أحكام الاضطباع والرمل في الطواف

عبد الله بن إبراهيم الزاحم

مقدمة

المقدمة الحمد لله الذي وعد المحسنين بجزيل الإنعام، والصلاة والسلام على أفضل من صلى وقام، وحج وصام، وطاف بالبيت الحرام. أما بعد: فقد كتبت ـ بفضل الله وتوفيقه ـ بحوثاً عدّة حول الطواف، نُشرت ـ بحمد الله وتوفيقه ـ في مجلة البحوث الإسلامية، التابعة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء. فرأيت من المناسب أن أستكمل جوانب الموضوع، فأتناول السنن والمستحبات. ولم أر ما يمنع تجزئة الكتابة فيها، ليكون أيسر للإنجاز، وأدعى لمواصلة العمل حسب الطاقة والجهد. وابتدأت ذلك بالاضطباع، لأنه أول السنن التي يقوم بها من أراد الشروع في الطواف. قال ابن الهمام: ((وينبغي أن يضطبع قبل الشروع في الطواف بقليل)) (1) . وقَرَنْت معه الرمل، لاشتراكهما في كثير من الأحكام. والله أسأل أن يُعين على الإتمام، وأن يُهيأ الأسباب لبحث بقية الجوانب الأخرى المتعلقة بالطواف. وقد سميته بـ: (أحكام الاضطباع والرمل في الطواف) * خطة البحث: قسمت البحث إلى مقدمة، وتمهيد، وسبعة مطالب، وخاتمة. أما المقدمة: فقد ضمنتها: الافتتاحية، وأهمية الموضوع، وخطته، ومنهجه. وأما التمهيد: فأوضحت فيه علاقة الرمل بالاضطباع، وما بينهما من ارتباط في الأحكام. وأما المطالب: فهي على النحو التالي:

_ (1) فتح القدير 2/452.

المطلب الأول: تعريف الاضطباع والرمل. المطلب الثاني: دليل مشروعية الاضطباع والرمل. المطلب الثالث: الحكمة من مشروعية الاضطباع والرمل. المطلب الرابع: حكم الاضطباع والرمل. المطلب الخامس: وقت الاضطباع والرمل. المطلب السادس: الطواف الذي يُشرع فيه الاضطباع والرمل , المطلب السابع: من يُشرع له الاضطباع والرمل. وأما الخاتمة: فضمنتها خلاصة البحث، وما توصلت إليه من نتائج. * منهج البحث: سلكت في كتابة هذا البحث، وجمع مادته العلمية، المنهج التالي: 1. جمعت المادة العلمية من مصادرها المعتمدة، سواء أكانت من الفقه العام، أم من فقه المناسك. 2. رقّمت الآيات القرآنية الواردة، وعزوتها إلى سورها. 3. خرّجت الأحاديث النبوية، وآثار الصحابة (.فإن كانت في الصحيحين، أو أحدهما اكتفيت بتخريجه منهما، وإن كان في غيرهما، اجتهدت في تخريجه من كتب السنة المعتمدة، وبيان درجته صحة، أو ضعفاً، مستعيناً في ذلك - بعد الله - بأقوال علماء الحديث قديماً وحديثاً. عند تخريج الحديث أشير إلى اسم الكتاب والباب، وإلى ما يُحدد ذلك من أرقام. فأقول مثلاً: ((أخرجه البخاري في اللباس، باب اشتمال الصماء (20) (7/42) وأعني بذلك: أن البخاري أخرجه في كتابه الجامع الصحيح. في كتاب اللباس، باب اشتمال الصماء. ورقم الباب عشرون. وإذا كان الرقم بعد الجزء والصفحة، فهو لبيان رقم الحديث. وأكتفي أحياناً بذكر رقم الحديث، كما في الإشارة إلى سنن ابن ماجة، أو ما أورده

1. الألباني في كتبه. وأكتفي حيناً آخر، بذكر رقم الجزء والصفحة، كما في الإشارة إلى مستدرك الحاكم على الصحيحين، والسنن الكبرى للبيهقي. وهذا الاختلاف في الإحالات يرجع إلى مناسبة ذلك للكتاب الحال إليه. 2. رجعت إلى ((مسند الإمام أحمد)) الموسوعة الحديثية، لبيان درجة الحديث صحة، أو ضعفاً، ونبّهت على ذلك بقولي: ((في التعليق على المسند)) . 3. وثّقت الأقوال من مصادرها الأصلية. وذلك بالرجوع في كل مذهب إلى كتبه المعتمدة. وأنقل من مصدر واحد، أو أكثر في كل مذهب ما يؤكد صحة ما عزوته لتلك المذاهب. وإن كان في هذا الصنيع نوع تطويل، أو إثقالٍ للحواشي، إلا أن الذي دفعني إليه ما رأيته من وقوع كثير من الباحثين في أخطاء، وأوهام في العزو والنسبة، أو النقل والتوثيق. 4. نبّهت على الرواية المشهورة، أو المعتمدة في المذهب، بالرجوع إلى المصادر المعنية في ذلك من كل مذهب. 5. شرحت الكلمات الغريبة، والمصطلحات العلمية، إذا اقتضى الأمر ذلك. ولم أتكلف شرح الواضحات لذوي الاختصاص. 6. أغفلت الترجمة للأعلام، مراعاة للاختصار. وأسأل الله العلي العظيم بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، أن يوفقني إلى السداد، ويلهمني الرشد والصواب. وأن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخراً لي يوم الدين. وأن يغفر لي ولوالدي، ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين. إنه ولي ذلك، والقادر عليه. وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

التمهيد

التمهيد: علاقة الرمل بالاضطباع الاضطباع والرمل في الطواف فعلان مترابطان، يُشرعان معاً، وأحكامهما، وأدلتهما متقاربة. ولذا فإن كثيراً من العلماء يصرِّحون بهذا التلازم، والترابط بينهما. قال النووي: ((قال أصحابنا: الاضطباع ملازم للرمل (1) . فحيث استحببنا الرمل بلا خلاف، فكذا الاضطباع، وحيث لم نستحبه بلا خلاف، فكذا الاضطباع، وحيث جرى خلاف، جرى في الرمل والاضطباع جميعاً. وهذا لا خلاف فيه)) (2) . وقال البهوتي: ((ومن لا يُشرع له الرمل، لا يُشرع له الاضطباع)) (3) . ومن هنا كانت مناسبة الحديث عنهما، والتعرف على أحكامها في آن واحد، لاتحاد أدلتهما غالباً، واشتراكهما في كثير من الأحكام والمسائل. ولا يعني هذا التلازم والترابط بينهما أنه إذا تُرك أحدهما لعذر أو غيره، تُرك الآخر. قال الإمام الشافعي: ((فإذا طاف الرجل ماشياً، لا علة به تمنعه الرمل، لم أُحِب أن يدع الاضطباع مع دخوله الطواف)) (4) . وقال الماوردي: ((فإن ترك الرمل لعلة، اضطبع. وإن ترك الاضطباع لجرح به، رمل)) (5) .

_ (1) تنبيه: جاء في رحلة الصديق إلى البيت العتيق، لصديق حسن خان ص91: ((قال الشافعية: هو ـ أي: الاضطباع ـ في طواف ليس فيه رمل)) فهذا إما أن يكون خطأً مطبعياً، وإما سبق قلم. (2) المجموع 8/43. (3) كشاف القناع 2/558. (4) الأم 2/174. (5) الحاوي للماوردي 4/ 141.

المطلب الأول: تعريف الاضطباع والرمل.

المطلب الأول: تعريف الاضطباع والرمل. قبل الشروع في بيان أدلة مشروعية الاضطباع والرمل، ومعرفة الحكمة من مشروعيتهما، وأحكامهما. يحسن البدء بتعريفهما، والتعرف على حقيقتهما. وسأعرض لتعريف كلٍ منهما في فرع مستقل. * الفرع الأول: تعريف الاضطباع (1) . الاضطباع، افتعال من الضَّبْع بإسكان الباء، وهو العَضُد. وقيل: النِّصف الأعلى من العضد. وقيل: منتصف العضد. وقيل: الإبط. قال ابن فارس: اشتقاقها من ضَبْع اليد، وهو المد. والجمع أضْبَاع، كفرخ وأفراخ. والْمَضْبَعَة: اللحمة تحت الإبط من قُدُم. وقال الجوهري: يقال للإبط: الضَّبْع، للمجاورة. والضَّبْع والضِّبَاع: رفع اليدين في الدعاء. والضَّبُع: بضم الباء الموحدة، وسكونها، أخبث السِّباع. ويُجمع الضَّبُع على ضِبَاع، والضَّبْع على أَضْبُع. والضَّبُع: السَّنَة الْمُجْدِبَة. ومنه قول عباس بن مرداس: با خُرَاشَةَ أَمَّا أنت ذا نَفَرٍ ... أفإنَّ قَومي لم تأكُلْهُمُ الضَّبُعُ وضَبَعَت الناقة تَضْبَع ضَبْعاً وضَبَعَةً: إذا أرادت الفحل. قال ابن فارس: ((الضاد، والباء، والعين، أصل صحيح، يدل على معان ثلاثة: أحدها: جنس الحيوان. والآخر: عضو من أعضاء الإنسان. والثالث

_ (1) انظر في معنى الاضطباع: معجم مقاييس اللغة 3/387، الصحاح 3/1247، القاموس المحيط ص 956، لسان العرب 8/216، المعرّب ص 279، المصباح المنير 2/357، النهاية في غريب الحديث 3/73، تحرير ألفاظ التنبيه ص 150. مادة: ضبع.

صفة من صفة النُّوق)) (1) . واضطبع الشيء: أدخله تحت ضَبْعَيه. ويُقال للاضطباع أيضاً: التَّأبُّط، والتَّوشُّح. ويُقال له أيضاً: اليابطة، لأنه يجعل وسط الرداء تحت الإبط، ويُبدي ضبعه الأيمن. وأصله: اضتباع. وإنما قُلِبت التاء طاء، لمجاورة حرف الاستعلاء، كما يُقال: اضطباع، واصطياد، واضطرار، واضطهاد. والاضطباع في الصلاة: اشتمال الصماء. وقد جاء ذلك مفسراً في حديث أبي سعيد (: ((نهى رسول الله (عن لبْستين، وعن بيعتين)) الحديث. وفيه: ((واللبستين: اشتمال الصماء، والصماء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحد شِقيَّيْه ليس عليه ثوب..)) (2) . والاضطباع في الطواف: أن يجعل وسط ردائه من تحت إبطه الأيمن، ويُغطي به عاتقه الأيسر. ويكون المنكب الأيمن مكشوفاً. سُمِّي به لإبداء أحد الضَّبْعَيْن. قال الإمام الشافعي: ((الاضطباع أن يشتمل بردائه على منكبه الأيسر، ومن تحت منكبه الأيمن، حتى يكون منكبه الأيمن بارزاً)) (3) . وقال في إرشاد الساري: ((أي: على هيئة أرباب الشَّجَاعة، إظهاراً للجلادة في ميدان العبادة)) (4) .

_ (1) معجم مقاييس اللغة 3/387. (2) أخرجه البخاري في اللباس، باب اشتمال الصماء (20) 7/42. وانظر: التمهيد 21/ 169، 170، المبدع 1/375. (3) الأم 2/174. وانظر: مختصر المزني مع الحاوي 4/139. (4) ص 88. وانظر: مفيد الأنام ص 238.

* الفرع الثاني: تعريف الرَّمَل (1) . الرَّمَل، بفتح الراء والميم، سُرْعة المشي. قال ابن الأثير: ((يُقال: رَمَل يَرْمُل ـ بضم الميم ـ رَمَلاً ورَمَلاناً، إذا أسرع في المشي وهزَّ منكبيه)) (2) . ورَمَل الحصير يَرْمُلُه رَمْلاً، ورَمَّلَه، وأَرْمَلَه، إذا سَخَّف نَسْجَه. والرُّمَال ما رُمِل. أي: نُسِج. قال الزمخشري: ((ونظيره الْحُطَام، والرُّكَام، لما حُطِم ورُكِم)) (3) . والرَّمَل: القليل الضعيف من المطر، وجمعه أرمال. وترمَّل القتيل بدمه، إذا تلطَّخ. والرَّمَل من الشَّعْر، كل شَعْر مهزول غير مؤْتَلِف البناء. والمُرْمِل: الذي لا زاد معه، سُمِّي بذلك لأحد شيئين: إما لرِقَّة حاله، وإمِّا لِلُصوقه بالرَّمْل من فقره. كما يُقال: للفقير: التَّرِب. وأرمَل القوم، نَفِد زادهم. وأَرْمَلَت المرأة: إذا مات زوجها. فهي أرْمَلَة. سُمِّيت بذلك لذهاب زادها، وفقد كاسبها. ورجل أرمل، وامرأة أرْمَلَة: محتاجة. والأرامل يقع على الذكور

_ (1) انظر في معنى الرمل: معجم مقاييس اللغة 2/442، الصحاح 4/1713، لسان العرب 11/294، المعرّب ص 198، غريب الحديث لأبي عبيد 4/415، الفائق 2/83، النهاية في غريب الحديث 2/265، تحرير ألفاظ التنبيه ص 150. مادة: رمل. وانظر أيضاً: المبسوط 4/10، الهداية 2/453، طلبة الطلبة ص68، تحرير ألفظ التنبيه ص 152، التعريفات ص 112، المجموع 8/40، شرح النووي على صحيح مسلم 8/175، إيضاح المناسك ص 6. (2) النهاية في غريب الحديث 2/265. (3) الفائق 2/83.

والنساء. قال ابن منظور: ولا يُقال للمرأة التي لا زوج لها، وهي موسرة، أرملة. قال جرير: هذي الأرامل قد قضَّيْت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر والأرْمَل من الشاء: الذي اسودَّت قوائمه كلها. والرَّمْل: نوع من التراب. وجمعه رِمَال. قال الجوهري: ((الرَّمْل واحد الرِّمَال، والرَّمْلَة أخص منه)) (1) . ورمَّل الطعام: جعل فيه الرَّمْل. وقال ابن فارس: ((الراء، والميم، واللام، أصل يدل على رِقَّة في شيء يتضام بعضه إلى بعض)) (2) . والرَّمَل في الطواف: الإسْرَاع في المشي مع تقارب الْخُطى (3) ، من غير

_ (1) الصحاح للجوهري 4/1713. (2) معجم مقاييس اللغة 2/442. (3) تنبيه: هكذا عرّف عامة العلماء الرمل: بأنه الإسراع في المشي..، وأما ابن نجيم من الحنفية فقد أورد تعريفاً آخر عزاه لصاحب الهداية، فقال: (والرمل كما في الهداية: أن يهز في مشيته الكتفين، كالمبارز يتبختر بين الصفين. وقيل: هو إسراع مع تقارب الخطى، دون الوثوب والعدو) البحر الرائق 2/355. وانظر: الهداية مع فتح القدير 2/453. وتعريف صاحب الهداية قريب من تعريف صاحب المبسوط، إذ عرّفه السرخسي بقوله: (الرمل هو: الاضطباع، وهزّ الكتفين. وهو أن يُدخل أحد جانبي ردائه تحت إبطه ويلقيه على المنكب الآخر، ويهز الكتفين في مشيه، كالمبارز الذي يتبختر بين الصفين) . المبسوط 4/10. وأما قاضيخان فلم يُشر إلى المشي مطلقاً في تعريفه للرمل. فقال 1/292: (يرمل في الثلاثة الأول. يعني: يهز كتفيه، ويُري من نفسه القوة والجلادة. ويمشي على هينته في الأربع) . والذي يظهر لي: أنه ليس بين هذه التعاريف تعارض. فمراد من أطلق المشي، أو أغفل ذكره، أن يكون مشياً فيه سرعة. ولذلك قيّد بعض الحنفية المشي بقيود فيها معنى الإسراع. فقال ابن الهمام في فتح القدير 2/462: (الرمل في الطواف إنما هو مشي فيه شدّة وتصلب) . وقال في الدر المختار 2/498: (ورمل. أي: مشى بسرعة مع تقارب الخطى، وهز الكتفين) . ونحو ذلك في حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص479. وفي الفتاوى الهندية 1/226: (الرمل: أن يُسرع في المشي ويهز كتفيه، شبه المبارز يتبختر بين الصفين) . فاقتصار العظيم آبادي في تعريف الرمل عند الحنفية على ما ذكره صاحب الهداية، لا يخلو من قصور. انظر: عون المعبود 5/236.

وثْبٍ ولا عَدْوٍ (1) , ويهز الكتفين في مشيه، كالمبارز الذي يتبختر بين الصفين. وهو: الْخَبَب (2) . قال ابن عبد البر: ((وأما الرَّمَل، فهو المشي خبباً، يشتد فيه، دون الهرولة (3) .

_ (1) تنبيه: قال خليل في منسكه ص 69: (وليحذر مما يفعله بعضهم من الجري في طواف القدوم. فإن الرمل المسنون أن يهز منكبيه، ويُسرع في مشيه دون الجري) . (2) الخبب: ضرب من العَدْو. قال النووي: هو الرمل. وقال الشافعي: (الرمل: هو الخبب. لا شدة السعي) انظر: مختصر المزني 4/140.وقال: (ولا أحب أن يثب من الأرض وثباً) الأم 2/174. وانظر: النهاية 2/3، التمهيد 2/70، شرح النووي على صحيح مسلم 9/7. (3) تنبيه: وَصَف ابن عبد البر الرمل بأنه: (دون الهرولة) ومراده بالهرولة: العدو. وخالفه في ذلك آخرون، فوصفوا الرمل بالهرولة. كالجوهري، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وأبو الحسن المالكي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والرمل مثل الهرولة, وهو مسارعة المشي مع تقارب الخطى) . مجموع الفتاوى 26/122. وقال أبو الحسن المالكي في كفاية الطالب 1/667: (الخبب، الرمل، وهو الهرولة. فوق المشي، ودون الجري) . وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى عمر بن عبد العزيز:» أنه كان يهرول في الطواف «انظر: هداية السالك 2/796. وتوسط ابن دريد بين الرأيين، فقال: (هو شبيه بالهرولة، وأصله أن يُحرك الماشي منكبيه في مشيه) . انظر: شرح الزرقاني على الموطأ 2/403. والذي يظهر لي: أنه لا تعارض بينهم. إذ الجميع متفقون على أن الرمل ليس عدواً سريعاً، أو سعياً شديداً. قال الماوردي في الحاوي 4/140: (أما الرمل فهو: الخبب. فوق المشي، ودون السعي) . وقد نبّه الزركشي على ذلك في شرحه 2/192. فقال: (تنبيه: الرمل. قال الجوهري: الهرولة. وقال الأزهري: الإسراع, وفسّر الأصحاب الرمل: بإسراع المشي، مع تقارب الخطى من غير وثب) .

وهيأته أن يُحرك منكبيه لشدة الحركة في مشيه)) (1) . قال صديق خان: ((ومعنى الرمل: الإسراع في المشي مع تقارب الخطى. وهو دون العدو، وفوق المشي المعتاد. ولا يعدو، كما يفعل العوام)) (2) .

_ (1) الاستذكار 12/126. (2) رحلة الصديق ص 92. وقال النووي في المجموع 8/45: (قال المتولي: تكره المبالغة في الإسراع في الرمل. بل يرمل على العادة، لحديث جابر) .

المطلب الثاني: دليل مشروعية الاضطباع والرمل.

المطلب الثاني: دليل مشروعية الاضطباع والرمل. دلّ على مشروعية الاضطباع والرمل في الطواف أحاديث كثيرة، منها: 1- عن ابن عباس (: ((أن رسول الله (وأصحابه اعتمروا من جِعْرَانَة (1) ، فاضطبعوا، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، ووضعوها على عواتقهم، ثم رملوا)) وفي لفظ: ((وقذفوها على عواتقهم اليسرى)) (2) . 2- وعن يَعْلَى بن أمية (: ((أن النبي (طاف بالبيت مضطبعاً وعليه بُرْد)) (3) .

_ (1) الجعرانة: موضع بين مكة والطائف. وهي على سبعة أميال من مكة. وهي بالتخفيف. قال ابن المديني: العراقيون يُثَقِّلُون (الجعرانة، والحديبية) والحجازيون يخففونهما، فأخذ به المحدثون. وقال الشافعي: المحدثون يخطئون في تشديدها. وكذلك قال الخطابي. قال البلادي: لا زالت تُعرف في رأس وادي سَرِف، حين تعلقه في الشمال الشرقي من مكة. انظر: المصباح المنير 1/102، معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية ص 83. (2) أخرجه أحمد 1/371، واللفظ له. وبنحوه 1/306، وأبو داود في المناسك، باب الاضطباع في الطواف 2/177 (1884) ، والبيهقي 5/79، بإسناد صحيح على شرط مسلم. انظر: نصب الراية 3/43، هداية السالك 2/806، الإرواء 4/292، التعليق على المسند 5/459. (3) أخرجه الترمذي في الحج، باب ما جاء أن النبي (طاف مضطبعاً 2/175 (861) ، والبيهقي 5/79، من طريق قبيصة عن الثوري. وقال: هذا حديث الثوري عن ابن جريج، لا نعرفه إلا من حديثه, وهو حديث حسن صحيح، والدارمي 2/43 من طريق يوسف عنه دون زيادة» وعليه برد «، وابن ماجة (2954) من الطريقين. ونبّه على أن الزيادة من طريق قبيصة. وأبو داود، باب الاضطباع في الطواف 2/177 (1883) ، والبيهقي 5/79 من طريق محمد بن كثير عنه بلفظ:» .. ببرد أخضر «، وأحمد 4/223، 224، من طريق وكيع بلفظ:» ببرد حضرمي «ومن طريق عمر بن هارون 4/223 بلفظ:» رأيت النبي (مضطبعاً بين الصفا والمروة ببرد له نجراني «. ومن طريق عبد الله ابن الوليد 4/222 بلفظ:» رأيت النبي (مضطبعاً برداء حضرمي «، كلهم كما قال الترمذي: من طريق الثوري عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير، عن ابن يعلى عن أبيه. إلا أن ابن جريج يدلسه عن ابن يعلى مرة، ويرويه عن رجل مبهم عن ابن يعلى مرة أخرى. قال في التعليق على المسند 29/473: إسناده قوي.

1- وعن ابن عمر (: ((أن رسول الله (كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خبَّ ثلاثاً، ومشى أربعاً..وكان ابن عمر يفعل ذلك)) (1) . 2- وعن جابر (في وصف حجة النبي (وفيه: ((.. حتى إذا أتينا البيت معه استلم الرُّكن، فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم)) الحديث (2) . 3- وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب (قال: سمعت عمر (يقول: ((فيمَ الرَّمَلان (3) الآن، والكشف عن المناكب، وقد أطَّأ الله (4) الإسلام، ونفى الكفر وأهله؟ ومع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله ()) (5) .

_ (1) متفق عليه. أخرجه البخاري في الحج، باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة (80) 2/ 170، ومسلم في الحج، باب استحباب الرمل في الطواف 9/6. (2) أخرجه مسلم في الحج، باب حجة النبي (8/174. (3) الرَّمَلان: قيل: تثنية الرمل. والمراد: الرمل في الطواف، والسعي بين الصفا والمروة. قال ابن الأثير: وهو قول غريب حكاه الحربي، وقال: الرملان مصدر. والمصدر يكثر مجيئه على هذا الوجه في أنواع الحركة، كالنَّزَوان، والنَّسَلان، والرَّسَفان وأشباه ذلك. ويؤيد ذلك أن عمر (أراد الرَّمل الذي أمر به النبي (في عمرة القضية، ليُري المشركين جَلَدهم، لما وهنتهم حمّى يثرب. أما السعي بين الصفا والمروة، فهو شعار قديم، من عهد هاجر أم إسماعيل عليه السلام. فإذن المراد بقول عمر: رملان الطواف وحده. قال محب الدين الطبري: وكذلك شرحه أهل العلم. لا خلاف بينهم فيه. فليس للتثنية فيه وجه. والله أعلم. انظر: النهاية 2/265، 266، القِرى ص 301، 302. (4) أطَّأ الله، بتشديد الطاء. أي: أثبته وأحكمه. أصله وطىء، فأبدلت الواو همزة، كما في وقتت، وأقتت. وقال الخطابي: إنما هو وطأ. أي: ثبته وأرساه. والواو قد تبدل ألفاً. ونحوه قاله ابن الأثير. انظر: معالم السنن 2/195، النهاية 1/53، عون المعبود 5/239. (5) أخرجه أحمد 1/45، وأبو داود، باب الرمل 2/178 (1887) ، وابن ماجة (2952) ، وابن خزيمة (2708) ، والحاكم 1/454، وقال: صحيح على شرط مسلم، وأبو يعلى (188) ، والبيهقي 5/79. كلهم من طريق هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم عن أبيه. قال النووي في المجموع 8/19: رواه البيهقي بإسناد صحيح. وقال في التعليق على المسند: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن، ورجاله ثقات، رجال الشيخين، غير همام بن سعد، فمن رجال مسلم. وهو حسن الحديث. وأخرجه البخاري في المناسك، باب الرمل في الحج والعمرة (57) 2/161 من طريق محمد بن جعفر، عن زيد بن أسلم بلفظ:» ..ما لنا وللرمل؟ إنما كنا راءينا به المشركين، وقد أهلكهم الله. ثم قال: شيء صنعه النبي (فلا نحب أن نتركه «.

المطلب الثالث: الحكمة من مشروعية الاضطباع والرمل.

