أجوبة التسولي عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد

التُّسُولي

أجوِبَة التُّسُولي عنْ مَسَائِل الأمير عبد القادر في الجهاد دراسة وتحقيق عبد اللطيف أحمد الشيخ محمد صالح دار الغرب الإسلامي

1996 دار الغرب الإسلامى الطبعة الأولى ____ رقم 293/ 1000/ 7/ 1996 ____ التنضيد واليباعة: دار صادر، ص. ب. 10 - بيروت ____ دار الغرب الإسلامى ص. ب. 5787 - 113 بيروت جميع الحقوق محفوظة. لا يسمح بإعادة إصدار الكتاب أو تخزينه في نطاق إستعادة المعلومات أو نقله بأي شكل كان أو بواسطة وسائل إلكترونية أو كهروستاتية، أو أشرطة ممغنطة، أو وسائل ميكانيكية، أو الاستنساخ الفوتوغرافى، أو التسجيل وغيره دون إذن خطي من الناشر.

أجوِبَة التُّسُولي عنْ مَسَائِل الأمير عبد القادر في الجهاد

فهرس الموضوعات

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدّنا محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن اهتدى بهديهم من العلماء والعاملين. وبعد: فإنّ الجهاد في سبيل الله بشتّى أنواعه ووسائله، ذروة سنام الإسلام، وناشر لوائه، وحامي حماه، بل لا قيام لهذا الدين في الأرض بدون الجهاد في سبيل الله، فهو من خصائص هذا الدين وأركانه، ومن أحبّ الأعمال تقرباً إلى الله تبارك وتعالى. قال عزّ وجلّ: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَؤ كَرِة الْمُشْرِكُونَ} 1. وقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} 2. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِةادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» 3. وقال الإمام التُّسولي: (الدين كجسم، والجهاد منه بمنزلة الرأسِ في الأجساد) 4. فالمجاهدون في سبيل الله هم صفوة الخلق، وسادتهم، والناصحون لهم،

_ 1 - سورة التوبة / آية: 33، وسورة الصف / آية: 9. 2 - سورة الأنفال / آية: 39. 3 - أخرجه أحمد في "مسنده ": 5/ 231، عن معاذ بن جبل. 4 - أنظر القسم التحقيقي: 361.

باعوا نفوسهم وأموالهم لله، ورغبوا في عاجل لقاه، لينالوا الحياة الآجلة الأبدية التي لا يصطفي الله لها من خلقه إلاّ خيارهم الذين يتّخذهم شهداء. والشهادة في سبيل الله هي التجارة الرابحة التي تتضاءل أمامها كل أنواع التجارات، قال تعالى-: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا ةلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَفيرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِةا الْأَنْةارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَؤزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَةا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} 1. ولقد علم السلف الصالح منزلة الجهاد في سبيل الله، فجاهدوا في سبيله طمعاً في الوصول إلى أعلى المراتب عنده، حتى كان أحدهم يرمي التمرات من يده مسرعاً إلى الله بنفسه. فأنالهم الله من النصر والعزّ والتمكين ما سادوا به العالم، فما بقي في أغلب الأرض إلاّ مسلم أو خاضع لحكم الإسلام. ولكن الخلف أخذ يبتعد عن دين الله، ويفرط في الدعوة إلى الله شيئاً فشيئاً، ويقعد عن الجهاد في سبيل الله قليلاً قليلاً حتى أضاع الأمانة التي حملها، ففقد العزّة التي كانت تصاحبها، فعاد الكفر يصول ويجول، وعاد الإسلام غريياً كما بدأ. فأصبح المسلمون- مع كثرتهم- غثاء كغثاء السيل، نزع الله المهابة من قلوب أعدائهم ووضعها في قلوبهم 2. ولكن الأمّة لم تخل من أئمّة يضيئون للناس الدرب، ويدفعون بهم إلى التمسّك بهذا الدين والدعوة إليه وجهاد أعدائه، متّخذين من كتاب الله وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ما يعطي الناس التصوّر الصحيح لهذا الدين وللجهاد في سبيل إعلائه.

_ 1 - سورة الصف/ الآيات: من 10 - 13. 2 - أنظر: عبد الله القادري- الجهاد في سبيل الله: 1/ 13.

وقد كان من بينهم العلماء الذين بذلوا أنفسهم في الدفاع عن عقيدتهم وأوطانهم وألّفوا في ذلك المؤلفات الجمّة في القديم والحديث، لبيان خطر العدوّ الداهم، وما ينجز عن خذلان المسلمين وتقاعسهم لإعلاء كلمة الله وصدّ كيد أعدائه. ورغبة منى في الإسهام في بثّ روح الجهاد في المسلمين، أحببت أن يكون موضوع أطروحتي لنيل دكتوراه الحلقة الثالثة في الجهاد، فبذلت قصارى جهدي في البحث والتنقيب في تراثنا الفقهي علّني أجد ما يفي بهذه الرغبة، ويحقّق هذه الأمنية، فعثرت على كتاب ـ[أجوبة التُّسولي عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد]ـ ولرغبة داخلية للعمل في مجال التحقيق والبحث، إلى جانب تشجيع الأساتذة الأجلاّء الذين قمت باستشارتهم، اخترته موضوعاً لهذه الأطروحة، لعدّة أسباب: 1 - إنه يعتبر من نوادر كتب الجهاد الإسلامي، فقد تضمّن أحكاماً جهاديّة فقهيّة عالية، شملت جميع أنواع الجهاد النابعة من الوقائع التي حدثت في ذلك العصر الذي أَلّف فيه، فلم لكن مجرّد مُؤَلَّفٍ قام كاتبه بتصنيفه من وحي فكرة عارضة، وإنما هو رسالة جهادية نابعة من أحداثٍ عاصرت هذه الرسالة، وكانت مشابهة لكثير من أحداث عصرنا. 2 - وهو يصوّر الواقع السياسي والاجتماعي في المغرب العربي في تلك الفترة. 3 - كما أنّه وثيقة أصليّة في السعي الحثيث لإقامة وحدة المغرب العربي، وتوثيق الصلات والروابط والتعاون بين شعبه. 4 - وهو يعتبر مبدأ المراسلات بين الأمير عبد القادر الجزائريّ والمولى عبد الرحمن بن هشام للاستفتاء والتعاون في صدّ الخطر الداهم، باعتبار أنّه أوّل رسالة بينهما بعد احتلال الفرنسيين للجزائر، أراد بها الأمير عبد القادر أن يشعر المولى عبد الرحمن وينبهه بضرورة التعاون والتعاضد لطرد المستعمر الغاصب. 5 - أنّه أوّل مظهر من مظاهر يقظة المغرب الحديث في الناحية الجهاديّة.

6 - هذا إلى جانب غياب الكتب الجهاديّة عن الساحة الإسلامية مع أن المسلمين الأوائل خصّوه بالتأليف، كما هو ملاحظ في فهارس المخطوطات. ولهذه الأسباب شرح الله صدري لخوض عباب هذا العلم، فعزمت على تحقيق الكتاب، وخدمته، ودراسة نصوصه، متوكّلا على العليّ القدير. فقسمته إلى قسمين: أولاً: القسم الدراسيّ: وقد اشتمل على ثلاثة فصول: أمّا الفصل الأول: ترجمت فيه للإمام التُّسولي، فتناولت فيه: - عصره - حياته - مكانته العلميّة والجهاديّة - آثاره والفصل الثاني: خصّصته لحركة التأليف الجهاديّة في عصر التُّسولي، فتناولت فيه: - المؤلّفات الجهاديّة العامّة - المؤلّفات الخاصّة بتنطيم الجيش أمّا الفصل الثالث: جعلته للتعريف بكتاب ـ[أجوبة التُّسولي عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد]ـ، فتناولت فيه: - عنوان الكتاب وصحّة نسبته للمؤلّف - محتواه وأسلوبه - مصادره - أهمّيته وانتشاره - وصف النسخ - منهجي في التحقيق

ثانياً: القسم التحقيقي: تضمن النصّ الكامل لكتاب ـ[أجوبة التُسولي عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد]ـ محقّقاً ومخرجاً. وقد كان منهجى في القسم الدراسي جمع المادّة المتناثرة من مكانها، فقمت بتنسيقها وتبويبها وترتيبها، وألّفت منها ترجمة وافية لأبي الحسن التُّسولي، مبرزاً فيها نشأته العلميّة ومكانته الجهاديّة وشيوخه وآثاره. وأمّا سبيلي في القسم التحقيقى: فقد قمت بضبط نص الكتاب ضبطاً دقيقاً، وإخراجه بمقابلته على ثلاث نسخ خطّية، وأخرى طبعة حجرية، ووضعت أرقاماً لأوراق المخطوط، وقمت بتنظيم النص بما يعين على فهمه فهماً صحيحاً، كوضع النقط، والفواصل اللاّزمة، وإبراز الأقوال والنصوص. وخرّجت النصوص الفقهيّة بالرجوع إلى مصادرها الأصليّة التي اعتمد عليها المؤلّف، ونقل منها، والآيات القرآنية والأحاديث النبويّة- ولم أقتصر على الكتب الستّة فحسب بل توسّعت في ذلك- فإنْ كان النص مطابقاً عزوته لموضعه من غير تفصيل، وإنْ كان من طريق آخر بيّنت، وإنْ كانت ألفاظه فيها اختلاف يسير قلت: بمعناه أو بنحوه. وشرحت ما يحتاج إلى شرح وتوضيح ممّا يتعلّق باللّغة والفقه والمصطلحات العسكريّة، كما ترجمت لجميع الأعلام والبلدان والقبائل الواردين في الكتاب بالرجوع إلى كتب الرجال والتاريخ والبلدان، وضبطت ما يحتاج إلى ضبط أو توضيح. وفي ختام عملي وضعت ملحقين تتميماً للفائدة: إحداهما جعلته جواب التُّسولي المختصر عن مسائل الأمير عبد القادر الجزائري، وثانيهما: ما قيّده الإمام التُّسولي على فتوى علماء فاس ورد علماء الجزائر عليها. كما وضعت فهارس شاملة للكتاب من أجل التيسير على الباحث وإعانته في الوصول إلى بغيته. وقد تنوّعت المصادر التي اعتمدْتُها في العمل وهي ترجع أساساً إلى عدّة أنواع:

1 - المصادر التاريخيّة وكتب الرجال: ووجه الحاجة إليها يرجع إلى أنّ عملي تضمن ترجمة للإمام التُّسولي، وأخرى للأمير عبد القادر الجزائري، هذا إلى جانب اشتمال الكتاب على عدد كبير من الرجال، والعلماء والفقهاء البارزين. ومن أبرز هذه المصادر: ما هو متقدّم كطبقات ابن سعد (ت 230هـ)، وتاريخ بغداد للخطب البغدادي (ت 463هـ)، وترتيب المدارك للقاضي عياض (ت 544هـ)، والصلة لابن بشكوال (ت 578هـ)، وبغية الملتمس للضبى (ت 599هـ)، وأسد الغابة لابن الأثير (ت 630هـ)، وسير أعلام النبلاء للذهبي (ت 748هـ)، وميزان الاعتدال له، والبداية والنهاية لابن كثيّر (ت 774هـ)، والديباج المذهب لابن فرحون (ت 799هـ)، وغيرها. ومنها ما هو متأخر: كنيل الابتهاج للتنبكتي (ت 1036هـ)، ونفح الطيب للمقري (ت 1041هـ)، وكشف الظنون لحاجي خليفة (ت 1067هـ)، ونشر المثاني في أعيان القرن الحادي عشر والثاني للقادري (ت 1187هـ)، والتقاط الدرر له، والبدر الطالع للشوكاني (ت 1255هـ)، والاستقصا للسلاوي (ت 1315هـ)، والشرب المحتضر لجعفر الكتاني (ت 1323هـ)، وتحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر للأمير محمد بن القادر (ت 1331هـ)، وهدية العارفين للبغدادي (ت 1339هـ)، وسلوة الأنفاس لمحمد جعفر الكتاني (ت 1345هـ)، وشجرة النور الزكيّة للشيخ مخلوف (ت 1360هـ)، وفهرس الفهارس للكتاني (ت 1382هـ)، وغيرها. 2 - المصادر الفقهيّة 1: اعتمدْتُها في تخريج وتوثيق النصوص الفقهيّة والتعليق عليها وهى كثيرة، ومن أهمّها: الكافي في فروع المالكيّة لابن عبد البر يوسف بن عبد الله (ت 463هـ)، والبيان والتحصيل لابن رشد (ت 520هـ)، والمقدّمات، والفتاوى له- أيضاً-، ومختصر ابن الحاجب (ت 646هـ)، مخطوط، والقوانين الفقهيّة

_ 1 - ما قلت أنه مخطوط ذكرت مكانه ورقمه في الفهارس.

لابن جزي (ت 741هـ)، ومختصر الشيخ خليل (ت 803هـ)، وبعض شروحه، ((والتوضيح)) له- أيضاً- مخطوط، ومختصر ابن عرفة (ت 803هـ)، مخطوط، والشامل لبهرام (ت 805هـ)، مخطوط، ونوازل البرزلي (ت 844هـ)، مخطوط، والمعيار المعرب للونشريسي (ت 914هـ)، ورسالة الشيخ ميارة (ت 1072هـ) في قتال المحاربين المتعرّضين لقطع الطريق، مخطوط، وشرح نظم عمل فاس لأبي زيد محمد السجلاسي الرباطي (ت 1214هـ)، والمعيار الجديد للوزاني، وغير ذلك. 3 - المصادر الحديثيّة: اعتمدْتُها في تخريج النصوص والتعليق عليها، ومن أهمّها: الكتب الستّة وموطأ مالك ومسند الإمام أحمد وسنن الدارمي وغيرها. 4 - مصادر التفسير: اعتمدْتُها في توثيق النصوص والتعليق عليها، ومن أهمّها: المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزنر لابن عطيّة (ت 542هـ)، والكشاف للزمخشري (ت 538هـ)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (ت 671هـ)، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي (ت 685هـ)، والتحرير والتنوير للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور. وهناك مصادر أخرى اعتمدْتُها، منها ما يتعلّق بالسياسة الشرعيّة، ومنها ما يتعلّق بالمعاجم اللغويّة والمصطلحات العسكريّة، وكتب البلدان والقبائل. أمّا الفهارس فقد أفدْتُ من بعضها في تخريج نصوص الأحاديث، ومن البعض الآخر في تتبّع مصنفات الإمام التُّسولي وشيوخه وتلامذته، ومن أبرزها: المعجم المفهرس لألفاظ الحديث، والموسوعة الحديثيّة للشيخ حامد إبراهيم (مخطوط)، وفهارس دار الكتب الوطنيّة بتونس، وفهرس المكتبة الأزهريّة، والموسوعة المغربيّة لبنعبد الله. وغيرها. وبعد: فإنّني قد بذلت قصارى جهدي في إخراج هذا الكتاب، مستفرغاً طاقتي فيه تاركاً ما سواه من الأعباء حتى خرج على هذا الشكل- فمن رأي فيه

حسناً وتوفيقاً فمن الله، ومن رأي فيه تقصيراً فهو مني ومن الشيطان- فأحمد الله - تعالى- على ذلك وأسأله أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأنْ ينفعني به إلى يوم الدين، وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليماً كثيراً.

القسم الأول الدراسة

القسم الأول الدّراسة

الفصل الأول ترجمة الإمام التسولي

الفصل الأول ترجمة الإمام التُّسُوُلي "الإمام التُّسُوُلي" 1 إنّ الكلام عن هذا الإمام الفقيه يتطلّب دراسة شخصيّته من عدّة جوانب. ورغم قلّة المادة التي بحثته، فإنّني حاولت وبذلت قصارى جهدي لتوظيف كل كلمة ذكرتها كتب التراجم عن هذا الإمام. عصره عصر التُّسوُلي هو عصر الدولة العلويّة، وخاصة الفترة التي تولّى فيها المولى سليمان بن محمد 2، والمولى عبد الرحمن بن هشام 3.

_ 1 - مصادر ترجمته: السلاوي- الاستقصا: 9/ 46 - 47، جعفر الكتاني- الشرب المحتضر: 19، الأمير محمد- تحفة الزائر: 1/ 206، البغدادي- هدية العارفين: 1/ 775، محمد الكتاني- سلوة الأنفاس: 1/ 238، مخلوف- شجرة النور: 397، الحجوي- الفكر السامي: 4/ 132، الزركلي- الأعلام: 4/ 299، كحالة- معجم المؤلفين: 7/ 122، بن عبد الله- معلمة الفقه المالكي: 146، كنون- النبوغ المغربي: 1/ 312، المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث:1/ 27، التازي- جامع القرويين: 3/ 810، سركيس- معجم المطبوعات: 165، الفاضل ابن عاشور- من وثائق الوحدة ضمن مجلة الفكر، العدد السادس، مارس، سنة 1960م. [ص:541]. 2 - أبو الربيع سليمان بن محمد بن عبد الله الشريف العلوي: من سلاطين دولة الأشراف العلويّين في مراكش، بويع بفاس "سنة 1206هـ"، له حواشي وتعاليق على الموطأ، ومن كتبه: "عناية أولى المجد بذكر آل الفاسى ابن الجد" و"رسالة في الغناء"، مات سنة 1238هـ". أنظر: محمد الكتاني- سلوة الأنفاس: 2/ 10، مخلوف- شجرة النور: 380، الزركلي- الأعلام: 3/ 133 - 134، التازي- جامع القروينن: 3/ 808 - 809. 3 - عبد الرحمن بن هشام بن محمد الحسينى: من ملوك الدولة السجلماسية العلويّة في المغرب، =

أولا: الحياة السياسية

وسأتناول الكلام عن الناحية السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والعلميّة، في هذه الفترة التي عاش فيها هذا الإمام الفقيه 1. أولاً: الحياة السياسيّة: عاش التُّسولي رحمه الله في النصف الثاني من عهد الدولة العلويّة التي أسسها المولى محمد بن الشريف 2 رأس ملوكها. وذلك حينما قاوم، الشيخ محمد الحاج الدلائي 3 مؤسس الدولة الدلائية 4 ولكنّه لم ينل منها مآلاً إذ حصل الصلح بينه وبين

_ = ولاه عنه "سليمان بن محمد" ثغر "الصويرة" وأعمالها، فحسنت سيرته، ثم بويع بفاس بعد وفاة عمّه وأمر بإنشاء الأساطيل لحماية الشواطىء، وكان عادلاً، رفيقاً برعيته، كثير العناية بالجزائر، وكانت في أيدي الترك العثمانيّين. من آثاره: اصلاح ميناء "طنجة"، وبرجان عظيمان في "سلا" و"مساجد"، مات سنة 1276هـ"، "السلاوي- الاستقصا: 9/ 3 - 81"، "الزركلي- الأعلام: 3/ 341 ". محمد الأخضر- الحياة الأدبية في المغرب على عهد الدولة العلوية: 390. 1 - لم أقف على ولادته من أي مصدر، فهو كما يغلب على ظني في الفترة التي بين أواخر القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر. 2 - محمد بن محمد "الشريف" ابن علي بن يوسف الحسني السجلماسي مؤسس دولة الأشراف العلويّين كان أبوه أمير سجلماسة في أواخر أيام السعديّين واعتقله أبو حسن السملالي "صاحب درعة وسوس" في قلعة "بالسوس" فنهض صاحب الترجمة فاستمال إليه جمعاً من أهل سجلماسة فبايعوه سنة" 1050" وقاتل بهم السملالي فتغلب عليه واستولى على "درعة" وأعمالها ثم على فاس الجديدة والقديمة ثم "وجدة"، وأصابته رصاصة في نحره فقتلته سنة" 1075 هـ". أنظر "الزركلي- الأعلام: 7/ 63". 3 - الحاج الدلائي: الشيخ أبو عبد الله محمد "المرابط " بن محمد بن أبي بكر، الدلائي، ولد بالدلاء عام 1967، خلف أباه بعد وفاته في القيام بشؤون الزاوية الدلائية فسار على نهجه وحمدت سيرته، أخذ العلم عن أبيه وعلماء أجلّاء كثر، فنبغ في التفسير والحديث حتى كادت مجالسه العلمية تقتصر عليهما، من تآليفه "كتاب جمع فيه أربعين حديثاً نبويا"، وله أيضاً "مسائل مختلفة من أصول الفقه وفروعه". مات (سنة 1046هـ). أنظر: محمد حجّي- الزاوية الدلائية: 76 - 81. 4 - الدلائيّون، هم من قبيلة لمتونة الصنهاجيّة التي كانت تسكن بأقصى الصحراء المغربيّة، وفصيلتهم القربى هي بنو طالب، ويقال لهم بلسان البربر (آيت يتيدر) في عداد قبائل الأطلس المتوسط. أنظر: محمد حجّى- الزاوية الدلائيّة: 29.

