أحكام الاضطباع والرمل في الطواف
عبد الله بن إبراهيم الزاحم
مقدمة
المقدمة الحمد لله الذي وعد المحسنين بجزيل الإنعام، والصلاة والسلام على أفضل من صلى وقام، وحج وصام، وطاف بالبيت الحرام. أما بعد: فقد كتبت ـ بفضل الله وتوفيقه ـ بحوثاً عدّة حول الطواف، نُشرت ـ بحمد الله وتوفيقه ـ في مجلة البحوث الإسلامية، التابعة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء. فرأيت من المناسب أن أستكمل جوانب الموضوع، فأتناول السنن والمستحبات. ولم أر ما يمنع تجزئة الكتابة فيها، ليكون أيسر للإنجاز، وأدعى لمواصلة العمل حسب الطاقة والجهد. وابتدأت ذلك بالاضطباع، لأنه أول السنن التي يقوم بها من أراد الشروع في الطواف. قال ابن الهمام: ((وينبغي أن يضطبع قبل الشروع في الطواف بقليل)) (1) . وقَرَنْت معه الرمل، لاشتراكهما في كثير من الأحكام. والله أسأل أن يُعين على الإتمام، وأن يُهيأ الأسباب لبحث بقية الجوانب الأخرى المتعلقة بالطواف. وقد سميته بـ: (أحكام الاضطباع والرمل في الطواف) * خطة البحث: قسمت البحث إلى مقدمة، وتمهيد، وسبعة مطالب، وخاتمة. أما المقدمة: فقد ضمنتها: الافتتاحية، وأهمية الموضوع، وخطته، ومنهجه. وأما التمهيد: فأوضحت فيه علاقة الرمل بالاضطباع، وما بينهما من ارتباط في الأحكام. وأما المطالب: فهي على النحو التالي:
المطلب الأول: تعريف الاضطباع والرمل. المطلب الثاني: دليل مشروعية الاضطباع والرمل. المطلب الثالث: الحكمة من مشروعية الاضطباع والرمل. المطلب الرابع: حكم الاضطباع والرمل. المطلب الخامس: وقت الاضطباع والرمل. المطلب السادس: الطواف الذي يُشرع فيه الاضطباع والرمل , المطلب السابع: من يُشرع له الاضطباع والرمل. وأما الخاتمة: فضمنتها خلاصة البحث، وما توصلت إليه من نتائج. * منهج البحث: سلكت في كتابة هذا البحث، وجمع مادته العلمية، المنهج التالي: 1. جمعت المادة العلمية من مصادرها المعتمدة، سواء أكانت من الفقه العام، أم من فقه المناسك. 2. رقّمت الآيات القرآنية الواردة، وعزوتها إلى سورها. 3. خرّجت الأحاديث النبوية، وآثار الصحابة (.فإن كانت في الصحيحين، أو أحدهما اكتفيت بتخريجه منهما، وإن كان في غيرهما، اجتهدت في تخريجه من كتب السنة المعتمدة، وبيان درجته صحة، أو ضعفاً، مستعيناً في ذلك - بعد الله - بأقوال علماء الحديث قديماً وحديثاً. عند تخريج الحديث أشير إلى اسم الكتاب والباب، وإلى ما يُحدد ذلك من أرقام. فأقول مثلاً: ((أخرجه البخاري في اللباس، باب اشتمال الصماء (20) (7/42) وأعني بذلك: أن البخاري أخرجه في كتابه الجامع الصحيح. في كتاب اللباس، باب اشتمال الصماء. ورقم الباب عشرون. وإذا كان الرقم بعد الجزء والصفحة، فهو لبيان رقم الحديث. وأكتفي أحياناً بذكر رقم الحديث، كما في الإشارة إلى سنن ابن ماجة، أو ما أورده
1. الألباني في كتبه. وأكتفي حيناً آخر، بذكر رقم الجزء والصفحة، كما في الإشارة إلى مستدرك الحاكم على الصحيحين، والسنن الكبرى للبيهقي. وهذا الاختلاف في الإحالات يرجع إلى مناسبة ذلك للكتاب الحال إليه. 2. رجعت إلى ((مسند الإمام أحمد)) الموسوعة الحديثية، لبيان درجة الحديث صحة، أو ضعفاً، ونبّهت على ذلك بقولي: ((في التعليق على المسند)) . 3. وثّقت الأقوال من مصادرها الأصلية. وذلك بالرجوع في كل مذهب إلى كتبه المعتمدة. وأنقل من مصدر واحد، أو أكثر في كل مذهب ما يؤكد صحة ما عزوته لتلك المذاهب. وإن كان في هذا الصنيع نوع تطويل، أو إثقالٍ للحواشي، إلا أن الذي دفعني إليه ما رأيته من وقوع كثير من الباحثين في أخطاء، وأوهام في العزو والنسبة، أو النقل والتوثيق. 4. نبّهت على الرواية المشهورة، أو المعتمدة في المذهب، بالرجوع إلى المصادر المعنية في ذلك من كل مذهب. 5. شرحت الكلمات الغريبة، والمصطلحات العلمية، إذا اقتضى الأمر ذلك. ولم أتكلف شرح الواضحات لذوي الاختصاص. 6. أغفلت الترجمة للأعلام، مراعاة للاختصار. وأسأل الله العلي العظيم بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، أن يوفقني إلى السداد، ويلهمني الرشد والصواب. وأن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخراً لي يوم الدين. وأن يغفر لي ولوالدي، ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين. إنه ولي ذلك، والقادر عليه. وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
التمهيد
التمهيد: علاقة الرمل بالاضطباع الاضطباع والرمل في الطواف فعلان مترابطان، يُشرعان معاً، وأحكامهما، وأدلتهما متقاربة. ولذا فإن كثيراً من العلماء يصرِّحون بهذا التلازم، والترابط بينهما. قال النووي: ((قال أصحابنا: الاضطباع ملازم للرمل (1) . فحيث استحببنا الرمل بلا خلاف، فكذا الاضطباع، وحيث لم نستحبه بلا خلاف، فكذا الاضطباع، وحيث جرى خلاف، جرى في الرمل والاضطباع جميعاً. وهذا لا خلاف فيه)) (2) . وقال البهوتي: ((ومن لا يُشرع له الرمل، لا يُشرع له الاضطباع)) (3) . ومن هنا كانت مناسبة الحديث عنهما، والتعرف على أحكامها في آن واحد، لاتحاد أدلتهما غالباً، واشتراكهما في كثير من الأحكام والمسائل. ولا يعني هذا التلازم والترابط بينهما أنه إذا تُرك أحدهما لعذر أو غيره، تُرك الآخر. قال الإمام الشافعي: ((فإذا طاف الرجل ماشياً، لا علة به تمنعه الرمل، لم أُحِب أن يدع الاضطباع مع دخوله الطواف)) (4) . وقال الماوردي: ((فإن ترك الرمل لعلة، اضطبع. وإن ترك الاضطباع لجرح به، رمل)) (5) .
المطلب الأول: تعريف الاضطباع والرمل.
المطلب الأول: تعريف الاضطباع والرمل. قبل الشروع في بيان أدلة مشروعية الاضطباع والرمل، ومعرفة الحكمة من مشروعيتهما، وأحكامهما. يحسن البدء بتعريفهما، والتعرف على حقيقتهما. وسأعرض لتعريف كلٍ منهما في فرع مستقل. * الفرع الأول: تعريف الاضطباع (1) . الاضطباع، افتعال من الضَّبْع بإسكان الباء، وهو العَضُد. وقيل: النِّصف الأعلى من العضد. وقيل: منتصف العضد. وقيل: الإبط. قال ابن فارس: اشتقاقها من ضَبْع اليد، وهو المد. والجمع أضْبَاع، كفرخ وأفراخ. والْمَضْبَعَة: اللحمة تحت الإبط من قُدُم. وقال الجوهري: يقال للإبط: الضَّبْع، للمجاورة. والضَّبْع والضِّبَاع: رفع اليدين في الدعاء. والضَّبُع: بضم الباء الموحدة، وسكونها، أخبث السِّباع. ويُجمع الضَّبُع على ضِبَاع، والضَّبْع على أَضْبُع. والضَّبُع: السَّنَة الْمُجْدِبَة. ومنه قول عباس بن مرداس: با خُرَاشَةَ أَمَّا أنت ذا نَفَرٍ ... أفإنَّ قَومي لم تأكُلْهُمُ الضَّبُعُ وضَبَعَت الناقة تَضْبَع ضَبْعاً وضَبَعَةً: إذا أرادت الفحل. قال ابن فارس: ((الضاد، والباء، والعين، أصل صحيح، يدل على معان ثلاثة: أحدها: جنس الحيوان. والآخر: عضو من أعضاء الإنسان. والثالث
صفة من صفة النُّوق)) (1) . واضطبع الشيء: أدخله تحت ضَبْعَيه. ويُقال للاضطباع أيضاً: التَّأبُّط، والتَّوشُّح. ويُقال له أيضاً: اليابطة، لأنه يجعل وسط الرداء تحت الإبط، ويُبدي ضبعه الأيمن. وأصله: اضتباع. وإنما قُلِبت التاء طاء، لمجاورة حرف الاستعلاء، كما يُقال: اضطباع، واصطياد، واضطرار، واضطهاد. والاضطباع في الصلاة: اشتمال الصماء. وقد جاء ذلك مفسراً في حديث أبي سعيد (: ((نهى رسول الله (عن لبْستين، وعن بيعتين)) الحديث. وفيه: ((واللبستين: اشتمال الصماء، والصماء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحد شِقيَّيْه ليس عليه ثوب..)) (2) . والاضطباع في الطواف: أن يجعل وسط ردائه من تحت إبطه الأيمن، ويُغطي به عاتقه الأيسر. ويكون المنكب الأيمن مكشوفاً. سُمِّي به لإبداء أحد الضَّبْعَيْن. قال الإمام الشافعي: ((الاضطباع أن يشتمل بردائه على منكبه الأيسر، ومن تحت منكبه الأيمن، حتى يكون منكبه الأيمن بارزاً)) (3) . وقال في إرشاد الساري: ((أي: على هيئة أرباب الشَّجَاعة، إظهاراً للجلادة في ميدان العبادة)) (4) .
* الفرع الثاني: تعريف الرَّمَل (1) . الرَّمَل، بفتح الراء والميم، سُرْعة المشي. قال ابن الأثير: ((يُقال: رَمَل يَرْمُل ـ بضم الميم ـ رَمَلاً ورَمَلاناً، إذا أسرع في المشي وهزَّ منكبيه)) (2) . ورَمَل الحصير يَرْمُلُه رَمْلاً، ورَمَّلَه، وأَرْمَلَه، إذا سَخَّف نَسْجَه. والرُّمَال ما رُمِل. أي: نُسِج. قال الزمخشري: ((ونظيره الْحُطَام، والرُّكَام، لما حُطِم ورُكِم)) (3) . والرَّمَل: القليل الضعيف من المطر، وجمعه أرمال. وترمَّل القتيل بدمه، إذا تلطَّخ. والرَّمَل من الشَّعْر، كل شَعْر مهزول غير مؤْتَلِف البناء. والمُرْمِل: الذي لا زاد معه، سُمِّي بذلك لأحد شيئين: إما لرِقَّة حاله، وإمِّا لِلُصوقه بالرَّمْل من فقره. كما يُقال: للفقير: التَّرِب. وأرمَل القوم، نَفِد زادهم. وأَرْمَلَت المرأة: إذا مات زوجها. فهي أرْمَلَة. سُمِّيت بذلك لذهاب زادها، وفقد كاسبها. ورجل أرمل، وامرأة أرْمَلَة: محتاجة. والأرامل يقع على الذكور
والنساء. قال ابن منظور: ولا يُقال للمرأة التي لا زوج لها، وهي موسرة، أرملة. قال جرير: هذي الأرامل قد قضَّيْت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر والأرْمَل من الشاء: الذي اسودَّت قوائمه كلها. والرَّمْل: نوع من التراب. وجمعه رِمَال. قال الجوهري: ((الرَّمْل واحد الرِّمَال، والرَّمْلَة أخص منه)) (1) . ورمَّل الطعام: جعل فيه الرَّمْل. وقال ابن فارس: ((الراء، والميم، واللام، أصل يدل على رِقَّة في شيء يتضام بعضه إلى بعض)) (2) . والرَّمَل في الطواف: الإسْرَاع في المشي مع تقارب الْخُطى (3) ، من غير
وثْبٍ ولا عَدْوٍ (1) , ويهز الكتفين في مشيه، كالمبارز الذي يتبختر بين الصفين. وهو: الْخَبَب (2) . قال ابن عبد البر: ((وأما الرَّمَل، فهو المشي خبباً، يشتد فيه، دون الهرولة (3) .
وهيأته أن يُحرك منكبيه لشدة الحركة في مشيه)) (1) . قال صديق خان: ((ومعنى الرمل: الإسراع في المشي مع تقارب الخطى. وهو دون العدو، وفوق المشي المعتاد. ولا يعدو، كما يفعل العوام)) (2) .
المطلب الثاني: دليل مشروعية الاضطباع والرمل.
المطلب الثاني: دليل مشروعية الاضطباع والرمل. دلّ على مشروعية الاضطباع والرمل في الطواف أحاديث كثيرة، منها: 1- عن ابن عباس (: ((أن رسول الله (وأصحابه اعتمروا من جِعْرَانَة (1) ، فاضطبعوا، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، ووضعوها على عواتقهم، ثم رملوا)) وفي لفظ: ((وقذفوها على عواتقهم اليسرى)) (2) . 2- وعن يَعْلَى بن أمية (: ((أن النبي (طاف بالبيت مضطبعاً وعليه بُرْد)) (3) .
1- وعن ابن عمر (: ((أن رسول الله (كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خبَّ ثلاثاً، ومشى أربعاً..وكان ابن عمر يفعل ذلك)) (1) . 2- وعن جابر (في وصف حجة النبي (وفيه: ((.. حتى إذا أتينا البيت معه استلم الرُّكن، فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم)) الحديث (2) . 3- وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب (قال: سمعت عمر (يقول: ((فيمَ الرَّمَلان (3) الآن، والكشف عن المناكب، وقد أطَّأ الله (4) الإسلام، ونفى الكفر وأهله؟ ومع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله ()) (5) .