المطلب الثالث: الحكمة من مشروعية الاضطباع والرمل. الأصل في مشروعية الاضطباع والرمل: أن المشركين قالوا ـ قبل دخول النبي (وأصحابه (مكة في عمرة القضية سنة سبع ـ: إنه يقدم عليكم غداً قوم قد وَهَنَتْهُم الْحُمَّى، ولقوا منها شدّة، فجلسوا مما يلي الحِجْر. وأمر النبي (أصحابه (أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين، ليرى المشركون جَلَدَهم. فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم. هؤلاء أجلد من كذا وكذا. قال ابن عباس (: ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبْقَاء عليهم)) (1) . فرملوا واضطبعوا ليرى المشركون قُوَّتهم بالرمل، وصحة أبدانهم بالاضطباع. قال ابن عباس (: ((إنما سعى رسول الله (ورمل بالبيت، ليُرِي المشركين قوَّته)) (2) . وعنه (قال: قال النبي (لأصحابه حين أرادوا دخول مكة في عمرته

_ (1) متفق عليه من حديث ابن عباس (. أخرجه البخاري في الحج، باب كيف كان بدء الرمل (55) 2/161 مختصراً، ومسلم في الحج، باب استحباب الرمل في الطواف 9/12 مع شرح النووي. (2) أخرجه مسلم 9/13.

بعد الحديبية: ((ثم إن قومكم غداً سيرونكم، فليروكم جُلْداً)) . فلما دخلوا المسجد استلموا الركن ثم رملوا، والنبي (معهم حتى إذا بلغوا إلى الركن اليماني مشوا إلى الركن الأسود، ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم مشى الأربع)) (1) . وفي لفظ ((أن النبي (اضطبع فاستلم وكبّر، ثم رمل ثلاثة أطواف، وكانوا إذا بلغوا الركن اليماني وتغيّبوا من قريش مشوا، ثم يطلعون عليهم يرملون. تقول قريش: كأنهم الغزلان. قال ابن عباس: فكانت سنة)) (2) . قال الشوكاني: ((والحكمة في فعله ـ أي: الاضطباع ـ أنه يُعين على إسراع المشي)) (3) . ثم استمر النبي (يرمل بعد ذلك في عُمَرِه وحجته، فرمل في طوافه أول قدومه مكة في حجة الوداع من الْحَجَر إلى الْحَجَر ثلاثاً، ومشى أربعاً. فاستقرّت سُنَّة الرمل والاضطباع. فعن ابن عمر (: ((أن رسول الله (كان إذا طاف في الحج أو العمرة أوّل ما يقدم، سعى ثلاثة أطواف، ومشى أربعة، ثم سجد سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة)) (4) . وعنه (قال: ((رمل رسول الله (من الْحَجَر إلى الْحَجَر ثلاثاً، ومشى أربعاً)) (5) . وقال عمر (: ((مالنا والرمل

_ (1) أخرجه أحمد 1/314، وابن ماجة (2953) ، وابن حبان كما في الإحسان (3814) كلهم من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن خثيم، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس به. قال في التعليق على المسند 5/59: إسناده قوي على شرط مسلم. رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير ابن خثيم، فمن رجال مسلم. (2) أخرجه أبو داود في المناسك، باب في الرمل 2/179 (1889) من طريق الأنباري، عن يحيى بن سليم، عن ابن خيثم. قال ابن جماعة في هداية السالك: إسناد لا بأس به 2/802. (3) نيل الأوطار 5/111. (4) متفق عليه. أخرجه البخاري في الحج، باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة (63) 2/163، ومسلم باب استحباب الرمل 9/7. وأخرج البخاري نحوه في الرمل في الحج والعمرة (57) 2/161 بلفظ:» سعى النبي (ثلاثة أشواط ومشى أربعة في الحج والعمرة «. (5) أخرجه مسلم في الحج، باب استحباب الرمل 9/9.

إنما كنا راءينا به المشركين، وقد أهلكهم الله؟ ثم قال: شيء صنعه النبي (فلا نُحب أن نتركه)) (1) . قال ابن تيمية: ((إن العبادة قد تُشرع أولاً لسبب ثم يزول ذلك ويجعلها الله سبحانه عبادة وقربة، كما قد رُوي في: الرمل والاضطباع، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار)) (2) . وقال بعض العلماء: إن الحكمة في بقاء مشروعيته بعد زوال العلة، تَذَكُّر ما أنعم الله تعالى به على المسلمين من العِزِّ والكثرة بعد القلة، والقوة بعد الضعف، فيكون ذلك باعثاً على الانقياد، ويحصل به تعظيم الأولين، لما كانوا عليه من احتمال المشاق في امتثال أمر الله تعالى، والمبادرة عليه، وبذل الأنفس فيه (3) .

_ (1) أخرجه البخاري في الحج، باب الرمل في الحج والعمرة (57) 2/161. (2) شرح العمدة 3/422. وقال الخطابي في معالم السنن 1/194: (فيه دليل على أن النبي (قد يَسُن الشيء لمعنى، فيزول وتبقى السنة على حالها) . وقال المحب الطبري: (وقد يحدث شيء من أمر الدين لسبب، ثم يزول السبب ولا يزول حكمه، كالعرايا، والاغتسال للجمعة ونحو ذلك) القِرى ص 302. (3) انظر: هداية السالك 2/803، إعانة الطالبين 2/299، عون المعبود 5/239. وقال الحافظ في فتح الباري 3/472: (إن عمر كان همَّ بترك الرمل في الطواف، لأنه عرف سببه، وقد انقضى، فهمّ أن يتركه، لفقد سببه، ثم رجع عن ذلك، لاحتمال أن تكون له حكمة ما اطلع عليها، فرأى الاتباع أولى من طريق المعنى. وأيضاً إن فاعل ذلك إذا فعله تذكر السبب الباعث على ذلك، فيتذكر نعمة الله على إعزاز الإسلام وأهله) .

المطلب الرابع: حكم الاضطباع والرمل.

المطلب الرابع: حكم الاضطباع والرمل. اتفق العلماء – رحمهم الله – على أنّه (اضطبع ورمل في طوافه، إلا أنهم اختلفوا في بقاء مشروعيتهما بعد زوال سببهما، بتمكن الإسلام وظهوره، وذهاب الشرك وأهله من مكة. واختلف القائلون بمشروعيتهما في حكمهما، هل هما من شروط الطواف وواجباته، أم من سننه ومندوباته؟ وسأعرض لذلك في الفروع التالية: * الفرع الأول: مشروعية الاضطباع. اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في بقاء مشروعية الاضطباع في الطواف، على قولين: القول الأول: إن الاضطباع مشروع، وهو سنة باقية. وإلى هذا القول ذهب: جمهور العلماء، ومنهم: أصحاب المذاهب الثلاثة: الحنفية، والشافعية، والحنابلة (1) . القول الثاني: لا يُشرع الاضطباع، وأنه ليس بسنة بعد ذهاب سببه، بظهور الإسلام. وإلى هذا القول ذهب: المالكية (2) . وحكى ابن المنذر عن مالك أنه قال:

_ (1) انظر: المبسوط 4/10، بدائع الصنائع 2/147، الهداية 1/140، حاشية ابن عابدين 2/495، الأم 2/174، حلية العلماء 3/284، الحاوي الكبير 4/140، الوسيط 2/648، المهذب والمجموع 8/19، إعانة الطالبين 2/300، المغني 5/216، فتح الباري 3/472، نيل الأوطار 5/111، عون المعبود 5/236، قال ابن قدامة في المغني: (ويُستحب الاضطباع في طواف القدوم..، وبهذا قال الشافعي، وكثير من أهل العلم) . وقال ابن حجر في فتح الباري: (وهو مستحب عند الجمهور، سوى مالك. قاله ابن المنذر) . (2) انظر: البيان والتحصيل3/449، 450، المغني 5/216، الحاوي 4/140، المجموع 8/21، فتح الباري 3/472، نيل الأوطار 5/111، عون المعبود 5/236. ونقل سند عن مالك أنه قال في الموازية: (ولا يحسر عن منكبيه، ولا يحركهما) . انظر: هداية السالك 2/808، وفي العتبية: (سئل مالك عن حَسْر المحرم عن منكبيه، إذا هو طاف بالبيت الطواف الواجب في الرمل. قال: لا يفعل) . قال ابن رشد- الجد -: (زاد في كتاب ابن المواز، ولا يحركهما. وهذا كما قال. إذ ليس من السنة أن يحسر عن منكبيه، ولا يحركهما بقصد منه إلى ذلك. فإذا انحسر منكباه، أو تحركا لشدة الرمل، فلا بأس به. فقد قيل: إن الرمل هو الخبب الشديد، دون الهرولة. الذي يحرك منكباه لشدته) انظر: العتبية مع البيان.

لا يَعرف الاضطباع، ولا رأيت أحداً يفعله (1) . الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، وهم الجمهور، بما يلي: 1- بما سبق ذِكْرُه من الأدلة الثابتة عن النبي (وأصحابه (، وأنهم طافوا مضطبعين. فدل ذلك على مشروعية الاضطباع. ولم يأت ما يدل على نسخه (2) . 2- وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال: سمعت عمر (يقول: ((فيمَ الرَّمَلان الآن، والكشف عن المناكب، وقد أطّأ الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله؟ ومع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله ()) (3) . فدلّ ذلك على بقاء حكم الاضطباع، وفِعْلِه من لدن الصحابة (بعد وفاة النبي (.

_ (1) انظر: حلية العلماء 3/284. (2) قال ابن قدامة: (وقد ثبت بما روينا أن النبي (وأصحابه فعلوه، وقد أمر الله تعالى باتباعه، وقال: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [سورة الأحزاب، آية: 21] .المغني 5/216. (3) تقدم تخريجه.

واستدل أصحاب القول الثاني، القائلون بعدم استحبابه، بما يلي: 1- إن رسول الله (إنما فعله وأمر به في عمرة القضية، حين قالت قريش: أما ترون إلى أصحاب محمد قد وعكتهم حمى يثرب. فقال لأصحابه: ((ارملوا)) . كفعل أهل النشاط والْجَلَد، ليغيظ قريشاً. قال مالك: وهذا السبب قد زال، فيجب أن يزول حكمه (1) . 2- وبما يُشبه الإجماع على عدم مشروعيته. فقال مالك: ((لم أسمع أحداً من أهل العلم ببلدنا يذكر أن الاضطباع سنة)) (2) . * الرأي المختار: لا ريب أن ما ذهب إليه جمهور العلماء في هذه المسألة، وهو أن الاضطباع سنة باقية، ومن مستحبات الطواف، وهو الرأي المختار، لما يلي: 1. إن الأدلة على أن النبي (كان يضطبع في عُمَرِه، بل وفي حجته أيضاً (3) ، نصوص صريحة صحيحة. وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (4) , وقال (في حجته: ((لتأخذوا عني مناسككم)) (5) .

_ (1) انظر: الحاوي 4/140. (2) انظر: المغني 5/216، البيان والتحصيل 3/449. (3) قال ابن كثير في البداية والنهاية 5/157: (فأما الاضطباع في حجة الوداع، فقد قال قبيصة، والفريابي عن خثيم، عن أبي الطفيل، عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة، عن ابن يعلى بن أمية، عن أبيه قال:» رأيت رسول الله (يطوف بالبيت مضطبعاً «رواه الترمذي من حديث الثوري. وقال: حسن صحيح..) . (4) سورة الأحزاب، آية: 21. (5) بهذا اللفظ أورده الفقهاء. وهو جزء من حديث أخرجه مسلم في الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة 9/44. ولفظه:» .. رأيت النبي (يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: " لتأخذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه".. «الحديث.

1. ثبت أن الصحابة (اضطبعوا بعد وفاة النبي (، كما دلّ على ذلك أثر عمر (. 2. إن قول ابن عباس (أكثر ما فيه أن سبب الاضطباع والرمل ما ذكره، ولكنهما صارا سنة بذلك السبب، فيبقى بعد زواله، كرمي الجمار سببه رمي الخليل عليه السلام الشيطان، ثم بقي بعد زوال ذلك السبب (1) . 3. ينتقض قول الإمام مالك بعدم مشروعية الاضطباع لزوال سببه، بالرمل، فإنه يقول ببقاء مشروعيته مع زوال سببه (2) . 4. إن بقاء السبب ليس بشرط لبقاء الحكم، كالبيع والنكاح وغيرهما (3) . 5. إن القول بزوال السبب ممنوع، لأن الحكم يجوز أن يثبت بعلل متعددة. فذهاب بعضها لا يستلزم زوال الحكم، وكون النبي (اضطبع في حجة الوداع بعد ذهاب غلبة المشركين، دليل على بقاء علة أخرى للحكم، كتذكر نعمة الأمن بعد الخوف، ليُشكر الله عليها (4) .

_ (1) المبسوط 4/10. وعبّر الكاساني عن ذلك بقوله: (إن النبي (لما رمل بعد زوال ذلك السبب، صار الرمل سنة مبتدأة، فنتبع النبي (في ذلك، وإن كان لا نعقل معناه. وإلى هذا أشار عمر (حين رمل في الطواف) . بدائع الصنائع 2/147. وقال الماوردي في الحاوي 4/140: (قال الشافعي: رمل مضطبعاً، فقد أخبر بسنته، ثم فعل مثل فعله مع زوال سببه. وأكثر مناسك الحج، كانت لأسباب زالت، وهي باقية) . (2) انظر: المجموع 8/21. (3) انظر: بدائع الصنائع 2/147. (4) انظر: منسك ملا القاري ص 108. وقد عبّر عن ذلك ابن نجيم في البحر الرائق 2/354 بقوله: (واعلم أن الأصل زوال الحكم، ثم زوال العلة، لأن الحكم ملزوم لوجود العلة، ووجود الملزوم بدون اللازم محال. وقول من قال: إن علة الرمل في الطواف زالت، وبقي الحكم. ممنوع، فإن النبي (رمل في حجة الوداع تذكيراً لنعمة الأمن بعد الخوف، ليشكر عليها، فقد أمر الله بذكر نعمه في مواضع من كتابه، وما أمرنا بذكرها إلا لنشكرها. ويجوز أن يثبت الحكم بعلل متبادلة، فحين غلبة المشركين كانت علة الرمل، إيهام المشركين قوة المؤمنين. وعند زوال ذلك تكون علته تذكير نعمة الأمن. كما أن علة الرِّق في الأصل استنكاف الكافر عن عبادة ربّه، ثم صار علته حكم الشرع برقه، وإن أسلم. وكالخراج فإنه يثبت في الابتداء، ولهذا لا يُبدأ به على المسلم، ثم صار علته حكم الشرع بذلك حتى لو اشترى المسلم أرض خراج، لزمه عليه الخراج) .

1. إن مَن عَلِم حجة على من لم يعلم، وليس العكس. فخفاء هذه السنة على الإمام مالك لا يكون سبباً في إبطالها، وعدم العمل بها. ولذا نقول نحو ما قال ابن عبد البر، فيمن أنكر سنة الرمل: قد ثبت أن النبي (اضطبع بعد عمرة القضية، فصارت سنة معمولاً بها، لا يضرها من جهلها وأنكرها (1) . وقال صديق خان: ((ولا يُشرع عند المالكية: الاضطباع في الطواف، ولا في غيره. والحديث يرد عليهم، وكأنه لم يبلغهم)) (2) . والله أعلم. * الفرع الثاني: مشروعية الرمل. اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ كذلك في بقاء مشروعية الرمل في الطواف بعد زوال سببه، وذهاب وقت الحاجة إليه، بظهور الإسلام وتمكنه، واضمحلال الشرك وأهله من مكة. على قولين: القول الأول: إن الرمل سنة باقية، وشعيرة ثابتة، وإنْ زال سببها، وذهب وقت الحاجة إليها، شأنها شأن كثير من السنن والشعائر في مناسك الحج والعمرة الباقية وإن ذهب سببها، كالسعي، ورمي الجمار ونحو ذلك. وإلى هذا القول ذهب: جمهور العلماء، ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة (3) .

_ (1) انظر: الاستذكار 12/137. (2) رحلة الصديق ص 91. (3) انظر: أحكام القرآن للجصاص 1/97، المبسوط 4/10، بدائع الصنائع 2/147، الاستذكار 12/127، الرسالة مع شرحها تنوير المقالة 3/435، قوانين الأحكام الشرعية ص 139، المجموع 8/41، المغني 5/217. وقد ترجم لذلك البخاري في صحيحه بقوله: (باب الرمل في الحج والعمرة) . قال ابن حجر في فتح الباري 3/471: (والقصد إثبات بقاء مشروعيته، وهو الذي عليه الجمهور) . وقال الكاساني في بدائع الصنائع 2/147: (وهو قول عامة الصحابة () . وقال ابن عبد البر في التمهيد 2/70: (روي ذلك عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر. واختلف فيه على ابن عباس. وهو قول مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، وأبي حنيفة وأصحابه، والثوري، وأحمد ابن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وجماعة فقهاء الأمصار) . تنبيه: نسب ابن رشد هذا القول إلى ابن عباس (، ولم يذكر قوله المشهور. انظر: بداية المجتهد 1/340. وهو سبق قلم، أو وهم.

القول الثاني: إن الرمل ليس بمشروع، ولا يُستحب في الطواف. وإنما فعله النبي (لسبب وقد زال بظهور الإسلام. فإن شاء رمل، وإن شاء لم يرمل. وهذا القول مروي عن جماعة من التابعين، منهم: عطاء، ومجاهد، وطاوس، والحسن، وسالم، والقاسم، وسعيد بن جُبير، وعلي بن الحسين (1) . وهو الأشهر عن ابن عباس ((2) ، وبه قال

_ (1) انظر: المصنف لابن أبي شيبة 3/277، التمهيد 2/70/ الاستذكار 12/127، 128. (2) انظر: المراجع السابقة، وشرح الزرقاني على الموطأ 2/403، شرح معاني الاثار 2/180، المبسوط 4/10، بدائع الصنائع 2/147، فتح القدير 2/454، حاشية ابن عابدين 2/498. تنبيه: لم تعزُ مصادر الحنفية السابقة هذا القول إلا لابن عباس وحده، مما يدل على أن المروي عن هؤلاء التابعين خلافه. بل صرّح بذلك ابن الهمام في فتح القدير 2/454 فقال: (ذهب الحسن البصري، وسعيد بن جبير، وعطاء إلى أنه لا رمل بين الركنين. وذهب ابن عباس (فيما نقل عنه إلى أنه لا رمل أصلا. ونقله الكرماني عن بعض مشايخنا) . وظاهر هذا: أن هؤلاء التابعين مخالفون لابن عباس، وأنهم يقولون بمشروعية الرمل، إلا أنهم قد يختلفون مع الجمهور في قدره. وسيأتي التنبيه على أن الصحيح موافقتهم له. بل لم يعزُ ابن قدامة هذا القول لأحد، حتى لابن عباس، ولعله رأى أنه رجع عن ذلك حيث روى عن النبي (الرمل بعد عمرة القضية، وفتح مكة وظهور الإسلام بها، أو أن ثبوت الروايات الصحيحة، وما عليه عامة الصحابة لا تحتمل نقل الخلاف في ذلك. فقال 5/217 بعد أن بين حكم الرمل وأنه سنة: (ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافاً. وقد ثبت:» أن النبي (رمل ثلاثاً، ومشى أربعاً «. رواه جابر، وابن عباس، وابن عمر، وأحاديثهم متفق عليها. فإن قيل: إنما رمل النبي (وأصحابه لإظهار الجلد للمشركين.. قلنا: قد رمل النبي (وأصحابه، واضطبع في حجة الوداع بعد الفتح. فثبت أنها سنة ثابتة. وقال ابن عباس:» رمل النبي (في عُمَره كلها، وفي حجه، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، والخلفاء من بعده «رواه أحمد في المسند 1/225) .

بعض الحنفية (1) . الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، بالأحاديث الدالة على أن النبي (رمل في طوافه. ومن ذلك: 1- عن ابن عمر (: ((أن رسول الله (كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول، خبَّ ثلاثاً، ومشى أربعاً)) . 2- وعن جابر (في وصف حجة النبي (وفيه: ((.. حتى إذا أتينا البيت معه استلم الرُّكن فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم)) . 3- وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب (قال: سمعت عمر (يقول: ((فيمَ الرَّمَلان الآن، والكشف عن المناكب، وقد أطَّأ الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله؟ ومع ذلك لا ندع شيئاً كن نفعله على عهد رسول الله ()) (2) . وعن ابن عباس (: ((أن رسول الله (وأصحابه اعتمروا من الجعرانة،

_ (1) انظر: فتح القدير 2/454، حاشية ابن عابدين 2/498. (2) تقدم تخريج هذه الأحاديث الثلاثة في المطلب الثاني.

فرملوا بالبيت ثلاثاً، ومشوا أربعاً)) (1) . 2- وعنه (أنه قال: ((رمل رسول الله (في حجته، وفي عُمَرِه كلها، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، والخلفاء)) (2) . فدلّت هذه الأحاديث والآثار على: أن الرمل سنة باقية، لأن النبي (رمل في حجته، ولم يبق بمكة يومئذ أحد من المشركين. كما رمل الصحابة (بعده اتباعاً لسنته. واستدل أصحاب القول الثاني، بما يلي: عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس (: زعم قومك أن رسول الله (قد رمل بالبيت، وأن ذلك سنة؟ قال: صدقوا، وكذبوا. قلت: ما صدقوا، وما كذبوا؟ قال: صدقوا، رمل رسول الله (بالبيت, وكذبوا، ليست بسنة (3) . إن قريشاً قالت زمن الحديبية: دعوا محمداً وأصحابه حتى يموتوا موت النَّغَف (4) . فلما صالحوه على أن يجيء في العام المقبل فيُقيم ثلاثة أيام

_ (1) أخرجه أبو داود في المناسك، باب في الرمل 2/179 (1890) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2/180، والبيهقي 5/79. من طريق ابن خثيم عن أبي الطفيل عن ابن عباس به. وأخرجه أحمد 1/371، وأبو داود (1884) ، والبيهقي 5/79، من طريق ابن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس بنحوه، وتقدم في المطلب الثاني. (2) أخرجه أحمد 1/225، وأخرجه البيهقي مرسلا عن عطاء 5/83. وذكره في التلخيص 2/250 وسكت عنه. وانظر نيل الأوطار 5/111. (3) مراد ابن عباس (بقوله:» ليست بسنة «أي: أنه أمر لم يُسن فعله لكل المسلمين، على معنى القربة، كالسنن التي هي عبادات، ولكنه شيء فعله النبي (لسبب خاص. انظر: معالم السنن 1/193، القِرى ص 297. (4) النَّغَف: جمع نَغَفَة، وهي دود تكون في أنوف الأنعام. ويُقال للرجل إذا استُحقر واستُضعِف: ما هو إلا نغفة. انظر: معالم السنن 1/193، النهاية 5/87، القاموس المحيط ص 1108، القرى ص 297.

1- بمكة، فقدم رسول الله (وأصحابه، والمشركون على جبل قُعَيْقِعَان، فقال رسول الله (لأصحابه: ((ارملوا بالبيت ثلاثاً)) وليست بسنة (1) . 2- وعنه (قال: ((قدم رسول الله (وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب. قال المشركون إنه يقدم عليكم غداً قوم قد وهنتهم الحمّى، ولَقُوا منها شدة. فجلسوا مما يلي الحِجْر، وأمرهم النبي (أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين، ليرى المشركون جَلَدَهم. فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمّى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا. قال ابن عباس (: ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط الأربعة إلا الإبقاء عليهم)) (2) . 3- وعنه (قال: ((إنما سعى رسول الله (ورمل بالبيت ليُريَ المشركين قُوَّته)) (3) . قالوا: إن أمر النبي (لأصحابه (أن يمشوا بين الركنين حيث لا يراهم المشركون، دليل على أن الرمل إنما كان ليرى المشركون أن بهم قوة، وأنهم ليسوا بضعفاء، لا لأن ذلك سنة (4) . ومما يدل على ذلك، أنه لم يفعل ذلك لما حج (5) . كما دلّ عليه الحديثان التاليان:

_ (1) أخرجه بهذا اللفظ أبو داود (1885) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2/179 من طريق أبي عاصم الغنوي عن أبي الطفيل به. وأخرجه مسلم في الحج، باب استحباب الرمل 9/10- 12، وأحمد 1/229، والبيهقي 5/82، وغيرهم من طرق عن أبي الطفيل بنحوه ومختصراً. (2) أخرجه مسلم في الحج، باب استحباب الرمل في الطواف 9/12، 13. (3) متفق عليه. أخرجه البخاري في الحج، باب ما جاء في السعي (80) 2/171، ومسلم 9/139، واللفظ له. (4) انظر: شرح معاني الآثار 2/179. (5) المرجع السابق 2/180.

1- روى الحجاج بن أرطاة عن أبي جعفر وعكرمة عن ابن عباس (قال: لما اعتمر رسول الله (بلغ أهل مكة أن بأصحابه هزلاً، فلما قدم مكة قال لأصحابه: ((شُدوا ميازركم، وارملوا حتى يرى قومكم أن بكم قوة)) ثم حج رسول الله (فلم يرمل (1) . 2- وروى العلاء بن المسيب عن الحكم عن مجاهد عن ابن عمر (: ((أن النبي (رمل في العمرة، ومشى في الحج)) (2) . * الرأي المختار: إن ما ذهب إليه الجمهور من القول: بمشروعية الرمل، وبقاء استحبابه، هو الرأي المختار، لما يلي: 1. إن ما رواه ابن عباس (من رمل النبي (وأصحابه (في الأشواط الثلاثة الأول من الْحَجَر إلى الركن، ومشيهم ما بين الركنين، حكاية عما كان في عمرة القضية، وأن سبب مشروعية الرمل إنما كان ليرى المشركون أن بهم قوة، وأنهم ليسوا بضعفاء..، أكثر ما فيه أن سببه ما ذكره ابن عباس (، ولكنه صار سنة بذلك السبب، فبقي بعد زواله، كرمي الجمار، سببه رمي إبراهيم الخليل عليه السلام، الشيطان، ثم بقي بعد زوال ذلك السبب سنة ثابتة (3) .

