف أحد من خصومنا المخالفين لنا في أن مسح الخفين ومسح الحجر الأسود لا يقتضي الاستيعاب، وكذلك من قال منهم بالمسح على العمامة والخمار، ثم نقضوا ذلك في التيمم، فأوجبوا فيه الاستيعاب تحكمًا بلا برهان» (¬1). 1 - أن اشتراط مسح الكل فيه حرج، والحرج منفي في الشريعة. 2 - أن الاستيعاب لو كان واجبًا لشرع تكرار المسح للمتيمم حتى يحصل الاستيعاب، فلما لم يشرع تكرار المسح للمتيمم علم أن الاستيعاب ليس بواجب. وينبني على الخلاف في هذه المسألة مسألة أخرى وهي: حكم نزع الخاتم عند مسح اليد، فعلى القول الأول يجب نزع الخاتم، وعلى القول الثاني لا يجب (¬2). ¬
الترجيح: والراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بأنه لا يجب نزع الخاتم، وذلك لما ذكرنا من عدم وجوب الاستيعاب في التيمم، ولأن القول بالوجوب ينافي التيمم المبني على اليسر والتخفيف.
المبحث الخامس حكم إيصال التراب إلى ما تحت الشعر الخفيف
المبحث الخامس حكم إيصال التراب إلى ما تحت الشعر الخفيف اختلف الفقهاء في حكم إيصال التراب إلى منابت الشعر الخفيف كالعنفقة (¬1)، وشعر الحاجبين، وشعر اللحية الخفيف، فهل يجب إيصال التراب إليها أم لا؟ وذلك على قولين: القول الأول: أنه لا يجب إيصال التراب إلى ما تحت الشعر الخفيف، وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة (¬2). القول الثاني: أنه يجب إيصال التراب إلى ما تحت الشعر الخفيف، وهو قول الحنفية، ووجه عند الشافعية والحنابلة (¬3). ¬
دليل القول الأول: استدل القائلون بأنه لا يجب إيصال التراب إلى ما تحت الشعر الخفيف بأن ما ورد من صفة تيمم النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عمار وغيره يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - مسح وجهه بضربة واحدة، وبالضربة الواحدة لا يصل التراب إلى منابت الشعر (¬1). دليل القول الثاني: استدل القائلون بأنه يجب إيصال التراب إلى ما تحت الشعر الخفيف بأن الوضوء يجب فيه إيصال الماء إلى منابت الشعر، والتيمم بدل عن الوضوء، والبدل له حكم مبدله (¬2). المناقشة: يمكن مناقشته بأنه قياس مع الفارق؛ لأن طهارة التيمم مبنية على التخفيف بخلاف الوضوء فإنه مبني على الإسباغ. وقد تقدم بيان وجه الفرق بين التيمم والوضوء بالتفصيل (¬3)، فلا داعي للتكرار. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم وجوب إيصال التراب إلى منابت الشعر الخفيف، وذلك لقوة دليلهم، ولحصول المشقة في إيصال التراب إلى منابت هذه الشعور، وما شرع التيمم إلا للتيسير على المكلف ولرفع الحرج عنه، فالقول بعدم الوجوب هو المتناسب مع الرخصة والتيسير. ¬
المبحث السادس صفة مسح الوجه واليدين
المبحث السادس صفة مسح الوجه واليدين تقدم اختلاف الفقهاء في حد اليد المأمور بمسحها في التيمم، وكذلك اختلافهم في عدد ضربات التيمم، وبناء على الاختلاف في هاتين المسألتين اختلفوا في صفة مسح الوجه واليدين في التيمم، وفيما يلي بيان أقوال المذاهب في صفة المسح: أولاً: الحنفية: يضرب المتيمم بيديه على الأرض ضربة واحدة يقبل بهما ويدبر (¬1)، ثم يرفعهما وينفضهما أو ينفخ فيهما، ثم يمسح بهما وجهه، ثم يضرب بهما الأرض مرة أخرى فيقبل بهما ويدبر، ثم ينفضهما، ثم يمسح بأربع أصابع يده اليسرى ظاهر يده اليمنى من رؤوس الأصابع إلى المرفق، ثم يمسح بكفه اليسرى دون الأصابع باطن يده اليمنى من المرفق إلى الرسغ (¬2)، ثم يمر بباطن إبهامه اليسرى على ظاهر إبهامه اليمنى، ثم يفعل باليسرى كذلك (¬3). ¬
ثانيًا: المالكية: يضرب الأرض بيديه جميعًا ضربة واحدة، فإن تعلق بهما شيء نفضهما نفضًا خفيفا، ثم يمسح بهما وجهه، ثم يضرب ضربة أخرى لليدين ويضع اليسرى على اليمنى فيمرها من فوق الكف إلى المرفق، ومن باطن المرفق إلى الكف، ويفعل باليسرى كذلك (¬1). ثالثًا: الشافعية: يضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع (¬2) ضربة واحدة، ثم يمسح بهما وجهه، ثم يضرب الضربة الثانية ويضع بطون أصابع اليد اليسرى سوى الإبهام على ظهر أصابع اليمنى سوى الإبهام بحيث لا تخرج أنامل اليمنى مسبحة اليسرى، ولا مسبحة اليمنى عن أنامل اليسرى، ويمرها على ظهر كفه اليمنى فإذا بلغ الكوع ضم أطراف أصابعه إلى حرف الذراع ويمرها على المرفق، ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع، فيمرها عليه رافعًا إبهامه فإذا بلغ الكوع أمر إبهام اليسرى على إبهام اليمنى، ثم يفعل باليسرى كذلك، ثم يمسح إحدى الراحتين بالأخرى، ويخلل بين أصابعه (¬3). رابعًا: الحنابلة: يضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع ضربة واحدة، فيمسح وجهه بباطن أصابعه، وكفيه بباطن راحتيه (¬4). ¬
الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو أن يقال أن صفة المسح هي: أن يضرب المتيمم بيديه الأرض ضربة واحدة بلا تفريج للأصابع، ويمسح الوجه بالكفين، ثم يمسح الكفين بعضهما ببعض، وكيفما مسح أجزأه وحصل المقصود. وأسباب ترجيح هذه الصفة ما يلي: أن هذه الصفة هي الموافقة لما جاء في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث عمار الثابت في الصحيحين. أن ماذكره الفقهاء من تخصيص مسح الوجه واليدين بصفة معينة مخالف لما جاءت به الأدلة الشرعية، حيث لم يأت دليل شرعي يدل على ما ذكروه من صفة المسح، بل وقد نص بعض الفقهاء من كل مذهب على أن ما ذكروه من صفة المسح هو خلاف ما جاءت به السنة. قال النووي: «قال الرافعي: وزعم بعضهم أن هذه الكيفية منقولة عن فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وليس هذا بشيء، قال أصحابنا: كيف أوصل التراب إلى وجهه واليدين بضربتين فأكثر بيده أو خرقة أو خشبة جاز، ونص عليه في الأم» (¬1). وقال ابن تيمية: «وما ذكره بعض الأصحاب، من أنه يجعل الأصابع للوجه، وبطون الراحتين لظهور الكفين، خلاف ما جاءت به الأحاديث، وليس في كلام أحمد ما يدل عليه، وهو متعسر أو متعذر وهو بدعة لا أصل لها في الشرع» (¬2). ¬
وكذلك ذكر العيني من الحنفية، والقرافي (¬1) من المالكية بأن هذه الصفة ـ أي صفة المسح عند الحنفية والمالكية ـ لم ترد في السنة (¬2). فإذا لم يذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى على ما ذهبوا إليه دليلًا من كتاب الله أو سنة، فإن قولهم حينئذ يكون مردودًا؛ لأن المسح عبادة، والعبادة توقيفية تحتاج إلى دليل. أن إطلاق مسح الوجه واليدين دون تخصيص المسح بكيفية معينة هو الموافق ليسر الشريعة ورفع الحرج، بخلاف ما ذكره الفقهاء من تخصيص المسح بصفة معينة، فإن فيها من التكليف والحرج ما يخالف نفي الحرج في قوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6]. ¬
المبحث السابع حكم التيمم من غير ضرب
المبحث السابع حكم التيمم من غير ضرب وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: ... حكم ضرب الأرض باليد. المطلب الثاني: ... حكم من وصل التراب إلى وجهه ويديه من غير ضرب. المطلب الثالث: حكم التمعك في التراب بنية التيمم.
المطلب الأول حكم ضرب الأرض باليد
المطلب الأول حكم ضرب الأرض باليد اختلف الفقهاء في حكم من وضع يديه على الأرض بدون ضرب، فهل يجب ضرب الأرض باليدين أم لا؟ وذلك على قولين (¬1): القول الأول: أنه لا يحب ضرب الأرض باليدين، بل لو وضع يديه على الأرض بدون ضرب صح تيممه وأجزأه، وهو قول الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. القول الثاني: أن الضرب ركن، فلا يصح التيمم بدون ضرب الأرض، وهو قول للحنفية. أدلة القول الأول: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالمسح فقط، ولم يأمر بضرب الأرض (¬2). ¬
ثانيًا: من المعقول: أن المقصود هو إيصال التراب إلى محل الفرض، فكيفما حصل جاز كالوضوء (¬1). دليل القول الثاني: استدلوا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين» (¬2). وجه الدلالة: دل الحديث على أن الضرب من مسمى التيمم، فلا يصح التيمم إلا به (¬3). المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أنه حديث ضعيف (¬4). الوجه الثاني: على التسليم بصحته، فلا دلالة فيه على أن الضرب من أركان التيمم، وإنما يحمل الحديث على أن الضرب أعم وأبلغ من وضع اليدين على الأرض، أو يكون الحديث خرج مخرج الغالب (¬5). ¬
الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بأنه لا يجب ضرب الأرض باليدين، بل لو وضع يديه على الأرض صح تيممه وأجزأه، وذلك لقوة أدلتهم، في مقابل ضعف دليل القول الثاني بما حصل من مناقشة. مسألة: حكم من أحدث بعد الضرب وقبل المسح: تقدم اختلاف الفقهاء في حكم ضرب الأرض باليد في المسألة السابقة، وأن الراجح هو أنه لا يجب ضرب الأرض باليد. وينبني على الخلاف السابق ما لو ضرب المتيمم الأرض بيديه ثم أحدث قبل مسح وجهه ويديه، فهل يكمل المسح بتلك الضربة أم لابد من إعادة ضرب الأرض مرة أخرى، ثم المسح؟ للفقهاء في هذه المسألة قولان (¬1) (¬2). القول الأول: أنه يبطل تيممه، وعليه إعادة ضرب الأرض، وهو قول للحنفية، والمذهب عند الشافعية، إلا أن الشافعية قالوا: إذا جدد النية قبل وصول التراب للوجه صح تيممه. القول الثاني: أنه لا يبطل تيممه، وليس عليه الإعادة، وهو قول للحنفية. ¬
دليل القول الأول: أنه أحدث بعد ما أتى ببعض التيمم، فكان كمن أحدث في خلال الوضوء بعد غسل بعض الأعضاء (¬1). المناقشة: يمكن مناقشته بالمنع، وذلك لأن المأمور به في التيمم هو مسح الوجه واليدين، وأما ضرب الأرض أو نقل التراب من الأرض إلى العضو الممسوح فليسا من أركان التيمم حتى يقال إن من أحدث بعد الضرب وقبل المسح فقد بطل تيممه كالوضوء، فليس هناك أي دليل يدل على أن الضرب أو النقل من أركان التيمم. دليل القول الثاني: استدلوا بأنه يجزئه تيممه ذلك، قياسًا على من ملأ كفيه ماءً للوضوء، ثم أحدث، ثم استعمله في الوجه فإنه يجزئه (¬2). المناقشة: نوقش بأن المطلوب في الوضوء الغسل لا نقل الماء، وهنا المطلوب نقل التراب (¬3). ¬
الجواب: يمكن أن يجاب بقلب المناقشة فيقال: هذه حجة عليكم لا لكم، وبيان ذلك بأنه إذا كان النقل ليس شرطًا في طهارة الماء، فكذلك النقل ليس شرطًا في طهارة البدل، إذ ليس هناك أي دليل يدل على أن النقل فرض أو شرط في التيمم. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بأنه لا يبطل تيمم من أحدث بعد الضرب وقبل المسح، وذلك لوجاهة ما استدلوا به، في مقابل ضعف دليل القول الثاني بما حصل من مناقشة.