المطلب الثالث: الحكمة من مشروعية الاضطباع والرمل.
المطلب الثالث: الحكمة من مشروعية الاضطباع والرمل. الأصل في مشروعية الاضطباع والرمل: أن المشركين قالوا ـ قبل دخول النبي (وأصحابه (مكة في عمرة القضية سنة سبع ـ: إنه يقدم عليكم غداً قوم قد وَهَنَتْهُم الْحُمَّى، ولقوا منها شدّة، فجلسوا مما يلي الحِجْر. وأمر النبي (أصحابه (أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين، ليرى المشركون جَلَدَهم. فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم. هؤلاء أجلد من كذا وكذا. قال ابن عباس (: ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبْقَاء عليهم)) (1) . فرملوا واضطبعوا ليرى المشركون قُوَّتهم بالرمل، وصحة أبدانهم بالاضطباع. قال ابن عباس (: ((إنما سعى رسول الله (ورمل بالبيت، ليُرِي المشركين قوَّته)) (2) . وعنه (قال: قال النبي (لأصحابه حين أرادوا دخول مكة في عمرته
بعد الحديبية: ((ثم إن قومكم غداً سيرونكم، فليروكم جُلْداً)) . فلما دخلوا المسجد استلموا الركن ثم رملوا، والنبي (معهم حتى إذا بلغوا إلى الركن اليماني مشوا إلى الركن الأسود، ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم مشى الأربع)) (1) . وفي لفظ ((أن النبي (اضطبع فاستلم وكبّر، ثم رمل ثلاثة أطواف، وكانوا إذا بلغوا الركن اليماني وتغيّبوا من قريش مشوا، ثم يطلعون عليهم يرملون. تقول قريش: كأنهم الغزلان. قال ابن عباس: فكانت سنة)) (2) . قال الشوكاني: ((والحكمة في فعله ـ أي: الاضطباع ـ أنه يُعين على إسراع المشي)) (3) . ثم استمر النبي (يرمل بعد ذلك في عُمَرِه وحجته، فرمل في طوافه أول قدومه مكة في حجة الوداع من الْحَجَر إلى الْحَجَر ثلاثاً، ومشى أربعاً. فاستقرّت سُنَّة الرمل والاضطباع. فعن ابن عمر (: ((أن رسول الله (كان إذا طاف في الحج أو العمرة أوّل ما يقدم، سعى ثلاثة أطواف، ومشى أربعة، ثم سجد سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة)) (4) . وعنه (قال: ((رمل رسول الله (من الْحَجَر إلى الْحَجَر ثلاثاً، ومشى أربعاً)) (5) . وقال عمر (: ((مالنا والرمل
إنما كنا راءينا به المشركين، وقد أهلكهم الله؟ ثم قال: شيء صنعه النبي (فلا نُحب أن نتركه)) (1) . قال ابن تيمية: ((إن العبادة قد تُشرع أولاً لسبب ثم يزول ذلك ويجعلها الله سبحانه عبادة وقربة، كما قد رُوي في: الرمل والاضطباع، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار)) (2) . وقال بعض العلماء: إن الحكمة في بقاء مشروعيته بعد زوال العلة، تَذَكُّر ما أنعم الله تعالى به على المسلمين من العِزِّ والكثرة بعد القلة، والقوة بعد الضعف، فيكون ذلك باعثاً على الانقياد، ويحصل به تعظيم الأولين، لما كانوا عليه من احتمال المشاق في امتثال أمر الله تعالى، والمبادرة عليه، وبذل الأنفس فيه (3) .
المطلب الرابع: حكم الاضطباع والرمل.
المطلب الرابع: حكم الاضطباع والرمل. اتفق العلماء – رحمهم الله – على أنّه (اضطبع ورمل في طوافه، إلا أنهم اختلفوا في بقاء مشروعيتهما بعد زوال سببهما، بتمكن الإسلام وظهوره، وذهاب الشرك وأهله من مكة. واختلف القائلون بمشروعيتهما في حكمهما، هل هما من شروط الطواف وواجباته، أم من سننه ومندوباته؟ وسأعرض لذلك في الفروع التالية: * الفرع الأول: مشروعية الاضطباع. اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في بقاء مشروعية الاضطباع في الطواف، على قولين: القول الأول: إن الاضطباع مشروع، وهو سنة باقية. وإلى هذا القول ذهب: جمهور العلماء، ومنهم: أصحاب المذاهب الثلاثة: الحنفية، والشافعية، والحنابلة (1) . القول الثاني: لا يُشرع الاضطباع، وأنه ليس بسنة بعد ذهاب سببه، بظهور الإسلام. وإلى هذا القول ذهب: المالكية (2) . وحكى ابن المنذر عن مالك أنه قال:
لا يَعرف الاضطباع، ولا رأيت أحداً يفعله (1) . الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، وهم الجمهور، بما يلي: 1- بما سبق ذِكْرُه من الأدلة الثابتة عن النبي (وأصحابه (، وأنهم طافوا مضطبعين. فدل ذلك على مشروعية الاضطباع. ولم يأت ما يدل على نسخه (2) . 2- وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال: سمعت عمر (يقول: ((فيمَ الرَّمَلان الآن، والكشف عن المناكب، وقد أطّأ الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله؟ ومع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله ()) (3) . فدلّ ذلك على بقاء حكم الاضطباع، وفِعْلِه من لدن الصحابة (بعد وفاة النبي (.
واستدل أصحاب القول الثاني، القائلون بعدم استحبابه، بما يلي: 1- إن رسول الله (إنما فعله وأمر به في عمرة القضية، حين قالت قريش: أما ترون إلى أصحاب محمد قد وعكتهم حمى يثرب. فقال لأصحابه: ((ارملوا)) . كفعل أهل النشاط والْجَلَد، ليغيظ قريشاً. قال مالك: وهذا السبب قد زال، فيجب أن يزول حكمه (1) . 2- وبما يُشبه الإجماع على عدم مشروعيته. فقال مالك: ((لم أسمع أحداً من أهل العلم ببلدنا يذكر أن الاضطباع سنة)) (2) . * الرأي المختار: لا ريب أن ما ذهب إليه جمهور العلماء في هذه المسألة، وهو أن الاضطباع سنة باقية، ومن مستحبات الطواف، وهو الرأي المختار، لما يلي: 1. إن الأدلة على أن النبي (كان يضطبع في عُمَرِه، بل وفي حجته أيضاً (3) ، نصوص صريحة صحيحة. وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (4) , وقال (في حجته: ((لتأخذوا عني مناسككم)) (5) .
1. ثبت أن الصحابة (اضطبعوا بعد وفاة النبي (، كما دلّ على ذلك أثر عمر (. 2. إن قول ابن عباس (أكثر ما فيه أن سبب الاضطباع والرمل ما ذكره، ولكنهما صارا سنة بذلك السبب، فيبقى بعد زواله، كرمي الجمار سببه رمي الخليل عليه السلام الشيطان، ثم بقي بعد زوال ذلك السبب (1) . 3. ينتقض قول الإمام مالك بعدم مشروعية الاضطباع لزوال سببه، بالرمل، فإنه يقول ببقاء مشروعيته مع زوال سببه (2) . 4. إن بقاء السبب ليس بشرط لبقاء الحكم، كالبيع والنكاح وغيرهما (3) . 5. إن القول بزوال السبب ممنوع، لأن الحكم يجوز أن يثبت بعلل متعددة. فذهاب بعضها لا يستلزم زوال الحكم، وكون النبي (اضطبع في حجة الوداع بعد ذهاب غلبة المشركين، دليل على بقاء علة أخرى للحكم، كتذكر نعمة الأمن بعد الخوف، ليُشكر الله عليها (4) .
1. إن مَن عَلِم حجة على من لم يعلم، وليس العكس. فخفاء هذه السنة على الإمام مالك لا يكون سبباً في إبطالها، وعدم العمل بها. ولذا نقول نحو ما قال ابن عبد البر، فيمن أنكر سنة الرمل: قد ثبت أن النبي (اضطبع بعد عمرة القضية، فصارت سنة معمولاً بها، لا يضرها من جهلها وأنكرها (1) . وقال صديق خان: ((ولا يُشرع عند المالكية: الاضطباع في الطواف، ولا في غيره. والحديث يرد عليهم، وكأنه لم يبلغهم)) (2) . والله أعلم. * الفرع الثاني: مشروعية الرمل. اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ كذلك في بقاء مشروعية الرمل في الطواف بعد زوال سببه، وذهاب وقت الحاجة إليه، بظهور الإسلام وتمكنه، واضمحلال الشرك وأهله من مكة. على قولين: القول الأول: إن الرمل سنة باقية، وشعيرة ثابتة، وإنْ زال سببها، وذهب وقت الحاجة إليها، شأنها شأن كثير من السنن والشعائر في مناسك الحج والعمرة الباقية وإن ذهب سببها، كالسعي، ورمي الجمار ونحو ذلك. وإلى هذا القول ذهب: جمهور العلماء، ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة (3) .
القول الثاني: إن الرمل ليس بمشروع، ولا يُستحب في الطواف. وإنما فعله النبي (لسبب وقد زال بظهور الإسلام. فإن شاء رمل، وإن شاء لم يرمل. وهذا القول مروي عن جماعة من التابعين، منهم: عطاء، ومجاهد، وطاوس، والحسن، وسالم، والقاسم، وسعيد بن جُبير، وعلي بن الحسين (1) . وهو الأشهر عن ابن عباس ((2) ، وبه قال
بعض الحنفية (1) . الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، بالأحاديث الدالة على أن النبي (رمل في طوافه. ومن ذلك: 1- عن ابن عمر (: ((أن رسول الله (كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول، خبَّ ثلاثاً، ومشى أربعاً)) . 2- وعن جابر (في وصف حجة النبي (وفيه: ((.. حتى إذا أتينا البيت معه استلم الرُّكن فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم)) . 3- وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب (قال: سمعت عمر (يقول: ((فيمَ الرَّمَلان الآن، والكشف عن المناكب، وقد أطَّأ الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله؟ ومع ذلك لا ندع شيئاً كن نفعله على عهد رسول الله ()) (2) . وعن ابن عباس (: ((أن رسول الله (وأصحابه اعتمروا من الجعرانة،
فرملوا بالبيت ثلاثاً، ومشوا أربعاً)) (1) . 2- وعنه (أنه قال: ((رمل رسول الله (في حجته، وفي عُمَرِه كلها، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، والخلفاء)) (2) . فدلّت هذه الأحاديث والآثار على: أن الرمل سنة باقية، لأن النبي (رمل في حجته، ولم يبق بمكة يومئذ أحد من المشركين. كما رمل الصحابة (بعده اتباعاً لسنته. واستدل أصحاب القول الثاني، بما يلي: عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس (: زعم قومك أن رسول الله (قد رمل بالبيت، وأن ذلك سنة؟ قال: صدقوا، وكذبوا. قلت: ما صدقوا، وما كذبوا؟ قال: صدقوا، رمل رسول الله (بالبيت, وكذبوا، ليست بسنة (3) . إن قريشاً قالت زمن الحديبية: دعوا محمداً وأصحابه حتى يموتوا موت النَّغَف (4) . فلما صالحوه على أن يجيء في العام المقبل فيُقيم ثلاثة أيام
1- بمكة، فقدم رسول الله (وأصحابه، والمشركون على جبل قُعَيْقِعَان، فقال رسول الله (لأصحابه: ((ارملوا بالبيت ثلاثاً)) وليست بسنة (1) . 2- وعنه (قال: ((قدم رسول الله (وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب. قال المشركون إنه يقدم عليكم غداً قوم قد وهنتهم الحمّى، ولَقُوا منها شدة. فجلسوا مما يلي الحِجْر، وأمرهم النبي (أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين، ليرى المشركون جَلَدَهم. فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمّى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا. قال ابن عباس (: ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط الأربعة إلا الإبقاء عليهم)) (2) . 3- وعنه (قال: ((إنما سعى رسول الله (ورمل بالبيت ليُريَ المشركين قُوَّته)) (3) . قالوا: إن أمر النبي (لأصحابه (أن يمشوا بين الركنين حيث لا يراهم المشركون، دليل على أن الرمل إنما كان ليرى المشركون أن بهم قوة، وأنهم ليسوا بضعفاء، لا لأن ذلك سنة (4) . ومما يدل على ذلك، أنه لم يفعل ذلك لما حج (5) . كما دلّ عليه الحديثان التاليان:
1- روى الحجاج بن أرطاة عن أبي جعفر وعكرمة عن ابن عباس (قال: لما اعتمر رسول الله (بلغ أهل مكة أن بأصحابه هزلاً، فلما قدم مكة قال لأصحابه: ((شُدوا ميازركم، وارملوا حتى يرى قومكم أن بكم قوة)) ثم حج رسول الله (فلم يرمل (1) . 2- وروى العلاء بن المسيب عن الحكم عن مجاهد عن ابن عمر (: ((أن النبي (رمل في العمرة، ومشى في الحج)) (2) . * الرأي المختار: إن ما ذهب إليه الجمهور من القول: بمشروعية الرمل، وبقاء استحبابه، هو الرأي المختار، لما يلي: 1. إن ما رواه ابن عباس (من رمل النبي (وأصحابه (في الأشواط الثلاثة الأول من الْحَجَر إلى الركن، ومشيهم ما بين الركنين، حكاية عما كان في عمرة القضية، وأن سبب مشروعية الرمل إنما كان ليرى المشركون أن بهم قوة، وأنهم ليسوا بضعفاء..، أكثر ما فيه أن سببه ما ذكره ابن عباس (، ولكنه صار سنة بذلك السبب، فبقي بعد زواله، كرمي الجمار، سببه رمي إبراهيم الخليل عليه السلام، الشيطان، ثم بقي بعد زوال ذلك السبب سنة ثابتة (3) .