_ (1) أورده ابن عبد البر في التمهيد 2/72. ولم أجده عند غيره. (2) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/180، وأورده ابن عبد البر في التمهيد 2/75. (3) انظر: المبسوط 4/10، وقد ترجم لذلك ابن خزيمة في صحيحه 4/211: (باب ذكر الدليل على أن السنة قد كان يسنها النبي (لعلة حادثة، فتزول العلة، وتبقى السنة قائمة إلى الأبد. إذ النبي (إنما رمل في الابتداء واضطبع، ليري المشركين قوته، وقوة أصحابه، فبقي الاضطباع والرمل سنتان إلى آخر الأبد) . ثم أورد حديث أسلم عن عمر بن الخطاب المتقدم في الأدلة. وانظر: شرح الزركشي 2/191.

1. إن ما روي عن ابن عباس (من إنكار سنية الرمل، لأنه إنما كان لإظهار القوة للمشركين، لعله رجع عن ذلك، إذ أنه ممن روى الرمل عن النبي (بعد عمرة القضية، وذهاب المشركين، وذلك في عمرة الجعرانة، وفي حجة الوداع، وروى ذلك عن الخلفاء بعده (. قال البيهقي: ((قد مضى في الحديث الثابت عن جابر بن عبد الله في صفة حج النبي (، حجة الوداع أنه حين أتى البيت، استلم الركن، فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً، وفيما روينا عن ابن عباس في عمرة الجعرانة، وذلك بعد عمرة القضية، أنهم رملوا ثلاثاً واضطبعوا)) (1) . 2. إن رواية الحجاج بن أرطاة عن ابن عباس (لا يُعارض بها ما رواه الثقات. فقد قال عنه الحافظ ابن حجر: ((صدوق، كثير الخطأ والتدليس)) (2) . وقال ابن عبد البر: ((فهذا يدلّك على ضعف رواية الحجاج، وأن ما قال أهل الحديث فيه: أنه ضعيف، مدلس، لا يُحتج بحديثه، لضعفه، وسوء نقله عندهم، حقٌ. وقد ثبت عن النبي (أنه رمل في حجته، فبطل ما خالفه. ولو كان ما حكاه الحجاج في روايته عن ابن عباس (صحيحاً لم يكن فيه حجة، لأنه ناف، والذي حكى أن رسول الله (رمل، وأخبر أنه عاينه يصنع ذلك مثبت، والمثبت أولى من النافي في وجه الشهادات والأخبار)) (3) .

_ (1) السنن الكبرى 5/82. وقال ابن كثير في البداية والنهاية 5/157 بعد أن أورد الأحاديث الدالة على رمل النبي (في حجة الوداع: (.. فكان ابن عباس يُنكر وقوع الرمل في حجة الوداع. وقد صح بالنقل الثابت، كما تقدم، بل فيه زيادة تكميل الرمل من الحجر إلى الحجر، ولم يمش ما بين الركنين اليمانيين، لزوال تلك العلة المشار إليها، وهي الضعف، وقد ورد في الحديث الصحيح عن ابن عباس:» أنهم رملوا من الجعرانة واضطبعوا «وهو ردّ عليه، فإن عمرة الجعرانة لم يبق في أيامها خوف، لأنها بعد الفتح) . (2) التقريب ص222. (3) التمهيد لابن عبد البر 2/57. وانظر: الاستذكار 12/134.

إن ما رواه العلاء بن المسيب عن ابن عمر (أنه (رمل في عمرته، ومشى في حجه. قيل: بأنه حديث لا يثبت، لأنه رواه الحفاظ موقوفا على ابن عمر (1) ، ولو كان مرفوعا، كان قد عارضه ما هو أثبت منه (2) ، كحديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر (: ((أن رسول الله (كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول، خبَّ ثلاثاً، ومشى أربعاً..، وكان ابن عمر يفعل ذلك)) (3) . وحديث عقبة عن نافع عن ابن عمر (: ((أن رسول الله (كان إذا طاف في الحج والعمرة أوّل ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت (4) ، ثم يمشي أربعة، ثم يصلي سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة)) ، وعن عبيد الله بن عمر عن نافع: ((أن ابن عمر (رمل من الحجر إلى الحجر. وذكر أن رسول الله (فعله)) (5) . فهذه الآثار كلها عن ابن عمر (تدفع حديث العلاء بن المسيب (6) . وقد ذكر حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر (: ((أنه كان إذا قدم مكة طاف بالبيت ورمل، ثم طاف بين الصفا والمروة. وإذا لبّى بها من مكة، لم يرمل بالبيت، وأخّر الطواف بين الصفا والمروة إلى يوم النحر)) (7) . وروى مالك عن نافع عن ابن

_ (1) انظر: التمهيد لابن عبد البر 2/57. (2) انظر: المرجع السابق. (3) تقدم تخريجه. (4) قال النووي في شرحه لصحيح مسلم 9/8: (قوله:» يسعى ثلاثة أطواف «فمراده يرمل. وسمّاه سعياً مجازاً، لكونه يُشارك السعي في أصل الإسراع، وإن اختلفت صفتهما) . (5) أخرجها كلها مسلم في الحج، باب استحباب الرمل في الطواف 9/6- 9. (6) قال ابن عبد البر بعد أن أورد ما رواه الشافعي بسنده عن ابن عمر (عن رسول الله (أنه رمل ثلاثة أشواط، ومشى أربعة. يعني في حجته. قال: (هذا خير من حديث العلاء ابن المسيب..، وأصح وأثبت إن شاء الله) . الاستذكار 12/138. (7) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/182. وأورده ابن عبد البر في التمهيد 2/76.

1. عمر نحوه (1) . وفي هذا الأثر عن ابن عمر أنه كان يرمل في الحجة إذا كان إحرامه بها من غير مكة، وكان لا يرمل في حجته إذا أحرم بها من مكة. قال ابن عبد البر: ((وهذا إجماع. من أحرم بالحج من مكة لا رمل عليه، إن طاف بالبيت قبل خروجه إلى منى. وعلى هذا يصح حديث مجاهد إن كان موقوفاً، وكانت حجة ابن عمر فيه مكية. وأما مرفوعاً، فلا يصح، لدفع الآثار الصحاح له في أن رسول الله (رمل في حجته، ولم تكن له حجة غيرها ()) (2) . وقال الطحاوي: ((فلا يخلو ما رواه مجاهد من أحد وجهين: إما أن يكون منسوخاً، فما نسخه فهو أولى منه. أو يكون غير صحيح عنه، فهو أحرى أن لا يُعمل به، وأن يجب العمل بخلافه)) (3) . 2. ثبت أنه (رمل في حجته، وكان ذلك بعد ظهور الإٍسلام بمكة، وخلّوها من الشرك وأهله، وعدم الحاجة لإظهار القوة للمشركين، من حديث ابن عمر، وجابر ((4) . قال الطحاوي: ((فلما ثبت عن رسول الله (أنه رمل في حجة الوداع ولا عدوّ، ثبت أنه لم يفعله إذ كان العدوّ، من أجل العدو. ولو كان فعله إذ كانوا من أجلهم، لما فعله في وقت عدمهم. فثبت بذلك أن الرمل في الطواف من سنن الحج المفعولة فيه، التي لا ينبغي تركها. وقد فعل ذلك أيضاً أصحاب رسول الله (من بعده)) (5) .

_ (1) بلفظ:» أن عبد الله بن عمر كان إذا أحرم من مكة، لم يطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى، وكان لا يرمل إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة «. الموطأ كتاب الحج، باب الرمل في الطواف 1/365 (111) . (2) التمهيد لابن عبد البر 2/76. (3) شرح معاني الآثار 2/182. (4) تقدم ذكر ذلك في المطلب الثاني. (5) شرح معاني الآثار 2/182. قال الكاساني في بدائع الصنائع 2/147: (لكنا نقول: الرواية عن ابن عباس (لا تكاد تصح، لأنه قد صح أن رسول الله (رمل بعد فتح مكة..، وكذا أصحابه (بعده رملوا، وكذا المسلمون إلى يومنا هذا، فصار الرمل سنة متواترة. فإما أن يُقال: إن أول الرمل كان لذلك السبب، وهو إظهار الجلادة، وإبداء القوة للكفرة، ثم زال ذلك السبب، وبقيت سنة الرمل على الأصل المعهود، أن بقاء السبب ليس بشرط لبقاء الحكم، كالبيع والنكاح وغيرهما. وإما أن يُقال: لما رمل النبي (بعد زوال ذلك السبب، صار الرمل سنة مبتدأة، فنتبع النبي (في ذلك، وإن كان لا نعقل معناه. وإلى هذا أشار عمر (حين رمل في الطواف، وقال: مالي أهز كتفي، وليس ههنا أحد رأيته. لكن اتبع رسول الله (، أو قال: لكن أفعل ما فعل رسول الله ()

1. ثبت أن عمر، وابن مسعود، وابن عمر (رملوا في طوافهم (1) . فإما أن يُقال: بعدم التعارض بينهما، وأن سبب المشروعية لا يمنع بقاء الحكم بعد ذهاب سببه، لثبوت النصوص الدالة على ذلك. وإما أن يُقال: بالنسخ عند التعارض، للعلم بالمتأخر. والله أعلم. * الفرع الثالث: حكم الاضطباع والرمل. اتفق العلماء ـ رحمهم الله ـ القائلون بمشروعية الاضطباع على أنه مستحب، وسنة من سنن الطواف (2) . فمن تركه، صح طوافه، ولا شيء عليه. وإنما فاته

_ (1) تقدمت الإشارة إلى بعض تلك الآثار. وانظر: مسند الشافعي 1/339 (876) ، التمهيد 2/74. قال ابن عبد البر في الاستذكار 12/137: (وقد ثبت عن عمر، وابن مسعود، وابن عمر أنهم كانوا يرملون في الطواف ثلاثاً. طواف القدوم، فصار سنة معمولاً بها، لا يضرها من جهلها وأنكرها) . (2) انظر: الإفصاح 1/269، المبسوط للشيباني 2/400، شرح معاني الآثار 2/182، المبسوط 4/10، 46، حاشية ابن عابدين 2/495، حلية العلماء 3/285، 384، الوسيط 2/648، المهذب والمجموع 8/19، 41 هداية السالك 2/807، المغني 5/216، 217، مجموع الفتاوى 26/122، فتح الباري 3/472.

أجر فضيلة المتابعة. قال الشافعي: ((وإن لم يضطبع بحالٍ، كرهته له، كما أكره له ترك الرمل في الأطواف الثلاثة، ولا فدية عليه، ولا إعادة)) (1) . واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ القائلون ببقاء مشروعية الرمل، هل هو من شروط الطواف وواجباته، أم من سننه ومستحباته؟ اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: إنه مستحب في الطواف. فمن تركه، صح طوافه، ولا شيء عليه. وإنما فاته أجر فضيلة المتابعة. قال الترمذي: ((قال الشافعي: إذا ترك الرمل عمداً، فقد أساء، ولا شيء عليه)) (2) . وإلى هذا القول ذهب: جمهور العلماء، ومنهم: أصحاب المذاهب الأربعة (3) .

_ (1) الأم 2/174. (2) السنن 3/212. (3) انظر: الإفصاح 1/269، شرح معاني الآثار 2/182، المبسوط 4/10، حاشية ابن عابدين 2/495، الفتاوى الهندية 1/219، الاستذكار 12/127، تنوير المقالة مع الرسالة 3/435، قوانين الأحكام الشرعية ص 139، التاج والإكليل 3/ 115،109، الشرح الصغير 2/355،352، الأم2/174، حلية العلماء 3/285، 384، الوسيط 2/648، المهذب والمجموع 8/45، هداية السالك 2/807، المغني 5/222، مجموع الفتاوى 26/122، فتح الباري 3/472. وقال ابن عبد البر في التمهيد 2/77: (وهو قول عطاء، وابن جريج، والشافعي فيمن اتبعه، وقول الأوزاعي، وأبي حنيفة وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور) . وقال 2/130: (الذي عليه أكثر الفقهاء: أن ذلك خفيف لا شيء فيه) . وقال الخطابي في معالم السنن1/194: (وقال عامة أهل العلم ليس على تاركه شيء) . تنبيه: يرى المالكية مشروعية الرمل لكل مُحْرم، سواء أكان آفاقياً، أم كان محرماً من دون المواقيت، كالتنعيم. إلا أن مشروعية الرمل لهما مختلفة، فمن أحرم من المواقيت، فيُسن له الرمل. وأمّا من أحرم من دونها، فيُندب له الرمل. قال الدردير في الشرح الصغير: (ومحل استنان الرمل فيها إن أحرم بحج أو عمرة أو بهما من المواقيت، بأن كان آفاقياً، أو من أهله..، وندب للطواف: رمل في الثلاثة الأول، لمحرم بحج أو عمرة، من دون المواقيت، كالتنعيم والجعرانة) . ومعنى ذلك أن مشروعية الرمل لمن أحرم من دون المواقيت دون من أحرم من المواقيت. قال المواق: (يُستحب لمن اعتمر من الجعرانة، أو التنعيم، أن يرمل، وليس وجوبه ـ يُريد مشروعيته ـ عليه، كوجوبه على من حج، أو اعتمر من المواقيت) . ومع وَصْف المالكية الرمل بأنه سنة، إلا أنهم لا يقولون بوجوب الدم بتركه.

القول الثاني: إنه واجب في الطواف. فمن تركه، فعليه دم. فإن كان محمولاً، رمل به حامله. وإلى هذا القول ذهب: إبراهيم النخعي (1) ، والحسن البصري، والثوري، وعبد الملك بن الماجشون (2) ، وابن حزم (3) ، واختلفت الرواية فيه عن مالك (4) .

_ (1) انظر: المحلى 7/96. وقال ابن حزم: (وروينا عن إبراهيم عليه الفدية) . (2) انظر: التمهيد 2/77، الاستذكار 12/138، 139، حلية العلماء 3/285، المغني 5/222، شرح مسلم للنووي 9/10. ونسبه للثوري، الخطابي في معالم السنن 1/194. (3) المحلى 7/96. وقال: (أمر النبي (أصحابه أن يرملوا، وأن يمشوا ما بين الركنين, فهذا أمر واجب) . وقال: (إذ أمر رسول الله (بالخبب في الأشواط المذكورة، فقد علمهم من أين يبتدئون؟ وكيف يمشون؟ فصار ذلك أمراً. وأمره عليه السلام فرض) . (4) انظر: التمهيد 2/77، الاستذكار 12/138، 139، تنوير المقالة 3/436، شرح مسلم للنووي 9/7. قال ابن عبد البر في التمهيد: (واختلف قول مالك وأصحابه فيمن ترك الرمل في الطواف، والهرولة في السعي، ثم ذكر وهو قريب. فمرة قال: يُعِيد. ومرة قال: لا يعيد. وبه قال ابن القاسم. واختلف قول مالك أيضاً فيما حكاه ابن القاسم عنه، هل عليه دم مع حاله هذه إذا لم يُعد أم لا شيء عليه؟ فمرة قال: لا شيء عليه. ومرة قال: عليه دم. وقال ابن القاسم: هو خفيف، ولا نرى فيه شيئاً. وكذلك روى ابن وهب في موطأه عن مالك، أنه استخفه، ولم ير فيه شيئاً. وروى معن بن عيسى عن مالك: أن عليه دماً. قال ابن القاسم: رجع عن ذلك. وقال عبد الملك بن الماجشون: عليه دم. وهو قول الحسن البصري، وسفيان الثوري. وذكر ابن حبيب بن مطرف، وابن القاسم: أن عليه في قليل ذلك وكثيره دماً) . وقال النووي في شرح مسلم 9/10: (وكان مالك يقول به ـ أي: وجوب الدم ـ ثم رجع عنه) . ونحوه في تنوير المقالة. تنبيه: عزا ابن رشد في بداية المجتهد 1/340 القول بوجوب الدم بتركه إلى الجمهور فقال: (واختلفوا في حكم الرمل في الثلاثة الأشواط الأول للقادم، هل هو سنة أو فضيلة؟ فقال ابن عباس: هو سنة، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، وإسحاق، وأحمد، وأبو ثور. واختلف قول مالك في ذلك وأصحابه. والفرق بين القولين: أن من جعله سنة، أوجب في تركه الدم. ومن لم يجعله سنة، لم يوجب في تركه شيئاً) وهو وَهْمٌ بيِّن. وقول ابن رشد: إنه سنة مع إيجاب الدم بتركه. موافق لمصطلح المالكية في إطلاقهم السنة، وإرادة الواجب الذي يجب بتركه دم في المناسك. انظر: بحث: أنواع الطواف وحكمه. ص 290.مجلة البحوث الإسلامية، العدد (50) .

الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، بما يلي: 1- عن ابن عباس أنه قال فيمن ترك الرمل: ((لا شيء عليه)) (1) . 2- وبالبراءة الأصلية. إذ أن الرمل شيء مختلف فيه، هل هو سنة ومشروع، أم لا؟ فإيجاب الدم على من تركه، وإخراج مالٍ من يد صاحبه، إنما يكون في شيء واجب بيقين، لا شك فيه. والأصل براءة الذمم (2) . 3- إن ترك الرمل ليس إسقاطاً لنفس العمل، وإنما هو سقوط لهيئة العمل، والهيئات لا تُجبر (3) .

_ (1) أورده ابن عبد البر معلقاً في التمهيد 2/77، والاستذكار 12/139، وكذا ابن حزم في المحلى 7/96. وقال: (وروينا عن ابن عباس، وعطاء: ليس على من ترك الرمل شيء) . (2) انظر: التمهيد 2/77، الاستذكار 12/139. (3) انظر: التمهيد 2/77، الحاوي 4/142، شرح الرزكشي 2/194، شرح مسلم للنووي 9/7. وعبّر عن هذا المعنى ابن قدامة في المغني 5/222، فقال: (إن الرمل هيئة في الطواف، فلا يجب بتركه إعادة ولاشيء، كهيئات الصلاة) .

1- إن تارك طواف القدوم لا يلزمه جبران أصلاً، فتارك هيأته، أولى بعدم الوجوب (1) . 2- إن ترك الاضطباع في الطواف لا يجب به شيء، فكذلك ترك الرمل فيه (2) . استدل أصحاب القول الثاني، بما يلي: 1- بحديث ابن عباس (وفيه: ((.. وأمر النبي (أصحابه (أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين)) (3) . قالوا: فهذا أمر من النبي (بالرمل، فدلّ ذلك على وجوبه (4) . 2- إن الرمل نُسك. فمن تركه، فعليه دم، لقول ابن عباس (: ((مَن نسي مِن نسكه شيئاً، أو تركه، فليُهْرِق دماً)) (5) . قال ابن عبد البر: ((ومن جعله نسكاً، حكم فيه بذلك)) (6) . * الرأي المختار: الذي يظهر ـ والله أعلم ـ هو رجحان القول الأول، القائل: إنه ليس على

_ (1) انظر: الحاوي 4/142، المغني 5/222، وهذا محل نظر، لأن المالكية يرون وجوب طواف القدوم. (2) انظر: المغني 5/222. (3) تقدم تخريجه. (4) انظر: المحلى 7/96. (5) أخرجه مالك في الموطأ في الحج، باب ما يفعل من نسي من نسكه شيئاً 1/419 من طريق أيوب السختياني عن سعيد بن جبير به، والدارقطني من طُرق عن أيوب السختياني عن سعيد ابن جبير به 2/244، والبيهقي 5/30، 152، قال النووي في المجموع 8/101 (حديث:» من ترك نسكاً فعليه دم «رواه مالك، والبيهقي وغيرهما بأسانيد صحيحة عن ابن عباس موقوفاً عليه، لا مرفوعاً) . ووافقه الألباني في الإرواء (1100) . (6) التمهيد 2/77.

تارك الرمل شيء، لوجاهة ما ذكروه من حجج من حيث الجملة، ولما يلي: 1. إن غاية ما استدل به أصحاب القول الثاني، أثر ابن عباس (، وهذا بالاتفاق لا يلزم في كل فِعْل من أفعال النسك. إذ من النسك ما هو من باب السنن والمندوبات، بل منها ما يكون من باب المباحات. فالمراد بالنسك الذي يجب بتركه دم، ما كان من باب الواجبات (1) . 2. روي عن ابن عباس (فيمن ترك الرمل: ((أنه لا شيء عليه)) فدلّ ذلك على أن ترك الرمل ليس من النسك الموجب للدم.

_ (1) انظر: مجموع الفتاوى 20/95.

المطلب الخامس: وقت الاضطباع والرمل.

المطلب الخامس: وقت الاضطباع والرمل. الاضطباع والرمل من أعمال الطواف، فيكون فعلهما، وَقْت ابتداء الشروع في الطواف، ولا بأس من الاستعداد بالاضطباع قبل الشروع فيه بوقت يسير1. قال ابن تيمية: “ وأول ما يضطبع، إذا أراد أن يستلم الحجر، قبل أن يستلم، فيما ذكره كثير من أصحابنا..، وهو ظاهر حديث ابن عباس. وقال أحمد في رواية المروذي: يضطبع بعد أن يستلم الحجر”2. وقال الشافعي: “ وإن تهيأ بالاضطباع قبل دخوله الطواف، فلا بأس” 3. أما ما يفعله كثير من العوام، من ملازمة الاضطباع من حين الإحرام، فهو من الأخطاء. وقد نبّه على ذلك بعض العلماء. قال في إرشاد الساري: “وليس كما يتوهمه العوام من أن الاضطباع سنة جميع أحوال الإحرام. بل الاضطباع سنة مع دخوله في الطواف”4. واتفقوا على أن وقت الرمل في الأشواط الثلاثة الأول من الطواف5،

_ 1 وهو معنى ما عبّر عنه الجاسر في مفيد الأنام ص 238 بقوله: “والاضطباع محله، إذا أراد الشروع في الطواف”. وقال ابن جماعة في هداية السالك 2/807: “ويُستحب الاضطباع مع دخوله في الطواف، لحديث ابن عباس، فإن اضطبع قبله بقليل فلا بأس”. وانظر: شرح الإيضاح ص230، فتح القدير 2/452، حاشية ابن عابدين 2/495، منسك ملا القاري ص 88. 2 شرح العمدة 3/422. وانظر: هداية السالك 2/808. 3 الأم 2/174. 4 ص 88. وانظر: مفيد الأنام ص 238. ونقل ابن عابدين في حاشيته 2/481 عن بعض المحشين قوله: “إن أكثر كتب المذهب ناطقة بأن الاضطباع يُسن في الطواف لا قبله في الإحرام، وعليه تدل الأحاديث، وبه قال الشافعي”. 5 انظر: تحفة الفقهاء 1/401، وبدائع الصنائع 2/147، الفتاوى الهندية 1/226، فتاوى قاضيخان 1/292، إرشاد الساري ص 88، تنوير المقالة مع الرسالة 3/435، قوانين الأحكام الشرعية ص 139، منسك خليل ص 68، الشرح الكبير 2/41، 43، المجموع 8/41، المغني 5/220، هداية السالك 2/802، المحرر في الفقه 1/245، المحلى 7/95. وسيأتي قريباً حكاية الخلاف في ذلك عن ابن الزبير رضي الله عنهم. تنبيه: نبّه ابن القيم في زاد المعاد 2/305 على ما وقع فيه ابن حزم في هذا الباب. فقال: “ومنها وَهْمٌ فاحش لأبي محمد بن حزم، أنه رمل في السعي ثلاثة أشواط، ومشى أربعة. وأعجب من هذا الوهم، وهمه في حكاية الاتفاق على هذا القول، الذي لم يقله أحد سواه”.

لثبوت ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في دليل المشروعية. قال السرخسي: “على هذا اتفق رواة نسك رسول الله” 1. وقال النووي: “ويفترق الرمل عن الاضطباع بشيء واحد، وهو أن الاضطباع مسنون في جمع الطوفات السبع. وأما الرمل فإنما يُسن في الثلاث الأول، ويمشي في الأربع الأواخر”2. واتفقوا على أن مَن ترك الرمل في شوط من الثلاثة الأول، أتى به في الاثنين الباقيين. وأن من تركه في اثنين، أتى به في الثالث 3. وأن من تركه في الثلاثة، لم يقضه في الأربعة الباقية، لأنها هيئة فات موضعها، فسقطت، كالجهر في الركعتين الأوليين، ولأن المشي هيئة في الأربعة، كما أن الرمل هيئة في الثلاثة، فإذا رمل في الأربعة الأخيرة، كان تاركاً للهيئة في جميع طوافه 4.

_ 1 المبسوط 4/11. وانظر: الهداية 2/454. 2 المجموع 8/21. 3 قال ابن قدامة في المغني 5/221: “كذلك قال الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، لأن تركه للهيئة في بعض محلها لا يُسقطها في بقية محلها، كتارك الجهر في إحدى الركعتين الأولتين، لا يُسقطه في الثانية”. 4 انظر: مراجع الاتفاق السابقة، ومنسك خليل ص 68، منسك ملا القاري ص 108.

لكنهم اختلفوا من ذلك في مسائل، منها: وقت الاضطباع في الطواف. هل هو في جميع أشواطه، أو في بعضها؟ وفي استدامته بعد الطواف حال الصلاة، وأثناء السعي 1.

