أحاديث ومرويات في الميزان 2 - حديث الفينة

محمد عمرو بن عبد اللطيف

المقدمة

المقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ?. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا?. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ?. أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل (¬1) بدعة ضلالة. ¬

(¬1) هذا هو الثابت المحفوظ عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند مسلم وغيره كما رواه جمهور أصحاب جعفر بن محمد: عبد الوهاب الثقفي، وسليمان بن بلال، ووهيب بن خالد، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد العزيز بن محمد، ويحيى بن سليم وآخرون، ومقتضى صنيع مسلم أن يكون هو لفظ وكيع عن الثوري عن جعفر به، حيث أحال على رواية الثقفي وقال: " ثم ساق الحديث بمثل حديث الثقفي ". لكن رواه أحمد، وابن أبي عاصم عن وكيع بلفظ: " وكل محدثة بدعة " وجمع بينهما البيهقي. وخالف جميع هؤلاء: عبد الله بن المبارك، فرواه عن الثوري عن جعفر به بلفظ: " وشرالأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار". وهذه اللفظة تحاشاها الإمام مسلم في "صحيحه"، وكذلك ابن حبان، وأوردها ابن خزيمة في "صحيحه" بالتحويل مع رواية أنس بن عياض عن جعفر وقال: " ولفظ أنس بن عياض مخالف لهذا اللفظ ". وفي الحقيقة أن لفظ جمهور الرواة عن جعفر كذلك في هذه الزيادة وفي السياق نفسه. وشيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ وإن صحح لفظ النسائي بالزيادة في "إقامة الدليل على إبطال التحليل" من الفتاوى (3 / 58) كما في خطبة الحاجة للعلامة الألباني ـ رحمه الله ـ (ص 30) ، فقد طعن في ثبوتها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في "مجموع الفتاوى" (19/191) فقال: " ولم يقل: وكل ضلالة في النار "، ثم شرع في بيان عدم صحة هذا المعنى. ولولا أن الله ـ عز وجل ـ قيّض لي أخاً كريماً يسألني عن هذه اللفظة منذ عدة سنوات، ما تفطنت إلى شذوذها بعد التقصي التام لطرق هذا الحديث، وإن رُويتْ عن عمر وابن مسعود ـ رضوان الله عليهما ـ.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. فهذه هي الحلقة الثانية من سلسلة " أحاديث ومرويات في الميزان "، بعنوان: " حديث: (ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة ... ) في الميزان "، بعد انقطاع طويل بلغ أحد عشر عاماً، وهو يمثل

المدة التي تلت خروج الحلقة الأولى من هذه السلسلة التي أرجو الله ـ عز وجل ـ أن يبارك لي فيها، وكانت: (حديث " قلب القرآن يس " في الميزان) . وكان ذلك لأسباب يطول ذكرها، والتي يعلم الكثيرون منها: المعاناة من اشتداد (مرض السكريِّ) لكنه ـ بلطف ربي وفضله ـ لم يعقني تماماً عن البحث والدراسة، ولو كنت من أنصار الاستعجال في التصنيف لرُؤي لي العديد منها. ولاشك أن طالب العلم ـ بمضي الزمان ـ يتلقى معارف واستفادات ويحصل ثماراً طيبة أثناء بحثه في العمل، ومحادثته مع إخوانه. أما بخصوص هذا الحديث، فقصته معي قديمة. فمنذ أيام الشباب، وأنا أقف ـ من حين لآخر ـ على قول الحافظ الهيثمي ـ رحمه الله ـ فيه: " رجاله ثقات "، واستشهادِ آخرين بهذا القول أحياناً؛ وأنا متعجب ومتحير بعض الشيء في هذا الحكم، لاسيّما أنه قد أتى عليَّ وعلى كثيرين غيري زمان كنا نظن فيه أن عبارة: " رجاله ثقات " من نحو المنذري والهيثمي تعني صحة الحديث الذي قيلت فيه. وذلك قبل أن يمن الله ـ عز وجل ـ علينا بالشيخ العلامة أبي عبد الرحمن الألباني ـ رحمه الله وجزاه عن الإسلام والسنة خيراً ـ فيبين لنا سقم هذا الفهم، وعوار هذا المسلك. وكنت قد جمعت عدداً كثيراً من الأحاديث التي وصفها الحافظ الهيثمي ـ رحمه الله ـ بهذا الوصف أو جوَّدَ أسانيدها أو حسنها في "مجمع الزوائد"،

وهممت بجد في إيراد طائفة منها في كتاب سميته (فضل المرأة الصالحة) الذي شاء العليم القدير أن يفقد من الأخ الفاضل الذي دفعته إليه لنشره، ولو كان تم على هذه الصورة، لعرَّضني لكثير من الحرج. ويقدِّرُ ربي ـ العليُّ القديرـ أن تقع عيناي ذات يوم أو ليلة على ترجمة (عتبة بن عمرو المكتب) من "تلخيص المتشابه" للخطيب البغدادي (2/779) ـ وهذا كتاب لا يفطن الكثيرون لما فيه من الكنوز ـ فذكر عن البخاري رواية هذا الرجل لحديث: " للمؤمن ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة ... " فكتبت تحت اسمه: " وثقه ابن حبان (7 / ... ) ـ كذا بترك موضع الصفحة ـ وقال أبوحاتم (لا أعرفه) ووهم بعضهم فرواه عن علي بن حفص المدائني عن عبيدة المكتب عن عكرمة ـ كذا كتبتها ـ به (الكبير 11/ ... ) ". هكذا كان تعليقي من الحافظة وقتها، ومنذ تلك اللحظة وأنا معتقد أن في ثبوت هذا الحديث نظراً، دون تفكير في سائر طرقه أو تطلب لها، لكن الإثبات العلمي لهذا الاعتقادلم يخرج إلى حيز التنفيذ إلا بعد نحو بضع عشرة سنة من هذه الواقعة! والأعجب من ذلك أنني كلما وقفت على متن هذا الحديث لم أكن أقف ـ أبداً ـ عند قوله: " أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا " حتى شرعت عملياً في إخراج هذه الرسالة، مع أنني أعلم من الحديث الضعيف: " ... والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه " أن معنى (الإقامة على الذنب) هو الإصرار عليه.

ثم إنني ـ بعد الفراغ من الكتاب ـ بحثتُ مادة (قَوَمَ) من "لسان العرب" (5/3781: 3787) ، فلم أجد ابن منظور ـ رحمه الله ـ يورد (أقام على الشيء) ، ولكنه فسر: (أقام الشيء) بـ (أدامه) من قوله تعالى: " ويقيمون الصلاة " وغيره. (وأقام بالمكان) بمعنى: الثبات، كما فسر: (قام) و (قام على الشيء) بمعنى: (ثبت) و (واظب) و (دام) و (تمسك) كما تأيد هذا لدي ببعض شروح الحديث المذكور آنفاً في " إتحاف السادة المتقين " و" فيض القدير " وشرح الشيخ محمد خليل هراس ـ رحمه الله ـ لـ "الترغيب والترهيب"، وكان أوضحها. ثم العجب أن حديث: " التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه، ومن آذى مسلماً ... " إلخ المروي عن ابن عباس؛ قال المناوي في " الفيض " (3/277) : " ... وقال المنذري: الأشبه وقفه، وقال في الفتح: الراجح أن قوله: والمستغفر إلخ، موقوف ". فإن صح موقوفاً على ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فظاهره يعارض ما نسب إليه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن جميع المؤمنين، إما للواحد منهم ذنب يعتاد إتيانه الحين بعد الحين، أو ذنب هو مقيم، وثابت، ومداوم، ويصر عليه، لا يحول بينه وبينه إلا الموت! وسوف أناقش هذه القضية في نهاية البحث بإذن الله.

ثم إنني توكلت على الله ـ عز وجل ـ في الشروع في كتابة هذا الجزء واختياره من بدائل شتى كانت أمامي، قد يتلوه حديث: " لا يدخل الجنة عجوز "، إن يسَّر الله الاستخارة على تحسينه ـ ولي فيه سلف ـ لأن من الناس من اتهمني بعدم الاعتراف بـ (اعتضاد الأحاديث الضعيفة إذا ضم بعضها إلى بعض) ، ولعل بعضهم يقول: (عدم الاحتجاج بالحديث الحسن لغيره) مع أنني أفهم أنني لو سميته حسناً، لكان عندي حجة، وتجوز نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو المختار والمترجح الذي استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين، خلافاً لابن حزم ومن جرى مجراه ممن رفضوا المسألة برمتها. نعم، لا أرى التحسين سائغاً بمجرد ورود الحديث من طريقين أو ثلاثة فيها ضعف يسير، لاسيما المستنكر على الرواة الذين لم يشتد ضعفهم عند أهل العلم فإن (المنكر أبداً منكر) كما قال الإمام أحمد ـ رحمة الله عليه ـ. وأشير أيضاً إلى مجازفات أخرى أُطلقَتْ، لم يكلف مطلقوها أو مصدقوها أنفسهم الرجوع إليَّ للتحقق من صحتها. فقد قيل: (الإخوة في دار التأصيل يضعفون كل ما ورد في تحريم المعازف) ثم تحرفت إلى: (فلان يضعف ... ) إلخ. وهذا محض افتراء، ولعل بعض من كانوا يعملون بالدار ثم تركوها هم الذين يرون ذلك، فقد بلغني عن بعضهم كلام شنيع وتطاول على الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ.

فإن صحَّ ذلك عنهم ـ والذي أخبرني ثقة جليل ـ فأسأل الله لهم الهداية، والتوبة من هذه الغواية أما أن يُظلَمَ آخرون بسببهم، فهذا لا يقره ولا يرضَى به أحد. هناك أيضاً مجازفة وفرية حاصلها أنني لا أقر شيئاً من جميع ما صححه إمامنا العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ أو أنني لا أحبه!!! ولا ينبيء هذا إلا عن رِقّة ديانة الذي تولّى كبره، وسوء أدبه وخلقه. أسأل الله لي ولإخواني المحبين الصادقين المحتسبين السلامة. وفي الجملة، لا أجعل في حل من نسب إليَّ، أو شاع عني كلاماً قبل الرجوع إليَّ وعرضه عليَّ، وإن كنتُ قد قلتُه في وقت من الأوقات؛ فهل ما زلتُ على ذلك أم رجعتُ؟ وهل في المسألة تفصيل أم هي على الإطلاق الذي بلغه؟ تنبيه أخير: كنت قد ذكرت أثناء تلخيص الأمور التي خلصت إليها من تراجم أهل العلم لـ (عتبة بن عمرو المكتب) أن ابن حبان ـ رحمه الله ـ في كتابه (مشاهير علماء الأمصار) قد نصّ على إتقان جماعة ووثقهم بصيغ رفيعة جداً، وغيره من النقاد يرون فيهم عكس ذلك، ولم يكن الكتاب بين يديّ وقتها، ثم وجدته ونقلت عنه في موضعين. وأذكر الآن بعض الأمثلة، للتنبيه بعدها على أمر آخر لعله أعظم خطورة، لأن أغلب طلبة العلم يعلمون تساهل ابن حبان ـ رحمه الله ـ.

1 ـ قال في ترجمة (فليح بن سليمان) (رقم1117) : " من متقني أهل المدينة وحفاظهم ". قارن بترجمته في "هدي الساري" (ص457) . 2 ـ قال في ترجمة (عبد الله بن عياش بن عباس القتباني) (رقم1516) : "من ثقات أهل مصر". وقد ضعفه أبو داود، والنسائي، وقال ابن يونس ـ وإليه المرجع في المصريين ـ: " منكر الحديث "، وروى له مسلم استشهاداً، وهو صاحب الحديث الذي فيه " إلعنوهن، فإنهن ملعونات "، والذي تعقب الذهبيُّ فيه الحاكمَ على تصحيحه. 3 ـ قال في ترجمة (سليمان بن حيان أبي خالد الأحمر) (رقم 1361) : "من متقني أهل الكوفة، وكان ثبتاً" ومعروف حال أبي خالد ـ على صدقه ـ من كثرة أوهامه ومخالفاته للثقات. أنظر ترجمته ـ مثلاً ـ في " الكامل " و " التقريب ". 4 ـ قال في ترجمة (يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد الزرقي) (رقم 1101) : " وكان متقناً " ويحيى هذا فيه جهالة، ولا يعرف إلا بحديث واحد. أنظر ترجمته في " الميزان " و " تهذيب الكمال " مع الحواشي. 5 ـ قال في ترجمة (عثمان بن أبي العاتكة) (رقم 1449) : " من متقني أهلها ـ يعني الشام ـ وقدماء مشايخهم ".

والرجل أحسن أحواله أن يكون صدوقاً إذا روى عن غير (علي بن يزيد الألهاني) ـ ذاك المتروك ـ أنظر " تهذيب الكمال " بحواشيه. وفي المقابل وصف جماعة من الثقات والصدوقين برداءة الحفظ، حتى ولو كان يقصد أنهم يعتمدون في الرواية على كتبهم، لكن ظاهر صنيعه أنهم مجروحون بجرح مفسر، وهذا ما يعرفه عامة المبتدئين في الطلب. فمن هؤلاء: 1 ـ علي بن الحكم البناني (رقم 1217) . 2 ـ عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر أبو طوالة (رقم 576) . 3 ـ غالب القطان (رقم 1231) . وغالب لم يُصب ابنُ عديّ بإيراده في (الكامل) لأن البلاء من الراوي عنه. 4 ـ غسان بن مضر الأزدي (رقم 1261) . 5 ـ برد بن سنان (رقم 1228) . 6 ـ حزم بن أبي حزم القطعي (رقم 1237) . 7 ـ بل قال في الثقة الثبت القاسم بن الفضل الحداني (رقم 1259) : " من المتيقظين في الروايات على سوء حفظه ". والحداني وثقه الناس، وأورده العقيلي في "الضعفاء" (3/477، 478) متعلقاً بحديث لمَّا علم شعبةُ أن القاسم سمعه من أبي نضرة ولم يأخذه من شهر بن حوشب سكت، وهو حديث صحيح.

8 ـ وقال في (يزيد بن عبد الله بن خصيفة) (رقم 1066) : " وكان يهِمُ كثيراً إذا حدث من حفظه " وهذا وصفٌ لم أر أحداً سبقه إليه، ولو كان ابنُ خصيفة كذلك لكان مثل (عبد العزيز بن محمد الدراوردي) وحاشاه. نعم، روى الآجري عن أبي داود أن الإمام أحمد قال: " منكر الحديث "، والثابت عن الإمام أحمد توثيقه كما رواه عنه الأثرم. وفي القلب من بعض ما يرويه الآجري عن أبي داود. فالله أعلم. وأخيراً، فإني بانتظار مقترحات إخواني الأفاضل، وما يرونه من تنبيهات وملاحظات، سواء ما يتعلق بالإطالة في أحوال الرواة الذين لا يحتاج بيان أمرهم إلى ذلك، أو غير ذلك من الأمور. كذلك أرجو أن تقر عيني بإجابات سديدة عن (الاختبار) أو (الألغاز) التي وضعتها في آخر الكتاب، ولعل أحسن إجابة أو ثلاث إجابات ينال أصحابها ما تقرُّ به أعينهم إن شاء الله. والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا وقدوتنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله الطيبين الطاهرين، ورضي الله عن صحابته الغرِّ الميامين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) .

وكتبه: أبو عبد الرحمن محمد عمرو بن عبد اللطيف بن محمد بن عبد القادر بن رضوان بن سليمان بن مفتاح بن شاهين الشنقيطيّ ـ عفا الله عنه ـ. بمنزله بمدينة نصر يوم السبت الخامس والعشرين من شعبان 1425 هـ الموافق للتاسع من أكتوبر 2004 م. والحمد لله رب العالمين.

1 ـ طريق عكرمة عن ابن عباس.

رُوي هذا المتن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عباس وحده ـ فيما أعلم ـ من طريق كل من: عكرمة مولاه، وسعيد بن جبير، وداود البصري عنه. ورُوي شطره الآخر ـ حَسْبُ ـ من طريق ابنه علي بن عبد الله بن عباس عنه. ولا يصح منها شيء، بل كلها ما بين إسناد مُعَلٍّ، أو ظاهر الضعف، وهاك بيان ذلك. 1 ـ طريق عكرمة عن ابن عباس. وقد اختُلِف على اسم الراوي عنه ـ بنفس الإسناد والمخرج ـ على وجهين: الأول: عبيد المُكْتِب الكوفي عنه: قال أبو القاسم الطبراني ـ رحمه الله ـ في (المعجم الكبير) له (11 / 304 رقم 11810) : " حدثنا الحسن (¬1) بن عباس الرازي ثنا أحمد بن أبي سريج الرازي ثنا علي بن حفص المدائني ثنا عبيد المكتب الكوفي عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه ¬

(¬1) تحرف اسمه في مطبوع " الكبير " إلى: (الحسين بن العباس) والمثبت في جميع مصادر النقل عنه والتراجم: (الحسن) .

لا يفارقه حتى يفارق الدنيا (¬1) ، إن المؤمن خلق مُفَتَّناً توَّاباً نَسَّاءً (¬2) ، إذا ذُكِّرَ ذَكَرَ ". تفرد الطبراني ـ رحمه الله ـ بروايته في " الكبير " من هذا الوجه ـ فيما أعلم ـ، ورجاله كلهم ثقات على مقال يسير في (علي بن حفص المدائني) ، إلا أنه معلول بهذا الإسناد كما يأتي بيانه في موضعه بحول الله وقوته. وهذه تراجم رجال هذا الإسناد مع شيء من الإطالة: 1 ـ الحسن بن العباس الرازي ـ شيخ الطبراني ـ: هو: (أبو علي الحسن بن العباس بن أبي مهران الرازي المقريء) نزيل بغداد، ويعرف بـ (الجَمَّال) . قال الخطيب البغدادي ـ رحمه الله ـ في ترجمته من "تاريخ بغداد" (7 /397 رقم 3935) : " سكن بغداد، وحدث بها عن سهل بن عثمان العسكري، وعبد المؤمن بن علي الزعفراني، وعبد الله بن هارون الفروي، ويعقوب بن حميد ابن كاسب. روى عنه: يحيى بن محمد بن صاعد، ومحمد بن ¬

(¬1) في المطبوع: " لا يفارقه حتى يفارق " حَسْبُ. والتصويب بإثبات الزيادة من المخطوط كما في "الصحيحة" (2276) ، وفي عدة مصادر نقلت عن "المعجم الكبير". (¬2) في المطبوع و "كنز العمال" (10234) : " نسيّاً "، وفي نقل العلامة الألباني في "الصحيحة" عن المخطوط والحافظ الديلمي في "مسند الفردوس" عن "الكبير" والحافظ الهيثمي في "المجمع" عنه: " نسَّاءً "، فهو الصواب ـ إن شاء الله ـ.

مخلد، وأبو عمرو ابن السماك، وعبد الصمد بن علي الطستي، وأبو سهل بن زياد، ومحمد بن الحسن النقاش المقريء، وعبد الباقي بن قانع (¬1) ، وغيرهم، وكان ثقة ". ثم روى بإسناده إليه: " حدثنا عبد الله بن هارون بن موسى الفروي ... " فذكر بإسناده إلى أنس مرفوعاً: " من عَزَّى أخاه المؤمن من مصيبة، كساه الله حلة خضراء يحبر بها يوم القيامة "، قيل: يا رسول الله، ما يحبر؟ قال: " يغبط بها يوم القيامة ". وبإسناده إلى ابن المنادي قال: " والحسن بن العباس بن أبي مهران الجَمَّال الرازي المقريء ـ يعني: مات ـ في شهر رمضان لأيام خلت منه سنة تسع وثمانين. وكان بالجانب الغربي في دار القطن، ثم انتقل إلى كرخايا، وهناك مات". قلت: والحديث الذي أورده له الخطيب عن عبد الله بن هارون ¬

(¬1) والملاحظ أن الخطيب ـ رحمه الله ـ لم ينص على تحديث الجَمَّال عن (أحمد بن أبي سريج الرازي) ولا على رواية الطبراني عنه، فزدهما في نسختك من " تاريخ بغداد " غير مأمور. ويجاب للخطيب عن الأول أنه قيَّد أولئك بتحديثه ببغداد، فلعل الطبراني سمعه منه بالرَّيّ أو غيرها، ويجاب له عن الثاني بأن الطبراني داخل في قوله: "وغيرهم". فالمتعين علينا أن نتلمس الأعذار لأهل العلم والفضل ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، فلولاهم ما رُحْنا ولا جئنا!

الفروي لم يتفرد به، بل تابعه عليه محمد بن عبد الله بن عبد السلام مكحول البيروتي الحافظ فيما كتب إلى ابن عدي ـ رحمه الله ـ كما في ترجمة الفروي من "الكامل" (4/ 1572) وتابعه أيضا عبد الجبار بن أحمد السمرقندي عند ابن عساكر في "تاريخه" ـ وضَلَّ عني موضعه لأنه في الأجزاء التي لم تصلني بعد ـ وهو في (المحمدين) ، والراوي عنه سكت عليه ابن عساكر. ثم وجدت الديلمي رواه من طريق أحمد بن منصور المروزي عن الفروي به كما في حاشية "الفردوس" (ح 6148) فالحمد لله رب العالمين. وترجم له الخطيب أيضاً في "تلخيص المتشابه في الرسم" (1/403) تحت (باب ذكر الخلاف في حرفين: الحسن بن عياش، والحسن بن عباس) باسم: (الحسن بن عباس بن أبي مهران المقريء الرازي) . قال: " ويعرف بالجَمَّال. حدث عن سهل بن عثمان، ومحمد بن حميد، وأحمد بن عبد الرحمن الدشتكي، وغيرهم. روى عنه: أبو عمرو بن السماك، وأبو سهل بن زياد. وقلما تجيء عنه الرواية بحذف الألف واللام اللذين للتعريف من اسم أبيه ". ثم ساق له حديثاً من طريق أبي سهل بن زياد القطان عنه مقروناً بأبي يحيى الزعفراني، عن الدشتكي بإسناده إلى أُبيّ بن كعب ـ رضي الله تعالى عنه ـ.

وأبو يحيى الزعفراني هو: (جعفر بن محمد بن الحسن الرازي) ويعرف (بالتفسيري) وهو ثقة حافظ لاسيما لمرويات التفسير (¬1) . فكان مقصود الخطيب بإيراد هذا الحديث أنه سُمِّي فيه (الحسن بن عباس) بالتنكير خلافاً لأكثر الروايات التي يأتي فيها باسم (الحسن بن العباس) مع أن أبا سهل بن زياد القطان نفسه سمَّاه (الحسن بن العباس) في الحديث الذي أورده له الخطيب في "تاريخه". ثم إن محققة "تلخيص المتشابه" ـ السيدة: سكينة الشهابي ـ عفا الله عنهاى ـ عزته في حاشية الكتاب إلى "أنساب السمعاني" وحده. والحق أنها نبهتني إلى وجوده فيه (2/ 83، 84) (دار الجنان) تحت نسبة (الجَمَّال) حيث قال السمعاني ـ رحمه الله ـ: " والحسن بن عباس بن أبي مهران الجمال المقريء الرازي حدث عن ... " فذكر عَيْن الشيوخ والرواة الذين في "تلخيص المتشابه" بزيادة: (وغيرهما) . ¬

(¬1) مترجم في "الجرح" (2 / 488، 489) وقال ابن أبي حاتم: " صدوق "، و "تاريخ بغداد" (7 / 184، 185) ولفظ ابن أبي حاتم فيه: " صدوق ثقة " ومعناها ـ بالاستقراء عندي ـ: " ثقة حافظ ". وقال الداراقطني: " صدوق " كما في "سؤالات الحاكم" (69) . وذكره المزي في جملة الرواة عن (أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي) في ترجمة هذا من "تهذيب الكمال" (1 / 386) ونعته بـ (الحافظ) . وقال الذهبي في "السير" (14/ 108) أثناء ترجمة (جعفر بن محمد الفريابي الحافظ) في سرده لأَجَلِّ من اسمه (جعفر بن محمد) من العلماء: " وجعفر بن محمد بن الحسن أبو يحيى الزعفراني الرازي ... ثقة مفسر ... ".

كأنه انتزع الترجمة منه بقرينة أنه ذُكر اسم أبيه مُنَكّراً، بخلاف ما في "التاريخ" وغيره. وترجم له الذهبي ـ رحمه الله ـ في "تاريخ الإسلام" (وفيات 281 ـ 290) (ص 152) وقال: " المقريء المجود "، وقال أيضاً: " تصدر للإقراء، وكان من كبار المحققين للقراءات " حتى قال: " وثقة الخطيب ". وترجم له ترجمة أوسع من هذه في "معرفة القراء الكبار" (1/235 رقم 134) ، فقال: " فقال روى عن سهل بن عثمان، وعبد المؤمن بن علي الزعفراني، ويعقوب بن حميد بن كاسب. وعني بالقراءات، فقرأ على الأحمدين: ابن قالون والحلواني، ومحمد بن عيسى الأصبهاني، وأحمد بن صالح المصري " حتى قال: " وكان إليه المنتهى في الضبط والتحرير، أقرأ ببغداد وغيرها. قرأ عليه ابن مجاهد، وابن شبنوذ، والنقاش، وأحمد بن حماد صاحب المشطاح. وحَدَّثَ عنه ابن السماك، وابن قانع، وعبد الصمد الطستي، وأبو سهل القطان، وأبو القاسم الطبراني "، ثم حكى توثيق الخطيب وتأريخ وفاته باختصار. وترجم له أيضاً ابن الجزري ـ رحمه الله ـ في "غاية النهاية" (1/216 رقم 986) ، وقال: " شيخ عارف حاذق مصدر ثقة، إليه المنتهى في الضبط والتحرير ". وزاد على الذهبي فيمن قرأ عليهم وقرأوا عليه قليلاً.

فالحاصل أن الرجل ـ مع تثبته وإتقانه في القراءة ـ ثقة أيضاً في الحديث، لا أعلم فيه مَطْعَناً، ولم أجد أحداً قد أخذ عليه شيئاً يقدح في عدالته أو ضبطه. وقد مَرَّ عليَّ أثناء رحلتي مع هذا العلم الشريف أن بعض الناس ـ ممن لا أستحضره الآن ـ كان إذا وجد الخطيب انفرد بتوثيق رجل، أو شاركه مثل ابن حبان؛ لا يتابعه على هذا التوثيق، ولا يرقى حديثه إلى مرتبة الصحة، بل يحطه إلى مرتبة (الصدوق) حَسْب. ولم أدْرِ ما الحامل له على ذلك. نعم، ما الخطيب كأحمد والبخاري وأبي حاتم وأضرابهم في المعرفة والإتقان والدقِّة. بل تكلم بعضهم في تحامله على أهل الرأي والحنابلة، وهذه قضية أخرى لا أستطيع الخوض فيها الآن إذ لم أُحِط بأطرافها، وإذ الأصل في توثيق الخطيب الاعتماد والقبول، لكنني أريد أن أنبه على أن الراوي الثقة ليس معصوماً أو مُبَرَّأً من الوهم والغلط، لاسيّما إن لم يكن من المبرزين في الحفظ والإتقان بحيث تتساوى كِفَّتُه بكفة راوٍ آخر ممن وصفتُ حالهم. بل الحكم عند المخالفة في حديث بخصوصه للأرجح منه حفظاً وإتقاناً أو عدداً، إلا أن تقوم قرينةٌ تجعلنا نقضي بالضد من ذلك. فكيف إذا كان المخالف لصاحب هذا الحديث ـ الحسن بن العباس

الرازيّ ـ هو الجبل الأشَمُّ أستاذ الأستاذِين، الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري نفسه؟ هذا ما سنراه قريباً بحول الملك وطَوْله. 2 ـ أحمد بن أبي سريج الرازي: هو (أبو جعفر أحمد بن الصباح ـ ويقال: أحمد بن عمر بن الصباح الدارمي النهشلي ـ ويقال: الأزدي الجهضمي ـ الرَّازي البغدادي المقريء، أحد الثقات من رجال " التهذيب " ومن شيوخ البخاري، وأبي داود، والنسائي) . * قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2/56 رقم 75) : " وسُئل أبي عنه، فقال: صدوق ". * وقال يعقوب بن شيبة السَّدُوسي: " وابن أبي سريج هذا أحد أصحاب الحديث، كان ينزل المخرم، ونزع إلى الري ومات بها قديماً قبل أن يحدّث (¬1) ، وكان ثبتاً ". * وقال النسائي: " أحمد بن الصباح رازي ثقة ". ¬

(¬1) بينما يقول الخطيب ـ رحمه الله ـ في أول ترجمته من " تاريخ بغداد ": " وكان يسكن المخرم ببغداد، ثم أنتقل إلى الري فسكنها وأقرأ بها، وحدث إلى حين وفاته "، وقول يعقوب فيه إشكال، فإن كان الرجل مات بالري قبل أن يحدث بها، لايستقيم قول ابن حبان "حدثنا عنه بن خزيمة وأهل الري " ولا تستقيم روايته عن جماعة من أهلها وإن كان مات قبل أن يحدث مطلقاً لا يستقيم القول بأنه (ثقة ثبت) و (أحد أصحاب الحديث) فتأمل.

وهذان النصان رواهما الخطيب في ترجمته من " تاريخ بغداد " (4/206) بعد تعليق قول ابن أبي حاتم المذكور آنفاً (¬1) . * وقال ابن حبان في "الثقات" (8/38) : " يُغْرِبُ على استقامة فيه ". * وقال مغلطاي: " وخرج ابن خزيمة والحاكم حديثه في صحيحهما، وقال مسلمة بن قاسم الأندلسي: " هو ثقة ... " وقال الحبال: رازي ثقة " كما في حاشية ترجمته من "تهذيب الكمال" (1/357) نقلا عن "الإكمال" (1/الورقة 16) أما ابن خزيمة فحدث عنه كما تقدم عن ابن حبان. وأما الحاكم فلا يسمى "مستدركه" صحيحاً إلا تجوزاً، ولا يُستدل على ثقة من خرج له فيه وصحح حديثه بمجرده، وحسبه أنه من شيوخ البخاري في "الصحيح" مع توثيق من تقدم ذكره. * وقال الخطيب البغدادي في أول ترجمته من "تاريخ بغداد" (4 /205 رقم 189) : " هبة الله بن الحسن الطبري (وهو الأمام اللالكائي) يذكر أنه ¬

(¬1) إلا أنه قال: " قال ابن أبي حاتم: ... يُعَدُّ في البغداديين " والحق أنه قال بعد ذلك: "سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك " فلم يقله استقلالاً، والله أعلم.

مولى (¬1) آل جرير بن حازم. وهو أحد القرآء المعروفين، قرأ على على بن حمزة الكسائي، وسمع إسماعيل بن علية، ومروان بن معاوية، وكيع بن الجراح، وأبا أحمد الزبيري، وكان يسكن المخرم ... " إلخ. * وقال الذهبي في "معرفة القراء الكبار" (1/219 رقم 117) : " قرأ على الكسائي، قرأ عليه العباس بن فضل الرازي، وغيره. وروى عن شعيب بن حرب، وأبي معاوية الضرير، وجماعة حدث عنه البخاري، وأبو داود والنسائي في كتبهم، وأبو بكر بن أبي داود، وأبو حاتم، وقال: صدوق ". وقال في وفيات (241 ـ 250) (ص 155 ـ 156) من "تاريخ الإسلام": " قرأ القرآن على أبي الحسن الكسائي، وأقرأه، وسمع شعيب بن حرب، وأبا معاوية الضرير، وابن علية ووكيعاً، وجماعة. وعنه: خ. د. ن.، وأبوبكر بن أبي داود، وأهل الري، وقرأ عليه: العباس ابن الفضل الرازي. وقال النسائي: ثقة، وروى عنه أيضاً: أبو زرعة، وأبوحاتم، وقال أبوحاتم: صدوق ". * وقال ابن الجزري في "غاية النهاية" (1/63 رقم 269) : " ثقة ضابط كبير، وهو شيخ البخاري وأحد أصحاب الشافعي، قرأ على الكسائي وله عنه نسخة، وأخذ أيضا عن عبيد الله بن موسى، ¬

(¬1) وعليه يكون (أزدياً جهضمياً) لكن الأكثرين جزموا بأنه (نهشلي) لأنه كان مولى خزيمة بن حازم النهشلي القائد العباسي المشهور، وبه جزم الحافظ المزيّ.

وعبد الوهاب بن عطاء (¬1) صاحب أبي عمرو ... " حتى قال: " توفي سنة ثلاثين ومائتين ". قلت: اختلف في تأريخ وفاته على أقوال هذا أحدها وأبعدها عن الصواب كما يأتي بيانه. والثاني: أنه مات بعد الأربعين ومائتين. قاله الذهبي في "التذهيب" (1/الورقة 15) كما في حاشية " تهذيب الكمال "، ونقله الحافظ في "التهذيب" (1/44) من خطه أيضاً، قال: " وكذا كتب ابن سيد الناس على حاشية الكمال ". وأكد الذهبي هذا القول بإيراده في الطبقة الخامسة والعشرين من "التاريخ" كما تقدم. والثالث: قال الحافظ: " وقال غيره ـ يعني: غير ابن حبان ـ: (مات بعد البخاري) ". يعني: بعد ست وخمسين ومائتين، أو بعد شوال منها، وهذا فيه بُعد، ولم أرَ أحداً سمى القائل به، أما القول الأول فهو خطأ بيقين، فإن أبا بكر بن أبي داود السجستاني ـ رحمهما الله تعالى ـ ولد في تلك السنة ـ أعني سنة ثلاثين ومائتين (¬2) ـ ¬

(¬1) هو عبد الوهاب بن عطاء العجلي البصري الخفاف ـ رحمه الله ـ المحدث الصدوق المشهور، وهو من أخص الناس بسعيد بن أبي عروبة، وراوية مصنفاته، وذكر ابن الجزري في ترجمته أنه روى القراءة عن أبي عمرو (وهو بن العلاء المازني) ، وأن أحمد ابن أبي سريج النهشلي ممن رَوَوْا عنه الحروف. والله أعلى وأعلم. (¬2) كما في ترجمته من "السير" (3 /222) . وما بعد ذلك مقتبس منه أيضاً.

وقد ذكروه في جملة الرواة عن ابن أبي سريج. وسافر به أبوه من سجستان وهو صبي فشهد جنازة إسحاق بن راهويه في شعبان سنة ثمان وثلاثين. وكان أول شيخ سمع منه هو الإمام الربّاني محمد بن أسلم الطوسي ـ رحمة الله تعالى عليه ـ المتوفى سنة اثنتين وأربعين ومائتين. فالله أعلم بحقيقة الأمر". وأحمد بن الصباح ـ أبي سريج ـ مترجم في مصادر أخرى ليس فيها ما يلفت الانتباه، إلا أن السبكي ـ رحمه الله ـ قد ترجم له في "طبقات الشافعية" (2/25) ناصَّاً على سماعه من الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ، فقد فات الخطيب والمزي ـ رحمهما الله ـ، وعامة مترجميه ـ سوى ابن الجزري فيما أعلم ـ ذِكْرُ الشافعي في جملة شيوخه. فائدة: ومما سمعه من هذا الإمام الجليل، ما رواه أبو يعلى الخليلي في "الإرشاد" (2/478) بإسناده إليه: " سمعت الشافعي يقول: أتعجب من سفيان الثوري يروي الحديث عن الثقات ثم لايعمل به (¬1) . أورده في وسط أحاديث وحكايات تتعلق بشعبة ـ رحمه الله ـ. هذا، وقد لخّص الحافظ ـ رحمه الله ـ حاله في "التقريب" (50) (ط. دار ¬

(¬1) سفيان ـ رحمه الله ـ من الأئمة المجتهدين والعلماء الربانيين، وحاشاه أن يتعمد مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويترك العمل بحديثه بمجرد الهوى والتشهي، وهذا ينطبق على جميع الأئمة المتبوعين ـ رحمة الله عليهم ـ. وبَسْطُ هذه المسألة تجده في مثل "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" لشيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ.

