أحاديث تعظيم الربا على الزنا «دراسة نقدية»

علي الصياح

ملخص البحث

ملخص البحث عنوان البحث: أحَاديثُ تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا دِرَاسةٌ نَقْديةٌ. مجال الدراسة: علم الحديث النبوي. الباحث: د. علي بن عبد الله الصيّاح. التخصص: الحديث وعلومه. عدد صفحات البحث: 200. مشكلة البحث: أنَّ هناك تفاوتاً كبيراً بين علماء الحديث في الحُكْمِ عَلى أحَاديث تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا فيرى بعضُهُم أنّها صحيحةٌ بلْ عَلى شرطِ الشيخين، وفي المقابل يرى آخرون أنّها موضوعةٌ، وبين القولين أقوالٌ متفاوتة، فما هو الصحيحُ في ذلكَ؟ وما أسباب هذا الاختلاف؟ وهل يمكن أن يكون درهم واحد مِنْ الرّبَا أشدّ من الزنا، بل في بعض روايات الحَدِيث: ((أدناها مثل أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ))؟. هدف البحث: يهدف البحث إلى: 1 - جمعِ وتتبع طُرُق أحَاديثُ تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا، ودراسة كلّ طريق وفق ميزان النقد الحديثي الذي وَضَعَهُ عُلماءُ الحَدِيث. 2 - بيانِ أقوالِ علماء الحَدِيث - المتقدمين منهم والمتأخرين - في الحُكْمِ عَلى الحَدِيث، مَعَ بيانِ الرأي الراجح في ذلكَ بعدَ الموازنةِ والتعليل.

3 - النظر في متن الحديث ومدى موافقته للأصول التي دل عليها القرآن الكريم، والسنة الصحيحة. أهم النتائج: من أهم النتائج التي توصل إليها الباحث: - ضعفُ الحديث من جميع طرقه، وعدمُ صلاحية جميع الطرق للشواهد والمتابعات. - أنَّ تَعْظيمِ الرّبا على الزنا ثابت عن اثنين من مسلمة أهل الكتاب، بل ومن علمائهم وأحبارهم: الأوَّل: الصحابي الجليل عبد الله بن سلام، والثاني: التابعي الجليل كعب الأحبار، وبين البحث السر في ذلك. - أنّ غالبَ من نقد الحديث وأعله من متقدمي المحدثين وكبارهم، وغالب من صحح الحديث من المتأخرين والمعاصرين. - وعلى ما تقدم - من ضعف جميع الأحاديث الواردة في هذا الباب - أرى أنه لا ينبغي أبداً التكلف بتقرير تَعْظيمِ الرّبا على الزنا، فالآيات الكريمة، والسنة الصحيحة موضحةٌ أنّ الزنا أشدّ خطراً وأعظم مفسدة من الربا، فتبقى نكارة المتن قائمة.

مقدمة

مقدمة إنَّ الحمدَ لله، نحمدُهُ ونستعينهُ، ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. أمَّا بعد: فإنَّ مِنْ طرائقِ المحدثين في التصنيف إفرادُ بعضِ الأحاديث بجزءٍ ومصنفٍ، والكلام عليه عقدياً أو حَدِيثياً أو فقهياً أو لغوياً أو غير ذلك (¬1). وفي الغالب أنّ الأحاديثَ المفردةَ بالتصنيفِ تكونُ إمّا: - مِنْ جَوامعِ كَلِمهِ - صلى الله عليه وسلم - كحَدِيثِ "إنما الأعمالُ بالنيات"، وَحَدِيث" بُني الإسلامُ عَلى خمسٍ". - أو مِنْ الأحَادِيثِ المشتملة عَلى "فوائد خطيرة، وفرائد غزيرة، ومباحث كثيرة" (¬2) كحَدِيثِ "ذي اليدين"، وَحَدِيثِ "المسيء صلاته". - أو مِنْ الأحَادِيثِ المُشْكِلة التي تحتاجُ إلى جَلاء وبيان كحَدِيثِ ¬

(¬1) وقد جمع الباحث يوسف العتيق الأحاديث التي أفردت بالتصنيف في كتاب سماه"التعريف بما أفرد من الأحاديث بالتصنيف"، الطبعة الأولى، 1418، دار الصميعي - الرياض -. (¬2) مقتبس من مقدمة العلائيّ لكتابه "نظم الفرائد لما تضمنه حَدِيث ذي اليدين من الفوائد" (ص 36).

"أُمِّ زَرْع (¬1) "، وَحَدِيثِ "لا تردُ يد لامسٍ". - أو مِنْ الأحَادِيثِ المتعارضة التي تحتاجُ إلى جمعٍ أو ترجيحٍ كحَدِيث "لا عَدوى ولا طِيَرة"، وَحَدِيث "بئر بُضَاعة". - أو مِنْ الأحَادِيثِ المُخْتَلفِ فيها صحةً وضعفاً كحَدِيث "القلتين". ولا شك أنّ الحَدِيث إذا أُفْرِدَ بالتصنيفِ كَانَ ذَلكَ أدْعَى للشموليةِ والاستقصاءِ مما يترتبُ عليه عُمْق البحث، ودِقة النتائج. ومِنْ الأحَادِيثِ الجديرة بالإفراد والتصنيف أحَاديثُ تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا وذلك لأسبابٍ عديدةٍ مِنْها: 1 - أنَّ هناك تفاوتاً كبيراً بين العلماءِ في الحُكْمِ عَلى الحَدِيث فيرى بعضُهُم أنّه صحيحٌ بلْ عَلى شرطِ الشيخين، وفي المقابل يرى آخرون أنّه موضوعٌ، وبين القولين أقوالٌ متفاوتة، فما هو الصحيحُ في ذلكَ؟، وما أسباب هذا الاختلاف؟. 2 - غَرابةُ متنِ الحَدِيث والتي استوقفت بعض النّقاد والعلماء: فدرهمٌ واحدٌ مِنْ الرّبَا أشدّ من الزنا - الذي عقوبةُ صاحبهِ تدورُ بين الجلدِ والتغريبِ أو الرّجم - بل في بعض روايات الحَدِيث: ((أدناها مثل أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ)). 3 - شُهْرةُ هذا الحَدِيث فكثيراً ما يُسْمعُ مِنْ الخطباء والوعاظ فضلاً عَنْ عموم الناس. ¬

(¬1) انظر: كلام القاضي عياض في مقدمة كتابه "بغية الرائد لما تضمنه حَدِيث أمِّ زَرْع من الفوائد" (ص 1).

4 - لم أقفْ عَلى مصنفٍ مستقلٍ يُحَرّر الكلام على الحَدِيث، ويستوعبُ طرقَهُ وَأسانيدَهُ، ويجمعُ شتاتَ ما قيل فيه، ويُبين سبب هذا التفاوت الكبير في الحكم على الحَدِيث، مع أهمية ذلك، وقد لمستُ مِنْ بعضِ علمائنا الأجلاء تمني بحث الحَدِيث بتوسعٍ ونقل كلام كبار النّقاد عليه. ويهدفُ البحث إلى: 4 - جمعِ وتتبع طُرُق أحَاديثُ تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا، ودراسة كلّ طريق وفق ميزان النقد الحديثي الذي وَضَعَهُ عُلماءُ الحَدِيث. 5 - بيانِ أقوالِ علماء الحَدِيث - المتقدمين منهم والمتأخرين - في الحُكْمِ عَلى الحَدِيث، مَعَ بيانِ الرأي الراجح في ذلكَ بعدَ الموازنةِ والتعليل. 6 - النظر في متن الحديث ومدى موافقته للأصول التي دل عليها القرآن الكريم، والسنة الصحيحة. ولا شكّ أنّ جمعَ طُرُق الحَدِيثِ وَمَا قِيلَ فيهِ - مَعَ المناقشةِ والترجيحِ - في مؤلّف مُفْرد يُسهل على الباحثين مهمة النظر في الحَدِيث وتحقيق الراجح في حُكْمهِ. منهجُ البحثِ: يعتمد البحث في مثل هذه الدراسة على المنهج الاستقرائي في جمع وتتبع طُرُق الحَدِيث وأقوال النّقاد عليه، ومِنْ ثَمَّ الدراسة والموازنة في ضوء منهج النقد عَنْد المحدثين. خطة البحث: ويتكون البحث مِنْ مُقدمةٍ وَفصلين وخَاتمةٍ وفهارس فنية:

1 - المقدّمة - وهي هذه -. 2 - الفصل الأوَّل: تخريجُ طُرُق الحَدِيث وَالحُكْم عليها، وفيه مباحث: المبحثُ الأوَّل: تخريجُ حَدِيث أنس بنِ مَالِك - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. المبحثُ الثاني: تخريجُ حَدِيث الْبَرَاء بنِ عازب - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. المبحثُ الثالث: تخريجُ حَدِيث عبدِ الله بنِ سَلاَم - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. المبحثُ الرابع: تخريجُ حَدِيث عبدِ الله بنِ عَبَّاس - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. المبحثُ الخامس: تخريجُ حَدِيث عبدِ الله بنِ عُمَر - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. المبحثُ السادس: تخريجُ حَدِيث عبدِ الله بنِ مسعود - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. المبحثُ السابع: تخريجُ حَدِيث أبي هُرَيرة - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. المبحثُ الثامن: تخريجُ حَدِيث وَهْبِ بنِ الأسود أو الأسود بن وَهْب - رضي الله عنه - - على خلافٍ في ذلك - والحُكْمُ عليهِ. المبحثُ التاسع: تخريجُ حَدِيث عائشة - رضي الله عنها -، وَحَدِيثِ عبد الله بنِ حنظلة - رضي الله عنه -، وقول كعب الأحبار رحمه الله والحُكْمُ عليهِا (¬1). ¬

(¬1) بينتُ في هذا المبحث سبب تأخير وجمع حديث عائشة، وحديث عبد الله بن حنظلة، وقول كعب عن بقية الأحاديث.

المبحثُ الثامن: الآثارُ الواردةُ عَنْ الصحابةِ في ذلكَ، وفيه مطلبان: المطلبُ الأوّل: تخريجُ أثر عثمان بن عفان - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. المطلبُ الثاني: تخريجُ أثر علي بنِ أبي طالب - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. 3 - الفصل الثاني: تتمات حول أحَاديثُ تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا، وفيه مباحث: المبحثُ الأوَّل: نظرةٌ تحليلية في المصادر الأصلية التي روتْ أحاديث تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا. المبحثُ الثاني: خُلاصةُ الكلامِ عَلى الحَدِيث، وفيه مطالب: المطلب الأوّل: مَنْ قوّى الحديث - أو بعض طرقه - من العلماء، وأسباب ذلك. المطلب الثاني: مَنْ ضعف الحديثَ مِنْ العلماء، وأسباب ذلك. المطلب الثالث: مجملُ الرأي الراجح، وخلاصة الكلام على الأحاديث. المبحثُ الثالث: نكتةٌ علميةٌ في تَلَمُسِ سبب ورود تَعْظيمِ الرّبا على الزنا عن اثنين من مسلمة أهل الكتاب وأحبارهم. 4 - الخاتمة: وتتضمن أبرز النتائج والتوصيات. 5 - قائمة المصادر والمراجع. وأنبه هنا أني أذكر بعد استيفاء الكلام على الطريق المعين أقوال علماء الحديث عليه تقويةً أو تضعيفاً، لكي يكون القارىء متصوراً الطريق وما قيل فيه في موطنٍ واحد، فإن كان هناك ما يحتاج للتعليق والمناقشة فعلتُ.

وبعدُ فهذا "جهدُ المقل والقدر الذي واتاه {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} (الطلاق: 7)، وإليه سبحانه وتعالى السؤال أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم، مقتضيا لرضاه، وأن لا يجعل العلم حجة على كاتبه في دنياه وأخراه، وعلى الله قصد السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل" (¬1). ¬

(¬1) مقتبس من مقدمة العلائيّ لكتابه "نظم الفرائد لما تضمنه حَدِيث ذي اليدين من الفوائد" (ص 36).

الفصل الأول تخريج طرق الحديث والحكم عليها

الفصلُ الأوَّلُ تخريجُ طُرُق الحَدِيث والحكم عليها

المبحث الأول تخريج حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - والحكم عليه

المبحثُ الأوَّلُ تخريجُ حَدِيثِ أنس بنِ مَالِك - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. رُوي الحَدِيث عَنْ أنس بنِ مَالِك مِنْ طريقين: 1 - طريق ثابت البُناني، عَنْ أنس بنِ مَالِك مرفوعاً. 2 - يحيى بن أبي كثير، عَنْ أنس مرفوعاً. • الطريقُ الأوَّل: طريقُ ثابت البُناني، عَنْ أنسِ بنِ مَالِك مرفوعاً. 1 - تخريجُ الحَدِيث: أخرجه: - ابنُ أبي الدّنيا في الصمت (ص 123 - 124 رقم 175). - وابنُ عديّ في الكامل (4/ 233) - ومن طريقه ابن الجَوزيّ في الموضوعات (3/ 22 رقم 1227) -. - والبيهقيّ في شُعب الإيمان (4/ 395). - والأصبهانيّ في الترغيبِ والترهيبِ (2/ 192 رقم 1410). جميعهم من طريق أبي مجاهد عبد الله بنِ كيسان، عَنْ ثابت البُناني، عَنْ أنس بن مَالِك قَالَ: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الرّبَا وعظّم شأنه فَقَالَ: ((إنّ الرجُلَ يصيبُ مِنْ الرّبَا أعظمُ عَنْدَ الله في الخطيئةِ مِنْ ستٍ وَثلاثين زَنْية يزنيها الرجُل، وإنَّ أربى الرّبَا عرضُ الرجُلِ المسلم)).

قَالَ البيهقيُّ: ((تفرد به أبو مجاهد عبدُ الله بنُ كيسان المروزيّ، عَنْ ثابت، وهو منكر الحَدِيث)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - ثابت البُناني هو: ابن أسلم البُناني - بضم الموحدة، ونونين - أبو محمد البصري، متفق على ثقته وصلاحه، رَوَى له الجماعة (¬1). 2 - وعبد الله بن كيسان، أبو مجاهد المروزي، ضعيف الحديث، وخاصةً عَنْ عكرمة مولى ابن عَبَّاس، وثابت البناني، قَالَ البخاري: ((منكر الحَدِيث)) (¬2)، وَقَالَ أبوحاتم: ((ضعيفُ الحَدِيث)) (¬3)، وَقَالَ العُقَيلي: ((في حديثهِ وهمٌ كثير)) (¬4)، وذكر له العقيلي حديثين منكرين عَنْ ثابت ثم قَالَ: ((وليس لهما من حَدِيث ثابت أصل، وأصح الناس حديثا عَنْ ثابت حماد بن سلمة))، قَالَ ابنُ عدي: ((ولعبدِ الله بن كيسان عَنْ عكرمة عَنْ ابن عَبَّاس أحاديث غير ما أمليت غير محفوظة وعَنْ ثابت عَنْ أنس كذلك)) (¬5)، وقال الذهبيّ: ((ضعيف)) (¬6)، وقال ابنُ حَجَر: ((صدوقُ يخطىء كثيراً)) (¬7)، روى له البخاري في الأدب المفرد حديثاً واحداً، وأبو داود (¬8). ¬

(¬1) انظر: الجرح (2/ 449 رقم 1805)، تهذيب الكمال (4/ 342 - 349). (¬2) التاريخ الكبير (5/ 178 رقم 561)، الكامل في ضعفاء الرجال (4/ 233)، ميزان الاعتدال (4/ 165). (¬3) الجرح والتعديل (5/ 143 رقم 669). (¬4) الضعفاء للعقيلي (2/ 290). (¬5) الكامل في ضعفاء الرجال (4/ 233). (¬6) المغني في الضعفاء (2/ 806 رقم 7702). (¬7) تقريب التهذيب (ص 319 رقم 3558). (¬8) الكاشف (1/ 590 رقم 2930)، المغني في الضعفاء (1/ 352 رقم 3315، 2/ 806 رقم 7702)، تهذيب التهذيب (5/ 325).

وذَكَرَهُ ابنُ حبان في الثقات وَقَالَ: ((يتقي حديثه من رواية ابنه عَنْه)) (¬1)، وذِكْرُ ابنِ حبان له في الثقات - مع تضعيف النّقاد له - دليل من الأدلة الكثيرة على تساهله في باب التوثيق، فهذا التوثيق لا يفرح به، وسيأتي لهذا نظائر في هذا البحث (¬2). قال الذهبي: ((صخرٌ لا يُعْرف إلا في هذا الحديثِ الواحد، وَلا قِيلَ إنّه صحابيّ إلاّ بهِ، وَلا نَقَلَ ذلكَ إلاّ عُمَارة، وعُمَارةُ مجهولٌ، كَما قَالَ الرازيان، ولا يُفرح بذكر ابن حبان له في الثقات، فإن قاعدته معروفة من الاحتجاج بمن لا يعرف)) (¬3). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: هذا الحَدِيث بهذا الإسناد ضعيف لأمور: 1 - أنَّ عبد الله بن كيسان ضعيف، وينفرد بأشياء ليس لها أصول، خاصةً عَنْ ثابت البناني كما بين ذلك العقيليّ، وابن عدي. 2 - تفرد عبد الله بن كيسان بالحديث عَنْ ثابت البناني مما يزيد الحَدِيث وهناً، فأين أصحابُ ثابت البناني لم يرووا هذا الأثر عَنْه!!. قَالَ ابنُ رَجَب: ((أصحاب ثابت البُناني: وفيهم كثرة، وهم ثلاث طبقات: الطبقة الأولى: الثقات: كشعبة، وحماد بن زيد، وسليمان بن المغيرة، وحماد بن سلمة، ومعمر، وأثبت هؤلاء كلهم في ثابت حماد بن سلمة ... ¬

(¬1) الثقات (7/ 33) (¬2) انظر: ص 35، 90. (¬3) الميزان (5/ 211)، وانظر: الميزان (2/ 458، 3/ 146)، لسان الميزان (1/ 14، 4/ 277، 1/ 331).

الطبقة الثانية، الشيوخ: مثل الحكم بن عطية، وقد ذكر أحمد الحكم بن عطية فَقَالَ: " هؤلاء الشيوخ يخطئون على ثابت " ... الطبقة الثالثة: الضعفاء والمتركون: وفيهم كثرة، كيوسف بن عطية الصفّار ...)) (¬1). ومن قرائن إعلال الأخبار عند نقاد الحديثِ وأطباء علله "أنْ يتفرد راوٍ بخبر عن إمام مشهور يجمع حديثه" وكلما كَانَ الراوي أقلَّ ضبطاً كانتْ الرواية أشدّ ضعفاً ونكارة. قَالَ ابنُ أبي حاتم: ((سمعتُ أبي وذكر حديثا رواه قُران بن تمام عن أيمن بن نابل عن قدامة العامري فَقَالَ: رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالبيت يستلم الحجر بمحجنه، سمعتُ أبي يقولُ: لم يرو هذا الحَدِيث عن أيمن إلا قُران ولا أراه محفوظا، أين كان أصحاب أيمن بن نابل عن هذا الحَدِيث؟)) (¬2). وَقَالَ مُسلمُ بنُ الحجاج في مُقدّمةِ صحيحهِ: ((فأمَّا مَنْ تراهُ يَعْمدُ لمثلِ الزُّهريّ في جَلالتهِ، وَكثرةِ أصحابهِ الحفّاظ المتقنين لحديثِهِ وَحَدِيثِ غيرهِ، أو لمثلِ هشامِ بنِ عُروةَ، وحديثهُمَا عند أهلِ العلمِ مَبْسوطٌ مُشتركٌ قد نَقَلَ أصحابهما عنهما حَدِيثهما علَى الاتفاق منهم في أكثرهِ، فَيروى عنهما أو عن أحدهما العَدَدُ مِنْ الحَدِيثِ مما لا يعرفُهُ أحدٌ مِنْ أصحابهما، وَليسَ ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم فغيرُ جائزٍ قبولُ حَدِيثِ هذا الضربِ مِنْ النّاس)) (¬3). وقَالَ عبدُ الرحمن بنُ مهدى: قيل لشعبة: مَنْ الذي يتركُ حديثه؟ ¬

(¬1) شرح علل الترمذيّ (2/ 690). (¬2) العلل (1/ 296 رقم 886). (¬3) (1/ 7).

قَالَ: إذا روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون فأكثر ترك حديثه، فإذا اتهم بالحديث ترك حديثه، فإذا أكثر الغلط ترك حديثه، وإذا روى حديثا اجتمع عليه أنه غلط ترك حديثه، وما كانَ غير هذا فأرو عنه (¬1). وقَالَ ابنُ رَجَب: ((أمَّا أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحَدِيث - إذا تفرد به واحد - وإن لم يرو الثقات خلافه -: إنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً، ولهم في كل حَدِيث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه)) (¬2). 3 - أنّ عبد الله بن كيسان سَلَكَ في هذا الحَدِيث الجادة، وهذه عَادةُ الضعفاءِ عِنْد الخطأ، قَالَ ابنُ رَجَب: ((وَقَالَ (¬3) في عُمَارة بنِ زَاذان: يروي عَنْ ثابت أحاديثَ مناكير، ثمّ قَالَ: هؤلاء الشيوخ رَووا عن ثابت، وكان ثابت جُلّ حَدِيثهِ عَنْ أنس، فَحَمَلوا أحاديثه عن أنس ... ، وقَالَ ابن هاني: قَالَ أحمدُ: " كَانَ حماد ثبتاً في حَدِيث ثابت البناني، وبعده سليمان بن المغيرة، وكانَ ثابت يحيلون عليهِ في حَدِيث أنس، وكلّ شئ لثابت رَوَي عَنْه يقولون: ثابت عَنْ أنس "، وَقَالَ أحمدُ - في رواية أبي طالب -: " أهلُ المدينةِ إذا كَانَ الحَدِيث غلطاً يقولون: ابنُ المنكدر عَنْ جابر، وأهلُ البصرة يقولون: ثابت عَنْ أنس، يحيلون عليهما ". ومُراد أحمد بهذا كثرة من يروي عَنْ ابن المنكدر من ضعفاء أهل ¬

(¬1) الضعفاء للعقيلي (1/ 13)، معرفة علوم الحَدِيث للحاكم (ص 62)، الكفاية (142)، شرح علل الترمذي (1/ 400) (¬2) شرح علل الترمذي (1/ 352). (¬3) أي: أحمد بن حنبل.

المدينة، وكثرة من يروي عَنْ ثابت من ضعفاء أهل البصرة، وسيئ الحفظ والمجهولين منهم، فإنه كَثُرتْ الرواية عَنْ ثابت من هذا الضرب فوقعت المنكرات في حديثه، وإنما أُتي مِنْ جهة من رَوَى عَنْه من هؤلاء، وذَكَرَ هذا المعَنْى ابنُ عديّ وغيرهُ. ولما اشتهرت روايةُ ابنِ المنكدر عَنْ جابر، ورواية ثابت عَنْ أنس صَارَ كُلّ ضعيفٍ وسيئ الحفظ إذا رَوَى حَدِيثاً عَنْ ابن المنكدر يجعله عَنْ جابر عَنْ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنْ رَوَاهُ عَنْ ثابت جَعَلَهُ عَنْ أنس عَنْ النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذا معَنْى كلام الإمام أحمد والله أعلم)) (¬1). وكثيراً ما ينبه المحدثون على هذه القرينة ويستعملونها في إعِلال الأخبار، مِنْ ذلكَ قولُ أبي حَاتِم: ((بُسْر قد سمع من واثلة، وكثيراً ما يحدث بُسْر عن أبي إدريس فغلط ابن المبارك، وظن أنّ هذا مما رَوَى عن أبي إدريس عن واثلة)) (¬2). وقول ابن عدي: ((والمقدّمي مع ضعفه أخطأ على حماد بن زيد فقال: عن ثابت عن أنس، وكان هذا الطريق أسهل عليه، وإنما هو ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة)) (¬3). وقال ابنُ دقيق العيد: ((أنّ الطريقة المعروفة: عروة عن عائشة، وعروة عن فاطمة نادر، وأقرب عند التحديث من الحفظ سبق الوهم إلى الغالب المشهور، فعدوله عنه إلى النادر أقرب إلى أن يكون عن تثبت، وقد رجح بعض الروايات بمثل هذا)) (¬4). ¬

(¬1) شرح علل الترمذيّ (2/ 690). (¬2) العلل (1/ 349 رقم 1029) (¬3) الكامل (1/ 201) وانظر: الكامل (1/ 421، 3/ 418، 4/ 78، 6/ 229، 286). (¬4) الإمام (3/ 188).

وقد ذَكَرَ الحديثَ ابنُ عديّ في ترجمة عبد الله بنِ كيسان ضمن منكراته، وقالَ: ((ولعبدِ الله بن كيسان عَنْ عكرمة عَنْ ابن عَبَّاس أحاديث غير ما أمليت غير محفوظة، وعَنْ ثابت عَنْ أنس كذلك))، ومِنْ عادةِ ابنِ عديّ في كتابهِ "الكامل" ذِكْرُ أبرز ما أُنكر على الراوي وقد قال في مقدمة كتابهِ: ((وذَاكرٌ لكل رجل منهم مما رواه ما يُضَعّف من أجله، أو يَلْحَقه بروايته له اسم الضعف؛ لحاجة الناس إليها)) (¬1)، وَقَالَ الحافظ ابن حجر: ((من عادة ابن عدي في الكامل، أن يخرج الأحاديث التي أنكرت على الثقة، أو على غير الثقة)) (¬2). وحَكَمَ العراقيُّ على الحَدِيث بقولهِ: ((سندُهُ ضعيفٌ)) (¬3). وتعقبه الزَّبيديّ (¬4) بقوله: ((قلتُ: ليس فيه من وصف بالضعف، وأبو مجاهد سعد الطائيّ ذكره ابن حبان في الثقات، وَقَالَ أحمد: إنه لا بأس به، ونسبه فَقَالَ: سعد بن عبيد الطائي الكوفي، رَوَى له البخاريّ وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وعلي بن شقيق وابنه محمد ما رأيتُ أحداً وصفهما بضعفٍ ولا غيرهِ، وَقَالَ الكمال الدّميريّ (¬5) - كما وُجِدَ بخطهِ هُنَا -: الحَدِيث رُوّيناهُ في مُسْند أحمد)) (¬6). ¬

(¬1) الكامل (1/ 2). (¬2) هدي الساري (ص 429). (¬3) تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (4/ 1742). (¬4) هو: محمد بن محمد الحسيني الزَّبيديّ (1145 - 1205) علامة باللغة والحديث والرجال، وله مؤلفات كثيرة منها"إتحاف السادة المتقين" شرح إحياء علوم الدين. الأعلام للزركلي (7/ 70). (¬5) هو: محمد بن موسى بن الكمال أبو البقاء الدَّميري الأصل القاهري الشافعي (742 - 808) قَالَ السخاويُّ: ((برع في التفسير والحديث والفقه وأصوله والعربية والأدب وغيرها)). الضوء اللامع (10/ 59). (¬6) المرجع السابق.

وفي كلام الزَّبيديّ أمرانِ: الأوَّل: أنه اشتبه عليه راو متفق على ضعفه وهو أبو مجاهد عبد الله بن كيسان براو آخر لم يُتكلم فيه ووثق وهو أبومجاهد سعد الطائيّ (¬1)، فَظَنّ أنّ راوي الحَدِيث هو الثاني الذي لم يتكلم فيه، وهذا وهم فراوي هذا الخبر هو الأوَّل المتفق على ضعفه، ولست بحاجةٍ لتكرار ما يفيد ذلك من أقوال العلماء، وكذلك من تصرفاتهم في كتبهم - حيثُ ذَكَروا هذا الحَدِيث في تَرْجمتهِ مَنسوباً إليه - فكلُّ ذلكَ تقدّم. الثاني: ما نقله عَنْ الكمال الدّميريّ من أنّ الحَدِيث في مسند أحمد غريبٌ، فلم أقف عليه بعد البحث ولم يذكره ابن حجر في الأطراف، ولم أر أحداً نسبه للمسند غير الدّميريّ!. ثُمّ بدا لي أنَّ الدّميريّ رُبما قَصَد أنَّ متن الحديث في مسند أحمد - وهو كذلك ولكن مِنْ طريقٍ آخر كما سيأتي (¬2) -، وإنْ كَان كلام الزَّبيديّ: ((كما وُجِدَ بخطهِ هُنَا)) يُشعر بأنه يقصد الحديث بسنده ومتنه، واللهُ أعلمُ. • الطريقُ الثاني: يحيى بنُ أبي كثير، عَنْ أنس مرفوعاً. 1 - تخريج الحَدِيث: أخرجهُ: ابنُ الجَوزيّ في الموضوعات (3/ 22 رقم 1228) من طريق الدَّارقُطني - ولم أقف عليه في السنن، فلعله في الغرائب والأفراد - قَالَ الدَّارقُطني: حَدَّثنَا أحمد بن محمد بن إبراهيم الصلحي، قَالَ: حَدَّثنَا ¬

(¬1) تهذيب التهذيب (3/ 421). (¬2) انظر: ص 128 من هذا البحث.

أبو فروة يزيد بن محمد، قَالَ: حَدَّثنَا أبي قَالَ: حَدَّثنَا طلحة بن زيد عَنْ الأوزاعي يحيى بن أبي كثير، عَنْ أنس بن مَالِك قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الرّبَا سبعون باباً أهون باب منه الذي يأتي أمَّهُ في الإسلام وهو يعرفها، وإنَّ أربى الرّبَا خَرْقُ المرء عِرْضَ أخيه المسلم، وخَرْقُ عرضه يقول فيه ما يكره من مَسَاوِئِهِ، والبُهتان أن يقول فيه ما ليس فيه)). وَقَالَ الدَّارقُطني - كَمَا في أطرافِ الغرائب والأفراد (2/ 251) -: ((غَريبٌ مِنْ حَدِيثِ يحيى عَنْه، وَغَريبٌ مِنْ حَدِيث الأوزاعيّ، عَنْ يحيى، تفرّدَ بهِ طلحةُ بنُ زيد عَنْ الأوزاعي، وتفرد به عَنْه محمدُ بنُ يزيد بن سنان)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - يحيى بن أبي كَثِير هو: الطائي مولاهم، أبو نصر اليَمَامي، متفقٌ على توثيقه، وكان يرسل، وَقَالَ العقيلي: ((ذُكر بالتدليس)) (¬1)، والمراد بالتدليس هنا رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه (¬2) ومما يوضح ذلك قولُ حُسينِ المُعَلّم: قُلْنَا ليحيى بنِ أبي كَثير: إنّكَ تحدثُنَا عَنْ قومٍ لَمْ تلْقهُم، وَلم تسمعْ مِنْهُم .. (¬3)،وَقولُ ابنِ حبان: ((كان يُدلس، فكل ما روى عَنْ أنس فقد دلس عنه، لم يسمع من أنس ولا من صحابي شيئاً)) (¬4)، وقد ذكره العلائيُّ - وتابعه ابن حجر - في الطبقة الثانية من المدلسين، وهم من احتمل الأئمة تدليسهم، روى له الجماعة، مات سنة ¬

(¬1) الضعفاء الكبير (4/ 423 - 424). (¬2) وهذه الصورة إحدى معاني التدليس عند المحدثين، انظر: معرفة علوم الحديث (ص 109)، وموقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين (ص 331)، ومنهج المتقدمين في التدليس (ص 60). (¬3) ضعفاء العقيلي (4/ 423). (¬4) الثقات (7/ 591 - 592).

اثنتين وثلاثين ومائة (¬1). 2 - والأوزاعيُّ هُو: عبدُالرحمن بن عَمْرو ثقةٌ فقيهٌ جَليلٌ، قَالَ ابنُ مهديّ: ((الأئمةُ في الحَدِيث أربعة: الأوزاعي، ومالك، وسفيان الثوري، وحماد بن زيد))، رَوَى له الجماعة، مَاتَ سنة سبع وخمسين ومائة (¬2). 3 - وطلحة بن زيد هو: القرشي أبو مسكين أو أبو محمد الرقي أصله دمشقي متروكُ الحَدِيث، قَالَ أحمدُ بنُ حنبل، وعلي بنُ المديني، وأبو داود: كَانَ يضعُ الحَدِيث، رَوَى لهُ ابنُ ماجة (¬3). وقد ذَكَرَ ابنُ عديّ لطلحةَ بنِ زيد حديثاً من طريق أبي فروة يزيد بن محمد بن سنان قَالَ: حَدَّثنَا أبي قَالَ: حَدَّثنَا طلحة بن زيد الرقي عَنْ الأوزاعي عَنْ يحيى بن أبي كثير عَنْ أنس بن مَالِك قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ تَكلم بالفارسيةِ زادت في خُبْثِه (¬4)، ونقصت مِنْ مروءتِهِ))، فَقَالَ: ((وهذا الحَدِيث بهذا الإسناد باطل، وبهذا الإسناد أحاديث)) (¬5). ¬

(¬1) انظر: تهذيب الكمال (31/ 504 - 511)، جامع التحصيل (ص 113)، تعريف أهل التقديس (ص 127 رقم 63). (¬2) انظر: تهذيب الكمال (17/ 307 - 316)، التهذيب (6/ 240 - 241). (¬3) تهذيب التهذيب) 5/ 15)، تقريب التهذيب (ص 282 رقم 3020). (¬4) تصحفت في الكامل إلى (خبه) فعلق المحقق بقوله (الخب: الخداع - النهاية لابن الأثير)!. والحديث أخرجه: الحاكم في المستدرك (4/ 98)، وقال ابن حجر - تعليقاً على قول تبويب البخاريّ "باب من تكلم بالفارسية" -: ((وأشار المصنف إلى ضعف ما ورد من الأحاديث الواردة في كراهة الكلام بالفارسية كحديث كلام أهل النار بالفارسية وكحديث من تكلم بالفارسية زادت في خبثه ونقصت من مروءته أخرجه الحاكم في مستدركه وسنده واه)). فتح الباري (6/ 184). (¬5) الكامل (4/ 108).

3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: هذا الإسنادُ باطلٌ لأمرين: 1 - أنّ طلحةَ بنَ زيد متروكُ الحَدِيث بل رُمي بالوضع كما تقدم. 2 - تفرد طلحة بالحديث عَنْ الأوزاعي مما يؤكد بطلان هذه الرواية، فالأوزاعي إمام أهل الشام في زمانه، فأين أصحابُ الأوزاعي لم يرووا هذا الأثر عَنْه!. قَالَ ابنُ رَجَب: ((أصحاب الأوزاعيّ: ...)) (¬1)، فَذَكر أقوال النّقاد في أصحاب الأوزاعي، وممن ذكروا من أصحابه: عبد الحميد بن أبي العشرين، يزيد بن السمط، وسلمة بن العيار، والوليد بن مسلم، وعبد الله بن المبارك، والوليد بن مزيد، وأبوإسحاق الفزاري. وتقدم أنّ ابنَ عديّ ذَكَرَ حَدِيثاً بهذا الإسناد في ترجمة طلحة ثُمّ قَالَ: ((وهذا الحَدِيث بهذا الإسناد باطل، وبهذا الإسناد أحاديث)). قلتُ: ومنها حديثنا هذا فهو بهذا الإسناد. وَقَالَ ابنُ الجَوزيّ: ((تفرد به طلحةُ بنُ زيد، قَالَ البخاريّ: منكرُ الحَدِيث، وَقَالَ النسائيّ: متروكُ الحَدِيثِ)) (¬2). فخُلاصةُ الكلامِ عَلى حَدِيثِ أنس بنِ مالك أنّه لا يصح، ولا يعتمد عليه في الشواهد والمتابعات فالطريق الأوَّل لا أصلَ له، والثاني باطل وتقدم بيان علل هذين الطريقين. ¬

(¬1) شرح علل الترمذيّ (2/ 730). (¬2) الموضوعات (3/ 22 رقم 1228).

المبحث الثاني تخريج حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - والحكم عليه

المبحثُ الثاني تخريجُ حَدِيث الْبَرَاء بنِ عازب - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. رُوي الحَدِيث عن الْبَرَاء بنِ عازب مِنْ طريقين: 1 - طريقُ يحيى بنِ إسحاق بنِ عبد الله بن أبي طلحة عن البراء بن عازب مرفوعاً. 2 - طريقُ إسحاق بنِ عبد الله بن أبي طلحة - والد يحيى -، عن البراء بن عازب مرفوعاً. 1 - تخريجُ الطريقين: - الطريقُ الأوَّلُ: يحيى بنُ إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن البراء بن عازب مرفوعاً، أخرجه: - ابنُ أبي شيبة في مسنده (¬1) - كما في المطالب العالية (11/ 879) - قَالَ: حَدَّثنَا معاوية بن هشام. - وابنُ أبي حَاتم في المراسيل (ص 245) قَالَ: حَدَّثنَا محمد بن خلف العسقلانيّ، قَالَ: أخبرنا الفريابي. كلاهما عن عُمَر بن رَاشِد اليمامي عن يحيى بن (¬2) إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ¬

(¬1) ولم أقف عليه في القطعة المطبوعة من المسند، وهي ناقصة. (¬2) كذا وقع في المصدرين (يحيى بن إسحاق) وقد عنون ابن أبي حاتم في المراسيل لهذا بقوله: ((يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة))، وساق الحَدِيث في ترجمته، ووقع في إتحاف الخيرة للبوصيري (7/ 431) " يحيى بن إسحاق عن عبد الله بن أبي طلحة" تنبيهٌ: قام محقق المطالب العالية بتغيير " يحيى بن إسحاق" إلى " يحيى عن إسحاق" وَقَالَ - في الهامش -: ((تصحفت في جميع النسخ إلى "بن" فصارت " يحيى بن إسحاق بن عبد الله "، وما أثبته الصحيح من المعجم الأوسط للطبراني، وكتب الرجال)). كذا قَالَ - وفقه الله - وما أثبته غير صحيح بل الصحيح ما اتفقت عليه جميعُ النسخ، وأيد ذلكَ رواية ابن أبي حاتم في المراسيل وعنوانه عليه، ورواية الطبراني روايةٌ أخرى - يأتي تخريجها -، ويأتي أنّ عُمَر بن رَاشِد - وهو متفق على ضعفه - يضطرب فيه فتارةً يرويه عن يحيى بن إسحاق عن البراء، وتارةً: عن يحيى بن أبي كثير عن إسحاق بن عبد الله عن البراء. وأنبه هنا أنَّ وظيفةَ الباحث الأولى إثبات النّص سليماً كما أراده مؤلفه، فعلى الباحث أنْ يتحرى في ذلك غاية التحري، ويراعي قواعد التحقيق السليمة، فالأصل أن ينسخ المخطوط كما هُوَ، وينبه في الهامش على ما يلاحظ في نص الكتاب، إذْ إنه يحتمل أنّ ما يلاحظ صواب ولكن لم يتبين للباحث، وغير الباحث يجد مخرجاً ووجها لذلك.

عن البراء بن عازب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((الرّبَا اثنان وسبعون بابا، أدناها مثل إتيان الرجُل أمه وأربا الرّبَا استطالة الرجُل في عرض أخيه)). قَالَ ابن أبي حاتم: ((فسمعتُ أبي - رحمه الله - يقول: هو مرسل، لم يدرك يحيى ولا إسحاق البراء بن عازب)). - الطريق الثاني: طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن البراء بن عازب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أخرجه: الطبرانيُّ في المعجم الأوسط (8/ 73 - 74 رقم 7147) قَالَ: حَدَّثنَا محمد بن عبد الرحيم الديباجيُّ، قَالَ: حَدَّثنَا عثمان بن أبي شيبة، قَالَ: حَدَّثنَا معاوية بن هشام، قَالَ: حَدَّثنَا عُمَر بن رَاشِد عن يحيى بن

أبي كثير، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن البراء بن عازب مرفوعاً: ((الرّبَا اثنان وسبعون باباً، أدناها ...)). وَقَالَ: ((لم يرو هذا الحَدِيث عن يحيى بن أبي كثير إلاّ عُمَر بن رَاشِد، ولا رَوَاهُ عَنْ عُمَر بنِ رَاشِد إلاّ معاوية بن هشام، ولا يُرْوى عن البراء إلاّ بهذا الإسناد)). وَقَالَ ابن أبي حاتم: ((وسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيث رَوَاهُ الفِرْيابِيُّ، عَنْ عُمَر بنِ رَاشِد، عَنْ يَحْيَى بنِ إِسْحَاقَ بن (¬1) عَبْد الله بنِ أَبِي طَلْحة، عَنْ الْبَرَاء، عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الرّبَا اثنان وسَبْعُون (¬2)، أدناها مِثْلَ إتيان الرجُل أُمَّهُ"، قَالَ أَبِي: هُوَ مُرْسل، لَمْ يُدْرِكْ يَحْيَى بنُ إِسْحَاق الْبَرَاء، وَلا أَدْرَكَ والدُهُ الْبَرَاء)) (¬3). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاريُّ النّجاريّ المدنيّ، متفق على توثيقه، قَالَ ابن سعد: ((كان مالك لا يقدم عليه في الحَدِيث أحداً .. وكان ثقة كثير الحَدِيث))، روى له الجماعة، مات سنة أربع وثلاثين ومائة (¬4). 2 - يحيى بن إسحاق هو: ابن عبد الله بن أبي طلحة، وثقه ابن معين، والذهبيّ، وابن حجر، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم يسمع من ¬

(¬1) في المطبوع - وهي نسخة لا يعتمد عليها لكثرة الأخطاء والتصحيفات - (عن) وهو خطأ، وفي ثلاث نسخ خطية جيدة (بن). (¬2) في المطبوع (بابا) وليست في جميع النسخ الخطية!. (¬3) العلل (1/ 381 رقم 1136). (¬4) انظر: الطبقات (القسم المتمم: ص 288 - 289)، تهذيب الكمال (2/ 444 - 446)، التقريب (ص 101 رقم 367).