_ 1 تنبيه: سأتناول في هذا البحث الاضطباع في الصلاة لارتباطها بالطواف. أما الاضطباع في السعي فإنه يرتبط بأحكام السعي. وخلاصة مسألة الاضطباع في السعي: أن العلماء اختلفوا في ذلك على قولين: 1- ذهب جمهور العلماء، من الحنفية، والحنابلة، وهو وجه للشافعية إلى: أن الاضطباع لا يُستحب، ولا يُشرع في السعي، وإنما يُقتصر فيه على الطواف. وحجتهم في ذلك: أنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اضطبع في السعي. فدلّ ذلك على عدم مشروعيته فيه. إذ السنة في الاقتداء به صلى الله عليه وسلم. قال أحمد: “ما سمعت فيه شيئاً”. وأن الاضطباع تَعَبُّد محض، لا يُعقل معناه، فلا يصح فيه القياس. 2- وذهب الشافعية في الأصح إلى: أنه يُستحب الاضطباع في السعي، كما يُستحب ذلك في الطواف. وحجتهم في ذلك: حديث يعلى بن أمية رضي الله عنهم قال:» رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعاً بين الصفا والمروة بِبُرد نجراني «أخرجه أحمد 4/223. وقالوا: يُضطبع في السعي لأنه أحد الطوافين، فأشبه الطواف بالبيت. والمسألة متوقفة على صحة حديث يعلى. وبالنظر في تخريجه تبيّن ضعف هذه الرواية، وعدم صحتها. إذ أخرجها أحمد من طريق عمر بن هارون، عن الثوري. وقد روى هذا الحديث عن الثوري آخرون، لم يذكروا:» بين الصفا والمروة «. منهم قبيصة، ومحمد ابن كثير، ووكيع وغيرهم. كلهم كما قال الترمذي من طريق الثوري عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير، عن ابن يعلى، عن أبيه. “وقد تقدّم تخريج حديث يعلى، في أدلة المشروعية”. وبهذا يتبين مخالفة عمر بن هارون لغيره. ومثل هذه المخالفة لا تُقبل من الثقة. فكيف تُقبل منه. وقد وصفه ابن حجر في التقريب ص 728: بأنه متروك. فما ذهب إليه أصحاب القول الأول، من عدم مشروعية الاضطباع في السعي، هو الراجح. والله أعلم. “تتمة” على هذا القول اختلف الشافعية، هل يكون الاضطباع في جميع مسافة السعي بين الصفا والمروة، ومن أول السعي إلى آخره، أو إنما يضطبع في موضع سعيه، دون موضع مشيه؟ وجهان. وصف النووي الثاني منهما: بالشذوذ. انظر: حاشية ابن عابدين 2/495، المغني 5/217، الشرح الكبير 9/81، شرح العمدة 3/423، كشاف القناع 2/556، روضة الطالبين 3/88، إعانة الطالبين 2/300، فتح الوهاب 1/246، القرى ص 304. ووصف النووي في المجموع 8/20 القول الموافق للجمهور بالشذوذ. فقال: “وفيه وجه شاذ، إنه لا يُسن فيه. ممن حكاه: الرافعي”. وقال عن القول الآخر: “هذا هو المذهب، وبه قطع الجمهور”.

ومن وقت الرمل، اختلفوا في حكمه في جميع الأشواط السبعة. وفي موضعه. هل الرمل في جميع الشوط، فيرمل من الحجر إلى أن يعود إليه، أو من الحجر إلى الركن اليماني؟ وسأتناول ذلك في الفروع التالية: الفرع الأول: وقت الاضطباع. اتفق العلماء ـ رحمهم الله ـ على أن الاضطباع يكون في الطواف الذي يُرمل فيه. قال النووي: “وكل طواف سُنَّ فيه الرمل، سُنِّ فيه الاضطباع، وما لا، فلا”1. وقال ابن جماعة: “وإنما يُضطبع في الطواف الذي يُرمل فيه”2. لكنهم اختلفوا في وقت الاضطباع في الطواف. هل يكون في جميع أشواطه، أو يُقتصر فيه على الأشواط التي يُرمل فيها، وهي الأشواط الثلاثة الأول؟ اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: إن الاضطباع سنة في جميع الطواف.

_ 1 روضة الطالبين 3/88، وقال في المجموع 8/21: “.. وهذا لا خلاف فيه”. 2 هداية السالك 2/807.

وإلى هذا ذهب: جمهور العلماء، ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة1. القول الثاني: إن الاضطباع إنما يُشرع في الأشواط الثلاثة الأول، التي يُرمل فيها، فإذا فرغ من الرمل، سوَّى رداءه. وإلى هذا القول ذهب: أحمد في رواية، وقاله الأثرم من الحنابلة 2. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، بما يلي: بحديث يَعلَى بن أمية رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعاً” 3. قالوا: فدلّ ذلك على اضطباعه صلى الله عليه وسلم أثناء طوافه، فينصرف إلى جميع الطواف 4. واحتج أصحاب القول الثاني، فقالوا: إن الاضطباع إنما هو معونة على الرمل، وإنما فُعِل تبعاً له، فإذا لم يرمل، لم يضطبع 5. الرأي المختار: ما ذهب إليه الجمهور، من أن الاضطباع يكون في جميع الطواف، هو الرأي المختار، لما يلي:

_ 1 انظر: حاشية ابن عابدين 2/495، إرشاد الساري ص 88، شرح الإيضاح ص 257، روضة الطالبين 3/88، المجموع 8/20، هداية السالك 2/807، المغني 5/217، الشرح الكبير 9/81، شرح العمدة 3/423، الإنصاف 9/80، المنتهى 2/141. وقال المرداوي: “الصحيح من المذهب، أن الاضطباع يكون في جميع الأسبوع”. 2 انظر: المغني 5/217، الشرح الكبير 9/81، الفروع 2/495، وأطلقهما الزركشي في شرحه 2/190، الإنصاف 9/80. 3 تقدم تخريجه في المطلب الثاني. 4 انظر: المغني 5/217. 5 انظر: شرح العمدة 3/423.

إن حديث يعلى رضي الله عنه ظاهر فيما ذهب إليه أصحاب هذا القول، إذ يشمل جميع أشواط الطواف. لو ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر في اضطباعه على بعض الطواف، لنُقِل كما نُقل اقتصاره في الرمل على الأشواط الثلاثة الأول. والله أعلم. الفرع الثاني: الاضطباع في الصلاة. اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ القائلون بمشروعية الاضطباع في جميع الطواف، في استدامته بعد الطواف، والصلاة على تلك الهيئة. اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: إن الاضطباع خاص بالطواف. فلا يُستحب استدامته في ركعتي الطواف. بل إن الصلاة على هذه الهيئة مكروهة. فإذا فرغ من طوافه ستر عاتقيه. وإلى هذا ذهب: جمهور العلماء، منهم: الحنفية1، والأصح عند الشافعية2، والحنابلة.

_ 1 انظر: حاشية ابن عابدين 2/495، منسك ملا القاري ص 88. 2 انظر: الوسيط 2/649، الحاوي 4/140، شرح الإيضاح ص 257، روضة الطالبين 3/88، إعانة الطالبين 2/300، مغني المحتاج 1/490، فتح الوهاب 1/246، هداية السالك 2/808. قال النووي في المجموع 8/20: “وهل يُسن الاضطباع في ركعتي الطواف؟ فيه وجهان: الأصح، لا يسن، لأن صورة الاضطباع مكروهة في الصلاة. فإن قلنا لا يُسن في الصلاة، طاف مضطبعاً. فإذا فرغ من الطواف، أزال الاضطباع وصلى ثم اضطبع فسعى. وإن قلنا: إنه يضطبع في الصلاة. اضطبع في أول الطواف، ثم أدامه في الطواف ثم في الصلاة، ثم السعي، ولا يزيله حتى يفرغ من السعي. واعلم أن هذين الوجهين في استحباب الاضطباع في ركعتي الطواف مشهوران في كتب الخراسانيين، وقطع جمهور العراقيين بعدم الاستحباب، واتفق الخراسانيون على أنه الأصح. قال القاضي حسين، وإمام الحرمين وغيرهما: سبب الخلاف: أن الشافعي قال: “ويديم الاضطباع حتى يكمل سعيه”. فقال بعضهم: سعيه بياء مثناة بعد العين. وقال بعضهم: سبعة. بباء موحدة قبل العين، إلى الطوفات السبع. ثم المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور، أنه يضطبع في السعي بين الصفا والمروة، ومن أول السعي إلى آخره. وحكى الدارمي وجهاً عن ابن القطان أنه إنما يضطبع في موضع سعيه دون موضع مشيه. وهذا شذوذ مردود. والله أعلم”.

ولذلك نبّه العلماء على ستر المنكب عند صلاة ركعتي الطواف، لكثرة ما يقع من الإخلال بذلك. قال الموفق ابن قدامة: “ وإذا فرغ من الطواف سوَّى رِداءه، لأن الاضطباع غير مستحب في الصلاة”1. بل حكى غير واحد كراهة الصلاة في تلك الحال. قال ابن تيمية: “ فإذا قضى طوافه سوّى ثيابه، ولم يضطبع في ركعتي الطواف، لأن الاضطباع في الصلاة مكروه. هكذا قال القاضي، وابن عقيل وغيرهما” 2. القول الثاني: يستحب استدامة الاضطباع بعد الفراغ من الطواف، فيصلي الركعتين على تلك الهيئة. وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في وجه 3. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، بما يلي: بقول يعلى بن أمية رضي الله عنه: “إن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعا” 4. وظاهره أن

_ 1 المغني 5/217. وانظر: الشرح الكبير 9/81. 2 شرح العمدة 3/423. وانظر: منسك ملا القار ص 88، روضة الطالبين 3/88. 3 انظر: المصادر السابقة للشافعية. وقال النووي في روضة الطالبين: “ولا يسن في ركعتي الطواف على الأصح، لكراهة الاضطباع في الصلاة، فعلى هذا إذا فرغ من الطواف أزال الاضطباع ثم صلى الركعتين”. 4 تقدم تخريجه في المطلب الثاني.

ذلك مختص بالطواف، دون الصلاة. لا يُشرع الاضطباع قبل الطواف، فكذلك لا يُشرع بعد الفراغ منه 1. إن الصلاة على هذه الهيئة، وهي كونه مضطبعاً، لبسة اشتمال الصماء2، التي جاء النهي عنها في عدة أحاديث 3. أما أصحاب القول الثاني، فلم أقف لهم على دليل أو تعليل. ويمكن أن يُستدل لهم بما يلي: بحديث ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً: “الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله أباح فيه المنطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير” 4. فدل ذلك على أنه يُشرع في الصلاة ما يُشرع في الطواف. إن الصلاة تابعة للطواف وملحقة به، فأخذت حكمه في اللباس والهيئة. إن الاضطباع يُشرع في الطواف وكذا في السعي5، والصلاة بينهما، فيستمر مضطبعاً من حين ابتداء المشروعية إلى انتهائها.

_ 1 شرح العمدة 4/352. 2 انظر أقوال العلماء في بيان لبسة اشتمال الصماء: شرح العمدة 4/352- 357، البحر الرائق 2/26، بدائع الصنائع 1/219. 3 منها: حديث أبي سعيد رضي الله عنهم قال:» نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبستين، واللبستان: اشتمال الصماء. والصماء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب. واللبسة الأخرى احتباؤه بثوبه، وهو جالس، ليس على فرجه منه شيء «رواه البخاري. وقد تقدم تخريجه في المطلب الأول. 4 أخرجه أحمد، والنسائي، والدارمي، والحاكم، وابن خزيمة، وابن حبان وغيرهم. وقال الألباني في الإرواء 1/158: “وجملة القول: إن الحديث مرفوع صحيح. ووروده أحياناً موقوفاً، لا يُعِلِّه”. 5 أي: على المذهب عند الشافعية، القائلين بهذا القول.

الرأي المختار: إن ما ذهب إليه جمهور العلماء، من أن على من فرغ من طوافه أن يستر منكبيه، وأن لا يصلي مضطبعاً، هو الرأي المختار، وذلك لما يلي: لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى مضطبعاً في عُمَرِه، أو حجته، ولو فعل ذلك لتوفرت الدواعي لنقله، وخاصة في حجته، كما نُقِل غير ذلك من أفعاله صلى الله عليه وسلم في مناسكه. إن الواصفين لطوافه صلى الله عليه وسلم ذكروا الاضطباع والرمل فيه. وخصوا الرمل بأنه في الأشواط الثلاثة الأول. فدلّ ذلك على أن الاضطباع كان في جميع الأشواط. إن الاضطباع في الصلاة هيئة جاء النهي عنها، فتكره مطلقاً، سواء أكانت بعد طواف، أم في غيره. ولم يرد دليل بالتخصيص. والله أعلم. الفرع الثالث: موضع الرمل من البيت. اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في موضع الرمل من البيت. هل هو من الْحَجَر الأسود إلى أن يعود إليه، أو من الحجر إلى الركن اليماني؟ اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: إن الرمل في الأشواط الثلاثة الأول كلها. فيرمل من الحجر الأسود إلى أن يعود إليه، لا يمشي في شيء من ذلك. وإلى هذا القول ذهب: الجمهور، ومنهم: أصحاب المذاهب الأربعة1.

_ 1 انظر: المبسوط 4/11، تحفة الفقهاء 1/401، البحر الرائق 2، 353، بداية المبتدي 2/454 حاشية ابن عابدين 2/495، الفتاوى الهندية 1/226، الأم 2/174، الحاوي 4/141، المجموع 8/41، مختصر الخرقي ص 47، المغني 5/218، مجموع الفتاوى 26/121. قال الموفق ابن قدامة: “رُوي ذلك عن: عمر، وابن عمر، وابن مسعود، وابن الزبير (، وبه قال: عروة، والنخعي، ومالك، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي”. وقال النووي: “فيه طريقان. الصحيح المشهور، وبه قطع الجمهور، يستوعبه..، والثاني: حكاه إمام الحرمين وغيره، فيه قولان. وذكرهما الغزالي وجهين. أصحهما هذا”.

قال الكاساني: “ وهذا قول عامة العلماء” 1. وروى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: “ الرمل في الطواف، ثلاثة أشواط، من الحجر الأسود، إلى الحجر الأسود، ويمشي أربعة أشواط. وكذلك قال أهل المدينة. وقالوا: وذلك الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا” 2. القول الثاني: إن الرمل إنما هو من الحجر الأسود، إلى الركن اليماني. فيمشي ما بين الركنين. وهذا القول مروي عن: طاوس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعطاء، والحسن، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله 3.

_ 1 بدائع الصنائع 2/147. 2 كتاب الحجة 2/278. وانظر: الموطأ، كتاب الحج، باب الرمل في الطواف 1/364. 3 انظر: المغني 5/218، المبسوط 4/11، بدائع الصنائع 2/147، فتح القدير 2/454. تنبيه: سبق في الفرع الثاني، من المطلب الرابع: “مشروعية الرمل” بيان أن المروي عن هؤلاء التابعين: عدم مشروعية الرمل. وقد صرّح بذلك ابن عبد البر، فقال: “قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة وأصحابهم، والثوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه: أن الرمل سنة..، وقال آخرون: ليس الرمل بسنة، ومن شاء فعله، ومن شاء لم يفعله. وروي ذلك عن جماعة من التابعين منهم: عطاء، وطاوس، ومجاهد، والحسن، وسالم، والقاسم، وسعيد بن جبير. وهو الأشهر عن ابن عباس” الاستذكار 12/127. ونسبَتْ هذه المصادر لهم القول بالرمل من الحجر إلى الركن. وظاهر هذا أنهم يقولون بمشروعية الرمل، إلا أنهم يخالفون الجمهور في موضعه. وقد صرّح بذلك ابن الهمام في فتح القدير 2/454 فقال: “ذهب الحسن البصري، وسعيد بن جبير، وعطاء إلى أنه لا رمل بين الركنين. وذهب ابن عباس رضي الله عنهم فيما نُقل عنه إلى أنه: لا رمل أصلاً. والتحقيق في هذا: أن المروي عن هؤلاء التابعين موافق لما ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهم، فإن الأدلة التي استدل بها هؤلاء على الرمل من الحجر إلى الركن، هي نفس أدلة ابن عباس رضي الله عنهم على عدم مشروعية الرمل، فكلهم استدل بأحاديث طوافه صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية، إذ اقتصر في رمله من الحجر إلى الركن. فالصواب ما حكاه ابن عبد البر. والله أعلم.

وبه قال الشافعية في قول أو وجه1، وجعله ابن حزم لمن شاء 2. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، وهم الجمهور، بما يلي: بحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: “ رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر، إلى الحجر ثلاثاً، ومشى أربعاً” 3. وعنه رضي الله عنه أنه كان يرمل من الحجر، إلى الحج. ثم يقول: “هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم “4. وعن جابر رضي الله عنه قال: “ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه، ثلاثة أطواف”. وعنه رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل الثلاثة أطواف من الحجر إلى الحج” رواهن جميعاً مسلم 5. قال “ حديث جابر حديث حسن صحيح،

_ 1 انظر: الوسيط 2/650، المجموع 8/41. 2 قال ابن حزم في المحلى 7/95: “ثم يطوف بالبيت من الحجر الأسود إلى أن يرجع إليه سبع مرات، منها ثلاث خبباً..، ومن شاء أن يخبّ في الثلاث الطوفات، وهي الأشواط من الركن الأسود ماراً على الحجر إلى الركن اليماني، ثم يمشي رفقاً من اليماني إلى الأسود في كل شوط من الثلاثة، فذلك له”. 3 انظر: المبسوط 4/11. 4 أخرجه الشافعي، كما في ترتيب مسنده 1/342 “884”. 5 في الحج، باب استحباب الرمل في الطواف 9/8، 9. مع شرح النووي.

والعمل على هذا” 1. وعن عطاء: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من سبعة أشواط ثلاثة أطواف خبباً، ليس بينهن مشي” 2. واستدل أصحاب القول الثاني، بما يلي: بحديث ابن عبا س رضي الله عنه قال: “قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمّى يثرب. قال المشركون: إنه يقدم عليكم غداً قوم وهنتهم الحمى، فلقوا منها شدّة. فجلسوا مما يلي الْحِجْر. وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين، ليرى المشركون جَلَدهم. فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم؟ هؤلاء أجلد من كذا وكذا. قال ابن عباس: ولم يمنعه من أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم” 3. إن الرمل في الأصل كان لإظهار الجلادة للمشركين، والمشركون إنما كانوا يطلعون على المسلمين من ذلك الجانب، فإذا صاروا إلى الركن اليماني، لم يطلعوا عليهم، لصيرورة البيت حائلاً بينهم وبين المسلمين 4. الرأي المختار: ما ذهب إليه الجمهور، من استيعاب الرمل من الحجر الأسود، إلى أن

_ 1 السنن 3/212. 2 أخرجه الشافعي، كما في ترتيب مسنده 1/343 “885”. 3 متفق عليه. أخرجه البخاري في الحج، باب كيف كان بدء الرمل “55” 2/161، وفي المغازي، باب عمرة القضاء “43” 5/86، ومسلم في الحج، باب استحباب الرمل في الطواف 9/12. وقد استدل بمعناه في المبسوط 4/11. 4 انظر: بدائع الصنائع 2/147.

يعود إليه، في الأشواط الثلاثة الأول، هو الرأي المختار، لما يلي: إن الروايتين باستيعاب الرمل بالبيت، وعدم استيعابه صحيحتان، فيتعين الجمع بينهما، وطريق الجمع: أن يُحمل حديث ابن عباس بأنه كان في عمرة القضية، سَنة سبع من الهجرة، قبل فتح مكة، وكان أهلها مشركين حينئذ. وأمّا حديث ابن عمر، وجابر فقد كان في حجة الوداع، سَنة عشر، فيكون متأخراً، فيتعيّن الأخذ به 1. لو قيل: بالتعارض بينهما، فإن رواية ابن عباس فيها نفي الرمل بين الركنين، ورواية ابن عمر، وجابر تُثبت الرمل بينهما، والْمُثبت مقدّم على النافي 2. لو اقتضى الأمر الترجيح بين الروايين، فإن ابن عباس كان في تلك الحال صغيراً، لا يضبط مثل جابر، وابن عمر، فإنهما كانا رجلين يتتبعان أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ويحرصان على حفظها، فهما أعلم، وروايتهما تُقدّم 3. إن جُلّ الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرملون من الحجر إلى الحجر، فلو علموا من النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ابن عباس، ما عدلوا عنه إلى غيره 4. يُحتمل أن يكون ما رواه ابن عباس قضية عين اختصّ بها الذين كانوا في عمرة القضية، لضعفهم، والإبقاء عليهم. وما رواه ابن عمر، وجابر سُنّة لجميع الناس 5. الجواب عن قولهم: إن الرمل كان لإظهار القوة والجلادة..: إن الرمل في

_ 1 انظر: المغني 5/219، المجموع 8/42، القرى ص 302. 2 انظر: المغني 5/219، فتح القدير 2/455. 3 انظر: المغني 5/219. 4 انظر: المغني 5/219. 5 انظر: المغني 5/219.

عمرة القضية كان لذلك السبب، وقد زال، وبقي حكمه، أو صار الرمل بعد ذلك سنة مبتدأة، لا لِمَا شُرِع له أولاً. بل لمعنىً آخر لا نعقله1. والله أعلم. الفرع الرابع: قَدْر الرمل من الطواف. اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ القائلون بمشروعية الرمل، في قدره. هل يُقتصر فيه على الأشواط الثلاثة الأول منه، أو يُشرع في جميع الطوفات السبع؟ اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: إن الرمل إنما يُشرع ويُسن في الأشواط الثلاثة الأول من الطواف. وأن السُّنَّة في الأربعة الأُخر إنما هو المشي المعتاد. بل من ترك الرمل في الثلاثة الأول، لم يُشرع له قضاؤها في الأربعة الأخر. وإلى هذا ذهب: جمهور العلماء 2. القول الثاني: إن الرمل يُسن في جميع الطوفات السبع. وإلى هذا ذهب: عبد الله بن الزبير رضي الله عنه 3. وذهب ابن حزم 4، وبعض الحنفية إلى جوازه 5.

_ 1 انظر: بدائع الصنائع 2/147. ولا يعارض هذا ما جاءت الإشارة إليه من احتمال حِكَمٍ أخرى ذكرها العلماء، كتذكر نعمة الله بظهور الإسلام. 2 انظر حكاية الاتفاق على ذلك في أوّل هذا المطلب. 3 انظر: المحلى 7/96، القرى ص 303، شرح النووي على صحيح مسلم 9/10. 4 انظر: المحلى 7/96. وقال بعد أن ذكر أثر ابن عمر وأنه كان يرمل الثلاث، ويمشي الأربع “فهذا بيان الرمل إنما هو في الثلاثة الأشواط الأول، وأن الرمل في جميع تلك الأشواط جائز”. 5 انظر: المبسوط للشيباني 2/405، 406، المبسوط 4/49، بدائع الصنائع 2/135، البحر الرائق 2/355. قال السرخسي: “وإن رمل في طوافه كله، لم يكن عليه شيء، لأن المشي على هينته في الأشواط الأربعة من الآداب، وبترك الآداب، لا يلزمه شيء”.

الرأي المختار: لم أقف على حجة لما ذهب إليه ابن الزبير رضي الله عنه ومن معه. غاية ما ذكره العلماء عن ابن الزبير: أنه فعل ذلك. فعن مجاهد قال: خرج ابن الزبير، وابن عمر رضي الله عنهم فاعتمروا من الجعرانة، وفيه: “.. فلما دخل ابن الزبير، ناداه ابن عمر: أرمل الثلاث الأول. فرمل ابن الزبير السبع كله” 1. وعنه أنه كان يُسرع المشي في الطواف، وربما كان يرمل السبع كله 2. وقال النووي: “ قال عبد الله بن الزبير: يُسن ـ أي: الرمل ـ في الطوفات السبع” 3. ولا ريب أن مثل ذلك لا تُعارض به السُّنَّة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في اقتصار الرمل على الأشواط الثلاثة الأول4. والأقرب في تأويل فعل ابن الزبير ما جاء من أنه كان يُسرع المشي في الطواف، فكان الناظر إليه يحسبه يرمل الأشواط كلها. فعن عمرو بن دينار قال: رأيت ابن الزبير يطوف بالبيت، فيُسرع المشي، ما رأيت أسرع مشياً منه 5.

_ 1 أخرجه ابن حزم في المحلى من طريق عبد الرزاق 7/96. وأورده في القرى ص 303. 2 أورده في القرى ص 303. 3 شرح صحيح مسلم 9/10. 4 مضى تقرير ذلك في دليل مشروعية الرمل، وفي أول هذا المطلب. 5 القِرى ص 304. وقال: وأخرج حديث ابن الزبير سعيد بن منصور، والبيهقي. ولفظه: "إن ابن الزبير كان يُسرع في المشي في الطواف" وأخرجه عبد الرزاق 5/56 “8982”، والفاكهي في أخبار مكة 1/214 “369”. وقد سئل مالك عن الطائف بالبيت يمشي مشيه الذي كان يمشي أم يُسرع؟ قال: إن أحب أن يُسرع في مشيه، فذلك له. وإن أحب أن يتئد في مشيه، فلا بأس بذلك. وربما أسرع الإنسان لحاجة عرضت له. قال ابن رشد – الجد -: قوله: " أن له أن يُسرع " معناه ما لم يبلغ إسراعه أن يكون خبباً، لئلا يكون قد رمل الأشواط السبعة. وذلك مخالف للسنة. انظر: البيان والتحصيل 4/24، 25.

ويؤيد ذلك ويعضده، أنه رُوي عنه خلاف ذلك. فقد روى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه، أنه رأى عبد الله بن الزبير أحرم بعمرة من التنعيم. قال: ثم رأيته يسعى حول البيت الأشواط الثلاثة. وروى أيضاً عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يسعى الأشواط الثلاثة، يقول: اللهم لا إله إلا أنتا ... وأنت تُحي بعد ما أمتَّا يخفض صوته بذلك” 1. ولذا ذهب بعض العلماء إلى حكاية الإجماع على قول الجمهور. فقال النووي: “ وأما قوله ثلاثة، وأربعة. فمُجْمَع عليه. وهو أن الرمل لا يكون إلا في الثلاثة الأول من السبع” 2. وحكى بعضهم عدم العلم بخلافه. فقال ابن قدامة: “ وهو ـ أي: الرمل ـ سُنَّة في الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم. ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافاً” 3. وحذّر بعضهم من خلافه. فقال خليل في منسكه: “وليحذر مما يفعله

_ 1 الموطأ في الحج، باب الرمل في الطواف 1/365 “109، 110” 2 شرح صحيح مسلم للنووي 9/8. 3 انظر: المغني 5/217. ولعل حكايته لذلك، لعدم الخلاف في هذه المسألة بعد عصر التابعين، إذ لم يرو عن أحد من فقهاء الأمصار، أو غيرهم من المتأخرين الخلاف في ذلك. والله أعلم. قال النووي في شرحه لصحيح مسلم 9/10: “كون الرمل ليس سنة مقصودة هو مذهبه – أي: ابن عباس – وخالفه جميع العلماء من الصحابة والتابعين، وأتباعهم ومن بعدهم، فقالوا: هو سنة”.

