أحكام الاكتتاب في الشركات المساهمة

حسان السيف

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: فإن شريعة الإسلام شريعة تميزت بالثبات، والشمول لكل نواحي الحياة في كل عصر، وفي كل مكان، وذلك لأنها تشريع من خالق الأكوان والأزمان، العليم بكل ما كان، وما هو كائن إلى قيام الساعة. وفي عصرنا الحاضر عجزت القوانين والتشريعات الوضعية عن أن تضع قانونا لا يحتاج إلى المراجعة والتعديل مع تسارع متغيرات العصر، وذلك لأن هذه التشريعات من صنع البشر الذين يقصر علمهم عما يستقبلهم من تغير في جميع نواحي الحياة، لذا لم يكن هناك تشريع يستطيع مجاراة هذه المتغيرات وتنظيمها، مع ثبات في أسس هذا التشريع، ومرونة في تطبيق مبادئه، سوى التشريع الإسلامي، لأنه من لدن حكيم عليم. ومن الأمور البارزة في متغيرات عصرنا الحاضر، اتساع التجارة، والنمو الاقتصادي على المستوى المحلي والدولي، مما نتج عنه تجدد المعاملات التجارية، وتنوعها، والمسلمون حينما يحتاجون إلى التعامل بهذه المعاملات، لابد أن يعرفوا حكم الله فيها، لأن شريعة الله عز وجل حاكمة على المسلم في جميع شؤون حياته.

ومن السمات المميزة للحركة التجارية في العصر الحديث قيام أغلب المعاملات التجارية على مبدأ الشركة، وذلك لأن توسع المشاريع التجارية، وتضخمها يتطلب وجود رؤوس أموال كبيرة يعجز الأفراد عن إيجادها وحدهم، مما حدا بالكثير منهم إلى العمل على توسيع نطاق المشاركة في رؤوس أموال مشاريعهم عن طريق طرحها لعامة الناس بأسلوب الاكتتاب الذي يكاد يكون الملجأ الوحيد في عصرنا الحاضر لأصحاب تلك المشاريع. وعلى الطرف الآخر، فإن عامة الناس وصغار المستثمرين قد وجدوا في مبدأ الاكتتاب مجالاً مناسباً لاستثمار رؤوس أموالهم الصغيرة، لتكون جزءاً من مشاريع كبيرة يرجى لها النجاح. ولهذا وذاك، نشطت الحركة الاقتصادية في السوق السعودي، وكان ثمار ذلك تأسيس الكثير من الشركات المساهمة الجديدة حيث تنتظر السوق المحلية السعودية في الفترة القريبة القادمة طرح العديد من الشركات للاكتتاب العام، وقد أعلنت وزارة التجارة والصناعة عن موافقتها على تحويل خمس عشرة شركة خاصة إلى شركات مساهمة وطرحها للاكتتاب العام في هذه السنة، فكان هذا الموضوع حرياً بإفراد بحث يجمع شتاته، ويبين أحكامه. أهمية دراسة الموضوع: تتلخص أهمية الموضوع في النقاط التالية: 1 - اعتماد كثير من الشركات والمشاريع التجارية على الاكتتاب إما في بدايتها، أو عند حاجتها لزيادة رأس المال. 2 - إقبال كثير من الناس على الاكتتاب في تلك الشركات، وذلك بسبب ما يتوقع من النجاح الكبير لتلك الشركات. 3 - تجدد وتنوع بعض المعاملات المتعلقة بالاكتتاب.

أسباب اختيار الموضوع: 1 - ما ذكرته آنفاً من أهمية هذا الموضوع، وتوجه الكثير من المستثمرين إليه، سواء كانوا تجاراً أم من عامة الناس، حتى إنه يكاد يكون في العصر الحاضر أحد الخطوات الأساسية لتأسيس المشاريع الضخمة، أو زيادة رأس مالها. 2 - تسرع الكثير من الناس في الاكتتاب في الشركات مع جهلهم بالأحكام الشرعية المنظمة لمثل هذه الشركات. 3 - تسرع الكثير من الناس في تداول أسهم الشركات حديثة التأسيس مع جهلهم بالأحكام الشرعية المنظمة لمثل تلك المعاملة. 4 - اتخاذ كثير من الناس لوسائل وحيل متنوعة للظفر بأكبر قدر من أسهم تلك الشركات بسبب الربح الوفير الذي ينتج عن الاكتتاب في كثير من الشركات حديثة التأسيس، وذلك لارتفاع القيمة السوقية بسبب حركة أسواق الأسهم. 5 - قيام بعض البنوك باستغلال إقبال الناس على الاكتتاب، وذلك بإيجاد أساليب متنوعة لتمويل المكتتبين. 6 - حاجة المنظم السعودي، والمفتين، والقضاة، وعامة الناس، لمعرفة أحكام تلك المعاملات المتعلقة بالاكتتاب، مع قلة الدراسات الفقهية المتخصصة فيها، وذلك لكون معظمها من النوازل التي تحتاج للبحث والدراسة قبل إصدار، الفتاوى والأحكام الشرعية فيها. الدراسات السابقة: قمت بالبحث في عدد من المكتبات عن دراسة فقهية متخصصة في الاكتتاب فلم أجد من خصص دراسة فقهية لبحث هذا الموضوع، وإنما وجدت بعض الرسائل الجامعية المتخصصة في مواضيع لها صلة بالاكتتاب، وقد تطرقت للاكتتاب بشكل موجز جداً، وسوف أعرض هذه البحوث على النحو الآتي:

1 - (الأسهم والسندات وأحكامها في الفقه الإسلامي)، وهي رسالة جامعية للدكتور أحمد بن محمد الخليل، ولم يتطرق إلا إلى تعريف الاكتتاب في ثلاثة أسطر، ولم يتعرض بالبحث إلى غير ذلك من المباحث المتعلقة بالاكتتاب. 2 - (شركة المساهمة في النظام السعودي، دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي)، وهي رسالة جامعية للدكتور صالح بن زابن المرزوقي، وقد بحث الاكتتاب في سبع صفحات فقط، مجملها نقل لإجراءات الاكتتاب من نظام الشركات السعودي. 3 - (الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي)، وهي رسالة جامعية للدكتور عبد العزيز عزت الخياط، وقد بحث موضوع الاكتتاب عند حديثه عن إنشاء الشركة المساهمة، لكنه لم يتحدث إلا في صفحة ونصف الصفحة عن تعريف الاكتتاب، وبعض إجراءاته. منهجي في البحث: 1 - أقوم بتصوير المسألة تصويراً دقيقا ًقبل بيان حكمها. 2 - إذا كانت المسألة من مواضع الاتفاق، فأذكر حكمها بدليله مع توثيق الاتفاق من مظانه المعتبرة. 3 - إذا كانت المسألة من مسائل الخلاف فاتبع الآتي: أ- أحرر محل النزاع إذا كانت بعض صور المسألة محل خلاف، وبعضها محل اتفاق. ب- أذكر الأقوال في المسألة وبيان من قال بها من أهل العلم. ج- توثيق الأقوال من مصادرها الأصلية. د- استقصاء أدلة الأقوال مع بيان وجه الدلالة، وذكر ما يرد عليها من مناقشات وما يجاب به عنها إن أمكن ذلك، وأذكر ذلك بعد الدليل مباشرة.

هـ- أقوم بالترجيح مع بيان سببه، وذكر ثمرة الخلاف إن وجدت. 4 - أعتمد على أمهات المصادر الأصلية إن وجدت فيها ما يغني عن غيرها، وذلك في التحرير والتوثيق والتخريج والجمع. 5 - أركز على موضوع البحث، وأتجنب الاستطراد. 6 - أعتني بضرب الأمثلة خاصة الواقعية. 7 - أتجنب ذكر الأقوال الشاذة. 8 - أعتني بدراسة ما جد من القضايا مما له صلة واضحة بالبحث. 9 - أقوم بترقيم الآيات، وبيان سورها مضبوطة بالشكل. 10 - أقوم بتخريج الأحاديث من مصادرها الأصلية، وإثبات الكتاب، والباب، والجزء والصفحة، وبيان ما ذكره أهل الشأن في درجتها إن لم تكن في الصحيحين أو أحدهما، فإن كانت في أحدهما فأكتفي بذلك دون تخريجها. 11 - أقوم بتخريج الآثار من مصادرها الأصلية، والحكم عليها. 12 - أقوم بالتعريف بالمصطلحات من كتب الفن الذي يتبعه المصطلح، أو من كتب المصطلحات المعتمدة. 13 - أقوم بتوثيق المعاني من معاجم اللغة المعتمدة، وتكون الإحالة عليها بالمادة، والجزء، والصفحة. 14 - أعتني بقواعد اللغة العربية، والإملاء، وعلامات الترقيم، وعلامات التنصيص للآيات الكريمة وللأحاديث الشريفة، وللآثار، ولأقوال العلماء. 15 - أقوم بوضع خاتمة، تكون متضمنة أهم النتائج والتوصيات التي أراها. 16 - أترجم للأعلام غير المشهورين بإيجاز بذكر اسم العلم،

ونسبه، وتاريخ وفاته، ومذهبه العقدي والفقهي، والعلم الذي اشتهر به، ومؤلفاته. 17 - إذا ورد في البحث ذكر أماكن، أو قبائل، أو فرق، أو أشعار، أو غير ذلك، فإني أضع لها فهرساً خاصاً إن كان له من العدد ما يستدعي ذلك. 18 - أقوم باتباع الرسالة بالفهارس الفنية التالية: - فهرس الآيات القرآنية. - فهرس الأحاديث والآثار. - فهرس الأعلام. - فهرس المراجع والمصادر. - فهرس الموضوعات. صعوبات البحث: 1 - جدة الموضوع وكونه أول بحث فقهي لمسائل الاكتتاب التي في أغلبها من النوازل المعاصرة، مما نتج عنه قلة المراجع والمصادر الفقهية المعينة على البحث. 2 - قصر الوقت المحدد للبحث مع كثرة المسائل المتعلقة بالبحث، وصعوبة البحث فيها. 3 - عدم وضوح الأنظمة المتعلقة بعملية الاكتتاب وعدم تفصيلها لمراحل الاكتتاب المتعددة. وختاما، فإني أشكر الله عز وجل أن يسر لي إتمام البحث رغم الصعوبات المتعددة، كما أشكر لشيخي الفاضل المشرف على البحث الدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي، الأستاذ المساعد بالمعهد، على ما بذله من نصح وإرشاد، مما كان له الأثر البالغ في إتمام هذا البحث وإنجازه.

والشكر موصول للمعهد العالي للقضاء الذي أتاح لي هذه الفرصة، ولجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أدامها الله منارة علم وإرشاد لطلبة العلم والدارسين. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. * * * * *

خطة البحث

خطة البحث جعلت البحث مكوناً من مقدمة، وتمهيد، وستة فصول، وخاتمة، وفقا للتفصيل الآتي: المقدمة: وتشتمل على: 1 - أهمية دراسة الموضوع. 2 - أسباب اختيار الموضوع. 3 - الدراسات السابقة. 4 - منهجي في البحث. * تمهيد: وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: التعريف بمصطلحات البحث، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: تعريف الاكتتاب لغة، واصطلاحاً. المطلب الثاني: تعريف الشركة لغة، واصطلاحاً. المطلب الثالث: تعريف الشركة المساهمة اصطلاحاً. المبحث الثاني: تأسيس الشركة المساهمة، وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: إجراءات تأسيس الشركة المساهمة. المطلب الثاني: رأس مال الشركة المساهمة. المطلب الثالث: التزامات المؤسسين، وحقوقهم. المطلب الرابع: التزامات المساهمين، وحقوقهم. المطلب الخامس: شروط الاكتتاب في النظام. المبحث الثالث: أنواع الاكتتاب، وتكييف كل نوع في النظام، وفيه مطلبان: المطلب الأول: الاكتتاب التأسيسي للشركة.

المطلب الثاني: الاكتتاب اللاحق لتأسيس الشركة. * الفصل الأول: التكييف الشرعي للشركة المساهمة، ولعملية الاكتتاب، والآثار المترتبة على ذلك. وفيه مبحثان: المبحث الأول: التكييف الشرعي للشركة المساهمة، والآثار المترتبة على ذلك. وفيه مطلبان: المطلب الأول: التكييف الشرعي للشركة المساهمة. المطلب الثاني: الآثار المترتبة على ذلك. المبحث الثاني: التكييف الشرعي لعملية الاكتتاب، والآثار المترتبة على ذلك. وفيه مطلبان: المطلب الأول: التكييف الشرعي لعملية الاكتتاب. المطلب الثاني: حكم الاكتتاب. وفيه مسألتان: الأولى: حكمه من حيث الأصل. الثانية: حكمه بالنظر إلى نشاط الشركة. * الفصل الثاني: إدارة وتسويق الاكتتاب. وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: مسؤوليات مدير الاكتتاب. المبحث الثاني: التكييف الشرعي للعلاقة بين الشركة المساهمة ومدير الاكتتاب، وفيه مطلبان: المطلب الأول: إدارة الاستثمار وعلاقتها بعقد الوساطة المالية (السمسرة). المطلب الثاني: أنواع الوساطة المالية في الاكتتاب: النوع الأول: الوساطة المقدرة بالزمن. النوع الثاني: الوساطة المقدرة بالعمل. المبحث الثالث: ضمان الإصدار، وفيه مطلبان: المطلب الأول: بيان المراد بضمان الإصدار. المطلب الثاني: التخريجات الشرعية لضمان الإصدار، وفيه فرعان: الفرع الأول: تخريجه على عقد الضمان، وفيه ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: مستند هذا التخريج. المسألة الثانية: ما يترتب على هذا التخريج. المسألة الثالثة: مناقشة هذا التخريج. الفرع الثاني: تخريجه على بيع الوضعية، وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: مستند التخريج. المسألة الثانية: ما يترتب على التخريج. المسألة الثالثة: مناقشة التخريج. * الفصل الثالث: الاكتتاب باسم شخص آخر. وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: استعمال المكتتب لاسم غيره في الاكتتاب: وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: استعمال الاسم بعوض. المطلب الثاني: استعمال الاسم بغير عوض. المطلب الثالث: استعمال الاسم على سبيل المشاركة في الربح. المبحث الثاني: الاكتتاب باسم الزوجة والأولاد. وفيه مطلبان: المطلب الأول: الاكتتاب باسم الزوجة. المطلب الثاني: الاكتتاب باسم الأولاد. المبحث الثالث: اكتتاب الولي بأسماء القصر الذين تحت ولايته. المبحث الرابع: التوكيل في الاكتتاب. * الفصل الرابع: تمويل الاكتتاب، وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: التمويل بالإقراض. وفيه مطلبان: المطلب الأول: الإقراض بفائدة نسبية على مبلغ القرض. المطلب الثاني: الإقراض بمبالغ مقطوعة مقابل القرض (الرسوم الإدارية). وفيه فرعان: الفرع الأول: الرسوم الإدارية التي بقدر تكلفة عملية التمويل. الفرع الثاني: الرسوم الإدارية التي تزيد عن التكلفة الفعلية لعملية التمويل.

المبحث الثاني: التمويل بالبيع بالآجل، وفيه مطلبان: المطلب الأول: كيفية التمويل بالبيع الآجل. المطلب الثاني: حكم التمويل بالبيع الآجل. المبحث الثالث: التمويل بالمشاركة: وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: أنواع التمويل بالمشاركة، وفيه فرعان: الفرع الأول: المشاركة بالعمل (المضاربة). الفرع الثاني: المشاركة بالمال (العنان). المطلب الثاني: حكم التمويل بالمشاركة. المطلب الثالث: الاعتراضات الواردة على التمويل بالمشاركة، ومناقشتها، وفيه ثلاثة أفرع: الفرع الأول: عدم تملك الممول للأسهم تملكاً حقيقياً. الفرع الثاني: بيع الممول حصته من الأسهم قبل قبضها. الفرع الثالث: توكيل المتمول بالاكتتاب والبيع والقبض. * الفصل الخامس: التخصيص، وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: تعريف التخصيص لغة، واصطلاحاً. المبحث الثاني: التخصيص في النظام. المبحث الثالث: التكييف الفقهي للتخصيص، وفيه مطلبان: المطلب الأول: التكييف الفقهي لعملية التخصيص. المطلب الثاني: حكم استثمار أموال الاكتتاب قبل التخصيص. * الفصل السادس: تداول أسهم الشركات في مرحلة الاكتتاب، وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: التعريف بالتداول، لغة واصطلاحاً. المبحث الثاني: التكييف الشرعي والقانوني للسهم، والآثار المترتبة على ذلك. وفيه مطلبان: المطلب الأول: التكييف الشرعي والقانوني للسهم. المطلب الثاني: الآثار المترتبة على ذلك.

المبحث الثالث: كيفية قبض الأسهم، وأثر ذلك في عملية التداول. المبحث الرابع: حكم تداول أسهم الشركات في مرحلة الاكتتاب، وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: حكم تداول الأسهم قبل طرحها للاكتتاب. المطلب الثاني: حكم تداول الأسهم بعد الاكتتاب، وقبل التخصيص. المطلب الثالث: حكم تداول الأسهم بعد التخصيص، وقبل الإذن بالتداول. المطلب الرابع: حكم تداول الأسهم بعد التخصيص، والإذن بالتداول. * الخاتمة. * الفهارس.

تمهيد

تمهيد وفيه ثلاثة مباحث المبحث الأول: التعريف بمصطلحات البحث. المبحث الثاني: تأسيس الشركة المساهمة. المبحث الثالث: أنواع الاكتتاب، وتكييف كل نوع في النظام.

المبحث الأول التعريف بمصطلحات البحث

المبحث الأول التعريف بمصطلحات البحث المطلب الأول: تعريف الاكتتاب لغة واصطلاحاً أولا: الاكتتاب: لغة: الاكتتاب مصدر سداسي فعله اكتتب، أي: كتب، وكانت العرب تقول عن من كتب نفسه في ديوان السلطان: اكتتب، ويقال: اكتتب فلان فلاناً أي: سأله أن يكتب له كتاباً في حاجة، واستكتبه الشيء، أي: سأله أن يكتبه له، واكتتبه، أي: استملاه، ومنه قوله تعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان: 5]. واكتتبه: كتبه، واكتتبته: كتبته، وفي الحديث عن ابن عباس أن رجلا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: «انطلق فحج مع امرأتك» (¬1)، رواه مسلم. فقوله: (اكتتبت في غزوة كذا وكذا)، أي: كتبت اسمي في جملة الغزاة، والكتبة: الاكتتاب في الفرض والرزق، ويقال: اكتتب فلان، أي: كتب اسمه في الفرض، والمكتب بوزن المخرج الذي يعلم الكتابة (¬2). ¬

(¬1) رواه مسلم في كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، حديث رقم (2391). (¬2) انظر: مختار الصحاح 1/ 234، لسان العرب 1/ 699، 698.

ثانيا: الاكتتاب اصطلاحاً: لم يضع نظام الشركات السعودي تعريفاً محدداً للاكتتاب، ولكن بعض الباحثين اجتهدوا في تعريف الاكتتاب، فمنهم من عرفه بأنه: (تصرف قانوني يعبر فيه المكتتب عن رغبته في الانضمام للشركة ليكون مساهماً فيها بتقديم حصته النقدية من رأس المال المعروض للجمهور ليحصل على ما يقابلها من أسهم) (¬1). وهذا التعريف قصر عملية الاكتتاب على تصرف المكتتب، وهو ما عبر عنه بإبداء الرغبة في الانضمام للشركة، ولكن يؤخذ عليه أنه لم يذكر ما يسبق تصرف المكتتب وهو طرح الشركة المساهمة أسهمها للاكتتاب الذي يعتبر جزءا أساسيا من عملية الاكتتاب. ومنهم من عرف الاكتتاب بأنه: (انضمام الشخص إلى عقد الشركة بتقديمه قيمة الحصة، ويعطي مقابلاً لها سهماً قابلاً للتداول، ويكتسب بمقتضاه صفة الشريك) (¬2). وقد تميز هذا التعريف بذكر تقديم المكتتب لقيمة الحصة، ولكن يؤخذ عليه ما أخذ على التعريف السابق، إذ لم يتضمن التعريف دعوة الشركة المساهمة إلى الاكتتاب في أسهمها. وهناك من عرف الاكتتاب بأنه: (عمل إداري يتم بمقتضاه انضمام المكتتب إلى الشركة تحت التأسيس، مقابل الإسهام في رأس مال الشركة بعدد معين من الأسهم المطروحة، وهو دعوة توجه إلى أشخاص غير محددين سلفا للإسهام في رأس المال) (¬3). وهذا التعريف تدارك النقص في التعريفين السابقين، إذ استدرك ¬

(¬1) الاكتتاب، عباس العبيدي ص115. (¬2) القانون التجاري، د. سميحة القيلوبي 2/ 170. (¬3) شركات المساهمة، د. أبو زيد رضوان ص55.

ذلك في نهاية التعريف بقوله: (وهو دعوة إلى أشخاص غير محددين سلفاً للإسهام في رأس المال)، ولكن كان الأولى أن تكون هذه الجملة في صدر التعريف مراعاة للترتيب المنطقي لعملية الاكتتاب. ومما يؤخذ عليه أنه قصر تعريف الاكتتاب على الشركات تحت التأسيس، والاكتتاب في الواقع يكون في أسهم الشركة تحت التأسيس وكذلك في أسهم الشركات القائمة التي تطرح الاكتتاب في أسهمها لزيادة رأس مالها. وعليه، فيمكن أن نستخلص من التعريفات السابقة التعريف المختار للاكتتاب بأنه: (دعوة توجهها الشركة المساهمة إلى أشخاص غير محددين سلفاً للإسهام في رأس المال، وذلك بأن يدفع الشخص قيمة عدد معين من الأسهم، فتعطيه الشركة من أسهمها ما يقابل ما أخذته منه من مال). شرح التعريف: (دعوة توجهها الشركة ... )، أي: عرض الشركة أسهما من رأس مالها، عبر نشرها لنشرة الاكتتاب، وهو الإجراء الأول من إجراءات عملية الاكتتاب. (بأن يدفع الشخص قيمة عدد معين من الأسهم ... )، وهو يتمثل في إيجاب المكتتب، وذلك بتعبئته لقسيمة الاكتتاب، وهذا هو الإجراء الثاني من إجراءات عملية الاكتتاب. (فتعطيه الشركة من أسهمها ما يقابل ما أخذت منه من مال)، وهذا هو الإجراء الأخير وهو ما يسمى بالتخصيص، وذلك يتضمن إعلان الشركة قبولها اكتتاب المكتتبين وبيان نصيب كل مكتتب من عدد الأسهم. المناسبة بين التعريف اللغوي والاصطلاحي: تظهر المناسبة بين التعريفين واضحة، حيث أنه كان يقال: اكتتب، لمن كتب اسمه في ديوان السلطان ليأخذ قرضاً، وكذا يقال: اكتتب:

المطلب الثاني: تعريف الشركة لغة واصطلاحا

لمن كتب اسمه في الأوراق المعدة للاكتتاب في الشركات المساهمة. والأول يريد نصيباً من بيت المال، والآخر يريد نصيباً من أسهم الشركة، وقيل لكل منهما أنه اكتتب، لأن كلا منهما لابد أن يكتب اسمه وصفته في الأوراق المعدة لذلك. المطلب الثاني: تعريف الشركة لغة واصطلاحاً أولا: تعريف الشركة لغة: مخالطة الشريكين، يقال: اشتركنا بمعنى تشاركنا، وقد اشترك الرجلان، وتشاركا، وشارك أحدهما الآخر، والشريك المشارك، والشرك كالشريك، يقال: شريك، وأشراك، كما يقال: يتيم وأيتام، ونصير وأنصار، وهو مثل شريف وأشراف وشرفاء، والمرأة شريكة والنساء شرائك، وشاركت فلانا صرت شريكه (¬1). ثانيا: تعريف اللغة اصطلاحاً: يطلق الفقهاء لفظ الشركة على نوعين من أنواع الشركة، وهما: شركة الملك، وشركة العقد. وبحثنا يتعلق بالنوع الثاني وهو ما يسمى بشركة العقد. أما شركة الملك فإنهم يريدون بها: الاجتماع في الاستحقاق، كاجتماع اثنين أو أكثر في تملك عقار أو منفعة أو نحو ذلك (¬2). وأما شركة العقد التي نحن بصدد البحث فيها، فقد تنوعت تعريفات الفقهاء لها، فمن تعاريف الحنفية لها أنها: (عبارة عن عقد بين المتشاركين في الأصل والربح) (¬3). ¬

(¬1) لسان العرب 10/ 448، مادة: (شرك). (¬2) انظر: الروض المربع 7/ 8. (¬3) رد المحتار 4/ 299.