المطلب الثاني حكم من وصل التراب إلى وجهه ويديه من غير ضرب
المطلب الثاني حكم من وصل التراب إلى وجهه ويديه من غير ضرب المقصود بهذه المسألة: لو انتقل التراب إلى الوجه واليدين بغير ضرب، كما لو سفت الريح التراب على وجه المتيمم ويديه فهل يصح تيممه أم لا؟ اتفق الفقهاء على أنه لوسفت الريح على المكلف ترابًا استوعب وجهه ويديه ولم يقصد طهارة التيمم لم يجزئه ذلك بلا خلاف (¬1). واختلفوا فيما لو قصد الريح وصمد لها بنية التيمم، فهل يصح تيممه ويجزئه أم لا؟ على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه لا يصح تيممه، وهو قول المالكية، والصحيح من مذهب الشافعية والحنابلة (¬2). القول الثاني: أنه يصح تيممه إذا مسح وجهه ويديه وإلا فلا، وهو قول الحنفية، واختاره متأخرو الحنابلة (¬3). ¬
القول الثالث: أنه يصح تيممه ويجزئه، وهو قول للشافعية والحنابلة (¬1). دليل القول الأول: استدلوا بقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بقصد الصعيد، والنقل طريقه، فلابد من نقل التراب إلى الوجه واليدين (¬2)، ولا يكفي أن يقف في مهب الريح وينوي التيمم (¬3). المناقشة: نوقش بأن من تعرض لهبوب التراب على أعضاء التيمم مع القصد فقد قصد الصعيد الطيب (¬4). دليل القول الثاني: استدلوا بقوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالمسح، ومرور التراب على الوجه لا يسمى مسحًا (¬5)، فلابد من المسح حتى يتحقق بذلك التيمم على الصفة المشروعة. ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بأن المسح إنما يلزم المتيمم لأن التراب على الأرض فيحتاج أن ينقله منها إلى أعضائه بالضرب عليها بيديه، أما هنا فقد أدت الريح عنه هذا العمل فنقلت التراب إلى أعضائه، فلا يحتاج للمسح. أدلة القول الثالث: 46ـ أنه قد قصد التيمم (¬1). 47ـ القياس على المتوضئ إذا صمد للمطر حتى جرى على أعضائه، فإن ذلك يجزئه، فكذلك المتيمم لو قصد بوقوفه في مهب الريح التيمم أجزأه ذلك (¬2). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثالث القائل بأنه يصح تيمم من قصد الريح وصمد لها بنية التيمم، وذلك لوجاهة ما استدلوا به. ¬
المطلب الثالث حكم التمعك في التراب بنية التيمم
المطلب الثالث حكم التمعك في التراب بنية التيمم اتفق الفقهاء على أنه لو تمعك المتيمم في التراب فأصاب التراب وجهه ويديه ومسحهما به أجزأه إن كان ذلك لعذر كالأقطع وغيره (¬1)، وذلك لأن المقصود قد حصل (¬2). واختلفوا إن كان ذلك بغير عذر فهل يصح تيممه أم لا؟ وذلك على قولين: القول الأول: أنه يصح تيممه، وهو قول الحنفية، والصحيح عند الشافعية، وقول الحنابلة (¬3)؛ وعللوا ذلك بأن الأصل قصد التراب وقد حصل (¬4). القول الثاني: أنه لا يصح تيممه، وهو قول المالكية، ووجه للشافعية (¬5)؛ لأن وضع اليدين على الأرض فرض عند المالكية (¬6)، وأما الشافعية فعللوا ذلك بأنه لم ينقل التراب إلى أعضاء التيمم إنما نقل العضو إليه (¬7). ¬
الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بأنه يصح تيمم من تمعك في التراب بنية التيمم، وذلك لقوة تعليلهم، ولأن قول المالكية يحتاج إلى دليل يدل على أن الوضع من أركان التيمم، فإن المأمور به المسح ليس غير، قال تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. وأما تعليل الشافعية بأنه لم ينقل التراب إلى أعضاء التيمم فيمكن مناقشته بأن النقل قد حصل، وإن لم يكن بواسطة اليد (¬1)، وقد سبق أن ذكرنا أن النقل في الأصل ليس بفرض في التيمم كالوضوء (¬2). ¬
المبحث الثامن حكم تيمم مقطوع اليد أو بعضها
المبحث الثامن حكم تيمم مقطوع اليد أو بعضها اتفق الفقهاء على أنه من قطعت يده وجب عليه مسح ما بقي من الفرض، فإن قطعت يده من الكوع فعلى قول من يرى أن التيمم إلى الكوع فقط قال بمسح موضع القطع، وعلى قول من يرى أن التيمم إلى المرفق قال بمسح ما بقي من القطع. وإن كان القطع من المرفق فعلى القول الأول لا يجب عليه المسح، وأما على القول الثاني فإن كان القطع من المرفق فإنه يجب مسح موضع القطع، وإن كان القطع فوق المرفق فلا يجب المسح (¬1). وكانت أدلة هذا الاتفاق ما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. ثانيًا: من السنة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (¬2). ¬
وجه الدلالة من الآية والحديث: أن من استطاع أن يغسل بعض محل الفرض فإنه يجب عليه ذلك؛ لدخوله تحت قدرته، ويسقط عنه ما عجز عنه. ثالثًا: من المعقول: القياس على الوضوء، فكما أنه إذا قطع من المرفقين في الوضوء غسل ما بقي من محل الفرض فكذلك هاهنا، فإن البدل يأخذ حكم المبدل منه (¬1). ¬
المبحث التاسع حكم مسح الوجه بيد واحدة أو ببعض أصابعه
المبحث التاسع حكم مسح الوجه بيد واحدة أو ببعض أصابعه للفقهاء في هذه المسألة قولان: القول الأول: أنه يجوز مسح الوجه، ولو بإصبع واحدة، وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة (¬1). القول الثاني: أنه يشترط أن يمسح الوجه بجميع اليد أو أكثرها، فلا يجزئ المسح بأقل من ثلاثة أصابع، وهو قول الحنفية (¬2). أدلة القول الأول: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالمسح، ولم يعين آلته (¬3)، فكيف حصل المسح أجزأ. ¬
ثانيًا: من المعقول: أن المقصود هو إيصال التراب إلى محل الفرض، فكيفما حصل جاز (¬1). دليل القول الثاني: استدلوا بقوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالمسح، والأمر بالمسح يقتضي آلة؛ إذ المسح لا يكون إلا بآلة وآلة المسح هي أصابع اليد عادة، وثلاث أصابع اليد أكثر الأصابع، وللأكثر حكم الكل، فصار كأنه نص على الثلاث (¬2). المناقشة: نوقش بالمنع؛ لأن الآية اقتضت المسح بأي طريق كان (¬3). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو قول الجمهور القائل بأنه يجوز مسح الوجه ولو بإصبع واحدة، وذلك لقوة أدلتهم في مقابل ضعف دليل القول الثاني بما حصل من مناقشة. ¬
الفرض الثاني الترتيب
الفرض الثاني الترتيب اتفق الفقهاء على مشروعية الترتيب في التيمم، بأن يمسح وجهه أولاً ثم يديه، واختلفوا في فرضيته، هل هو من فروض التيمم أو من سننه؟ وذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن الترتيب سنة في التيمم مطلقًا، سواء أكان عن حدث أصغر أو أكبر، وهو قول الحنفية، والمالكية، وقول عند الحنابلة (¬1). القول الثاني: أن الترتيب فرض في التيمم مطلقًا، سواء أكان عن حدث أصغر أو أكبر، وهو قول الشافعية (¬2). القول الثالث: أن الترتيب فرض في التيمم عن الحدث الأصغر دون الأكبر، وهو قول الحنابلة (¬3). أدلة القول الأول: استدل القائلون بسنية الترتيب في التيمم مطلقًا، بما يلي: ¬
أولاً: من السنة: حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا»، فضرب بكفه ضربة على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح بهما ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بهما وجهه (¬1). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عطف مسح الوجه على مسح اليدين بـ (ثم) الدالة على الترتيب، فدل ذلك على أنه لا يجب الترتيب فيجوز مسح الوجه ثم اليدين وبالعكس (¬2). المناقشة: يمكن مناقشته بأن الحديث يدل على عدم وجوب الترتيب في الحدث الأكبر دون الأصغر، فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث على سنية الترتيب في التيمم مطلقًا. ثانيًا: من المعقول: القياس على الوضوء، فكما لا يجب الترتيب في الوضوء فكذلك لا يجب في التيمم؛ لأنه بدل عنه، والبدل يأخذ حكم المبدل (¬3). المناقشة: يمكن مناقشته بأن المقيس عليه محل خلاف، فبطل القياس. ¬
دليل القول الثاني: استدل القائلون بفرضية الترتيب في التيمم مطلقًا، بما يلي: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى بدأ بالوجه قبل اليدين فوجب الترتيب بينهما؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «نبدأ بما بدأ الله به» (¬1)، وفي رواية: «ابدأوا بما بدأ الله به» (¬2) بصيغة الأمر (¬3). ¬
المناقشة: نوقش بأن الرواية التي بصيغة الخبر لا حجة فيها؛ لأن غاية ما فيها الدلالة على السنية؛ لأن فعله - صلى الله عليه وسلم - ليس بفرض إلا مع القرينة، ولا قرينة هنا (¬1). وأما الرواية التي بصيغة الأمر فهي شاذة لا حجة فيها؛ لأن الرواية التي بصيغة الخبر أرجح منها؛ لحفظ رواتها وكثرتهم (¬2). أدلة القول الثالث: استدل القائلون بفرضية الترتيب في التيمم عن الحدث الأصغر دون الأكبر، بما يلي: أولاً: من السنة: حديث عمار المتقدم في أدلة القول الأول. ¬
وجه الدلالة: دل الحديث على ترك الترتيب في التيمم عن الحدث الأكبر؛ لأن ما وقع لعمار هو الجنابة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - علّمه ما يشرع لها. ثانيًا: من المعقول: القياس على الوضوء، فكما وجب الترتيب في الوضوء فكذلك يجب في التيمم؛ لأنه بدل عنه، والبدل يأخذ حكم المبدل (¬1). المناقشة: يمكنه مناقشته بأن المقيس عليه محل خلاف، فبطل القياس. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثالث القائل بأن الترتيب فرض في التيمم عن الحدث الأصغر دون الأكبر، وذلك لما يلي: أن الذين نقلوا صفة تيمم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكروا أنه تيمم تيممًا مرتبًا فمسح بوجهه ثم يديه، فدل ذلك على وجوب الترتيب في التيمم عن الحدث الأصغر، بخلاف التيمم عن الحدث الأكبر فقد جاء حديث عمار رضي الله عنه المتقدم دالاً على عدم وجوب الترتيب فيه، فقلنا بعدم الترتيب في التيمم عن الحدث الأكبر لحديث عمار، وبقي الترتيب واجبًا في التيمم من الحدث الأصغر. ¬
أنه قد ثبت اتفاق الفقهاء على أنه لا يجب الترتيب في الغسل بالماء (¬1)، فإذا لم يفترض الترتيب في الأصل وهو الاغتسال بالماء فلأن لا يفترض في بدله وهو التيمم من باب أولى. أن بهذا القول يتم الجمع بين الأدلة، فلا يصار إلى الترجيح. ¬
الفرض الثالث الموالاة
الفرض الثالث الموالاة وفيه تمهيد ومبحثان: المبحث الأول: ... حكم الموالاة بين أعضاء التيمم. المبحث الثاني: ... حكم الموالاة بين التيمم والصلاة.
تمهيد الموالاة في اللغة: المتابعة (¬1)، ولمعرفة ضابط الموالاة بين أعضاء التيمم لابد من الرجوع إلى القدر المذكور في ضابط الموالاة في الوضوء، والضابط في موالاة الوضوء هو: ألا يؤخر المتوضئ غسل عضو حتى يجف الذي قبله في الزمان المعتدل. غير أن التيمم طهارة ترابية لا غسل فيها فكيف نحدد الموالاة فيه؟ تقدر الموالاة في التيمم بقدرها زمنًا في الوضوء، ويقدّر الممسوح مغسولاً، فتكون الموالاة هي: ألا يؤخر المتيمم مسح عضو حتى يجف ما قبله لو كان مغسولاً بزمن معتدل (¬2). فهل الموالاة فرض من فروض التيمم لا يصح التيمم إلا بها أو هي سنة من سنن التيمم؟ ثم هل تجب الموالاة بين التيمم والصلاة أم لا؟ الجواب سيتضح من خلال المبحثين التاليين: ¬
المبحث الأول حكم الموالاة بين أعضاء التيمم
المبحث الأول حكم الموالاة بين أعضاء التيمم اتفق الفقهاء على مشروعية الموالاة بين أعضاء التيمم، واختلفوا في فرضيته، هل هو من فروض التيمم أم من سننه؟ وذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن الموالاة سنة في التيمم مطلقًا، سواء أكان عن حدث أصغر أو أكبر، وهو قول الحنفية، والشافعية، وقول عند الحنابلة (¬1). القول الثاني: أن الموالاة فرض في التيمم مطلقًا، سواء أكان عن حدث أصغر أو أكبر، وهو قول المالكية (¬2). القول الثالث: أن الموالاة فرض في التيمم عن الحدث الأصغر دون الأكبر، وهو قول الحنابلة (¬3). دليل القول الأول: استدلوا بالقياس على الطهارة بالماء، فكما لا تلزم الموالاة في الوضوء والغسل فكذلك لا تلزم في البدل وهو التيمم (¬4). ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بأن المقيس عليه محل خلاف، فبطل القياس (¬1). دليل القول الثاني: استدلوا بالقياس على الطهارة بالماء، فكما تلزم الموالاة في الوضوء والغسل فكذلك في بدله (¬2). المناقشة: يمكن مناقشته بما نوقش به دليل القول الأول. دليل القول الثالث: استدلوا بالقياس على الطهارة بالماء، فكما تلزم الموالاة في الوضوء دون الغسل فكذلك في بدله (¬3). المناقشة: يمكن مناقشته بما نوقش به دليل القول الأول. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثالث القائل بأن الموالاة فرض في الحدث الأصغر دون الأكبر، وذلك لما يلي: ¬
أن القول بوجوب الموالاة في الغسل يحتاج إلى دليل شرعي، وليس هناك أي دليل شرعي يدل على وجوب الموالاة في الغسل، بل المأمور به في الغسل هو غسل البدن، فكيفما غسل فقد قام بما أوجب الله عليه، وإذا لم تجب الموالاة في الغسل فكذلك لا تجب في بدله، بخلاف الوضوء عن الحدث الأصغر فقد ورد في الحديث الصحيح ما يدل على وجوب الموالاة في الوضوء، كما في حديث جابر رضي الله عنه قال: أخبرني عمر بن الخطاب أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ارجع فأحسن وضوءك»، فرجع ثم صلى (¬1). قال القاضي عياض (¬2): «في هذا الحديث دليل على وجوب الموالاة في الوضوء؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أحسن وضوءك» ولم يقل: اغسل ذلك الموضع الذي تركته» (¬3). وإذا وجبت الموالاة في الوضوء فإن التيمم بدل عنه، والبدل يأخذ حكم المبدل. ¬
المبحث الثاني حكم الموالاة بين التيمم والصلاة
المبحث الثاني حكم الموالاة بين التيمم والصلاة للفقهاء في هذه المسألة قولان: القول الأول: أنه لا تجب الموالاة بين التيمم والصلاة، فيجوز للمتيمم أن يتيمم في أول الوقت ويؤخر الصلاة إلى آخر الوقت، وهو ظاهر مذهب الحنفية (¬1)، والمذهب عند الشافعية (¬2)، وظاهر مذهب الحنابلة (¬3). القول الثاني: أنه تجب الموالاة بين التيمم والصلاة، فإن فرق بينهما تفريقًا كثيرًا ـ ولو ناسيًا ـ بطل تيممه، وهو قول المالكية، ووجه للشافعية (¬4). ¬
دليل القول الأول: استدلوا بأن المتيمم إذا تيمم في أول الوقت وأخر الصلاة إلى آخر الوقت صح تيممه؛ لأنه تيمم في وقت يمكنه فعل الصلاة فيه (¬1). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بأنه تجب الموالاة بين التيمم والصلاة، بما يلي: أن التيمم ضعيف مما يقتضي لزوم الموالاة بينه وبين الصلاة (¬2). المناقشة: يمكن مناقشته بالمنع؛ وذلك لأن البدل يأخذ حكم المبدل، فما ثبت للبدل ثبت لمبدله. أن التيمم طهارة ضرورة، فكانت كطهارة المستحاضة يلزمها تعجيل الصلاة عقيب طهارتها (¬3). المناقشة: نُوقش بأنه قياس مع الفارق؛ لأن حدث المستحاضة يتوالى عقيب الطهارة، فبطلت طهارتها بالتأخير، بخلاف التيمم فليس بعده حدث يمنع من التأخير (¬4). ¬
الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بأنه لا تجب الموالاة بين التيمم والصلاة، وذلك لقوة تعليلهم، ولأن القول بالوجوب هو حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي، ولم أجد دليلاً يدل على وجوب الموالاة بين التيمم والصلاة، والأصل عدم الوجوب إلا بدليل.
الباب الخامس سنن التيمم ومكروهاته
الباب الخامس سنن التيمم ومكروهاته وفيه فصلان: الفصل الأول: ... سنن التيمم. الفصل الثاني: ... مكروهات التيمم.
الفصل الأول سنن التيمم
الفصل الأول سنن التيمم وفيه سبعة مباحث: المبحث الأول: ... التسمية. المبحث الثاني: ... تقديم اليد اليمنى على اليسرى. المبحث الثالث: ... استقبال القبلة. المبحث الرابع: ... تخفيف التراب المأخوذ بنفض أو نفخ. المبحث الخامس: ... تفريج الأصابع. المبحث السادس: ... تخليل الأصابع. المبحث السابع: ... سنن أخرى تُستحب في التيمم.
المبحث الأول التسمية
المبحث الأول التسمية اختلف الفقهاء في حكم التسمية عند ابتداء التيمم بناء على اختلافهم في حكمها عند الوضوء، وكان اختلافهم على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن التسمية عند ابتداء التيمم سنة، وهو قول الحنفية، والشافعية، ورواية عند الحنابلة (¬1). القول الثاني: أن التسمية عند ابتداء التيمم فضيلة يندب الإتيان بها، وهو قول المالكية (¬2). القول الثالث: أن التسمية عند ابتداء التيمم واجبة على الذاكر دون الناسي، وهو الصحيح عند الحنابلة (¬3). دليل القول الأول: استدلوا بأن التسمية مستحبة في الوضوء وجميع العبادات، وغيرها من الأفعال حتى عند الجماع، ولذا عقد البخاري في ذلك بابًا في صحيحه فقال: باب التسمية على كل حال وعند الوقاع، واحتج بحديث ابن عباس ¬
رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره» (¬1). فإذا كان حال الوقوع أبعد حال من ذكر الله تعالى، ومع ذلك تسن التسمية فيه، ففي سائر الأحوال من باب أولى (¬2). دليل القول الثاني: استدلوا بأن التسمية لما كانت مندوبة عند الوضوء والغسل، كانت كذلك مندوبة عند التيمم؛ لأنه بدل عنهما، والبدل يأخذ حكم المبدل (¬3). المناقشة: يمكن مناقشته بأن المقيس عليه مختلف فيه، فلا يصح القياس. دليل القول الثالث: استدل القائلون بأن التسمية عند التيمم واجبة على الذاكر دون الناسي بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» (¬4). ¬
وجه الدلالة: دل الحديث على وجوب التسمية في الوضوء، والتيمم خلف عنه، فيثبت فيه ما ثبت في الأصل قياسًا عليه (¬1). المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أنه حديث ضعيف (¬2). الوجه الثاني: على التسليم بصحته، فإنه يجاب عنه بجوابين: الأول: أن المراد بالذكر النية (¬3). الثاني: أنه محمول على نفي الكمال دون الإجزاء (¬4). ¬
الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بأن التسمية عند ابتداء التيمم سنة، وذلك لوجاهة ما استدلوا به، في مقابل ضعف أدلة المخالفين بما حصل من مناقشة.