العاصمة) بقوله: " ثقة حافظ له غرائب، من العاشرة، مات بعد سنة أربعين "، كأن الحافظ تأثر بقول ابن حبان فيه: " يُغرب على استقامة فيه ". وهو يُغرب حقاً، فإن ابن حبان نفسه روى له في "صحيحه" حديثاً واحداً (¬1) أغرب فيه (!) كما في "الإحسان" (6556) : " أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا أحمد بن أبي سريج، حدثنا شبابة بن سوار، حدثني ورقاء، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى حَبْرِ بَيْمَاء، فَسَلَّمَ عليه ". وهذا الحديث لم أجده في مكان آخر بهذا الإسناد أو بغيره، وله علة من فوق، وهي أن العقيلي ـ رحمه الله ـ قال في ترجمته من "الضعفاء الكبير" (4/327) : "تكلموا فيه في حديثه عن منصور "، وأورد حواراً دار بين معاذ بن معاذ ويحيى القطان مؤداه أن حديثه عن منصور بن المعتمر لا يساوي شيئاً. مع أن شبابة ـ رحمه الله ـ قد روى عنه خلقٌ وفيهم كبار الحفاظ كأحمد، وإسحاق، والحسن بن عرفة، وأبي خيثمة زهير بن حرب، وعباس العنبري، وعباس الدوري، وابني أبي شيبة ـ أبي بكر وعثمان ـ، وابن المديني، وعمرو بن محمد الناقد، ومحمد بن رافع، ومحمود بن غيلان، ويحيى بن معين، ويعقوب بن شيبة، هل أعرضوا جميعاً عن هذا الحديث الفائدة وتركوه لابن أبي سريج الرازي؟ ¬

(¬1) على ما في (فهارس الإحسان) والعهدة على صانعها.

وله في "المعجم الأوسط" (7480، 7488) حديثان تفرد بهما. الأول: يرويه عن شعيب بن حرب، نا كامل أبو العلاء، ثنا أبو صالح، عن أبي هريرة مرفوعاً: " إن امرأة دخلت النار في هرة لها كانت ربطتها، فلا تطعمها، ولا تخليها تأكل من خشاش (¬1) الأرض ". والثاني: يرويه عن عمرو بن مجمع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: " أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا نرمي الجمرة حتى تطلع الشمس ". والأول لم أجده في مصدر آخر من هذا الوجه، لكنه صحيح ثابت من أوجه أخرى عن أبي هريرة، ومن حديث ابن عمر، والثاني رواه أيضاً في "الكبير" (11/ 398 رقم 12120) وابن عدي في "الكامل" (5/1782) من طرق عنه عن عمرو بن مجمع به. وقد رواه جماعة ـ غير إسماعيل بن أبي خالد ـ عن الحكم بنحوه، ورواه الحسن العرني عن ابن عباس أيضاً. فالأول: الإغراب فيه دائر بينه وبين شيخ الطبراني (محمد بن شعيب الأصبهاني التاجر) قال أبوالشيخ ـ رحمه الله ـ في "الطبقات" (4/43 رقم ¬

(¬1) كان بأصل مخطوط " الأوسط ": " حشائش "، والمثبت هو الصواب كما بين محققو الكتاب ـ جزاهم الله خيراً ـ وهذا الحديث طلبت من أحد الكرام أن يبحث لي عنه ـ بهذا الإسناد ـ في " مسند إسحاق "، " ومسند البزار "، ولم يتيسر ذلك.

540) : " حَدَّث عن الرازيين بما لم نجده بالري، ولم نكتب إلا عنه "، فساق له ثلاثة أحاديث أحدها عن عبد الرحمن بن سلمة الرازي، والآخران عن الحسن بن علي الخلال ـ وليس (¬1) رازياً ـ لكن يرويهما عن الفرات بن خالد الرازي. وقال أبو نعيم في "ذكر أخبار أصبهان" (2/252) : " يروي عن الرازيين بغرائب " فساق له الحديث الأول عند أبي الشيخ، وحديثين آخرين. والثاني: تفرده وإغرابه عن عمرو بن مجمع ـ وإن كان الإسناد بعد ذلك في غاية الشهرة ـ، فهو محتمل، لأن هذا الشيخ واهٍ. * قال ابن عدي في آخر ترجمته من "الكامل" (5/1782) : " وعامة ما يرويه لا يتابع عليه، إما إسناداً وإما متناً ". * وقال ابن معين: " ليس حديثه بشيء " كما في آخر ترجمته من "تاريخ بغداد" (12/195) ولعله قال: " لم يكن به بأس " ـ كما في "تاريخ الدوري" (2/454) ـ قبل أن يتبين له أمره. ¬

(¬1) يستفاد من ذلك أن قول الحافظ في راوٍ ما: " حدث عن أهل مدينة كذا وكذا " لا يلزم منه بالضرورة أن يكون جميع شيوخه في هذه الأحاديث من نفس هذا المكان، ولكن لابد أن يكون مخرج الحديث بعد ذلك منه، أما في حالتنا هذه، فقد روى التاجر عن العباس بن إسماعيل الرقي، وهو الطيالسي، وكان يسكن الري حقاً كما في ترجمته من"الجرح"، وشيخه أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء كوفي نزل الري، والله أعلم.

* وقال أبو حاتم: " ضعيف الحديث " كما في "الجرح" (6/265) . * وقال الداراقطني في "الضعفاء" (394) : " ضعيف كوفي ". هذه نماذج مما أغرب فيه أحمد بن أبي سريج الرازي ـ رحمه الله ـ، يضم إليها الحديث الذي نحن بصدد تخريجه وبيان ما ترجح لدينا فيه. ومن الله العون والسداد وسأذكر المزيد فيه عند الكلام على الوجه الثاني للحديث عن عكرمة ـ بإذن الله ـ. 1 ـ علي بن حفص المدائني: هو (أبو الحسن علي بن حفص المدائني البغدادي) وهو من رجال مسلم ـ احتجاجاً ـ وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وأقل أحواله أنه (صدوق (¬1) لا بأس به) . * قال محمد بن عبيد الله بن أبي داود المنادي: " حدثنا علي بن حفص المدائني وكان أحمد يحبه حباً شديداً" كما في ترجمته من "تاريخ بغداد" (11/416) . * وقال أبو بكر المرُّوذي: " قال أحمد بن حنبل: " علي بن حفص أحبُّ إليَّ من شبابة "، وعنه الخطيب. ¬

(¬1) بل اختار أخي الحبيب عادل أبو تراب في ترجمته أنه (ثقة ربما وهم) .

وقال أبو عبيد الآجري في "سؤلاته" (رقم 1937) : " سئل أبوداود عن علي بن حفص قال: ثقة. قال لي الحسن بن علي (يعني: الخلال) قال لي أحمد بن حنبل: أكتُبْ عن علي بن حفص حديث حريز. قال: فوجدت يزيد (¬1) أروى منه ". * وقال عثمان بن سعيد الدارمي في "تاريخه" (642) : " قلت ـ يعني: ليحيى ابن معين ـ: فعلي بن حفص، حدثنا عنه خلف المخرمي؟ فقال: المدائني ليس به بأس ". * وقال ابن محرز في "معرفة الرجال" (1/97 رقم 406) : " سمعت يحيى يقول: علي بن حفص المدائني ثقة ". * وقال ابن الجنيد في "سؤلاته" (314) : " قلت ليحيى بن معين: تفسير ورقاء عمن حملته؟ قال: كتبته عن شبابة وعن علي بن حفص، وكان شبابة أجرأ عليها وجميعاً ثقة ". * وقال علي بن المديني: " علي بن حفص ثقة "، كما في "الجرح" (6/182) . * وقال ابن أبي حاتم فيه: " سألت أبي عن علي بن حفص المدائني، فقال: صالح الحديث يكتب حديثه، ولا يحتج به ". ¬

(¬1) هو (يزيد بن هارون بن زاذي أبو خالد السلمي الواسطي) الحافظ الكبير، وستأتي له ترجمة مختصرة في أحد طرق الحديث.

* فرد عليه الذهبي في "الميزان" (3/125) بقوله: " قلت: احتج مسلم به ". * وقال النسائي: " أبو الحسن علي بن حفص المدائني ليس به بأس "، كما في "تاريخ بغداد". * وقال ابن حبان في "الثقات" (8/465) : " ربما أخطأ ". * وقال بن أبي شيبة: " ثقة "، كما في ترجمته من "تهذيب الكمال" (20/410) . * وقال الحاكم في "المستدرك" (1/112) : " وعلي بن حفص المدائني ثقة ". * وقال الحافظ في "التقريب" (4753) : " صدوق ". قلت: وقول ابن معين ـ في رواية عنه ـ والنسائي: " ليس به بأس " يؤيد قول ابن حبان فيه: " ربما أخطأ "، فقد قال أبو أحمد ابن عدي ـ رحمه الله ـ في ترجمة (المغيرة بن زياد الموصلي) من "الكامل" (6/ 2354) : " وعامة ما يرويه مغيرة بن زياد مستقيم إلا أنه يقع في حديثه كما يقع هذا في حديث مَنْ ليس به بأس من الغلط ... ". (ومما أخذ عليه) : ما رواه العسكري في " تصحيفات المحدثين " (1/138) من طريق حنبل بن إسحاق قال: " وسمعت أحمد يقول قال علي بن حفص يعني المديني (كذا) : في حديث: (وأما خالد،

فإنكم تظلمونه، قد احتبس أدرعه وأعتاده) ، أخطأ فيه وصحف، إنما هو: (وأعْتُده) ". وحنبل ـ ابن عم الإمام أحمد ـ رحمهما الله ـ وإن كان ثقة ثبتاً، فقد نص (¬1) بعضُ أهل العلم على أنه تفرد بأشياء عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ غلط فيها، فإن كان حفظه فقد تبين لي أنه لا ذنب لِعَليّ بن حفص في هذا التصحيف، فقد رواه ابن حبان (3273) والدارقطني في "سننه" (2/123) من طرقٍ عن شبابة، ثنا ورقاء، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعاً به، وفيه أيضاً: " وأعتاده ". فلم يتفرد علي بن حفص بهذه اللفظة، بل الظاهر انها من ورقاء بن عمر اليشكريّ ـ عفا الله عنه ـ بمخالفة شعيب بن أبي حمزة وغيره. نعم، في رواية أبي داود (1/376) من طريق شبابة: " وأعتده "، وهي كذلك في "مختصر السنن" (1556) للمنذري و "صحيح أبي داود" (1435) . ولكن رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (6/163 ـ 164) عن أبي داود به، فقال: " وأعتاده " وفي "السنن بشرح العَيْني" (1743) : " وأعتاده "، وهو الثابت ـ عندي ـ عن شبابة والله أعلم. على أنني لم أجد فيما وقفت عليه ـ من كتب الشروح ـ فارقاً بين ¬

(¬1) واأسفى لأنني لا أحفظ هذا النص بلفظه، فعسى أن أكون قد أصبت المعنى.

اللفظتين، بل كلاهما جمع (عَتد) إلا على معنى مخصوص ذكره البدر العيني، فانظره إن شئت، وانظر لتمام تخريج الحديث: "إرواء الغليل" (رقم 857) . ثم إن مسلماً ـ رحمه الله ـ قد رواه في "صحيحه" (2/676 ـ 677 رقم 983) من طريق علي بن حفص محتجاً به حيث بوَّب (باب: في تقديم الزكاة ومنعها) فلم يذكر سواه. وأسوقه بتمامه تتميماً للفائدة: قال ـ رحمه الله ـ: " وحدثني زهير بن حرب، حدثنا علي بن حفص، حدثنا ورقاء، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عُمَرَ على الصدقة، فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله. وأما العباس فهي عَلَيَّ ومثلها معها ". ثم قال: " يا عمر، أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه "، وانظر لتمام تخريجه "إرواء الغليل" (858) ، فقد نَبَّهَ الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ على بعض الألفاظ فيه. وعَوْدٌ إلى (علي بن حفص) ـ رحمه الله ـ فمما أخطأ فيه بيقين: ما رواه مسلم في "مقدمة صحيحه" (1/10 رقم 5) ، وأبو داود (2/ 594) ، وابن حبان (30) والحاكم (1/112) وغيرهم من طرق عنه قال: حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن

عاصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع " (¬1) وخالفه المشاهير وغير المشاهير (¬2) من أصحاب شعبة ـ رحمه الله ـ فممن وقفت عليه منهم: 1 ـ محمد بن جعفر الهذلي البصري غُنْدَرْ. 2 ـ عبد الرحمن بن مهدي العنبري البصري. 3 ـ معاذ بن معاذ التميمي العنبري البصري. 4 ـ سليمان بن حرب الواشحي البصري. 5 ـ حفص بن عمر النَّمَري الحوضي البصري. 6 ـ وهب بن جرير بن حازم الأزدي الجهضمي البصري. 7 ـ أبو أسامة حماد بن أسامة بن زيد القرشي الكوفي. 8 ـ النَّضر بن شميل المازني البصري النحوي نزيل مرو. ففي (مسند أبي هريرة) من "علل الدارقطني" (س 2008) قال البرقاني ـ رحمه الله ـ: " وسُئِل ـ يعني: أبا الحسن الدارقطني ـ رحمه الله ـ عن حديث حفص بن ¬

(¬1) ومقتضى صنيع مسلم أن يكون لفظه: " كفى بالمرء كذباً ... "، حيث رواه مرسلاً، ثم أتبعه بالرواية الموصولة وقال: " بمثل ذلك "، وما وقع في بعض الطبعات من وصله بالإسناد الأول، فهو خطأ كما سأنبه ـ إن شاء الله ـ. (¬2) كأبي أسامة حماد بن أسامة الكوفي ـ رحمه الله ـ وهو ثقة ثبت لكنه ليس معروفاً جداً بشعبة.

عاصم عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع " فقال: يرويه شعبة واختلف عنه؛ فرواه علي بن حفص المدائني عن شعبة عن خبيب عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخالفه أصحاب شعبة، رووه عن شعبة عن خبيب عن حفص بن عاصم مرسلاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك قال غندر، والنضر بن شميل، وسليمان بن حرب، وغيرهم. والقول قولهم، وأخرج مسلم حديث علي بن حفص عن أبي بكر بن أبي شيبة المتصل، ثم رواه بإسناده إلى علي بن حفص المدائني به موصولاً، وقال: (تفرد به علي بن حفص عن شعبة متصلاً) ". وفي (مسند أبي هريرة) أيضاً من "التتبع" للداراقطني أيضاً ـ رحمه الله ـ (الحديث الثامن ص 130 ـ 131) : " وأخرج مسلم عن أبي بكر عن علي بن حفص عن شعبة عن خبيب عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) والصواب مرسل، قاله معاذ وغندر وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم ". قلت الإعلال صحيح لا ريب فيه، ولكن لا يصح تعقُّبُ هذا الحديث على الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ، فإن أحاديث "المقدمة" ليست على شرطه في أصل "الصحيح".

ثم إنه أشار إلى العلة بتقديمه المرسل من وجهين بلغا الغاية في الصحة إلى شعبة ـ رحمه الله ـ. قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمه الله ـ عند تعليقه على هذا الحديث: " والعذر لمسلم واضح، وهو أنه قدم المرسل ثم ذكر الحديث المسند، وأيضاً ذكره في المقدمة ولم يذكره في أصل الكتاب كما قاله الحاكم ج1 ص112. والله أعلم ". قلت: أخرج الحاكم (1/ 112) الحديث من طريق محمد بن رافع ثنا علي ابن حفص (¬1) المدائني ثنا شعبة به موصولاً، وقال: " قد ذكر مسلم هذا الحديث في أوساط الحكايات التي ذكرها في خطبة الكتاب عن محمد بن رافع (¬2) ، ولم يخرجه محتجاً به في موضعه من الكتاب، وعلي بن حفص (3) المدائني ثقة. وقد نبهنا في أول الكتاب على الاحتجاج بزيادات الثقات، وقد أرسله جماعة من أصحاب شعبة حدثناه ... ". ثم رواه بأسانيده إلى آدم (¬3) بن أبي إياس، وسليمان بن حرب، وحفص بن عمر قالوا: ثنا شعبة به مرسلاً. ¬

(¬1) تحرف اسمه في موضعين إلى (علي بن جعفر المدائني) وجاء في "التلخيص" على الصواب. (¬2) إنما روى مسلم الحديث عن أبي بكر بن أبي شيبة كما في طبعات "الصحيح" ـ على اختلافها ـ وكما قال الدارقطني في "العلل" وغيره، فلعل الحاكم كان يعتمد على حفظه في النقل عن " صحيح مسلم " وقد كان كثيراً ما ينفي وجود الحديث عند البخاري ومسلم، ويكون عندهما أو أحدهما. (¬3) لم أذكر آدم عند سرد أصحاب شعبة الذين أرسلوا الحديث لأن في الطريق إليه: (عبد الرحمن بن الحسن الهمداني) ـ شيخ الحاكم ـ وهو مطعون فيه بكلام شديد لم أجد أحداً دفعه أو أوَّلَه تأويلاً سائغاً يلزم منه براءته من الطعن.

أما التنبيه الذي أومأ إليه، فهو قوله في خطبة "المستدرك" (1/3) : " وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتجَّ بمثلها الشيخان ـ رضي الله عنهما ـ أو أحدهما، وهذا شرط الصحيح عند كافة فقهاء أهل الإسلام أن الزيادة في الأسانيد والمتون من الثقات مقبولة. والله المعين على ما قصدته، وهو حسبي ونعم الوكيل ". قلت: من المتقرر أنه لابد لمعرفة أصول وقواعد كل علم شرعي أو دنيوي، أن يرجع إلى أهل الاختصاص فيه الذين هم أدرى به من غيرهم بداهة. والمذهب الذي صححه الحاكم وإن كان هو المترجح عند غير أهل الحديث فلا كذلك عند جهابذة النقاد من المحدثين، فإنهم لا يقبلون الزيادة من الثقة بإطلاق، بل إذا كانت من أمثال مالك والثوري ـ رحمهما الله ـ المبرزين في الحفظ والإتقان. وهم لا يجرون على قاعدة ثابتة لا محيد عنها أبداً، بل ينظرون إلى كل حديث على انفراده، ويرجحون أحد وَجْهَي أو وجوه الاختلاف بعد مراعاة القرائن المحيطة بهذا الحديث. ونظراً لأن أصحاب الزيادة في الأسانيد والمتون كثيراً ما تكون كفة الواحد منهم مرجوحة تارةً في الحفظ والإتقان، وتارةً في العدد، بل أحياناً فيهما جميعاً كما في حديثنا هذا؛ فإننا نجدهم في الغالب

يرجحون الرواية الأنقص إرسالاً أو وقفاً أو قطعاً أو إبهاماً لاسم راوٍ أو غير ذلك، ولا يفعلون ذلك باطِّراد. ولذلك نجد الدارقطني يقول أحياناً: " فلان ثقة والزيادة من الثقة مقبولة "، وهوبالضرورة لا يعني آحاد الثقات الذين لا يتميزون بمزيد تثبت وإتقان، أو بمزيد حفظ أو بأصحية كتاب أو بطول ملازمة للشيخ ... إلخ، بل يقصد الحفاظ المبرزين في الحفظ والإتقان. ولو كان الأمر كما قال الحاكم ـ عفا الله تعالى عنه ـ ما استحق علم " علل الحديث " أن يوصف بأنه (أوعر وأدق علومه على الإطلاق) بحيث لا يقوم به ولا يطيقه إلا جهابذة النقاد وحذاقهم. ولما كان لتصنيف مثل ابن المديني والنسائي والبرديجي وابن رجب (أصحاب فلان) ـ من المشاهير ـ وذكر طبقاتهم ومعرفة المقدم والمؤخر بل والثقة المضعف في شيخ من الشيوخ كبير فائدة. بل لاستوى المبتدئ في هذا العلم مع الناقد الجهبذ لو علم ـ فقط ـ من مثل "تقريب التهذيب" أن فلاناً من الرواة ثقة، وأن مخالفيه أيضاً ثقات، بعد اجتماع وجوه الاختلاف عنده بالحاسوب مثلاً! ولذلك نجد المذهب الذي انتصر له الحاكم، وسيأتي مثله عن الإمام النووي ـ رحمهم الله جميعاً ـ لم يأخذ به إلا المتسمحون أمثال: ابن حبان، والضياء المقدسي، بحيث صححوا عشرات الأحاديث المعلولة إسناداً أو متناً. فحديثنا هذا، لم يخرج ابن حبان لعلي بن حفص المدائني سواه ـ

والعهدة على صانع فهارس "الإحسان" ـ على الرّغم من أنه قال في ترجمته من "الثقات": " ربما أخطأ "، وذلك لأن زيادة الوصل ـ عنده ـ زيادة ثقة وهي مقبولة، بينما عند أهل التحقيق كالدارقطني ومن وافقه زيادة مرجوحة، وخطأ، ووهم، وسلوك للجادة! تنبيهات: الأول: وقع في عدة طبعات من "صحيح مسلم" ـ رحمه الله ـ إثبات زيادة شاذة في الإسنادين المُرسَلَيْن لهذا الحديث، بما أفضى إلى كثير من الخلط والخبط عند أكثر من تكلموا على هذا الحديث. فمثلا في طبعة الأستاذ / محمد فؤاد عبد الباقي (1/10 رقم 5) : " وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي (ح) وحدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قالا: حدثنا شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع "، وحدثنا أبوبكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن حفص ... " إلخ. فزيادة (عن أبي هريرة) هنا خطأ من وجوه: الأول: أن مسلماً ـ رحمه الله ـ لو كانت جميع هذه الوجوه عنده موصولة، لأتبع الإسنادين المتقدم ذكرهما بقوله: " (ح) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن حفص قالوا: حدثنا شعبة ... " إلخ. وما احتاج أن يفرد الإسناد الثالث ثم يقول في آخره: " بمثل ذلك ". الثاني: أننا نجد جهابذة الأئمة الذين يعتنون ببيان العلل في كتبهم

المسندة إذا كان الحديث مختلفاً في وصله وإرساله، أو رفعه وإيقافه؛ نجدهم يبدأون بأحد أوجه الاختلاف ثم يتبعونه بالآخر، أو يسوقون أسانيدهم إلى مَن عليه مدار الحديث، ثم يقولون ـ بعد روايته موصولاً أو مرفوعاً ـ: " ولم يذكر فلان كذا "، أي لم يذكر الصحابي أو لم يرفع الحديث. وأضرب المثال بالثاني أولاً لأنه يتعلق بنفس الحديث: قال الإمام أبو داود (2/594) : "حدثنا حفص بن عمر، ثنا شعبة، (ح) وثنا محمد بن الحسين، ثنا علي بن حفص قال: ثنا شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، قال ابن حسين في حديثه: عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع ". قال راوي "السنن": " قال أبو داود: ولم يذكر حفص أبا هريرة. قال أبو داود: ولم يسنده إلا هذا الشيخ، يعني علي بن حفص المدائني ". ومثال الأول: قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في "مسنده" (3/143ـ 144) : " حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن يحيى ثنا ثابت البناني عن أنس ابن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (¬1) " مثَل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوله خير أو آخره ". ¬

(¬1) قد حسنت هذا الحديث في "البدائل" (رقم 21) وإني أستغفر الله من ذلك، فإن المحفوظ فيه: (عن الحسن مرسلاً) وكل طرقه عن ثابت أو غيره عن أنس، أو عن الحسن عن عمران أو علي غير محفوظة، وسائر طرقه منكرة أو واهية. ثم إن المتن منكر مخالف لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " خيركم " أو " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم "، وما قيل من تأويل للجمع بينهما لا يخلو من تكلف، والله المستعان ولا رب سواه.

ثم كشف لنا عن علته بأن أتبعه بقوله: " ثنا حسن بن موسى ثنا حماد بن سلمة عن ثابت وحميد ويونس عن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " مثل أمتي " فذكره ". الثالث: أن الأئمة الذين عزوا الحديث إلى "صحيح مسلم" قد بينوا أن رواية معاذ بن معاذ وعبد الرحمن بن مهدي عن شعبة مرسلة، كما تقدم عن الدارقطني ويأتي عن النووي والمازري. الرابع: أن جماعة من الأئمة صرحوا بتفرد علي بن حفص المدائني بوصل الحديث، منهم: أبو داود، والدارقطني، والحاكم كما تقدم، والمازري، والنووي كما سيأتي بإذن الله. قد يقال: لعل هناك اختلافاً على معاذ وابن مهدي بحيث وقعت رواية مسلم ـ خاصةً ـ للحديث موصولة. ولم يقف أبو داود وغيره على هذا. والجواب: أن ذلك مدفوع بالأوجه المتقدم ذكرها، وأن (عَرش) هذه الزيادة غير مُثَبَّت بل مزعزع ومزلزل! * قال الحافظ المنذري ـ رحمه الله ـ في "مختصر سنن أبي داود" (7/281) : " وأخرجه مسلم في المقدمة مسنداً ومرسلاً، وعند بعض رواة مسلم كلاهما مسند، وقال الدارقطني: والصواب مرسل ".

* وقال الإمام المازري ـ رحمه الله ـ في "المعلم بفوائد مسلم" (¬1) (ص 184) : " رواه شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتى به مرسلاً، لم يذكر فيه (أبا هريرة) ؛ هكذا رُوي من حديث معاذ ابن معاذ، وغندر، وعبد الرحمن بن مهدي عن شعبة. ¬

(¬1) كما في كتاب أخينا المفضال: محمد عبد المنعم بن محمد رشاد: "العلل والمناكير الواقعة في صحيح ابن حبان ... " ـ والتسمية من الناشر كما صرح لي ـ وللكتاب قصة معي، حيث طلب مني كتابة تقديم له بكلام ظاهره أن (مكتبة أولاد الشيخ) تشترط أن يقدم للكتاب إما الشيخ الحويني أو العبد الفقير، فوافقت من باب المعاونة على البر والتقوى فلما طبع الكتاب في (دار الضياء) سألته عن الأمر السابق فقال: " إنهم نصحوني بذلك "، يعني: مجرد مشورة فقط. وكان قد دفع إلَيَّ كراسة فيها بعض الأحاديث التي خرجها ثَمَّ، ولم يتسع وقتي لمعرفة جميع ما فيها حتى استردها مرة أخرى، ولم يكن في القدر الذي طالعته تلك العجائب التي أذهلتني عند صدور الألف حديث الأولى من "الإحسان" ووقفت طويلاً عند حديث مسلم عن أبي الدرداء: " من قرأ عشر آيات من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال "، فقد اضطرب حكمه عليه بين ترجيح رواية بعينها في أول الكلام، وبين دعوى اضطراب المتن والاختلاف على الإسناد وتوهم معارضة الحديث لأحاديث أخرى أجملت عدد الآيات، بل اكتفى بالحكم عليه بالغرابة كما فعل مع كثير غيره، وزعم أن مسلماً أخرجه في المتابعات فلم يصب، إذ هما حديثان فقط تحت الباب هذا أولهما والآخر في فضل آية الكرسي بمطابقة التبويب! وقد طلبت من أحد الإخوة الكرام أن يبلغ أخانا المذكور أنني لستُ أُقِرُّ كتابة اسمي ولا تقديمي للكتاب في طبعته الثانية. ولكن إحقاقاً للحق، فإن حديث عليّ بن حفص هذا من الأحاديث ـ غير الكثيرة ـ التي أجاد أخونا عند الكلام عليها وأفاد، وأعني بذلك الأحاديث التي صححها أهل العلم المحققين، لا الأحاديث التي لا تخلو من جهالة، أو شذوذ، أو علة، مما لا يختلف عليه اثنان رزقا الفهم والبصيرة.

وفي نسخة أبي العباس الرازي وحده في هذا الإسناد: (عن شعبة، عن خبيب، عن حفص، عن أبي هريرة مسنداً) ولا يثبت هذا ". * وقال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في "شرح صحيح مسلم" (1/72) : " فيه خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) ، وفي الطريق الآخر عن خبيب أيضاً عن حفص عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل ذلك ". وقال أيضا بعد قليل (1/74) : " وأما فقه الإسناد فهكذا وقع في الطريق الأول: عن حفص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، فإن حفصاً تابعي. وفي الطريق الثاني: عن حفص عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - متصلاً فالطريق الأول رواه مسلم من رواية معاذ وعبد الرحمن بن مهدي وكلاهما (كذا) عن شعبة، وكذلك رواه غندر عن شعبة فأرسله. والطريق الثاني عن علي بن حفص عن شعبة، قال الدارقطني: الصواب المرسل عن شعبة كما رواه معاذ وابن مهدي وغندر. قلت: وقد رواه أبو داود في سننه أيضاً مرسلا ًومتصلاً فرواه مرسلاً عن حفص عن عمر النميري (¬1) عن شعبة، ورواه متصلاً من رواية علي بن حفص. ¬

(¬1) كذا، والصواب: " النَّمَري "، قال المزي في ترجمته من "تهذيب الكمال" (7/ 26) : " من النمر بن غيمان ".

وإذا ثبت أنه رُوي متصلاً ومرسلاً، فالعمل على أنه متصل، هذا هو الصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول وجماعة من أهل الحديث، ولا يضر كون الأكثريين رووه مرسلاً، فإن الوصل زيادة من ثقة وهي مقبولة، وقد تقدمت هذه المسألة موضحة في الفصول السابقة والله أعلم. وأما قوله في الطريق الثاني " بمثل ذلك " فهي رواية صحيحة، وقد تقدم في الفصول بيان هذا وكيفية الرواية به ". قلت: قد تقدم الجواب عن الكلام الأخير بما لا يدعو لتكراره لاسيما وقد أطلتُ فيه جداً، وإنما أردت بيان الدَّخَل في زيادة (عن أبي هريرة) على الأسانيد المرسلة في النسخة التي قام الإمام النووي ـ رحمه الله ـ بشرحها. التنبيه الثاني: روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8 / 407 ـ 408) الحديث مرسلاً، حيث قال: " حدثنا أبو أسامة، عن شعبة، قال: حدثني خبيب، عن حفص بن عاصم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ". فزاد محققه ـ عفا الله عنه ـ بين قوسين معكوفين: [عن أبي هريرة] قائلاً في الحاشية: " زيد من صحيح مسلم 1/8 حيث أخرجه عن ابن أبي شيبة ". قلت: لكن عن علي بن حفص المدائني، وليس عن أبي أسامة حماد بن أسامة الكوفي.

والظاهر أن الوجهين ـ المرسل والموصول ـ كانا عنده. ولكن يحترز من هذا الصنيع الذي تكرر من المحقق المذكور في تضاعيف "المصنف" نقلاً واعتماداً على مصادر روت الحديث بأسانيد لا علاقة لها بالمثبت في الأصل المخطوط. الثالث: جاء في حاشية "الإحسان" (1 /214) ـ تعليقاً على نفس هذا الحديث ـ: " إسناده صحيح على شرط الصحيح، وأخرجه مسلم (5) في مقدمة صحيحه عن علي بن حفص، ومعاذ العنبري، وعبد الرحمن بن مهدي (!) ، وأبو داود (4992) عن علي بن حفص، وابن أبي شيبة (8/595) عن أبي أسامة (!) ، والحاكم (1/112) عن علي بن جعفر المدائني (!) ، قالوا خمستهم (!) : حدثنا شعبة بهذا الإسناد. وقد أرسله حفص بن عمرو، وآدم بن أبي إياس، وسليمان بن حرب، فقالوا: حدثنا شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه أبو داود (4992) ، والحاكم (1/112) ، والقضاعي (1416) ، ولا يضر إرسالهم، فإن الوصل زيادة وهي من الثقات مقبولة. وله شاهد من حديث أبي أمامة عند الحاكم (2/2120) (كذا، والصواب: 2/20 ـ 21) وسنده حسن في الشواهد " أهـ.

قلت: في هذا التعليق على الحديث عدة أوهام وتخبطات: الأول: عدَّ روايتي معاذ بن معاذ وابن مهدي عند مسلم موصولتين اغتراراً بالغلط الواقع في طبعات " الصحيح "، والذي بينته تفصيلياً. الثاني: عدَّ رواية ابن أبي شيبة في "المصنف" عن أبي أسامة موصولة أيضاً، اغتراراً بصنيع محقق الكتاب. الثالث: إعتقاد أن هناك راوياً اسمه (علي بن جعفر المدائني) ممن وصلوا الحديث مع علي بن حفص والآخرين (!) اغتراراً بالتَّحَرُّف الواقع في "مستدرك الحاكم". الرابع: عزو روايات حفص بن عمر، وآدم، وسليمان بن حرب المرسلة إلى أبي داود، والحاكم، والقضاعي في " مسند الشهاب "، بينما لم يروه الأخير عن واحد من هؤلاء الثلاثة بل عن محمد بن جعفر الهذلي ـ غندرـ وحده. نعم، شيخ القضاعي فيه ـ هبة الله بن إبراهيم الخولاني ـ لم أقف له على ترجمة، ولكن الرواية ثابتة عن غندر ـ رحمه الله ـ فقد جزم الدارقطني في كتابيه، وغير واحد بأنه ممن رووا الحديث عن شعبة مرسلاً. فانبنى على الخبط المذكور أن هؤلاء الخمسه المتوهمين (!) من أصحاب شعبة وصلوا الحديث فرجحت زيادتهم على الثلاثة الآخرين! وحقيقة الأمر أنهم واحد فقط في مقابل ثمانية، ولو صح أن آدم بن أبي إياس العسقلاني رواه أيضاً، فهم تسعة الواحد منهم ـ على انفراده ـ أحفظ وأثبت من المدائني.

الخامس: الجَزْم بأن سند حديث أبي أمامة حسن في الشواهد، وما هو كذلك بل ضعيف جداً مسلسل بالعلل التي أسوؤها شدة ضعف (العلاء بن هلال الرقي) فقد اتهمه أبوحاتم الرازي، ووهاه ابن حبان، وعدَّ ابن عدي هذا الحديث من مناكيره، فرواه مختصراً. تنبيه: والتبس أمره على العلامة الشيخ الألباني ـ رحمة الله عليه ـ فقال في "الضعيفة" (2234) (¬1) ـ بعدما رجَّحه على ابنه هلال: " فقد وثقه ابن معين وأبوحاتم وابن حبان، لكن هذا عاد فذكره في " الضعفاء " أيضاً ... ". أقول: الذي وثقه ابن معين وأبوحاتم وابن حبان هو (العلاء بن هلال الباهلي البصري) من شيوخ حماد بن سلمة وطبقته، والذي تردد النسائي بينه وبين ابنه هلال، وأورده ابن عدي في "الكامل"، وابن حبان في "الضعفاء" هو: (العلاء بن هلال بن عمر الباهلي الرَّقي) وترجمته في "الجرح" (6/361 ـ 362) بعد البصري رأساً (¬2) ، فسبحان من لا تخفى عليه خافية. ثم فوجئت بالعلامة الألباني ـ رحمه الله ـ يورد المتن في "الصحيحة" (2025) معتمداً ما رآه في "صحيح مسلم" ـ المطبوع ـ من الروايات ¬

(¬1) أورد ـ رحمه الله ـ حديث أبي أمامة فيها بزيادة في متنه وهي التي استنكرها ابن عدي. (¬2) ولذلك سأورده بعون ربي القدير في "مختصر فضل ذي الجلال بتقييد ما فات العلامة الألباني من الرجال"، إذ لا يختص فقط بالذين لم يقف عليهم، بل فيه أيضاً الذين لم يقف فيهم على جرح أو تعديل وليسوا كذلك وسيتراوح الجزء الأول ـ بإذن الله ـ بين مائتي ترجمة وثلاثمائة وخمسين.

التي بينَّا الخطأ في وصلها، رادَّاً على الإمام أبي داود جَزْمه بتفرد المدائني بوصل الحديث، وذكر طريقاً أخرى عن أبي هريرة مقتصراً على تضعيفها، وفيها يحيى بن عبيد الله التيمي أحد المتروكين، وشاهداً هو حديث أبي أمامة الذي بيَّنَّا وهاءه ونكارته. التنبيه الأخير: وقع وهم آخر للحافظ البزار ـ رحمه الله ـ حيث روى الحديث ـ مرسلاً ـ في "مسنده" من طريق وهب بن جرير نا شعبة به، وقال: "وهذا الحديث أرسله وهب، وأَسْنَده محمد بن جعفر عن شعبة عن خبيب عن حفص عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ". كذا نقله محقق "علل الدارقطني" (10/276) نقلاًعن مخطوط "مسند البزار" (1/161) فوقع لي ارتياب في صحة النَّقل، ولم آمن التَّحَرُّف، فطلبت من أخي ومفيدي ـ وخِرِّيجي السابق ـ الشيخ عادل أبي تراب أن ينظر لي في النسخة التي عنده، فوجده كذلك، ولا شك أن الكل يدرك أن الذي أسند هذا الحديث هو (علي بن حفص) وليس (محمد بن جعفر غندر) ، فإنه من أبرز من أرسلوه كما بينت بياناً لا خفاء فيه (¬1) . ¬

(¬1) ولو استقصيت الأوهام الواقعة لمخرجي الحديث لأضَعتُ الكثير من الوقت والجهد، فمنها أن الشيخ حمدي السلفي ـ حفظه الله ـ في تحقيق "مسند الشهاب" عزا الرواية الموصولة لابن المبارك في "الزهد" (735) ، وإنما رواه عن يحيى بن عبيد الله التيمي عن أبيه عن أبي هريرة وإسناده واهٍ. ومنها أن المعلق على"الآداب" (401) للبيهقي عزاه لأبي داود والحاكم ثم لمسلم في "صحيحه" وقال: " وأخرجه أيضاً أبو داود في "مراسيله"، وفيه أن الصواب: (مسلم في "مقدمة صحيحه") ثم إنه لاوجود له في " مراسيل أبي داود " وإنما الرواية المرسلة مع المتصلة في مكان واحد من "سننه"، والله المستعان لا رب سواه.