المطلب الثالث: تعريف الشركة المساهمة

ومن تعاريف المالكية لها أنها: (إذن كل واحد من المتشاركين لصاحبه في أن يتصرف في ماله له ولصاحبه مع تصرفهما لأنفسهما أيضا) (¬1). ومن تعاريف الشافعية لها أنها: (عقد يقتضي ثبوت الحق في شيء لاثنين فأكثر على جهة الشيوع) (¬2). وعرفها الحنابلة بأنها: (اجتماع في تصرف من بيع ونحوه) (¬3). وعرف نظام الشركات السعودي في المادة (1) الشركة بأنها: (عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح بتقديم حصة من مال، أو عمل، لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح، أو خسارة) (¬4). وبالتأمل في هذه التعاريف نجد أنها تشير إلى معنى واحد وهو أن الشركة عقد مكون بين أكثر من شخص، وأنه يثبت في الشركة حقوق وواجبات على المتشاركين فيها، وهذه المعاني متفق عليها بين الفقهاء، وما ورد في تعاريفهم من قيود زائدة على هذا المعنى فللفقهاء فيها تفاصيل ليس المراد بسطها في هذا المبحث. المطلب الثالث: تعريف الشركة المساهمة الشركة المساهمة لم تنشأ إلا في العصر الحديث، ولم تكن معروفة عند الفقهاء المتقدمين، لذا لا تجد لها ذكرا فيما كتبه الفقهاء المتقدمون عن الشركات. وعليه فإن المعتمد في تعريفها ما ورد في نظام الشركات السعودي ¬

(¬1) شرح مختصر خليل للخرشي 6/ 38. (¬2) حاشية الجمل 3/ 392. (¬3) الروض المربع 7/ 8. (¬4) نظام الشركات ص9.

حيث جاء فيه أن الشركة المساهمة هي: (الشركة التي ينقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية القيمة، وقابلة للتداول، ولا يسأل الشركاء فيها إلا بقدر قيمة أسهمهم، ولا يجوز أن يقل عدد الشركاء فيها عن خمسة) (¬1). ويتضح من التعريف أن الشركة المساهمة شركة لا تقوم على الاعتبار الشخصي بين المساهمين فيها، لذا يسميها شراح الأنظمة: (شركة أموال) (¬2)، وترتب على ذلك أن مسؤولية الشركاء فيها بقدر قيمة أسهمهم فقط، كما أنها لا تفلس بإفلاس أحد المساهمين، ولا تحل بموت أحدهم، ولا بتنازله عن أسهمه لغيره (¬3)، وتتمثل حصة الشريك فيها في سهم قابل للتداول بالطرق التجارية. ولما كانت الشركة المساهمة بهذه المثابة، فإن نظام الشركات نص في المادة (12) على أن جميع العقود والمخالصات والإعلانات وغيرها من الأوراق التي تصدر عن الشركة يجب أن تحمل اسمها، وبيانا عن نوعها، ومركزها الرئيسي، ومقدار رأس مال الشركة، ومقدار المدفوع منه، وإذا انقضت الشركة وجب أن يذكر في الأوراق التي تصدر منها أنها تحت التصفية (¬4). * * * * * ¬

(¬1) نظام الشركات ص20. (¬2) انظر: القانون التجاري السعودي ص239. (¬3) شركة المساهمة في النظام السعودي ص274. (¬4) نظام الشركات ص11، وانظر: في تعريف الشركة المساهمة، أحكام التعامل في الأسواق المالية 1/ 106.

المبحث الثاني تأسيس الشركة المساهمة

المبحث الثاني تأسيس الشركة المساهمة المطلب الأول: إجراءات تأسيس الشركة المساهمة لما كانت شركة المساهمة من الشركات التي تنشأ غالبا للقيام بالمشاريع الضخمة، كان لابد عند تأسيسها من القيام بإجراءات متعددة، منها ما يتعلق بالنواحي الفنية للشركة، كإجراء الدراسات الفنية، أو إنشاء المصانع وشراء الآلات والمواد الأولية، ومنها ما يتعلق بالنواحي النظامية لتأسيس الشركة، فأما الإجراءات التي تتعلق بالنواحي الفنية فليست موضع حديثنا في هذا البحث. وأما الإجراءات النظامية فهي التي تعنينا في هذا البحث، والتي ألزم بها نظام الشركات السعودي كل من أراد تأسيس شركة مساهمة، وسوف نعرض أهم تلك الإجراءات وهي تتمثل في الخطوات الآتية (¬1): 1 - تقديم طلب ترخيص لتأسيس الشركة موقعا عليه من خمسة شركاء على الأقل، ويبين في الطلب كيفية الاكتتاب برأس مال الشركة، وعدد الأسهم التي قصرها المؤسسون (¬2) على أنفسهم، ¬

(¬1) نظام الشركات ص 20 وما بعدها، القانون التجاري السعودي ص249 وما بعدها. (¬2) نصت المادة (53) من نظام الشركات على أن المؤسس هو: كل من وقع عقد الشركة المساهمة، أو طلب الترخيص بتأسيسها، أو قدم حصة عينية عند تأسيسها، أو اشترك اشتراكا فعليا في تأسيس الشركة.

ومقدار ما اكتتب به كل منهم، ويرفق به صورة من عقد الشركة، ونظامها، موقعا على كل صورة من الشركاء وغيرهم من المؤسسين، ولابد أن يكون نظام الشركة مطابقا لنموذج نظام الشركة المساهمة الذي يصدره وزير التجارة. 2 - يصدر وزير التجارة ترخيصاً لتأسيس الشركة ينشر في الجريدة الرسمية بعد الاطلاع على دراسة تثبت الجدوى الاقتصادية لأغراض الشركة ما لم تكن الشركة قد قدمت مثل هذه الدراسة لجهة حكومية أخرى مختصة رخصت بإقامة المشروع. واستثنى النظام أنواعا من الشركات المساهمة لا يجوز تأسيسها إلا بترخيص يصدر به مرسوم ملكي بناء على موافقة مجلس الوزراء وعرض وزير التجارة، على أن يراعي ما تقضي به الأنظمة وهذه الشركات هي: أ- ذات الامتياز. ب- التي تدير مرفقاً عاماً. ج- التي تقدم لها الدولة إعانة. د- التي تشترك فيها الدولة أو غيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، وتستثنى من ذلك المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وصندوق معاشات التقاعد. هـ- التي تزاول أعمالاً مصرفية. 3 - إذا لم يقصر المؤسسون على أنفسهم الاكتتاب بجميع الأسهم كان عليهم أن يطرحوا للاكتتاب العام الأسهم التي لم يكتتبوا بها، وذلك خلال ثلاثين يوما من تاريخ نشر المرسوم الملكي، أو قرار وزير التجارة المرخص بتأسيس الشركة في الجريدة الرسمية، ولوزير التجارة أن يأذن عند الضرورة بمد هذا الميعاد لمدة لا تتجاوز ثلاثين يوما. 4 - يتم طرح الأسهم لاكتتاب الجمهور عن طريق البنوك التي يعنيها وزير التجارة، ويودع المؤسسون لدى البنوك المصرح لها بتلقي

الاكتتاب نسخا كافية من نظام الشركة، ويجوز لكل ذي شأن أن يحصل على نسخة منها بثمن معقول. وتكون دعوة الجمهور للاكتتاب العام بنشرة تشتمل على أهم البيانات عن الشركة، تعلن في جريدة يومية توزع في المركز الرئيسي قبل تاريخ بدء الاكتتاب بخمسة أيام على الأقل، ويوقع هذه النشرة المؤسسون الذين وقعوا طلب الترخيص، ويكونون مسؤولين بالتضامن عن صحة البيانات الواردة فيها وعن استيفائها البيانات التالية: 1 - أسماء المؤسسين، ومحال إقامتهم، ومهنهم، وجنسياتهم. 2 - اسم الشركة وغرضها، ومركزها الرئيسي. 3 - مقدار رأس المال المدفوع، ونوع الأسهم وقيمتها، وعددها، ومقدار ما طرح منها للاكتتاب العام، وما اكتتب به المؤسسون، والقيود المفروضة على تداول الأسهم. 4 - المعلومات الخاصة بالحصص العينية، والحقوق المقررة لها. 5 - المزايا الخاصة الممنوحة للمؤسسين أو لغيرهم. 6 - طريقة توزيع الأرباح. 7 - بيان تقديري لنفقات تأسيس الشركة. 8 - تاريخ بدء الاكتتاب، ونهايته، ومكانه، وشروطه. 9 - طريقة توزيع الأسهم على المكتتبين إذا زاد عدد الأسهم المكتتب بها على العدد المطروح للاكتتاب. 10 - تاريخ صدور المرسوم الملكي المرخص بتأسيس الشركة ورقم عدد الجريدة الرسمية الذي نشر فيه. 5 - يظل الاكتتاب مفتوحا مدة لا تقل عن عشرة أيام، ولا تجاوز تسعين يوما، وإذا لم يتم الاكتتاب في رأس المال بالكامل خلال المدة المذكورة جاز بإذن من وزير التجارة مد فترة الاكتتاب مدة لا تزيد على تسعين يوماً.

6 - يتم الاكتتاب بأن يوقع المكتتب أو من ينوب عنه وثيقة تشتمل بصفة خاصة على اسم الشركة، وغرضها ورأس مالها، وشروط الاكتتاب واسم المكتتب وعنوانه وجنسيته، وعدد الأسهم التي يكتتب بها، وتعهد المكتتب بقبول نظام الشركة كما تقره الجمعية التأسيسية. 7 - تودع حصيلة الاكتتاب باسم الشركة تحت التأسيس، أحد البنوك التي يعينها وزير التجارة، ولا يجوز تسليمها إلا لمجلس الإدارة بعد إعلان تأسيس الشركة وفقا للمادة (63). 8 - ثم يخصص لكل مكتتب العدد الذي اكتتب به من الأسهم، فإذا جاوز عدد الأسهم المكتتب بها العدد المطروح للاكتتاب، وزعت الأسهم على المكتتبين بنسبة ما اكتتب به كل منهم مع مراعاة ما يقرره وزير التجارة في كل حالة بالنسبة لصغار المكتتبين. وبعد التخصيص يدعو المؤسسون المكتتبين إلى جمعية تأسيسية مهمتها استكمال إجراءات التأسيس تنعقد بعد خمسة عشر يوماً من تاريخ الدعوة، ولكل مكتتب أيا كان عدد أسهمه حق حضور هذه الجمعية، ويشترط لصحة الاجتماع حضور عدد من المكتتبين يمثل نصف رأس المال على الأقل، فإذا لم تتوافر هذه الأغلبية وجهت دعوة إلى اجتماع ثان بعد خمسة عشر يوماً من تاريخ الدعوة، ويكون هذا الاجتماع صحيحا أيا كان عدد المكتتبين الممثلين فيه، وتصدر قرارات هذه الجمعية بالأغلبية المطلقة للأسهم الممثلة فيها. وتختص الجمعية التأسيسية بالأمور التالية: 1 - المصادقة على تقرير الخبير المكلف بتقييم الحصص العينية لمن قدمها عند تكوين رأس المال وتقييم المزايا الخاصة كحصص التأسيس، ولابد أن يودع التقرير المذكور المركز الرئيسي للشركة، ويوزع على المكتتبين قبل انعقاد الجمعية التأسيسية بخمسة عشر يوماً. ولابد لصحة هذه المصادقة على وجه الخصوص موافقة ثلثي

أصحاب الأسهم النقدية على التقرير بعد استبعاد ما اكتتب به مقدمو الحصص العينية، وأصحاب المزايا، ولا يكون لهؤلاء رأي في القرار ولو كانوا من أصحاب الأسهم النقدية، وإذا قررت الجمعية التأسيسية تخفيض المقابل المحدد للحصص العينية، أو تخفيض المزايا الخاصة، وجب أن يوافق مقدمو الحصص العينية، أو المستفيدون من المزايا الخاصة على التخفيض أثناء انعقاد الجمعية، فإن رفضوا الموافقة على التخفيض فشل مشروع الشركة واعتبر كأن لم يكن بالنسبة لجميع الأطراف. 2 - اعتماد تقرير المؤسسين عن الأعمال، والنفقات التي اقتضاها تأسيس الشركة. 3 - التحقق من الاكتتاب بكل رأس المال، ومن الوفاء بالحد الأدنى من رأس المال، والقدر المستحق من قيمة الأسهم وهو ربع قيمة الأسهم الاسمية. 4 - وضع النصوص النهائية لنظام الشركة، غير أنه لا يجوز لها إدخال تعديلات جوهرية على مشروع النظام المعروض عليها إلا بموافقة جميع المكتتبين الممثلين فيها. 5 - تعيين أعضاء أول مجلس إدارة لمدة لا تتجاوز خمس سنوات، وأول مراقب حسابات إذا لم يكن تم تعيينهم في عقد الشركة أو في نظامها. وتنتهي إجراءات تأسيس شركة المساهمة باستصدار قرار من وزير التجارة بإعلان التأسيس حيث يجب أن يقدم المؤسسون خلال الخمسة عشر يوماً التالية لانعقاد الجمعية التأسيسية طلباً إلى وزير التجارة بإعلان تأسيس الشركة، ويصدر قرار إعلان التأسيس بعد أن تتحقق الوزارة من صحة إجراءات التأسيس. وتعتبر الشركة مؤسسة تأسيساً صحيحاً من تاريخ صدور قرار الوزير

المطلب الثاني: رأس مال الشركة المساهمة

بإعلان تأسيسها، ويترتب على قرار إعلان تأسيس الشركة ما يلي: 1 - عدم سماع الدعوى ببطلان الشركة لأية مخالفة لأحكام نظام الشركات أو نصوص عقد الشركة أو نظامها. 2 - انتقال جميع التصرفات التي أجراها المؤسسون لحسابها إلى ذمتها، وتتحمل الشركة جميع المصاريف التي أنفقها المؤسسون خلال فترة التأسيس. وينشر في الجريدة الرسمية على نفقة الشركة قرار وزير التجارة بإعلان تأسيسها مرفقا به صورة من عقد الشركة ونظامها، كما يلزم أعضاء مجلس الإدارة خلال خمسة عشر يوما، من تاريخ القرار المذكور أن يطلبوا قيد الشركة في سجل الشركات بالإدارة العامة للشركات، وكذلك قيد الشركة في السجل التجاري وفقاً لأحكام نظام السجل التجاري (¬1). المطلب الثاني: رأس مال الشركة المساهمة نص نظام الشركات في المادة (48) على أن رأس مال الشركة المساهمة ينقسم إلى أسهم متساوية القيمة، وقابلة للتداول. وعلى هذا فسوف أبين في هذا المطلب حقيقة السهم في الشركات المساهمة وخصائصه، لأنه هو الجزء الذي يتكون منه رأس مال الشركة المساهمة. فالسهم في حقيقته هو: الصك الذي تصدره الشركة المساهمة بقيمة ¬

(¬1) انظر في إجراءات التأسيس: تأسيس الشركة المساهمة للمرشد ص7، القانون التجاري السعودي للجبر ص249، شركة المساهمة في النظام السعودي للبقمي ص278، القانون التجاري للعريني ص28.

اسمية معينة، ويمثل حصة الشريك في رأس مال الشركة (¬1). وهناك من عرفه بأنه: النصيب الذي يشترك به المساهم في رأس مال الشركة، ويتمثل في صك يعطي للمساهم، يكون وسيلة في إثبات حقوقه في الشركة (¬2). فيتضح من تعريف السهم أنه يحمل مدلولين: الأول: نصيب مقدر ومحدد من رأس مال الشركة، والثاني: السند أو الصك الذي يمثل هذا النصيب، وقد عرف السهم بتعاريف أخرى (¬3) لا تخرج عن هذا المعنى. خصائص الأسهم: 1 - أنها متساوية القيمة: وهذه من أبرز الخصائص كما نصت على ذلك المادة (48)، وذلك تسهيلا لعمل الشركة، عند توزيع الأرباح، وحساب الأغلبية في الجمعية العمومية، وغير ذلك من الأعمال. (ويترتب على تساوي قيمة الأسهم المساواة في الحقوق التي يمنحها السهم، وهي الحق في الأرباح، والتصويت، وناتج التصفية، وكذلك المساواة في الالتزامات التي يرتبها السهم، غير أن تساوي قيمة الأسهم لا يتعلق بالنظام العام، ومن ثم يجوز مخالفته بالنص في نظام الشركة على إصدار أسهم ممتازة تخول أصحابها أولوية في الأرباح، أو في ناتج التصفية، أو في الأمرين معاً، ولكن يجب أن تتوافر المساواة بين الأسهم المتشابهة التي تنتمي لفئة واحدة) (¬4). ¬

(¬1) القانون التجاري للعريني ص78. (¬2) بحوث فقهية معاصرة للشريف ص69. (¬3) انظر في تعريف السهم: القانون التجاري للعريني ص78، الاكتتاب للعبيدي ص77، الشركات للخياط ص94، بحوث فقهية معاصرة للشريف ص69، الأسهم والسندات للخليل ص47. (¬4) القانون التجاري السعودي ص260.

والجدير بالذكر أن للسهم قيما مختلفة بحسب ما يعتبر به، وبيانها على النحو الآتي: 1 - القيمة الاسمية: وهي ناتج قسمة رأس مال الشركة على عدد الأسهم، وبالتالي فإن القيمة الإسمية لمجموع الأسهم تمثل رأس مال الشركة (¬1)، وقد نصت المادة (49) على أن قيمة السهم لا تقل عن خمسين ريالا سعوديا. 2 - قيمة الإصدار: وهي القيمة التي يصدر بها، وتكون قيمة الإصدار مطابقة للقيمة الإسمية عند تأسيس الشركة (¬2)، ونصت المادة (98) على أنه لا يجوز أن تصدر الأسهم بأقل من قيمتها الإسمية، وإنما يجوز أن تصدر بأعلى من هذه القيمة إذا نص نظام الشركة، أو وافقت الجمعية العامة على ذلك. 3 - القيمة السوقية: وهي قيمة السهم في سوق الأوراق المالية، وهي خاضعة للارتفاع والانخفاض، تبعاً لعوامل كثيرة تتعلق بالسوق المالية بشكل عام كالمضاربات على الصعود، والنزول، والظروف السياسية والاقتصادية للدولة، وكذلك مقدار الأرباح التي تمنحها الشركة، والارتفاع الحاصل في قيمة أصولها، واحتمالات المستقبل بالنسبة لمشاريع الشركة (¬3). 4 - القيمة الحقيقية: وهي النصيب الذي يستحقه السهم في صافي أموال الشركة بعد خصم ديونها والتزاماتها، فإذا ربحت الشركة ارتفعت قيمة السهم الحقيقية، وإذا خسرت قلت القيمة الحقيقية، وهذه القيمة تعطى للمساهم عند تصفية الشركة (¬4). 5 - عدم قابلية السهم للتجزئة: وهو ما نصت عليه المادة (98)، ¬

(¬1) الأسهم والسندات للخليل ص61. (¬2) الاكتتاب للعبيدي ص78. (¬3) الأسهم والسندات ص62. (¬4) المرجع السابق ص61.

فإذا تملك السهم أشخاص متعددون وجب عليهم أن يختاروا أحدهم لينوب عنهم في استعمال الحقوق المختصة بالسهم، ويكون هؤلاء الأشخاص مسؤولين بالتضامن عن الالتزامات الناشئة عن ملكية السهم. 6 - قابلية السهم للتداول: وهو ما نصت عليه المادة (48)، فيجوز لكل مساهم أن ينقل ملكية أسهمه لشخص آخر ماعدا من يقيد النظام تداول أسهمهم لمدة معينة كملاك الأسهم المؤسسين (¬1)، وأما من عداهم فإنهم يجوز لهم ذلك، ويتم نقل الملكية إما بالتسليم إذا كان السهم لحامله، أو بالقيد في سجل الشركة إذا كان السهم اسميا، وهذه الخصيصة هي ما تميز السهم في شركة الأموال عن حصة الشريك في شركات الأشخاص والتي لا يجوز التنازل عنها إلا بموافقة باقي الشركاء (¬2). أنواع الأسهم: تقسم الأنظمة الأسهم إلى أنواع مختلفة باعتبارات متعددة سوف نذكر هنا أهم تلك التقسيمات وهي على النحو الآتي: 1 - تقسيمها من حيث طبيعة الحصة التي تمثلها: تنقسم الأسهم بهذا الاعتبار إلى أسهم نقدية، وأسهم عينية، فالأسهم النقدية هي تدفع قيمتها نقداً، وأما الأسهم العينية فهي تعطي نظير ما يقدمه المساهم إلى الشركة من حصص عينية، ويتم تقدير تلك الحصص ثم يمنح مقدم الحصة أسهما تقابل قيمة الحصص التي قدمها. 2 - تقسيمها من حيث الحقوق المرتبطة بها: تنقسم الأسهم بهذا الاعتبار إلى أسهم عادية، وأسهم ممتازة، والأصل في الأسهم أنها ترتب حقوقا متساوية لأصحاب الأسهم العادية، ولكن أجاز النظام للشركات إصدار أسهم ممتازة تعطي لأصحابها ميزات ¬

(¬1) انظر المادة (100) من نظام الشركات. (¬2) القانون التجاري السعودي ص260.

المطلب الثالث: التزامات المؤسسين وحقوقهم

خاصة، كأن تكون لهم أولوية في الحصول على الربح، أو أولوية في استرداد ما دفع من رأس المال عند التصفية، أو أي ميزة أخرى، ولكن منعت المادة (103) من النظام إصدار أسهم تعطي أصواتاً متعددة. 3 - تقسيمها من حيث استهلاكها من عدمه: تنقسم الأسهم بهذا الاعتبار إلى أسهم رأس المال، وأسهم التمتع، فأسهم رأس المال هي التي لم يقبض المساهم قيمتها الإسمية من الشركة، وأما أسهم التمتع فهي الصكوك التي يتسلمها المساهم عندما يسترد كل القيمة الإسمية لأسهمه أثناء حياة الشركة، ويظل صاحب أسهم التمتع محتفظا بصفته كشريك في الشركة يشارك في الأرباح، وفي التصويت في الجمعية العمومية، وفي فائض التصفية، إلا أن حقه في الأرباح وفي فائض التصفية أقل من حق أصحاب رأس المال (¬1). المطلب الثالث: التزامات المؤسسين وحقوقهم نصت المادة (53) من نظام الشركات على أنه يعتبر مؤسساً كل من وقع عقد شركة المساهمة، أو طلب الترخيص بتأسيسها، أو قدم حصة عينية عند تأسيسها، أو اشترك اشتراكاً فعلياً في تأسيس الشركة، وسوف نعرض في هذا المطلب أهم ما يترتب على كونهم مؤسسين من حقوق والتزامات على النحو الآتي: أولا: نصت المادة (55) أن المؤسسين مسؤولون بالتضامن عن صحة البيانات الواردة في نشرة الاكتتاب وعن استيفاء البيانات المشار إليها في تلك المادة. ¬

(¬1) انظر في تقسيمات الأسهم: الأسهم والسندات للخليل ص49، القانون التجاري السعودي ص261.