أ - الصراع على الحكم وأثره في إضعاف الدولة

الرئيس الدلائي، على أن ما حاذى الصحراء إلى جبل عيّاش فهو للمولى محمد بن الشريف، وما دون تلك إلى ناحية الغرب فهو لأهل الدّلاء 1. ثمّ لما توفي المولى محمد بن الشريف وتولى أخوه المولى رشيد 2/ يرضَ بهذه القسمة، فتقدم واستولى على جلّ بلاد المغرب، فحارب الدلائيّين حتى هزمهم وصفا له ملك المغرب ولم يبق له منازع فيه، وذلك سنة (1079هـ / 1668م) 3. وقد بلي عصر العلويّين في الفترة التي عاشها الإمام التُّسولي بأحداث سياسيّة كان لها أثر في المجتمع المغربي، منها: أ - الصراع على الحكم وأثره في إضعاف الدولة: مرّ المغرب في تلك الحقبة من الزمن سلسلة من الصراعات الحاذة بين الحكّام على السلطة، فدارت معارك بين كل من المولى يزيد 4 والمولى هشام 5 الذي كان ينازع أخاه

_ 1 - أنظر: كنون- النبوغ المغربي:1/ 279. 2 - أبو العزّ المولى رشيد بن محمد الشريف بن علي الحسني العلويّ، من سلاطين الدولة العلويّة السجلماسيّة بالمغرب، ولد في تافيللت، بويع بالخلافة سنة (1075هـ)، بعد أن قاتل أخاه محمد فقتله، ثم زحف إلى فاس فامتلكها سنة (1076هـ) وهاجم "مراكش" فدخلها وأخضع "بلاد السوس". مات بمراكش سنة (1082هـ). أنظر: الزركلي- الأعلام: 3/ 25، التازي- جامع القرويّين: 3/ 793. 3 - أنظر: كنون- النبوغ المغربي:1/ 279. 4 - يزيد بن محمد بن بن عبد الله بن اسماعيل الحسني العلويّ من ملوك الأشراف السجلماسيين بالمغرب، كان من أنجب أبناء المولى محمد، يرشحه أبوه للخلافة، ويقدّمه على كبار اخوته، مات "بمراكش" ودفن بها سنة (1206هـ). أنظر: الزركلي- الأعلام: 8/ 187 - 188، محمد الأخضر- الحياة الأدبية في المغرب: 275. 5 - هشام بن محمد بن عبد الله بن اسماعيل الحسني، من أمراء الدولة السجلماسيّة العلويّة بالمغرب الأقصى، ثار على أخيه "المولى يزيد" وبايعته قبائل "الحوز" وأهل "مراكش" سنة (1206هـ)، وقتل أخوه في معركة بينهما، واستقر هشام في الحوز مدة، ثم اضطرب أمره فخرج إلى مراكش، فحدث بها وباء، فمات فيه سنة (1212هـ). أنظر: الزركلي- الأعلام: 8/ 88.

في ملك والدهما المولى محمد بن عبد الله 1 سنة (1204هـ/ 1789م) 2 وبين المولى سليمان وأخويه المولى مسلمة 3 في الشمال والمولى هشام- المتقدّم- في الجنوب 4. فقد كان المولى مسلمة- بعد أن بايع أهل فاس 5 ومكناسة 6 المولى سليمان بالسلطة (سنة 1206هـ/ 1792م) - يحث المنحرفين عن المولى سليمان على التمسّك بدعوته وعدم الدخول في بيعة أخيه 7.

_ 1 - محمد (المتوكّل على الله) بن عبد الله بن اسماعيل الحسني، من ملوك الدولة السجلماسيّة العلويّة بالمغرب فبويع بالامارة بعد وفاة أبيه سنة (1171هـ)، وقد ازدهر المغرب في أيامه، من كتبه "مساند الأئمة الأربعة" وغيرها. مات سنة 1204. أنظر: الحجوي- الفكر السامي: 4/ 126، الزركلي- الأعلام: 6/ 241 - 242. 2 - أنظر: محمد الأخضر- الحياة الأدبية في المغرب: 275. 3 - مسلمة بن محمد بن عبد الله السجلماسي- العلوي، كان مقيماً في بلاد "الهبط" فبايعه أهلها وبعض من أهل "رباط الفتح"، مات سنة (1240هـ). أنظر: الزركلي- الأعلام: 7/ 224. 4 - حيث بعث المولى سليمان جيوشه أواخر سنة (1207هـ) إلى قبائل الحوز، وقد كانوا متمسّكين بدعوة المولى هشام بن محمد وزحف هو إلى رباط الفتح فمحا آثار الفتنة التي نشأت بها. أنظر: السلاوي- الاستقصا: 8/ 94. 5 - فاس: مدينة مشهورة كبيرة على برّ المغرب من بلاد البربر، وهي: حاضرة البحر وأجلّ مدنه قبل أن تختط مراكش، فيها عيون كثيرة، قال أبو عبيد البكري: (مدينة فاس مدينتان مفترقتان مسورتان: عدوة القرويّين، وعدوة الأندلسيّين). أنظر: ياقوت الحموي- معجم البلدان: 4/ 230، والقلقشندي- صبح الأعشى: 5/ 153 - 157. 6 - مكناسة: بكسر أوله، مدينة بالمغرب قرب "مراكش" في بلاد البربر على البرّ الأعظم. أنظر: ياقوت الحموي- معجم البلدان: 5/ 181. 7 - من ذلك أنه بعث فرقة من الخيل إلى نظر القائد أبي عبد الله محمد الزعري إلى "رباط الفتح"، وذلك باستدعاء محتسبها أبي الفضل العباس مرينو، وأبي عبد الله محمد المكي بن العربي من أهلها المنحرفين عن المولى سليمان، ولما اتّصل بالمولى سليمان خبر مسير الزعري إلى "رباط الفتح"، عقد لأخيه المولى الطيب على بني حسن، وبعثه في اعتراضه، فتلاقى الجيشان برباط الفتح، وانهزم الزعري وشيعته. أنظر: السلاوي- الاستقصا: 8/ 90.

ودارت معارك بينهما آلت في النهاية إلى خذلان المولى مسلمة وضعفه وطرده إلى المشرق 1. قال السلاوي: (قال صاحب البستان: وهناك اجتمعت به- أي المولى مسلمة- في ضريح الشيخ "أبي مدين" 2 "بالعبّاد" 3 يعني حين قدم "تلمسان" 4 مفارقاً للسلطان المولى سليمان. وزعم أن المولى مسلمة لما اجتمع به لامه على تخذيل الناس عن بيعته، وحضه إيّاهم على بيعة أخيه المولى سليمان، قال: فبينت له حال المولى سليمان وما هو عليه من اتباع سيرة والده في العدل والرفق بالرعية، وبذلك أحبه الناس، فلما سمع كلامي بكى واعترف بالحق وتلا قوله تعالى: {وَلَؤ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَفيبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَفيرِ} 5.

_ 1 - أنظر المعركة التي دارت بين المولى سليمان وأخيه مسلمة في بلاد الحياتيّة في: السلاوي- الاستقصا: 8/ 91. 2 - هو أبو مدين شعيب بن الحسن الأندلسي التلمساني، صوفي، من مشاهيرهم أصله من الأندلس أقام بفاس، وسكن "بجاية" وكثر اتباعه حتى خافه السلطان "يعقوب المنصور"، من كتبه "مفاتيح الغيب لإزالة الريب"، و"ستر العيب". ذكر الزركلي: انه مخطوط في شستربتي "رقم 3259". مات بتلمسان سنة (594هـ)، أنظر: التنبكتي- نيل الابتهاج: 127، مخلوف- شجرة النور: 164، الزركلي- أعلام: 3/ 166. 3 - العباد: قرية في الجزائر بالقرب من تلمسان: أسسّ فيها ملوك تلمسان مدرسة لا تزال قائمة. أنظر: المنجد في الأعلام: 331. 4 - تلمسان: وبعضهم يقول تنمسان بالنون عوض اللام بالمغرب، وهما مدينتان متجاورتان مسورتان احداهما قديمة والأخرى حديثة، والحديثة اختطّها الملثمون ملوك المغرب، واسمها "تافرزت"، فيها يسكن الجند وأصحاب السلطان، وأصناف من الناس، واسم القديمة "أقادير" يسكنها الرعية. أنظر: ياقوت الحموي- معجم البلدان: 2/ 44. 5 - أنظر: السلاوي- الاسنقصا: 8/ 92. والآية من سورة الأعراف / 188، وتمامها: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَؤ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَفيبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَفيرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَؤمٍ يُؤْمِنُونَ}.

ب - الاضطرابات والفتن

ب - الاضطرابات والفتن: وقد تبع الصراع الحادّ بين الحكام على السلطة فتن واضطرابات بين القبائل في عهد المولى سليمان ومن أتى بعده، ومن أعظم هذه الفتن وأشدّها فتنة قبائل البربر 1، وكان ابتداؤها أولاً سنة (1226هـ) بين "آيت ادراسن" 2 و"كروان" وبين أعدائهم "آيت أومالو" 3 أهل "جبل فازاز" التي غدر فيها "آيت كروان" بإخوانهم "آيت ادراسن" وانحازوا إلى "آيت أومالو" فانهزمت "آيت ادراسن" ووضع "آيت أومالو" فيهم السيف ونهبوا خلّتهم بما فيها فقدموا إلى السلطان شاكين باكين. فأخذ السلطان المولى سليمان على عاتقه تأديبهم فقام اثر وصوله إلى "مراكش" 4 باستنفار قبائل الحوز كلها وقدم بهم إلى مكناسة، واستنفر قبائل المغرب من الاحلاف واستصحب معه البربر الذين هم في طاعته حتى لم يبقَ أحد بالمغرب، وخرج في هذا الجمع العظيم قاصداً "كروان" ولما وصل إلى الموضع المعروف "بأصروا" وبقي بينهم وبينه نصف مرحلة بحيث صار يرى محلتهم، بدا له فرجع يريد "آيت بوسي" فكان ذلك الرجوع سبب الخذلان ولما رأته عيون كروان راجعاً ظنّوا به جبناً فجرؤوا على الجيش وتبعوه من خلفه إلى أن خالطوا

_ 1 - البربر: هو اسم يشتمل على قبائل كثيرة في جبال المغرب، أولها "برقة" ثم إلى آخر المغرب والبحر المحيط، ومن الجنوب إلى بلاد السودان، وهم أمم وقبائل لا تحصى، ينسب كل موضع إلى القبيلة التي تنزله ويقال لمجموع بلادهم بلاد البربر. أنظر: ياقوت الحموي- معجم البلدان: 1/ 368. 2 - آيت أدراسن: "قبيلة من البربر كان قائدها هو أبو عزّة بن ناصر في عهد المولى سليمان بن محمد". أنظر: بن عبد الله- الموسوعة المغربية: 4/ 9. 3 - آيت أومالو: قبيلة من البربر من أهل فازاز بالمغرب. أنظر: السلاوي- الاستقصا: 8/ 115، بن عبد الله- الموسوعة المغربية: 4/ 171. 4 - مراكش: أعظم مدينة بالمغرب وأجلّها، وهي في البر الأعظم في وسط بلاد البربر، أول من اختطها "يوسف بن تاشفين" من الملثمين في حدود "سنة 470هـ". أنظر: ياقوت الحموي- معجم البلدان: 5: 5/ 94.

ج - القضاء على الأسطول المغربي

أخريات الناس فأوقعوا بهم وقتلوا ونهبوا 1. ولما كانت سنة "سبع وعشرين ومائتين وألف" (1227هـ) بلغ السلطان أن قبائل الريف صاروا يبيعون الزرع للنصارى ويسوقونه من بلادهم فأرسل من يؤدبهم 2. فأخذت الفتن تزداد في جلّ بلاد المغرب في أواخر عهد المولى سليمان وأوائل عهد المولى عبد الرحمن الذي كان رغم حنكته وسياسته وحبّه للمّ شمل المغرب العربي فقد بلي بهذه الاضطرابات بسبب اشتدادها في أواخر عهد المولى سليمان. فكان نتيجة الصراع على السلطة إلى جانب تفاقم الفتن والاضطرابات الأثر البالغ في زعزعة أركان الدولة العلويّة والحطّ من قوّتها وظهور ضعفها في الوقت الذي كانت فيه الدول المغربيّة تتطلّع إلى المدنيّة بشتّى وسائلها والعمل على وحدتها وتعاونها بقصد استعمار ما جاورها من البلاد الإسلامية. ج - القضاء على الأسطول المغربي: سعت الدول الأوروبية إثر المدنيّة التي ظهرت فيها بكل وسائلها المتاحة لها في القضاء على الأساطيل الإسلامية شرقاً وغرباً، ومن ذلك إغراق الأسطول العثماني العتيد سنة (1243هـ / 1827م) إبَّان ثورة اليونان على الدولة العلية 3. وقد كان من بين تلك الأساطيل الأسطول المغربي الذي كان ذا قوّة بحرية عالية ومكانة بارزة بين الأساطيل العربية، ولكنه كغيره من الأساطيل لم يسلم من وسائل التدمير التي كانت تستخدمها الدولا الأوروبية، مرّة باسم منع القرصنة، ومرّة بهجوم سافر عليها، ممّا اضطرّ بسبب ذلك المولى سليمان سنة (1233هـ/ 1817م) إلى حلّ الأسطول المغربي العتيد، ومنع رؤسائه من الجهاد

_ 1 - أنظر: السلاوي- الاسنقصا: 8/ 115 - 117. 2 - أنظر: الحروب التي دارت بينه وبينهم في السلاوي- الاستقصا: 8/ 127 - 128. 3 - أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 11 - 12.

في البحر، وتوزيع بعض قطعه على البلدان المجاورة للمغرب مثل الجزائر وطرابلس، والباقي أنزل منه المدافع وغيرها من آلات البحر، وأعرض عن أمر البحر رأساً، بعد أن كان الأسطول المغربي أكثر وأحسن من أساطيل الجزائر وتونس، وكل ذلك كان بسبب الضغط الذي كانت تمارسه بعض الدول الغربية بعد ظهور المدنيّة فيها 1. وممّا يكشف عن المؤامرة المدبّرة ضدّ الأسطول المغربي بالخصوص مأساة هذا الأسطول أيام السلطان المولى عبد الرحمن خلف المولى سليمان. فقد تجاهل السلطان عبد الرحمن المؤامرة المبيتة، وأصدر قراره عام (1243هـ/ 1827م) بإنشاء بعض المراكب البحرية لتضمّ لما كان قد بقي من عهد جدّه السلطان محمد بن عبد الله، وأذن لرؤساء البحر بالعدوتين في الخروج فيها، فخرج بعضهم 2، وغنموا بعض مراكب "النمسا" لما لم يكن معها رخصة العبور. ونتيجة لذلك تعرضت احدى موانىء المغرب لهجوم قطعة من الأسطول النمساوي، حيث ضرب عام (1245هـ/ 1829م) مرسى العرائش، وأنزل جنوده للبرّ لتحرق أسطول هذه المرسى، وعلى الرغم من صدّ المغاربة لهذا الهجوم بقوة، وطردهم للمهاجم، فقد تدخلت انجلترا مع المغرب حتى انتهى الأمر بما طالما تمنته هذه الدولة وأصدقاؤها من جعل حدّ لنشاط الأسطول المغربي 3. قال السلاوي- تعليقاً على هذه الواقعة-: (واعلم أن هذه الواقعة هي التي كانت سبباً في اعراض السلطان المولى عبد الرحمن عن الغزو في البحر، والاعتناء بشأنه .... فظهر له التوقف عن أمر البحر رعياً للمصلحة الوقتيّة، ولقلّة المنفعة

_ 1 - أنظر: نفس المصدر السابق: 1/ 10 - 11. 2 - قال السلاوي: (فخرج الرئيسان الحاج عبد الرحمن باركاش، والحاج عبد الرحمن بريطل). (الاستقصا: 9/ 25). 3 - أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث:1/ 13.