والآن أنتقل إلى الراوي الذي فوق (علي بن حفص المدائني) في إسناد الطبراني وهو: 4- عبيد المُكْتِب الكوفي: هو (عبيد بن مهران ـ وقيل: ابن عمرو ـ الضَّبِّي (¬1) الكوفي المُكْتِب) . ثقة باتفاق، ومن رجال "التهذيب"، فقد روى له مسلم حديثاً واحداً في الشواهد (2969) والنسائي في "الكبرى" ـ نفس الحديث ـ عن فضيل بن عمرو الفُقَيْميّ، وأبوداود في " الناسخ والمنسوخ " عن مجاهد بن جبر المكي. * قال إسحاق بن منصور عن ابن معين: " عبيد بن مهران المُكْتِب ثقة " كما في "الجرح" (6/2) . * وقال أبوحاتم الرازى: " ثقة صالح الحديث " كما فيه. * وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (6 /237 ط. دار الفكر ¬

(¬1) تفرد ابن سعد ـ رحمه الله ـ بهذه النسبة، وهذا من حسنات كتابه الكثيرة، والتي لا يرفع بها بعض الناس رأساً، ظناً أن جميعها من الواقدي!

العربي) : " عبيد المكتب ابن مهران مولى لبني ضَبَّة، وكان ثقة قليل الحديث ". * وقال العجلي: " عبيد بن مهران المكتب كوفي روى عن الشعبي ومجاهد، وكان ثقة في عداد الشيوخ " كما في "ترتيب معرفة الثقات" (1186) . قلت: وذكر الحافظ المزي ـ رحمه الله ـ: أبا الطفيل ـ رضي الله عنه ـ في جملة شيوخه، فلو صح لقاؤه إياه، فهو من صغار التابعين. والله أعلم بحقيقة الأمر. * وقال يعقوب بن سفيان الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (3/93) : " وقال ـ يعنى أبا نعيم الفضل بن دكين ـ: حدثنا سفيان عن عبيد المكتب ابن مهران، ثقة "، وقال أيضاً (3 /238 ـ 239) : " حدثنا أبو نعيم: ثنا سفيان عن معبد بن خالد الجدلي، وعن يحيى بن هانيء المرادي، وعن شبيب بن غرقدة العجلي ... " فذكر جماعة، حتى قال: "وعن عبيد المكتب ... " وقال بعد سرد هؤلاء الشيوخ: " وكل هؤلاء كوفيون ثقات ". * وقال ابن حبان في "الثقات" (7/156) : " عبيد بن مهران المكتب، من أهل الكوفة، يروي عن: سعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، والشعبي، ومجاهد، روى عنه: الثوري، وشريك، وجرير، ويقال: عبيد بن عمرو المكتب ". قلت: كأنه بنى هذه الترجمة على قول البخاري ـ رحمه الله ـ في "التاريخ الكبير" (6/4) : " سمع سعيد بن جبير، وإبراهيم، ومجاهداً، وأبا رزين روى عنه: الثوري، وشريك، وجرير بن عبد الحميد ".

إلا أن البخاري ـ رحمه الله ـ يمتاز على غيره بالتنصيص على سماع المترجَم له من شيوخه، وفي الرواة الذين لم يقف لهم على هذا السماع يقول: " عن فلان "، وقد يجمع بين العبارتين في ترجمة واحدة كما فعل في ترجمة (عبد الله بن بريدة الأسلمي) (5/51) حيث قال: " ... عن أبيه سمع سمرة (¬1) وعمران بن حصين "، ثم أورد له حديثاً إسناده كالشمس، يصرح فيه بسماعه من عبد الله بن مغفل المزني ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ والحمد لله رب العالمين. * وترجم الذهبي ـ رحمه الله ـ لعبيد المكتب في "الميزان" (3/23) تمييزاً، فقال: " عبيد بن مهران الوزان، عن الحسن، ما علمتُ روى عنه غير حرمي بن حفص. له في اليوم والليله للنسائي، أما: عبيد بن مهران [م، س] المُكْتِب الكوفي، عن: أبي الطفيل، ومجاهد. وعنه: السفيانان وجماعة، فوثقوه ". كما ترجم له في وفيات (131: 140) من "تاريخ الإسلام" (ص481) ¬

(¬1) هذا ما رجحه محقق "التاريخ" جزاه الله خيراً من (ق) على ما في الأصل: " ... ومن عمران بن حصين " ثم إننا لا نقر القول بنفي سماعه من أبيه ـ رضي الله عنه ـ فقد أثبته أبو أحمد الحاكم. وروى الأثرم عن أحمد أنه سأله: سمعا من أبيهما؟ (يعني هو أخاه سليمان) قال: " ما رأيت أحداً يشك في هذا، أنهما سمعا ". أما ما رُوِيَ عنه ـ رحمه الله ـ من طريق حنبل ومحمد بن علي الجوزجانيلما سئل عن سماعه من أبيهأنه قال: " ما أدري "، وفي رواية حنبل: " لا أدري "؛ فالإسناد إليهما لا يثبت، وحنبل معروف برواية الغرائب عن الإمام أيضاً.

فقال: " عن: أبي الطفيل، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، ومجاهد. وعنه: فضيل بن عياض، وجرير، وابن عيينة، وُثِّق ". قلتُ: (وُثق) هنا ـ من الذهبي ـ رحمه الله ـ بمعنى: " وثقوه "، وإلا فإنه غالباً ما يعبِّر عن تفرد ابن حبان ـ ومن قاربوه في التساهل ـ بالتوثيق بنفس هذه اللفظة. وفيه أيضاً من الفوائد: أن الفعل المبني للمجهول لا يلزم بالضرورة وفي جميع أحوال استخدامه أن يدلَّ على تمريض القول. ومن الملاحظ عند النظر في ترجمة العلماء لهذا الرجل ـ عبيد بن مهران المكتب ـ أنهم اتفقوا على عدم ذكر (عكرمة مولى ابن عباس) في جملة شيوخه، كما أنني لا أعلم أحداً من المترجِمين لعكرمة ذكره في جملة الرواة عنه. وأبرز هؤلاء: الحافظ المزي في ترجمة عكرمة من " تهذيب الكمال "، أما في ترجمة المكتب نفسه (19/234) فذكر له ثمانية شيوخ ـ على سبيل الحصر ـ ليس عكرمة أحدهم. ولم أكتف بتهذيب الكمال لعلمي بفوات أشياء عليه ـ أحياناً ـ فطالعت بعض التراجم المطولة لعكرمة ـ رحمه الله ـ في " الطبقات الكبرى " لابن سعد، و" تاريخ دمشق " لابن عساكر، و "السير" (¬1) للذهبي، ¬

(¬1) كتاب "سير أعلام النبلاء" لا يستغني عنه طالب علم ولا مشتغل بالحديث، فالذهبي وإن كان جُلّ اعتماده على "تاريخ دمشق" بحيث يُظَنُّ إجزاءُ أحدهما عن الآخر؛ إلا أنه ليس كل (النبلاء) قد ترجم لهم ابن عساكر (أولاً) ، وللذهبي نقده الخاص في التعليق على بعض النصوص وله استطرادات قيمة جداً (ثانياً) ، ويزيد أشياء على ابن عساكر في التراجم المشتركة بينهما (ثالثاً) ، وقد زاد رواةً عن عكرمةَ مثلاً لم يذكرهم ابنُ عساكر، كما زاد نصوصاً وآثاراً ليست عنده والله أعلم.

والذي خَلُصْتُ إليه: أن عبيداً المكتب لا رواية له عن عكرمة أصلاً ـ فضلاً ـ عن أن يكون سمع منه، والذى روى عنه بيقين: مكتب آخر، فانتقل وَهَمُ الوَاهمينَ إليه! 5- عكرمة: هو (أبو عبد الله عكرمة البربري القرشي الهاشمي) مولى أبي العباس عبد الله بن العباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحبر هذه الأمة وأعلمها بتفسير القرآن استجابة لدعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له: "اللهم علمه الحكمة". أما عكرمة، فكنت قد هممت بإيراد ترجمته من "هدي الساري" للحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ لتضمنها الدفاع عنه ضد التهم الموجهة إليه، وإثبات أنه حجة في الحديث ظناً مني أن الحافظ ترجم له في بضعة أسطر، فإذا به يترجم له في نحو خمس صفحات (!) ، كما تصدى للدفاع عنه أيضاً في ترجمته من "تهذيب التهذيب"، وكذلك أطال الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ ترجمته في "الميزان" و"السير"، ورد في ثانيهما على بعض الانتقادات لكنه كأنه توقف فيه في آخر الترجمة، وسبق إلى الدفاع عنه أبو جعفر بن جرير الطبري وابن منده،

فانظر الموضعين المذكورين عند ابن حجر، وحاشية "السير" تجد الكثير الطيب. وأكتفي هنا بقول الحافظ في "التقريب" (4707) : " ثقة ثبت، عالم بالتفسير لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا تثبت عنه بدعة (¬1) ، من الثالثة مات سنة أربع ومائة، وقيل بعد ذلك ". 6- ابن عباس ـ رضوان الله عليهما ـ: لا ريب أنه غني عن التعريف به، فأكتفي بما تقدم قريباً لأنتقل ـ بحَوْل الله وقوته ـ إلى عنوان جديد. وكنت كلما تذكرت أن أثبت كلام العلماء حول هذا الإسناد أصابني الذهول، ولذلك سأجعل كلامهم حول كل طريق بعد سوق جميع أسانيد الحديث، والله المستعان. الوجه الثاني عن عكرمة: علي بن حفص أيضاً عن عتبة بن عمرو المكتب عنه. سأبدأ ـ إن شاء الله ـ بترجمة عتبة هذا من "التلخيص" للخطيب ـ رحمه الله ـ إذ فيها إسناده إلى البخاري، ثم أُثَنِّي بترجمته من " التاريخ الكبير"، وذلك ¬

(¬1) وأصرح من ذلك قوله في "الهدي" (ص 477) : " ... فأما البدعة فإن ثبتت عليه فلا تَضُرُّ حديثه لأنه لم يكن داعية مع أنها لم تثبت عليه "، وأما وفاته فذهب الذهبي في "السير" (5 / 34) إلى أنّ: " ... الأصح سنة خمس "، وجزم في "التذكرة" (1/96) بموته سنة سبع ومائة بالمدينة، وقال في "الكاشف" (2 / 276) : " مات سنة 106 وقيل 107 ".

لوقوع المتن في المصدر الأول على الصواب، وإن لم يسلم المصدران من تحرف إسناد الحديث فيهما. * قال الخطيب البغدادي ـ رحمه الله ـ في "تلخيص المتشابه في الرسم" (2/779) (باب عقبة بن عمرو وعتبة بن عمرو) بعدما ترجم في الثاني لـ: (عتبة بن عمرو بن عياش بن علقمة) وساق له حديثاً عن أبي هريرة: " وعتبة بن عمرو المكتب: من أهل الكوفة ". ثم روى بإسناده إلى أبي أحمد بن فارس ـ من رواة "التاريخ الكبير" ـ نا البخاري قال: " عتبة بن عمرو المكتب الكوفي، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " للمؤمن ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة "، قال أحمد بن الصباح، سمع عاصماً، سمع عتبة ". وهذا خطأ صوابه: " قاله أحمد بن الصباح، سمع علي بن حفص، سمع عتبة " كما سيأتي من " التاريخ " مع تَحَرُّفٍ آخر. قالت محققة الكتاب في الحاشية: " في تاريخ البخاري: (المؤمن أنت لعبادة العتبة بعد العتبة) ، تصحيف صوابه ما في التلخيص ". * وقال البخاري ـ رحمه الله ـ في "التاريخ الكبير" (6/523) : " عتبة بن عمرو المكتب الكوفي عن عكرمة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: المؤمن انت (¬1) لعبادة العتبة بعد العتبة ـ قاله أحمد بن الصباح سمع علي بن جعفر سمع عتبة ". وعلي بن جعفر صوابه: علي بن حفص، وهو المدائني، ¬

(¬1) كذا بغير همز.

أما المتن فتقدم أن صوابه: " للمؤمن ذنب يعتادة الفينة بعد الفينة " وهذا التحريف العجيب دعا المحقق الفاضل (¬1) للكتاب أن يقول: " كذا في الأصل، ولم نجد الحديث. وكان في الأصل: انت (¬2) ، ولعله: أمؤمن أنت يا عتبة، والله أعلم ". تراجم رجال هذا الإسناد: 1- أحمد بن الصباح: هو أحمد بن أبي سريج الهنشلي الرازي المقريء. تقدمت ترجمته، وهو من شيوخ البخاري ـ رأساً ـ في "الصحيح" كما ذكرتُ هناك. * وقال أبو نصر الكلاباذي في "رجال صحيح البخاري" (14) : " أحمد ابن أبي سريج ـ واسمه: الصبَّاح ـ أبو جعفر النهشلي الرازي، سمع شبابة بن سوار (¬3) ، وعبيد الله بن موسى روى عنه البخاري في (التوحيد) وفي (غزوة أحد) ". قلت: أما روايته عن عبيد الله بن موسى، فهي التي في كتاب المغازي، (باب {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 122] ) (ح: 4053) . وفي إدخال البخاري واسطة بينه وبين عبيد الله ابن موسى نزول، لأنه ¬

(¬1) وليس هو العلامة المعلمي ـ رحمه الله ـ فإنه لم يحقق هذا الجزء. (¬2) لم أفهم مراده لأنه أثبت اللفظة هكذا " انت " أيضاً. (¬3) تحرف اسمه في المطبوع من "رجال صحيح البخاري" إلى: (شبابة بن سواد) .

يروي عنه رأساً، وهو من كبار شيوخه، فالظاهر أنه لم يسمع هذا الحديث منه، والله أعلم. وأما روايته عن شبابة بن سوار، فهي التي في كتاب التوحيد، (باب ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وروايته عن ربه) (ح: 7540) ، وفيها نزول نِسْبِيٌّ أيضاً، لأن البخاري ـ رحمه الله ـ يصل إلى شعبة بن الحجاج ـ شيخ شبابة فيه ـ بواحد أحياناً، كآدم بن أبي إياس، وحفص بن عمر الحوضي، وسليمان بن حرب. ثم وجدت الحافظ ـ رحمه الله ـ يذكر في "الفتح" (13/525) أن البخاري روى الحديث عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة في (تفسير سورة الفتح) ، وعن أبي الوليد الطيالسي عنه في (غزوة الفتح) ، إلا أن لفظ ابن أبي سريج عن شبابة عن شعبة فيه بعض المغايرة كما نَبَّه ـ رحمه الله ـ، والله أعلم. تنبيه: توقفت قليلاً عند قول الحافظ ـ رحمه الله ـ في "الفتح" (13/524) : " قوله (حدثنا أحمد بن أبي سريج) وهو بمهملة ثم جيم، وهو أحمد بن عمر، فقيل: هو اسم أبي سريج، وقيل: أبو سريج جد أحمد ... ". قلت: الذي وجدتُ أكثر التراجم متفقة عليه أن اسمه (أحمد بن صباح) وحَكَى بعضهم أنه (أحمد بن عمر بن صباح) بصيغة: " وقيل ". فكانحقه ـ رحمه الله ـ أن يقول: (وهو أحمد بن الصباح) أبي: فيكون والده الصباح هو أبو سريج، والله أعلم بالصواب. فظهر مما تقدم أن البخاري ـ رحمه الله ـ أقلَّ من الرواية جداً عنه مع أنه يوصله إلى شيوخ كثيرين لم يدركهم، وقلما يشاركه في شيخ بعينه، فالله أعلم بالعِلَّة في ذلك.

والذي يهمنا أن قوله في ترجمة (عتبة بن عمرو المكتب) ـ بعد إيراد المتن باختصار ـ: " قاله أحمد بن الصباح "؛ حكمه حكم السماع والاتصال، وهو الاستعمال الغالب عليه في "تواريخه" بخلاف "الصحيح" وسائر المصنفات. 2- علي بن حفص: هو (أبو الحسن المدائني البغدادي) تقدم تفصيلياً. 3- عتبة بن عمرو المكتب الكوفي: قدمتُ ترجمته من "التلخيص" ثم "التاريخ الكبير" لمناسبة تميزهما بإيراد متن حديثه دون سائرالمصادر التي وقفتُ له عليها، وهو مترجم أيضاً في عدة مصادر فيها فوائد شتى تتعلق به. * قال العباس بن محمد الدُّوري في "تاريخه" (3/479 ـ 480 رقم 2343) : " سمعت يحيي يقول: سمعت ابن إدريس يقول عن عتبة المُكتب، قال: لقيني محارب بن دثار فقال: أنتم الذين تقولون: لسنا من المؤمنين ولسنا من الفئة الباغية، وهل بين ذلك من منزلٍ يُدان به الناس في الآخرة؟ كذا قال يحيي عن ابن إدريس عن عتبة المكتب، ولم يقل: عبيد (¬1) المكتب، قلت ليحيي: من عتبة المكتب هذا؟ قال: شيخٌ لابن إدريس ". ¬

(¬1) قال محقق تاريخ الدوري: " في الأصل عتبة وكتب فوقها عبيد وهي التي تناسب السياق ".

* وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (6/372) : " عتبة بن عمرو المكتب الكوفي، روى عن: عكرمة، وقتادة. روى عنه: محاضر والوليد بن مسلم، سمعت أبي يقول ذلك، قريء على العباس بن محمد الدوري ... " فذكر قول ابن معين فيه باختصار القصة، وختم الترجمة بقوله: " سألت أبي عن عتبة الكوفي، فقال: لا أعرفه ". * وقال ابن حبان في "الثقات" (7/269) : " عتبة بن عمرو المكتب، من أهل الكوفة، يروي عن الشعبي وعكرمة، روى عنه أبو صَيْفِيّ (¬1) والكوفيون، وليس هذا بعبيد بن عمرو المكتب ". * وقال البرقاني في "سؤالاته للدارقطني" (396) عنه: " عُتبة أبو عمر كوفي شيخ لا بأس به، يحدث عن ابن نهشل مجهول يترك حديثه "، كذا في "السؤالات" المطبوع: " عتبة أبو عمر " فإن كان صواب الكنية " أبا عمرو " فالظاهر أنه هو، فقد قال الأردبيلي في "جامع الرواة" (1/ 531 رقم 4326) : "عتبة بن عمرو المكتب الكوفي أبو عمرو [ق] (مج) ". و [ق] رمز جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ـ رضي الله عنهم ـ الملقب ¬

(¬1) هو (بشير بن ميمون الواسطي) ـ ولم أجد بهذه الكنية سواه ـ، وهذا من رجال ابن ماجه وهو متروك متهم كما في التقريب (732) .

بـ (جعفر الصادق) والمراد أنه روى عنه، وهذا محتمل مع تقاربهما في الطبقة، وقد بدأت ببيان كنيته من مصدر من مصادر الرافضة ـ أخزاهم الله ـ لكون ذلك واقعاً في ترجمة مستقلة. وإلا، ففي "أطراف الغرائب والأفراد" لأبي الفضل بن طاهر المقدسي (2/261) ط. دار الكتب العلمية) الذي أصله كتاب "الأفراد" لأبي الحسن الدارقطني ـ رحمه الله ـ (مسند أنس) ـ على ترتيب الرواة عنه ـ: (أبو روق عنه) (الحديث رقم 132) : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( ... ) (¬1) تفتح رجل ... الحديث ". ثم ذكر قول الدارقطني: " غريب من حديث أبي روق عطية بن الحارث عن أنس، تفرد به عتبة بن عمر وأبو عمرو عنه (كذا) ، ولم يروه عنه غير محمد ابن الحسن بن أتش الأسري ". (كذا) ، ووقع في هذه الطبعة التجارية تصحيفات عدة ـ سوى العجز عن قراءة المتن وعن الرجوع إلى مصادر الحديث ـ تخص الإسناد، منها: ¬

(¬1) قال محققاه هنا: " كلمات غير واضحة بالأصل "، قلت: يشبه أن تكون: (في حائط رجل من الأنصار) كما هي رواية الطبراني في "الأوسط" (7288) أو في حائط كما هي رواية ابن عساكر (ترجمة عمربن الخطاب) (44 / 164) و (ترجمة عبد الله بن عثمان أبي بكر الصديق) (30/ 222) بإسنادين إلى محمد بن الحسن الأسدي نا عتبة به، وعند الطبراني " نا عتبة أبو عمرو "، أما (تفتح رجل) فصوابها: (فاستفتح رجل) كما في روايتي ابن عساكر، ولفظ الطبراني (فجاء رجل يستفتح) .

1- عتبة بن عمر وأبو عمرو (حيث جاء اسم عمر في آخر السطر) ، ولا شك أن الصواب: " عتبة بن عمرو أبو عمرو ". 2- محمد بن الحسن بن أتش الأسدي ـ وإن ذهب المحققان المسكينان إلى التعريف به على أنه (محمد بن الحسن بن أتش الصنعاني الأبناوي اليماني أبوعبد الله) وأحالا على عشرة مصادر (لِلَّهِ) وابن أتش هذا ليس أسدياً، بل هو فارسي من الأبناء. فهذا إما وهم من ابن طاهر على الدارقطني (¬1) ، أو متحرف من (محمد بن الحسن ابن التلّ الأسدي) وكثير من المتقدمين يلقبونه بـ (التل) ويلقبون كلاً من ولديه عُمَر وجعفر بـ (ابن التل) فلعل الدارقطني ـ رحمه الله ـ يذهب إلى الأول ـ أعني: (ابن التل) ـ فقد جرى عليه الذهبي في تصانيفه، وكذلك ابن نقطة في " تكملته " ـ رحمهما الله ـ وسماه الحافظ في "هدي الساري" (ص460) : " محمد بن الحسن بن التل ". تنبيه: حديث أنس المذكور آنفاً منكر جداً، ففيه نَصٌّ على خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وقد رُوِيَ من حديث المختار بن فلفل (¬2) أيضاً عن أنس من طرق لا يصح منها شيء، فمنها ما رواه الطبراني في "الأوسط" (5172) من طريق عبد الأعلى بن ¬

(¬1) فإني أُجِلُّ الإمام الدارقطني ـ رحمه الله ـ عن الخلط بين راويين هكذا، والكمال لله وحده. (¬2) كما روي من حديث أخيه المبارك عن أنس عند ابن عساكر (39 / 146 - 147) والإسناد إليه واهٍ جداً، بل هو موضوع والله أعلم.

أبي المساور ـ أحد المتروكين، وقد كُذِّبَ ـ عنه به، قال: " دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - حائطاً من حيطان المدينة، فأمرني أن أجيف الباب، فأجفته، فجاء رجل فقرع الباب، فقال: " افتح الباب، وبشره بالجنة، وأنه سيلي الأمة من بعدي "، ففتحتُ الباب، فإذا هو أبوبكر ... " الحديث بطوله. قال الطبراني: " لم يرو هذا الحديث عن المختار بن فلفل إلا عبد الأعلى بن أبي المساور وبكر بن المختار بن فلفل وعتبة أبو عمرو المكتب ". قلت: هذا وَهَمٌ من أبي القاسم الطبراني ـ رحمه الله ـ، فإن عتبة لم يرو الحديث إلا عن أبي رَوْق ـ عطية بن الحارث الهمداني ـ عن أنس، وأدلتي على ذلك: 1 ـ أن الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في ترجمة (الصقر بن عبد الرحمن بن مالك بن مغول) من "لسان الميزان" (ترجمة 868) أطال في تخريج الحديث، وبيان طرقه عن المختار بن فلفل) فلم يذكر أن عتبة أيضاً رواه بهذا الإسناد. 2 ـ أن الحافظ ابن عساكر ـ رحمه الله ـ على شدة اعتنائه بطرق الحديث الواحد لم يذكر أيضاً أن عتبة أباعمرو رواه عن المختار عن أنس في تراجم كل من (أبى بكر الصديق عبد الله بن عثمان) و (عثمان بن عفان) و (عمر بن الخطاب) ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ من "تاريخ دمشق"، ولكن روى حديث محمد بن الحسن الأسدي عن عتبة ـ ولم يُنسب

عنده ـ عن أبي روق عن أنس به في ترجمتي أبي بكر وعمر كما قدَّمتُ بل لم يروه في ترجمة الصِّدِّيق عن المختار أصلاً. 3 ـ أنه لم يمُرَّ عَليَّ ـ على ضَعْفي وقِلَّة إمكانيَّاتي ـ موصولاً عن عتبة على النحو الذى ذكره الطبراني ـ رحمه الله ـ. وانظر لبيان كذب هذا الحديث ترجمتي (السقر بن عبد الرحمن) و (الصقر ابن عبد الرحمن) من "لسان الميزان" (3/56 (¬1) ، 192: 194) ـ وهما رجل واحد (¬2) ـ، لكنَّ الحافظ ـ رحمه الله ـ اختصر في الأولى وأطال شيئاً في الثانية، و" ظلال الجنة " للشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ (2/ 546، 547، 557، 558) وقد صح المتن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدون هذه الزيادة الباطلة، أنظر " الظلال " (2/544، 545) عند الحديث (1147) من "السُّنّة". ولكن يبقى تساؤلٌ هنا: حديث محمد بن الحسن الأسدي عن عتبة عن أبي روق ـ وهو صدوق ـ عن أنس بنحو حديث المختار بن فلفل عن أنس، الذي جزم ابن المديني وأبوحاتم والذهبي وابن حجر والألباني وغيرهم بوضعه وبطلانه؛ من المتهم به؟ فإني قد وجدتُ كثيراً مما استُنكِرعلى الأسدي إنما هو متون معروفة ¬

(¬1) ووقع في الطبعة الهندية التي أحلتُ عليها ـ تسهيلاً على القراء ـ سقط، فانظر (ط. الفاروق الحديثة) (4/ 59) . (¬2) وغاير بينهما ابن حبان ـ عفا الله عنه ـ وهذا من أوهامه الكثيرة.

أتى لها بأسانيد منكرة أو مراسيل أخطأ في وصلها ولم أَرَ له متناً جاوز الحد في النكارة مثل هذا، فالله أعلم بحقيقة الأمر. تنبيه: وقع وهم آخر بخصوص عتبة أبي عمرو في هذا الحديث، فقد قال الحافظ الهيثمي ـ رحمه الله ـ في "مجمع الزوائد" (5/177) ـ بعد عزو المتن لأبي يعلى والبزار: "وفيه (¬1) صقر بن عبد الرحمن، وهو كذاب، وفي إسناد البزار عتبة أبوعمرو ضعفه النسائي وغيره ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله ثقات، ورواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال البزار ... ". قلت: هذا الخلاف لا ينطبق إلا على (عتبة بن يقظان الراسبي البصري أبى زحارة) الذي وهَّاه ابن الجنيد والنسائي، وقال الدارقطني: " متروك "، وذكره ابن حبان في" الثقات "، فقد جزمتْ (¬2) بعض المصادر ك"تهذيب الكمال" و"تهذيب التهذيب" ـ تبعاً لعبد الغني المقدسي صاحب "الكمال" ـ رحمه الله، فيما يظهر ـ بأن كنيته (أبو عمرو) . وقد وجدتُ كلمة المصنفين في "الكنى" وغيرها متفقة على أن كنية ابن يقظان هذا: " أبو زَحَّارة "، منهم ابن معين ـ كما في "تاريخ الدوري" ـ، ¬

(¬1) يلاحظ أن الهيثمي خلط أيضاً بين إسنادي (المختار بن فلفل عن أنس) و (أبي روق عن أنس) ، وبين المتنين شيء من التفاوت اليسير. (¬2) وأوردتْ الكنية الحقيقية له بصيغة التمريض ولذلك كان الاعتماد على الأصول هو الأصل.

والنسائي، والدولابي، وابن منده في "فتح الباب"، والذهبي في "المقتنى" وهو يتبع أصله "كنى أبي أحمد الحاكم" أما البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان فلم يكنُّوه أصلاً. كما لم يكنوا عتبة (¬1) المكتب نفسه (لِلَّهِ) وسأتعرض لعتبة بن يقظان أبي زحارة في موضع آخر يأتي ـ بإذن الله ـ عند طريق (علي بن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن أبيه) . ومن الأوهام أيضاً أن الحافظ العقيلي ـ رحمه الله ـ أورد في ترجمة (عتبة بن أبي عتبة الفزاري) من "الضعفاء الكبير" (4/330) حديثاً بنفس إسناد الطبراني في " الأوسط " إلى عتبة أبي عمرو، فقال: " وحدثنا محمد بن العباس الأخرم، قال: حدثنا عمر بن محمد بن الحسن، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عتبة أبو عمرو، عن عامر الشعبي (تحرف في المطبوع إلى: عامر الشعي) ، عن أنس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن هذه الأرواح عارية في أجساد العباد، فيقبضها الله إذا شاء ويرسلها إذا شاء " وقال: " هذا هو عندي (تحرفت إلى: عند) ، الفزاري، ولا يتابع على الحديثين جميعاً إلا من طريق تقارب هذا ". ¬

(¬1) وأهدي هذا التنبيه على ما في كلام الحافظ الهيثمي ـ رحمه الله ـ لأخي الحبيب وتلميذي النجيب الشيخ خليل بن محمد العربي لكي يستدركه إن أمكن ذلك على الطبعة الأولى من "الفرائد على مجمع الزوائد"، والله المستعان لاحول ولا قوة إلا به، ثم وجدت الهيثمي في موضع من"المجمع" (1 / 322) قال فيه: "لم أجد من ذكره " فاستدرك عليه أخي بكلام طيب في "الفرائد" (ترجمة: 352) فليضم إليها ما ذكرت إن شاء الله.

قلت: الحديث الأول عن هذا الفزاري من طريق مالك بن الحسن عنه عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً: " إذا أتاكم كريم قوم، فأكرموه "، ولا تصح نسبته إليه لأن العقيلي نفسه قال في نفس الترجمة: " روى عنه مالك بن الحسن، وفي مالك نظر ". أما الحديث الثاني، فقد علمنا من تعليقين للطبراني والدارقطني أن عتبة أبا عمرو هو ابن عمرو المكتب الكوفي. وهذا الحديث أيضاً منكر كما دل صنيع العقيلي ـ رحمه الله ـ وإن وَهِم في تعيين أحد رواته على النحو الذي أسهبنا في بيانه، وعتبة المكتب قد نص ابن حبان في ترجمته من "الثقات" على روايته عن الشعبي كما تقدم. وسأعيد ذكر هذا الحديث، فقد وجدته مطولاً في "مجمع الزوائد"، هذا وقد وجدت حديثين آخرين رُوِيَا عنه عن عكرمة عن ابن عباس أختم بهما ما وقفتُ عليه من أحاديث له. ثم ألخص ملاحظاتي عليه وعلى مروياته في نهاية البحث بإذن الله ـ جل وعزَّ ـ. أورد أبو الفضل بن طاهر المقدسي ـ رحمه الله ـ في "أطراف الغرائب والأفراد" (3/247) (مسند ابن عباس) ـ على ترتيب الرواة عنه ـ تحت عنوان (عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس) وعلى ترتيب الرواة عن عكرمة: "عتبة المكتب"؛ أورد حديثين: الأول: (رقم2557) : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين عن نكاح الحبالى ... " الحديث.

والثاني: (رقم 2558) : " العجماء (¬1) جبار ... " الحديث. قال الدارقطني ـ رحمه الله ـ: " تفرد به حماد بن داود عن عتبة عنه ". كذا فيه، ولعل الصواب: "تفرد بهما" كما في نظائر أخرى لهذا في الكتاب، والاحتمال الأبعد أن يكون قد سقط تعليق الدارقطني على الحديث الأول. وهذان الحديثان لم يصح إسنادهما إلى عتبة ـ على افتراض الاحتمال الأوجه عندي ـ وحماد بن داود، الظاهر أنه أبو سليمان الكوفي الذي ذكره ابن حبان في "الثقات" (8/204ـ 205) ، وقال: " يروي عن أبي يحيى شعيب بن صفوان عن عبد الملك بن عمير أبياتاً بحسان بن ثابت (كذا، ولعل الصواب: لحسان) ، روى عنه العباس بن أبي طالب ". والظاهر أيضاً أنه (حماد بن داود الكوفي) الذي أورده ابن عدي في "الكامل" (2/668) ، لحديث رُوِيَ عنه عن علي بن صالح (وهو ابن صالح ابن حي الهمداني) بإسناده إلى ابن عباس، وقال: " وهذا ـ بهذا الإسناد ـ معضل لا يرويه غير حماد بن داود هذا، وليس بالمعروف ". قلت: الراوي عنه (زيدان بن عبد الغفار) سكت عليه الخطيب في "تاريخه" (8/487) ، ولا أدري أتوبع عليه عن حماد هذا أم لا، والذي يعنينا هو قول ابن عدي فيه: " وليس بالمعروف "، الذي لم ¬

(¬1) تحرف في طبعة دار الكتب العلمية التجارية السقيمة إلى: " العجمار جبار " لِلَّهِ

يعارَض بتوثيق إمام معتبر، بل إن ذكر ابن حبان للرجل في كتاب "الثقات" ـ بمجرده ـ لا يلزم منه التوثيق بمعناه الاصطلاحي، بل قد يراد به إثبات العدالة حَسْبُ بقرينة العديد من العُبَّاد والزُّهَّاد الذين أدخلهم في هذا الكتاب مع نصه على أنه لا يعلم لأحدهم حديثاً مسنداً، فتنبه. وسأجيب عن هذين الحديثين على افتراض ثبوتهما عن عتبة المكتب، فلعل الأيام والليالي تثبت أن حماد بن داود الكوفي هذا قد وثقه إمام من الأئمة المعتبرين، كالإمام النسائي في "الكنى"، أو غيرها من الكتب غير المتداولة، أو الدارقطني ـ في غير "السؤالات المشهورة" ـ أو الخطيب في موضعٍ ما من "تاريخه"، أو غيره من التصانيف. فأما الحديث الأول، فقد كنت أظن تفرده به عن عكرمة عن

ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وإن وجدت له طرقاً عن مجاهد ومقسم ـ وربما غيرهما ـ لا يثبت منها شئ، بعد التغاضي عن لفظة " يوم حنين " التي صار من السهولة بمكان أن تتحرف إلى " يوم خيبر" أو العكس، لا أقول في الكتب المطبوعة، بل وفي المخطوطات أيضاً. حتى وجدت عند الطبراني في "الأوسط" (479) والدارقطني في "سننه" (3/257) من طريقين عن عبد الله بن عمران العابدي (¬1) نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن مسلم الجَنَدي عن عكرمة عن ابن عباس قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن توطأ حامل حتى تضع، أو حائل حتى تحيض "، واللفظ للدارقطني ـ رحمه الله ـ هكذا دون تقييد، وعمرو بن مسلم الجَنَدي أكثر عبارات الأئمة على تليينه، ومع ذلك فثم علتين أخريين: الأولى: أن الدارقطني قال ـ عقبه ـ: " قال لنا ابن صاعد: وما قال لنا في هذا الإسناد أحدٌ (عن ابن عباس) إلا العابدي ". وابن صاعد حافظ كبير وناقد من أهل البصر والفهم، وظاهر هذا أنه وقع له بهذا الإسناد عن عكرمة مرسلاً، والعابدي، وإن قال أبوحاتم ـ رحمه الله ـ: " صدوق " إلا أنه وَهِم على ابن عيينة في غير حديث، وقال ابن حبان في ترجمته من "الثقات" (8/363) : " يخطيء، ويخالف ". الثانية: أن ابن أبي شيبة رواه في "المصنف" (4/370) : من طريق مَعْمَر عن عمرو بن مسلم عن طاووس: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر منادياً في غزاة غزاها أن لايطأ الرجال حاملاً حتى تضع، ولا حائلاً (¬2) حتى تحيض"، ¬

(¬1) تحرفت هذه النسبة في الموضعين من "سنن الدارقطني" إلى: (العائذي) ، والتصويب من "الأنساب" وغيره. (¬2) تحرفت في "المصنف" المطبوع إلى " حابلاً " بالباء، والحائل هي الحامل التي انقطع عنها الحمل سنة أو سنوات حتى تحمل، و (حالت الناقة والفرس والنخلة والمرأة والشاة وغيرهن) إذا لم تحمل، كما في مادة " حَوَلَ " من "لسان العرب" (2/1057) . أما الحَبَل فهو الحمل أيضاً، وأصله امتلاء الرحم، والصفة منه (حبلى) ، ويقال (حبلانة) ـ على اختلاف في عمومها للإناث أو اختصاصها لبعضها ـ ويقال: (حابلة) ، وهو نادر كما في "اللسان" أيضاً (2 / 762) باختصار وتصرف، وليس فيه لفظة (حابل) بنفس هذا المعنى، والله أعلى وأعلم وأعزُّ وأكرم.