المطلب الرابع: التزامات المساهمين وحقوقهم

ثانيا: نصت المادة (64) أنه يترتب على قرار إعلان تأسيس الشركة انتقال جميع التصرفات التي أجراها المؤسسون لحسابها إلى ذمتها، وتتحمل الشركة جميع المصاريف التي أنفقها المؤسسون خلال فترة التأسيس. وإذا لم يتم التأسيس وفق نظام الشركات كان للمكتتبين أن يستردوا المبالغ التي دفعوها أو الحصص العينية التي قدموها، وكان المؤسسون مسؤولين بالتضامن عن الوفاء بهذا الالتزام، وعن التعويض عند الاقتضاء، وكذلك يتحمل المؤسسون جميع المصاريف التي أنفقت في تأسيس الشركة، ويكونوا مسؤولين بالتضامن في مواجهة الغير عن الأفعال والتصرفات التي صدرت منهم خلال فترة التأسيس. ثالثا: نصت المادة (100) من النظام على أنه لا يجوز تداول الأسهم النقدية التي يكتتب بها المؤسسون أو الأسهم العينية أو حصص التأسيس قبل نشر الميزانية وحساب الأرباح والخسائر عن سنتين ماليتين كاملتين لا تقل كل منهما عن اثني عشر شهراً من تاريخ تأسيس الشركة، ومع ذلك يجوز خلال فترة الحظر نقل ملكية الأسهم النقدية وفقا لأحكام بيع الحقوق من أحد المؤسسين إلى مؤسس آخر، أو إلى أحد أعضاء مجلس الإدارة لتقديمها كضمان للإدارة، أو من ورثة أحد المؤسسين في حالة وفاته إلى الغير، وتسري أحكام هذه المادة على ما يكتتب به المؤسسون في حالة زيادة المال قبل انقضاء فترة الحظر. المطلب الرابع: التزامات المساهمين وحقوقهم نريد بالمساهم هنا المساهم غير المؤسس، وقد نص النظام على حقوق كثيرة للمساهم، وكذلك نص على ما يقابلها من التزامات سوف نستعرضها بإيجاز. أولا: نصت المادة (57) على أولى التزامات المساهم وهي تعهده

عند الاكتتاب بقبول نظام الشركة كما تقره الجمعية التأسيسية، كما نصت المادة (96) على أن الاكتتاب في الأسهم أو تملكها يفيد قبول المساهم لنظام الشركة، والتزامه بالقرارات التي تصدر من جمعيات المساهمين. ثانيا: نصت المادة (61) على أنه يحق لكل مكتتب أيا كان عدد أسهمه حضور الجمعية التأسيسية. ثالثا: نصت المادة (64) على أنه إذا لم يتم تأسيس الشركة وفق نظام الشركات كان للمكتتبين أن يستردوا المبالغ التي دفعوها أو الحصص العينية التي قدموها، وكان المؤسسون مسؤولين بالتضامن عن الوفاء بهذا الالتزام، وعن التعويض عند الاقتضاء. رابعا: نصت المادة (78) على أنه لكل مساهم الحق في رفع دعوى المسؤولية المقررة للشركة على أعضاء مجلس الإدارة إذا كان من شأن الخطأ الذي صدر منهم إلحاق ضرر خاص به، ولا يجوز للمساهم رفع الدعوى المذكورة إلا إذا كان حق الشركة في رفعها لا زال قائما، ويجب على المساهم أن يخطر الشركة بعزمه على رفع الدعوى. خامسا: نصت المادة (83) على أنه لكل مساهم حائز لعشرين سهما حق حضور الجمعية العامة، ولو نص نظام الشركة على غير ذلك. سادسا: نصت المادة (94) أن لكل مساهم حق مناقشة الموضوعات المدرجة في جدول أعمال الجمعية، وتوجيه الأسئلة بشأنها إلى أعضاء مجلس الإدارة ومراقب الحسابات. سابعا: نصت المادة (110) على أنه يلتزم المساهم بدفع قيمة السهم في المواعيد المعينة لذلك، وإذا تخلف المساهم عن الوفاء في ميعاد الاستحقاق جاز لمجلس الإدارة بعد إنذار المساهم بخطاب مسجل بيع السهم في مزاد علني، ومع ذلك يجوز للمساهم المتخلف حتى اليوم المحدد للمزايدة أن يدفع القيمة المستحقة عليه، مضافا لها المصروفات

المطلب الخامس: شروط الاكتتاب في النظام

التي أنفقتها الشركة، وتستوفي الشركة من حصيلة البيع المبالغ المستحقة لها وترد الباقي لصاحب السهم (¬1). المطلب الخامس: شروط الاكتتاب في النظام يشترط لصحة الاكتتاب في النظام ثلاثة شروط هي: 1 - أن يكون الاكتتاب منجزاً غير معلق على شرط، ويعتبر أي شرط يضعه المكتتب كأن لم يكن، وهذا ما نصت عليه المادة (57)، ويترتب على ذلك أنه لا يجوز أن يكون الاكتتاب مقترناً بأجل، كما أنه إذا اقترن الاكتتاب بشرط ما بطل وصح الاكتتاب (¬2). 2 - أن يكون الاكتتاب بكل رأس المال، إذ نصت المادة (56) على أنه لا يتم تأسيس الشركة إلا إذا اكتتب بكل رأس المال (¬3). 3 - ألا يقل المدفوع من قيمة كل سهم نقدي عند الاكتتاب عن ربع قيمته الإسمية وهو نص المادة (58) (¬4). * * * * * ¬

(¬1) انظر للاستزادة: الاكتتاب للعبيدي ص186، الشركات للخياط 2/ 100. (¬2) انظر: القانون التجاري السعودي ص252. (¬3) كذا نص النظام ويرى الباحث أن الأدق أن يقال: إلا إذا اكتتب بكل المطروح من رأس المال للاكتتاب. (¬4) انظر في الشروط: شركة المساهمة للبقمي ص285، الاكتتاب للعبيدي ص164.

المبحث الثالث أنواع الاكتتاب وتكييف كل نوع في النظام

المبحث الثالث أنواع الاكتتاب وتكييف كل نوع في النظام المطلب الأول: الاكتتاب التأسيسي للشركة وهو الاكتتاب الذي يكون في رأس مال الشركة المساهمة حال كونها تحت التأسيس، حيث يتم عرض نصف رأس مال الشركة كحد أعلى للاكتتاب العام، وهذه ما تشير له المادة (49) من نظام الشركات. وقد اختلفت أقوال الباحثين في النظام التجاري في تكييف عقد الاكتتاب التأسيسي على عدة أقوال، وهذا الاختلاف سببه الاختلاف في الوضع القانوني للشركة تحت التأسيس، وأبرز الأقوال في تكييف عقد الاكتتاب التأسيسي قولان: القول الأول: أنه عقد بين المكتتب والشركة بوصفها شخصا معنويا في دور التكوين يمثله المؤسسون باعتبارهم وكلاء عن الشركة (¬1). القول الثاني: أنه عقد بين المكتتب والمؤسسين (¬2)، بناء على أن الشركة تحت التأسيس لا تكون ذات شخصية معنوية مستقلة حتى يتم تأسيسها، وهذا القول هو المتوافق مع نظام الشركات السعودي علما بأن نظام الشركات السعودي لم يصرح بذلك، ولكن يمكن أن يستدل على ذلك بما نصت عليه المادة (64) من النظام بأنه (إذا لم يتم تأسيس ¬

(¬1) انظر: القانون التجاري للعريني ص45، الاكتتاب للعبيدي ص123. (¬2) انظر: القانون التجاري السعودي ص252، الاكتتاب للعبيدي ص130.

المطلب الثاني: الاكتتاب اللاحق لتأسيس الشركة

الشركة على النحو المبين في النظام كان للمكتتبين أن يستردوا المبالغ التي دفعوها أو الحصص العينية التي قدموها، وكان المؤسسون مسؤولون بالتضامن عن الوفاء بهذا الالتزام، وعن التعويض عند الاقتضاء، وكذلك يتحمل المؤسسون جميع المصاريف التي أنفقت في تأسيس الشركة، ويكونون مسؤولين بالتضامن في مواجهة الغير عن الأفعال والتصرفات التي صدرت منهم خلال فترة التأسيس). فهذه المادة جعلت المؤسسين ضامنين لجميع تصرفاتهم التي صدرت أثناء كون الشركة تحت التأسيس أمام المكتتبين وغيرهم مما يدل على أن النظام يكيف عقد الاكتتاب التأسيسي على أنه عقد بين المكتتبين والمؤسسين. المطلب الثاني: الاكتتاب اللاحق لتأسيس الشركة هذا النوع من الاكتتاب يكون في أسهم شركات قائمة، وذلك لرغبة الشركة في زيادة رأس مالها، وبما أن الاكتتاب اللاحق لا يكون إلا في شركات لها شخصيتها الاعتبارية المستقلة، فإنه يمكن أن يقال في تكييفه أنه عقد بين المكتتبين وبين الشركة متمثلة في شخصيتها الاعتبارية المستقلة (¬1). * * * * * ¬

(¬1) انظر للاستزادة: زيادة رأس مال الشركة المساهمة للشريف ص32.

الفصل الأول التكييف الفقهي للشركة المساهمة، ولعملية الاكتتاب، والآثار المترتبة على ذلك

الفصل الأول التكييف الفقهي للشركة المساهمة، ولعملية الاكتتاب، والآثار المترتبة على ذلك وفيه مبحثان المبحث الأول: التكييف الفقهي للشركة المساهمة، والآثار المترتبة على ذلك. المبحث الثاني: التكييف الفقهي لعملية الاكتتاب، والآثار المترتبة على ذلك.

المبحث الأول التكييف الفقهي للشركة المساهمة والآثار المترتبة على ذلك

المبحث الأول التكييف الفقهي للشركة المساهمة والآثار المترتبة على ذلك تبين لنا في التمهيد أن الشركة المساهمة كما عرفها النظام: شركة ينقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية القيمة، وقابلة للتداول، ولا يسأل فيها الشركاء إلا بقدر أسهمهم، ثم إن النظام ينص على أن الشركة المساهمة يديرها مجلس إدارة تعينه الجمعية العامة كما هو نص المادة (66) من النظام، ونصت المادة (68) على أنه: (يجب أن يكون عضو مجلس الإدارة مالكا لعدد من أسهم الشركة لا يقل قيمتها عن عشرة آلاف ريال)، كما جاء في النظام الطرق التي يتم بها مكافأة أعضاء مجلس الإدارة إذ نصت المادة (74) على أنه: (يجوز أن تكون هذه المكافأة راتبا معينا أو بدل حضور جلسات أو مزايا عينية أو نسبة معينة من الأرباح ويجوز الجمع بين اثنين أو أكثر من هذه المزايا). وخلاصة هذا كله تقتضي أن الشركة المساهمة عبارة عن رأس مال يقدمه الشركاء، ويديره بعضهم مقابل جزء زائد من الربح، أو أجر معين نظير عملهم، أو مقابل الاثنين معاً، ولا يسأل فيها الشركاء إلا بقدر أسهمهم. ولما كانت هذه الخصائص مشابهة لخصائص شركة العنان التي يذكرها الفقهاء المتقدمون، فقد خرج بعض العلماء المعاصرين (¬1) الشركة المساهمة على أنها شركة العنان بناء على التشابه بينهما في بعض الخصائص. ¬

(¬1) ومنهم د. وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته 4/ 881، ود. عبد العزيز الخياط في كتابه الشركات 2/ 208.

وشركة العنان هي عند الفقهاء: الشركة التي يشترك فيها رجلان بماليهما على أن يعملا فيه بأبدانهما والربح بينهما. قال ابن قدامة (¬1): وهي جائزة بالإجماع، وإنما اختلف في بعض شروطها (¬2). كما أن الحنابلة ذكروا صورة قريبة جداً لصورة الشركة المساهمة وهي كون أحد الشركاء يعمل في الشركة دون الآخر، حيث جاء في الإنصاف: (فإن اشتركا على أن العمل مع أحدهما في المالين صح، ويكون عنانا ومضاربة ... فهذه الشركة تجمع شركة ومضاربة، فمن حيث أن كلا منهما يدفع المال تشبه شركة العنان، ومن حيث إن أحدهما يعمل في مال صاحبه في جزء من الربح هي مضاربة. أ. هـ. وهي شركة عنان على الصحيح من المذهب) (¬3). وتكييف الشركة المساهمة على أنها شركة عنان هو ما نصت عليه المادة (14) من نظام المحكمة التجارية الصادر عام 1350هـ (¬4). ويمكن أن يناقش هذا التخريج بأن التشابه في بعض الخصائص بين الشركة المساهمة، وشركة العنان لا يعني كون الشركة المساهمة شركة عنان لعدة أمور: أولا: أن هناك فروقاً أساسية بين شركة المساهمة وشركة العنان ¬

(¬1) هو العلامة الفقيه المجتهد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي، مولده بجماعيل من عمل نابلس سنة إحدى وأربعين وخمسمائة في شعبان، له مصنفات كثيرة من أشهرها: المغني، والكافي والمقنع، والعمدة. توفي وانتقل إلى رحمة الله يوم السبت يوم الفطر، ودفن من الغد سنة عشرين وست مائة. انظر: سير أعلام النبلاء 22/ 165. (¬2) المغني 7/ 123. وانظر: المبسوط 11/ 152، مواهب الجليل 5/ 135، مغني المحتاج 3/ 224. (¬3) الإنصاف مع الشرح الكبير 14/ 10. (¬4) نظام المحكمة التجارية ص3.

تدل على أن إلحاق الشركة المساهمة بشركة العنان فيه تكلف ظاهر، ومن أهم تلك الفروق المسؤولية المحدودة للشركاء في الشركة المساهمة بينما لم نجد أحداً من الفقهاء قال: بمحدودية المسؤولية في شركة العنان. ثانيا: أن التشابه بين شركتين في بعض الخصائص قائم حتى في تلك الشركات القديمة، فمن المعلوم أن بعض خصائص شركة العنان مشابهة لخصائص شركة المضاربة، كما أن بعض خصائص شركة المضاربة مشابه لخصائص شركة المفاوضة، ولم يجعل الفقهاء هذه الشركات شركة واحدة، ولم ينزلوا بعض أحكامها على بعض. ثالثا: أنه لا يعلم دليل شرعي يربط مشروعية الشركات الحديثة بكونها مشابهة للشركات القديمة المذكورة في كتب الفقهاء، بل القاعدة الشرعية تنص على أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه منها، وأما الشركات التي تناولها الفقهاء المتقدمون في كتبهم، فلا تعدو أن تكون عبارة عن الشركات التي كانت سائدة في تلك الأيام، ومعروفة لديهم آنذاك، ولا يعني ذلك حصرا لأنواع الشركات الجائزة والمشروعة في تلك الشركات التي أوسعوها جانب التحقيق والتأصيل (¬1). وعلى هذا، فالمنهج السليم في النظر في هذه الشركة هو عرض خصائصها على أدلة الشرع مع استصحاب القاعدة الشرعية المتفق عليها وهي أن الأصل في المعاملات الإباحة بناء على قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، ولما كانت الشركة المساهمة بهذه الصورة لم تخالف نصا شرعيا ولم تتضمن محذوراً شرعياً مجمعاً عليه، فإن التكييف الفقهي الصحيح لها مماثل لتكييف نظام الشركات السعودي (¬2)، لأنها ¬

(¬1) انظر: بحث الشركات الحديثة، للدكتور قطب سانو، المنشور في مجلة المجمع الفقهي، العدد (14) 2/ 329. (¬2) نظام الشركات ص20.

شركة حديثة لا مانع منها شرعا، وهذا هو فحوى قرار المجمع الفقهي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بشأن الشركات الحديثة، ومما جاء فيه: * أولا: التعريف بالشركات الحديثة: 1 - شركات الأموال: هي الشركات التي تعتمد في تكوينها وتشكيلها على رؤوس أموال الشركاء، بغض النظر عن الشخصية المستقلة لكل مساهم، وتكون أسهمها قابلة للتداول. وتنقسم إلى: أ- شركة المساهمة: هي الشركة التي يكون رأسمالها مقسما إلى أسهم متساوية قابلة للتداول، ويكون كل شريك فيها مسؤولاً بمقدار حصته في رأس المال ... كما جاء في القرار: * ثانيا: الأصل في الشركات الجواز إذا خلت من المحرمات والموانع الشرعية في نشاطاتها، فإن كان أصل نشاطها حراما كالبنوك الربوية أو الشركات التي تتعامل بالمحرمات كالمتاجرة بالمخدرات والأعراض والخنازير في كل أو بعض معاملاتها، فهي شركات محرمة لا يجوز تملك أسهمها ولا المتاجرة بها. كما يتعين أن تخلو من الغرر والجهالة

المفضية للنزاع، وأي من الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى بطلان الشركة، أو فسادها في الشريعة .... ) (¬1). المطلب الثاني: الآثار المترتبة على ذلك يترتب على مشروعية الشركة المساهمة أن على الشراء فيها الالتزام بالقواعد النظامية المنظمة لأحكامها ما لم تشتمل تلك القواعد على محذور شرعي، ومن ذلك ما جاء في قرار المجمع الآنف ذكره والذي نص على أن الشركة: ( .... يتعين أن تخلو من الغرر والجهالة المفضية للنزاع، وأي من الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى بطلان الشركة أو فسادها في الشريعة .... ) (¬2). وكذلك من المحذورات الشرعية التي يتعين أن تخلو منها الشركات المساهمة ما جاء في نص القرار أنه: (يحرم على الشركة أن تصدر أسهم تمتع أو أسهم امتياز أو سندات قرض) (¬3). ومن الآثار المترتبة على ذلك أيضا أنه (في حالة وقوع خسارة لرأس المال، فإنه يجب أن يتحمل كل شريك حصته من الخسارة بنسبة مساهمته من رأس المال) (¬4). ومن الآثار أيضا أن المساهم في الشركة (يملك حصة شائعة من موجوداتها بمقدار ما يملكه من أسهم، وتبقى ملكية الرقبة له إلى أن تنتقل إلى غيره لأي سبب من الأسباب، من تخارج أو غيره) (¬5). فكل هذه الآثار ناتجة عن إقرار الشركة المساهمة كما هي عليه في العصر الحديث مع منع كل ما يتعارض مع الشريعة من بعض المعاملات المشتملة عليه، إذ أن ما هو محرم منها ليس من أساسيات الشركة المساهمة ونحن نرى الكثير من الشركات المساهمة القائمة والتي حققت نجاحات كبيرة مع خلوها من تلك المعاملات المحظورة شرعا. * * * * * ¬

(¬1) مجلة المجمع عدد (14) 2/ 669. (¬2) مجلة المجمع عدد (14) 2/ 669. (¬3) المرجع السابق ص669. (¬4) المرجع السابق ص669. (¬5) المرجع السابق ص669.

المبحث الثاني التكييف الفقهي لعملية الاكتتاب والآثار المترتبة على ذلك

المبحث الثاني التكييف الفقهي لعملية الاكتتاب والآثار المترتبة على ذلك المطلب الأول: التكييف الفقهي لعملية الاكتتاب سوف نبين هنا التكييف الشرعي لعملية الاكتتاب التي تمر نظاما بثلاث مراحل: المرحلة الأولى: طرح أسهم الشركة للاكتتاب، وهو ما يسميه النظام بدعوة الجمهور، إذ جاء في المادة (55) من نظام الشركات أن دعوة الجمهور للاكتتاب العام تكون بنشرة تشتمل على أهم البيانات عن الشركة ومنها: 1 - أسماء المؤسسين ومحال إقامتهم ومهنهم وجنسياتهم. 2 - اسم الشركة وغرضها، ومركزها الرئيسي. 3 - مقدار رأس المال المدفوع ونوع الأسهم وقيمتها وعددها ومقدار ما طرح منها للاكتتاب العام، وما اكتتب به المؤسسون، والقيود المفروضة على تداول الأسهم. 4 - المعلومات الخاصة بالحصص العينية والحقوق المقررة لها. 5 - المزايا الخاصة الممنوحة للمؤسسين أو لغيرهم. 6 - طريقة توزيع الأرباح. 7 - بيان تقديري لنفقات تأسيس الشركة. 8 - تاريخ بدء الاكتتاب ونهايته ومكانه وشروطه.

9 - طريقة توزيع الأسهم على المكتتبين إذا زاد عدد الأسهم المكتتب بها على العدد المطروح للاكتتاب. المرحلة الثانية: تعبئة المكتتب لطلب الاكتتاب، وهو ما نصت عليه المادة (57) بأن يوقع المكتتب أو من ينوب عنه وثيقة تشتمل بصفة خاصة، على اسم الشركة وغرضها ورأس مالها وشروط الاكتتاب واسم المكتتب وعنوانه ومهنته وجنسيته وعدد الأسهم التي يكتتب بها، وتعهد المكتتب بقبول نظام الشركة كما تقرره الجمعية التأسيسية، ويكون الاكتتاب منجزاً غير معلق على شرط، ويعتبر أي شرط يضعه المكتتب كأن لم يكن. المرحلة الثالثة: تخصيص الشركة لكل مكتتب عدد الأسهم التي طلبها، وقد نصت المادة (59) على أنه إذا جاوز عدد الأسهم المكتتب بها العدد المطروح للاكتتاب، وزعت الأسهم على المكتتبين بنسبة ما اكتتب به كل منهم. وهذه المراحل هي المراحل الأساسية في نظام الاكتتاب، وقد تبين لنا من التكييف النظامي للاكتتاب التأسيسي للشركة المساهمة أنه عقد بين المكتتب والمؤسسين، وعلى هذا فإن التكييف الفقهي الصحيح للاكتتاب التأسيسي للشركة هو أنه عقد مشاركة بين المؤسسين وبين المكتتبين بواسطة مدير الاكتتاب، وأما مراحل الاكتتاب الثلاث فسوف نبين تكييفها الفقهي على النحو الآتي: أما المرحلة الأولى: فهي في الواقع مجرد عرض وبيان لأعراض الشركة ونظامها، وبيان لعدد الأسهم المطروحة وصفتها وقيمتها كما يعرض التجار سلعهم في المتاجر ونحوها، وتعد هذه المرحلة الخطوة الأساسية في كل العقود، لأن العقود لابد فيها من حصول العلم الكافي بحقيقته وتفاصيله قبل إتمام التعاقد. وأما المرحلتان الثانية والثالثة من مراحل الاكتتاب التأسيسي

فتكييفهما الفقهي هو أنهما إيجاب وقبول بين المكتتبين والمؤسسين، وذلك بواسطة الكتابة. وأما الاكتتاب اللاحق لتأسيس الشركة، فقد تبين لنا من تكييفه النظامي أنه عقد بين المكتتبين وبين الشركة بشخصيتها الاعتبارية المستقلة، وعليه فإن التكييف الفقهي للاكتتاب اللاحق لتأسيس الشركة هو أنه عقد بيع بين الشركة والمكتتبين. والتعاقد بالكتابة جائز شرعا بناء على أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة، ولم يأت دليل شرعي يمنع التعاقد بالكتابة، بل دلت الأدلة الشرعية على اعتبار الكتابة في المعاملات المالية كما جاء في آية الدين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]، فدلت الآية على اعتبار الكتابة في الدين، وما كان وسيلة لإثبات الحق جاز أن يكون صالحا لانعقاده (¬1)، كما أن الله عز وجل أمر بالوفاء بالعقود، ولم يقيد طرق التعاقد بطرق معينة، وما كان كذلك فالمرجع فيه إلى عرف الناس وعادتهم. قال شيخ الإسلام رحمه الله: (المرجع في العقود إلى عرف الناس وعادتهم، فما عده الناس بيعا فهو بيع، وما عدوه إجارة فهو إجارة، وما عدوه هبة فهو هبة، وهذا أشبه بالكتاب والسنة وأعدل، فإن الأسماء منها ما له حد في اللغة كالشمس والقمر، ومنها ما له حد في الشرع كالصلاة والحج، ومنها ما ليس له حد لا في اللغة ولا في الشرع، بل يرجع إلى العرف كالقبض، ومعلوم أن اسم البيع والإجارة والهبة في هذا الباب لم يحدها الشارع، ولا لها حد في اللغة، بل يتنوع ذلك بحسب عادات الناس وعرفهم، فما عدوه بيعا فهو بيع، وما عدوه هبة فهو هبة، وما عدوه إجارة فهو إجارة) (¬2). وقد تعارف الناس في هذا الزمان على التعاقد بالكتابة ولا يسع ¬

(¬1) الإيجاب والقبول للدبيان ص100. (¬2) مجموع الفتاوى 20/ 345.