1. إن ما روي عن ابن عباس (من إنكار سنية الرمل، لأنه إنما كان لإظهار القوة للمشركين، لعله رجع عن ذلك، إذ أنه ممن روى الرمل عن النبي (بعد عمرة القضية، وذهاب المشركين، وذلك في عمرة الجعرانة، وفي حجة الوداع، وروى ذلك عن الخلفاء بعده (. قال البيهقي: ((قد مضى في الحديث الثابت عن جابر بن عبد الله في صفة حج النبي (، حجة الوداع أنه حين أتى البيت، استلم الركن، فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً، وفيما روينا عن ابن عباس في عمرة الجعرانة، وذلك بعد عمرة القضية، أنهم رملوا ثلاثاً واضطبعوا)) (1) . 2. إن رواية الحجاج بن أرطاة عن ابن عباس (لا يُعارض بها ما رواه الثقات. فقد قال عنه الحافظ ابن حجر: ((صدوق، كثير الخطأ والتدليس)) (2) . وقال ابن عبد البر: ((فهذا يدلّك على ضعف رواية الحجاج، وأن ما قال أهل الحديث فيه: أنه ضعيف، مدلس، لا يُحتج بحديثه، لضعفه، وسوء نقله عندهم، حقٌ. وقد ثبت عن النبي (أنه رمل في حجته، فبطل ما خالفه. ولو كان ما حكاه الحجاج في روايته عن ابن عباس (صحيحاً لم يكن فيه حجة، لأنه ناف، والذي حكى أن رسول الله (رمل، وأخبر أنه عاينه يصنع ذلك مثبت، والمثبت أولى من النافي في وجه الشهادات والأخبار)) (3) .
إن ما رواه العلاء بن المسيب عن ابن عمر (أنه (رمل في عمرته، ومشى في حجه. قيل: بأنه حديث لا يثبت، لأنه رواه الحفاظ موقوفا على ابن عمر (1) ، ولو كان مرفوعا، كان قد عارضه ما هو أثبت منه (2) ، كحديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر (: ((أن رسول الله (كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول، خبَّ ثلاثاً، ومشى أربعاً..، وكان ابن عمر يفعل ذلك)) (3) . وحديث عقبة عن نافع عن ابن عمر (: ((أن رسول الله (كان إذا طاف في الحج والعمرة أوّل ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت (4) ، ثم يمشي أربعة، ثم يصلي سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة)) ، وعن عبيد الله بن عمر عن نافع: ((أن ابن عمر (رمل من الحجر إلى الحجر. وذكر أن رسول الله (فعله)) (5) . فهذه الآثار كلها عن ابن عمر (تدفع حديث العلاء بن المسيب (6) . وقد ذكر حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر (: ((أنه كان إذا قدم مكة طاف بالبيت ورمل، ثم طاف بين الصفا والمروة. وإذا لبّى بها من مكة، لم يرمل بالبيت، وأخّر الطواف بين الصفا والمروة إلى يوم النحر)) (7) . وروى مالك عن نافع عن ابن
1. عمر نحوه (1) . وفي هذا الأثر عن ابن عمر أنه كان يرمل في الحجة إذا كان إحرامه بها من غير مكة، وكان لا يرمل في حجته إذا أحرم بها من مكة. قال ابن عبد البر: ((وهذا إجماع. من أحرم بالحج من مكة لا رمل عليه، إن طاف بالبيت قبل خروجه إلى منى. وعلى هذا يصح حديث مجاهد إن كان موقوفاً، وكانت حجة ابن عمر فيه مكية. وأما مرفوعاً، فلا يصح، لدفع الآثار الصحاح له في أن رسول الله (رمل في حجته، ولم تكن له حجة غيرها ()) (2) . وقال الطحاوي: ((فلا يخلو ما رواه مجاهد من أحد وجهين: إما أن يكون منسوخاً، فما نسخه فهو أولى منه. أو يكون غير صحيح عنه، فهو أحرى أن لا يُعمل به، وأن يجب العمل بخلافه)) (3) . 2. ثبت أنه (رمل في حجته، وكان ذلك بعد ظهور الإٍسلام بمكة، وخلّوها من الشرك وأهله، وعدم الحاجة لإظهار القوة للمشركين، من حديث ابن عمر، وجابر ((4) . قال الطحاوي: ((فلما ثبت عن رسول الله (أنه رمل في حجة الوداع ولا عدوّ، ثبت أنه لم يفعله إذ كان العدوّ، من أجل العدو. ولو كان فعله إذ كانوا من أجلهم، لما فعله في وقت عدمهم. فثبت بذلك أن الرمل في الطواف من سنن الحج المفعولة فيه، التي لا ينبغي تركها. وقد فعل ذلك أيضاً أصحاب رسول الله (من بعده)) (5) .
1. ثبت أن عمر، وابن مسعود، وابن عمر (رملوا في طوافهم (1) . فإما أن يُقال: بعدم التعارض بينهما، وأن سبب المشروعية لا يمنع بقاء الحكم بعد ذهاب سببه، لثبوت النصوص الدالة على ذلك. وإما أن يُقال: بالنسخ عند التعارض، للعلم بالمتأخر. والله أعلم. * الفرع الثالث: حكم الاضطباع والرمل. اتفق العلماء ـ رحمهم الله ـ القائلون بمشروعية الاضطباع على أنه مستحب، وسنة من سنن الطواف (2) . فمن تركه، صح طوافه، ولا شيء عليه. وإنما فاته
أجر فضيلة المتابعة. قال الشافعي: ((وإن لم يضطبع بحالٍ، كرهته له، كما أكره له ترك الرمل في الأطواف الثلاثة، ولا فدية عليه، ولا إعادة)) (1) . واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ القائلون ببقاء مشروعية الرمل، هل هو من شروط الطواف وواجباته، أم من سننه ومستحباته؟ اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: إنه مستحب في الطواف. فمن تركه، صح طوافه، ولا شيء عليه. وإنما فاته أجر فضيلة المتابعة. قال الترمذي: ((قال الشافعي: إذا ترك الرمل عمداً، فقد أساء، ولا شيء عليه)) (2) . وإلى هذا القول ذهب: جمهور العلماء، ومنهم: أصحاب المذاهب الأربعة (3) .
القول الثاني: إنه واجب في الطواف. فمن تركه، فعليه دم. فإن كان محمولاً، رمل به حامله. وإلى هذا القول ذهب: إبراهيم النخعي (1) ، والحسن البصري، والثوري، وعبد الملك بن الماجشون (2) ، وابن حزم (3) ، واختلفت الرواية فيه عن مالك (4) .
الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، بما يلي: 1- عن ابن عباس أنه قال فيمن ترك الرمل: ((لا شيء عليه)) (1) . 2- وبالبراءة الأصلية. إذ أن الرمل شيء مختلف فيه، هل هو سنة ومشروع، أم لا؟ فإيجاب الدم على من تركه، وإخراج مالٍ من يد صاحبه، إنما يكون في شيء واجب بيقين، لا شك فيه. والأصل براءة الذمم (2) . 3- إن ترك الرمل ليس إسقاطاً لنفس العمل، وإنما هو سقوط لهيئة العمل، والهيئات لا تُجبر (3) .
1- إن تارك طواف القدوم لا يلزمه جبران أصلاً، فتارك هيأته، أولى بعدم الوجوب (1) . 2- إن ترك الاضطباع في الطواف لا يجب به شيء، فكذلك ترك الرمل فيه (2) . استدل أصحاب القول الثاني، بما يلي: 1- بحديث ابن عباس (وفيه: ((.. وأمر النبي (أصحابه (أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين)) (3) . قالوا: فهذا أمر من النبي (بالرمل، فدلّ ذلك على وجوبه (4) . 2- إن الرمل نُسك. فمن تركه، فعليه دم، لقول ابن عباس (: ((مَن نسي مِن نسكه شيئاً، أو تركه، فليُهْرِق دماً)) (5) . قال ابن عبد البر: ((ومن جعله نسكاً، حكم فيه بذلك)) (6) . * الرأي المختار: الذي يظهر ـ والله أعلم ـ هو رجحان القول الأول، القائل: إنه ليس على
تارك الرمل شيء، لوجاهة ما ذكروه من حجج من حيث الجملة، ولما يلي: 1. إن غاية ما استدل به أصحاب القول الثاني، أثر ابن عباس (، وهذا بالاتفاق لا يلزم في كل فِعْل من أفعال النسك. إذ من النسك ما هو من باب السنن والمندوبات، بل منها ما يكون من باب المباحات. فالمراد بالنسك الذي يجب بتركه دم، ما كان من باب الواجبات (1) . 2. روي عن ابن عباس (فيمن ترك الرمل: ((أنه لا شيء عليه)) فدلّ ذلك على أن ترك الرمل ليس من النسك الموجب للدم.
المطلب الخامس: وقت الاضطباع والرمل.
المطلب الخامس: وقت الاضطباع والرمل. الاضطباع والرمل من أعمال الطواف، فيكون فعلهما، وَقْت ابتداء الشروع في الطواف، ولا بأس من الاستعداد بالاضطباع قبل الشروع فيه بوقت يسير1. قال ابن تيمية: “ وأول ما يضطبع، إذا أراد أن يستلم الحجر، قبل أن يستلم، فيما ذكره كثير من أصحابنا..، وهو ظاهر حديث ابن عباس. وقال أحمد في رواية المروذي: يضطبع بعد أن يستلم الحجر”2. وقال الشافعي: “ وإن تهيأ بالاضطباع قبل دخوله الطواف، فلا بأس” 3. أما ما يفعله كثير من العوام، من ملازمة الاضطباع من حين الإحرام، فهو من الأخطاء. وقد نبّه على ذلك بعض العلماء. قال في إرشاد الساري: “وليس كما يتوهمه العوام من أن الاضطباع سنة جميع أحوال الإحرام. بل الاضطباع سنة مع دخوله في الطواف”4. واتفقوا على أن وقت الرمل في الأشواط الثلاثة الأول من الطواف5،
لثبوت ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في دليل المشروعية. قال السرخسي: “على هذا اتفق رواة نسك رسول الله” 1. وقال النووي: “ويفترق الرمل عن الاضطباع بشيء واحد، وهو أن الاضطباع مسنون في جمع الطوفات السبع. وأما الرمل فإنما يُسن في الثلاث الأول، ويمشي في الأربع الأواخر”2. واتفقوا على أن مَن ترك الرمل في شوط من الثلاثة الأول، أتى به في الاثنين الباقيين. وأن من تركه في اثنين، أتى به في الثالث 3. وأن من تركه في الثلاثة، لم يقضه في الأربعة الباقية، لأنها هيئة فات موضعها، فسقطت، كالجهر في الركعتين الأوليين، ولأن المشي هيئة في الأربعة، كما أن الرمل هيئة في الثلاثة، فإذا رمل في الأربعة الأخيرة، كان تاركاً للهيئة في جميع طوافه 4.
لكنهم اختلفوا من ذلك في مسائل، منها: وقت الاضطباع في الطواف. هل هو في جميع أشواطه، أو في بعضها؟ وفي استدامته بعد الطواف حال الصلاة، وأثناء السعي 1.
ومن وقت الرمل، اختلفوا في حكمه في جميع الأشواط السبعة. وفي موضعه. هل الرمل في جميع الشوط، فيرمل من الحجر إلى أن يعود إليه، أو من الحجر إلى الركن اليماني؟ وسأتناول ذلك في الفروع التالية: الفرع الأول: وقت الاضطباع. اتفق العلماء ـ رحمهم الله ـ على أن الاضطباع يكون في الطواف الذي يُرمل فيه. قال النووي: “وكل طواف سُنَّ فيه الرمل، سُنِّ فيه الاضطباع، وما لا، فلا”1. وقال ابن جماعة: “وإنما يُضطبع في الطواف الذي يُرمل فيه”2. لكنهم اختلفوا في وقت الاضطباع في الطواف. هل يكون في جميع أشواطه، أو يُقتصر فيه على الأشواط التي يُرمل فيها، وهي الأشواط الثلاثة الأول؟ اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: إن الاضطباع سنة في جميع الطواف.
وإلى هذا ذهب: جمهور العلماء، ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة1. القول الثاني: إن الاضطباع إنما يُشرع في الأشواط الثلاثة الأول، التي يُرمل فيها، فإذا فرغ من الرمل، سوَّى رداءه. وإلى هذا القول ذهب: أحمد في رواية، وقاله الأثرم من الحنابلة 2. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، بما يلي: بحديث يَعلَى بن أمية رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعاً” 3. قالوا: فدلّ ذلك على اضطباعه صلى الله عليه وسلم أثناء طوافه، فينصرف إلى جميع الطواف 4. واحتج أصحاب القول الثاني، فقالوا: إن الاضطباع إنما هو معونة على الرمل، وإنما فُعِل تبعاً له، فإذا لم يرمل، لم يضطبع 5. الرأي المختار: ما ذهب إليه الجمهور، من أن الاضطباع يكون في جميع الطواف، هو الرأي المختار، لما يلي:
إن حديث يعلى رضي الله عنه ظاهر فيما ذهب إليه أصحاب هذا القول، إذ يشمل جميع أشواط الطواف. لو ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر في اضطباعه على بعض الطواف، لنُقِل كما نُقل اقتصاره في الرمل على الأشواط الثلاثة الأول. والله أعلم. الفرع الثاني: الاضطباع في الصلاة. اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ القائلون بمشروعية الاضطباع في جميع الطواف، في استدامته بعد الطواف، والصلاة على تلك الهيئة. اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: إن الاضطباع خاص بالطواف. فلا يُستحب استدامته في ركعتي الطواف. بل إن الصلاة على هذه الهيئة مكروهة. فإذا فرغ من طوافه ستر عاتقيه. وإلى هذا ذهب: جمهور العلماء، منهم: الحنفية1، والأصح عند الشافعية2، والحنابلة.