لكن يُعَكِّر على هذا الإسناد أن رواية البصريين عن مَعْمَر فيها شيء ـ من أجله لا من أجلهم ـ وهذا يرويه المعتمر بن سليمان التيمي، فإن كان محفوظاً، فيمكن حَمْلُه على أن عمرو بن مسلم الجَنَدي قد أضطرب فيه، والله أعلم بحقيقة الأمر. ثم وجدته عند عبد الرزاق في "مصنفه" (7 / 226 ـ 227) عن معمر به، نحوه فصح بذلك عن معمر، والله المستعان. أما حديث: " العجماء جبار ... " فهو متفق عليه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ بلفظ: " العجماء (¬1) جرحها جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس ". ¬

(¬1) العجماء هي كل الحيوان سوى الآدمي، وَسُمِّيَت البهيمةُ عجماء لأنها لا تتكلم، والجبار: الهدر. فأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: " العجماء جرحها جبار " فمحمول على ما إذا أتلفت شيئاً بالنهار، أو أتلفت بالليل بغير تفريط من مالكها، أو أتلفت شيئاً وليس معها أحد، فهذا غير مضمون وهو مراد الحديث، والمراد بجرح العجماء إتلافها، سواء كان بجرح أو غيره. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " والبئر جبار " معناه أنه يحفرها في ملكه أو في موات فيقع فيه إنسان أو غيره وَيَتْلَفُ فلا ضمان، فأما إذا حفر البئر في طريق المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه فتلف فيها إنسان فيجب ضمانه على عاقلة حافرها والكفارة في مال الحافر، وإن تَلَفَ بها غيرُ الآدميّ وجب ضمانه في مال الحافر، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " والمعدن جبار " معناه أن الرجل يحفر معدناً في ملكه أو في موات، فيمر بها مارٌ فيسقط فيها فيموت، أو يستأجر أجراء يعملون فيها، فيقع عليهم فيموتون، فلا ضمان في ذلك. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " وفي الركاز الخمس " الركاز هو دفين الجاهلية، أي فيه الخمس لبيت المال والباقي لواجده. قال النووي ـ رحمه الله ـ: وأصل الركاز في اللغة: الثبوت. وما تقدم كله من تعليق الأستاذ / محمد فؤاد عبد الباقي ـ رحمه الله ـ على "صحيح مسلم" (3/1334) بتصرف يسير، وهو مختصر من شرح النووي ـ رحمه الله ـ ومما زاده على ذلك النووي في "شرح صحيح مسلم" (11/2206) في القطعة الأخيرة: " ففيه تصريح بوجوب الخمس فيه، وهو زكاة عندنا، والركاز هو دفين الجاهلية، وهذا مذهبنا ومذهب أهل الحجاز وجمهور العلماء، وقال أبو حنيفة وغيره من أهل العراق: هو المعدن وهما عندهم لفظان مترادفان، وهذا الحديث يرد عليهم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرق بينهما وعطف أحدهما على الآخر، وأصل الركاز ... " إلخ. والله أعلى وأعلم.

ولم أجده من حديث ابن عباس إلا من طريقٍ واحدةٍ منكرةٍ، فروى ابن عدي في "الكامل" (1/350) وابن عساكر (10/96) عنه وعن غيره ـ من طريق أيوب بن خالد (وهو الجهني الحراني) حدثنا الأوزاعي عن محمد بن مسلم عن (وتحرف في الكامل إلى: ابن) عبيد الله بن عبد الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " العجماء جبار، والقليب جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس ". وأيوب بن خالد هذا: * قال أبو عروبة الحراني ـ رحمه الله ـ: " ولي بريد بيروت فسمع من الأوزاعي هناك، فجاء بأحاديث مناكير ". * وقال ابن عدي: " لأيوب بن خالد غير ما ذكرت في أخباره، قل ما يتابعه عليه أحد " يعني: هذا الحديث وحديثين آخرين.

* وقال أبو أحمد الحاكم: " لا يتابع في أكثر حديثه ". * وروى عنه إبراهيم بن هانيء النيسابوري، وقال: " وكان ثقة ". والنصان الأخيران في ترجمته من "تاريخ دمشق" (10/98) . وإبراهيم بن هانيء ـ رحمه الله ـ وإن كان حافظاً رحَّالةً قدوةً عابداً، إلا أنه لم يكن من أهل الشأن، ومن النقاد الجهابذة. أما ابن حبان، فألان فيه القول إذ أورده في "الثقات" (8/125) ، وقال: "يخطيء". والمقصود أن الحديث بهذا الإسناد منكر لا أصل له من رواية الثقات عن الأوزاعي أو الزهري. وإنما المحفوظ عن الزهري أنه يرويه عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة في " الصحيحين " كما قدمتُ، وأَعضل الزهري بعضه ـ مرة ـ في قصة دارت بينه وبين مَعْمَر كما في "مصنف عبد الرازق" (18377) . نعم، له أصل عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة من رواية أحد الثقات، عن غير ابن عباس. ففي "صحيح مسلم" (1710) من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري عن ابن المسيب وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة به، ورواه إسحاق ابن راشد ـ وهو ضعيف في الزهري خاصة ـ عنه عن عبيد الله ـ وحده ـ به كما في "علل الدارقطني" (س 1814)

وخالفهما جمهور أصحاب الزهري فرووه عنه عن سعيد وأبي سلمة كما ذكرتُ. قال الدارقطني ـ رحمه الله ـ: " والصحيح عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة، وحديثه عن عبيد الله غير مدفوع (¬1) لأنه قد اجتمع عليه اثنان والله أعلم". قلت: إن كان يعني ـ رحمه الله ـ احتمال صحته؛ ففي القلب من ذلك، فإن الرواة عن يونس لم يتفقوا على ذلك، فرواه شبيب بن سعيد عن يونس عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة كما قال الدارقطني، وشبيب وإن كان دون ابن وهب في الحفظ إلا أن حمل رواية يونس على ما يوافق الجماعة أولى، وإن كانت الأخرى هي المحفوظة عن يونس، فقد خالفة أثبت ثلاثة في الزهري وهم: مالك وابن عيينة ومعمر وانضم إليهم الليث بن سعد، وابن جريح، وعقيل بن خالد الأيلي. وأحياناً كان بعض الرواة عن بعض هؤلاء يفردون سعيداً ـ وحده ـ أو أبا سلمة ـ وحده ـ والله المستعان. وعَوْداً إلى حديث عتبة أبي عمرو عن الشعبي عن أنس فإن رواية العقيلي قد اختصرت المتن جداً. فإنني رجعت إلى كتاب "الفرائد على مجمع الزوائد" لأخي الحبيب ¬

(¬1) قال محقق "العلل" ـ رحمه الله ـ: " في الأصل (غير مرفوع) ولعله خطأ والصواب (غير مدفوع بالدال المهملة) كما يقتضي كلام المؤلف ".

الشيخ / خليل بن محمد العربي ـ حفظه الله ـ لأثبت في نسختي اسم (عتبة أبي عمرو) بعد استدراكي إياه على الحافظ الهيثمي ـ رحمه الله ـ إذ جعله (عتبة بن يقظان) وإن لم يصرح باسم أبيه كما بيَّنتُ. فإذا به أيضاً يستدرك على قوله في "المجمع" (1/322) : " رواه البزار، وفيه عتبة أبوعمرو. روى عن الشعبي، وروى عنه محمد بن الحسن الأسدي، ولم أجد من ... ذكره ... " لكنه اختصر كلامه، قائلاً: " قلت: الراجح أنه: عتبة بن عمرو المكتب، فقد ترجم له ابن حبان في الثقات، ... وقال: يروي عن الشعبي شيخه في هذا الحديث، بالإضافة إلى أنه كوفي كما نسبه ابن حبان، وإسناد البزار إسناد كوفي، وكذلك عادة كثير من الرواة (¬1) أن يسموا أبنائهم باسم آبائهم (تحرفت إلى: آباءهم) ، ثم يكتنوا بها، وصاحب الترجمة كنيته أبو عمرو (تحرفت إلى: أبو عمر) فهذه أمور عدة ترجح ما ذهبت إليه، والله أعلم، وعتبة بن عمرو هذا ترجم له البخاري، وابن أبي حاتم، وابن حبان " أهـ. قلت: هذه متابعة لي من أخي الحبيب أزداد بها يقيناً بما هداني ربي جلَّ وعزَّ إليه، وإن فاتته بعضُ مصادر الترجمة، والنصُّ على كنيته في أحدها، وفاته وصفُ الطبراني في حديث الخلافة لـ (عتبة أبي عمرو) بأنه (المكتب) ، ونصُّ الدارقطني في (الأفراد) على أنه (عتبة بن عمرو ¬

(¬1) قد يظن أن هذا خاصّ برواة الحديث، وليس الأمر كذلك، بل عامٌّ في المسلمين.

أبو عمرو) بل في حديث الشعبي أيضاً بأنه (عتبة بن عمرو) كما سيأتي ـ بإذن الله ـ، فالحمد لله على توفيقه. أما رواية البزار للحديث ـ بطوله ـ فأني أسوقها الآن: قال ـ رحمه الله ـ: " حدثنا عمر (¬1) بن محمد بن الحسن ثنا أبي عن عتبة أبي عمرو (¬2) عن الشعبي عن أنس قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فقال: من يكلؤنا (¬3) الليلة؟ فقلت: أنا. فنام ونام الناس ونمت، فلم نستيقظ (¬4) إلا بحر الشمس، فقال: أيها الناس، إن هذه الأرواح عارية في أجساد العباد يقبضها ويرسلها إذا شاء، فاقضوا حوائجكم على رسلكم. فقضينا حوائجنا على رسلنا، وتوضأنا، وتوضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى ركعتي الفجر، ثم صلى بنا". قال البزار: " لا نعلم رواه عن الشعبي عن أنس إلا عتبة، ولا حدث به ¬

(¬1) وفي "كشف الأستار": (عمر بن محمد بن محمد بن الحسن) والصواب ما أثبتُّه. ومع ذلك أَثْبَتَ أبو ذر الشافعي ـ حفظه الله ـ الزيادة في الاسم بين معقوفين، ولم يعلق عليها في حاشية "مختصر الزوائد". (¬2) في "الكشف" و"المختصر": " عن عتبة بن أبي عمرو " وتعليق الهيثمي على الحديث يقتضي أن الصواب: " عن عتبة أبي عمرو " ومع ذلك زادها أخونا أبو ذر حين حكى كلام الهيثمي في الحاشية، فقال: " وقال: رواه البزار وفيه عتبة [بن] أبو عمرو ... " إلخ، وذلك أيضاً يخالف مقتضى الإعراب، وإسناد العقيلي للحديث وتعليق الدارقطني عليه في " الأفراد " يؤكد ما أثبتُّ. (¬3) في "الكشف" و "المجمع": " من يكلأنا "، والتصويب من "مختصر الزوائد" كما أنه مقتضى اللغة. (¬4) كذا في "المجمع" وهو الأشبه عندي، وفي "الكشف" و "المختصر": "فلم يستيقظ ... ".

إلا محمد بن الحسن الأسدي " كما في "كشف الأستار" (396) و"مختصر الزوائد" (¬1) للحافظ ـ رحمه الله ـ (247) . وكنت قد وجدت الحديث في "أطراف الغرائب والأفراد" (مسند أنس) (2/128) تحت عنوان: (عامر الشعبي عن أنس) (رقم 939) ، وقال الدارقطني ـ رحمه الله ـ: " غريب من حديث الشعبي عن أنس، تفرد به عتبة بن عمرو عنه، وتفرد به محمد بن الحسن الأسدي عن عتبة بن عمرو " ولم يستطع المحققان ـ عفا الله عنهما ـ إثبات طرف المتن على الصواب، فأثبتاه هكذا: "كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: من " كلو " ما فعلت أنا ... " الحديث. مع كثرة الوسائل الهادية إلى أن صوابه: " من يكلؤنا؟ فقلت: أنا " وإنما التوفيق من الله ـ عز وجل ـ وحده. ثم إنني أثناء بحثي عن طرف: " من يكلؤنا الليلة " ـ لتأكيد أنه الصواب ـ وجدتُ متعلقاً وحجة لمن ذهب إلى أن عتبة بن يقظان الراسبي كنيته (أبو عمرو) إذ كان من جملة المصادر التي وقعتْ عيناي عليها: "كنى الدولابي" (2/45) ، فإذا به ـ تحت عنوان: " من كنيته أبو عمرو " (2/43) ـ يذكر: " وأبو عمرو عتبة بن اليقظان " ثم يروي حديثه (2/45 ـ 46) : " أخبرنا أحمد بن شعيب (وهو الإمام النسائي) قال: أنبا عمر بن محمد بن الحسن قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عتبة أبو عمرو ـ وهو ابن اليقظان ـ عن الشعبي عن أنس ... " فذكر الحديث بطوله. ¬

(¬1) إلا أن أبا ذر الشافعي ـ عفا الله عنه ـ أثبت أول الكلام بالبناء للمجهول: "لا يُعْلَم رواه ... " ولا أراه صواباً فالله أعلم.

فالظاهر أن الإمام النسائي ـ رحمه الله ـ أورد هذه الترجمة وهذا الحديث في كتابه "الكنى"، ولعله هو القائل: " وهو ابن اليقظان " ولو كان القائل هو الراوي عن عتبة أبي عمرو (محمد بن الحسن الأسدي) ؛ لكانت القضية محسومة، وما أرى هذا التعيين إلا ممن دونه، وبذلك يَثْبُتُ أن الخلاف في تعيين (عتبة أبي عمرو) قديم جداً. وقد قال النسائي ـ رحمه الله ـ في "الكنى": " أبو زحارة عتبة بن يقظان غير ثقة " كما في ترجمته من "تهذيب التهذيب" (7/104) والذي كناه بذلك هو الراوي عنه، وبَلَدِيُّه وقِرنه أبو هلال محمد بن سليم الراسبي. قال عباس الدوري في "تاريخه" (4/323 رقم 4603) : " سمعت يحيى يقول: قد روى أبو هلال عن عتبة بن يقظان أبي زخَّارة، هكذا قال سليمان بن حرب: أبو زخَّارة ". فهو ينكر على سليمان بن حرب إعجام الحاء فحسب. هذا والذي أخَّر وقوفي على ذلك النص في " كنى الدولابي " أنني وجدته يكنيه (أبا زحارة) ويستدل على ما في "تاريخ الدوري" فلم يخطر ـ وقتها ـ على قلبي قط أنه سيكنيه كنية أخرى في موضع آخر، فأستغفر الله على تقصيري. وقد وقع سقط وتحرف في "كنى الدولابي" (1/184) ففيه " وأبو زحارة " ثم انتقل إلى كنية أخرى ولكن ختم (أفراد الزاي) بإيراد نص الدوري، وفيه: " عتبة بن بوطان " هكذا والله، فلا أدري أهو خطأ يتعلق بالطباعة كما عهدناه بكثرة في هذه الطبعة السقيمة، أم تَحَرَّفَ الاسمُ

على الحافظ الدولابي ـ رحمه الله ـ وبذلك لا يكون كرر ذكر (عتبة بن يقظان) في الموضعين؟؟ ومقصودي الآن أن نص الراوي عن الشيخ على كنيته بعد أن سماه وسمى أباه هو المقدم على نص مَن دونه على شيخ مكنّىً في إسنادٍ على أنه (ابن فلان) . وأسأل الله ـ عز وجل ـ أن يجلي لي هذا الأمر أكثر مما تقدم، فقد طال جداً ... الأخذ والردّ فيه. والآن انتقل إلى تلخيص ما خلصت إليه من التراجم والأحاديث المتقدمة: 1 ـ أن عتبة بن عمرو المكتب قد روى عنه جماعة من الثقات وغيرهم. 2 ـ أنني لم أقف على رواية بعض المنصوص عليهم عنه: كالوليد بن مسلم، ومحاضر بن المورع، وأبي صَيْفي، ولا على روايته عن بعض شيوخه كقتادة. 3 ـ أنه لم ينص على توثيقه توثيقاً مطلقاً إمام معتبر، ومع أن إدخال ابن حبان إياه في كتابه "الثقات" لا يلزم منه هذا المعنى، فإن توثيقه أيضاً لأهل هذه الطبقة غير معتبر (!) بل إنه في كتابه الآخر ـ "مشاهير علماء الأمصار" ـ نص على إتقان جماعة ووثقهم بصيغ رفيعة جداً (¬1) ، وغيره من النقاد يرون فيهم عكس ذلك، ولا يحضرني الآن للتدليل على ما أقول. ¬

(¬1) ثم استدركتُ ـ لما عثرت على الكتاب ـ بذكر بعض الأمثلة في المقدمة فانظره إن شئتَ.

4 ـ أن أبا حاتم الرازي ـ على سعة علمه ـ لم يعرفه، بمعنى أنه لم يعرف حاله في الحديث. وإمام الجرح والتعديل لم يعرف عنه أكثر من كونه شيخاً لعبد الله بن إدريس الأودي، كأنه ـ على غزارة محفوظه ـ لم يبلغه عنه أكثر من تلك القصة التي لا يصلح أن نمرّ عليها مرور الكرام، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أنه مُقِلٌّ جداً في الرواية. 5 ـ على الرُّغم من حرصي الشديد على اقتناص أي حديث يتعلق به، فأني لم أجد إلى الآن حديثاً له رواه أكثرُ من واحد، ولم أجد له أيضاً حديثاً صح إسناده إليه أو لم يصح، توبع عليه إسناداً ومتناً من ثقة أو غير ثقة. 6 ـ قد يكون متشيعاً لكوفيته، ولكونه مذكوراً في بعض كتب القوم من أصحاب (جعفر الصادق) ـ رحمه الله ـ، وإن كان الأمران لا يصلح واحد منهما كدليل قطعي على ذلك، ففي أهل الكوفة جماعة من أهل الفضل والسنة كزائدة بن قدامة وغيره كما أن فيهم من هو مذكور بغير التشيع كعمر بن ذر وأبيه، فإنهما من المرجئة، وهذا ما سأناقشهُ في العنصر التالي. أما الأمر الآخر، ففي (جامع الرواة) كثير من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وتابعيهم بإحسان، بل فيهم بعض الغلاة الشَّتَّامين لمثل عثمان ـ رضي الله عنه ـ وللسلف ـ في النصوص التي في كتبنا ـ؛ ومع ذلك يعتبرونه عامي المذاهب (!!) كعباد بن يعقوب الرواجني. 7 ـ الأمر الأدهى من سابقه ـ إن ثبت عليه التشيع بغير غلو ـ أن قول

(محارب بن دثار) الثقة الزاهد ـ رحمه الله ـ له يدل بظاهره أنه كان ينتحل بدعة أخرى من بدع الاعتقاد، لأنه أقره ولم يرد عليه! 8 ـ عجباً لعدم ذكر الذهبي له في "ميزان الاعتدال" من أجل قول ابن معين وأبي حاتم فيه، بل ومن أجل قصته مع محارب بن دثار ـ رحمه الله ـ، وعدم استدراك الحافظ لذلك في "اللسان" وابن العراقي في "الذيل" (لِلَّهِ) فهذا لو فات واحداً فكيف فات الجميع؟! 9 ـ قد يكون هو الذي قال فيه الدارقطني ـ رحمه الله ـ " لا بأس به " وقد لا يكون، لاسيما والمثبت في كنيته في "سؤالات البرقاني": " أبو عمر"، أقول هذا مع علمي بوقوع تصحيفات فيه، لاسيما و (ابن نهشل) المذكور في نفس الترجمة لم أَدْرِ من يكون، وهل هو (أبو نهشل) المجهول الذي نص أكثرهم أو دل صنيعه على تفرد المسعودي عنه أم لا؟ وقد قلَّبْتُ اسمه على وجوه فلم أستدل عليه. 10ـ أنه لم يبين سماعه لهذا الحديث الغريب الذي سأتعرض لنكارة متنه في آخر البحث ـ بحول الله وقوته ـ؛ لم يبين السماع من عكرمة ـ عفا الله عنه ـ كما لم ينص على سماعه منه أحدٌ من مترجميه فيما أعلم، وهو إن كان ينزل إلى الرواة عن عكرمة كقتادة بن دعامة ـ عفا الله عنه ـ فلا يؤمن عليه أيضاً الإرسال. 11ـ أن عكرمة ـ رحمه الله ـ خاصةًّ قد رَوَى عنه جمع كبير من الثقات كأيوب السختياني، وثور بن زيد الديلي، وثور بن يزيد الرحبي، وأبو بشر جعفر بن إياس ـ وهو جعفر بن أبي وحشية ـ، وحصين بن عبد الرحمن

السلمي، وخالد الحذاء، وداود بن أبي هند، وعاصم الأحول، وعمرو بن دينار المكي وعمران بن حدير، وقتادة، وأبي إسحاق الشيباني، فأين كانوا حين حَدَّث عكرمة بهذا الحديث الغريب الذي يطمئن الذين اعتادوا على إتيان ذنب مخصوص الحين بعد الحين أو أقاموا على ذنب مخصوص حتى فارقوا الدنيا؛ على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أثبت لهم صفة ومنزلة الإيمان " ما من عبد مؤمن ... "؟ وكان الرواة يحتوشون عكرمة أينما ذهب في أقل من هذا، بل أين كان من دونهم ـ مطلقا أو في عكرمة خاصة ـ كهشام بن حسان، وسماك بن حرب وعمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، وعبد العزيز بن أبي رواد، والحسين بن واقد المروزي، ومطر الوراق، وأبي حريز (¬1) ؟ أم أنه اختص عتبة بن عمرو المكتب، الذي خفي حاله على كبار الأئمة، بهذا الحديث الفريد في بابه إن كان لقيه؟! فلما عرضنا هذا الإسناد ـ الإمام البخاري، عن أحمد بن الصباح الرازي، عن علي بن حفص المدائني، عن عتبة بن عمرو المكتب، عن عكرمة، عن ابن عباس ـ على إسناد الطبراني الذي بدأت بإيراده ـ الحسن بن العباس الرازي، عن أحمد بن أبي سريج الرازي، عن علي بن حفص المدائني، عن عبيد المكتب الكوفي، عن عكرمة، عن ابن ¬

(¬1) أبو حريز قاضي سجستان واسمه (عبد الله بن الحسين الأزدي) مختلف فيه، وأقوالهم يؤول مجموعها إلى ضعفه، وهناك نص يرميه بالرجعة ـ والعياذ بالله ـ لم أتحقق من صحته.

عباس ـ؛ لما فعلنا ذلك اكتشفنا أن إسناد الطبراني معلولٌ، لا تقوم له قائمة وأن ترجمة البخاري لعتبة المكتب والحديث الذي ساقه له فيها بما يدل دلالة قاطعة على أنه حديثه المعروف به؛ كل ذلك كشف زَيْفَ وعوار الإسناد الذي أتى به الحسن بن العباس الرازي ـ شيخ الطبراني ـ وهو رجل ثقة من كبار القراء، غير موصوف بحفظ ولا إتقان ـ عفا الله عنهم ـ جميعاً. وذلك لأن اللبس واقع منذ وقت مبكر في حياة بعض شيوخ البخاري، فقد لاحظه عباس الدوري وسطره في " تاريخه " حين قال: " كذا قال يحيى عن ابن إدريس عن عتبة المكتب. ولم يقل عبيد المكتب ". ثم لاحظه ابن حبان لما قال في ترجمة " عتبة " من "الثقات": " وليس هذا بعبيد بن عمرو المكتب ". فبين الرجلين تشابه شديد: * فهذا كوفي، وذاك كوفي. * وهذا مكتب، وذاك أيضاً مكتب. * وهذا يروي عن الشعبي، وذاك كذلك بما يدل على اشتراكهما في الطبقة. * وعتبة اسم والده: عمرو. وعبيد حَكَى ابن حبان في ترجمته أنه يقال له كذلك، بل قال في ترجمة عتبة ما ذكرته قريباً جداً.

2 ـ طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ

* واسمَا الرجلين مما يتشابه عند أهل العلم قال الخطيب ـ رحمه الله ـ في "تلخيص المتشابه في الرسم" (2/818) (باب الخلاف في الأبناء والأباء معاً) : (عبيد بن أبي عبيد وعتبة بن أبي عتبة) (لِلَّهِ) فأورد في الأول رجلين، وفي الثاني ثلاثة رجال. هذا ما لاح لي فإن كان صواباً فمن الله ـ عز وجل ـ وإن كان خطأ ًفمن نفسي {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88] . وللمرة الثانية أذهل عن قضية خطيرة، هي: (هل يمكن للطبراني ـ رحمه الله ـ في "معاجمه" أن يتفرد بحديث صحيح خلت منه الكتب الستة و "المسند" و"الصحاح" والكتب المشهورة؟ ولذلك سأجعل مناقشة ذلك بعد إيراد كلام العلماء حول الطريق الأولى خاصَّةً، ولكن باختصارٍ غير مُخلٍّ ـ بإذن الله ـ. 2 ـ طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ. قال الطبراني ـ رحمه الله ـ في "الكبير" (12/56 رقم 12457) و "الأوسط" (6/89 رقم 5884) ـ واللفظ له ـ: " حدثنا محمد بن علي بن مهدي ـ زاد في الكبير: العطار ـ الكوفي، قال: نا محمد بن سليمان بن بزيع (¬1) الكوفي، قال: نا مصعب بن المقدام، عن أبي معاذ، عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية، ¬

(¬1) بزيع ـ بمهملة ـ وتحرف في "الكبير" إلى: (بزيغ) كما لم ينسبه (الكوفي) .

عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما من مؤمن (¬1) إلا وله ذنب يصيبه الفَيْنَةَ بَعْدَ الفَيْنَةَ، إنَّ المؤمن نسَّاءٌ (¬2) ، إذا ذُكِّرَ ذَكَرَ ". وقال في الأوسط: " لم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي بشر إلا أبو معاذ، وهو سليمان بن أرقم " كذا قال ـ رحمه الله ـ وسأبين ما في هذا عند الترجمة لأبي معاذ. ورواه أبو القاسم التيمي الأصبهاني ـ رحمه الله ـ في "الترغيب والترهيب" (26) من وجه آخر عن محمد بن محمد بن علي بن مهدي به، ولفظه: " ما من مؤمن إلا وله ذنب لا يفارقه الفينة بعد الفينة حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن نسَّاء، إذا ذُكِّرَ ذَكَرَ ". ورواه القضاعي في "مسند الشهاب" (809) من طريق محمد بن المظفر الحافظ، ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، أنبا محمد بن سليمان الخزاز، ثنا مصعب ابن المقدام به، ولفظه: " ما من مؤمن إلا وله ذنب يصيبه الفينة بعد الفينة، لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، وإن المؤمن خُلِقَ نسَّاء إذا ذُكِّر ذَكَرَ ". ¬

(¬1) في "الكبير" بعين هذا الإسناد: " ما من مسلم " ولا أدري ممن هذا الاختلاف والصواب من هذا لفظ "الأوسط" لأنه موافق للفظ المصادر الأخرى لهذه الطريق. (¬2) وفي الكبير أيضاً " نَسِيٌّ " والصواب لفظ الأوسط لنفس السبب المذكور.

تراجم رجال إسناد الطبراني: 1 ـ محمد بن علي بن مهدي العَطَّار الكوفي. * قال الحافظ حمزة بن يوسف السهمي ـ رحمه الله ـ في "سؤالاته للدارقطني وغيره من المشايخ في الجرح والتعديل" (4) : " وسألته ـ يعني: الدارقطني ـ عن محمد بن علي بن مهدي الكوفي، فقال: ثقة ". وقال أيضاً (78) : " وسألته عن محمد بن علي بن مهدي بن زياد أبي جعفر العطار بالكوفة، فقال: لا بأس ". كذا أثبتها المحقق ـ عفا الله عنه ـ والجادة أن يقول: " لا بأس به "، فالله أعلم. وقد عزا الموضعين إلى (معجم شيوخ الإسماعيلي الترجمة 73) ، ولم يتفطن في الأول إلى أنه سيأتي، ولا في الثاني إلى أنه تقدم، ولم يأت في فهارس الكتاب إلا معزواً إلى الموضع الأول فقط، فليتنبه طالب العلم إلى هذا حتى لا يعتمد عليها اعتماداً كلياً. لكنني استفدت فائدة كنت أستشرف لها وللوقوف عليها، ألا وهي نسبته إلى إحدى القبائل، فوجدت الإسماعيلي يقول في "معجم شيوخه" (73) : "أبو جعفر محمد بن علي بن مهدي بن زياد الكندي العطار، كوفي ". وبعد زمان نظرت في فهارس "معجم ابن المقريء" عسى أن يكون قد روى عنه ونَسَبَهُ، وكنت لم أرجع بعدُ إلى كتاب الإسماعيلي تارة أخرى، فوجدت شيئاً يستحق التنبيه،

ففي فهرس الشيوخ: " أبو بكر محمد بن علي بن مهدي بن حرب النجار التستري " روى عنه (227) عن أبي يوسف يعقوب بن سفيان وهو الفسوي الحافظ ـ رحمه الله ـ بل وفي الحديث الذي يليه (228) أيضاً. فإني لا آمن ـ واللهِ ـ أن يأتي أحد المغفلين أو المجازفين ـ فيعرِّف أحد الرجلين على أنه الآخر!! وهذا كثير ومشاهد من أدعياء التحقيق هداهم الله، فإذا ضممنا جملة هذه المعطيات بعضها إلى بعض، فسنعرِّف هذا الشيخ بأنه: (أبو جعفر محمد بن علي بن مهدي بن زياد الكندي الكوفي العطَّار) . والحمد لله على توفيقه. وحاله في الحديث أنه: (ثقة) ، فإن كل ثقة ـ عَدْل تامّ الضبط ـ يصدق عليه أنه (لا بأس به) لا العكس، وذلك أيضاً عند صدور اللفظين من ناقد واحد، لا مطلقاً. فقد وُجِد من النِّاس من يجد الرجل قد وثقه أمثال أحمد وابن معين وأبي زرعة وأبي داود والنسائي والدارقطني، وقال فيه أبوحاتم " صالح " أو " شيخ صالح " فيحمل جميع هذه التوثيقات على أن أصحابها جميعاً أرادوا أنه (عَدْل) (!!) للتوصل بل الهروب من وصف الحديث بالصحة، فالله المستعان. 2ـ محمد بن سليمان بن بزيع الكوفي: لا أعرف عن هذا الرجل أكثر من اسمه، وأنه قد رَوَى عنه أكثر من واحد حَسْبُ!

وذلك بعد بحث طويل، وتفتيش دؤوب، لكن لا يصل إلى التقليب ـ مثلاً ـ في "المعاجم"، والمصادر التي لا تتصف بعلو، مثل أسانيد الخطيب في "تاريخه" وغيره و"شعب الإيمان" ونحو ذلك، وإنما كان أكثر ذلك ـ بعد اليأس من وجوده في المصادر المشهورة مثل "سؤالات الدارقطني" و "تاريخ بغداد" و"الميزان" و"لسانه" وكتب (المشتبه) ـ في الفهارس الشاملة كـ "فهرس الدعاء" و"الأوسط" للطبراني وفهرس رجال "تاريخ جرجان" وفهرس رجال "بغية الطلب" وغير ذلك. فاستعنت بأخٍ لي حبيب ليبحث عنه في (الحاسب الآلي) ، فلم يفده إلا بموضعين: الأول: وقوعه في إسناد للطبراني في "الكبير" هو هذا الإسناد! الثاني: وقوعه في ترجمة (إسماعيل بن أبان الوراق) من "تهذيب الكمال" (3/8) في جملة الرواة عنه، لكن الحافظ المزي ـ رحمه الله ـ لم ينسبه، وهذا يشعر بأنه لا يعرف عنه أكثر من وقوعه في بعض الأسانيد، لكنه لم يورده في جملة الرواة عن (مصعب بن المقدام الخثعمي) شيخه في هذا الحديث، مع ظهور شدة اعتنائه بـ " معاجم الطبراني " في إيراد شيوخ المترجم له والرواة عنه. ثم لما رُزِقتُ كتاب " مجموع فيه مصنفات أبي الحسن الحمّامي " وجدت في "جزء من حديثه عن شيوخه" تخريج أبي الفتح بن أبي الفوارس (25) من طريق الحضرمي ـ وهو محمد بن عبد الله بن سليمان الحافظ الملقب بـ (مُطَيَّن) ـ حدثني جعفر بن حرب: حدثنا

محمد بن سليمان بن بزيع: حدثنا حسين الأشقر عن مسعر، عن عبد الملك بن عمير القبطي، أن علياً ـ عليه السلام ـ كان يقول: "إن من كان قبلكم كانوا يبعرون بعراً، وأنتم تثلطون ثلطاً، فأتبعوا الحجارة الماء ". قال أبو الفتح بن أبي الفوارس ـ عقبه ـ: " غريب من حديث مسعر، وهو غريب من حديث حسين الأشقر ". ووصف الحديث بأنه " غريب من حديث حسين الأشقر " ـ على الرُّغم من كونه متروكاً ـ ربما أدان ابن بزيع لولا أنني لم أجد ترجمة لجعفر بن حرب الراوي عنه. وشيخ بن الحمامي ـ الحسن بن محمد السكوني ـ روى عنه الحاكم، وقال: ... " ثقة مأمون ". وعارضه الشيخ مقبل بن هادي ـ رحمه الله ـ في "تراجم رجال الحاكم" (رقم 605) بأن الدارقطني في "غرائب مالك" روى حديثاً هو شيخه فيه، وقال: "هذا باطل بهذا الإسناد ومَن دُوْنَ مالك ضعفاء "، ثم قدَّم قول الدارقطني لأنه أعلم من الحاكم. وقال الشيخ حمدي السلفي ـ حفظه الله تعالى إن كان لم يزل حياً يرزق ـ في حاشية "مسند الشهاب" (2/24) : " عبد الله بن محمد بن جعفر اتُّهِمَ بوضع الحديث، ومحمد بن سليمان الخزاز ضعيف، ومصعب بن المقدام صدوق له أوهام، ورواه الطبراني في الأوسط ... (460 مجمع البحرين) من طريق سليمان بن بزيع الكوفي عن مصعب به، وسليمان منكر الحديث ... ".

قلت: ابن جعفر هذا هو القزويني أبو القاسم الشافعي ـ مذهباً ـ القاضي، نزيل مصر. قال فيه الدارقطني ـ رحمه الله ـ: " كذاب يضع الحديث " كما في "سؤالات الحاكم له" (115) ، ولم يتفرد بالحديث من هذا الوجه، بل تابعه محمد بن علي ابن مهدي العطار الثقة ـ كما تقدم ـ لكنه سمى الراوي عن مصعب: محمد بن سليمان بن بزيع الكوفي، وهو الذي نحن بصدد الكلام عنه الآن. وظني ـ وهذا هو الظن بأمثاله (لِلَّهِ) ـ أنه أراد الإغراب، هذا إن كان سمعه من ابن بزيع حقاً ولم يَدَّعِ سماعه للحديث منه. وقد وهم الشيخ ـ عفا الله عنه ـ في قوله أن الطبراني رواه في "الأوسط" عن (سليمان بن بزيع الكوفي) ، وبناء على ذلك قال: " وهو منكر الحديث "؛ فإنما هو (محمد بن سليمان بن بزيع الكوفي) كما بيّنتُ، بل أذهب إلى أن سليمان ليس والده، فإن الظاهر من مجموع ما لديَّ من معطيات حوله أنه مصري، وليس كوفياً، والتي منها: * أن ابن يونس قال فيه: " منكر الحديث "، وابن يونس هو صاحب "تاريخ مصر". * وأنه يروي عنه إبراهيم بن أبي الفياض البرقي، وهذا رجل توفي بمصر، ويروي عن أشهب بن عبد العزيز صاحب مالك، وهو مصري ـ رحمهم الله جميعاً ـ. ثم لاح لي أن أستفيد من حديث عزاه الحافظ ـ رحمه الله ـ في ترجمة (سليمان ابن

بزيع) هذا إلى ابن عبد البر في "جامع بين العلم"، وأحسست بشدة أنني سأتوصل إلى شيء ما فلما رجعتُ إلى "الجامع" وجدته روى الحديث (1611، 1612) من طريقين عن البرقي عنه عن مالك بإسناده إلى علي ـ رضي الله عنه ـ قال البرقي في أولهما: " حدثنا سليمان بن بزيع الإسكندراني ... " (!!!) فالحمد لله على توفيقه، وأشهد أن هذا العلم إلهام. أما (محمد بن سليمان الخزاز) الذي ضعفه الشيخ السلفي ـ كأنه تبع في ذلك المدعوَّ أحمد بن الصديق الغماري ـ عليه من الله ما يستحق ـ في "فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب" (2/63 رقم 526) ، لكن هذا الغماري ذهل عن إعلاله بالراوي عنه، ذاك الوَضَّاع! فهو (محمد بن سليمان بن هشام بن سليمان بن عمرو بن طلحة اليشكري الشطوي البصري ثم البغدادي الخزاز ابن بنت سعيدة بنت مطر الوراق ويعرف بـ: أخي هشام) وهو من أفراد ابن ماجه، وهو واه منكر الحديث، اتهمه الخطيب بوضع حديث. وهو يروي عن أقران (مصعب بن المقدام) كوكيع وأبي معاوية وأبي أسامة والمحاربي وابن علية ونحوهم. 3ـ مصعب بن المقدام: هو (أبو عبد الله مصعب بن المقدام الخثعمي، مولاهم الكوفي) مختلفٌ فيه جرحاً وتعديلاً، وقد روى له مسلم في الشواهد والترمذي والنسائي وابن ماجه.