المطلب الثاني: حكم الاكتتاب

الناس في هذا العصر إلا العمل بطريق الكتابة لحفظ الحقوق وتوثيقها خاصة في مثل الاكتتاب في الشركات المساهمة، إذ من الصعب حصول الإيجاب والقبول بين ملايين المكتتبين وبين مدير الاكتتاب بغير طريق الكتابة، وقد أصدر المجمع الفقهي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي قرارا بشأن الاكتتاب في صكوك المقارضة وهو مماثل في حقيقته للاكتتاب في أسهم الشركات المساهمة، ومما جاء في ذلك القرار: (يقوم العقد في صكوك المقارضة على أساس أن شروط التعاقد تحددها (نشرة الإصدار)، وأن (الإيجاب) يعبر عنه (الاكتتاب) في هذه الصكوك، وأن (القبول) تعبر عنه موافقة الجهة المصدرة. ولابد أن تشتمل نشرة الإصدار على جمع البيانات المطلوبة شرعاً في عقد القراض (المضاربة) من حيث بيان معلومية رأس المال وتوزيع الربح مع بيان الشروط الخاصة بذلك الإصدار، على أن تتفق جميع الشروط مع الأحكام الشرعية) (¬1). المطلب الثاني: حكم الاكتتاب المسألة الأولى: حكم الاكتتاب من حيث الأصل: الاكتتاب كما تبين من تكييفه الفقهي هو عقد مشاركة بالنسبة للاكتتاب التأسيسي، وعقد بيع بالنسبة للاكتتاب اللاحق لتأسيس الشركة، والأصل في العقود والبيوع الحل والإباحة كما قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، ما لم يكن المبيع أو الثمن محرما، أو يتم التعاقد بصورة محرمة شرعا، فإذا كان المبيع والثمن مباحين وتم التعاقد بصورة خالية من المحذورات الشرعية فالعقد جائز ومعتبر شرعا، وعلى ¬

(¬1) قرارات وتوصيات المجمع ص68.

هذا فإن الأصل في الاكتتاب الإباحة، وقد تطرأ عليه الأحكام الخمسة وفق ما تكون عليه نشاط الشركة المساهمة، وهو ما سنبينه في المسألة الثانية في هذا المطلب. المسألة الثانية: حكم الاكتتاب بالنظر إلى نشاط الشركة: الحكم على كل شركة مساهمة بعينها يتطلب من الباحث النظر في نشاط الشركة على وجه التفصيل مما نصت عليه في نظامها إن كانت شركة جديدة، أو مما نصت عليه في نظامها وما تمارسه من أعمال في الواقع إن كانت شركة قائمة. والشركات المساهمة تنقسم من حيث موافقة نظامها وأنشطتها للشريعة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: شركات نصت في نظامها على أنها لا تمارس إلا الأعمال المباحة شرعاً، ولا تتعامل بالربا إقراضاً أو اقتراضاً، والتزمت بذلك في الواقع إن كانت شركة قائمة، فالاكتتاب في هذه الشركات مباح شرعا بناء على أن الأصل في البيع الإباحة ولم تتضمن هذه الشركات محذوراً شرعياً، فكان حكمها هو حكم الاكتتاب في الأصل. القسم الثاني: شركات نصت في نظامها على ممارستها للأعمال المحرمة شرعاً أو كانت أغلب أنشطتها في الواقع أنشطة محرمة، مثل البنوك الربوية، ومثل الشركات التي تتاجر في السلع المحرمة كالخمور والملاهي والقمار، فهذه الشركات لا يجوز الاكتتاب فيها مطلقاً لأن الله عز وجل إذا حرم شيئا حرم ثمنه، ولأن الاكتتاب في هذه الشركات من التعاون على الإثم والعدوان، والله جل وعلا يقول: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]. وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته السابعة ما يلي: (لا خلاف في حرمة الإسهام في

شركات غرضها الأساسي محرم، كالتعامل بالربا، أو إنتاج المحرمات، أو المتاجرة بها) (¬1). القسم الثالث: شركات نصت في نظامها على أنها تمارس أعمالا مباحة شرعا ولم تنص على ممارسة أعمال محرمة شرعا، ولكنها في الواقع تمارس بعض الأعمال المحرمة شرعاً، كأن تقترض بالربا أو تودع بالربا أو تستثمر في استثمارات محرمة لم تنص عليها في نظامها. وقد اختلف أهل العلم في حكم الاكتتاب في هذه الشركات، وقبل أن نستعرض الأقوال يحسن أن نحرر محل النزاع في المسألة فنقول وبالله التوفيق: عامة أهل العلم لا يختلفون في (¬2): 1 - أن الاكتتاب في الشركات التي يغلب عليها المتاجرة في استثمارات محرمة محرم ولا يجوز. 2 - حرمة الكسب المحرم من الشركات المساهمة ولو كان يسيرا، ووجوب إخراجه من نصيب كل سهم والتخلص منه. 3 - حرمة مباشرة إجراء العقود المحرمة بالشركة وإثم الموظفين المباشرين لها من أعضاء مجلس الإدارة وغيرهم. 4 - إن الواجب على كل مساهم في الشركات المساهمة أن يبذل ما يستطيع لمنع الشركة من ممارسة الأنشطة المحرمة، وذلك بالتصويت في الجمعية العمومية للمساهمين بمعارضة هذه الأعمال والمطالبة بإيقافها. واختلفوا في حكم الاكتتاب والتداول في الشركات المساهمة التي أنشأت لأغراض مباحة ولكنها تقترض قروضاً محرمة أو تستثمر في أنشطة محرمة على النحو الآتي: ¬

(¬1) قرارات وتوصيات المجمع ص135. (¬2) انظر: الخدمات الاستثمارية، للدكتور الشبيلي 2/ 238، بحوث في الاقتصاد الإسلامي للشيخ ابن منيع ص244.

القول الأول: جواز الاكتتاب في هذه الشركات، ويجب على المكتتب إذا استلم أرباحاً من الشركة أن يتحرى مقدار الجزء المحرم من الربح ويتخلص منه دون أن ينتفع به أو يدفع به ضريبة حكومية أو ما شابهها. وهذا هو قول عدد من الهيئات الشرعية في البنوك وجمع من العلماء المعاصرين (¬1). أدلتهم: استدل أصحاب هذا القول بأدلة متعددة ترجع في مجملها إلى الأدلة التالية: الدليل الأول: قاعدة يجوز تبعا ما لا يجوز استقلالا: وهذه القاعدة دل عليها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من باع عبداً له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع» (¬2)، فهذا الحديث دل على جواز بيع مال العبد تبعا للعبد دون مراعاة شروط الصرف في البيع، مما يدل على جواز بيع ما يحرم بيعه استقلالا إذا بيع تبعا لما يجوز بيعه (¬3). وكذلك دل على هذه القاعدة قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من باع نخلاً بعد أن يؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترطها المبتاع» (¬4)، ومن المعلوم أن بيع ¬

(¬1) ومن هذه الهيئات: الهيئة الشرعية لبنك الراجحي، والهيئة الشرعية للبنك الأهلي التجاري، ومن العلماء الشيخ ابن عثيمين، والدكتور نزيه حماد، والقاضي محمد تقي العثماني. انظر: مجلة النور عدد (184) لعام 1421هـ، والشيخ مصطفى الزرقا في كتاب "فتاوى مصطفى الزرقا" ص558، والشيخ ابن منيع في: بحوث في الاقتصاد الإسلامي ص244. (¬2) رواه البخاري، كتاب المساقاة، باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو نخل، حديث رقم (2205). (¬3) انظر: بحوث في الاقتصاد الإسلامي للشيخ ابن منيع ص244. (¬4) رواه البخاري، كتاب الشروط، باب إذا باع نخلا قد أبرت ولم يشترط الثمرة حديث رقم (2515).

الثمرة قبل بدو صلاحها محرم، لكن لما كانت تابعة لأصلها اغتفر فيها ما لم يغتفر لو كانت مستقلة بالعقد. (وعلى ضوء ذلك فهذا النوع من الأسهم وإن كان فيه نسبة بسيطة من الحرام لكنها جاءت تبعا، وليست أصلا مقصودا بالتملك والتصرف، فما دامت أغراض الشركة مباحة، وهي أنشئت لأجل مزاولة نشاطات مباحة، غير أنها قد تدفعها السيولة أو نحوها إلى إيداع بعض أموالها في البنوك الربوية، أو الاقتراض منها، فهذا العمل بلا شك عمل محرم يأثم فاعله (مجلس الإدارة) لكنه لا يجعل بقية الأموال والتصرفات المباحة الأخرى محرمة، وهو أيضا عمل تبعي وليس هو الأصل الغالب الذي لأجله أنشئت الشركة) (¬1). ونوقش هذا الدليل: بأنه قياس مع الفارق، لأن إباحة شراء أسهم شركة تمارس أنشطة محرمة يلزم منه تجويز استمرار ملك الشخص لذلك السهم، وبالتالي استمرار مزاولة الأنشطة المحرمة، وهذا ما لا تدل عليه هذه القاعدة ولا أدلتها المبنية عليها، فإن إباحة تملك مال العبد تبعا له لا يلزم منه إجازة بيع المال بالمال بلا تقابض أو تماثل، وكذلك بيع الثمرة قبل بدو صلاحها تبعا لأصلها لا يلزم منه تجويز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها (¬2). الدليل الثاني: الاستدلال بقاعدة: "الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة" (¬3): ويدل على هذه القاعدة قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 87]. ومن تطبيقات هذه القاعدة: إباحة بيع العرايا لحاجة عامة الناس للتفكه، فأقيمت الحاجة العامة هنا منزلة الضرورة الخاصة المبيحة للمحرم، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "يجوز للحاجة ¬

(¬1) الاستثمار في الأسهم للدكتور علي محيي الدين القره داغي ص82. (¬2) انظر: الخدمات الاستثمارية للدكتور يوسف الشبيلي 2/ 242. (¬3) بحوث في الاقتصاد للشيخ ابن منيع ص225.

ما لا يجوز بدونها كما جاز بيع العرايا للتمر" (¬1). ووجه الاستدلال بهذه القاعدة: "أن حاجة الناس تقتضي الإسهام في هذه الشركات الاستثمارية لاستثمار مدخراتهم فيما لا يستطيعون الاستقلال بالاستثمار فيه، كما أن حاجة الدولة تقتضي توجيه الثروة الشعبية إلى استخدامها فيما يعود على البلاد والعباد بالرفاهية والرخاء، فلو قلنا بمنع بيع الأسهم أو شرائها لأدى ذلك إلى إيقاع أفراد المجتمع في حرج وضيق حينما يجدون أنفسهم عاجزين عن استثمار ما بأيديهم من مدخرات" (¬2). ونوقش هذا الاستدلال: بأنه لا يسلم بوجود الحاجة للاستثمار في هذه الأسهم لا بالنسبة للشركات ولا للأفراد، أما الشركات فلا حاجة تجعلها تقترض أو تودع بالربا، فإن الشريعة فيها من صور التمويل والاستثمار المباحة ما يغني عن المعاملات المحرمة، "لاسيما بعد أن استنبط علماء الفقه، والاقتصاد من مسائل الفقه معاملات تسهل على الناس التعامل مع المصارف بحيث يستفيد منها أرباب المشاريع بإقامة مشروعاتهم، وتستفيد منها المصارف بالربح الذي تطمح إلى تحقيقه مثل المضاربة، والشركات الخالية من الربا بأنواعها المتعددة، ومثل السلم والمرابحة" (¬3). كما أنه لا يسلم أن منع الناس من بيع هذه الأسهم وشرائها يوقعهم في الحرج والضيق، لأن مجالات الاستثمار المباحة متعددة ومتنوعة، ولا تعد هذه الشركات إلا جزءاً يسيراً من مجالات الاستثمار المختلفة، "ولو فرضنا أن الاستثمار في الأسهم يحقق حاجة ومصلحة ¬

(¬1) مجموع الفتاوى 29/ 480. (¬2) بحوث في الاقتصاد الإسلامي للشيخ ابن منيع ص230. (¬3) حكم الاشتراك في شركات تودع أو تقرض بفوائد، بحث للدكتور صالح البقمي في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة عدد (21) ص121.

للبلد فما القول في الاستثمار في الأسهم العالمية؟ والتي أصبحت تضارع في نفوذها وسيطرتها سوق الأسهم المحلية" (¬1). الدليل الثالث: قياس ملكية الأسهم في الشركات المختلطة على ملكية الرقيق بجامع أن المسؤولية في كل منهما محدودة بمقدار القيمة الكلية (¬2): وقد ذكر الفقهاء أنه: "لا ينبغي الإذن لغير المأمون ومتعاطي الربا، فإن فعل وكان يعمل بالربا تصدق السيد بالربح، وإن جهل ما يدخل عليه من الفساد في البيع استحب التصدق بالربح لعدم اليقين بالفساد" (¬3). "فمالك السهم إذا عرف ما يدخل على الشركة من الفساد تصدق به وإذا لم يعلم استحب له أن يتصدق بالربح الناتج من أعمال الشركة، وذلك إنما هو على سبيل الاستحباب ولا وجه حينئذ للقول بتحريم الاستثمار في هذه الشركات، وإلا لكان حراما على المسلم أن يمتلك عبدا يعمل بالربا" (¬4). ونوقش هذا الاستدلال: بأنه قياس مع الفارق، لأن انتقال ملكية العبد لمالك جديد لا يقتضي انتقال ملكية ما يستثمره لما كان تحت المالك الأول، بل الدليل يقتضي خلافه كما هو نص حديث ابن عمر: «من باع عبداً وله مال فماله للذي باعه» (¬5)، بخلاف شراء أسهم الشركات المساهمة فإنه يقتضي انتقال كل ما للسهم وما عليه من حقوق والتزامات ومنها الاستثمارات والقروض وغيرها. القول الثاني: تحريم الاكتتاب في الشركات المساهمة التي أنشئت لأغراض مباحة ولكنها تقترض قروضا محرمة أو تستثمر في أنشطة محرمة. ¬

(¬1) الخدمات الاستثمارية للدكتور يوسف الشبيلي 2/ 248. (¬2) الخدمات الاستثمارية 2/ 254. (¬3) الذخيرة للقرافي 5/ 319. (¬4) الخدمات الاستثمارية 2/ 254، نقلا عن بحث د. محمد القري في مجلة دراسات اقتصادية إسلامية عدد (5). (¬5) سبق تخريجه ص54.

واختار هذا القول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ومجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي (¬1). أدلتهم: استدل أصحاب هذا القول بعدد من الأدلة منها: الدليل الأول: عموم الأدلة الشرعية المحرمة للربا ومنها: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]، وحديث جابر رضي الله عنه: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء» رواه مسلم (¬2). والاكتتاب أو المساهمة في الشركة التي تقترض أو تستثمر في الربا هو ممارسة للربا، سواء كان المكتتب مباشراً لذلك أو كانت تلك الممارسة وكالة عند بماله، ولا يصح عقلاً أن يقال إن المساهم في الشركة بريء من تلك الممارسات إذا كان عالماً بها لأنه ليس مكرهاً على وضع أمواله فيها، ولا تبرأ ذمة المسلم من العمل المحرم إلا إذا كان جاهلاً أو مكرهاً على ذلك العمل. ونوقش هذا الاستدلال: بأن القول بإجازة المساهمة في مثل هذه الشركات لا يلزم منه أكل الربا بل يجب على المساهم التخلص من النسبة المحرمة وصرفها في وجوه البر. وأجيب عن هذا الاستدلال من وجهين: 1 - إن المساهم وإن كان لا يأكل الربا فهو يؤكله لمن تقترض منه الشركة بفائدة، وبهذا يشمله لعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ¬

(¬1) فتاوى اللجنة 13/ 407، قرارات المجمع ص135. (¬2) رواه مسلم في كتاب المساقاة، باب لعن آكل الربا وموكله، رقم الحديث (1598). (¬3) انظر: الخدمات الاستثمارية للدكتور يوسف الشبيلي 2/ 257.

2 - إن الجزء المحرم لا يكون في الأرباح فقط بل يتسرب لرأس المال، وذلك لأن نظام الشركات يلزم الشركات المساهمة بتجنيب جزء من الأرباح كل عام ليكون احتياطيا للشركة، فإذا تجاوز هذا الاحتياطي ـ المشتمل على شيء من الربح المحرم ـ نصف رأس المال جاز للشركة (¬1) أن تتصرف بما زاد عن نصف رأس المال منه بزيادة رأس مالها عبر ضم هذا الاحتياطي لرأس المال، كما أن للشركة أن تغطي بهذا الاحتياطي الخسائر التي تمس برأس مالها وبذلك تصبح العوائد المحرمة جزءاً لا يتجزأ من رأس مال الشركة المساهمة ويتعذر التخلص منها. الدليل الثاني: قول الله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]: والمساهمة في هذه الشركات هو من قبيل المعاونة على أكل الحرام وتأكيله، وهذا من أعظم الإثم. الدليل الثالث: إن منع الناس من الاكتتاب أو الإسهام في هذه الشركات فيه مصلحة عظيمة، إذ أنه يجعل هذه الشركات تكف عن هذه الممارسات المحرمة، لأن الشركات المساهمة لا تقوم على رؤوس أموال عامة الناس ولا تستغني عنها، وبالتالي فإنها سوف تسلك السبل المشروعة للاقتراض أو الاستثمار إما اختياراً أو اضطراراً. وفي المقابل فإن إباحة ذلك يترتب عليه تشجيع تلك الشركات على الاستمرار والتمادي في هذه الأعمال المحرمة شرعا، والشريعة جاءت بسد الذرائع المفضية إلى المحرم، وإباحة المساهمة في هذه الشركات يعارض هذا المبدأ بل يناقضه. ¬

(¬1) انظر المادة (125) والمادة (126) من نظام الشركات السعودي.

الترجيح: لاشك أن هذه المسألة من أكثر المسائل التي دار حولها الجدل والخلاف بين الفقهاء لما فيها من الإشكالات المتعددة. والمتأمل لهذا الخلاف يجد أن الحكم بحرمة تلك الاستثمارات للشركة المختلطة متفق عليه بين الفريقين، بيد أن الخلاف واقع في حكم الاشتراك في الشركة لمن لا يرضى هذه الممارسات المحرمة فيها ويتخلص من الربح المحرم فيها، وكلا القولين له حظ كبير من النظر والاستدلال المعتبر، ولكن يزداد الإشكال حين نعلم أن الشركات التي اتفق على إباحة الإسهام فيها وهي الشركات التي لا تقترض ولا تودع بالربا لا تكاد تخلو من استثمارات محرمة، إما بالإجماع كممارسة الربا مباشرة وغيره من المعاملات المحرمة والتي قد لا تبينها الشركة في قوائمها المالية، وكذلك قد تكون لديها ممارسات أو استثمارات يعتبرها القائلون بحرمة الشركات المختلطة ممارسات محرمة، ومن أبرز تلك الممارسات المضاربة في شركات أخرى تقترض أو تودع بالربا (¬1)، فالقول بحرمة المساهمة في الشركات المختلطة يلزم منه القول بحرمة المساهمة في الشركات التي تسمى بالنقية لأن تلك الشركات تستثمر جزءا من أموالها في الشركات المختلطة، ولهذا فإنه لابد من قول وسط يجمع شتات المسألة، وهو القول بأن الاكتتاب في الشركات المختلطة يجوز للحاجة إذا كانت نسبة الاستثمارات المحرمة في الشركة قليلة جداً ومغمورة بالنسبة للاستثمارات المباحة فيها، مع وجوب بذل الوسع في التخلص من النسبة المحرمة من الربح، وعدم الرضى بتلك الممارسات، والسعي الحثيث لإيقافها. وتقييد حكم الإباحة بالحاجة وضح المراد بها ونص عليها بعض ¬

(¬1) انظر للاستزادة: الأسهم المختلطة لإبراهيم السكران ص27، وانظر: موقع الدكتور يوسف الشبيلي وفقه الله http://www.shubily.com.

العلماء، ومنهم الشيخ عبد الله بن منيع إذ يقول حفظه الله: "إن الحاجة المبررة لتداول هذه الأسهم لا تعتبر ما دامت مجرد دعوى حتى تثبت، فمتى استطاع الفرد أن يجد مجال استثمار لا شبهة في كسبه، وكان عنصر المخاطرة في هذا المجال ضعيفا، فيجب على هذا الفرد أن يستبرئ لدينه وعرضه وأن يكتفي بما هو حلال محض عما فيه الاشتباه والارتياب، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل مالك حمى إلا وإن حمى الله محارمه (¬1)» (¬2). * * * * * ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، حديث رقم (50). (¬2) بحوث في الاقتصاد الإسلامي ص244، وقد نشر هذا البحث في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد الحادي عشر الصادر في عام 1411هـ.

الفصل الثاني إدارة وتسويق عملية الاكتتاب

الفصل الثاني إدارة وتسويق عملية الاكتتاب وفيه ثلاثة مباحث المبحث الأول: مسؤوليات مدير الاكتتاب. المبحث الثاني: التكييف الفقهي للعلاقة بين الشركة المساهمة، ومدير الاكتتاب. المبحث الثالث: ضمان الإصدار.

المبحث الأول مسؤوليات مدير الاكتتاب

المبحث الأول مسؤوليات مدير الاكتتاب مدير الاكتتاب له وظيفة هامة عند الاكتتاب في الشركات المساهمة، وذلك أن الشركة المساهمة حينما تريد أن تطرح أسهما للاكتتاب فإن الأنظمة لا تسمح لها بأن تطرحها مباشرة للناس، بل لابد أن يكون ذلك بواسطة ما يسمى بمدير الاكتتاب. ومن أهم المهام التي يقوم بها مدير الاكتتاب: 1 - تقديم المشورة لجهة الإصدار بشأن حجم الإصدار، ومدى مناسبته وتوقيته. 2 - إدارة الاكتتاب، وما يترتب على ذلك من إتمام جميع الإجراءات الإدارية والقانونية. 3 - تسويق الأسهم للجمهور عبر الوسائل التسويقية المتاحة (¬1). ¬

(¬1) انظر: البورصة لمحمد ياسين ص24، 25.

المبحث الثاني التكييف الفقهي للعلاقة

المبحث الثاني التكييف الفقهي للعلاقة بين الشركة المساهمة ومدير الاكتتاب المطلب الأول: إدارة الاكتتاب وعلاقتها بعقد الوساطة المالية (السمسرة) ذكرنا في المبحث السابق أن من المهام الرئيسية لمدير الاكتتاب تسويق الأسهم للجمهور عبر الوسائل التسويقية المتاحة، وهذا التسويق يتم بإحدى طريقتين: الأولى: أن يقتصر عمل مدير الاكتتاب على تسويق الاكتتاب للمستثمرين والوساطة بين الشركة والمكتتبين حتى إتمام إجراءات الاكتتاب، وذلك من غير تعهد بتغطية الاكتتاب فيما لو لم يحصل الاكتتاب بالأسهم المطروحة أو بحد أدنى منها، ويتم تقدير أجرة مدير الاكتتاب في هذه الحالة إما بمدة عمله في إدارة الاكتتاب بغض النظر عن مقدار العمل، أو يكون تقدير الأجرة بمقدار العمل الذي يقوم به مدير الاكتتاب. الثانية: أن يكون التسويق مصحوباً بتعهد من مدير الاكتتاب بتغطية كامل الكمية المطروحة، أو حد أدنى منها وهو ما يسمى بـ: (ضمان الإصدار)، وله صور متعددة منها: أن يلتزم المدير بشراء ما يتبقى من الأسهم بعد انتهاء الاكتتاب مقابل مبلغ محدد عوضاً عن هذا الالتزام، ومن صوره أن يقوم مدير الاكتتاب بشراء الأسهم من الشركة بسعر أقل من قيمة بيعها على المكتتبين، حيث يمثل الفرق ثمن مصروفات مدير

المطلب الثاني: أنواع الوساطة المالية في الاكتتاب وهي نوعان

الاكتتاب بالإضافة إلى ربحه (¬1). ومن هنا تتبين العلاقة الوثيقة بين إدارة الاكتتاب وعقد الوساطة المالية (السمسرة)، فمدير الاكتتاب يقوم بمهمة الوسيط بين الشركة والمكتتبين سواء ضمن مدير الاكتتاب بيع كل الأسهم المطروحة أم لم يضمن بيعها، فهو في كلتا الحالتين يعد سمساراً للشركة. المطلب الثاني: أنواع الوساطة المالية في الاكتتاب وهي نوعان النوع الأول: الوساطة المقدرة بالزمن: وذلك بأن يتم الاتفاق بين الشركة ومدير الاكتتاب على طرح أسهم الشركة للاكتتاب، وتسويقها في مدة معينة على أن يستحق مدير الاكتتاب أجره المسمى بانقضاء المدة المحددة لعمله في إدارة الاكتتاب بغض النظر عما تم تسويقه من الأسهم المطروحة. وهذه الوساطة المقدرة بالزمن جائزة باتفاق الفقهاء لأنها من قبيل الإجارة على عمل مباح قد حدد له مدة معينة وأجرة معلومة، والإجارة جائزة بإجماع أهل العلم (¬2). النوع الثاني: الوساطة المقدرة بالعمل: وذلك بأن يتم الاتفاق بين الشركة المساهمة ومدير الاكتتاب على تفاصيل العمل الذي سيقوم به مدير الاكتتاب ويستحق المدير أجره بإتمامه للعمل المتفق عليه. وقد اختلف الفقهاء في حكم تقدير أجرة الوسيط بالعمل على قولين: ¬

(¬1) انظر: البورصة لمحمد ياسين ص24، 25. (¬2) المبسوط 15/ 115، المنتقى شرح الموطأ 5/ 113، الأم 4/ 26، المغني 8/ 5.