البراء، روى له أبو داود (¬1). 3 - يحيى بن أبي كثير تقدمت ترجمته (¬2)،وهو: متفقٌ على توثيقه، وكان يرسل. - وعمر بن رَاشِد هو: أبو حفص اليَمَامي، ضعيف، وخاصةً عن يحيى بن أبي كثير، قَالَ أحمد: ((لا يساوي حديثه شيئاً)) (¬3)، وقال أيضاً: ((حديثه ضعيف ليس بمستقيم، حدَّث عن يحيى بن أبي كثير بأحاديث مناكير)) (¬4)، وقال ابن معين: ((ليس بشيء)) (¬5)، وفي رواية: ((ضعيف)) (¬6)، وقَالَ البخاريُّ: ((يضطرب في حديثه عن يحيى)) (¬7)، وَقَالَ ابن حبان: ((كان من يروي الأشياء الموضوعات عن ثقات أئمة، لا يحل ذكره في الكتب إلاّ على سبيل القدح فيه، ولا كتابة حديثه إلاّ على جهة التعجب)) (¬8). وقالَ ابنُ عَديّ - بعدما ساق عدداً من منكراته عن يحيى بن أبي كثير وغيره -: ((ولعمر بن رَاشِد غير ما ذكرت من الحديث وعامة حديثه وخاصة عن يحيى بن أبي كثير لا يوافقه الثقات عليه، وينفرد عن يحيى بأحاديثٍ عِدادٍ، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق)) (¬9). ¬

(¬1) انظر: المراسيل (ص 245)، الجرح (9/ 125 رقم 530)، الثقات (7/ 593)، تهذيب الكمال (31/ 194 - 195)، الكاشف (3/ 249)، جامع التحصيل (ص 296 - 297)، التقريب (ص 587 رقم 7498). (¬2) ص: 22 من هذا البحث. (¬3) أحوال الرجال (ص 121)، الكامل (5/ 15). (¬4) الجرح (6/ 107 - 108 رقم 567). (¬5) تاريخ الدوري (4/ 345)، الضعفاء للعقيلي (3/ 157). (¬6) المرجع السابق. (¬7) التاريخ الكبير (6/ 155). (¬8) المجروحين (2/ 83 - 84). (¬9) الكامل (5/ 16).

وَقَالَ العجليّ وحده: ((لا بأس به)) (¬1)، وهذا تساهل من العجليّ، ومن تتبع كلام العجلي على الرجالِ وَجَدَ لهذا نظائر مما يخالف فيه جميع النقاد أو يوثق من لا يعرف، فعنده توسع في باب التوثيق وقد نبه على ذلك المعلميُّ فقَالَ: ((سعيد لا يروي عنه إلا ابنه، ولم يوثقه إلاّ العجلي وابنُ حبان، وقاعدة ابن حبان معروفة، وقد استقرأتُ كثيراً من توثيق العجليّ، فبان لي أنه نحو من ابن حبان)) (¬2). وَقَالَ أيضاً: ((وتوثيق العجلي وجدته بالاستقراء، كتوثيق ابن حبان أو أوسع)) (¬3). روى له الترمذيُّ حديثاً واحداً، وابن ماجه حديثين (¬4). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: هذا الإسناد ضعيفٌ جداً: 1 - فعُمَرُ بنُ رَاشِد متفقٌ عَلى ضعفهِ، وخاصةً عن يحيى بن أبي كثير كما تقدم، ويضطرب في هذا الحَدِيث على أوجه: ¬

(¬1) معرفة الثقات (2/ 165 رقم 1340). (¬2) الفوائد المجموعة (ص 22) هامش. (¬3) الأنوار الكاشفة (ص 70)، ومن أمثلة ذلك أيضاً هؤلاء الرواة الذين قواهم العجلي خلافاً لبقية النقاد: 1. كثير بن إسماعيل ويقال بن نافع النواء أبو إسماعيل التيمي، تهذيب التهذيب (8/ 367). 2. الفضل بن مبشر الأنصاري، تهذيب التهذيب (8/ 256). 3. فرقد بن يعقوب السبخي، تهذيب التهذيب (8/ 236). 4. عيسى بن سنان الحنفي أبو سنان القسملي، تهذيب التهذيب (8/ 189) 5. علي بن زيد بن جدعان، تهذيب التهذيب (7/ 283). 6. أصبغ بن نباتة، تهذيب التهذيب (1/ 316). 7. عمارة بن حديد. الميزان (5/ 211)، معرفة الثقات (2/ 162). وغيرهم. (¬4) انظر: الضعفاء الكبير (3/ 175 - 185)، الكامل (5/ 15 - 17)، تهذيب الكمال (21/ 340 - 343).

الأوَّل: يرويه عن يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن البراء بن عازب عن النبي مرفوعاً، وتقدم تخريجه. الثاني: يرويه عن يحيى بن أبي كثير، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن البراء بن عازب مرفوعاً، وتقدم تخريجه الثالث: يرويه عن يحيى بن أبي كثير، عن رجلٍ من الأنصار مرفوعاً، أخرجه عبد الرزاق في المصنف (8/ 314 رقم 15345) كتاب البيوع، باب ما جاء في الرّبَا، قَالَ: أخبرنا عُمَر بن رَاشِد، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجلٍ من الأنصار قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الرّبَا أحد وسبعون، أو قَالَ: ثلاثة وسبعون حوباً، أدناها ...)). 2 - والاضطرابُ المتقدمُ ذكرُهُ علةٌ أخرى للحديث يزدادُ به وهناً، ويؤكد نكارة رواية عُمَر عن يحيى بن أبي كثير. 3 - تفرد عُمَر بالحديث عن يحيى بن أبي كثير دليل على شدة نكارة هذه الرواية فأين أصحابُ يحيى بنِ أبي كثير - وهو الإمام المشهور الذي عُني المحدثون بجمعِ حَدِيثهِ - عن هذا الحديث المرفوع!.‍‍ قال ابنُ رَجَب: ((أصحابُ يحيى بنِ أبي كثير ..)) (¬1).ثم ذكر أقوال النقاد في بيان وعدّ أصحاب يحيى فممن ذُكِرَ منْ أصحاب يحيى المقدمين: هشام الدستوائي، وأبان العطار، والأوزاعي، وهمام بن يحيى، وحجاج الصواف، وحسين المعلم، وشيبان النحوي، وحرب بن شداد، ومعاوية بن سلام، وعلي بن المبارك وغيرهم فأين هؤلاء عن هذا الحديث المرفوع حتى يتفرد به راو متفق على ضعفه. ¬

(¬1) شرح علل الترمذي (2/ 677)، وانظر: تاريخ دمشق (59/ 41).

4 - وفي السند أيضاً انقطاعٌ بين يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة والبراء بن عازب، وكذلك والده إسحاق لم يدرك البراء كما بين ذلك أبو حاتم. ومما تقدم يعلم أنَّ: - قول المنذريّ: ((وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الرّبَا اثنان ... رَوَاهُ الطبرانيُّ في الأوسط من رواية عُمَر بن رَاشِد وقد وثق)) (¬1). فيه تساهل فعمر بن رَاشِد اتفق الأئمة على ضعفه - عدا العجلي -، وخاصةً عن يحيى بن أبي كثير، وهو في هذا الحَدِيث يضطرب، ولم يذكرا الانقطاع الذي في الإسناد. وضعف الشيخُ الألباني حَدِيثَ البراء بعينه - وإنْ كان الشيخ يرى أنّ الحديثَ صحيحٌ بمجموعِ طرقهِ - فقال - بعدما خرّج الحديث -: ((قلتُ: وهو ضعيف، عمر بن راشد قال الحافظ في التقريب: ضعيف، ومعاوية بن هشام صدوق له أوهام ...)) (¬2). قلتُ: ولم يذكر الشيخ بقية العلل المتقدم ذكرها، والتي تدل بمجموعها على أنّ الحديث ضعيفٌ جداً لا يصلح للشواهد والمتابعات. ¬

(¬1) الترغيب والترهيب (3/ 6). (¬2) السلسلة الصحيحة (4/ 488 رقم 1871).

المبحث الثالث تخريج حديث عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - والحكم عليه

المبحثُ الثالثُ تخريجُ حَدِيث عبدِ الله بنِ سَلاَم - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. رُوي الحَدِيث عن عبدِ الله بنِ سَلاَم من عدة طُرُق: 1 - طريق عطاء الخراساني، عَنْ عبد الله بن سَلاَم مرفوعاً. 2 - طريقُ عطاء بن يسار، عَنْ عبد الله بن سَلاَم موقوفاً عليه. 3 - طريق أبي سلمة، عَنْ عبدِ الله بنِ سَلاَم موقوفاً عليه. الطريقُ الأوَّلُ: طريقُ عَطاء الخراساني، عَنْ عبد الله بن سَلاَم مرفوعاً، أخرجه: الطبرانيُّ في المعجمِ الكبير (171 - 172 رقم 411 - القطعة من الجزء 13) قَالَ: حَدَّثنَا المقدام بنُ داود، قَالَ: حَدَّثنَا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار، قَالَ: حَدَّثنَا ابن لهيعة، عَنْ أبي عيسى الخراساني سليمان بن كيسان، عَنْ عطاء الخراساني، عَنْ عبد الله بن سَلاَم، عَنْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((الدّرهمُ يُصيبهُ الرجُل من الرّبَا أعظمُ عِنْدَ اللهِ من ثلاثة وثلاثين زَنْية يزنيها في الإسلام)). وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إنّ أبوابَ الرّبَا اثنان وسبعون حوباً، أدناه كالذي يأتي أمه في الإسلام)). • رجال الإسناد: 1 - عطاء الخراساني هو: ابن أبي مسلم أبو عثمان الخراساني،

واسم أبيه: ميسرة وقيل: عبد الله، وقد اختلف النقادُ في حالهِ اختلافاً طويلاً، وقد لخص حاله الذهبيُّ فَقَالَ: ((صدوق مشهور، وثقه ابن معين وأحمد والعجلي، وَقَالَ يعقوب بن شيبة: هو معروف بالفتوى والجهاد، وَقَالَ أبو حاتم: لا بأس به، وذكره العقيلي في الضعفاء، وَقَالَ ابن حبان: رديء الحفظ يخطئ فبطل الاحتجاج به، وَقَالَ الترمذي في كتاب العلل: قَالَ أحمد (¬1): ما أعرف لمالك رجلا يروي عنه يستحق أن يترك حديثه غير عطاء الخراساني، قلتُ: ما شأنه؟ قَالَ: عامة أحاديثه مقلوبة، قَالَ الترمذي: وعطاء الخراساني رجل ثقة، روى عنه مثل مالك ومعمر، ولم نسمع أن أحدا من المتقدمين تكلم فيه بشيء، وَقَالَ البَيهقيّ: عطاء الخراساني غير قوي، قاله في الوصايا)) (¬2)، ولعل ما قاله الذهبيّ هو الأرجح في حال عطاء، مات سنة خمس وثلاثين ومائة، روى له مسلم والأربعة (¬3). وعطاء لم يسمع من عبد الله بن سَلاَم، قَالَ ابنُ أبي حَاتم: ((عطاءُ الخراساني ... قَالَ أحمد بن حنبل: عطاء الخراساني لم يسمع من ابن عَبَّاس شيئاً، وقد رأى عطاء ابنَ عُمَر ولم يسمع منه شيئاً. ذكر أبي عَنْ إسحاق بن منصور عَنْ يحيى بن معين أنه قيل له: عطاء الخراساني لقي أحداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: لا أعلمه. قَالَ أبو زرعة: عطاء الخراساني عَنْ عثمان مرسل، سئل أبو زرعة عَنْ عطاء ¬

(¬1) كذا وقع في المغني ولم يعلق المحقق عليه، والصواب "البخاري" كما في علل الترمذي الكبير (ص 271 رقم 500)، وجميع كتب الرجال نقلته على الصواب. (¬2) المغني في الضعفاء (2/ 434 رقم 4122). (¬3) تهذيب الكمال (20/ 106)، تهذيب التهذيب (7/ 190) تقريب التهذيب (ص 392 رقم 4600)، شرح علل الترمذي (2/ 877).

الخراساني: هل سمع من أنس؟ قَالَ: لم يسمع من أنس. سمعتُ أبي يقول: عطاء الخراساني لم يدرك ابن عُمَر رضي الله عنهما)) (¬1). وقد ذَكَرَ الطبرانيُّ رواية عطاء ضمن "المراسيل عَنْ عبد الله بن سَلاَم". 2 - سليمان بن كيسان أبو عيسى الخراساني، نزيل مصر التميمي، وقيل اسمه: محمد بن عبد الرحمن أو بن القاسم، ذَكَرَهُ ابنُ حبان في الثقات (¬2)، وَقَالَ ابنُ القطان: ((مجهول))، وَقَالَ: ((لا تعرف حاله)) (¬3)، وكذلك قَالَ ابن حزم (¬4)، قَالَ الذهبيّ: ((ذا ثقة، روى عنه: حيوة بن شريح وسعيد بن أبي أيوب وابن لهيعة وجماعة، سكن مصر، ووثقه ابنُ حبان)) (¬5)، وَقَالَ ابن حجر: ((مقبول .. وحديثه عَنْ ابن عُمَر مرسل)) (¬6)، قلتُ: الأصل أنّ مثل هذا مجهول الحال، إذ إنه لم يوثق توثيقاً معتبراً، وابنُ حبان معلوم تساهله في كتابه الثقات، تفرد بالرواية عنه أبو داود في سننه. 3 - عبد الله بن لَهِيعة، أبو عبد الرحمن المصريّ القاضي، قَالَ ابن معين - في رواية ابن محرز -: ((ابن لهيعة في حديثه كله ليس بشيء)) (¬7)، وَقَالَ ابن أبي حاتم: ((سُئل أبو زرعة عَنْ ابن لهيعة سماع القدماء منه؟ فَقَالَ: آخره وأوله سواء، إلاّ أنّ ابن المبارك، وابن وهب يتتبعان أصوله فيكتبان منه، وهؤلاء الباقون كانوا يأخذون من الشيخ، وكان ابن لهيعة لا ¬

(¬1) المراسيل (ص 156). (¬2) الثقات (6/ 392). (¬3) بيان الوهم والإيهام (رقم 708، 1208). (¬4) حجة الوداع (ص 485) (¬5) ميزان الاعتدال (7/ 410)، الكاشف (2/ 449 رقم 6774). (¬6) تقريب التهذيب (ص 663 رقم 8295). (¬7) معرفة الرجال (1/ 67 رقم 134).

يضبط، وليس ممن يحتج بحديثه)) (¬1)، وَقَالَ ابن أبي حاتم أيضاً: ((قلتُ لأبي: إذا كان من يروي عَنْ ابن لهيعة مثل ابن المبارك، وابن وهب يحتج به؟ قَالَ: لا))، وَقَالَ الذهبيُّ: ((العمل على تضعيف حديثه)) (¬2). وقد ذكره ابن حجر في الطبقة الخامسة من المدلسين - وهم من قد ضعف بأمر آخر غير التدليس -، فتلخص أنه ضعيفٌ، وكان يدلس، مات سنة أربع وسبعين ومائة، روى له مسلم مقروناً بعمرو بن الحارث، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (¬3). 4 - النضر بن عبد الجبار هو: المرادي مولاهم المصري أبو الأسود مشهور بكنيته، ثقة، قَالَ يحيى بن معين: ((كان راوية عَنْ ابن لهيعة، وكان شيخ صدق)) (¬4)، مات سنة تسع عشرة ومائة، روى له أبو داود والنسائي وبن ماجة (¬5). 5 - المقدام بن داود أبو عَمْرو الرّعيني المصري، قَالَ ابن أبي حاتم: ((سمعتُ منه بمصر، وتكلموا فيه)) (¬6)،قَالَ النسائي: ((ليس بثقة)) (¬7)، وَقَالَ الدَّارقُطني: ((ضعيف)) (¬8)، فمثل هذا يضعف حديثه، مات سنة ثلاث وثمانين ومائتين. ¬

(¬1) الجرح (5/ 145 - 148 رقم 682)، (¬2) الكاشف (2/ 122)، (¬3) تهذيب الكمال (15/ 487 - 503)، شرح علل الترمذي (1/ 136 - 139)، تعريف أهل التقديس (ص 177 رقم 140). (¬4) سؤالات ابن الجنيد (393 رقم 500). (¬5) تهذيب الكمال (29/ 391)،تقريب التهذيب (ص 562 رقم 7143). (¬6) الجرح (8/ 303 رقم 1399). (¬7) سير أعلام النبلاء (13/ 345)، ميزان الاعتدال (6/ 507)، المغني في الضعفاء (2/ 675 رقم 6403)، لسان الميزان (6/ 84). (¬8) المراجع السابقة.

دراسةُ الإسناد والحكم عليه: وهذا الإسناد ضعيفٌ جداً لعلل كثيرة: 1 - ضعفُ المقدام بنِ داود. 2 - ضعفُ عبد الله بنِ لَهِيعة. 3 - جهالةُ حالِ سليمان بنِ كيسان. 4 - عدمُ سماعِ عطاء مِنْ عبدِ الله بنِ سَلاَم. 5 - أنّ مَعْمَر بنَ رَاشِد خَالفَ سليمانَ بنَ كيسان فرواه موقوفاً على عبد الله بن سَلاَم أخرجه: عبد الرزاق في المصنف (10/ 461 رقم 19706) - ومن طريقهِ رواه البَيهقيّ في شُعَب الإيمان (4/ 392) - قَالَ: أخبرنا مَعْمَر عَنْ عطاء الخرساني أّنَّ عبدَ اللهِ بنَ سَلاَم قَالَ: ((الرّبَا اثنان وسبعون حوباً، أصغرُها حوباً كمن أتى أمَّه في الإسلام، ودرهم من الرّبَا أشد من بضع وثلاثين زَنْية، قَالَ: ويأذن الله بالقيام للبر والفاجر يوم القيامة إلا لآكل الرّبَا فإنه لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس)). وأخرج الدينوريُّ في المجالسة (6/ 318 رقم 2696) الشق الثاني من الحَدِيث: ((ويأذن الله بالقيام للبر والفاجر ..)) فَقَالَ: حَدَّثنَا إسماعيل بن إسحاق القاضي قَالَ: أخبرنا محمد بن عبيد، قَالَ: حدثني محمد بن ثور، عَنْ مَعْمَر، عَنْ عطاء الخرساني أّنَّ عبدَ اللهِ بنَ سَلاَم قَالَ: ((يؤذن يوم القيام للبَرِّ والفاجر بين يدي الله عز وجل، إلا أكلة الرّبَا؛ فإنه لا يقوم إلا كما يقوم الذي {يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ})).ولم يسق الشاهد من المتن. فتحصل من هذا أنّ الصوابَ أنّ هذا الأثر موقوف على عبد الله بن سَلاَم بسندٍ ضعيف للانقطاع بين عطاء الخرساني وعبد الله بنِ سَلاَم.

ومما تقدم يُعلم أنّ: - قولَ ابن حجر: ((وأخرجه الطبراني أيضا من طريق عطاء الخراساني عَنْ عبد الله بن سلام مرفوعاً، وعطاء لم يسمع من ابن سلام، وهو شاهدٌ قوي)) (¬1). - وقولَ السّخاويّ - عند ذكرهِ شواهد الحَدِيث -: ((ومنها شاهدٌ قويّ عَنْ عبد الله بن سَلاَم، رفعه: الدرهم يصيبه الرجُل .. أخرجه الطبراني في الكبير من حَدِيث عطاء الخرساني عنه، وعطاء لم يسمع منه)) (¬2). غير قوي ففي الإسنادِ خمسُ عِلل تدلُ دِلالةً قويةً على نكارة الحَدِيث بهذا الإسناد. وَقَالَ الهيثميُّ: ((وعن عبد الله بن سلام عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: الدرهم يصيبه الرجُل من الرّبَا أعظم عند الله من ثلاث وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام، رواه الطبراني في الكبير، وعطاء الخراساني لم يسمع من ابن سلام)) (¬3). الثاني: طريقُ عطاء بن يسار، عَنْ عبد الله بن سَلاَم موقوفاً عليه، أخرجه: البَيهقيّ في شُعَب الإيمان (4/ 393) قَالَ: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قَالَ: أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار قَالَ: حَدَّثنَا جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي قَالَ: حَدَّثنَا سليمان ¬

(¬1) القول المسدد (ص 41). (¬2) الأجوبة المرضية (3/ 1054)، وانظر (1/ 134، 136). (¬3) مجمع الزوائد (4/ 117).

- أظنه: ابن عبد الرحمن (¬1) - قَالَ: حَدَّثنَا الجراح بن مليح قَالَ: حَدَّثنَا الزُّبيديُّ عَنْ زيد بن أسلم عَنْ عطاء بن يسار عَنْ عبد الله بن سَلاَم أنه قَالَ: ((الرّبَا اثنان وسبعون حوبا، وأدنى فجرة مثل أن يقع الرجُل على أمه، أو مثل أن يضطجع الرجُل على أمه، وأكبر من ذلك - أظنّه - عرض الرجُل المسلم بغير حق)). • رجال الإسناد: - عطاء بن يسار هو: الهلالي، أبو محمد المدني، لخص الكلام عليه ابن حجر بقوله: ((ثقة فاضل، صاحب مواعظ وعبادة)) (¬2)، وقال الذهبيّ: ((من كبار التابعين وعلمائهم)) (¬3)، سمع من عبد الله بن سلام، وابن عُمَر، وابن عَبَّاس وغيرهم، مات سنة أربع وتسعين وقيل بعد ذلك، روى له الجماعة (¬4). - وزيد بن أسلم هو: العدوي مولى عُمَر أبو عبد الله وأبو أسامة المدني، ثقة عالم وكان يرسل، مات سنة ست وثلاثين ومائة روى له الجماعة قاله ابن حجر (¬5)، وزيد لم يسمع من عبد الله بن سَلاَم، فعبد الله مات سنة ثلاث وأربعين (¬6)، وزيد لم يسمع من من أبي هريرة - وقد مات سنة ثمان وخمسين - ومن في طبقته من الصحابة (¬7). ¬

(¬1) كذا قَالَ البَيهقيّ في الشعب على سبيل الظن، وهو كذلك كما في كتب الرجال. (¬2) تقريب التهذيب (ص 392 رقم 4605). (¬3) الكاشف (2/ 25). (¬4) تهذيب الأسماء (1/ 308)، تهذيب التهذيب (7/ 194). (¬5) تقريب التهذيب (ص 222 رقم 2117) (¬6) تقريب التهذيب (ص 307 رقم 3379). (¬7) جامع التحصيل (ص 178)، تهذيب التهذيب (3/ 324).

- والزُّبيديُّ - بالزاي والموحدة مصغر - هو: محمد بن الوليد، أبو الهذيل الحمصي، ثقة ثبت من كبار أصحاب الزهري، مات سنة ست أو سبع أو تسع وأربعين ومائة، روى له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه قاله ابن حجر (¬1). - والجراح بن مليح هو: البَهراني - بفتح الموحدة - أبو عبد الرحمن الحمصي الراجح فيه ما قاله ابن حجر: ((صدوق))، روى له النسائي، وابن ماجه (¬2). - وسليمان بن عبد الرحمن هو: التميمي، أبو أيوب الدمشقي ابن بنت شرحبيل، قَالَ الحاكم أبو عبد الله: ((قلتُ للدارقطني: سليمان بن عبد الرحمن؟ قَالَ: ثقة، قلت: أليس عنده مناكير قَالَ: حدث بها عَنْ قوم ضعفى، فأما هو فثقة)) (¬3)، وقد وثقه أبو داود (¬4)، ويعقوب الفسوي (¬5)، والراجح فيه ما قاله الذهبيُّ: ((ثقة، لكنه مكثر عَنْ الضعفاء)) (¬6)، روى له الجماعة سوى مسلم، مات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين (¬7). - وجعفر بن محمد بن الحسن الفريابي ثقةٌ حافظٌ مشهور (¬8). - وأحمد بن عبيد الصفّار ثقةٌ حافظٌ (¬9). - وعلي بن أحمد بن عبدان ثقةٌ مشهور (¬10). ¬

(¬1) تقريب التهذيب (ص 511 رقم 6372). (¬2) تقريب التهذيب (ص 138 رقم 909) (¬3) سؤالات الحاكم للدارقطني (ص 217 - 218 رقم 339). (¬4) سؤالات الآجري لأبي داود (2/ 190 رقم 1566). (¬5) المعرفة والتاريخ (2/ 406). (¬6) الكاشف (1/ 397). (¬7) تهذيب الكمال (12/ 26 - 32). (¬8) سير أعلام النبلاء (14/ 96). (¬9) المرجع السابق (15/ 438). (¬10) المرجع السابق (17/ 398).

3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: وهذا الإسنادُ جيدٌ غيرَ أنه وقع خلافٌ على زيدِ بنِ أسلم فرواه هشامُ بنُ سعد عَنْ زيد بن أسلم، أنّ عبد الله بن سَلاَم فلم يذكر عطاء بن يسار، أخرجه: البَيهقيّ في شُعَب الإيمان (4/ 393) قَالَ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى قَالَ: حَدَّثنَا أبو العباس محمد بن يعقوب قَالَ: حَدَّثنَا إبراهيم بن مُنقذ (¬1) الخولاني المصري قَالَ: حَدَّثنَا ابن وهب عَنْ هشام بن سعد عَنْ زيد بن أسلم أنّ عبد الله بن سَلاَم قَالَ: ((الرّبَا سبعون حوبا أدناها ...)) نحو ما تقدم. • رجال الإسناد: - زيد تقدمت ترجمته، وتقدم أنه لم يسمع من عبد الله بن سَلاَم. - وهشامُ بن سعد فيه لين، وفي روايته عن الزهري مناكير، إلاّ أنه أثبت الناس في زيد بن أسلم: قَالَ ابن المديني: ((صالح، ولم يكن بالقوي)) (¬2)، وَقَالَ أحمد: ((كذا وكذا (¬3)، ¬

(¬1) في الشعب (سعد) وهو تصحيف، وهو على الصواب في النسخة المحققة الهندية (10/ 140). (¬2) سؤالات ابن أبي شيبة (ص 102). (¬3) هذه الجملة يقولها الإمام أحمد في الضعفاء: وتارةً يقصد بها التضعيف الشديد، وتارةً مجرد التليين الخفيف، ويعرف المراد من خلال: 1 - الروايات الأخرى عَنْ الإمام أحمد. 2 - تفسير تلاميذه للمراد. 3 - تفسير النقاد - كالعقيلي أو الذهبي وغيرهما - للمراد. 4 - معارضة أقوال الإمام أحمد بأقوال بقية النقاد في هذا الراوي المعين. ومن الأمثلة على ما تقدم: 1 - قول عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبى عَنْ ابن أبى الزناد فَقَالَ: كذا وكذا، يعنى ضعيف. ضعفاء العقيلي (2/ 340). فقوله: ((يعنى ضعيف)) من كلام عبد الله بن أحمد بن حنبل. وَقَالَ عبد الملك بن عبد الحميد: سألتُ أحمد بن حنبل عَنْ ابن أبى الزناد؟ فَقَالَ: هو ضعيف الحَدِيث. ضعفاء العقيلي (2/ 340). وهذه الرواية عَنْ أحمد تؤكد تفسير عبد الله لكلام أبيه. 2 - ومثله عبد الأعلى بن عامر الثعلبي قَالَ فيه مرة: ((كذا وكذا))، ومرةً: ((ضعيف)).الكامل (5/ 316) 3 - وَقَالَ الذهبيُّ: ((يونسُ بن أبي إسحاق .. وقَالَ عبدُ الله بنُ أحمد: سألتُ أبي عَنْ يونس بن أبي إسحاق؟ قَالَ: كذا وكذا، قلتُ: هذه العبارة يستعملها عبد الله بن أحمد كثيرا فيما يجيبه به والده وهي بالاستقراء كناية عمن فيه لين)) ميزان الاعتدال (7/ 318). وانظر: 1 - ترجمة يحيى بن سليم الطائفي في الضعفاء للعقيلي (4/ 406). 2 - ترجمة إبراهيم بن المهاجر الكوفي في الضعفاء للعقيلي (1/ 66). 3 - ترجمة رشدين بن سعد أبو الحجاج المهري في الضعفاء للعقيلي (2/ 66). 4 - ترجمة عبد الله بن عُمَر بن حفص في الكامل لابن عديّ (4/ 141). 5 - ترجمة عتاب بن بشير الجزري في الكامل لابن عديّ (5/ 356).

وكان يحيى لا يروى عنه)) (¬1)، وَقَالَ حرب بن إسماعيل: ((سمعت أحمد بن حنبل وذكر له هشام بن سعد فلم يرضه وَقَالَ: ليس بمحكم للحديث)) (¬2)، وَقَالَ ابن معين، والنسائي - في رواية عنهما -، وابن سعد وغيرهم: ((ضعيف))، وَقَالَ ابن حجر: ((صدوق له أوهام)) (¬3). وَقَالَ البرذعيّ: ((وسمعتُ أبا زرعةَ يقولُ: هشام بن سعد واهي الحَدِيث، أتقنتُ ذلك عَنْ أبي زرعة، وهشامُ عند غير أبي زرعة أجلّ من ¬

(¬1) العلل ومعرفة الرجال (2/ 507). (¬2) تهذيب الكمال (30/ 206). (¬3) تهذيب الكمال (30/ 208)، التهذيب (11/ 39 - 41)، التقريب (ص 572 رقم 7294).

هذا الوزن، فتفكرتُ فيما قَالَ أبو زرعة فوجدتُ في حديثه وهما كبيراً، من ذلك أنه حدّث عَنْ الزهري، عَنْ أبي سلمة، عَنْ أبي هريرة في "قصة الواقع في رمضان"، وقد روى أصحابُ الزهري قاطبة عَنْ الزهري عَنْ حميد بن عبد الرحمن، وليس من حَدِيث أبي سلمة، وقد حدث به وكيع عَنْ هشام عَنْ الزهري عَنْ أبي هريرة كأنه أراد الستر على هشام في قوله عَنْ أبي سلمة)) (¬1). قَالَ الآجري عَنْ أبي داود: ((هشام بن سعد أثبت الناس في زيد بن أسلم))، واعتمد مسلم روايته في الأصول خاصة عَنْ زيد بن أسلم (¬2). - عبد الله بن وَهْب القرشي، الفِهْريّ، أبو محمد المصري، متفقٌ على توثيقه وفقهه وفضله، روى له الجماعة، مات سنة سبع وتسعين ومائة (¬3). - وإبراهيم بن مُنقذ الخولاني المصري، ثقة حجة (¬4). - أبو العباس محمد بن يعقوب هو: الأصم إمامٌ منْ الأئمةِ المشهورين (¬5). والذي يظهر - والله أعلم - أنّ كلا الوجهين محفوظان عَنْ زيد بن أسلم فتارةً يسنده فيذكر عطاء بن يسار، وتارةً يرسله فيحذف عطاء، وسبب هذا الترجيح ثلاثة أمور: - الأوَّل: أنّ زيد بن أسلم معروف بالإرسال فهو تارةً يسمي ¬

(¬1) سؤالات البرذعي (ص 391). (¬2) انظر صحيح مسلم الحَدِيث رقم (183، 987، 1014، 1851، 2598). (¬3) انظر: تهذيب الكمال (16/ 277 - 287). (¬4) سير أعلام النبلاء (12/ 503). (¬5) المرجع السابق (15/ 452).

الواسطة، وتارةً يحذفه، ومما وقع له من ذلك ما قاله ابن حجر - عند كلامه على قول ابن سلام: إنا لنجد صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنا أرسلناك شاهدا ... الحَدِيث -: ((ولحديث ابن سلام شاهد رواه ابن سعد في الطبقات من طريق زيد بن أسلم قَالَ: بلغنا أنَّ عبد الله بن سلام كان يقول: فذكره، والظاهر أنَّ الواسطة بينه وبينه هو: عطاء بن يسار لأنَّ زيدا من المكثرين عنه)) (¬1). - الثاني: أنّ هشام بن سعد أثبتُ الناس في زيد بن أسلم كما قَالَ أبو داود، فلا ينبغي تخطئته مع إمكانية الجمع بدون تعسف. - الثالث: أنّ الزُّبيديّ ثقة ثبت، فلا يصح أن يقدم عليه هشام مع إمكانية الجمع. وعلى ما تقدم يكون هذا الأثر - بهذا الإسناد - صحيحا من كلام عبد الله بن سَلاَم. الثالث: طريق أبي سلمة، عَنْ عبدِ الله بنِ سَلاَم موقوفاً عليه، أخرجه: العقيليُّ في الضعفاء (2/ 258) قَالَ: حَدَّثنَا محمدُ بنُ إسماعيل، قَالَ: حَدَّثنَا أحمد بن إسحاق الحضرميُّ عَنْ عكرمة بن عمار، عَنْ يحيى بن أبي كثير، عَنْ أبي سلمة، عَنْ عبد الله بن سَلاَم قَالَ: ((الرّبَا سبعون بابا أصغرها كالذى ينكح أمه)). ¬

(¬1) تغليق التعليق (3/ 235)، وانظر: فتح الباري (4/ 343).

• رجال الإسناد: - أبو سلمة هو: ابن عبد الرحمن بن عوف القُرشي الزُّهريُّ المدنيُّ، متفق على ثقته وفقهه وجلالته، وقد سمع من عبد الله بن سَلاَم، روى له الجماعة، مات سنة أربع وتسعين أو أربع ومائة (¬1). - يحيى بن أبي كثير تقدمت ترجمته (¬2)،وهو: متفقٌ على توثيقه، وكان يرسل. - عكرمة بن عَمّار هو: العجْليُّ، أبو عمار اليمامي، بصري الأصل، ثقة، وفي روايته عَنْ يحيى بن أبي كثير اضطراب، وثقه ابنُ معين - في رواية معاوية بن صالح -، وابن المديني، وأحمد بن حنبل، والدارقطنيّ وغيرهم، قَالَ البخاريّ: ((مضطرب في حَدِيث يحيى بن أبي كثير، ولم يكن عنده كتاب)) (¬3)، وكذلك قَالَ أحمد بن حنبل، وابن المديني، وأبو داود، وأبو حاتم، والنسائي وغيرهم، وَقَالَ الذهبيُّ: ((ثقة إلاَّ في يحيى بن أبي كثير فمضطرب)) (¬4)، استشهد به البخاريّ في ((الصحيح))، وروى له في كتاب ((رفع اليدين في الصلاة)) وغيره، وروى له الباقون، مات سنة تسع وخمسين ومائة (¬5). - أحمد بن إسحاق الحضرمي هو: أبو إسحاق البصري، متفق على ¬

(¬1) تهذيب الكمال (33/ 370 - 376)، تقريب التهذيب (ص 645 رقم 8142). (¬2) ص: 22 من هذا البحث. (¬3) الكامل (5/ 272). (¬4) الكاشف (2/ 376). (¬5) انظر: سؤالات ابن أبي شيبة (ص 133 رقم 169)، الضعفاء الكبير (3/ 378)، الجرح (7/ 10 - 11 رقم 41)، سؤالات البرقاني (ص 56 رقم 403)، تاريخ بغداد (12/ 257 - 262)، تهذيب الكمال (20/ 256 - 264)، الميزان (3/ 90 - 93 رقم 5713)، التهذيب (7/ 261 - 263).

ثقته، مات سنة إحدى عشرة ومائتين، روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي (¬1). - محمد بن إسماعيل هو: الصائغ الكبير، أبو جعفر البغدادي، نزيل مكة، قَالَ ابن أبي حاتم: ((سمعت منه بمكة، وهو صدوق)) (¬2)، وَقَالَ ابن حجر: ((صدوق))، مات سنة ست وسبعين ومائتين، روى له أبو داود (¬3). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: وهذا الإسناد معلول من وجهين: الأوَّل: أنَّ رواية عكرمة بن عمار عَنْ يحيى بن أبي كثير مضطربة كما تقدم، وهو في هذه الرواية بعينها يضطرب فيها فقد رواه عَنْ يحيى بن أبي كَثير، عَنْ أبي سلمة، عَنْ أبي هريرة، مرفوعاً، وسيأتي بيان ذلك عند ذكر حَدِيث أبي هريرة - إنْ شاء الله تعالى -. الثاني: أنَّ الأوزاعيّ - وهو أوثق من عكرمة بدرجات - خالف عكرمة بن عمار، فرواه عَنْ يحيى بن أبي كثير، عَنْ ابن عَبَّاس - موقوفاً عليه -، كما قَالَ ابن أبي حاتم: ((قَالَ أبي: رَوَاهُ الأَوْزَاعِيّ، عَنْ يَحْيَى بن أَبِي كَثِير، عَنْ ابن عَبَّاس قولَهُ: "إنَّ الرّبَا بِضْعٌ وسَبْعُونَ بَابَاً"، قَالَ أَبِي: هَذَا أَشْبَهُ، واللَهُ أَعْلَم)) (¬4). فتحصل من هذا أنّ الصواب أنّ الأثر موقوف على عبد الله بن ¬

(¬1) تهذيب التهذيب (1/ 12)، التقريب (ص 77 رقم 7). (¬2) الجرح والتعديل (7/ 190 رقم 1084). (¬3) تهذيب التهذيب (9/ 49)، تقريب التهذيب (ص 468 رقم 5731). (¬4) العلل (1/ 372 رقم 1105)

سَلاَم بسندٍ صحيح من طريق: زيد بن أسلم عَنْ عطاء بن يسار عَنْ عبد الله بن سَلاَم أنه قَالَ: ((الرّبَا اثنان وسبعون حوبا، وأدنى فجرة مثل أن يقع الرجُل على أمه، أو مثل أن يضطجع الرجُل على أمه، وأكثر من ذلك أظن عرض الرجُل المسلم بغير حق)). وقد رجح المنذريُّ وقفَ الحَدِيث على عبد الله بن سلاَم فَقَالَ: ((رَوَاهُ الطبرانيّ في الكبير مِنْ طريقِ عطاء الخراساني عَنْ عبد الله ولم يسمع منه، وَرَوَاهُ ابنُ أبي الدّنيا والبغوي وغيرهما موقوفاً على عبد الله، وهو الصحيح)) (¬1). ¬

(¬1) الترغيب والترهيب (3/ 6).

المبحث الرابع تخريج حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - والحكم عليه

المبحثُ الرابع تخريجُ حَدِيث عبدِ الله بنِ عَبَّاس - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. رُوي الحَدِيث عن عبدِ الله بنِ عَبَّاس من عدة طُرُق: 1 - طاووس بن كيسان، عن ابن عَبَّاس مرفوعاً. 2 - عكرمة مولى ابن عَبَّاس، عن ابن عَبَّاس مرفوعاً. 3 - عَمْرو بن دينار، عن ابن عَبَّاس مرفوعاً. 4 - الأوزاعيُّ، عن يحيى بنِ أبي كثير، عن ابن عَبَّاس - موقوفاً عليه -. الطريقُ الأوَّل: طاووس بنُ كيسان، عن ابن عَبَّاس مرفوعاً 1 - تخريج الحَدِيث: أخرجه: البيهقي في شعب الإيمان (5/ 299) قَالَ: أخبرنا أبو علي بن شاذان أنا عبد الله بن جعفر قَالَ: أخبرنا يعقوب الفسوي (¬1)، قَالَ: حَدَّثنَا محمد بن رافع (¬2)، قَالَ: أخبرنا إبراهيم بن عُمَر أبو إسحاق الصنعانيّ قَالَ: سمعت النعمان يقول: إنه سمع طاوسا يقول: ابن عَبَّاس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنّ الرّبَا نيف وسبعون باباً أهونهن بابا ¬

(¬1) لم أجد هذا الحَدِيث في كتاب المعرفة والتاريخ ليعقوب، ولم يذكره د. أكرم العمري في ملحق الاستدراك في آخر الكتاب، وهو على شرطه، والله اعلم. (¬2) وقع في المطبوع (نافع) وهو خطأ، وهو على الصواب في النسخة المحققة الهندية (12/ 106).