* قال ابن الجنيد في "سؤالاته" (252) : " سئل يحيى بن معين ـ وأنا شاهد ـ عن مصعب بن المقدام الخثعمي، فقال: ما أرى به بأساً ". وقال ابن الغلابي: قال أبو زكريا ـ يعني: يحيى بن معين ـ: " مصعب بن المقدام ثقة ". وقال ابن شاهين في "الثقات" (1311) عنه: " كان صالحا، لا بأس به ". * وقال عبد الله بن علي بن المديني: سمعت أبي يقول: " المصعب بن المقدام ضعيف ". وهذان في ترجمته من "تاريخ بغداد" (13/111) . * وقال الإمام أحمد بن حنبل: " كان رجلاً صالحاً، رأيت له كتاباً، فإذا هو كثير الخطأ، ثم نظرت في حديثه، فإذا أحاديثه متقاربة عن الثوري "، كما في "تهذيب التهذيب" (10/166) ولم أجده في مصدر آخر (¬1) . * وقال الآجري في "سؤالاته" (443) : " وسئل أبو داود عن مصعب بن المقدام، فقال: لا بأس به ". ¬

(¬1) قال الأثرم عن أحمد في مصعب بن ماهان: " كان رجلاً صالحاً ـ وأثنى عليه خيراً ـ كان حديثه مقارب (كذا) ، فيه شيء من الخطأ " كما في "الجرح" (8/308) ولفظه قريب جداً مما حكاه الحافظ عنه في ابن المقدام فالله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح" (3/308) : " سألت أبي عن مصعب بن المقدام فقال: هو صالح الحديث ". وقال في ترجمة مصعب بن ماهان منه (3 /309) : " سئل أبي عن مصعب ابن ماهان ومصعب بن المقدام: أيهما أحبُّ إليك؟ فقال: مصعب بن المقدام ". وقد روى عن أبيه أنه قال في ابن ماهان: " شيخ ". قال: " وحكى غيري عن أبي أنه قال: ثقة عابد "، وهذا الغير لم يُسَمَّ. ثم تبين لي أن ما حكاه الحافظ ـ رحمه الله ـ في "التهذيب" عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ كان خطأً عليه، فبينما لفظ ابن أبي حاتم ـ الذي ذكرته في الحاشية ـ عن الأثرم محتمل، إلا أن لفظ العقيلي في "الضعفاء الكبير" (4/198) كان قاطعاً، إذ روى من طريقه قال: سمعت أبا عبد الله، وذكر مصعب بن ماهان صاحب الثوري فأثنى عليه خيراً، وقال: جاءني إنسان مرة بكتاب عنه، فإذا كثير الخطأ (كذا، ولعل الصواب: فإذا هو ... ) ، فإذا إخال من الذي كتب عنه (كذا) ، فلما نظرت بَعْدُ في حديثه فإذا أحاديثه متقاربة، وفيها شيء من الخطأ ". فالمَعنِيُّ بهذا الكلام هو: (مصعب بن ماهان المروزي ثم العسقلاني) ، واللبس بينهما قريب، فكلاهما معروف بالثوري ـ ويشتركان أيضاً في (داود بن نصير الطائي) ـ رحمة الله تعالى عليه ـ وكلاهما من العباد. على أن النقل نَفْسَهُ فيه خلل وأسقط أموراً لا تدرك من الرواية المختصرة. والكمال لله ـ عز وجل ـ وحده.

* وقال العجلي: " كوفي متعبد ". كما في "ترتيب معرفة الثقات" (1734) للهيثمي والسُّبكي. وقال ابن حبان في "الثقات" (9/175) : " أبو عبد الله الكوفي يروي عن الثوري وزائدة وداود الطائي، روى عنه محمد بن رافع وأهل العراق، مات سنة ثلاث ومائتين ". وقال ابن قانع: " كوفي صالح ". * وقال الساجي: " ضعيف الحديث، كان من العباد، قال أحمد بن حنبل ... " إلخ كما في "تهذيب التهذيب". ولاح لي الآن ـ فقط ـ أن الوهم من الحافظ الكبير الإمام زكريا الساجي ... ـ عفا الله تعالى عنه ـ وليس من الحافظ ابن حجر ـ رحمهم الله جميعاً ـ وبقي أنه لم يتعقبه فحسب، فـ " كم ترك الأول للآخر "!! ثم إن قول الساجي: قال أحمد، أو: قال ابن معين؛ لا يُحتَجُّ به، لأنه لم يدركهما، فينبغي التَأنِّي في مثل ذلك. * وقال البرقاني في "سؤالاته للدارقطني" عنه (507) ـ بعد الترجمة لرجلين ـ: " مصعب بن المقدام ثقة ". * وقد رد الخطيب البغدادي ـ رحمه الله ـ تضعيف علي بن المديني ـ رحمهما الله ـ له بقوله في "تاريخه" (13/111) : " قلت: قد وصفه بالثقة يحيى بن معين وغيره من الأئمة ". ثم روى بإسناده إلى ابن الغلابي عن ابن معين توثيقه، وبإسناده إلى ابن الجنيد قوله: " ما أرى به بأساً "، ثم قول أبي داود والدارقطني فيه.

نعم، إطلاق القول بضعفه بعيد، ولكن ينبغي ألا ننسى أن هناك مراتب عِدَّة للرواة فيما بين " ضعيف " و " ثبت ". ولست أرغب في الانشغال بتتبع الأحاديث الذي تفرد بها هذا الرجل الصالح ـ رحمه الله ـ كما فعلتُ في غيره، ولكن في الجملة أذهب إلى خطأ القول بإعطائه حكماً واحداً لا ينفكُّ عنه، بل أُفَصِّلُ بأن تفرده عن المشاهير أمثال: سفيان الثوري، وإسرائيل بن يونس السبيعي، وزائدة قدامة الثقفي، وعبد الملك ابن عبد العزيز بن جريج المكي، ومسعر بن كدام الهلالي ـ ممن لهم أصحاب كثر ومجالس متواصلة ـ هذا التفرد لا أقبله من مثله. أما إن تفرد عن مثل: داود بن نصير الطائي ـ الثقة الزاهد العابد الذي قطع مجالس التحديث واعتزل الناس ـ فإني أراه محتملاً، ويظهر أنه كان له اختصاص به، فقد تفرد عنه ـ فيما قطع به الطبراني في "الأوسط" ـ باثنين وعشرين حديثاً كلها مستقيمة الأسانيد والمتون، ثابتة عن شيوخ داود فيها. وكذلك لو تفرد عن الضعفاء المرغوب عنهم وعن حديثهم، فلا ضَيْرَ كما في حديثنا (¬1) هنا، سواءٌ أَكان شيخه أبو معاذ هو سليمان بن أرقم كما جزم الطبراني ـ رحمه الله ـ، أو عتبة بن حميد الضبي كما خَلُصْتُ إليه في بُحَيثٍ سأذكره، أو ثالث لا يُدرى من هو لِلَّهِ على ألا ننسى أن الراوي عن مصعب نفسه لا يدرى من هو! ¬

(¬1) وفيما تقدم أقبل تفرد (علي بن حفص المدائني) عن (عتبة بن عمرو المكتب) وأراه محتملاً، لكن لا أقبل تفرده عن مثل (شعبة) و (الثوري) .

هذا، وقد قوَّمَهُ أخي الحبيب الشيخ أبو تراب ـ حفظه الله ـ في ترجمته لدينا بـ " دار التأصيل " على أنه (صدوق) ، وهذا تقويم أعتزُّ به، والحمد لله رب العالمين. 4ـ أبو معاذ: تقدم أن الحافظ الطبراني ـ رحمه الله ـ عَقَّبَ على الحديث في "الأوسط" (5884) بقوله: " لم يرو هذا الحديث عن أبي بشر إلا أبو معاذ، وهو سليمان ابن أرقم ". قلت: للوهلة الأولى حاك هذا الجزم في تعيين أبي معاذ هذا على أنه سليمان ابن أرقم ـ أحد المتروكين ـ حاك في صدري، ولم يركن إليه قلبي الضعيف. فلما بحثت فيما تيسر من مظآنٍّ لم أجد الحافظ المزيّ ـ رحمه الله ـ يذكر (سليمان بن أرقم) في جملة شيوخ (مصعب بن المقدام) ولا مصعباً في جملة الرواة عن ... ابن أرقم، ولا أبا بشر الواسطي ـ جعفر بن إياس ـ في جملة شيوخ ابن أرقم، ولا ابن أرقم في جملة الرواة عن أبي بشر في تراجم الثلاثة من "تهذيبه"! كما نظرت في عدة تراجم لابن أرقم في كتب " الضعفاء " فلم أهتد إلى شيء من ذلك. فلم يكن لَدَيَّ أَدْنَى قرينة يترجح بها هذا القول. فما زلت منشغلاً ومهموماً بهذه القضية، حتى لاح لي أنه لن يشفي نهمتي بشأنها سوى الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ في كتابه القيم ـ على اختصاره ـ:

"المقتنى في سَرْد الكنى" فوجدت فيه جماعة بهذه الكنية لا يكادون يجتمعون ـ في موضع واحد ـ في سواه، فاستبعدت منهم من لا يتصور أن يكون هو، ثم بقي جماعة يصلحون لنفس الطبقة، فلما بحثت بحثاً تفصيلياً في تراجمهم من "تهذيب الكمال" ـ وربما غيره أيضاً ـ لم يترجح لي إلا واحد (¬1) هو: (أبو معاذ عتبة بن حميد الضَّبِّيّ البصري) . وحجتي في ذلك قول الحافظ أبي الحجاج المزي ـ رحمه الله ـ في ترجمته من "تهذيب الكمال" (19/305) : " روى عن أبي بشر جعفر بن إياس ... " فذكره أول شيخ له. نعم، لم يذكر مصعب بن المقدام في جملة الرواة عنه، ولكن ذكر ـ ممن يقاربونه في الطبقة ويشاركونه في بعض الشيوخ: (سفيان بن عيينة) و (عبيد الله ابن عبيد الرحمن الأشجعي) و (إسماعيل بن عياش) فأربعتهم يروون عن الثوري. ثم إنه لا ضير على هذا الحافظ الكبير في عدم ذكر ابن المقدام في ترجمته للسبب الذي أُذَكرِّ به دائماً. والذي صارت به نسبة الحديث نسبة منكرة. ¬

(¬1) قال قاسم بن صالح القاسم محقق " المطالب العالية " ـ المسندة ـ عند الحديث (3264) : " وأبو معاذ إما هو فضيل بن ميسرة البصري وهو صدوق، أو سليمان بن أرقم البصري، وهو ضعيف ... " ولم أجد أية قرينة تدل على أنه (فضيل بن ميسرة) أيضاً.

وعتبة بن حميد أيضاً مختلف فيه بين أهل العلم وإن كانت نصوصهم فيه قليلة جداً. * قال أبو طالب: " سألت أحمد بن حنبل عن عتبة أبي معاذ فقال: هو عتبة بن حميد الذي روى عنه الأشجعي، وكان من أهل البصرة، وكتب من الحديث شيئا كثيراً. قلت: كيف حديثه؟ قال: ضعيف ليس بالقوي، ولم يشته الناس حديثه ". كما في "الجرح" (6 /370) . * وقال ابن عبد الهادي ـ رحمه الله ـ في "بحر الدم" (670) : " ضَعَّفه أحمد ". * وقال ابن أبي حاتم: " سألت أبي عن عتبة بن حميد، فقال: كان بصري الأصل كان جوالة في طلب الحديث، وهو صالح الحديث ". * وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/272) . * وقال الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ في ترجمته من "الميزان" (3/28) : "وقد ضُعِّف"، وأورد كلام أبي حاتم وأحمد باختصار، وقال في "المغني" (2 /422) : " ضعيف "، وفي "الكاشف" (2 /245) : " ضعَّفه أحمد ". * أما الحافظ ـ رحمه الله ـ فقال في "التقريب" (4461) : " عتبة بن حميد الضبيّ، أبو معاذ أو أبو معاوية البصري، صدوق له أوهام، من السادسة ". قلت: لم أجد من كناه أبا معاوية، أما صيغة " صدوق، له أوهام " فمما تختلف فيها الأنظار، فبينما يحسن بعضهم حديث كل من قيلت فيه، يرى البعض أنها من صيغ التضعيف عند الحافظ ـ رحمه الله ـ.

وقد أوردها في "مقدمة التقريب" (ص 81) في المرتبة الخامسة، وقرنها بصيغ أخرى مجزوم بضعف ما تفرد به أصحابها، فقال: " الخامسة: من قصر عن درجة الرابعة قليلاً ـ قلت: صيغ المرتبة الرابعة عنده هي: صدوق، أو: لابأس به، أو: ليس به بأس ـ، وإليه الإشارة بـ: صدوق سيِّء الحفظ، أو: صدوق يهم، أو: له أوهام، أو: يخطئ، أو: تغير بآخره، ويلتحق بذلك من رُمِيَ بنوعٍ من البدعة كالتشيع، والقدر، والنصب والإرجاء، والتجهم مع بيان الداعية من غيره ". قلت: ولا أجد كبير فارق بين حديث الصدوق من أهل السنة والصدوق الذي رُمِيَ ببعض هذه الضروب من البدعة إن كان مأموناً على ما يُحَدِّث به فالله المستعان. بمعنى أن يكون الصدوق الذي رُمِيَ بالإرجاء أو النصب ـ مثلاً ـ مقترناً مع (الصدوق سيء الحفظ) و (الصدوق الذي تغير بأخرة) في مرتبة واحدة فَيُرَدُّ حديث الجميع، فهذا مما أَعْجَبُ له. هذا، وقد لاح لي أمر آخر قد يكشف السِّرَّ في إقحام (أبي معاذ) خاصةً في ... هذا الإسناد، فإن كان صواباً فمن الله ـ عز وجل ـ وحده، وهو أن (محمد بن سليمان بن بزيع) ـ المتقدم ذكره ـ كان قد بلغه حديث (عتبة بن عمرو المكتب عن عكرمة عن ابن عباس) فتداخل الاسمان عليه (عتبة بن عمرو) و (عتبة ابن حميد) ثم طرأ عليه أمر ما، أو رَغِبَ في أمر ما (لِلَّهِ) فنسي الأسماء أو تناساها وبقيت معه كنية الثاني وحدها:

(أبو معاذ) ، ثم تمادى به الأمر فنسى الإسناد ـ إلا ابن عباس ـ أو رغب في الإغراب أيضاً، فجعله (عن أبي بشر عن سعيد ابن جبير (¬1) عنه) !! والله أعلم بصحة هذا الاحتمال أو بعضه من عدمها. يلاحظ أيضاً أن (عتبة بن حميد الضبي) يتشابه مع كُلٍّ من (المُكْتِبَيْن) في أمر، فاسمه كاسم (عتبة المكتب) ونسبته (الضبي) كنسبة (عبيد المكتب) !! وأياً كان الأمر، فهذا إسناد منكر جداً لا يلتفت إليه لتعدد العلل فيه، والتي كان أهمها وجود (محمد بن سليمان بن بزيع الكوفي) هذا في إتيانه بإسناد كالشمس لهذا الحديث: (أبو بشر جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) وهو على شرط الشيخين البخاري ومسلم بل الستة جميعاً. 5ـ أبو بشر جعفر بن أبي وحشية: هو (أبو بشر جعفر بن إياس ـ أبي وحشية ـ اليشكري البصري ثم الواسطي) . ولن أطيل الكلام عنه، بل سأبدأ بترجمته من "التقريب" (938) ثم أعقّب عليها. ¬

(¬1) وسعيد أشهى عندهم من عكرمة ـ الذي كرهه كثيرون ـ عفا الله عنهم ـ، ثم هو عراقي كوفي ـ خلافاً لعكرمة ـ وهنا تلوح أيضاً أمارات العصبية، والله أعلم.

قال الحافظ ـ رحمه الله ـ: " ثقة من أثبت الناس في سعيد بن جبير، وضعفه شعبة في حبيب بن سالم وفي مجاهد، من الخامسة مات سنة خمس (¬1) وقيل ست وعشرين " أهـ يعني: ومائة. قلت: وهو تابعي صغير، فقد نص البخاري في ترجمته من "التاريخ الكبير" (2/186) وأبوأحمد الحاكم في ترجمته من "الكنى" (رقم 787) على سماعه من عباد بن شرحبيل اليشكري ـ رضي الله عنه ـ، وهو صحابي له حديث واحد، وقد توقف بعضهم في صحبته، قال الحافظ ـ رحمه الله ـ في "الإصابة" (2/265) : " قال ابن السكن: يقال: له صحبة، وفيه نظر. قلت: روى حديثه أبو داود والنسائي وابن أبي عاصم بإسناد صحيح عن أبي بشر ـ وهو جعفر بن أبي وحشية ـ سمعت عباد بن شرحبيل ـ رجلاً منا من بني غبرة (¬2) ـ قال: " أصابتنا سنة فدخلت حائطاً من حيطان المدينة فأخذت سنبلاً ففركته فأكلته، فجاء صاحب الحائط فضربني وأخذ كسائي، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته ... " الحديث. قلت: رواه عنه شعبة، وكذا سفيان بن حسين بنحوه. وعوداً إلى أبي بشر ـ رحمه الله ـ فأقول: لم يورده الذهبي ـ رحمه الله ـ في "تذكرة ¬

(¬1) هو المترجح، والأقوال متعدده بعد ذلك. وأشدها إغراباً قول ابن حبان بوفاته بطاعون سنة 131. (¬2) وتحرف في "الإصابة" إلى: " من بني عسيرة ".

الحفاظ" ولكن قال في ترجمته من "السير" (5 /465) : " ... أحد الأئمة والحفاظ "، وهو الذي نبهني ـ قبل غيره ـ على روايته عن عباد بن شرحبيل ـ رضي الله عنه ـ فلما تحققتُ من سماعه منه رأيت البدء بالفائدة المتقدمة. وقد اتفق العلماء على توثيقه، ولكن: * قال يحيى بن سعيد القطان: " كان شعبة يضعف أحاديث أبي بشر عن حبيب بن سالم ". * وقال الإمام أحمد: " كان شعبة يقول: لم يسمع أبو بشر من حبيب بن سالم، وكان شعبة يضعف حديث أبي بشر عن مجاهد ". * وقال المفضل الغلابي عن يحيى بن معين: " جعفر بن أبي وحشية واسطي من أبناء جند الحجاج، طعن عليه شعبة في تفسيره عن مجاهد، قال: من صحيفة ". * وقال أبو طالب: سألتُ ـ يعني: أحمد بن حنبل ـ عن حديث شعبة، عن أبي بشر، قال: سمعت مجاهداً يحدث عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد والتحيات، فأنكره، وقال: لا أعرفه (¬1) . قلت: يروي نصر بن علي عن أبيه ... ـ يعني عن شعبة عن أبي بشر ـ قال: سمعت مجاهداً قال: قال يحيى: كان شعبة يضعف حديث أبي بشر ¬

(¬1) وهذا يذكرني بالذين يدفعون بالصدر نصوص الأئمة الكبار في أن (فلاناً لم يسمع من فلان) بالأسانيد التي فيها تصريح بالسماع، القائمة على الأوهام والأغاليط. نسأل الله السلامة.

عن مجاهد، قال: لم يسمع منه شيئاً، وقال: إنما ابن عمر يرويه عن أبي بكر الصديق علمنا التشهد، ليس فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ". قلت: وبقى ثالث لم يسمع منه، وهو سليمان بن قيس اليشكري صاحب صحيفة جابر ـ رضي الله تعالى عنه ـ. دلني على ذلك الشيخ الفاضل حمدي بن عبد المجيد السلفي ـ جزاه الله خيراً ـ في تعليقه على حاشية جامع التحصيل (الترجمة: 99) . * ففي ترجمة سليمان من "تهذيب الكمال" (12/55) : " قال البخاري: يقال إنه مات في حياة جابر بن عبد الله، ولم يسمع منه قتادة ولا أبو بشر، ولا يعرف لأحد منهم سماعاً منه إلا أن يكون عمرو بن دينار سمع منه في حياة جابر ابن عبد الله ". قلت: هذا النص حكاه الترمذي في "جامعه" عن البخاري عقب الحديث (1312) (3 /604) إلا أنه قال: " فلعله سمع منه "، وقد تكون لفظة (فلعله) سقطت. وأيضاً دلني على مصدره د. بشار عواد ـ جزاه الله خيراً ـ في حاشية "تهذيب الكمال". أما الرقم الذي ذكره الشيخ السلفي فلا ينطبق على "الجامع" المتيسر الآن. * أما في "التاريخ الكبير" (4/31) ، فقال البخاري: " وروى أبو بشر، وقتادة، والجعد أبو عثمان من كتاب سليمان ... ".

* وقال ابن حبان في ترجمة سليمان من "الثقات" (4/309) : " روى عنه قتادة وأبو بشر، ولم يره أبو بشر ". 6ـ سعيد بن جبير: هو (سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي ـ مولاهم ـ الكوفي أبو (¬1) عبد الله) . * قال الحافظ ـ رحمه الله ـ في "التقريب" (2291) : " ثقة ثبت فقيه، من الثالثة، وروايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة، قتل بين يدي الحَجَّاج دون المائة سنة خمس وتسعين، ولم يكمل الخمسين ". قلت: وبلغ اتفاقهم على ثقته وأمانته وإمامته في الحديث وفي الدين أن الحافظ المزي ـ رحمه الله ـ أسهب في ترجمته في "تهذيبه" (10/358: 376) ـ بعد سرد شيوخه والرواة عنه ـ في ذكر فضائله وكراماته وأقواله وأحواله، وقصته مع الحجاج ولم يورد نصاً واحداً في توثيقه إلا بالتبع، حيث قال في آخرها: "وقال أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري: هو ثقة إمام حجة على المسلمين، قتل في شعبان سنة خمس (¬2) وتسعين وهو ابن تسع وأربعين سنة ". ¬

(¬1) أطبق المتقدمون على ذلك وأقدم من رأيته يكنيه أبا محمد هو أبو الشيخ في "طبقات محدثي أصبهان" ثم أبو نعيم في "أخبار أصبهان"، لكنه جزم في "الحلية" بأنه (أبو عبد الله) . والذهبي ـ وإن قال في "السير": (أبو محمد. ويقال: أبو عبد الله " ـ جزم في "المقتنى" و"تاريخ الإسلام" بأنه (أبو عبد الله) ولم يحك سواها. وفي الكاشف كناه بالكنيتين فالله أعلم. (¬2) واعتراض د. بشار على هذا التأريخ وتصويبه أن الجم الغفير من المتقدمين على أنه قتل سنة 94 فيه نظر، إذ لم أره لأقدم من الواقدي وخالفه فيه الكثيرون وليس الإمام اللالكائي وحده، كما أن اعتراض الحافظ الذهبي على القول بوفاته وهو ابن تسع وأربعين بقول سعيد لابنه: ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة، وتصحيحه للأثر؛ فيه نظر أيضاً، فمداره على أبي حذيفة عن الثوري عن عمر بن سعيد المكي عنه. وأبو حذيفة ضعيف كثير المناكير عن الثوري. وعمر بن سعيد بن أبي حسين من السادسة، ولم يذكر سعيد بن جبير في جملة شيوخه، فأرتاب في إدراكه للقصة. والله أعلم بالصواب في كل ذلك.

3ـ طريق داود البصري عن ابن عباس:

وأكثر المصادر تجويداً لترجمته: "الطبقات الكبرى" و"حلية الأولياء" و"السير" و"تهذيب الكمال"، وهو من خواص أصحاب عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ومن المقدمين فيه مع مجاهد، وعطاء، وطاووس، وعكرمة. وقدمه بعضهم على طاووس ـ رحمهم الله تعالى جميعاً بما بذلوا للإسلام والسنة ـ. والآن أنتقل بحول الله وقوته إلى طريق أخرى. 3ـ طريق داود البصري عن ابن عباس: قال عبد بن حميد ـ رحمه الله ـ في "المنتخب من المسند" (673) : " أخبرنا يزيد بن هارون أنا عبد الله بن دكين، ثنا قيس الماصر، ثنا داود البصري عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن لكل مؤمن ذنباً قد اعتاده الفينة بعد (¬1) الفينة أو ذنباً ليس بتاركه حتى يموت أو تقوم ¬

(¬1) لفظة " بعد الفينة " ليست في "المنتخب" المطبوع. واستدركتها من " المطالب العالية " (النسخة المسندة) (رقم 3576) و"المطالب" ـ غير المسند ـ رقم (3246) .

عليه الساعة، إن المؤمن خلق مذنباً مفتناً خطاءً نسياً (¬1) ، فإن (¬2) ذُكرِّ ذَكَرَ ". ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" (12/434 ـ 435 رقم 6722 ط. الدار السلفية بالهند) من طريق يحيى بن يحيى أخبرنا عبد الله بن دكين، عن قيس الماصر، عن داود البصري، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... ". ومن طريق موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الله بن الدكين، قال: سمعت قيساً يحدث عن داود البصري ـ وليس بابن أبي هند ـ عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن للمؤمن ذنباً قد اعتاده الفينة بعد الفينة وذنباً (¬3) ليس بتاركه حتى يموت أو تقوم الساعة، إن المؤمن خُلِق مذنباً خطَّاءً نَسَّاءً، إذا ذُكرِّ ذَكَرَ ". قال البيهقي: " وفي رواية يحيى: (إن لكل مؤمن) ، وزاد: (مُفَتَّنَاً خَطَّاءً) ". قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، كما سيتبين من الترجمة لرجاله بحول الله وقوته. ¬

(¬1) في "المنتخب": " نساء " وفي "المطالب" و"الإتحاف" كما أثبتُّ. (¬2) فيه " فإذا " والتصويب من "المطالب". (¬3) كذا في طبعتي "الشعب" بالواو، وقد وقع في طبعة دار الكتب العلمية (7124) عدة تحرفات في الإسناد هي: (عن قيس الماضي عن داود النصري) وفي الطريق الأخرى: (عن داود البصري، وليس بأبي هند) مما دعاني إلى ترك الاعتماد عليها، ولاشك أن الطبعة الهندية أتقن وأصوب.

تراجم رجال هذا الإسناد: 1ـ يزيد، شيخ عبد بن حميد ـ رحمهما الله تعالى ـ. هو (أبو خالد يزيد بن هارون بن زاذي ـ ويقال: زادان ـ بن ثابت السمكي ـ مولاهم ـ الواسطي) . * قال الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ في "تذكرة الحفاظ" (¬1) (1/317) : "الحافظ القدوة شيخ الإسلام ". وقال أثناء الترجمة: " وروى أحمد بن زهير عن أبيه (يعني: أبا خيثمة زهير ابن حرب) قال: (كان يُعاب على يزيد حيث ذهب بصره أنه ربما سئل عن حديث لا يعرفه، فيأمر جارية له فتُحَفِّظُهُ إياه من كتابه) . قلت: ما بهذا من بأس، فيزيد حجة حافظ بلا مثنوية ". وزاد إيضاحاً في "السير" (9 /363) ، فقال: " ما بهذا الفعل بأس مع أمانة من يُلَقِّنهُ ويزيد حجة بلا مثنوية ". ثم وجدت الخطيب يقول في "تاريخه" (14/339) ـ عقب هذا القول ـ: " قلت: قد وصف غير واحد من الأئمة حفظ يزيد بن هارون كان (¬2) لحديثه وضبطه له، ولعله ساء حفظه لما كف بصره، وعلتْ سِنُّه، فكان يستثبت جاريته فيما شك فيه، ويأمرها بمطالعة كتابه لذلك ". ¬

(¬1) ونحوه في أول ترجمته من "السير" (9/358) . (¬2) (كذا) وتكررت في "تاريخ بغداد" (16/495) تحقيق د. بشار عواد معروف. ولا أدري وجهها وظني أنها زيادة مقحمة لا معنى لها.

* وقال الحافظ ـ رحمه الله ـ في "التقريب" (7842) : " يزيد بن هارون بن زاذان (¬1) السلمي مولاهم، أبو خالد الواسطي، ثقة متقن عابد، من التاسعة، مات سنة ست ومائتين، وقد قارب التسعين ". قلت: وأمره ـ رحمه الله ـ في الحفظ والإتقان والجلالة والتأله لا يحتاج إلى إغراق في هذا المقام، بل يتلمس في مظانه لمن شاء، ولا شك أن تفرده عن ذاك الواهي ـ الآتي قريباً ـ محتملٌ بداهةً ـ وإن كان كوفياً ـ، فكيف وقد تابعه عند البيهقي في " الشعب " الحافظان الثبتان: يحيى بن يحيى التميمي النيسابوري، وأبو سلمة موسى بن إسماعيل المِنْقَريّ البصري؟ والطريف أنه ليس فيهم كوفي أيضاً! 2ـ عبد الله بن دكين: هو (أبو (¬2) عُمَر عبد الله بن دكين الكوفي نَزيل بغداد) . وهو مختلف فيه، ولكن كل من صح عنه أو نُسِب إليه أنه وثقه أو قوَّاه، إما أنه قد صح عنه أيضاً أنه ضعفه أو وهَّاه، أو كان القول بتوثيقه بلاغاً لايثبت أو وَهَماً وغلطاً عليه ¬

(¬1) كذا جزم الحافظ في "التقريب" على الرغم من كونه ذكر هذا الاسم بصيغة التمريض في "تهذيب التهذيب" (11/366) وكذا فعل المزي. والقرائن كثيرة على صحة هذا الاسم لجده، أعني: "زاذي". (¬2) جاءت هذه الكنية في بعض المصادر ـ خطأً ـ: " أبا عمرو ".

وبيانه كالآتي: * قال الآجري ـ رحمه الله ـ في "سؤلاته" (1917) : سألت أبا داود عن عبد الله بن دكين، فقال: بلغني عن أحمد أنه وثقه ". وهذا بلاغٌ لا يُحتج به، وما أحمد ـ رحمه الله ـ بالذي يجازف بإطلاق توثيق مثله، أو تخفى عليه المناكير التي أتى بها على قلة حديثه. وقد بحثت فيما تيسر من كتب "السؤالات" وغيرها التي تعتني بنقل أقوال أحمد في الرجال ك "بحر الدم" فلم أقف على أثر لهذا التوثيق ولا غيره، ويلاحظ أيضاً أن أبا داود ـ رحمه الله ـ لم يصدر في هذا الرجل برأي حاسم منه. * وقال عباس بن محمد الدوري ـ رحمه الله ـ في "تاريخه" (3/392 رقم 1907، 1908) : " سمعت (¬1) يحيى يقول: عبد الله بن بكير، كوفي يروي عنه يعلى وأبو نعيم، ليس به بأس، وعبد الله بن دكين كوفي ليس به بأس ". وفصَّل في الرجلين بصورة أكبر في موضع آخر، قال الدوري (3 /404 رقم 1965، 1966) : " سمعت يحيى يقول: عبد الله بن بكير الغنوي، لا بأس به، سمع منه الفضل بن دكين، وحسين الأشقر، وعبد الله بن دكين، كوفي، وهو ثقة ليس به بأس. قلت ليحيى: عبد الله بن دكين هذا بينه وبين أبي نعيم قرابة؟ قال: لا ". ¬

(¬1) حرصت على إيراد الترجمتين ـ مع عدم الاحتياج إلى الأولى في هذا الموضع ـ للإتيان بالنص كاملاً من أوله.

أي لأن أبا نعيم ـ رحمه الله ـ اسمه (الفضل بن دكين) . وحكى جماعة عن يحيى بن معين غير ذلك: قال إسحاق بن منصور عنه: " عبد الله بن دكين ضعيف الحديث ". كما في ترجمته من ... "الجرح والتعديل" (5 /48ـ 49) . وقال أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز البغدادي في "معرفة الرجال" (1/57 رقم 59) : " وسمعت يحيى بن معين يقول: عبد الله بن دكين، ليس بثقة " وذكر بعده: (عمرو بن شمر) و (حارثة بن محمد بن أبي الرجال) و (أبا المقدام هشام بن أبي هشام) ـ وهو (هشام بن زياد المدني) ـ، ووصفهم بنفس الوصف. وكل هؤلاء متروكون عند أهل العلم. وقال أحمد بن أبي يحيى الأنماطي: " سمعت يحيى بن معين يقول: عبد الله بن دكين ليس بشيء، يروي عنه أبو نعيم " كما في "الكامل" (4 /1542) . والأنماطي كذبه إبراهيم بن أورمة الأصبهاني، وقال ابن عدي: " له غير حديث منكر عن الثقات". وفيما تقدم غنية، ومعنى ما حكاه ثابت عن ابن معين في رواية ابن محرز. * وقال البرذعي في "سؤالاته لأبي زرعة الرازي" (2/356) : " قلت: عبد الله بن دكين؟ قال: ضعيف الحديث ".

وعنه الخطيب في ترجمته من "تاريخ بغداد" (9/452ـ 453) . * وقال ابن أبي حاتم في "الجرح" (5/49) : " سئل أبي عن عبد الله بن دكين، فقال: منكر الحديث، ضعيف الحديث، روى عن جعفر بن محمد غير حديث منكر ". * وقال ابن الغلابي: " عبد الله بن دكين ضعيف " كما في "تاريخ بغداد" (9/452) . * وقال النسائي: " ليس بثقة " كما في "تهذيب الكمال" (14/471) . قال المزي: " وقال في موضع آخر: ليس به بأس ". فتعقبه الحافظ في " تهذيب التهذيب " (5 /201) : " قلت: إنما نقل هذا القول الثاني عن ابن معين بسنده إليه ". قلت: ومع ذلك لم يتبعه، بل وهَّاه بقوله: " ليس بثقة " وقال أبو الفتح الأزدي: " عبد الله بن دكين ضعيف " كما في آخر ترجمته من "تاريخ بغداد" (9/453) . أما ابن حبان ـ رحمه الله ـ فهذا من القلائل جداً الذين فاتوا كتابيه "الثقات" و"المجروحين". * وأورد ابن عدي في ترجمته من "الكامل" (4/1542) من طريق محمد ابن بكار ثنا عبد الله بن دكين، ثنا كثير بن عبيد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم إلا بحقها، وحسابهم على الله ".

وأورد له (4 /1543) من طريق بشر بن الوليد عنه، ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: قال علي بن أبي طالب: " يوشك أن يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، مساجدهم عامرة وهي خرابٌ من الهدى علماؤهم شر من تحت أديم السماء، من عندهم خرجت الفتنه، وفيهم تعود ". ثم من طريق يزيد بن هارون عنه ثنا جعفر بن محمد به، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فذكره بنحوه. قال ابن عدي: " ولعبد الله بن دكين غير ما ذكرت أحاديث يسيرة "، ولم يورد من كلام الأئمة فيه سوى رواية أحمد بن أبي يحيى الأنماطي عن ابن معين: " ليس بشيء " كما تقدم. * وأورد له الخطيب في ترجمته من طريق سعيد بن سليمان عنه: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر ". ومن طريق بشر بن الوليد عنه حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال علي بن أبي طالب: " ستة لايأمنهم مسلم: اليهودي، والنصراني، والمجوسي، وشارب الخمر، وصاحب الشطرنج، والمتلهي بأمه "، قال ابن دكين: "فسألته عن المتلهي بأمه، قال: الذي يقول: أمه زانية إن لم أفعل كذا وكذا ". وله في مصنفات الأئمة الستة أثر واحد، قال البخاري ـ رحمه الله ـ في "الأدب المفرد" (1256) : " حدثنا موسى بن

إسماعيل، قال: حدثنا عبد الله بن دكين، سمع كثير بن عبيد قال: كانت عائشة ـ رضي الله عنها ـ إذا ولد فيهم مولود (يعني: في أهلها) لا تسأل غلاماً أو جارية، تقول: خُلِق سوياً؟ فإذا قيل: نعم، قالت: الحمد لله رب العالمين ". هذا هو جميع ما وقفتُ له عليه ـ مع حديث ابن عباس ـ من أحاديث وآثار دون استعانة بأحد سوى الله عز وجل. أما حديث ابن عباس، فلم أقف له على أصل عن شيخه قيس بن أبي مسلم الماصر، ولا عن شيخ شيخه داود البصري ـ على ما سيأتي فيه ـ وإنما الطريق الوحيدة المحفوظة إلى راويها إلى الآن هي (عتبة بن عمرو المكتب عن عكرمة عن ابن عباس) . وأما حديثه عن كثير بن عبيد عن أبي هريرة ـ مرفوعاً ـ: " أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا اله إلا الله ... "؛ فقد تابعه أبو العنبس سعيد بن كثير بن عبيد عن أبيه لكن بأطول من هذا كما رواه أحمد (2 /345) والدارقطني في "سننه" (1 /231ـ 232) من طريق عبد الواحد بن زياد ثنا سعيد بن كثير بن عبيد قال: حدثني أبي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ثم قد حرم عليَّ دماؤهم وأموالهم، وحسابهم على الله ـ عز وجل ـ "، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" (2248) والدارقطني (2/89) والحاكم (1/387) من طرق عن أبي نعيم ثنا أبو العنبس سعيد بن كثير به، ولم يقل: "وأن محمداً رسول الله ".