المبحث الثاني تقديم اليد اليمنى على اليسرى
المبحث الثاني تقديم اليد اليمنى على اليسرى اتفق الفقهاء على استحباب التيامن في التيمم، وهو تقديم اليد اليمنى على اليد اليسرى في المسح، ولو خالف فقدم مسح اليد اليسرى على اليد اليمنى فاته الفضل، وصح تيممه (¬1). واستدلوا على ذلك بما يلي: 48ـ حديث عمار رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا»، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه (¬2). وجه الدلالة: دل الحديث على استحباب التيامن في التيمم. 49ـ حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيمن في تنعله، وترجله وطهوره، وفي شأنه كله» (¬3). ¬
وجه الدلالة: دل الحديث على استحباب التيامن في التيمم؛ لأن قولها: «يعجبه» ظاهر في استحباب ما ذكر من التنعل والترجل والطهور، والتيمم طهور المسلم ما لم يجد الماء. قال النووي: «يستحب البداءة باليمنى في كل ما كان من باب التكريم والزينة والنظافة ونحو ذلك، كلبس النعل، والخف والمداس، والسراويل والكم، وحلق الرأس وترجيله، وقص الشارب ونتف الإبط، والسواك، والاكتحال، وتقليم الأظفار، والوضوء، والغسل، والتيمم، ودخول المسجد، والخروج من الخلاء، ودفع الصدقة وغيرها من أنواع الدفع الحسنة، وتناول الأشياء الحسنة، ونحو ذلك، ويستحب البداءة باليسار في كل ما هو ضد السابق» (¬1). ¬
المبحث الثالث استقبال القبلة
المبحث الثالث استقبال القبلة ذهب فقهاء المالكية والشافعية إلى أنه يستحب للمتيمم أن يستقبل القبلة حال التيمم (¬1)، وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة (¬2). واستدلوا على ذلك بما يلي: أن جهة القبلة أشرف الجهات فاستحب أن يتوجه إليها حال التيمم (¬3). القياس على الوضوء فكما أنه يستحب استقبال القبلة حال الوضوء، فكذا في بدله وهو التيمم (¬4). ¬
المبحث الرابع تخفيف التراب المأخوذ بنفض أو نفخ
المبحث الرابع تخفيف التراب المأخوذ بنفض أو نفخ للفقهاء في هذه المسألة قولان (¬1): القول الأول: أنه يستحب، وهو قول الحنفية والمالكية والشافعية، وحكم بجوازه الحنابلة، إلا أن الشافعية والحنابلة قالوا بذلك إذا كان التراب كثيرًا، وأما إذا كان قليلاً وخاف بالنفخ أن يذهب جميع التراب فإنه لا يجوز ذلك (¬2). القول الثاني: أنه يكره، وهو رواية عند الحنابلة. أدلة القول الأول: استدل القائلون باستحباب النفخ وجوازه، بما يلي: أولاً: من السنة: حديث عمار رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «إنما كان يكفيك هكذا»، فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه (¬3). ¬
وفي رواية: «إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك» (¬1). وجه الدلالة: دل الحديث على استحباب تخفيف التراب المأخوذ بنفض أو نفخ. ثانيًا: من المعقول: أن في تخفيف التراب المأخوذ بالنفض أو النفخ صيانة عن التلويث للوجه الذي يشبه المثلة (¬2) (¬3). أن التخفيف لا يكره ابتداءً، فكذلك دوامًا (¬4). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بكراهة النفخ، بما يلي: أولاً: من الآثار: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا تيمم ضرب بيديه ضربة، فمسح بهما وجهه، ثم ضرب بيديه ضربة أخرى، ثم مسح بهما يديه إلى المرفقين، ولا ينفض يديه من التراب (¬5). ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بأنه حديث موقوف، والموقوف لا يسقط المرفوع. ثانيًا: من المعقول: القياس على الوضوء فكما يكره نفض الماء عن اليدين في الوضوء، فكذا في بدله وهو التيمم (¬1). المناقشة: يمكن مناقشته من وجهين: الوجه الأول: أن قياس التيمم على الوضوء قياس مع الفارق؛ لأن التيمم مبني على التخفيف بخلاف الوضوء فإنه مبني على الإسباغ. الوجه الثاني: أن البدل إنما يقوم مقام المبدل في حكمه لا في صفته. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل باستحباب النفخ، وذلك لقوة أدلتهم، وسلامتها من الاعتراضات القادحة. ¬
المبحث الخامس تفريج الأصابع
المبحث الخامس تفريج الأصابع ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة إلى أنه يستحب للمتيمم أن يفرج أصابع يديه عند ضرب الصعيد (¬1). واستدلوا على ذلك بما يلي: أن في استحباب التفريج زيادة تأثير الضرب في إثارة الغبار (¬2). أن في التفريج مبالغة في التطهير (¬3). وهناك قول لبعض الشافعية بأنه لا يجوز التفريج في الضربة الأولى (¬4)، واستدلوا على ذلك بما يلي: أنه يصير ناقلاً لتراب اليد قبل مسح الوجه، فيكون ماسحًا لجزء من يديه قبل وجهه، وذلك لا يجوز؛ لوجوب الترتيب (¬5). ¬
المناقشة: نوقش بأنه لا بأس بأخذ تراب اليد قبل مسح الوجه؛ لأن الترتيب واجب في المسح لا في أخذ التراب (¬1). أن غبار الضربة الأولى يكون باقيًا بين الأصابع، فيمنع وصول غبار الضربة الثانية إلى البشرة، فيصير كما لو كان على وجهه تراب فنقل إليه ترابًا آخر من غير أن ينفض الأول، فإنه لا يجوز (¬2). المناقشة: نوقش بأنه ليس في تفريج الأصابع في الضربة الأولى إلا حصول تراب غير مستعمل بين أصابعه، فإن فرج في الضربة الثانية حصل فوقه تراب آخر غير مستعمل، فيقع المجموع عن الفرض. ولم يوجب أحد من العلماء على من يريد التيمم أن ينفض الغبار عن وجهه ويديه أولاً، ثم يبتدئ بنقل التراب إليهما، مع العلم بأن المسافر في تقلباته لا يخلو من غبار يغشاه (¬3). الترجيح: ليس فيما ذكر من التعليلات ما يدل على استحباب تفريج الأصابع أو منعه، ولعل الأولى القول بعدم استحباب التفريج، وذلك لما يلي: ¬
أنه لم يثبت دليل من الكتاب ولا من السنة يدل على استحباب التفريج، والاستحباب حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي، فإذا لم يوجد الدليل لم يكن هناك استحباب. أنه لو كانت هذه الصفة مشروعة لذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، ولما أغفل الصحابة رضي الله عنهم عن ذكرها، ولم أقف على أثر صحيح يدل على مشروعية التفريج. أن القول بعدم مشروعية التفريج هو القول الموافق لأدلة التيمم، والأصل عدم المشروعية حتى يرد دليل صحيح يدل على المشروعية.
المبحث السادس تخليل الأصابع
المبحث السادس تخليل (¬1) الأصابع اختلف الفقهاء في حكم تخليل الأصابع عند المسح على اليدين، وذلك على قولين: القول الأول: أن تخليل الأصابع مستحب، وهو رواية عند الحنفية، والمذهب عند الشافعية والحنابلة، إلا أن الشافعية استحبوا التخليل إذا فرّج أصابعه في الضربتين أو في الثانية، وإلا وجب التخليل عندهم (¬2). القول الثاني: أن تخليل الأصابع واجب، وهو مذهب الحنفية والمالكية (¬3). أدلة القول الأول: استدل القائلون باستحباب تخليل الأصابع عند المسح على اليدين بأن التخليل يسن في الوضوء فكذلك في التيمم لكونه بدلاً عنه، والبدل يأخذ حكم المبدل (¬4). ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بأن قياس التيمم على الوضوء قياس مع الفارق؛ لأن التيمم مبني على التخفيف بخلاف الوضوء فإنه مبني على الإسباغ. أدلة القول الثاني: استدل القائلون بوجوب تخليل الأصابع عند المسح على اليدين بأن تخليل الأصابع في التيمم أولى من الوضوء؛ لبلوغ الماء ما لا يبلغه التراب (¬1). المناقشة: يمكن مناقشته بأن القول بوجوب تخليل أصابع اليدين لا يناسب طهارة المسح المبنية على التخفيف، فطهارة التيمم مبنية على اليسر والسهولة والقول بالوجوب ينافي الحكمة من مشروعية التيمم. الترجيح: يظهر لي ـ والله أعلم ـ أن الأولى هو القول بعدم مشروعية تخليل الأصابع، فضلاً عن أن يكون التخليل واجبًا، وذلك لما يلي: أن آية التيمم في كتاب الله سبحانه وتعالى، وأحاديث التيمم التي نقلت لنا في كتب السنة لم تذكر التخليل، ولو كانت هذه الصفة مشروعة لذكرها الله في كتابه ولفعلها - صلى الله عليه وسلم - وأرشد إليها، فالقول بعدم المشروعية هو الموافق لما جاء في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. ¬
أن هذه الصفة لو كانت مشروعة لفعلها الصحابة رضي الله عنهم ونقلت لنا، ولم أقف على أثر صحيح يدل على مشروعية تخليل الأصابع. ضعف أدلة القائلين بالوجوب أو الاستحباب بما حصل من مناقشة.
المبحث السابع سنن أخرى تستحب في التيمم
المبحث السابع سنن أخرى تستحب في التيمم قد ذكر بعض الفقهاء سننًا أخرى تستحب في التيمم غير ما ذكر، منها ما يلي: ذكر فقهاء الحنفية أنه يستحب إقبال اليدين وإدبارهما حال الضرب، وذلك مبالغة في إيصال التراب إلى أثناء الأصابع (¬1). وقال فقهاء المالكية: يستحب الصمت أثناء التيمم إلا عن ذكر الله (¬2)، واستحبوا أيضًا نقل أثر الضرب من الغبار إلى الممسوح وذلك بأن لا يمسح على شيء قبل مسح الوجه واليدين، فإن مسح بشيء قبل ذلك كره وأجزأ التيمم (¬3). وقال فقهاء الشافعية: يستحب البداءة بأعلى الوجه حين المسح (¬4)، واستحبوا أيضًا أن يديم يده على العضو لا يرفعها حتى يفرغ من مسحه (¬5). قلت: لعل الأولى القول بعدم استحباب ما ذكره الفقهاء مما سبق، وذلك لأن الاستحباب حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي، ولم أقف على دليل يدل على استحباب ما ذكروه، والله أعلم. ¬
الفصل الثاني مكروهات التيمم
الفصل الثاني مكروهات التيمم وفيه مبحثان: المبحث الأول: ... تجديد التيمم. المبحث الثاني: ... تكرار المسح.
المبحث الأول تجديد التيمم
المبحث الأول تجديد التيمم قال النووي: «ويتصور تجديد التيمم في حق المريض والجريح ونحوهما ممن يتيمم مع وجود الماء إذا تيمم وصلى فرضًا ثم أراد نافلة، ويتصور في حق من لا يتيمم إلا مع عدم الماء إذا تيمم وصلى فرضًا ولم يفارق موضعه» (¬1). وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: أنه لا يستحب تجديد التيمم، وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬2). واستدلوا على ذلك بما يلي: أنه لم ينقل في ذلك سنة، وليس فيه تنظيف (¬3). أن التيمم ليس مقصودًا لذاته، وإنما يؤتى به عند الحاجة، وهي فقد الماء أو عدم القدرة على استعماله، فلا يجعل مقصودًا كالوضوء (¬4). القول الثاني: أنه يستحب تجديد التيمم، وهو وجه للشافعية (¬5). ¬
واستدلوا على ذلك بالقياس على الوضوء، فكما يستحب تجديد الوضوء فكذا في بدله وهو التيمم (¬1). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بأنه لا يستحب تجديد التيمم، وذلك لقوة ما استدلوا به. ¬
المبحث الثاني تكرار المسح
المبحث الثاني تكرار المسح اختلف الفقهاء في حكم الزيادة على مسحة واحدة لكل من الوجه واليدين في التيمم، على قولين: القول الأول: أنه لا يستحب تكرار المسح للمتيمم، وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬1). القول الثاني: أنه يستحب تكرار المسح للمتيمم، وهو وجه ضعيف للشافعية (¬2). أدلة القول الأول: استدل القائلون بأنه لا يستحب تكرار المسح للمتيمم، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن ظاهر الآية الكريمة يدل على وجوب مسح الوجه واليدين دون تكرار في ذلك (¬3). ¬
ثالثًا: من السنة: حديث عمار رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «إنما يكفيك هكذا»، ومسح وجهه وكفيه واحدة (¬1). وجه الدلالة: أن تأكيد الراوي على المرة بقوله: «واحدة» يدل على عدم استحباب التكرار في التيمم (¬2). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بأنه يستحب تكرار المسح للمتيمم بالقياس على الوضوء، فكما يستحب في الوضوء التكرار فكذا في بدله وهو التيمم (¬3). المناقشة: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن السنة فرقت بينهما (¬4)، كما في حديث عمار المتقدم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح وجهه وكفيه واحدة. ¬
الوجه الثاني: أن في تكرار الغسل زيادة تنظيف بخلاف التيمم (¬1). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بأنه لا يستحب تكرار المسح للمتيمم، وذلك لما يلي: قوة الأدلة وسلامتها من المعارضة. صراحة دلالة السنة الصحيحة على عدم تكرار المسح. أن التيمم مبني على التخفيف، والقول بتكرار المسح يستلزم نفي ذلك، فلا يستحب. ¬
الباب السادس مبطلات التيمم وفاقد الطهورين
الباب السادس مبطلات التيمم وفاقد الطهورين وفيه فصلان: الفصل الأول: ... مبطلات التيمم. الفصل الثاني: ... فاقد الطهورين.
الفصل الأول مبطلات التيمم
الفصل الأول مبطلات التيمم وفيه سبعة مباحث: المبحث الأول: ... مبطلات الوضوء. المبحث الثاني: ... وجود الماء. المبحث الثالث: ... خروج وقت الصلاة. المبحث الرابع: ... زوال العذر المبيح للتيمم. المبحث الخامس: ... الردة عن الإسلام. المبحث السادس: ... الفصل الطويل بين التيمم والصلاة. المبحث السابع: ... خلع ما يجوز المسح عليه.
المبحث الأول مبطلات الوضوء
المبحث الأول مبطلات الوضوء مبطلات: جمع مبطل، وهو اسم فاعل من أبطل الشيء يبطله إبطالاً، ومعناه: أفسده، أو أسقط حكمه (¬1)، والمراد بمبطلات التيمم: الأمور التي يبطل بها التيمم، أو يسقط حكمه بسببها. وقد اتفق الفقهاء على أن كل ما ينقض الوضوء (¬2) أو الغسل (¬3) فإنه ينقض ¬
التيمم (¬1)، واستدلوا على ذلك بما يلي: أولاً: من السنة: حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين»، وفي رواية: «إن الصعيد الطيب وضوء المسلم ...» الحديث (¬2). وجه الدلالة: دل الحديث على أن التيمم بدل عن الوضوء والغسل، وكل منهما أصل للتيمم، فإذا حدث ما يبطل الأصل فإن البدل يبطل من باب أولى. ¬
ثانيًا: الإجماع: نقل ابن حزم الإجماع على انتقاض التيمم بما ينتقض به الوضوء، فقال: «وكل حدث ينقض الوضوء فإنه ينقض التيمم، هذا مما لا خلاف فيه من أحد من أهل الإسلام» (¬1). ¬
المبحث الثاني وجود الماء
المبحث الثاني وجود الماء وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: ... وجود الماء قبل الصلاة. المطلب الثاني: ... وجود الماء أثناء الصلاة. المطلب الثالث: ... وجود الماء بعد الصلاة.