د - مأساة الجزائر وموقف المغرب منها

العائدة من غزو المراكب الإسلامية) 1. فاختفى الأسطول المغربي من الوجود وخاصة بعد موقعة "ايسلي" التي فرضت فيها فرنسا على المولى عبد الرحمن إلغاء هذا الأسطول. وهكذا نجحت المؤامرات الدنيئة في القضاء على قوة المغرب البحرية بعدما قضت وستقضي على قوات بحرية أخرى في مختلف بقاع العالم الإسلامى. ابتدىء بحلّ هذا الأسطول أيام المولى سليمان، ثم أجهز عليه نهائياً أيام السلطان المولى عبد الرحمن، الذي يرجع سببه أساساً إلى ظهور المدنيّة الغربية وعدم أخذ المغرب بأسبابها والصالح منها كما قال الشيخ المنوني: (إنه الشرارة الأولى من المدنية الغربية تطير على المغرب فتقضي على أسطوله، وفي الأمر- أيضاً- درس قاس للمغرب الذي لم يأخذ بالصالح من هذه الحضارة الغربية، لأن من طبيعة هذه المدنيّة أنّها تقضي على كل من لم يأخذ بأسبابها، سيّما من كان جاراً قريباً لها مثل المغرب) 2. د - مأساة الجزائر وموقف المغرب منها: كارثة أخرى بلي بها المغرب منشأها: هجوم فرنسا على الجزائر الشقيقة عام (1246هـ / 1830م)، وتدخل المغرب تدخلاً مسلحاً لنصرته دون جدوى عام (1260هـ / 1844م)، حيث ظهر الحاج الأمير عبد القادر بن محيي الدين 3 في

_ 1 - الاستقصا: 9/ 25 - 26. 2 - مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 15 - 16. 3 - الأمير عبد القادر بن محيي الدين، بن مصطفى، بن محمد، يصل نسبه إلى فاطمة الزهراء بنت محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولد في قرية "القيطنة" بالجزائر سنة (1222هـ) توفي بدمشق في قرية "دمر" سنة (1300هـ). وقد خصصّت له فصلاً مستقلاً في أصل هذه الرسالة، واستغنيت عنه لكثرة المؤلفات التي ألفت عن حياته وجهاده ضد الفرنسيّين. ومن مصادر ترجمته: محمد بن عبد القادر- تحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر. =

الجزائر الذي قاتل الفرنسيّين أشدّ قتال وقد كانت له صلة مع المولى عبد الرحمن ورسائل متبادلة 1، وكان المولى عبد الرحمن يمدّه بالخيل والسلاح والعتاد. وقد تأثر المغرب تأثراً كبيراً بهذه الكارثة، وتجلى ذلك من حيث موقفه اتجاه هذا الغزو، فرغم ما قام به المولى عبد الرحمن- في بداية الهجوم الفرنسي- في مدّ الجزائر بالسلاح والعتاد والجيوش إلاّ أن ذلك لم يدم بسبب الضعف والفوضى الذي اتّصف به الجيش المغربي في هذا العهد، بعدما كان الأوروبيون ينظرون له نظرة إعجاب يوم كان يحرّر الشواطىء المغربية فيغلبهم، وممّا كشف هذا الضعف وأظهره للملأ موقعة "ايسلي" التي انهزم فيها الجيش المغربي الذي بلغ ثلاثين ألف جندي، أمام الجيش الفرنسي الذي لم يكن يتعدّى ثمانية آلاف جندي 2.

_ = بو عزيز- الأمير عبد القادر رائد الكفاح الجزائري. مجلة الثقافة، العدد الخاص بالذكرى المئوية لوفاة الأمير عبد القادر، السنة الثالثة، عدد 75، سنة 1403هـ). أديب حرب- التاريخ العسكري والإداري للأمير عبد القادر. فؤاد صالح - الأمير عبد القادر الجزائري متصوفاً وشاعراً. تشرشل- حياة الأمير عبد القادر. محمد ناصر- منتخبات من شعر الأمير عبد القادر. صالح خرفي- في ذكرى الأمير، وغيرها. السلاوي- الاستقصا: 9/ 41. إحسان حقي- الجزائر العربية: 74. الأزهري- اليواقيت الثمينة: 1/ 216 - 218. البغدادي- ايضاح المكنون:1/ 326، 2/ 545. الجيلالي- تاريخ الجزائر العام: 4/ 59. الزركلي- الأعلام: 4/ 45 - 46. كحالة- معجم المؤلفين: 5/ 304. سركيس- معجم المطبوعات: 691 - 693. بطرس البستاني- دائرة المعارف: 616 - 620. 1 - كان من بين هذه الرسائل موضوع هذه الأطروحة. 2 - أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 16 - 17.

ومن أهمّ أسباب هذا التأخر الذي طرأ على الجيش المغربي، عدم أخذه بالأنظمة الحديثة التي كان خصمه متوفراً عليها، وكان هو على الضدّ من ذلك، حتى أنّ قائد الجيش الفرنسي "بيجو" لما أشرف على الجيش المغربي قال: (ليس هذا جنداً، إنّما هو غوغاء) من كثرة ما كان عليه من الفوضى والضعف 1. كما قال السلاوي في وصفه للحالة التي كان عليها الجيش المغربي-: (فالحاصل أن جيش مغربنا إذا حضروا القتال وكانوا على ظهور خيولهم فهم في تلك الحال مساوون في الاستبداد لأمير الجيش، لا يملك من أمرهم شيئاً، وانّما يقاتلون هداية من الله لهم، وحياء من الأمير، وقليل ما هم، وقد جربنا ذلك فصحّ، ففرّوا عن السلطان المولى سليمان في "وقعة ظيان" أولاً، وفي وقعة "الشراردة ثانياً"، وكان السلطان المولى عبد الرحمن أهيب في نفوسهم منه، فكانوا يلزمونه غرزه، لكنّه لما بعثهم إلى تلمسان فعلوا فعلتهم، وسلكوا عادتهم، ولما شهدوا مع الخليفة سيدي محمد بن عبد الرحمن وقعة "ايسلي" جاءوا بها شنعاء غريبة في القبح .... " 2. ومن خلال هذا النص يمكن أن ندرك مدى انحطاط الجيش المغربي من أيام المولى سليمان، وهو العهد الذي أخذت تتبدّل فيه أحوال المغرب نتيجة لتغيّر الأوضاع في أوروبا. فأصبح المغرب المنيع القوي- بعد احتلال الجزائر وضعفه عن نصرتها- يعيش تحت التهديد المستمر لاستقلاله، فمن مشاكل الحدود التي تثار في كل مناسبة، إلى اغتصاب لبعض أجزائه: من فرنسا تارة واسبانيا أخرى 3، إلى تدخلات لا حدّ لها في شؤون المغرب الداخلية، إلى إثارة قلاقل وخصوصاً

_ 1 - نظر نفس المصدر السابق: 1/ 17. 2 - أنظر الاستقصا: 9/ 97. 3 - من أمثلة هذا: استيلاء اسبانبا على الجزائر المغربية الثلاثة الواقعة على ساحل الأببض المتوسط، شرق مدينة مليلة، وهي المعروفة "بالجزر الجعفرية" وذلك عام (1266هـ/ 1848م). (المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 18).

ثانيا: الحياة الاجماعية والاقصادية

بالمغرب الشرقي، بل كاد المغرب يفقد استقلاله نهائياً عقب موقعة "ايسلي" 1. قال المنوني- وهو يصوّر الكارثة التي وقعت على المغرب-: (وإذا أردنا أن نستخلص مقدار ما أصاب البلاد في كارثة الجزائر وسابقتها، نجد المغرب أصبح فاقداً قوته البحرية، مضيعاً هيبة جيشه البري، مهدداً في استقلاله من طرف الجار الأوروبي القريب) 2. ثانياً: الحياة الاجماعية والاقصادية: الحياة الاجتماعية والاقتصادية في عصر الشيخ التُّسولي- رحمه الله- اتّسمت في بادىء الأمر وفي الأيام الأولى للسلطان المولى سليمان بالنماء والبركة والخير فعمّ العدل وانتشر، فحارب الظلم وأمر عمّاله برفعه عن الناس وردّ ما أخذوه منهم من غير بيّنة ولا دليل 3، ومن أجلّ الأعمال التي قام بها هذا السلطان هو إسقاط المكوس التي كانت موظفة على حواضر المغرب في الأبواب 4 والأسواق 5، وعلى السلع والغلل والجلد وغير ذلك. واكتفى بالزكاة والأعشار من القبائل وأموال التجارة، والعشر المأخوذ من تجار النصارى وأهل الذمة بالمراسي، ومنع المسلمين من التجارة بأرض العدوّ لئلاّ يؤدى ذلك إلى تعشير ما بأيديهم، فكانت القبائل في دولته قد تمولت ونمت مواشيها وكثرت الخيرات لديها من عدله وحسن سيرته، فصارت القبيلة التي كانت تعطى عشرة آلاف مثقال مضاربة أيام والده يستخرج منها زيادة على النصاب الشرعي عشرون وثلاثون ألف مثقال 6.

_ 1 - أنظر: المنوني- مظاهر بقظة المغرب الحديث: 1/ 17 - 18. 2 - نفس المصدر السابق: 1/ 18. 3 - أنظر السلاوي- الاستقصا: 8/ 171. 4 - مكس الأبواب: هو ما يفرض على أحمال الدواب من السلع التي تعبر أبواب المدينة. أنظر: بن عبد الله- معلمة الفقه المالكي: 319. 5 - مكس الأسواق: ضرائب تفرض على مبيعات مختلفة. أنظر نفس المصدر السابق: 319. 6 - أنظر: السلاوي- الاستقصا: 8/ 169، وبن عبد الله- معلمة الفقه المالكي: 317.

واستمرّ الحال على ذلك إلى أن ظهر الخطر الذي أصاب الاقتصاد المغربي في الصميم وهو ما وقع في أوروبا من اختراع للمناسج الميكانيكيّة التي تنسج بدون واسطة اليد، فقد أخذت منسوجات هذا الاختراع الجديد تدخل للمغرب في أواخر دولة السلطان المولى سليمان وعهد المولى عبد الرحمن، ثم تكاثرت مع مرّ الزمن حتى قضت على المناسج المغربية اليدوية، وقد استطاع الغربيون أن ينسجوا على غرار المنسوجات المغربية لما وقع بيد تجارهم بالمغرب، فبعثوه إلى بلادهم ونسجوا على منواله، فجاء أكثر جودة من المغربي وأخف، وأرخص ثمناً، وأقل تكلفة، فراج في مدن المغرب رواجاً كبيراً. وفي هذا الوقت أخذت صناعة القطن والكتان تضعف شيئاً فشيئاً، ويجلب من بلاد الافرنج ما يستغنى به عمّا يصنعه المغاربة ويزهد فيه، لرخص الافرنجي ولطافته، بعد ما كانت هذه الصناعة على غاية من الازدهار بالمغرب. وما أصاب هذه الصناعة أصاب باقي الصناعات المغربية الأخرى التي تقدّمت عند الغرب، وكان من نتيجة هذا الغزو الأوروبي للصناعات المغربية، أن افتقر أهلها وضعف حالهم، ونزل بالمغاربة ضرر كبير بدفع ما في أيديهم من النقود والاحتياج إلى الأجنبي في الملبوسات والمصنوعات 1. ففتحت أبواب مراكش للأوروبيين بعدما كانت مغلقة في وجوههم، فأخذوا يتسابقون لاكتساب النفوذ فيها، وكثر تردّدهم عليها بالتجارات أولاً، ثم بالمشروعات، الأمر الذي نشأت عنه عواقب وخيمة سياسياً واقتصادياً 2. وقد تبسط صاحب الاستقصا في شرح هذه العواقب الاقتصادية وقال: (وفي سنة احدى وستين ومائتين وألف أخذت السكة في الارتفاع ... ولما أخذت السكة في الارتفاع أخذت الأسعار في الارتفاع أيضاً، وحاول السلطان- رحمه الله- حصرها فلم تنحصر.

_ 1 - أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث:1/ 19 - 20. 2 - أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث:1/ 18.

ثالثا: الحياة العلمية

وعلّة ذلك- والله أعلم- أنه لما وقع مع الفرنسيين هذا الصلح 1 وأسقط السلطان عن الأجناس ما كانت تؤديه كثر تجارهم بمراسي المغرب، وازدادت مخالطهم وممازجتهم لأهله، وكثرت تجارتهم في السلع التي كانوا ممنوعين منها وانفتح لهم باب كان مسدوداً عليهم من قبل، فظهر أثر ذلك في السكة وفي السلع) 2. وهكذا يشرح صاحب الاستقصا الخطر الذي خيّم على الاقتصاد المغربي في هذا العهد، ويجعل ذلك نتيجة لانفتاح أبواب المغرب اثر وقعة ايسلي 3. ثالثاً: الحياة العلميّة: فترت الحركة العلميّة في المغرب بعد وفاة "المنصور الذهبي" 4 فتوراً كبيراً، وخرج كثير من العلماء فارّين بدينهم إلى البوادي عندما أراد السلطان المأمون بن المنصور 5 أن يوافقوه على احتلال العدوّ لمدينة العرائش 6 فكان لذلك تأثير سيء على الحركة العلميّة في المدن المغربية وخصوصاً "فاس" 7.

_ 1 - هو الصلح الواقع بعد معركة ايسلي التي دارت بين السلطان المولى عبد الرحمن وبين الفرنسيين. أنظر: السلاوي- الاستقصا: 9/ 53. 2 - أنظر: المصدر السابق: 9/ 54. 3 - أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 19. 4 - السلطان أحمد المنصور الشريف الملقب "بالذهبي": سادس ملوك الدولة السعدية، ولد (سنة 956هـ)، ومات بالطاعون في السادس عشر ربيع النبويّ (سنة 1012هـ) ودفن بفاس. أنظر: القادري- نشر المثاني:1/ 98 - 106، والتقاط الدرر: 41 - 42، الكتاني- سلوة الأنفاس: 3/ 226. 5 - السلطان محمد المأمون، ولد المنصور الذهبي- السابق- وهو أكبر أبناءه، ولاّه والده ولاية العهد، حيث أخذت له البيعة مرتين في سنة (987هـ) و (992هـ)، ثم عيّنه حاكما على فاس ومنطقة الغرب، دارت بينه وبين والده واخوته معارك دمويّة من أجل الحكم. إلى أن قتل في (سنة 1022هـ) بسبب اعطائه مدينة العرائش للنصارى. أنظر: التقاط الدرر: 64 - 65. 6 - العرائش: مدينة بالمغرب على الأطلسى، جنوب غربي طنجة، فتحها المولى اسماعيل، ثم صارت مركزاً للقرصنة. أنظر: المنجد في الاعلام: 342. 7 - أنظر: كنون- النبوغ المغربي:1/ 284.

ولكن ظهور الزاوية الدلائية في ذلك الحين كان له أثر كبير، فكأنّما بعثها الله لحفظ تراث العلوم والآداب الذي كاد أن يضيع، فصارت مركزاً مهما لنشر الثقافة العربية بين قبائل المغرب، فتخرج منها عدد لا يحصى من العلماء الفطاحل. ولما ظهرت الدولة العلويّة وفي عهد المولى رشيد قضى على الزاوية الدلائية، ولكنه لم يقل شأناً عن غيره في اهتمامه بالعلم- والعلماء فقام بنقل أهل العلم من رجالها مكرّمين إلى فاس حيث عكفوا على التعليم والتذكير من غير خوف ولا نكير وكان مجلسه لا يخلو من العلماء وأهل الخير والصلاح، فأنشأ مدرسة "الشراطين" 1 بفاس لدراسة العلم وسكنى طلابه 2. واستمرت الحياة العلمية مزدهرة في عهد المولى محمد بن عبد الله الذي كان دائم المعالجة للحالة العلمية والاستنهاض لهمم العلماء، كي يجاروا الزمن في تطوّره، فأراد أن يقضي على علم الفروع وعلم الكلام معا والاقتصار على كتب السنّة، وبالفعل فقد بعث بأوامره في هذا الصدد إلى كافة علماء المغرب، إلاّ أنّه لم يحرّم النظر في كتب الخلاف عموماً وإنّما أمر بالرجوع إلى الأمهات والاعتماد أساساً على كتاب الله وسنّة رسوله اللذين هما المرجع الأول والأخير لأحكام الشريعة 3. وفي سنة 1203هـ أصدر منشوراً بيّن فيه النظام الذي يجب اتّباعه وقسّمه إلى ثلاثة فصول، يتناول في الفصل الأول أحكام القضاة، والفصل الثاني في أئمة المساجد، والفصل الثالث في المدرسين في مساجد فاس. وبالتأمل في فصول هذا المنشور يظهر ما كان للمولى محمد بن عبد الله من النيّة

_ 1 - مدرسة الشراطين: مدرسة في مدينة فاس وهي محكمة البناء، جميلة الشكل أنيقة الوضع، وهي تتكوّن من ثلاثة طبقات وتشتمل على مالئتي واثنين وثلاثين بيتاً وقبّة للصلاة. أنظر: كنون- النبوغ المغربي:1/ 284. 2 - أنظر نفس المصدر السابق: 1/ 284. 3 - أنظر: كنون- النبوغ المغربي:1/ 285.

الصادقة الحسنة في إصلاح حالة التعليم 1. ولما تولّى المولى سليمان أبطل هذا المنشور لاختلاف وجهة نظره عمّا كان يراه والده واتبع منهجاً آخر فاهتمّ بالعلم والعلماء وخاصة التفسير، ورفع مناصبهم على سائر رجال دولته، وأجرى عليهم الأرزاق، حتى لقد تنافس الناس في أيامه في اقتناء العلوم وانتحال صناعتها لاعتزاز العلم وأهله في دولته وسعة أرزاقهم 2. وقد كان ممّا ساعد الحركة العلمية على الازدهار في عهذه تصديه لمناقشة العلماء في آرائهم بالمذاكرة تارة، وبالتأليف تارة أخرى 3. ثم عاد المولى عبد الرحمن بن هشام فجدّد المنشور الذي أبطله عمّه المولى سليمان فكان له تأثير ظاهر في إحياء كثير من العلوم الإسلامية 4. فاتجه إلى تنظيم التعليم وترتيب الدروس في جامع القرويين 5 بفاس، ولاسيّما بعد النشاط الملحوظ الذي عرفته زوايا القرويين أيام السلطان المولى سليمان. فوجّه خطاباً إلى شيخ القرويين في ذلك الوقت 6 في 12 محرّم 1261، ضمّنه خطّة للاصلاح الشامل لنظام التدريس، كما حثّ فيه الشيوخ واليلبة على الجدّ والتحصيل والإفادة حيث يقول في مقدمته: (وبعد، فلقد بلغنا توافر طلبة العلم على العادة، وجدّهم في الطلب، غير أنّه قلّ التحصيل والافادة،

_ 1 - أنظر نص هذا المنشور في كنون- النبوغ المغربي: 1/ 286 - 287. 2 - أنظر: السلاوي- الاستقصا: 8/ 170. 3 - أنظر: التازي- جامع القرويين: 3/ 725. 4 - أنظر: كنون- النبوغ المغربي: 1/ 288. 5 - جامع القرويين: جامع بفاس له شهرة علميّة كبيرة. أنظر: عبد الهادي التازي- جامع القرويين. 6 - هو عبد الهادي العلوي بن عبد الله العلويّ من أعيان القضاة الذين عرفتهم فاس في هذا العهد، كان بصيراً بالمذهب المالكي، ضابطاً لقواعده، عارفاً بصناعة الأحكام، جماعاً للدواوين، من كتبه "شرحه على تيسير الوصول إلى جامع الأصول" لابن البديع، مات سنة 1272هـ. أنظر: التازي- جامع القرويين: 3/ 811.