القول الأول: جواز ذلك، سواء كان العمل قليلاً أو كثيراً. وهو قول بعض الحنفية والمالكية في المشهور عندهم والشافعية والحنابلة (¬1). واستدلوا بما يلي: الدليل الأول: ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر بنصف ما يخرج منها على أن يعملوها بأموالهم وأنفسهم (¬2). الدليل الثاني: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر استأجرا عبد الله بن أريقط هاديا خريتا، وهو الماهر بالهداية، ليدلهما على طريق المدينة (¬3). وجه الاستدلال من الدليلين: أنه - صلى الله عليه وسلم - جعل أجرتهم في مقابل عمل معلوم، فدل ذلك على جواز تقدير أجرة الوسيط بالعمل بجامع الإجارة في الكل. الدليل الثالث: أنه يجوز عقد الإجارة مقدرًا بزمن، فجاز مقدراً بعمل كالخياطة (¬4). القول الثاني: تحريم ذلك سواء كان العمل قليلاً أم كثيراً. وهو المذهب المعتمد عند الحنفية (¬5). واستدلوا بما يلي: إن تقديره بالعمل فيه غرر وجهالة، فالبيع قد يتم بكلمة واحدة، وقد لا يتم بعشر كلمات، ثم إن الوسيط لا يستطيع القيام بالعمل بنفسه إلا إن ساعده البائع، فاختل شرط من شروط صحة الإجارة وهي أن تكون على عمل معلوم أو إلى أجل معلوم (¬6). ¬

(¬1) بدائع الصنائع 4/ 185، التاج والإكليل 7/ 600، الأم 4/ 30، المغني 8/ 42. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الحرث والمزارعة، باب المزارعة بالشطر ونحوه 3/ 37. (¬3) أخرجه البخاري، كتاب الإجارة، باب استئجار المشركين عند الضرورة 3/ 116. (¬4) المغني 8/ 42. (¬5) المبسوط للسرخسي 15/ 115. (¬6) المبسوط للسرخسي 15/ 115، بدائع الصنائع للكاساني 4/ 32.

ونوقش استدلالهم: بأن الغرر هنا مغتفر لحاجة الناس للتقدير بالعمل، لأن من شروط تحريم الغرر عدم حاجة الناس له، ولذا نقل ابن عابدين (¬1) عن بعض الحنفية ممن قال بالجواز تعليلهم كون الغرر مغتفرا هنا بحاجة الناس له. قال رحمه الله: (سئل محمد بن سلمة (¬2) عن أجرة السمسار، فقال: أرجو أنه لا بأس به، وإن كان في الأصل فاسداً، لكثرة التعامل به، وكثير من هذا غير جائز فجوزوه لحاجة الناس إليه كدخول الحمام) (¬3). الترجيح: القول الذي يترجح هو القول بجواز تقدير الأجرة بالعمل لقول أدلته وسلامتها من المناقشة. وعلى هذا فإنه يجوز للشركة المساهمة أن تتعاقد مع مدير الاكتتاب على قيام المدير بعمل معين ويستحق مدير الاكتتاب أجرته عند إنجازه لذلك العمل. * * * * * ¬

(¬1) هو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين، توفي عام 1252هـ، فقيه من أئمة الأحناف، من مصنفاته: رد المحتار على الدر المختار، والعقود الدرية. انظر: الأعلام للزركلي 6/ 267. (¬2) هو الإمام المحدث المفتي أبو عبد الله الحرَّاني، توفي عام 191هـ. انظر: سير أعلام النبلاء. (¬3) حاشية ابن عابدين 6/ 63.

المبحث الثالث ضمان الإصدار

المبحث الثالث ضمان الإصدار المطلب الأول: بيان المراد بضمان الإصدار ضمان الإصدار هو أحد الاحتياطات التي تلجأ لها بعض الشركات المساهمة عند طرح أسهمها للاكتتاب، وذلك لتضمن بيع جميع الأسهم المطروحة أو حد أدنى منها، وقد عرف مجمع الفقه الإسلامي في القرار رقم 65/ 1/7 ضمان الإصدار بأنه: (الاتفاق عند تأسيس شركة مع أن يلتزم بضمان جميع الإصدار من الأسهم أو جزء من ذلك الإصدار) (¬1). وعند التأمل في الواقع العملي نجد أن ضمان الإصدار له صور متعددة منها: 1 - أن يلتزم مدير الاكتتاب بشراء ما يتبقى من الأسهم المطروحة بعد اكتتاب عامة الناس فيها بقيمتها الاسمية بدون مقابل على هذا الضمان. 2 - أن يلتزم مدير الاكتتاب بشراء ما يتبقى من الأسهم المطروحة بعد اكتتاب عامة الناس فيها بقيمتها الاسمية مقابل مبلغ مقطوع على هذا الالتزام. 3 - أن يلتزم مدير الاكتتاب بشراء ما يتبقى من الأسهم المطروحة بعد اكتتاب عامة الناس بأقل من قيمتها الاسمية. 4 - أن يشتري مدير الاكتتاب من الشركة المساهمة جميع الأسهم ¬

(¬1) قرارات وتوصيات مجمع الفقه ص136.

المطلب الثاني: التخريجات الشرعية لضمان الإصدار

المطروحة للاكتتاب قبل طرحها للاكتتاب بسعر أقل من السعر المحدد لبيعها على المكتتبين ويمثل الفارق بين القيمتين المصروفات الإدارية للأعمال التي قام بها مدير الاكتتاب إضافة إلى ربحه من شرائه للأسهم ثم بيعها على المكتتبين. ولما كان لضمان الإصدار أكثر من صورة اختلفت الآراء في التخريج المناسب له بناء على الاختلاف في تصوير ضمان الإصدار. المطلب الثاني: التخريجات الشرعية لضمان الإصدار الفرع الأول: تخريجه على عقد الضمان: تخريج ضمان الإصدار على عقد الضمان هو ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي في قراره رقم 65/ 1/7، حيث جاء فيه: إن "ضمان الإصدار: هو الاتفاق عند تأسيس شركة مع من يلتزم بضمان جميع الإصدار من الأسهم أو جزء من ذلك الإصدار. وهو تعهد من الملتزم بالاكتتاب في كل ما تبقى مما لم يكتتب فيه غيره، وهذا لا مانع منه شرعا إذا كان تعهد الملتزم بالقيمة الاسمية بدون مقابل لقاء التعهد، ويجوز أن يحصل الملتزم على مقابل عن عمل يؤديه ـ غير الضمان ـ مثل إعداد الدراسات أو تسويق الأسهم" (¬1). المسألة الأولى: مستند هذا التخريج: إن تعهد الملتزم بالاكتتاب فيما يتبقى من الأسهم فيه معنى الضمان، إذ أن مدير الاكتتاب يضمن للشركة المساهمة بيع أسهمها، وذلك يتم إما باكتتاب المستثمرين في كل الأسهم المطروحة، أو اكتتاب المستثمرين في بعضها وشراء مدير الاكتتاب لما يتبقى من الأسهم بعد الاكتتاب. ¬

(¬1) قرارات وتوصيات مجمع الفقه ص136.

المسألة الثانية: ما يترتب على هذا التخريج: رتب القائلون بهذا التخريج على ذلك حرمة أخذ مدير الاكتتاب أجرا مقابل هذا التعهد، وأن يكون شراؤه للأسهم المتبقية بالقيمة الاسمية دون مقابل، لأن أخذ الأجر على الضمان محرم، وقد علل المجمع حرمة أخذ الأجر على الضمان بأنه يشبه القرض الذي جر نفعا على المقرض، وذلك ممنوع شرعاً (¬1)، فمنع القائلون بهذا التخريج أخذ الأجر على هذا الضمان، وكذلك منعوا شراء مدير الاكتتاب للأسهم المتبقية بأقل من قيمتها الاسمية، وأجازوا الصورة الأولى من صور ضمان الإصدار المتمثلة في التزام مدير الاكتتاب بشراء ما يتبقى من الأسهم المطروحة بعد اكتتاب عامة الناس فيها بقيمتها الاسمية بدون مقابل على هذا الضمان، كما أجازوا لمدير الاكتتاب أخذ أجرة على قيامه بإعداد الدراسات وتسويق الأسهم وغير ذلك من الأعمال الأخرى. المسألة الثالثة: مناقشة هذا التخريج: يمكن أن يناقش هذا التخريج من وجوه: الوجه الأول: عدم التسليم بأن هذا التعهد من قبيل الضمان فليس كل تعهد يعد ضمانا ًبالمعنى الذي يذكره الفقهاء، فالفقهاء يذكرون الضمان ويريدون به: ضم ذمة الضامن إلى المضمون عنه في التزام الحق، فيثبت في ذمتهما جميعا (¬2). وتعهد مدير الاكتتاب في هذه الصورة ليس فيه ضم لذمته إلى ذمة أخرى، بل هو مجرد تعهد بشراء الأسهم المطروحة للاكتتاب أو شراء جزء منها. ¬

(¬1) انظر: قرارات وتوصيات مجمع الفقه ص25. (¬2) المغني 7/ 71.

الوجه الثاني: التسليم بتسمية هذا التعهد من قبيل الضمان تجوزا، ومع ذلك فالمعنى الذي من أجله حرم أخذ أجر على الضمان ليس متحققا في صورة ضمان الإصدار، وهو كونه يشبه القرض الذي جر نفعا على المقرض، إذ أن ضمان الإصدار لا قرض فيه ولا مقرض، بل هو مجرد ضمان من مدير الاكتتاب للشركة المساهمة بشراء ما يتبقى من أسهمها بعد الاكتتاب، والأجر الذي يأخذه مدير الاكتتاب هو مقابل هذا التعهد. الفرع الثاني: تخريجه على بيع الوضيعة: بيع الوضيعة: بيع بمثل الثمن الأول، مع نقصان شيء معلوم منه، وهو جائز باتفاق الفقهاء من حيث الجملة (¬1). المسألة الأولى: مستند هذا التخريج: إن الشركة المساهمة تبيع الأسهم المتبقية على مدير الاكتتاب بالقيمة الاسمية لتلك الأوراق ناقصاً نسبة محددة، ويمثل الفرق بين القيمة الاسمية وسعر البيع على مدير الاكتتاب الربح المتحقق لمدير الاكتتاب. المسألة الثانية: ما يترتب على هذا التخريج: يترتب على هذا التخريج جواز شراء مدير الاكتتاب لأسهم الشركة المصدرة بأقل من قيمتها الاسمية، لأن هذا الفارق يمثل ربح مدير الاكتتاب من هذه العملية، وهو ربح مباح لأنه ناتج عن عملية بيع وشراء حقيقية. المسألة الثالثة: مناقشة التخريج: نوقش هذا التخريج من وجهين: الوجه الأول: إن مدير الاكتتاب لا يتملك الأسهم الحقيقية، يدل على ذلك أن الشركة المصدرة للأسهم تشترك على مدير الاكتتاب أن يبيع ¬

(¬1) انظر: بدائع الصنائع 5/ 229، بلغة السالك 3/ 219، المغني 6/ 276.

السهم بالقيمة الاسمية، وليس له الزيادة على ذلك، ولو كان مالكا للأسهم لما كان لها أن تقيده بذلك. ويمكن أن يجاب على هذا: بعدم التسليم بذلك، بل إن هذا البيع حقيقي يتملك فيه مدير الاكتتاب الأسهم حقيقة، وأما شرط الشركة المساهمة هنا، فهو شرط صحيح لأنه شرط مباح لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، وفيه مصلحة للبائع والمبيع. الوجه الثاني: إن في العقد غررا، ووجه ذلك: أن النسبة المتبقية بعد تصريف الأسهم والتي التزم مدير الاكتتاب بشرائها، غير معلومة، فقد يكون المتبقي مليون سهم، أو ألف سهم، أو لا يتبقى شيء. ويمكن أن يجاب على هذا: بأن هذا الاعتراض مبني على خلاف الفقهاء في حكم ما لو باعه بعضا من الصبرة ـ دون تسمية ذلك البعض ـ كل قفيز بدرهم. وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: التحريم: وهذا هو قول الجمهور من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والظاهرية والمعتمد عند الحنابلة (¬1). واستدلوا: بأن الثمن مجهول حالة العقد، فالعقد فيه غرر. ونوقش استدلالهم: بأن الجهالة هنا ليست مفضية للمنازعة، لأن الثمن معلوم وهو قدر ما يقابل كل جزء من المبيع، والغرر منتف في الحال لأن القفيز قدر معلوم، وثمن ما يقابل هذا القدر معلوم، فانتفى الغرر ههنا، لأن الجهالة كما تنتفي بالعلم بثمن السلعة بالجملة فهي تنتفي بالعلم بثمن السلعة بالتفرقة. ¬

(¬1) المبسوط 26/ 82، المدونة 3/ 471، المجموع 380، المغني 6/ 208، المحلى 7/ 509.

القول الثاني: جواز هذه البيع: وهو قول عند المالكية، والحنابلة (¬1). واستدلوا: بالقياس على ما لو آجره الدار كل شهر بدرهم مع عدم العلم بمدة الاستئجار، وكذا ما لو آجره كل دلو بتمرة كما روى علي رضي الله عنه أنه استقى لرجل من اليهود كل دلو بتمرة، وجاء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأكل منه (¬2). الترجيح: الراجح والله أعلم هو القول بجواز هذا البيع لقوة ما استدلوا به وسلامته من المناقشة. وعلى هذا نقول إن الجهالة في مقدار الأسهم التي ستؤول إلى ملكية مدير الاكتتاب غير مؤثرة، لأن العلم بسعر السهم الواحد كاف في نفي الجهالة كما هو القول الراجح في المسألة السابقة. الترجيح في حكم ضمان الإصدار: يرى الباحث أنه لا يمكن تخريج ضمان الإصدار تخريجاً واحداً يشمل جميع صوره، وذلك لاختلاف صور ضمان الإصدار وإن اتحدت في المسمى. وعلى هذا يمكن أن يقال: إن ضمان الإصدار إن كان التزاماً مجردا من قبل مدير الاكتتاب للشركة المساهمة بشراء ما يتبقى من الأسهم بعد الاكتتاب بأقل من قيمتها الاسمية بدون عوض على هذا الالتزام كان ذلك بيع وضيعة بين الشركة المساهمة ومدير الاكتتاب، وهو مماثل لبيع بعض الصبرة كل قفيز منها بدرهم، وهو بيع جائز شرعاً على الصحيح من قولي الفقهاء. ¬

(¬1) المنتقى 5/ 145، الفروع 4/ 31. (¬2) رواه ابن ماجة، كتاب الرهون، باب الرجل يستقي كل دلو بتمرة ويشترط رقم (2446). وقال في مجمع الزوائد 4/ 97: رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه انقطاعا.

وإن كان ضمان الإصدار تمثل في تسويق مدير الاكتتاب للأسهم المطروحة والتزامه بشراء ما يتبقى من الأسهم بعد التسويق بقيمتها الاسمية فإنه جائز شرعاً إن كان ذلك الالتزام بدون عوض مقابل لهذا الالتزام لأنه مماثل لبيع بعض الصبرة كل قفيز منها بدرهم، فإن كان ذلك الالتزام مقابل عوض محدد فهو محرم شرعاً لأن فيه غرراً ظاهراً. وإن كان ضمان الإصدار تمثل في شراء مدير الاكتتاب لجميع الأسهم قبل طرحها للاكتتاب بأقل من قيمتها الاسمية ثم قام بتسويقها لحسابه بالقيمة الاسمية، كان ذلك العقد بيع وضيعة محض لا مدخل للوساطة فيه. * * * * *

الفصل الثالث الاكتتاب باسم شخص آخر

الفصل الثالث الاكتتاب باسم شخص آخر وفيه تمهيد، وأربعة مباحث المبحث الأول: استعمال المكتتب لاسم غيره في الاكتتاب. المبحث الثاني: الاكتتاب باسم الزوجة والأولاد. المبحث الثالث: اكتتاب الولي بأسماء القُصَّر الذين تحت ولايته. المبحث الرابع: التوكيل في الاكتتاب.

تمهيد

تمهيد تكييف حق الاكتتاب حق الاكتتاب من الحقوق التي استجدت في عصرنا الحاضر، وقد ازداد اهتمام الناس به بسبب ارتفاع القيمة السوقية للأسهم بشكل عام مقارنة بقيمتها عند طرحها للاكتتاب، مما جعل كثيرا من الناس يحاول الحصول على أكبر قدر ممكن من الأسهم عبر الاكتتاب بأكبر عدد ممكن من أسماء الذين يحق لهم الاكتتاب، ولكون ذلك مرتبطاً بعدد الأسماء المكتتب بها، نشأت سوق سوداء لبيع وشراء حق الاكتتاب بالأسماء. ولما أصبح هذا الحق بهذه المثابة كان لزاماً البحث في التكييف الفقهي لهذا الحق لأنه ينبني عليه معرفة مدى شرعية تداول هذا الحق واستعماله، سواء كان ذلك بعوض أو بغير عوض. وبالنظر في تقسيم الحق عند الفقهاء نجد أشمل تقسيم للحق عندهم هو تقسيمه إلى خمسة أقسام: 1 - حق الملك: كحق السيد في ملك مال عبده المكاتب. 2 - حق التملك: كحق الأب في تملك مال ولده. 3 - حق الانتفاع: كحق الجار في وضع خشبة على جدار جاره إذا لم يضر به. 4 - حق الاختصاص: كحق الاختصاص بمكان في مسجد أو في سوق ونحو ذلك فيكون السابق إلى ذلك المكان أحق به من غيره.

5 - حق التعلق لاستيفاء الحق: كحق المرتهن بالرهن، فتكون جميع أجزاء الرهن محبوسة بكل جزء من الدَّيْن حتى يستوفى جميعه (¬1). ومن الفقهاء من فرق بين تمليك الانتفاع وتمليك المنفعة، "فتمليك الانتفاع نريد به: أن يباشر هو بنفسه فقط، وتمليك المنفعة هو أعم وأشمل، فيباشر بنفسه، ويمكن غيره من الانتفاع بعوض، كالإجارة، وبغير عوض كالعارية" (¬2). ومما سبق يتبين أن الأصل في حق الانتفاع أنه يكون الانتفاع به لمن أبيح له، لكن إذا علم أن المملك لهذا الحق يبيح لمن ملكه إياه بذله لغيره بعوض أو بغير عوض جاز للمنتفع به ذلك، "فهذا الحق قد يكون مطلقاً عن القيود، وقد يكون مقيداً، والإطلاق والتقييد فيه يرجع إلى السبب الذي أثبت هذا الحق، فإذا كان السبب مقيداً اقتصر استيفاء الحق على صاحبه، وإن كان غير مقيد فلا يقتصر عليه بل له أن يستوفيه بنفسه وله أن يملكه لغيره" (¬3). وعلى هذا يقال إن حق الاكتتاب هو حق انتفاع، وقد ملكته الدولة للناس بشروط وقيود معينة تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، والواجب الالتزام بتلك القيود والضوابط المنظمة لطريقة الانتفاع بهذا الحق. * * * * * ¬

(¬1) القواعد لابن رجب ص185. (¬2) الفروق للقرافي 1/ 399. (¬3) المدخل في الفقه الإسلامي للدكتور محمد شلبي ص344 بتصرف يسير.

المبحث الأول استعمال المكتتب لاسم غيره في الاكتتاب

المبحث الأول استعمال المكتتب لاسم غيره في الاكتتاب المطلب الأول: استعمال الاسم بعوض استعمال الاسم بعوض يكون بأن يتيح صاحب الاسم لشخص آخر أن يكتتب باسمه مقابل مبلغ مقطوع. وقد اختلف العلماء المعاصرون في حكم هذه المعاملة على قولين: القول الأول: جواز هذه المعاملة. واستدل أصحاب هذا القول بأن هذه المعاملة بيع، والأصل في البيع أنه مباح إذا سلم من المحظورات الشرعية، وهذا البيع ليس فيه محظور شرعي. القول الثاني: أن هذه المعاملة محرمة شرعاً. وقد أفتى بهذا اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية (¬1) وعدد من العلماء المعاصرين (¬2). واستدل أصحاب هذا القول بأن هذه المعاملة اشتملت على عدة محظورات شرعية منها: ¬

(¬1) فتاوى اللجنة 23/ 464. (¬2) ومنهم أعضاء المجموعة الشرعية في بنك البلاد، وهم: أ. د. عبد الله العمار، ود. عبد العزيز الفوزان، ود. محمد العصيمي، ود. يوسف الشبيلي، انظر: موقع الإسلام اليوم www.islamtoday.net.

المطلب الثاني: استعمال الاسم بغير عوض

1 - أن المشتري يأخذ بالاسم أكثر مما يستحقه من الأسهم ويضيق بذلك على المساهمين الآخرين. 2 - أن في ذلك مخالفة للأنظمة التي وضعت لتحقيق العدالة وتوزيع الأسهم على أكبر عدد ممكن من عامة الناس، وهذا يوافق مقصدًا من مقاصد الشريعة التي تحث على جعل المال دُولة بين الناس وتنهى عن جعل المال دُولة بين الأغنياء، ومن ذلك ما ذكره عز وجل من الحكمة في جعل الفيء لأصناف من المحتاجين والمعوزين، وعلل ذلك بقوله: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7]. 3 - أن هذا العمل مظنة الخلاف والخصومة بين المتبايعين. الراجح: الراجح هو القول الثاني لقوة ما استدلوا به، ولأن اشتمال هذه المعاملة على ما ذكروه من المحرمات يسقط ما تمسك به أصحاب القول الأول من أن الأصل في البيع الحل والإباحة، خاصة أن في بيع هذا الحق غررًا ظاهرًا مما يفتح باب النزاعات والخصومات. المطلب الثاني: استعمال الاسم بغير عوض صورة هذه المسألة أن يتيح شخص لآخر أن يكتتب باسمه مجاناً بلا مقابل. وقد اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة على قولين: القول الأول: الجواز (¬1): واستدلوا بدليلين: الدليل الأول: إن اكتتاب الشخص باسمه حق له يجوز أن يبذله لمن شاء، ما ¬

(¬1) وممن قال به د. سامي السويلم رئيس هيئة الرقابة الشرعية ببنك الراجحي.