وسعيد بن كثير بن عبيد أبو النعبس وثقه ابن معين والدارقطني، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبوحاتم الرازي: " صالح الحديث ". فهذا هو الحديث الوحيد الذي وجدت (عبد الله بن دكين) هذا توبع عليه إلا أنه لم يُقِم المتن، فأسقط " ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة " (¬1) . وأما حديثه عن جعفر بن محمد بإسناده إلى علي ـ رضي الله عنه ـ تارةً مرفوعاً، وتارةً موقوفاً؛ فقد خرجه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في "السلسلة الضعيفة" (4/410، 411) (رقم 1936) ، وقال في هذه الطريق له: " قلت: وهذا إسناد واهٍ، عبد الله بن دكين مختلف فيه، وفي ترجمته ساق الحديث الذهبيُّ مشيراً إلى نكارته. وهذا هو الوجه عندي إن كان قد صح رواية يزيد (يعني: ابن هارون) له عنه ... ". حتى قال: " وجملة القول: إن هذا الحديث بهذه الطرق الثلاث، يظل على وهائه لشدة ضعفها ... ". قلت: وقد خرجته ـ بفضل الله ومنّه ـ في "تكميل النفع" (رقم25) (الجزء الأول ص 117: 123) وذكرت له طريقاً أوهى من هذه من طريق شريك عن الأعمش عن أبي وائل عن علي إسنادها مظلم وفيها أيضاً متروك، كأن أحداً دون شريك سرقه وركب له هذا الإسناد! ¬

(¬1) فأتى بمعنى منكر حيث جعلتْ روايته قول (لا إله إلا الله) كافياً في عصمة الدم والمال.

وانظر أيضاً تخريج الحديث (519) من "المجالسة" للدينوري للأستاذ مشهور بن حسن آل سلمان فإنه لا يخلو من فوائد. والحاصل أنه أيضاً ليس له أصل عن ثقة عن جعفر بن محمد بهذا الإسناد لا موقوفاً، ولا مرفوعاً والله المستعان. وأما حديثه عن جعفر بن محمد أيضاً بهذا الإسناد مرفوعاً: " لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر " فرواه أيضاً البيهقي في " شعب الإيمان" (5205) من وجه آخر عن سعيد بن سليمان الواسطي عنه به. وقال محقق "الشعب" (ط. السلفية) : " إسناده حسن". قلت: بل منكر، لقول أبي حاتم الرازي ـ رحمه الله ـ: " روي عن جعفر بن محمد غيرَ حديث منكر"، وإيراد الخطيب للحديث في ترجمته يدل على تفرده به، ولم أجد له متابعاً بهذا الإسناد بعد البحث عنه في مظانه. ولا شك أن هذا التحسين قائم على قول الحافظ في "التقريب" (3319) : " صدوق يخطيء "، وهذه مرتبة لا يستحقها، بل الجمهور على ضعفه أو وهائه كما رأينا عند استعراض كلامهم فيه. على أن صيغة (صدوق يخطيء) قرنها الحافظ ابن حجر في المرتبة الخامسة مع (صدوق سيئ الحفظ) و (صدوق يهم) و (صدوق له أوهام) و (صدوق تغير بآخره) بما يدل بظاهره أنه لا يحتج بحديث جميع من قال فيهم إحدى هذه الصيغ. ثم أنه لا يجوز قبول حديث الراوي الذي له أوهام ومناكير قبل أن ننظر كتب (الضعفاء) و (العلل) ، وهل هذا الحديث بخصوصه مما أنكر عليه أم لا؟ ثم في النهاية، هذا إسناد منقطع بين علي بن الحسين وعلي ـ رضي الله عنه ـ.

قال أبو زرعة الرازي ـ رحمه الله ـ: " لم يدرك جده علياً رضي الله عنه " كما في "جامع التحصيل" (ترجمة 539) . وقال الترمذي في "جامعه" عقب الحديث (3665) : " ولم يسمع علي بن الحسين من علي بن أبي طالب ". وأما الأثر الذي رواه عن جعفر بن محمد بهذا الإسناد موقوفاً: " ستة لا يأمنهم مسلم: اليهودي، والنصراني، والمجوسي، وشارب الخمر، وصاحب الشطرنج، والمتلهي بأمه " فلم أقف له على أصل بهذا الإسناد واللفظ. وقد رُوي بلفظ آخر، بإسناد تالف إلى علي ـ رضي الله عنه ـ ففي "مساويء الأخلاق" للخرائطي (753) (¬1) من طريق إسرائيل عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال: " ستة لا يسلم عليهم: اليهود، والنصارى، والمجوس، والذين بين أيديهم الخمر، والريحان، والمتفكهين (¬2) بالأمهات، وأصحاب الشطرنج ". وسعد بن طريف متروك، ورماه ابن حبان بالوضع، وكان رافضياً كما في "التقريب" (2254) وأصبغ بن نباتة أيضاً متروك رمي بالرفض كما فيه (541) ¬

(¬1) (ط. مكتبة القرآن) وبرقم (759) (ط. مكتبة السوادي بجدة) . والخطأ الذي نبهت عليه وقع في الطبعتين جميعاً. (¬2) كذا في "مساويء الأخلاق" والصواب (والمتفكهون) كما في "كنز العمال" (25736) .

فهذا هو الإسناد المعروف لهذا الكلام، الذي أتى به الثقات والله المستعان. وأما الأثر الذي رواه عن كثير بن عبيد ـ رضيع عائشة رضي الله عنها ـ قال: " كانت عائشة ... " الأثر في حمد الله عند الولادة إذا كان المولود سوياً، فلا أعرف له إلا هذا الإسناد. وبقيت روايات لعبد الله بن دكين عن شيخين آخرين، لم أقف عليها بعد، هما: (فراس بن يحيى الهمداني) صاحب الشعبي، و (القاسم مهران القيسي) خال هشيم ـ رحمهم الله جميعاً ـ. 3ـ قيس الماصر: هو (قيس بن أبي مسلم الكوفي الماصر) والد (عمر بن قيس الماصر) ... وهو أبو الصباح الكوفي، ثقة من رجال " الأدب المفرد " و " سنن أبي داود ". أما قيس فمختلف في ولائه، فقيل: (مولى ثقيف) ، وقيل: (مولى الأشعث ابن قيس الكندي) ، وقيل: (العجلي) كما في ترجمة الابن من "تهذيب الكمال" (21 /484) . وهو مترجم في عدة مصادر: * قال أبو عبيد الآجري في "سؤالاته لأبي داود" (2) : "سئل أبو داود عن عمر بن قيس الماصر، فقال: من الثقات، وأبوه أشهر منه وأوثق ". وقال أيضاً (3) : " سئل أبو داود عن قيس الماصر، فقال: ثقة،

قال الأوزاعي: أول من تكلم في الإرجاء رجل من أهل الكوفة يقال له: قيس الماصر ". * وهو مترجم في "أنساب السمعاني" أفادنيه محقق " الشعب " ـ جزاه الله خيراً ـ. قال: السمعاني في مادة (الماصري) من "الأنساب" (5 /173 ـ 174) : " هذه النسبة إلى ماصر وسأذكر السبب فيه. والمشهور بهذه النسبة: أبو بشر يونس بن حبيب بن عبد القاهر بن عبد العزيز بن عمر بن قيس بن أبي مسلم العجلي الماصري، كان له محل عظيم، كاتبه المعتز بالله كتاباً بالنظر في أمرمتظلم تظلم إليه، وهو ابن بنت حبيب بن الزبير الذي روى عنه شعبة، وكان ينزل المدينة. وكان أبو مسلم من سبي الديلم، سباه أهل الكوفة، وحسن إسلامه، فولد له قيس الماصر، ويقال إنه مولى لعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ، ثم ولاّه الماصر، وكان من أول من مصّر الفرات ودجلة، فسُمِّي قيس الماصر، والنسبة إليه: ماصري، وكان ممن خرج مع عبد الرحمن بن الأشعث أيام الحجاج مع القُرَّاء، فلما هزم ابن الأشعث هرب عبد العزيز بن عمر بن قيس مع أهله إلى أصبهان، وأقام عمر بن قيس الماصر بالكوفة، روى عنه الكوفيون وتزوج عبد العزيز بأم البنين بنت الزبير بن مشكان، وتزوجوا في الزبير، وتزوج فيهم الزبير بن مشكان، فهذه قصة قيس الماصر. وأما أبو بشر يونس بن حبيب، فهو من مشاهير المحدثين بأصبهان ... ". قلت: فشرع في التعريف بيونس بن حبيب صاحب أبي داود الطيالسي ... ـ رحمهم الله أجمعين ـ.

وقوله في أول الكلام: " وكان ينزل المدينة " يعني به، (مدينة أصبهان) (¬1) وتسمى الآن (اليهودية) . انظر "الأنساب" (5/237) مع الحاشية، وانظر أيضاً ترجمة (يونس بن حبيب) من "طبقات محدثي أصبهان" (3 /44 ـ 45) و"ذكر أخبار أصبهان" (2 /345 ـ 346) . تنبيه: أما (قيس بن أبي مسلم) الذي يقال له: (قيس بن رمانة) ، والمترجم في "التاريخ الكبير" (7 /154 ـ 155) و"الجرح" (7/96) و"الثقات" (7/328) و"تعجيل المنفعة" (رقم 894) فعندي أنه غير قيس الماصر لأسباب منها: 1 ـ أن المترجمين لقيس الماصر لم يذكر أحد منهم أنه يقال له (قيس بن رمانة) أو أن هذا اسم أمه. 2 ـ أن المترجمين لقيس بن رمانة لم يذكر أحد منهم أيضاً أنه هو الذي يقال له (قيس الماصر) . 3 ـ أن قيس بن أبي مسلم الماصر ثقفي أو كندي أو عجلي. وقيس بن ¬

(¬1) وليس المراد (مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم -) كما يتبادر إلى الأذهان. فهذا من قبيل (مشترك النسبة) . هذا، وتسمية كثير من الناس إياها ـ إلا من رحمه الله ورزقه الفهم والبصيرة ـ بـ (المدينة المُنَوَّرة) أمر ليس له مستند صحيح، ولا أصل يرجع إليه، والله المستعان.

رمانة أشعري قولاً واحداً كما في ترجمتيه من "جامع الرواة" للأردبيلي (2 / 24) (رقم 200، 203) وقوله في الموضع الثاني، " كأنه ابن أبي مسلم " لا وجه له، بل هو قطعاً. 4 ـ قيس الماصر رمي بالإرجاء كما في "سؤالات الآجري" (3) عن الأوزاعي. أما قيس بن رمانة، فقال أبو سعيد الأشج: " كان رافضياً " كما في ترجمته من "اللسان" (4/479 ـ 480) . 5 ـ قيس بن رمانة يروي عن ربعي بن حراش، من كبار التابعين، ثقة عابد مخضرم يروي عن علي، وابن مسعود، وحذيفة. وابن قيس الماصر ـ عمر ـ يروي عن بعض كبار التابعين أيضاً كـ (زيد بن وهب) و (شريح بن الحارث القاضي) ، وهذا يدل على أن (القيسَيْن) ليسا من طبقة واحدة. والحمد لله رب العالمين. تنبيه أخير: قد خفي حال (قيس الماصر) على أخينا الحبيب الشيخ مصطفى بن العدوي ـ حفظه الله تعالى ـ فقال عند تخريج الحديث في حاشية "المنتخب من مسند عبد ابن حميد" (1/570) : " وقيس هذا لم نعرفه ". ونلتمس له العذر في ذلك، فإن الرجل لا يجده الباحث في الكتب

المشهورة كـ "التهذيب" وفروعه، و"التاريخ الكبير" و"الجرح" و"الثقات". 4ـ داود البصري: لم يتعين لي على وجه القطع. نعم، ترجم الذهبي في "الميزان" (2 /22) لرجل بهذا الاسم، وقال: "عن أنس بن مالك. قال الأزدي: متروك الحديث ". وزاد الحافظ في "اللسان" (2 /427) : " وأورد له من رواية إسماعيل بن عياش عن ليث عنه عن أنس رضي الله عنه ـ رَفعه ـ من استعاذ من الشيطان عشر مرات وكل الله به ملكاً يرد عنه الشيطان ". قلت: والإسناد إليه أيضاً منكر لا يصح، لمكان إسماعيل بن عياش وضعف ليث بن أبي سليم، فإن كان هذا هو المستند الوحيد للأزدي ـ عفا الله عنه ـ في الحكم عليه بالترك، فما أصاب. على أن إسماعيل بن عياش قد خولف في هذا الإسناد بإسناد آخر يماثله في الضعف! قال أبو يعلى في "مسنده" (7 /146 ـ 147 رقم 4114) : " حدثنا أبو هشام الرفاعي، حدثنا المحاربي، عن ليث بن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعاً: " من استعاذ بالله في اليوم عشر مرات من الشيطان، وكَّل الله به ملكا ً يرد عنه الشياطين ".

وهذا أيضاً لا يصح إلى ليث لضعف الرفاعي، وعنعنة المحاربي، فإنه كان يدلس بل يظن به الأخذ عن بعض الكذابين كما في ترجمته من "الضعفاء الكبير" (2 /348) ، وخلاصة الأمر أن هناك ارتياباً في وجود رجل اسمه (داود البصري) يروي عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. أما قول محقق "شعب الإيمان" (12/434) ـ عند التعريف به في حاشية الكتاب ـ: " داود البصري أبو سليمان الوراق: مقبول، من السادسة، وقيل: إنه داود ابن أبي هند، ولم يصح ذلك ... ". فمن المعلوم بداهة أن رجال الطبقة السادسة عند الحافظ ـ رحمه الله ـ هم: (طبقة عاصروا الخامسة، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة كابن جريج) كما في "مقدمة التقريب" (ص82 بتحقيق أبي الأشبال الباكستاني) . فلما رجعنا إلى ترجمة (أبي سليمان الوراق) هذا من "تهذيب الكمال" (8/472) وجدناه يروي عن التابعين كـ (سماك بن حرب) وأتباعهم كـ (سعيد بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري) ـ أخي (بهز بن حكيم) ـ و (عباد ابن راشد) صاحب الحسن البصري. فلا مدخل للرجل بابن عباس ولا غيره من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ولا ينبغي لقيس الماصر أن ينزل إلى الرواية عنه، وإلا كان إسناداً في منتهى الغرابة، لكن لا غرابة ولا استشكال حين يأتي به (عبد الله بن دكين) وأمثاله!

4ـ طريق (علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه) ـ باختصار المتن ـ

والظاهر أن أخانا الحبيب الشيخ أبا عبد الله بن العدوي قد ظنه الوراق أيضاً، فقال: " ولم نقف لداود البصري على رواية عن ابن عباس ". كذا قال مع ظهور انقطاع بل إعضال هذا الإسناد على القول بأنه هو. وأرجو بذلك أن يكون قد استبان لكل ذي عينين سقوط هذا الإسناد، فلا تغتر بقول الحافظ العراقي ـ على جلالته ـ: " رواه الطبراني والبيهقي بأسانيد حسنة "، ولا بقول محقق " الشعب ": " إسناده لا بأس به " كما يأتي ـ بمشيئة الله ـ في نهاية البحث. ووالله لوددت أن أذكر كلام العلماء والباحثين في نهاية كل طريق لكنني ذهلت عن ذلك ذهولاً تاماً، وكذلك كنتُ سأناقش قضيةً من القضايا التي ينبغي أن يكون كل مشتغل بهذا العلم الشريف على ذكرٍ بها؛ عقب الطريق الأولى كما أومأت من قبل. لكنني سأرجيء كل هذا إلى نهاية هذا البحث الذي أسأل الله ـ جل وعلا ـ أن يتقبله مني، ويجعله في كفة حسناتي. آمين. كذلك سأضع بعض الألغاز التي عنّت لي، اختباراً وتنشيطاً وتدريباً لأحبابي الكرام. فالله المعين. 4ـ طريق (علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه) ـ باختصار المتن ـ: قال الطبراني ـ رحمه الله ـ في "المعجم الكبير" (10 /342 رقم 10666) ـ والسياق له ـ، وابن عدي ـ رحمه الله ـ في "الكامل" (3 /958) : " حدثنا القاسم بن زكريا، ثنا عبد الله بن هاشم الطوسي، ثنا عبد الله بن نمير، عن عتبة بن يقظان، عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن ابن

عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن المؤمن خُلق مُفَتَّناً تَوَّاباً نسَّاءً (وعند غير الطبراني: نسيِّاً) ، إذا ذُكرِّ ذَكَرَ ". ورواه أبو نعيم في "الحلية" (3 /211) من طريق أبي بكر أحمد بن محمد بن أبي شيبة، ثنا عبد الله بن هاشم به ". وقال: " هذا حديث غريب من حديث داود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده، لا أعلم أحداً رواه غير ابن نمير، عن عتبة، عنه ". تراجم رجال هذا الإسناد: 1ـ القاسم بن زكريا: هو (أبو بكر القاسم بن زكريا بن يحيى البغدادي المقريء المعروف بالمطرز) وهو ثقة حافظ مقريء مصنف. * قال الحسن بن محمد الخلال عن الدارقطني: " قاسم بن زكريا أبو بكر المطرز مصنف مقريء نبيل "، كما في ترجمته من "تاريخ بغداد" (12 /441) . * وقال الخطيب: " وكان ثقةً ثبتاً "، وروى بإسناده إلى ابن المنادي قال: "أبو بكر القاسم بن زكريا المعروف بالمطرز توفي يوم السبت، ودفن يوم الأحد لسبع عشرة خلون من صفر سنة خمس وثلاثمائة، ودفن في مقابر باب الكوفة، ولم يحدِّث الناس في سنة خمس هذه شيئاً البتة فيما بلغنا، وكان من أهل الحديث والصدق، والمكثرين في تصنيف المسند، والأبواب، والرجال ".

قلت: وأرخ وفاته في هذه السنة أيضاً الحافظ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ كما رواه الخطيب عن أبي نعيم ـ رحمه الله ـ عنه. * وقال الذهبي ـ رحمه الله ـ في ترجمته من "السير" (14 /149) : " الإمام العلامة المقريء، المحدث الثقة " حتى قال: " وصنف المسند والأبواب، وتصدَّرَ للإقراء. وكان ثقةً مأموناً. أثنى عليه الدارقطني وغيره ". وقال في "تذكرة الحفاظ" (2 /717) : " الحافظ الثقة المقريء أبو بكر القاسم بن زكريا بن يحيى البغدادي المقريء، ويعرف بالمطرز "، وأورد في ترجمته النصوص المتقدم ذكرها عن "تاريخ الخطيب" وقال في وفيات سنة 305 من "العبر" (1 /449) : "وقرأ على الدوري، وأقرأ الناس، وجمع وصنف، وكان ثقة ". وقال في "معرفة القراء الكبار" (1 /240 رقم 141) : " وكان ثقةً حجةً إماماً مصنفاً أثنى عليه الدارقطني وغيره ". قلت: هو من رجال "التهذيب" ـ تمييزاً له عن شيخه وسَمِيِّه: (القاسم بن زكريا بن دينار أبي محمد القرشي الكوفي الطحان) (¬1) ـ ثقة من شيوخ مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. ¬

(¬1) وسماه ابن أبي حاتم في "الجرح" (7 /110) عن أبيه: " القاسم بن دينار " ـ منسوباً إلى جده ـ وقال: " روى عنه أبي " وسكت عليه.

* ومما زاده الحافظ ـ رحمه الله ـ في ترجمته من "تهذيب التهذيب" (8/315) قوله: " قلت: وقال مسلمة بن قاسم: مات ببغداد وله خمس وثمانون سنة، وكان مشهوراً فاضلاً ". وقال في "التقريب" (5495) ـ إذ ذكره تمييزاً ـ " حافظ ثقة، أخذ عن الذي قبله، من الثانية عشرة، مات سنة خمس وثلاثمائة، وله خمس وثمانون سنة ". قلت: ولم يتفرد بالحديث عن (عبد الله بن هاشم الطوسي) ، فقد تابعه عند أبي نعيم في " الحلية ": (أحمد بن محمد بن أبي شيبة) وهو (أحمد بن محمد بن شبيب بن زياد أبو بكر البغدادي البزاز) ، ويعرف بأبي بكر (¬1) بن أبي شيبة البزاز جار ابن منيع، وَثَّقهُ الدارقطني كما في ترجمته من "تاريخ بغداد" (5 /32) . 2ـ عبد الله بن هاشم الطوسي: هو (أبو عبد الرحمن ـ ويقال: أبو محمد ـ عبد الله بن هاشم بن حيان العَبْدي الرَّاذكاني الطوسي نزيل نيسابور) ثقة، من شيوخ مسلم ولم يرو له سائر الستة شيئاً. ومن أشهر الرواة عنه: إبراهيم بن أبي طالب النيسابوري المُزكِّي، وأحمد بن سلمة النيسابوري صاحب مسلم، والحسين بن محمد ¬

(¬1) فمن وجد (أبا بكر بن أبي شيبة) في بعض الأسانيد، فلا ينبغي أن يسارع إلى تعيينه على أنه الكوفي الحافظ الشهير، بل يتأنى في تعيين الطبقة.

القباني، وصالح بن محمد الأسدي جزرة، وأبو بكر بن أبي داود، وأبو بكر بن خزيمة، والقاسم بن زكريا المطرز، ويحيى بن محمد بن صاعد، وابن الجارود صاحب "المنتقى"، وأبو حامد بن الشرقي النيسابوري، وأخوه عبد الله. * قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (5 /196) : " عبد الله بن هاشم الطوسي، وهو ابن هاشم بن حيان العبدي نزيل (¬1) بغداد روى عن يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، روى عنه أحمد بن سلمة النيسابوري ". ومن الواضح البيِّن أنه لم يخبر حاله، فوهم في وصفه بـ (نزيل بغداد) ، ولم يستوف الرواة عنه وفيهم من هو أشهر من (أحمد بن سلمة) ، كما لم يحضره حاله في الرواية واشتهاره بالحفظ والإتقان عندهم. * وقال صالح بن محمد الأسدي: "حدثنا عبد الله بن هاشم الطوسي ـ ثقة ـ ". * وقال إبراهيم ابن أبي طالب: " عبد الله بن هاشم مُجَوِّدٌ (¬2) في حديث يحيى وعبد الرحمن ". ¬

(¬1) تعقبة محقق "الجرح" بقوله: " لم ينزل بغداد، وإنما وردها حاجاً وحدَّث بها، فروى عنه بعض أهلها كما في تاريخ بغداد ... " إلخ. (¬2) كذا في "تاريخ بغداد" و"تاريخ الإسلام" و"تهذيب التهذيب"، وفي "السير": " يجود "، وفي "تهذيب الكمال" وحده: " محمود "، وما أثبتُّه هو الصواب ـ إن شاء الله ـ.

* وقال أحمد بن سيار المروزي ـ صاحب "تاريخ مرو" ـ: " عبد الله بن هاشم الراذكاني ـ قرية من أعلى طوس ـ ثم تحول هاشم إلى طوس، وكان يقال له: هاشم الراذكاني، وكان عبد الله رجلاً كاتباً، كتب عن وكيع وابن مهدي ويحيى بن سعيد، معروفاً بطلب الحديث، رحلوا إليه من البلدان، وكتبوا عنه أحاديث كثيرة، وكان أظهر كلام الرأي، ثم إنه ترك ذلك، وأظهر أمر الحديث ". وهذه النصوص في ترجمته من "تاريخ بغداد" (10 /194) (¬1) . * وقال ابن حبان في "الثقات" (8 /361 ـ 362) : " عبد الله بن هاشم الطوسي، أبو محمد، حَدَّثَ بنيسابور، يروي عن يحيى القطان، ووكيع وإبراهيم بن عيينة، حدثنا عنه عبد الله بن محمد بن شيرويه وأهل نيسابور، مستقيم الحديث من المتقنين، مات في أول سنة تسع وخمسين ومائتين، وقد قيل: كنيته أبو عبد الرحمن ". قلت: بل الذي ترجح لي بعد بحث وقرائن عديدة أن كنيته (أبو عبد الرحمن) ، فقد كناه بذلك بعض الرواة عنه كيحيى بن صاعد والإمام مسلم وغيرهما، والذين كنوه بأبي محمد اجتمع في بعضهم البعد عن إدراكه وكثرة ¬

(¬1) وهو أحسنها سياقاً لترجمته، والناس بعد ذلك عيال عليه، ومع ذلك لم يذكر محقق الجزء الثاني عشر من "السير" " تاريخ بغداد " في جملة مصادر ترجمته، وكذا "ثقات ابن حبان" و"الإرشاد" وهذا قصور ظاهر.

الأوهام منهم نسبياً كابن حبان والخليلي ـ غفر الله لي ولهم أجمعين ـ آمين. نعم، جزم السمعاني ـ رحمه الله ـ في ترجمته من "الأنساب" (3 /22) بأن كنيته أبو محمد أيضاً، ولست أشك طرفة عين أنه اعتمد اعتماداً كلياً على ترجمته من "ثقات ابن حبان" لكن مع تصرف يسير، وزاد: " وظني أن مسلم بن الحجاج أخرج عنه "، فدار الأمر على ابن حبان أيضاً. ولو كان مستنده ترجمة الحاكم للرجل من "تاريخ نيسابور" أو تكنية أحد الآخذين عنه بأبي محمد، لنوقش الخلاف بأسلوب آخر، والله أعلم بحقيقة الأمر. * وقال أبو يعلى الخليلي في ترجمته من "الإرشاد" (2 /815 ـ 816 رقم 715) : " أبو محمد عبد الله بن هاشم بن حيان الطوسي: [ثقة كبير] (¬1) سمع يحيى ابن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبا عاصم، ووكيعاً، وأقرانهم. روى عنه مسلم، والسراج، والحسين (¬2) بن علي الطوسي، وابن أبي داود، وأبو حامد بن الشرقي يروي عنه بالإجازة. وأخوه عبد الله سمع منه. مات سنة أربع وخمسين ومائتين ". ¬

(¬1) استدركها محقق "الإرشاد" من "تهذيب التهذيب" (6 /60) وأثبتها محقق "الإرشاد" (ط. دار الفكر) (ص 301) من نسخة خطية حصل عليها بأخرة تبين له بها الكثير من مواضع السقط والتصحيف عند المقارنة بالمطبوع منه عليها في المقدمة. (¬2) الصواب (الحسن بن علي الطوسي) كما في (ط. دار الفكر) ونبه المحقق على التصحيف في المقدمة.

ثم أورد له حديثاً من طرقٍ عنه عن إبراهيم بن عيينة، رواه أبو حامد بن الشرقي بنزول عنه، ثم رواه كتابة عنه، فقال: " وكَتَبَ إليَّ عبد الله بن هاشم حدثنا إبراهيم بن عيينة ... "، قال الخليلي: " بإسناده مثله ". * وقال الذهبي في ترجمته من"السير" (12 /328) : " الإمام الحافظ المتقن، أبو عبد الرحمن، الطوسي المولد، النيسابوري الوطن ". وقال في ترجمته من "تاريخ الإسلام" (وفيات 251: 260) (ص189) : " عبد الله بن هاشم بن حيان ـ م ـ أبو عبد الرحمن الطوسي رحل وعني بالحديث ". * وقال الحافظ في "التقريب" (3699) : " ثقة صاحب حديث، من صغار العاشرة، مات سنة بضع وخمسين ". ملحوظة: توقفت قليلاً عند قول الحافظ الكبير إبراهيم بن أبي طالب ـ واسمه (إبراهيم بن محمد بن نوح) ـ وهو (إمام عصره بنيسابور في معرفة الحديث والرجال، جمع الشيوخ والعلل) كما قال الحاكم ـ رحمه الله ـ. توقفت أتأمل قوله في (عبد الله بن هاشم الطوسي) : " عبد الله بن هاشم مُجَوّد في حديث يحيى وعبد الرحمن "، هل هي على ظاهرها بمعنى أنه يتصف بمزيد تثبت وإتقان فيما يرويه عن يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، أم لها معنى آخر من باب قولهم: " جَوَّده فلان " إذا كان الحديث معروفاً بالإرسال مثلاً عن شيخ مخصوص،

فأتى أحد الرواة عن هذا الشيخ فوصل الحديث، أو كان الحديث مروياً بعنعنة تابعي عن صحابي فأتى هذا الراوي فرواه بنفس الإسناد مصرحاً بسماع هذا التابعي من الصحابي، ونحو هذه الصور التي تظهر إسناد الحديث في هيئة جَيِّدة؟ ثم قوي هذا الظن في نفسي لما وجدت الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ يحرص في آخر ترجمته من "السير" (12 /329) على رواية حديث من طريق يحيى بن محمد (وهو ابن صاعد) ، حدثنا أبو عبد الرحمن ـ وهو عبد الله بن هاشم بن حيان ـ، حدثنا يحيى ابن سعيد القطان، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً" (¬1) . وأفاد محقق "السير" أنه في "الصحيحين" من طرق عن شعبة عن موسى بن أنس عن أنس. فيكون أتى بالحديث عن شعبة عن قتادة، لأن قتادة أثبت وأحفظ وأكثر حديثاً من ابن أنس نفسه؟؟ وظللت متحيراً من هذا الأمر حتى وجدت الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في "النكت الظراف" (1/412 حاشية التحفة) يقول بعد الاعتراض على المزي في أمور: " وقد خالف الجميع يحيى بن سعيد القطان فزاد بين شعبة وموسى بن أنس: " قتادة "، أخرجه ابن حبان من طريقه ". ¬

(¬1) ورواه أيضاً ابن المقريء في "معجم شيوخه" (ح 13) من وجه آخر عنه.

يعني أن يحيى القطان خالف سليمان بن حرب، وروح بن عبادة، والنضر ابن شميل وغيرهم في روايته عن شعبة عن موسى بن أنس رأساً، فأدخل قتادة بين شعبة وموسى بن أنس. فأفزعني ذلك، قبل أن أعيد مراجعة إسناد ابن حبان، فوجدت الحديث في "الإحسان" (5792) من طريق أبي بكر بن خلاد قال: حدثنا يحيى القطان عن شعبة عن قتادة وموسى بن أنس عن أنس به، كذا بـ (واو العطف) وليس (عن) . فاحتجت إلى مرجِّحٍ، فوجدت الحديث في "إتحاف المهرة" للحافظ نفسه (1555) هكذا أيضاً: " عن قتادة وموسى بن أنس عن أنس به ". فظهر بذلك أن للحديث أصلاً عن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن قتادة. وأبو بكر بن خلاد هو (محمد بن خلاَّد بن كثير الباهلي البصري) وهو ثقة، قال الإمام أحمد: " ... وكان ملازماً ليحيى بن سعيد "، فبرءت بذلك ساحة صاحبنا (عبد الله بن هاشم الطُّوسي) من الغلط على يحيى بن سعيد القطان ـ رحمهما الله ـ. وللحديث أصل عن قتادة عن أنس، فقد رواه جماعة عن همام بن يحيى عنه به عند أحمد (3 /193، 251، 268) وابن ماجه (4191) وغيرهما، وصرح قتادة بالتحديث في جميع طرقه عند أحمد.

أما تاريخ وفاته فاختُلف فيه على ثلاثة أقوال: (الأول) أنه تُوُفي في ذي الحجة سنة (255) . قاله الحسين بن محمد بن زياد القباني ـ أحد أركان الحديث بخراسان، ثقة حافظ مُصَنِّف روى عنه البخاري حديثاً وهو أصغر منه ـ وعزاه الذهبي في "تاريخ الإسلام" إلى الحاكم، وبه جزم ابن عساكر في "المعجم المشتمل" (ترجمة511) . وعليه اقتصر الذهبي في "السير"، وصححه في "تاريخ الإسلام" وجزم به في "الكاشف". (الثاني) أنه تُوُفي سنة (258) . حكاه الخطيب عن هبة الله بن الحسن الطبري ـ وهو اللاكائي رحمه الله ـ وحكاه ابن عساكر بصيغة التمريض. (الثالث) أنه توفي في أول سنة (259) . قاله أحمد بن سيار المروزي وابن حبان ـ وأراه تَبِعَهُ ـ وابن منجويه في "رجال صحيح مسلم" (ترجمة 879) بدون " أول "، وهو يتبع ابن حبان كثيراً أيضاً، لكنه خالفه في الكنية، فجزم بأن كنيته (أبو عبد الرحمن) ولم يحك غيرها، وكذلك صنع الخطيب وابن عساكر والذهبي في غير موضع، لكنه زاد في "الكاشف" (3065) : " ويقال: أبو محمد "

والحمد لله رب العالمين. ثم وجدت في "الصحيحة" (3 /75 ـ 76 رقم 1087) عند سرد الطرق الموصولة لحديث: " النوم أخو الموت، ولا ينام أهل الجنة " أن أبا عثمان النجيرمي رواه في "الفوائد" (2 /2 /2) من طريق عبد الله بن هاشم عن معاذ ابن معاذ العنبري عن سفيان الثوري عن ابن المنكدر عن جابر به. فقال عبد الله ابن حامد ـ شيخ النجيرمي ـ لشيخه عبد الله بن محمد بن الحسن بن الشرقي، كيف وقع هذا الحديث؟ ، فقال: إن عبد الله بن هاشم كُفَّ بصره، فلُقِّن هذا الحديث، فتلقَّن ". ثم تولى ـ رحمه الله ـ الدفاع عنه، وبيان براءته من هذه الأوصاف ومن هذا الاتهام بما لا مزيد عليه، وإن كان في تصحيح وصل الحديث نظر ظاهر من حيث الرواة الذين وصلوه، والمصادر التي خرجته موصولاً، والتي منها "مسند البزار" ـ وأشار إلى إعلاله ـ و"المعجم الأوسط" و"فوائد تمام" و"فوائد النجيرمي" وغيرها. وكتب الفوائد تعتني بالغرائب وأخطاء الرواة، فلا يظن وقوع الصحيح فيها دون الكتب المشهورة، وقد أتعرض لهذا الحديث بتفصيل أكبر في المحل المناسب، والله المستعان. 3ـ عبد الله بن نُمَيْر: هو (أبو هشام عبد الله بن نمير بن عبد الله بن أبي حَيَّة الهمداني ثم الخارفي الكوفي) . وهو والد الحافظ الكبير (محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني) الذي

كان يرجع إليه أحمد وابن معين ـ رحمهم الله جميعاً ـ في الكوفيين، وهو ـ الوالد ـ متفق على توثيقه، ومن رجال الجماعة. * قال ابن محرز في "معرفة الرجال" (1 /89 رقم 327) : " سمعت يحيى ابن معين يقول: ابن نمير ليس به بأس ". (وقال) عثمان بن سعيد الدارمي في " تاريخه " (50) ـ تحت عنوان: (أصحاب الأعمش) ـ: " قلت ـ يعني لابن معين ـ: فجرير أحب إليك أو ابن نمير؟ فقال كلاهما ". (قال) (51) : " قلت: وابن إدريس أحب إليك أو ابن نمير؟ فقال كلاهما ثقتان (¬1) إلا أن ابن إدريس أرفع، وهو ثقة في كل شيء ". * وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (6 /275) : " تُوُفي بالكوفة في شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين ومائة، وصلى عليه محمد بن بشر العبدي، وكان له صديقاً. وكانت وفاته في خلافة عبد الله المأمون، وكان ثقة كثير الحديث صدوقاً ". * وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني نا أبو نعيم، قال: " سئل سفيان عن أبي خالد الأحمر، فقال: نعم الرجل عبد الله بن نمير "، كما في "الجرح" (5/186) . * وقال عبد الله بن أحمد في "العلل ومعرفة الرجال" (1 / 226 رقم ¬

(¬1) قال محقق "التاريخ": " في الأصل: ثقتين والتصويب من شرح العلل "، قلت: وفي "الجرح"، " كلاهما ثقة " وفي [م]ـ كما قال المحقق ـ: " كلاهما ثقتان ".