وذلك لمخالفة الفقهاء في اقرائهم عادة الشيوخ، واعراضهم عمّا ينتج التحصيل والرسوخ 1. وممّن نبغ في عصر الإمام التُّسولي واشتهر كثيرون لا يمكن حصرهم، وسأكتفي بذكر من كان له السبق والشهرة: ففي التفسير نبغ المفسر الكبير الشيخ الطيب بن كيران 2 وفي الحديث الحافظ أبو العلاء العراقي 3، وفي الفقه التاودي بن سودة 4 والرهوني 5 وحمدون بن الحاج

_ 1 - أنظر: نص الخطاب كاملاً: في "جامع القرويين" للتازي: 3/ 727 - 728. 2 - الشيخ أبو عبد الله الطيب بن عبد المجيد بن كيران الفاسي العلاّمة، المفسر الكبير، ولد سنة 1172هـ، كان يدرس التفسير بالقرويين. أخذ عن الشيخ التاودي والبناني وغيرهما، من كتبه "تفسير جليل" من سورة النساء إلى حم غافر، مات سنة 1227هـ. أنظر جعفر الكتاني - الشرب المحتضر: 68، وسلوة الأنفاس: 3/ 2، كنون- النبوغ المغربي: 1/ 304، التازي- جامع القرويين: 3/ 807، محمد الأخضر- الحياة الأدبية في المغرب: 345. 3 - أبو العلاء إدريس بن محمد بن إدريس بن حمدون الحسينى العراقي الفاسي، شهر هو وأهل بيته بالنسبة إلى العراق لقدوم سلفهم منه، كان حافظ المغرب في عصره، وحصل على رياسة الحديث فلم ينازع فيها، من كتبه "المستدرك على الجامع الكبير للسيوطى" فيه نحو العشرة آلاف حديث، مات "سنة 1183هـ". أنظر: مخلوف- شجرة النور: 356، كنون- النبوغ المغربي:1/ 302 - 303، التازي- جامع القرويين: 3/ 804. 4 - أبو عبد الله محمد التاودي بن محمد الطالب بن سودة المرّي، الإمام العالم العلاّمة، شيخ الجماعة بفاس، كان مقدّماً في كل العلوم لاسيّما التفسير والحديث والفقه والتصوّف والكلام والمنطق والأصول، أخذ عن جلّة من مشائخ عصره، من كتبه: "زاد المجد السارى- ط" و"تعليق على صحيح مسلم". مات (سنة 1209هـ). (مخلوف- شجرة النور: 372، الكتاني- فهرس الفهارس:1/ 185 - 190، الزركلي- الأعلام: 6/ 62، كنون- النبوغ المغربي: 1/ 303 - 304، محمد الأخضر- الحياة الأدبية في المغرب: 322. 5 - أبو عبد الله محمد بن أحمد يوسف الرهوني الوزّاني، الإمام العلاّمة الحافظ المتقن، اشتغل بقبيلته رهونة، ثم ذهب إلى فاس فدرس فيها الفقه على مشاهير رجالها. من كتبه "حاشيته المشهورة على البناني"، "مات سنة 1230هـ). أنظر: مخلوف- شجرة النور: 378، الزركلي- الأعلام: 6/ 17، كنون- النبوغ المغربي:1/ 305 - 306، التازي- جامع القرويين: 3/ 807، محمد الأخضر- الحياة الأدبية في المغرب: 348.

الذي هو من شيوخ التُّسولي 1، وغيرهم كثير 2. وفي اللغة والنحو: ابن الطيّب الشرقى 3 وابن بونة 4. أمّا غيرها من العلوم الأدبية، فإن التاريخ والجغرافية لم يكن حظهما من الانتشار بأقل من أي علم آخر، فالكتب التي ألفت في تاريخ الدولة الشريفة وتراجم علماء هذا العصر تعد بالعشرات وكذا الرحلات، وكتب الأنساب 5. وممن ألّف في هذا المجال: ابن الطيّب القادري 6 والزياني 7 وغيرهما.

_ 1 - أنظر: ترجمته في: 45 - 48. 2 - راجع الفقهاء الذين عاشوا في الفترة التي عاشها التُّسولي في "الشرب المحتضر والسر المنتظر في بعض أهل القرن الثالث عشر لجعفر الكتاني"، وفي "جامع القرويين للدكتور عبد الهادى التازي": 3/ 805 - 810. 3 - أبو عبد الله محمد بن الطيّب الصميلي الشرقي الفاسي: الإمام اللغوي الشهير، أخذ عن جلّة من العلماء كالمسناوي والوجّاري وغيرهم، وبرع وصار إمام أهل اللغة في عصره، من كتبه "حاشيته العديمة النظير على القاموس" في اربع مجلّدات التي منها كان استمداد الشيخ مرتضى صاحب "تاج العروس"، مات بالمدبنة المنوّرة (سنة 1170هـ). أنظر: الزركلي- الأعلام: 6/ 177 - 178، كنون- النبوغ المغربي:1/ 301، التازي- جامع القرويين: 3/ 802 - 803، الأخضر- الحياة الأدبية في المغرب: 258، 264. 4 - أبو عبد الله محمد المختار بن بونة الجكنى الشنجيطي، العلاّمة النحوي الكبير، من كتبه. "كتابه المعروف بالاحمرار" الذي مزجه بالألفية مزجاً جيّداً وكتبه بالحمرة للفرق بينه وبين نظم ابن مالك واستدرك عليه أبواباً عدّة كالقسم وجوابه. وفاته مجهولة وكان حياً في أوائل القرن الثالث عشر. أنظر: كنون- النبوغ المغربي: 1/ 304 - 305. 5 - أنظر الكتب التي ألفت في هذه العلوم في: كنون- النبوغ المغربي: 1/ 316 - 319. 6 - أبو عبد الله محمد بن الطيّب بن عبد السلام القادري الحسني الفاسي العلاّمة المؤرخ النسابة، من كتبه: "نشر المثاني في أخبار أهل القرن الحادي عشر والثاني" و"التقاط الدرر في أخبار أهل المائتين الحادية والثانية عشر"، وغيرها. مات في شعبان "سنة 1187هـ". أنظر: شجرة النور: 352 - 353، كنون- النبوغ المغربي: 1/ 303، الأخضر- الحياة الأدبية في المغرب: 304 - 305. 7 - أبو القاسم بن أحمد بن علي بن ابراهيم الزياني الفاسي، من صدور كتاب الدولة الشريفة ووزرائها المشاهير، كان له معرفة بالتاريخ والأدب والتنجيم، من كتبه: "الترجمان المعرب عن تاريخ دول المشرق والمغرب". مات "سنة 1249هـ". =

وأمّا العلوم العقلية كالطب والحساب والهيئة والفلك، فقد أخذت- أيضاً - دوراً بارزاً في هذا العصر- وقد برز فيها كثير من العلماء ومنهم: محمد بن أحمد الحبابي 1، ومحمد بن المفضل ابن كيران 2 وعبد السلام العلمي 3 وغيرهم. كما أخذ الخط حظه في هذا العصر فوقع تفنن كبير في تحسين الخط المغربي وما يرجع إليه من الزخرفة الكتابية وجدولة الكتب الملوّنة، فتقررت الأصول الفنّية لأنواع الخطوط حتى وضعت لها الأسماء التي تميّز بعضها عن بعض 4.

_ = أنظر: كنون- النبوغ المغربي: 1/ 307، مجلّة دعوة الحق، مارس 1967م. التازي- جامع القرويين: 3/ 809، الأخضر- الحياة الأدبية في المغرب: 398 - 408. 1 - هو محمد بن الطاهر بن أحمد الحبابي، الأستاذ الموقت المعدل، مات سنة 1267هـ. أنظر: الكتاني- سلوة الأنفاس: 2/ 360، التازي- جامع القرويين: 3/ 811. 2 - هو محمد بن المفضل ابن كيران الفاسي، تولّى توقيت منار جامع الرصيف بفاس عام" 1306هـ"، كان عالماً بالتوقيت والهندسة والحساب، له آثار كثيرة، منها: "اختراع ثمن الدائرة" في الأعمال التوقيتيّة وغيرها و"رسالة في طريقة العمل بالجهاز المبتكر"، و"شرح مقدمة في الهندسة المساحية" لرواد الانطاكى وذكر الشيخ المنوني، أنه توجد نسخة منه في المكتبة الملكية بالمغرب ضمن المجموعة الزيدانية رقم 1966، أنظر: المنوني: مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 214 - 216. 3 - أبو محمد عبد السلام العلمي بن أحمد الحسني الفاسى، ولد بها عام بضع وخمسين ومائتين وألف، له مشاركة في العلوم، نبغ في علم الميقات واليب، من كتبه: "شرح على أرجوزة الشيخ عبد العزيز بن عبد السلام الوزكاني الوزاني (تحرير المواقيت)، و"ضوء النبراس في حل مفردات الأنطاكي" بلغة فاس، و"البدر المنير في علاج البواسير"، وهو مخترع الآلة ذات الشعاع والظل. مات (سنة 1323هـ). أنظر: التازي- جامع القرويين: 3/ 816، المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث:1/ 237 - 244، الزركلي- الأعلام: 4/ 8. 4 - أنظر: كنون- النبوغ المغربي:1/ 289.

حياته

حياته اسمه ونسبه وصفته أبو الحسن علي بن عبد السلام بن علي، التُّسولي 1، السبراري 2، البلسروي 3، الملقب: "بمديديش" 4. ولد "بتسول" إحدى مدن المغرب العربي المنسوبة إلى قبيلة تسول من قبائل البربر 5. ولم يعيّن المترجمون تاريخ ولادته، ولكن يمكننا أن نرجح ولادته- كما بيّنّاه سابقاً- في الفترة ما بين أواخر القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر الهجري، أي: في عهد الدولة العلويّة. أما صفته: فقد كان- رحمه الله- موصوفاً بالخير والدين والزهد والورع واليقين، ومن أقواله التي تدلّ على ورعه ما قاله- في جوابه عن الأسئلة الجزائرية-: (الجواب عن هذه المسائل التي عظم موقعها من دين الإسلام، وتأكد الاعتناء بمتعلقاتها على التمام، يتوقّف على تبحّر في الفقه، وتضلع في قواعده وباع واسع في تحرير دقائقه ونوازله، وأنّى للقاصر مثلي بجوابها،

_ 1 - أنظر: مصادر ترجمته في: 14، وقد غلط الحجوي في ترجمته في "الفكر السامي" عندما سمّاه "الدسولي": 2/ 299. 2 - أنظر: التُّسولي- البهجة في شرح التحفة: 2/ 432، حيث قال عن نفسه: (قال مقيد هذا الشرح المبارك علي بن عبد السلام التسُّولي السبراري). 3 - أنظر: سزكين: معجم المطبوعات: 165. 4 - أنظر: الكتاني- سلوة الأنفاس:1/ 238، البغدادي- هدية العارفين:1/ 775، الزركلي- الأعلام: 4/ 299. 5 - أنظر: الزبيدي- التاج: 7/ 240، وقال البكرى: (هي مدينة معروفة بعين اسحق قاعدة موسى بن أبي العافية، وكانت على ثلاثة أجبل وبها جامع وأسواق وحمام وعين عذبة، بنى عليها موسى قبة، فخرّبها "ميسور" القائد الشيعي. أنظر: "المغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب" جزء من كتاب "المسالك والممالك": 142.

أسرته

وتحصيل دقائق فروعها وأصولها، فالخوض فيها لقاصر العلم مثلي خطر، والكشف عن لثامها مع كلالة الذهن صعب عسير) 1. فدلّ ذلك على ورعه واتّسامه بتواضع العلماء العاملين بالكتاب والسنّة، ولم يكن هذا منهجاً يطبقه في خاصة نفسه فحسب، بل كان يدعو غيره من الشيوخ ومن يقتدي بهم للالتزام به، وكان يشهّر على من يترفّع عن الناس، ولا يتواضع لهم. فمن ذلك ما ذكره في خاتمة هذه الأجوبة عن بعض الشيوخ الذين يترفّعون عن أصحابهم ورفقائهم في المجلس بفراش دونهم، أو في الممشى بأن يمشوا خلفهم، ونصّ على أن ذلك مخالف لمنهج الأوائل من السلف الصالح الذين كانوا {يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} 2، ولا يمتازون عن أصحابهم ورفقائهم بشيء. واستدلّ على ذلك بصنيع الإمام أحمد بن حنبل في عدم سماحه للناس بأن يمشوا خلفه 3. فدلّ ذلك على قوة دينه وتمسّكه بالكتاب والسنة والانكسار على من خالفهما. أسرته: من خلال تتبّعى لكتب التراجم، لم أقف على من تكلّم عن أسرة هذا الإمام، ولكن يبدو لي: أن أسرته أسرة علميّة اتّصفت بالخلق المتين، والدين والورع. وقد دلّ على ذلك ما اتّسمت به شخصيّة هذا الإمام العلميّة والجهاديّة -كما سيأتى- 4 فإنّ إماماً مثله- اجتمعت لديه الكثير من العلوم- لا بدّ أنّ يكون قد

_ 1 - أنظر القسم التحقيقى: 155 - 156. 2 - سورة الحشر / آية: 9، وتمامها: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ ةاجَرَ إِلَفيهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. 3 - أنظر الخاتمة في القسم التحقيقى: 457. 4 - أنظر: مكانته العلميّة والجهاديّة: 51 - 56.

نشأته

نشأ في بيئة علميّة عالية. وقد وقفت في كتابه "الجواهر النفيسة فيما يتكرّر من الحوادث الغريبة" 1 على تملك يحمل اسم: خليل بن علي بن عبد السلام التّسولي، ويبدو أنه ابنه ولكنني لم أقف على ترجمته. نشأته: نشأ- رحمه الله- وترعرع بفاس العتيدة التي كانت منار العلم في تلك الحقبة من الزمن. وكان الطلبة يأتونها من كل صوب وحدب لينهلوا من علمائها وشيوخها القاطنين فيها والواردين إليها، وخاصة شيوخ "جامع القرويين" الذي كان يضمّ المئات من العلماء 2 الأجلاّء أصحاب المؤلفات في مختلف العلوم الشرعية والعقلية. ومن الأسباب التي دفعت الطلبة إلى الإقبال عليها تنوّع علومها ومعارفها، فقد كان يدرس فيها إضافة إلى العلوم الشرعية، الرياضيات والهندسة والهيئة واليبيعة والمساحة وعلم الأحكام والجبر والمقابلة واليب وغيرها 3. وكانت الحركة العلميّة بصفة عامّة تتّسم بالنشاط والحيوية- كما أسلفنا- ويتجلّى ذلك خاصة في الفتاوى الفقهية التي ازدهرت نظراً للأحداث السياسيّة على الساحة المغربية 4 وما جاورها من البلاد سيّما الجزائر التي احتلّت من قبل الأجانب. وهذه الأحداث حركت العلماء لاستنهاض الهمم والهاب المشاعر، للجهاد في سبيل الله والدفاع عن الوطن. ولم يألوا جهداً في ذلك.

_ 1 - أنظر: البحث الرابع، آثاره: 64. 2 - فقد بلغوا خمسمائة عالم بفاس في عهد المولى سليمان. أنظر: التازي- جامع القرويين: 3/ 727. 3 - أنظر: التازي- جامع القرويين: 3/ 726. 4 - من ذلك، ما حاوله بعض اليهود من الحصول على امتيازات لم يقرَها لهم عرف أهل المغرب. أنظر: نفس المصدر السابق: 3/ 728.

وفاته

وفاته: توفي- رحمه الله- "بفاس" صبيحة يوم السبت خامس عشر شوال (سنة 1258هـ)، وصلّى عليه بعد صلاة العصر بالقرويين ودفن بضريح الشيخ أحمد بن علي وولده 1. شيوخه: قد تحقّقت لأبي الحسن التُّسولي استفادة كبيرة من أعلام المراكز العلميّة بفاس في عصره، الذين كانت لهم شهرة ذائعة ودور هام في النهضة العلميّة، فكان لهم الأثر البالغ في تكوين شخصيته وتزويده بالمعارف العقليّة والنقليّة. ومن خلال تتبّعي لكتب التراجم وجدت أنه تلقّى العلم على شيوخ كثر إلاّ أن جلّ ما وقفت عليه قد أغفلت ذكر أسمائهم، ولم تنصّ إلاّ على اثنين منهم وأطلقت ذكر البقيّة. قال محمد بن جعفر الكتاني- في ترجمة الشيخ التُّسولي-: (وكان أخذه عن: الشيخ سيدي حمدون بن الحاج، والمفتى أبي عبد الله سيدي محمد بن ابراهيم الدكالي، وغيرهما ممّن هو في طبقتهما) 2. ولذا سأقتصر على ترجمة هذين: 1 - أبو الفيض حمدون بن عبد الرحمن بن حمدون، السلمي، المرداسي الشهير: بابن الحاج، ولد بفاس سنة (1194هـ) وكان رحمه الله ممّن انتهت إليه الرئاسة في جميع العلوم وخصوصاً التفسير والحديث والتصوّف- المؤيد بالكتاب والسنة- وعلوم العربية. رحل إلى المشرق فحجّ وزار ورجع بعلم غزير.

_ 1 - أنظر: جعفر الكتاني- الشرب المحتضر: 19، ومحمد الكتاني- سلوة الأنفاس:1/ 238، ومخلوف- شجرة النور: 397. 2 - أنظر: الكتاني- سلوة الأنفاس:1/ 238.