ولذلك نبّه العلماء على ستر المنكب عند صلاة ركعتي الطواف، لكثرة ما يقع من الإخلال بذلك. قال الموفق ابن قدامة: “ وإذا فرغ من الطواف سوَّى رِداءه، لأن الاضطباع غير مستحب في الصلاة”1. بل حكى غير واحد كراهة الصلاة في تلك الحال. قال ابن تيمية: “ فإذا قضى طوافه سوّى ثيابه، ولم يضطبع في ركعتي الطواف، لأن الاضطباع في الصلاة مكروه. هكذا قال القاضي، وابن عقيل وغيرهما” 2. القول الثاني: يستحب استدامة الاضطباع بعد الفراغ من الطواف، فيصلي الركعتين على تلك الهيئة. وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في وجه 3. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، بما يلي: بقول يعلى بن أمية رضي الله عنه: “إن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعا” 4. وظاهره أن
ذلك مختص بالطواف، دون الصلاة. لا يُشرع الاضطباع قبل الطواف، فكذلك لا يُشرع بعد الفراغ منه 1. إن الصلاة على هذه الهيئة، وهي كونه مضطبعاً، لبسة اشتمال الصماء2، التي جاء النهي عنها في عدة أحاديث 3. أما أصحاب القول الثاني، فلم أقف لهم على دليل أو تعليل. ويمكن أن يُستدل لهم بما يلي: بحديث ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً: “الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله أباح فيه المنطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير” 4. فدل ذلك على أنه يُشرع في الصلاة ما يُشرع في الطواف. إن الصلاة تابعة للطواف وملحقة به، فأخذت حكمه في اللباس والهيئة. إن الاضطباع يُشرع في الطواف وكذا في السعي5، والصلاة بينهما، فيستمر مضطبعاً من حين ابتداء المشروعية إلى انتهائها.
الرأي المختار: إن ما ذهب إليه جمهور العلماء، من أن على من فرغ من طوافه أن يستر منكبيه، وأن لا يصلي مضطبعاً، هو الرأي المختار، وذلك لما يلي: لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى مضطبعاً في عُمَرِه، أو حجته، ولو فعل ذلك لتوفرت الدواعي لنقله، وخاصة في حجته، كما نُقِل غير ذلك من أفعاله صلى الله عليه وسلم في مناسكه. إن الواصفين لطوافه صلى الله عليه وسلم ذكروا الاضطباع والرمل فيه. وخصوا الرمل بأنه في الأشواط الثلاثة الأول. فدلّ ذلك على أن الاضطباع كان في جميع الأشواط. إن الاضطباع في الصلاة هيئة جاء النهي عنها، فتكره مطلقاً، سواء أكانت بعد طواف، أم في غيره. ولم يرد دليل بالتخصيص. والله أعلم. الفرع الثالث: موضع الرمل من البيت. اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في موضع الرمل من البيت. هل هو من الْحَجَر الأسود إلى أن يعود إليه، أو من الحجر إلى الركن اليماني؟ اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: إن الرمل في الأشواط الثلاثة الأول كلها. فيرمل من الحجر الأسود إلى أن يعود إليه، لا يمشي في شيء من ذلك. وإلى هذا القول ذهب: الجمهور، ومنهم: أصحاب المذاهب الأربعة1.
قال الكاساني: “ وهذا قول عامة العلماء” 1. وروى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: “ الرمل في الطواف، ثلاثة أشواط، من الحجر الأسود، إلى الحجر الأسود، ويمشي أربعة أشواط. وكذلك قال أهل المدينة. وقالوا: وذلك الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا” 2. القول الثاني: إن الرمل إنما هو من الحجر الأسود، إلى الركن اليماني. فيمشي ما بين الركنين. وهذا القول مروي عن: طاوس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعطاء، والحسن، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله 3.
وبه قال الشافعية في قول أو وجه1، وجعله ابن حزم لمن شاء 2. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، وهم الجمهور، بما يلي: بحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: “ رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر، إلى الحجر ثلاثاً، ومشى أربعاً” 3. وعنه رضي الله عنه أنه كان يرمل من الحجر، إلى الحج. ثم يقول: “هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم “4. وعن جابر رضي الله عنه قال: “ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه، ثلاثة أطواف”. وعنه رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل الثلاثة أطواف من الحجر إلى الحج” رواهن جميعاً مسلم 5. قال “ حديث جابر حديث حسن صحيح،
والعمل على هذا” 1. وعن عطاء: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من سبعة أشواط ثلاثة أطواف خبباً، ليس بينهن مشي” 2. واستدل أصحاب القول الثاني، بما يلي: بحديث ابن عبا س رضي الله عنه قال: “قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمّى يثرب. قال المشركون: إنه يقدم عليكم غداً قوم وهنتهم الحمى، فلقوا منها شدّة. فجلسوا مما يلي الْحِجْر. وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين، ليرى المشركون جَلَدهم. فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم؟ هؤلاء أجلد من كذا وكذا. قال ابن عباس: ولم يمنعه من أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم” 3. إن الرمل في الأصل كان لإظهار الجلادة للمشركين، والمشركون إنما كانوا يطلعون على المسلمين من ذلك الجانب، فإذا صاروا إلى الركن اليماني، لم يطلعوا عليهم، لصيرورة البيت حائلاً بينهم وبين المسلمين 4. الرأي المختار: ما ذهب إليه الجمهور، من استيعاب الرمل من الحجر الأسود، إلى أن
يعود إليه، في الأشواط الثلاثة الأول، هو الرأي المختار، لما يلي: إن الروايتين باستيعاب الرمل بالبيت، وعدم استيعابه صحيحتان، فيتعين الجمع بينهما، وطريق الجمع: أن يُحمل حديث ابن عباس بأنه كان في عمرة القضية، سَنة سبع من الهجرة، قبل فتح مكة، وكان أهلها مشركين حينئذ. وأمّا حديث ابن عمر، وجابر فقد كان في حجة الوداع، سَنة عشر، فيكون متأخراً، فيتعيّن الأخذ به 1. لو قيل: بالتعارض بينهما، فإن رواية ابن عباس فيها نفي الرمل بين الركنين، ورواية ابن عمر، وجابر تُثبت الرمل بينهما، والْمُثبت مقدّم على النافي 2. لو اقتضى الأمر الترجيح بين الروايين، فإن ابن عباس كان في تلك الحال صغيراً، لا يضبط مثل جابر، وابن عمر، فإنهما كانا رجلين يتتبعان أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ويحرصان على حفظها، فهما أعلم، وروايتهما تُقدّم 3. إن جُلّ الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرملون من الحجر إلى الحجر، فلو علموا من النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ابن عباس، ما عدلوا عنه إلى غيره 4. يُحتمل أن يكون ما رواه ابن عباس قضية عين اختصّ بها الذين كانوا في عمرة القضية، لضعفهم، والإبقاء عليهم. وما رواه ابن عمر، وجابر سُنّة لجميع الناس 5. الجواب عن قولهم: إن الرمل كان لإظهار القوة والجلادة..: إن الرمل في
عمرة القضية كان لذلك السبب، وقد زال، وبقي حكمه، أو صار الرمل بعد ذلك سنة مبتدأة، لا لِمَا شُرِع له أولاً. بل لمعنىً آخر لا نعقله1. والله أعلم. الفرع الرابع: قَدْر الرمل من الطواف. اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ القائلون بمشروعية الرمل، في قدره. هل يُقتصر فيه على الأشواط الثلاثة الأول منه، أو يُشرع في جميع الطوفات السبع؟ اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: إن الرمل إنما يُشرع ويُسن في الأشواط الثلاثة الأول من الطواف. وأن السُّنَّة في الأربعة الأُخر إنما هو المشي المعتاد. بل من ترك الرمل في الثلاثة الأول، لم يُشرع له قضاؤها في الأربعة الأخر. وإلى هذا ذهب: جمهور العلماء 2. القول الثاني: إن الرمل يُسن في جميع الطوفات السبع. وإلى هذا ذهب: عبد الله بن الزبير رضي الله عنه 3. وذهب ابن حزم 4، وبعض الحنفية إلى جوازه 5.
الرأي المختار: لم أقف على حجة لما ذهب إليه ابن الزبير رضي الله عنه ومن معه. غاية ما ذكره العلماء عن ابن الزبير: أنه فعل ذلك. فعن مجاهد قال: خرج ابن الزبير، وابن عمر رضي الله عنهم فاعتمروا من الجعرانة، وفيه: “.. فلما دخل ابن الزبير، ناداه ابن عمر: أرمل الثلاث الأول. فرمل ابن الزبير السبع كله” 1. وعنه أنه كان يُسرع المشي في الطواف، وربما كان يرمل السبع كله 2. وقال النووي: “ قال عبد الله بن الزبير: يُسن ـ أي: الرمل ـ في الطوفات السبع” 3. ولا ريب أن مثل ذلك لا تُعارض به السُّنَّة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في اقتصار الرمل على الأشواط الثلاثة الأول4. والأقرب في تأويل فعل ابن الزبير ما جاء من أنه كان يُسرع المشي في الطواف، فكان الناظر إليه يحسبه يرمل الأشواط كلها. فعن عمرو بن دينار قال: رأيت ابن الزبير يطوف بالبيت، فيُسرع المشي، ما رأيت أسرع مشياً منه 5.
ويؤيد ذلك ويعضده، أنه رُوي عنه خلاف ذلك. فقد روى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه، أنه رأى عبد الله بن الزبير أحرم بعمرة من التنعيم. قال: ثم رأيته يسعى حول البيت الأشواط الثلاثة. وروى أيضاً عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يسعى الأشواط الثلاثة، يقول: اللهم لا إله إلا أنتا ... وأنت تُحي بعد ما أمتَّا يخفض صوته بذلك” 1. ولذا ذهب بعض العلماء إلى حكاية الإجماع على قول الجمهور. فقال النووي: “ وأما قوله ثلاثة، وأربعة. فمُجْمَع عليه. وهو أن الرمل لا يكون إلا في الثلاثة الأول من السبع” 2. وحكى بعضهم عدم العلم بخلافه. فقال ابن قدامة: “ وهو ـ أي: الرمل ـ سُنَّة في الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم. ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافاً” 3. وحذّر بعضهم من خلافه. فقال خليل في منسكه: “وليحذر مما يفعله
بعضهم..، من الجري في جميع السبعة الأشواط” 1. وبهذا يتبيّن أن ما ذهب إليه جمهور العلماء، من القول: إن الرمل إنما يُسن ويُشرع في الأشواط الثلاثة الأول، وأن السنة في الأربعة الأخر إنما هو المشي. هو الرأي المختار. والله أعلم.
المطلب السادس: الطواف الذي يشرع فيه الاضطباع والرمل
المطلب السادس: الطواف الذي يُشرع فيه الاضطباع والرمل اتفق العلماء ـ رحمهم الله ـ على أن الاضطباع والرمل يُشرعان في طواف القادم إلى مكة معتمراً، أو حاجاً. سواء أكان هذا الطواف طواف عمرة، للمعتمر أو المتمتع، أم طواف قدوم للمفرد أو القارن، إذا سعى بعده 1. قال النووي: “واعلم أن طواف القدوم إنما هو في حق مفرد الحج، وفي حق القارن، إذا كانا قد أحرما من غير مكة، ودخلاها قبل الوقوف 2. فأما المكي فلا يُتصور في حقه قُدُوم، إذ لا قدوم له. وأما من أحرم بالعمرة فلا يُتصور في حقه طواف قدوم. بل إذا طاف عن العمرة، أجزأه عنها، وعن طواف القدوم، كما تُجزيء الفريضة عن تحية المسجد. حتى لو طاف المعتمر بنيّة القدوم، وقع عن طواف العمرة” 3. واختلفوا هل يُشرع الاضطباع والرمل في طواف القادم، إن لم يسع عقبه، بأن أخّر السعي إلى طواف الإفاضة؟ أو هما خاصان بكل طواف يعقبه سعي، سواء أكان طواف قدوم، أم طواف عمرة، أم طواف زيارة؟ وهل يُشرعان في طواف الإفاضة إن تحلل قبله؟ وكيف يكون اضطباعه فيه؟ وهل يقضي الرمل في الأشواط الأخيرة إن نسيه قبل ذلك؟ هذا ما سأتناوله في الفروع التالية: الفرع الأول: هل الاضطباع والرمل خاصان بالطواف الأول؟ اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في ذلك على قولين:
القول الأول: إن الاضطباع والرمل لا يُشرعان إلا في طواف القدوم، أو طواف العمرة، سواء سعى بعده، أم لم يسع، لأن الاضطباع والرمل إنما يكونان في الطواف الأول حين يقدم إلى مكة. وإلى هذا القول ذهب: الحنابلة في المذهب، والشافعية في قول 1. قال الزركشي: “ لا يرمل في طواف الزيارة، ولا طواف الوداع ولا غيرهما، إلا في الطواف أول ما يقدم مكة، وهو طواف القدوم، أو طواف العمرة”2. القول الثاني: إن الاضطباع والرمل يُشرعان في كل طواف يعقبه سعي. سواء أكان طواف قدوم، أم طواف عمرة، أم طواف زيارة ـ على تقدير تأخير السعي. وإلى هذا القول ذهب: الحنفية 3، والمشهور عند المالكية 4، والشافعية
في الأصح 1، وبعض الحنابلة 2.
قال النووي: “ فعلى هذا القول، إذا طاف للقدوم وفي نيّته أنه يسعى بعده، استُحِب الرمل فيه. وإن لم يكن هذا في نيّته، لم يرمل فيه. بل يرمل في طواف الإفاضة” 1. وقال الشاشي: “ فإن طاف للقدوم ورمل واضطبع، ولم يسع عقيبه، فإنه يسعى عقيب طواف الإفاضة ويرمل ويضطبع” 2. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، بما يلي: بحديث يعلى بن أمية رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم، طاف بالبيت، وهو مضطبع ببُرد له حضرمي” 3. وعن ابن عمر رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج، أو العمرة، أوّل ما يقدم، سعى ثلاثة أطواف، ومشى أربعة، ثم سجد
سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة” 1. وعن ابن عمر رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت، الطواف الأول، خبَّ ثلاثاً، ومشى أربعاً..، وكان ابن عمر يفعل ذلك” 2. وعن جابر رضي الله عنه في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: “.. حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن، فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم” الحديث 3. وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة، فرملوا بالبيت ثلاثاً، ومشوا أربعاً” 4. فهذه الأحاديث جميعها دالة على أن اضطباعه صلى الله عليه وسلم كان في طواف القدوم. أمّا حديث يعلى، وابن عمر، وجابر، فصريحة في ذلك، فقد نصّ في حديث يعلى على أن طوافه صلى الله عليه وسلم كان حين قدومه. وكذا جاء وصف هذا الطواف بأنه الأول في حديث ابن عمر5. وكان وصف جابر لحجه صلى الله عليه وسلم مفصلاً وبيّن أن هذا الطواف كان حين وصولهم إلى البيت. وأما حديث ابن عباس في طواف العمرة، فظاهرٌ فيه أيضاً، لأن طواف النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان حين دخل مكة. فطواف العمرة يقوم مقام طواف القدوم 6.