المطلب الأول وجود الماء قبل الصلاة
المطلب الأول وجود الماء قبل الصلاة اتفق الفقهاء على أن من تيمم، ثم وجد الماء قبل شروعه في الصلاة، بطل تيممه، وعليه أن يستعمل الماء (¬1)، واستدلوا على ذلك بما يلي: أولاً: من السنة: حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير» (¬2). وجه الدلالة: دل الحديث على أن الصعيد الطيب وضوء المسلم إلى غاية وجود الماء، والممدود إلى غاية ينتهي عند وجودها (¬3). ثانيًا: الإجماع: أجمع الفقهاء على أنه يبطل التيمم بوجود الماء قبل الدخول في الصلاة، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم (¬4). ¬
قال ابن المنذر: «وأجمعوا على أن من تيمم كما أمر، ثم وجد الماء قبل دخوله في الصلاة، أن طهارته تنقض، وعليه أن يعيد الطهارة ويصلي» (¬1). وقال الوزير بن هبيرة: «وأجمعوا على أن المحدث إذا تيمم ثم وجد الماء قبل الدخول في الصلاة أنه يبطل تيممه، ويلزمه استعمال الماء قبل الدخول» (¬2). ثالثًا: من المعقول: أن التيمم بدل من مبدل يراد لغيره، فإذا وجد المبدل قبل التلبس بالمقصود وجب الرجوع إليه، كوجود النص قبل إنفاذ الحكم بالقياس المخالف له (¬3). ¬
المطلب الثاني وجود الماء أثناء الصلاة
المطلب الثاني وجود الماء أثناء الصلاة إذا تيمم المصلي لعدم الماء وشرع في الصلاة، ثم وجد الماء في أثنائها، فهل يبطل تيممه ويلزمه استعمال الماء أم لا؟ للفقهاء في هذه المسألة قولان: القول الأول: أنه يبطل تيممه، وعليه أن يقطع صلاته ويستعمل الماء، وهو قول الحنفية، والشافعية إذا كان الفاقد ممن تلزمه الإعادة (¬1)، وقول الحنابلة (¬2). القول الثاني: أنه لا يبطل تيممه، بل يمضي في صلاته ولا يقطعها، وهو قول المالكية، والشافعية إذا كان الفاقد ممن لا تلزمه الإعادة، ورواية عند الحنابلة (¬3). ¬
أدلة القول الأول: استدل القائلون ببطلان التيمم والصلاة لمن وجد الماء في أثناء الصلاة، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى اشترط لطهارة التيمم عدم الماء، وقد وجد هنا فبطلت الطهارة، وإذا بطلت بطلت الصلاة (¬1). ثانيًا: من السنة: حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير» (¬2). وجه الدلالة: دل الحديث بمفهومه على أن التيمم لا يكون طهورًا عند وجود الماء، ودل بمنطوقه على وجوب استعمال الماء عند وجوده (¬3). ¬
المناقشة: نوقش استدلالهم بالآية والحديث بأنهما محمولان على واجد الماء قبل الدخول في الصلاة (¬1). ثالثًا: من المعقول: 50ـ أن التراب بدل عن الماء، فإذا وجد الماء خلال الصلاة فقد قدر على الأصل قبل حصول المقصود، والمبدل يبطل حكم البدل، فتعلق الحكم بالأصل (¬2). 51ـ أن ما أبطل الطهارة خارج الصلاة أبطلها فيها كالحدث (¬3). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بعدم بطلان التيمم والصلاة لمن وجد الماء أثناء الصلاة، بما يلي: أولاً: من السنة: حديث عبد الله بن زيد (¬4) رضي الله عنه قال: شكي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل يخيل (¬5) إليه الشيء في الصلاة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا» (¬6). ¬
وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قطع الصلاة بأي حال إلا بخروج الحدث المتيقن، ووجود الماء أثناء الصلاة ليس بحدث (¬1). المناقشة: نوقش استدلالهم بالحديث بأنه ليس بشيء؛ لأن معنى الحديث إذا خيل إليه بشيء فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا، فليس في الحديث تعرض لغير التخييل (¬2). ثانيًا: من المعقول: أنه غير قادر على استعمال الماء؛ لأن قدرته تتوقف على إبطال الصلاة، وهو منهي عن إبطالها بقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] (¬3). المناقشة من وجهين (¬4): الوجه الأول: أن القول بأنه غير قادر لا يصح؛ لأن الماء قريب، وآلته صحيحة، والموانع منتفية. ¬
الوجه الثاني: أن القول بأنه منهي عن إبطال الصلاة غير مسلم؛ لأنه لا يحتاج إلى إبطال الصلاة، بل هي تبطل بزوال الطهارة. أن المتيمم وجد المبدل بعد التلبس بمقصود البدل، فلم يلزمه الخروج، كما لو وجد الرقبة بعد التلبس بالصيام (¬1). المناقشة: نوقش بأن القياس غير صحيح؛ لأن الصوم هو البدل نفسه، فنظيره إذا قدر على الماء بعد تيممه، ولا خلاف في بطلانه، ثم الفرق بينهما: أن مدة الصيام تطول فيشق الخروج منه؛ لما فيه من الجمع بين فرضين شاقين بخلاف مسألتنا (¬2). أن المتيمم قد دخل في الصلاة كما أمر، فلا يجوز له أن ينقضها إلا بنص أو إجماع (¬3). المناقشة: نوقش بأنه قد ثبت الاتفاق على أن وجود الماء يبطل التيمم، فهو مأمور باستعمال الماء حين وجوده في الصلاة، وغير الصلاة (¬4). أن رؤية الماء ليست حدثًا يقطع الصلاة؛ لأن هذا المصلي مأذون له في الدخول فيها بالتيمم، والأصل بقاء ذلك الإذن، فلا يجوز له قطعها (¬5). ¬
المناقشة: نوقش بأن وجود الماء لما كان مانعًا من صحة الابتداء وجب أن يمنع البقاء، كالحدث لما منع الابتداء منع البقاء (¬1). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل ببطلان التيمم والصلاة لمن وجد الماء في أثناء الصلاة، وذلك لقوة أدلتهم، ولأنه أمر غير مناسب للشرع أن يوجد شيء واحد لا ينقض الطهارة في الصلاة، وينقضها في غير الصلاة (¬2). ¬
المطلب الثالث وجود الماء بعد الصلاة
المطلب الثالث وجود الماء بعد الصلاة أجمع الفقهاء على أن من صلى بالتيمم، ثم وجد الماء بعد خروج الوقت، فلا إعادة عليه (¬1)، قال ابن المنذر: «وأجمعوا على أن من تيمم وصلى ثم وجد الماء بعد خروج الوقت، أن لا إعادة عليه» (¬2). واتفق فقهاء المذاهب الأربعة على أن من صلى بالتيمم، ثم وجد الماء قبل خروج الوقت، فلا إعادة عليه، إلا أن الشافعية فرقوا بين الحضر والسفر، فأوجبوا الإعادة في الحضر دون السفر (¬3). واستدل الفقهاء على عدم الإعادة، بما يلي: أولاً: من السنة: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة، وليس معهما ماء، فتيمما وصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرا ¬
ذلك له، فقال للذي لم يعد: «أصبت السنة وأجزأتك صلاتك»، وقال للذي توضأ وأعاد: «لك الأجر مرتين» (¬1). وجه الدلالة: دل الحديث على أفضلية عدم إعادة الصلاة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أصبت السنة» (¬2)، والأخذ بالسنة أفضل من تركها. ثانيًا: من الأثر: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أقبل من الجرف حتى إذا كان بالمربد تيمم، فمسح وجهه ويديه، وصلى العصر، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد الصلاة (¬3). ثالثًا: من المعقول: أن المتيمم أدى فرضه كما أمر فلم يلزمه الإعادة، كما لو وجد الماء بعد الوقت (¬4). أن عدم الماء عذر معتاد، فإذا تيمم معه يجب أن يسقط فرض الصلاة كالمرض (¬5). ¬
وأما تقسيم الشافعية فهو مبني على القول بوجوب الإعادة على المتيمم في الحضر؛ لأن فقد الماء في الحضر عذر نادر، وقد تقدم مناقشة هذا القول وبيان ضعفه (¬1). ¬
المبحث الثالث خروج وقت الصلاة
المبحث الثالث خروج وقت الصلاة اختلف الفقهاء في بطلان التيمم بخروج وقت الصلاة على قولين: القول الأول: أن التيمم يبطل بخروج الوقت، وهو قول المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬1). القول الثاني: أن التيمم لا يبطل بخروج الوقت، وهو قول الحنفية، ورواية عند الحنابلة (¬2). سبب الخلاف: أصل الاختلاف في هذه المسألة مبني على الاختلاف في التيمم، هل هو رافع للحدث أم مبيح؟ فمن رأى بأن التيمم لا يرفع الحدث قال ببطلان التيمم بخروج وقت الصلاة، ومن رأى بأن التيمم رافع للحدث قال بعدم البطلان. وقد تقدم بحث مسألة: هل التيمم يرفع الحدث أم لا؟ (¬3) وأن الراجح أن التيمم كالوضوء في رفع الحدث. ¬
وتقدم أيضًا بحث هذه المسألة ـ بطلان التيمم بخروج الوقت ـ في مطلب: إذا نوى بتيممه فريضة، فهل يصلي به أكثر من فريضة؟ (¬1) حيث إن المالكية والشافعية أوجبوا التيمم لكل صلاة، وأما الحنابلة فأوجبوا التيمم لوقت كل صلاة ما لم يخرج الوقت، وذكرنا أن الراجح هو قول الحنفية القائل بأن المتيمم يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من الفرائض والنوافل ما لم يجد الماء أو يحدث. ¬
المبحث الرابع زوال العذر المبيح للتيمم
المبحث الرابع زوال العذر المبيح للتيمم اتفق الفقهاء على بطلان التيمم بزوال العذر المبيح له كذهاب عدو يخاف منه، وشفاء مريض من مرضه، ووجود آلة يستقي بها الماء، ونحو ذلك مما يجعل الإنسان قادرًا على استعمال الماء بعد أن كان معذورًا بعدم القدرة على استعماله (¬1). وعللوا ذلك بأن ما جاز لعذر بطل بزواله (¬2). ¬
المبحث الخامس الردة عن الإسلام
المبحث الخامس الردة عن الإسلام الردة: هي قطع الإسلام بنية أو قول أو فعل مكفر (¬1). إذا تيمم المسلم ثم ارتد عن الإسلام ـ والعياذ بالله ـ ثم أسلم، فهل يبطل تيممه أم لا؟ للفقهاء في هذه المسألة قولان (¬2): القول الأول: أنه يبطل تيممه، وهو قول زفر من الحنفية، ومذهب المالكية، والأصح عند الشافعية، ومذهب الحنابلة. القول الثاني: أنه لا يبطل تيممه، وهو مذهب الحنفية، ووجه للشافعية. أدلة القول الأول: استدل القائلون بأنه يبطل التيمم بالردة، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أخبر أن الشرك يحبط العمل، والطهارة عمل، فيجب ¬
أن تحبط بالشرك (¬1). المناقشة: نوقش بأن الردة تحبط ثواب العمل، وذلك لا يمنع زوال الحدث كمن توضأ رياء، فإن الحدث يزول به وإن كان لا يثاب على وضوئه (¬2). ثانيًا: من الآثار: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «الحدث حدثان: حدث اللسان، وحدث الفرج، وأشدهما حدث اللسان» (¬3). وجه الدلالة: دل الأثر على أن الردة تعتبر حدثًا، والحدث يبطل الطهارة (¬4). ثالثًا: من المعقول: أن الطهارة عبادة لا تصح مع الردة ابتداء، فلا تبقى معها دوامًا كالصلاة (¬5). ¬
المناقشة: يمكن مناقشته بأن الردة وقعت بعد فراغ العبادة فلم تبطلها، كالصوم والصلاة بعد الفراغ منها (¬1). أدلة القول الثاني: استدل القائلون بأنه لا يبطل التيمم بالردة، بما يلي: أن التيمم لا يبطله إلا الحدث أو وجود الماء، والردة ليست واحدة منهما (¬2). أن التيمم وقع طهارة صحيحة، فلا يبطل بالردة كالوضوء (¬3). المناقشة: يمكن مناقشته بأن المقيس عليه مختلف فيه (¬4)، فبطل القياس. ¬
الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بأنه لا يبطل التيمم بالردة، وذلك لوجاهة ما استدلوا به، في مقابل ضعف أدلة القول الأول بما حصل من مناقشة.
المبحث السادس الفصل الطويل بين التيمم والصلاة
المبحث السادس الفصل الطويل بين التيمم والصلاة اختلف الفقهاء في الفصل الطويل بين التيمم والصلاة هل يبطل التيمم أم لا؟ وذلك على قولين: القول الأول: أنه لا يبطل التيمم، وهو قول جمهور الفقهاء. القول الثاني: أنه يبطل التيمم، وهو قول المالكية. وقد تقدم بحث هذه المسألة في مبحث: حكم الموالاة بين التيمم والصلاة (¬1)، فأغنى عن إعادته هنا. ¬
المبحث السابع خلع ما يجوز المسح عليه
المبحث السابع خلع ما يجوز المسح عليه إذا تيمم الشخص وعليه خفان أو عمامة لبسهما على طهارة مائية، ثم خلع ذلك بعد أن تيمم، فهل يبطل تيممه أم لا؟ للفقهاء في هذه المسألة قولان (¬1): القول الأول: أن ذلك لا يبطل التيمم، وهو ظاهر مذهب الحنفية (¬2)، والمذهب عند المالكية والشافعية، وقول عند الحنابلة. القول الثاني: أن ذلك يبطل التيمم، وهو مذهب الحنابلة، ومن مفردات المذهب الحنبلي (¬3). ¬
أدلة القول الأول: استدل القائلون بأنه لا يبطل التيمم إذا خلع ما يجوز المسح عليه، بما يلي: أن التيمم طهارة لم يمسح فيها على الخفين، فلا تبطل هذه الطهارة بنزع الخف، كطهارة الماء (¬1). والمقصود بهذا الدليل: قياس نزع الخف في مسألة التيمم على نزعه في الوضوء بجامع أن كلا منهما نزع لخف لم يمسح عليه في تلك الطهارة. أنه لو كان الخف الملبوس لا يجوز المسح عليه فإن الطهارة لا تبطل بنزعه، فكذلك هاهنا (¬2). أنه لو لبس عمامة ومسح على رأسه من تحتها ثم نزعها فإن طهارته لا تبطل بنزعها فكذلك هاهنا (¬3). أدلة القول الثاني: استدلوا على بطلان التيمم بأن خلع الخف من مبطلات الوضوء، وما أبطل الوضوء أبطل التيمم (¬4). ¬
المناقشة: نوقش بأن الذي يبطل الوضوء هو نزع الخف الممسوح عليه في ذلك الوضوء، وذلك غير موجود في التيمم (¬1). الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بأنه لا يبطل التيمم إذا خلع ما يمسح عليه، وذلك لما يلي: لقوة أدلتهم، وإفادتها المراد، وسلامتها من الاعتراضات القادحة. ضعف دليل القول الثاني بما حصل من مناقشة. أنه لم يثبت دليل شرعي يدل على بطلان طهارة التيمم بخلع ما يجوز المسح عليه، والأصل عدم البطلان حتى يرد دليل صحيح يدل على البطلان. ¬
الفصل الثاني فاقد الطهورين
الفصل الثاني فاقد الطهورين وفيه تمهيد ومبحثان: المبحث الأول: ... حكم صلاة فاقد الطهورين. المبحث الثاني: ... صفة صلاة فاقد الطهورين.