قال عنه الشيخ أبو العباس أحمد التجاني 1 - في رسالة بعثها لبعض أصحابه-: (إنه سيّد علماء وقته، وأنا أسأل الله أن يكتبه في ديوان الشهداء) 2. كما كان الشيخ الطيب بن كيران- وهو أحد شيوخه- يعدّه من نظراء البوصيري في الأمداح النبويّة، وابن الخطب في أمداح الملوك. وقد تولّى- رحمه الله-: الحسبة بفاس فأمر فيها بالمعروف ونهى عن المنكر، وكان يقيم الناس من حوانيتهم لاقامة الصلاة وأداء فريضتها، ثم تولّى قيادة المغرب فأحيا في أهلها السنة وأزال الظلمات التي كانت قبله، وأصبح يسند الوظائف الشرعية إلى مستحقيها، وترك المغارم المخزنية، ثم عزل نفسه واشتغل بالتدريس. وقد أخذ العلم- رحمه الله- على خيرة العلماء في ذلك العصر، منهم: الطيب بن كيران- المتقدّم ذكره-، والشيخ اليازغى 3، ومحمد التاودي بن سودة، وعبد القادر بن شقرون 4، وغيرهم. كان له مصنفات كثيرة جامعة منها:

_ 1 - أبو العباس أحمد بن محمد التجاني، الفقيه المالكي العالم بالأصول والفروع والأدب. له حلقات علميّة بفاس، حج عام (1186هـ)، ثم عاد إلى فاس، فصار شيخاً للطريقة التجانية، له "ورد" ذكر الزركلي: أنه مخطوط في 10 ورقات بخزانة الرباط، رقم (1488= د). أنظر: مخلوف- شجرة النور: 378، التازي- جامع القرويين: 3/ 807، الزركلي- الأعلام:1/ 245. 2 - أنظر: مخلوف- شجرة النور: 379. 3 - عبد الكريم بن علي اليازغي، من علماء فاس وفقهاء القرويين، مات (سنة 119هـ). أنظر: الكتاني- سلوة الأنفاس: 2/ 115، التازي- جامع القرويين: 3/ 805. 4 - عبد القادر بن شقرون، القاضي الصيدلي، كان مضرب المثل في حل المشكلات المستعصية، تولّى خطة القضاء بسجلماسة والصويرة، مات سنة (1219هـ). أنظر: جعفر الكتاني- الشرب المحتضر: 7، محمد الكتاني- سلوة الأنفاس: 1/ 95، التازي- جامع القرويين: 3/ 306.

- "ديوان": عارض في إحدى قصائده عمار ذي الوزارتين 1. - "المقامات الحمدونية". - "المقصور في علمي العروض والقوافي " 2. - "الخريدة في المنطق" 3. - "حاشية على تفسير أبي السعود والبيضاوي". - "تفسير سور من القرآن". - "نظم لمقدمة ابن حجر وشرحها" 4. - "التمر المنصهر في روض المختصر للتفتازاني سعد الدين بن مسعود بن عمر، (ت 792هـ) " 5. - "حاشية على شرح تلخيص المفتاح لجلال الدين الغزويني، ت (739هـ) " 6. - "رسالة في مسألة حذف لفظ" قال "من السند" 7. - "تقييد على آية: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} 8. وغيرها كثير. توفي- رحمه الله- عشية يوم الاثنين سابع ربيع الثاني عام (1132هـ)، وكان لجنازته مشهد عظيم شهذها الأكتابر والأصاغر، ودفن عن يمين شيخه

_ 1 - مخطوط بالخزانة العامة بالرباط رقم (337) بن عبد الله- الموسوعة المغربية: 1/ 65. 2 - قال بن عبد الله: (شرحها وشرح قوافيها ولده) وهو مخطوط بالخزانة العامة بالرباط رقم (292 - 297). (الموسوعة المغربية: 1/ 66). 3 - مخطوط بالخزانة العامة بالرباط رقم (497) (نفس المصدر السابق: 1/ 66، وقال عنها: انها مطبوعة). 4 - قال بن عبد الله: (طبع على الحجر بفاس بدون تاريخ). (الموسوعة المغربية: 1/ 66). 5 - مخطوط بالخزانة العامة بالرباط رقم (2139 = د) (نفس المصدر السابق). 6 - في مجلّد ضخم يوجد بالخزانة الزيدانية بمكناس رقم (480) (نفس المصدر السابق). 7 - مخطوط بالخزانة العامة بالرباط رقم (1755 = د)، ونسخة أخرى بالخزانة الملكية رقم (6628) كتبها بأمر السلطان المولى سليمان. (نفس المصدر السابق). 8 - سورة الزخرف / آية 60، وهو مخطوط بالخزانة الملكية بالرباط رقم (7246) (نفس المصدر السابق).

الطيب بن كيران 1. 2 - أبو عبد الله محمد بن محمد بن ابراهيم الدكالي، المشترائي، الفاسي، القاضي نسبته إلى قبيلة مشتراءة من قبائل العرب، ولد بفاس (سنة 1162هـ) ونشأ بها، وكان بيته فيها بيت علم وصلاح، كان مفتي المغرب في عصره، وعليه المدار فيها، وإليه المرجع في الأحكام والنوازل. وقد اكتسب- رحمه الله- شهرة عظيمة بين علماء عصره ومحبّة من طلبة العلم تمثّلت في النزاع الذي وقع بينه وبين قاضي فاس أبي الفضل عباس بن أحمد التاودي 2 - في قضية الشريفين الشفشاوني والعراقي من أهل فاس، حيث آل الأسر فيها إلى السلطان المولى سليمان فأخر الفقيه أبا عبد الله عن الفتوى الأمر الذي أدّى إلى غضب جماعة من المدرسين وطلبة العلم، فكتبوا كتاباً يتضمّن الشهادة بجور القاضي المذكور وجهله ووضعوا خطوطهم، ونظموا قصيدة 3 تتضمّن الشكوى، ووجهوا بهما إلى السلطان 4. وقد أخذ العلم: عن والده وعن الشيخ: الطيب بن كيران، والتاودي،

_ 1 - أنظر: السلاوي- الاستقصا: 8/ 133، جعفر الكنافي- الشرب المحتضر: 10 - 11، محمد الكتاني- سلوة الأنفاس: 3/ 4 - 5، مخلوف- شجرة النور: 379 - 380، التازي- جامع القروبين: 3/ 808، الزركلي- الأعلام: 2/ 275، الأخضر- الحياة الأدبية في المغرب: 352 - 356. 2 - أبو الفضل عباس بن أحمد التاودي ابن سودة: القاضي الفقيه الوجيه العالم النبيه ذو الأخلاق الكريمة، أخذ علمه على يد جلّة من العلماء. مات بفاس يوم الجمعة أواسط جمادى الثانية (سنة 1241هـ). أنظر: السلاوي- الاستقصا: 8/ 146، جعفر الكتاني- الشرب المحتضر:14. 3 - قالوا في مطلعها: يا أيها الملك الذي عدالته … أحيت مآثرها الصديق أو عمراً يا أيها الملك الذي مناقبه … في غرة الدهر قد لاحت لنا قصراً أنظر نص القصيدة بتمامها في: السلاوي- الاستقصا: 8/ 146 - 147. 4 - أنظر هذه الوقعة في: السلاوي- الاستقصا: 8/ 146 - 148.

مكانته في العلم والجهاد

وغيرهم، وانتفع به كثير من طلاب العلم، وكان الشيخ التُّسولي ملازما له طيلة حياته، وهو عمدته. له "فتاوى" مشهورة جمعها تلميذه الشيخ التُّسولي مع فتاويه 1. مات- رحمه الله- (سنة 1241هـ) 2. مكانته في العلم والجهاد أ - مكانته في العلم: كان لازدهار الحركة العلميّة في المغرب وتوافر العديد من العلماء والفقهاء وبروز الكثير من المؤلفات، الأثر الهام في شحن همّة الإمام التّسولي إلى دراسة العلوم المختلفة، وتلقيه المادة العلميّة على أيدي أصحابها المهرة، جعلت منه عالماً مطّلعاً متمكّناً في العديد من الفنون ومشاركاً فيها، وكانت له الصدارة واليد الطولى في النوازل والأحكام. وممّا يدلّ على ذلك: كتابه (الجواهر النفيسة فيما يتكرّر من الحوادث الغريية" 3 الذي جمع فيه نوازل الزياتي 4 وفتاوى شيخه الدكالي مفتي فاس الذي لازمه وأفاد منه وأخذ عنه علم الفتاوى، وفتاوى متأخري علماء المغرب.

_ 1 - أنظر: المبحث الرابع، آثاره، ص: 64 - 65. 2 - أنظر: السلاوي- الاستقصا: 8/ 145، الكتاني- الشرب المحتضر: 14، مخلوف- شجرة النور: 381. 3 - أنظر المبحث الرابع، آثاره: 64. 4 - أبو فارس عبد العزيز بن الحسن (أبي الطيب) الزياتي: الفقيه، المالكي، من سكان تطوان رحل إلى المشرق فأخذ عن بعض الشيوخ بمصر. مات بتطوان (سنة 1055هـ). وكتابه هذا سمّاه "الجواهر المختارة ممّا وقفت عليه من النوازل بجبل غمارة". ذكر الزركلي: أنه مخطوط، في نحو 400 صفحة كبيرة في خزانة الداودية بتطوان. أنظر: القادري- نشر المثاني: 2/ 30، والتقاط الدرر: 120، البغدادي- إيضاح المكنون: 2/ 347، الزركلي- الأعلام: 4/ 16.

وكذلك "أجوبته هذه على مسائل الأمير عبد القاد" التي تدلّ على تضلّعه وتبحّره في الفتاوى الفقهيّة عامّة والمالكيّة خاصّة، فوصفه محمد الكتاني بأنّه: فقيه مشارك مطّلع محرر له اليد الطولى في النوازل والأحكام 1. وكان لعنايته البالغة وتمكّنه في الفقه المالكي، أنّ ولي خطة القضاء مرتين: الأولى "بفاس" (سنة 1247هـ)، والأخرى "بتطوان" 2 بعد (سنة 1250هـ) فقضى بين الناس بالعدل والإنصاف فحمدت سيرته وأثنى الناس عليه فوصفه جعفر الكتاني: (بالقاضي الأعدل) 3. وكان- رحمه الله- عالماً بالوثائق "فجمع وثائق الزياتي- كما قلنا سابقاً- ورتبها أحسن ترتيب، فاشتهر بذلك واحتلّ مكانة مرموقة حتى وصف بالموثق 4. وقد تمكّن- رحمه الله- من علوم العربية ونبغ فيها لتلقّيه إيّاها عن شيخه "حمدون بن الحاج" الموصوف بالتحري والاتقان في تدريسه للعلوم وتركيزه فيها على علوم العربية 3. فتأثر بهذا النهج وسار عليه في "شرحه للعاصمية" 6 فقال عنه: (إنّه يحتوي على إعراب كل ألفاظها ليتدرّب المبتدي بعلم النحو). وقال (إنّ علم النحو عليه المدار في الفهم والافهام) 7. ولممارسته للتأليف والجمع والتحقيق والترتيب، والشرح لكثير من المسائل

_ 1 - أنظر: الكتاني- سلوة الأنفاس:1/ 238. 2 - تطوان أو تطاون: مدينة في شمال المغرب، كانت قديماً عاصمة المنطقة الخليفية، أسسها أبو ثابت عمر بن عبد الله المريني. أنظر: المنجد في الأعلام: 150. 3 - أنظر: جعفر الكتاني- الشرب المحتضر: 19. 4 - أنظر: نفس المصدر السابق، ومحمد الكتاني- سلوة الأنفاس:1/ 238. 5 - أنظر: التازي- جامع القروينن: 3/ 727. 6 - أنظر: المبحث الرابع، اثاره: 62. 7 - البهجة في شرح التحفة: 1/ 2.

ب - مكانته في الجهاد

الفقهيّة تكوّنت لديه خبرة علميّة أهّلته للتدريس والإقراء، فكان- رحمه الله- يدرس العاصميّة ويشرحها ويبيّن ما خفي منها. فكان علماً بارزاً من أعلام جامع القرويين 1، درس ودرّس وألّف، وانتهت إليه راية المذهب المالكي في المغرب 2. ب - مكانته في الجهاد: احتل العالم المصلح المجاهد أبو الحسن التُّسولي- رحمه الله- المكانة الأولى بين علماء عصره في هذا الجانب الجهادي، فلما بدأت مأساة الجزائريين باستيلاء الفرنسيين عليهم (سنة 1246هـ)، تحرك المغرب لنصرتهم متحمّلاً في سبيل ذلك الهجومات الفرنسية، فانبرى هذا الفقيه المجاهد لتأليف خطة جهادية راقية 3 مشتملة على التحريض على الجهاد والاستعداد له، مضمّناً إيّاها بعض الأحكام الجهادية، منكراً فيها على المتقاعسين المتثاقلين إلى الأرض. امتثالاً لقوله- تعالى-: {يَا أَيُّةا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} 4 وخروجاً من عهدة 5 قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا ظهُرَت البِدع وسَكَت العالِمُ فعليه لعنة الله والعباد» 6. وممّا جاء فيها من التحريض على قتالهم وصدّ عدوانهم وبيان خطرهم على الدين قوله: (فإنّ فسادَ الكفر لا يعدله فساد، يبثّ الشرك والتثليث، وينسخ كلمة التوحيد، ويمحو أثر قائلها من الأرض والبلاد) 7.

_ 1 - ترجم له التازي في اعلام جامع القرويين، أنظر: جامع القرويين: 3/ 810. 2 - أنظر: الكتاني- سلوة الأنفاس:1/ 238. 3 - جعلها الشيخ المنوني أول مظاهر يقظة المغرب الحديث. أنظر: مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 28 - 29. 4 - سورة الأنفال / آية: 65، وتمامها: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}. 5 - أنظر: قوله في مقدمة خطبته تلك فى القسم التحقيق: 358. 6 - أنظر: تخريجه في القسم التحقيق: 359. 7 - أنظر القسم التحقيقي: 366.

وفي حثّه على لمّ الشمل وتوحيد الكلمة وجمع الصفوف بقوله: (فحرضوا أنفسكم وأشياعكم عليه بقلب وقالب وجازم الاعتقاد، وأكثروا من الأهبة والنفر إليه، وبادروا له بغاية الاستعداد) 1. كان- رحمه الله- مقداماً داعياً إلى مبادرة العدوّ بالهجوم والغلظة عليهم اتّباعاً لقوله- تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} 2. {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّة مَعَ الْمُتَّقِينَ} 3. فقال: (وبادروا له بغاية الاستعداد، فإنْ لم تشغلوهم شغلوكم، وإنْ لم تقاتلوهم قاتلوكم) 4. وقال: (أفلا تتذكرون أنّ الله سبحانه أمرنا بالذهاب إليهم وقتالهم في أراضيهم، فكيف إذا قدموا إلى برّنا هذا بالغيّ والفساد؟، أم لنا براءة استثنانا الله - تعالى- بسببها من عموم دعوة العباده) 3. كما أكّد- رحمه الله- على عدم الركون إلى القول بوفاء الأعداء بالعهود فقال: (ولا تتّكلوا على ما يخبركم به ضعفاء العقول من وفائهم باستمرار العهود وعدم نقضهم للميثاق المعقود، فإنّ ذلك كلّه مردود إذ لا ميثاق ولا عهد لأعداء الدين وأهل الفساد) 6. وممّا يدلّ على تمكّن الروح الجهادية منه وسريانها في عروقه، أنّه لم يكتف

_ 1 - أنظر القسم التحقيقي: 365. 2 - سورة التوبة/ آية: 36، وتمامها: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَةرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْةا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّة مَعَ الْمُتَّقِينَ}. 3 - سورة التوبة / آية: 123. 4 - أنظر القسم التحقيقى: 365 - 366. 5 - أنظر القسم التحقيقي: 369. 6 - أنظر القسم التحقيقي: 370.

بتسطير هذه الخطة ونشرها بين الناس، بل بادر بالتنقل والارتحال بشخصه في بعض البلاد مخاطباً إيّاها وحاثًّا لهم على الوقوف بوجه الأعداء وردّ كيدهم. ونتيجة لذلك برزت الشخصية الجهادية للتّسولي وعرف أمرها وقدر الناس أهميتها، ومدى صدقها وقيامها على الفقه الإسلامي الدقيق المنبثق من الكتاب والسنة النبويّة، حتّى أنّ المولى عبد الرحمن بن هشام سلطان المغرب عندما وجّه إليه الأمير عبد القادر الجزائري مسائله في الجهاداً، انتدب الإمام التُّسولي للإجابة عنها، ممّا يدلّ على ثقة السلطان به واشتهاره لديه ونبوغه وعنايته بالجهاد ومسائله. وممّا يظهر هذا ويبلوره أن الجزائريين بعد أن احتلّت بلادهم- وكان سلطانهم المولّى عليهم لا يقيم الإسلام ولا يحكم به- توجّهوا إلى سلطان المغرب عبد الرحمن بن هشام طالبين مبايعته، فاستشار فقهاء فاس- وكان التُّسولي غائباً 2 - ، فأفتوا بعدم قبول مبايعتهم، فردّ عليهم فقهاء الجزائر وألزموهم الحجّة الشرعية 3، فقبل مبايعتهم، وفور رجوع التّسولي من غيبته واطّلاعه على ما أفتوا به، تحركت نخوته الإسلامية، وفاضت مشاعره الجهادية، فكتب تقييداً في الردّ على فقهاء بلدته، والانتصار للموقف الشرعي الجهادي الذي اقتضاه الحال 4.

_ 1 - وهي موضوع هذه الأطروحة. 2 - حيث أشار إلى ذلك في كتابه "الجواهر النفيسة فيما يتكرر من الحوادث الغربية": 1/ 268 - أ، قوله: (ولما سئلت عن النازلة بعد قدومي من الغيبة لأني كنت غائباً). 3 - أنظر: الكتاب الذي توجّه به أهل الجزائر إلى المولى عبد الرحمن في ردّهم على فتوى علماء فاس بعدم قبول مبايعتهم في الملحق رقم (2) صفحة: 471 - 473. 4 - أنظر: ما قيده التُّسولي على فتوى علماء فاس- بعدم قبول مبايعة أهل الجزائر- وردّ علماء الجزائر عليهم في الملحق رقم (2) صفحة: 475 - 476.

آثاره

آثاره تنقسم آثار الشيخ التُّسولي إلى قسمين: أولاً- تلاميذه: لقد كانت الشخصيّة العلميّة والفقهيّة التي يتّسم بها هذا الإمام الأثر البالغ في جعله من أقطاب علماء- تلك الفترة- ورائداً من روادها، فأصبح الفقيه النوازلي المحرّر الموثق، وانتفع بعلمه كثير من طلبة العلم الذين ساروا على منواله ونهجه- كما سيأتي-. ومن خلال تتبّعى لكتب التراجم، وجدت أنّها لا تشير إلاّ إلى أربعة منهم فقط، بينما يقول هو عن نفسه- في مقدمة كتابه: "البهجة في شرح التحفة"-: (طلب مني كثير من طلبة الوقت أن أضع لهم شرحاً عليها .... ) 1، ممّا يدلّ على انتفاع كثير من الطلبة بعلمه. ولهذا اقتصرت على ترجمة هؤلاء وهم كالآتي: 1 - عبد القادر بن أبي القاسم بن عبد الله بن إدريس العراقي، الفقيه الواعظ المحدث، أخذ عن والده أبي القاسم، وعمه محمد، والوليد العراقي، والتّسولي. كان يرد على مراكش، وسكناه كانت بفاس بدرب السعود. توفي في ربيع الأول عام 1288هـ 2. 2 - محمد المطيع بن محمد بن عمر العباسي. قاضي الجماعة بمراكش، وخطب مسجد ابن يوسف بها، وخطب بجامع المنصور قبل ذلك، ومفتيها العلامة المحقق، الزاهد الورع.