واستدل أصحاب القول الثاني، بما يلي: بحديثي يعلى، وابن عباس رضي الله عنهم ـ المتقدمين ـ ووجه استدلالهم منهما: أن اضطباعه صلى الله عليه وسلم في ذلك الطواف، لأنه سعى بعدهما. فدلّ ذلك على مشروعية الاضطباع في كل طواف يعقبه سعي. وبحديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم. وكونه صلى الله عليه وسلم لم يرمل في طواف الإفاضة، وطواف الوداع، لأنه لم يسع بعدهما. فدلّ ذلك على أن الاضطباع إنما يكون في طواف يعقبه سعي. إن مَن ترك الاضطباع والرمل في طواف القدوم، أتى بهما في طواف الإفاضة، لأنهما سُنة أمكن قضاؤها، فتُقضى، كسنن الصلاة 1. إن السعي تبع للطواف، فلو أخّر السعي إلى طواف الإفاضة، وقلنا لا يرمل في الطواف، لكونه رمل في طواف القدوم، أفضى إلى أن يكون التابع أكمل من المتبوع، وهذا لا يصح 2. الرأي المختار: ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، القائلون: إن الاضطباع والرمل لا يُشرعان إلا في طواف القدوم، أو طواف العمرة، سواء سعى بعده، أم لم يسع. هو الأرجح والمختار. وذلك لما يلي: ظاهر هذه المسألة أنها متنازعة الأطراف، إذ أن ما استدل به الفريقان مشترك بينهما، فلم يقم دليل صريح ـ من السنة ـ لأحد الفريقين. وجه
ذلك: أن اضطباع النبي صلى الله عليه وسلم ورمله إنما كان في طوافه الأول، طواف القدوم. ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم اضطبع ورمل في طواف بعده. فصح أن يُقال: باختصاص الاضطباع والرمل فيه. وصح أن يُقال أيضاً: إن اضطباعه صلى الله عليه وسلم ورمله إنما كان في طواف أعقبه سعي. وكان الدليل صريحاً في المسألة لو ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أخّر السعي عن طواف القدوم 1. لم يبق بعد ذلك للفريق الثاني إلا الحجتان العقليتان، وهما: إن التابع لا ينبغي أن يكون أكمل من المتبوع 2. وإثبات سنة وعبادة بمثل هذه الحجة الضعيفة غير سديد، إذ الأصل في العبادات الحظر والمنع. قياس قضائهما عند تركهما على سنن الصلاة. وهو قياس لا يصح، لأن من تركهما في الثلاثة الأول، لا يقضيهما في الأربعة الأخر اتفاقاً، ومن ترك الجهر في صلاة الفجر، لا يقضيه في صلاة الظهر 3. يؤكد هذا ويعضده ما سيأتي من ترجيح عدم مشروعية الاضطباع والرمل للمكي، إذ لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم أمر أحداً من أهل مكة بهما في طواف الإفاضة،
وهو الطواف الذي يختص به المكي، مع عدم اضطباعه ورمله صلى الله عليه وسلم في هذا الطواف 1. لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من جاء مراهقاً، فلم يدخل مكة إلا بعد الوقوف بعرفة بالاضطباع والرمل في طوافه 2، فدلّ ذلك على ذهاب وقته.
يعضد ذلك ما ثبت من حال ابن عمر رضي الله عنه أنه كان لا يرمل إذا أهَلّ من مكة 1. وبهذا يتبيّن: أن ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، هو أرجح الأقوال، وهو الرأي الذي أختاره. والله أعلم. الفرع الثاني: هل يُشرع تكرار الاضطباع والرمل في الحج؟ اختلف القائلون بمشروعية الاضطباع والرمل في كل طواف يعقبه سعي، هل يُشرع تكرارهما في الحج أم لا؟ اختلفوا على قولين: القول الأول: يُشرع تكراره في الحج لمن أحرم متمتعاً، أو قارناً. وإلى هذا ذهب الحنفية 2. لأنهم طردوا قاعدتهم المشار إليها: “ إن الاضطباع والرمل يُشرعان في كل طواف يعقبه سعى” 3.
والمتمتع يطوف ويسعى لعمرته، ثم يطوف ويسعى لحجه، فعليه طوافان وسعيان، فكل طواف أعقبه بسعي يُشرع له الاضطباع والرمل فيه. والقارن عند الحنفية كالمتمتع عليه طوافان وسعيان، فيُشرع له ما يُشرع للمتمتع من تكرار الاضطباع والرمل 1. القول الثاني: لا يُشرع الاضطباع والرمل إلا في طواف واحد في الحج. وإلى هذا ذهب الشافعية 2. ومن الحجة لهم في ذلك ما يلي: حديث ابن عمر رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف الطواف الأول، خبّ ثلاثاً، ومشى أربعاً” 3.
قالوا: فدلّ ذلك على أنه لم يعد في غيره 1. إن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرمل في عُمَرِه وحجته إلا مرة واحدة، فدلّ ذلك على أن الاضطباع والرمل إنما يُشرعان مرة واحدة في النسك من حج أو عمرة. لم يثبت أن الصحابة رضي الله عنه رملوا في طواف الإفاضة حين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سعوا عقبه، لأنهم كانوا متمتعين. فدلّ ذلك على أن الاضطباع والرمل، وإن شُرِعا في كل طواف يعقبه سعي، إلا أنهما لا يُشرعان إلا مرة واحدة في الحج. الرأي المختار: يظهر أن الرأي الأول هو أقوى هذين الرأيين، إلا أنه سبق اختيار أن الاضطباع والرمل إنما يُشرعان في طواف القدوم. والله أعلم. الفرع الثالث: الاضطباع والرمل من غير إحرام. إذا لم يطف الحاج للقدوم قبل الوقوف بعرفة، أو لم يضطبع في طواف القدوم لكونه لم يسع بعده، ودخل مكة لطواف الإفاضة بعد التحلل الأصغر، وقد خلع ملابس الإحرام. فهل يُشرع له الاضطباع والرمل في هذه الحال، أم لا؟ لم تنصّ أكثر المصادر التي وقفتُ عليها على هذه المسألة، ويمكن القول بأن العلماء اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: لا يُشرع الاضطباع والرمل في غير ملابس الإحرام. القول الثاني: يُشرع الاضطباع والرمل وإن لم يكن الطائف لابساً ملابس الإحرام.
قال البكري: “ ويُسن أن يضطبع الذَّكَر في طواف يرمل فيه، وهو الذي يعقبه السعي، ولو كان لابساً” 1. وقال ابن عابدين: “ من لبس المخيط لعذر هل يُسن له التشبه به، لم يتعرض له أصحابنا. وقال بعض الشافعية يتعذر في حقه، أي: على وجه الكمال فلا ينافي ما ذكره بعضهم أنه قد يُقال يُشرع له، وإن كان المنكب مستوراً بالمخيط للعذر. قلت: والأظهر فعله” 2. وقال في إرشاد الساري: “ وبفرض أنه لم يكن لابساً، فلا يُنافي ما قال في البحر من أنه لا يُسن في طواف الإفاضة، لأنه قد تحلل من إحرامه، ولبس المخيط، والاضطباع في حال بقاء الإحرام. وهذا ظاهر ـ ثم نبه على مسألة نحوها، فقال: ـ ولكن من لبس المخيط لعذر، هل يُسن في حقه التشبه به؟ ولم يتعرض له أصحابنا. وذكر بعض الشافعية: أن الاضطباع إنما يُسن لمن لم يلبس المخيط، أما من لبسه من الرجال، فيُتعذر في حقه الإتيان بالسنة ـ أي: على وجه الكمال ـ فلا يُنافي ما ذكره بعضهم من أنه قد يُقال: يُشرع له جعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن، وطرفيه إلى الأيسر، وإن كان المنكب مستوراً بالمخيط للعذر. قال في عمدة المناسك: وهذا لا يبعد لما فيه من التشبه بالمضطبع عند العجز عن الاضطباع، وإن كان غير مخاطب فيما يظهر. قلت: الأظهر، فعله. فإن ما لا يُدرك كله، لا يُترك كله. ومن تشبّه بقوم فهو منهم”. الرأي المختار: ليس في هذه المسألة من النصوص والأدلة ما يمكن الاعتماد عليه في
الترجيح والاختيار، إلا ما قد مضى تقريره، وترجيحه في مسائل أخرى. والذي أختاره في هذه المسألة، بناءً على ما تقدم، هو القول: بعدم مشروعية الرمل والاضطباع في غير ملابس الإحرام، وذلك لما يلي: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اضطبع، أو رمل وهو غير محرم، أو أنه أمر أحداً بذلك. لم يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم فعلوا ذلك. لا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما اضطبع هو وأصحابه بأرديتهم، وهم مُحْرِمون، فالاضطباع بغير تلك الحال، ليس فيه اقتداء واتباع، بل إحداث وابتداع. مضى تقرير ارتباط كلٍ من الاضطباع والرمل بالآخر 1، فحيث لا يُشرع الاضطباع في حال عدم الإحرام، فكذا لا يُشرع الرمل في تلك الحال. مضى في المسألة السابقة، تقرير اختصاص مشروعية الاضطباع والرمل بطواف القدوم، وترجيح عدم مشروعية طواف القدوم للمراهق 2، الذي لم يدخل قبل الوقوف بعرفة، وبذلك يتبيّن عدم مشروعية الاضطباع والرمل بغير ملابس الإحرام لمن دخل مكة بعد التحلل الأصغر. سيأتي في المسألة التالية، تقرير عدم مشروعية قضاء الاضطباع والرمل في غير وقتهما، وعدم صحة القياس في ذلك. إن القول بأن ما لا يُدرك كله، لا يُترك كله. ومن تشبه بقوم فهو منهم. إنما يصح في حق العاجز عن الفعل، إمّا لمرض، أو ضرر، أو فقد ونحو ذلك. ولا ريب أن من تحلل لا يُقال بأنه عاجز عن لبس إزار ورداء، والاضطباع به. وإنما يُقال: قد فات وقت المشروعية. ففرق بين الحالين. والله أعلم بالصواب.
الفرع الرابع: كيف يصنع من زُحِم في الطواف؟ من لم يتمكن من الرمل بسبب الزحام. فهل يُشرع له الوقوف، ليتمكن من الرمل؟ وهل يكون البُعْد عن البيت أولى من القُرْب منه إذا تمكّن من الرمل معه؟ اتفق العلماء ـ رحمهم الله ـ على أن القرب من البيت مع الرمل أولى، ليجمع بين الرمل والقرب 1، حتى ولو كان عند البيت زحام يسير يتمكن من الوقوف 2 أثناء طوافه
دون إيذاء، أو ضرر يلحقه، أو يُلْحِقه بالآخرين1.قال النووي: “ القُرب من البيت مستحب للطائف، ولو تعذر الرمل مع الزحمة، فإن رجا فُرجة، ولا يتأذى أحد بوقوفه، ولا يضيق على الناس، وقف، ليرمل” 2. واتفقوا أيضاً: على أن البُعد من البيت مع الرمل، أولى من القرب منه مع عدمه 3. قال النووي: “ لأن فضيلة الرمل هيئة للعبادة في نفسها، والقرب من الكعبة هيئة في موضع العبادة لا في نفسها، فكان تقديم ما تعلق بنفسها أولى. والله أعلم” 4.
قال الشافعي: “ فإذا كان زحام لا يمكن معه أن يَخُبَّ، فكان إن وقف، وجد فرجة، وقف. فإذا وجد الفرجة رمل. وإن كان لا يطمع بفرجة، لكثرة الزحام، أحببت أن يصير حاشية في الطواف، فيمكنه أن يرمل، فإنه إذا صار حاشية، أمكنه أن يرمل، ولا أحب ترك الرمل” 1. وقالوا: المحافظة على فضيلة تتعلق بنفس العبادة، أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكانها، أو زمانها2. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “ قال أصحابنا يُستحب للطائف الدنو من البيت في الطواف إلا أن يُؤذي غيره، أو يتأذى بنفسه، فيخرج إلى حيث أمكنه. وكلما كان أقرب، فهو أفضل، وإن كان الأبعد أوسع مطافاً وأكثر خطىً، فإن لم يمكنه الرمل مع القرب، لقوة الازدحام، فإن رجا أن تخف الزحمة، ولم يتأذ أحد بوقوفه، انتظر ذلك، ليجمع بين قربه من البيت، وبين الرمل، فإن ذلك مقدم على مبادرته إلى تمام الطواف. وإن كان الوقوف لا يُشرع في الطواف. قال أحمد: فإن لم تقدر أن ترمل، فقم حتى تجد مسلكاً ثم ترمل. فإن لم يمكنه الجمع بين القرب والرمل. فقال القاضي وغيره: يخرج إلى حاشية المطاف، لأن الرمل أفضل من القرب، لأنه هيئة في نفس العبادة، بخلاف القرب، فإنه هيئة في مكانها” 3.
وأشار بعض الحنابلة إلى أنه إن كان يتمكن من الرمل، أو الدنو من البيت بتأخير الطواف، دون تضرر به، أو برفقته، فهو أولى. ولم يخل من تعقب 1. فإن كان لا يتمكن من الرمل مع البُعْد، أو كان في حاشية المطاف نساء، ويخشى أن يتضرر، أو يتضررن من ذلك، كان الدنو من البيت، أولى 2.