بعضهم..، من الجري في جميع السبعة الأشواط” 1. وبهذا يتبيّن أن ما ذهب إليه جمهور العلماء، من القول: إن الرمل إنما يُسن ويُشرع في الأشواط الثلاثة الأول، وأن السنة في الأربعة الأخر إنما هو المشي. هو الرأي المختار. والله أعلم.

_ 1 منسك خليل ص 69. وعبارة خليل هذه يُحتمل أنها تتناول التحذير من الجري أيضاً في الطواف، إذ السنة في ذلك الرمل، وهو دون الجري. كما سبق التنبيه على ذلك في التعريف. تنبيه: جاء عن بعض الحنفية أن مَن رمل في طوافه كله، لم يكن عليه شيء، لأن المشي على هينته في الأشواط الأربعة من الآداب. وبترك الآداب لا يلزمه شيء. لكنه لم يسلم من التعقب. قال ابن نجيم في البحر الرائق 2/355: “وفي الولوالجية: ولو رمل في الكل، لم يلزمه شيء. اهـ. وينبغي أن يكره تنزيها لمخالفة السنة” وقال الكاساني في بدائع الصنائع 2/135: “ولو رمل في الكل..، لا شيء عليه، لكنه يكون مسيئاً، لتركه السنة”.

المطلب السادس: الطواف الذي يشرع فيه الاضطباع والرمل

المطلب السادس: الطواف الذي يُشرع فيه الاضطباع والرمل اتفق العلماء ـ رحمهم الله ـ على أن الاضطباع والرمل يُشرعان في طواف القادم إلى مكة معتمراً، أو حاجاً. سواء أكان هذا الطواف طواف عمرة، للمعتمر أو المتمتع، أم طواف قدوم للمفرد أو القارن، إذا سعى بعده 1. قال النووي: “واعلم أن طواف القدوم إنما هو في حق مفرد الحج، وفي حق القارن، إذا كانا قد أحرما من غير مكة، ودخلاها قبل الوقوف 2. فأما المكي فلا يُتصور في حقه قُدُوم، إذ لا قدوم له. وأما من أحرم بالعمرة فلا يُتصور في حقه طواف قدوم. بل إذا طاف عن العمرة، أجزأه عنها، وعن طواف القدوم، كما تُجزيء الفريضة عن تحية المسجد. حتى لو طاف المعتمر بنيّة القدوم، وقع عن طواف العمرة” 3. واختلفوا هل يُشرع الاضطباع والرمل في طواف القادم، إن لم يسع عقبه، بأن أخّر السعي إلى طواف الإفاضة؟ أو هما خاصان بكل طواف يعقبه سعي، سواء أكان طواف قدوم، أم طواف عمرة، أم طواف زيارة؟ وهل يُشرعان في طواف الإفاضة إن تحلل قبله؟ وكيف يكون اضطباعه فيه؟ وهل يقضي الرمل في الأشواط الأخيرة إن نسيه قبل ذلك؟ هذا ما سأتناوله في الفروع التالية: الفرع الأول: هل الاضطباع والرمل خاصان بالطواف الأول؟ اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في ذلك على قولين:

_ 1 انظر: منسك خليل ص 68. 2 إلا أن الحنابلة يرون مشروعية طواف القدوم بعد الوقوف بعرفة لمن لم يتمكن من دخول مكة قبل ذلك، خلافاً للجمهور الذين يرون أن طواف القدوم يفوت بالوقوف بعرفة. انظر: أنواع الطواف وأحكامه ص221. مجلة البحوث الإسلامية، العدد “50”. 3 انظر: شرح الإيضاح ص 228، 229.

القول الأول: إن الاضطباع والرمل لا يُشرعان إلا في طواف القدوم، أو طواف العمرة، سواء سعى بعده، أم لم يسع، لأن الاضطباع والرمل إنما يكونان في الطواف الأول حين يقدم إلى مكة. وإلى هذا القول ذهب: الحنابلة في المذهب، والشافعية في قول 1. قال الزركشي: “ لا يرمل في طواف الزيارة، ولا طواف الوداع ولا غيرهما، إلا في الطواف أول ما يقدم مكة، وهو طواف القدوم، أو طواف العمرة”2. القول الثاني: إن الاضطباع والرمل يُشرعان في كل طواف يعقبه سعي. سواء أكان طواف قدوم، أم طواف عمرة، أم طواف زيارة ـ على تقدير تأخير السعي. وإلى هذا القول ذهب: الحنفية 3، والمشهور عند المالكية 4، والشافعية

_ 1 انظر: المغني 5/220، الشرح الكبير 9/80، المقنع لابن البنا 2/619، المبدع 3/218، كشاف القناع 2/555، 558، الوسيط 2/651، المجموع 8/20، شرح النووي على صحيح مسلم 9/7. بل اعتبره الطبري أظهر قولي الشافعي. فقال بعد أن أورد أثر ابن عمر: "كان لا يرمل إذا طاف حول البيت، إذا أحرم من مكة ": “فيه دلالة على اختصاص الرمل بطواف القدوم..، وهذا أظهر قولي الشافعي”. القرى ص 303. 2 شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/194. 3 انظر: تحفة الفقهاء 1/403، بدائع الصنائع 2/147، البحر الرائق 2/354، الفتاوى الهندية 1/226، فتاوى قاضيخان 1/292، حاشية ابن عابدين 2/495، 518، منسك الملا علي القاري ص 88، 108، هداية السالك 2/805. “نبّه” ابن عابدين على أنه يُشرع الاضطباع في طواف الإفاضة إذا أخّر السعي، ما لم يكن لابساً. فقال: “.. كل طواف بعده سعي كطواف القدوم والعمرة، وكطواف الزيارة، إن كان أخّر السعي، ولم يكن لابساً”. 4 انظر: منسك خليل ص 68، الشرح الكبير على مختصر خليل 2/43، إيضاح المناسك ص 6، وقال ابن جماعة في هداية السالك 2/805: “والمشهور عند المالكية: أن الرمل إنما يكون في طواف يعقبه سعي”.

في الأصح 1، وبعض الحنابلة 2.

_ 1 انظر: الحاوي 4/140، الوسيط 2/652، شرح النووي على صحيح مسلم 9/7، هداية السالك 2/804، إعانة الطالبين 2/299. وقال النووي في المجموع 8/ 46، 47: “الطواف الذي يُشرع به الرمل قد اضطربت طرق الأصحاب فيه، ولخصها الرافعي متقنة فقال: لا خلاف أن الرمل لا يسن في كل طواف، بل إنما يسن في طواف واحد، وفي ذلك الطواف قولان مشهوران أصحهما عند الأكثرين أنه يسن في طواف يستعقب السعي. والثاني: يسن في طواف القدوم مطلقاً. فعلى القولين، لا رمل في طواف الوداع بلا خلاف. ويرمل من قدم مكة معتمراً على القولين، لوقوع طوافه مجزئاً عن القدوم مع استعقابه السعي، ويرمل أيضاً الحاج الأفقي إذا لم يدخل مكة إلا بعد الوقوف. أما من دخل مكة محرماً بالحج قبل الوقوف وأراد طواف القدوم فهل يرمل؟ ينظر إن كان لا يسعى عقبه ففيه القولان: الأول: الأصح لا يرمل. والثاني: يرمل. وعلى الأول إنما يرمل في طواف الإفاضة لاستعقابه السعي، فأما إن كان يسعى عقب طواف القدوم، فيرمل فيه بلا خلاف، وإذا رمل فيه وسعى بعده لا يرمل في طواف الإفاضة بلا خلاف، إن لم يرد السعي بعده. وإن أراد إعادة السعي بعده لم يرمل بعده أيضاً على المذهب، وبه قطع الجمهور، وحكى البغوي فيه قولين، والأول أشهر. أصحهما عند المصنف، والبغوي، والرافعي وآخرين: لا يرمل. والثاني: يرمل، وبه قطع الشيخ أبو حامد. ولو طاف للقدوم ونوى أن لا يسعى بعده، ثم بدا له وسعى، ولم يكن رمل في طواف القدوم. فهل يرمل في طواف الإفاضة؟ فيه الوجهان، ذكرهما القاضي أبو الطيب في تعليقه. ولو طاف للقدوم فرمل فيه ولم يسع، قال جمهور الأصحاب: يرمل في طواف الإفاضة، لبقاء السعي. قال الرافعي: الظاهر أنهم فرّعوه على القول الأول، وهو الذي يعتبر استعقاب السعي، وإلا فالقول الثاني لا يعتبر استعقاب السعي، فيقتضي أن يرمل في الإفاضة”. 2 انظر: المغني5/221، الشرح الكبير 9/103، الفروع 2/499، المبدع 3/218، هداية السالك 2/806. قال ابن قدامة: “قال القاضي: لو طاف فرمل واضطبع، ولم يسع بين الصفا والمروة، فإذا طاف بعد ذلك للزيارة، رمل في طوافه..، وهذا قول مجاهد، والشافعي”. تنبيه: قال النووي في المجموع 8/20: “الأصح من القولين: إنه إنما يُسن الرمل والاضطباع في طواف يعقبه سعي، وهو إما القدوم، وإما الإفاضة، ولا يُتصور في طواف الوداع”. ونحوه قول صاحب الفروع، والمبدع: “ذكر القاضي، وصاحب التلخيص إذا تركهما فيه، أو لم يستعقب طواف القدوم، أتى بهما في طواف الإفاضة أو غيره. ولم يذكر ابن الزاغوني الرمل والاضطباع إلا في طواف الإفاضة، ونفاهما في طواف الوداع”. فمرادهم بنفيه في طواف الوداع: إذا كان طواف الوداع مستقلا، أما إذا أخّر الإفاضة إلى حين الوداع، فحينئذ يُتصور الاضطباع في طواف الوداع. والله أعلم.

قال النووي: “ فعلى هذا القول، إذا طاف للقدوم وفي نيّته أنه يسعى بعده، استُحِب الرمل فيه. وإن لم يكن هذا في نيّته، لم يرمل فيه. بل يرمل في طواف الإفاضة” 1. وقال الشاشي: “ فإن طاف للقدوم ورمل واضطبع، ولم يسع عقيبه، فإنه يسعى عقيب طواف الإفاضة ويرمل ويضطبع” 2. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، بما يلي: بحديث يعلى بن أمية رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم، طاف بالبيت، وهو مضطبع ببُرد له حضرمي” 3. وعن ابن عمر رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج، أو العمرة، أوّل ما يقدم، سعى ثلاثة أطواف، ومشى أربعة، ثم سجد

_ 1 شرح النووي على صحيح مسلم 9/7. 2 حلية العلماء 3/285. 3 تقدم تخريجه.

سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة” 1. وعن ابن عمر رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت، الطواف الأول، خبَّ ثلاثاً، ومشى أربعاً..، وكان ابن عمر يفعل ذلك” 2. وعن جابر رضي الله عنه في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: “.. حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن، فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم” الحديث 3. وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة، فرملوا بالبيت ثلاثاً، ومشوا أربعاً” 4. فهذه الأحاديث جميعها دالة على أن اضطباعه صلى الله عليه وسلم كان في طواف القدوم. أمّا حديث يعلى، وابن عمر، وجابر، فصريحة في ذلك، فقد نصّ في حديث يعلى على أن طوافه صلى الله عليه وسلم كان حين قدومه. وكذا جاء وصف هذا الطواف بأنه الأول في حديث ابن عمر5. وكان وصف جابر لحجه صلى الله عليه وسلم مفصلاً وبيّن أن هذا الطواف كان حين وصولهم إلى البيت. وأما حديث ابن عباس في طواف العمرة، فظاهرٌ فيه أيضاً، لأن طواف النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان حين دخل مكة. فطواف العمرة يقوم مقام طواف القدوم 6.

_ 1 متفق عليه. أخرجه البخاري في الحج، باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة “63” 2/163، ومسلم في الحج، باب استحباب الرمل في الطواف 9/7 بشرح النووي. 2 تقدم تخريجه. 3 تقدم تخريجه. 4 تقدم تخريجه. 5 قال الطبري بعد إيراده حديث ابن عمر رضي الله عنهم: “في هذا دليل على أن الرمل إنما هو في طواف القدوم، وفي طواف العمرة، لأنه كطواف القدوم” القِرى ص 297. 6 قال صاحب المبدع 3/218: “وليس في غير هذا الطواف رمل ولا اضطباع، لأنه عليه السلام وأصحابه إنما فعلوا ذلك في الطواف الأول”. وانظر: كشاف القناع 2/555، المجموع 8/42.

واستدل أصحاب القول الثاني، بما يلي: بحديثي يعلى، وابن عباس رضي الله عنهم ـ المتقدمين ـ ووجه استدلالهم منهما: أن اضطباعه صلى الله عليه وسلم في ذلك الطواف، لأنه سعى بعدهما. فدلّ ذلك على مشروعية الاضطباع في كل طواف يعقبه سعي. وبحديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم. وكونه صلى الله عليه وسلم لم يرمل في طواف الإفاضة، وطواف الوداع، لأنه لم يسع بعدهما. فدلّ ذلك على أن الاضطباع إنما يكون في طواف يعقبه سعي. إن مَن ترك الاضطباع والرمل في طواف القدوم، أتى بهما في طواف الإفاضة، لأنهما سُنة أمكن قضاؤها، فتُقضى، كسنن الصلاة 1. إن السعي تبع للطواف، فلو أخّر السعي إلى طواف الإفاضة، وقلنا لا يرمل في الطواف، لكونه رمل في طواف القدوم، أفضى إلى أن يكون التابع أكمل من المتبوع، وهذا لا يصح 2. الرأي المختار: ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، القائلون: إن الاضطباع والرمل لا يُشرعان إلا في طواف القدوم، أو طواف العمرة، سواء سعى بعده، أم لم يسع. هو الأرجح والمختار. وذلك لما يلي: ظاهر هذه المسألة أنها متنازعة الأطراف، إذ أن ما استدل به الفريقان مشترك بينهما، فلم يقم دليل صريح ـ من السنة ـ لأحد الفريقين. وجه

_ 1 انظر: الشرح الكبير 9/103. 2 انظر: المغني 5/221، الشرح الكبير 9/104.

ذلك: أن اضطباع النبي صلى الله عليه وسلم ورمله إنما كان في طوافه الأول، طواف القدوم. ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم اضطبع ورمل في طواف بعده. فصح أن يُقال: باختصاص الاضطباع والرمل فيه. وصح أن يُقال أيضاً: إن اضطباعه صلى الله عليه وسلم ورمله إنما كان في طواف أعقبه سعي. وكان الدليل صريحاً في المسألة لو ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أخّر السعي عن طواف القدوم 1. لم يبق بعد ذلك للفريق الثاني إلا الحجتان العقليتان، وهما: إن التابع لا ينبغي أن يكون أكمل من المتبوع 2. وإثبات سنة وعبادة بمثل هذه الحجة الضعيفة غير سديد، إذ الأصل في العبادات الحظر والمنع. قياس قضائهما عند تركهما على سنن الصلاة. وهو قياس لا يصح، لأن من تركهما في الثلاثة الأول، لا يقضيهما في الأربعة الأخر اتفاقاً، ومن ترك الجهر في صلاة الفجر، لا يقضيه في صلاة الظهر 3. يؤكد هذا ويعضده ما سيأتي من ترجيح عدم مشروعية الاضطباع والرمل للمكي، إذ لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم أمر أحداً من أهل مكة بهما في طواف الإفاضة،

_ 1 إلا ما يرد على الحنفية من أن القارن يسعى مرة ثانية، وهم يقولون بأنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً، ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم رمل في طواف الإفاضة، بل الثابت أنه لم يرمل فيه. فقد روى البيهقي 5/84 عن ابن عباس رضي الله عنهم: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه " وقال عطاء: لا رمل فيه. 2 قال ابن قدامة في معرض الرد على هذه الحجة ومناقشتها: “إن المتبوع لا تتغير هيئته تبعاً لِتَبَعِه، ولو كانا متلازمين، لكان ترك الرمل في السعي تبعاً لعدمه في الطواف أولى من الرمل في الطواف تبعاً للسعي”. المغني 5/221. 3 انظر: الشرح الكبير 9/103، 104. وقال: “لا يقتضي القياس أن يقضي هيئة عبادة في عبادة أخرى”.

وهو الطواف الذي يختص به المكي، مع عدم اضطباعه ورمله صلى الله عليه وسلم في هذا الطواف 1. لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من جاء مراهقاً، فلم يدخل مكة إلا بعد الوقوف بعرفة بالاضطباع والرمل في طوافه 2، فدلّ ذلك على ذهاب وقته.

_ 1 فعن ابن عباس رضي الله عنهم: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه " رواه أبو داود في المناسك، باب الإفاضة في الحج “2001”، وابن ماجة “3060”، وابن خزيمة “2943”، والحاكم 1/648. وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، والبيهقي 5/84. وأورده ابن حجر في تلخيص الحبير 2/25، وسكت عنه. وقال ابن البنا في شرحه 2/619: “روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرهم بذلك في طواف القدوم، ولم يأمرهم في بقية الطواف، ولا فعله”. وانظر: نيل الأوطار 5/111. 2 ثبت أن بعض الصحابة لم يُدرك النبي صلى الله عليه وسلم في حجته إلا يوم عرفة، من حديث عروة بن مضَرِّس الطائي. قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بِجَمْع، فقلت: يا رسول الله، إني جئتك من جبلي طيء، أتعبت نفسي، وأنصبت راحلتي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه. فهل لي من حج؟ فقال: "من شهد معنا هذه الصلاة ـ يعني صلاة الفجر بجمع ـ ووقف معنا حتى نُفيض منه، وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلاً، أو نهاراً، فقد تم حجه، وقضى تفثه ". أخرجه أحمد 4/15، 261، 262، وأبو داود في المناسك، باب من لم يدرك عرفة 2/196”1950”، والترمذي في الحج، باب من أدرك الإمام بجمع 2/188”892”، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في المناسك، باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح 5/263”3039- 3043”، وابن ماجة”3016”، والدارمي 2/95، والطيالسي ص181 “1282”، وابن خزيمة “2820، 2821”، وابن حبان في الإحسان 6/61 “3839، 3840”، والحاكم 1/463، المنتقى لابن الجارود ص 123”467”، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2/208، والدارقطني 2/239، والبيهقي 5/116، 173، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير 2/256”1049”: “وصحح هذا الحديث: الدارقطني، والحاكم، والقاضي أبو بكر بن العربي على شرطهما”. ووافقهم الألباني في الإرواء “1066”.

يعضد ذلك ما ثبت من حال ابن عمر رضي الله عنه أنه كان لا يرمل إذا أهَلّ من مكة 1. وبهذا يتبيّن: أن ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، هو أرجح الأقوال، وهو الرأي الذي أختاره. والله أعلم. الفرع الثاني: هل يُشرع تكرار الاضطباع والرمل في الحج؟ اختلف القائلون بمشروعية الاضطباع والرمل في كل طواف يعقبه سعي، هل يُشرع تكرارهما في الحج أم لا؟ اختلفوا على قولين: القول الأول: يُشرع تكراره في الحج لمن أحرم متمتعاً، أو قارناً. وإلى هذا ذهب الحنفية 2. لأنهم طردوا قاعدتهم المشار إليها: “ إن الاضطباع والرمل يُشرعان في كل طواف يعقبه سعى” 3.

_ 1 سيأتي تخريجه في مشروعية الرمل لأهل مكة. 2 انظر: البحر الرائق 2/355، حاشية ابن عابدين 2/532، هداية السالك 2/806. تنبيه: قول بعض الحنفية، كابن نجيم: “إذا كان قارناً لم يرمل في طواف القدوم، إن كان رمل في طواف العمرة” خلاف ما عليه جمهور الحنفية. وقد نبّه على ذلك ابن عابدين في حاشيته، فقال: “تنبيه: أفاد أنه يضطبع ويرمل في طواف القدوم، إن قدّم السعي، كما صرّح به في اللباب. قال شارحه القاري: وهذا ما عليه الجمهور، من أن كل طواف بعده سعي فالرمل فيه سنة، وقد نصّ عليه الكرماني حيث قال في باب القران: يطوف طواف القدوم، ويرمل فيه أيضاً، لأنه طواف بعده سعي. وكذا في خزانة الأكمل، وإنما يرمل في طواف العمرة، وطواف القدوم، مفرداً كان أو قارناً. وأما ما نقله الزيلعي عن الغاية للسروجي من أنه إذا كان قارناً لم يرمل في طواف القدوم، إن كان رمل في طواف العمرة، فخلاف ما عليه الأكثر. اهـ”. 3 انظر: القول الثاني في المسألة السابقة.

والمتمتع يطوف ويسعى لعمرته، ثم يطوف ويسعى لحجه، فعليه طوافان وسعيان، فكل طواف أعقبه بسعي يُشرع له الاضطباع والرمل فيه. والقارن عند الحنفية كالمتمتع عليه طوافان وسعيان، فيُشرع له ما يُشرع للمتمتع من تكرار الاضطباع والرمل 1. القول الثاني: لا يُشرع الاضطباع والرمل إلا في طواف واحد في الحج. وإلى هذا ذهب الشافعية 2. ومن الحجة لهم في ذلك ما يلي: حديث ابن عمر رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف الطواف الأول، خبّ ثلاثاً، ومشى أربعاً” 3.

_ 1 انظر: أنواع الطواف وأحكامه ص 227، مجلة البحوث الإسلامية العدد “50”، وقال السرخسي في المبسوط 4/32 في بيان أفعال القارن والمتمتع في الحج: “ويزور ـ أي: القارن ـ البيت، فيطوف به أسبوعاً يرمل في الثلاثة الأول، ويمشي في الأربعة الأواخر على ركعتين، ويسعى بين الصفا والمروة على قياس ما بيّناه في الحج، لأن هذا أول طواف يأتي به في الحج، وقد بينا أن الرمل في أول طواف الحج سنة، والسعي عقيب أول طواف الحج. وهذا بخلاف المفرد، لأنه طاف للقدوم في الحج هناك وسعى بعده، فلهذا لا يرمل في طواف يوم النحر ولا يسعى بعده، ولو كان هذا المتمتع بعد ما أحرم بالحج طاف وسعى قبل أن يروح إلى منى، لم يرمل في طواف الزيارة يوم النحر، ولم يطف بين الصفا والمروة”. 2 انظر: المجموع 8/20،19، شرح النووي على صحيح مسلم 9/7، نيل الأوطار 5/109. قال في المجموع: ”اتفقت نصوص الشافعي، والأصحاب على استحباب الاضطباع في الطواف، واتفقوا على أنه لا يُسن طواف الحج والعمرة، وأنه يُسن في طواف العمرة، وفي طواف واحد في الحج، وهو طواف القدوم، أو الإفاضة، ولا يُسن إلا في أحدهما”. 3 تقدم تخريجه.

قالوا: فدلّ ذلك على أنه لم يعد في غيره 1. إن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرمل في عُمَرِه وحجته إلا مرة واحدة، فدلّ ذلك على أن الاضطباع والرمل إنما يُشرعان مرة واحدة في النسك من حج أو عمرة. لم يثبت أن الصحابة رضي الله عنه رملوا في طواف الإفاضة حين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سعوا عقبه، لأنهم كانوا متمتعين. فدلّ ذلك على أن الاضطباع والرمل، وإن شُرِعا في كل طواف يعقبه سعي، إلا أنهما لا يُشرعان إلا مرة واحدة في الحج. الرأي المختار: يظهر أن الرأي الأول هو أقوى هذين الرأيين، إلا أنه سبق اختيار أن الاضطباع والرمل إنما يُشرعان في طواف القدوم. والله أعلم. الفرع الثالث: الاضطباع والرمل من غير إحرام. إذا لم يطف الحاج للقدوم قبل الوقوف بعرفة، أو لم يضطبع في طواف القدوم لكونه لم يسع بعده، ودخل مكة لطواف الإفاضة بعد التحلل الأصغر، وقد خلع ملابس الإحرام. فهل يُشرع له الاضطباع والرمل في هذه الحال، أم لا؟ لم تنصّ أكثر المصادر التي وقفتُ عليها على هذه المسألة، ويمكن القول بأن العلماء اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: لا يُشرع الاضطباع والرمل في غير ملابس الإحرام. القول الثاني: يُشرع الاضطباع والرمل وإن لم يكن الطائف لابساً ملابس الإحرام.

_ 1 انظر: المهذب مع المجموع 8/40.

قال البكري: “ ويُسن أن يضطبع الذَّكَر في طواف يرمل فيه، وهو الذي يعقبه السعي، ولو كان لابساً” 1. وقال ابن عابدين: “ من لبس المخيط لعذر هل يُسن له التشبه به، لم يتعرض له أصحابنا. وقال بعض الشافعية يتعذر في حقه، أي: على وجه الكمال فلا ينافي ما ذكره بعضهم أنه قد يُقال يُشرع له، وإن كان المنكب مستوراً بالمخيط للعذر. قلت: والأظهر فعله” 2. وقال في إرشاد الساري: “ وبفرض أنه لم يكن لابساً، فلا يُنافي ما قال في البحر من أنه لا يُسن في طواف الإفاضة، لأنه قد تحلل من إحرامه، ولبس المخيط، والاضطباع في حال بقاء الإحرام. وهذا ظاهر ـ ثم نبه على مسألة نحوها، فقال: ـ ولكن من لبس المخيط لعذر، هل يُسن في حقه التشبه به؟ ولم يتعرض له أصحابنا. وذكر بعض الشافعية: أن الاضطباع إنما يُسن لمن لم يلبس المخيط، أما من لبسه من الرجال، فيُتعذر في حقه الإتيان بالسنة ـ أي: على وجه الكمال ـ فلا يُنافي ما ذكره بعضهم من أنه قد يُقال: يُشرع له جعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن، وطرفيه إلى الأيسر، وإن كان المنكب مستوراً بالمخيط للعذر. قال في عمدة المناسك: وهذا لا يبعد لما فيه من التشبه بالمضطبع عند العجز عن الاضطباع، وإن كان غير مخاطب فيما يظهر. قلت: الأظهر، فعله. فإن ما لا يُدرك كله، لا يُترك كله. ومن تشبّه بقوم فهو منهم”. الرأي المختار: ليس في هذه المسألة من النصوص والأدلة ما يمكن الاعتماد عليه في

_ 1 إعانة الطالبين 2/300. 2 حاشية ابن عابدين 2/495. وقال 2/518: “وأما الاضطباع فساقط مطلقاً في هذا الطواف ـ أي: طواف الإفاضة”. وانظر: منسك ملا القاري ص 88.