_ 1 - البهجة في شرح التحفة: 1/ 2. 2 - أنظر: المراكشي- الأعلام: 8/ 465 - 466.

أخذ عن العلامة علي التُّسولي وطبقته، قال المراكشي: "رأيته ينقل عنه في فتاويه ويحليه بشيخنا". كان حامل راية الاجتهاد بمراكش في دولة المولى عبد الرحمن وولده محمد. قرأ بفاس في فاقة شديدة أيام قضاء أخيه السيد سعيد بالقصر الكبير. توفي في ذي القعدة عام 1295هـ 1. 3 - أبو الحسن الحاج علي بن أحمد بن عبد الصادق الرجراجي، القاضي، العلاّمة المحدث، المسنِد، المدرّس، المجوّد، المشارك، شبّ على الأخلاق الفاضلة، حفظ كتاب الله في صغر سنّه، وتلقّى مبادىء العلم بالصويرة عن علماء بلده، ثم رحل إلى فاس، فأخذ عن مشائخها أمثال: "أبي الحسن التّسولي، والعربي الزرهوني 2، وعبد القادر الكوهن، ومحمد بن أحمد السنوسي" 3، ثم رجع إلى وطنه فتصدّر به للتدريس أيام خلافة المولى محمد بن عبد الرحمن، وفي (سنة 1265هـ) تولّى إمامة وخطابة جامع سيدى يوسف، كما تولّى قضاء الشياظمة مرتين، إحداهما في (سنة 1266هـ) والأخرى (سنة 1282هـ)، ثم تولّى قضاء الصويرة سنة (1285هـ)، فحمدت سيرته، فكان- رحمه الله- ممّن علم وعمل وحافظ على العبادة من تلاوة وقراءة، فاشتهر بعدالته وعفّته ونزاهته، ومن عدله: أنه كان يخرج إلى قبيلة الشياظمة مرة في كل سنة ويقول: "لا أقصد بهذا الخروج إلاّ زيارة السادات والرجراجين، وقضاء حاجة من لا يستطيع الوصول إلينا". ويأمر

_ 1 - نفس المصدر السابق: 7/ 17 - 19. 2 - العربي بن محمد الهاشمي العزوزي الزرهوني الفقيه النوازلي، له "نوازل" في مجلّدين، مات - رحمه الله- (سنة 1260هـ). أنظر: بن عبد الله- معلمة الفقه المالكي: 19. 3 - أبو عبد الله محمد بن أحمد السنوسي، الإمام، العالم، الفاضل، العامل، تولّى الإمامة والخطابة والتدريس بالضريح الإدريسي فحمدت سيرته، مات- رحمه الله- سادس عشر ربيع الأول (سنة 1257هـ). أنظر: جعفر الكتاني- الشرب المحتضر: 18، محمد الكتاني- سلوة الأنفاس: 3/ 369.

بإعلام الناس بذلك، ويحضر القريب من العدول حيثما نزل، ولا يعتمد في ذلك على نوابه. وكان مع مشاركته في فنون العلم يقتصر في الغالب على تدريس العبادات ويقول: "إنّ حاجة الناس إليها أشدّ من غيرها"، فكان له اعتناء خاص بعلم الحديث رواية ودراية. فتخرج على يديه الكثير من طلبة العلم منهم: ابن أخيه القاضي عبد الصادق 1، ومولود المسكالي 2 وغيرهم. وقد حجّ- رحمه الله- وأثناء رجوعه اجتمع بالجزائر بالمجاهد الأمير عبد القادر، حيث قال- في شأن ذلك كما هو في كتاب إيقاظ السريرة: "الحمد لله: الخط بمحوله بيد ولي الله المجاهد في سبيل الله الحاج الأبر سيدي عبد القادر ابن محيي الدين. أجابني به عن بطاقة كتبتها إليه ونحن بأم العساكر بجامعها الأعظم، وهو نازل بمعسكره قريباً منها، وذلك في آخر ربيع النبوي عام ثلاثة وخمسين ومائتين وألف (1253هـ)، في قفولنا من حجّ بيت الله الحرام وزيارة قبره عليه

_ 1 - عبد الصادق بن محمد بن أحمد بن عبد الصادق الرجراجي، إمام جامع يوسف وخطبه ومدرس العلم به، تولّى قضاء الشياظمة (سنة 1299هـ) بعد عجز عمّه الحاج علي بن عبد الصادق عن القيام بوظيفة القضاء. نشأ في الصويرة وأخذ عن عمّه وعن غيره من العلماء، ثم رحل إلى فاس وأخذ عن علمائها ورجع وانتصب للتدريس والافتاء والعدالة. مات- رحمه الله- "بالصويرة سنة (1321هـ). أنظر: محمد سعيد الصديقي- إيقاظ السريرة: 112 - 114. 2 - مولود بن أحمد الشيظمي المسكالي: العلاّمة، الصالح، الزاهد، كان مشاركاً في علوم كثيرة كالعربية والفقه والحساب والفرائض واليب وغير ذلك، رحل إلى فاس وأخذ عن علمائها ثم رجع إلى الصويرة وعيّن بها "عدلاً"، ثم اعتكف على التدريس، وكان حريصاً على بثّ العلم ونشره، فدرس بالزاوية "الشرادية" وقد تولّى (سنة 1290هـ) نيابة القضاء بعد سفر القاضي الهواري، كما تولّى الإمامة والخطابة بجامع البواخر فحمدت سيرته إلى أن توفي بالصويرة يوم الثلاثاء ثالث ربيع الثاني عام (1310هـ). أنظر: محمد سعيد الصديقي- إيقاظ السريرة: 105 - 107.

السلام، وقيده بيده: علي بن أحمد تغمّده الله برحمته وأسبل عليه في الدارين رداء ستره" 1. وفي (سنة 1279هـ) استقل ابن أخيه عبد الصادق بقضاء الشياظمة بعد عجزه عن القيام بمهامه، فلازم بيته إلى أن توفي (سنة 1307هـ) ودفن بمقبرة النخيل بباب مراكش، وحضر جنازته الجم الغفير 2. 4 - أبو الحسن، علي بن محمد السوسي الفاسي: الفقيه العلاّمة النحوي النوازلي. قال عنه محمد الكتاني: (كان فقيهاً نحويًا نوازليًّا مشاركاً في عدّة علوم) 3. أخذ العلم "بفاس" عن الشيخ التُّسولي، كما أخذ عن مشايخ من علماء السوس الأقصى 4 والصويرة ومراكش. له مؤلفات منها: "منتهى النقول ومشتهى العقول" 5 و"شرح ألفية ابن مالك" و"قصيدة في مدح المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عارض بها همزية البوصيري" و"تقاييد وطرر في النحو والفقه" و"فتاوى" و"مقامات". وله- أيضاً-: "الجواب عن المولى الحسن فيمن قال له: مالك لا تجاهد في سبيل الله" 6 و"قمع أهل الرعونة في إطلاق

_ 1 - أنظر: محمد سعيد الصديقى- إيقاظ السريرة: 93. 2 - أنظر: محمد سعيد الصديقى- إيقاظ السريرة: 93 - 96، والتازي- جامع القرويين: 3/ 813، وقد أخطأ في تاريخ الوفاة حيث جعلها (1285هـ)، والصحيح ما أثبته. 3 - أنظر: الكتاني- سلوة الأنفاس: 2/ 351 - 352. 4 - السوس: إحدى مدن المغرب، وكانت الروم تسميها "قسمونية". أنظر: ياقوت الحموي- معجم البلدان: 3/ 281. 5 - مخطوط بخزانة الرباط رقم (633 - د) أنظر: الزركلي- الأعلام: 5/ 18، وقال عنه: (وهو كتاب رحلة، كان فيها من أعضاء بعثة أوفدها السلطان الحسن بن محمد إلى حدود الجزائر لتسوية مشكلة الحدود المغربية الجزائرية مع فرنسا، استطرد فيه إلى ذكر أعيان الأدارسة بالمغرب وبعض العلماء بفاس). 6 - مخطوط بالخزانة الملكية بالرباط، رقم (30). أنظر: بن عبد الله- معلمة الفقه المالكي: 152.

ثانيا: مؤلفاته

المكس على التوظيف والمعونة" 1. مات- رحمه الله- "بفاس" نصف ليلة السبت تاسع عشر شهر جمادى الثانية (سنة 1311هـ) 2. ثانياً: مؤلفاته: للإمام أبي الحسن التُّسولي تآليف عديدة اتّصفت بدقة التوثيق والتحرير، سواء منها ما تضمن شروحاً لبعض الوثائق المهمة، أو ما تضمن مصنفاً مستقلاً، قال السلاوي بعد ما ذكر بعض مؤلفاته: (وغير ذلك من التآليف الحسان) 3، وقال عنه جعفر الكتاني: (له اليد الطولى في النوازل والأحكام) 4. ولما كان التاريخ الزمني لبعض مصنفاته غير معروف، فقد راعيت في ترتيبها حروف المعجم، وهي كما يلي: 1 - أجوبة التُّسولي عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد 5. 2 - البهجة في شرح التحفة 6. وهو شرح للأرجوزة المسمّاة "بتحفة الحكام" للقاضي أبي بكر محمد بن

_ 1 - مخطوط بخزانة دار المخزن بفاس. أنظر: نفس المصدر السابق. 2 - أنظر: محمد الكتاني- سلوة الأنفاس: 2/ 351 - 352، الزركلي- الأعلام: 5/ 18، بن عبد الله- معلمة الفقه المالكي: 152. 3 - الاستقصا: 9/ 47. 4 - الشرب المحتضر: 19. 5 - وهي مرضوع هذه الأطروحة. 6 - ذكره السلاوي- الاستقصا: 9/ 47 وسمّاه "بالشرح الكبير على تحفة ابن عاصم"، وجحفر الكتاني- الشرب المحتضر: 19، ومحمد الكتاني- سلوة الأنفاس:1/ 238، مخلوف- شجرة النور: 397، الحجوي- الفكر السامي: 4/ 32 1، الزركلي- الأعلام: 4/ 299، كحالة- معجم المؤلفين: 7/ 122، بن عبد الله- معلمة الفقه المالكي: 146، كنون- النبوغ المغربي: 1/ 312.

محمد بن عاصم الأندلسي (ت 829هـ)، التي تعتبر من أجل ما ألّف في علم الوثائق، فقد راعى في شرحه لها إبراز ما خفي من معانيها، وإظهار فروع تناسبها، وإعراب كل ألفاظها، وبيان منطوقها ومفهومها مبيّناً ما به العمل عند المتأخرين من القضاة. حيث قال- في شأنها-: (طلب مني الكثير من طلبة الوقت أن أضع لهم شرحاً عليها يشفي الغليل، ويكمل المرام، ويكشف من خفي معانيها ما وراء اللّثام، ويحتوي على إعراب كل ألفاظها، ليتدرّب المبتدي بعلم النحو الذي عليه المدار في الفهم والافهام، وعلى بيان منطوقها ومفهوم الكلام، وعلى إبراز فرائد الفوائد، وفروع تناسب المقام، مبيّناً ما به العمل عند المتأخرين من قضاة العدل والأئمة الكرام) 1. وقد جمع في شرحه هذا العديد من أقوال المتأخرين من فقهاء المالكية، كالشيخ التاودي بن سودة، والإمام الحطاب 2، والشيخ ميارة 3 وغيرهم. حيث قال- في مقدمة شرحه-: (فأجبتهم إلى ذلك .... مشيراً بسورة _خ_ المعجمة إلى الشيخ خليل، وبسورة _ت_ إلى شيخ شيوخنا سيدي محمد التاودي أحد شرّاح هذا الكتاب، وبسورة _م_ إلى الشيخ ميارة ذي العلم الجليل، وبسورة _ح_ المهملة إلى الإمام الحطاب) 4. وقد قال في شأن تسمية هذا الشرح بالبهجة: (أخبرني بعض الطلبة الطالبين للشرح المذكور، الصادق في خلوص الطوية والمحبة، أنّه رأي في المنام أنّي وضعت عليها شرحاً فائقاً كبدر التمام، فزادني ذلك انتشاطاً وتثبتاً بالمقصود، واغتباطاً، لعلمي بصدق طويته وعدم كذبه في خبره على الدوام، وكنت ترددت أياماً في كيفية تسميته فأشار إليّ هاتف في المنام بأنْ نسميه "البهجة في شرح

_ 1 - البهجة في شرح التحفة: 1/ 2. 2 - أنظر ترجمته في القسم التحقيقي: 336. 3 - أنظر نرجمته في القسم التحقيقي: 169. 4 - البهجة في شرح التحفة: 1/ 2 - 3.

التحفة" مأخوذ من قوله- تعالى- {ذَاتَ بَةجَةٍ} 1. وقد فرغ من تأليف هذا الشرح المبارك (1290هـ) 2. وطبع عدّة طبعات، إحداها على الحجر بفاس سنة (1290هـ)، كما طبع مراراً بمصر منها عام (1304هـ) و (1305هـ) بالمطبعة الجديدة الخيرية، وبهامشه "شرح التاودي على التحفة"،- وأيضاً- في (عام 1318هـ). 3 - الجواهر النفيسة فيما يتكرّر من الحوادث الغريبة 3. ذكره جعفر الكتاني وسمّاه "النوازل" 4، ومحمد الكتاني وسمّاه- أيضاً- "النوازل " كما فرق بينه وبين ما جمعه التُّسولي من "وثائق الزياتي" 5، وذكره- أيضاً- مخلوف وقال عنه: (جمع فتاوى شيخه المذكور- أي محمد بن ابراهيم الدكالي- وضمها إلى فتاويه فجاء في مجلّدات) 6، والحجوي- أيضاً- وسمّاه: "بالفتاوى" 7. ولكننا نجد في مقدمة هذا الكتاب ما يدلّ على أن التُّسولي قد اعتنى فيه

_ 1 - نفس المصدر السابق: 1/ 3. والآية: من سورة النمل / 60 وتمامها: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَةجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَةا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}. 2 - أنظر: خاتمة المصدر السابق: 2/ 433. 3 - وقد ذكر الزركلي في الأعلام: 4/ 299، أن جزءاً مخطوطاً منه بالخزانة العامة بالرباط رقم (882= د)، وأخطأ في ذلك، لأن هذا الجزء خاص بنوازل أبي الحسن عيسى بن علي الشريف العلمي، كما وقع في نفس الخطأ بن عبد الله في معلمة الفقه المالكي: 147، حيث أدرج هذه النوازل ضمن مؤلفات التُّسولي"، وقد طبعت هذه النوازل بالمغرب وليس فيها ما يدل على أن التُّسولي جمعها إذ أُثْبِت عليها أنّها من تأليف عيسى بن علي العلمي نفسه. 4 - أنظر: الشرب المحتضر: 19. 5 - أنظر: سلوة الأنفاس:1/ 238. 6 - أنظر: شجرة النور: 397. 7 - أنظر: الفكر السامي: 4/ 132.

بجمع وثائق الزياتي وترتيبها 1، وجمع فتاواه- أيضاً- وفتاوى شيخه، وفتاوى متأخري المغرب. فقد قال: (هذه جملة وافرة جمعتها من فتاوى فقهائنا المتأخرين حملنا على الاعتناء بها والاغتباط بجمعها ما احتوت عليه من مسائل العلم والدين، وربما يعزّ وجود بعضها بل الكثير منها في دواوين من قبلها من المتأخرين والأقدمين. ولما كانت نوازل الفقيه العالم المشارك المحصل أبو فارس سيدي عبد العزيز الزياتي- رحمه الله- لم يستخرج منها إلاّ النذر القليل، وبقيت مسائل كثيرة معرضة للتلاشي والتبديل، وكانت هذه المسائل التي لم تستخرج منها عرض لها التلاشي، من قلّة اعتناء القواشي، واعتنى بتلخيص الكثير منها في ذلك التلاشي، الفقيه العالم فريد عصره ووحيد دهره قاضي القضاة وآخر قضاة العدل سيدي أبو القاسم العميري 2 - رحمه الله-، لكن خلّصها من التلاشي العارض لها، وأبقاها على حالها من اختلاط مسائلها من غير ترتيب ولا تبويب، ولعلّه- رحمه الله- اخترمته المنية قبل أن يفي بما وعد من التبويب، وقبل أن يردّ كل مسألة لبابها المعهود لها على ما هو مطلوب في الترتيب. اقتضت القريحة أن بوّبت ورتبت هذا المختلط، وكذا غيره ممّا وقعت عليه منها مختلطاً ولم يقف عليه القاضي المذكور، وهو من ذلك النمط، وبه في الحقيقة ألتحق وأرتبط، ثم أضفت إلى ذلك المخلص والنذر القليل المستخرج فتاوى ونوازل جمّة صدرت من فحول فقهائنا، وأشياخ أشياخنا الأئمة وغيرهم ممّن تقدمهم أو عاصرهم 3. وهكذا يتبيّن: أن الكتاني وقع في وهم حيث فرق بين النوازل وبين ما جمعه

_ 1 - قال محمد الكتاني- في ترجمة الشيخ التُّسولي-: (وجمع وثائق الزياتى ورتّبها أحسن ترتيب). أنظر: سلوة الأنفاس:1/ 238. 2 - أنظر: ترجمته في: 235. 3 - الجواهر النفيسة فيما يتكرّر من الحوادث الغربية:1/ 1 - أ، ب.