وهل يسقط عنه الرمل في مثل هذه الحال التي لم يتمكن من الرمل فيها على الصفة المشروعة حسب السنة، أو يرمل حسب قدرته وطاقته؟ وهل يتحرك في مشيه إن زُحِم عن الرمل، ويُرِي من نفسه أنه لو أمكنه الرمل لرمل؟ اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: إنه إن لم يتمكن من الرمل على الصفة المشروعة، كما جاءت بها السنة، ترك الرمل، ومشى على عادته. وإلى هذا القول ذهب: الحنفية 1. القول الثاني: إنه يرمل حسب قدرته وطاقته، فإن تعذّر ذلك، مشى مشياً معتاداً على سجيته. وإلى هذا القول ذهب: المالكية، والحنابلة 2.
القول الثالث: إنه إن لم يتمكن من الرمل، تحرك في مشيه، ليُري من نفسه أنه لو أمكنه الرمل، لرمل. وإلى هذا القول ذهب: الشافعية 1. قال الماوردي: “ الرمل مسنون، والدنو من البيت مستحب. فإذا أمكنه الرمل والدنو من البيت، فعلهما معاً، وإن لم يمكنه الرمل مع دنوه من البيت، فله حالان: أحدهما: أن يعلم أنه إذا وقف يسيراً، وجد فرجة، وأمكنه الرمل من غير أن يستضر بوقوفه الطُّوَّاف، فالأولى، أن يقف، ولا يثب من الأرض في وقوفه، لأنه لم يفعله أحد يُقتدى به. والثاني: أن يعلم أنه إن وقف، لم يجد فرجة، أو علم أنه يجد فرجة، لكن إن وقف، استضر بوقوفه الطواف، فهذا يبعد من البيت، ويصير في حاشية الطواف، ليرمل، لأن الرمل أوكد من الدنو من البيت”2. الرأي المختار: بتأمل هذه الأقوال والنظر فيها، نجد أن أصحاب القول الأول، رأوا أن الرمل هيئة مستحبة في الطواف، إن تعذر الإتيان بها على الصفة المشروعة التي جاءت بها السنة، سقطت، ولا حاجة إلى الإتيان ببديل عنها، لأنها صفة لم تأت السنة بها.
وأن من قال بالرمل حسب طاقته وقدرته، فإنهم يتفقون مع هذا القول بأنه إن تعذّر الرمل، مشى على سجيّته، ولم يقولوا بالتحرك أثناء المشي. وإنما قيّدوا الرمل بقدر الاستطاعة، مستأنسين بالعمومات في هذا الباب، نحو قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 1وقوله صلى الله عليه وسلم: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} 2. وقوله صلى الله عليه وسلم: “إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم” 3. وأن هذا نحو ما ذكره العلماء من استحباب إمرار الموسى على رأس من لا شعر له 4. أمّا ما ذهب إليه أصحاب القول الثالث، من التحرك حال المشي، فالذي يظهر: ضعف هذا القول، لأن فيه تكلفاً لم تأت السنة به. وهل غير المستطيع للرمل في حاجة ـ وهو في هذه الحال ـ لأن يُري نفسه، أو غيره عدم قدرته على الرمل؟! وإن كان النووي وغيره من علماء الشافعية قد نصوا على أن هذا القول قد نص عليه الشافعي. فقد نصّ على خلافه. فقال: “ رمل إذا أمكنه الرمل، ومشى إذا لم يمكنه الرمل، سجية مشيه. ولم أحب أن يثب من الأرض وثوب الرمل، وإنما يمشي مشياً”5. فهذا القول فيه موافقة لظاهر السنة، ويتفق مع أقوال المذاهب الأخرى. وهو الأحرى بالأخذ والاعتبار. والله أعلم بالصواب.
الفرع الخامس: قضاء الاضطباع والرمل. سبق بيان حكم الاضطباع والرمل في الطواف، فعلى قول الجمهور بمشروعيتهما واستحبابهما، فلا يترتب على تركهما فدية، ولا محذور. بل ترك للفضيلة. قال النووي: ” ولو ترك الاضطباع والرمل..، في الطواف، فطوافه صحيح، ولا إثم عليه، ولا دم عليه. ولكن فاتته الفضيلة. قال الشافعي والأصحاب: هو مسيء. يعنون إساءة لا إثم فيها” 1. فهل يُشرع لمن تركهما في موضعهما، تدارك ذلك وقضاؤهما فيما بعد؟ ومتى يكون ذلك؟ هذا ما سأتناوله في المسألتين التاليتين: المسألة الأولى: قضاء الاضطباع. مضت الإشارة إلى اختلاف العلماء ـ رحمهم الله ـ في وقت الاضطباع. وهل هو في جميع الطواف، أو في الأشواط التي يُرمل فيها 2؟ ومضت الإشارة أيضاً إلى أن الاضطباع ملازم للرمل ومرتبط به، وأنه لا يعني عدم فعل أحدهما في موضعه لترك الآخر لعذر أو غيره 3. وعلى ذلك: فمن ترك الاضطباع في بعض الأشواط لعذر، أو غيره، فإنه يُشرع له تداركه فيما بقي من الأشواط. قال الشافعي: “ فإن ترك الاضطباع في بعض السبع، اضطبع فيما بقي منه، وإن لم يضطبع بحال، كرهته له، كما أكره له ترك الرمل في الأطواف الثلاثة، ولا فدية عليه، ولا إعادة” 4. وأما القائلون: إن الاضطباع ملازم للرمل في الأشواط الثلاثة، فيكون
تدارك الاضطباع، كتدارك الرمل. وأما من ترك الاضطباع والرمل في طواف القدوم، فسيأتي بيان ذلك في المسألة التالية. المسألة الثانية: قضاء الرمل. اتفق العلماء ـ رحمهم الله ـ القائلون بمشروعية الرمل في الأشواط الثلاثة الأول، على أن من ترك الرمل في الشوط الأول أو الثاني، لا يدعه في باقي الأشواط الثلاثة الأول. وأن من تركه في الأشواط الثلاثة الأول، أو بعضها، لم يقضه في الأربعة الأخيرة، لأنه هيئة في محل، فلا يُقضى في غيره، كمن ترك الجهر بالقراءة في الركعتين الأوليين من صلاة العشاء، لا يقضيه في الأخيرتين ولأن السنة في الأشواط الأربعة الأخيرة المشي، فإذا قضى الرمل في الأربعة أخلّ بالسنة في جميع الطواف، وكان تاركاً للسُّنّتين 1، فإخلاله بسنة أيسر من إخلاله بسنتين 2. قال السرخسي: “ وإن مشى في الثلاثة الأول، أو في بعضها، ثم ذكر ذلك، لم يرمل فيما بقي، لأن الرمل في الأشواط الثلاثة سُنَّة، فإذا فاتت من موضعها، لا تقضى. والمشي على هينته 3 في الأربعة الأخر، من آداب
الطواف، أو من السنن، فإن ترك في الثلاثة الأول ما هو سنتها، لا يترك في الأربعة الأخر ما هو سنتها”1. واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ إن ترك الرمل والاضطباع في طواف القدوم، وقد سعى عقبه 2. فهل يُشرع له قضاؤهما في طواف غيره أو لا؟ اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: إنه لا يُشرع له قضاؤهما. وإلى هذا القول ذهب: الحنفية 3، والشافعية في المذهب 4، والحنابلة في المشهور 5. القول الثاني: إنه يُشرع له قضاؤهما. وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في وجه 6، وبعض الحنابلة 7.
القول الثالث: إنه يُشرع له قضاء الرمل إذا لم يطف للقدوم قبل الوقوف بعرفة 1، سواء أكان تركه لطواف القدوم بعذر، أم لا. ولا يُشرع له قضاء الرمل إذا طاف للقدوم وترك الرمل، سواء أكان تركه للرمل بعذر، أم لا. وإلى هذا القول ذهب: المالكية 2. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، بما يلي: من فاته الرمل في الطواف، لم يقضه فيما بعده، كمن تركه في الثلاثة الأول، لا يقضيه في الأربعة الأخيرة 3. من فاته الرمل والاضطباع، لم يقضه في طواف غيره، كمن فاته الجهر في الصبح، لم يقضه في الظهر 4. لا يقتضي القياس أن تُقْضى هيئة عبادة في عبادة أخرى 5.
واستدل القول بمشروعية القضاء1، بما يلي: إنه سنة أمكن قضاؤها، فتقضى، كسنن الصلاة 2. إنه إن لم يقضهما، فاتته سنة الرمل والاضطباع 3. الرأي المختار: ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، القائلون بعدم مشروعية قضاء الاضطباع والرمل إذا تركهما في وقتهما المشروع لهما، هو الرأي المختار، لما يلي: تقدم في الفرع الأول من هذا المطلب: ترجيح القول باختصاص الاضطباع والرمل في طواف القدوم. فلا يُشرعان في غيره. قوة ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن مَن ترك الاضطباع والرمل، لا يُشرع له قضاؤهما، لأنهما سنتان مضى وقتهما، فلا تُقضيان في غيره. إن قياس قضاء الاضطباع والرمل على قضاء سنن الصلاة، لا يصح، لأن القياس لا يقتضي قضاء هيئة عبادة في عبادة أخرى. إن قياس الاضطباع والرمل في الطواف على الجهر بالقراءة في الصلاة، أقرب من القياس على سنن الصلاة، لأن كلا منهما هيئة عبادة. إن الاتفاق على عدم مشروعية قضاء الرمل في الأشواط الأربعة الأخيرة، يعضد القول بعدم قضائهما في طواف آخر. والله أعلم.
المطلب السابع: من يشرع له الاضطباع والرمل.
المطلب السابع: من يُشرع له الاضطباع والرمل. اتفق العلماء ـ رحمهم الله ـ على أن الاضطباع والرمل مشروعان للرجال1. واتفقوا أيضاً: على أنهما لا يُشرعان للنساء 2. وحكاه ابن المنذر، وابن عبد البر إجماعاً3. وقال النووي: “ الاضطباع مسنون للرجال، ولا يُشرع للمرأة بلا خلاف” 4. لأنهما شُرعا لإظهار الْجَلَد، وليس مطلوباً منهن. بل إنما يُقصد فيهن الستر، وفي الاضطباع والرمل، تعرّض للانكشاف 5.
وقال الشافعي: “ وليس على النساء رمل بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، ويمشين على هينتهن، وأحب للمشهورة بالجمال أن تطوف وتسعى ليلاً. وإن طافت بالنهار سدلت ثوبها على وجها، أو طافت في ستر”1. وقال الشيرازي: “ ولا ترمل المرأة ولا تضطبع، لأن في الرمل تبين أعضاؤها، وفي الاضطباع، ينكشف ما هو عورة منها” 2. وقال البكري: “ لا يُسن لها الرمل، ولو ليلاً، ولو في خلوة، لأن بالرمل تتبين أعطافها، وفيه تشبه بالرجال. قال في التحفة: بل يَحْرم إن قصدت التشبه. ومثل الرمل في ذلك الاضطباع. ومثل الأنثى الخنثى” 3. وقد دلّ على منع الاضطباع والرمل للنساء آثار عن الصحابة رضي الله عنهم 4،
فمن ذلك: عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: “ليس على النساء رمل بالبيت، ولا بين الصفا والمروة”1. وعنه رضي الله عنه أنه قال: “ليس على النساء سعي بالبيت، ولا بين الصفا والمروة”2. وعن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: على النساء رمل؟ فقالت: “أليس لَكُّنَّ بنا أسوة! ليس عليكن رمل بالبيت، ولا بين الصفا والمروة”3. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: “ليس على النساء رمل” 4. واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في مشروعية الاضطباع والرمل للصبي، وفي مشروعيتهما لأهل مكة، وللراكب والمحمول. وسأعرض لذلك في الفروع التالية: الفرع الأول: الاضطباع والرمل للصبي. اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في مشروعية الاضطباع والرمل للصبي
على قولين: القول الأول: يُشرع للصبي الاضطباع والرمل، كالرجل. وإلى هذا القول ذهب: جمهور العلماء القائلين بمشروعيتهما، من الحنفية، والمالكية في المشهور، والحنابلة، والأصح عند الشافعية 1. القول الثاني: لا يُشرع له الاضطباع، ولا الرمل، لأنه ليس من أهل الجلد. وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في وجه 2. وأطلق خليل الخلاف فيه. فقال: “ وفي الرمل بالمريض والصبي، خلاف” 3. الرأي المختار: ما ذهب إليه الجمهور من مشروعية الاضطباع والرمل للصبي، هو الرأي المختار، لأن الصبي ملحق بالرجل في أحكامه، ومنها ملابس إحرامه،
ومحظوراته، إذ يُحْرِم في إزار ورداء، فيكون ملحقاً به في هيئة أفعاله من اضطباع ورمل..، وقد مضى تقرير أن الاضطباع والرمل وإن شُرعا في الأصل لإظهار الجلادة، إلا أنهما سنتان ثابتتان بعد ذهاب سببهما، وليسا لإظهار القوة أو الجلادة فإن شق على الصبي فعلهما، لزحام، أو ضرر ونحو ذلك، فيكون حكمه حكم العاجز عن أدائهما. والله أعلم. الفرع الثاني: الاضطباع والرمل لأهل مكة. اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في مشروعية الاضطباع والرمل لأهل مكة، أو لمن أحرم منها من غير أهلها. على قولين: القول الأول: لا يُشرع الاضطباع والرمل إلا للآفاقي، الذي يأتي إلى مكة من خارجها. أما أهل مكة، ومن يُحْرِم منها من غير أهلها، فلا يُشرع لهم الاضطباع. وإلى هذا القول ذهب: الشافعي في القديم1، والحنابلة 2، وهو مروي عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم 3، والحسن، وعطاء 4. قال الترمذي: “ قال بعض أهل العلم ليس على أهل مكة رمل، ولا على من أحرم منها” 5.