الترجيح والاختيار، إلا ما قد مضى تقريره، وترجيحه في مسائل أخرى. والذي أختاره في هذه المسألة، بناءً على ما تقدم، هو القول: بعدم مشروعية الرمل والاضطباع في غير ملابس الإحرام، وذلك لما يلي: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اضطبع، أو رمل وهو غير محرم، أو أنه أمر أحداً بذلك. لم يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم فعلوا ذلك. لا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما اضطبع هو وأصحابه بأرديتهم، وهم مُحْرِمون، فالاضطباع بغير تلك الحال، ليس فيه اقتداء واتباع، بل إحداث وابتداع. مضى تقرير ارتباط كلٍ من الاضطباع والرمل بالآخر 1، فحيث لا يُشرع الاضطباع في حال عدم الإحرام، فكذا لا يُشرع الرمل في تلك الحال. مضى في المسألة السابقة، تقرير اختصاص مشروعية الاضطباع والرمل بطواف القدوم، وترجيح عدم مشروعية طواف القدوم للمراهق 2، الذي لم يدخل قبل الوقوف بعرفة، وبذلك يتبيّن عدم مشروعية الاضطباع والرمل بغير ملابس الإحرام لمن دخل مكة بعد التحلل الأصغر. سيأتي في المسألة التالية، تقرير عدم مشروعية قضاء الاضطباع والرمل في غير وقتهما، وعدم صحة القياس في ذلك. إن القول بأن ما لا يُدرك كله، لا يُترك كله. ومن تشبه بقوم فهو منهم. إنما يصح في حق العاجز عن الفعل، إمّا لمرض، أو ضرر، أو فقد ونحو ذلك. ولا ريب أن من تحلل لا يُقال بأنه عاجز عن لبس إزار ورداء، والاضطباع به. وإنما يُقال: قد فات وقت المشروعية. ففرق بين الحالين. والله أعلم بالصواب.

_ 1 انظر: التمهيد من هذا البحث. 2 انظر: بحث: أنواع الطواف وأحكامه. ص 224، مجلة البحوث الإسلامية، العدد “50”.

الفرع الرابع: كيف يصنع من زُحِم في الطواف؟ من لم يتمكن من الرمل بسبب الزحام. فهل يُشرع له الوقوف، ليتمكن من الرمل؟ وهل يكون البُعْد عن البيت أولى من القُرْب منه إذا تمكّن من الرمل معه؟ اتفق العلماء ـ رحمهم الله ـ على أن القرب من البيت مع الرمل أولى، ليجمع بين الرمل والقرب 1، حتى ولو كان عند البيت زحام يسير يتمكن من الوقوف 2 أثناء طوافه

_ 1 قال الشافعي: “والدنو من البيت أحبّ إليَّ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أقرب أصحابه إلى البيت، ولأن المقصود بالطواف البيت. فإذا كان أقرب إلى المقصود، كان أولى”. وانظر: فتح القدير 2/455، البحر الرائق 2/355، التاج والإكليل 3/75 مواهب الجليل 3/109، كفاية الطالب 2/668، الحاوي 4/141، إعانة الطالبين 2/299، المغني 5/220، شرح العمدة 3/442، الفروع 2/498، منتهى الإرادات 2/144، الإقناع مع شرحه 2/559. 2 تنبيه: القول بالوقوف أثناء الطواف ليتمكن من الرمل، إن لم يترتب على ذلك أذى، أو ضرر متفق عليه، كما سيأتي قريباً تقريره. وقال السرخسي في المبسوط 4/11: “إن زحمك الناس في رملك، فقم. فإذا وجدت مسلكاً، فارمل، لأنه تعذّر عليه إقامة السنة في الطواف للزحام، فليصبر حتى يتمكن من إقامة السنة، كالمزحوم يوم الجمعة، يصبر حتى يتمكن من السجود”. وتعقّب ذلك ملا القاري، فقال: في منسكه ص 91: “وأما عبارته في الكبير “فإذا زُحِم الناس في الرمل، يقف حتى تزول الزحمة، ويجد مسلكاً، فيرمل” فموهمة أنه يقف في الأثناء، وهو مستبعد جداً، عرفاً وعادة، لما فيه من الحرج والمشقة، ولكون الموالاة بين الأشواط وأجزاء الطواف سنة متفق عليها. بل قال بعض العلماء: إنها واجبة. فلا تترك لحصول سنة مختلف فيها. والله أعلم. فلو حصل التزاحم في الأثناء، يفعل ما يقدر عليه، ويترك ما لا يقدر عليه،. فإن ما لا يدرك كله، لا يترك بعضه”. إلا أن ابن عابدين نبّه على من تعقّب ذلك، ورام الجمع، فقال في حاشيته 2/498: “قوله “وقف” وفي شرح الطحاوي: يمشي حتى يجد الرمل، وهو الأظهر، لأن وقوفه مخالف للسنة ـ قاري على النقاية، وفي شرحه على اللباب ـ لأن الموالاة بين الأشواط وأجزاء الطواف، سنة متفق عليها. بل قيل: واجبة، فلا يتركها لسنة مختلف فيها. اهـ ـ قال ابن عابدين: ـ قلت: ينبغي التفصيل جمعاً بين القولين، بأنه إن كانت الزحمة قبل الشروع، وقف، لأن المبادرة إلى الطواف مستحبة، فيتركها لسنة الرمل المؤكدة، وإن حصلت في الأثناء، فلا يقف لئلا تفوت الموالاة”.

دون إيذاء، أو ضرر يلحقه، أو يُلْحِقه بالآخرين1.قال النووي: “ القُرب من البيت مستحب للطائف، ولو تعذر الرمل مع الزحمة، فإن رجا فُرجة، ولا يتأذى أحد بوقوفه، ولا يضيق على الناس، وقف، ليرمل” 2. واتفقوا أيضاً: على أن البُعد من البيت مع الرمل، أولى من القرب منه مع عدمه 3. قال النووي: “ لأن فضيلة الرمل هيئة للعبادة في نفسها، والقرب من الكعبة هيئة في موضع العبادة لا في نفسها، فكان تقديم ما تعلق بنفسها أولى. والله أعلم” 4.

_ 1 انظر: فتح القدير 2/455، البحر الرائق 2/355، حاشية الطحطاوي 1/479، الحاوي 4/141، إعانة الطالبين 2/300، مواهب الجليل 3/109، المغني 5/220، مجموع الفتاوى 26/ 122، الفروع 2/498، منتهى الإرادات 2/144، كشاف القناع 2/559. 2 المجموع 8/43. 3 انظر: فتح القدير 2/455، البحر الرائق 2/355، إعانة الطالبين 2/300، مواهب الجليل 3/109. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 26/ 122: “فإن لم يمكن الرمل للزحمة، كان خروجه إلى حاشية المطاف والرمل، أفضل من قربه إلى البيت بدون الرمل، وأما إذا أمكن القرب من البيت مع إكمال السُّنَّة، فهو أولى. ويجوز أن يطوف من وراء قُبَّة زمزم، وما وراءها من السقائف المتصلة بحيطان المسجد”. 4 شرح النووي على صحيح مسلم 9/7.

قال الشافعي: “ فإذا كان زحام لا يمكن معه أن يَخُبَّ، فكان إن وقف، وجد فرجة، وقف. فإذا وجد الفرجة رمل. وإن كان لا يطمع بفرجة، لكثرة الزحام، أحببت أن يصير حاشية في الطواف، فيمكنه أن يرمل، فإنه إذا صار حاشية، أمكنه أن يرمل، ولا أحب ترك الرمل” 1. وقالوا: المحافظة على فضيلة تتعلق بنفس العبادة، أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكانها، أو زمانها2. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “ قال أصحابنا يُستحب للطائف الدنو من البيت في الطواف إلا أن يُؤذي غيره، أو يتأذى بنفسه، فيخرج إلى حيث أمكنه. وكلما كان أقرب، فهو أفضل، وإن كان الأبعد أوسع مطافاً وأكثر خطىً، فإن لم يمكنه الرمل مع القرب، لقوة الازدحام، فإن رجا أن تخف الزحمة، ولم يتأذ أحد بوقوفه، انتظر ذلك، ليجمع بين قربه من البيت، وبين الرمل، فإن ذلك مقدم على مبادرته إلى تمام الطواف. وإن كان الوقوف لا يُشرع في الطواف. قال أحمد: فإن لم تقدر أن ترمل، فقم حتى تجد مسلكاً ثم ترمل. فإن لم يمكنه الجمع بين القرب والرمل. فقال القاضي وغيره: يخرج إلى حاشية المطاف، لأن الرمل أفضل من القرب، لأنه هيئة في نفس العبادة، بخلاف القرب، فإنه هيئة في مكانها” 3.

_ 1 الأم 2/174، 175. 2 انظر: كشاف القناع 2/559، إعانة الطالبين 2/300. وقال السيوطي في الأشباه والنظائر ص147: “القاعدة الثانية والعشرون: الفضيلة المتعلقة بنفس العبادة، أولى من المتعلقة بمكانها..، الدنو من الكعبة في الطواف مستحب، والرمل مستحب، فلو منعته الزحمة من الجمع بينهما، ولم يمكنه الرمل، وأمكنه مع البعد، فالمحافظة على الرمل مع البعد أولى من المحافظة بلا رمل لذلك”. وقال الماوردي في الحاوي 4/141: “وإنما كان الرمل أوكد، لأنه سنة والدنو فضيلة، والسنة أوكد من الفضيلة، ولأن الرمل من هيئات الطواف المقصودة، وليس الدنو من البيت من هيئته”. 3 شرح العمدة 3/442، 443. ثم أورد قول ابن عقيل من الحنابلة، وأجاب عليه. فقال: “وقال ابن عقيل: يطوف قريباً على حسب حاله، ولأن الرمل هيئة فهو، كالتجافي في الركوع والسجود، ولا يترك الصف الأول، لأجل تعذرها. فكذلك هنا لا يترك المكان القريب من البيت لأجل تعذر الهيئة. والأول أولى، لأن الرمل سنة مؤكدة بحيث يكره تركها، والطواف من حاشية المطاف لا يكره، بخلاف التأخر إلى الصف الثاني في الصلاة، فإنه مكروه كراهة شديدة. والفرق بين الصف الأول، وبين داخل المطاف: أن المصلين في صلاة واحدة، ومن سنة الصلاة إتمام الصف الأول، بخلاف الطائفين، فإن كل واحد يطوف منفرداً في الحكم فنظير ذلك أن يصلي منفرداً في قبلي المسجد مع عدم إتمام هيئات الصلاة، فإن صلاته في مؤخره مع إتمامها أولى. وأيضاً فإن تراص الصف وانضمامه سنة في نفسه فاغتفر في جانبها زوال التجافي بخلاف ازدحام الطائفين فإنه ليس مستحباً، وإنما هو بحسب الواقع. وأيضاً فإن فضيلة الصف الأول ثبتت بنصوص كثيرة بخلاف داخل المطاف. على أن المسألة التي ذكرها فيها نظر. فأما إن خاف إن خرج أن يختلط بالنساء، طاف على حسب حاله ولم يخرج”.

وأشار بعض الحنابلة إلى أنه إن كان يتمكن من الرمل، أو الدنو من البيت بتأخير الطواف، دون تضرر به، أو برفقته، فهو أولى. ولم يخل من تعقب 1. فإن كان لا يتمكن من الرمل مع البُعْد، أو كان في حاشية المطاف نساء، ويخشى أن يتضرر، أو يتضررن من ذلك، كان الدنو من البيت، أولى 2.

_ 1 انظر: الفروع 2/498، منتهى الإرادات 2/144،الإقناع مع شرحه 2/559.قال صاحب الفروع: “وهو – أي: الرمل - أولى من الدنو من البيت، والتأخير له أولى”. وقال صاحب المبدع: “وفي الفصول: لا ينتظر للرمل، كما لا يترك الصف الأول لتعذر التجافي في الصلاة”. 2 انظر: المجموع 8/43، إعانة الطالبين 2/300، مواهب الجليل 3/109، المغني 5/220. قال ابن قدامة: “فإن كان قُرْب البيت زحام فظن أنه إذا وقف لم يؤذ أحداً، وتمكن من الرمل، وقف ليجمع بين الرمل والدنو من البيت، وإن لم يظن ذلك، وظن أنه إذا كان في حاشية الناس تمكن من الرمل، فعل، وكان أولى من الدنو. وإن كان لا يتمكن من الرمل أيضاً، أو يختلط بالنساء، فالدنو أولى، ويطوف كيفما أمكنه، وإذا وجد فرجة رمل فيها”.

وهل يسقط عنه الرمل في مثل هذه الحال التي لم يتمكن من الرمل فيها على الصفة المشروعة حسب السنة، أو يرمل حسب قدرته وطاقته؟ وهل يتحرك في مشيه إن زُحِم عن الرمل، ويُرِي من نفسه أنه لو أمكنه الرمل لرمل؟ اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: إنه إن لم يتمكن من الرمل على الصفة المشروعة، كما جاءت بها السنة، ترك الرمل، ومشى على عادته. وإلى هذا القول ذهب: الحنفية 1. القول الثاني: إنه يرمل حسب قدرته وطاقته، فإن تعذّر ذلك، مشى مشياً معتاداً على سجيته. وإلى هذا القول ذهب: المالكية، والحنابلة 2.

_ 1 انظر: تحفة الفقهاء 1/401، بداية المبتدي وشرحها الهداية 2/454، 455، بدائع الصنائع 2/147، هداية السالك 2/705. قال في البداية: “فإن زحمه الناس في الرمل، قام. فإذا وجد مسلكاً رمل” قال في شرحها: “لأنه لا بدّ له، فيقف حتى يقيمه على وجه السنة، بخلاف الاستلام، لأن الاستقبال بدل له”. 2 انظر: الشرح الكبير 2/41، الشرح الصغير 2/353، مواهب الجليل 3/109، المغني 5/220، هداية السالك 2/805. قال الحطاب في شرحه قول خليل في مختصره “وللزحمة الطاقة”: “قال في المدونة “وإن زوحم في الرمل فلم يجد مسلكاً، رمل بقدر طاقته” قال سند: يستحب للطائف الدنو من البيت، هو المقصود، فإن كان بقرب البيت زحام لا يمكنه أن يرمل فيه، فإن كان يعلم أنه إذا وقف قليلاً وجد فرجة، تربص، فإذا وجد فرجة رمل. وإن لم يطمع بفرجة لكثرة الزحام، فإن علم أنه إن تأخر إلى حاشية الناس أمكنه الرمل، فليتأخر، ورمله مع ذلك أولى من قُربه بالبيت، رمل، فإن كان لا يمكن التأخير، أو كان ليس في حاشية الناس فرجة، فإنه يمشي ويعذر في ترك الرمل. انتهى. قال عبد الحق: وذكر بعض البغداديين أنه إذا زوحم في الرمل، فلم يجد مسلكاً إنما يرمل إذا قدر على المشي، فأما إذا لم يستطع وهو قائم في موضعه، فليس يؤمر أن يتحرك إذا لم يطق المشي. ويدل على هذا قول مالك في كتاب محمد: إنه لا يحرك منكبيه في الرمل. فاعلم ذلك. انتهى”.

القول الثالث: إنه إن لم يتمكن من الرمل، تحرك في مشيه، ليُري من نفسه أنه لو أمكنه الرمل، لرمل. وإلى هذا القول ذهب: الشافعية 1. قال الماوردي: “ الرمل مسنون، والدنو من البيت مستحب. فإذا أمكنه الرمل والدنو من البيت، فعلهما معاً، وإن لم يمكنه الرمل مع دنوه من البيت، فله حالان: أحدهما: أن يعلم أنه إذا وقف يسيراً، وجد فرجة، وأمكنه الرمل من غير أن يستضر بوقوفه الطُّوَّاف، فالأولى، أن يقف، ولا يثب من الأرض في وقوفه، لأنه لم يفعله أحد يُقتدى به. والثاني: أن يعلم أنه إن وقف، لم يجد فرجة، أو علم أنه يجد فرجة، لكن إن وقف، استضر بوقوفه الطواف، فهذا يبعد من البيت، ويصير في حاشية الطواف، ليرمل، لأن الرمل أوكد من الدنو من البيت”2. الرأي المختار: بتأمل هذه الأقوال والنظر فيها، نجد أن أصحاب القول الأول، رأوا أن الرمل هيئة مستحبة في الطواف، إن تعذر الإتيان بها على الصفة المشروعة التي جاءت بها السنة، سقطت، ولا حاجة إلى الإتيان ببديل عنها، لأنها صفة لم تأت السنة بها.

_ 1 انظر: المجموع 8/43، شرح النووي على صحيح مسلم 9/7، هداية السالك 2/804. قال النووي في المجموع: “ومتى تعذر الرمل، استحب أن يتحرك في مشيه، ويُري من نفسه أنه لو أمكنه الرمل، رمل. نص عليه الشافعي، واتفق عليه الأصحاب”. 2 الحاوي 4/141.

وأن من قال بالرمل حسب طاقته وقدرته، فإنهم يتفقون مع هذا القول بأنه إن تعذّر الرمل، مشى على سجيّته، ولم يقولوا بالتحرك أثناء المشي. وإنما قيّدوا الرمل بقدر الاستطاعة، مستأنسين بالعمومات في هذا الباب، نحو قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 1وقوله صلى الله عليه وسلم: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} 2. وقوله صلى الله عليه وسلم: “إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم” 3. وأن هذا نحو ما ذكره العلماء من استحباب إمرار الموسى على رأس من لا شعر له 4. أمّا ما ذهب إليه أصحاب القول الثالث، من التحرك حال المشي، فالذي يظهر: ضعف هذا القول، لأن فيه تكلفاً لم تأت السنة به. وهل غير المستطيع للرمل في حاجة ـ وهو في هذه الحال ـ لأن يُري نفسه، أو غيره عدم قدرته على الرمل؟! وإن كان النووي وغيره من علماء الشافعية قد نصوا على أن هذا القول قد نص عليه الشافعي. فقد نصّ على خلافه. فقال: “ رمل إذا أمكنه الرمل، ومشى إذا لم يمكنه الرمل، سجية مشيه. ولم أحب أن يثب من الأرض وثوب الرمل، وإنما يمشي مشياً”5. فهذا القول فيه موافقة لظاهر السنة، ويتفق مع أقوال المذاهب الأخرى. وهو الأحرى بالأخذ والاعتبار. والله أعلم بالصواب.

_ 1 سورة التغابن، آية: 16. 2 سورة البقرة، آية: 286. 3 متفق عليه أخرجه البخاري في الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم “2” 8/142، ومسلم في الحج، باب فرض الحج مرة في العمر 9/100. من حديث أبي هريرة رضي الله عنهم. 4 انظر: المجموع 8/43. 5 الأم 2/175.

الفرع الخامس: قضاء الاضطباع والرمل. سبق بيان حكم الاضطباع والرمل في الطواف، فعلى قول الجمهور بمشروعيتهما واستحبابهما، فلا يترتب على تركهما فدية، ولا محذور. بل ترك للفضيلة. قال النووي: ” ولو ترك الاضطباع والرمل..، في الطواف، فطوافه صحيح، ولا إثم عليه، ولا دم عليه. ولكن فاتته الفضيلة. قال الشافعي والأصحاب: هو مسيء. يعنون إساءة لا إثم فيها” 1. فهل يُشرع لمن تركهما في موضعهما، تدارك ذلك وقضاؤهما فيما بعد؟ ومتى يكون ذلك؟ هذا ما سأتناوله في المسألتين التاليتين: المسألة الأولى: قضاء الاضطباع. مضت الإشارة إلى اختلاف العلماء ـ رحمهم الله ـ في وقت الاضطباع. وهل هو في جميع الطواف، أو في الأشواط التي يُرمل فيها 2؟ ومضت الإشارة أيضاً إلى أن الاضطباع ملازم للرمل ومرتبط به، وأنه لا يعني عدم فعل أحدهما في موضعه لترك الآخر لعذر أو غيره 3. وعلى ذلك: فمن ترك الاضطباع في بعض الأشواط لعذر، أو غيره، فإنه يُشرع له تداركه فيما بقي من الأشواط. قال الشافعي: “ فإن ترك الاضطباع في بعض السبع، اضطبع فيما بقي منه، وإن لم يضطبع بحال، كرهته له، كما أكره له ترك الرمل في الأطواف الثلاثة، ولا فدية عليه، ولا إعادة” 4. وأما القائلون: إن الاضطباع ملازم للرمل في الأشواط الثلاثة، فيكون

_ 1 المجموع 8/45. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في الفرع الثالث، من المطلب الرابع. 2 في الفرع الأول من المطلب الخامس. 3 في التمهيد من هذا البحث. 4 الأم 2/174. وانظر: الحاوي 4/140.

تدارك الاضطباع، كتدارك الرمل. وأما من ترك الاضطباع والرمل في طواف القدوم، فسيأتي بيان ذلك في المسألة التالية. المسألة الثانية: قضاء الرمل. اتفق العلماء ـ رحمهم الله ـ القائلون بمشروعية الرمل في الأشواط الثلاثة الأول، على أن من ترك الرمل في الشوط الأول أو الثاني، لا يدعه في باقي الأشواط الثلاثة الأول. وأن من تركه في الأشواط الثلاثة الأول، أو بعضها، لم يقضه في الأربعة الأخيرة، لأنه هيئة في محل، فلا يُقضى في غيره، كمن ترك الجهر بالقراءة في الركعتين الأوليين من صلاة العشاء، لا يقضيه في الأخيرتين ولأن السنة في الأشواط الأربعة الأخيرة المشي، فإذا قضى الرمل في الأربعة أخلّ بالسنة في جميع الطواف، وكان تاركاً للسُّنّتين 1، فإخلاله بسنة أيسر من إخلاله بسنتين 2. قال السرخسي: “ وإن مشى في الثلاثة الأول، أو في بعضها، ثم ذكر ذلك، لم يرمل فيما بقي، لأن الرمل في الأشواط الثلاثة سُنَّة، فإذا فاتت من موضعها، لا تقضى. والمشي على هينته 3 في الأربعة الأخر، من آداب

_ 1 دلّ على السُّنَّتين جميعاً حديث ابن عمر رضي الله عنهم:» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خبَّ ثلاثاً، ومشى أربعاً.. «وقد تقدم تخريجه في المطلب الثاني. 2 انظر: المبسوط للشيباني 2/406، فتح القدير 2/455، البحر الرائق 2/355، حاشية ابن عابدين 2/498، الفتاوى الهندية 1/226، الأم 2/175، الحاوي 4/141، المهذب مع المجموع 8/41،40، إعانة الطالبين 2/299ن هداية السالك 2/804، المغني 5/220، المحرر في الفقه 1/246، الفروع 2/497، منتهى الإرادات 2/142.قال النووي: “وهذا لا خلاف فيه. وهو نظير من قُطِعت مسبحته اليمنى، لا يشير في التشهد باليسرى”. 3 المشي على هينته. أي: على تأنيه. ويُقال أيضاً: على هيئته. أي: على سجيته وطبيعته. انظر: إعانة الطالبين 2/299، القاموس المحيط ص 73، 1601.

الطواف، أو من السنن، فإن ترك في الثلاثة الأول ما هو سنتها، لا يترك في الأربعة الأخر ما هو سنتها”1. واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ إن ترك الرمل والاضطباع في طواف القدوم، وقد سعى عقبه 2. فهل يُشرع له قضاؤهما في طواف غيره أو لا؟ اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: إنه لا يُشرع له قضاؤهما. وإلى هذا القول ذهب: الحنفية 3، والشافعية في المذهب 4، والحنابلة في المشهور 5. القول الثاني: إنه يُشرع له قضاؤهما. وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في وجه 6، وبعض الحنابلة 7.

_ 1 المبسوط 4/49. 2 أما إذا لم يسع عقبه، فقد مضت الإشارة إلى قول القائلين بمشروعية الرمل في كل طواف يعقبه سعي. في الفرع الأول من المطلب السادس. 3 قال ابن عابدين في حاشيته 2/518: “قوله " إن كان سعى قبل " لم يقل إن كان رمل وسعى قبل، إشارة إلى أنه لو كان سعى قبل، ولم يرمل، لا يرمل هنا، لأن الرمل إنما يشرع في طواف بعده سعي، كما مر. ولا سعي ههنا كما في العناية، وكذا في اللباب، وفيه " وأما الاضطباع فساقط مطلقاً في هذا الطواف " اهـ. سواء سعى قبله أو لا”. 4 انظر: المهذب مع المجموع 8/40، وفي حلية العلماء 3/285: “وذكر القاضي أبو الطيب في ذلك وجهين، وذكر أن المذهب أنه لا يقضيه”. 5 انظر: المغني 5/221، كشاف القناع 2/558. قال الموفق ابن قدامة: “ولا يُسن الرمل والاضطباع في طواف سوى ما ذكرناه – أي: طواف القدوم -”. 6 انظر: المهذب مع المجموع 8/40، حلية العلماء 3/285، وحكاه عن الشيخ أبي حامد. 7 انظر: المغني 5/221، المبدع 3/218، المحرر 1/246، كشاف القناع 2/558. قال صاحب المبدع: “وذكر القاضي، وصاحب التلخيص: إذا تركهما به، أو لم يسع عقب طواف القدوم، أتى بهما في طواف الإفاضة، أو غيره. وذكر ابن الزاغوني: أن الرمل والاضطباع في طواف الإفاضة، ونفاهما في طواف الوداع”. وفي هداية السالك 2/806: “وقال القاضي: إذا لم يسع عقب طواف القدوم، أو سعى عقبه ولم يرمل، رمل في طواف الإفاضة مطلقاً”.