من فتاوى الزياتي، كما يتبيّن أنّ "مخلوفاً" أخطأ في اعتبار هذا الكتاب مقتصراً على فتاوى التُّسولي وشيخه الدكالي. وقد راعى في ترتيب هذه النوازل نسق مختصر الشيخ خليل، حيث قال: (ورتبتها على ترتيب أبواب مختصر الشيخ خليل لتسهل مطالعتها ومراجعتها على كل ذي لب نبيل، فجاءت- والحمد لله- نوازل مفيدة مشتملة على أحكام عديدة، يستحسنها ويستعين بها كل ذى بصيرة) 1. كما نقل في نوازله هذه العديد من فتاوى المتأخرين، فقد قال: (ومهما وجدت أيّه الواقف عليه من بعض المسائل سورة سيدي فالمراد به الشيخ التاودي - رحمه الله-، ومهما وجدت- أيضاً- سورة _خ_ فالمراد به سيدى عبد القادر بوخريص، ومهما وجدت في بعضها- أيضاً- سورة _ع م ر_ فالمراد به سيدي عمر الفاسي، ومهما وجدت سورة سؤال فذلك من أجوبة الشيخ مصطفى- رحمه الله-) 2. وقد قال في ترتيبه لهذه الفتاوى: (ولتعلم- أيضاً- أن كل ترجمة أعيدت بعينها في هذا الكتاب، فما بينها وبين الترجمة الأولى هو النذر القليل المستخرج من نوازل الإمام الزيّاتي، وهو موجود بأيدي الناس اليوم، ويظنون أن ذلك هو تمامها، وأنّها استخرجت كلها وليس كذلك، بل بقي بلا استخراج - كما مرّ- غالبها) 3. ومن خلال استعراضي لبعض المسائل في هذه النوازل، وجدته- رحمه الله - دقيقاً في تطبيق ما ذكره من ترتيبها وتبويبها. ونوازله هذه توجد منها نسخة خطّية بالمكتبة الوطنية بتونس في أربعة

_ 1 - نفس المصدر السابق: 1/ 1 - ب. 2 - نفس المصدر السابق: 1/ 1 - ب. 3 - نفس المصدر السابق.

مجلدات، ويبدو لي أن هناك حزءاً خامساً حسبما رأيته في تملك 1 في الأوراق الأولى منها، قام بتحريره: خليل بن علي بن عبد السلام التُّسولي، ولكنني لم أقف على هذا الجزء. وهذه النسخة يبدو أن بعضها بخط مؤلفها، حيث قال في مقدمته: (ولتعلم أنّ بعضها كتبته بخطي وبعضها بخط غيري بعد أنْ أوقفته على الحل الذي يكتب، ونبهته على كيفية الكتب، ومحل الانتهاء، والمحل الذي تكتب فيه) 2. الجزء الأول منها: يبدأ من الديباجة إلى: آخر السؤال من أعمال الجزائر حين حل خطب الاحتلال الفرنسي، رقم (5354) في: 272 ورقة. الجزء الثاني: يبدأ من نوازل النكاح إلى آخر فصل: لا يجوز بيع ما لا يجوز فيه التفاضل بمثله، رقم (5355) في: 287 ورقة. الجزء الثالث: يبدأ من نوازل الإجارة والجعل والكراء إلى مسائل الفرائض، رقم (5356) في: 326 ورقة.

_ 1 - مضمون هذا التملك: الحمد لله، اشترى الشريف الفقيه العلاّمة سيدى الغالي بن محمد الحسني من أولاد مولانا عبد الرحمن الشريف بعين القاطنين "بالجاية" جميع المجلد على نوازل العلاّمة سيدي: علي بن عبد السلام التُّسولي، وإخوته الأربعة حاز الشريف منها المجلد المكتوب عليه الذي أوله: نوازل الطهارة وآخره: نوازل الجهاد، والرابع منها الذي أوله: الإجارة والجعل والكراء وآخره: التوارث، والخامس الذي أوله: نوازل الجامع، وبقى عند كاتبه سفران كبيران، الأول: النكاح، والثاني: البيوع. باع كاتبه الأجزاء الخمسة للمشتري المذكور بثمن قدره ......... وتملك المشتري مشتراه. بيانها: خليل بن علي بن عبد السلام التُّسولي. أنظر: الجزء الأول من الجواهر النفيسة فيما يتكرر من الحوادث الغربية بالمكتبة الوطنية بتونس (رقم 5354). 2 - الجواهر النفيسة:1/ 1 - ب.

الجزء الرابع: قطعة 2 ضمن مجموع يبدأ من نوازل التصيير والرهن والفلس إلى مسائل الضرر، رقم (5357) في: 244 ورقة. كما توجد نسخة من هذه النوازل بالمغرب في عدّة مجلّدات، أخبرني بذلك الشيخ العلاّمة محمد المنوني حينما قابلته، ولم أتمكن من الاطلاع عليها. 4 - حاشيته على شرح التاودي للاميّة الزقاق 1. هذه حاشية الشيخ التُّسولي على شرح التاودي محمد بن سودة (ت 1209) للاميّة علي بن القاسم الشهير بالزقاق 2، حيث جمع فيها كل ما قيّده على هذا الشرح حينما كان يدرسه للطلبة. وقد قال في شأن هذه الحاشية في مقدمتها: (لما كانت لاميّة أبي الحسن علي الزقاق، أقبلت الطلبة على تدريسها وقراءتها لاختصارها وكثرة فوائدها، وتصدّى لشرحها غير واحد من متأخري الأئمة الحذاق، وكان أفضل شروحها تحقيقاً، وأولاها بالصواب تدقيقاً، مع إيجاز وبسط عبارة، وأبدع ترتيب وحسن إشارة، على الإطلاق، شرح شيوخنا العالم النحرير، وذي العلم الغزير، وحيد عصره شرقاً وغرباً، وفريد دهره عجماً وعرباً، الحائز قصبة السبق في مضمار الكمال من أهل عصره باتفاق، شمس الدين سيدى محمد التاودي،

_ 1 - ذكرها: السلاوي- الاستقصا: 9/ 47، جعفر الكتاني- الشرب المحتضر: 19، محمد الكتاني- سلوة الأنفاس:1/ 238، مخلوف- شجرة النور: 397، الحجوي- الفكر السامي: 4/ 132، الزركلي- الأعلام: 4/ 299، كحالة- معجم المؤلفين: 7/ 122، بن عبد الله- معلمة الفقه المالكي: 146، كنون- النبوغ المغربي: 1/ 312. 2 - أبو الحسن علي بن القاسم، المعروف بالزقاق: فقيه فاس في عصره، كان مشاركاً في كثير من علوم الدين والعربية، زار غرناطة وأخذ عن بعض علمائها، وكتابه هذا عبارة عن منظومة في فقه القضاء وقد طبع مع شرحه للتاودي، كما توجد منه نسخة خطية بالمكبة الوطنية بتونس رقم (18813). من كتبه- أيضا-، المنهج المنتخب إلى أصول المذهب". مات- رحمه الله- "بفاس" (سنة 912هـ). أنظر: التاودي- شرحه على لاميّة الزقاق: 2، مخلوف- شجرة النور: 274، الزركلي- الأعلام: 4/ 320.

أفاض الله علينا وعلى المسلمين من بحر علومه ما تقرّ به العين يوم التنادي، دعتني القريحة الجامدة إلى جمع ما كنت قيدته على شرحه عند أقرائنا به مراراً عديدة ممّا يوضح مشكله ويحل مقفله فأجبت إلى مطلوبها، وبادرت بالإسعاف إلى مرغوبها حرصاً على كمال الفائدة) 1. كما نقل فيها أقوال العديد من فقهاء المالكية، حيث قال: (مشيراً لصاحب هذا الشرح بسورة _ت_، وللإمام الحطاب بسورة _ح_ المهملة، وللشيخ خليل بسورة _خ_ المعجمة، وللشيخ ميارة بسورة _م_ أو بسورة الش، وأصرح بغيرهم، وربما تكلّمت في بعض المسائل مع شراح خليل وغيرهم وقصدي بذلك إيضاح الحق لمن أنصف) 2. وقد فرغ من تأليف هذه الحاشية آخر ربيع النبوي الأنور (عام 1250هـ)، وقد طبعت مع الشرح على الحجر بفاس (عام 1303هـ)، كما طبعت وبهامشها شرح التاودي عام (1304) بالمطبعة التونسية، في: 213 صفحة. كما توجد نسخة خطية منها بالخزانة الملكية بالرباط رقم (1149/ 6747) 3. ونسخة أخرى بالمكتبة الوطنية بتونس رقم (18288) في 65 ورقة. 5 - شرح الشامل لبهرام: هذا شرح التُّسولي لكتاب "الشامل" لبهرام بن عبد الله الدميري (ت 805هـ)، وقد ذكره التُّسولي في كتابه "البهجة في شرح التحفة" في مسائل: معرفة أركان القضاء، حيث قال: (وانظر شرحنا للشامل أول باب الصلح) 4، وهذا ممّا يدلّ على أن شرحه للشامل كان قبل شرحه لتحقة ابن عاصم.

_ 1 - حاشية التُّسولي على شرح التاودي للاميّة الزقاق: 1 - 2. 2 - أنظر: نفس المصدر السابق: 2. 3 - أنظر: بن عبد الله- معلمة الفقه المالكي: 146. 4 - التُّسولي- البهجة في شرح التحفة:

كما ذكره السلاوي في "الاستقصا" 1 وجعفر الكتاني في "الشرب المحتضر" وقال عنه: (في عدّة أسفار) 2، والبغدادي في "هدية العارفين" 3، ومحمد الكتاني في "سلوة الأنفاس" 4، ومخلوف في "شجرة النور" وقال عنه: (في عدّة أسفار) 5، والحجوي في "الفكر السامى" 6، والزركلي في "الاعلام " 7، وكحالة في "معجم المؤلفين " 8. ولكنني لم أقف عليه من خلال تتبّعي لفهارس المكتبات في العالم.

_ 1 - الاستقصا 9/ 47. 2 - الشرب المختصر 19. 3 - هدية العارفين: 1/ 775. 4 - سلوة الأنفاس: 1/ 238. 5 - شجرة النور: 397. 6 - الفكر السامي: 4/ 132. 7 - الأعلام: 4/ 299. 8 - معجم المؤلفين: 7/ 122.

الفصل الثاني حركة التأليف الجهادية في عصر الإمام التسولي

الفصل الثاني حركة التأليف الجهادية في عصر الإمام التُّسولي حركة التأليف الجهادية بالمغرب في عصر التُّسولي: لقد ندب الله- تبارك وتعالى المسلمين للجهاد- حفظاً للدين وصيانة للأعراض والحرمات وردعاً للظالمين وكفا لشرورهم، فقال: {يَا أَيُّةا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} 1 وقال: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ} 2. ولما كانت بلاد المغرب العربي قد بليت بالاستعمار الغربي عموماً، والجزائر والمغرب بالاستعمار الفرنسي خصوصاً في تلك الفترة، تحركت همم الأحرار من الدعاة والعلماء والمصلحين للحثّ على ردّ كيد المعتدين ودفع أذاهم، والتخلص من شرورهم وآثامهم كي تعود للمسلمين عزّتهم وكرامتهم والتمسّك بدينهم من غير خلط ولا تشويش، والعودة ببلادهم إلى حريتها واستقلالها. وقد تنوّعت أساليبهم في ذلك: فتارة بالسنان وتارة باللّسان وتارة بالبنان المتمثل في الفتاوى والمؤلفات الجهادية التي قد تطول أو تقصر حسبما يقتضيه المقام. ولقد عرف المغاربة طريقهم إلى هذا النوع من التأليف نظراً لكونه كان

_ 1 - سورة الأنفال / آية: 65. 2 - سورة البقرة / آية: 251.

أولا - المؤلفات الجهادية العامة

ينسجم مع مواقفهم البطوليّة في التاريخ، ويعبّر عن إحساس الدعاة الأحرار نحو ما يجب عليهم أن يقوموا به من أجل التوعية، ومن أجل إظهار المشروعية الدينية في الدفاع عن حوزة البلاد وعن حماسة الاعتقاد 1. وقد برز على الساحة الجهادية العديد من العلماء الدعاة العاملين، الذين زيّنوا مؤلفاتهم بالأفكار الجهادية، والشعراء والخطباء الذين عملوا على نشر هذه الأفكار، والتي كانت تهدف إلى المطالبة بتجديد الجيش المغربي، وتنادي بالجهاد لتحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي. وسأتحدث عن هذه المؤلفات في مبحثين: أولاً - المؤلفات الجهادية العامة: كان في طليعة من ألّف في ذلك الشيخ التُّسولي الذي احتلّ المكانة الأولى في صفّ المصلحين- كما بيّناه سابقاً- وكما سيأتي في الفصل الرابع في دراسة كتابه الذي هو موضوع هذه الأطروحة. وبرز منهم- أيضاً- "الكردودي الفاسي" 2 مؤلف كتاب "كشف الغمة ببيان أن حرب النظام حق على هذه الأمة" 3.

_ 1 - أنظر: الدباغ- دراسة حول كتاب "فلك السعادة" في مجلة دعوة الحق المغربية، العدد: 246، [ص:152] لسنة (1405هـ/ 1985م). 2 - أبو عبد الله محمد بن عبد القادر الكردودي الفاسي، العلاّمة الكبير. له تآليف عديدة منها كتابه المشار إليه. مات بفاس (سنة 1268هـ). أنظر: جعفر الكتاني- اعلام أئمة الاعلام: 20، محمد الكتاني- سلوة الأنفاس: 2/ 333، التازي- جامع القرويين: 3/ 811. 3 - هذا الكتاب وضعه مؤلفه باسم السلطان عبد الرحمن بن هشام، ورتّبه على عشرة أبواب وخاتمة، وهو مطبوع على الحجر بفاس في 111 صفحة، توجد نسخة منه مخطوطة بالخزانة الملكية بالرباط رقم (5989). أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 25، وبن عبد الله- معلمة الفقه المالكي: 119.

حيث يقول في أوله: (أما بعد: فإني لما رأيت أسباب الجهاد قد أهملت، وآلاته قد أغفلت، وليله اعتمّ بعد أنْ كان مقمراً، ونهاره أظلم بعد أنْ كان نيراء، وغصنه ذوى بعد أن كان مرموقاً ..... ورأيت العدوّ الكافر دمّره الله وأهلكه، وظفر أيدي المسلمين بجميع ما ملكه، وقد استولى على مملكة الجزائر .... حملتني الحميّة الدينية، والغيرة الإسلامية، على أنْ وضعت هذا الكتاب، الجامع لمحاسن اللّباب، المشتمل على صفة الحروب وأسبابها، وموجبات الظفر والهزيمة وآدابها، مع ما توقف عليه من الشورى والعدّة والشجاعة، وأحوال الجند التي بها ينتظم عقد الجماعة 1. ومنهم: محمد بن إدريس 2 الوزير الشهير، تمثلت مشاركته في هذا الجانب بقصائده في الدعوة إلى الجهاد لانقاذ الجزائر. من ذلك قوله: يا أهل مغربنا حق النفير لكم … إلى الجهاد فما في الحق من غلط فالشرك من جنبات الشرق جاوركم … من بعد ما سام أهل الدين بالشطط فلا يغرنكم من لين جانبه … ما عاد على الإسلام بالسخط فعنده من ضروب المكر ما عجزت … عن دركه فكرة الشبان والشمط فواتح المكر تبدو من خواتمه … فعنده المكر والمكروه في نمط وأنتم القصد لا تبقن في دعة … ان السكون إلى الاعدا من السقط من جاوز الشر لا يعدم بوائقه … كيف الحياة مع الحيات في سفط

_ 1 - أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: الم 23 - 24. 2 - محمد بن محمد بن إدريس العمراوي الفاسي، الوزير، الكاتب الشاعر، الأديب الفلكي الرياضي، أخذ العلم بفاس عن عدّة شيوخ منهم: محمد بن الطاهر الحبابي، وحمدون بن الحاج. مات- رحمه الله- بفاس (سنة 1264هـ). أنظر: التازي- جامع القرويين: 3/ 810، المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث:1/ 31، كنون- النبوغ المغربي: 1/ 326 - 327، الأخضر- الحياة الأدبية في المغرب: 409 - 420.

قد يغبط الحرّ في عزّ يخلده … وليس حي على ذل بمغتبط 1 ومن ذلك- أيضاً- قصيدته المسمّاة: "سرية النصر، لأهل هذا العصر" تحتوي على مائتين وعشرين بيتاً يقول في أولها: فرض على كل مسكين وسلطان … حمل السلاح على عباد أوثان فحمله شرف عال ومفخرة … خص الإله بها أعزّ عبدان لا شيئ أحسن من صوت السلاح على … الاعناق في طاعة المولى ورضوان فهو الوسيلة في نصر الإله لكم … ونصرة المصطفى أجل عدنان 2 ومن أشعاره- أيضاً- القصيدة التي أنشدها عندما استولت فرنسا على مدينة تلمسان 3، وأولها: يا ساكني الغرب الجهاد الجهاد … فالكفر قد شارككم في البلاد والشرك قد نصب أشراكه … مستعبداً بكيده للعباد ويا حماة الدين ما صبركم … والمشركون يطلبون البداد ما هذه الغفلة عن جندكم … وأنتم في الحرب أسد الجلاد 4 ومنها: تذكروا وقعة اندلس … وأبصروا منها سبيل الرشاد

_ 1 - أنظر: المنوني: مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 31، وعزا نقله إلى "الحلل البهية في تاريخ ملوك الدولة العلوية" لمحمد المشرقي، مخطوط الخزانة العامة بالرباط (رقم 1463). 2 - أنظر نفس المصدر السابق. 3 - قصيدة طويلة يبلغ عدد أبياتها 111 بيتاً. وتوجد في آخر مجموع مخطوط بالخزانة العامة بالرباط (رقم 1388 - د) ونسخة أخرى بالخزانة الملكية (رقم 4719 - 7170). أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 34، بن عبد الله- معلمة الفقه المالكي: 119. 4 - أنظر: نفس المصدر السابق: 1/ 32.

لتعلموا غدر العدوّ وما … رمى به من كل خطب نآد تحملوا من غدرهم سبة … امرض حملها القلوب وآد ان الخداع عنده سنة … والنكث دينه متى ما أراد 1 ومنها: آه على ثغور عز غدت … بعد التبسم كساها الحداد أما لأهل الدين من واعظ … أما لأهل العقل من ذي رشاد يا أيها الناس اتقوا ربّكم … وجاهدوا في الله حق الجهاد 2 ومنهم: الوزير محمد المكناسي 3، له أشعار في واقعتي "الجزائر" و "تطوان "، منها القصيدة التي أنشأها بعد احتلال "تلمسان": ما لي أرى جفن أهل المغرب وسنانا … من بعد ما أخذ الرومى تلمسان كأنهم ما دروا ماذا يريد بهم … عدوّ دينهم، لا نال امكانا لا عذر للمسلمين في لا تكاسل … عن جهاده حسبة منهم وايمانا أين الكماة الحماة ما لهم رقدوا … والكفر في أخذهم ما زال يقظانا؟ كأن أهل الجزائر وغيرهم … ليسوا لنا باعتبار الدين اخوانا كأن ما هم به من الهوان على … من قد عداهم من أهل الدين قد هانا يا معشر المسلمين استيقظوا وخذوا … من العدا حذركم سراً واعلانا 4

_ 1 - أنظر: نفس المصدر السابق: 1/ 33. 2 - أنظر: نفس المصدر السابق: 1/ 34. 3 - محمد بن محمد غريط الأندلسي: وزير أصله من الأندلس، هاجر أسلافه وسكنوا "مكناسة" بالمغرب، تعلّم بها ثم انتقل إلى فاس فولاه المولى عبد الرحمن بن هشام رياسة وزارته، وكان من الكتّاب الفضلاء، وله نظم. مات بفاس (سنة 1280هـ). أنظر: الزركلي- الأعلام: 7/ 74، المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث:1/ 34.