1253) : " سمعت أبي ذكره عن معافى أو غيره أنه كان يختار ابن نمير على عيسى بن يونس ". * وقال ابن أبي حاتم في "الجرح" (5 /186) ـ: " وسألته ـ يعني أباه ـ عنه، فقال: هو مستقيم الأمر ". * وقال العجلي: " ثقة، صالح الحديث صاحب سُنَّة " كما في "ترتيب معرفة الثقات" (986) مستدركاً من "تهذيب التهذيب" (6 /58) . * وقال ابن حبان في "الثقات" (7 /60 ـ 61) : " عبد الله بن نمير الهمداني الخارفي ـ مولاهم ـ من أهل الكوفة، كنيته أبو هشام، يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري وابن أبي خالد، روى عنه ابنه محمد بن عبد الله بن نمير وأهل العراق، مات سنة تسع وتسعين ومائة في شهر ربيع الأول، وصلى عليه محمد ابن بشر العبدي وكان له صديقاً ". (وقال) في "مشاهير علماء الأمصار" (1377) : " من المتقنين ". * وفي (مسند سعد بن أبي وقاص) من "علل الدارقطني" (س610) قال البرقاني: " وسئل عن حديث عامر بن سعد عن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تَصَبَّح بسبع تمرات عجوة على الريق، لم يضره ذلك اليوم سُمٌ ". فقال: " يرويه هاشم بن هاشم واختلف عنه، فرواه أبو أسامة عن هاشم ابن هاشم عن عامر بن سعد عن سعد، وخالفه ابن نمير فرواه عن هاشم عن عائشة بنت سعد عن أبيها وكلاهما ثقة، ولعل هاشماً سمعه منهما، والله أعلم ".

قلت: بل الخلاف أكبر من هذا، فقد رواه جمهور أصحاب هاشم بن هاشم عنه كما قال أبو أسامة، منهم مكي بن إبراهيم، وأبو بدر شجاع بن الوليد، ومروان بن معاوية الفزاري، وأبو ضمرة أنس بن عياض، وأحمد بن بشير، وإبراهيم بن حميد الرؤاسي. انظر حاشية "علل الدارقطني" و"تحفة الأشراف" (رقم3895) بما لا يدع مجالاً للشك في وهم (عبد الله بن نمير) ـ رحمه الله ـ. وإني لأعجب كيف خفي هذا على الحافظ الكبير الإمام أبي الحسن الدارقطني ـ في هذا الحديث خاصة ـ مع أن عهدنا به دَوْمَاً أنه يأتي بطرق واختلافات لا تخطر على قلب مشتغل بالحديث (لِلَّهِ) والله يعفو عنا وعنه. وقد كان كل مقصدي من إيراد هذا النص هو الاستدلال على أن (عبد الله ابن نمير) ثقة عند الدارقطني، وما كنت أظن أنني سأعقب هذا التعقيب. * وقال الذهبي في ترجمته من "السير" (9 /244) : " الحافظ الثقة الإمام أبو هشام الهمداني الخارفي مولاهم الكوفي ولد في سنة خمس عشرة ومائة ... " (حتى قال) : " وكان من أوعية العلم، وثقه يحيى بن معين وغيره، وممن يروى عنه ابنه الحافظ: محمد بن عبد الله بن نمير ... ". (وقال) في "تذكرة الحفاظ" (1 /327) : " الحافظ الإمام أبو هشام الهمداني ثم الخارفي الكوفي والد الحافظ الكبير محمد ".

(حتى قال) : " وثقه يحيى بن معين وغيره، وكان من كبار أصحاب الحديث ". (وقال) في "تاريخ الإسلام" (وفيات 191: 200) (ص 263) : "الكوفي الحافظ " حتى قال: " وثقه يحيى بن معين وغيره ". (وقال) في "الكاشف" (2 /137) : " عن هشام بن عروة والأعمش، وعنه ابنه، وأحمد، وابن معين. حجة، تُوُفي سنة 199 ". * وقال الحافظ في "التقريب" (3692) : " ثقة صاحب حديث، من أهل السنة، من كبار التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومائة، وله أربع وثمانون ". * وذكر له الطبراني في " الأوسط " ثلاثة أحاديث تفرد بها (1550، 3479، 6583) . (الأول) عن محمد بن أبي إسماعيل، (والثاني) عن عبد الملك بن أبي سليمان، (والثالث) عن الأعمش. ويمكن لإخواني الكرام طلبة العلم ـ حفظهم الله ووفقهم ـ أن يتدربوا عليها، هل هي من أفراده أم لا؟ والله المعين. فإن وجد أحدهم متابعاً له في أحدها فلا يسارع بالاستدراك على الإمام الطبراني حتى يتحقق من أمرين: الأول: صِحَّة الإسناد إلى المتابع. الثاني: الاتفاق على المتن، ويتجاوز عن الاختلاف غير المؤثر، والحمد لله رب العالمين.

4ـ عتبة بن يقظان: هو (أبو زَحَّارة ـ ويقال: أبو عمرو ـ عتبة بن يقظان الراسبي) . وهو واهٍ متروك، أغرب ابن حبان فذكره في " الثقات " وسكت عليه. * قال البخاري ـ رحمه الله ـ في "التاريخ الكبير" (6 /526) : " عتبة بن يقظان، سمع الحسن ويحيى بن يعمر، روى عنه أبو هلال محمد البصري " وسكت عليه. (وقال) ـ قبل هذا ـ: " عتبة الراسبي عن عمرو بن دينار، روى عنه أبوهلال محمد بن سليم، منقطع " (¬1) ، وهو هو. * وقال ابن أبي حاتم في "الجرح" (5 /374) : " عتبة بن يقظان، روى عن عكرمة، روى عنه فرات بن خالد، سمعت علي بن الحسين بن الجنيد يقول: لا يساوي شيئاً ". (وقال) أيضاً (6 /375) : " عتبة روى عن أبي رؤبة (¬2) عن أنس بن مالك، روى عنه الفرات بن خالد الرازي " ثم قال: " عتبة الراسبي بصري روى عن عمرو بن دينار، روى عنه أبو هلال الراسبي، سمعت أبي يقول ذلك". وعندي أن الثلاثة واحد فيما يظهر، والله أعلم. ¬

(¬1) يعني أنه روى عن عمرو بن دينار موقوفاً عليه مقطوعاً، والله أعلم. (¬2) كانت بدون همز، لكن الصواب بالهمز كما في ترجمته من "كنى الجرح" (9 /372) .

* وقال النسائي في "الكنى": " وأبو زحارة عتبة بن يقظان غير ثقة ". * وقال ابن حبان في "الثقات" (7 /271) : " عتبة الراسبي، يروي عن عمرو بن دينار، روى عنه أبو هلال الراسبي "، ثم قال: " عتبة بن يقظان، يروي عن الحسن ويحيى بن يعمر، روى عنه البصريون " (¬1) . * وروى الدارقطني في "سننه" (4 /281) حديثاً من طريق المسيب بن واضح نا المسيب بن شريك، عن عتبة بن يقظان، عن الشعبي، عن مسروق، عن علي ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً: " نَسخت الزكاة كل صدقة في القرآن ... " الحديث، وقال ـ عقبه ـ: " عتبة بن يقظان متروك أيضاً " (تحرف اسمه إلى: عقبة بن يقظان) . * ولم يوفِّه الذهبيُّ ـ رحمه الله ـ حقَّه من التضعيف، فقال في "الميزان" (3/30) : " قوَّاه بعضهم، قال النسائي: غير ثقة، وقال علي بن الحسين بن الجنيد: لا يساوي شيئاً "، ثم ساق له حديثاً رواه ابن ماجه في " تفسيره " من طريق عامر بن مدرك عنه عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن ابن مسعود، وقال ـ عقبه ـ: " عامر صدوق، والخبر منكر ". (وقال) في "الكاشف" (3 /246) : " وثَّقه بعضهم، وقال النسائي: غير ثقة ". ¬

(¬1) أردت بقولي فيما مَرَّ: " وسكت عليه " أنه لم يقل: " يخطيء " أو: " يخطيء ويخالف " كما يقولها كثيراً فيمن يكون واهياً عند غيره.

(وكذلك قال) في "المغني" (2 /423) . وعادة الذهبي ـ في مثل هذا المقام ـ أن يقول: " وُثِّق " إشارة إلى لين التوثيق الوارد فيه، لأن مصدره ابن حبان ـ رحمه الله ـ وحده فيما نعلم. * كذلك هَوَّن الحافظ ـ رحمه الله ـ في "التقريب" (4476) مِن ضعْفه حيث قال: " عتبة بن يقظان الرّاسبي، أبو عمرو، ويقال: أبو زحّارة، بفتح الزاي وتشديد المهملة، البصري، ضعيف من السادسة ". وقد ناقشتُ رجحان تكنيته بأبي زحّارة، وأن عتبة أبا عمرو آخر سواه فيما تقدم بما يغني عن الإعادة، وإن كان هذا أليق بهذا الموضع، فالله المستعان. 5ـ داود بن علي بن عبد الله بن عباس: هو (أبو سليمان داود بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي المدني نزيل (¬1) الشام) . * قال عثمان بن سعيد الدارمي في " تاريخه " (317) : " وسألته (يعني: ابن معين) عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس، فقال: شيخ هاشمي. قلت: كيف حديثه؟ فقال: أرجو أنه ليس يكذب، إنما يحدث بحديث واحد ". وعنه ابن أبي حاتم في "الجرح" (3 /418) وابن عدي في أول ترجمته من "الكامل" (3 /955) . ¬

(¬1) قال الحافظ المزي في "التهذيب" (8 /421) : " كان يكون بالحُميمة من أرض الشراة من أرض البلقاء، وولي إمرة الكوفة في زمن السفاح، وولي المدينة أيضاً ".

ثم روى بإسناده ـ من طرق ـ عن هشيم عن ابن أبي ليلى عنه عن أبيه عن جده ... ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، وصوموا قبله يوماً وبعده يوماً ". قال: " ثناه ... " فروى بإسناده إلى ابن حي عنه عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لئن بقيت إلى قابل لأصومن يوماً قبله ويوماً بعده " يعني: يوم عاشوراء. وقال: " قال العباس (¬1) : وغير سفيان يقول: ابن حي عن ابن أبي ليلى يعني: عن داود "، ثم روى من طريق الحارث بن النعمان بن سالم عن سفيان عن داود به: " صوموا عاشوراء " وإسناده إلى سفيان الثوري منكر. * قال ابن عدي: " وهذا الحديث الذي ذكره ابن معين أن داود إنما يُحدِّث بحديث واحد ـ أظنه أنه يعني هذا الحديث ـ حديث عاشوراء (¬2) عن أبيه عن جده، قد روى غير هذا الحديث الواحد بضعة عشر حديثاً سأذكرها إن شاء الله". (ثم روى) من طريق محمد بن أبي رزين الخزاعي سمعت داود بن ¬

(¬1) هو ابن يزيد البحراني شيخ شيخه وراويه عن ابن عينية، وهو متكلم فيه، وكلامه غير مقبول، فإنه ثابت عن ابن عينية عن ابن أبي ليلى عن داود به. (¬2) الحديث خلاصته أن مداره ـ مرفوعاً ـ على ابن أبي ليلى عن داود بن عليّ عن أبيه عن ابن عباس. ورفعه وهم، وقد صح عن ابن عباس موقوفاً من رواية عطاء وعبيد الله ابن أبي يزيد عنه، وهممت أن أورده في "تبيض الصحيفة" ولم يقدَّر لي بعد والحمد لله، فقد وقفتُ على جديد يتعلق به، والله المستعان.

علي حين بويع لبني العباس وهو مسند ظهره إلى الكعبة ... فذكر حكايةً. (ثم من طرق) عن علي بن الجعد أنا ابن ثوبان عن داود به قال: " أكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحماً وصلى ولم يتوضَّأ ". (ثم رواه) من طريق غسان بن الربيع ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن مَن سمع علي بن عبد الله يقول: سمعتُ ابن عباس ... بنحوه. (ومن طريق) الوليد (هو ابن مسلم) ثنا الأوزاعي حدثني داود بن علي عن أبيه عن جده ابن عباس: " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل ذراعاً أو كتفاً مشويةً يسيل على لحيته أمشاج من دمٍ وماءٍ، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ ". وهذا أول حديث ـ من كل ما سبق ـ رجال إسناده ثقات إلى داود بن علي ـ رحمهما الله ـ ولكن تبين لي أنه معلول!! فقد رواه ابن ماجه (490) : " حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي ثنا الزهري قال: حضرتُ عشاء الوليد أو عبد الملك فلما حضرتْ الصلاة قمتُ لأتوضأ فقال جعفر بن عمرو بن أمية: أشهد على أبي أنه شهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أكل طعاماً مما غيرت النار ثم صلى ولم يتوضأ. وقال علي بن عبد الله بن عباس: وأنا أشهد على أبي بمثل ذلك".

وهذا إسناد صحيح، وعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي هو دُحيم الثقة الحافظ المتقن، ومن أئمة الجرح والتعديل، خالف موسى بن عامر ـ راويه عن الوليد ـ عند ابن عدي، فجعله عن الأوزاعي عن الزهري عن جعفر بن عمرو ابن أمية عن أبيه، وعن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه، وليس عن الأوزاعي عن داود بن علي عن أبيه عن جده (¬1) . ثم لم يأت بهذه اللفظة المنكرة جداً: " يسيل على لحيته أمشاج من دم وماء "، ولم يتفرد بالحديث الأوزاعيُّ عن الزهري، فروى أصله عنه عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه: عقيلُ، وصالحُ بن كيسان، وإبراهيمُ بن سعد، وشعيبُ بن أبي حمزة، ومعمرُ، ويونس، وعمرو بن الحارث، كما في "تحفة الأشراف" (10700) . ورواه ـ بالزيادة ـ عن الزهري: عمرو بن الحارث، ورواها ـ فقط ـ عنه هشام بن عروة، كما رواه هشام عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده كما في "التحفة" أيضاً (6289) . وحديث عمرو بن الحارث وهشام ـ بطريقيه ـ في "صحيح مسلم" (برقم 354، 355) (1 /273، 274) . ¬

(¬1) وجزى الله خيراً صاحب "بذل المساعي في جمع ما رواه الإمام الأوزاعي" الأستاذ: خضر محمود شيخو، فإنه هو الذي هيأ لي الطريق لمعرفة علة هذا الحديث، فأورد الطريقين في "مسند ابن عباس" (196، 218) .

بل رواه بعض الضعفاء عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه ـ بدون هذه الزيادة المنكرة عند ابن عدي ـ ورواية هؤلاء في "المعجم الكبير" (10 /340 ـ 341) . بل تقدم أن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ـ أحد الضعفاء أيضاً ـ رواه عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه به عند ابن عدي، وهي كذلك عند الطبراني في "الكبير". وهذا أصح من الرواية التي أبهمت شيخ ابن ثوبان لضعف في (غسان بن الربيع الموصلي) ، وكان شيخاً صالحاً ـ رحمه الله ـ. أما (موسى بن عامر) الذي خالف دحيماً في إسناد الحديث، وزاد الزيادة المنكرة، فهو (ابن عمارة بن خريم أبو عامر المُري الخزيمي الدمشقي) روى عنه أبو داود (¬1) ، والنسائي في "الكنى" له ترجمة جيدة في "الكامل" (6 /2349) ، قال ابن حبان في " الثقات " (9 /162) : " يُغرب ". وقال الذهبي في "الميزان" (4 /209) : " صدوق صحيح الكتب، تكلم فيه بعضهم بغير حجة، ولا ينكرله تفرده عن الوليد، فإنه أكثر عنه ". قلت: ولكن ينكر له مخالفة مثل دحيم ـ رحمه الله ـ الذي لم يلقَ (عبد الله ¬

(¬1) وأما ما وقع في صدر ترجمته من "الكامل" عن عبدان الأهوازي أن أبا داود كان لا يحدث عنه فمحمول على ترك الإكثار، وإلا فإن الأئمة قد نصّوا على روايته عنه بل نفس النصّ عن عبدان يدل على ذلك، والله تعالى أعلم.

بن محمد بن سيار الفرهيناني الحافظ) ـ على تشدده ـ شامياً أعلى منه، والذي قال فيه أبو داود: " حجة، لم يكن بدمشق في زمنه مثله ". ثم أنتقل ـ بحول الله العليم القدير ـ إلى سائر الأحاديث التي ساقها ابن عدي لداود بن علي ـ رحمهما الله ـ فأقول: (ثم روى) عن قيس بن الربيع عن ابن أبي ليلى ـ وهما ضعيفان ـ عنه بالإسناد قال: " بعثني العباس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُمسياً وهو في بيت خالتي ميمونة، قال: فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل، فلما صلى الركعتين قبل الفجر قال: " اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري، وتلم بها شعثي " قال: "حديثاً طويلاً في الدعاء ". (ثم من طريق) الحسين بن عمارة عن داود به: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يختم وتره بهذا الدعاء وهو جالس حين يفرغ من الوتر: " اللهم إني أسألك ... " فذكر مثل ما قبله، وعلق نفس التعليق. (ثم روى) من وجه آخر عن ابن أبي ليلى به، فذكر قطعة أخرى من نفس الدعاء المتقدم. (ثم روى) من طريق ابن أبي ليلى به، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "علق السوط حيث يراه أهل البيت ". (ثم من طريق) قيس بن الربيع عن داود به " اجعلوا السوط حيث

يراه أهل البيت " وقال: " هكذا قال لنا الشطوي " يعني: شيخه في هذا الإسناد قيس، عن داود، وإنما هو قيس عن ابن أبي ليلى، عن داود. (ثم رواه) من وجه آخر عن قيس، عن ابن أبي ليلى به نحوه والحديث رواه النضر بن علقمة عن داود بنحوه عند البخاري في "الأدب" (1229) ، والنضر مجهول. (ثم روى) من طريق سليمان بن قرم عن محمد بن سعيد (تحرف في طبعتي الكامل إلى: محمد بن شعيب) عن داود به: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُتي بطير، فقال: (اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير) فجاء عليُّ فأكل معه". وقال: " وهذا يرويه عن داود محمد بن سعيد (¬1) ، ومحمد بن سعيد لا أعرفه، ويرويه عن محمد بن سعيد: سليمان بن قرم، وعن سليمان بن قرم: حسين بن محمد المرّوذي " (¬2) . قلت: وسليمان بن قرم أيضاً ضعيف الحديث، لكنه لا يحتمل رواية هذا الإفك، ولا شك أن البلاء من شيخه وحده. (ومن طريق) حسين ـ يعني ابن أبي بردة ـ عن قيس، عن ابن ¬

(¬1) تحرف اسمه في جميع المواضع إلى: " محمد بن شعيب " وأتى اسمه على الصواب في ترجمة (داود بن علي) من "تهذيب الكمال" (8 /422) . (¬2) تحرفت النسبة إلى: " المروزي " بزاي.

أبي ليلى، عنه، عن أبيه: أن ابن عباس نزل عن قوله: حيث سمع أبا سعيد الخدري يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه "نهى عن الصرف" وقيس وابن أبي ليلى ضعيفان. والراوي عن قيس أورده العقيلي في "الضعفاء" (1 /253) ومن طريق عفيف بن سالم عن شريك عنه عن ابن عباس (كذا، والظاهر أنه سقط منه: عن أبيه) مرفوعاً: " يمن الخيل في شقرها ". وهذا منكرٌ بهذا الإسناد، لا تصح نسبته إلى داود، إنما رواه يزيد بن هارون وحسين بن محمد المروذي (¬1) عن شيبان بن عبد الرحمن عن أخيه عيسى بن علي ابن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده. والعجيب أن أبا حاتم الرازي ـ رحمه الله ـ صحح رواية زيد بن الحباب عن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده، ورواية حسين بن محمد المروذي عن شيبان عن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده. وهاتان الروايتان لم أقف عليهما البتة. أما حديث حسين بن محمد، فقد رواه الأئمة والحافظ: أحمد، وابن معين، ومحمد بن إسحاق الصغاني، وجعفر بن محمد بن شاكر الصائغ عنه عن شيبان عن عيسى به. ¬

(¬1) ومعهما إسماعيل بن عمرو البجلي ـ على ضعفه ـ عند الطبراني (10 /347) ورواه أحد الضعفاء عن عيسى به، فزاد في المتن ألفاظاً عند الطبراني أيضاً والإسناد إلى هذا الضعيف ضعيف أيضاً لِلَّهِ

وإنما أطلتُ في بيان نكارة نسبة هذا الحديث ـ خاصةً ـ إلى داود بن علي ـ رحمهما الله ـ لأن شريكاً القاضي ـ رحمه الله ـ يُعدُّ من أمثل من روى عن داود فيما ساقه له ابن عدي. على أن في الطريق إليه (حرب بن محمد الطائي) والد (علي بن حرب) سكت عليه ابن أبي حاتم، وأورده ابن حبان في " الثقات "، وروى من طريق ابن أبي ليلى عن داود به أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ، فقال: إن لي والدَين، وإنهما يمنعاني من الجهاد، فقال: " بِرَّهُما، فإنك في جهاد "، وابن أبي ليلى سيء الحفظ جداً، وفي الطريق إليه: محمد بن حميد الرازي وهو واهٍ. (ثم روى) بنفس إسناد الطبراني حديث: " إن المؤمن خلق ... " إلا أنه قال: " مفتوناً ". وفي الإسناد شكٌ، إذ فيه: " ثنا عتبة بن يقظان أو ابن أبي اليقظان (¬1) لا أدري ممن. وقال ابن عدي ـ عقبه ـ: " قال لنا القاسم ـ يعني: المطرز ـ: كتب عني هذا الحديث أبو أحمد بن عبدوس "، قلت: هو الثقة الحافظ (محمد بن عبدوس بن كامل السلمي البغدادي السراج) قال الخطيب (2/381) : " وكان من أهل العلم والمعرفة ¬

(¬1) تحرف في مطبوع "الكامل" إلى " ابن أبي القظان " وجاء في الطبعة الثالثة (3 /91) على الصواب.

والفضل "، وهو أكبر من القاسم المطرز ـ إذ أدرك بعض من لم يدركهم ـ وإن شاركه في بعض الشيوخ كأبي بدر شجاع بن الوليد، وتوفي قبله بنحو اثنتى عشرة سنة، سنة 293، ولعله كتبه عنه لغرابته، وشدة الفردية في إسناده. (ثم روى ابن عدي) من طريقين عن حبان بن علي العنزي ثنا ابن أبي ليلى عن داود به: " ولد الزنا شر الثلاثة، إذا عمل بعمل أبويه "، تفرد به حبان وكان ضعيفاً. وقال الطبراني في "الأوسط" (7294) : " لم يرو هذا الحديث عن داود بن علي إلا ابن أبي ليلى، تفرد به بكر بن يحيى بن زبان ". قلت: ولا يقُال: تابعه بشر بن آدم الضرير عند ابن عدي، فإن سليمان بن محمد الخزاعي ـ وهو الدمشقي ـ شيخ ابن عدي فيه، قال أبو أحمد الحاكم: " فيه نظر "، وقال ابن عبد البر: " لا يحتج به " (¬1) ، وهو معروف روى عنه جمع كبير. ¬

(¬1) ذكره الحافظ في "اللسان" بالمعنى، فلما رجعت إلى "جامع بيان العلم" (ح 1385) ، إذا لفظ ابن عبد البر: " في إسناده رجلان لا يحتج بهما، وهما: سليمان وبقية "، وتمام الكلام على الحديث المذكور في نفس الترجمة.

وكأن ذلك خفي على الحافظ ـ رحمه الله ـ فقال في ترجمته من "اللسان" (3/104) : " وما عرفتُ سليمان بعد ". وسبحان الله، جئتُ أدافع عن جزم الطبراني بتفرد ابن زبان به عن مندل، فإذا بي أجده يروي عين الحديث في "المعجم الكبير" (10 /346 رقم 10674) عن أبي زرعة الدمشقي ثنا محمد بن الصلت الكوفي ثنا مندل به. ومحمد بن الصلت ليس متهماً ولا مخلطاً، بل هو ثقة من شيوخ البخاري (¬1) ، ووثقه ابن نمير، والرازيان وغيرهم. (ثم روى) ابن عدي من طريق سليمان بن أبي هوذة، ثنا عمرو بن أبي قيس، عن محمد بن أبي ليلى عن داود به: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم، وهو صائم". (وبإسناد حديث) : " برهما فإنك في جهاد ": " أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ فقال: يا رسول الله، إن داري شاسع فهل تنفعني التقوى؟ قال: نعم، وإن كنت في جحر فأرة ". وتقدم أنه إسناد تالف، ثم ما علاقة ضيق أو اتساع الدار بالتقوى؟! ثم روى من طريق عبد الله بن يوسف ـ وهو التنِّيسي ـ ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن داود بن علي، عن عبد الله بن عباس (كذا، والظاهر أنه سقط منه: عن أبيه) ، أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - " كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة، ألم تنزيل ". قلت: ورجاله كلهم ثقات، وسعيد بن عبد العزيز من الثقات الأثبات، وقدَّمَهُ بعضهم على أهل الشام بإطلاق، وبعضهم على الأوزاعي ـ رحمه الله ـ وجعله بعضهم بعده رأساً، أما القول باختلاطه؛ فيرى البعضُ أنه اختلط قبل موته، ووصفه البعض بأنه " تغيّر " والأكثرون لم يتعرضوا لهذه القضية أصلاً. ¬

(¬1) قلت هذا قبل أن أعلم أنه قد روى له حديثاً واحداً متابعةً. وقال الذهبي في "الميزان": " وقال بعضهم: فيه لين "، ولم أَدْر من هذا البعض. أما قول ابن نمير: " وأبو غسان أحب إليّ منه " فلا يعتبر قدحاً، بل من باب (ثقة وأوثق) . والله أعلم.

والذي لاح لي بعد النظر في عدة تراجم له: أولاً: أنه اختلط قبل موته بيسير. ثانياً: أنه كان يأبى التحديث في هذه الحالة. قال عباس الدوري ـ رحمه الله ـ في "تاريخه" (3 /479 رقم 5377) : " سمعت يحيى يقول: قال أبو مسهر: كان سعيد بن عبد العزيز قد اختلط قبل موته، وكان يُعْرَضُ عليه قبل (¬1) أن يموت، وكان يقول: لا أُجِيْزُهَا ". وعليه، فهذا إسناد صحيح إلى داود بن علي ـ رحمه الله ـ وهو الحديث الوحيد في جميع ما ساقه له ابن عدي الذي يصح إسناده إليه ـ في نقدي ـ. أما قوله هنا: " عن داود بن علي " فالظاهر أنه من تصرف الرواة، فإنه كان لايذكر صيغ الحديث ـ أصلاً ـ عن شيوخه لا احتيالاً ولا تدليساً، حاشاه ـ رحمة الله تعالى عليه ـ. قال أبو زرعة الدمشقي ـ رحمه الله ـ في "تاريخه" (1 /360 رقم 769) : "فقلت لأبي مسهر: كان سعيد بن عبد العزيز يقول: حدثنا؟ قال: لا. ¬

(¬1) وفي ترجمة سعيد من "تاريخ دمشق" (21 /205) : " وكان يَعْرِض عليه قبل موته أن يموت ... " ولفظة موته زيادة لا معنى لها، كذلك شكل الفعل بالبناء للمعلوم خطأٌ أيضاً.

قلت: كيف كان يقول؟ قال: يقول يعني: مكحول، ربيعة أو كما قال ". ومعناه ـ إن شاء الله ـ أنه كان يقول: " مكحول: " ويذكر قوله أو الأمر المتعلق به، ويقول: " ربيعة: " ويذكر قوله أو الأمر المتعلق به بإسقاط آلة التحديث وليس كما قال محقق "التاريخ" (¬1) في الحاشية: "يقصد أن سعيداً يقول: يقول مكحول، يقول ربيعة، أو كما قال مكحول ... "، وإن استشهد بتعليقه. ولو كان الأمر كما فهم، لقال: " يقول: يقول ـ يعني مكحولاً ـ ربيعة ... " جواباً لسؤال: " كيف كان يقول؟ ". كذلك قوله: " أو كما قال مكحول " فيه إغراب، بل الظاهر أنه قول أبي زرعة الدمشقي نفسه، والعلم عند العليم الخبير ـ جلَّ وعزَّ ـ. وأخيراً، يظهر لي أن في متن هذا الحديث اختصاراً، إذ الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طرق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قراءة (ألم تنزيل) في الركعة الأولى من فجر الجمعة و (الإنسان) في الركعة الثانية. ¬

(¬1) الحاصلُ بهذا الكتاب القيم على ماجيستير في التاريخ الإسلامي، تقدم به إلى كلية الآداب بجامعة بغداد، على الرغم من أن هذا الكتاب يشبه "تواريخ" البخاري، و"علل" الإمام أحمد، و"تواريخ" ابن معين بحيث يحتاج إلى تمكن في علم الحديث الشريف وملكة جيدة فيه.

وبقى من كلام ابن عدي ـ رحمه الله ـ قوله في آخر الترجمة: " وهذا الذي أمليتُ لداود هو عامة ما يرويه، ولعله لا يروي غير ما ذكرتُه إلا حديثاً أو حديثين، وعندي أنه لا بأس برواياته عن أبيه، عن جده، فإن عامة ما يرويه عن أبيه عن جده " أهـ. قلت: قد وقفت عليهما بفضل الله ـ عز وجل ـ ومدارهما ـ أيضاً ـ على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري عنه! الأول: رواه الطبراني في "الكبير" (10 /345، 346 رقم 10673) : " حدثنا عبيد (¬1) بن محمد بن صبيح الزيات الكوفي ثنا محمود بن بكر بن عبد الرحمن ثنا أبي عن عيسى بن المختار عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن داود بن عليّ عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى فقال: " اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريعاً طبقاً عاجلاً غير رائث، نافعاً غير ضارٍّ "، فما لبثنا أن مُطِرنا حتى سال كل شيء حتى أتوه، فقالوا: قد غرقنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم حوالينا، ولا علينا ". قال الهيثمي في "المجمع" (2 /213) : " وفيه محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام كثير ". قلت: ومحمود بن بكر بن عبد الرحمن لم أقف له على ترجمة، وإن ذكره المزي في جملة الرواة عن أبيه في "التهذيب" (4 /219) . ¬

(¬1) في "سؤالات الحاكم للدارقطني" (153) : " عبيد بن صبيح الكناني الزيات، لا بأس" أهـ. فالظاهر أنه هو.

الثاني: رواه البزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار" (2019) و"مختصر الزوائد" (1716) : " حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي (¬1) ، ثنا محمد ابن عمران (¬2) بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، حدثني أبي، ثنا ابن أبي ليلى، عن داود بن علي، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... " لا تجلسوا في المجالس، فإن كنتم لابد فاعلين، فردّوا السلام، وغُضُّوا البصر، واهدوا السبيل، وأعينوا على الحمولة ". قال الهيثمي في "المجمع" (8 /62) : " رواه البزار، وفيه محمد بن أبي ليلى، وهو ثقة سيء الحفظ، وبقية رجاله وُثِّقوا ". قلت: محمد بن أبي ليلى لا يستحق وصف (الثقة) إلا على معنى (العدالة) وليس هو المتبادر عند الإطلاق عندهم. وأحسن منه قول الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في "مختصر الزوائد": " والراوي عنه ـ يعني داود بن علي ـ: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، فقيه فاضل، لكنه سيء الحفظ ". قلت: والراوي عنه ابنه عمران، ليس له شيخ سواه، ولم أرَ توثيقه ¬

(¬1) له ترجمة جيدة في "تاريخ بغداد" (9 /371) وقال ابن حبان في "الثقات": " مستقيم الحديث ". (¬2) في "الكشف": " محمد بن عمران بن محمد بن عبدعمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى "، ولاشك أن (محمد بن عمران) الثانية زيادة لا معنى لها، ومع ذلك زادها أخي الحبيب أبو ذر الشافعي في إسناد "مختصر الزوائد" بين قوسين معقوفين، وقد انتقدت عليه هذا الصنيع في حديث تقدم.

لمعتبر، وإنما ذكره ابن حبان في "الثقات" (8 /496) . فالخلل يدور بينه وبين أبيه، وإن كان هو أَستَرُ حالاً. وهذا الحديث دلَّني على موضعه عند البزار أخي الفاضل الحبيب المتواضع ... ـ إن شاء الله ـ طارق بن محمد آل بن ناجي في الطبعة الثانية من كتابه القيم ... "التذييل على كتب الجرح والتعديل"، حيث ترجم لـ (داود بن علي) ـ رحمهما الله ـ (رقم 263 ص 94، 95) وزاد على بعض نصوص "التهذيب" بقوله: " قلت: قال أبو بكر البزار: " لم يكن بالقوي في الحديث، على أنه لا يتوهم عليه إلا الصدق، وإنما يُكتب من حديثه ما لم يروه غيره ". وأحال على مواضع ترجمته في "الكامل" ـ الطبعة الثانية ـ و"كشف الأستار" و"البحر الزخار" (¬1) ، يزاد عليه ـ إن شاء الله ـ "مختصر الزوائد" للحافظ ـ رحمه الله ـ وقد اختصر كلام البزار بقوله: " قال: لا نعلم: " وأعينوا على الحمولة " إلا في (¬2) هذا، وداود ليس بالقوي في الحديث، ولا يتوهم عليه إلا الصدق ". وأصل اللفظ: " لا نعلم لابن عباس غير هذا الطريق، وروي عن غيره بألفاظ، ولا نعلم في حديث: وأعينوا على الحمولة إلا في هذا ... " إلخ. ¬

(¬1) (11 /395 ح 5232) . وقد وعدني بعضهم بتزويدي بالمجلدات الصادرة حديثاً من "البحر الزخار"، ولكن لم يفعلوا مع أن أهمية مثل ذلك لمثلي عظيمة جداً، متعدية النفع. (¬2) بل يشهد لهذه اللفظة حديث في "الصحيحين" أنظر "الفتح" (11 /14) عند شرح ... الحديث (6229) .

* وقال ابن حبان في "الثقات" (6 /281) : " داود بن علي بن عبد الله بن عباس ابن عبد المطلب الهاشمي، أخو عيسى ومحمد، يروي عن أبيه، روى عنه ابن أبي ليلى والمسور بن الصلت، يخطيء ". قلت: لم يذكر ابن حبان واحداً منهما في "الثقات"، أما ابن أبي ليلى فقال في "المجروحين" (2 /244) : " كان رديء الحفظ، كثير الوهم، فاحش الخطأ، يروي الشيء على التوهم، ويحدِّثُ على الحسبان، فكثر المناكير في رواياته فاستحق الترك، تركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ". ووهَّى مسور بن الصلت أيضاً، فقال في "المجروحين" (3 /31) : " كان غالياً في التشيع يشتم السلف، وكان يروي عن الثقات الموضوعات، لا يجوز الاحتجاج به، كان أحمد بن حنبل يكذِّبُه، وأما يحيى فحسن القول فيه ". ثم روى عن صالح بن محمد قال: " سألت يحيى بن معين عن مسور بن الصلت، فقال: شيخ صدوق ". قلت: لم أقف لمسور بن الصلت على حديث يرويه عن داود ـ رحمه الله ـ ولعل ابن حبان أراد ذكرهما على سبيل التمثيل، لا على سبيل الحصر، فإن ابن أبي ليلى أكثر عنه جداً كما رأينا عند استعراض مروياته. أما رأي الحافظين الذهبي وابن حجر في داود: * فقال الذهبي في "المغني" (1 /219) : " ليس حديثه بحجة. قال ابن معين: أرجو أنه لا يكذب ".