من الرّبَا مثل مَنْ أتى أمه فِي الإِسْلاَم، ودِرْهمُ ربا أشدّ مِنْ خمسٍ وثلاثين زَنْية، وأخبث الرّبَا انتهاك عرض المسلم وانتهاك حرمته)). وَقَالَ ابن أبي حاتم في العلل (1/ 391 رقم 1170): ((وسُئِلَ أبوزُرْعَةَ عَنْ حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بنُ رَافِعٍ النيَّسابُوريّ، عَنْ إِبْرَاهِيم بن عُمَر الصنعانيّ عن النعمان - يعني ابن الزبير (¬1) -، عَنْ طَاوُوس عَنْ ابن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: الرّبَا نَيّفٌ وسَبْعُون بَابَا، أهونُ بَابٍ مِنْ الرّبَا مِثل مَنْ أتى أمه فِي الإِسْلاَم، ودِرْهمُ ربا أشدّ مِنْ خمسٍ وثلاثين زَنْية، وأشدُّ الرّبَا - أو أربى الرّبَا، أو أخبث الرّبَا - انتهاك عِرْضِ المُسْلِم، أو انتهاك حرمته. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هَذَا حَدِيث مُنْكَر)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - طاووس هو: ابن كيسان اليمانيّ، متفق على توثيقه وفضله وفقهه، روى له الجماعة، مات سنة ست ومائة (¬2). 2 - والنعمانُ هو: ابنُ أبي شيبة عبيد اليمانيّ الجنديّ، ختن هشام بن يوسف، قَالَ ابن معين: ((ثقة مأمون، كيسٌ كيسٌ)) (¬3)، وَقَالَ الذهلي: ((النعمان بن أبي شيبة من ثقات أهل اليمن))، وكان هشام بن يوسف يثني عليه، وذكره ابن حبان في الثقات، وَقَالَ ابن حجر: ((ثقة))، روى له أبو داود حديثاً واحداً (¬4). ¬

(¬1) كذا في علل ابن أبي حاتم (الزبير)، وفي جميع كتب الرجال (عبيد). (¬2) انظر: تهذيب الكمال (13/ 357 - 374)، التهذيب (5/ 8 - 10). (¬3) الجرح (8/ 448 رقم 2059). (¬4) انظر: الثقات (9/ 209)، تهذيب التهذيب (10/ 405)، تقريب التهذيب (ص 564 رقم 7157).

3 - وإبراهيم بن عُمَر، أبو إسحاق الصنعانيّ، روى عن: النعمان بن الزبير، وعنه: محمد بن رافع، ونوح بن حبيب، مجهول الحال، قَالَ ابن حجر: ((مستور)) (¬1)، روى له أبو داود حديثاً واحداً في الأشربة (3/ 327 رقم 3680) قَالَ: حَدَّثنَا محمد بن رافع النيسابوري قَالَ: حَدَّثنَا إبراهيم بن عُمَر الصنعاني قَالَ سمعت النعمان يقول عن طاوس عن ابن عَبَّاس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((كلّ مخمر خمر، وكلّ مسكر حرام، ومن شرب مسكراً بخست صلاته أربعين صباحاً، فإن تاب، تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال. قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله؟! قَالَ: ((صديد أهل النار)) ومن سقاه صغيراً لا يعرف حلاله من حرامه، كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال)). قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ((هَذَا حَدِيث مُنْكَر)) (¬2). 4 - ومحمد بن رافع، أبو عبد الله النيسابوريّ، متفق على توثيقه وزهده، روى له الجماعة سوى ابن ماجه، مات سنة خمس وأربعين ومائة (¬3). 3 - دراسةُ الإسنادِ والحكم عليه: الحَدِيثُ بهذا الإسناد منكر لأمرين: 1 - أنَّ إبراهيمَ بن عُمَر لا تعرف حاله. 2 - ثم إنّ سلسلة "طاووس عن ابن عَبَّاس" من السلاسل المشهورة ¬

(¬1) انظر: تهذيب الكمال (2/ 159 - 160)، الكاشف (1/ 88 - 89)، تهذيب التهذيب (1/ 129)، التقريب (ص 92 رقم 223). (¬2) علل الحَدِيث (2/ 36 رقم 1587). (¬3) انظر: التهذيب (9/ 160 - 162)، التقريب (ص 478 رقم 5876).

فكيف يتفرد مجهول - أعني: إبراهيم بن عُمَر - بها!، ومن القرائن عند المحدثين على بطلان الرواية أنْ يتفرد غير المعروف بحديث من طريقٍ مشهور، قَالَ ابنُ أبي حاتم: ((سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيث رَوَاهُ عَبْدُالْكَرِيمِ بنُ عبد الكريم النَّاجِي، عَنْ الحَسَنِ بن مُسْلِم، عَنْ الحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَنْ حَبَسَ الْعِنَبَ أَيَّامِ الْقِطَافِ لِيَبِيعَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ إِلاّ كَانَ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَقْتٌ، قَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيث كَذِبٌ باطلٌ، قُلْتُ: تَعْرِفُ عَبْدَ الْكَرِيمِ هَذَا؟ قَالَ: لا، قُلْتُ: فتَعْرِفُ الحَسَنَ بنَ مُسْلِم؟ قَالَ: لا، ولكَنْ تَدُلُ رِوَايَتُهُمْ عَلَى الكَذِبِ)) (¬1). ومما يزيد الريبة في هذا الإسناد أنَّ أحداً من أصحاب الكتب المشهورة لم يروه!. ولما تقدم حَكَمَ أَبُو زُرْعَةَ على الحديث بأنه: ((حَدِيث مُنْكَر))، وهذا حكم دقيقٌ. الطريق الثاني: عكرمة مولى ابن عَبَّاس، عن ابن عَبَّاس مرفوعاً وله عن عكرمة طُرُق: الأوَّل: طريق خُصيف بن عبد الرحمن، عن عكرمة أخرجه: الخطيب البغداديّ في تاريخ بغداد (6/ 76) - ومن طريقه ابن الجَوزيّ في العلل المتناهية (2/ 277 - 278) - قَالَ: أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن محمد النجار قَالَ: أخبرنا عبيد الله بن ¬

(¬1) العلل (1/ 389 رقم 1165).

محمد بن سليمان المخرمي قَالَ: حَدَّثنَا إبراهيم بن عبد الله بن أيوب قَالَ: حَدَّثنَا محمد بن بكار بن الريان قَالَ: حَدَّثنَا إبراهيم بن زياد القرشي، عن خُصيف بن عبد الرحمن، عن عكرمة، عن ابن عَبَّاس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قَالَ: ((مَنْ أعان على باطل ليُدْحِض بباطله حقا فقد بريء من ذمة الله وذمة رسوله، ومن مشى إلى سلطان الله في الأرض ليذله أذل الله رقبته يوم القيامة - أو قَالَ إلى يوم القيامة -، مع ما يدخر له من خزي يوم القيامة، وسلطان الله في الأرض كتاب الله وسنة نبيه، ومن استعمل رجلا وهو يجد غيره خيرا منه وأعلم منه بكتاب الله وسنة نبيه فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين، ومن ولي من أمر المسلمين شيئا لم ينظر الله له في حاجة حتى ينظر في حاجاتهم، ويؤدي إليهم حقوقهم، ومن أكل درهم ربا كان عليه مثل إثم ست وثلاثين زنية في الإسلام، ومن نبت لحمه من سُحْت فالنار أولى به)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - عكرمة هو: هو: القرشي الهاشمي، أبو عبد الله المدني، مولى عبد الله بن عَبَّاس، قَالَ ابن حجر: ((ثقة ثبت، عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عُمَر، ولا تثبت عنه بدعة))، روى له الجماعة، مات سنة أربع ومائة وقيل بعد ذلك (¬1). 2 - وخُصيف بن عبد الرحمن فيه خلاف وجمهور النقاد - كيحيى القطان، وأحمد بن حنبل، وأبي حاتم وغيرهم - على ضعفه (¬2)، ¬

(¬1) انظر: الرواة الثقات (ص 138 رقم 59)، الهدي (ص 425 - 430)، التقريب (ص 397 رقم 4673). (¬2) الجرح والتعديل (3/ 403 رقم 1848)، الكامل (3/ 69)،تهذيب التهذيب (3/ 123).

وقَالَ الدَّارقُطني " يعتبر به يهم" (¬1). 3 - وإبراهيم بن زياد القرشي، لا يُعرف قاله ابن معين، والذهبيّ، وَقَالَ العقيلي: ((هذا شيخٌ يحدث عن الزهري، وعن هشام بن عروة، فيحمل حَدِيث الزهري عن هشام بن عروة، وحديث هشام بن عروة عن الزهري، ويأتي أيضا مع هذا عنهما بما لا يحفظ، وهذا رواه الناس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة)) (¬2)، وهذا نقدٌ مُفسّر، وَقَالَ الخطيب: ((في حديثه نُكرة)) (¬3). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: وهذا إسناد ضعيف جداً: 1 - فإبراهيم بن زياد لا يُعرف 2 - وخصيف بن عبد الرحمن ضعيفٌ يعتبر به. 3 - ثم إنّ سلسلة "عكرمة عن ابن عَبَّاس" من السلاسل المشهورة فكيف يتفرد مجهول وضعيف بها!. 4 - ومما يزيد الإسناد وهناً أنَّ أحداً من أصحاب الكتب المشهورة لم يروه!. الثاني: طريق حنش الرَّحبي، عن عكرمة أخرجه: ابن حبان في المجروحين (1/ 243)،والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 393)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (53/ 256) ¬

(¬1) سؤالات البرقاني (ص 27 رقم 125). (¬2) ضعفاء العقيلي (1/ 53) (¬3) انظر: من كلام أبي زكريا يحي بن معين في الرجال - رواية الدقاق (ص 100 رقم 311)، الميزان (1/ 151)، تاريخ بغداد (6/ 76) -

من طريق حنش الرَّحبي، عن عكرمة، عن ابن عَبَّاس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((من أعان باطلا ليدحض بباطله حقا قد بريء من ذمة الله وذمة رسوله، ومن ولي وليا من المسلمين شيئا من أمور المسلمين وهو يعلم أن في المسلمين من هو خير للمسلمين منه وأعلم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقد خان الله ورسوله وخان جماعة المسلمين، ومن ولي شيئا من أمور المؤمنين لم ينظر الله له في شيء من أموره حتى يقوم بأمورهم ويقضي حوائجهم، ومن أكل درهما من ربا فهو كإثم ستة وثلاثين زنية ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به)). وهذا لفظ ابن عساكر تاماً، ولفظ ابن حبان والبيهقي مختصراً: ((من أكل درهماً ...)). وأخرجه: العقيلي في ضعفاء (1/ 247)، الطبرانيّ في المعجم الكبير (11/ 251 رقم 11539، 217 رقم 11544)، وابن عدي في الكامل (2/ 352)، والحاكم في المستدرك (4/ 100)، والهرويُّ في ذم الكلام (2/ 20 - 21) وابن عساكر في تاريخ دمشق (15/ 315): من طريق حنش الرَّحبي، عن عكرمة، عن ابن عَبَّاس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مطولاً ومختصراً ولم يُذكر الشاهد: ((ومن أكل درهما من ربا فهو كإثم ستة وثلاثين زنية)). وَقَالَ الحاكم: ((صحيح الإسناد))، وتعقبه الذهبيّ بقوله: ((حنش الرَّحبي: ضعيف)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - عكرمة تقدم قريباً. 2 - حنش - بفتح المهملة والنون ثم معجمة - لقب الحسين بن قيس الرحبي أبو علي الواسطي وهو متفق على تركه، ورمي بالكذب،

أخرج له الترمذي وابن ماجه (¬1). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: هذا الحَدِيث بهذا الإسناد باطل من أجل حنش، وقد ذكر الحَدِيثَ العقيليُّ، وابن حبان (¬2)، وابنُ عدي (¬3)، والذهبيّ في ترجمة حنش ضمن منكراته، وَقَالَ الهيثميُّ: ((وفي إسناد الكبير: حنش وهو متروك)) (¬4). الثالث: طريق إبراهيم بن أبي عبلة، عن عكرمة أخرجه: - ابن حبان في المجروحين (1/ 328). - والطبرانيّ في المعجم الأوسط (3/ 451 رقم 2968)، وفي المعجم الصغير (1/ 82) وفي مسند الشاميين (1/ 61 رقم 63). - وأبو نعيم في الحلية (5/ 248) وفي تاريخ أصبهان (1/ 336). - والهرويُّ في ذم الكلام (2/ 20 - 21). - وابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 253). من طريق سعيد بن رحمة المصيصيّ، عن محمد بن حِمْير، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عكرمة، عن ابن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أعان ظالما بباطل ليدحض بباطله حقا فقد برئ من ¬

(¬1) ميزان الاعتدال (2/ 303)، تهذيب التهذيب (2/ 313)، تقريب التهذيب (ص 168 رقم 1342). (¬2) وقد نصَّ ابنُ حبان على أنّ ما يورده في ترجمة الراوي من حديثه ما يستدل به على ضعفه فقال: ((ونذكر عند كل شيخٍ منهم من حديثه ما يستدل به على وهنه في روايته تلك)) المجروحين (1/ 95). (¬3) انظر: ص: 19 من هذا البحث. (¬4) مجمع الزوائد (4/ 117).

ذمة الله وذمة رسوله ومن أكل درهما من ربا فهو مثل ثلاث وثلاثين زنية ومن نبت لحمه من السحت فالنار أولى به)). وَقَالَ الطبراني: ((لم يروه عن إبراهيم بن أبي عبلة - واسم أبي عبلة: شمر، وقدْ قيل: طرخان، والصواب: شمر -، إلا محمد بن حمير، تفرد بهِ سعيد بن رحمة)). وَقَالَ أبو نعيم: ((غريب من حَدِيث إبراهيم، تفرد به محمد بن حِمْير)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - عكرمة تقدم قريباً. 2 - وإبراهيم بن أبي عبلة - بسكون الموحدة - واسمه شمر - بكسر المعجمة - الشامي، يكنى أبا إسماعيل، ثقة مات سنة اثنتين وخمسين ومائة، روى له البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجة (¬1). 3 - ومحمد بن حِمْير هو: السَّليحي - بفتح أوله ومهملتين -، الحمصي، والراجح فيه ما قاله الذهبيّ: ((ما هو بذاك الحجة، حديثه يعد في الحسان، وقد انفرد بأحاديث ..)) (¬2)، وَقَالَ ابن حجر: ((صدوق))، مات سنة مائتين، روى له البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجة (¬3). ¬

(¬1) تهذيب التهذيب (1/ 124)، تقريب التهذيب (1/ 92 رقم 213). (¬2) السير (9/ 234 - 235). (¬3) انظر: تهذيب الكمال (25/ 116 - 119)، الميزان (3/ 532 رقم 7459)، التقريب (ص 475 رقم 5837).

4 - وسعيد بن رحمة المصيصيّ، قَالَ عنه ابن حبان: ((يروي عن محمد بن حِمْير ما لم يتابع عليه، روى عنه أهل الشام، لا يجوز الاحتجاج به لمخالفته الأثبات في الروايات)) (¬1). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: وهذا إسناد ضعيف جداً: 1 - فسعيد بن رحمة لا يجوز الاحتجاج به، وخاصة عن محمد بن حِمْير. 2 - ثم إنّ سلسلة "عكرمة عن ابن عَبَّاس" من السلاسل المشهورة فكيف يتفرد بها سعيد!. 4 - ومما يقوي الريبة في هذا الإسناد أنَّ أحداً من أصحاب الكتب المشهورة لم يروه!. وقد ذكر الحَدِيث ابن حبان، والذهبيّ في ترجمة سعيد بن رحمة ضمن منكراته، وَقَالَ الهيثميُّ: ((رواه الطبرانيّ في الصغير والأوسط، وفيه: سعيد بن رحمة، وهو ضعيف)) (¬2). الطريق الثالث: عَمْرو بن دينار، عن ابن عَبَّاس مرفوعاً أخرجه الطبرانيّ في المعجم الكبير (11/ 114 رقم 11216) قَالَ: حَدَّثنَا ابن حنبل قَالَ: حَدَّثنَا محمد بن أبان الواسطي قَالَ: حَدَّثنَا أبو شهاب عن أبي محمد الجزري - وهو حمزة النصيبي - عن عَمْرو بن ¬

(¬1) المجروحين (1/ 328)، وانظر: ميزان الاعتدال (3/ 199)، المغني في الضعفاء (1/ 258 رقم 2381)، لسان الميزان (3/ 28). (¬2) مجمع الزوائد (4/ 117).

دينار عن ابن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أعان بباطل ليدحض بباطله حقاً فقد برئ من ذمة الله، وذمة رسوله. ومن مشى إلى سلطان الله ليذله، أذله الله مع ما يدخر له من الخزي يوم القيامة، سلطان الله: كتاب الله وسنة نبيه. ومن تولى من أمراء المسلمين شيئاً فاستعمل عليهم رجلاً وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله وسنة رسوله، فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين ومن ترك حوائج الناس لم ينظر الله في حاجته حتى يقضي حوائجهم ويؤدي إليهم بحقهم، ومن أكل درهم ربا فهوَ ثلاث وثلاثين زنية، ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى بهِ)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - عَمْرو بن دينار هو: المكي، أبو محمد الجُمحي، متفق على ثقته وجلالته، روى له الجماعة، مات سنة خمس وعشرين ومائة (¬1). 2 - وأبو محمد الجزري هو حمزة بن أبي حمزة الجعفي الجزري النصيبي، واسم أبيه ميمون وقيل عَمْرو، متفق على أنه متروك، وَقَالَ ابن عدي: ((يضع الحَدِيث .. وكل ما يرويه أو عامته مناكير موضوعة والبلاء منه)) (¬2)، روى له الترمذي (¬3). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: هذا الحَدِيث بهذا الإسناد ضعيف جداً: 1 - فأبو محمد الجزري متروك، ورماه ابن عدي وغيرهُ بوضع الحَدِيث. 2 - وتفرده عن عَمْرو بن دينار مما يزيد روايته وهناً على وهنها. ¬

(¬1) انظر: تهذيب الكمال (22/ 5 - 13). (¬2) الكامل (2/ 377). (¬3) تهذيب التهذيب (3/ 25)،تقريب التهذيب (ص 179 رقم 1519).

قَالَ ابنُ رَجَب: ((أصحاب عَمْرو بن دينار ...)) (¬1). ثم ذكر أقوال النقاد في بيان وعدّ أصحاب أصحاب عَمْرو فممن ذُكر: سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، وحماد بن زيد، وشعبة بن الحجاج، ابن جريج، فأين هم عن هذه الرواية! حتى يتفرد بها متروك!. وَقَالَ الهيثميُّ: ((فيه أبو محمد الجرزي حمزة ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح)) (¬2). قلتُ: كذا قَالَ في هذا الموضع! وقد ذكره في عدة مواضع من كتابه وَقَالَ: ((حمزة النصيبي وهو متروك)) (¬3)، ويبدو أنه اشتبه عليه الاسم فلم يعرفه، علماً أنه في معجم الطبراني: ((عن أبي محمد الجزري - وهو حمزة النصيبي -)) كذا منسوباً، وربما لم ينسب في النسخة التي نقل منه الهيثمي والله أعلم. الطريق الرابع: الأوزاعيُّ عن يحيى بن أبي كثير، عن ابن عَبَّاس - موقوفاً عليه - قَالَ ابن أبي حاتم: ((وسَألتُ أَبِي عَنْ حَدِيث رَوَاهُ عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِير، عَنْ عَبْد اللَهُ بنِ زَيْد عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: الرّبَا بِضْعٌ وسَبْعُونَ بَابَاً، قَالَ أبي: رَوَاهُ الأَوْزَاعِيّ عَنْ يَحْيَى بن أَبِي كَثِير، عَنْ ابن عَبَّاس قولَهُ: إنَّ الرّبَا بِضْعٌ وسَبْعُونَ بَابَاً، قَالَ أَبِي: هَذَا أَشْبَهُ، واللَهُ أَعْلَم)) (¬4). ¬

(¬1) شرح علل الترمذيّ (2/ 684). (¬2) مجمع الزوائد (5/ 212). (¬3) انظر: مجمع الزوائد (4/ 66)، (5/ 23)، (6/ 286). (¬4) العلل (1/ 372 رقم 1105)

ولم أجد من أخرج هذا الوجه. فخُلاصة الكلام على حَدِيث ابن عَبَّاس أنّه لا يصح، ولا يعتمد عليه في الشواهد والمتابعات فجميع طرقه تدور على ضعفاء ومتروكين وكذابين، وأوجه معلولة، وغرائب عن أئمة مشاهير يُجمع حديثهم.

المبحث الخامس تخريج حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - والحكم عليه

المبحثُ الخامس تخريجُ حَدِيث عبدِ الله بنِ عُمَر - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. 1 - تخريجُ الحَدِيث: أخرجه: ابنُ عديّ في الكامل (6/ 391) قَالَ: حَدَّثنَا يحيى بن صاعد، قَالَ: حَدَّثنَا الجهم بن مسعدة الفزاري بالمدينة، قَالَ: أخبرني أبي، عن ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عُمَر قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الرّبَا اثنان وسبعون باباً، أيسر باب فيها أخفى من دبيب الذر على الصفاء)). 2 - دراسة رجال الإسناد: 1 - نافع هو: مولى ابن عُمَر، أبو عبد الله المدني، قَالَ الخليلي: ((من أئمة التابعين، من أهل المدينة، إمام في العلم، متفق عليه، صحيح الرواية)) (¬1)، روى له الجماعة، مات سنة سبع عشر ومائة (¬2). 2 - ابن أبي ذئب هو: محمد بن عبد الرحمن المدني، ثقة فقيه فاضل، وله بعض الأوهام عن الزهري، روى له الجماعة، مات سنة تسع وخمسين ومائة (¬3). ¬

(¬1) الإرشاد (1/ 205 - 206). (¬2) تهذيب الكمال (29/ 298 - 306). (¬3) انظر: من كلام الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل (ص 50 رقم 54)، تاريخ الدارمي (ص 48 رقم 30)، تاريخ بغداد (2/ 296 -)، تهذيب الكمال (25/ 630 - 644).

3 - مسعدةُ الفَزَاريّ، قَالَ ابنُ عديّ: ((مسعدةُ الفَزَاريّ، لم ينسب، مدنيّ، حَدَّثنَا يحيى بن صاعد قَالَ: حَدَّثنَا الجهم بن مسعدة الفزاري بالمدينة قَالَ: أخبرني أبي عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عُمَر قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تبغضوا العرب ولا تسبوا قريشا وتذلوا الموالي، وبإسناده قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الرّبَا اثنان وسبعون بابا أيسر باب فيها أخفى من دبيب الذر على الصفا قَالَ الشيخ: وهذان الحديثان عن ابن أبي ذئب لا يرويهما بهذا الإسناد غير مسعدة الفزاري هذا، ولا أعرفُ له شيئا آخر)) (¬1). قَالَ الذهبيُّ: ((مسعدة الفزاري، عن ابن أبي ذئب بخبرين منكرين، وعنه ابنه: الجهم شيخ لابن صاعد، وهو مدني مذكور في الكامل، ولا يكاد يُعرف)) (¬2). ولم أقف له على ذكره عند غير من تقدم. 4 - الجهم بن مسعدة الفزاري، قَالَ الذهبيّ: ((جهم بن مسعدة الفزاري عن أبيه عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عُمَر بخبرين منكرين رواهما عنه ابن صاعد)) (¬3). ولم أقف له على ذكره عند غير من تقدم. 5 - يحيى بن صاعد، هو: يحيى بنُ محمد بن صَاعد أبو محمد البغداديّ، قَالَ الذهبيّ: ((الإمام الحافظ المجود محدث العراق أبو محمد الهاشمي البغدادي مولى الخليفة أبي جعفر المنصور رحال جوال عالم ¬

(¬1) الكامل في ضعفاء الرجال (6/ 391). (¬2) الميزان (6/ 408)، وانظر: لسان الميزان (6/ 23). (¬3) المغني في الضعفاء (1/ 138)، وانظر: لسان الميزان (2/ 143).

بالعلل والرجال)) (¬1). 3 - دراسةُ الحَدِيث والحكم عليه: هذا الحَدِيث بهذا الإسناد منكر جداً من عدة أوجه: 1 - أنّ الجهم بن مسعدة الفزاري لا يعرف. 2 - أنّ مسعدة الفزاري والد الجهم لا يعرف. 3 - أنّ مسعدة الفزاري تفرد بالحديث عن ابن أبي ذئب، وابن أبي ذئب من الجلالة بحيث يبعد أنْ يتفرد عنه رجل لا يعرف، وتقدم أنّ من القرائن عند المحدثين على بطلان الرواية أنْ يتفرد غير المعروف بحديث من طريقٍ مشهور (¬2). 4 - أنّ سلسلة نافع عن ابن عُمَر من الجلالة والمكانة بحيث لا يمكن أنْ تروى بمثل هذا الإسناد المظلم، وقد قسم نقاد الحَدِيث أصحاب نافع إلى أقسام فذكر علي بن المديني أنهم تسع طبقات، قَالَ ابن رَجَب: ((قسمهم ابن المديني تسع طبقات: الطبقة الأولى أيوب وعبيد الله بن عُمَر ومالك وعمر بن نافع، قَالَ فهؤلاء أثبت أصحابه وأثبتهم ـ عندي ـ أيوب قَالَ وسمعت يحيى يقول: ليس ابن جريج بدونهم فيما سمع من نافع. الطبقة الثانية: عبد الله بن عون ويحيى الأنصاري وابن جريج. الطبقة الثالثة: أيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية وسليمان بن موسى وسعد بن إبراهيم. ¬

(¬1) التذكرة (6/ 776)، السير (14/ 501). (¬2) انظر: ص 52.

الطبقة الرابعة: موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وداود بن الحصين. الطبقة الخامسة: محمد بن عجلان والضحاك بن عثمان وأسامة بن زيد الليثي ومالك بن مغول. الطبقة السادسة: ليث بن سعد وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وسليمان بن مساحق وابن غنج المصري. - ثم قَالَ: - وقد قسم النسائيُّ أصحابَ نافع تسع طبقات أيضاً، وخَالفَ ابنَ المدينيّ في بعض ما ذكره ووافقه في بعضه ... الخ)) (¬1). وذكر النسائيُّ ابنَ أبي ذئب في الطبقة الخامسة (¬2). فعلى هذا لو تفرد ابن أبي ذئب بخبر عن نافع فيَحسُن أنْ يتأن الباحث في تصحيحه، ويتتبع كلام الحفاظ على الخبر، هذا مع ثبوت الإسناد إلى ابن أبي ذئب، وأمَّا إذا كان الإسناد مظلم كحال هذا الإسناد فلا يعتدّ به، والله أعلم. وقد حكم الذهبيُّ على الحَدِيث بالنكارةِ - كما تقدم -، وكذلك ذكره ابنُ عدي في ترجمة مسعدة ضمن ما روى من المنكرات. ¬

(¬1) شرح علل الترمذي (2/ 619). (¬2) رسائل في علوم الحَدِيث (ص 51).

المبحث السادس تخريج حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - والحكم عليه

المبحثُ السادس تخريجُ حَدِيث عبدِ الله بنِ مسعود - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. 1 - تخريج الحَدِيث: أخرجه: الحاكم في المستدرك (2/ 37) كتاب البيوع، - وعنه البيهقي في شعب الإيمان (4/ 394) - قَالَ الحاكم: حَدَّثنَا أبو بكر بن إسحاق وأبو بكر بن بالويه قالا أنبأ محمد بن غالب، قَالَ: حَدَّثنَا عَمْرو بن علي، قَالَ: حَدَّثنَا ابن أبي عدي، قَالَ: حَدَّثنَا شُعْبَة بن الحجاج، عن زُبيد (¬1) بن الحارث اليامي، عن إبراهيم النخعي، عن مسروق بن الأجدع، عن عبد الله بن مسعود، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((الرّبَا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجُل أمه، وإنّ أربى الرّبَا عرض الرجُل المسلم)). قَالَ الحاكم: ((هذا حَدِيث صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه)). ¬

(¬1) في المطبوع (زيد) وهو تصحيف وانظر: إتحاف المهرة لابن حجر (10/ 478)، ولم يتنبه مؤلف كتاب"تعليقات على ما صححه الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي" لهذا التصحيف فَقَالَ: ((عن ابن مسعود مرفوعاً"الرّبَا ثلاثة وسبعون بابا. الحَدِيث (صححه على شرطهما، وأقره الذهبيّ) والإسناد فيه زيد وهو: ابن محمد العمري، لم يرو له البخاري، وروى له مسلم، وهو ثقة - التقريب1/ 277 - فالحديث على شرط مسلم)) انتهى!.

وَقَالَ البيهقيُّ: ((هذا إسنادٌ صحيحٌ، والمتنُ منكر بهذا الإسناد، ولا أعلمه إلاّ وهماً، وكأنه دَخَل لبعض رواة الإسناد في إسناده)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - مسروق بن الأجدع هو: الهمداني الوادعي، أبو عائشة الكوفي، متفقٌ على توثيقه وفقهه وعبادته، روى له الجماعة، مات سنة اثنتين ويقال: سنة ثلاث وستين (¬1). 2 - وإبراهيمُ هو: ابنُ يزيد النّخعيّ، أبو عمران الكوفي، متفقٌ على توثيقه وفقهه وعبادته، ولم يسمع من أحد من الصحابة، وهو يرسل كثيراً، روى له الجماعة، مات سنة ست وتسعين (¬2). 3 - وزُبيد - بموحدة مصغر - بنُ الحارث الياميّ - بالتحتانية -، أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقةٌ ثبت عابد، روى له الجماعة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة (¬3). 4 - وشُعْبَة هو: ابنُ الحجاج الأزديُّ، مولاهم، أبو بسطام الواسطي ثم البصريّ، متفق على جلالته وإتقانه وإمامته، وله بعضُ الأوهام في أسماء الرجال، روى له الجماعة، مات سنة ستين ومائة (¬4). 5 - ابنُ أبي عدي هو: محمد بن إبراهيم بن أبي عدي وقد ينسب لجده، أبو عَمْرو البصري ثقة؛ وثقه أبو حاتم والنسائي، وابن سعد وغيرهم، روى له الجماعة، مات سنة أربع وتسعين ومائة، على ¬

(¬1) تهذيب الكمال (27/ 451) تقريب التهذيب (ص 528 رقم: 6601) (¬2) تهذيب الكمال (2/ 233 - 240)، التهذيب (1/ 177 - 179). (¬3) تهذيب الكمال (9/ 289)، تقريب التهذيب (ص 213 رقم: 1989). (¬4) انظر: تاريخ بغداد (9/ 255 - 266)، تهذيب الكمال (12/ 479 - 495).

الصحيح (¬1). وَقَالَ أبو داود: ((سمعتُ أحمد يقول: ابنُ أبي عدي رَوى عن شُعْبَة أحاديث يرفعها ننكرها عليه)) (¬2). 6 - عَمْرو بنُ علي هو: أبو حفص الفلاس البصريّ، ثقة حافظ، رَوى له الجماعة، مات سنة تسع وأربعين ومائتين (¬3). 7 - محمدُ بنُ غالب هو: أبو جعفر الضبي التمار المعروف بالتمتام من أهل البصرة، وسكن بغداد. - قال ابنُ أبي حَاتم: ((سمعتُ منه ببغداد، وهو صدوق)) (¬4). - وقَالَ ابنُ حِبان: ((وكان متقناً صاحب دعابة)) (¬5). - وقَالَ السهمي: ((وسئل الدَّارقُطني عن محمد بن غالب تمتام؟ فَقَالَ: ثقة مأمون إلاّ إنّه كان يخطئ، وكان وهم في أحاديث منها: أنه حدّث عن محمد بن جعفر الوركاني، عن حماد بن يحيى الأبحّ، عن ابن عون، عن ابن سيرين عن عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (شيبتنى هود وأخواتها) فأنكر عليه هذا الحَدِيث موسى بنُ هارون وغيرهُ فجاء بأصلهِ إلى إسماعيل بنِ إسحاق القاضي، فأوقفه عليه، فَقَالَ إسماعيلُ القاضي: ربما وقع الخطأ للناس في الحداثة، فلو تركته لم يضرك. فَقَالَ تمتام: لا أرجع عما في أصل كتابي، قَالَ حمزة: وسمعتُ أبا الحسن الدَّارقُطني يقول: كان يتقي لسان تمتام، قَالَ أبو الحسن: والصواب أنَّ الوركانيَّ حدّث بهذا الإسناد عن عمران بن حصين أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ (لا ¬

(¬1) تهذيب التهذيب (9/ 12)، تقريب التهذيب (ص 465 رقم 5697). (¬2) سؤالات أبي داود (ص 353)، هذا النّص - مع أهميته - لم يذكره المزي ولا الذهبي ولا ابن حجر. (¬3) تهذيب الكمال (22/ 162)، تقريب التهذيب (ص 424 رقم: 5081). (¬4) الجرح والتعديل (8/ 55 رقم 254). (¬5) الثقات (9/ 151).

طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وحدث على أثره عن حماد بن يحيى الأبح عن يزيد الرقاشي عن أنس أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ (شيبتنى هود) فيشبه أنْ يكونَ التمتام كتب إسناد الأول، ومتن الأخير، وقرأه على الوركاني فلم يتنبه إليه، وأما لزوم تمتام كتابه وتثبته فلا ينكر (¬1)، ولا ينكر ¬

(¬1) وذلك أنّ من سنن المحدثين وطرائقهم التي ساروا عليها أنّ المحدث إذا كان صحيح الكتاب، معتنياً بضبطه وسلامته، ثم أنكر عليه حديث فأخرج كتابه كان ذلك دليلاً على صحة روايته، قَالَ أبوداود: سمعت الحلواني يقول: أوَّل من أظهر كتابه روح بن عبادة، وأبو أسامة، قَالَ الخطيب البغداديّ: يعني أنهما رويا ما خولفا فيه، فاظهرا كتبهما حجة لهما على مخالفيهما إذ روايتهما عن حفظهما موافقة لما في كتبهما - تاريخ بغداد (8/ 402) -. وَقَالَ حسينُ بنُ حبان: ((قلتُ ليحيى بن معين: ما تقولُ في رجلٍ حدّث بأحاديث منكرة فردها عليه أصحاب الحَدِيث، إن هو رجع وَقَالَ: ظننتها، فأما إذ أنكرتموها علي فقد رجعت عنها؟ فَقَالَ: لا يكون صدوقا أبدا، ... فقفلت ليحيى: ما يبرئه؟ قَالَ: يخرج كتاباً عتيقا فيه هذه الأحاديث، فإذا أخرجها في كتاب عتيق فهو صدوق، فيكون شبه له وأخطأ كما يخطئ الناس فيرجع عنها)) (الكفاية ص 118 - 119). بل إنّ المحدثين جرحوا عدداً من الرواة بسبب تغييرهم أصولهم منهم: سفيان بن وكيع، وعلي بن عاصم وغيرهما، وبعضهم جرح بسبب أنه لُقِّنَ فَغَيِّر أصل كتابه، وقد كان يفعل هذا الشيء محمد بن حميد الرازي فَأُنكِر عليه ذلك، قَالَ أبوحاتم الرازي: سألني يحي بن معين عن ابن حميد من قبل أن يظهر منه ما ظهر، فَقَالَ: أي شيء تنقمون عليه؟ فقلتُ: يكون في كتابه شيء فنقول: ليس هذا هكذا إنما هو كذا وكذا، فيأخذ القلم فيغيره على ما نقول، فَقَالَ: بئس هذه الخصلة - الجَرْح والتَّعديل (7/ 232) -. وقد جعل يعقوب بن شَيْبَة تغيير الشيخ لما في أصله أشد الأشياء التي سمعها في روح بن عبادة، فَقَالَ: ((ولم أسمع في روح شيئاً أشد عندي من شيء دفع إلى محمد بن إسماعيل صاحبنا كتاباً بخطه نسخت منه - فكان فيه - حَدَّثنَا عفان قَالَ حدثني غلام من أصحاب الحَدِيث يقال له عمارة الصيرفي أنه كان يكتب عن روح بن عبادة هو وعلي بن المديني، فحدثهم بشيء عن شُعْبَة عن منصور عن إبراهيم، قَالَ فقلت له: هذا عن الحكم؟ قَالَ: فَقَالَ روحٌ لعلي بن المديني: ما تقول؟ قَالَ: صدق هو عن الحكم، قَالَ: فأخذ روح قلماً فمحى منصور وكتب الحكم، قَالَ عفان: فسألتُ علي بن المديني - وعمارة معي - فَقَالَ: صدق، قد كان هذا)) - تاريخ بغداد (8/ 403) - فلا ينكر أنْ يصر محمد بن غالب على ما في كتابه لأنه يرى صحته، وإن كان في واقع الأمر هذه الرواية خطأ كما نبه على ذلك الحفاظ موسى بن هارون، وإسماعيل القاضي وغيرهم، وبين ذلك الدَّارقُطني، ومتى ما كثر هذا الخطأ في كتاب الراوي ونبه وأصر كان ذلك دليلا على عدم ضبطه. وانظر للفائدة: - التنكيل (1/ 41، 480) -.

طلبه، وحرصه على الكتابة)) (¬1) .. وقال الدَّارقُطني أيضاً: ((مكثر مجود)) (¬2). وقَالَ الحاكمُ: ((محمد بن غالب بن حرب الحافظ عندنا ثقةٌ مأمون، ولم يضره كلام موسى بن هارون فيه)) (¬3). وقَالَ الخطيبُ: ((وَكَانَ كثير الحديث، صدوقاً حافظاً)) (¬4). فتبين من أقوال النّقاد أنّ الأصل في التمتام أنه ثقة إلاّ أنّ له بعض الأوهام في كتابه كدخول حَدِيث في حَدِيث، فيجتنب من حديثه ما استنكره أئمة الحديث، وما تبين أنه خالف فيه الثقات، مات سنة ثلاث وثمانين ومائتين. 3 - دراسةُ الحَدِيث والحكم عليه: هذا الحَدِيث فيه علتان: العلةُ الأولى: تتعلق بمتن الخبر. وهي أنَّ زيادة: ((أيسرها مثل أنْ ينكحَ الرجُل أمه، وإنّ أربى الرّبَا عرض الرجُل المسلم)) شاذةٌ؛ شذّ بها محمد بن غالب يدل على هذا أربعة أمور: ¬

(¬1) سؤالات السهميّ (ص 74 - 77 رقم 9)، تاريخ بغداد (3/ 143). (¬2) تاريخ بغداد (3/ 146). (¬3) سؤالات مسعود السجزي للحاكم (ص 112 رقم 113). (¬4) تاريخ بغداد (3/ 144).

الأوَّل: أنّ ثلاثةً من الرواة رووا الأثر عن عَمْرو بنِ علي - وفيهم أئمة - فلم يذكروا هذه الزيادة وهم: 1 - ابن ماجه فقد رواه في سننه (2/ 764 رقم 2275) كتاب التجارات، باب التغليظ في الرّبَا، عن عَمْرو بن علي - به - مرفوعاً ولفظه: ((الرّبَا ثلاثة وسبعون باباً)). 2 - البزار، فقد رواه في مسنده (5/ 318 رقم 1935) عن عَمْرو بن علي - به - مرفوعاً ولفظه: ((الرّبَا بضع وسبعون باباً، والشرك مثل ذلك))، وَقَالَ البزار: ((وهذا الحَدِيث لم نسمع أحداً أسنده بهذا الإسناد إلاّ عَمْرو بن علي)). 3 - عبد الله بن بُندار الباطرقاني، رواه أبو نُعيم في ترجمته من أخبار أصبهان (2/ 16) عن عَمْرو بن علي - به -، ولفظه مثل لفظ ابن ماجه. الثاني: أنَّ المتقنين من أصحاب شعبة - كمحمد بن جعفر، والنضر بن شميل - لم يذكروا هذه الزيادة وسيأتي ذكر رواياتهم. الثالث: أنّ محمد بنَ غالب وقعت له أوهام من جنس هذا الوهم الذي وقع له في هذا الحَدِيث (¬1)، وهذا يدل على أنَّ كتابه وقعت فيه بعض الأوهام من دخول حَدِيث في حَدِيث كما قَالَ له إسماعيلُ القاضي:: ((ربما وقع الخطأ للناس في الحداثة))، وبين ذلك الدَّارقُطني - بدقة - في قولِهِ: ((والصواب أنَّ الوركانيَّ حدّث بهذا الإسناد عن عمران بن حصين أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وحدث على ¬

(¬1) وانظر: حديثاً آخر وهم فيه محمد بن غالب فأدخل حديثا في حديث في السلسلة الضعيفة اللألباني (2/ 346 رقم 943).