تمهيد المراد بفاقد الطهورين: هو الشخص الذي لا يجد لطهوره ماء، ولا صعيدًا طيبًا. وقد اعتنى العلماء رحمهم الله بهذه المسألة، وبينوا حكمها في كتبهم، والسبب في ذلك ممتد من عظم شأن ما تتعلق به هذه المسألة، وهي: الصلاة التي هي ركن من أركان هذا الدين، والتي هي العهد الذي بين العبد وربه، فاعتنوا بهذه المسألة لما ينبني عليها من أحكام من حيث صحة صلاة العبد وفسادها. وأيضًا لما في هذه المسألة من الحرج والضيق على الشخص، حيث إنه مأمور بتأدية ما أوجب الله عليه من الطهارة والصلاة، فهل يصلي على حالته أم يترك الصلاة لفقد شرطها؟ وإذا صلى على حاله فهل يصلي كما يصلي المتطهر أم لا؟ الجواب سيتضح ـ إن شاء الله ـ من خلال المبحثين التاليين:
المبحث الأول حكم صلاة فاقد الطهورين
المبحث الأول حكم صلاة فاقد الطهورين إذا فقد المحدث الطهورين كأن يُحبس في موضع ليس فيه واحد منهما، أو حبس في موضع نجس وليس لديه ماء، أو كان لديه ماء يحتاج إليه لعطش، وكالمصلوب على خشبة ونحوها، وكمن كان في سفينة ولا يستطيع الوصول إلى الماء، وكمن كان على دابته ويخاف على نفسه إن نزل منها (¬1)، ونحو ذلك من الصور التي لا يستطيع الشخص استعمال الطهورين فيها، فهل يصلي بدون طهارة أم تسقط عنه الصلاة؟ للفقهاء في هذه المسألة أربعة أقوال: القول الأول: أنه لا يصلي على حاله، بل يقضي إذا وجد أحد الطهورين، وهو قول أبي حنيفة، وأصبغ (¬2) من المالكية، وقول للشافعية (هو قول قديم للشافعي) (¬3). ¬
القول الثاني: أنه يصلي على حسب حاله، ويجب عليه الإعادة إذا وجد أحد الطهورين، وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية، وابن القاسم (¬1) من المالكية، والصحيح عند الشافعية (هو قول الإمام الشافعي في الجديد)، ورواية عند الحنابلة (¬2). القول الثالث: أنه يصلي في الحال، وليس عليه إعادة، وهو قول أشهب (¬3) من المالكية، وقول للشافعية (هو قول قديم للشافعي) واختاره المزني، وهو مذهب الحنابلة (¬4). ¬
القول الرابع: أنه لا يصلي على حاله ولا يقضي، وهو مذهب المالكية (¬1). أدلة القول الأول: استدل القائلون بأن فاقد الطهورين لا يصلي حتى يجد أحد الطهورين فيقضي، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى نهى عن قربان الصلاة إلا بطهارة، فدل على أنه لا يجوز الدخول فيها بالحدث. ثانيًا: من السنة: حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقبل صلاة بغير طهور» (¬2). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى القبول عن الصلاة التي تؤدى بغير طهارة، وما لا يقبل لا يشرع فعله (¬3). ¬
المناقشة: نوقش استدلالهم بالآية والحديث بأنهما محمولان على من قدر على الطهارة بالماء أو التراب، لا على من لا يقدر على الطهارة (¬1). ثالثًا: من المعقول: أن عدم الطهارة أصلاً وبدلاً يمنع من انعقاد الصلاة، كالحائض (¬2). المناقشة: نوقش بأن الحائض مكلفة بترك الصلاة، لا طريق لها إلى فعلها ولو وجدت الطهور، وهذا بخلافها (¬3). أن الصلاة عبادة لا يسقط قضاؤها، فلم تكن واجبة عند العجز عن الطهارة، كصيام الحائض (¬4). المناقشة: نوقش بأنه قياس لا يصح؛ لأن الصوم يدخله التأخير بخلاف الصلاة، بدليل أن المسافر يؤخر الصوم دون الصلاة (¬5). ¬
أدلة القول الثاني: استدل القائلون بأن فاقد الطهورين يصلي ويعيد، بمايلي: أولاً: من السنة: حديث عائشة رضي الله عنها: «أنها استعارت من أسماء (¬1) قلادة فهلكت (¬2)، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً (¬3) فوجدها، فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء، فصلوا، فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله آية التيمم» (¬4). وجه الدلالة: دل الحديث على وجوب الصلاة لفاقد الطهورين، وذلك لأنهم صلوا معتقدين وجوب ذلك، ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان هذا شرعًا عامًا حتى يرد الدليل الرافع له (¬5). ¬
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» (¬1). وجه الدلالة: أن العجز عن الطهارة لا يبيح ترك الصلاة؛ لأنه مأمور بالصلاة بشروطها، فمتى عجز عن بعضها أتى بما قدر عليه منها (¬2). واستدلوا على وجوب الإعادة بما يلي: أولاً: من السنة: حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقبل صلاة بغير طهور» (¬3). وجه الدلالة: دل الحديث على أن الصلاة بغير طهارة غير مقبولة، وإذا كانت غير مقبولة فلابد من إعادتها. المناقشة: نوقش هذا الدليل بما نوقش به دليل الكتاب والسنة من أدلة القول الأول. ¬
ثانيًا: من المعقول: أن العجز عن الطهارة عذر نادر غير متصل، فلم تسقط الإعادة، كمن صلى محدثًا ناسيًا، فإنه يلزمه الإعادة (¬1). المناقشة من وجهين: الوجه الأول: أنكم إذا أوجبتم عليه الإعادة إذا قدر على الماء أو التيمم، لم يكن أمركم إياه بالصلاة معنى (¬2). الوجه الثاني: أن القياس على إعادة صلاة من صلى محدثًا لا يصح؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن من صلى محدثًا ناسيًا حدثه لم يكن مأمورًا بتلك الصلاة، وإنما أمره الله أن يصلي بالطهارة، فإذا صلى بغير طهارة كان عليه الإعادة، بخلاف العاجز عن الطهارة فإنه فعل كما أمر وبما قدر عليه، فلم تلزمه الإعادة (¬3). أدلة القول الثالث: استدل القائلون بأن فاقد الطهورين يصلي ولا يعيد، بما يلي: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. ¬
ثانيًا: من السنة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق وفيه: «... وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» (¬1). وجه الدلالة: هذه النصوص تدل على أنه لا يكلف المرء في العبادة إلا ما استطاعه، وأن ما لم يستطعه لا يكلف به (¬2)، وفاقد الطهورين لا يستطيع الصلاة إلا بتلك الحال، فوجب عليه ذلك. حديث عائشة رضي الله عنها السابق وفيه: «... فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء، فصلوا، فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله آية التيمم» (¬3). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمرهم بإعادة ما صلوه مع الحدث، بل ولا أنكر صنيعهم، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز (¬4). المناقشة: نوقش بأن الإعادة لا تجب على الفور، فلم يتأخر البيان عن وقت الحاجة (¬5). ¬
الجواب من وجهين: الوجه الأول: أن هذا التعقيب ليس بجيد، والصواب وجوب الإعادة على الفور عند وجود مقتضيها، فلما لم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة دل على عدم وجوبها (¬1). الوجه الثاني: أنه على التسليم بصحة ما قالوه، فإنه لابد من دليل آخر يدل على وجوب الإعادة، فالإعادة إنما تجب بأمر جديد، ولم يثبت الأمر، والأصل عدمه، فلا تجب الإعادة (¬2). ثالثًا: من المعقول: أن الطهارة شرط للصلاة فلا تؤخر لفقدان هذا الشرط، كالسترة واستقبال القبلة (¬3). أن المكلف قد فعل ما أمر به باستطاعته، فلا إعادة عليه (¬4). أن إيجاب الإعادة يؤدي إلى إيجاب ظهرين عن يوم واحد، وذلك ممنوع (¬5). أدلة القول الرابع: استدل القائلون بأن الفاقد للطهورين لا يصلي ولا يقضي، بما يلي: ¬
أولاً: من السنة: حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقبل صلاة بغير طهور» (¬1). وجه الدلالة: دل الحديث على عدم قبول الصلاة التي بغير طهور، وما لا يقبل لا يشرع فعله. المناقشة: نوقش هذا الدليل بما نوقش به دليل السنة من أدلة القول الأول. ثانيًا: من المعقول: أن هذا محدث لا يقدر على رفع حدثه ولا استباحة الصلاة، فلم تجب عليه صلاة ولا قضاء كالحائض (¬2). المناقشة: نوقش بأنه قياس لا يصح، وذلك للأمور التالية (¬3): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، وهذا يستطيع الصلاة. ¬
قياس الطهارة على سائر شرائط الصلاة أولى من قياسها على الحائض؛ لأن الحيض أمر معتاد يتكرر عادة، والعجز هاهنا عذر غير معتاد فلا يصح قياسه على الحيض. أن هذا عذر نادر فلم يُسقط الفرض، كنسيان الصلاة، وفقد سائر الشروط. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثالث القائل بأن فاقد الطهورين يصلي في الحال، وليس عليه إعادة، وذلك لما يلي: لقوة أدلتهم، وسلامتها من المعارضة، في مقابل ضعف أدلة المخالفين بما حصل من مناقشة. أن الصحابة رضي الله عنهم قد صلوا بلا وضوء عند فقدهم الماء، والوضوء هو الأصل، فإذا جاز أن يصلي المكلف على حاله بلا وضوء عند فقدان الماء وهو الأصل، فلأن يجوز أن يصلي المكلف عند فقدان الماء والتراب الذي هو بدل عن الأصل من باب أولى. أن هذا القول هو الموافق لسماحة الشريعة الإسلامية ويسرها، وحرصها على رفع الحرج عن المكلف.
المبحث الثاني صفة صلاة فاقد الطهورين
المبحث الثاني صفة صلاة فاقد الطهورين إذا قلنا بأن فاقد الطهورين يصلي على حسب حاله، سواء قيل بالقضاء أو لا، فهل له أن يزيد على ما يجزئ في الصلاة، وهل له أن يتنفل ويمس المصحف ونحو ذلك؟ في هذا خلاف بين الفقهاء: القول الأول: أنه يصلي الفرض فقط، وليس له أن يصلي نافلة، ولا أن يمس المصحف، وإن كانت امرأة انقطع حيضها فليس له أن يطأها، وهو قول الشافعية والحنابلة (¬1). وأضاف الشافعية: أنه لا يقرأ في الصلاة غير الفاتحة في حال الجنابة وانقطاع دم الحيض (¬2). وأما الحنابلة فقالوا: لا يزيد على ما يجزئ في الصلاة من قراءة وغيرها، فلا يقرأ زائدًا على الفاتحة، ولا يزيد على ما يجزئ في طمأنينة ركوع أو سجود أو جلوس بين السجدتين، ولا على ما يجزئ في التشهدين (¬3). ¬
القول الثاني: أنه يجوز لعادم الطهورين أن يزيد على ما يجزئ في الصلاة من قراءة وغيرها، وله أيضًا أن يصلي النافلة، وأن يمس المصحف، وأن يطأ الحائض عند انقطاع حيضها، وهو قول لبعض الحنابلة، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (¬1). القول الثالث: أنه يصلي صلاة صورية، وذلك بأن يركع ويسجد بدون قراءة أو تسبيح أو تشهد أو استفتاح، ولا ينوي بذلك صلاة، وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن (¬2). أدلة القول الأول: استدلوا بأنه يجب الطهارة لهذه العبادات، ولا حاجة إلى النوافل بلا طهارة، وإنما جاز الفرض بلا طهارة للضرورة محافظة على حرمتها (¬3). أدلة القول الثاني: استدلوا بأن تحريم الصلاة بلا طهارة إنما يثبت مع من قدر على الطهارة، لا على من لم يقدر عليها، وإذا صح الفرض بلا طهارة فالنافلة من باب أولى (¬4). ¬
أدلة القول الثالث: استدلوا بأن صلاة فاقد الطهورين ليست بصلاة في الحقيقة، وإنما هو تَشبهٌ بالمصلين لشرف الوقت (¬1). المناقشة: يمكن مناقشته بأن صلاة فاقد الطهورين إذا لم تكن صلاة فلا يؤمر بالقيام بها. الترجيح: الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بالجواز؛ وذلك لوجاهة ما استدلوا به، ولأن القول بعدم الجواز يحتاج إلى دليل صحيح يدل عليه، فإن الصحابة رضوان الله عليهم صلوا بغير طهارة كما في حديث عائشة رضي الله عنها (¬2)، ولم ينقل أنهم اقتصروا على ما يجزئ فيها، والله أعلم. ¬
الخاتمة
الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي ختم الله به الرسل والرسالات، وبعد: فهذه خاتمة المطاف لهذا البحث، الذي استفدت منه فوائد جمة، وتوصلت فيه إلى نتائج مهمة، ومن أبرز هذه النتائج التي توصلت إليها ما يلي: أن الأمة قد أجمعت على مشروعية التيمم عند عدم الماء، أو عند الخوف من استعماله. أن التيمم من خصائص أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن مشروعًا لأمة من الأمم قبلها. عدم وجوب طلب الماء لمن تيقن من عدمه في المكان الذي هو فيه. وجوب طلب الماء لمن شك في وجوده. أن من وجد من الماء بعض ما يكفيه فإنه يتيمم، ولا يستعمل الماء. صحة تيمم من أراق الماء أو باعه أو وهبه بعد دخول الوقت. جواز التيمم لمن كان مرضه يسيرًا، ويخاف معه حدوث علة أو زيادتها عند استعمال الماء. من كان بعض بدنه جريحًا وبعضه صحيحًا، فإنه يجب عليه غسل الصحيح من بدنه، والتيمم عن الجريح.
أنه لا يجب الجمع بين المسح بالماء والتيمم في طهارة الجبيرة، أو العصابة التي توضع على الجروح، وإنما يكفي المسح فقط. جواز التيمم لمن كان معه ماء وهو يحتاج إليه لشرب ونحوه. جواز التيمم للصحيح في السفر أو الحضر إذا خاف على نفسه الضرر من استعمال الماء لشدة البرد، ولم يجد ما يسخن به الماء، وسواء أكان ذلك في الحدث الأكبر أو الأصغر، وإذا صلى بتيممه فلا إعادة عليه. عدم جواز التيمم لمن وجد الماء ويخاف باستعماله فوات الوقت للصلوات المكتوبة والجمعة، وصلاة الجنازة والعيدين ونحوهما. أن التيمم عزيمة في حق عادم الماء، ورخصة في حق من يجد الماء ولا يقدر على استعماله. أن التيمم يرفع الحدث إلى حين وجود الماء. عدم اشتراط دخول الوقت لصحة التيمم، بل يصح التيمم في كل وقت. مَن عَدم الماء بعد طلبه المعتبر جاز له التيمم والصلاة في أول الوقت وآخره ووسطه. استحباب تقديم التيمم والصلاة في أول الوقت لمن تيقن عدم وجود الماء في الوقت. استحباب تأخير التيمم والصلاة إلى آخر الوقت لمن تيقن وجود الماء في آخر الوقت أو غلب ذلك على ظنه.
جواز الوطء لعادم الماء. جواز إمامة المتيمم للمتطهر بالماء. مشروعية التيمم عند الحدث الأصغر والأكبر. عدم جواز التيمم للنجاسة إذا كانت على الثوب أو البدن. من اجتمع عليه نجاسة وحدث ومعه ماء يكفي أحدهما، فإنه يستعمل الماء في إزالة النجاسة، ويتيمم عن الحدث. أن المسافر والحاضر إذا عدما الماء فإنهما يصليان بالتيمم ولا إعادة عليهما. أن النية شرط لصحة التيمم. جواز التيمم لكل ما يتطهر له من نافلة، أو مس مصحف، أو قراءة قرآن ونحو ذلك. جواز الجمع بين الصلاتين للمتيمم، كما أنه يجوز له أن يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من الفرائض والنوافل ما لم يجد الماء أو يحدث. جواز التيمم بكل ما تصاعد على وجه الأرض من جميع أجزائها. عدم جواز التيمم بالأرض النجسة. أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين. أن الترتيب والموالاة فرضان في التيمم عن الحدث الأصغر دون الأكبر.