القول الثالث: إنه يُشرع له قضاء الرمل إذا لم يطف للقدوم قبل الوقوف بعرفة 1، سواء أكان تركه لطواف القدوم بعذر، أم لا. ولا يُشرع له قضاء الرمل إذا طاف للقدوم وترك الرمل، سواء أكان تركه للرمل بعذر، أم لا. وإلى هذا القول ذهب: المالكية 2. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، بما يلي: من فاته الرمل في الطواف، لم يقضه فيما بعده، كمن تركه في الثلاثة الأول، لا يقضيه في الأربعة الأخيرة 3. من فاته الرمل والاضطباع، لم يقضه في طواف غيره، كمن فاته الجهر في الصبح، لم يقضه في الظهر 4. لا يقتضي القياس أن تُقْضى هيئة عبادة في عبادة أخرى 5.

_ 1 تخصيص القضاء بالرمل، لما مضى تقريره في الفرع الأول من المطلب الرابع، من أن المالكية لا يرَوْن مشروعية الاضطباع أصلاً. 2 انظر: الشرح الكبير 2/43. قال الدردير: “ولم يطف للقدوم فيرمل بالإفاضة. أي في الأشواط الثلاثة الأول من طواف الإفاضة لمراهق ونحوه من كل من لم يطف للقدوم، لفقد شرطه أو نسيانه، بل ولو تعمد تركه بخلاف من طاف للقدوم وترك الرمل فيه عمداً أو سهواً، فلا يُندب الرمل في الإفاضة”. 3 انظر: المغني 5/221. 4 انظر: المغني 5/221، الكافي 1/432، كشاف القناع 2/480. 5 انظر: المغني 5/221، كشاف القناع 2/480.

واستدل القول بمشروعية القضاء1، بما يلي: إنه سنة أمكن قضاؤها، فتقضى، كسنن الصلاة 2. إنه إن لم يقضهما، فاتته سنة الرمل والاضطباع 3. الرأي المختار: ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، القائلون بعدم مشروعية قضاء الاضطباع والرمل إذا تركهما في وقتهما المشروع لهما، هو الرأي المختار، لما يلي: تقدم في الفرع الأول من هذا المطلب: ترجيح القول باختصاص الاضطباع والرمل في طواف القدوم. فلا يُشرعان في غيره. قوة ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن مَن ترك الاضطباع والرمل، لا يُشرع له قضاؤهما، لأنهما سنتان مضى وقتهما، فلا تُقضيان في غيره. إن قياس قضاء الاضطباع والرمل على قضاء سنن الصلاة، لا يصح، لأن القياس لا يقتضي قضاء هيئة عبادة في عبادة أخرى. إن قياس الاضطباع والرمل في الطواف على الجهر بالقراءة في الصلاة، أقرب من القياس على سنن الصلاة، لأن كلا منهما هيئة عبادة. إن الاتفاق على عدم مشروعية قضاء الرمل في الأشواط الأربعة الأخيرة، يعضد القول بعدم قضائهما في طواف آخر. والله أعلم.

_ 1 هذا الاستدلال يشمل أصحاب القول الثاني، والثالث. 2 انظر: المغني 5/221. وقال: “وهذا لا يصح، لما ذكرنا في من تركه في الثلاثة الأول، لا يقضيه في الأربعة، وكذلك من ترك الجهر في صلاة الجهر، لا يقضيه في صلاة الظهر، ولا يقتضي القياس أن تُقضَى هيئة عبادة في عبادة أخرى”. 3 انظر: المجموع 8/40.

المطلب السابع: من يشرع له الاضطباع والرمل.

المطلب السابع: من يُشرع له الاضطباع والرمل. اتفق العلماء ـ رحمهم الله ـ على أن الاضطباع والرمل مشروعان للرجال1. واتفقوا أيضاً: على أنهما لا يُشرعان للنساء 2. وحكاه ابن المنذر، وابن عبد البر إجماعاً3. وقال النووي: “ الاضطباع مسنون للرجال، ولا يُشرع للمرأة بلا خلاف” 4. لأنهما شُرعا لإظهار الْجَلَد، وليس مطلوباً منهن. بل إنما يُقصد فيهن الستر، وفي الاضطباع والرمل، تعرّض للانكشاف 5.

_ 1 انظر: البحر الرائق 2/382، إيضاح المناسك ص 68، الرسالة مع تنوير المقالة 3/435، البيان والتحصيل 3/450، قوانين الأحكام الشرعية ص 139، الشرح الكبير 2/41، 43، أقرب المسالك 2/352، حلية العلماء 3/285، مغني المحتاج 1/489، إعانة الطالبين 2/299 الكافي 1/432، كشاف القناع 2/480. 2 انظر: المراجع السابقة و: المبسوط 4/33، المحلى 7/96، بداية المجتهد 1/340، الشرح الصغير 2/352، التاج والإكليل 3/109، المجموع 8/20، شرح صحيح مسلم للنووي 9/7 روضة الطالبين 3/88، المقنع مع الشرح الكبير 9/102، الفروع 2/499، التوضيح 2/518. وعقد الماوردي فصلاً فيما تخالف فيه المرأة الرجل في الطواف. في الحاوي 4/94 فقال: “فأما ما تُخالفه في هيئات الطواف فثلاثة أشياء: أحدها، أن الرجل مأمور بالاضطباع فيه، والرمل. والمرأة منهية عن ذلك، بل تمشي على هيئتها، وستر جميع بدنها”. 3 انظر: الإجماع لابن المنذر ص 48، التمهيد 2/88، الاستذكار 12/139، الشرح الكبير 9/102، المبدع 3/218. 4 المجموع 8/21. 5 انظر: البحر الرائق 2/382، الشرح الكبير 9/102، المبدع 3/218. تنبيه: نصّ الصاوي في بلغة السالك 2/352، والأزهري في إيضاح المناسك ص 6 على أن الرجل لا يرمل إذا كان طوافه عن المرأة. قال الأزهري: “لا يرمل الرجل إذا أحرم عن المرأة”. وهذا محل نظر، إذ يلزم عليه: أن المرأة ترمل إذا أحرمت عن الرجل!! والصحيح أن الإحرام إنما هو بالنية، ويفعل كل واحد منهما ما يفعله لو أحرم لنفسه.

وقال الشافعي: “ وليس على النساء رمل بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، ويمشين على هينتهن، وأحب للمشهورة بالجمال أن تطوف وتسعى ليلاً. وإن طافت بالنهار سدلت ثوبها على وجها، أو طافت في ستر”1. وقال الشيرازي: “ ولا ترمل المرأة ولا تضطبع، لأن في الرمل تبين أعضاؤها، وفي الاضطباع، ينكشف ما هو عورة منها” 2. وقال البكري: “ لا يُسن لها الرمل، ولو ليلاً، ولو في خلوة، لأن بالرمل تتبين أعطافها، وفيه تشبه بالرجال. قال في التحفة: بل يَحْرم إن قصدت التشبه. ومثل الرمل في ذلك الاضطباع. ومثل الأنثى الخنثى” 3. وقد دلّ على منع الاضطباع والرمل للنساء آثار عن الصحابة رضي الله عنهم 4،

_ 1 الأم 2/211. 2 المهذب مع المجموع 8/40. وقال النووي في شرحه 8/45: “اتفقت نصوص الشافعي، والأصحاب على أن المرأة لا ترمل ولا تضطبع، قال الدارمي، وأبو علي البندنيجي وغيرهما: ولو ركبت دابة، أو حُمِلت في الطواف لمرض ونحوه، لم تضطبع، ولا يرمل حاملها. قال البندنيجي: سواء في هذا الصغيرة والكبيرة، والصحيحة والمريضة. قال القاضي أبو الفتح، وصاحب البيان: والخنثى في هذا كالمرأة. والله أعلم”. 3 إعانة الطالبين 2/299. 4 قال البيهقي في السنن الكبرى 5/48: “ورويناه عن فقهاء التابعين من أهل المدينة”، وروى سعيد بن منصور عن سليمان بن يسار:» أن السنة عندهم، أنه ليس على المرأة هرولة بالبيت، ولا سعي بين الصفا والمروة «. وروى عن مكحول:» ليس على النساء رمل بالبيت، ولا سعي بين الصفا والمروة «، انظر: القِرى ص 299. وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه 3/151 آثاراً أخرى عن بعض التابعين، كعطاء، والحسن، وإبراهيم. وأخرج أثر إبراهيم، أبو يوسف في كتاب الآثار 1/95، 116.

فمن ذلك: عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: “ليس على النساء رمل بالبيت، ولا بين الصفا والمروة”1. وعنه رضي الله عنه أنه قال: “ليس على النساء سعي بالبيت، ولا بين الصفا والمروة”2. وعن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: على النساء رمل؟ فقالت: “أليس لَكُّنَّ بنا أسوة! ليس عليكن رمل بالبيت، ولا بين الصفا والمروة”3. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: “ليس على النساء رمل” 4. واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في مشروعية الاضطباع والرمل للصبي، وفي مشروعيتهما لأهل مكة، وللراكب والمحمول. وسأعرض لذلك في الفروع التالية: الفرع الأول: الاضطباع والرمل للصبي. اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في مشروعية الاضطباع والرمل للصبي

_ 1 أخرجه الدارقطني 2/295، وابن أبي شيبة 3/151، وأبو نعيم في الحلية 9/36. 2 أخرجه الدارقطني 2/295، والبيهقي 5/48، 84. وقال النووي في المجموع 8/45: “استدل الشافعي ثم البيهقي بما روياه في الصحيح عن ابن عمر ـ ثم ذكره”. 3 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنّفه 3/151 من طريق ليث عن مجاهد. والبيهقي 5/84 بنحوه من طريق هشام بن عروة عن أبيه. 4 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/151. من طريق ابن أبي ليلى عن عطاء.

على قولين: القول الأول: يُشرع للصبي الاضطباع والرمل، كالرجل. وإلى هذا القول ذهب: جمهور العلماء القائلين بمشروعيتهما، من الحنفية، والمالكية في المشهور، والحنابلة، والأصح عند الشافعية 1. القول الثاني: لا يُشرع له الاضطباع، ولا الرمل، لأنه ليس من أهل الجلد. وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في وجه 2. وأطلق خليل الخلاف فيه. فقال: “ وفي الرمل بالمريض والصبي، خلاف” 3. الرأي المختار: ما ذهب إليه الجمهور من مشروعية الاضطباع والرمل للصبي، هو الرأي المختار، لأن الصبي ملحق بالرجل في أحكامه، ومنها ملابس إحرامه،

_ 1 انظر: الشرح الكبير 2/41، الشرح الصغير 2/352، التاج والإكليل 3/109، كفاية الطالب 1/667، المقنع مع الشرح الكبير 9/102، التوضيح 2/518، المقنع لابن البنا 2/619، شرح الزركشي 2/194، منتهى الإرادات 2/143، كشاف القناع 2/447، حلية العلماء 3/285، روضة الطالبين 3/88، هداية السالك 2/807، مغني المحتاج 1/489، 490، وقال النووي في المجموع 8/20: “وفي الصبي طريقان، أصحهما ـ وبه قطع الجمهور ـ يُسن له، فيفعله بنفسه، وإلا فيفعله به وليّه، كسائر أعمال الحج. والثاني، فيه وجهان: أصحهما هذا، والثاني: لا يشرع له”. ولم أقف على نص صريح للحنفية في ذلك، لكنه ظاهر من تعليلهم في منع المرأة من ذلك. قال السرخسي في المبسوط 4/33: “ولا رمل عليها في الطواف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، لأن الرمل لإظهار التجلد والقوة، والمرأة ليست من أهل القتال، لتُظهر الجلادة من نفسها، ولا يؤمن أن يبدو شيء من عورتها..” 2 انظر: حلية العلماء 3/285، المجموع 8/20، الشرح الكبير 9/102. 3 منسك خليل ص 68.

ومحظوراته، إذ يُحْرِم في إزار ورداء، فيكون ملحقاً به في هيئة أفعاله من اضطباع ورمل..، وقد مضى تقرير أن الاضطباع والرمل وإن شُرعا في الأصل لإظهار الجلادة، إلا أنهما سنتان ثابتتان بعد ذهاب سببهما، وليسا لإظهار القوة أو الجلادة فإن شق على الصبي فعلهما، لزحام، أو ضرر ونحو ذلك، فيكون حكمه حكم العاجز عن أدائهما. والله أعلم. الفرع الثاني: الاضطباع والرمل لأهل مكة. اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في مشروعية الاضطباع والرمل لأهل مكة، أو لمن أحرم منها من غير أهلها. على قولين: القول الأول: لا يُشرع الاضطباع والرمل إلا للآفاقي، الذي يأتي إلى مكة من خارجها. أما أهل مكة، ومن يُحْرِم منها من غير أهلها، فلا يُشرع لهم الاضطباع. وإلى هذا القول ذهب: الشافعي في القديم1، والحنابلة 2، وهو مروي عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم 3، والحسن، وعطاء 4. قال الترمذي: “ قال بعض أهل العلم ليس على أهل مكة رمل، ولا على من أحرم منها” 5.

_ 1 انظر: مصادر الشافعية في القول الثاني. 2 انظر: المغني 5/221، المحرر 1/246، شرح العمدة 4/354، الفروع 2/499، شرح الزركشي 2/194، كشاف القناع 2/447، المبدع 3/218، هداية السالك 2/808. قال الموفق ابن قدامة: “قال أحمد: ليس على أهل مكة رمل عند البيت، ولا بين الصفا والمروة”. وقال صاحب المبدع: “وكذا أهل مكة، لا رمل عليهم في قول الأكثر، لأن إظهار الجلد معدوم في حقهم، وحكم من أحرم منها حكم أهلها، ولو كان متمتعاً”. 3 انظر: البيهقي 5/84، المغني 5/221، هداية السالك 2/808. 4 انظر: مصنف ابن أبي شيبة 3/374، المحلى 7/96. 5 السنن 3/212.

القول الثاني: يُشرع الاضطباع والرمل لأهل مكة، ومن أحرم منها، كما يُشرع لغيرهم. وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في المذهب1، والمالكية في المشهور2، وهو مروي عن مجاهد 3. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، بما يلي: عن نافع قال: “إن عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان إذا أحرم من مكة، لم يطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى، وكان لا يرمل إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة” 4.

_ 1 انظر: المجموع 8/43، هداية السالك 2/804، إعانة الطالبين 2/299، مغني المحتاج 4/490. وقال النووي في المجموع: “وأما المكي المنشئ حجه من مكة. فهل يرمل في طواف الإفاضة؟ فإن قلنا: بالقول الثاني، لم يرمل، إذ لا قدوم في حقه. وإن قلنا بالأول، رمل، لاستعقابه السعي. وهذا المذهب”. 2 انظر: بداية المجتهد 1/341، الشرح الكبير 2/41، 43، الشرح الصغير /352، 355، مواهب الجليل والتاج والإكليل 3/109، 115. وقد مضى في الفرع الثالث، من المطلب الرابع التنبيه على أن المالكية يفرقون بين مشروعية الرمل للآفاقي، الذي يُحرم من المواقيت، ومن يحرم من دونها، كالتنعيم والجعرانة، فيُسن للأول، ويُندب للثاني. 3 انظر: مصنف ابن أبي شيبة 3/277، 374. ويظهر أن الحنفية يذهبون إلى هذا القول، ولم أقف على تصريح لهم بذلك، إلا أنهم يوافقون المالكية والشافعية على أن الرمل يُشرع في كل طواف يعقبه سعي، بل يرون مشروعية تكراره في الحج، كما مضى تقريره في الفرع الأول، من المطلب السادس. 4 أخرجه مالك في الموطأ، في كتاب الحج، باب الرمل في الطواف 1/365، وابن أبي شيبة في مصنفه 3/374، والبيهقي 5/84.

وسئل عطاء عن المجاور إذا أهلّ من مكة، هل يسعى الأشواط الثلاثة؟ قال: إنهم يسعون. فأما ابن عباس فإنه قال: “إنما ذلك على أهل الآفاق” 1. إن الرمل إنما شُرع في الأصل لإظهار الْجَلَد والقوة لأهل البلد. وهذا المعنى معدوم في أهل البلد 2. الاضطباع سنة الرمل. فمن لا يُشرع له الرمل، لا يُشرع له الاضطباع، كالنساء3. واستدل أصحاب القول الثاني، بما يلي: إن الرمل سنة ثابتة بعد زوال سببها، فيستوي فيها المكي وغيره 4. إنه يُشرع في كل طواف يعقبه سعي، فيستوي في ذلك المكي وغيره 5. الرأي المختار: ليس في هذه المسألة نصوص من السنة يُعتمد عليها في الترجيح أو الاختيار. ولعل ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، القائلون: بعدم استحباب الاضطباع والرمل للمكي، وللمحرم منها من غير أهلها، هو أولى الرأيين

_ 1 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/374، المحلى 7/96. 2 انظر: المغني 5/222، شرح الزركشي 2/194، كشاف القناع 2/480. وقال ابن البنا في شرحه 2/619: “لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك من قدم من أهل البلدان، ليعلم أهل مكة قوتهم، وجلدهم. وهذا المعنى معدوم في أهل مكة”. 3 انظر: الشرح الكبير 9/103، البحر الرائق 2/382، إعانة الطالبين 2/300، نيل الأوطار 5/111، حاشية ابن عابدين 2/528. وقال الزركشي في شرحه 2/194: “تنبيه: يُسن الاضطباع لمن يُسن له الرمل”. 4 أرجع ابن رشد سبب الخلاف بين القولين إلى: “هل الرمل كان لعلة، أو لغير علة؟ وهل هو مختص بالمسافر أم لا؟ ”. والسبب الثاني أظهر. 5 انظر: المجموع 8/43.

بالاختيار. وذلك لما يلي: مضى تقرير أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمل في طوافه الأول في حجته. وأهل مكة لم يطوفوا مع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الطواف، ليقتدوا به في ذلك. مضى أيضاً تقرير أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في طواف الإفاضة1، ولم يثبت أنه أمر أهل مكة بالرمل فيه. وهو الطواف الذي يختص به المكي. فظاهر هذا أن أهل مكة لم يرملوا في حجهم مع النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً. إن ما استدل به أصحاب القول الأول من الرواية عن بعض الصحابة رضي الله عنه في التفريق بين المكي وغيره، يعضد هذا القول ويقوِّيه. والله أعلم. الفرع الثالث: الاضطباع والرمل للراكب، والمحمول 2.

_ 1 في الفرع الأول من المطلب السادس. 2 تنبيه: عبّر بعض الحنابلة عن ذلك بـ: “حامل معذور”. انظر: الفروع 2/499، المبدع 3/218، التوضيح 2/517، منتهى الإرادات 2/141، شرح منتهى الإرادات 2/49، 50، وأوقع هذا التعبير اختلافاً في فهمه والمراد به. فقيل: المراد به، الطائف الذي يحمل المعذور، كصغير، ومريض في ردائه. هل يُشرع له الرمل والاضطباع أو لا؟ وقيل: المراد به: من يحمل الطائف المعذور في عدم مشيه، لعجز بسبب صغر، أو هرم، أو مرض. هل يُشرع له. بأن يرمل به حامله أو لا؟ ونبّه على ذلك الجاسر في مفيد الأنام ص 238، 239 إذ قال: “قال في المنتهى وشرحه: ويضطبع استحباباً غير حامل معذور بحمله بردائه. انتهى. فقوله “بحمله” متعلق بمعذور، وقوله “بردائه” متعلق بيضطبع. وقال عبد الوهاب بن فيروز على قوله في شرح الزاد “إن لم يكن حامل معذور بردائه” قوله: “إن لم يكن حامل معذور” بالإضافة. أي: بأن حمل في ردائه معذوراً. انتهى. قلت: فيما جنح إليه ابن فيروز، نظر. قال الشيخ عثمان النجدي: قوله “غير حامل معذور” وهو بالإضافة. أي: غير حامل شخصاً معذوراً، كمريض وصغير، فلا يستحب في حق الحامل الطائف به اضطباع، ولا رمل. هكذا ينبغي أن يُفهم. ويدل له قول العلامة ابن قندس عند قول الفروع: “أو حامل معذور” أي: المعذور، إذا حمله آخر، ليطوف به، لا يرمل الحامل. انتهى. فالأظهر ما قاله الشيخ عثمان: من أن حامل المعذور لا يستحب له الاضطباع مطلقاً، سواء حمل المعذور في ردائه، أو لم يحمله فيه. ويؤيد هذا قوله في الإقناع وشرحه: ويطوف سبعاً يرمل في الثلاثة منها: ماشٍ غير راكب، وغير حامل معذور، وغير نساء، وغير محرم من مكة، أو من قربها. فلا يسن هو. أي: الرمل. ومن لا يُشرع له الرمل، لا يُشرع الاضطباع. انتهى ملخصاً. ومنه يتضح عدم وجاهة ما ذهب إليه عبد الوهاب بن فيروز في حاشيته على شرح الزاد. والله أعلم”. وانظر: حاشية عثمان النجدي 2/141. وما ذهب إليه الجاسر من التنبيه، هو الصواب، إذ صورته قريبة من الراكب، ولذا كان اقترانهما في المسألة. قال أبو الفرج ابن قدامة في الشرح الكبير 9/108: “وإذا طاف راكباً أو محمولاً، فلا رمل فيه”. وهذا هو الموافق للمذاهب الأخرى. قال النووي في المجموع 8/44: “ولو طاف راكباً أو محمولاً. فهل يُستحب أن يُحرك الدابة ليُسرع كإسراع الرامل، ويُسرع به حامله أم لا؟ ”.

المراد بالراكب: من طاف راكباً على دابة، كبعير ونحوه 1. فهل يُشرع له الاضطباع والرمل، بأن تُحرَّك الدابة أثناء سيرها، أو لا يُشرع له ذلك؟ والاضطباع تبع للرمل في ذلك 2. والمراد بالمحمول: من طِيف به محمولاً على ظهر إنسان، أو على رأسه، لصغر، أو عجز3.فهل يُشرع له الاضطباع والرمل. بأن يُسرِع به الحامل، كهيئة الرامل، أم لا يُشرع له ذلك؟

_ 1 ويُلحق بهذا، الكراسي المتحركة، التي يستخدمها كبار السن، والعاجزون عن الحركة. 2 الشرح الكبير 9/108. 3 طواف المحمول أصبح كثير المشاهدة وبخاصة في أيام الحج. وقد نظَّم المسؤولون عن شؤون المسجد الحرام من يقومون بإعانة العاجزين عن مباشرة أداء مناسكهم من طواف أو سعي. كما وفّرت الكراسي المتحركة، لمن يتولى بنفسه دفع قريبه. فجزى الله هذه الدولة خير الجزاء على ما تقوم به من خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام.

اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في ذلك على قولين: القول الأول: لا يُشرع للراكب ولا للمحمول، الاضطباع ولا الرمل. وإلى هذا القول ذهب: الحنفية والحنابلة في المشهور 1، والمالكية في وجه 2، والشافعية في قول 3. القول الثاني: يُشرع لهما الاضطباع والرمل. سواء أكان الراكب والمحول بالغاً، أم صبياً، أم مريضاً. وإلى هذا القول ذهب: المالكية في المشهور4، والشافعية في الأصح 5،

_ 1 انظر: الفروع 2/499، المبدع 3/218، التوضيح 2/517، منتهى الإرادات 2/141، كشاف القناع 2/447، هداية السالك 2/805. قال ابن جماعة: “وصحح ابن قدامة: أن الراكب، والحامل لا يرملان”. أما الحنفية، فلم أقف على ما يُساعد في نسبة هذا القول لهم، إلا قول السندي في لباب المناسك ص 91: “فلا يطوف بلا رمل، إلا إذا تعذّر لمرض”. وهي محتملة. والله أعلم. 2 انظر: منسك خليل ص 68، وأطلق الخلاف في ذلك، فقال: “وفي الرمل بالصبي والمريض خلاف”. وقال ابن جماعة في هداية السالك 2/80: “وفي التبصرة للخمي، قال أبو محمد: يُرمل بالمريض. وعلى قول ابن القاسم، لا يرمل بالصبي إذا طيف به محمولاً. وقال أصبغ: يُرمل به. وعلى قول ابن القاسم هذا، لا يرمل بالمريض. وهو أحسن فيه، وفي الصبي”. 3 انظر: حلية العلماء 3/28. قال الشاشي: “فإن كان محمولا، رمل به حامله. وحكى الشيخ أبو حامد، أن للشافعي – رحمه الله – قولاً آخر أن المريض لا يرمل به حامله”. 4 انظر: الشرح الكبير 2/41، الشرح الصغير 2/352، مواهب الجليل والتاج والإكليل 3/109، كفاية الطالب 1/667، هداية السالك 2/805. قال الدردير في الشرح الكبير: “رمل رجل في الأشواط الثلاثة الأول فقط. ولو كان الطائف مريضاً وصبياً حُملا على دابة أو غيرها، فيَرْمل الحامل، وتُحرك الدابة، كما تُحرك في بطن محسر”. 5 انظر: روضة الطالبين 3/87، المجموع 8/44، مغني المحتاج 1/490.قال النووي في المجموع: “لو طاف راكباً أو محمولاً، فهل يستحب أن يحرك الدابة، ليسرع، كإسراع الرامل، ويسرع به الحامل أم لا؟ فيه أربع طرق: أصحها، وبه قطع البغوي، وآخرون فيهما: قولان. ومنهم من حكاهما وجهين، أصحهما – وهو الجديد – يُستحب، لأنه كحركة الراكب والمحمول. والثاني: وهو القديم، لا يستحب، لأن الرمل مستحب للطائف، لإظهار الجلد والقوة. وهذا المعنى مقصود هنا، ولأن الدابة والحامل قد يؤذيان الطائفين بالحركة ... ”

ووجه عند الحنابلة 1. قال ابن جماعة: “ وإن طاف راكباً أو محمولاً، فالأصح عندهم ـ أي: الشافعية ـ أنه يرمل الحامل، سواء أكان المحمول بالغاً، أم صبياً. ويحرك الدابة. وفي قول قديم: لا يرمل الحامل بالمحمول، ولا يحرك الدابة”2. الأدلة: احتج أصحاب القول الأول، بما يلي: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا أمر به 3. إن الرمل بالراكب والمحمول، لا يتحقق به معنى الرمل من إظهار الجلادة والقوة 4. إن الدابة والحامل قد يؤذيان الطائفين بالحركة 5. إن من لا يُشرع له الرمل، لا يشرع له الاضطباع 6.