أثره عن حماد بن يحيى الأبح عن يزيد الرقاشي عن أنس أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ (شيبتنى هود) فيشبه أنْ يكونَ التمتام كتب إسناد الأول، ومتن الأخير، وقرأه على الوركاني فلم يتنبه إليه)). 4 - الرابع: أنَّ الحَدِيث بهذا الإسناد والمتن لا يعرف عن ابن مسعود إلا من طريق محمد بن غالب، كما قَالَ البزار: ((وهذا الحَدِيث لم نسمع أحداً أسنده بهذا الإسناد إلاّ عَمْرو بن علي))، قَالَ المعلمي: ((في سنده: محمد بن غالب التمتام، وهو صاحب أوهام ولم أر الخبر عن ابن مسعود إلا من طريقه)) (¬1)، وهذه - في الحقيقة - لفتة دقيقة وإشارة لطيفة من المعلمي لموطن العلة، ولو تتبع المعلمي أسانيد الخبر لتأكد له أنَّ الوهم من محمد بن غالب التمتام خاصةً مع مخالفته لثلاثة من الرواة وفيهم كبار الأئمة. ولقد كان الإمامُ البيهقيُّ دقيقاً في قوله: ((هذا إسنادٌ صحيحٌ، والمتنُ منكر بهذا الإسناد، ولا أعلمه إلاّ وهماً، وكأنه دَخَل لبعض رواة الإسناد في إسناده))، وهذا مما يدل على براعة الإمام البيهقي، وعمق نظره للمتون. العلة الثانية: الاختلافُ على شُعْبَة في رفع الحَدِيث ووقفه. وقد اختلف عنه على وجهين: الوجه الأوَّل: رواه ابنُ أبي عدي - وحدَهُ -، عن شُعْبَة بنِ الحجاج، عن زُبيد بن الحارث اليامي، عن إبراهيم النخعي، عن مسروق بن الأجدع، عن عبد الله بن مسعود، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. ¬

(¬1) الفوائد المجموعة (ص 150هامش).

وتقدم تخريجها. الوجه الثاني: رواه النضر بن شُميل، ومحمد بن جعفر كلاهما عن شُعْبَة، عن زُبيد، عن إبراهيم، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود قَالَ: ((الرّبَا ثلاثة وسبعون باباً، والشرك مثل ذلك)). تخريج الروايتين: - أخرج رواية النضر: المروزي في السنة (ص 165 رقم 211) قَالَ: حَدَّثنَا إسحاق بن راهويه عن النضر بن شُميل عن شُعْبَة - به -. - أخرج رواية محمد بن جعفر: الخلاّل في السنة (5/ 18 رقم 1495) قَالَ: حَدَّثنَا أبو بكر المروذي، قَالَ: حَدَّثنَا أبو عبد الله أحمد بن حنبل قَالَ: حَدَّثنَا محمد بن جعفر عن شُعْبَة - به -. 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: يظهر من خلال الموازنة بين الوجهين أنَّ الوجه الثاني أرجح لأمور: الأوَّل: أنّ رواةَ هذا الوجه هُمْ مِنْ أصحابِ شُعْبَة المقدمين، فمحمدُ بنُ جعفر المعروف بغُنْدر ثقة صحيح الكتاب (¬1)، وهو من أقوى أصحاب شُعْبَة إن لم يكن أقواهم. قَالَ أحمدُ - في رواية ابنِ هاني -: ((ما في أصحاب شُعْبَة أقل خطأ من محمد بن جعفر، ولا يقاس بيحيى بن سعيد في العلم أحد)) (¬2). قَالَ أحمد: ((سمعت غندر يقول: لزمت شعبة عشرين سنة لم أكتب ¬

(¬1) تهذيب التهذيب (9/ 84)، تقريب التهذيب (ص 472 رقم 5787). (¬2) شرح علل الترمذي لابن رَجَب (2/ 702).

فيها عن أحد غيره)) (¬1)، وَقَالَ الفضل بن زياد: ((وسألتُ أبا عبد الله: من تقدم من أصحاب شعبة؟ فَقَالَ: أما في العدد والكثرة فغندر قَالَ: صحبته عشرين سنة، ولكن كان يحيى بن سعيد أثبت، وكان غندر صحيح الكتاب ولم يكن في كتبه تلك الأخبار إلا أنَّ بهزاً ويحيى وعفان هؤلاء كانوا يكتبون الألفاظ والأخبار)) (¬2). وَقَالَ عبدُ الله بنُ المبارك: ((إذا اختلف الناسُ في حَدِيث شُعْبَة فكتابُ غُنْدر حكم فيما بينهم)) (¬3). وَقَالَ الفلاس: ((كان يحيى وعبد الرحمن ومعاذ وخالد وأصحابنا إذا اختلفوا في حَدِيث عن شُعْبَة رجعوا إلى كتاب غُنْدر فحكم عليهم)) (¬4). وَقَالَ العجليُّ: ((غُنْدر من أثبت الناس في حَدِيث شُعْبَة)) (¬5). وَقَالَ ابنُ عدي: ((إذا جاوزتْ في أصحابِ شُعْبَة من معاذ بن معاذ وخالد بن الحارث ويحي القطان وغندر فأبو داود خامسهم)) (¬6). وكذلك النضر بن شميل - وهو ثقة ثبت (¬7) -، من أروى الناس عن شُعْبَة، قَالَ العباسُ بنُ مصعب المروزي: ((وكان أروى الناس عن شُعْبَة)) (¬8). ¬

(¬1) المعرفة والتاريخ (2/ 119). (¬2) المرجع السابق. (¬3) الجرح والتعديل (1/ 271). (¬4) شرح علل الترمذي لابن رَجَب (2/ 703). (¬5) معرفة الثقات (2/ 234). (¬6) الكامل (3/ 280). (¬7) تهذيب التهذيب (10/ 390)، تقريب التهذيب (ص 562 رقم 7135). (¬8) تهذيب الكمال (29/ 383) ونحوه في الإرشاد للخليلي (3/ 894).

الثاني: أنّ نقاد الحَدِيث أنكروا على ابن أبي عدي رفع أحاديث عن شُعْبَة، قَالَ أبو داود: ((سمعت أحمد يقول: ابن أبي عدي روى عن شُعْبَة أحاديث يرفعها ننكرها عليه))، فهذا مما يقوي أنّ ابن أبي عدي وهم في رفع هذا الحَدِيث. الثالث: أنّ شُعْبَة توبع على رواية الوقف: تابعه سفيان الثوري، وكذلك تابع أبو الضحى مسلم بنُ صبيح إبراهيمَ النخعيَّ، وكذلك أصحاب ابن مسعود رووا الأثر موقوفاً على ابن مسعود. • متابعة سفيان الثوريّ لشعبة على هذه الرواية الموقوفة، أخرجها: - عبد الرزاق في المصنف (8/ 315 رقم 15347). - والمروزيُّ في السنة (ص 165 رقم 210) من طريق عبد الرحمن بن مهدي. - والخلاّل في السنة (5/ 13 رقم 1480، 15 رقم 1486) من طريق وكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي. - والطبرانيُّ في المعجم الكبير (9/ 374 رقم 9608) من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين. جميعهم عن الثوري عن زُبيد (¬1) بن الحارث اليامي، عن إبراهيم النخعي، عن مسروق بن الأجدع، عن عبد الله بن مسعود، قَالَ: ((الرّبَا بضع وسبعون باباً، والشرك نحو ذلك)). وهذا الإسناد من أصح الأسانيد وأرفعها. ¬

(¬1) تصحف (زبيد) في معجم الطبراني إلى (يزيد)!.

• متابعة أبي الضحى مسلم بنُ صبيح لإبراهيم النخعيّ على هذه الرواية، أخرجها: - عبد الله ابن الإمام أحمد في السنة (1/ 366 رقم 791). - والخلاّل في السنة (5/ 15 رقم 1486) قَالَ: حَدَّثنَا أبو بكر المروذي. كلاهما عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل. - والمروزيُّ في السنة (ص 164 رقم 209) قَالَ: حَدَّثنَا محمد بن بشار. كلاهما عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري. وأخرجه: - المروزيُّ في السنة (ص 166 رقم 212) حَدَّثنَا إسحاق بن راهويه قَالَ: أخبرنا النضر بن شميل. - والخلاّل في السنة (5/ 18 رقم 1496) قَالَ: حَدَّثنَا أبو بكر المروذي، عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل، عن محمد بن جعفر. كلاهما عن شُعْبَة. كلاهما (سفيان الثوري، وشُعْبَة) عن سلمة بن كُهيل، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، قَالَ: ((الرّبَا بضع وسبعون باباً، والشرك نحو ذلك)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: - مسلم بن صُبيح - بالتصغير - الهمداني أبو الضحى الكوفي العطار، مشهور بكنيته، متفقٌ على توثيقه، روى له الجماعة، مات

سنة مائة (¬1). - وسلمة بن كهيل الحضرمي أبو يحيى الكوفي، متفقٌ على توثيقه وإتقانه، روى له الجماعة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة (¬2). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: هذا الإسناد من أصح الأسانيد وأرفعها. • رواية أصحاب ابن مسعود الأثر عن ابن مسعود موقوفاً عليه: 1 - رواية عبد الرحمن بن يزيد، أخرجها: - عبد الرزاق في المصنف (8/ 314 رقم 15346). - وعبد الله ابن الإمام أحمد (1/ 366 رقم 791)،والخلاّل (5/ 15 رقم 1486) كلاهما في السنة، من طريق عبد الرحمن بن مهدي. كلاهما (عبد الرزاق، وعبد الرحمن بن مهدي) عن الثوري. - وابن أبي شيبة في المصنف (6/ 564) قَالَ حَدَّثنَا ابن فضيل - وهو محمد بن فضيل -. كلاهما (الثوري، ومحمد بن فضيل) عن الأعمش، عن عمارة بن عُمير، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله قَالَ: ((الرّبَا بضع وسبعون باباً، والشرك نحو ذلك)) وهذا لفظ محمد بن فضيل، والثوري - في رواية عبد الرحمن بن مهدي -. وأمّا رواية عبد الرزاق عن الثوري ففيها زيادة وهي: ((أهونها كمن أتى أمه في الإسلام)). ¬

(¬1) تهذيب التهذيب (10/ 119)، تقريب التهذيب (ص 530 رقم 6632). (¬2) تهذيب التهذيب (4/ 155)، تقريب التهذيب ص 248 رقم 2508).

2 - دراسةُ رجال الإسناد: - عبد الرحمن بن يزيد هو: النخعي متفق على توثيقه (¬1). - وعمارة بن عُمير هو: التيمي متفق على توثيقه وفضله (¬2). - والأعمش - وهو سليمان بن مهران - متفقٌ على توثيقه وجلالته، وقد ذكره العلائيُّ، وابن حجر في الطبقة الثانية من المدلسين، وهم من احتمل الأئمة تدليسهم (¬3). - ومحمد بن فضيل فيه خلاف، والراجح أنه صدوق، وهو اختيار الذهبي وابن حجر، وقد تابعه على هذه الرواية الثوري (¬4). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: وإسناد الأثر - بدون هذه الزيادة - صحيح، وأمّا الزيادة التي في رواية عبد الرزاق عن الثوري: ((أهونها كمن أتى أمه في الإسلام)) فلا تصح لأمور: الأوَّل: أنّ عبد الرحمن بن مهدي وهو من أتقن أصحاب الثوري لم يذكرها. وقد سئل يحيى بن معين عن أصحاب الثوري؟ فَقَالَ: ((هم خمسة: يحيى بن سعيد، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو نعيم الفضل بن دكين))، وكذلك قَالَ ¬

(¬1) تهذيب التهذيب (6/ 267)، تقريب التهذيب (ص 353 رقم 4043). (¬2) تهذيب التهذيب (7/ 369)، تقريب التهذيب (1/ 409 رقم 4856) (¬3) تهذيب الكمال (12/ 76 - 91)، السير (6/ 226 - 249)، جامع التحصيل (ص 113)، تعريف أهل التقديس (ص 118 رقم 55). (¬4) الجرح (8/ 57 رقم 263)، تهذيب الكمال (26/ 293 - 298)، الميزان (3/ 9 رقم 8062)، التقريب (ص 502 رقم 6227).

علي بن المدينيّ، والدارقطنيّ وغيرهما (¬1). وَقَالَ ابنُ أبي خيثمة: سمعتُ يحيى بنَ معين، وسئل عن أصحاب الثوري أيهم أثبت؟ فَقَالَ: ((هم خمسة: يحيى بن سعيد، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو نعيم الفضل بن دكين، فأمّا الفريابي، .. وأبو أحمد الزبيري، وعبد الرزاق وطبقتهم، فهم كلهم في سفيان بعضهم قريب من بعض، وهم ثقات كلهم دون أولئك في الضبط والمعرفة)). وَقَالَ ابنُ محرز: وسألتُ يحيى - يعني ابن معين - وسئل عن أصحاب سفيان من هم؟ قَالَ: المشهورون: وكيع ويحيى، وعبد الرحمن، وابن المبارك، وأبو نعيم هؤلاء الثقات. قيل له: فأبوعاصم، وعبد الرزاق، وقبيصة وأبو حذيفة؟ قَالَ: هؤلاء ضعفاء (¬2). (¬3) الثاني: أنَّ محمد بن فضيل لم يذكر هذه الزيادة في روايته عن الأعمش، فوافقت روايته رواية عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري. الثالث: أنّ عبد الرزاق تكلم في روايته عن الثوري قَالَ أحمد بن حنبل: ((سماع عبد الرزاق من سفيان بمكة مضطرب، فأما سماعه باليمن الذي أملى عليهم فذاك صحيح جداً، كان القاضي يكتب، فكانوا يصححون)) (¬4). ¬

(¬1) انظر: المعرفة والتاريخ (1/ 717)، الجرح (1/ 253، 7/ 62)، شرح علل الترمذي (2/ 538)، وسؤالات أبي عبد الله بن بكير للدارقطني (ص 41 - 42). (¬2) يقصد هنا بالضعف الضعف النسبي بدلالة بقية الروايات عن ابن معين، وأوضحها رواية ابن أبي خيثمة المتقدمة. (¬3) معرفة الرجال (1/ 109). (¬4) سؤالات أبي بكر الأثرم أبا عبد الله أحمد بن حنبل (ص 33 رقم 2).

قَالَ ابن رَجَب: ((من ضُعّف حديثه في بعض الأماكن دون بعض، وهو على ثلاثة أضرب: أحدها: من حدث في مكان لم يكن معه فيه كتبه فخلط، وحدث في مكان آخر من كتبه فضبط، أو من سمع في مكان من شيخ فلم يضبط عنه، وسمع منه في موضع آخر فضبط ... ومنهم: عبد الرزاق بن همام الصنعاني: ... قَالَ أحمد في رواية الأثرم: سماع عبد الرزاق بمكة من سفيان مضطرب جداً، روى عنه عن عبيد الله أحاديث مناكير، هي من حَدِيث العمري. وأما سماعه باليمن فأحاديث صحاح"، قَالَ أبو عبد الله أحمد: قَالَ عبد الرزاق: كان هشام بن يوسف يكتب بيده - وأنا أنظر - يعني عن سفيان باليمن - قَالَ عبد الرزاق قَالَ سفيان: إيتوني برجل خفيف اليد، فجاؤوه بالقاضي، وكان ثمّ جماعة يسمعون لا ينظرون في الكتاب. قَالَ عبد الرزاق: وكنت أنا أنظر، فإذا قاموا ختم القاضي الكتاب. قَالَ أبو عبد الله: لا أعلم أني رأيت ثمّ خطأ إلا في حَدِيث بشير بن سلمان عن سيار، قَالَ: أظن أني رأيته عن سيار عن أبي حمزة، فأراهم أرادوا عن سيار أبي حمزة، فغلطوا فكتبوا عن سيار عن أبي حمزة)). هذا كله كلام أحمد رحمه الله ليبين به صحة سماع عبد الرزاق باليمن من سفيان، وضبط الكتاب الذي كتب هناك عنه. وذكر لأحمد حَدِيث عبد الرزاق عن الثوري عن قيس عن الحسن ابن محمد عن عائشة قالت: أهدي للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشيقة لحم وهو محرم يأكله، فجعل أحمد ينكره إنكاراً شديداً. وَقَالَ: هذا سماع مكة)) (¬1). ¬

(¬1) شرح علل الترمذي (2/ 770).

فلعل هذا الأثر مما سمعه عبد الرزاق من سفيان بمكة لذا وهم فيه وخالف عبد الرحمن بن مهدي. الرابع: رواية مسروق عن ابن مسعود المتقدمة تؤيد شذوذ هذه الزيادة، فليس في روايته هذه الزيادة، والله أعلم. - رواية وائل بن ربيعة أخرجها: الخلاّل في السنة (4/ 125 رقم 1325) قَالَ: حَدَّثنَا أبو بكر - هو: المروذي - قَالَ: حَدَّثنَا أبو عبد الله - هو: أحمد بن حنبل - قَالَ: حَدَّثنَا حجاج، قَالَ: حَدَّثنَا شريك، عن عاصم، عن وائل، عن عبد الله قَالَ: ((الرّبَا بضع وسبعون باباً، والشرك نحو ذلك)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: - وائل هو: ابن ربيعة، يعد في الكوفيين، ومن أصحاب عبد الله بن مسعود كما قَالَ العجلي، روى عنه: شمر بن عطية، والمسيب بن رافع وثقه العجليّ وذكره ابن حبان في الثقات (¬1)، فهو في مثل هذه الرواية لا بأس به، وقد توبع على الأثر كما تقدم. - وعاصم هو: ابن أبي النجود فيه خلاف قوي، ولعل الأرجح في حاله ما قاله الذهبيّ: ((كان عاصم ثبتا في القراءة، صدوقا في الحَدِيث)) (¬2). - وشَريك بن عبد الله القاضي فيه خلاف شديد، ولعل الجمع بين ¬

(¬1) انظر: الطبقات الكبرى (6/ 204)، معرفة الثقات (2/ 339 رقم 1933)، الجرح والتعديل (9/ 43 رقم 181)، الثقات (5/ 495 رقم 5905). (¬2) سير أعلام النبلاء (5/ 260)، تهذيب التهذيب (5/ 35).

أقوال النقاد المختلفة أنه صدوق إن حدّث من كتابه، أو حدّث عنه القدماء قبل ولايته القضاء، ولم يكن المتن الذي رواه منكراً، وإلاَّ ففيه ضعف، خاصةً عن الأعمش، وقد قَالَ الذهبيّ: ((صدوق)) (¬1). - وحجاج هو: ابن محمد الأعور ثقة ثبت (¬2). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: وهذا الإسناد لا بأس به. تنبيه: أخرج عبدُالرزاق في المصنّف (8/ 314 رقم 15344) قَالَ: أخبرنا معمر، عن عطاء الخراسانيّ، عن رجل، عن عبد الله بنِ مسعود قَالَ: ((الرّبَا ثلاث وسبعون حوباً، أدناها حوباً كمن أتى أمه في الإسلام، ودرهم من الرّبَا كبضع وثلاثين زنية))، وهذا إسنادٌ ضعيف جداً لإبهام الراوي عن ابن مسعود، ولمخالفته أصحاب ابن مسعود المتقنين. وخلاصة ما تقدم: - أنّ حَدِيث ابن مسعود مرفوعاً لا يصح. - وأنّ الصحيح أنه موقوف على ابن مسعود بلفظ: ((الرّبَا بضع وسبعون باباً، والشرك نحو ذلك))، والله أعلم. ومما تقدم يعلم أنَّ: ¬

(¬1) انظر: الثقات (6/ 444)، تاريخ بغداد (9/ 279 - 295)، تهذيب الكمال (12/ 462 - 475)، شرح علل الترمذي (2/ 589)، تقريب التهذيب (ص 266 رقم 2787)، المغني في الضعفاء (1/ 297 رقم 2764). (¬2) تقريب التهذيب (ص 153 رقم 1135).

- قولَ العراقيّ - عن إسناد الحاكم -: ((إسناده صحيح)) (¬1). - وقولَ البوصيريّ - عن إسناد ابن ماجه -: ((هذا إسناد صحيح، وابنُ أبي عدي اسمه محمد بن إبراهيم هو ثقة تفرد برواية هذا الحديث عن شعبة، رواه البزار في مسنده ورجاله رجال الصحيح، وله شاهد من حديث عبد الله بن حنظلة رواه أحمد في مسنده ورجاله رجال الصحيح)) (¬2). - ورمز السيوطيّ للحديث بالصحة (¬3). فيه نظر تقدم بيانه. ¬

(¬1) فيض القدير (4/ 50). (¬2) مصباح الزجاجة (3/ 34). (¬3) فيض القدير (4/ 50).

المبحث السابع تخريج حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - والحكم عليه

المبحثُ السابع تخريجُ حَدِيث أبي هُرَيرة - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. رُوي الحَدِيث عن أبي هُرَيرة من عدة طُرُق: 1 - طريقُ أبي سلمة عن أبي هُرَيرة - رضي الله عنه - مَرْفوعاً. 2 - طريقُ سعيد بن أبي سعيد المقبريّ، عن أبي هُرَيرة مَرْفوعاً. 3 - طريقُ أبي سعيد كيسان المقبريّ، عن أبي هُرَيرة مَوقوفاً. 4 - طريقُ زياد أبي المغيرة، عن أبي هُرَيرة مَوقوفاً. 5 - طريقُ يحيى بن المتوكل، عن ابن عباد، عن أبيه، عن جده، عن أبي هُرَيرة مَرْفوعاً. الطريقُ الأوَّلُ: طريقُ أبي سلمةَ عن أبي هُرَيرة - رضي الله عنه - مَرْفوعاً. 1 - تخريج الحَدِيث: أخرجه: - البخاريّ في التاريخ الكبير (5/ 95) - ومن طريقه ابن عدي في الكامل (5/ 275) -. - والعقيليُّ في الضعفاء الكبير (2/ 257) - ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 21 رقم 1224) -. - والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 394).

جميعهم من طُرُق عن سعد بن عبد الحميد بن جعفر قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن زياد. - وابن الجارود في المنتقى (ص 217 رقم 647) باب ما جاء في الربا. - والبغويُّ في التفسير (1/ 401). كلاهما من طُرُق عن النضر بن محمد. - والدينوري في المجالسة (4/ 395 رقم 1590). - وابن عديّ في الكامل (5/ 275). - والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 394). جميعهم من طُرُق عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي قَالَ: حَدَّثَنَا عفيف بن سالم. جميعهم (عبد الله بن زياد، والنضر بن محمد، وعفيف بن سالم) عن عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير قَالَ: حَدَّثَنَا أبو سلمة عن أبي هُرَيرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الربا سبعون بابا أهونها عند الله كالذي ينكح أمه)). وَقَالَ البيهقي: ((غريب بهذا الإسناد، وإنما يعرف بعبد الله بن زياد، عن عكرمة، وعبد الله بن زياد هذا منكر الحَدِيث)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - أبو سلمة تقدمت ترجمته (¬1)، وهو: متفق على ثقته وفقهه وجلالته. ¬

(¬1) ص: 45 من هذا البحث.

2 - يحيى بن أبي كثير تقدمت ترجمته (¬1)،وهو: متفقٌ على توثيقه، وكان يرسل. 3 - عكرمة بن عمار تقدمت ترجمته (¬2) وهو: ثقة، وفي روايته عَنْ يحيى بن أبي كثير اضطراب. 4 - عبد الله بن زياد هو: اليمامي أبو العلاء (¬3)، روى عن: عكرمة بن عمار، روى عنه: سعد بن عبد الحميد بن جعفر، قَالَ البخاريّ: ((منكر الحَدِيث)) (¬4)، وذكره ابنُ أبي حَاتِم وسكت عنه، وذكره ابن حبان في الثقات. هذا جميع ما وقفتُ عليه في ترجمة هذا الراوي بعد بحثٍ طويلٍ، ويظهر أنّ هذا الراوي لا يعرف، ولذا قَالَ ابنُ عدي بعد نقلهِ كلام البخاريّ: ((وهذا الذي ذكره البخاري لم يحضرني فأذكره)) (¬5). وقولُ البخاريّ: ((منكر الحَدِيث)) جرحٌ شديدٌ، قَالَ الذهبيّ: ((أبان بن جبلة .. وَقَالَ البخاري: منكر الحَدِيث، ونقل ابنُ القطان (¬6) أنَّ البخاريَّ قَالَ: كل من قلت فيه منكر الحَدِيث فلا تحل الرواية عنه)) (¬7). قَالَ ابن حجر: ((وهذا القولُ مروي بإسنادٍ صحيحٍ عن عبدِ السلام بنِ أحمد الخفاف عن البخاري)) (¬8). وَقَالَ أيضاً: ((البخاريُّ في كلامه على الرجال في غاية التحري ¬

(¬1) ص: 22 من هذا البحث. (¬2) ص: 46 من هذا البحث. (¬3) انظر: الضعفاء الكبير (2/ 257)، الجرح والتعديل (5/ 62 رقم 280)، الثقات (8/ 341)، ميزان الاعتدال (4/ 102)، المغني في الضعفاء (1/ 339 رقم 3178). (¬4) التاريخ الكبير (5/ 95 رقم 269). (¬5) الكامل (4/ 244). (¬6) في بيان الوهم والإيهام (3/ 377 رقم 1120). (¬7) ميزان الاعتدال (1/ 119). (¬8) لسان الميزان (1/ 20).

والتوقي، ومن تأمل كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه وإنصافه، فإنَّ أكثرَ ما يقولُ: منكر الحَدِيث، سكتوا عنه، فيه نظر، تركوه ونحو هذا، وقلَّ أن يقولَ: فلان كذاب، أو يضع الحَدِيث، بل إذا قَالَ ذلك عزاه إلى غيره بقوله: كذبه فلان، رماه فلان بالكذب، حتى أنه قَالَ: من قلتُ فيه في حديثه نظر فهو متهم، ومن قلتُ فيه منكر الحَدِيث فلا تحل الرواية عنه)) (¬1). قَالَ الذهبيّ: ((وَقَالَ بكر بن منير: سمعتُ أبا عبد الله البخاري يقولُ: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً، قلتُ: صَدَقَ رحمه الله، ومَنْ نَظَرَ في كلامهِ في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس وإنصافه فيمن يضعفه فإنه أكثر ما يقول: منكر الحَدِيث، سكتوا عنه، فيه نظر، ونحو هذا وقلّ أن يقول: فلان كذاب، أو كان يضع الحَدِيث، حتى إنه قَالَ: إذا قلت فلان في حديثه نظر فهو متهم واه، وهذا معنى قوله: لا يحاسبني الله أني اغتبت أحداً، وهذا هو والله غاية الورع)) (¬2). والبخاريّ إنما حَكَمَ عليه بناءً على تتبع أحاديثه والنظر فيها وهذه طريقة كبار النقاد، كما قالَ ابنُ أبي حَاتِم: ((سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيث رَوَاهُ عَبْدُالْكَرِيمِ بنُ عبد الكريم النَّاجِي، عَنْ الحَسَنِ بن مُسْلِم، عَنْ الحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَنْ حَبَسَ الْعِنَبَ أَيَّامِ الْقِطَافِ لِيَبِيعَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ إِلاّ كَانَ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَقْتٌ، قَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيث كَذِبٌ باطلٌ، قُلْتُ: تَعْرِفُ عَبْدَ الْكَرِيمِ هَذَا؟ قَالَ: لا، قُلْتُ: فتَعْرِفُ الحَسَنَ بنَ مُسْلِم؟ قَالَ: لا، ولكَنْ تَدُلُ رِوَايَتُهُمْ عَلَى ¬

(¬1) تغليق التعليق (5/ 397). (¬2) سير أعلام النبلاء (12/ 439).

الكَذِبِ)) (¬1)، ولهذا نظائر كثيرة في كلام كبار النقاد وأئمة الجرح والتعديل. وسكوت ابن أبي حَاتِم لا يدل على جرحٍ ولا تعديل، فقد قَالَ مبيناً منهجه في ذلك: ((على أنَّا ذكرنا أسامي كثيرة مهملة من الجرح والتعديل كتبناها ليشتمل الكتاب على كل من روى عنه العلم، رجاء وجود الجرح والتعديل فيهم، فنحن ملحقوها بهم من بعد)) (¬2). وذِكْرُ ابنِ حبان له في الثقات - مع قول البخاري عنه: ((منكر الحَدِيث)) - دليل من الأدلة الكثيرة على تساهله في باب التوثيق. 5 - النضر بن محمد هو: الجرشي، أبو محمد اليمامي، قَالَ ابن حجر: ((ثقة له أفراد))، روى له البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجة (¬3). 6 - عفيف بنُ سالم هو: الموصلي البجلي مولاهم، أبو عمرو، قَالَ الذهبي: ((محدّث مشهور صالح الحَدِيث)) (¬4)، وَقَالَ ابنُ حجر: ((صدوق)) (¬5)، مات بعد الثمانين ومائة، روى له النسائي في مسند علي (¬6). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: وهذا الإسناد معلول من وجهين: ¬

(¬1) العلل (1/ 389 رقم 1165). (¬2) الجرح والتعديل (2/ 38). (¬3) تهذيب التهذيب (10/ 396)، تقريب التهذيب (ص 562 رقم 7148). (¬4) ميزان الاعتدال (5/ 105). (¬5) تقريب التهذيب (ص 394 رقم 4627). (¬6) تهذيب التهذيب (7/ 209).

الأوَّل: أنَّ رواية عكرمة بن عمار عَنْ يحيى بن أبي كثير مضطربة كما تقدم، وهو في هذه الرواية بعينها يضطرب فقد روى الحَدِيث عَنْ يحيى بن أبي كَثير، عَنْ عبد الله بن سَلاَم مَوقوفاً عليه، وتقدم بيان ذلك عند ذكر حَدِيث عبد الله بن سَلاَم (¬1). الثاني: أنَّ الأوزاعيّ - وهو أوثق من عكرمة بدرجات - خالف عكرمة بن عمار، فرواه عَنْ يحيى بن أبي كثير، عَنْ ابن عباس - مَوقوفاً عليه -، كما قَالَ ابن أبي حَاتِم: ((قَالَ أبي: رَوَاهُ الأَوْزَاعِيّ، عَنْ يَحْيَى بن أَبِي كَثِير، عَنْ ابن عَبَّاس قولَهُ: "إنَّ الرّبا بِضْعٌ وسَبْعُونَ بَابَاً"، قَالَ أَبِي: هَذَا أَشْبَهُ، واللَهُ أَعْلَم)) وتقدم بيان ذلك عند ذكر حَدِيث عبد الله بن عباس (¬2). ومما تقدم يعلم أنّ قول المنذريّ: ((رواه البيهقي بإسنادٍ لا بأس به)) (¬3) فيه نظر بين. - الطريق الثاني: طريق سعيد المقبريّ، عن أبي هُرَيرة مَرْفوعاً، ورواه عن سعيد اثنان: 1 - أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي، أخرجه: - ابن ماجه في سننه (2/ 764 رقم 2274) كتاب التجارات، باب التغليظ في الربا، من طريق عبد الله بن إدريس. - والمروزيُّ في السنة (ص 167 رقم 215)، من طريق النضر بن شُميل. ¬

(¬1) ص: 45 من هذا البحث. (¬2) ص: 61 من هذا البحث. (¬3) الترغيب والترهيب (3/ 5).

- والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 395)، من طريق محمد بن أبي معشر. جميعهم عن أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هُرَيرة قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الربا سبعون حوبا أيسرها أن ينكح الرجل أمه))، زاد المروزي، والبيهقيُّ: ((وأربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه)). وفي رواية المروزيّ: ((عن أبي هُرَيرة قَالَ: الربا ..)) مَوقوفاً عليه، ويبدو أنّ هذا من اضطراب أبي معشر بالحديث. وَقَالَ البيهقي: ((أبو معشر، وابنه غير قويين)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - سعيد هو: ابن أبي سعيد: كيسان المَقْبُري، أبو سعد المدنيّ، ثقة تغير قبل موته بأربع سنين ولم تظهر له منكرات - كما قَالَ الذهبيُّ -، وثقه ابن المديني، والعجليُّ، والنسائي وغيرهم، قَالَ ابنُ حَجَر: ((وزعم الواقديُّ أنه اختلط قبل موته بأربع سنين، وتبعه ابن سعد، ويعقوب بن شيبة، وابن حبان، وأنكر ذلك غيرهم)) (¬1)، وَقَالَ الذهبيُّ: ((ما أحسبه روى شيئاً في مدة اختلاطه، وكذلك لا يوجد له شيء منكر)) (¬2)، وَقَالَ أيضاً: ((ثقةٌ، حجةٌ، شاخ ووقع في الهرم، ولم يختلط ... ما أحسب أنّ أحداً أخذ عنه في الاختلاط، فإنّ ابن عيينة أتاه فرأى لعابه يسيل، فلم يحمل عنه)) (¬3)، روى له الجماعة، مات سنة ثلاث وعشرين ومائة (¬4). 2 - أبو معشر هو: نجيح بن عبد الرحمن السندي - بكسر المهملة ¬

(¬1) مقدمة فتح الباري (ص 405). (¬2) السير (5/ 216 - 217). (¬3) الميزان (3/ 204). (¬4) انظر: تاريخ دمشق (21/ 277 - 287)، تهذيب التهذيب (4/ 34).

وسكون النون - المدني، أبو معشر، مشهور بكنيته قَالَ ابن حجر: ((ضعيف ... أسن واختلط مات سنة سبعين ومائة))، روى له الأربعة (¬1). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: وهذا الإسناد معلول من وجهين: الأوَّل: ضعف أبي معشر السندي، قَالَ البوصيري: ((هذا إسنادٌ ضعيف، أبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن، متفق على ضعفه)) (¬2). الثاني: تفرد أبي معشر بالحديث عن سعيد المقبري، فأين أصحاب سعيد المقبري لم يرووا هذا الأثر عنه!!. قَالَ ابنُ رَجَب: ((أصحابُ سعيد بنِ أبي سعيد المقبري: قَالَ عبد الله بن أحمد: قَالَ أبي: أصح الناس حديثاً عن سعيد المقبري، ليث بن سعد، وعبيد الله بن عمر يقدم في سعيد، وَقَالَ يحيى بن سعيد: ابن عجلان لم يقف على حَدِيث سعيد المقبري ما كان عن أبيه عن أبي هُرَيرة، وما روى هو عن أبي هُرَيرة. أضعفهم عنه - يعني عن المقبري - حديثاً أبو معشر، وَقَالَ عبد الله أيضاً قَالَ أبي: بلغني عن يحيى بن سعيد قَالَ: لم يقف ابن عجلان على حَدِيث سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هُرَيرة فترك أباه، فكان يقول: سعيد المقبري عن أبي هُرَيرة، وأصح الناس حديثاً عن سعيد المقبري ليث بن سعد يفصل ما روى عن أبي هُرَيرة، وما عن أبيه عن أبي هُرَيرة هو ثبت في حديثه جداً، وَقَالَ ابن المديني: الليث وابن أبي ذئب ثبتان في حَدِيث سعيد المقبري)) (¬3). ¬

(¬1) تهذيب التهذيب (/374)، تقريب التهذيب (ص 559 رقم 7100). (¬2) مصباح الزجاجة (3/ 34). (¬3) شرح علل الترمذي (2/ 670).

2 - وعبد الله بن سعيد المقبري، أخرجه: - ابنُ أبي شيبةَ في المصنف (6/ 561) - وهنادُ بنُ السري في الزهد (2/ 564 رقم 1167) - وابنُ أبي الدنيا في الصمت وآداب اللسان (ص 123 رقم 173) - والأصبهاني في الترغيب والترهيب (1/ 348 رقم 590، 2/ 191 رقم 1409) - وأشار إليها البيهقي في شعب الإيمان (4/ 395). جميعهم عن: يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، زاد الأصبهانيُّ: أبا معاوية محمد بن خازم الضرير. كلاهما عن عبد الله بن سعيد المقبري عن جده عن أبي هُرَيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((الربا سبعون حوباً، أيسرها نكاح الرجل أمه، وأربى الربا استطالة الرجل في عرض الرجل المسلم)). ووقع في رواية ابن أبي الدنيا: عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه، وهذا وهم والصواب " عن جده" كذا رواه ابن أبي شيبة، وهناد بن السري، وسليمان بن داود عن ابن أبي زائدة. وخالفهم سويد بن سعيد الحدثاني فراوه عن ابن أبي زائدة، عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هُرَيرة به، وسويد بن سعيد قَالَ عنه ابن حجر: ((صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه فأفحش فيه ابن معين القول)) (¬1). ¬

(¬1) تقريب التهذيب (ص 260 رقم 2690).

2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - سعيد المَقْبُري، تقدمت ترجمته في الإسناد قبله. 2 - وعبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري أبو عباد الليثي مولاهم المدني متفق على تركه، قَالَ البخاريّ: ((تركوه)) (¬1)، روى عنه الترمذي وابن ماجة (¬2). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: هذا الإسناد باطل من وجهين: 1 - أنّ عبد الله بن سعيد المقبري متروك الحَدِيث. 2 - تفرد عبد الله بن سعيد بالحديث، فأين أصحاب سعيد المقبري لم يرووا هذا الأثر عنه!!، وتقدم ذكر أصحاب سعيد المقبري. الطريق الثالث: طريق أبي سعيد كيسان المقبريّ، عن أبي هُرَيرة، مَوقوفاً عليه. 1 - تخريج الحَدِيث: أخرجه: الطبراني في مسند الشاميين (1/ 157 رقم 254) قَالَ: حَدَّثَنَا موسى بن جمهور التنيسي، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن مصفى، قَالَ: حَدَّثَنَا بقية، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن ثوبان، قَالَ: حدثني مَنْ سمع سعيد المقبري، يُحدث عن أبيه، عن أبي هُرَيرة قَالَ: ((الربا اثنان وسبعون باباً، أدناها كالذي يأتي أمه ...)). ¬

(¬1) الضعفاء للعقيلي (2/ 258). (¬2) تهذيب التهذيب (5/ 209)، التقريب (ص 306 رقم 3356).

2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - كيسان أبو سعيد المقبري المدني مولى أم شريك، ثقة ثبت، مات سنة مائة، روى له الجماعة (¬1). 2 - ابنه سعيد المقبري تقدمت ترجمته (¬2). 3 - من سمع سعيد: هذا الراوي المبهم لم أقف على تسميته. 4 - ابن ثوبان: هو: عبد الرحمن بن ثابت بن ثَوْبان العَنْسِيُّ، أبو عبد الله الدمشقي، صدوق عابد، قَالَ ابن معين - في رواية الدوري -، وعلي بن المديني، والعجلي، وأبو زرعة: ((ليس به بأس)) (¬3)، وَقَالَ الذهبيُّ: ((صالح الحَدِيث)) (¬4)، روى له البخاري في الأدب وغيره، والنسائي في اليوم والليلة والباقون سوى مسلم، مات سنة خمس وستين ومائة (¬5). 5 - بقية هو: بقيّة بن الوليد، أبو يُحْمِد - بضم التحتانية، وسكون المهملة، وكسر الميم - الحمصي، ثقة مكثر من التدليس عن الضعفاء والمجهولين، وفي روايته عن غير أهل الشام بعض الأوهام، قَالَ ابن سعد: ((كان ثقة في روايته عن الثقات، ضعيفاً في روايته عن غير الثقات)) (¬6)، وكذلك قَالَ ابن معين، والعجليّ، وأبو زرعة، ويعقوب بن شيبة وغيرهم، وَقَالَ ابن عدي: ((إذا روى عن أهل الشام فهو ثبت، وإذا روى عن غيرهم خَلّط)) (¬7)، وذكره العلائي، وابن حجر في الطبقة الرابعة ¬

(¬1) تقريب التهذيب (ص 463 رقم 5676). (¬2) ص: 92 من هذا البحث. (¬3) الجرح (5/ 219 رقم 1031). (¬4) السير (7/ 314) (¬5) انظر: تاريخ الدوري (2/ 346)، معرفة الثقات (2/ 74)، تهذيب الكمال (17/ 12 - 18). (¬6) الطبقات (7/ 469). (¬7) الكامل (2/ 72 - 80).

من المدلسين - وهم من اتفقوا على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلاّ بما صرحوا فيه بالسماع -، روى له البخاري استشهاداً، ومسلم في المتابعات، واحتج به الباقون، مات سنة سبع وتسعين ومائة (¬1). 6 - هو: محمد بن مُصَفَّى هو: أبو عبد الله الحمصي، صدوق، وكان يدلس، قَالَ أبو حَاتِم، والنسائي: ((صدوق)) (¬2)، وَقَالَ أبو زرعة الدمشقيُّ: ((كان صفوان بن صالح، ومحمد بن المصفى يسويان الحَدِيث)) (¬3)، وَقَالَ الذهبيّ: ((صدوق مشهور)) (¬4)، وذكره ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين، روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، مات سنة ست وأربعين ومائتين (¬5). 7 - موسى بن جمهور هو: ابن زريق البغدادي ثم التنيسي السمسار، ذكره الخطيب، وابن عساكر في تاريخيهما ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا (¬6). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: وهذا الإسناد ضعيف: ¬

(¬1) انظر: معرفة الثقات (1/ 250 رقم 168)، تاريخ الدوري (2/ 61)، والدارمي (ص 79 رقم 190)، الجرح (2/ 434 - 436 رقم 1728)، تاريخ بغداد (7/ 123 - 127)، تهذيب الكمال (4/ 192 - 200)، جامع التحصيل (ص 113)، تعريف أهل التقديس (ص 163). (¬2) الجرح (8/ 104 رقم 446)، (¬3) تعريف أهل التقديس (ص 152 - 153). (¬4) الميزان (4/ 43 رقم 8182). (¬5) انظر: المجروحين (1/ 94)، المعجم المشتمل (ص 271 رقم 957)، تهذيب الكمال (26/ 465 - 469)، تعريف أهل التقديس (ص 152 - 153). (¬6) تاريخ بغداد (13/ 51)، تاريخ مدينة دمشق (60/ 402).