أنه يستحب في التيمم التسمية، وتقديم اليد اليمنى على اليسرى في المسح، وتخفيف التراب المأخوذ بنفض أو نفخ. أنه لا يستحب في التيمم تفريج الأصابع عند ضرب الصعيد، ولا تجديد التيمم، ولا تكرار المسح للمتيمم. أن كل ما ينقض الوضوء أو الغسل فإنه ينقض التيمم. أن التيمم يبطل بوجود الماء قبل الصلاة أو في أثنائها. أن من صلى بالتيمم، ثم وجد الماء قبل خروج الوقت، فلا إعادة عليه. أن التيمم يبطل بزوال العذر المبيح له. أن التيمم لا يبطل بالردة عن الإسلام. عدم بطلان التيمم بالفاصل الطويل بين التيمم والصلاة. إذا فقد المحدث الطهورين فإنه يصلي في الحال، وليس عليه إعادة. وفي الختام أسأل الله أن يجعل خير أعمارنا آخرها، وخير أعمالنا خواتهما، وخير أيامنا يوم لقائه، وأسأله عزَّ وجل أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم، وأن يعُمَّ بنفعه المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فهرس المصادر
فهرس المصادر أولاً: كتب التفسير: 1 - أحكام القرآن: أحمد بن علي الرازي، المعروف بالجصاص ت370هـ، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 2 - أحكام القرآن: على بن محمد الطبري، المعروف بالكيا الهراسي ت 504هـ، تحقيق: موسى محمد علي، وعزت علي عيد، دار الكتب الحديثة. 3 - أحكام القرآن: محمد بن عبد الله المعافري، المعروف بابن العربي ت 543هـ, تحقيق: علي البجاوي، دار المعرفة، بيروت. 4 - أسباب نزول القرآن الكريم: علي بن أحمد الواحدي ت 468هـ، تحقيق: ماهر ياسين الفحل، دار الميمان، الرياض، ط1، 1426هـ. 5 - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: محمد الأمين الشنقيطي ت 1393هـ، تخريج: محمد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1417هـ. 6 - تفسير البغوي: الحسين بن مسعود البغوي ت 510هـ، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك، دار المعرفة، بيروت. 7 - تفسير القرآن العظيم: إسماعيل بن كثير القرشي ت 774هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1405هـ. 8 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن: محمد بن جرير الطبري ت 310هـ، دار الفكر، بيروت، 1405هـ.
ثانيا: كتب الحديث وعلومه
9 - الجامع لأحكام القرآن: محمد بن أحمد القرطبي ت 671هـ، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1418هـ. 10 - الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: محمود بن عمر الزمخشري ت 538هـ، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 11 - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي، ت 546 هـ، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1413 هـ. ثانياً: كتب الحديث وعلومه: 12 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط2، 1405هـ. 13 - الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار: يوسف بن عبد البر القرطبي ت 463هـ، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، دار قتيبة، دمشق، بيروت، ودار الوعي، حلب، القاهرة، ط1، 1413هـ. 14 - الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار: محمد بن موسى الحازمي ت 584هـ، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، دار الوعي، حلب، ط1، 1403هـ. 15 - إعلاء السنن: ظفر أحمد التهانوي ت 1394هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ.
16 - أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري: حمد بن محمد الخطابي ت 388هـ، تحقيق: محمد بن سعد آل سعود، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط1، 1409هـ. 17 - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام: عمر بن علي الأنصاري، المعروف بابن الملقن ت 804هـ، تحقيق: عبد العزيز بن أحمد المشيقح، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1417هـ. 18 - إكمال المعلم بفوائد مسلم: عياض بن موسى اليحصبي ت 544هـ، تحقيق: يحيى إسماعيل، دار الوفاء، المنصورة، ط1، 1419هـ. 19 - الإلمام بأحاديث الأحكام: محمد بن علي المعروف بابن دقيق العيد ت 702هـ، تحقيق: حسين إسماعيل الجمل، دار المعراج، الرياض، ودار ابن حزم، بيروت، ط2، 1423هـ. 20 - الإمام في معرفة أحاديث الأحكام: محمد بن علي بن وهب المعروف بابن دقيق العيد ت 702هـ، تحقيق: سعد بن عبد الله آل حميد، دار المحقق، الرياض، ط1، 1420هـ. 21 - بلوغ المرام من أدلة الأحكام: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852هـ، دار ابن حزم، ط1، 1420هـ. 22 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: محمد بن عبد الرحمن المباركفوري ت 1353هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ. 23 - التحقيق في أحاديث الخلاف: عبد الرحمن بن علي بن الجوزي ت 597هـ، تحقيق: مسعد عبد الحميد السعدني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1415هـ.
24 - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت 911هـ، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض. 25 - التعليق المغني على سنن الدارقطني: محمد شمس الحق العظيم آبادي، (مطبوع بهامش سنن الدارقطني)، دار المعرفة، بيروت. 26 - تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852هـ، تحقيق: عبد الله هاشم اليماني، دار أحد، المدينة المنورة، 1384هـ. 27 - تلخيص المستدرك: محمد بن أحمد الذهبي ت 748هـ، (مطبوع بهامش المستدرك)، دار الكتب العلمية، بيروت. 28 - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: يوسف بن عبد البر القرطبي ت 463هـ، تحقيق جماعة من العلماء، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، 1387هـ. 29 - الجامع الصحيح (سنن الترمذي): محمد بن عيسى الترمذي ت 279هـ، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 1403هـ. 30 - جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم: عبد الرحمن بن رجب الحنبلي ت 795هـ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وإبراهيم باحبس، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1417هـ. 31 - الجوهر النقي على سنن البيهقي: علاء الدين بن علي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني ت 750هـ، (مطبوع بهامش سنن البيهقي)، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة.
32 - حاشية السندي على سنن النسائي: نور الدين بن عبد الهادي السندي ت 1138هـ، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، ط2، 1406هـ. 33 - الدراية في تخريج أحاديث الهداية: أحمد بن حجر العسقلاني ت 852هـ، تصحيح: عبد الله هاشم اليماني، دار المعرفة، بيروت. 34 - سبل السلام شرح بلوغ المرام: محمد بن إسماعيل الصنعاني ت 1182هـ، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الفكر، بيروت، ط1، 1411هـ. 35 - سنن ابن ماجة: محمد بن يزيد القزويني ت 275هـ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت. 36 - سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني ت 275هـ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر. 37 - سنن الدارقطني: علي بن عمر الدارقطني ت 385هـ، تحقيق: عبد الله هاشم اليماني، دار المعرفة، بيروت، 1386 هـ. 38 - السنن الكبرى: أحمد بن الحسين البيهقي ت 458هـ، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414 هـ. 39 - سنن النسائي: أحمد بن شعيب النسائي ت 303هـ، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، ط2، 1406 هـ. 40 - شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك: محمد بن عبد الباقي الزرقاني ت 1122هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411 هـ.
41 - شرح السنة: الحسين بن مسعود البغوي ت 510هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، وزهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1403 هـ. 42 - شرح النووي على صحيح مسلم: يحيى بن شرف النووي ت 676هـ، تحقيق: خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت، ط3، 1417هـ. 43 - شرح صحيح البخاري: علي بن خلف بن عبد الملك المعروف بابن بطال ت 449هـ، تحقيق: ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، ط3، 1425هـ. 44 - شرح علل الترمذي: عبد الرحمن بن رجب الحنبلي ت 795هـ، تحقيق: همام عبد الرحمن سعيد، مكتبة المنار، الزرقاء، ط1، 1407هـ. 45 - شرح معاني الآثار: أحمد بن محمد الطحاوي ت 321هـ، تحقيق: محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1399هـ. 46 - صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان: علي بن بلبان الفارسي ت 739هـ، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1414هـ. 47 - صحيح ابن خزيمة: محمد بن إسحاق بن خزيمة ت 311هـ، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1390هـ. 48 - صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري ت 256هـ، تحقيق: مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، بيروت، ط3، 1407 هـ. 49 - صحيح سنن ابن ماجه: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1417هـ. 50 - صحيح سنن أبي داود: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1419هـ.
51 - صحيح سنن النسائي: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1419هـ. 52 - صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري ت 261، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 53 - طرح التثريب في شرح التقريب: عبدالرحيم بن الحسين العراقي ت 806هـ، وولي الدين أبو زرعة العراقي ت 826هـ، تحقيق: حمدي الدمرداش محمد، مكتبة نزار الباز، مكة المكرمة، ط1، 1419هـ. 54 - عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي: محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي ت 543هـ، دار العلم، دمشق. 55 - علل الحديث: عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي ت 327هـ، تحقيق: محب الدين الخطيب: دار المعرفة، بيروت، 1405هـ. 56 - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية: عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي ت 597 هـ، تحقيق: خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1403 هـ. 57 - العلل ومعرفة الرجال: أحمد بن حنبل ت 241هـ، تحقيق: وصي الله بن محمد عباس، المكتب الإسلامي، بيروت، ودار الخاني، الرياض، ط1، 1408هـ. 58 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري: محمود بن أحمد العيني ت 855هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1421هـ. 59 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت852هـ، تصحيح محب الدين الخطيب، المكتبة السلفية، القاهرة، ط3، 1407هـ.
60 - فتح الباري في شرح صحيح البخاري: عبد الرحمن بن شهاب الدين الشهير بابن رجب ت 795هـ، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1، 1417هـ. 61 - فتح المغيث شرح ألفية الحديث: محمد بن عبدالرحمن السخاوي 902هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1403هـ. 62 - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام: محمد بن صالح العثيمين، مدار الوطن، ط1، 1425هـ. 63 - فيض القدير شرح الجامع الصغير: عبد الرؤوف المناوي ت 1031هـ، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط1، 1356هـ. 64 - القبس في شرح موطأ مالك بن أنس: أبو بكر بن العربي المعافري ت 543هـ، تحقيق: محمد عبد الله ولد كريم، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1992م. 65 - الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار: عبدالله بن محمد بن أبي شيبة ت 235هـ، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 1409هـ. 66 - الكفاية في علم الرواية: أحمد بن علي الخطيب ت 463هـ، تحقيق: أبي عبد الله السورقي وإبراهيم حمدي المدني، المكتبة العلمية، المدينة المنورة. 67 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: علي بن أبي بكر الهيثمي ت 807هـ، دار الريان للتراث القاهرة، ودار الكتاب العربي، بيروت، 1407 هـ. 68 - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: علي بن سلطان القاري ت 1014هـ، تحقيق: جمال عيتاني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1422هـ.
69 - المستدرك على الصحيحين: محمد بن عبدالله الحاكم ت 405هـ، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ. 70 - مسند أبي يعلى الموصلي: أحمد بن علي بن المثنى ت307هـ، تحقيق حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، ط1، 1404هـ. 71 - مسند الإمام أحمد بن حنبل: أحمد بن حنبل الشيباني ت 241هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1398هـ. 72 - مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة: أحمد بن أبي بكر البوصيري ت 840هـ، تحقيق: محمد المنتقى الكشناوي، دار العربية، بيروت، ط2، 1403 هـ. 73 - المصنف: عبدالرزاق بن همام الصنعاني ت 211هـ، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1403هـ. 74 - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852هـ، تحقيق: سعد بن ناصر الشتري، دار العاصمة، ودار الغيث، الرياض، ط1، 1419هـ. 75 - معالم السنن شرح سنن أبي داود: حمد بن محمد الخطابي ت 388هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1414هـ. 76 - المعجم الكبير: سليمان بن أحمد الطبراني ت 360هـ، تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي، مكتبة الزهراء، الموصل، ط2، 1404 هـ. 77 - معرفة السنن والآثار عن الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: أحمد بن الحسين البيهقي ت 458هـ، تحقيق: سيد كسر دي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت.
ثالثا: كتب أصول الفقه
78 - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: أحمد بن عمر القرطبي ت 656هـ، تحقيق: محيي الدين مستو وآخرين، دار ابن كثير. 79 - المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة: محمد عبد الرحمن السخاوي ت 902هـ، تحقيق: محمد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405هـ. 80 - مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث: عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري، المعروف بابن الصلاح ت 643هـ، دار الفكر المعاصر، بيروت، 1397هـ. 81 - المنتقى شرح الموطأ: سليمان بن خلف الباجي ت 494هـ، مطبعة السعادة، مصر، ط1، 1331هـ. 82 - الموطأ: مالك بن أنس الأصبحي ت 179هـ، تحقيق: بشار عواد معروف، ومحمود محمد خليل، مؤسسة الرسالة، ط3، 1418هـ. 83 - نصب الراية تخريج أحاديث الهداية: عبد الله بن يوسف الزيلعي 762هـ تحقيق محمد يوسف البنوري دار الحديث، مصر، 1357 هـ. 84 - نيل الأوطار شرح منتهى الأخبار: محمد بن علي الشوكاني ت 1250هـ، مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر. ثالثًا: كتب أصول الفقه: 85 - الإحكام في أصول الأحكام: علي بن محمد الآمدي ت 631هـ، تحقيق سيد الجميلي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1404 هـ. 86 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول: محمد بن علي الشوكاني ت 1250هـ، تحقيق: محمد سعيد البدري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1412هـ.
87 - الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية: عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطى ت 911هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1403هـ. 88 - الأشباه والنظائر: إبراهيم بن بكر بن نجيم الحنفي ت 970هـ، تحقيق: عبد العزيز محمد الوكيل، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1413هـ. 89 - إعلام الموقعين عن رب العالمين: محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ت 751هـ، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م. 90 - البحر المحيط في أصول الفقه: محمد بن بهادر الزركشي ت 794هـ، تعليق: محمد محمد تامر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1421هـ. 91 - البرهان في أصول الفقه: عبد الملك بن عبد الله الجويني ت 478 هـ تحقيق: عبد العظيم محمود الديب، دار الوفاء، المنصورة، ط4, 1418هـ. 92 - التحبير شرح التحرير في أصول الفقه: علاء الدين علي بن سليمان المرداوي الحنبلي ت 885 هـ، تحقيق: عبد الرحمن الجبرين، وعوض القرني، وأحمد السراج، مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 1421 هـ. 93 - تخريج الفروع على الأصول: محمود بن أحمد الزنجاني ت 656هـ، تحقيق: محمد أديب الصالح، مكتبة العبيكان، ط1، 1420هـ. 94 - التقرير والتحبير على التحرير: محمد بن محمد بن الحسن ابن أمير الحاج ت 879هـ، دار الفكر، بيروت، 1417هـ. 95 - جمع الجوامع: عبد الوهاب بن علي السبكي ت 771هـ، المطبعة الأزهرية، مصر، ط1، 1331هـ.
96 - حجة الله البالغة: أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي ت 1176هـ، تعليق: محمود طعمة حلبي، دار المعرفة، بيروت. 97 - الرخص الشرعية وإثباتها بالقياس: عبد الكريم بن علي النملة، مكتبة الرشد، الرياض، ط3، 1422هـ. 98 - روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل: عبد الله بن أحمد ابن قدامة ت 620هـ، تحقيق: عبد العزيز عبد الرحمن السعيد، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، ط2، 1399هـ. 99 - شرح الكوكب المنير: محمد بن أحمد الفتوحي المعروف بابن النجار ت 972هـ، تحقيق: محمد الزحيلي، ونزيه حماد، مكتبة العبيكان، الرياض، 1413هـ. 100 - شرح مختصر الروضة: سليمان بن عبد القوي الطوفي ت 716هـ، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1407هـ. 101 - قواطع الأدلة في أصول الفقه: منصور بن محمد السمعاني ت 489هـ، تحقيق: محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418هـ. 102 - القواعد والفوائد الأصولية: علاء الدين بن محمد البعلي المعروف بابن اللحام ت 803هـ، تحقيق: محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1375هـ. 103 - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي: عبد العزيز بن أحمد البخاري ت 730هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418هـ.
رابعا: كتب الفقه
104 - محاسن الإسلام وشرائع الإسلام: محمد بن عبد الرحمن البخاري ت 546هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. 105 - المحصول في علم الأصول: محمد بن عمر الرازي ت 606هـ، تحقيق: طه جابر العلواني، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ط1، 1400هـ. 106 - المستصفى في علوم الأصول: محمد بن محمد الغزالي ت 505هـ، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1413هـ. 107 - المنخول من تعليقات الأصول: محمد بن محمد الغزالي ت 505هـ، تحقيق: محمد حسن هيتو، دار الفكر، دمشق، ط2، 1400هـ. 108 - منهاج الوصول إلى علم الأصول: عبد الله بن عمر البيضاوي ت 685هـ، تحقيق: شعبان محمد إسماعيل، دار ابن حزم، ط1، 1420هـ. 109 - نهاية السول شرح منهاج الوصول: عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي ت 772هـ، تحقيق: شعبان محمد إسماعيل، دار ابن حزم، ط1، 1420هـ. رابعاً: كتب الفقه: أـ كتب الفقه الحنفي: 110 - الاختيار لتعليل المختار: عبدالله بن محمود الموصلى ت 683هـ، تحقيق: خالد عبد الرحمن، العك، بيروت، ط1، 1419هـ. 111 - الأصل: محمد بن الحسن الشيباني ت 189هـ، تعليق: أبي الوفاء الأفغاني، دائرة المعارف العثمانية، الهند، ط1، 1386هـ.