القول الثاني: يُشرع الاضطباع والرمل لأهل مكة، ومن أحرم منها، كما يُشرع لغيرهم. وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في المذهب1، والمالكية في المشهور2، وهو مروي عن مجاهد 3. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، بما يلي: عن نافع قال: “إن عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان إذا أحرم من مكة، لم يطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى، وكان لا يرمل إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة” 4.
وسئل عطاء عن المجاور إذا أهلّ من مكة، هل يسعى الأشواط الثلاثة؟ قال: إنهم يسعون. فأما ابن عباس فإنه قال: “إنما ذلك على أهل الآفاق” 1. إن الرمل إنما شُرع في الأصل لإظهار الْجَلَد والقوة لأهل البلد. وهذا المعنى معدوم في أهل البلد 2. الاضطباع سنة الرمل. فمن لا يُشرع له الرمل، لا يُشرع له الاضطباع، كالنساء3. واستدل أصحاب القول الثاني، بما يلي: إن الرمل سنة ثابتة بعد زوال سببها، فيستوي فيها المكي وغيره 4. إنه يُشرع في كل طواف يعقبه سعي، فيستوي في ذلك المكي وغيره 5. الرأي المختار: ليس في هذه المسألة نصوص من السنة يُعتمد عليها في الترجيح أو الاختيار. ولعل ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، القائلون: بعدم استحباب الاضطباع والرمل للمكي، وللمحرم منها من غير أهلها، هو أولى الرأيين
بالاختيار. وذلك لما يلي: مضى تقرير أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمل في طوافه الأول في حجته. وأهل مكة لم يطوفوا مع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الطواف، ليقتدوا به في ذلك. مضى أيضاً تقرير أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في طواف الإفاضة1، ولم يثبت أنه أمر أهل مكة بالرمل فيه. وهو الطواف الذي يختص به المكي. فظاهر هذا أن أهل مكة لم يرملوا في حجهم مع النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً. إن ما استدل به أصحاب القول الأول من الرواية عن بعض الصحابة رضي الله عنه في التفريق بين المكي وغيره، يعضد هذا القول ويقوِّيه. والله أعلم. الفرع الثالث: الاضطباع والرمل للراكب، والمحمول 2.
المراد بالراكب: من طاف راكباً على دابة، كبعير ونحوه 1. فهل يُشرع له الاضطباع والرمل، بأن تُحرَّك الدابة أثناء سيرها، أو لا يُشرع له ذلك؟ والاضطباع تبع للرمل في ذلك 2. والمراد بالمحمول: من طِيف به محمولاً على ظهر إنسان، أو على رأسه، لصغر، أو عجز3.فهل يُشرع له الاضطباع والرمل. بأن يُسرِع به الحامل، كهيئة الرامل، أم لا يُشرع له ذلك؟
اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في ذلك على قولين: القول الأول: لا يُشرع للراكب ولا للمحمول، الاضطباع ولا الرمل. وإلى هذا القول ذهب: الحنفية والحنابلة في المشهور 1، والمالكية في وجه 2، والشافعية في قول 3. القول الثاني: يُشرع لهما الاضطباع والرمل. سواء أكان الراكب والمحول بالغاً، أم صبياً، أم مريضاً. وإلى هذا القول ذهب: المالكية في المشهور4، والشافعية في الأصح 5،
ووجه عند الحنابلة 1. قال ابن جماعة: “ وإن طاف راكباً أو محمولاً، فالأصح عندهم ـ أي: الشافعية ـ أنه يرمل الحامل، سواء أكان المحمول بالغاً، أم صبياً. ويحرك الدابة. وفي قول قديم: لا يرمل الحامل بالمحمول، ولا يحرك الدابة”2. الأدلة: احتج أصحاب القول الأول، بما يلي: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا أمر به 3. إن الرمل بالراكب والمحمول، لا يتحقق به معنى الرمل من إظهار الجلادة والقوة 4. إن الدابة والحامل قد يؤذيان الطائفين بالحركة 5. إن من لا يُشرع له الرمل، لا يشرع له الاضطباع 6.
واحتج أصحاب القول الثاني، بما يلي: بعموم قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 1. وقوله صلى الله عليه وسلم: “إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم” 2. فالراكب والمحمول يُشرع لهما الإتيان بما يستطيعانه. وهما يستطيعان الرمل بغيرهما. فيأتيان به. إن الرمل في هيئته، كحركة الراكب والمحمول 3. إن الرمل سُنَّة ثابتة بعد زوال سببها، فيستوي فيها القوي وغيره 4. الرأي المختار: ليس في هذه المسألة من النصوص ما يُستعان به على ترجيح أحد الرأيين واختياره. وما ذهب إليه أصحاب القول الأول، القائلون: بعدم مشروعية الاضطباع والرمل للراكب والمحمول. هو الرأي الذي أختاره، وذلك لما يلي: إن ما استدل به أصحاب القول الثاني من العمومات، قد لا تحتمله هذه المسألة، ولا يدخل فيها. إذ أن نسبة الرمل للطائف من خلال تحريك الدابة، أو سرعة الحامل، فيه بُعْد ظاهر. إن من طاف راكباً أو محمولاً، فإنما فعل ذلك لعجزه، وبالعجز تسقط الواجبات، فضلا عن السنن والمندوبات. والله أعلم.
الخاتمة
الخاتمة وبعد هذا التجوال في هذه الأسفار، وتتبع جُلّ النصوص الواردة في الاضطباع والرمل في الطواف، والوقوف على ما قاله طائفة من العلماء الفضلاء، والأئمة النجباء، من حِكَم وأحكام استنبطوها من ظواهر تلك النصوص وإشاراتها، يمكن إبراز أهم ما توصلت إليه من نتائج فيما يلي: الاضطباع والرمل في الطواف فعلان مترابطان، يُشرعان معاً، وأحكامهما وأدلتهما متقاربة، ولذا فإن كثيراً من العلماء يُصرِّحون بهذا التلازم والترابط بينهما. الاضطباع في الطواف: هو أن يُجعل وسط الرداء من تحت الإبط الأيمن، يُغطَى به العاتق الأيسر. ويكون المنكب الأيمن مكشوفاً. سُمِّي به لإبداء أحد الضَّبْعَيْن. الرَّمَل في الطواف: هو الإسراع في المشي مع تقارب الْخُطى، من غير وثب، ولا عدوٍ، ويهز الكتفين في مشيه، كالمبارز الذي يتبختر بين الصفين. وهو الْخَبَب. لا تعارض بين من أطلق المشي، أو أغفل ذِكْرَه في تعريف الرمل، إذ مراد الجميع أن يكون مشياً فيه سرعة. لا تعارض بين وَصْف الرمل بأنه هرولة، أو دونها، إذ الجميع متفقون على أن الرمل ليس عدواً سريعاً، أو سعياً شديداً. التحذير مما يفعله بعض العوام من الجري في طواف القدوم. فإن الرمل المسنون، أن يهزّ منكبيه، وأن يُسرع في مشيه، دون الجري. دلّ على مشروعية الاضطباع والرمل في الطواف أحاديث كثيرة، جاء ذكرها في ثنايا البحث.
الأصل في مشروعية الاضطباع والرمل، أن المشركين قالوا: قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم مكة في عمرة القضية سنة سبع: إنه يقدم عليكم غداً قوم وَهَنَتْهُم الْحُمَّى.. إن العبادة قد تُشرع أولاً لسبب، ثم يزول ذلك السبب، وتبقى عبادة وقُرْبة، كما هو الحال في: الاضطباع والرمل. إن من حكمة بقاء مشروعية الاضطباع والرمل بعد زوال العلة، تَذَكُّر ما أنعم الله به على عباده المؤمنين من العِزَّ والكثرة، بعد الضعف والقلة. إن الاضطباع والرمل سنتان باقيتان، وشعيرتان ثابتتان، وإن زال سببهما، وذهب وقت الحاجة إليهما. يرى المالكية مشروعية الرمل لكل مُحْرِم، سواء أحرم من المواقيت أم من دونها، كالتنعيم. إلا أن مشروعية الرمل لهما مختلفة. فمن أحرم من المواقيت، فيُسن له الرمل. وأما من أحرم من دونهما فيُندب له الرمل. وَهِمَ ابن رشد ـ في بداية المجتهد ـ في عزو القول بوجوب الدم بترك الرمل للجمهور. الصحيح أنه ليس على من ترك الاضطباع أو الرمل شيء. الاضطباع والرمل من أعمال الطواف، فيكون فعلهما, وقت ابتداء الشروع في الطواف. ولا بأس من الاستعداد بالاضطباع، قبل الشروع فيه بوقت يسير. إن الرمل إنما يُشرع ويُسن في الأشواط الثلاثة الأُوَل من الطواف، وأن السنة في الأربعة الأُخر، إنما هو المشي المعتاد. نبّه ابن القيم في زاد المعاد على وَهْمٍ فاحش لابن حزم، حيث زعم أنه صلى الله عليه وسلم رمل في السعي ثلاثة أشواط ومشى أربعة.
إن الرمل يكون في الأشواط الثلاثة الأول كلها. فيرمل من الْحَجَر الأسود إلى أن يعود إليه، لا يمشي في شيء من ذلك. إن من ترك الرمل في الثلاثة الأول، لم يقضه في الأربعة الباقية، لأنها هيئة فات موضعها، فسقطت، كالجهر في الركعتين الأوليين، ولأن السنة في الأشواط الأربعة الأخيرة المشي، فإذا قضى الرمل في الأربعة الأخيرة، أخلّ بالسنة في جميع الطواف. وكان تاركاً للسنّتين، فإخلاله بسنة، أيسر من إخلاله بسنّتين. الأقرب في تأويل فعل ابن الزبير رضي الله عنه من أنه كان يرمل في طوافه كله: ما جاء من أنه كان يُسْرِع المشي في الطواف. فكان الناظر إليه يحسبه يرمل الأشواط كلها. إن الاضطباع يكون في الطواف الذي يُرمل فيه، وأنه سنة في جميع الطواف. إن الاضطباع خاص بالطواف، فلا يُستحب استدامته في ركعتي الطواف. بل إن الصلاة على هذه الهيئة مكروهة، فإذا فرغ من طوافه ستر عاتقيه. الاتفاق على أن الاضطباع والرمل يُشرعان في طواف القادم إلى مكة معتمراً، أو حاجاً، إذا سعى بعده. إن الاضطباع والرمل لا يُشرعان إلا في طواف القدوم، أو طواف العمرة، سواء سعى بعده أم لا، لأن الاضطباع والرمل إنما يكونان في الطواف الأول حين يقدم إلى مكة. لا يُشرع الاضطباع والرمل في غير ملابس الإحرام، إذ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اضطبع أو رمل وهو غير محرم، أو أنه أمر أحداً بذلك. إن الاضباع بغير ملابس الإحرام، ليس فيه اقتداء واتباع، بل فيه
إحداث وابتداع. الاتفاق على أن القُرْب من البيت مع الرمل أولى، لما فيه من الجمع بين الفضيلتين. الاتفاق على أن البُعْد من البيت مع الرمل، أولى من القُرْب منه مع عدم الرمل، لأن المحافظة على فضيلة تتعلق بنفس العبادة، أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكانها أو زمانها. القول: بأن من يتمكن من الرمل، أو القرب من البيت بتأخير الطواف دون تضرر به، أو برفقته، فهو أولى. لم يخل من تعقب. إن كان الطائف لا يتمكن من الرمل مع البُعد، أو كان في حاشية المطاف نساء، ويخشى أن يتضرر هو، أو يتضررن من ذلك، كان القُرب من البيت أولى. من لم يتمكن من الرمل على الصفة المشروعة، رمل حسب قدرته وطاقته، فإن تعذّر عليه ذلك، مشى مشياً معتاداً على سجيّته. من ترك الاضطباع في بعض الأشواط لعذر أو غيره، فإنه يُشرع له تداركه فيما بقي من الأشواط. عدم مشروعية قضاء الاضطباع والرمل إذا تُركا في الطواف المشروع لهما. الاتفاق على أن الاضطباع والرمل مشروعان للرجال. الاتفاق على أن الاضطباع والرمل لا يُشرعان للنساء، وحكاه بعضهم إجماعاً. مشروعية الاضطباع والرمل للصبي، لأنه ملحق بالرجل في أحكامه، ومنها ملابس الإحرام، إذ يُحرم في إزار ورداء. فيكون ملحقاً به في هيئة أفعاله من اضطباع ورمل.
لا يُشرع الاضطباع والرمل إلا للآفاقي، الذي يأتي إلى مكة من خارجها. أما أهل مكة، ومن أحرم منها من غير أهلها، فلا يُشرع لهم الاضطباع. لا يُشرع للراكب، ولا للمحمول الاضطباع ولا الرمل. هذا ما يسر الله تقييده، والحمد لله آخراً كما بدأ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
مصادر ومراجع
مصادر ومراجع ... ثبت المصادر والمراجع مرتبة على حسب حروف الهجاء إيضاح الإشارات الواردة في هذا الثبت: “ ط = طبعة” “ ن = ناشر” “ ت = تحقيق” “ م = مكتبة”. 1- القرآن الكريم. “ لم ألتزم بترتيبه لشرفه “. 2- الإجماع. لأبي بكر محمد بن المنذر. ت/ البارودي، ن/ مؤسسة الكتب الثّقافية، ط/ الأولى 1406هـ 3- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان. لعلي بن بلبان. ن/دار الكتب العلمية، ط/ الأولى1407هـ 4- أحكام القرآن. لأبي بكر أحمد الجصاص. ت/قمحاوي، ن/دار إحياء التراث العربي، ط/ 1405هـ 5- أخبار مكة، لمحمد بن إسحاق الفاكهي. ت/د. ابن دهيش. ن/ دار خضر. ط/ الثانية 1414هـ. 6- إرشاد الساري إلى مناسك الملا علي القاري، لحسين عبد الغني، ن/ المكتبة التجارية الكبرى. 7- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، للألباني، ن/ المكتب الإسلامي، ط/الأولى1399هـ 8- الاستذكار … لأبي عمر بن عبد البر. ط/ الأولى 1414هـ. 9- الأشباه والنظائر. لعبد الرحمن السيوطي. ن/ دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1403هـ 10- إعانة الطالبين. للسيد البكري الدمياطي، ن/ دار الفكر.