- لإبهام الراوي عن سعيد المقبري. - ثم أين أصحاب سعيد المقبري لم يرووا هذا الأثر عنه!!. - وتفرد الشاميين بهذا الإسناد مع أنّ مخرج الحَدِيث مدنيّ يدعو للريبة مع العلل المتقدمة. على أنَّ الخبر موقوف على أبي هُرَيرة - رضي الله عنه -. الطريق الرابع: طريق زياد أبي المغيرة، عن أبي هُرَيرة مَوقوفاً عليه. 1 - تخريج الحَدِيث: لم أقف على من أخرج هذا الطريق، وقد ذكره ابنُ أبي حَاتِم معلقاً: ((سَمِعْتُ أَبِي وذَكَرَ حَدِيثاً رَوَاهُ فُضَيلُ بنُ عِيَاض، عَنْ لَيْث، عَنْ الْمُغِيرَة، عَنْ أَبِي هُرَيرة قَالَ: الْرِّبَا سَبْعُونَ بَابَا، أدناها (¬1) أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ، قَالَ أَبِي: هَذَا خَطَأٌ، إِنَّمَا هُوَ لَيْث، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَة واسمه: زياد، عَنْ أَبِي هُرَيرة)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: - فضيلُ بن عِياض هو: التميمي، أبو علي، نزيل مكة، متفق على ثقته وهو عابد زاهد، وثقه ابن عيينة، والنسائي، وغيرهم، قَالَ الذهبيُّ: ((مجمع على ثقته وجلالته)) (¬2)، روى له الجماعة سوى ابن ماجه، مات سنة سبع وثمانين ومائة (¬3). ¬

(¬1) في المطبوع (مثل)، وليست في جميع النسخ المخطوطة!. (¬2) الميزان (5/ 439 رقم 6774). (¬3) انظر: الجرح (7/ 73 رقم 416)، تهذيب الكمال (23/ 281 - 300).

- ليث هو: ابن أبي سُلَيم: زُنَيْم - بالزاي، والنون مصغراً - القُرشيُّ، أبو بكر الكوفي، ضعيف، ضعفه جمهور المحدثين منهم: يحيى القطان، وابن معين، وأحمد وغيرهم، قَالَ ابن أبي حَاتِم: ((سمعتُ أبي، وأبا زرعة يقولان: ليث لا يُشتغل به، هو مضطرب الحَدِيث)) (¬1)، استشهد به البخاري في ((الصحيح))، وروى له في كتاب ((رفع اليدين))، وغيره، وروى له مسلم مقروناً بابي إسحاق الشيباني، وروى له الباقون، مات سنة اثنتين وأربعين ومائة (¬2). - المغيرة: اختلف في تسمية هذا الراوي: فَقَالَ البخاريُّ: ((زياد بن أبي المغيرة، عن أبي هُرَيرة، روى عنه ليث بن أبي سُليم، وَقَالَ ابن طهمان، عن ليث، عن زياد بن الحارث ...)) (¬3)، وتابعه على ذلك ابنُ حبان (¬4). وَقَالَ ابن أبي حَاتِم: ((زياد بن المغيرة، أبو المغيرة)) (¬5)، وكذلك وقع في الكنى للدولابيّ (¬6). ويبدو أنَّ سبب الاختلاف في اسم الراوي اضطراب ليث في اسمه كما قَالَ الشيخ المعلميّ اليماني في تعليقه على ((الجرح والتعديل)): ((والظاهر أنّ ليثاً كان يضطربُ في هذا الاسم تارةً يقول: زياد بن المغيرة، وتارةً: زياد بن أبي المغيرة، وتارةً: زياد أبو المغيرة، وتارةً: ¬

(¬1) الجرح (7/ 177 - 179 رقم 1014). (¬2) انظر: العلل ومعرفة الرجال (2/ 379 رقم 2691، 3/ 216 رقم 4936)، الكامل (6/ 87 - 90)، تاريخ مولد العلماء (1/ 331، 332)، تهذيب الكمال (24/ 279 - 288). (¬3) التاريخ الكبير (3/ 367 رقم 1248). (¬4) الثقات (4/ 259). (¬5) الجرح (3/ 543 رقم 2457). (¬6) الكنى للدولابيّ (2/ 126).

زياد بن الحارث)) (¬1). وعلى كل حال فهو مجهول العين والحال. 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: وهذا الإسناد معلول من أوجه: الأوَّل: ضعف ليث بن أبي سليم واضطرابه في اسم الراوي مما يدل على عدم ضبط الحَدِيث. والثاني: جهالة زياد أبو المغيرة جهالة عين وحال. الثالث: أنّ أحداً من أصحاب أبي هُرَيرة لم يرو هذا الأثر عنه، فأين هم عنه!!. الطريق الخامس: طريق يحيى بن المتوكل، عن أبي عباد (¬2)، عن أبيه، عن جده، عن أبي هُرَيرة مَرْفوعاً. 1 - تخريج الحَدِيث: أخرجه: محمد بن أسلم السمرقندي (¬3) في كتاب الربا (¬4) - كما في عمدة ¬

(¬1) الجرح (3/ 543) هامش. (¬2) كذا وقع في عمدة القاري، وفي القند "ابن عباد"، فلعل كنيته أبوعباد. (¬3) ترجم له القرشي في الجواهر المضية في طبقات الحنفية (ص 33) فَقَالَ: ((محمد بن أسلم بن مسلمة بن عبد الله بن المغيرة بن عمرو بن عوف الأزري، أبو عبد الله كان على قضاء سمرقند فى أيام نصر بن أحمد الكبير، مات فى شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين ومائتين، ومن أقران الماتريدي وأبي بكر محمد بن اليمان السمرقندي))، وَقَالَ أيضاً (ص 404): ((ابن عوف اشتهر بذلك محمد بن أسلم بن مسلمة بن عبد الله بن المغيرة بن عمرو بن عوف الأزري أبو عبد الله تقدم)). (¬4) لم أقف على معلومات عن هذا الكتاب من حيث وجوده، ومنهجه، ولم أقف على من نقل عنه غير العيني في هذا الموضع.

القاري (11/ 200)، ومن طريقه رواه النسفي (¬1) في القند في ذكر علماء سمرقند (ص 465) - قَالَ: حَدَّثَنَا علي بن إسحاق قَالَ: أخبرنا يحيى بن المتوكل قَالَ: حَدَّثَنَا عن أبي عباد، عن أبيه عباد، عن جده، عن أبي هُرَيرة يرفعه: ((الربا اثنان وسبعون حوبا، أدناها بابا بمنزلة الناكح أمه)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: لم أقف على تراجم رواته عدا يحيى بن المتوكل فيظهر لي أنه: أبو عَقيل - بالفتح - المدني، صاحب بُهَية - بالموحدة مصغر - وهو متفق على ضعفه (¬2)، قَالَ أحمد بن حنبل: ((يروي عن قومٍ لا أعرف منهم ¬

(¬1) والنسفي صاحب القند متكلم فيه، قَالَ ابن السمعاني: ((إمامٌ، فقيهٌ، فاضل، عارف بالمذهب والأدب، صنف التصانيف في الفقه والحديث ونظم الجامع الصغير وجعله شعراً، وأما مجموعاته في الحَدِيث فطالعتُ منها الكثير، وتصفحتها فرأيت فيها من الخطأ وتغير الأسماء وإسقاط بعضها شيئا كثيرا وأوهاما غير محصورة، ولكن كان مرزوقاً في الجمع والتصنيف سمع أبا محمد إسماعيل بن محمد النوحي النسفي وأبا اليسر محمد بن محمد بن الحسين البزدوي وجماعة كثيرة كتب إلي الإجازة بجميع مسموعاته ومجموعاته ولم أدركه بسمرقند حيا وحدثني عنه جماعة وإنما ذكرته في هذا المجموع لكثرة تصانيفه وشيوع ذكره وان لم يكن إسناده عاليا وكان ممن أحب الحَدِيث وطلبه ولم يرزق فهمه)). التجبير في المعجم الكبير (1/ 527)، وانظر: لسان الميزان (4/ 327). ومما يعجب منه الباحث أنَّ محقق الكتاب ذكر الثناء ولم يذكر هذا النقد المُفسّر، مع العلم أنه نقل الثناء عن التحبير للسمعانيّ، وفيه النقد بعد سطر فقط - كما هو منقول! -، وما أدري ما هو المسوغ لهذا العمل!. علماً أنَّ هذا النقد المُفسّر يحل إشكالات كثيرة تمر على الباحث من خلط في الأسانيد، وتصحيف في الأسماء، وأسانيد غريبة لا نقف على تراجم لأصحابها والله المستعان. علماً أنّ هذه " طبعة كارثية أساءت إلى الكتاب إساءة جسيمة" كذا قال الأستاذ: يوسف الهادي في إعادته تحقيق الكتاب وأفاد أيضاً أنّ هناك مائتي ترجمة ساقطة من هذه الطبعة!!، انظر: القند تحقيق: يوسف الهادي (ص 11 ومابعدها). (¬2) تهذيب التهذيب (11/ 237)، تقريب التهذيب (ص 596 رقم 7633).

أحداً، ولم يُحْمَلْ عنهم)) (¬1). وَقَالَ ابنُ حبان: ((منكر الحَدِيث، ينفرد بأشياء ليس لها أصول من حَدِيث النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يسمعها الممعن في الصناعة إلا لم يرتب أنها معمولة، مات سنة سبع وستين ومائة)) (¬2). وبقية رجال الإسناد لم أقف على تراجمهم للنظر في حالهم، ويبدو أنّهم يدخلون في قول أحمد المتقدم. 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: هذا الإسناد لا يصح لأمور: 1 - أنَّ يحيى بن المتوكل متفق على ضعفه، وينفرد بأشياء ليس لها أصول. 2 - أنَّ بقية رجال الإسناد لم أقف على تراجمهم للنظر في حالهم، ويبدو أنّهم من الرجال الذين ينفرد عنهم يحيى بن المتوكل ولا يعرفون، ولم يُحْمَلْ عنهم كما قَالَ أحمد. 3 - أنّ أحداً من أصحاب أبي هُرَيرة لم يرو هذا الأثر عنه، فأين هم عنه!!. 4 - تفرد محمد بن أسلم السمرقندي بإخراج الحَدِيث دون أصحاب الكتب المشهورة مما يدعو للريبة والتوقف. فتلخص مما تقدم أنّ طُرُق حَدِيث أبي هُرَيرة تدور على ضعفاء، ومتروكين، وروايات معلولة، وتفردات غير مقبولة. ¬

(¬1) الكامل (7/ 206). (¬2) المجروحين (3/ 116).

المبحث الثامن تخريج حديث وهب بن الأسود أو الأسود بن وهب -على خلاف في ذلك- والحكم عليه

المبحثُ الثامنُ تخريجُ حَدِيث وَهْبِ بنِ الأسود أو الأسود بن وَهْب - عَلَى خلافٍ في ذلك - والحُكْمُ عليهِ. أخرجه: - ابنُ قانع في مُعجم الصحابةِ (1/ 19 - 20) قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بن عبد الحميد الموصلي قال: أخبرنا محمد بن عمار الموصلي قال: أخبرنا القاسم - يعني الجرميّ - عن صدقة السّمين، عن أبي معيد حفص بن غيلان، أن وهب بن الأسود حدثه عن أبيه الأسود بن وهب، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا أنبئك بالذي عسى أن ينفعك الله به))، قلتُ: بلى بأبي وأمي علمني مما علمك الله تعالى، قال: ((إنّ أدنى الربا عدل سبعين حوباً، أدناها فجرة اضطجاع الرجل أمه، وإنّ أربا الربا اعتباط المرء المسلم في عرض أخيه المسلم بغير حق)). وقال ابنُ أبي حَاتِم: ((الأسود بن وهب، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الربا سبعون حوبا، روى أبو معيد حفص بن غيلان عن وهب بن الأسود بن وهب عن أبيه)) (¬1). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: - الأسود بن وهب، وابنه وهب بن الأسود: اضطرب في تحديد ¬

(¬1) الجرح والتعديل (2/ 291 رقم 1065).

شخصهما، ويأتي الكلام عليهما في نهاية الكلام على الحديث من هذا المبحث. - حفص بن غيلان - بالمعجمة بعدها ياء تحتانية ساكنة - أبو مُعَيد - بالمهملة مصغر - وهو بها أشهر، الدمشقي. وثقه ابن معين ودحيم، وابن حبان وغيرهم، وقال النسائي: ((ليس به بأس)) (¬1)، وقال أبو زرعة: ((صدوق)) (¬2)، وقال أبوحاتم: ((يكتب حديثه ولا يحتج به)) (¬3)، وضعفه إسحاق بن سيار النصيبي، وعبد الله بن سليمان بن الأشعث، والأظهر في حاله ما رجحه ابن حجر بقوله: ((صدوق)) (¬4). - صدقة السمين هو: ابن عبد الله أبو معاوية أو أبو محمد الدمشقي، جمهور النقاد على أنه ضعيف الحديث، قال أحمد بن حنبل: ((ما كان من حديثه مرفوعا فهو منكر، وما كان من حديثه مرسل عن مكحول فهو أسهل، وهو ضعيف جدا)) (¬5)، وقال أبو زرعة: قيل له - يعني عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم -: فما تقول في أبي معاوية صدقة بن عبد الله؟ قال: مضطرب الحديث، قلت له: ضعيف؟ قال: ضعيف (¬6)، وقال الدارقطني: ((متروك)) (¬7)، وضعفه الذهبيّ، وابن حجر، مات سنة ست وستين ومائة، روى له الترمذي والنسائي وابن ماجة (¬8). ¬

(¬1) تهذيب التهذيب (2/ 360). (¬2) الجرح والتعديل (3/ 186 رقم 805). (¬3) المرجع السابق. (¬4) الكامل (2/ 394)، الكاشف (1/ 343)، تقريب التهذيب (ص 174 رقم 1432). (¬5) التاريخ الأوسط (2/ 202)، التاريخ الكبير (4/ 296 رقم 2886)، الجرح والتعديل (4/ 429 رقم 1889). (¬6) تاريخ مدينة دمشق (24/ 25). (¬7) تهذيب التهذيب (4/ 365). (¬8) الكاشف (1/ 502 رقم 2384)، تقريب التهذيب (275 رقم 2913).

- القاسم الجرمي - بفتح الجيم وسكون الراء - هو: ابن يزيد، أبو يزيد الموصلي، ثقة عابد، مات سنة أربع وتسعين ومائة (¬1). - محمد بن عمار الموصلي هو: محمد بن عبد الله بن عمار، أبو جعفر البغدادي، ينسب لجده أحياناً، نزيل الموصل ثقة حافظ، مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين، روى له النسائي (¬2). - الحسين بن عبد الحميد الموصلي هو: أبو علي السدوسي الخرقي، ذكره الخطيب وقال: ((ورحل إلى الكوفة والبصرة وغيرهما ... روى عنه عامة المواصلة وقدم بغداد وحدث بها)) (¬3). - وابن قانع مؤلف "معجم الصحابة" هو: عبد الباقي بن قانع متكلم فيه وفي كثرة ما وقع له من الأوهام في معجمه هذا قال ابن حجر: ((وقال ابن فتحون في "ذيل الاستيعاب": لم أر أحدا ممن ينسب إلى الحفظ أكثر أوهاما منه، ولا أظلم أسانيد، ولا أنكر متوناً، وعلى ذلك فقد روى عنه الجلة، ووصفوه بالحفظ منهم أبو الحسن الدَّارقُطني فمن دونه، قال: وكنتُ سألت الفقيه أبا يعلى - يعني الصّدفي - في قراءة معجمة عليه فقال لي: فيه أوهام كثيرة فإن تفرغت إلى التنبيه عليها فافعل قال: فخرّجت ذلك وسميته "الأعلام والتعريف مما لابن قانع في معجمه من الأوهام والتصحيف")) (¬4)، وقال الذهبيّ: ((عبد الباقي بن قانع الحافظ قال الدَّارقُطني: كان يحفظ لكنه كان يخطئ ويصر، وقال البرقاني: هو عندي ضعيف، ورأيت البغداديين يوثقونه، وقال أبو الحسن بن الفرات: ¬

(¬1) تقريب التهذيب (ص 452 رقم 5505). (¬2) تهذيب التهذيب (9/ 236)، تقريب التهذيب (ص 489 رقم 6036). (¬3) تاريخ بغداد (8/ 60). (¬4) لسان الميزان (3/ 383).

حدث بعد اختلاطه قبل موته بسنتين)) (¬1). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: هذا الإسناد ضعيفٌ جداً لعدة علل: 1 - ضعفُ صدقة السمين، وتقدم قول أحمد بن حنبل: ((ما كان من حديثه مرفوعا فهو منكر))، وهذا الحديث مرفوع فهو داخل في كلام أحمد. 2 - تفرد صدقة السمين بالحديث. 3 - اضطراب صدقة السمين بالحديث كما سيتضح من خلال عرض بقية الطرق. 4 - ضعف ابن قانع مؤلف الكتاب. 5 - ومما يزيد الإسناد وهناً على وهنه أنَّ أحداً من أصحاب الكتب المشهورة لم يروه!. وأخرجه: ابن مندة - ذكر ذلك ابنُ حجر في الإصابة (1/ 46) - من طريق محمد بن العباس بن خلف. وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 273) قال: حَدَّثَنَا أبو بكر الطلحيّ، قال: حدثني أحمد بن حماد بن سفيان، قال: حدثني أبو حميد الحمصي، قال: حَدَّثَنَا يونس بن أبي يعقوب العسقلاني. كلاهما عن عمرو بن أبي سلمة، عن أبي معيد حفص بن غيلان، ¬

(¬1) المغني في الضعفاء (1/ 365 رقم 3454).

عن زيد بن أسلم، عن وهب بن الأسود، عن أبيه الأسود بن وهب، خال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أربى الربا اعتباط المرء في عرض أخيه بغير حقه)) هذا لفظ أبي نعيم. وفي رواية ابن منده: " عمرو بن أبي سلمة عن صدقة السمين عن أبي معيد". 2 - دراسةُ رجال الإسناد: - الأسود بن وهب، وابنه وهب بن الأسود: يأتي الكلام عليهما. - زيد بن أسلم تقدمت ترجمته (¬1)،وهو: ثقة عالم، وكان يرسل. - حفص بن غيلان تقدمت ترجمته قريباً وهو: صدوق. - وصدقة تقدمت ترجمته قريباً وهو: ضعيف. - أبوحفص عمرو بن أبي سلمة التنيسي - بمثناة ونون ثقيلة بعدها تحتانية ثم مهملة -، فيه خلاف والأرجح في حاله ما قال ابن حجر: ((صدوق له أوهام)) (¬2)، وقال الذهبيّ: ((صدوق مشهور أثنى عليه غير واحد)) (¬3)، وغلط في أحاديث صدقة جعلها عن زهير بن محمد، قال أبو بكر الطائي: سمعُت أبا عبد الله أحمد بن حنبل - ذكر رواية أبي حفص التنيسي عن زهير بن محمد - فقال: أراه سمعها من صدقة بن عبد الله أبي معاوية فغلط بها نقلها عن زهير بن محمد، قلتُ له: وصدقة بن عبد الله هذا بهذا المنزلة؟ فقال: ذاك منكر الحديث جدا (¬4)،وقال أيضاً: ((روى ¬

(¬1) ص: 40 من هذا البحث. (¬2) تقريب التهذيب (ص 422 رقم 5043). (¬3) ميزان الاعتدال (5/ 318). (¬4) تاريخ مدينة دمشق (24/ 18).

عن زهير أحاديث بواطيل كأنه سمعها من صدقة بن عبد الله فغلط فقلبها عن زهير)) (¬1)، وله عددٌ من الأوهام قال العقيلي: ((في حديثه وهم)) (¬2)، فيتنبه لها، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين، روى له الستة. 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: بينت رواية ابن منده أنّ عمرو بن أبي سلمة أخذ الحديث من صدقة السمين، ومعنى هذا أنَّ هذه الرواية ترجع إلى الرواية السابقة، وما فيها من عللٍ تقدّم الكلام عليها من: ضعفُ صدقة السمين، وتفرده بالحديث، واضطرابه فيه. ومما يزيد هذا الإسناد ريبةً أنَّ أحداً من أصحاب الكتب المشهورة لم يروه!. وأخرجه: ابن قانع أيضاً في معجم الصحابة (3/ 179). وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 273 معلقاً) (5/ 2718) قال: حَدَّثَنَا أبو أحمد الغطريفي. كلاهما عن محمد بن هارون بن حميد قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أبي عتاب الأعين قال: أخبرنا أبوحفص عمرو بن أبي سلمة التنيسي عن الهيثم بن حميد، عن أبي معيد حفص بن غيلان، عن زيد بن أسلم، عن وهب بن الأسود ابن خال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: دخلتُ على ¬

(¬1) تهذيب التهذيب (8/ 39). (¬2) ضعفاء العقيلي (3/ 272)، انظر من أوهامه: علل ابن أبي حَاتِم (رقم 713، 895، 1710، 2167، 2375 وغيرها).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((ألا أنبئك بشيء من الربا))، قلتُ: بلى، قال: ((الربا سبعون باباً، أدناها فجرة كاضطجاع الرجل مع أمه)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: - وهب بن الأسود يأتي الكلام عليه. - زيد بن أسلم تقدمت ترجمته (¬1)،وهو: ثقة عالم، وكان يرسل. - حفص بن غيلان تقدمت ترجمته قريباً وهو صدوق. - - الهيثم بن حميد هو: الغساني مولاهم، فيه خلاف، واختار الذهبيّ وابن حجر أنه صدوق (¬2) وهو الأظهر. - أبوحفص عمرو بن أبي سلمة التنيسي تقدمت ترجمته وهو: صدوق له أوهام وخاصةً عن زهير بن محمد، فقد اختلط عليه حديثه مع حديثه صدقة السمين. - أبو بكر الأعين ثقة، وثقه ابن حبان، وأثنى عليه أحمد، وروى عنه كبار الحفاظ، وقال الذهبيّ: ((الحافظ الثبت)) (¬3)، وقال ابن حجر: ((صدوق))، مات سنة أربعين ومائتين، روى له مسلم في المقدمة والترمذي (¬4). - محمد بن هارون بن حميد هو: أبو بكر البيع، قال الخطيب: ((كان ثقة)) (¬5). ¬

(¬1) ص: 40 من هذا البحث. (¬2) ذكر من تكلم فيه وهو موثق (ص 189 رقم 359)، تقريب التهذيب (ص 577 رقم 7362). (¬3) سير أعلام النبلاء (12/ 119). (¬4) تهذيب التهذيب (9/ 298)، تقريب التهذيب (ص 495 رقم 6126). (¬5) تاريخ بغداد (3/ 357).

3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: يظهر لي أنّ هذا الإسناد من الأسانيد التي وهم فيها عمرو بن أبي سلمة التنيسي، وأنَّ هذه الرواية ترجع في الأصل إلى رواية صدقة السمين فالحديث يعرف به كما تقدم، وقد رواه عمرو في إحدى الروايات عنه. وتقدم أيضاً أنّ عمرو اختلط عليه حديث زهير بن محمد مع حديثه عن صدقة السمين، فلا يبعد كذلك أن يختلط عليه هذا الحديث بدلالة اضطرابه فيه فتارةً يرويه عن عن الهيثم بن حميد، عن أبي معيد حفص بن غيلان، عن زيد بن أسلم، عن وهب بن الأسود ابن خال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مرفوعاً. وتارةً عن أبي معيد حفص بن غيلان، عن زيد بن أسلم، عن وهب بن الأسود، عن أبيه الأسود بن وهب، خال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرفوعاً. وتارةً عن صدقة السمين عن أبي معيد. فتبين مما سبق أنّ أصل الحديث يرجع إلى صدقة السمين وهو يضطرب في هذا الحديث اضطراباً شديداً كما يظهر من سياق الأسانيد، فتارةً يرويه عن وهب بن الأسود عن أبيه الأسود بن وهب، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وتارةً عن زيد بن أسلم، عن وهب بن الأسود ابن خال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وتارةً عن زيد بن أسلم، عن وهب بن الأسود، عن أبيه الأسود بن وهب، خال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

واضطرابه هذا جعل المؤلفين في معرفة الصحابة يضطربون في تحديد شخص الأسود هل هو: الأسود بن وهب أو وهب بن الأسود (¬1): قال أبو نعيم: ((وهب بن الأسود القرشي، وقيل: الأسود بن وهب ابن خال النبي - صلى الله عليه وسلم - مختلفٌ في صحبته)). وقال ابنُ الأثير: ((وهب بن الأسود ... لا تصح له صحبة، وقيل فيه: الأسود بن وهب)) (¬2). وقال العلائي: ((وهب بن الأسود القرشي ذكره ابن عبد البر في الصحابة وقال الصغاني: فيه نظر)) (¬3). ولمّا ذكر ابن حجر وهب بن الأسود قال: ((تقدم في الأسود بن وهب)) (¬4). وقد ورد في بعض الأحاديث أنّ الأسود بن وهب خال النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يصح منها شيء، والذي وقفت عليه: 1 - حَدِيث عبد الله بن عمر، أخرجه: ابن الأعرابي في معجمه (2/ 544 رقم 1061) قال: حَدَّثَنَا إبراهيم بن الوليد، قال: أخبرنا غسان بن مالك قال: أخبرنا عنبسة بن عبد الرحمن القرشي قال: أخبرنا ¬

(¬1) انظر: الجرح والتعديل (2/ 291 رقم 1065)، معجم الصحابة لابن قانع (1/ 19 - 20)، معرفة الصحابة (1/ 273، 5/ 2718)، الاستيعاب (1/ 90، 4/ 1560)، أسد الغابة (1/ 136، 5/ 472)، تلقيح فهوم أهل الأثر (ص 116)، الإصابة (1/ 77). (¬2) أسد الغابة (5/ 472). (¬3) جامع التحصيل (ص 296)، وانظر: تحفة التحصيل (ص 338). (¬4) الإصابة (6/ 622)

محمد بن رستم الثقفي قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخاله الأسود بن وهب: ((ألا أعلمك كلمات من يرد الله به خيرا يعلمهن إياه ثم لا ينسيه أبدا)) قال: بلى يا رسول الله قال: ((قل اللهم إني ضعيف فقو في رضاك ضعفي، وخذ إلى الخير بناصيتي ...)) الحديث. وهذا الإسناد باطل فعنبسة بن عبد الرحمن متروك رماه أبو حَاتِم بالوضع (¬1)، وغسان بن مالك قال عنه أبو حَاتِم: ((أتيته ولم يقض لي السماع منه، وليس بقوي بين في حديثه الإنكار)) (¬2). 2 - حَدِيث عائشة، أخرجه: ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (ص 122 رقم 407) قال: حدثني يعقوب بن عبيد قال: أخبرنا هشام بن عمار قال: أخبرنا يحيى بن حمزة قال: أخبرنا الحكم بن عبد الله عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن الأسود بن وهب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبسط له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رداءه فقال: ((اجلس يا خال فإن الخال والد)) قالت وما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوه باسمه إلا يا خال. وهذا الإسناد لا يصح فالحكم بن عبد الله هو الأيلي قال أبو زرعة: سمعت أحمد بن حنبل يقول: أحاديث الحكم بن عبد الله الأيلي موضوعة، قال أبو زرعة: والحكم بن عبد الله هذا هو الذي يحدث عنه يحيى بن حمزة تلك الأحاديث المنكرات وهو رجل متروك الحديث (¬3). ورواه ابن شاهين في الأفراد (ص 189 رقم 1) من طريق عبد الله بن محمد بن ربيعة القُدَامي عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم بن ¬

(¬1) معرفة الصحابة (5/ 2718). (¬2) الجرح والتعديل (7/ 50). (¬3) تاريخ مدينة دمشق (15/ 20).

محمد عن عائشة، قال ابن شاهين: ((هذا حَدِيث غريب فرد من حَدِيث إبراهيم بن سعد عن أبيه، لا أعلم حدث به إلا القُدَامي)) والقدامي ضعيف، وقال الحاكم: ((روى عن مالك أحاديث موضوعة)) (¬1). ومن العجيب أنّ أحداً من المتقدمين ممن ألف في الرجال - وذكر معهم الصحابة - لم يذكر الأسود بن وهب أو وهب بن الأسود: كابن سعد، وخليفة بن خياط، والبخاري، وابن حبان وغيرهم، حتى ابن أبي حَاتِم لمّا ترجم له قال: ((الأسود بن وهب روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الربا سبعون حوبا روى أبو معيد حفص بن غيلان عن وهب بن الأسود بن وهب عن أبيه)) (¬2). فلم يذكر ما يدل على صحبته كما هي عادته في الصحابة كأن يقول: له صحبة ونحو ذلك. وأقدم من ذكره في الصحابة ابن قانع في كتابه "معجم الصحابة" وابن قانع تقدم أنه متكلم فيه وفي كثرة ما وقع له من الأوهام في معجمه هذا. وخلاصة الكلام على الحديث أنه لا يصح، فمداره على صدقة السمين وهو ضعيف، وتفرد بالحديث، واضطرب فيه. ¬

(¬1) لسان الميزان (3/ 334). (¬2) الجرح والتعديل (2/ 291 رقم 1065).

المبحث التاسع تخريج حديث عائشة - رضي الله عنها -، وحديث عبد الله بن حنظلة - رضي الله عنه -، وقول كعب الأحبار - رحمه الله - والحكم عليها

المبحثُ التاسعُ تخريجُ حَدِيث عائشة - رضي الله عنها -، وَحَدِيث عبد الله بنِ حنظلة - رضي الله عنه -، وقول كعب الأحبار - رحمه الله - والحُكْمُ عليهِا. تعمدتُ الكلام على حَدِيث عائشة، وَحَدِيث عبد الله بن حنظلة، وقولِ كعب الأحبار في موطنٍ واحد لأنها جميعاً تدور على راوٍ واحد اختلف عليه في الرواية، فكان من المناسب من حيثُ الصناعةُ الحديثية جمعها في موطنٍ واحد والنظر فيها مجتمعة وبيان الراجح من المرجوح. فمدار هذه الأحاديث على ابنِ أبي مُلَيكة واختلف عنه على خمسة أوجه: 1 - رواه بكار اليمانيّ، وابن جريج، وعبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب موقوفاً عليه. 2 - ورواه عمران بن أنس، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عائشة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. 3 - ورواه أيوب السختياني، وليث بن أبي سُليم - عنه: عبيد الله بن عمرو الرّقي - عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. 4 - ورواه ليث بن أبي سُليم - عنه: أبو جعفر الرازي - عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة موقوفاً عليه.

5 - ورواه بعضهم عن ابن أبي مُلَيكة، عن رجل، عن عبد الله بن حنظلة. • تخريج هذه الأوجه والنظر في كل وجه: الوجه الأوَّل: رواه بكار اليمانيّ، وابن جريج، وعبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب موقوفاً عليه. 1 - رواية بكّار اليماني أخرجها: عبد الرزاق في المصنف (8/ 315 رقم 15348) قال: أخبرنا بكار، سمعتُ ابن أبي مُلَيكة يحدث عن عبد الله بن حنظلة عن كعب أنه قال: ((لأن أزني ثلاثة وثلاثين زنية أحب إلي من أن آكل درهم ربا يعلم الله أني أكلته حين أكلته وهو ربا)). 2 - دراسةُ رجال إسناد هذه الرواية: 1 - كعب هو: ابن مَاتع الحميريُّ، أبو إسحاق، المعروف بكعب الأحبار، وهو من مسلمة أهل الكتاب، كان من أهل اليمن فسكن الشام، روى عن: النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، قال ابن حجر: ((ثقة مخضرم))، روى له ابن ماجه في التفسير، والباقون سوى البخاري فله حكاية عنده (¬1). 2 - وعبد الله بن حَنظلة هو: ابن أبي عامر الأنصاري، الأوسيُّ، أبو عبد الرحمن المدنيُّ، له رؤية من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأبوه غسيل الملائكة، روى عن: النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وعن عبد الله بن سلام، وعمر بن الخطاب، ¬

(¬1) انظر: تهذيب الكمال (24/ 189 - 193)، التهذيب (8/ 438 - 440)، التقريب (ص 461 رقم 5648).

وكعب الأحبار، وعنه: ضمضم بن جوس، وعباس بن سهل، وعبد الله بن أبي مُلَيكة وغيرهم. قال إبراهيم الحربيُّ: ((ليست له صحبة)) (¬1)، وقال ابن عبد البر: ((أحاديثه عندي مرسلة)) (¬2). وفيما قالاهُ نظرٌ فقد ذكره ابنُ سعد فيمن أدرك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ورآه ولم يحفظ عنه شيئاً (¬3)، وذكر أن له سبع سنين عند وفاة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وذكره في الصحابة الواقديُّ، والبخاريّ، وابن حبان، والبغويّ أبو القاسم، وأبو أحمد الحاكم، وابن منده، وأبو نعيم وغيرهم، وكبار المحدثين وضعوا له مسنداً في كتبهم كأحمد بن حنبل، والبزار، وابن أبي عاصم، والضياء في المختارة وغيرهم. قال الذهبيّ: ((من صغار الصحابة .. وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالبيت على ناقة إسناده حسن)) (¬4). وقال ابن حجر: ((ولعبد الله صحبة وهو من صغار الصحابة وقتل يوم الحرة وكان الأمير على طائفة الأنصار يومئذ)) (¬5)، وكان قتله يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين، روى له أبو داود ¬

(¬1) الإكمال لمغلطاي (7/ 314)، التهذيب (5/ 193) (¬2) الاستيعاب (3/ 892). (¬3) رُويت له أحاديث يسيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحصيتُها فبلغت خمسة أحاديث ولا يصح منها عنه إلاّ واحد أو اثنان. انظر: مسند أحمد بن حنبل (5/ 225)، سنن الدارمي (1/ 175 رقم 658، 2/ 371 رقم 2666)، سنن أبي داود (1/ 12 رقم 48)، مسند البزار (8/ 305)، الأحاد والمثاني (4/ 243)، صحيح ابن خزيمة (1/ 11، 71)، المستدرك (1/ 258)، سنن البيهقي (1/ 37، 3/ 125، المختارة (9/ 265). (¬4) سير أعلام النبلاء (3/ 321). (¬5) فتح الباري (11/ 256).

حديثاً واحداً (¬1). 3 - ابن أبي مُلَيكة هو: عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مُلَيكة القرشي التيمي، أبو بكر المكيّ، متفق على توثيقه وفضله وفقهه، روى له الجماعة، مات سنة سبع عشرة ومائة (¬2). 4 - وبكار هو: ابن عبد الله بن وهب الصغاني اليماني، متفق على توثيقه (¬3). 3 - درجه هذه الرواية: إسنادها صحيح فرجالها ثقات، وقد سمع بعضهم من بعض. 2 - رواية ابن جريج أخرجها: العقيليُّ في الضعفاء الكبير (2/ 258) قال: حَدَّثَنَا محمد بن موسى البلخي، قال: حَدَّثَنَا مكي بن إبراهيم، قال: حَدَّثَنَا ابن جريج، قال: حدثني ابن أبي مُلَيكة، أنه سمع عبد الله بن حنظلة بن الراهب - يحدث في الحجر - عن كعب الأحبار أنه قال: ((ربا درهم يأكله الإنسان في بطنه وهو يعلمه أعز عليه في الإثم يوم القيامة من ست وثلاثين زنية)). دراسةُ رجال إسناد هذه الرواية: 1 - كعب الأحبار تقدمت ترجمته قريباً. ¬

(¬1) انظر: الطبقات الكبرى (5/ 65 - 68)، التاريخ الكبير (5/ 67 رقم 168، 170)، الجرح والتعديل (5/ 29 رقم 131)، الاستيعاب (3/ 892)، تاريخ دمشق (27/ 417 - 433)، تهذيب الكمال (14/ 436 - 438)، التهذيب (5/ 193)، الإصابة (4/ 65). (¬2) انظر: تهذيب الكمال (15/ 256 - 259)، التقريب (ص 312 رقم 3454). (¬3) تعجيل المنفعة (1/ 54 رقم 97) الجرح والتعديل (2/ 408 رقم 1608).

2 - عبد الله بن حنظلة تقدمت ترجمته قريباً. 3 - ابن أبي مُلَيكة تقدمت ترجمته قريباً. 4 - ابن جريج هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج الأموي، مولاهم، أبو خالد المكيّ، ثقة ثبت فقيه وكان يدلس ويرسل، وهو أثبت الناس في عطاء بن أبي رباح، وابن أبي مُلَيكة لا يدلس عنهما، قال أحمد بن حنبل: ((عمرو بن دينار، وابن جريج أثبت الناس في عطاء)) (¬1)، وقال عمرو بن على: سمعتُ يحيى بن سعيد القطان يقول: أحاديث ابن جريج عن ابن أبى مُلَيكة كلها صحاح، وجعل يحدثني بها ويقول: حَدَّثَنَا ابن جريج قال: حدثني ابن أبى مُلَيكة، فقال في واحدٍ منها: عن ابن أبى مُلَيكة، فقلتُ: قل حدثني، قال: كلها صحاح (¬2). وقال الدَّارقُطني: ((يُتجنب تدليسه، فإنه وحش التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح ..)) (¬3)، وقال الذهبيّ: ((أحد الأعلام الثقات، يدلس، وهو في نفسه مجمع على ثقته)) (¬4)، وقال يحيى القطان عن ابن جريج قال: ((إذا قلتُ: قال عطاء فأنا سمعته منه، وإن لم أقل سمعتُ)) (¬5)، وذكره ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين، روى له الجماعة، مات سنة خمسين ومائة (¬6). 5 - مكي بن إبراهيم هو: التميمي، أبو السَّكن البلخيّ، متفقٌ على ¬

(¬1) العلل ومعرفة الرجال (2/ 496 رقم 3272). (¬2) الجرح والتعديل (1/ 241). (¬3) سؤالات الحاكم (ص 174 رقم 265). (¬4) الميزان (4/ 404). (¬5) أخبار المكيين (ص 356 رقم 350). (¬6) انظر تهذيب الكمال (18/ 338 - 354)، تعريف أهل التقديس (ص 141 - 142 رقم 83).

توثيقه، روى له الجماعة، مات سنة خمس عشرة ومائتين (¬1). 6 - محمد بن موسى البلخي، قَالَ ابنُ أبي حَاتِم: ((سمع منه أبى بالري ... وقال: صدوق)) (¬2). درجه هذه الرواية: إسنادها جيّد فرجالها ثقات عدا محمد بن موسى وهو صدوق، والمتن صحيح فقد ثبت من طرق أخرى عن ابن أبي مُلَيكة. 3 - رواية عبد العزيز بن رفيع أخرجها: - عبد الرزاق في المصنف (8/ 315 رقم 15349) كتاب البيوع، باب ما جاء في الربا. - وابن أبي شيبة في المصنف (6/ 558) كتاب البيوع والأقضية، أكل الربا وما جاء فيه. - وأحمد في المسند (5/ 225) - ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (27/ 419)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 25 رقم 1233) -. كلاهما عن وكيع بن الجراح. - والبغويّ في معجم الصحابة (4/ 96) - ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (27/ 419) - من طريق أبي أحمد الزبيري محمد بن عبد الله. - والدارقطنيُّ في سننه (3/ 16) كتاب البيوع، من طريق محمد بن يوسف الفريابي. ¬

(¬1) انظر: التهذيب (10/ 293 - 295)، التقريب (ص 545 رقم 6877). (¬2) الجرح والتعديل (8/ 84 رقم 355).

- والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 393) من طريق حماد بن أسامة. جميعهم عن الثوري، عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبى ملكية، عن عبد الله بن حنظلة (¬1)، عن كعب قال: ((لأن أزني ثلاثاً وثلاثين زنيةً أحبّ إلىّ مِنْ أنْ آكلَ دِرْهمَ ربا يعلمُ الله أني أكلته حين أكلتُهُ ربا)). 2 - دراسةُ رجال إسناد هذه الرواية: 1 - كعب الأحبار تقدمت ترجمته. 2 - عبد الله بن حنظلة تقدمت ترجمته. 3 - ابن أبي مُلَيكة تقدمت ترجمته. 4 - عبد العزيز بن رفيع هو: الأسدي، أبو عبد الله المكيّ الطائفيُّ، سكن الكوفة، متفق على ثقته، روى له الجماعة، مات سنة ثلاثين ومائة (¬2). 5 - الثوري هو: سفيان بن سعيد الثَّوريُّ، متفق على ثقته وجلالته وفقهه وعبادته، روى له الجماعة، مات سنة إحدى وستين ومائة (¬3). درجه هذه الرواية: إسنادها صحيح فرجالها ثقات، وقد سمع بعضهم من بعض، وقال البوصيري: ((هذا إسنادٌ صحيح، رجاله رجال الصحيح)) (¬4). ¬

(¬1) وقع في عدد من نسخ مسند أحمد بن حنبل (ابن أبى ملكية، عن حنظلة) وهو خطأ قديم، والصحيح (ابن حنظلة) انظر بيان ذلك في: تاريخ مدينة دمشق (27/ 419)، ومجمع الزوائد (4/ 117)، والتعليق على المسند (36/ 289) طبعة شعيب الأرنؤوط. (¬2) انظر: الجرح (5/ 381 رقم 1782)، تهذيب الكمال (18/ 134 - 136). (¬3) انظر: تاريخ بغداد (9/ 151 - 184)، تهذيب الكمال (11/ 154 - 169). (¬4) إتحاف الخيرة (4/ 241).

وقال المنذريُّ: ((ورَوَى أحمدُ بإسنادٍ جيدٍ)) (¬1)، ولا أدري لِمَ لمْ يقل صحيح، فهو كثيراً ما يصحح أسانيد أقلّ من هذا بكثير. * * * الوجه الثاني: رواه عمران بن أنس، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عائشة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه: - البخاريُّ في التاريخ الكبير (6/ 423) قال: قال محمد بن سلام. - وأخرجه: الدولابيُّ في الكنى (1/ 114) معلقاً. - والعقيليُّ في الضعفاء الكبير (3/ 296) قال: حَدَّثَنَا إبراهيم بن عبد الله. - وأبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى (1/ 423 - 424) من طريق أحمد بن يحيى الصوفي. - والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 393معلقاً، 5/ 298) من طريق موسى بن الحسن، وعلقه في السنن الكبرى (10/ 241) عن عمران - به -. جميعهم عن سعيد بن محمد الجرمي. كلاهما (سعيد بن محمد، ومحمد بن سلام) عن أبي تميلة يحيى بن واضح. وأخرجه: - أبو يعلى في مسنده (8/ 145 رقم 4689)، وابنُ أبي حَاتِم في تفسيره (10/ 3153) واللألكائي في اعتقاد أهل السنة (7/ 1251) جميعهم من طريق معاوية بن هشام. ¬

(¬1) الترغيب والترهيب (3/ 5).

وذكره ابن أبي حَاتِم في العلل (1/ 387 رقم 1159) معلقاً عن زيد بن الحباب. جميعهم (يحيى بن واضح، ومعاوية بن هشام، وزيد بن الحباب) عن عمران بن أنس أبو أنس عن ابن أبى مُلَيكة عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لدرهم ربا أشدّ جرماً عند الله من سبعة وثلاثين زنية، قال: ثم قال: باربا الربا قالوا: الله ورسوله، قال: أعظمُ الربا استحلالُ عرض الرجل المسلم ثمّ قَرَأَ: {الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا})) هذا لفظُ الدولابيّ، وأبي أحمد الحاكم. ورواية العقيلي، والبيهقي فيها تعظيم الربا على الزنا فقط، والبقية ذكروا استحلال عرض الرجل المسلم فقط. 2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - ابنُ أبي مُلَيكة تقدمت ترجمته. 2 - وعمران بن أنس هو: أبو أنس المكيّ، ضعيف قال البخاريّ: ((منكر الحديث)) (¬1)، وقال العقيليّ: ((لايتابع على حديثه)) (¬2)، وقال أبو أحمد الحاكم: ((حديثه ليس بمعروف)) (¬3)، وقال ابن حجر: ((ضعيف)) (¬4)، روى له أبو داود، والترمذي (¬5). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: هذا الحديث بهذا الإسناد منكر جداً لأمور: ¬

(¬1) جامع الترمذي (3/ 339 رقم 1019). (¬2) الضعفاء الكبير (3/ 296). (¬3) الأسامي والكنى (1/ 423). (¬4) التقريب (ص 429 رقم 5144). (¬5) انظر: تهذيب الكمال (22/ 307 - 309).

1 - أنَّ عمران بن أنس متفق على ضعفه. 2 - ومع ضعفه تفرد بالحديث عن ابن أبي مُلَيكة، فأين أصحاب ابن أبي مُلَيكة لم يرووا هذا الحديث عنه!!. 3 - أنّ عمرانَ خولف في هذا الإسناد فقد خالفه بكار اليمانيّ، وابن جريج، وعبد العزيز بن رفيع فرووه عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب موقوفاً عليه كما تقدم، فهؤلاء أكثر عدداً وأوثق. 4 - أنّ عمران بن أنس سلك في هذا الحديث الجادة، وتقدم أنّ الضعفاء عند التحديث من الحفظ يسبق الوهم إلى الغالب المشهور (¬1). 5 - أنّ كبار الأئمة النقاد على إعلال هذا الوجه: 1 - قال ابن أبي حَاتِم: ((وسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيث رَوَاهُ زَيْدُ بنُ الحُبَاب عَنْ عِمْرَانَ بنِ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ أَبِي مُلَيكة يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تقولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ الدّرهمَ مِنْ رِبَاً أعْظمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ سَبْعٍ وثلاثين زَنْيَة، قَالَ أَبِي: هَذَا خطأ رَوَاهُ الْثَّورِيّ، وَغَيْرهُ عَنْ عَبْدِالْعَزِيز بنِ رُفِيع، عَنْ ابنِ أَبِي مُلَيكة، عَنْ عَبْدِ الله بنِ حَنْظَلةَ، عَنْ كَعْبٍ قَوْلُهُ)) (¬2). 2 - وقال العقيليّ: ((وهذا يُروى من غير هذا الوجه مرسلاً، والإسناد فيه من طريق لينة))، وقد قال في صدر ترجمة عمران: ((لا يتابع على حديثه)). ¬

(¬1) انظر: ص 18 - 19من هذا البحث. (¬2) علل الحديث (1/ 387 رقم 1159).

3 - وقال أبو أحمد الحاكم: ((هذا حَدِيث منكر))، ونقل عن البخاري أنه قال: ((لا يتابع عليه)). * * * الوجه الثالث: رواه أيوب السختياني، وليث بن أبي سُليم - عنه: عبيد الله بن عمرو الرّقي - عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. 1 - رواية أيوب السختياني، أخرجها: - أحمد بن حنبل في المسند (5/ 225) - ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (27/ 419)، والضياء في المختارة (9/ 267 رقم 229) -. - والبزار في مسنده (8/ 309 رقم 3381). - والدارقطنيُّ في سننه (3/ 16) قال: حَدَّثَنَا أحمد بن العباس البغوي، - ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 23 رقم 122) -. كلاهما (أحمد بن العباس البغوي، والبزار) عن يحيى بن يزداد أبي السقر. - والطبراني في المعجم الكبير - قاله الزَّبيديُّ كما في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (2/ 1057)، والهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 117)، ومن طريقه الضياء في المختارة (9/ 268 رقم 230) -، من طريق ابن أبي شيبة. جميعهم (أحمد بن حنبل، ويحيى بن يزداد، وابن أبي شيبة) عن الحسين بن محمد قال: حَدَّثَنَا جرير بن حازم، عن أيوب، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((درهم ربا يأكله الرجل، وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية)).

قال البزار: ((وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلاّ عن عبد الله بن حنظلة عنه، وقد رواه بعضهم عن ابن أبي مُلَيكة، عن رجل، عن عبد الله بن حنظلة)). دراسةُ رجال الإسناد: 1 - أيوب هو: ابن أبي تَمِيمَة كَيْسان السَّخْتياني، أبو بكر البصري، متفق على ثقته وجلالته وإتقانه، وقال أبو حَاتِم: ((ثقة لا يُسأل عن مثله)) (¬1)، روى له الجماعة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة (¬2). 2 - جرير بن حازم هو: الأزدي أبو النضر البصري، وفي حاله تفصيل: 1 - في حديثه عن قتادة ضعف. 2 - وفي حديثه عن أيوب السختياني ويحيى بن سعيد الأنصاري بعض المناكير. 3 - وله أوهام إذا حدث من حفظه. 4 - وفي غير الحالات المتقدمة يوثق. ولما اختلط حجبه ولده فلم يحدث، وإليك أقوال النقاد الدالة على التفصيل المتقدم: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت: ((يحيى بن معين عن جرير بن حازم، فقال: ليس به بأس، فقلت: إنه يحدث عن قتادة عن أنس أحاديث مناكير، فقال: ليس بشيء هو عن قتادة ضعيف)) (¬3)، وقال الأثرم عن أحمد: ((جرير بن حازم يروي عن أيوب ¬

(¬1) الجرح (2/ 255 - 256 رقم 915). (¬2) انظر: الطبقات (7/ 246 - 251)، تهذيب الكمال (457 - 464). (¬3) الجرح (2/ 504 رقم 2079).

عجائب)) (¬1)، وقال مسلم: ((وجرير لم يمعن في الرواية عن يحيى. إنما روى من حديثه نزراً يسيراً ولا يكاد يأتي بها على التقويم والاستقامة، وقد يكون من ثقات المحدثين من يضعف روايته عن بعض رجاله الذي حمل عنهم للتثبيت)) (¬2)، وقال ابنُ عدي: ((جرير بن حازم له أحاديث كثيرة عن مشايخه، وهو مستقيم الحديث، صالح فيه، إلا روايته عن قتادة فإنه يروي أشياء عن قتادة لا يرويها غيره، وجرير عندي من ثقات المسلمين حدث عنه الأئمة من الناس: أيوب السختياني وابن عون وحماد بن زيد ..)) (¬3)، ووثقه يحيى بن معين، والعجليّ، وابن عدي وغيرهم، وقال الذهبيُّ: ((ثقة لما اختلط حجبه ولده))، وقال ابن حجر: ((وهب ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه وهو من السادسة مات سنة سبعين - أي ومائة - بعد ما اختلط لكن لم يحدث في حال اختلاطه))، روى له الجماعة (¬4). - والحسين بن محمد هو: ابن بهرام التميمي أبو أحمد أو أبو علي المروذي - بتشديد الراء وبذال معجمة - نزيل بغداد، قال ابن سعد، وابن نمير، والعجلي، وابن قانع، ومحمد بن مسعود،: ((ثقة))، وقال النسائي: ((ليس به بأس))، وقال ابن نمير: ((صدوق))، وقال أبو أحمد حسين بن محمد: قال لي أحمد بن حنبل: ((أكتبوا عنه)) وجاء معي إليه ¬

(¬1) شرح علل الترمذي (2/ 702)، وهذا النص النفيس والدقيق من أحمد بن حنبل لم يذكره المزي ولا مغلطاي ولا الذهبي ولا ابن حجر في كتبهم في رجال الكتب الستة ولم أقف عليه إلا عند ابن رَجَب في كتابه الرائع " شرح علل الترمذي"، فلله الحمد والمنة. (¬2) التمييز (ص 217). (¬3) الكامل (2/ 124 - 130). (¬4) انظر: تهذيب الكمال (4/ 524 - 531)، الكاشف (1/ 181 رقم 777)، التقريب (ص 138 رقم 911).

يسأله أن يحدثني، وذكره ابن حبان في الثقات، وحدث عنه عبد الرحمن بن مهدي وهو من شيوخه، قال وقد روى عنه البخاري في مواضع عن جرير بن حازم، وقال السخاويّ: ((لم أر فيه جرحاً)) (¬1)، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين أو بعدها بسنة أو سنتين، روى له الجماعة (¬2). دراسةُ الإسناد والحكم عليه: هذا الإسناد رجاله ثقات وهو أقوى طريق يروى للحديث، وكثيرٌ من أهل العلم - وخاصةً المعاصرين منهم - ممن قوّى الحديث قواه بناءً على ظاهر هذا الإسناد، وهذا الإسناد معلول فقد رواه بكار اليمانيّ، وابن جريج - وهو من أتقن أصحاب ابن أبي مُلَيكة -، وعبد العزيز بن رفيع فرووه عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب موقوفاً عليه ورجح هذه الرواية كبار النقاد: - فقال أبو القاسم البغوي (¬3): ((روى هذا الحديث جرير بن حازم، عن أيوب، وعبيد الله بن عمرو، عن ليث جميعاً عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهما عندي وَهْم. وحدّث سفيان الثوريُّ، عن عبد العزيز بن رُفيع، عن ابن أبي مُلَيكة ¬

(¬1) الأجوبة المرضية (1/ 131). (¬2) تاريخ بغداد (8/ 88)، التعديل والتجريح (2/ 495)، تهذيب التهذيب (2/ 315)، تقريب التهذيب (ص 168 رقم 1345). (¬3) أبو القاسم البغوي هو: عبد الله بن عبد العزيز البغدادي، (مات سنة 317) قال عنه الدَّارقُطني: ((كان أبو القاسم بن منيع قلما يتكلم على الحديث فإذا تكلم كان كلامه كالمسمار في الساج)) وقال: ((ثقةٌ، جبلٌ، إمامٌ من الأئمة ثبت، أقل المشايخ خطأ، وكان ابن صاعد أكثر حديثا من ابن منيع إلا إنّ كلام ابن منيع في الحديث أحسن من كلام ابن صاعد))، وهذه الشهادة من الدَّارقُطني كافية في معرفة أهمية كلام هذا الإمام على الأحاديث عموماً، وهذا الحديث خصوصاً. تاريخ بغداد (10/ 116).

على الصواب؛ حدثنيه جديّ، أخبرنا أبو أحمد الزبيريُّ، أخبرنا سفيان، عن عبد العزيز بن رُفيع، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب قال: درهم ربا ... وذكر الحديث)) (¬1). - والعقيليُّ، فقد قال: ((حَدِيث ابن جريج أولى)) (¬2). - وقال الدَّارقُطني بعد روايته الحديث: ((رواه عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مُلَيكة فجعله عن كعب ولم يرفعه .. ثم رواه بسنده وقال: - هذا أصح من المرفوع)) (¬3). - وقال البيهقيُّ: ((ورواه عبد العزيز بن رُفيع، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب قولُهُ، وهو أصح)) (¬4). وقد أشار الإمام أحمد إلى تعليل الحديث عندما أخرج هذا الطريق من حَدِيث عبد الله بن حنظلة في مسنده ثم أتبعه برواية الحديث موقوفاً على كعب الأحبار في مسند عبد الله بن حنظلة مشيراً إلى إعلال الرواية المرفوعة بالموقوفة، وقد نبه على ذلك الشيخ المعلمي اليماني في تعليقه على الفوائد المجموعة (¬5). وهنا سؤالٌ يَرِد وهو: ممنْ الوهم؟ أقول: أمّا أيوب السختياني فيبعد جداً أن يكون الوهم منه لما عرف عنه من الإتقان وقوة الضبط، ولا يوجد قرينة تدل على أنّ الوهم منه. ¬

(¬1) معجم الصحابة للبغوي (4/ 95)، تاريخ دمشق (27/ 419)، والمختارة (9/ 268). (¬2) الضعفاء الكبير (2/ 258). (¬3) سننه (3/ 16). (¬4) شعب الإيمان (5/ 298). (¬5) (ص 149).

فبقي الأمر يدور بين الحسين بن محمد وجرير بن حازم؛ فأمّا الحسين فيبعد عندي تحميله الوهم فهو لم يُتكلم فيه أولاً، ثم لا توجد قرينة تدل على وهمه في هذه الرواية. فالأظهر أنَّ الوهم من جرير بن حازم وهو ظاهر كلام ابن حجر إذ يقول: ((وأورده العقيليّ من طريق ابن جريج حدثني ابن أبي مُلَيكة أنه سمع عبد الله بن حنظلة بن الراهب يحدث عن كعب الأحبار فذكر مثل السياق المرفوع، ونقل عن الدَّارقُطني أنّ هذا أصح من المرفوع، قلتُ: ولا يلزم من كونه أصح أن يكون مقابله موضوعاً فإن ابن جريج أحفظ من جرير بن حازم وأعلم بحديث ابن أبي مُلَيكة منه ...)) (¬1). والقرائن الدالة على أنّ الوهم من جرير بن حازم عديدة منها: 1 - أن في ضبط جرير - عموماً - خللاً، وله أوهام إذا حدث من حفظه، كما تقدم بيان ذلك في أقوال النقاد، وهذا يقوي من احتمال وهمه عند الاختلاف، وعند وجود النُّكْرة في رواياته. 2 - أنّ جرير بن حازم يروي عن أيوب عجائب كما قال أحمد بن حنبل، وقد تتبعت عدداً من الأوهام التي وقعت لجرير عن أيوب السختياني، من ذلك: أ - قال الطحاويُّ: ((حَدَّثَنَا أبو أمية ومحمد بن علي بن داود قالا: حَدَّثَنَا الحسين بن محمد المروزي قال: حَدَّثَنَا جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا زوج ابنته وهي بكر وهي كارهة فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فخيرها. ¬

(¬1) القول المسدد (ص 41).

فكان من طعن من يذهب إلى الآثار والتمييز بين رواتها وتثبيت ما روى الحفاظ منهم وإسقاط ما روى من هو دونهم أن قالوا: هكذا رَوَى هذا الحديث جريرُ بنُ حازم - وهو رجل كثير الغلط -،وقد رواه الحفاظ عن أيوب على غير ذلك منهم: سفيان الثوري، وحماد بن زيد، وإسماعيل بن علية، فذكروا في ذلك ما: حَدَّثَنَا أحمد بن داود قال: حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن عبد الوهاب قال: حَدَّثَنَا وكيع عن سفيان عن أيوب السختياني عن عكرمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرق بين رجل وبين امرأة زوجها أبوها وهي كارهة وكانت ثيبا. فثبت بذلك عندهم خطأ جرير في هذا الحديث من وجهين: أما أحدهما فإدخاله ابن عباس فيه. وأما الآخر فذكر فيه أنها كانت بكرا وإنما كانت ثيبا)) (¬1). وقال البيهقي: ((فهذا حَدِيث أخطأ فيه جرير بن حازم على أيوب السختياني، والمحفوظ عن أيوب عن عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا)) (¬2). ب - وقال البيهقي: ((.. أن عمر - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أوف بنذرك، ... رواه سليمان بن بلال ويحيى بن سعيد القطان وأبو أسامة وعبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله قالوا فيه" ليلة، وكذلك قاله حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، وقال جرير بن حازم ومعمر عن أيوب يوما بدل ليلة ... وحماد بن زيد ¬

(¬1) شرح معاني الآثار (4/ 365). (¬2) سنن البيهقي الكبرى (7/ 117).

أعرف بأيوب من غيره)) (¬1). ج - وذكر ابنُ عدي من ضمن ما يستنكر عليه حديثاً تفرد به عن أيوب فقال: ((حَدَّثَنَا الحسن بن محمد حَدَّثَنَا يحيى حَدَّثَنَا الليث عن جرير بن حازم عن أيوب وابن عون عن ابن سيرين حَدَّثَنَا أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية، وهذا الحديث لا يعرف إلا لجرير بن حازم عن أيوب وابن عون ولم يروه عن جرير غير الليث)) (¬2). هذا ما وقفتُ عليه على عَجَل ولم أتقصد الجمع والحصر. إذا تبين ما تقدم من أنّ جرير بن حازم أخطأ في هذه الرواية وأنّ الصواب الرواية عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب موقوفاً عليه كما رواه بكار اليمانيّ، وابن جريج - وهو من أتقن أصحاب ابن أبي مُلَيكة -، وعبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة ورجح هذه الرواية كبار النقاد - كما تقدم - أقفُ ثلاث وقفات: الأوّلى: مع ابن الجوزي، والثانية: مع ابن حجر والثالثة: مع الألباني - رحمهم الله جميعاً، ورفع منزلتهم في المهديين - وهم أبرز من تكلم على رواية أيوب هذه، وعليهما عوّل من تكلم على الحديث - مع ما بينهم من تفاوت كبير في الحكم على الحديث كما سيأتي -: الوقفة الأوّلى: مع ابن الجوزي. أورد ابنُ الجوزي الحديثَ في كتابه "الموضوعات من الأحاديث المرفوعات" من طريق المسند، وقال: ((ليس في هذه الأحاديث شيء ¬

(¬1) المرجع السابق (4/ 318). (¬2) الكامل (2/ 129).

صحيح ... وأمّا حَدِيث حنظلة ففي الطريق الأوَّل: حسين بن محمد، وهو حسين بن محمد بن بهرام، أبو محمد المروزيّ، قال أبو حَاتِم الرازي: رأيته ولم أسمع منه، وسُئل أبو حَاتِم عن حَدِيث يرويه حسين فقال: خطأ، قيل له: الوهم ممن؟ فقال: من حسين ينبغي أن يكون)) (¬1). وفي كلام ابن الجوزي مناقشات: الأولى: قوله: ((قال أبو حَاتِم الرازي: رأيته ولم أسمع منه)). يفهم منها أنَّ أبا حَاتِم الرازي تعمد ترك الرواية عن حسين لِجُرْحةِ فيه، وهذا ليس مراداً لأبي حَاتِم، والسبب بَيّنَهُ ابنُ أبي حَاتِم في الجرح والتعديل (¬2) فقال: ((الحسينُ بنُ محمد المروذيّ البغدادي التميمي المعلم أبو أحمد روى عن جرير بن حازم وشيبان وسليمان بن قرم، روى عنه أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة وإبراهيم بن سعيد الجوهري سمعتُ أبي يقول ذلك، ويقول: أتيته مرارا بعد فراغه من تفسير شيبان، وسألته أنْ يعيد علىّ بعض المجلس فقال: بكّر بكّر، ولم أسمع منه شيئاً)). وقد تعقب ابن حجر ابنَ الجوزي فقال: ((قلتُ: حسين احتج به الشيخان، ولم يترك أبو حَاتِم السماع منه باختيار أبي حَاتِم، فقد نقل ابنه عنه أنه قال: أتيته مرات بعد فراغه من تفسير شيبان، وسألته أن يعيد علي بعض المجلس فقال: بكّر ولم أسمع منه شيئاً، وقال معاويةُ بنُ صالح: قال لي أحمد بن حنبل: أكتبوا عنه، ووثقه العجلي، وابن سعد، والنسائي، وابن قانع، ومحمد بن مسعود العجمي وآخرون، ثم لو كانَ كل من وهم في حَدِيث سرى في جميع حديثه حتى يحكم على أحاديثه ¬

(¬1) الموضوعات (3/ 23). (¬2) (3/ 64 رقم 287).

كلها بالوهم لم يسلم أحد)) (¬1). الثانية: قوله: ((وسُئل أبو حَاتِم عن حَدِيث يرويه حسين فقال: خطأ، قيل له: الوهم ممن؟ فقال: من حسين ينبغي أن يكون)). أقول: ذكر الخطيب النصّ كاملاً ودافع عن الحسين بأنه متابع فقال: ((حَدَّثَنَا أبوبكر البرقاني حَدَّثَنَا الحسين بن علي التميمي النيسابوري قال: حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن أبي حَاتِم قال: سألتُ أبي عن حَدِيث رواه الحسين المروذي عن جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أنَّ رجلا زوج ابنته وهي كارهة، ففرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما قال أبي: هذا خطأ إنما هو كما روى الثقات عن أيوب عن عكرمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل ابن علية وحماد بن زيد، وهو الصحيح، قلتُ: الوهم ممن هو؟ قال: من حسين ينبغي أنْ يكونَ فإنه لم يروه عن جرير غيره، قال أبي: رأيت حسين المروروذي ولم أسمع منه (¬2). قلتُ: قد رواه سليمان بن حرب عن جرير بن حازم أيضا كما رواه حسين فبرئت عهدته وزالت تبعته، أنبأناه أحمد بن عبد الواحد الدمشقي حَدَّثَنَا جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان السلمي أنبأنا أحمد بن محمد بن بشر أبو الميمون قال: حَدَّثَنَا محمد بن سليمان المنقري حَدَّثَنَا سليمان بن حرب حَدَّثَنَا جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن بن عباس أن جارية بكرا زوجها أبوها وهي كارهة فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورواه أيوب بن سويد هكذا عن الثوري عن أيوب موصولا، ¬

(¬1) القول المسدد (ص 41). (¬2) وهذا الكلام في العلل (1/ 417 رقم 1255).

وكذلك رواه معمر بن سليمان عن زيد بن حبان عن أيوب)) (¬1). الثالثة: تقدم أنّ الأظهر أنّ الوهم من جرير بن حازم وليس من الحسين بن محمد، وذكرتُ القرائن الدالة على ذلك. الرابعة: أنّ الحكم على الحديث بالوضع غير دقيق، وقَالَ ابنُ حجر: ((ولو كان ذلك كذلك (¬2) لم يلزمه منه الحكم على حديثه بالوضع ... ونقل عن الدَّارقُطني أنّ هذا أصح من المرفوع، قلتُ: ولا يلزم من كونه أصح أن يكون مقابله موضوعاً)) (¬3). قلتُ: ولم أر من سبق ابن الجوزي في الحكم على الحديث بأنه موضوع، نعم يحكم بخطأ الرواية أو أنها وهم كما هو قول كبار النقاد على هذه الرواية، والله أعلم. الوقفة الثانية: مع ابن حجر. أورد ابنُ حجر الحديثَ في كتابه "القول المسدد في الذب عن المسند للإمام أحمد" لتعقب كلام ابن الجوزي على الحديث، وردُّ ابنِ حجر يدور على ثلاث نقاط: النقطة الأولى: الدفاع عن حسين بن محمد المروذي، وبيان أنه ثقة، ولا شك أنّ دفاع ابن حجر عن حسين بن محمد في محله فحسين لم يتكلم فيه أحدٌ - وتقدم الكلام على هذا -. النقطة الثانية: بين ابنُ حجر أنّ الحسين لم ينفرد بل توبع فقال: ¬

(¬1) تاريخ بغداد (8/ 88). وانظر: نصب الراية (3/ 190). (¬2) أي أنّ حسين بن محمد فيه ضعف ووهم في بعض الروايات. (¬3) القول المسدد (ص 41).

((مع كونه لم ينفرد بل توبع، ووجدت للحديث شواهد فقد أورده الدَّارقُطني عن البغوي عن هاشم بن الحارث عن عبد الله بن عمرو الرقي عن ليث بن أبي سليم عن ابن أبي مُلَيكة به وليث وإن كان ضعيفا فإنما ضعف من قبل حفظه فهو متابع قوي. وشاهده حَدِيث ابن عباس أخرجه ابن عدي من طريق علي بن الحسن بن شقيق أخبرني ليث عن مجاهد عن ابن عباس نحوه، وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن ابن عباس في أثناء حَدِيث. وأخرجه الطبراني أيضا من طريق عطاء الخراساني عن عبد الله بن سلام، مرفوعا وعطاء لم يسمع من ابن سلام وهو شاهد قوي)) (¬1). قلتُ: ورواية ليث بن أبي سليم يأتي الكلام عليها بعد الكلام على هذه الرواية، وبيان أنها شديدة الضعف، وَحَدِيث ابن عباس، وَحَدِيث عبد الله بن سلام تقدم الكلام عليهما وبيان ما فيهما من علل وضعف ونكارة. فهذه الشواهد لا يفرح بها، والله أعلم. النقطة الثالثة: قَالَ ابنُ حجر: ((ونقل عن الدَّارقُطني أنّ هذا أصح من المرفوع، قلتُ: ولا يلزم من كونه أصح أن يكون مقابله موضوعاً، فإن ابن جريج أحفظ من جرير بن حازم وأعلم بحديث ابن أبي مُلَيكة منه، لكن قد تابع جريرا ليث بن أبي سليم، ولا مانع من أن يكون الحديث عن عبد الله بن حنظلة مرفوعا وموقوفا والله أعلم)) (¬2). ¬

(¬1) القول المسدد (ص 41). (¬2) القول المسدد (ص 41).

قلتُ: تقدم أنّ الحكم على الحديث بالوضع غير دقيق، وهو ما يحاول ابن حجر تقريره. ولكن قول ابن حجر: ((لكن قد تابع جريرا ليث بن أبي سليم، ولا مانع من أن يكون الحديث عن عبد الله بن حنظلة مرفوعاً وموقوفاً)). قلتُ: أمَّا متابعة ليث فسيأتي الكلام عليها بعد الكلام على هذا الطريق وبيان أنّ هذه المتابعة لا يفرح بها. وقوله: ((ولا مانع من أن يكون الحديث عن عبد الله بن حنظلة مرفوعاً وموقوفاً)) متعقب بكلامه هو حيثُ قَالَ - في كلامٍ له -: ((فإن قِيل: إذا كان الراوي ثقةً، فلم لا يجوز أن يكون للحديث إسنادان عند شيخه حدث بأحدهما مرة وبالآخر مرة؟ قلنا: هذا التجويز لا ننكره، لكن مبنى هذا العلم على غلبة الظن، وللحفاظ طُرُق معروفة في الرجوع إلى القرائن في مثل هذا)) (¬1). فإذا رجعنا إلى الحفاظ نجد أنهم أعلوا رواية جرير عن أيوب عن ابن أبي مُلَيكة، ورجحوا رواية رواه بكار اليمانيّ، وابن جريج - وهو من أتقن أصحاب ابن أبي مُلَيكة -، وعبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب موقوفاً عليه، ومن هؤلاء الحفاظ: أبو القاسم البغوي، والعقيليّ، والدارقطني، والبيهقي، وهذا الترجيح ظاهر صنيع أحمد بن حنبل في مسنده كما تقدم. وقرائن ترجيح رواية بكار اليمانيّ، وابن جريج، وعبد العزيز بن ¬

(¬1) النكت على كتاب ابن الصلاح (2/ 875 - 876).

رفيع عن ابن أبي مُلَيكة على رواية جرير بن حازم، عن أيوب، عن ابن أبي مُلَيكة، قوية وظاهرة وهي: الأولى: قرينة "العدد والكثرة" فهم ثلاثة. الثانية: قرينة "الحفظ والإتقان والضبط " فهولاء أوثق من جرير بن حازم. الثالثة: قرينة " الترجيح بالنظر إلى أصحاب الراوي المقدمين فيه" فابن جريج مقدم في ابن أبي مُلَيكة على غيره، قال عمرو بن على: سمعتُ يحيى بن سعيد القطان يقول: أحاديث ابن جريج عن ابن أبى مُلَيكة كلها صحاح، وجعل يحدثني بها ويقول: حَدَّثَنَا ابن جريج قال: حدثني ابن أبى مُلَيكة، فقال في واحدٍ منها: عن ابن أبى مُلَيكة، فقلتُ: قل حدثني، قال: كلها صحاح (¬1)، وقد اعتمد البخاري في حَدِيث ابن أبى مُلَيكة على رواية ابن جريج عنه غالباً (¬2)، وكثيراً ما يرجح الدَّارقُطني في العلل رواية ابن جريج عن ابن أبى مُلَيكة عند الاختلاف (¬3). الرابعة: أن في ضبط جرير - عموماً - خللاً، وله أوهام إذا حدث من حفظه، ويروي عن أيوب عجائب كما قال أحمد بن حنبل، وقد ذكرتُ عدداً من الأوهام التي وقعت لجرير عن أيوب السختياني، فيما تقدم. ¬

(¬1) الجرح والتعديل (1/ 241). (¬2) وهذه أرقام الروايات في صحيح البخاري (730 - 1027 - 1226 - 1367 - 2146 - 2325 - 2450 - 2481 - 2516 - 4109 - 4251 - 4264 - 4277 - 4292 - 4387 - 4475 - 4566 - 6171 - 6547 - 6570). (¬3) انظر رقم (122 - 649 - 1026 - 1818).

الخامسة: تفرد جرير بهذه الرواية عن أصحاب أيوب السختياني، فأين هم عن هذه الرواية المرفوعة!!. قال ابن رَجَب: ((أصحاب أيوب السختياني: قال الإمام أحمد: " ما عندي أعلم بحديث أيوب من حماد بن زيد، وقد أخطأ في غير شئ "، وقال ابن معين: " ليس أحد أثبت في أيوب من حماد بن زيد "، وقال: سليمان بن حرب وحماد بن زيد في أيوب أكثر من كل من روى عن أيوب. وقال ابن معين: " إذا اختلف إسماعيل بن علية وحماد بن زيد في أيوب كان القول قول حماد، قيل ليحيى: فإن خالفه سفيان الثوري قال: فالقول قول حماد بن زيد في أيوب قال يحيى: ومن خالفه من الناس جميعاً في أيوب فالقول قوله "وهذا القول اختيار ابن عدي وغيره، وقال النسائي: " أثبت أصحاب أيوب: حماد بن زيد، وبعده عبد الوارث وابن علية ". ورجحت طائفة ابن علية على حماد، قال البرديجي: ابن علية أثبت من روى عن أيوب، وقال بعضهم: حماد بن زيد، قال: ولم يختلفا إلا في حَدِيث أوقفه بن علية، ورفعه حماد، وهو حَدِيث أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " ليس أحد منكم ينجيه عمله! قالوا: ولا أنت؟! قال ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته منه وفضل " انتهى. وليس وقف هذا الحديث مما يضره، فإن ابن سيرين كان يقف الأحاديث كثيراً ولا يرفعها، والناس كلهم يخالفون ويرفعونها ... وقال يزيد بن الهيثم: سمعت يحيى بن معين سئل عن أحاديث أيوب اختلاف ابن علية وحماد بن زيد؟ فقال: " إن أيوب كان يحفظ وربما نسي الشئ " انتهى، فنسب الاختلاف إلى أيوب. وقال أحمد في رواية الميموني: " عبد الوارث قد غلط في غير شئ، روى عن أيوب أحاديث لم يروها أحد من أصحابه ". وهو عنده مع هذا ثبت ضابط. وقال الأثرم عن أحمد: " جرير بن حازم يروي عن أيوب عجائب ". وذكر القواريري عن يحيى بن سعيد: أنه كان يثبت عبد الوراث، وإذا خالفه أحد من أصحابه يقول ما قال عبد الوارث انتهى، ولم يكتب عبد الوارث ولا ابن علية حَدِيث أيوب حتى مات أيوب، وأما حماد بن زيد، فكان ضريراً، وكان يحفظ، ولم يكن عنده كتاب لأيوب بالكلية، ونقل عثمان الدارمي عن ابن معين قال: عبد الوارث مثل حماد، قال: وهو أحب إلىّ في أيوب من الثقفي وابن عيينة)) (¬1). وعلى كلام ابن حجر عوّل السخاوي في قوله - بعد ما تكلم على الحديث بكلام مستفاد من كلام شيخه ابن حجر -: ((وإذا علم هذا فالحديث حينئذ لا يكون من شرط الصحيح، بل يكون حسناً، لأنَّ له شواهد أخرى لا بأس بها)) (¬2)، ثم ذكر هذه الشواهد والتي تكلمتُ عنها كلها في هذا البحث وبينتُ أنها لا تصلح شواهد لأنّ مدارها على أوجه معلولة وغرائب عن ثقات، وروايات شديدي الضعف ومتروكين وكذابين. ¬

(¬1) شرح علل الترمذي (2/ 699). (¬2) الأجوبة المرضية (1/ 133) وقال نحوه (3/ 1053).

وقال الهيثميُّ: ((رواه أحمدُ والطبرانيّ في الكبير والأوسط، ورجالُ أحمد رجال الصحيح)) (¬1)، وقال العراقي: ((رجاله ثقات)) (¬2)، ورمز السيوطي لصحته (¬3). قلتُ: ولكنْ للحديث علة خفية تقدح في صحته كما تقدم. الوقفة الثالثة: مع الألبانيّ. قال الألبانيّ - بعدما رجح وقف الحديث على كعب الأحبار في رواية ليث بن أبي سليم، ثم ذكر متابعة حسين هذه ثم قال -: ((وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، ومن أعله بتغير جرير قبل موته فلم يصب، لأنه لم يسمع منه أحد في حال اختلاطه كما قال ابن مهدي، ثمّ إنّ الموقوف في حكم المرفوع لأنه لا يقال بمجرد الرأي كما لا يخفى)) (¬4)، وقال أيضاً: ((وهذا إسنادٌ صحيح وأعله بعضهم بما لا يقدح كما بينته في "أحاديث الموسوعة الفقهية")) (¬5). وفي كلام الألبانيّ مناقشات: - الأولى: أنّ الحكم بصحة الإسناد فيه بُعد، فضلاً عن أن يكون على شرط الشيخين وتقدم ما في الحديث من علل جعلت كبار النقاد يحكمون على هذه الرواية بالوهم والخطأ. - الثانية: أنّ انتقاد كبار الأئمة لرواية جرير هذه لا لتغيره بل لقرائن أخرى تقدم ذكرها. ¬

(¬1) مجمع الزوائد (4/ 117). (¬2) فيض القدير (3/ 524). (¬3) المرجع السابق. (¬4) السلسلة الصحيحة (3/ 29 رقم الحديث 1033). (¬5) غاية المرام (ص 127 رقم 172)، ولم أقف على الكتاب الذي ذكره الشيخ.

- الثالثة: قول الشيخ: ((إنّ الموقوف في حكم المرفوع لأنه لا يقال بمجرد الرأي كما لا يخفى)) فالجواب: 1 - أنّ كعب الأحبار ليس صحابياً، فما أدري هل الشيخ الألباني يرى أنّ ما جاء عن التابعي مما لا مجال للاجتهاد فيه له حكم الرفع (¬1) - كما هو مذهب ابن العربي (¬2) - أو لا؟ يُنظر في قول الشيخ في هذه المسألة، وعلى كلّ حال فقد ثبت تعظيم الربا على الزنا من كلام عبد الله بن سلام وهو صحابي جليل من مسلمة أهل الكتاب. 2 - أنّ العلماء نصوا على أنَّ الصحابي الذي يعرف عنه الأخذ عن أهل الكتاب لا يكون لكلامه حكم الرفع قال ابن حجر - عند ذكره فوائد حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فُقدت أمةٌ من بني إسرائيل ولا يدرى ما فعلت، وإني لا أراها إلا الفأر، إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشرب وإذا وضع لها ألبان الشاء شربت!، فحدثتُ كعباً فقال: أنتَ سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوله؟ قلتُ: نعم، قال لي مراراً، فقلتُ: أفأقرأ التوراة (¬3) -: ((وفيه أن أبا هريرة لم يكن يأخذ عن أهل الكتاب، وأنّ ¬

(¬1) فائدةٌ: في ضابط ماله حكم الرفع عن الصحابة في هذه المسألة قال ابن حجر: ((والحقُ أنَّ ضابطَ ما يفسرهُ الصحابيُّ رضي الله عنه إنْ كَانَ مما لا مجالَ للاجتهاد فيهِ وَلا منقولاً عَنْ لسانِ العَرَبِ فَحُكمهُ الرّفع وَإلا فَلا، كالإخبارِ عَنْ الأمورِ الماضية مِنْ بدءِ الخلق، وَقَصص الأنبياء، وعن الأمور الآتية: كالملاحم والفتن والبعث وصفة الجنة والنار والإخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص، فهذه الأشياء لا مجال للاجتهاد فيها فيحكم لها بالرفع)) النكت (2/ 531)، ونحوه في نزهة النظر (ص 50). (¬2) فتح المغيث (1/ 152)، ولم ير أحمد شاكر هذا القول وقد بين رأيه فقال: ((ما يقوله التابعي كلام من كلامه فقط، حتى ولوكان مما ليس للرأي فيه مجال، فإنه لعله نقله عن ضعيف أو عن الإسرائيليات، أو لعله رأى أن ما يقوله يدخل تحت الاجتهاد)).شرح ألفية السيوطي (ص 24). (¬3) أخرجه: البخاري (3/ 1203 رقم 3129)، ومسلمٌ (4/ 2294 رقم 2997) في صحيحهما.