المطلب الثالث: استعمال الاسم على سبيل المشاركة في الربح

دامت الجهة التي أعطته هذا الحق لم تمنعه من بذله لغيره بلا عوض. الدليل الثاني: القياس على جواز إهداء الشخص أسهمه بلا عوض لشخص آخر بعد الاكتتاب، فكما أنه يجوز له إهداء تلك الأسهم لغيره بعد الاكتتاب يجوز له بذل منفعة الاكتتاب باسمه لغيره قبل الاكتتاب. القول الثاني: التحريم (¬1): واستدلوا: بأن ذلك يترتب عليه إضرار ببقية المساهمين، والقاعدة الشرعية أنه لا ضرر ولا ضرار. الترجيح: الراجح هو القول الأول لقوة ما استدلوا به بشرط أن لا يكون ذلك ممنوعا نظاما، وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني من أن في ذلك إضرارا ببقية المساهمين، فيمكن أن يناقش بأن هذا إضرار بحق لأن الاكتتاب بالاسم حق لصاحب الاسم وبذله لغيره بلا مقابل جائز ما دامت أنظمة الدولة لا تمنع ذلك. المطلب الثالث: استعمال الاسم على سبيل المشاركة في الربح وصورة هذه المسألة أن يتفق صاحب الاسم مع شخص آخر على أن يتشاركا في دفع مبلغ الاكتتاب، ومن ثَمَّ يتشاركا في اقتسام أرباح الأسهم. وهذه الصورة جائزة شرعا إذا اشتملت على الضوابط الآتية: 1 - أن يكون تقسيم الربح بينهما على سبيل الشيوع، كأن يكون لكل واحد منهم نصف الربح أو يكون لأحدهما ثلث الربح وللآخر الثلثان. ¬

(¬1) وممن قال به د. سامي السويلم رئيس هيئة الرقابة الشرعية ببنك الراجحي.

2 - أن لا يكون تقسيم الربح صورياً، كأن يكون لصاحب الاسم 5 % والباقي لشريكه. وإنما كان القول بجواز هذه الصورة لسلامتها من المحظورات التي تترتب على بيع الاسم مقابل مبلغ مقطوع، لأن المشاركة تتحقق فيها مصلحة لصاحب الاسم ولمن يشاركه، كما أن نظام الشركات ينص على جواز اشتراك أكثر من شخص في ملكية سهم واحد على أن يسجل باسم أحدهما. وقد أفتى بجواز هذه الصورة عدد من العلماء المعاصرين (¬1). * * * * * ¬

(¬1) وممن قال به أعضاء المجموعة الشرعية ببنك البلاد، وهم: أ. د عبد الله العمار، ود. عبد العزيز الفوزان، ود. محمد العصيمي، ود. يوسف الشبيلي انظر: موقع الإسلام اليوم www.islamtoday.net.

المبحث الثاني الاكتتاب باسم الزوجة والأولاد

المبحث الثاني الاكتتاب باسم الزوجة والأولاد المطلب الأول: الاكتتاب باسم الزوجة وصورة هذه المسألة: أن يكتتب الزوج باسم زوجته بغير عوض. وحكم هذا مبني على تكييف حق الاكتتاب، وقد تبين لنا أنه حق انتفاع، والزوجة تملك هذا الحق ولا سلطان للزوج عليها فيه إلا برضاها قياسا على حرمة أخذ الزوج شيئا من مال الزوجة إلا برضاها. قال الشوكاني (¬1) رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229]. قال رحمه الله: الخطاب للأزواج، أي لا يحل للأزواج أن يأخذوا مما دفعوه إلى نسائهم من المهر شيئا على وجه المضارة لهن، وتنكير (شيئا) للتحقير، أي شيئا نزرا فضلا عن الكثير، وخص ما دفعوه إليهن بعدم حل الأخذ منه مع كونه لا يحل للأزواج أن يأخذوا شيئاً من أموالهن التي يملكنها من غير المهر لكون ذلك هو الذي تتعلق به نفس الزوج، وتتطلع لأخذه دون ما عداه مما هو في ملكها، على أنه إذا كان أخذ ما دفعه إليها لا يحل له كان ما عداه ممنوعا منه بالأولى ... قال ابن عباس رضي الله عنه: كان الرجل يأكل من مال ¬

(¬1) هو محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني الصنعاني، ولد سنة 1172هـ وتوفي عام 1250هـ، عالم ومفسر، مشهور، من مصنفاته: فتح القدير ونيل الأوطار وغيرها. انظر ترجمته في: البدر الطالع.

المطلب الثاني: الاكتتاب باسم الأولاد

امرأته الذي نحلها وغيره لا يرى أن عليه جناحا، فأنزل الله: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا}، فلم يصح لهم بعد هذه الآية أخذ شيء من أموالهن إلا بحقها) (¬1). وعلى هذا فإن الزوج يحرم عليه الاكتتاب باسم زوجته إلا برضاها سواء كان ذلك بغير عوض أو بالمشاركة، لأن حق الزوجة في الاكتتاب هو في حكم الأجنبي بالنسبة للزوج. كما أن مما ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام هو أنه لا يجوز الاكتفاء بسكوت الزوجة في ذلك بل لابد أن يكون بذلها هذا الحق لزوجها عن طيب نفس منها كما قال تعالى في شأن المهر: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]. قال الشوكاني رحمه الله: (في قوله: {طِبْنَ} دليل على أن المعتبر في تحليل ذلك منهن لهم، إنما هو طيبة النفس، لا مجرد ما يصدر منها من الألفاظ التي لا يتحقق معها طيبة النفس ... وما أقوى دلالة هذه آية على عدم اعتبار ما يصدر من النساء من الألفاظ المقيدة للتمليك بمجردها لنقصان عقولهن وضعف إدراكهن، وسرعة انخداعهن، وانجذابهن إلى ما يراد منهن بأيسر ترغيب أو ترهيب) (¬2). المطلب الثاني: الاكتتاب باسم الأولاد والمراد به اكتتاب الوالد بأسماء أولاده بغير عوض، وقد قررنا فيما سبق أن حق الاكتتاب هو من حقوق الانتفاع، وأنه حق متقوَّم بمال، وعلى هذا فإن هذه المسألة مبنية على مسألة أخرى وهي حكم أخذ الوالد شيئا من مال ولده. ¬

(¬1) فتح القدير 1/ 418. (¬2) فتح القدير 1/ 681.

وقد اختلف أهل العلم في حكم أخذ الوالد شيئاً من مال ولده على قولين: القول الأول: أن الأب ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته. وهو قول الحنفية والمالكية والشافعية (¬1). واستدلوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» رواه البخاري (¬2). وجه الاستدلال: أن هذا الحديث عام في تحريم أموال الناس من الأولاد وغيرهم، وعلى هذا فمال الولد محرم على والده إلا بطيب نفس منه. القول الثاني: جواز أخذ الوالد من مال ولده ما شاء سواءً كان الوالد محتاجاً لما يأخذه أو غير محتاج له، صغيراً كان الولد أم كبيراً. وهو قول الحنابلة، واشترطوا للجواز ثلاثة شروط: 1 - أن لا يجحف بالابن ولا يضر به، ولا يأخذ شيئاً مما تعلقت به حاجته. 2 - أن لا يأخذ من مال ولد فيعطيه ولداً آخر، وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه، فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى. 3 - أن لا يكون الأخذ في مرض موت أحدهما المخوف (¬3). واستدلوا بما روته عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن ¬

(¬1) انظر: رد المحتار 2/ 676، بلغة السالك 2/ 947، منهاج الطالبين ص650، المغني 8/ 272. (¬2) رواه البخاري، كتاب العلم، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «رب مبلغ»، حديث رقم (65). (¬3) الروض المربع 7/ 514.

أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم» رواه الترمذي (¬1)، ولأن الله تعالى جعل الولد موهوباً لأبيه فقال: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [الأنعام: 84]. وجه الاستدلال: إن الله عز وجل جعل الأولاد هبة لآبائهم، وما كان موهوبا للرجل كان له أخذ ماله، كما أن السيد له أن يأخذ من مال عبده ما شاء. الترجيح: الراجح والله أعلم هو القول الثاني، وذلك لصحة ما استدلوا به وسلامته من المناقشة، وأما دليل أصحاب القول الأول فهو عام يخصصه دليل أصحاب القول الثاني. وعلى هذا نقول إن الوالد له أن يكتتب بأسماء أولاده إذا كان الابن مستغن عن الربح المتوقع من الاكتتاب، على أن لا يبذل الأب ذلك لابن آخر، وأن لا يكون في مرض أحدهما المخوف. * * * * * ¬

(¬1) رواه الترمذي في كتاب الأحكام، باب ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده، حديث رقم (1358)، ورواه أبو داود في كتاب البيوع، باب في الرجل يأكل من مال ولده، حديث رقم (3528) والحديث صححه الترمذي.

المبحث الثالث اكتتاب الولي بأسماء القصر الذين تحت ولايته

المبحث الثالث اكتتاب الولي بأسماء القصر الذين تحت ولايته الولي على الأيتام القصر كلفه الله برعاية أموالهم وتصريفها فيما يعود عليهم بالمصلحة، قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152]. قال الشوكاني رحمه الله: {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} هي ما فيه صلاحه وحفظه وتنميته، فيشمل كل وجه من الوجوه التي فيها نفع لليتيم وزيادة في ماله، وقيل: المراد {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}: التجارة (¬1)، فهذا يدل على أن الولي لا يجوز له التصرف بمال اليتيم إلا بالأحظ لماله، فالواجب التصرف بأسماء القصر بالأحظ لهم، فإن كان الأحظ لهم أن يكتتب بأسمائهم مشاركة معهم وذلك لعدم قدرتهم على دفع المبلغ المحدد للاكتتاب جاز له ذلك، ويدل عليه قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220]. قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: (أخبرهم تعالى أن المقصود إصلاح أموال اليتامى بحفظها وصيانتها والاتجار فيها .... وفي هذه الآية دليل على جواز أنواع المخالطات في المآكل والمشارب والعقود وغيرها) (¬2). أما إن كان الأحظ لهم أن يكتتبوا بأسمائهم بلا مشاركة مع غيرهم وكانوا يملكون المال الكافي لذلك، فلا يجوز للولي مشاركتهم ولا بيع أسمائهم، والله أعلم. * * * * * ¬

(¬1) فتح القدير 2/ 248. (¬2) تيسير الكريم الرحمن ص83.

المبحث الرابع التوكيل في الاكتتاب

المبحث الرابع التوكيل في الاكتتاب الاكتتاب في الشركات المساهمة يستلزم القيام بإجراءات متعددة تستهلك الكثير ممن الوقت والجهد خاصة مع إقبال الناس على الاكتتاب، لذا فإن كثيرا من الناس يفضل توكيل غيره لإتمام إجراءات الاكتتاب، وسوف نبين في هذا المبحث الضوابط الشرعية للتوكيل في الاكتتاب. وقد بين أهل العلم أن الوكالة جائزة شرعاً بنص الكتاب والسنة وبإجماع الأمة، أما في الكتاب فمنه قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 6]. قال ابن قدامة رحمه الله: (فيجوز العمل عليها، وذلك بحكم النيابة عن المستحقين) (¬1). وأما السنة فما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يتقاضاه فأغلظ، فهم به أصحابه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دعوه فإن لصاحب الحق مقالا، أعطوه سنا مثل سنه ... » رواه مسلم (¬2)، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أعطوه سنا مثل سنه» توكيل في قضاء الدين. وأما الإجماع فقد نقله ابن قدامة رحمه الله لأن الحاجة داعية إلى ذلك، فإنه لا يمكن كل واحد فعل ما يحتاج إليه (¬3). ¬

(¬1) المغني 7/ 197. (¬2) رواه مسلم، كتاب المساقاة، باب من استسلف شيئا فقضى خيرا منه، حديث رقم (3003). (¬3) المغني 7/ 198.

والوكالة لا تصح ولا تنعقد إلا بالإيجاب والقبول الدالين عليها (¬1)، وعليه فإن التوكيل في الاكتتاب بالكتابة يعد إيجاباً ورضى الموكل بالوكالة باستلامه للوكالة ونحو ذلك يُعد قبولاً. وإذا انعقدت الوكالة كان الوكيل مؤتمناً على ما وكل عليه، فلا يضمن ما تلف بيده من مبلغ الاكتتاب إلا إن تعدى أو فرط، ولكل من الوكيل والموكل فسخ عقد الوكالة متى شاؤوا قبل إتمام إجراءات الاكتتاب لأن الوكالة عقد جائز، وتنفسخ الوكالة أيضا بموت الوكيل أو الموكل أو فقد أحدهما للأهلية (¬2). * * * * * ¬

(¬1) كشاف القناع 3/ 461، المغني 7/ 203. (¬2) انظر: الروض المربع 6/ 576، 596.

الفصل الرابع تمويل الاكتتاب

الفصل الرابع تمويل الاكتتاب وفيه ثلاثة مباحث المبحث الأول: التمويل بالإقراض. المبحث الثاني: التمويل بالبيع بالآجل. المبحث الثالث: التمويل بالمشاركة.

المبحث الأول التمويل بالإقراض

المبحث الأول التمويل بالإقراض المطلب الأول: الإقراض بفائدة نسبية على مبلغ القرض وصورة هذه المعاملة أن تقوم الجهة الممولة بإقراض العميل مبلغاً ليكتتب به مقابل فائدة نسبية على مبلغ القرض، كأن تفرض على العميل 1% من مبلغ القرض. فإذا اقترض العميل من البنك مائة ألف ريال تحتسب عليه الجهة الممولة مائة وألف ريال. والحكم في هذه المعاملة أنها محرمة شرعاً لأنها من ربا الجاهلية الذي أجمع أهل العلم على تحريمه. قال ابن رشد (¬1) رحمه الله: (فأما الربا فيما تقرر في الذمة فهو صنفان: صنف متفق عليه، وهو ربا الجاهلية الذي نهي عنه، وذلك أنهم كانوا يسلفون بالزيادة وينظرون، فكانوا يقولون: أنظرني أزدك) (¬2). وقال ابن عبد البر (¬3) رحمه الله: (وقد أجمع المسلمون نقلا عن ¬

(¬1) هو أبو الوليد، محمد بن أبي القاسم أحمد ابن شيخ المالكية أبي الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي، فيلسوف، وفقيه مالكي، ولد سنة 520هـ وتوفي سنة 595هـ، وله من التصانيف: "بداية المجتهد" في الفقه، و "الكليات" في الطب، و "مختصر المستصفى" في الأصول، انظر: الأعلام للزركلي 6/ 213. (¬2) بداية المجتهد ص539. (¬3) هو الفقيه أبو عمر، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري، الأندلسي، القرطبي، المالكي، ولد سنة 368هـ وتوفي سنة 463هـ، له مؤلفات عديدة منها: التمهيد والاستذكار والاستيعاب. انظر: سير أعلام النبلاء 18/ 157.

المطلب الثاني: الإقراض بمقابل مبالغ مقطوعة (الرسوم الإدارية)

نبيهم - صلى الله عليه وسلم - أن اشتراط الزيادة في السلف ربا، ولو كان قبضة من علف أو حبة) (¬1). المطلب الثاني: الإقراض بمقابل مبالغ مقطوعة (الرسوم الإدارية) الفرع الأول: الرسوم الإدارية التي بقدر تكلفة العمل: وصورة هذه المعاملة أن تقوم الجهة الممولة بإقراض العميل مبلغا ليكتتب به وتحتسب عليه مبلغا مقطوعا يسمى (الرسوم الإدارية) ن ويريدون بذلك تعويض البنك عن تكاليف الخدمات وأجور الموظفين الذين يقومون بخدمة المقترضين. وقد أجاز جمع من أهل العلم المعاصرين أخذ الجهة الممولة لهذه الرسوم الإدارية إذا كانت بقدر تكلفة العميل على اعتبار أنها رسوم حقيقية مقابل عمل الجهة الممولة في إجراءات الإقراض. وكلام العلماء المتقدمين يدل على جواز مثل ذلك، من ذلك ما ذكروه في أخذ أجرة المثل على عقود التبرعات وثمن الجاه كما لو قال رجل لآخر: اقترض لي مائة ولك عشرة، فإنه يصح ذلك لأن الزيادة في مقابل ما بذله المقترض من جاهه للمقترض له (¬2). وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي برقم 13 (1/ 3) جاء فيه: (أ- بخصوص أجور خدمات القروض في البنك الإسلامي للتنمية: ¬

(¬1) التمهيد 4/ 68. (¬2) الروض المربع 6/ 372.

أولا: يجوز أخذ أجور عن خدمات القروض على أن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية) (¬1). ويرى الباحث أنه يجب تقييد الجواز بأن تكون الرسوم الإدارية مبلغاً مقطوعاً محدداً لا تختلف باختلاف مبلغ القرض ما دام عمل الجهة الممولة في القرض لا يختلف باختلاف قيمة القرض زيادة أو نقصا، وعلى هذا فلا يصح أن تكون الرسوم والحال هذه نسبة مئوية من مبلغ القرض تزيد كلما كان مبلغ القرض أكبر لأنها حينئذ تكون حيلة لأخذ الفائدة الربوية. الفرع الثاني: الرسوم الإدارية التي تزيد عن التكلفة الفعلية لعملية التمويل: إذا كانت الرسوم الإدارية التي تأخذها الجهة الممولة أكثر من التكلفة الفعلية لعملية التمويل فهي محرمة شرعاً لأنها تصبح حينئذ فائدة ربوية في الحقيقة، وقد سبق أن تبين لنا إجماع أهل العلم على حرمة أخذ الزيادة على القرض (¬2)، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي برقم 13 (1/ 3) جاء فيه: (أ- بخصوص أجور خدمات القروض في البنك الإسلامي للتنمية: ثانيا: كل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعا) (¬3). وعلى هذا فالواجب على الجهات الممولة من بنوك وغيرها تحري الدقة عند تقييم الكلفة الفعلية لعملية التمويل حتى لا تقع في الربا المحرم. * * * * * ¬

(¬1) قرارات وتوصيات المجمع ص29. (¬2) انظر: ص58. (¬3) قرارات وتوصيات المجمع ص29.

المبحث الثاني التمويل بالبيع بالآجل

المبحث الثاني التمويل بالبيع بالآجل المطلب الأول: كيفية التمويل بالبيع بالآجل التمويل بالبيع بالآجل من أكثر طرق التمويل شيوعا في عصرنا الحاضر، وصورتها تتمثل في بيع الجهة الممولة للمتمول سلعة من السلع بثمن آجل يكون أعلى من ثمنها حالا، ومن ثم فإن المتمول يبيع هذه السلعة ليتمول من ثمنها، وفي هذه المعاملة مصلحة للجهة الممولة بأخذها زيادة مقابل التأجيل، ومصلحة للمتمول بحصوله على سلعة بثمن آجل لينتفع من ثمنها بعد بيعها بثمن حال. المطلب الثاني: حكم التمويل بالبيع بالآجل التمويل بالبيع بالآجل كما تبين من تصويره أنه معاملة بيع مع تأجيل الثمن، لأن المشتري أراد بذلك الحصول على النقد من بيع السلعة بثمن حال. وهذه المعاملة لها أصل في الشريعة وهو ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلاً على خيبر فجاءه بتمر جنيب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أكل تمر خيبر هكذا؟»، قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تفعل، بع الجميع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا»

رواه البخاري (¬1). ففي هذا الحديث أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الرجل أن يبيع سلعة له ليتمول من خلال بيعها النقد الذي يحتاجه لشراء سلعة أخرى، وهنا في التمويل بالبيع بالآجل يشتري المتمول سلعة ما ثم يبيعها ليتمول النقد الذي يحتاجه، وعلى هذا فإن التمويل بالبيع بالآجل جائز إذا كان بيعا حقيقية لا صوريا، ولا حيلة لأكل الربا، وبهذا يكون التمويل بالبيع بالآجل جائز بالشروط الآتية: 1 - أن يتحقق في عقد البيع بين الممول والمتمول كل شروط البيع، خاصة الشروط التي إذا تخلفت كان البيع صورياً وحيلة لأكل الربا أو ربح ما لم يضمن، وأهمها شرط تملك الممول للسلعة وقبضه لها قبضا حقيقيا قبل أن يبيعها على المتمول. 2 - أن يقبض المتمول السلعة التي اشتراها قبضا حقيقيا، وتدخل في ضمانه قبل أن يبيعها. 3 - ألا يبيع المتمول السلعة على الممول أو وكيله أو شريكه لئلا تصبح المعاملة بيع عينة محرم. 4 - ألا يوكل المتمول الممول في بيع السلعة له. * * * * * ¬

(¬1) رواه البخاري في كتاب البيوع، باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه، حديث رقم (2050).

المبحث الثالث التمويل بالمشاركة

المبحث الثالث التمويل بالمشاركة المطلب الأول: أنواع التمويل بالمشاركة الفرع الأول: المشاركة بالعمل (المضاربة): وصورة هذه المعاملة أن يتعاقد المكتتب مع الجهة الممولة عقد مشاركة وتكون الشركة بينهما شركة مضاربة، فتقدم الجهة الممولة المال للمكتتب ويقوم المكتتب بعمل إجراءات الاكتتاب باسمه، ثم تباع الأسهم بعد ذلك ويكون الربح بينهما على ما اتفقا عليه، وفي حال الخسارة تكون الخسارة على المصرف، والمكتتب يضيع عليه عمله. الفرع الثاني: المشاركة بالمال (العنان): وصورة هذه المعاملة أن يتعاقد المكتتب مع الجهة الممولة عقد مشاركة وتكون الشركة بينهما شركة عنان، فيدفع المكتتب جزءاً من مبلغ الاكتتاب وتدفع الجهة الممولة الجزء الآخر، ثم تباع الأسهم بعد ذلك ويكون الربح بينهما على ما اتفقا عليه وفي حال الخسارة تكون الخسارة بينهما على قدر ماليهما. المطلب الثاني: حكم التمويل بالمشاركة حكم التمويل بالمشاركة بنوعيه مبني على حكم شركتي المضاربة والعنان، وهاتان الشركتان مما أجمع الفقهاء على جوازه شرعاً، وقد

المطلب الثالث: الاعتراضات الواردة على التمويل بالمشاركة

نقل الإجماع على ذلك ابن رشد وابن قدامة وغيرهما من أهل ... العلم (¬1). وعلى هذا يقال إن التمويل بالمشاركة بنوعيه جائز شرعاً، وهو أيضا جائز نظاماً (¬2)، لأن نظام الشركات يقر اشتراك أكثر من شخص في تملك الأسهم على أن ينوب عن الشركاء أحدهم ليكون مسؤولاً في مواجهة الشركة. كما أن في التمويل بالمشاركة حل لمشكلة بيع وشراء الأسماء الممنوعة نظاما، وهو البديل الأمثل لغير المقتدرين مالياً على الاكتتاب. ومن هنا يوصي الباحث أن تقوم الجهات التمويلية والبنوك على وجه خاص بعمل تعاوني وذلك بتمويل غير المقتدرين مادياً على الاكتتاب من جميع فئات المجتمع وفق مبدأ المشاركة بالعمل (المضاربة) خاصة أن البنوك تستطيع أن تحمي نفسها من تلاعب الناس باستعادة الفائض المسترد بعد الاكتتاب، وكذلك ضمان حقها من بيع الأسهم المخصصة، لأن كل هذه العمليات لا تتم إلا بواسطة البنك نفسه، وبهذا العمل تتحقق مصالح عديدة لجميع الأطراف وتنتفع كافة فئات المجتمع من المشاريع الاستثمارية في البلد. المطلب الثالث: الاعتراضات الواردة على التمويل بالمشاركة الفرع الأول: عدم تملك الممول للأسهم تملكا حقيقيا: هذا الاعتراض مستنده أن الأسهم تسجل باسم المكتتب لأن نظام الشركات يوجب تسجيل السهم باسم شخص واحد فقط، وعليه فإن الممول لا يتملك الأسهم تملكا حقيقيا. ¬

(¬1) انظر: بداية المجتهد ص631، 643، المغني 7/ 23. (¬2) انظر: المادة (98) من نظام الشركات.