11- الإفصاح عن معاني الصحاح. للوزير ابن هبيرة. ن/ المؤسسة السعدية. 12- الإقناع لطالب الانتفاع. لموسى الحجاوي. ت/د. التركي، ن/دار هجر، ط/الأولى1418هـ 13-الأم. للإمام محمد بن إدريس الشافعي. ن / دار إحياء التراث. 14- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف. لعلاء الدين المرداوي. ت/د. التركي.” مطبوع مع الشرح الكبير”. 15- إيضاح المناسك على مذهب مالك، لحسين الأزهري. ن/ المطبعة الميرية بمكة 1326هـ 16- البحر الرائق شرح كنز الدقائق. لابن نُجيم، زين الدين بن إبراهيم ن/دار المعرفة. 17- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. لأبي بكر الكاساني. ن /دار الكتاب العربي. ط / الثانية 1402هـ 18- بداية المبتدي. للمرغيناني “ مطبوع مع فتح القدير”. 19- بداية المجتهد ونهاية المقتصد. لأبي الوليد بن رشد “الحفيد” ن/مكتبة الحلبي. ط/الرابعة 1395هـ. 20- البداية والنهاية، لأبي الفداء، إسماعيل بن كثير. ن/ مكتبة المعارف 21- بلغة السالك على الشرح الصغير. لأحمد الصاوي “ مطبوع مع الشرح الصغير”. 22- البيان والتحصيل..، لأبي الوليد ابن رشد “ الجد” ت/ الحبابي. ن/ دار الغرب الإسلامي. ط/1404هـ 23- التاج والإكليل لمختصر خليل. لأبي عبد الله العبدري، الشهير بالمواق “مطبوع مع مواهب الجليل”. 24- تحرير ألفاظ التنبيه. للنووي. ن/دار القلم. ط/ الأولى 1408هـ
25- تحفة الفقهاء. لمحمد بن أحمد السمرقندي. ن/ دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1405هـ 26- ترتيب مسند الشافعي. لمحمد السندي. ن/دار الكتب العلمية. 27- التعريفات. لعلي الجرجاني. ن/ دار الكتب العلمية، ط/ الأولى 1403 27م- تفسير الطبري = جامع البيان 28- تقريب التهذيب. لابن حجر العسقلاني. ت/ أبي الأشبال. ن/ دار العاصمة. ط/ الأولى 1416هـ 29- تلخيص الحبير ... لابن حجر العسقلاني. ن/دار المعرفة. 30- التمهيد لما في الموطأ..، لأبي عمر، يوسف بن عبد البر. ن/ وزارة الأوقاف بالمغرب. ط/ الثانية 1402هـ 31- تنوير المقالة في حل ألفاظ الرسالة، للتتائي. ت/د. شبير. ط/1409?. 32- التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح. لأحمد الشويكي. ت/الميمان، ن/المكتبة المكية، ط/الثالثة1419هـ 33- الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير. للسيوطي “ مطبوع مع فيض القدير” ن/ دار المعرفة. 34- حاشية ابن عابدين = حاشية ردّ المحتار. لمحمد أمين، ن/مكتبة الحلبي، ط/ الثانية 1386هـ 35- حاشية عثمان النجدي. “ مطبوع مع منتهى الإرادات”. 36- الحاوي الكبير شرح مختصر المزني. لعلي الماوردي. ت/معوض وعبد الموجود، ن/دار الكتب العلمية 37- حلية الأولياء..، لأبي نعيم الأصبهاني. ن/ دار الكتاب العربي. ط/ الثالثة 1400هـ 38- حلية العلماء. للقفال الشاشي. ت/د. دراكة. ن/ مؤسسة الرسالة.
ط/الأولى1400هـ 39- الدر المختار شرح تنوير الأبصار. لمحمد الحصكفي. “ مطبوع مع حاشية ابن عابدين”. 40- دقائق المنهاج، للنووي. ت/ الغوج. ن/ المكتبة المكية. ط/ الأولى. 1996م 41- رحلة الصديق إلى البيت العتيق. لصديق حسن خان. ط/ 1381هـ الهند 42- رسالة أبي زيد القيرواني. “ مطبوعة مع تنوير المقالة”. 43- الروايتين والوجهين. للقاضي أبي يعلى. ت/ د. عبد الكريم اللاحم. ط/ الأولى 1405هـ 44- روضة الطالبين. لشرف الدين النووي، ن/ المكتب الإسلامي، ط/ الثانية. 45- زاد المعاد..، لابن قيم الجوزية. ن/ مؤسسة الرسالة. ط/ الثانية 1401 46- سنن الترمذي. لأبي عيسى محمد الترمذي، ن/دار الفكر. 47- سنن الدارقطني. لعلي الدارقطني. ن / دار المحاسن. 48- سنن الدارمي. لأبي محمد عبد الله الدارمي، ن/دار إحياء السنة النبوية. 49- سنن أبي داود. لأبي داود سليمان بن الأشعث، ن/دار الفكر. 50- السنن الكبرى. لأبي بكر البيهقي. ن/ مكتبة المعارف. مصور عن الطبعة الأولى 1354 هـ. 51- سنن ابن ماجة. لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني. ت/محمد عبد الباقي، ن/ المكتبة العلمية. 52- شرح الإيضاح في مناسك الحج. للنووي. ت/ غيث. ط/ الرابعة 1405 هـ 53-شرح الزرقاني على الموطأ. لمحمد الزرقاني. ن/ دار الكتب العلمية. ط/
الأولى 1411هـ 54- شرح الزركشي على مختصر الخرقي. لمحمد الزركشي. ت/الجبرين، ن/مكتبة العبيكان، ط/الأولى1413هـ 55- شرح صحيح مسلم، للنووي. ن/ دار الفكر، ط/1401هـ 56- الشرح الصغير على أقرب المسالك. لأبي البركات أحمد الدردير. ن / مطبعة الحلبي. 57- شرح العمدة في الفقه. لشيخ الإسلام ابن تيمية. ن/ م العبيكان. ط/ الأولى 1413هـ 58- الشرح الكبير على المقنع. لشمس الدين عبد الرحمن بن قدامة. ت/د. التركي. ط/الأولى 1414 هـ 59- شرح معاني الآثار. لأحمد الطحاوي. ن/ دار الكتب العلمية. ط/ الثانية 1407هـ 60- شرح منتهى الإرادات. لمنصور البهوتي. ن/ دا رالفكر. 61- الصحاح. لإسماعيل الجوهري. ت/ أحمد عطار. ط/ الثانية 1402?. 62- صحيح البخاري. لمحمد بن إسماعيل البخاري. ن/ المكتبة الإسلامية، استانبول. 63- صحيح ابن خزيمة. لأبي بكر محمد بن خزيمة. ت/الأعظمي، ط/ الثانية 1401هـ 64-صحيح مسلم. لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري. “ مطبوع شرح النووي” ن / دار الفكر. 65- طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية. لنجم الدين النسفي. ن/ دار القلم. ط/ الأولى 1406هـ 66- عون المعبود شرح سنن أبي داود. للعظيم آبادي. ن/ دار الكتب العلمية. ط/ الثانية 1415هـ
67- غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، ن/دار الكتاب العربي، ط/مصورة عن الطبعة الأولى. 68- الفائق في غريب الحديث. للزمخشري. ت/علي البجاوي ومحمد إبراهيم، ن/عيسى الحلبي، ط/ الثانية. 69- فتاوى قاضيخان. “ مطبوع مع الفتاوى الهندية” 70- الفتاوى الهندية. مجموعة من علماء الهند. ن/ دار إحياء التراث العربي. ط/ الثالثة. 1400هـ 71- فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، ن/ إدارات البحوث العلمية بالمملكة. 72- فتح القدير شرح الهداية. لابن الهمام. ن /مكتبة الحلبي. ط / الأولى 1389 هـ. 73- فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب. لزكريا الأنصاري. ن/ دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1418هـ 74- الفروع. لأبي عبد الله محمد بن مفلح. ن/ عالم الكتب. ط / الرابعة 1405 هـ. 75- القاموس المحيط. للفيروز آبادي. ن/ مؤسسة الرسالة. ط / الأولى 1406 هـ. 76- القِرى لقاصد أم القرى. لمحب الدين الطبري. ن/مصطفى الحلبي، ط/الثانية 1390هـ 77- القوانين الفقهية = قوانين الأحكام الشرعية. لابن جزي المالكي. ن / عالم الفكر. ط / الأولى. 78- كتاب الآثار. لأبي يوسف، يعقوب بن إبراهيم الأنصاري. ن/ دار الكتب العلمية. ط/1355 هـ 79- كتاب الحجة على أهل المدينة. لمحمد بن الحسن الشيباني. ن/ عالم
الكتب. ط/ الثالثة 1403هـ 80- كشاف القناع عن متن الإقناع. لمنصور البهوتي. ن/مطبعة الحكومة بمكة، ط/1394هـ 81- كفاية الطالب. لأبي الحسن المالكي. ت/ البقاعي. ن/ دار الفكر. ط/ 1412هـ 82- لباب المناسك. للسندي. " مطبوع مع إرشاد الساري". 83- لسان العرب. لمحمد بن منظور. ن / دار صادر. 84- المبدع في شرح المقنع. لبهان الدين إبراهيم بن مفلح. ن/ المكتب الإسلامي، ط/1980م. 85- المبسوط. لشمس الدين السرخسي. ن / دار المعرفة بيروت. مصورة 1406 هـ 86- المبسوط للشيباني. لمحمد بن الحسن الشيباني. ت/ الأفغاني. ن/ دار القرآن كراتشي. 87- مجلة البحوث الإسلامية، الأعداد " 50، 53". 88- المجموع شرح المهذب. للنووي. ن/دار الفكر، ط/ الأولى 1417هـ 89- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية. جمع ابن قاسم. ن/ مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف 1415هـ 90- المحرر في الفقه. لمجد الدين أبي البركات بن تيمية. ن/مطبعة السنة المحمدية. 1369هـ 91- المحلى. لابن حزم. ت / أحمد شاكر. ن / دار التراث. 92- مختصر الخِرَقي. لعمر بن حسين الخرقي. ن/مؤسسة الخافقين، ط/الثالثة1402هـ 93- المستدرك على الصحيحين. لأبي عبد الله الحاكم. ن/ دار المعرفة. 94- مسند. الإمام أحمد بن حنبل، ن/ المكتب الإسلامي. ط/ الخامسة.
95- مسند الإمام أحمد “ الموسوعة الحديثية” ت/ مجموعة من الباحثين. ن/مؤسسة الرسالة. ط/1414هـ 96- مسند الإمام الشافعي. بترتيب السندي. ن/دار الكتب العلمية. ط/ 1370هـ 97- مسند الطيالسي، لسليمان بن الجارود الطيالسي. ن/ دار المعرفة. 98- منسك خليل. لخليل بن إسحاق المالكي. ت/ الأصمعي. ن/م دار الكتاب العربي. ط/ الأولى 1369هـ 99- منسك ملا القاري= المنسك المتقسط في المنسك المتوسط. لملا علي القاري “ مطبوع مع إرشاد الساري”. 100- المصباح المنير. للفيومي. بدون ناشر، أو تاريخ للنشر. 101- المصنف. لعبد الرزاق الصنعاني. ت/ حبيب الرحمن الأعظمي. ط/ الثانية 1403هـ 102- المصنف. لأبي بكر بن أبي شيبة. ت/ الحوت، ن/مكتبة الرشد، ط/ الأولى 1409هـ 103- معالم السنن. لأبي سليمان حمد الخطابي. ن/ المكتبة العلمية. ط/ الثانية 1401هـ 104- معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية. لعاتق البلادي. ن/ دار مكة. ط/ الأولى 1402هـ 105- معجم مقاييس اللغة. لأحمد بن فارس. ن/ دار الفكر. ط/ 1399هـ 106- المغرّب في ترتيب المعرب. لناصر المطرزي. ن/ دار الكتاب العربي. بيروت. 107- المغني شرح مختصر الخرقي. للموفق أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي. ت/د. التركي، ود. الحلو. ن/دار هجر. ط/الثانية. 108- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج. لمحمد الشربيني الخطيب،
ن/ الحلبي. ط/ 1377هـ 109- مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام. لعبد الله الجاسر. ط/ الثالثة 1412هـ 110- المقنع شرح مختصر الخرقي. لأبي علي بن البنا. ت/د. البعيمي. ن/مكتبة الرشد. ط/الأولى 1414 هـ. 111- المقنع في فقه الإمام أحمد. لموفق الدين أبي محمدعبد الله بن قدامة. ن/ م الرياض الحديثة. ط/1400هـ 112- المنتقى لابن الجارود. لعبد الله بن الجارود النيسابوري. ن/ مؤسسة الكتاب الثقافية. ط/الأولى 1408هـ 113- منتهى الإرادات. لابن النجار، محمد بن أحمد الفتوحي. ت/ د. التركي. ط/ الأولى 1419 114- المهذب. للشيرازي. “ مطبوع مع شرحه المجموع” 115- مواهب الجليل لشرح مختصر خليل. للحطاب. ن/دار الفكر. ط/الثانية 1398 هـ 116- الموطأ. للإمام مالك بن أنس. ترقيم محمد عبد الباقي، ن/دار إحياء الكتب العربية. 117- النهاية في غريب الحديث. لابن الأثير. ن/ المكتبة الإسلامية. 118- نيل الأوطار، شرح منتقى الأخبار. لمحمد بن علي الشوكاني. ن/مكتبة الدعوة الإسلامية، شباب الأزهر. 119- هداية السالك، إلى المذاهب الأربعة في المناسك. لعز الدين بن جماعة الكناني. ت/ د. عتر. ط/ الأولى 1414هـ 120- الهداية شرح بداية المبتدي. “ مطبوع مع شرح فتح القدير”. 121- الوسيط. لأبي حامد محمد الغزالي. ن/ دار السلام. ط/ الأولى.