(وقال) في "الكاشف" (1 /290) : " وُثِّق، فصيح مُفَوَّه بليغ، عاش 53 سنة، تُوُفِّي سنة 133 ". (وقال) في "السير" (5 /444) : " له حديث طويل في الدعاء، تفرد به عنه ابن أبي ليلى، وقيس، وما هو بحجة. والخبر يُعَدُّ منكراً، ولم يقحم أولو النقد على تليين هذا الضرب لدولتهم، وكان داود ذا بأس وسطوة وهيبة وجبروت وبلاغة. وقيل كان يرى القدر ". قلت: بل الحديث رواه قيس عن ابن أبي ليلى عنه كما هو عند ابن خزيمة (1119) وابن عدي والطبراني (10 /343 رقم 10668) ولم يروه عنه رأساً. وتوبع قيس عند الترمذي (3419) من عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ـ وتقدم الكلام فيه ـ والذي تابع ابن أبي ليلى حقاً هو (الحسنُ بن عمارة ... البجلي الكوفي) ـ أحد المتروكين ـ عند ابن عدي ـ بإسناد لا يصح إليه ـ والبيهقي في "الدعوات" (69) بإسناد جيد إلى الحسن به. فوائد: الأولى: اختَلَف الحافظ الذهبي مع الحافظ ابن عدي ـ رحمهما الله ـ في الحديث الواحد لداود بن علي ـ الذي عناه ابن معين ـ وسيأتي كلامه الآن أثناء النقل من ترجمة داود من "تاريخ الإسلام". قال الذهبي ـ رحمه الله ـ في وفيات (131: 140) من "تاريخ الإسلام"

(ص 412) ـ عقب قول يحيى بن معين: "أرجو أنه ليس يكذب، إنما يحدث بحديث واحد " ـ: " قلت: يعني: حديث آدم بن أبي إياس وعاصم بن علي عن قيس عن ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عن ابن عباس، الحديث الطويل في الدعاء، تفرد به ابن أبي ليلى عنه ـ وليس بذاك ـ، وقيس (¬1) ـ وهو ضعيف ـ، لكنهما لا يحتملان هذا المتن المنكر، فالله أعلم. وفي الخلفاء وآبائهم وأهلهم قوم أعرض أهل الجرح والتعديل عن كشف حالهم خوفاً من السيف والضرب، وما زال هذا في كل دولة قائمة يصف المؤرخ محاسنها ويُغضي عن مساوئها، هذا إذا كان المحدث ذا دين وخير، فإن كان مدَّاحاً مُداهناً لم يلتفت إلى الورع، بل ربما أخرج مساويء الكبير وهنّاته في هيئة المدح والمكارم والعظمة، فلا قوة إلا بالله. وكان داود هذا من جبابرة الأمراء له هيبة ورواء، وعنده أدب وفصاحة، وقيل: كان قدرياً ". * وقال الحافظ في "التقريب" (1812) : " مقبول، من السادسة، مات سنة ثلاث وثلاثين، وهو ابن اثنتين وخمسين ". قلت: يعني أنه (لين الحديث) حيث تفرد، ولم يتابع. ¬

(¬1) كذا، والأظهر أن يقول: " وعنه قيس ـ وهو ضعيف ـ " وقد علمت أن قيساً لم يتفرد به عن ابن أبي ليلى.

الثانية: وقفت لدواد بن علي ـ رحمهما الله ـ على حديثين أعضلهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسندهما عن أبيه عن جده. فقد كنت علّقت ـ منذ زمان بعيد ـ في آخر ترجمته من "الكامل" (3 /959) بقولي: " روى الدارمي 1/35 من طريق الأوزاعي عنه قال: قيل: يا رسول الله ألا نحجبك، فقال: لا، دعوهم يطؤون عقبي وأطأ أعقابهم حتى يريحني الله منهم) أهـ. كذا كتبتُ، لَعلّه مما يقرب من عشرين عاماً. وتركت أشياء يسيرة مثل (علامة الاستفهام) بعد " ألا نحجبك ". ووضع الكلام النبوي بين أقواس هكذا " ... ". ولعلي فعلتُ ذلك ذهولاً عن هذه الآداب أو استعجالاً، وإسناد هذا الحديث إلى الأوزاعي صحيح، وقد غلطتُ غلطاً آخر، فإن صواب الرقم (1/36) . والحديث الثاني: أورده بعد الأول صاحب " بذل المساعي في جمع ما رواه الإمام الأوزاعي " ـ جزاه الله خيراً ـ في (قسم المراسيل) تحت (ما أرسله الأوزاعي عن داود بن علي) في (الرقمين 590، 590أ) ، فقال: " قال ابن شبّه (¬1) ـ رحمه الله تعالى ـ: حدثنا محمد بن مصعب، قال: حدثنا الأوزاعي، عن داود بن علي، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم بموضع يقال له ¬

(¬1) الصواب: " ابن شبّة " وقد تكررت في الحاشية إذ فيها: " رواه ابن شبّه في تاريخ المدينة المنورة 2 /539 " وقد يكون التقصير من الطباعة لا منه، عفا الله عنا أجمعين.

القارة فشرط بكسرة شفرة، فمر به عيينة بن بدر فقال له: يا محمد علام تعطي هذا الأعرابي يبطط جلدك؟ فقال: " إن هذا الحجم خير ما يُداوى به ". وهذا ـ مع إعضاله ـ فيه محمد بن مصعب القرقساني، وهو ضعيف. وقد روى قريباً منه أحمد في "مسنده" (5 /9، 15، 18، 19) والحاكم في "المستدرك" (4 /208 ـ 209) من طرق عن عبد الملك بن عمير، عن حصين ابن أبي الجر، عن سمرة بن جندب ـ رضي الله عنه ـ وكذا الطبراني في "الكبير" (7 /185 ـ 186 رقم 6784: 6787) ، اختصره شعبة عن عبد الملك، وطَوَّله جماعة ورجاله كلهم ثقات. ثم تبين لي أن النسائي رواه في "السنن الكبرى" (7596) من طريق داود الطائي ـ رحمه الله ـ عن عبد الملك به. والآن أنتقل إلى آخر رجل في إسناد هذا الحديث، ألا وهو: 1 ـ علي بن عبد الله بن عباس: هو (أبو محمد ـ ويقال: أبو عبد الله ـ علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي المدني نزيل (¬1) الشام) . ¬

(¬1) هو لم ينزلها باختياره ولكن قهراً، قال الذهبي ـ رحمه الله ـ في آخر ترجمته من السير: (5 /253) " قلت: كان هو وأولاده قد خاف منهم هشام ـ (يعني ابن عبد الملك بن مروان) ـ فأسكنهم بالحميمة من البلقاء ".

والد محمد، وعيسى، وداود، وسليمان، وعبد الصمد، وإسماعيل، وصالح، وعبد الله بني عليِّ، ثقة متفق على توثيقه وفضله، روى له البخاري في "الأدب" وسائر الستة. * قال البخاري ـ رحمه الله ـ في ترجمته من "التاريخ الكبير" (6 /282) : "علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي. ويقال: كنيته أبو عبد الله. حجازي، يحدث عن أبيه، روى عنه ابنه محمد والزهري ". * وقال ابن سعد ـ رحمه الله ـ في "الطبقات الكبرى" (5 /229) : " ... وهو كندي (يعني: تبعاً لوالدته) ويكنى أبا محمد، ولد ليلة قتل علي ابن أبي طالب ـ رحمة الله عليه ـ في شهر رمضان سنة أربعين ... ". (حتى قال) : " وكان علي بن عبد الله بن عباس أصغر ولد أبيه سناً، وكان أجمل قرشي على وجه الأرض وأوسمه، وأكثر صلاة، وكان يقال له: السَّجَّاد لعبادته وفضله ... ". (حتى قال) : " وكان ثقة قليل الحديث ". وختم الترجمة بأن روى عن الواقدي قال: " تُوُفي علي بن عبد الله بن عباس سنة ثماني عشرة ومائة " قال: " وقال أبو معشر وغيره: توفي بالشام سنة سبع عشرة ومائة ". قلت: الأكثرون على قول الواقدي، وهو الذي رجَّحه ابن حبان والذهبي والحافظ ـ رحمهم الله تعالى ـ. * وقال ابن أبي حاتم ـ رحمهما الله ـ في "الجرح والتعديل"

(6 /192) : " علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي حجازي وكنيته أبو عبد الله روى عن أبيه. روى عنه بنوه: عبد الصمد، وسليمان، ومحمد، سمعت أبي يقول ذلك ". (ثم قال) : " سئل أبو زرعة عن علي بن عبد الله بن عباس، فقال: مديني ثقة ". * وقال العجلي ـ رحمه الله ـ: " تابعي ثقة " كما في " ترتيب معرفة الثقات " (1305) . * وقال ابن حبان في "الثقات" (5 /160) : " ... كنيته أبو محمد، وقد قيل: أبو عبد الله، ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب فَسُمِّي باسمه، يروي عن أبيه، روى عنه الزهري وابنه محمد بن علي، وكان من العُبَّاد يصلي في كل يوم ألف ركعة، وكان يخضب بالوسمة، مات بالشام سنة ثمان عشرة ومائة، وقد قيل: سنة أربع عشرة ومائة، وقد قيل: سنة سبع عشرة ومائة، أمه زرعة بنت مشرح بن معديكرب ". (وقال) في "مشاهير علماء الأمصار" (437) : " ... أبو محمد، ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب فسُمِّيَ باسمه، وكان من عباد أهل المدينة وصالحي بني هاشم، كان يصلي في كل يوم ألف ركعة، مات بالشام سنة ثماني عشرة ومائة ". قلت: أما صلاته في كل يوم ألف ركعة، فصحيح ثابتٌ عنه رواه عنه علي ابن أبي حملة وجماعة ـ وكان ابن أبي حملة قد أدركه ـ كما في

"تاريخ دمشق" (43/48 ـ 49) ، وفيه رد على قول الهيثمي ـ رحمه الله ـ في "المجمع" (2/258) : رواه الطبراني في الكبير وإسناده منقطع. ورُوي في تفصيل هذه الركعات قصة طريفة، فعند ابن عساكر أيضاً من طريق يعقوب بن شيبة حدثني صاحبنا أحمد بن أبي موسى، نا محمد بن يحيى الأزدي، نا هشام بن سفيان، عن ابن المبارك، قال: " كان لعلي بن عبد الله بن عباس خمسمائة أصل شجرة، فكان يصلي كل يوم إلى شجرة ركعتين ". وهذا إسناد منقطع، ابن المبارك ـ رحمه الله ـ ولد في السنة التي مات فيها علي بن عبد الله ـ سنة 118 ـ (لِلَّهِ) وشيخ يعقوب بن شيبة لم أهتد إليه الآن. وأما وصفه بأنه كان يخضب بالوسمة، فروى ابن عساكر أيضاً من طريق أبي بكر محمد بن الحسين بن شهريار، أنا أبو حفص الفلاس، حدثني ميمون بن زياد العدوي، نا أبو سنان، قال: " كان علي بن عبد الله بن عباس معنا بالشام، وكانت له لحية طويلة، وكان يخضب بالوسمة، وكان يصلي كل يوم ألف ركعة". وابن شهريار مختلفٌ فيه، وشيخ الفلاس لم أهتد إليه. هذا وقد ترجم له الذهبي ـ رحمه الله ـ في موضعين من "السير" (2 /252 ـ 253 رقم 116) و (5 /284 ـ 285 رقم 134) وذكر فيهما أشياء لا تصح بصيغة الجزم، ذكرتُ بعضها. ومنها

قوله: " قال علي بن أبي حملة: دخلت على علي بن عبد الله، وكان جسيماً آدم، ورأيت له مسجداً كبيراً في وجهه ". وهذا في "تاريخ دمشق" (43 /49) بزيادة: " ... داره بدمشق ... " وفي إسناده أحمد بن مروان الدينوري، رماه الدارقطني بالوضع، وهو صاحب كتاب "المجالسة". * وأختم بترجمة هذا الرجل الصالح من "التقريب" (4795) حيث قال الحافظ ـ رحمه الله ـ: " ... أبو محمد، ثقة عابد، من الثالثة، مات سنة ثماني (¬1) عشرة على الصحيح ". والآن، أستعرض كلام العلماء والباحثين في طرق هذا الحديث، كل طريق على حدة بإذن الله. * طريق الطبراني في "الكبير" عن الحسن بن العباس الرازي عن أحمد بن أبي سريج الرازي عن علي بن حفص المدائني عن عبيد المكتب الكوفي عن عكرمة عن ابن عباس. 2 ـ قال الهيثمي ـ رحمه الله ـ في "مجمع الزوائد" (10 /201) : " رواه ¬

(¬1) وضع محقق "التقريب" ـ جزاه الله خيراً ـ ثماني عشرة بين حاصرتين وقال: " كذا في (المخطوطة) ، وهو الصواب. وفي أكثر النسخ المطبوعة: " ثمان عشرة " أهـ فاقتنِ "التقريب" بتحقيق هذا المحقق البارع الذي بذل جهداً يُحمد له في إثبات الراجح في كل ترجمة من الكتاب، أجزل الله له المثوبة على خدمة العلم والسنة، لكن لا تركن إلى جميع ما فيه، ففيه أنساب لم يحررها المحقق ـ عفا الله عنه ـ كالخلط بين (البصري) و (المصري) .

الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" ـ باختصار ـ، وأحد أسانيد "الكبير" رجاله ثقات، وله السياق " يعني: هذا. 3 ـ وقال العراقي ـ رحمه الله ـ في " المغني عن حمل الأسفار في الأسفار " (3644) (وقد أورده الغزالي ـ رحمه الله ـ في "الإحياء" (4 /44) بلفظ: وفي الخبر: " لابد للمؤمن من ذنب يأتيه الفينة بعد الفينة ") : " الطبراني والبيهقي في "الشعب" من حديث ابن عباس بأسانيد حسنة ". 4 ـ والحديث مرموز له في "الجامع الصغير" بالرمز (ح) أي: حسن، قال المناوي في "فيض القدير" (5 /491) : " قال الهيثمي: أحد إسناد (كذا والصواب: إسنادي) الكبير رجاله ثقات ". 5 ـ وقال أحمد بن محمد بن الصديق الغماري ـ عليه من الله ما يستحق ـ في "المداوي" (5 /528) : " لم يتعرض الشارح لذكر مخرج آخر لهذا الحديث مع أنه مخرج أيضاً في مسند الشهاب للقضاعي الذي اختصرة الشارح ورتب أحاديثه، قال القضاعي: أخبرنا أبو علي الحسن بن خلف الواسطي ... " فساق الإسناد الذي فيه (عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني) ـ الوضَّاع كما تقدم ـ وأعله في مكان آخر بغيره كما سيأتي. 6 ـ وقال الغماري ـ عليه من الله ما يستحق ـ في "فتح الوهّاب" (2 /63) : " محمد بن سليمان الخزاز ضعيف. لكن رواه الطبراني في

الكبير والأوسط من حديثه أيضاً (يعني: ابن عباس) بأسانيد أحدها في الكبير رجاله ثقات كما قال الحافظ الهيثمي ". 7 ـ وقال حمدي السلفي في حاشية "فتح الوهاب": " رواه الطبراني في الكبير (11810) بإسناد رجاله ثقات ... ". (وقال) في حاشية "مسند الشهاب" (2 /24) : " ورواه الطبراني في الكبير (11810) من طريق آخر عن ابن عباس ورجاله ثقات كما في المجمع (10/201) ولذا صحَّحَه شيخنا ... ". قلت: لم يُصَحِّحْه الشيخ الألباني لقول الهيثمي ـ بمجرده ـ بل إنه نظر بنفسه في إسناده وأداه اجتهاده إلى تصحيحه كما يأتي. 7 ـ وقال محقق "شعب الإيمان" (12 /435 الطبعة السلفية) : بعد ذكر الرمز لحسنه وعزو المناوي أيضاً للأوسط ـ: " وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10 /201) : رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" وأحد إسنادي "الكبير" رجاله ثقات، وقال الألباني: صحيح (صحيح الجامع الصغير) (5611) . 8 ـ وقال الألباني ـ رحمه الله ـ في "صحيح الجامع الصغير" (5 /172) عند الحديث (5611) : " صحيح "، وأحال على "الصحيحة" (2277) وقال في "الصحيحة" (2276) ـ بعد أن ساق إسناده ـ: " قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال "الصحيح"، غير الحسن بن العباس الرازي، وهو ثقة، كما قال الخطيب (7 /397) مات سنة تسع وثمانين ومائتين، والظاهر أنه قد توبع فقد قال الهيثمي

في "المجمع" (10 /201) ... " فذكره، ثم قال الشيخ: "أقول: فإني لم أره في ترجمة الرازي هذا من "الأوسط"، والله أعلم ". قلت: لم يروه الطبراني ـ بهذا الإسناد ـ إلا في "الكبير"، وما أحراه أن يكون مروياً ـ به ـ في "الأوسط" الذي ضمّنه غرائب شيوخه، فإنه ينطبق عليه أنه (لم يروه عن عبيد المكتب عن عكرمة إلا علي بن حفص المدائني) وأنه (تفرد به أحمد بن أبي سريج الرازي) وأنه (لم يروه بهذا الإسناد إلا الحسن بن العباس الرازي) ، والله أعلم وأَجَلُّ وأكرم. أما كون (رجاله رجال الصحيح) فالحق أنه ملفق من رجالهما، فأحمد بن أبي سريج وعكرمة من أفراد البخاري، وعلي بن حفص وعبيد المكتب من أفراد مسلم، والله المستعان. 9 ـ وقال قاسم بن صالح القاسم ـ محقق " المطالب العالية المسندة " ـ (رقم 3264) : " وذكره الهيثمي في المجمع ... " حتى قال: " وذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (5 /346) ، وقال: هذا إسناد صحيح. قلت: إسناده حسن لحال علي بن حفص، قال الحافظ: صدوق (التقريب ص 400) ... ". تعقيب: أـ وجدنا الكثيرين تابعوا الهيثمي على قوله " رجاله ثقات " بدون أن يدرسوا هذا الإسناد بأنفسهم، فكم من إسناد مجزوم بضعفه، قال فيه هذه العبارة.

ب ـ لم نَرَ أحداً بحث: هل عبيد المكتب له رواية عن عكرمة أم لا؟ جـ ـ لم نَرَ أحداً بحث: هل خولف أحد رجال هذا الإسناد أم لا؟ مسألة: هل يجوز أن يتفرد الطبراني ـ رحمه الله ـ في أحد "معاجمه" بحديث صحيح الإسناد، يفوت الأئمة الستة جميعاً، وأحمد في "مسنده"، والصحاح المشهورة؟ الجواب ـ بحول الله العليِّ العظيم ـ: قال الحافظ الكبير ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في "شرح علل الترمذي" ـ عند الكلام عن الحديث الغريب الذي هو ضد المشهور ـ (ص 300 ـ 301 بتحقيق صبحي السامرائي) : " قال أبو بكر الخطيب: أكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب عليهم كَتْبُ الغريب دون المشهور، وسماع المنكر دون المعروف، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ من رواية المجروحين والضعفاء حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتَنَباً، والثابت مصدوفاً عنه مطرحاً، وذلك لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم، ونقصان علمهم بالتمييز وزهدهم في تعلمه، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين والأعلام من أسلافنا الماضين. وهذا الذي ذكره الخطيب حق، ونجد كثيراً ممن ينتسب إلى الحديث لا يُعْنَى بالأصول الصحاح كالكتب الستة ونحوها، ويُعْنَى بالأجزاء الغريبة، وبمثل مسند البزار، ومعاجم الطبراني، وأفراد الدارقطني وهي مجمع الغرائب والمناكير ".

قلت: فإذا وجدتَ حديثاً في أحد "المعاجم" الثلاثة، رجاله كلهم ثقات أو صدوقون، فلا تتسرع بالحكم عليه بالصحة أو الثبوت، إذ لابد أن تجد فيه خللاً ما، من إعلال، أو شذوذ، أو عدم اشتهار بعضهم بالرواية عن بعض. وقد يجتمع فيه الأمران جميعاً ـ كما في حديثنا هذا ـ المخالفةُ في الإسناد وانتفاءُ الرواية. وليس هذا خاصاً بالطبراني وحده، و"مسند البزار"، و"أفراد الدارقطني"، فإنما ذكرها الإمام ابن رجب على سبيل التمثيل بقوله: " وبمثل مسند البزار ... ". أما البزار فقد سمى كتابه " المسند المعلل " فهو يشبه في معناه " علل ابن أبي حاتم " و" علل الدارقطني "، وفي الغالب يكون الوجه الراجح هو الوجه المرسل، أو الموقوف أو الذي فيه راوٍ مبهم أو ضعيف التبس اسمه باسم ثقة ... إلخ. نعم، لا تعدم أن تجد فيه حديثاً معلاًّ بالوقف على صحابي، فإن صح الإسناد فيكون أثراً صحيحاً، أو بالإرسال عن كبار التابعين الذين لايُسندون إلا عن أهل الثقة والصدق، أو لايروون إلا عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كسعيد ابن المسيب، وأبي أمامة بن سهل بن حنيف، ونحوهما فتكون لهم مكانة متميزة في الاحتجاج أو الاعتبار.

* طريق البخاري، عن أحمد بن الصباح الرازي، عن علي بن حفص، عن عتبة بن عمرو المكتب، عن عكرمة، عن ابن عباس. لم أَرَ أحداً ـ في جميع من تعرضوا لهذا المتن ـ أورده، أو تكلم عليه أو تفطن له، والحق أن "التاريخ الكبير" و"تاريخ أبي زرعة الدمشقي" و"تاريخ الدوري" و"تاريخ ابن أبي خيثمة" وغيرها؛ فيها كنوز خفية لا يتفطن لها الكثيرون فـ (في الزوايا خبايا) . نعم، "التاريخ الكبير" ليس له كبير فائدة عاجلة للمبتدئين ـ فقط ـ أما مطلقاً، فلا. * طريق محمد بن سليمان بن بزيع عن مصعب بن المقدام عن أبي معاذ عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. 1 ـ أشار إليه الهيثمي، ولم يعلق عليه. 2 ـ قال العراقي: " الطبراني والبيهقي في "الشعب" من حديث ابن عباس بأسانيد حسنة " والبيهقي إنما رواه بإسناد واحد، فيكون العراقي حسَّنه أيضاً. 3 ـ قال الغماري ـ عليه من الله ما يستحق ـ في "فتح الوهاب" (2 /63) : " ومحمد بن سليمان الخزاز ضعيف ... "، ولم يدرك أن الراوي عنه يضع الحديث، وأن أحد الثقات خالفوه، فسموا هذا الشيخ: (محمد بن سليمان بن بزيع) كما أنه أعرض عن سائر

العلل أو لم يتفطن لها، لاسيما وأبو معاذ جزم الطبراني بأنه: (سليمان بن أرقم) . (وقال) في "المداوي": " لم يتعرض الشارح لذكر مخرج آخر لهذا الحديث مع أنه مخرج أيضاً في مسند الشهاب للقضاعي ... " وأورد إسناده كله. مع أن إسناد الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" والأصبهاني في "الترغيب" ليس فيه (عبد الله بن محمد بن جعفر) ، بل إسناد عبد بن حميد والبيهقي في "الشعب" ـ على وهائه ـ أمثلُ من إسنادٍ فيه وضّاع وضعيف (لِلَّهِ) إن كان الخزاز الذي زعم ذاك الوضاع أنه سمعه منه غير ابن بزيع (لِلَّهِ) ، كما قدمت بتفصيل أوضح. 4 ـ وقال حمدي السلفي في حاشية "فتح الوهاب": " رواه الطبراني في الكبير ... وفي الأوسط (ص 460 مجمع البحرين) بإسنادين آخرين "، ولم يتفطن أن أحد الإسنادين الآخرين هو طريق أصح لنفس حديث القضاعي، ولم يحكم عليه. (وقال) في حاشية "مسند الشهاب" (2 /24) : " عبد الله بن محمد بن جعفر، اتُّهم بوضع الحديث، ومحمد بن سليمان الخزاز ضعيف، ومصعب بن المقدام صدوق له أوهام، ورواه الطبراني في الأوسط (460 مجمع البحرين) من طريق سليمان بن بزيع الكوفي عن مصعب به، وسليمان منكر الحديث ". وتقدم ما في كلامه من الوهم، وأن الصواب في اسم الراوي (محمد

بن سليمان بن بزيع الكوفي) وأن (سليمان بن بزيع) الذي وُصِف بهذا الوصف (إسكندراني) ، وليس كوفياً. 5 ـ وقال قاسم بن صالح القاسم ـ محقق "المطالب العالية" ـ: " وإسناده ضعيف لحال مصعب بن المقدام، قال الحافظ: صدوق له أوهام (التقريب ص 533) ، وأبو معاذ إما هو فضيل بن ميسرة البصري وهو صدوق، أو سليمان بن أرقم البصري، وهو ضعيف (التقريب ص 448، 250) " أهـ. ولم يتعرض للراوي عن مصعب بن المقدام. 6 ـ وقال أيمن بن صالح في حاشية "الترغيب والترهيب" لأبي القاسم التيمي الأصبهاني (1/76) : " رجاله ثقات قال (الصواب: قاله) الهيثمي في المجمع (10/201) وعزاه للطبراني في الكبير والأوسط، وخّرجه الطبراني في الكبير 12/56 عن شيخه محمد بن علي بن مهدي العطار ... ". ولم يتفطن المسكين أنه ليس هو الإسناد الذي قال فيه الهيثمي " رجاله ثقات" ـ مع أنه عزاه إلى موضعه في " المعجم الكبير " ـ، وأن الهيثمي لم يعقب على هذا الإسناد أصلاً! 7 ـ واستدل العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ على أن شيخ الطبراني ـ في الإسناد الأول ـ قد توبع، بكلام الهيثمي، لكنه لم يهتد إلى موضعه في "الكبير" ـ فيما يظهر ـ على العكس من المسكين المذكور.

* طريق عبد الله بن دكين، عن قيس الماصر، عن داود البصري عن ابن عباس. 1 ـ قال الحافظ العراقي ـ رحمه الله ـ: " الطبراني والبيهقي في "الشعب" من حديث ابن عباس، بأسانيد حسنة "، ولم يروه البيهقي في "الشعب" إلا بهذا الإسناد. 2 ـ وقال الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي ـ رحمه الله ـ في حاشية "المطالب العالية" (3 /198) : " قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط باختصار، وأحد أسانيد الكبير رجاله ثقات وله السياق (10/201) قلت: سياقه قريب من سياق الكتاب، وسكت على إسناده البوصيري (3 /103) " أهـ. 3 ـ وقال محقق "الشعب" (12 /434 ـ 435) في الحاشية: " إسناده لا بأس به، قيس الماصر ـ هو قيس بن أبي مسلم العجلي الماصري ... " إلخ " داود البصري أبو سليمان الوراق. مقبول، من السادسة، وقيل إنه داود بن أبي هند ولم يصح ذلك (دس) ... ". قلت: ولم يتعرض لـ (عبد الله بن دكين الكوفي) ، وقدمتُ ما في حُكْمِهِ على هذا الإسناد من النظر، بما يغني عن الإعادة. 4 ـ وقال الشيخ مصطفى بن العدوي ـ حفظه الله ـ في حاشية "المنتخب من المسند" (1 /570) ـ كما تقدم ـ: " في هذا الإسناد

عبد الله (¬1) بن دكين صدوق يخطيء، ولم نقف له على رواية عن قيس هذا، وقيس هذا لم نعرفه، ولم نقف لداود البصري على رواية عن ابن عباس " أهـ. وقدمتُ التعقيب على هذا عند الترجمة لرجال هذا الإسناد. 5 ـ وقال قاسم بن صالح القاسم في حاشية "المطالب العالية": " هذا الحديث في سنده عبد الله بن دكين وهو ضعيف، وفيه داود البصري لم أُميّزْه، لذا أتوقف في الحكم عليه ". * طريق عتبة بن يقظان الراسبي، عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه عن جده. 1 ـ أورده ابن عدي في ترجمة (داود بن علي) ـ رحمهما الله ـ من "الكامل" (3 /958) في معرض الاستدراك على إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين ـ رحمه الله ـ في جَزْمه بأن داود ـ رحمه الله ـ (إنما يحدِّث بحديث واحد) ، ولم يعقب على هذا الحديث ولا غيره باستنكار، بل ذهب إلى أن داود: " لا بأس برواياته، عن أبيه، عن جده "، ولو قيَّد هذا الإطلاق بقوله: " إن كان دُونَه ثقة" أو نحو ذلك، لكان أصوب. 2 ـ قال أبو نعيم في "الحلية" (3 /211) : " هذا حديث غريب من ¬

(¬1) وقع تصحيف عجيب جداً في المطبوع من "المنتخب" (دار الأرقم بالكويت) إذ جاء الاسم هكذا (عبد ?) زادهم الله حرصاً.

حديث داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده، لا أعلم أحداً رواه غير ابن نمير، عن عتبة عنه "، وقد تقدم. 3 ـ وقال قاسم بن صالح في حاشية "المطالب" ـ عقب قول أبي نعيم ـ: " قلت: سنده ضعيف، فيه عتبة بن يقظان، قال الحافظ: ضعيف، وفيه داود بن علي قال الحافظ: مقبول (التقريب ص 381، 199) " أهـ.

تعقيب على هذا الحديث: في متن هذا الحديث: " ما من عبد مؤمن، إلا وله ذَنبٌ يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مُفَتَّنَاً توَّاباً نَسَّاءً، إذا ذُكِّرَ ذَكَرَ ". ألفاظٌ ومعان يأباها القلب، ويستنكر صحتها، فضلاً عن صدورها عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى. فإن: " ما من كذا، إلا ... " من صيغ الحَصْر عند أهل اللغة، مثل كلمة التوحيد سواءً بسواء (لا إله إلا الله) . قال تعالى: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة: 73] . {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 56] . وقال تعالى: {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [يونس: 3] . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما منكم من أحدٍ، إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان ... " الحديث متفق عليه عن عدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ. فهل حقاً لا يوجد عبد مؤمن مُنذ خَلَقَ اللهُ آدم ـ عليه السلام ـ حتى تقوم الساعة إلا وله ذَنْبٌ قد اعتاد إتيانَهُ الحينَ بعد الحينِ؟! أو ذنبٌ ـ وهذه أعظم ـ هو مقيمٌ عليه ومُصِرٌّ على مواقعته، لا يَفرِقُ بينه وبين مقارفته إلا الموت؟!

وهل هذه الصفة من خصائص ولوازم الإيمان الذي هو أعلى مرتبةً من الإسلام ودون الإحسان؟ لقد وجدتُ كثيراً من الحفاظ والأئمة يعتنون بتفسير لفظة (الفَيْنة بعد الفَيْنة) بأنها (الحين بعد الحين) ، منهم: أبو القاسم التيمي، والديلمي، والبيهقي، دون أن يتعرضوا لأول الحديث لإزاحة هذا الاستشكال. بل أن قِوَامَ السُّنَّة أبا القاسم التيمي ـ رحمه الله ـ لم يورده في أبواب (التوبة والاستغفار) من "ترغيبه" كما فعل أكثرُ من وقفتُ عليه من العلماء، بل أورده في الباب الأول (الإيمان) (فصل في صفة الإيمان والمؤمنين) ، فأورد أحاديث فيها صفات (الصبر) و (السماحة) و (حسن الخلق) و (أن تسرك حسنتك ... وتسوءك سيئتك) . وحديث: " كيف أصبحت يا حارثة؟ " ـ على ضعفه هو وغيره ـ ونحو ذلك من الصفات الطيبه الصالحة، حتى ختم الفصل بهذا الحديث (رقم 26) وقال ـ عقبه ـ: " الفينة بعد الفينة، أي: الوقت بعد الوقت، والساعة بعد الساعة ". ولعله آثر لفظ حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس، لأنه ليس فيه هذه اللفظة الشنعاء: " أو ذنب هو مقيم عليه، لا يفارقه حتى يفارق الدنيا " الواقعة في أصح أسانيده ظاهراً والتي لم تقع إلا في " المعجم الكبير " للطبراني ـ عفا الله عنه ـ ولعله لو كان لفظه: " ما من عبد مسلم إلا وله ذنب " لكان أهون، كما لو كان اللفظ: " ما من عبد مُحسن ... " لكان أشنع، لما في مدلول مرتبة " الإحسان " من المراقبة الدائمة للحي القيوم الذي (لا يعزُبُ عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض)

مع علمي بأن (الإسلام) و (الإيمان) لو أُفرد كل منهما بالذكر لترادفا، ولو اجتمعا ـ كما في حديث جبريل ـ لتغايرا. فبالله: أكان أبو بكر، أو عمر، أو عثمان، أو علي هكذا؟ أو يظن بهم ذلك؟ وكذلك طلحة، والزبير، وسعد، وسائر العشرة. أكان ابن عمر، وابن عمرو، وابن عباس، وابن مسعود هكذا؟ أو يظن بأحدهم ذلك؟ أكان سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والأسود بن يزيد، وعلقمة، ومسروق، والربيع بن خثيم هكذا؟ أليس كل هؤلاء مؤمنين أم ماذا؟ إني أخاف أن يُحَرّض هذا الحديثُ المنكرُ على عدم ترك الاعتياد على الذنوب، بل الإصرار عليها بحجة أن هذا لا ينافي الاتصاف بالإيمان، بل بحجة أن أحد كبار الأئمة يرى أنه (من صفات الإيمان والمؤمنين) . ولقد أحسن الحافظ المنذري ـ رحمه الله ـ صُنعاً إذ لم أجد لهذا الحديث عنده أثرٌ في كتابه القيم "الترغيب والترهيب" ـ على كثرة ما فيه من الواهيات ـ ولا يخفى على مثله هذا الحديث وجَوْدَةِ إسناده في الظاهر!! فإن قال قائل: ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: " كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون "؟ ، و (كل) أيضاً من صيغ العموم؟

قلت له: نِسْبَةُ هذا الحديث إليه - صلى الله عليه وسلم - غلطٌ عليه، فقد استنكره ابن حبان، وابن عدي، وأبو أحمد الحاكم ـ رحمهم الله ـ وإنما هو من الإسرائيليات كما رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عنها. وإنما الثابت قول ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: " كل ابن آدم خطَّاء ـ وفي رواية: ابن آدم خلق خطّاء ـ إلا ما رحم الله ـ عز وجل ـ ". ولابد من هذا الاستثناء لأن الصالحين والصديقين من الصحابة وتابعيهم بإحسان ليسوا كذلك، وإنما الذنوب واقعة من أهل الإسلام في الجملة، وما أجمل قوله - صلى الله عليه وسلم - الدال على هذا المعنى ـ: " لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون، يغفر لهم "، وفي اللفظ الآخر: " والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم " رواهما مسلم عن أبي أيوب وأبي هريرة. هذا ما بدا لي، ولم يتيسر لي أن أستشير أحداً من أهل العلم، إلا أخاً واحداً حبيباً إلى نفسي أقرَّني على هذا الفهم، وإني بانتظار من عنده جديد في المسألة. اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجِلَّه، وأوله وآخره، وعلانيته وسره. اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي. اللهم اغفر لي ما قدَّمتُ، وما أخَّرْتُ، وما أسرَرْتُ، وما أعلَنْتُ، وما أسرَفْتُ، وما أنت أعلم به مني، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. آمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله.

من الألغاز:

من الألغاز: [برجاء ترك الاستعانة بالأجهزة، والاعتماد على الملكة والقدرة على البحث] . الأول: حديث علي بن حفص المدائني الذي رواه عن شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " كفى بالمرء إثماً أن يُحَدِّث بكل ما سمع "، وخالفه جمهور أصحاب شعبة، فرووه عنه بهذا ... الإسناد مرسلاً. في حالةٍ واحدةٍ فقط ـ افتراضية ـ يصحُّ القولُ بصحة الحديث مرسلاً، وموصولاً عن أبي هريرة رضي الله عنه. ما هي هذه الحالة؟ الثاني: ـ ترجم ابن عساكر ـ رحمه الله ـ لـ (عكرمة مولى ابن عباس) في "تاريخه" (41 /72: 126ط. دار الفكر) ، والمراد الإجابتة عن الآتي: 1 ـ ذَكَر في جملة الرواة عنه راويين أخطأ في نسبتهما. 2 ـ روى عن أبي حاتم الرازي أنه ذكر في ترجمة عكرمة راوياً عَبْدياً اختُلِف في بصريته وكوفيته، واختار أنه كوفي. 3 ـ فيما رواه عن ابن عدي بإسناده إلى قتادة قال: " ما حفظت عن عكرمة إلا بيت شعر " نكارة إسناداً ومتنا بَيِّن، مستدلاً بكلام أهل العلم.

الثالث: حديث: " من لم يهتم بأمر المسلمين، فليس منهم ". صَحَّ موقوفاً على أحد أتباع التابعين، تم تحرير أمر عرض له في ترجمة داود ابن علي بن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهم ـ بَيِّن ذلك. وفقنا الله جميعاً لاتباع مرضاته. آمين. والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً. اللَّهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صَلَّيتَ على آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ. اللَّهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ. تم الكتاب ـ بحمد الله ـ ليلة الثلاثاء الحادي والعشرين من شعبان سنة 1425هـ والخامس من أكتوبر 2004 م.

§1/1