لكن ما يرد هذا الاعتراض هو القول بأن نظام الشركات وإن كان يوجب تسجيل الأسهم باسم شخص واحد فقط فإنه يجيز مشاركة أكثر من شخص في ملكية السهم، فقد جاء في المادة 98 من نظام الشركات ما يلي: (تكون أسهم شركة المساهمة غير قابلة للتجزئة في مواجهة الشركة، فإذا تملك السهم أشخاص متعددون وجب عليهم أن يختاروا أحدهم لينوب عنهم في استعمال الحقوق المختصة بالسهم ويكون هؤلاء الأشخاص مسؤولين بالتضامن عن الالتزامات الناشئة عن ملكية السهم). وعلى هذا يقال إن تسجيل الأسهم باسم المكتتب لا تعني بالضرورة تملكه لها لوحده بل هو إجراء نظامي بحت لا يعارض كون السهم مملوكا لأكثر من شخص، ويكفي في إثبات ملك الممول لنصيبه عقد المشاركة الموقع بين الممول والمكتتب. الفرع الثاني: بيع الممول حصته من الأسهم قبل قبضها: هذا الاعتراض مبني على أن قبض الممول لحصته من الأسهم لا يتم إلا بتسجيلها باسمه، ولما كان الممول يبيع أسهمه قبل تسجيلها باسمه، كان بيعه لها في هذه الصورة بيعا قبل القبض وهو محرم شرعاً. ويمكن مناقشة هذا الاعتراض بعدم التسليم بأن عدم تسجيل الممول لحصته من الأسهم باسمه يترتب عليه عدم قبضه لها، لأنه لا يوجد دليل يدل على أن قبض الشيء لا يكون إلا بتسجيله باسم مالكه، خاصة وأن تسجيل الأسهم باسم الممول في هذه الصورة متعذر نظاما، وعليه فيكفي في إثبات القبض عقد المشاركة الموقع بين العميل والممول. الفرع الثالث: توكيل المتمول بالاكتتاب والقبض والبيع: يراد بهذا الاعتراض القول بأن عقد المشاركة عقد صوري، لأن المكتتب المتمول يقوم بالاكتتاب والقبض والبيع، والممول مهمته فقط تحويل المبلغ إلى حساب المتمول.

ويمكن مناقشة هذا الاعتراض بأن توكيل المتمول بالاكتتاب والقبض والبيع ليس فيه محذور شرعي، لأن عقد المشاركة هنا سواء كان مشاركة بالمال أو بالعمل يترتب عليه توكيل أحد الشريكين بالقيام بجميع الأعمال اللازمة لذلك، وهو جائز في شركتي المضاربة والعنان كما فصلنا ذلك في موضعه، وذلك لأن المكتتب حينما يقوم بذلك يقوم به بصفته أصيلا عن نفسه لأنه شريك للممول، وكذلك بصفته وكيلا عن شريكه الممول. * * * * *

الفصل الخامس التخصيص

الفصل الخامس التخصيص وفيه ثلاثة مباحث المبحث الأول: تعريف التخصيص. المبحث الثاني: التخصيص في النظام. المبحث الثالث: التكييف الفقهي لعملية التخصيص.

المبحث الأول تعريف التخصيص

المبحث الأول تعريف التخصيص أولا: تعريف التخصيص لغة: التخصيص مصدر خصص، من خصه بالشيء يخصه خصاً، وخصوصاً، وخصوصية، وخصصه، واختصه، أي: أفرده به دون غيره، ويقال: اختص فلان بالأمر وتخصص له إذا انفرد به (¬1). ثانيا: تعريف التخصيص اصطلاحا: لم يحدد نظام الشركات تعريفا معينا للتخصيص، ولم أجد من عرفه بتعريف خاص، لكن يمكن أن يعرف بأنه: إعلان الشركة قبول إيجاب المكتتبين المتضمن بيان نصيب كل مكتتب من أسهمها. والمناسبة بين التعريف اللغوي، والتعريف الاصطلاحي تتمثل في أن التعريف اللغوي للتخصيص يراد به: إفراد الشخص بالشيء دون غيره، كما أن التخصيص بالمعنى الاصطلاحي يراد به: إفراد كل مكتتب بعدد من الأسهم تكون ملكاً له ينفرد به عن غيره ويختص به. * * * * * ¬

(¬1) لسان العرب مادة: (خصص) 7/ 24.

المبحث الثاني التخصيص في النظام

المبحث الثاني التخصيص في النظام التخصيص هو المرحلة الأخيرة من مراحل الاكتتاب في النظام، والأصل في هذه المرحلة أن يخصص لكل مكتتب عدد الأسهم التي اكتتب بها، ولذلك لم يتطرق النظام إلى هذه الجزئية لكنه بيَّن أمراً آخر أكثر أهمية منه، وهو ما يتعلق بالاكتتاب الذي يفوق فيه عدد الأسهم المكتتب بها العدد المطروح منها للاكتتاب. فقد نصت المادة 59 من نظام الشركات على أنه في هذه الحالة توزع (الأسهم على المكتتبين بنسبة ما اكتتب به كل منهم مع مراعاة ما يقرره وزير التجارة في كل حالة بالنسبة لصغار المكتتبين). ومعنى ذلك أنه في حالة كون الأسهم المطلوبة من قبل المكتتبين أكثر من الأسهم المعروضة للاكتتاب، فإن الأسهم يتم تخصيصها بالطريقة النسبية وذلك بإعطاء كل مكتتب ما يقابل ما يمثله عدد الأسهم التي اكتتب بها بالنسبة لعامة المكتتبين (¬1). * * * * * ¬

(¬1) انظر: القانون التجاري السعودي للدكتور الجبر ص253.

المبحث الثالث التكييف الفقهي للتخصيص

المبحث الثالث التكييف الفقهي للتخصيص المطلب الأول: التكييف الفقهي لعملية التخصيص تبين في المباحث السابقة أن التخصيص إعلان يتضمن بيان أمرين رئيسيين: الأول: موافقة الشركة المساهمة على اكتتاب كل مكتتب على حدة. الثاني: بيان نصيب كل مكتتب من أسهم الشركة. فأما الأمر الأول: فتكييفه الفقهي أنه قبول من الشركة ـ التي تعتبر في هذه الصورة البائع ـ، لإيجاب المكتتب ـ الذي يعتبر في هذه الصورة المشتري ـ وإيجاب المشتري هو ما تم من قبله من تعبئته لاستمارة الاكتتاب وتقديمه لها أثناء فترة الاكتتاب السابقة للتخصيص. وأما الأمر الثاني: فتكييفه الفقهي يختلف بحسب مطابقة عدد الأسهم المخصصة لعدد الذي اكتتب به المكتتب، فإن كان مطابقاً لها فهو بيع لسلعة معلوم قدرها ولا إشكال فيه. وإن كان عدد الأسهم غير مطابق لما اكتتب به المكتتب فهو بيع لبعض مبيع مقسم إلى أجزاء، معلوم قدر كل جزء منها، ومعلومة قيمته، غير أن نصيب المشتري من هذه الأجزاء غير معلوم، ففيه جهالة من هذه الجهة، وهذه المعاملة يسميها أهل العلم بيع بعض الصبرة ـ دون تسمية

المطلب الثاني: حكم استثمار أموال الاكتتاب قبل التخصيص

ذلك البعض ـ كل قفيز منها بدرهم، وقد بينا الخلاف فيها في مبحث سابق، وتبين لنا أن البيع بهذه الصورة جائز في أصح قولي أهل العلم، لأن الجهالة كما تنتفي بالعلم بثمن السلعة بالجملة فهي تنتفي بالعلم بثمن السلعة بالتفرقة (¬1). المطلب الثاني: حكم استثمار أموال الاكتتاب قبل التخصيص بعد إغلاق الاكتتاب وقبل الانتهاء من إجراءات التخصيص تحبس أموال المكتتبين عند مدير الاكتتاب فترة محدودة ريثما تكتمل إجراءات التخصيص، ويرد الفائض من أموال المكتتبين إليهم، ويحرص مدير الاكتتاب على الاستفادة من وجود هذه الأموال عنده قدر الإمكان، فهل لمدير الاكتتاب استثمار تلك الأموال في تلك الفترة؟ ولكي نعرف حكم ذلك لابد أن نعرف التكييف الفقهي لوضع تلك الأموال عند مدير الاكتتاب في تلك الفترة. وبالتأمل في ذلك نجد أن يد مدير الاكتتاب على تلك الأموال يد ضمان، وهو ملتزم بتسليم الشركة نصيبها من تلك الأموال، وملتزم كذلك بإعادة الفائض منها إلى المكتتبين بعد التخصيص، وعلى هذا يكون التكييف الفقهي لهذه الصورة أنها قرض، وبناءً عليه فإنه يجوز لمدير الاكتتاب استثمار تلك الأموال في مجالات مشروعة وله غنمها وعليه غرمها. ¬

(¬1) انظر: ص74.

الفصل السادس تداول أسهم الشركات في مرحلة الاكتتاب

الفصل السادس تداول أسهم الشركات في مرحلة الاكتتاب وفيه أربعة مباحث المبحث الأول: تعريف التداول. المبحث الثاني: التكييف الفقهي للسهم. المبحث الثالث: كيفية قبض السهم وأثر ذلك في عملية التداول. المبحث الرابع: حكم تداول أسهم الشركات في مرحلة الاكتتاب.

المبحث الأول تعريف التداول

المبحث الأول تعريف التداول أولا: تعريف التداول لغة: التداول مصدر مشتق من الدول، والدولة هي: العقبة في المال والحرب سواء، وقيل: الدولة بالضم في المال، والدولة بالفتح في الحرب. وقيل: هما سواء فيهما، يضمان ويفتحان، يقال: صار الفيء دولة بينهم يتداولونه مرة لهذا ومرة لهذا، ومنه قوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7]. ويقال: تداولت الشيء الأيدي، أي: أخذته هذه مرة وهذه مرة، ويقال: دالت الأيام، أي: دارت بين الناس، ومنه قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140] (¬1). فالمعنى اللغوي مداره على التناقل والتعاقب، سواء كان ذلك في المال، أو في النصر، أو في غير ذلك من الأمور التي يتناقلها الناس أو تنتقل بنفسها. ثانيا: تعريف التداول اصطلاحاً: نص نظام التداول الصادر من مؤسسة النقد العربي السعودي على أن التداول يراد به: أي عملية شراء أو بيع لورقة مالية لقاء مقابل (¬2). شرح التعريف: (أي عملية شراء أو بيع): أي أن التداول يكون بالشراء بالنظر المشتري وبالبيع بالنسبة للبائع. ¬

(¬1) انظر: القاموس المحيط 1/ 1293، لسان العرب 11/ 252. (¬2) قواعد التداول ص8.

(لورقة مالية): هذه تشمل الأوراق المالية بمختلف صورها، ومنها أسهم الشركات المساهمة. (لقاء مقابل): ويراد به ثمن الورقة المالية. المناسبة بين التعريف اللغوي والاصطلاحي: تظهر المناسبة بين التعريفين جلية، إذ أن من المعاني اللغوية للتداول: تناقل الشيء وتبادله، والمعنى الاصطلاحي مداره حول الشراء والبيع الذي هو في حقيقته انتقال للسلعة من مالك إلى مالك آخر، وبهذا تتضح المناسبة بين المعنيين. * * * * *

المبحث الثاني التكييف الفقهي للسهم والآثار المترتبة على ذلك

المبحث الثاني التكييف الفقهي للسهم والآثار المترتبة على ذلك المطلب الأول: التكييف الفقهي للسهم يعد السهم في الشركات المساهمة بخصائصه الحالية من الأموال التي تميزت بخصائص متعددة لم تكن معهودة فيما مضى، وهو نتيجة للتطور الاقتصادي في العصر الحاضر. وقد اختلف تكييف الفقهاء للسهم بناء على اختلاف نظرة كل منهم إلى حقيقة السهم والقيمة التي يمثلها، فمن نظر إلى قيمة السهم الحقيقية والتي تتمثل في موجودات الشركة وأموالها وأصولها اختلف تكييفه للسهم عن تكييف من نظر إلى قيمة السهم السوقية وما تتعرض له من ارتفاع وانخفاض بسبب المضاربة والتداول النشط لهذه الأسهم. وفيما يلي نعرض آراء كل من الطرفين وأدلتهم: القول الأول: أن السهم حكمه حكم ما يمثله من موجودات الشركة المساهمة من عروض أو نقود أو ديون أو منافع، فيختلف حكمه باختلاف حكم تلك الموجودات. واختار هذا القول جمع من العلماء المعاصرين (¬1). ¬

(¬1) ومنهم: الصديق الضرير عضو مجمع الفقه الإسلامي مجلة المجمع، والدكتور يوسف الشبيلي الخدمات الاستثمارية 2/ 16، وهو لازم قول المجمع الفقهي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي في قراره بشأن صكوك المقارضة. انظر: قرارات المجمع ص67.

واستدل أصحاب هذا القول بما يلي: الدليل الأول: إن السهم عبارة عن مستند لإثبات حق المساهم في الشركة، فلا قيمة له في نفسه، وإنما قيمته تتمثل فيما يمثله من موجودات الشركة، ولذا فيجب أن يأخذ السهم حكم موجودات الشركة. نوقش هذا الدليل: إن السهم لو كان يمثل موجودات الشركة فحسب لكانت أسهم الشركات لا تتغير قيمتها إلا بتغير قيم تلك الموجودات، بيد أن الواقع بخلاف ذلك، فالعامل الأساس في ارتفاع أسهم الشركات المساهمة هو حجم العرض والطلب، لذلك نجد أن أسهم بعد الشركات الخاسرة أعلى سعرا من أسهم الشركات الرابحة، مما يدل على أن السهم لا يمثل موجودات الشركة فقط، وإنما موجودات الشركة عامل مساعد على ارتفاع السهم أو انخفاضه. القول الثاني: إن التكييف الفقهي للأسهم هو أنها عروض تجارة، لأن ملاك الأسهم في الغالب يتخذونها للاتجار بها يكسبون من المتاجرة بها كما يكسب كل تاجر من سلعته، فهي بهذا الاعتبار عروض تجارة مهما كانت موجودات الشركة. وقال بهذا القول عدد من العلماء المعاصرين (¬1). واستدل أصحاب هذا القول بما يلي: الدليل الأول: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من باع عبدا وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع» (¬2). ¬

(¬1) ومنهم: أبو زهرة والدكتور يوسف القرضاوي. انظر: بحوث في الزكاة ص182. (¬2) سبق تخريج الحديث ص54.

المطلب الثاني: الآثار المترتبة على هذا التكييف

وجه الاستدلال: أن هذه الصورة جاز فيها بيع المال تبعا للعبد لأن رغبة المبتاع في العبد لا في المال الذي معه فجاز ذلك لأنه دخل في البيع تبعا، فأشبه أساسات الحيطان، والتمويه بالذهب في السقوف (¬1). والمشتري للسهم كذلك، فإنه حين يشتري السهم ليس مقصوده ما يمثله السهم من موجودات الشركة وإنما يقصد القيمة السوقية للسهم، يدل على ذلك أن السهم تكون قيمته أضعاف أضعاف ما يمثله من موجودات الشركة، ورغم ذلك فإن مشتري السهم يرضى به لأنه يعلم أن المؤثر الحقيقي في قيمة السهم هو حجم العرض والطلب لا ما يمثله السهم من موجودات الشركة، ولذا تجد كثير من المضاربين ينظر عند الشراء إلى حجم العرض والطلب لا إلى موجودات الشركة. الترجيح: الراجح والله أعلم هو القول الثاني وهو أن الأسهم في حقيقتها عروض تجارة لأنها أصبحت سلعة تباع وتشترى وترتفع قيمتها وتنخفض وفق العرض والطلب، لكني أرى أن هذا التكييف خاص بأسهم الشركات المساهمة المتداولة في البورصة، دون غيرها من أسهم الشركات التي قد يكون لتقييمها عوامل مختلفة عن هذه الشركات، والله أعلم. المطلب الثاني: الآثار المترتبة على هذا التكييف هذا الخلاف في حقيقة السهم ليس خلافا لفظيا وإنما هو خلاف معنوي، وثمرته أنه على القول الصحيح في تكييف السهم بأنه ¬

(¬1) انظر: المغني 6/ 258.

من عروض التجارة فإنه تطبق عليه أحكام عروض التجارة من حيث البيع، فيجوز بيعها وتداولها كغيرها من الأعراض غير الربوية بغض النظر عن موجودات تلك الشركة عن نقود وغيرها، وكذلك تجري عليها أحكام زكاة عروض التجارة وغيرها من الأحكام التي تجري على العروض. * * * * *

المبحث الثالث كيفية قبض السهم وأثر ذلك في عملية التداول

المبحث الثالث كيفية قبض السهم وأثر ذلك في عملية التداول تداول الأسهم في العصر الحاضر أصبح يعتمد اعتماداً أساسياً على التقنيات الإلكترونية الحديثة، خاصة مع نشاط أسواق الأسهم وإقبال عامة المستثمرين عليها، مما يتطلب سرعة في قبض الأسهم وتسليم أثمانها، ولهذا أصبح قبض الأسهم في العصر الحاضر يتم عبر القيد المصرفي في المحافظ الاستثمارية، فهل هذا القيد كاف في تحقق القبض الشرعي للأسهم، وبالتالي تترتب آثار القبض عليه؟ عامة أهل العلم أن المعتبر في القبض هو ما جرى عليه عرف الناس وعادتهم، قال شيخ الإسلام رحمه الله: (المرجع في العقود إلى عرف الناس وعادتهم، فما عده الناس بيعا فهو بيع، وما عدوه إجارة فهو إجارة، وما عدوه هبة فهو هبة، وهذا أشبه بالكتاب والسنة وأعدل، فإن الأسماء منها ما له حد في اللغة كالشمس والقمر، ومنها ما له حد في الشرع كالصلاة والحج، ومنها ما ليس له حد لا في اللغة ولا في الشرع، بل يرجع إلى العرف، كالقبض) (¬1). فالمعتبر في القبض هو ما جرى عليه عرف الناس خاصة فيما لم يرد فيه نص، وقد جرى العرف على اعتبار القيد المصرفي للأسهم قبضا معتبرا تترتب آثاره عليه، لأن القيد المصرفي لحساب المشتري يمكنه من التصرف فيه، بالبيع والرهن وغير ذلك من التصرفات، وهذا الرأي هو قول عامة العلماء المعاصرين، وممن قال به اللجنة الدائمة للبحوث ¬

(¬1) مجموع الفتاوى 20/ 345.

العلمية والإفتاء (¬1) ومجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي في قراره رقم (6/ 4/55) وجاء فيه: (أولا: قبض الأموال كما يكون حسياً في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتباراً وحكماً بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حسا، وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضاً لها. ثانيا: إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعاً وعرفاً: 1 - القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل ومن تلك الصور: أ- إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية. ب- إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حالة شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل .... ) (¬2). وأما أثر ذلك على عملية التداول فإنه يترتب عليه أن المشتري للأسهم لا تدخل في ضمانه ولا يجوز له أن يتصرف فيها ببيع أو غيره قبل أن يقبضها القبض المعتبر لها كما بيناه آنفاً. ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة 13/ 503. (¬2) قرارات وتوصيات المجمع ص113.

المبحث الرابع حكم تداول أسهم الشركات في مرحلة الاكتتاب

المبحث الرابع حكم تداول أسهم الشركات في مرحلة الاكتتاب المطلب الأول: حكم تداول الأسهم قبل طرحها للاكتتاب تمر الأسهم بعدة مراحل قبل أن تدرج في السوق المعدة لتداول أسهم الشركات المساهمة، وهذه هي المرحلة الأولى والتي يكون فيها المؤسسين قد تملكوا جزءا من أسهمها ولما يتم طرح بقية الأسهم للاكتتاب العام، فما هو حكم تداول المؤسسين لتلك الأسهم؟ للإجابة على هذا السؤال لابد من الإشارة إلى ما تضمنته المادة رقم (100) من نظام الشركات السعودي، إذ نصت المادة على أنه (لا يجوز تداول الأسهم النقدية التي يكتتب بها المؤسسون أو الأسهم العينية أو حصص التأسيس قبل نشر الميزانية وحساب الأرباح والحساب عن سنتين ماليتين كاملتين لا تقل كل منهما عن اثني عشر شهرا من تاريخ تأسيس الشركة، ويؤشر على هذه الصكوك بما يدل على نوعها وتاريخ تأسيس الشركة والمدة التي يمتنع فيها تداولها). فهذه المادة تنص على منع بيع تلك الأسهم نظاماً، وذلك لما فيه من المصلحة العامة لبقية المساهمين في الشركة، حتى يتحمل المؤسسون مسؤولياتهم في السنوات الأولى للشركة ويبذلوا وسعهم في إنجاحها وتحقيق الاستقرار لها، وبعد ذلك يمكن للمؤسسين بيع أسهمهم عند انتهاء فترة الحظر.

المطلب الثاني: حكم تداول الأسهم بعد الاكتتاب، وقبل التخصيص

وقد استثنت هذه المادة حالات يجوز فيها للمؤسسين بيع أسهمهم وبيانها على النحو الآتي: (يجوز خلال فترة الحظر نقل ملكية الأسهم النقدية وفقا لأحكام بيع الحقوق: 1 - من أحد المؤسسين إلى مؤسس آخر. 2 - من أحد المؤسسين إلى أحد أعضاء الإدارة لتقديمها كضمان للإدارة. 3 - من ورثة أحد المؤسسين في حالة وفاته إلى الغير). ففي هذه الحالات الثلاث يجوز نظاما بيع المؤسسين، ويمنع بيعها فيما عداها من الحالات، ولاشك أن الحكم الشرعي يتوافق مع هذا الحكم النظامي لأنه من قبيل السياسة الشرعية التي تحقق المصلحة العامة. المطلب الثاني: حكم تداول الأسهم بعد الاكتتاب، وقبل التخصيص هذه هي المرحلة الثانية التي تمر بها الأسهم، وهي المرحلة الأولى بعد الانتهاء من الاكتتاب وقبل التخصيص. وقد تبين لنا فيما مضى أن هذه المرحلة هي المرحلة التي تم فيها الإيجاب من جهة المكتتبين ولما يتم بعد القبول من جهة الشركة المساهمة أو مدير الاكتتاب، وعلى هذا فإن هذه الأسهم لم تدخل بعد في ملكية المكتتبين فلا يجوز تداولها لأنه من بيع ما لا يملك. المطلب الثالث: حكم تداول الأسهم بعد التخصيص، وقبل الإذن بالتداول هذه هي المرحلة الثالثة التي تمر بها الأسهم وهي المرحلة الثانية بعد الاكتتاب، وتكون هذه المرحلة بعد التخصيص، وفيها يتم إعلام المكتتبين بقبول اكتتابهم وإعلام كل مكتتب بنصيبه من الأسهم، وهذه

المطلب الرابع: حكم تداول الأسهم بعد التخصيص والإذن بالتداول

المرحلة هي التي تسبق إدراج الشركة المساهمة في السوق المعدة لتداول الأسهم، وبالتالي فإن حكم تداول الأسهم في هذه المرحلة يكون على التفصيل الآتي: أولا: أن يكون المكتتب علم نصيبه من الأسهم لكنه لم يقبضها ولم تدخل في حيازته، ففي هذا الحال لا يجوز له بيعها ويحرم تداولها لأنه بيع للسلعة قبل قبضها وهو محرم شرعاً. ثانيا: أن يكون المكتتب علم نصيبه من الأسهم وقبضا، ففي هذه الحال يجوز له بيعها، ولكن المشتري لهذه الأسهم لا يجوز له بيعها إلا بعد أن يقبضها القبض التام، ومعلوم أنه لا يمكن أن يقبضها إلا بعد إدراج أسهم الشركة في سوق التداول. المطلب الرابع: حكم تداول الأسهم بعد التخصيص والإذن بالتداول هذه هي المرحلة الأخيرة، وفيها يتم إدراج أسهم الشركة في السوق ويسمح فيها بالتداول، وهذه المرحلة يجوز فيها تداول الأسهم مطلقاً لأن التداول فيها يكون مصحوباً بقبض الأسهم، ولا يخفى أن حكم الجواز في هذه المرحلة وما قبلها من المراحل مقيد باشتمال التداول على المعايير الشرعية المعتبرة، والله أعلم.