112 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق: زين الدين بن إبراهيم الشهير بابن نجيم ت 970هـ، تحقيق: زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ. 113 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: علاء الدين مسعود الكاساني ت 587هـ، تحقيق: علي محمد معوض، وعادل أحمد عبدالموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1424هـ. 114 - البناية في شرح الهداية: محمود بن أحمد العيني ت 855هـ، تحقيق: أيمن صالح شعبان، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1420هـ. 115 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: عثمان بن علي الزيلعي ت 743 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1420هـ. 116 - التجريد: أحمد بن محمد القدوري ت 428هـ، تحقيق: محمد أحمد سراج، وعلي جمعة محمد، دار السلام، ط1، 1425هـ. 117 - تحفة الفقهاء: محمد بن أحمد السمرقندي ت 539هـ، تحقيق: محمد زكي عبد البر, دار التراث، القاهرة، ط3، 1419هـ. 118 - حاشية الشلبي على تبيين الحقائق: أحمد بن محمد الشلبي، (مطبوع مع تبيين الحقائق). 119 - حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح: أحمد بن محمد الطحطاوي ت 1231هـ، تحقيق: محمد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ.
120 - الدر المختار شرح تنوير الأبصار: محمد علاء الدين الحصكفي ت 1088هـ، (مطبوع مع رد المحتار). 121 - رؤوس المسائل: محمود بن عمر الزمخشري ت 538هـ، تحقيق: عبد الله نذير أحمد، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط1، 1407هـ. 122 - رد المحتار على الدر المختار: محمد أمين الشهير بابن عابدين ت 1255هـ، تحقيق: محمد صبحي حلاق، وعامر حسين، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1419هـ. 123 - شرح العناية على الهداية: محمد بن محمود البابرتي ت 786هـ، دار الفكر، بيروت، ط2، 1397هـ. 124 - شرح فتح القدير على الهداية: كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام ت 861هـ، دار الفكر، بيروت، ط2، 1397هـ. 125 - شرح مختصر الطحاوي: أحمد بن علي الجصاص ت 370هـ، من بداية الكتاب إلى نهاية كتاب المناسك، دراسة وتحقيق: عصمت الله عنايت الله محمد، رسالة دكتوراه، جامعة أم القرى، كلية الشريعة، 1416هـ. 126 - الفتاوى الهندية: الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، دار الفكر، 1411هـ. 127 - المبسوط: شمس الدين محمد بن أحمد السرخسي ت 490هـ، دار المعرفة، بيروت، 1414هـ. 128 - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: عبد الله بن محمد بن سليمان المعروف بداماد أفندي ت 1078هـ، دار الطباعة العامرة.
ب ـ كتب الفقه المالكي
129 - مختصر اختلاف العلماء لأبي جعفر الطحاوي ت 321هـ، اختصره: أحمد بن علي الجصاص ت 370هـ، تحقيق: عبد الله نذير أحمد، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط2، 1417هـ. 130 - مختصر القدوري: أحمد بن محمد القدوري ت 428هـ، تحقيق: عبد الله نذير أحمد, مؤسسة الريان، بيروت، ط1، 1426هـ. 131 - مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح: حسن بن عمار الشرنبلالي ت 1069هـ، تحقيق: محمد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ. 132 - منية المصلي وغنية المبتدي: إبراهيم بن محمد الحلبي ت 956هـ، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1418هـ. 133 - النتف في الفتاوى: علي بن الحسين السغدي ت 461هـ، تحقيق: صلاح الدين الناهي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ودار الفرقان، عمان، ط2، 1404هـ. 134 - الهداية شرح بداية المبتدي: علي بن أبي بكر المرغيناني ت 593هـ، تصحيح: طلال يوسف، دار إحياء التراث العربي، بيروت. ب ـ كتب الفقه المالكي: 135 - أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك: أبو بكر بن حسن الكشناوي، دار الفكر، بيروت، ط2. 136 - الإشراف على مسائل الخلاف: القاضي عبد الوهاب البغدادي ت 422هـ، تحقيق: الحبيب بن طاهر، دار ابن حزم، ط1، 1420هـ. 137 - أنوار البروق في أنواء الفروق: أحمد بن إدريس القرافي ت 684هـ، تحقيق: خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ.
138 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد: محمد بن أحمد بن رشد ت 595هـ، تحقيق: ماجد الحموي، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1416هـ. 139 - البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المتسخرجة: محمد بن أحمد بن رشد ت 520هـ، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط2، 1408هـ. 140 - التاج والإكليل لمختصر خليل: محمد بن يوسف الشهير بالمواق ت 897هـ، تحقيق: زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1416هـ. 141 - التفريع: عبيد الله بن الجلاب ت 378هـ، تحقيق: حسين بن سالم الدهماني، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1408هـ. 142 - التلقين في الفقه المالكي: القاضي عبد الوهاب البغدادي ت 422هـ، تحقيق: محمد ثالث الغاني: مكتبة نزار الباز، مكة المكرمة، ط1، 1415هـ. 143 - تنوير المقالة في حل ألفاظ الرسالة: محمد بن إبراهيم التتائي ت 942هـ، تحقيق: محمد عايش عبد العال، ط1، 1409هـ. 144 - جواهر الإكليل شرح مختصر خليل: صالح عبد السميع الآبي، تحقيق: محمد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ. 145 - حاشية البناني على شرح الزرقاني: محمد بن الحسن البناني ت 1194هـ، دار الفكر، بيروت، وطبعة أخرى بتحقيق: عبد السلام محمد أمين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1422هـ. 146 - حاشية الخرشي على مختصر خليل: محمد بن عبد الله الخرشي ت 1101هـ، تحقيق: زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1417هـ.
147 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: محمد بن أحمد الدسوقي ت 1230هـ، تحقيق: محمد عبد الله شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1417هـ. 148 - حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني: علي بن أحمد العدوي ت 1189هـ، تحقيق: محمد عبد الله شاهين: دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1417هـ. 149 - الذخيرة: أحمد بن إدريس القرافي ت 684هـ، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1994هـ. 150 - شرح التلقين: محمد بن علي المازري ت 536هـ، تحقيق: محمد المختار السلامي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1997م. 151 - شرح الزرقاني على مختصر سيدي خليل: عبد الباقي بن يوسف الزرقاني ت 1099هـ، تحقيق: عبد السلام محمد أمين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1422هـ. 152 - الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك: أحمد بن محمد الدردير ت 1201هـ، تحقيق: مصطفى كمال وصفي، دار المعارف، القاهرة، ط1، 1972م. 153 - الشرح الكبير: أحمد بن محمد الدرديري ت 1201هـ، (مطبوع مع حاشية الدسوقي). 154 - شرح منح الجليل على مختصر خليل: محمد عليش، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ.
155 - عدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق: أحمد بن يحيى الونشريسي ت 914، تحقيق: حمزة أبو فارس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1410هـ. 156 - عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة: عبد الله بن نجيم بن شاس ت 616هـ، تحقيق: حميد بن محمد لحمر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1423هـ. 157 - عيون الأدلة في مسائل الخلاف بين فقهاء الأمصار: علي بن عمر البغدادي المعروف بابن القصار ت 397هـ، كتاب الطهارة، دراسة وتحقيق: عبد الحميد بن سعد السعودي، رسالة دكتوراه، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، كلية الشريعة، 1417هـ. 158 - الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني: أحمد بن غنيم النفراوي ت 1126هـ، تحقيق: عبد الوارث محمد علي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ. 159 - قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية: محمد بن أحمد بن جزي ت 741هـ، دار العلم للملايين، بيروت، 1974م. 160 - الكافي في فقه أهل المدينة المالكي: يوسف بن عبد الله بن عبد البر ت 463هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. 161 - المدونة الكبرى: مالك بن أنس الأصبحي ت 179هـ، رواية سحنون بن سعيد التنوخي، دار صادر، بيروت.
جـ ـ كتب الفقه الشافعي
162 - المعونة على مذهب عالم المدينة: القاضي عبد الوهاب البغدادي ت 422هـ، تحقيق: حميش عبد الحق، دار الفكر، بيروت. 163 - المقدمات الممهدات: محمد بن أحمد بن رشد ت 520هـ، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1408هـ. 164 - مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: محمد بن محمد الطرابلسي المعروف بالحطاب ت 954هـ، تحقيق: زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1416هـ. 165 - النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات ت 386هـ: عبد الله بن عبد الرحمن القيرواني ت 386هـ، تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1999م. جـ ـ كتب الفقه الشافعي: 166 - أسنى المطالب في شرح روض الطالب: زكريا الأنصاري ت 926هـ، تحقيق: محمد محمد تامر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1422هـ. 167 - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع: محمد الشربيني الخطيب، تحقيق: علي أبو الخير، ومحمد وهبي سليمان، دار الخير، بيروت، دمشق، ط1، 1417هـ. 168 - الأم: محمد بن إدريس الشافعي ت 204هـ، تحقيق: رفعت فوزي، دار الوفاء، المنصورة، ط1، 1422هـ. 169 - البيان في مذهب الإمام الشافعي: يحيى بن أبي الخير العمراني ت 558هـ، اعتنى به: قاسم محمد النوري، دار المنهاج، ط1، 1421هـ.
170 - تحفة المحتاج لشرح المنهاج: أحمد بن حجر الهيتمي ت 974هـ، تحقيق: محمد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1419هـ. 171 - التعليقة الكبرى في الفروع: أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري ت 450هـ، من بداية كتاب الطهارة إلى نهاية جامع التيمم، دراسة وتحقيق: محمد بن محمد بن جابر، رسالة ماجتسير، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1419هـ. 172 - التنقيح في شرح الوسيط: يحيى بن شرف النووي ت 676هـ، تحقيق: أحمد محمود إبراهيم، دار السلام، ط1، 1417هـ. 173 - التهذيب في فقه الإمام الشافعي: الحسين بن مسعود البغوي ت 516هـ، تحقيق: عادل عبد الموجود، وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت. 174 - حاشية البيجوري على شرح ابن القاسم الغزي على متن أبي شجاع: إبراهيم البيجوري، تصحيح: محمد عبد السلام شاهين: دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ. 175 - حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج: علي الشبراملسي ت 1087هـ، مكتبة مصطفى البابي، مصر، 1386هـ. 176 - حاشية القليوبي على شرح المحلى: أحمد بن أحمد القليوبي، دار إحياء الكتب العربية، مصر. 177 - الحاوي: علي بن محمد الماوردي ت 450هـ، تحقيق: راوية بنت أحمد الظهار، دار المجتمع، جدة، ط1، 1414هـ.
178 - حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء: محمد بن أحمد الشاشي ت 507هـ، تحقيق: ياسين أحمد دراكة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1400هـ. 179 - رحمة الأمة في اختلاف الأئمة: محمد بن عبد الرحمن الدمشقي الشافعي (من علماء القرن الثامن الهجري)، دار الكتب العلمية، بيروت. 180 - روضة الطالبين: يحيى بن شرف النووي ت 676هـ، تحقيق: عادل عبد الموجود، وعلي محمد معوص، دار عالم الكتب، 1423هـ. 181 - العزيز شرح الوجيز: عبد الكريم بن محمد الرافعي ت 623هـ، تحقيق: علي محمد معوض، وعادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1417هـ. 182 - غاية البيان شرح زبد ابن رسلان: محمد بن أحمد الرملي ت 1004هـ، تعليق: خالد أبو سليمان، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت. 183 - الفتاوى الكبرى الفقهية: أحمد بن حجر الهيتمي ت 974هـ، تصحيح: عبد اللطيف عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1417هـ. 184 - قواعد الأحكام في مصالح الأنام: عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي ت 660هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. 185 - المجموع شرح المهذب: يحيى بن شرف النووي 676هـ، تحقيق: محمد نجيب المطيعي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1422هـ. 186 - مختصر المزني في فروع الشافعية: إسماعيل بن يحيى المزني ت 264هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1419هـ.
د ـ كتب الفقه الحنبلي
187 - مختصر خلافيات البيهقي: أحمد بن فرج اللخمي ت 699هـ، تحقيق: ذياب عبد الكريم عقل، مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 1417هـ. 188 - مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج: محمد بن محمد الشربيني ت 977هـ، تحقيق: علي محمد معوض، وعادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1415هـ. 189 - المنثور في القواعد: محمد بن بهادر الزركشي ت 794هـ، تحقيق: تيسير فائق أحمد، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، ط2، 1405هـ. 190 - منهاج الطالبين: يحيى بن شرف النووي ت 676هـ، تحقيق: أحمد بن عبد العزيز الحداد، دار البشائر الإسلامية، ط1، 1421هـ. 191 - المهذب: إبراهيم بن علي الشيرازي ت 476هـ، تحقيق: محمد الزحيلي، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ط1، 1412هـ. 192 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: محمد بن أحمد الرملي ت 1004هـ، مكتبة مصطفى البابي، مصر، 1386هـ. 193 - الوجيز في فقه مذهب الإمام الشافعي: محمد بن محمد الغزالي ت 505هـ، تحقيق: سيد عبده، دار الرسالة، القاهرة، ط1، 1425هـ. 194 - الوسيط في المذهب: محمد بن محمد الغزالي ت 505هـ، تحقيق: أحمد محمود إبراهيم، دار السلام، ط1، 1417هـ. د ـ كتب الفقه الحنبلي: 195 - الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، اختارها: علي بن محمد البعلي ت 803هـ، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت.
196 - الإفصاح عن معاني الصحاح: يحيى بن محمد بن هبيرة ت 560هـ، تحقيق: محمد يعقوب عبيدي، مركز فجر، القاهرة. 197 - الإقناع لطالب الانتفاع: موسى بن أحمد الحجاوي ت 968هـ، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسين التركي، دار هجر، ط3، 1423هـ. 198 - الانتصار في المسائل الكبار على مذهب الإمام أحمد: محفوظ بن أحمد الكلوذاني ت 510هـ، تحقيق: سليمان بن عبد الله العمير، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 1413هـ. 199 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: علي بن سليمان المرداوي ت 885هـ، تحقيق: محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ. 200 - تصحيح الفروع: علي بن سليمان المرداوي ت 885هـ، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1424هـ. 201 - التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع: علي بن سليمان المرداوي ت 885هـ، تحقيق: ناصر بن سعود السلامة، مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 1425هـ. 202 - حاشية ابن قندس على الفروع: تقي الدين بن إبراهيم البعلي ت 861هـ، تحقيق: عبد الله ابن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1424هـ. 203 - حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ت 1392هـ، ط8، 1419هـ.
204 - الدرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، دار القاسم، الرياض، ط5، 1414هـ. 205 - دليل الطالب على مذهب الإمام أحمد: ابن مرعي بن يوسف الحنبلي ت 1033هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1389هـ. 206 - رؤوس المسائل الخلافية بين جمهور الفقهاء: الحسين بن محمد العكبري (من علماء القرن الخامس الهجري)، تحقيق: خالد بن سعد الخشلان، دار إشبيليا، ط1، 1421هـ. 207 - رؤوس المسائل في الخلاف: عبد الخالق بن عيسى العباسي ت 470هـ، تحقيق: عبد الملك ابن عبد الله بن دهيش، دار خضر، بيروت، ط1، 1421هـ. 208 - شرح الزركشي على مختصر الخرقي: محمد بن عبد الله الزركشي ت 772هـ، تحقيق: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 1413هـ. 209 - شرح العمدة في الفقه (كتاب الطهارة): شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ت 728هـ، تحقيق: سعود بن صالح العطيشان، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 1413هـ. 210 - الشرح الكبير: عبد الرحمن بن محمد بن قدامة ت 682هـ، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، وعبد الفتاح محمد الحلو، دار عالم الكتب، الرياض، 1426هـ. 211 - الشرح الممتع على زاد المستقنع: محمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1، 1422هـ.