الصحابي الذي يكون كذلك إذا أخبر بما لا مجال للرأي والاجتهاد فيه يكون للحديث حكم الرفع)) (¬1). وقال أيضاً: ((يستثنى مِنْ ذَلكَ مَا كَانَ المُفَسّر لَهُ مِنْ الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - مَنْ عُرِفَ بالنظرِ في الإسرائيلياتِ، كَمسلمةِ أهلِ الكتابِ مِثل: عبد الله بن سلام، وَغَيرهُ، وَكعبدِ الله بنِ عَمرو بن العاص فإنّه كَانَ حَصَلَ لَهُ في وقعةِ اليرموك كتب كثيرة مِنْ كتب أهلِ الكتاب فَكَانَ يُخْبرُ بما فيها مِنْ الأمور المغيبة حَتى كَانَ بعض أصحابهِ رُبما قَالَ لَهُ: حَدّثنا عَنْ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وَلا تحدثنا عَنْ الصحيفة، فمثلُ هذا لا يكونُ حكم ما يخبر به مِنْ الأمور التي قدمنا ذكرها الرفع، لقوة الاحتمال)) (¬2). وأنبه هنا أنّ هناك عدداً من الأئمة لا يرون أصلاً أنْ يقال لما قاله الصحابي من كلامه له حتى لو كان مما لا يقال بالرأي له حكم الرفع منهم ابنُ حزم، ونصره العراقيّ، وأحمد شاكر - من المعاصرين -، وقولهم له وجهٌ قويّ، والمسألة من مطارح الاجتهاد، ومسارح النظر وليس هذا موضع بسط المسألة والكلام عليها (¬3). 2 - رواية ليث بن أبي سُليم، أخرجها: - ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 229). - والبغويّ في معجم الصحابة (4/ 95). ¬

(¬1) فتح الباري (6/ 353). (¬2) النكت (2/ 532). (¬3) انظر: معرفة علوم الحديث للحاكم (ص 27)، الإحكام لابن حزم (2/ 74)، التبصرة والتذكرة (1/ 139)، فتح المغيث للعراقي (1/ 66)، النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (2/ 532)، نزهة النظر (ص 50)، فتح المغيث للسخاوي (1/ 151)، تدريب الراوي (1/ 190)، شرح ألفية السيوطي لأحمد شاكر (ص 23).

- ابن قانع في معجم الصحابة (2/ 91). - والدارقطنيُّ في سننه (3/ 16) - ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات 3/ 23 رقم 1230)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (27/ 419) -. - والطبراني في المعجم الأوسط (3/ 330 رقم 2703)، وفي المعجم الكبير - كما في مجمع الزوائد (4/ 117) -. - وابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 893). جميعهم من طُرُق عن عبيد الله بن عمرو الرّقي عن ليث بن أبي سُليم عن عبد الله بن أبي مُلَيكة عن عبد الله بن حنظلة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الدرهم ربا أشد عند الله تعالى من ستة وثلاثين زنية في الخطيئة)). وقال: ((لم يرو هذا الحديث عن ليث إلاّ عبيد الله)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: جميعهم تقدمت تراجمهم عدا عبيد الله بن عمرو الرّقي وهو: أبو وهب الرَّقي، ثقة فقيه، وكان أحفظ من روى عن عبد الكريم الجزري، روى له الجماعة، مات بالرقة سنة ثمانين ومائة (¬1). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف: 1 - لضعف ليث بن أبي سُليم كما تقدم. ¬

(¬1) انظر: الجرح (5/ 328 - 329 رقم 1551)، تهذيب الكمال (19/ 136 - 139)، التهذيب (7/ 42 - 43).

2 - أنَّ ليث بن أبي سُليم خالف كبار تلاميذ ابن أبي مُلَيكة وهم بكار اليمانيّ، وابن جريج - وهو من أتقن أصحاب ابن أبي مُلَيكة -، وعبد العزيز بن رفيع حيث رووه عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب موقوفاً عليه. ويظهر أنّ ليث بن أبي سُليم يضطرب في الحديث فقد قال ابنُ أبي حَاتِم: ((سَمِعْتُ أَبِي وذَكَرَ حَدِيثاً رَوَاهُ فُضَيلُ بنُ عِيَاض، عَنْ لَيْث، عَنْ الْمُغِيرَة، عَنْ أَبِي هُرَيرة قَالَ: الْرِّبَا سَبْعُونَ بَابَا، أدناها (¬1) أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ، قَالَ أَبِي: هَذَا خَطَأٌ، إِنَّمَا هُوَ لَيْث، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَة واسمه: زياد، عَنْ أَبِي هُرَيرة))، وتقدم الكلام عليها (¬2). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 561) قال: حَدَّثَنَا ابن فضيل عن ليث عن الحكم عن علي قال: ((لدرهم ربا أشد عند الله تعالى من ست وثلاثين زنية)). وليث هذا هو ابن أبي سليم، وعليه تكون هذه علة ثالثة تعل بها هذه الرواية. تنبيه: قول ابن حجر: ((ووجدت للحديث شواهد فقد أورده الدَّارقُطني عن البغوي عن هاشم بن الحارث عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن ليث بن أبي سليم عن ابن أبي مُلَيكة به، وليث وإن كان ضعيفا فإنما ضعف من قبل حفظه فهو متابع قوي)) (¬3) فيه نظر من جهة أنّ ضعف هذا ¬

(¬1) في المطبوع (مثل)، وليست في جميع النسخ المخطوطة!. (¬2) انظر: ص 100 من هذا البحث. (¬3) القول المسدد (ص 41).

الأثر ليس لضعف ليث فقط - ولو كان هذا لكان الأمر يسيراً - ولكن مع الضعف جمع مخالفة الثقات عن راوٍ مشهور - وهو ابن أبي مُلَيكة -، وهذا يجعل الرواية منكرة، وعلى ذلك فمتابعته - لرواية جرير عن أيوب عن ابن أبي مُلَيكة والمعلولة في الأصل - لا يفرح بها. وتقدم أنّ ليث بن أبي سليم يضطرب في الحديث فهذا يزيد روايته نكارة على نكارتها، والله أعلم. * * * الوجه الرابع: رواهُ ليثُ بنُ أبي سُليم - عنه: أبو جعفر الرازي - عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة موقوفاً عليه. أخرجه: الحارث بن أبي أسامة في مسنده - كما في بغية الباحث (ص 142 رقم 438)، وإتحاف الخيرة (4/ 240 - 241) - قال: حَدَّثَنَا خلف بن الوليد، عن أبي جعفر الرازي، عن ليث بن أبي سُليم، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة قال:: ((الدرهم من الربا أعظم عند الله خطيئة من ست وثلاثين زنية)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - أبو جعفر الرازي هو: التميمي مولاهم مشهور بكنيته واسمه: عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان جمهور النقاد على أنه سيء الحفظ، خصوصا عن مغيرة، مات في حدود الستين ومائة، روى له البخاري في الأدب المفرد والأربعة (¬1). 2 - خلف بن الوليد هو: أبو الوليد العتكي، متفق على توثيقه (¬2). ¬

(¬1) تهذيب التهذيب (12/ 59)، تقريب التهذيب (ص 629 رقم 8019). (¬2) الجرح والتعديل (3/ 371 رقم 1688).

دراسةُ الإسناد والحكم عليه: هذا الأثر بهذا الإسناد منكر جداً لأمور: 1 - ضعف ليث بن أبي سُليم كما تقدم. 2 - ضعف أبي جعفر الرازي. 3 - أنّ ليث خولف في هذا الإسناد فقد خالفه بكار اليمانيّ، وابن جريج، وعبد العزيز بن رفيع فرووه عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب موقوفاً عليه كما تقدم، فهؤلاء أكثر عدداً وأوثق بدرجات من ليث. وقال البوصيري عن هذا الإسناد: ((هذا إسنادٌ موقوف ضعيف)) (¬1). * * * الوجه الخامس: ورواه بعضهم عن ابن أبي مُلَيكة، عن رجل، عن عبد الله بن حنظلة. ذَكَرَ هذا الوجه البزار في مسنده معلقاً فقال: ((وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلاّ عن عبد الله بن حنظلة عنه، وقد رواه بعضهم عن ابن أبي مُلَيكة، عن رجل، عن عبد الله بن حنظلة)) (¬2)، ولم أقف على من أخرجه للنظر في رجاله. * * * ملخص النظر في الأوجه: تقدم أنّ الحديث اختلف فيه عن ابن أبي مُلَيكة على خمسة أوجه: 1 - رواه بكار اليمانيّ، وابن جريج، وعبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب موقوفاً عليه. ¬

(¬1) إتحاف الخيرة (4/ 240 - 241). (¬2) مسند البزار (8/ 309).

2 - ورواه عمران بن أنس، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عائشة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. 3 - ورواه ليث بن أبي سُليم - عنه: أبو جعفر الرازي - عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة موقوفاً عليه. 4 - ورواه أيوب السختياني، وليث بن أبي سُليم - عنه: عبيد الله بن عمرو الرّقي - عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. 5 - ورواه بعضهم عن ابن أبي مُلَيكة، عن رجل، عن عبد الله بن حنظلة. والوجه الأوَّل أرجح لعدة قرائن: الأولى: قرينة "العدد والكثرة" فهم ثلاثة. الثانية: قرينة "الحفظ والإتقان والضبط " فهؤلاء أوثق من المخالفين لهم. الثالثة: قرينة " الترجيح بالنظر إلى أصحاب الراوي المقدمين فيه" فابن جريج مقدم في ابن أبي مُلَيكة على غيره، وتقدم بيان ذلك. الرابعة: أنّ بقية الوجوه لا تخلو من علة أو علل وتقدم بيانها. الخامسة: أنّ كبار الأئمة النقاد على ترجيح الوجه الأوَّل، وهم: 1 - أبو حَاتِم الرازي. 2 - وأبو القاسم البغوي. 3 - وأبو جعفر العقيليُّ. 4 - وأبو الحسن الدَّارقُطني. 5 - وأبو بكر البيهقيُّ.

وتقدم نقل كلامهم. وقد أشار الإمام أحمد إلى تعليل الحديث عندما أخرج هذا الطريق من حَدِيث عبد الله بن حنظلة في مسنده ثم أتبعه برواية الحديث موقوفاً على كعب الأحبار في مسند عبد الله بن حنظلة مشيراً إلى إعلال الرواية المرفوعة بالموقوفة، والله أعلم. والحديث من الوجه الراجح موقوف على كعب الأحبار وسنده صحيحٌ إليه. • وللحديث عن عائشة طريق آخر تالف، أخرجه: أبو نعيم في الحلية (5/ 74) - ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 23 رقم 1229) -: قال: حَدَّثَنَا أبو إسحاق بن حمزة قال: حَدَّثَنَا أبو علي محمد بن أحمد بن سعيد قال: حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن عيشون قال: حَدَّثَنَا عبد الغفّار بن الحكم قال: حَدَّثَنَا سوّار بن مصعب، عن ليث وخلف بن حوشب، عن مجاهد، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنّ الربا بضع وسبعون باباً، أصغرها كالواقع على أمه، والدرهم من الربا أعظم عند الله من ستة وثلاثين زنية)). وقال أبو نعيم: ((غريب من حَدِيث خلف، لم نكتبه إلاّ من هذا الوجه)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - مجاهد هو: ابن جبر - بفتح الجيم وسكون الموحدة - أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي متفق على توثيقه وإمامته، مات سنة إحدى

أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة، روى له الجماعة (¬1). 2 - ليث هو: ابن أبي سليم تقدمت ترجمته، وهو ضعيف (¬2). 3 - وخلف بن حوشب الكوفي، متفق على توثيقه، مات بعد الأربعين ومائة، روى له البخاري في التعاليق والنسائي في مسند علي (¬3). 4 - وسوّار بن مصعب هو: الهمداني الكوفي أبو عبد الله الأعمى المؤذن، متفق على ضعفه وترك حديثه، قال أحمد بن حنبل، والنسائي: ((متروك الحديث))، وقال أبوحَاتِم: ((متروك الحديث لا يكتب حديثه ذاهب الحديث)) (¬4). 5 - عبد الغفار بن الحكم هو: الأموي مولاهم أبو سعيد مقبول من العاشرة مات سنة سبع عشرة ومائتين، روى النسائي في مسند علي (¬5). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: هذا الحديثُ بهذا الإسناد لا أصل لأمور: 1 - أنَّ سوّار بن مصعب متفق على ضعفه وترك حديثه. 2 - ثم إنّ تفرد سوّار دليل على شدة نكارة هذا الطريق!. 3 - ومما يزيد الإسناد وهناً أنَّ أحداً من أصحاب الكتب المشهورة لم يروه!. ¬

(¬1) تهذيب التهذيب (10/ 38) تقريب التهذيب (ص 520 رقم 6481). (¬2) انظر: ص 101 من هذا البحث. (¬3) تهذيب التهذيب (3/ 129) تقريب التهذيب (ص 194 رقم 1728). (¬4) انظر: الجرح والتعديل (4/ 271 رقم 1175)، الكامل (3/ 454)، ميزان الاعتدال (3/ 343). (¬5) تهذيب التهذيب (6/ 325) تقريب التهذيب (ص 360 رقم 4135).

4 - وسماع مجاهد من عائشة فيه نظر، فأئمة أهل النقل أنكروا سماعه منه، منهم: شعبة ويحيى القطان ويحيى بن معين وأبو حَاتِم وغيرهم (¬1). ¬

(¬1) المراسيل (ص 203)، غرر الفوائد (ص 330).

المبحث العاشر الآثار الواردة عن الصحابة في ذلك

المبحثُ العاشر الآثارُ الواردةُ عَنِ الصحابةِ في ذلكَ. وفيه مطلبان: المطلبُ الأوّل تخريجُ أثر عثمان بن عفان - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. 1 - تخريج الأثر: أخرجه ابنُ عساكر في تاريخ مدينة دمشق (21/ 220) في ترجمة "سعيد بن عثمان بن عفان بن أبي العاص" قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الله بن أحمد قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي قال: أخبرنا أبوالعباس محمد بن إسحاق السراج قال: أخبرنا محمد بن الصبّاح قال: أخبرنا مروان الفزاري عن المغيرة بن مسلم عن عمرو بن نباتة عن سعيد بن عثمان قال: قال عثمان: ((الربا سبعون باباً، أهونها مثل نكاح الرجل أمه)). ويغلب على الظن أنه في مسند السرّاج وإن كنتُ لم أقف عليه في

المطبوع من مسند السراج، وكذلك تتبعت غالب كتب الخطيب البغدادي، وكتب أبي نعيم الأصبهاني لأقف على الحديث في كتبهما - لأنّ ابن عساكر يروي الأثر من طريقهما - فلم أقف عليه. 2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - عثمان هو: الصحابي الجليل عثمان بن عفان الخليفة الراشد. 2 - سعيد بن عثمان هو ابن عفان بن أبي العاص، قال ابن عساكر: ((قدم دمشق على معاوية وولاه خراسان وهو الذي فتح سمرقند وقيل: إنه كان له بدمشق قطيعة)) (¬1)، قال ابن سعد: ((كان قليل الحديث)) (¬2)، ولم أجد فيه جرحاً ولا تعديلاً. 3 - عمرو بن نباتة لم أقف له على ترجمةٍ. 4 - المغيرة بن مسلم المغيرة هو: القسملي - بقاف وميم مفتوحتين بينهما مهملة ساكنة - أبو سلمة السرّاج - بتشديد الراء - المدائني أصله من مرو صدوق، روى له البخاري في الأدب والترمذي والنسائي وابن ماجة (¬3). 5 - ومروان الفزاري هو: ابن معاوية الفزاري، أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ، كثير الرواية عن المجاهيل، ويدلس أسماء الشيوخ، قال أحمد بن حنبل: ((ثبت حافظ))، وقال علي بن المديني: ((ثقة فيما روى عن المعروفين وضعفه فيما روى عن المجهولين))، وقال ابن معين: ¬

(¬1) تاريخ مدينة دمشق (21/ 220). (¬2) الطبقات الكبرى (5/ 153). (¬3) تهذيب التهذيب (10/ 240)، تقريب التهذيب (ص 543 رقم 6850).

((والله ما رأيتُ أحيل للتدليس منه))، وقال أبو حَاتِم: ((صدوق لا يدفع عن صدق، وتكثر روايته عن الشيوخ المجهولين)) (¬1)، وقال العجلي: ((ثقة ثبت، ما حدث عن المعروفين فصحيح، وما حدث عن المجهولين ففيه ما فيه وليس بشيء)) (¬2)، روى له الجماعة، مات سنة ثلاث وتسعين ومائة (¬3). 6 - ومحمد بن الصباح هو: الجرجرائي - بجيمين مفتوحتين بينهما راء ساكنة ثم راء خفيفة - أبو جعفر التاجر صدوق من العاشرة مات سنة أربعين ومائتين، روى له أبوداود وابن ماجة (¬4). 7 - ومحمد بن إسحاق السراج هو: أبو العباس السراج الثقفي النيسابوري متفق على توثيقه وإمامته وجلالته (¬5). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: عندي توقف في هذا الإسناد الغريب حتى أجد ترجمة لعمرو بن نباتة، وأخشى أن يكون عمرو هذا ضعيفاً أو متروكاً، ويكون مروان الفزاري دلسه فله تحايل في هذا الباب كما قال ابن معين: ((والله ما رأيتُ أحيل للتدليس منه))، والمدلس ربما دلس شيخه وشيخ شيخه. ¬

(¬1) الجرح (8/ 272 - 273 رقم 1246). (¬2) معرفة الثقات (2/ 270 - 271 رقم 1704). (¬3) انظر: تاريخ بغداد (13/ 151)، تهذيب الكمال (27/ 403 - 410). (¬4) تهذيب التهذيب (9/ 202)، تقريب التهذيب (ص 484 رقم 5965). (¬5) تذكرة الحفاظ (2/ 731).

المطلب الثاني تخريج أثر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والحكم عليه

المطلبُ الثاني تخريجُ أثر علي بنِ أبي طالب - رضي الله عنه - والحُكْمُ عليهِ. 1 - تخريج الأثر: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 561) قال: حَدَّثَنَا ابن فضيل عن ليث عن الحكم عن علي قال: ((لدرهم ربا أشد عند الله تعالى من ست وثلاثين زنية)). 2 - دراسةُ رجال الإسناد: 1 - علي هو: الصحابي الجليل علي بن أبي طالب الخليفة الراشد. 2 - الحكم: هو: ابن عُتَيْبة - بالمثناة ثم الموحدة مصغرا - الكندي، أبومحمد الكوفي، متفق على توثيقه وفقهه وفضله، روى له الجماعة، مات سنة خمس عشرة ومائة (¬1). 3 - ليث هو: ابن أبي سُلَيم تقدمت ترجمته، وهو ضعيف (¬2). 4 - ابن فضيل هو: محمد بن فضيل تقدمت ترجمته، وهو صدوق (¬3). 3 - دراسةُ الإسناد والحكم عليه: هذا الأثر ضعيف جداً لأمور: 1 - ضعف ليث بن أبي سُلَيم. 2 - اضطراب ليث بالخبر فتارةً يرويه عن عبد الله بن أبي مُلَيكة عن ¬

(¬1) انظر: الجرح (3/ 123 - 125 رقم 567)، تهذيب الكمال (7/ 114 - 120). (¬2) انظر: ص 101 من هذا البحث. (¬3) انظر: ص 80 من هذا البحث.

عبد الله بن حنظلة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتارةً عَنْ الْمُغِيرَة، عَنْ أَبِي هُرَيرة، وتارةً عَنْ أَبِي الْمُغِيرَة عَنْ أَبِي هُرَيرة، وتقدم الكلام عن جميع هذه الأوجه. 3 - والحكم بن عتيبة لم يدرك علي بن أبي طالب فضلاً عن أن يسمع منه قال البيهقي - بعد روايته حديثا من طريق الحكم عن علي بن أبي طالب -: ((هذا منقطع الحكم لم يدرك عليا)) (¬1)، وقال ابن حزم: ((روينا من طريق عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمى عن ليث بن أبي سليم عن الحكم بن عتيبة أنَّ علي بن أبي طالب قال: لا يأخذ منها فوق ما أعطاها، وهذا لا يصح عن علي لأنه منقطع وفيه ليث)) (¬2). ¬

(¬1) سنن البيهقي الكبرى (6/ 43). (¬2) المحلى (10/ 240).

الفصل الثاني تتمات حول أحاديث تعظيم الربا على الزنا

الفصل الثَّاني تتمات حول أحَاديث تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا

المبحث الأول نظرة تحليلية في المصادر الأصلية التي روت أحاديث تعظيم الربا على الزنا

المبحثُ الأوَّلُ نظرةٌ تحليليةٌ في المصادرِ الأصليةِ التي روت أحاديث تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا لا يخفى أنّ للمصادر الأصلية أثراً كبيراً في معرفة درجة الحديث صحةً وضعفاً، فهناك مصادر اشترط أصحابها الصحة في الأحاديث التي يروونها كالصحيحين وغيرهما، فهذه المصادر مجرد العزو إليها مُعْلِمٌ بالصحة. وهناك مصادر تروي الحديث لبيان ضعفه ونكارته أو يغلب على أحاديثها الضعف والنكارة كالضعفاء للعقيلي، والمجروحين لابن حبان، والكامل لابن عدي، وتاريخ بغداد للخطيب وغيرها وهذه المصادر مجرد العزو إليها مُعْلِمٌ بالضعف. ولذا جعل بعض أهل العلم العزو إلى مصادر معينة علامة الصحة أو الضعف قال السيوطيّ في مقدمة جمع الجوامع: ((جميع ما في الكتب الخمسة - خ م حب ك ض - صحيح فالعزو إليها معلم بالصحة سوى ما في المستدرك من المتعقب فأنبه عليه ... وكل ما عزى إلى عق عد خط كر أو للحكيم الترمذي في نوادر الأصول أو للحاكم في تاريخه أو لا بن الجارود في تاريخه أو للديلمي في مسند الفردوس فهو ضعيف فيستغنى بالعزو إليها أو إلى بعضها عن بيان ضعفه)) (¬1). ¬

(¬1) قواعد في علوم الحديث (ص 245).

وقال ابنُ رَجَب: ((مسند البزار ومعاجم الطبراني وأفراد الدارقطني وهي مجمع الغرائب والمناكير)) (¬1). وأنبه هنا أنّ مثل هذا الكلام لا يؤخذ قاعدة مطردة في كلّ كتاب فربما كان مؤلف الكتاب يشترط الصحة لكنه يذكر أحاديث ضعيفة إمّا للتنبيه على ضعفها كما يفعل ابن خزيمة وغيرهُ، أو لعدم التنبه لعلةٍ تقدح في صحة الحديث أوغير ذلك من الأسباب التي تعرف من خلال الدراسة الدقيقة لمنهج المؤلف. وكذلك فيمن يذكر الأحاديث الضعيفة في كتابه ربما ذَكَر حديثاً صحيحاً لمناسبة تقتضيه كما يفعل العقيلي، وابن عدي (¬2)، والجورقاني في كتابه" الأباطيل والمناكير" - وله منهج خاص في كتابه هذا (¬3) -. فلا بدّ من النظر في الحديث في الكتاب المعين وما أحتف به من قرائن مع معرفة منهج المؤلف وطريقته في كتابه ومن خلال هذا النظر يتبين مراد المؤلف من إخراج الحديث في كتابه. وأذكر مثالين على هذا مما مرَّ علىّ في هذا البحث: المثال الأوَّل: أنَّ أحمد بن حنبل أخرج رواية: ((درهم ربا يأكله الرجل، وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية)) في المسند (¬4) في "مسند عبد الله بن ¬

(¬1) شرح علل الترمذي (2/ 624). (¬2) انظر: ابن عدي ومنهجه في كتاب الكامل (1/ 200). (¬3) انظر: مقدمة كتاب الأباطيل والمناكير (1/ 77). (¬4) انظر: ص 129 من هذا البحث. قال شيخ الإسلام ابن تيميه في منهاج السنة (7/ 96): ((وليس كل ما رواه أحمد في المسند وغيره يكون حجة عنده بل يروي ما رواه أهل العلم، وشرطه في المسند أن لا يروي عن المعروف بالكذب عنده، وإن كان في ذلك ما هو ضعيف، وشرطه في المسند أمثل من شرط أبي داود في سننه ... ثم زاد ابنه عبد الله على مسند أحمد زيادات، وزاد أبوبكر فقطيعي زيادات وفي زيادات القطيعي أحاديث كثيرة موضوعة)).

حنظلة" قال: حدثنا حسين بن محمد قال: حَدَّثَنَا جرير بن حازم، عن أيوب، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((درهم ربا يأكله الرجل، وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية)). ثم أتبعه برواية الحديث موقوفاً على كعب الأحبار فقال: حدثنا وكيع قال: حَدَّثَنَا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبى ملكية، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب قال: ((لأن أزني ثلاثاً وثلاثين زنيةً أحبّ إلىّ مِنْ أنْ آكلَ دِرْهمَ ربا يعلمُ الله أني أكلته حين أكلتُهُ ربا)). قال المعلميّ: ((أشار إلى ذلك (¬1) الإمام أحمد إذ روى الخبر عن حسين ثم أعقبه بالرواية التي جعلته من قول كعب)) (¬2). وما قاله المعلمي بيّن فالأصل في "مسند عبد الله بن حنظلة" أن تذكر أحاديثه فقط، فَذِكْرُ الإمامِ أحمد لقول كعب في "مسند عبد الله بن حنظلة" لا بدّ فيه من نكتة وهي بيان غلط رواية من روي الحديث عن عبد الله بن حنظلة مرفوعاً. ¬

(¬1) إي إلى غلط هذه الرواية. (¬2) الفوائد المجموعة (ص 149).

المثال الثاني: أنّ الضياء المقدسي أخرج الحديثَ في كتابه "الأحاديث المختارة أو المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما" (¬1) في "مسند عبد الله بن حنظلة" (¬2)، ومن المعلوم عند المتخصصين أنّ الضياء في كتابه هذا التزم الصحة (¬3) غير أنّه ربما أورد بعض الأحاديث المروية بأسانيد جيدة لتعرف علتها، وقد نبه على ذلك في المقدمة فقال: ((فهذا أحاديث اخترتها مما ليس في البخاري ومسلم إلاّ أنني ربما ذكرتُ بعض ما أورده البخاريّ معلقاً، وربما ذكرت أحاديث بأسانيد جياد لها علةٌ، فنذكر بيان علتها حتى يُعْرَف ذلك)) (¬4). فربما اختطف باحثٌ حديثاً من المختارة، ولا ينظر في منهجية الضياء في هذا الحديث المعين فيتجوّز فيقول: صححه الضياء!. بينما لو رجعنا إلى كتاب الضياء لوجدناه أخرج الحديث ثم نَقَلَ كلامَ الحافظِ أبي القاسم البغويّ في إعلال هذا الحديث وترجيح وقف الحديث على التابعي كعب الأحبار، ولم يتعقب الضياءُ البغويَّ في هذا الإعلال والترجيح. ومما يؤكد هذا أنَّ من عادة الضياء تعقب المنتقد والمُعل عند عدم موافقته (¬5). ¬

(¬1) انظر كلام المحقق على عنوان الكتاب (1/ 60)، وما يهمنا أنّ ما وُجِدَ بخط المؤلف "الأحاديث المختارة"، والعنوان الآخر "المستخرج .. " بخط الحافظ محمد المقدسيّ ابن أخ الضياء، ولا منافاة بين العنوانين. (¬2) انظر: ص 129 من هذا البحث. قال شيخ الإسلام ابن تيميه في منهاج السنة (7/ 96): ((وليس كل ما رواه أحمد في المسند وغيره يكون حجة عنده بل يروي ما رواه أهل العلم، وشرطه في المسند أن لا يروي عن المعروف بالكذب عنده، وإن كان في ذلك ما هو ضعيف، وشرطه في المسند أمثل من شرط أبي داود في سننه ... ثم زاد ابنه عبد الله على مسند أحمد زيادات، وزاد أبوبكر فقطيعي زيادات وفي زيادات القطيعي أحاديث كثيرة موضوعة)). (¬3) فتح المغيث (1/ 43)، تدريب الراوي (1/ 144). (¬4) الأحاديث المختارة (1/ 69). (¬5) انظر: مقدمة المحقق (1/ 27)، وانظر أمثلةً من تعقبات الضياء لنقاد الحديث في أحكامهم على الأحاديث: (1/ 81، 141، 530، 3/ 97، 205، 334، 4/ 206، 5/ 120، 6/ 198، 292، 9/ 408) وغيرها كثير.

وقد نظرت في المصادر الأصلية التي روت أحاديث تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا فوجدتها على ثلاثة أقسام: القسم الأوَّل: مصادر روت الحديث أو بعض طرق الحديث لبيان ضعفه ونكارته، فمنهم من صرّح بضعفه، ومنهم من عُلم تضعيف له من خلال شرطه ومنهجه في كتابه، أومن خلال إشارته، ومن هذا القسم: - كتاب "المسند" لأحمد بن حنبل، وتقدم بيان ذلك. - كتاب "التاريخ الكبير" للبخاريّ (¬1). - كتاب " معجم الصحابة" لأبي القاسم للبغويّ (م 317) (¬2). - كتاب "الضعفاء الكبير" لأبي جعفر العقيليّ (م 223) (¬3). ¬

(¬1) انظر: ص 86، 125 من هذا البحث، قال المعلميُّ: ((وإخراج البخاريّ في التاريخ لا يفيد الخبر شيئاً، بل يضره، فإنّ من شأن البخاريّ أن لا يخرج الخبر في التاريخ إلاّ ليدل على وهن روايه)) - الفوائد المجموعة (ص 180 هامش). قلتُ: ويؤيد هذا - فيما يتعلق بحديث الربا هذا - أنّ العقيليّ لمّا نقل قول البخاريّ: ((عبد الله بن زياد ... - ثم ساق له حديث"الربا سبعون" ثم قال: - منكر الحديث)) قال العقيلي: ((وهذا الحديث حدثناه - ثم ساق الربا سبعون ..)) فبين أنّ الحديث الذي أراد البخاري إنكاره هو الذي ذكره في ترجمة عبد الله بن زياد، ولهذا نظائر تحتاج إلى تتبع ودارسة. (¬2) انظر: ص 124، 148 من هذا البحث، والبغوي من الأئمة الذين ينبغي الاعتناء بكلامهم على الأحاديث فقد شهد له إمام العلل الدارقطني بحسن الكلام على الأحاديث فقال ((كان أبو القاسم بن منيع قلما يتكلم على الحديث فإذا تكلم كان كلامه كالمسمار في الساج)) وقال: ((ثقةٌ، جبلٌ، إمامٌ من الأئمة ثبت، أقل المشايخ خطأ، وكان ابن صاعد أكثر حديثا من ابن منيع إلا إنّ كلام ابن منيع في الحديث أحسن من كلام ابن صاعد)) وتقدم هذا النقل ص 108، من هذا البحث. (¬3) انظر: ص 45، 86، 121، 125 من هذا البحث. قال ابن القطان: ((العقيلي إنما يترجم بأسماء الرجال، ويذكر في أبوابهم بعض ما ينكر عليهم من الأحاديث، أو كل ما رووا من ذلك، بحسب إقلالهم وإكثارهم، كما يفعل الساجيّ، وأبو أحمد وغيرهما)) بيان الوهم والأيهام (2/ 198). ومما أنبه عليه هنا أنّ اسم كتاب العقيلي الصحيح هو" كتاب الضعفاء، ومن نُسبَ إلى الكذب ووضع الحديث، ومن غَلَبَ على حديثه الوهم، ومن يُتهم في بعض حديثهِ، ومجهول روى ما لا يتابع عليه، وصاحب بدعة يغلو فيها ويدعو إليها، وإن كانت حاله في الحديث مستقيمة مؤلف على حروف المعجم" وقد نص المحقق - وفقه الله - على هذا فقال: ((واسم الكتاب حسب تسمية المصنف ...)).ثم ذكره، ولا أدري لِمَ لَمْ يثبته على غلاف الكتاب!.

- كتاب " علل الحديث" لابن أبي حاتم (م 327) (¬1). - كتاب "المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين " لأبي حاتم ابن حبان (م 354) (¬2). - كتاب "الكامل في ضعفاء الرجال " لأبي أحمد ابن عديّ (م 360) (¬3). - كتاب "السنن" للدارقطني (م 385) (¬4). ¬

(¬1) انظر: ص 50، 100، 126 من هذا البحث. (¬2) انظر: ص 55، 57 من هذا البحث، وتقدم تنصيص ابنِ حبان أنّه يورد في ترجمة الراوي من حديثه ما يستدل به على ضعفه فقال: ((ونذكر عند كل شيخٍ منهم من حديثه ما يستدل به على وهنه في روايته تلك)). (¬3) انظر الأحاديث التي أخرجها وكلامه عليها: ص 13، 55، 86، 87 من هذا البحث، وتقدم في (ص 19) قول ابن عدي في مقدمة كتابهِ: ((وذَاكرٌ لكل رجل منهم مما رواه ما يُضَعّف من أجله، أو يَلْحَقه بروايته له اسم الضعف؛ لحاجة الناس إليها))، وقول ابن حجر: ((من عادة ابن عدي في الكامل، أن يخرج الأحاديث التي أنكرت على الثقة، أو على غير الثقة)). (¬4) انظر: ص 124، 129، 148 من هذا البحث، ومما ينبغي التفطن له أنّ مقصد الدارقطني من تأليف سننه بيان غرائب وعلل أحاديث أحكام وقد نصّ على ذلك أبو علي الصدفي، وابن تيمية، وابن عبد الهادي، والزيلعي، وأكد ذلك - من خلال دراسةٍ عميقة بالأرقام - الباحث عبد الله الرحيلي في رسالته العلمية "الإمام الدارقطني وكتابه السنن"، انظر لما تقدم: "السنة النبوية وبيان مدلوها الشرعي، والتعريف بحال سنن الدارقطني" لأبي غدة (ص: 24 وما بعدها ..).

- كتاب" الأسامي والكنى" لأبي أحمد الحاكم الكبير (م 378) (¬1). القسم الثاني: مصادر روت الحديث أو بعض طرق الحديث لبيان قوته، ولم أقف في هذا القسم إلاّ على كتاب " المستدرك على الصحيحين" لأبي عبد الله الحاكم (م 403)، حيث قَالَ عن حديث عبد الله بن مسعود: ((هذا حَدِيث صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه)) (¬2). ولا يخفى على المتخصصين في الحديث أنّ الحاكم من كبار أئمة الحديث في زمانه، ولكنه في هذا الكتاب فقط (¬3) وقع منه تساهل شديد يتعجب منه الباحث، بل وأوهام شنيعة كتصحيح أسانيد على شرط الشيخين وفيها كَذَبةٌ - وبعضهم وصفه الحاكمُ نفسُهُ في كتبه الأخرى بالكذب -، واستدراك أحاديث على الشيخين أو أحدهما وهو مخرج بنفس الإسناد عندهما - أوصلها بعض الباحثين إلى مائتين - مما جعل ابن حجر يقول في تعقبها أحياناً: ((وَقَالَ - أي الحاكم -: صحيح على شرطهما، قلتُ: هذه مجازفةٌ قبيحةٌ، فإنَّ عمرو بن الحصين كذبوه)) (¬4)، ويقول في موضع آخر: ((وَقَالَ: صحيح الإسناد، كذا قَالَ! فزل زلة ¬

(¬1) انظر: ص 125 من هذا البحث. (¬2) انظر: ص 67 من هذا البحث. (¬3) قَالَ المعلمي: ((هذا وذكرهم للحاكم بالتساهل إنما يخصونه بالمستدرك فكتبه في الجرح والتعديل لم يغمزه أحد بشيء مما فيها أعلم)) التنكيل (1/ 561). قلتُ: وكتب الحاكم الأخرى - كمعرفة علوم الحديث، والمدخل إلى معرفة الصحيح، والمدخل إلى معرفة الإكليل، وتاريخ نيسابور، وسؤالات السجزي له، وسؤالاته للدارقطني - فيها من الدقة والتحرير ما يشهد بإمامة الحاكم وعلو كعبه، وتضع شكوكاً كبيرة حول ما وقع منه في المستدرك، وترجح ما قاله ابن حجر في سبب التساهل وكثرة الأوهام، والله أعلم. (¬4) اتحاف المهرة (7/ 189).

عظيمة، فإنّ خالد بن عمرو كذبوه)) (¬1). ويقول: ((حديث: من أصبح وهمه غير الله فليس من الله في شيء .. الحديث، الحاكم في الرقاق قَالَ: حَدّثنا عبد الباقي بن قانع الحافظ ببغداد قَالَ: حَدّثنا عبد الله بن أحمد بن الحسن المروزي قَالَ: حَدّثنا إسحاق بن بشر قَالَ: حَدّثنا مقاتل بن سليمان عن حماد عن إبراهيم عنه به، قلتُ: لم يتكلم عليه، وإسحاق ومقاتل متروكان، وما كنتُ أظن أن تبلغ به المجازفة فيه في الاستدراك على الصحيحين حتى يخرج عن مثل مقاتل)) (¬2). ولولا خشية الإطالة لذكرت عشرات بل مئات الأمثلة على ذلك (¬3)، وأحسن الأجوبة وأرجحها أنَّ الحاكم ألف المستدرك في آخر عمره، وكان يتكل على حفظه، قَالَ ابن حجر: ((أظنه في حال تصنيف المستدرك كان يتكل على حفظه، فلأجل هذا كثرت أوهامه)) (¬4). ومع اتكاله على الحفظ حصل عنده نوع من التغير يوضح ذلك قول ابن حجر: ((والحاكم أجل قدراً وأعظم خطراً وأكبر ذكرا من أن يذكر في الضعفاء، لكن قيل في الأعتذار عنه أنه عند تصنيفه للمستدرك كان في أواخر عمره، وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره، ويدل على ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب الضعفاء له وقطع بترك الرواية عنهم ومنع من الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصححها من ذلك أنه أخرج حديثا لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وكان ¬

(¬1) اتحاف المهرة (6/ 117). (¬2) اتحاف المهرة (10/ 338). (¬3) ومجرد جرد كتاب "اتحاف المهرة " لابن حجر كاف في بيان ذلك. (¬4) اتحاف المهرة (1/ 510).

قد ذكره في الضعفاء فَقَالَ: إنه روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أنَّ الحملَ فيها عليه، وَقَالَ في آخر الكتاب: فهؤلاء الذين ذكرتهم في هذا الكتاب ثبت عندي ضعفهم لأنني لا استحل الجرح إلا مبينا ولا أجيزه تقليدا والذي اختار لطالب العلم أن لا يكتب حديث هؤلاء أصلا)) (¬1). وقد أشار المعلمي إلى قريب من هذا فلا نطيل بذكره (¬2). القسم الثالث: مصادر روت الحديث من غير تقوية ومن غير تضعيف، وهي أنواع: 1 - كتب يغلب عليها قوة الأحاديث ولم أقف في هذا النوع إلاّ على كتاب "المنتقى في السنن" لابن الجارود (¬3). 2 - كتب يغلب عليها رواية الحديث الضعيف أو هي مظنة الحديث الضعيف بأنواعه، وتقدم قول ابن رجب: ((مسند البزار ومعاجم الطبراني وأفراد الدارقطني وهي مجمع الغرائب والمناكير)) (¬4)، ومن هذا النوع: كتاب " المسند "للحارث بن أبي أسامة، كتاب " الصمت وآداب اللسان" لابن أبي الدنيا، كتاب " المجالسة" للدينوري، "مُعجم الصحابةِ" ¬

(¬1) لسان الميزان (5/ 232). (¬2) التنكيل (1/ 561). (¬3) انظر: ص 87 من هذا البحث، قال الذهبيّ: ((ابن الجارود صاحب كتاب المنتقى في السنن مجلد واحد في الأحكام لا ينزل فيه عن رتبة الحسن أبدا إلا في النادر في أحاديث يختلف فيها اجتهاد النقاد)). سير أعلام النبلاء (14/ 239).وقد تتبعت عدداً من الأحاديث التي تُكُلم فيها في المنتقى لعلي أجد لابن الجارود منهجاً معيناً في إخراج مثل هذه الأحاديث فلم يتبين لي إلاّ أنّ أغلب هذه الأحاديث تكلم فيها من جهتين: من جهة العلة الخفية، ومن جهة الانقطاع، والله أعلم. (¬4) شرح علل الترمذي (2/ 624).

لابن قانع، المعاجم: الكبير، والأوسط، والصغير، وكتاب "مسند الشاميين" كلها للطبراني، كتاب "حلية و"تاريخ أصبهان"، و"معرفة الصحابة" كلها لأبي نعيم، كتاب " شُعب الإيمان " للبيهقي، كتاب " الترغيبِ والترهيبِ" للأصبهاني، كتاب " تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي، كتاب " ذم الكلام" للهروي. 2 - كتب تروي الحديث القوي والضعيف، ومن هذا النوع: كتاب " المصنف" لعبد الرزاق، كتاب "المسند، المصنف " لابن أبي شيبة، كتاب " الزهد" لهناد بن السري، كتاب " السنن " لابن ماجه، كتاب "الآحاد والمثاني" لابن أبي عاصم، كتاب " السنة" للمروزي، كتاب "المراسيل" لابن أبي حَاتم، كتاب " التفسير" للبغويّ. وأنبه أنّ كتاب الربا لمحمد بن أسلم السمرقندي - وهو ممن أخرج أحد طرق هذا الحديث - لم أقف له على ذكر (¬1). ¬

(¬1) انظر: ص 103 من هذا البحث.