الخاتمة

الخاتمة الحمد لله الذي يسر بمنه وكرمه إتمام البحث، أحمده حمدا كثيرا طيبا مباركا كما يحب ربنا ويرضى، وفي ختام هذا البحث سوف أورد أهم النتائج التي توصلت لها من خلال هذا البحث وهي على النحو الآتي: 1 - إن التعريف الدقيق للاكتتاب في الشركات المساهمة هو أنه (دعوة توجهها الشركة المساهمة إلى أشخاص غير محددين سلفاً للإسهام في رأس المال، وذلك بأن يدفع الشخص قيمة عدد معين من الأسهم فتعطيه الشركة من أسهمها ما يقابل ما أخذته منه من مال). 2 - إن التعريف الدقيق للشركة المساهمة هو أنها: (الشركة التي ينقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية القيمة، وقابلة للتداول، ولا يسأل الشركاء فيها إلا بقدر قيمة أسهمهم، ولا يجوز أن يقل عدد الشركاء فيها عن خمسة). 3 - إن السهم هو: (النصيب الذي يشترك به المساهم في رأس مال الشركة، ويتمثل في صك يعطى للمساهم، يكون وسيلة في إثبات حقوقه في الشركة). 4 - إن للسهم ثلاث قيم، القيمة الإسمية وهي: ناتج قيمة رأس مال الشركة على عدد الأسهم، والقيمة الدفترية وهي: النصيب الذي يستحقه السهم في صافي أموال الشركة بعد خصم ديونها والتزاماتها، والقيمة السوقية، وهي: قيمة السهم في سوق الأوراق المالية، وهي خاضعة للارتفاع والانخفاض، تبعا لعوامل كثيرة تتعلق بالسوق المالية وحجم العرض والطلب فيها.

5 - إن المؤسسين في الشركة المساهمة مسؤولون بالتضامن عن صحة البيانات الواردة في نشرة الاكتتاب وعن استيفاء البيانات اللازمة عن الشركة. 6 - إنه يترتب على قرار إعلان تأسيس الشركة انتقال جميع التصرفات التي أجراها المؤسسون لحسابها إلى ذمتها، وتتحمل الشركة جميع المصاريف التي أنفقها المؤسسون خلال فترة التأسيس. 7 - إنه إذا لم يتم التأسيس وفق نظام الشركات كان للمكتتبين أن يستردوا المبالغ التي دفعوها أو الحصص العينية التي قدموها، وكان المؤسسون مسؤولين بالتضامن عن الوفاء بهذا الالتزام، وعن التعويض عند الاقتضاء ويكونون مسؤولين بالتضامن في مواجهة الغير عن الأفعال والتصرفات التي صدرت منهم خلال فترة التأسيس. 8 - إن الاكتتاب في الأسهم أو تملكها يفيد قبول المساهم لنظام الشركة، والتزامه بالقرارات التي تصدر من جمعيات المساهمين. 9 - إنه إذا لم يتم تأسيس الشركة وفق نظام الشركات كان للمكتتبين أن يستردوا المبالغ التي دفعوها أو الحصص العينية التي قدموها، وكان المؤسسون مسؤولين بالتضامن عن الوفاء بهذا الالتزام، وعن التعويض عند الاقتضاء. 10 - إن المساهم يلتزم بدفع قيمة السهم في المواعيد المعينة لذلك، وإذا تخلف المساهم عن الوفاء في ميعاد الاستحقاق جاز لمجلس الإدارة بعد إنذار المساهم بخطاب مسجل بيع السهم في مزاد علني. 11 - يشترط النظام السعودي لصحة الاكتتاب أن يكون منجزا غير معلقا على شرط، وأن يتم الاكتتاب بكل رأس المال المطروح للاكتتاب، وأن لا يقل المدفوع عند الاكتتاب عن ربع القيمة الإسمية للسهم. 12 - إن التكييف المتوافق مع النظام السعودي للاكتتاب التأسيسي

للشركة هو أنه: عقد بين المكتتب والمؤسسين، بناء على أن الشركة تحت التأسيس لا تكون ذات شخصية معنوية مستقلة حتى يتم تأسيسها. 13 - إن تكييف الاكتتاب اللاحق لتأسيس الشركة هو أنه: أنه عقد بين المكتتبين وبين الشركة متمثلة في شخصيتها الاعتبارية المستقلة. 14 - إن المنهج السليم في التكييف الفقهي للشركة المساهمة يكون بعرض خصائصها على أدلة الشرع مع استصحاب القاعدة الشرعية المتفق عليها وهي أن الأصل في المعاملات الإباحة. 15 - إن الشركة المساهمة بصورتها النظامية لم تخالف نصاً شرعياً ولم تتضمن محذوراً شرعياً مجمعاً عليه، وعلى هذا فالتكييف الفقهي الصحيح لها مماثل للتكييف النظامي، لأنها شركة حديثة لا مانع منها شرعا. 16 - يترتب على مشروعية الشركة المساهمة أن على الشركاء فيها الالتزام بالقواعد النظامية المنظمة لأحكامها ما لم تشتمل تلك القواعد على محذور شرعي. 17 - إن التكييف الفقهي الصحيح للاكتتاب هو أنه عقد شركة بين المؤسسين والمكتتبين وذلك في الاكتتاب التأسيسي، وأما الاكتتاب اللاحق فهو عقد بيع بين الشركة المساهمة وبين المكتتبين بواسطة مدير الاكتتاب. 18 - إن الاكتتاب يمر ثلاثة مراحل: الأولى: العرض: وتتمثل في طرح الأسهم للاكتتاب. الثانية: الإيجاب: وتتمثل في تعبئة المكتتب لاستمارة الاكتتاب. الثالثة: القبول: وتتمثل في تخصيص الشركة لكل مكتتب نصيبه من الأسهم. 19 - إن الاكتتاب مباح في الأصل لأنه إما عقد شركة أو بيع والأصل في المعاملات والبيوع الحل والإباحة ما لم تتضمن محذوراً شرعياً.

20 - إن حكم الاكتتاب في كل شركة على حدة يختلف باختلاف نشاطات تلك الشركة وأعمالها. 21 - إن الاكتتاب مباح شرعاً في الشركات التي نصت في نظامها على أنها لا تمارس إلا الأعمال المباحة شرعاً ولا تتعامل بالربا إقراضاً أو اقتراضاً، على أن تكون ملتزمة بذلك في الواقع إن كانت شركة قائمة. 22 - إن الاكتتاب محرم شرعاً في الشركات التي نصت في نظامها على ممارستها للأعمال المحرمة شرعاً أو كانت أغلب أنشطتها في الواقع أنشطة محرمة مثل البنوك الربوية، ومثل الشركات التي تتاجر في السلع المحرمة كالخمور والملاهي والقمار. 23 - إن الأولى للمسلم عدم الاكتتاب في الشركات التي نصت في نظامها على أنها تمارس أعمالاً مباحة شرعاً ولم تنص على ممارسة أعمال محرمة شرعاً، ولكنها في الواقع تمارس بعض الأعمال المحرمة شرعا كأن تقترض بالربا أو تودع بالربا أو تستثمر في استثمارات محرمة. 24 - إن الاكتتاب في الشركات المختلطة يجوز للحاجة إذا كانت نسبة الاستثمارات المحرمة في الشركة قليلة جداً ومغمورة بالنسبة للاستثمارات المباحة فيها مع وجوب بذل الوسع في التخلص من النسبة المحرمة من الربح، وعدم الرضى بتلك الممارسات، والسعي الحثيث لإيقافها. 25 - إن مدير الاكتتاب يتمثل عمله في تقديم المشورة لجهة الإصدار بشأن حجم الإصدار، ومدى مناسبة توقيته، إدارة الاكتتاب وما يترتب على ذلك من إتمام جميع الإجراءات الإدارية والقانونية، وتسويق الأسهم للجمهور عبر الوسائل التسويقية المتاحة. 26 - إن التكييف الفقهي لصورة العقد بين مدير الاكتتاب والشركة المساهمة أنه عقد إجارة مقدر إما بالزمن وإما بالعمل، وهو عقد صحيح شرعا في كلتا الصورتين.

27 - إنه لا يمكن تخريج ضمان الإصدار تخريجاً واحداً يشمل جميع صوره، وذلك لاختلاف صور ضمان الإصدار وإن اتحدت في المسمى. 28 - إن ضمان الإصدار إن كان التزاماً مجرداً من قبل مدير الاكتتاب للشركة المساهمة بتسويق أسهمها فهو عقد وساطة بالنسبة لتسويق الأسهم لعامة المكتتبين، فإن تبقى من تلك الأسهم أسهم فاشتراها مدير الاكتتاب بلا اتفاق سابق بأقل من قيمتها الإسمية كان ذلك بيع وضيعة بين الشركة المساهمة ومدير الاكتتاب. 29 - إن ضمان الإصدار إن تمثل في التزام مدير الاكتتاب بتسويق الأسهم وشراء ما يتبقى من الأسهم بعد التسويق بقيمتها الإسمية فهو عقد وساطة والتزام بالشراء فإن كان الالتزام دون عوض فلا خلاف في جوازه وإن كان مقابل عوض فهو محرم شرعاً لأن فيه غرر ظاهر. 30 - إن ضمان الإصدار إن تمثل في التزام مدير الاكتتاب بشراء ما يتبقى من الأسهم بأقل من قيمتها الإسمية دون مقابل لهذا الالتزام فهو جائز شرعاً لأنه التزام ووعد مجرد لا مانع منه شرعاً. 31 - إن ضمان الإصدار إن تضمن شراء مدير الاكتتاب لجميع الأسهم قبل طرحها للاكتتاب بأقل من قيمتها الإسمية ثم قام بتسويقها لحسابه بالقيمة الإسمية كان ذلك العقد بيع وضيعة محض لا مدخل للوساطة فيه. 32 - إن التكييف الفقهي الصحيح لحق الاكتتاب بالاسم هو أنه حق انتفاع. 33 - إن الأصل في حق الانتفاع أنه يكون الانتفاع به لمن أبيح له لكن إذا علم أن المملك لهذا الحق يبيح لمن ملكه إياه بذله لغيره بعوض أو بغير عوض جاز للمنتفع به بذله لغيره. 34 - إن حق الاكتتاب قد ملكته الدولة للناس بشروط وقيود معينة

تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، والواجب الالتزام بتلك القيود والضوابط المنظمة لطريقة الانتفاع بهذا الحق. 35 - إن الاكتتاب باسم الغير مقابل عوض محرم شرعاً لأنه فيه غرر ظاهر، ولأنه سبب لوقوع الخصومات والمنازعات. 36 - إن اكتتاب الشخص باسمه حق له يجوز له بذله لغيره بلا عوض، مادامت الجهة التي أعطته هذا الحق لم تمنعه من بذله لغيره بلا عوض. 37 - إن اكتتاب الشخص باسم غيره على سبيل المشاركة مع صاحب الاسم في الربح جائز شرعا، ونظاما، بشرط أن يكون تقسيم الربح بين الشركاء على سبيل الشيوع وأن لا يكون تقسيم الربح صوريا. 38 - إن الاكتتاب حق مالي تملكه المرأة ولذلك فلا يجوز للزوج أن يكتتب باسم زوجته إلا برضاها الرضا المعتبر شرعاً. 39 - إن الأب له أن يكتتب باسم ابنه إذا كان الابن مستغن عن الربح المتوقع من الاكتتاب، على أن لا يبذل الأب ذلك لابن آخر، وأن لا يكون في مرض أحدهما المخوف. 40 - إن الواجب على ولي القصر التصرف بأسماء القصر بالأحظ لهم، فإن كان الأحظ لهم أن يكتتب بأسمائهم مشاركة معهم وذلك لعدم قدرتهم على دفع المبلغ المحدد للاكتتاب جاز له ذلك، أما إن كان الأحظ لهم أن يكتتبوا بأسمائهم بلا مشاركة مع غيرهم وكانوا يملكون المال الكافي لذلك فالواجب على الولي أن يمكنهم من ذلك ولا يجوز له مشاركتهم ولا بيع أسمائهم. 41 - تصح الوكالة في الاكتتاب، وإذا انعقدت الوكالة كان الوكيل مؤتمنا على ما وكل عليه فلا يضمن ما تلف بيده من مبلغ الاكتتاب إلا إن تعدى أو فرط، ولكل من الوكيل والموكل فسخ عقد الوكالة متى شاؤوا قبل إتمام إجراءات الاكتتاب لأن الوكالة عقد جائز، وتنفسخ الوكالة أيضا بموت الوكيل أو الموكل أو فقد أحدهما للأهلية.

42 - إن تمويل الاكتتاب عن طريق إقراض الجهة الممولة للعميل مبلغ الاكتتاب مقابل فائدة نسبية على مبلغ القرض محرم شرعاً لأنه من ربا القرض. 43 - إن تمويل الاكتتاب عن طريق إقراض الجهة الممولة للعميل مبلغ الاكتتاب مقابل مبالغ مقطوعة بقدر تكلفة الرسوم الإدارية للقرض جائز شرعا. 44 - إن تمويل الاكتتاب عن طريق البيع بالآجل جائز شرعا بشرط تضمن المعاملة لجميع الشروط المعتبرة للبيع ومن أهمها قبض الجهة الممولة للسلعة قبل بيعها على المتمول، وكذلك قبض المتمول للسلعة قبل بيعها، ومن أهم الشروط كذلك عدم بيع المتمول للسلعة على الجهة الممولة أو وكيلها أو شريكها. 45 - إن التمويل بالمشاركة بالمال أو بالمال والعمل جائز شرعاً، وهو أيضاً جائز نظاماً لأن نظام الشركات يقر باشتراك أكثر من شخص في تملك الأسهم على أن ينوب عن الشركاء أحدهم ليكون مسؤولاً في مواجهة الشركة. 46 - يوصي الباحث أن تقوم الجهات التمويلية والبنوك على وجه خاص بعمل تعاوني وذلك بتمويل غير المقتدرين مادياً على الاكتتاب من جميع فئات المجتمع وفق مبدأ المشاركة بالعمل (المضاربة) خاصة أن البنوك تستطيع أن تحمي نفسها من تلاعب الناس باستعادة الفائض المسترد بعد الاكتتاب، وكذلك ضمان حقها من بيع الأسهم المخصصة، لأن كل هذه العمليات لا تتم إلا بواسطة البنك نفسه، وبهذا العمل تتحقق مصالح عديدة لجميع الأطراف وتنتفع كافة فئات المجتمع من المشاريع الاستثمارية في البلد. 47 - إن التخصيص في حقيقته هو: إعلان الشركة قبول إيجاب المكتتبين المتضمن بيان نصيب كل مكتتب من أسهمها.

48 - إن التكييف الفقهي للتخصيص هو أنه يتضمن أمرين: الأول: قبول من قبل الشركة المساهمة لإيجاب المكتتب الذي تمثل في تعبئته لاستمارة الاكتتاب. الثاني: بيان نصيب المكتتب من أسهم الشركة وله حالتان: الأولى: أن يطابق عدد الأسهم المخصصة للمكتتب لعدد الأسهم التي اكتتب بها، ويكون تكييفه في هذه الحالة أنه بيع لسلعة معلوم قدرها وهو جائز شرعاً. الثانية: أن يكون عدد الأسهم غير مطابق لما اكتتب به المكتتب فيكون تكييفه أنه بيع لبعض مبيع مقسم إلى أجزاء معلوم قدر كل جزء منها ومعلومة قيمته، غير أن نصيب المشتري من هذه الأجزاء غير معلوم، وهو جائز شرعاً بناء على أصح قولي العلماء مسألة بيع بعض الصبرة ـ دون تسمية ذلك البعض ـ كل قفيز منها بدرهم. 49 - إن يد مدير الاكتتاب على أموال المكتتبين بعد انتهاء الاكتتاب وقبل التخصيص يد ضمان، وعلى هذا يكون التكييف الفقهي لهذه الصورة أنها قرض، وبناء عليه فإنه يجوز لمدير الاكتتاب استثمار تلك الأموال في مجالات مشروعة وله غنمها وعليه غرمها. 50 - إن الأسهم في حقيقتها عروض تجارة لأنها أصبحت سلعة تباع وتشترى وترتفع قيمتها وتنخفض وفق العرض والطلب، لكني أرى أن هذا التكييف خاص بأسهم الشركات المساهمة المتداولة في البورصة، دون غيرها من أسهم الشركات التي قد يكون لتقييمها عوامل مختلفة عن هذه الشركات. 51 - إن السهم تطبق عليه أحكام عروض التجارة من حيث البيع فيجوز بيعها وتداولها كغيرها من الأعراض غير الربوية بغض النظر عن موجودات تلك الشركة من نقود وغيرها، وكذلك تجري عليه أحكام زكاة عروض التجارة وغيرها من الأحكام التي تجري على العروض.

52 - إن قبض الأسهم الذي يكون عبر القيد المصرفي في المحافظ الاستثمارية قبض معتبر شرعاً، وتترتب عليه آثار القبض من جواز التصرف وغير ذلك. 53 - لا يجوز للمؤسسين بيع أسهمهم على من سواهم قبل نشر الميزانية وحساب الأرباح والحساب عن سنتين ماليتين كاملتين لا تقل كل منهما عن اثني عشر شهراً من تاريخ تأسيس الشركة إلا في الحالات التي استثناها النظام. 54 - لا يجوز تداول الأسهم بعد الاكتتاب وقبل التخصيص لأنه من بيع ما لا يملك. 55 - يجوز للمكتتب الذي قبض نصيبه من الأسهم بعد التخصيص، أن يبيع تلك الأسهم قبل إدراجها في سوق التداول، ولكن المشتري لهذه الأسهم لا يجوز له بيعها إلا بعد أن يقبضها القبض التام، ومعلوم أنه لا يمكن أن يقبضها إلا بعد إدراج أسهم الشركة في سوق التداول. هذه هي أبرز النتائج، أسأل الله أن ينفع بها الإسلام والمسلمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. * * * * *

فهرس المراجع

فهرس المراجع (مرتبة أبجديا) - أحكام التعامل في الأسواق المالية: د. مبارك بن سليمان آل سليمان، دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى، 1426هـ. - الأسهم المختلطة: إبراهيم السكران، وهج الحياة للإعلام، إدارة النشر والإنتاج. - الأسهم والسندات وأحكامها في الفقه الإسلامي: د. أحمد بن محمد الخليل، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، 1424هـ. - الأعلام: خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، الطبعة الثانية، 1989م. - الاكتتاب في رأس مال الشركة المساهمة: عباس مرزوك العبيدي، مطابع الأرز، 1998م. - الأم: محمد بن إدريس الشافعي، دار المعرفة، بيروت. - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: علاء الدين أبي الحسن المرداوي، مطبوع مع الشرح الكبير. - الإيجاب والقبول بين الفقه والقانون: دبيان بن محمد الدبيان، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1426هـ. - بحوث فقهية معاصرة: د. محمد عبد الغفار الشريف، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى، 1420هـ. - بحوث في الاقتصاد الإسلامي: عبد الله بن منيع، المكتب الإسلامي، 1416هـ. - بحوث في الزكاة: د. رفيق يونس المصري، دار المكتبي، دمشق، الطبعة الأولى، 1420هـ. - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: مسعود بن أحمد الكاساني، دار الكتب العلمية، بيروت. - بداية المجتهد ونهاية المقتصد: محمد بن أحمد بن رشد الأندلسي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1422هـ.

- بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك: أحمد الصاوي المالكي، دار المعرفة، بيروت، 1409هـ. - البورصة: محمد يوسف ياسين، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، 2004م. - تاج والإكليل لمختصر خليل: محمد بن محمد الحطاب، دار الفكر، بيروت. - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: أبي عمر يوسف بن عبد البر، 1408هـ. - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: عبد الرحمن بن ناصر السعدي، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى، 1424هـ. - حاشية الجمل على شرح المنهاج: سليمان الجمل، مؤسسة التاريخ العربي. - حاشية ابن عابدين: محمد أمين بن عمر عابدين، دار عالم الكتب، بيروت، طبعة خاصة، 1423هـ. - الخدمات الاستثمارية في المصارف، وأحكامها في الفقه الإسلامي: الدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، 1425هـ. - الروض المربع شرح زاد المستقنع: منصور البهوتي، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، 1424هـ. - زيادة رأس المال في الشركة المساهمة: محمد علي الشريف، معهد الإدارة العامة، الرياض، 1404هـ. - سنن ابن ماجة: أبي عبد الله محمد القزويني، دار الفكر. - سنن الترمذي: أبي عيسى محمد الترمذي، المكتبة الإسلامية. - سير أعلام النبلاء: شمس الدين محمد الذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثامنة، 1412هـ. - شرح الخرشي على مختصر خليل: أبي عبد الله محمد بن الخرشي، دار صادر، بيروت. - شركات المساهمة: د. أبو زيد رضوان، دار الفكر العربي، 1983م. - الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي: د. عبد العزيز عزت الخياط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1403هـ. - شركة المساهمة في النظام السعودي دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي: د. صالح البقمي، منشورات جامعة أم القرى، 1406هـ. - صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1423هـ. - صحيح مسلم: أبي الحسين مسلم النيسابوري، المكتبة الإسلامية.

- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير: محمد بن علي الشوكاني، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الثانية، 1418هـ. - فتاوى مصطفى الزرقا: اعتنى بها، مجد أحمد مكي، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية، 1422هـ. - فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: جمع أحمد الدرويش، رئاسة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، 1419هـ. - الفروع: شمس الدين بن مفلح، عالم الكتب، الطبعة الرابعة، 1405هـ. - الفروق: أحمد بن إدريس القرافي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1424هـ. - القاموس المحيط: الفيروز آبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1407هـ. - القانون التجاري: د. سميحة القيلوبي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1979م. - القانون التجاري: د. محمد فريد العريني، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1999م. - القانون التجاري السعودي: د. محمد حسن الجبر، الدار الوطنية، الخبر، الطبعة الثالثة، 1414هـ. - قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة: دار القلم، دمشق. - القبض صوره وأحكامها: د. سعود بن مسعد الثبيتي، المكتبة المكية، مكة، الطبعة الأولى، 1415هـ. - قواعد التداول: مؤسسة النقد العربي السعودي، 2001م. - القواعد: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، دار الكتب العلمية، بيروت. - كشاف القناع عن متن الإقناع: منصور بن يونس البهوتي، مكتبة الباز، الطبعة الثانية، 1418هـ. - لسان العرب: أبي الفضل ابن منظور، دار صادر، بيروت. - المبسوط: محمد بن أحمد السرخسي، دار المعرفة، بيروت. - مجلة مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة. - مجلة النور: بيت التمويل الكويتي، الكويت. - مجلة البحوث الفقهية المعاصرة: صاحبها ورئيس تحريرها، عبد الرحمن النفيسة. - مجمع الزوائد: أبو بكر الهيثمي، مؤسسة المعارف، 1406هـ. - مجموع فتاوى شيخ الإسلام: جمع عبد الرحمن بن قاسم. - المحلى بالآثار: علي بن محمد بن حزم، دار الفكر.

- مختار الصحاح: الرازي، مكتبة لبنان، 1415هـ. - المدخل في الفقه الإسلامي: د. محمد مصطفى شلبي، الدار الجامعية، بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ. - المدونة: مالك بن أنس، دار الكتب العلمية، بيروت. - مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج: محمد بن أحمد الشربيني الخطيب، دار الكتب العلمية، بيروت. - المغني شرح مختصر الخرقي: عبد الله بن قدامة المقدسي، دار هجر، القاهرة، الطبعة الثانية، 1413هـ. - المنتقى شرح الموطأ: سليمان بن خلف الباجي، دار الكتاب الإسلامي. - نظام الشركات السعودي: وزارة التجارة. - نظام المحكمة التجارية: وزارة المالية والاقتصاد الوطني، مطبعة الحكومة، مكة المكرمة، 1393هـ.

§1/1