212 - شرح منتهى الإرادات: منصور بن يونس البهوتي ت 1051هـ، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط1، 1421هـ. 213 - العدة شرح العمدة: بهاء الدين عبد الرحمن المقدسي، المكتبة العصرية، بيروت، 1418هـ. 214 - فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ، جمع وترتيب: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، مطبعة الحكومة، مكة المكرمة، ط1، 1399هـ. 215 - الفروع: محمد بن مفلح المقدسي ت 762هـ، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1424هـ. 216 - الفروق على مذهب الإمام أحمد بن حنبل: معظم الدين أبو عبد الله السامري ت 616هـ، تحقيق: محمد بن إبراهيم اليحيى، دار الصميعي، ط1، 1418هـ. 217 - القواعد: عبد الرحمن بن شهاب الدين الشهير بابن رجب ت 795هـ، مكتبة نزار الباز، مكة المكرمة، ط2، 1999م. 218 - الكافي: عبد الله بن قدامة المقدسي ت 620هـ، تحقيق: عادل عبد الموجود، وعلي محمد معوض، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1421هـ. 219 - كشاف القناع عن متن الإقناع: منصور بن يونس البهوتي ت 1051هـ، وزارة العدل، المملكة العربية السعودية، ط1، 1421هـ. 220 - المبدع في شرح المقنع: إبراهيم بن محمد بن مفلح ت 884هـ، دار عالم الكتب، الرياض، 1423هـ. 221 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وابنه محمد، مكتبة المعارف، الرباط.
222 - المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل: مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله الحراني ت 652هـ، مكتبة المعارف، الرياض، ط2، 1404هـ. 223 - مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية: محمد بن علي الحنبلي ت 777هـ، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار ابن القيم، الدمام، ط2، 1406هـ. 224 - مسائل الإمام أحمد بن حنبل برواية ابنه أبي الفضل صالح، الدار العلمية، الهند، 1408هـ. 225 - مسائل الإمام أحمد بن حنبل برواية ابنه عبد الله، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1401هـ. 226 - مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه برواية إسحاق بن منصور الكوسج، تحقيق: خالد الرباط، ووئام الحوشي، وجمعة فتحي، دار الهجرة، الرياض، ط1، 1425هـ. 227 - المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين: القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء، تحقيق: عبد الكريم بن محمد اللاحم، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1405هـ. 228 - المستوعب: محمد بن عبد الله السامري ت 616هـ، تحقيق: مساعد بن قاسم الفالح، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1413هـ. 229 - مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى: مصطفى السيوطي الرحيباني ت 1243هـ، المكتب الإسلامي، دمشق، 1961هـ. 230 - مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام: يوسف بن عبد الهادي الحنبلي ت 909هـ، مكتبة طبرية، الرياض، 1416هـ.
هـ ـ كتب الفقه الظاهري
231 - المغني: عبد الله بن قدامة المقدسي ت 620هـ، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، وعبد الفتاح محمد الحلو، دار عالم الكتب، الرياض، ط4، 1419هـ. 232 - الممتع في شرح المقنع: زين الدين المنجي التنوخي الحنبلي، تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، دار خضر، بيروت، ط1، 1418هـ. 233 - منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات: محمد بن أحمد الشهير بابن النجار ت 972هـ، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1421هـ. 234 - المنح الشافيات بشرح مفردات الإمام أحمد: منصور بن يونس البهوتي ت 1051هـ، تحقيق: عبد الله بن محمد المطلق، كنوز إشبيليا، الرياض. هـ ـ كتب الفقه الظاهري: 235 - المحلى: علي بن أحمد بن حزم ت 456هـ، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1418هـ. 236 - مراتب الإجماع: علي بن أحمد بن حزم ت 456هـ، بعناية: حسن أحمد إسبر، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1419هـ. خامسًا: كتب اللغة والمعاجم والمصطلحات: 237 - تحرير ألفاظ التنبيه: يحيى بن شرف النووي ت 676هـ، تحقيق: عبد الغني الدقر، دار القلم، دمشق، ط1، 1408هـ. 238 - التعريفات: علي بن محمد الجرجاني ت 816هـ، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405هـ.
239 - تهذيب اللغة: محمد بن أحمد الأزهري ت 370هـ، تحقيق: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 2001م. 240 - التوقيف على مهمات التعاريف: محمد عبد الرؤوف المناوي ت 1031هـ، تحقيق: محمد رضوان الداية، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط1، 1410هـ. 241 - الصحاح: إسماعيل بن حماد الجوهري ت 393هـ، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، ط3، 1404هـ. 242 - لسان العرب: محمد بن مكرم بن منظور ت 711هـ، دار صادر، بيروت، ط1، 1410هـ. 243 - مختار الصحاح: محمد بن أبي بكر الرازي ت 666هـ، تحقيق: حمزة فتح الله، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط11، 1426هـ. 244 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي: أحمد بن محمد الفيومي ت 770هـ، المكتبة العلمية، بيروت. 245 - المطلع على أبواب المقنع: محمد بن أبي الفتح البعلي ت 709هـ، تحقيق: محمد بشير الأدلبي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1401هـ. 246 - معجم الأمكنة الوارد ذكرها في صحيح البخاري: سعد بن عبد الله بن جنيدل، دارة الملك عبد العزيز، الرياض، 1419هـ. 247 - معجم البلدان: ياقوت بن عبد الله الحموي ت 626هـ، دار الفكر، بيروت. 248 - معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع: عبد الله بن عبد العزيز البكري ت 487هـ، تحقيق: مصطفى السقا، دار عالم الكتب، بيروت، ط3، 1403هـ.
سادسا: كتب التاريخ والتراجم
249 - معجم مقاييس اللغة: أحمد بن فارس الرازي ت 395هـ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت، ط2، 1420هـ. 250 - النهاية في غريب الحديث والأثر: المبارك بن محمد بن الأثير الجزري ت 606هـ، دار ابن الجوزي، ط2، 1423هـ. سادسًا: كتب التاريخ والتراجم: 251 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب: يوسف بن عبد الله بن عبد البر ت 464هـ، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، ط1، 1412هـ. 252 - أسد الغابة في معرفة الصحابة: علي بن محمد الجزري، المعروف بابن الأثير ت 630هـ، تحقيق: عادل أحمد الرفاعي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1417هـ. 253 - الإصابة في تمييز الصحابة: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852هـ، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، ط1، 1412هـ. 254 - الأعلام: خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط6، 1984هـ. 255 - البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع: محمد بن علي الشوكاني ت 1250هـ، دار المعرفة، بيروت. 256 - تاج التراجم في طبقات الحنفية: قاسم بن قطلوبغا الحنفي ت 879هـ، تحقيق: محمد خير رمضان، دار القلم، دمشق، ط1، 1413هـ. 257 - تاريخ الأمم والملوك: محمد بن جرير الطبري ت 310هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
258 - التاريخ الكبير: محمد بن إسماعيل البخاري ت 256هـ، تحقيق: السيد هاشم الندوي، دار الفكر. 259 - تذكرة الحفاظ: محمد بن أحمد الذهبي ت 748هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1 260 - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك: القاضي عياض بن موسى اليحصبي ت 544هـ، تحقيق: محمد سالم هاشم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ. 261 - تقريب التهذيب: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852هـ، تحقيق: محمد عوامة، دار الرشيد، سوريا، ط1، 1406هـ. 262 - تهذيب الأسماء واللغات: يحيى بن شرف النووي ت 676هـ، دار الفكر، بيروت، ط1، 1996م. 263 - تهذيب التهذيب: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852هـ، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ. 264 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال: جمال الدين يوسف المزي ت 742هـ، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1400هـ. 265 - الجواهر المضية في طبقات الحنفية: أبو محمد عبد القادر بن محمد القرشي ت 775هـ، تحقيق: عبد الفتاح الحلو، مطبعة عيسى الحلبي، 1398هـ. 266 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852هـ، مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند، ط2، 1392هـ.
267 - الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب: إبراهيم بن علي بن محمد اليعمري ت 799هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. 268 - ذيل تذكرة الحفاظ: محمد بن علي الحسيني ت 765هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. 269 - الذيل على طبقات الحنابلة: عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي الشهير بابن رجب ت 795هـ، دار المعرفة، بيروت. 270 - سير أعلام النبلاء: محمد بن أحمد الذهبي ت 748هـ، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، ومحمد العرقسوس، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 1413هـ. 271 - السيرة النبوية: عبد الملك بن هشام الحميري ت 213هـ، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، ط1، 1411هـ. 272 - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: محمد بن محمد مخلوف، دار الفكر. 273 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: عبد الحي بن العماد الحنبلي ت 1089هـ، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، ومحمود الأرنؤوط، دار ابن كثير، دمشق، ط1، 1406هـ. 274 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع: محمد بن عبد الرحمن السخاوي ت 902هـ، دار مكتب الحياة، بيروت. 275 - الطبقات السنية في تراجم الحنفية: تقي الدين عبد القادر الغزي، تحقيق: عبد الفتاح الحلو، دار الرفاعي، الرياض، ط1، 1403هـ.
276 - طبقات الشافعية الكبرى: عبد الوهاب بن علي السبكي ت 771هـ، تحقيق: محمود محمد الطناحي، وعبد الفتاح محمد الحلو، دار هجر، ط2، 1413هـ. 277 - طبقات الشافعية: أبو بكر بن أحمد بن قاضي شهبة ت 851هـ، تحقيق: الحافظ عبد العليم خان، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1407هـ. 278 - الطبقات الكبرى: محمد بن سعد البصري ت 230هـ، دار صادر، بيروت. 279 - العبر في خبر من غبر: محمد بن أحمد الذهبي ت 748هـ، تحقيق: صلاح الدين المنجد، مطبعة حكومة الكويت، الكويت، ط2، 1984هـ. 280 - العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية: محمد بن أحمد بن عبد الهادي ت 744هـ، تحقيق: محمد حامد الفقي، مكتبة المؤيد، الرياض. 281 - الفوائد البهية في تراجم الحنفية: أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي ت 1304هـ، الهند، 1393هـ. 282 - الكامل في التاريخ: علي بن محمد الجزري، المعروف بابن الأثير ت 630هـ، تحقيق: عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1415هـ. 283 - الكامل في ضعفاء الرجال: عبد الله بن عدي الجرجاني ت 365هـ، تحقيق: يحيى مختار غزاوي، دار الفكر، بيروت، ط3، 1409هـ. 284 - لسان الميزان: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852هـ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط3، 1406هـ. 285 - معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1414هـ.
سابعا: كتب ورسائل متنوعة
286 - المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد: عبد الرحمن بن محمد العليمي ت 928هـ، أشرف علي التحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، دار صادر، بيروت، ط1، 1997م. 287 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال: محمد بن أحمد الذهبي ت 748هـ، تحقيق: علي محمد معوض، وعادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1995م. 288 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: يوسف بن تغري الأتابكي ت 874هـ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، مصر. 289 - نيل الابتهاج بتطريز الديباج: أحمد بن أحمد التنبكتي، دار الكتب العلمية، بيروت. 290 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: أحمد بن محمد بن خلكان ت 681هـ، تحقيق: إحسان عباس، دار الثقافة، لبنان. سابعًا: كتب ورسائل متنوعة: 291 - الإجماع: محمد بن إبراهيم بن المنذر ت 318هـ، تحقيق: صغير أحمد حنيف، مكتبة الفرقان، عجمان، ط2، 1420هـ. 292 - أحكام المرضى: أحمد بن إبراهيم المعروف بابن تاج الدين الحنفي ت 1060هـ، تحقيق: محمد سرور البلخي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، ط1، 1418هـ. 293 - أحكام المريض في الفقه الإسلامي: أبو بكر إسماعيل ميقا، دار الفكر، بيروت، ط3، 1401هـ.
294 - اختلاف الفقهاء: محمد بن نصر المروزي ت 294هـ، تحقيق: محمد طاهر حكيم، أضواء السلف، الرياض، ط1، 1420هـ. 295 - الإقناع في مسائل الإجماع: علي بن محمد المعروف بابن القطّان ت 628هـ، تحقيق: حسين بن فوزي الصعيدي، دار الفاروق الحديثة، القاهرة، ط1، 1424هـ. 296 - الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف: محمد بن إبراهيم بن المنذر ت 318هـ، تحقيق: صغير أحمد حنيف، دار طيبة، الرياض، ط2، 1414هـ. 297 - البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار: أحمد بن يحيى المرتضى ت 840هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1394هـ. 298 - بدائع الفوائد: محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ت 751هـ، تحقيق: هشام عطا، وعادل عبد الحميد، مكتبة نزار الباز، مكة المكرمة، ط1، 1416هـ. 299 - التداخل بين الأحكام في الفقه الإسلامي: خالد بن سعد الخشلان، دار إشبيليا، الرياض، ط1، 1419هـ. 300 - التيمم أحكامه ومسائله: مساعد بن قاسم الفالح، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1412هـ. 301 - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب: عبد القادر بن عمر البغدادي ت 1093هـ، تحقيق: محمد نبيل طريفي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1998م. 302 - ديوان المثقب العبدي، جامعة الدول العربية، 1391هـ. 303 - الروضة الندية شرح الدرر البهية: صديق حسن القنوجي ت 1307هـ، تحقيق: علي بن حسن الحلبي، دار ابن عفان، القاهرة، ط1، 1420هـ.
304 - زاد المعاد في هدي خير العباد: محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ت 751هـ، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط23، 1409هـ. 305 - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار: محمد بن علي الشوكاني ت 1250هـ، تحقيق: محمد صبحي حلاَّق، دار ابن كثير، دمشق، ط1، 1421هـ. 306 - شرح ديوان امرئ القيس، جمع وتحقيق: حسن السندوبي، شرح: أسامة صلاح الدين، دار إحياء العلوم، بيروت، ط1، 1410هـ. 307 - الشعر والشعراء: عبد الله بن مسلم بن قتيبة ت 276هـ، تحقيق: مفيد قميحة، دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1405هـ. 308 - الشك وأثره في نجاسة الماء وطهارة البدن وأحكام الشعائر التعبدية: عبد الله بن محمد السليمان، دار طويق، الرياض، ط1، 1421هـ. 309 - طهارة أصحاب الأعذار المرضية للصلاة في الشريعة: محمد حسن أبو يحيى، مجلة دراسات، الجامعة الأردنية، ضمن العدد العشرين، 1414هـ. 310 - طهارة أصحاب الأعذار غير المرضية في الشريعة الإسلامية: محمد حسن أبو يحيى، دار اليازوري العلمية، عمان، 1418هـ. 311 - فتاوى الإمام صديق حسن القنوجي ت 1307هـ، اعتنى به: محمد لقمان السلفي، دار الداعي، الرياض، ط1، 1422هـ. 312 - فقه الممسوحات في الشريعة الإسلامية: علي بن سعيد الغامدي، دار ابن عفان، الخبر، ط1، 1416هـ.
313 - اللباب في الجمع بين السنة والكتاب: علي بن زكريا المنبجي ت 686هـ، تحقيق: محمد فضل المراد، دار القلم، دمشق، ط2، 1414هـ. 314 - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، جمع وترتيب: محمد بن سعد الشويعر، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، ط2، 1423هـ. 315 - معرفة أوقات العبادات: خالد علي المشيقح، دار المسلم، الرياض، ط1، 1418هـ. 316 - المفضليات: المفضل بن محمد الضبي ت 178 هـ، تحقيق: أحمد محمد شاكر، وعبد السلام محمد هارون، دار المعارف، مصر، ط10، 1994م. 317 - موسوعة أحكام الطهارة: دبيان محمد الدبيان، مكتبة الرشد، الرياض، ط2، 1426هـ. 318 - الموسوعة العربية العالمية: مؤسسة أعمال الموسوعة، الرياض، ط2، 1419هـ. 319 - الموسوعة الفقهية: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت. 320 - النسيان وأثره في الطهارة والصلاة: بدرية محمد البهلكي، كنوز المعرفة، جدة، ط1، 1421هـ. ***