المبحث الثاني خلاصة الكلام على الحديث

المبحثُ الثاني خُلاصةُ الكلامِ عَلى الحَدِيث وفيه مطالب المطلب الأوّل مَنْ قوّى الحديث - أو بعض طرقه - من العلماء، وأسباب ذلك أنبه هنا أنه تقدم في ثنايا البحث نقل أقوال القائلين بتقوية الحديث أو بعض طرقه عند كل طريق، وناقشتُ ما يحتاج للتعليق والمناقشة، والكلام هنا سيكون من باب الإجمال والتلخيص، وتلمس الأسباب العامة التي دعت لتقوية الحديث. وأبرزُ منْ قوى الحديثَ صراحةً ممن وقفتُ عليه - مرتبين حسب الوفاة (¬1): ¬

(¬1) ولم أذكر من قوى الحديث من المعاصرين - غير من سميت - لأنهم في الغالب يعولون على من تقدم، ولم يأتوا بجديد يمكن أن ينظر فيه.

1 - الحاكم (¬1). 2 - المنذريُّ (¬2). 3 - العراقيّ (¬3). 4 - ابن حجر (¬4). 5 - السخاوي (¬5). 6 - السيوطيّ (¬6). 7 - الزَّبيديّ (¬7). 8 - الألباني (¬8). ومجمل ما اعتمدوا عليه يرجع إلى أمرين: 1 - اعتماد ظواهر الأسانيد الجياد دون النظر إلى العلل الخفية القادح في هذه الأسانيد، وأقوى هذه الأسانيد إسنادان: - الأوَّل: طريق الحسين بن محمد قال: حَدَّثَنَا جرير بن حازم، عن أيوب، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((درهم ربا يأكله الرجل، وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية)). - الثاني: طريق محمد بن غالب، قَالَ: حَدَّثنَا عَمْرو بن علي، ¬

(¬1) انظر: ص 67 من هذا البحث. (¬2) انظر: ص 92، 125 من هذا البحث. (¬3) انظر: ص 85، 145 من هذا البحث. (¬4) انظر: ص 140 من هذا البحث. (¬5) انظر: ص 38، 145 من هذا البحث. (¬6) انظر: ص 85 من هذا البحث. (¬7) انظر: ص 20 من هذا البحث. (¬8) انظر: ص 145 من هذا البحث.

قَالَ: حَدَّثنَا ابن أبي عدي، قَالَ: حَدَّثنَا شُعْبَة بن الحجاج، عن زُبيد بن الحارث اليامي، عن إبراهيم النخعي، عن مسروق بن الأجدع، عن عبد الله بن مسعود، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((الرّبَا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجُل أمه، وإنّ أربى الرّبَا عرض الرجُل المسلم)). وكلا الإسنادين معلولٌ، وقد بينتُ ما فيهما من علل عند الكلام عليهما (¬1). 2 - الشواهد والمتابعات، ولا يخفى أنّ للتقوية بالشواهد والمتابعات شروط دقيقة عند المحدثين من أهمها (¬2): 1 - أن لا يكون الضعف شديداً بمعنى أن لا يكون في إسناده راو متهم، أو متروك، أو ضعيف ضعفاً شديداً. 2 - أن لا يكون الإسناد شاذاً، أومنكراً أو مضطرباً أو به علة خفية تقدح في صحته. 3 - توافق المتون. وجميع هذه الشروط لم تتوفر في حديثنا هذا كما تقدم بيانه في النقد التفصيلي للطرق. وقد انفرد الزَّبيديّ بتقوية حديث أنس بن مالك بسبب أنه اشتبه عليه راو متفق على ضعفه براو ثقة، فنتج عن ذلك الإشارة إلى قوة الحديث، ¬

(¬1) انظر الطريق الأوَّل: ص 129، والطريق الثاني: ص 67 من هذا البحث. (¬2) انظر بيان هذه الشروط: شرح علل الترمذي (2/ 606)، مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة (ص 77وما بعدها) تأليف د. المرتضى الزين أحمد، ط 1، 1415، مكتبة الرشد، الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات (ص 39 وما بعدها) تأليف: طارق عوض، ط 1، 1417، مكتبة ابن تيمية.

المطلب الثاني من ضعف الحديث من العلماء، وأسباب ذلك

وقد تقدمت مناقشة ذلك (¬1). المطلبُ الثاني مَنْ ضعف الحديثَ مِنْ العلماء، وأسبابُ ذلك تقدم في المطلب الأوَّل الإشارة إلى من ضعفه ممن رواه من أصحاب الكتب الأصلية فلا نعيد ما ذُكر، ولكن أضيف هنا عَالِمَينِ ممن ضعفَ الحديثَ مِنْ جميعِ طُرُقه: الأوّل: ابنُ الجوزي وقد أطال النّفس في بيان طرق الحديث ونقدها في كتاب "الموضوعات من الأحاديث المرفوعات" (¬2) وهو أوسعُ من تكلم على الحديثِ وطرقه مجتمعةً - حَسَب علمي -، وقد ضعف الحديثَ مِنْ وجهين: 1 - مِنْ جهة الإسناد فقد قال بعد روايته حديث أبي هريرة، وابن عباس، وأنس، وابن حنظلة، وعائشة: ((ليس في هذه الأحاديث شيء صحيح ...)) ثم بين ما فيها من علل. 2 - مِنْ جهةِ المتن فقال: ((واعلم أنّ مما يردّ صحة هذه الأحاديث، أنّ المعاصي إنما تُعلم مقاديرها بتأثيراتها، والزنى يُفسد الأنساب، ويصرف الميراث إلى غير مستحقه، ويؤثّر في القبائح ما لا يؤثره أكل لُقمة لا يتعدّى ارتكاب نهي، فلا وجه لصحة هذا)). وما قاله ابن الجوزي ظاهر ففي الزنا من فساد الدين والدنيا ما لا يعلمه إلاّ الله؛ وقد سماه الله - تعالى - فاحشة وساء سبيلا، ونهى عن الاقتراب منه كما قال - تعالى -: {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ¬

(¬1) انظر: ص 20 من هذا البحث. (¬2) (3/ 20 - 26).

المطلب الثالث مجمل الرأي الراجح، وخلاصة الكلام على الأحاديث

وَسَاءَ سَبِيلاً} (الإسراء: 32)، وحرمت الشريعة الطرق المفضية إليه، وسدت الذرائع الموصلة له، وفيه خيانة كبرى لزوج المزني بها ووالديها وأسرتها، ويؤدي إلى فساد الأخلاق وارتفاع الحياء، واختلاط الأنساب، وفشو الأمراض، وحصول الشكوك، وتبرؤ الزوج من نسبة ابن زوجته الزانية وملاعنتها على ذلك، وربما حصل عنده شك في أولاده من زوجته قبل زناها إلى غير ذلك من المفاسد العظيمة التي استوجبت أن يكون حد الزناة المحصنين الرجم بالحجارة حتى الموت، وحد غير المحصنين الجلد والتغريب، ورد شهادتهم ووصفهم بالفسق إلا أن يتوبوا، ومصيرهم في البرزخ إلى تنور مسجور تشوي فيه أجسادهم. فهل يعقل بعد ذلك أن يكون درهم واحد أعظم من ست وثلاثين زنية!، وأشدّ من ذلك نكارةً تعظيم الربا على الزنا بالأم. الثاني: المعلمي اليماني، فَقَالَ بعد نقده بعض طرق الحديثِ: ((والذي يظهر لي أنّ الخبر لا يصح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ألبته)) (¬1). المطلب الثالث مجملُ الرأي الراجح، وخلاصة الكلام على الأحاديث وأُجملُ الرأي الراجح، وخُلاصة الكلام على الأحاديث في نقاط: الأولى: لم يصح شيء مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا. ¬

(¬1) الفوائد المجموعة (ص 150 هامش).

الثانية: ثبت تعظيم الربا عن اثنين من مسلمة أهل الكتاب، بل ومن علمائهم وأحبارهم: - الأوَّل: الصحابي الجليل عبد الله بن سلام، فقد ثبت عنه من طريق: زيد بن أسلم عَنْ عطاء بن يسار عَنْ عبد الله بن سَلاَم أنه قَالَ: ((الرّبَا اثنان وسبعون حوبا، وأدنى فجرة مثل أن يقع الرجُل على أمه، أو مثل أن يضطجع الرجُل على أمه، وأكثر من ذلك أظن عرض الرجُل المسلم بغير حق)). - والثاني: التابعي الجليل كعب الأحبار، فقد ثبت عنه من طريق بكار اليمانيّ وعبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبى ملكية، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب قال: ((لأن أزني ثلاثا وثلاثين زنية أحب إلى من أن آكل درهم ربا يعلم الله أني أكلته حين أكلته ربا)).ولفظ ابن جريج عن ابن أبي مليكة: ((ربا درهم يأكله الإنسان في بطنه وهو يعلمه أعز عليه في الإثم يوم القيامة من ست وثلاثين زنية)). الثالثة: أنّ تعداد الربا صح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - بلفظ: ((الرّبَا بضع وسبعون باباً، والشرك نحو ذلك)). الرابعة: أنّ ضعف أحَاديث تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا ناشيء من جهتين: 1 - من جهة الإسناد فجميع الطرق تدور على المتروكين، والوضّاعين، ومن ضعفه شديد، وفيها طرق معلولة وغرائب تستنكر، وجميعها لا تصلح للشواهد والمتابعات. 2 - من جهة المتن وقد تقدم تقريره في كلام ابن الجوزي قريباً.

المبحث الثالث نكتة علمية في تلمس سبب ورود تعظيم الربا على الزنا عن اثنين من مسلمة أهل الكتاب وأحبارهم

المبحث الثالث نكتةٌ علمية (¬1) في تَلَمُسِ سبب ورود تَعْظيمِ الرّبا على الزنا عن اثنين من مسلمة أهل الكتاب وأحبارهم. مما يلفت النظر أنَّ تَعْظيمِ الرّبا على الزنا ثبت عن اثنين من مسلمة أهل الكتاب، بل ومن علمائهم وأحبارهم: - الأوَّل: الصحابي الجليل عبد الله بن سلام وهو "أعلمُ اليهود في وقت النبي - صلى الله عليه وسلم - وابنُ أعلمهم، وخيرُهُم وابنُ خيرهم" كما قالت اليهود لمّا سألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه (¬2). - والثاني: التابعي الجليل كعب الأحبار. فما هو السر في ذلك؟ أقول: مَنْ تدبر حديثَ القرآن الكريم عن بني إسرائيل وَجَدَ أنّ هناك آياً كثيرة تبين أنّ بني إسرائيل لهم ولعٌ عجيب بالمال وأخذه، والتكالب على جمعه بشتى الوسائل ولو انتهكوا في سبيل ذلك جميع المحرمات، بل ¬

(¬1) ترددت في إثبات هذا المبحث فمرةً أحذفه، ومرةً أثبته، لأني لم أر من تكلم عن هذا المعنى ثم استخرتُ الله في إثباته طمعاً في الاستفادة من مداخلات أهل العلم والفضل، فما كان من صواب فمن الله وحده، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان. (¬2) أخرجه: البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم (6/ 362 رقم 3329).

وفيهم ومنهم من يزعم أنّ الدين يأمر بأكل أموال من غيرهم الناس ولو بالباطل، ولذا كان من صفاتهم العريقة التي بينها القرآن: البخل والتواصي به والأمر والحث عليه، وأكل السحت والمسارعة إليه، والجشع والشح، وعدم الإنفاق في الخير. فلمّا كان بنو إسرائيل على هذه الطريقة فشا فيهم الربا بل وأصبح الربا متأصلاً في نفوسهم، بخلاف الزنا فلم يكن فاشياً كفشو الربا، لأنه كان مستقراً عندهم شدة قبح الزنا وكثرة مفاسدة. فلمّا كان الأمر كذلك كان من المناسب تَعْظيمِ خطورة الرّبا على الزنا، والتشديد عليهم فيه، وبيان قبحه وشدة خطره، وكثرة مفاسده. وفي مقابل ما تقدم - من بيان القرآن الكريم لولع بني إسرائيل بالمال - لا تجد في حديث القرآن عن بني إسرائيل ذكر للزنا اللهم إلاّ من باب النصوص العامة التي تبين أنهم يواقعون المحرمات والفواحش ولا ينتهون عن منكر فعلوه. وإليكَ جانباً من هذه الآيات يبين هذا المعنى: قال تعالى {فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} (النساء: 160، 161). قال سيد قطب: ((وأخذهم الربا - لا عن جهل ولا عن قلة تنبيه - فقد نهوا عنه فأصروا عليه! وأكلهم أموال الناس بالباطل. بالربا وبغيره من الوسائل)) (¬1). ¬

(¬1) في ظلال القرآن (2/ 803).

وقال تعالى {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (المائدة: 42). قال ابن عطية: ((أكالون للسحت فعالون مبالغة بناء أي يتكرر أكلهم له ويكثر)) (¬1). وقال تعالى {وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (المائدة: 62، 63، 64). قال سيد قطب: ((والمسارعة مفاعلة تصور القوم كأنما يتسابقون تسابقا في الإثم والعدوان، وأكل الحرام. وهي صورة ترسم للتبشيع والتشنيع، ولكنها تصور حالة من حالات النفوس والجماعات حين يستشري فيها الفساد؛ وتسقط القيم؛ ويسيطر الشر .. وإن الإنسان لينظر إلى المجتمعات التي انتهت إلى مثل هذه الحال، فيرى كأنما كل من فيها يتسابقون إلى الشر .. إلى الإثم والعدوان، قويهم وضعيفهم سواء .. فالإثم والعدوان - في المجتمعات الهابطة الفاسدة - لا يقتصران على الأقوياء؛ بل يرتكبهما كذلك الضعفاء .. فحتى هؤلاء ينساقون في تيار الإثم. وحتى هؤلاء يملكون الاعتداء؛ إنهم لا يملكون الاعتداء على ¬

(¬1) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/ 193).

الأقوياء طبعا. ولكن يعتدي بعضهم على بعض. ويعتدون على حرمات الله. لأنها هي التي تكون في المجتمعات الفاسدة الحمى المستباح الذي لا حارس له من حاكم ولا محكوم؛ فالإثم والعدوان طابع المجتمع حين يفسد؛ والمسارعة فيهما عمل هذه المجتمعات!. وكذلك كان مجتمع يهود في تلك الأيام .. وكذلك أكلهم للحرام .. فأكل الحرام كذلك سمة يهود في كل آن!)) (¬1). فليراجع بقية كلام سيد على هذه الآيات ففيه لمحات رائعة جداً عن هذا المعنى. وقال تعالى {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَامَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَامَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران: 75). وقال تعالى {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} (النساء: 37). وقال تعالى {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (الحديد: 24). وكذلك أنت واجدٌ المعنى المتقدم - من بخل وجشع بني إسرائيل وحبهم للمال وتكالبهم عليه بشتى الوسائل ولو انتهكوا في سبيل ذلك جميع المحرمات - في السنة الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد عُني بجمع الأحاديث في هذا الدكتور: عبد الله الشقاري في كتابه "اليهود في ¬

(¬1) في ظلال القرآن (2/ 928).

السنة المطهرة" (¬1)، فلا نطيل بذكرها (¬2). ولا يبعد أن يكون تَعْظيمِ الرّبا على الزنا من الأصار والأغلال التي كانت على بني إسرائيل قال تعالى {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (الأعراف: 157) (¬3). وعلى ما تقدم - من ضعف جميع الأحاديث الواردة في هذا الباب - أرى أنه لا ينبغي أبداً التكلف بتقرير تَعْظيمِ الرّبا على الزنا، فالآيات الكريمة، والسنة الصحيحة موضحةٌ أنّ الزنا أشدّ خطراً وأعظم مفسدة من الربا، وتقدم تقرير هذا في المطلب الثالث من المبحث الأول من هذا الفصل. ¬

(¬1) انظر: (2/ 485، 487، 536)، والكتاب طبع عام1417، عن دار طيبة - الرياض -، وهو في الأصل رسالة علمية - ماجستير - قدمت لجامعة الإمام محمد بن سعود. (¬2) والحق أنّ الاسترسال في تحقيق هذا المعنى يحتاج لدراسة موضوعية خاصة في القرآن الكريم، والسنة الصحيحة عن بني إسرائيل ووَلَعهم بالمال. (¬3) ولا أخفي أني - من باب البحث العلمي - بحثت في التوراة الموجودة من خلال بعض المواقع على الشبكة العالمية عن هذا المعنى وهو تَعْظيمِ الرّبا على الزنا في شريعة بني إسرائيل فلم أجد، وهذا لا ينفي هذا المعنى لأنَّ التوراة الموجودة محرفة ومبدلة وكثير من نسخها فقدت.

الخاتمة

الخاتمة: وتتضمن أبرز النتائج والتوصيات، وهي: - ضعفُ الحديث من جميع طرقه، وعدمُ صلاحية جميع الطرق للشواهد والمتابعات، وتقدم بيان أسباب ذلك إجمالاً وتفصيلاً. - أنَّ تَعْظيمِ الرّبا على الزنا ثابت عن اثنين من مسلمة أهل الكتاب، بل ومن علمائهم وأحبارهم: الأوَّل: الصحابي الجليل عبد الله بن سلام، والثاني: التابعي الجليل كعب الأحبار، والسر في ذلك - والله أعلم - أنّ بني إسرائيل فشا فيهم الربا بل وأصبح الربا متأصلاً في نفوسهم، بخلاف الزنا فلم يكن فاشياً كفشو الربا، فكان من المناسب تَعْظيمِ خطورة الرّبا على الزنا - بالنسبة لحالهم وواقعهم - وبيان قبحه وشدة خطره، وكثرة مفاسده. - أنّ غالبَ من نقد الحديث وأعله من متقدمي المحدثين وكبارهم، وغالب من صحح الحديث من المتأخرين والمعاصرين. - أنَّ الناظر في كلام أئمة العللِ ونقدهم للأحاديث والآثار ليندهش ويطول عجبهُ من دقة التعليل وبراعة النقد، وقد قال البيهقيُّ عن حديث ابن مسعود: ((هذا إسناد صحيح، والمتن منكر بهذا الإسناد، ولا أعلمه إلاّ وهماً، وكأنه دخل لبعض رواة الإسناد في إسناده)). - أنَّ المنهج النقدي عند أئمة العللِ شامل للأسانيد والمتون، لا

كما زعم المستشرقون ومن قلدهم من جهلة المسلمين أنّ المحدثين لم يلتفتوا لنقد المتون. - وعلى ما تقدم - من ضعف جميع الأحاديث الواردة في هذا الباب - أرى أنه لا ينبغي أبداً التكلف بتقرير تَعْظيمِ الرّبا على الزنا، فالآيات الكريمة، والسنة الصحيحة موضحةٌ أنّ الزنا أشدّ خطراً وأعظم مفسدة من الربا، فتبقى نكارة المتن قائمة. التوصيات: هذه بعض التوصيات التي لمستُ أهميتها أثناء كتابة البحث فمن ذلك: - ضرورةُ العنايةِ بعلم علل الحديث بالنسبة للمشتغلين بالحديث وعلومه، ووضعُ مقرر خاص لطلبة الدراسات العليا في هذا الفن والبحث فيه نظرياً وعملياً، فكثير من الخلل الواقع في كلام المعاصرين على الأحاديث نتيجة للقصور في علم العلل وعدم التفطن لدقائقه، وهذا من أكبر أسباب التنافر والاختلاف في الحكم على الأحاديث بين المعاصرين وكبار النقاد. - أنّ على الباحثِ عند دراسة راوٍ مختلف فيه - وربما كان تحرير الكلام على هذا الراوي يترتب عليه أحكاما عملية هامة كقوة رواية أوضعفها ونحو ذلك - أن لا يكتفي بالرجوع إلى المختصرات بل لا بدَّ من الرجوع إلى المصادر الأصلية المتقدمة من تواريخ وسؤالات وعلل وغيرها وكلما كان البحث أخطر كان الرجوع إلى هذه المصادر ألزم وأوجب، فربما تقع على نصٍ لا تجده في المختصرات أو الكتب

المتأخرة (¬1). - العناية بتحليلِ المصادر الأصلية عند أيّ بحثٍ يراد منه دراسة نقدية لحديثٍ ما لما في ذلك من فوائد علمية ومنهجية؛ منها: أنّ للمصادر أثراً كبيراً في معرفة درجة الحديث والطمأنينة إليه، ومنها معرفة مناهج العلماء في كتبهم، ومقاصدهم في التصنيف، ومنها معرفة جوانب الدقة في الترتيب والتقديم والتأخير، ومنها معرفة قيمة الكتاب العلمية ومن المعلوم أنَّ الحديث إذا لم يكن في المصادر المشهورة ودواوين الإسلام فإنه يرتاب فيه، قال السيوطي: ((وقال ابن الجوزي: ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يباين المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع، قال: ومعنى مناقضته للأصول أن يكون خارجاً عن دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة)) (¬2). - التنبه للتصحيفات والتحريفات التي تقع في الكتب؛ والتي ربما ينبني عليها أمور علمية (¬3). ¬

(¬1) ص: 69، 130 من هذا البحث. (¬2) تدريب الراوي (1/ 277). (¬3) ص: 23، 26، 27، 26، 41، 35، 49، 53، 77، 100 من هذا البحث.

قائمة المصادر والمراجع

قائمة المصادر والمراجع • إتحاف الخيرة المهرة بأطراف المسانيد العشرة. أحمد البوصيري (ت 842 هـ)، تحقيق: عادل سعد، والسيد محمود، الطبعة الأولى، 1419 هـ، مكتبة الرشد. • إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة. أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ)، تحقيق: عدد من الباحثين في مركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالمدينة النبوية، ط 1. • الأجوبة المرضية فيما سُئل عنه السخاوي من الأحاديث النبوية. محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902 هـ)، تحقيق د. محمد إسحاق، الطبعة الأولى، 1418 هـ، دار الراية - الرياض -. • الأحاديث المختارة. ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (ت 643 هـ)، دراسة وتحقيق: عبد الملك بن دهيش، الطبعة الأولى، 1410 هـ، مكتبة النهضة الحديثة - مكة المكرمة - • الإرشاد في معرفة علماء الحديث. الخليل بن عبد الله القزويني (ت 446 هـ)، تحقيق د. محمد سعيد إدريس، الطبعة الأولى، 1409 هـ، مكتبة الرشد • أطراف الغرائب والأفراد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم للإمام الدارقطني. محمد بن القيسراني (ت 507 هـ)، تحقيق: نصار، ويوسف، الطبعة الأولى، 1419 هـ، دار الكتب العلمية. • الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمتعربين والمستشرقين. خير الدين الزركلي، الطبعة السابعة، 1986 م، دار العلم للملايين - بيروت -. • الأفراد. (ضمن مجموع فيه من مصنفات ابن شاهين).تحقيق: بدر البدر. الطبعة الأولى، 1415 هـ دار ابن الأثير. • ألفية السيوطي في علوم الحديث. شرح: أحمد شاكر، الطبعة الثانية، 1409 هـ، مكتبة ابن تيمية - مصر -.

• الإمام في معرفة أحاديث الأحكام. تقي الدين ابن دقيق العيد (ت 702 هـ)، تحقيق: سعد الحميد، الطبعة الأولى، 1420 هـ، دار المحقق - الرياض -. • الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة: للمعلمي. 1403. ط عالم الكتب. • بيان الوهم والإيهام: لابن القطان الفاسي، تحقيق: د. الحسين آيت سعيد. دار طيبة، الطبعة الأولى 1418 هـ. • تاريخ بغداد. الخطيب البغدادي أحمد بن علي (ت 463 هـ)، نشر دار الكتاب العربي - بيروت -. • تاريخ الدارمي = ينظر: تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي. • تاريخ دمشق = انظر: تاريخ مدينة دمشق. • تاريخ الدوري عن ابن معين (يحيى بن معين وكتابه التاريخ).تحقيق د. أحمد نور سيف، الطبعة الأولى، 1399 هـ، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز. • تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن أبي زكريا يحيى بن معين في تجريح الرواة وتعديلهم. تحقيق د. أحمد محمد نور سيف، دار المأمون للتراث - دمشق -. • تاريخ مدينة دمشق: لأبي القاسم علي بن الحسين ابن عساكر: تحقيق عمر بن غرامة العمروي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى (1415 هـ) (1 - 47). • تاريخ مولد العلماء ووفياتهم. محمد بن عبد الله بن زبر الربعي (ت 379 هـ)، تحقيق د. عبد الله بن أحمد الحمد، الطبعة الأولى، 1411 هـ، دار العاصمة - الرياض -. • التحبير في المعجم الكبير. عبد الكريم بن محمد السمعاني (ت 562 هـ)،تحقيق: منيرة سالم. • تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (للعراقي، وابن السبكي، والزبيدي).استخراج: محمود حداد، الطبعة الأولى، 1408 هـ، دار العاصمة - الرياض -. • تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي. جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ)، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة الرياض الحديثة - الرياض -. • تذكرة الحفاظ. محمد بن أحمد الذهبي (ت 748 هـ)، دار إحياء التراث العلمي.

• تعريف أهل التقديس بمراتب الموصفين بالتدليس. أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ)، تحقيق د. أحمد المباركي، الطبعة الأولى، 1413 هـ. • تغليق التعليق على صحيح البخاري. أحمد بن علي بن حجر، تحقيق: سعيد بن عبد الرحمن القزقي، الطبعة الأولى، 1405 هـ، المكتب الإسلامي - عمان -. • التفسير. أبومحمد الحسين بن مسعود البغوي (ت 516 هـ)، تحقيق: خالد العك، ومروان سوار، الطبعة الثانية 1407 هـ، دار المعرفة. • تقريب التهذيب. أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ)، تحقيق: محمد عوامة، الطبعة الرابعة، 1412 هـ، دار الرشيد - حلب -. • التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل. عبد الرحمن المعلمي (ت 1386)، تحقيق: الألباني، الطبعة الثانية، 1406 هـ، مكتبة المعارف - الرياض -. • تهذيب الأسماء واللغات. تأليف: محي الدين بن شرف النووي (676 هـ)، الطبعة الأولى، 1996، دار الفكر - بيروت -. • تهذيب التهذيب. لابن حجر (ت 852 هـ)، الطبعة الأولى، 1404، دار الفكر - بيروت -. • تهذيب الكمال في أسماء الرجال. يوسف المزي (ت 742 هـ)، تحقيق د. بشار عواد، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة - بيروت -. • الثقات. محمد بن حبان البستي (ت 354 هـ)، الطبعة الأولى، 1393 هـ، مجلس دائرة المعارف - الهند -. • جامع التحصيل في أحكام المراسيل: لصلاح الدين أبي سعيد خليل بن كيكلدي العلائي. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. الطبعة الثانية (1407 هـ). عالم الكتب. مكتبة النهضة الحديثة • الجامع الصحيح. البخاري. تحقيق د. مصطفى ديب البغا، الطبعة الثالثة، 1407 هـ، دار ابن كثير - بيروت -. • الجامع الصحيح. مسلم بن الحجاج القشيري (ت 261 هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الطبعة الأولى، 1374 هـ، المكتبة الإسلامية - تركيا -. • الجرح والتعديل. ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد (ت 327 هـ) تحقيق: عبد الرحمن المعلمي، الطبعة الأولى، 1371 هـ، مجلس دائرة المعارف - الهند -.

• حجة الوداع لابن حزم (458)، تحقيق: أبو صهيب الكرمي، الطبعة الأولى، 1998 م، بيت الأفكار الدولية. • الجواهر المضية في طبقات الحنفية: لعبد القادر بن محمد القرشي. تحقيق: محمد الحلو. ط 1 (1408)، مؤسسة الرسالة. • الترغيب والترهيب. إسماعيل الأصبهاني (ت 535 هـ)، تحقيق: ايمن شعبان، الطبعة الأولى، 1414 هـ، دار الحديث - القاهرة -. • الترغيب والترهيب للمنذري. تحقيق. إبراهيم شمس الدين، الطبعة الأولى، 1417 هـ، دار الكتب العلمية. • ذم الكلام وأهله. أبو إسماعيل الهروي (ت 481 هـ)، تحقيق: عبد الله الأنصاري، الطبعة الأولى، 1419 هـ، مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة -. • الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم. محمد بن أحمد الذهبي (ت 748 هـ)، تحقيق: محمد الموصلي، الطبعة الأولى، 1412 هـ، دار البشائر الإسلامية. • أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية، مع تحقيق كتابه الضعفاء وأجوبته على أسئلة البرذعي. • دراسة وتحقيق د. سعدي الهاشمي، الطبعة الثانية، 1409 هـ، دار الوفاء للطباعة - مصر -. • الزهد. لهناد بن السري (ت 243 هـ)، تحقيق: عبد الرحمن الفريوائي، الطبعة الأولى، 1406 هـ، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي - الكويت -. • سؤالات البرذعي = انظر: أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية. • سؤالات البرقاني للدارقطني. تحقيق د. عبد الرحيم القشقري، الطبعة الأولى، 1404 هـ، باكستان. • سؤالات أبي بكر الأثرم أبا عبد الله أحمد بن حنبل تحقيق: خير الله الشريف، الطبعة الأولى، 1422 هـ، دار العاصمة. • سؤالات ابن الجنيد لأبي زكريا يحيى بن معين. تحقيق د. أحمد نور سيف، الطبعة الأولى، 1408 هـ، مكتبة الدار - المدينة المنورة -. • سؤالات الحاكم النيسابوري للدارقطني في الجرح والتعديل. تحقيق: موفق عبد القادر، الطبعة الأولى، 1404 هـ، مكتبة المعارف - الرياض -. • سؤالات حمزة بن يوسف السهمي للدارقطني وغيره من المشايخ في الجَرْح والتَّعديل. دراسة وتحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، الطبعة الأولى، 1404 هـ، مكتبة المعارف - الرياض -.

• سؤالات أبي داود للإمام أحمد بن حنبل. دراسة وتحقيق د. زياد بن منصور، الطبعة الأولى، 1414 هـ، مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة -. • سؤالات أبي عبد الله بن بكير وغيره لأبي الحسن الدارقطني. تحقيق: علي حسن عبد الحميد، الطبعة الأولى، 1408 هـ، دار عمار - الأردن -. • سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني في الجرح والتعديل. دارسة وتحقيق: محمد بن علي العمري، الطبعة الأولى، 1403 هـ، الجامعة الإسلامية، المجلس العلمي، إحياء التراث الإسلامي. • سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني في الجَرْح والتَّعديل. دراسة وتحقيق: موفق عبد القادر، الطبعة الأولى، 1404 هـ، نشر مكتبة المعارف - الرياض -. • سؤالات مسعود بن علي السجزي: للحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري. تحقيق: الدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر. الطبعة الأولى (1408 هـ). دار الغرب الإسلامي • سلسلة الأحاديث الصحيحة (المجلد الثالث)، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية، 1407 هـ. (الرابع) الدار السلفية، الكويت، والمكتبة الإسلامية، عمان، الطبعة الأولى، 1403 هـ. • سير أعلام النبلاء. محمد بن أحمد الذهبي (ت 748 هـ)، تحقيق: شعيب الأرناؤط وجماعة، الطبعة الرابعة، مؤسسة الرسالة • السنة. أحمد بن محمد الخلال (ت 311) تحقيق د. عطية الزهراني، الطبعة الأولى، 1415 هـ، دار الراية - الرياض -. • السنة. عبد الله بن الإمام أحمد (ت 290) تحقيق د. محمد القحطاني، الطبعة الأولى، 1406 هـ، دار ابن القيم • السنة. محمد بن نصر المروزي (ت 295 هـ)، تحقيق د: عبد الله البصيري، الطبعة الأولى، 1422 هـ، دار العاصمة ـ الرياض • سنن ابن ماجه. محمد بن يزيد القزويني (ت 275 هـ)، تعليق: محمد فؤاد عبد الباقي. • شرح ألفية السيوطي = انظر: ألفية السيوطي. • شرح علل الترمذي. عبد الرحمن بن رجب (ت 795 هـ)، تحقيق: همام سعيد، الطبعة الأولى، 1407 هـ، مكتبة المنار - الأردن -.

• شعب الإيمان. أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 هـ)، تعليق: محمد زغلول، الطبعة الأولى، 1410 هـ، دار الكتب العلمية - بيروت -. • الصمت وآداب اللسان. ابن أبي الدنيا (ت 282 هـ)، تحقيق: الحويني، الطبعة الأولى، 1410 هـ، دار الكتاب العربي. • الضعفاء الكبير. محمد بن عمرو العقيلي (ت 323 هـ)، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، الطبعة الأولى 1404 هـ، دار الكتب العلمية • الضّوء اللاَّمع لأهل القرن التّاسع. للسّخاوي، الناشر دار مكتبة الحياة، بيروت • الطبقات الكبرى. تأليف: محمد بن سعد (ت 230 هـ)، دار صادر، بيروت. • الطبقات الكبرى - القسم المتمم لتابعي أهل المدينة ومن بعدهم -. تحقيق د. زياد منصور، الطبعة الثانية، 1408 هـ، مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة -. • علل الترمذي الكبير. محمد بن عيسى الترمذي (ت 279 هـ)، ترتيب: أبي طالب القاضي، تحقيق: السامرائي والنوري والصعيدي، الطبعة الأولى، 1409 هـ، عالم الكتب. • علل الحديث. لابن أبي حاتم (ت 327 هـ) تعليق: محب الدين الخطيب، دار المعرفة - بيروت -. • ورسائل علمية - دكتوراه - تحقيق: عبد الله التويجري، وناصر العبد الله، ومحمد التركي. • العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد بن محمد بن حنبل. تحقيق د. وصي الله بن محمد عباس، الطبعة الأولى، 1408 هـ، المكتب الإسلامي - بيروت -. • عمدة القاري. بدر العيني (ت 855 هـ)، دار إحياء التراث - بيروت -. • غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1400 هـ. • فتح الباري بشرح صحيح البخاري. أحمد بن علي ابن حجر (ت 852 هـ)، تعليق: محب الدين الخطيب، الطبعة الأولى، 1379 هـ، دار المعرفة - بيروت -. • فتح المغيث شرح ألفية الحديث. محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902 هـ)، تحقيق: علي حسين علي، الطبعة الثانية، 1412 هـ، دار الإمام الطبري.

• الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة. محمد بن علي الشوكاني (ت 1250 هـ)، تحقيق: عبد الرحمن المعلمي، الطبعة الثانية، 1392 هـ، المكتب الإسلامي. • في ظلال القرآن. سيد قطب. الطبعة العاشرة، 1402، دار الشروق - بيروت -. • قواعد في علوم الحديث. ظفر أحمد العثماني التهانوي (ت 1394 هـ)، تحقيق: عبد الفتاح أبوغدة، الطبعة الخامسة، 1404 هـ، مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب -. • القند في ذكر علماء سمرقند. النسفي عمر بن محمد (ت 537 هـ)، تحقيق: نظر الفاريابي، الطبعة الأولى، 1412 هـ، مكتبة الكوثر - الرياض -. • القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد. ابن حجر، (ت 852 هـ)، الطبعة الأولى، 1401 هـ، مكتبة ابن تيمية. • لسان الميزان. لابن حجر (ت 852 هـ)، الطبعة الثالثة، 1406 هـ، الطبعة مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت -. • الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة: لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي: قدم له وعلق عليه محمد عوامة، وخرج نصوصه أحمد نمر الخطيب. الطبعة الأولى (1413 هـ). دار القبلة - مؤسسة علوم القرآن • الكامل في ضعفاء الرجال. عبد الله بن عدي (ت 365 هـ)، تحقيق: يحيى غزاوي، الطبعة الثالثة، سنة 1409 هـ، دار الفكر - بيروت -. • الكفاية في علم الرواية. الخطيب البغدادي أحمد بن علي (ت 463 هـ)، الطبعة الأولى، 409 هـ، دار الكتب العلمية - بيروت -. • الكنى والأسماء. أبو بشر محمد بن أحمد الدولابي (ت 310 هـ)، الطبعة الأولى، المكتبة الأثرية - باكستان -. • المجالسة وجواهر العلم. أحمد بن مروان الدينوري (ت 333 هـ)، تحقيق: مشهور حسن علي، الطبعة الأولى، 1419 هـ، دار ابن حزم. • المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين. محمد بن حبان البستي (ت 354 هـ)، تحقيق: محمود زايد، الطبعة الثانية، 1402 هـ، دار الوعي - حلب -. • مجلة البحث العلمي والتراث الإسلامي. جامعة الملك عبد العزيز، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، العدد الثاني 1399 هـ.

• مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 806)، الطبعة الثانية، 1402 هـ، دار الكتب العلمية - بيروت -. • مجموعة رسائل في علوم الحديث. الخطيب البغدادي أحمد بن علي (ت 463 هـ)، تعليق: نصر أبو عطايا ود. الندوي، الطبعة الأولى، 1413 هـ، دار الكتب العلمية - بيروت -. • المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. ابن عطية (عبد الحق بن غالب)، تحقيق المجلس العلمي بفاس، المغرب، طبع وزارة الأوقاف، والشؤون الإسلامية، بالمغرب. • المراسيل. ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد (ت 327 هـ)، عناية: شكر الله بن نعمة الله قوجاني، الطبعة الأولى، 1397 هـ، مؤسسة الرسالة - بيروت -. • المستدرك على الصحيحين. أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم (ت 405 هـ)، دار الباز - مكة المكرمة. • مسند الشاميين. سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360 هـ)، تحقيق: حمدي السلفي، الطبعة الأولى، 1409 هـ، مؤسسة الرسالة - بيروت -. • مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه. للبوصيري، تحقيق: الكشناوي، الطبعة الأولى، 1403، دار العربية. • المصنف. تأليف: عبد الله بن محمد ابن أبي شيبة (ت 235 هـ)، تحقيق: عامر الأعظمي، الدارالسلفية - الهند -. • المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية. ابن حجر، تحقيق عدد من المحققين، الطبعة الأولى، 1419 هـ، دار العاصمة. • المعجم الأوسط. تأليف: سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360 هـ)، تحقيق د. محمود الطحان، الطبعة الأولى، 1405 هـ، مكتبةالمعارف - الرياض -. • المعجم الكبير. تأليف: سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360 هـ)، تحقيق: حمدي السلفي، مكتبة ابن تيمية - القاهرة -. • المعجم المشتمل على ذكر أسماء الشيوخ الأئمة النبل. أبي القاسم علي بن الحسن بن عساكر (ت 571 هـ)، تحقيق: سكينة الشهابي، الطبعة الأولى، 1400 هـ، دار الفكر - دمشق -. • معرفة الثقات. أحمد بن عبد الله العجلي (ت 261 هـ)، تحقيق: عبد العظيم البستوي، الطبعة الأولى، 1405 هـ، مكتبة الدار - المدينة المنورة -.

• معرفة الرجال عن يحيى بن معين. رواية: أحمد بن محمد بن محرز، تحقيق: محمد القصار ومحمد الحافظ وغزوة بدر، الطبعة الأولى، 1405 هـ، مجمع اللغة العربية - دمشق -. • معرفة علوم حديث. أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم (ت 405 هـ)، تعليق د. معظم حسين، الطبعة الثالثة، 1401 هـ، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - الهند -. • المعرفة والتاريخ. يعقوب بن سفيان الفسوي (ت 277 هـ)، تحقيق د. أكرم العمري، الطبعة الأولى، 1410 هـ، مكتبة الدار، - المدينة المنورة -. • المغني في الضعفاء. محمد بن أحمد الذهبي (ت 748 هـ)، تحقيق د. نور الدين عتر. • مقدمة فتح الباري. ابن حجر (ت 852 هـ)، تعليق: محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية. • من كلام أبي زكريا يحي بن معين في الرجال - رواية الدقاق (ت 284 هـ) -.تحقيق د. أحمد محمد نور سيف، دار المأمون للتراث - دمشق -. • من كلام أبي عبد الله أحمد بن حنبل في علل الحديث ومعرفة الرجال مما رواه المروذي، والميموني، صالح بن أحمد بن حنبل، تحقيق صبحي السامرائي، الطبعة الأولى، 1409 هـ، دار المعرفة - الرياض - • المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أبو محمد عبد الله بن علي ابن الجارود (ت 307 هـ)، الطبعة الأولى، 1403 هـ، حديث اكادمي - باكستان -. • منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية. أحمد بن عبد الحليم ابن تيميه (ت 728 هـ)، تحقيق د. محمد رشاد سالم، الطبعة الأولى، 1406 هـ، مطابع جامعة الإمام. • الموضوعات. عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (ت 597 هـ)، تحقيق: د. نور الدين شكري، الطبعة الأولى، 1419 هـ، مكتبة أضواء السلف - الرياض -. • ميزان الاعتدال في نقد الرجال. الذهبيّ، تحقيق: علي معوض، وعادل أحمد، الطبعة الأولى، 1995 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. • النكت على كتاب ابن الصلاح. ابن حجر، (ت 852 هـ)، تحقيق د. ربيع مدخلي، الطبعة الثانية، 1408 هـ، دار الراية - الرياض -. • هدي الساري = انظر: مقدمة فتح الباري.

§1/1