_ 1 انظر: الشرح الكبير9/108، الفروع 2/499، المبدع 3/218، كشاف القناع 2/447. قال أبو الفرج ابن قدامة: “يخبّ به بعيره”. وذكر الآجري: يرمل بالمحمول. 2 هداية السالك 2/805،804. 3 انظر: الشرح الكبير 9/108. 4 انظر: المرجع السابق. 5 انظر: المجموع 8/44. 6 انظر: الشرح الكبير 9/103، المبدع 3/218، كشاف القناع 2/447.

واحتج أصحاب القول الثاني، بما يلي: بعموم قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 1. وقوله صلى الله عليه وسلم: “إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم” 2. فالراكب والمحمول يُشرع لهما الإتيان بما يستطيعانه. وهما يستطيعان الرمل بغيرهما. فيأتيان به. إن الرمل في هيئته، كحركة الراكب والمحمول 3. إن الرمل سُنَّة ثابتة بعد زوال سببها، فيستوي فيها القوي وغيره 4. الرأي المختار: ليس في هذه المسألة من النصوص ما يُستعان به على ترجيح أحد الرأيين واختياره. وما ذهب إليه أصحاب القول الأول، القائلون: بعدم مشروعية الاضطباع والرمل للراكب والمحمول. هو الرأي الذي أختاره، وذلك لما يلي: إن ما استدل به أصحاب القول الثاني من العمومات، قد لا تحتمله هذه المسألة، ولا يدخل فيها. إذ أن نسبة الرمل للطائف من خلال تحريك الدابة، أو سرعة الحامل، فيه بُعْد ظاهر. إن من طاف راكباً أو محمولاً، فإنما فعل ذلك لعجزه، وبالعجز تسقط الواجبات، فضلا عن السنن والمندوبات. والله أعلم.

_ 1 سورة التغابن، آية: 16. 2 تقدم تخريجه. 3 انظر: المجموع 8/44. 4 هذا نظير حجة القائلين بالرمل للمكي.

الخاتمة

الخاتمة وبعد هذا التجوال في هذه الأسفار، وتتبع جُلّ النصوص الواردة في الاضطباع والرمل في الطواف، والوقوف على ما قاله طائفة من العلماء الفضلاء، والأئمة النجباء، من حِكَم وأحكام استنبطوها من ظواهر تلك النصوص وإشاراتها، يمكن إبراز أهم ما توصلت إليه من نتائج فيما يلي: الاضطباع والرمل في الطواف فعلان مترابطان، يُشرعان معاً، وأحكامهما وأدلتهما متقاربة، ولذا فإن كثيراً من العلماء يُصرِّحون بهذا التلازم والترابط بينهما. الاضطباع في الطواف: هو أن يُجعل وسط الرداء من تحت الإبط الأيمن، يُغطَى به العاتق الأيسر. ويكون المنكب الأيمن مكشوفاً. سُمِّي به لإبداء أحد الضَّبْعَيْن. الرَّمَل في الطواف: هو الإسراع في المشي مع تقارب الْخُطى، من غير وثب، ولا عدوٍ، ويهز الكتفين في مشيه، كالمبارز الذي يتبختر بين الصفين. وهو الْخَبَب. لا تعارض بين من أطلق المشي، أو أغفل ذِكْرَه في تعريف الرمل، إذ مراد الجميع أن يكون مشياً فيه سرعة. لا تعارض بين وَصْف الرمل بأنه هرولة، أو دونها، إذ الجميع متفقون على أن الرمل ليس عدواً سريعاً، أو سعياً شديداً. التحذير مما يفعله بعض العوام من الجري في طواف القدوم. فإن الرمل المسنون، أن يهزّ منكبيه، وأن يُسرع في مشيه، دون الجري. دلّ على مشروعية الاضطباع والرمل في الطواف أحاديث كثيرة، جاء ذكرها في ثنايا البحث.

الأصل في مشروعية الاضطباع والرمل، أن المشركين قالوا: قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم مكة في عمرة القضية سنة سبع: إنه يقدم عليكم غداً قوم وَهَنَتْهُم الْحُمَّى.. إن العبادة قد تُشرع أولاً لسبب، ثم يزول ذلك السبب، وتبقى عبادة وقُرْبة، كما هو الحال في: الاضطباع والرمل. إن من حكمة بقاء مشروعية الاضطباع والرمل بعد زوال العلة، تَذَكُّر ما أنعم الله به على عباده المؤمنين من العِزَّ والكثرة، بعد الضعف والقلة. إن الاضطباع والرمل سنتان باقيتان، وشعيرتان ثابتتان، وإن زال سببهما، وذهب وقت الحاجة إليهما. يرى المالكية مشروعية الرمل لكل مُحْرِم، سواء أحرم من المواقيت أم من دونها، كالتنعيم. إلا أن مشروعية الرمل لهما مختلفة. فمن أحرم من المواقيت، فيُسن له الرمل. وأما من أحرم من دونهما فيُندب له الرمل. وَهِمَ ابن رشد ـ في بداية المجتهد ـ في عزو القول بوجوب الدم بترك الرمل للجمهور. الصحيح أنه ليس على من ترك الاضطباع أو الرمل شيء. الاضطباع والرمل من أعمال الطواف، فيكون فعلهما, وقت ابتداء الشروع في الطواف. ولا بأس من الاستعداد بالاضطباع، قبل الشروع فيه بوقت يسير. إن الرمل إنما يُشرع ويُسن في الأشواط الثلاثة الأُوَل من الطواف، وأن السنة في الأربعة الأُخر، إنما هو المشي المعتاد. نبّه ابن القيم في زاد المعاد على وَهْمٍ فاحش لابن حزم، حيث زعم أنه صلى الله عليه وسلم رمل في السعي ثلاثة أشواط ومشى أربعة.

إن الرمل يكون في الأشواط الثلاثة الأول كلها. فيرمل من الْحَجَر الأسود إلى أن يعود إليه، لا يمشي في شيء من ذلك. إن من ترك الرمل في الثلاثة الأول، لم يقضه في الأربعة الباقية، لأنها هيئة فات موضعها، فسقطت، كالجهر في الركعتين الأوليين، ولأن السنة في الأشواط الأربعة الأخيرة المشي، فإذا قضى الرمل في الأربعة الأخيرة، أخلّ بالسنة في جميع الطواف. وكان تاركاً للسنّتين، فإخلاله بسنة، أيسر من إخلاله بسنّتين. الأقرب في تأويل فعل ابن الزبير رضي الله عنه من أنه كان يرمل في طوافه كله: ما جاء من أنه كان يُسْرِع المشي في الطواف. فكان الناظر إليه يحسبه يرمل الأشواط كلها. إن الاضطباع يكون في الطواف الذي يُرمل فيه، وأنه سنة في جميع الطواف. إن الاضطباع خاص بالطواف، فلا يُستحب استدامته في ركعتي الطواف. بل إن الصلاة على هذه الهيئة مكروهة، فإذا فرغ من طوافه ستر عاتقيه. الاتفاق على أن الاضطباع والرمل يُشرعان في طواف القادم إلى مكة معتمراً، أو حاجاً، إذا سعى بعده. إن الاضطباع والرمل لا يُشرعان إلا في طواف القدوم، أو طواف العمرة، سواء سعى بعده أم لا، لأن الاضطباع والرمل إنما يكونان في الطواف الأول حين يقدم إلى مكة. لا يُشرع الاضطباع والرمل في غير ملابس الإحرام، إذ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اضطبع أو رمل وهو غير محرم، أو أنه أمر أحداً بذلك. إن الاضباع بغير ملابس الإحرام، ليس فيه اقتداء واتباع، بل فيه

إحداث وابتداع. الاتفاق على أن القُرْب من البيت مع الرمل أولى، لما فيه من الجمع بين الفضيلتين. الاتفاق على أن البُعْد من البيت مع الرمل، أولى من القُرْب منه مع عدم الرمل، لأن المحافظة على فضيلة تتعلق بنفس العبادة، أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكانها أو زمانها. القول: بأن من يتمكن من الرمل، أو القرب من البيت بتأخير الطواف دون تضرر به، أو برفقته، فهو أولى. لم يخل من تعقب. إن كان الطائف لا يتمكن من الرمل مع البُعد، أو كان في حاشية المطاف نساء، ويخشى أن يتضرر هو، أو يتضررن من ذلك، كان القُرب من البيت أولى. من لم يتمكن من الرمل على الصفة المشروعة، رمل حسب قدرته وطاقته، فإن تعذّر عليه ذلك، مشى مشياً معتاداً على سجيّته. من ترك الاضطباع في بعض الأشواط لعذر أو غيره، فإنه يُشرع له تداركه فيما بقي من الأشواط. عدم مشروعية قضاء الاضطباع والرمل إذا تُركا في الطواف المشروع لهما. الاتفاق على أن الاضطباع والرمل مشروعان للرجال. الاتفاق على أن الاضطباع والرمل لا يُشرعان للنساء، وحكاه بعضهم إجماعاً. مشروعية الاضطباع والرمل للصبي، لأنه ملحق بالرجل في أحكامه، ومنها ملابس الإحرام، إذ يُحرم في إزار ورداء. فيكون ملحقاً به في هيئة أفعاله من اضطباع ورمل.

لا يُشرع الاضطباع والرمل إلا للآفاقي، الذي يأتي إلى مكة من خارجها. أما أهل مكة، ومن أحرم منها من غير أهلها، فلا يُشرع لهم الاضطباع. لا يُشرع للراكب، ولا للمحمول الاضطباع ولا الرمل. هذا ما يسر الله تقييده، والحمد لله آخراً كما بدأ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... ثبت المصادر والمراجع مرتبة على حسب حروف الهجاء إيضاح الإشارات الواردة في هذا الثبت: “ ط = طبعة” “ ن = ناشر” “ ت = تحقيق” “ م = مكتبة”. 1- القرآن الكريم. “ لم ألتزم بترتيبه لشرفه “. 2- الإجماع. لأبي بكر محمد بن المنذر. ت/ البارودي، ن/ مؤسسة الكتب الثّقافية، ط/ الأولى 1406هـ 3- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان. لعلي بن بلبان. ن/دار الكتب العلمية، ط/ الأولى1407هـ 4- أحكام القرآن. لأبي بكر أحمد الجصاص. ت/قمحاوي، ن/دار إحياء التراث العربي، ط/ 1405هـ 5- أخبار مكة، لمحمد بن إسحاق الفاكهي. ت/د. ابن دهيش. ن/ دار خضر. ط/ الثانية 1414هـ. 6- إرشاد الساري إلى مناسك الملا علي القاري، لحسين عبد الغني، ن/ المكتبة التجارية الكبرى. 7- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، للألباني، ن/ المكتب الإسلامي، ط/الأولى1399هـ 8- الاستذكار … لأبي عمر بن عبد البر. ط/ الأولى 1414هـ. 9- الأشباه والنظائر. لعبد الرحمن السيوطي. ن/ دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1403هـ 10- إعانة الطالبين. للسيد البكري الدمياطي، ن/ دار الفكر.

11- الإفصاح عن معاني الصحاح. للوزير ابن هبيرة. ن/ المؤسسة السعدية. 12- الإقناع لطالب الانتفاع. لموسى الحجاوي. ت/د. التركي، ن/دار هجر، ط/الأولى1418هـ 13-الأم. للإمام محمد بن إدريس الشافعي. ن / دار إحياء التراث. 14- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف. لعلاء الدين المرداوي. ت/د. التركي.” مطبوع مع الشرح الكبير”. 15- إيضاح المناسك على مذهب مالك، لحسين الأزهري. ن/ المطبعة الميرية بمكة 1326هـ 16- البحر الرائق شرح كنز الدقائق. لابن نُجيم، زين الدين بن إبراهيم ن/دار المعرفة. 17- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. لأبي بكر الكاساني. ن /دار الكتاب العربي. ط / الثانية 1402هـ 18- بداية المبتدي. للمرغيناني “ مطبوع مع فتح القدير”. 19- بداية المجتهد ونهاية المقتصد. لأبي الوليد بن رشد “الحفيد” ن/مكتبة الحلبي. ط/الرابعة 1395هـ. 20- البداية والنهاية، لأبي الفداء، إسماعيل بن كثير. ن/ مكتبة المعارف 21- بلغة السالك على الشرح الصغير. لأحمد الصاوي “ مطبوع مع الشرح الصغير”. 22- البيان والتحصيل..، لأبي الوليد ابن رشد “ الجد” ت/ الحبابي. ن/ دار الغرب الإسلامي. ط/1404هـ 23- التاج والإكليل لمختصر خليل. لأبي عبد الله العبدري، الشهير بالمواق “مطبوع مع مواهب الجليل”. 24- تحرير ألفاظ التنبيه. للنووي. ن/دار القلم. ط/ الأولى 1408هـ

25- تحفة الفقهاء. لمحمد بن أحمد السمرقندي. ن/ دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1405هـ 26- ترتيب مسند الشافعي. لمحمد السندي. ن/دار الكتب العلمية. 27- التعريفات. لعلي الجرجاني. ن/ دار الكتب العلمية، ط/ الأولى 1403 27م- تفسير الطبري = جامع البيان 28- تقريب التهذيب. لابن حجر العسقلاني. ت/ أبي الأشبال. ن/ دار العاصمة. ط/ الأولى 1416هـ 29- تلخيص الحبير ... لابن حجر العسقلاني. ن/دار المعرفة. 30- التمهيد لما في الموطأ..، لأبي عمر، يوسف بن عبد البر. ن/ وزارة الأوقاف بالمغرب. ط/ الثانية 1402هـ 31- تنوير المقالة في حل ألفاظ الرسالة، للتتائي. ت/د. شبير. ط/1409?. 32- التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح. لأحمد الشويكي. ت/الميمان، ن/المكتبة المكية، ط/الثالثة1419هـ 33- الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير. للسيوطي “ مطبوع مع فيض القدير” ن/ دار المعرفة. 34- حاشية ابن عابدين = حاشية ردّ المحتار. لمحمد أمين، ن/مكتبة الحلبي، ط/ الثانية 1386هـ 35- حاشية عثمان النجدي. “ مطبوع مع منتهى الإرادات”. 36- الحاوي الكبير شرح مختصر المزني. لعلي الماوردي. ت/معوض وعبد الموجود، ن/دار الكتب العلمية 37- حلية الأولياء..، لأبي نعيم الأصبهاني. ن/ دار الكتاب العربي. ط/ الثالثة 1400هـ 38- حلية العلماء. للقفال الشاشي. ت/د. دراكة. ن/ مؤسسة الرسالة.

ط/الأولى1400هـ 39- الدر المختار شرح تنوير الأبصار. لمحمد الحصكفي. “ مطبوع مع حاشية ابن عابدين”. 40- دقائق المنهاج، للنووي. ت/ الغوج. ن/ المكتبة المكية. ط/ الأولى. 1996م 41- رحلة الصديق إلى البيت العتيق. لصديق حسن خان. ط/ 1381هـ الهند 42- رسالة أبي زيد القيرواني. “ مطبوعة مع تنوير المقالة”. 43- الروايتين والوجهين. للقاضي أبي يعلى. ت/ د. عبد الكريم اللاحم. ط/ الأولى 1405هـ 44- روضة الطالبين. لشرف الدين النووي، ن/ المكتب الإسلامي، ط/ الثانية. 45- زاد المعاد..، لابن قيم الجوزية. ن/ مؤسسة الرسالة. ط/ الثانية 1401 46- سنن الترمذي. لأبي عيسى محمد الترمذي، ن/دار الفكر. 47- سنن الدارقطني. لعلي الدارقطني. ن / دار المحاسن. 48- سنن الدارمي. لأبي محمد عبد الله الدارمي، ن/دار إحياء السنة النبوية. 49- سنن أبي داود. لأبي داود سليمان بن الأشعث، ن/دار الفكر. 50- السنن الكبرى. لأبي بكر البيهقي. ن/ مكتبة المعارف. مصور عن الطبعة الأولى 1354 هـ. 51- سنن ابن ماجة. لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني. ت/محمد عبد الباقي، ن/ المكتبة العلمية. 52- شرح الإيضاح في مناسك الحج. للنووي. ت/ غيث. ط/ الرابعة 1405 هـ 53-شرح الزرقاني على الموطأ. لمحمد الزرقاني. ن/ دار الكتب العلمية. ط/

الأولى 1411هـ 54- شرح الزركشي على مختصر الخرقي. لمحمد الزركشي. ت/الجبرين، ن/مكتبة العبيكان، ط/الأولى1413هـ 55- شرح صحيح مسلم، للنووي. ن/ دار الفكر، ط/1401هـ 56- الشرح الصغير على أقرب المسالك. لأبي البركات أحمد الدردير. ن / مطبعة الحلبي. 57- شرح العمدة في الفقه. لشيخ الإسلام ابن تيمية. ن/ م العبيكان. ط/ الأولى 1413هـ 58- الشرح الكبير على المقنع. لشمس الدين عبد الرحمن بن قدامة. ت/د. التركي. ط/الأولى 1414 هـ 59- شرح معاني الآثار. لأحمد الطحاوي. ن/ دار الكتب العلمية. ط/ الثانية 1407هـ 60- شرح منتهى الإرادات. لمنصور البهوتي. ن/ دا رالفكر. 61- الصحاح. لإسماعيل الجوهري. ت/ أحمد عطار. ط/ الثانية 1402?. 62- صحيح البخاري. لمحمد بن إسماعيل البخاري. ن/ المكتبة الإسلامية، استانبول. 63- صحيح ابن خزيمة. لأبي بكر محمد بن خزيمة. ت/الأعظمي، ط/ الثانية 1401هـ 64-صحيح مسلم. لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري. “ مطبوع شرح النووي” ن / دار الفكر. 65- طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية. لنجم الدين النسفي. ن/ دار القلم. ط/ الأولى 1406هـ 66- عون المعبود شرح سنن أبي داود. للعظيم آبادي. ن/ دار الكتب العلمية. ط/ الثانية 1415هـ

67- غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، ن/دار الكتاب العربي، ط/مصورة عن الطبعة الأولى. 68- الفائق في غريب الحديث. للزمخشري. ت/علي البجاوي ومحمد إبراهيم، ن/عيسى الحلبي، ط/ الثانية. 69- فتاوى قاضيخان. “ مطبوع مع الفتاوى الهندية” 70- الفتاوى الهندية. مجموعة من علماء الهند. ن/ دار إحياء التراث العربي. ط/ الثالثة. 1400هـ 71- فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، ن/ إدارات البحوث العلمية بالمملكة. 72- فتح القدير شرح الهداية. لابن الهمام. ن /مكتبة الحلبي. ط / الأولى 1389 هـ. 73- فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب. لزكريا الأنصاري. ن/ دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1418هـ 74- الفروع. لأبي عبد الله محمد بن مفلح. ن/ عالم الكتب. ط / الرابعة 1405 هـ. 75- القاموس المحيط. للفيروز آبادي. ن/ مؤسسة الرسالة. ط / الأولى 1406 هـ. 76- القِرى لقاصد أم القرى. لمحب الدين الطبري. ن/مصطفى الحلبي، ط/الثانية 1390هـ 77- القوانين الفقهية = قوانين الأحكام الشرعية. لابن جزي المالكي. ن / عالم الفكر. ط / الأولى. 78- كتاب الآثار. لأبي يوسف، يعقوب بن إبراهيم الأنصاري. ن/ دار الكتب العلمية. ط/1355 هـ 79- كتاب الحجة على أهل المدينة. لمحمد بن الحسن الشيباني. ن/ عالم

الكتب. ط/ الثالثة 1403هـ 80- كشاف القناع عن متن الإقناع. لمنصور البهوتي. ن/مطبعة الحكومة بمكة، ط/1394هـ 81- كفاية الطالب. لأبي الحسن المالكي. ت/ البقاعي. ن/ دار الفكر. ط/ 1412هـ 82- لباب المناسك. للسندي. " مطبوع مع إرشاد الساري". 83- لسان العرب. لمحمد بن منظور. ن / دار صادر. 84- المبدع في شرح المقنع. لبهان الدين إبراهيم بن مفلح. ن/ المكتب الإسلامي، ط/1980م. 85- المبسوط. لشمس الدين السرخسي. ن / دار المعرفة بيروت. مصورة 1406 هـ 86- المبسوط للشيباني. لمحمد بن الحسن الشيباني. ت/ الأفغاني. ن/ دار القرآن كراتشي. 87- مجلة البحوث الإسلامية، الأعداد " 50، 53". 88- المجموع شرح المهذب. للنووي. ن/دار الفكر، ط/ الأولى 1417هـ 89- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية. جمع ابن قاسم. ن/ مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف 1415هـ 90- المحرر في الفقه. لمجد الدين أبي البركات بن تيمية. ن/مطبعة السنة المحمدية. 1369هـ 91- المحلى. لابن حزم. ت / أحمد شاكر. ن / دار التراث. 92- مختصر الخِرَقي. لعمر بن حسين الخرقي. ن/مؤسسة الخافقين، ط/الثالثة1402هـ 93- المستدرك على الصحيحين. لأبي عبد الله الحاكم. ن/ دار المعرفة. 94- مسند. الإمام أحمد بن حنبل، ن/ المكتب الإسلامي. ط/ الخامسة.

95- مسند الإمام أحمد “ الموسوعة الحديثية” ت/ مجموعة من الباحثين. ن/مؤسسة الرسالة. ط/1414هـ 96- مسند الإمام الشافعي. بترتيب السندي. ن/دار الكتب العلمية. ط/ 1370هـ 97- مسند الطيالسي، لسليمان بن الجارود الطيالسي. ن/ دار المعرفة. 98- منسك خليل. لخليل بن إسحاق المالكي. ت/ الأصمعي. ن/م دار الكتاب العربي. ط/ الأولى 1369هـ 99- منسك ملا القاري= المنسك المتقسط في المنسك المتوسط. لملا علي القاري “ مطبوع مع إرشاد الساري”. 100- المصباح المنير. للفيومي. بدون ناشر، أو تاريخ للنشر. 101- المصنف. لعبد الرزاق الصنعاني. ت/ حبيب الرحمن الأعظمي. ط/ الثانية 1403هـ 102- المصنف. لأبي بكر بن أبي شيبة. ت/ الحوت، ن/مكتبة الرشد، ط/ الأولى 1409هـ 103- معالم السنن. لأبي سليمان حمد الخطابي. ن/ المكتبة العلمية. ط/ الثانية 1401هـ 104- معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية. لعاتق البلادي. ن/ دار مكة. ط/ الأولى 1402هـ 105- معجم مقاييس اللغة. لأحمد بن فارس. ن/ دار الفكر. ط/ 1399هـ 106- المغرّب في ترتيب المعرب. لناصر المطرزي. ن/ دار الكتاب العربي. بيروت. 107- المغني شرح مختصر الخرقي. للموفق أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي. ت/د. التركي، ود. الحلو. ن/دار هجر. ط/الثانية. 108- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج. لمحمد الشربيني الخطيب،

ن/ الحلبي. ط/ 1377هـ 109- مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام. لعبد الله الجاسر. ط/ الثالثة 1412هـ 110- المقنع شرح مختصر الخرقي. لأبي علي بن البنا. ت/د. البعيمي. ن/مكتبة الرشد. ط/الأولى 1414 هـ. 111- المقنع في فقه الإمام أحمد. لموفق الدين أبي محمدعبد الله بن قدامة. ن/ م الرياض الحديثة. ط/1400هـ 112- المنتقى لابن الجارود. لعبد الله بن الجارود النيسابوري. ن/ مؤسسة الكتاب الثقافية. ط/الأولى 1408هـ 113- منتهى الإرادات. لابن النجار، محمد بن أحمد الفتوحي. ت/ د. التركي. ط/ الأولى 1419 114- المهذب. للشيرازي. “ مطبوع مع شرحه المجموع” 115- مواهب الجليل لشرح مختصر خليل. للحطاب. ن/دار الفكر. ط/الثانية 1398 هـ 116- الموطأ. للإمام مالك بن أنس. ترقيم محمد عبد الباقي، ن/دار إحياء الكتب العربية. 117- النهاية في غريب الحديث. لابن الأثير. ن/ المكتبة الإسلامية. 118- نيل الأوطار، شرح منتقى الأخبار. لمحمد بن علي الشوكاني. ن/مكتبة الدعوة الإسلامية، شباب الأزهر. 119- هداية السالك، إلى المذاهب الأربعة في المناسك. لعز الدين بن جماعة الكناني. ت/ د. عتر. ط/ الأولى 1414هـ 120- الهداية شرح بداية المبتدي. “ مطبوع مع شرح فتح القدير”. 121- الوسيط. لأبي حامد محمد الغزالي. ن/ دار السلام. ط/ الأولى.

§1/1