ومنهم: الغالي بن محمد اللجائي 1، ألّف: "مقمع الكفرة بالسنان والحسام، في بيان ايجاب الاستعداد وحرب النظام" 2 رتّبه على خمسة عشر باباً وردت عناوينها هكذا: ـ[الأول]ـ: في ايجاب صرف الهمة للاستعداد، وجبر الإمام الرعية عليه لكون العدوّ الكافر بالمرصاد. ـ[الثاني]ـ: في عقوبة من أعرض عن الاستعداد، بعدما عينه الإمام لأمر الجهاد. ـ[الثالث]ـ: في ايجاب حرب النظام، وزجر من رغب عنه بعد التعيين من الإمام. ـ[الرابع]ـ: في حرمة ترك الرعية على قبيح فعلها، ووجوب زجرها على عصيانها وغيّها. ـ[الخامس]ـ: في الجند والعلم الواجب عليه وأمرائه، والوصايا المختصة بعرفائه ونقبائه. ـ[السادس]ـ: في موجبات الظفر والهزيمة، وشرح أحوالهما وصفاتهما المحمودة والذميمة. ـ[السابع]ـ: في إيجاب الصبر والجهاد على الرعية، وإنْ لم يحز المتولي الصفة السنية. ـ[الثامن]ـ: في مدح الشورى، وفضل عاقبتها في الدنيا والأخرى. ـ[التاسع]ـ: في جواز المهادنة والصلح مع العدوّ الكافر، وذلك لما يعرض من المصلحة والغرض الظاهر.

_ 1 - الغالي بن محمد الحسني الإدريسي العمراني المعروف "باللجائى": الفقيه العلاّمة المشارك، من كتبه- أيضاً- "دوحة المجد والتمكين"، وكتاب "ابطال الشبه ورفع الالتباس". مات- رحمه الله- بفاس (سنة 1289هـ). أنظر: التازي- جامع القرويين: 3/ 813، المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 336. 2 - مخطوط بالمكتبة الملكية بالرباط تتوافر منه ثلاث نسخ تحمل أرقام: (965، 1030، 1443). أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 338.

ـ[العاشر]ـ: في الخصلة التي يفزع الملك إليها عند الشدائد، وما فيها من المحاسن والفوائد. ـ[الحادي عشر]ـ: في محاسن العفو ومناقبه، وسموّ قدره ومحمود عواقبه. ـ[الثاني عشر]ـ: في الخصلة التي يسترق بها كل موجود، وهي السخاء والكرم والجود. ـ[الثالث عشر]ـ: في العدل وعدم الثقة بالولاة والعمال، ليصفو الأمر للإمام ويزول عنه الخبال. ـ[الرابع عشر]ـ: في ذكر الشجاعة والشجعان، وعظيم قدر الخصلة المحمودة بين الأقران. ـ[الخامس عشر]ـ: في مطلوبية تسهيل الحجاب، لأنّ به يدوم الملك ويحصل الأجر والثواب 1. وقد قال- في صفحات من كتابه هذا-: (والآلة والاستعداد المطلوبان في هذا الزمان، هما ما يقاتل العدوّ الكافر- دمره الله وأهلكه- بهما المسلمين، من حرب النظام ومدفع ومتعلقاتهما ....... فالشأن كل الشأن الاكثار من المدافع والمهاريس في هذا الوقت، ومن يرمى بهما مع إحسانه واتّقانه للرمى أي معرفة الإصابة فيه، مع أمر صاحب الخيل بضرب الصفوف والركوب، والموكل بالمدافع والمهاريس بالرمي بهما لتتدرّب على الحروب ........ إذا تقرّر هذا ظهر أن الإمام- أحسن الله إليه ما يبتغيه- عليه المدار في الجبر على الاستعداد والاستنفار، وأن الاستعداد بآلة المدافع والمهاريس وعسكر النظام، أمر حتم قطعاً على الإمام، يجبر عليه الرعية، وبه يحصل قمع وقهر أعداء الملّة المحمدية .... فحقيق على الإمام أنْ يسلك بالرعية تلك المسالك، وإلاّ وقعت في الردى والمهالك) 2.

_ 1 - أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 336 - 337. 2 - أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 338 - 339.

ثانيا - المؤلفات الخاصة بتنظيم الجيش

ثانياً - المؤلفات الخاصة بتنظيم الجيش: وممّن برز في هذا النوع من المؤلفات "ابن عزوز" 1 صاحب الرساله فى تنظيم الجيش المغربي التي ألّفها للسلطان المولى عبد الرحمن، وسمّاها: "رسالة العبد الضعيف إلى السلطان الشريف" 2. حيث افتتحها بعد خطة قصيرة بقوله يخاطب- الملك المغربي-: (أمّا بعد فلا شك أنّ غرضك السديد، وتدبيرك المفيد، تعلق بالعسكر. وأراد جمع الجيش الأكبر. مع علم سيدنا أيّده الله أنّ العسكر يحتاج إلى التهيء لما لا بدّ له منه ... وها أنا أرتب لك ذلك في هذه الرسالة، وأرجو به الفوز يوم القيامة) 3. وقال- في الفصل الثاني-: (أعلم أيّها المنصور بعون الله، المجاهد في سبيل الله، المخلص الأعمال لله، أنّ النصارى ملكوا الجزائر، وسبوا نساءها، وأخذوا أولادها، وغنموا أموالها .... فوجب عليك- نصرك الله- التهيؤ لهم، وجمع العساكر للقائهم) 4. ومنهم محمد بن أحمد الخوجة 5 صاحب "رسالة في تنظيم الجيش المغربي" 6 التي تشتمل على مقدمة باللغة التركية المزيجة بالفارسية، وثلاثة فصول:

_ 1 - لم أقف على ترجمته. 2 - يوجد طرف من هذه الرسالة بالخزانة العامة بالرباط (رقم: 1623 = د). أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 25. 3 - أنظر: نفس المصدر السابق: 1/ 26. 4 - أنظر: نفس المصدر السابق: 1/ 26 - 27. 5 - محمد بن أحمد الخوجة التونسي، كان أحد مدربي العسكر النظامي المغربي، ترأس الجيش النظامي في عهد محمد الرابع، مات بمراكش (سنة 1292هـ). أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 151. 6 - مخطوط بالخزانة العامة بالرباط، (رقم: 2733). أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث:1/ 153.

الفصل الأول: في رتبة المائة. الفصل الثاني: في رتبة الألف. الفصل الثالث: في مرتبة الجيش من العسكر. وهو يشرح في كل فصل الرتبة المعنيّة، فيحدّد مدلولها، ويذكر رؤساءها، ومهمتهم، وترتيب وقوف كل فرقة، كما يوضح أنظمة الجيش برسوم موسعة. وقد قال في خطة هذه "الرسالة": (وجعلناه مختصراً لطيفاً في خدمة العسكر وقوانينه وحروبه، لأنّ الحرب خدع، فينبغي للمعلم أنْ ينظر في أحوال القتال، فكلما أتى العدوّ بحيلة في الحرب لا بدّ له أن يصنع حيلة ضدها، ليبطل له علمه بها، والقتال له أصناف عديدة: قتال في الجبال، وقتال في الأودية والشعاب، وقتال في الأرض المستقيمة، هذا إذا كان القتال بالعسكر مع عسكر العدوّ، وإذا كان مع القبائل والعربان فله قوانين أخر، وسأبيّن لك ذلك- إنْ شاء الله- على التفصيل، قاصداً بذلك نيّة الجهاد، وتحصيل الأجر والثواب) 1. ومنهم: المكي بن قصابة الرباطي 2 قام بتأليف أرجوزة سمّاها: "تذكرة المجالس في علم المدافع والمهاريس" 3، وضعها في شعبان (عام: 1288هـ) في 532 بيتاً، تناول فيها الرماية بالمدفع والمهراس 4 والباز 5، مع توضيح مواضيعها برسوم عديدة 6.

_ 1 - أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 153. 2 - المكي بن قصابة بن محمد الرباطي، كان حيًّا في أواخر القرن الثالث عشر بدليل أنه انتهى من أرجوزته المشار إليها في شعبان سنة (1288هـ). أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 155. 3 - منها نسخة بالمكتبة الملكية بالرباط، آخر المجموع الذي يحمل رقم (1043) من [ص:67] إلى [ص:112] (المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 155). 4 - مدفع الهاوون. أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 154. 5 - نوع خاص من المدافع. أنظر: نفس المصدر السابق. 6 - أنظر: نفس المصدر السابق.

ومنهم: محمد المهدي بن الطالب ابن سودة 1، ألّف رسالة "حول تنظيم الجيش" 2 بنى عليها رغبته في اتخاذ تلك التنظيمات الحديثة، ثم استخرج أصول ذلك من صميم التشريع الإسلامى: آيات قرآنية، وأحاديث نبويّة، ليعلن أن هذا النظام يتحتّم الأخذ به، ثم ختم الرسالة بتوجيهات ضمنها آراءه في طريقة تنظيم الجيش المغربي الحديث 3. وإلى غير ذلك من المؤلفات الجهادية التي تدل على همة علماء المغرب في ذلك العصر وتحمّسهم نحو أداء رسالتهم التي أوجبها الله- تعالى- عليهم، والتي هي وليدة الظروف التي عاشوها، فاتسمت بطابع خاص تبلور على شكل رسائل وقصائد علاوة على الدراسات ذات الطابع الفقهي الجهادي.

_ 1 - محمد المهدي بن الطالب ابن سودة، الفقيه القاضي، العلاّمة. تولّى قضاء "مكناسة الزيتون"، وكان أستاذ المجالس الملكية، له: "حاشية على جمع الجوامع" و"حاشية على شرح السلم" في المنطق. مات- رحمه الله- بفاس (سنة: 1294هـ). أنظر: جعفر الكتاني- الشرب المحتضر: 40، محمد الكتاني- سلوة الأنفاس:1/ 303، التازي- جامع القرويين: 3/ 813. 2 - تقع هذه الرسالة في ست صفحات، وهي مكتوبة بخط مؤلفها ضمن كراسة صغيرة بالمكتبة الأحمدية. (المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث:1/ 340). 3 - أنظر: نفس المصدر السابق: 1/ 339 - 340.

الفصل الثالث التعريف بالكتاب

الفصل الثالث التّعريف بالكتاب أولاً: "عنوان الكتاب وصحة نسبته للمؤلف": لم تتفق تسمية الكتاب عند من ذكره من المؤرخين، ووجد اختلاف شكلي يتعلّق باللّفظ دون أن يمسّ محتوى الكتاب، فمنهم من صرّح به تصريحاً، ومنهم من ذكره ضمنيًّا. قال السلاوي: (وفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين وألف ورد سؤال من عند الحاج عبد القادر بن محيي الدين إلى علماء فاس يقول- ما نصّه- "الحمد لله سادتنا الأعلام ... إلخ " وقد أجاب عن هذا السؤال بإشارة السلطان الفقيه العلاّمة أبو الحسن علي بن عبد السلام التُّسولي بجواب طويل يشتمل على خمس كراريس وزيادة) 1. وقال الأمير محمد- أيضاً-: (وفي اليوم التاسع عشر ذي الحجة سنة مائتين واثنين وخمسين توجّه السيد ابن عبد الله بالهدية والكتاب والأسئلة .... فأرسله إلى شيخ الإسلام إذ ذاك العلاّمة أبو الحسن علي بن عبد السلام التُّسولي، وأمره أن يجيب عنها جواباً شافياً موضحاً كافياً) 2. وقال المهدي الوزاني- بعدما أورد جواب الشيخ عبد الهادي العلوي على سؤال ورد من الأمير عبد القادر-: (وأجاب عقبه الفقيه التُّسولي شارح "التحفة" وغيرها بجوابين، أحدهما طويل في نحو خمس كراريس) 3، والمقصود به هنا هذه الأجوبة.

_ 1 - الاستقصا: 9/ 45 - 46. 2 - تحفة الزائر: 1/ 207. 3 - المعيار الجديد: 10/ 207.

وقال الشيخ مخلوف- في ترجمة التُّسولي-: (وفي سنة (1252هـ) بعث الأمير الحاج عبد القادر بن محيي الدين سؤالاً لعلماء فاس، في شأن الخَطْب الذي حلّ بالقطر الجزائري وأجابه عنه برسالة في عدّة كراريس) 1. كما صرّح به الزركلي حيث سمّاه "جواب عن سؤال لعبد القادر الجزائري" 2، والمنوني حينما قال: (فقد ضمن جوابه البسيط الذي أجاب فيه عن الأسئلة التي رفعها- إلى علماء فاس- محيي الدين الأمير عبد القادر الجزائري عدّة توجيهات وأفكار ... ) 3. بينما نجد الجيلالي ضمنه تضميناً عند حديثه عن سعي الأمير عبد القادر إلى توحيد المغرب العربي، حيث قال: (ومن ذلك ما نراه فعل هذه المرّة 19 ذي الحجة 1252هـ/27 مارس 1837م من ايفاد العالم الجزائري الشيخ عبد الله السقاط إلى سلطان المغرب الأقصى المولى عبد الرحمن بن هشام، مصحوباً بهدايا نفيسة وتحف ثمينة، حاملاً معه خطاباً مطوّلاً شرح فيه الأمير سياسته الداخلية وما أجراه مع جيشه من تطوّر في النظام .... وأدرج ضمن ذلك أسئلة شرعية كثيرة تتعلّق بتسيير شؤون الملك والإمارة، وما يخمن الرعية نحو الأمير، وكيف ينبغي أن تكون معاملة المسلمين مع خصومهم من الأعداء المحاربين من مسائل تتعلّق بشأن المظالم، وأحكام البغاة المفسدين ..... فتقبّل السلطان الرسول بقبول حسن وأكرمه ثم ردّه بمثل ما جاء به من هدايا وصلات متنوعة متبرّعاً على الحكومة الجزائرية بمدافع وخيول وأدوات وآلات حربية كثيرة، وكتب إلى الأمير كتاباً يحرضه فيه على الاستمرار على الجهاد، وضمنه جوابه علماء المغرب عن الأسئلة المذكورة) 4.

_ 1 - شجرة النور: 397. 2 - الأعلام: 4/ 299. 3 - مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 27. 4 - تاريخ الجزائر العام: 4/ 156.

ثانيا: محتواه وأسلوبه

وقد سمّاه بن عبد الله "بفتوى في معاقبة العملاء والخونة من المسلمين 1 الجزائر" 2، كما سمّي بذلك- أيضاً- في فهرس دار الكتب الوطنية بتونس. :قد صرّح الإمام التُّسولي في كتابه (البهجة في شرح التحفة" بتسمية هذا الكتاب، حيث تال- في فصل الغصب والتعدّي-: (وقد بسطا الكلام على ذلك بما يشفي الغليل- إن شاء الله- في الفصل الثالث والسادس من أجوبتنا لأسئلة الإمام محيي الدين الأمير عبد القادر) 3. هذا إلى جانب ما جاء في غلاف إحدى النسخ 4 التي اعتمدتها في تحقيق هذا الكتاب في التصريح بهذه التسمية وهو: (أجوبة الإمام العلاّمة النوازلي أبي الحسن التُّسولي للشيخ عبد القادر بن محيي الدين). ونتيجة لذلك فإنني رجحت التسمية التي ضمنها أغلب الأئمة -أجوبة التُّسولي عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد- لأنه يغلب على ظنّي أنها أدل على فحوى هذا الكتاب ومحتواه. وبعد هذه المقدمة المتضمنة للمصادر الوافرة التي ذكرت هذا الكتاب، ونسبته لأبي الحسن التُّسولي، إلى جانب توافر النسخ الخطية الدّالة على كونه مؤلف هذه الأجوبة، لا يبقى في النفس أدنى مجال للشك في نسبة الكتاب للإمام التُّسولي رحمه الله. ثانياً: محتواه وأسلوبه: - محتواه: لم يقتصر الإمام التُّسولي في ردّه على الأسئلة الجزائرية بردّ مختصر يتضمّن

_ 1 - هكذا ورد والأصح أن يقول (مسلمي). 2 - معلمة الفقه المالكي: 147. 3 - البهجة في شرح التحفة: 2/ 351 - 352. 4 - الطبعة الحجرية لهذا الكتاب.

الإجابة عنها، وإنّما جعله مؤلفاً متكاملاً في الجهاد قسّمه إلى خمسة مسائل، والمسائل إلى فصول، وهى كما يلي: ـ[المسألة الأولى]ـ: فيها سبعة فصول: ـ[الفصل الأول]ـ: فيما يفعل مع قبائل الزمان المنهمكين في الحرمات والعصيان. ـ[الفصل الثاني]ـ: في دليل عقوبة كاتم الجواسيس والفعل به، وغيرهم ممّن يستحقون العقاب. ـ[الفصل الثالث]ـ: في كون الرجل يؤاخذ بجريرة قومه. ـ[الفصل الرابع]ـ: فيما لا يجوز للنصارى بيعه، ولا يحلّ لنا أن نمكنهم بوجه من تناوله. ـ[الفصل الخامس]ـ: في معاقبة العاصي بالمال، وما فيه من الخلاف في القديم والحال. ـ[الفصل السادس]ـ: في زيادة تحقيق بعض ما تقدّم، وكيفيّة إجرائه على المنصوص. ـ[الفصل السابع]ـ: في حرمة ترك الإمام الرعية على ما هم عليه، وكيفيّة سيرته مع رعيته ومع العمّال لديه. ـ[المسألة الثانية]ـ: فيها فصلان: ـ[الفصل الأول]ـ: حكم المتخلف عن الاستنفار، وما عليه من العقاب من العزيز الجبّار. ـ[الفصل الثاني]ـ: فيما ينبغي للإمام فعله قبل الاستنفار، وفيمن يجب استنفاره من الرعية، وكيفية التدريب للحروب، وذكر مكائدها ليظفر الإمام بالمرغوب. ـ[المسألة الثالثة]ـ: جعلها مستقلة من غير فصول، فناقش فيها قضية مانع الزكاة ووجوب مقاتلته عليها إجماعاً.

أسلوبه

ـ[المسألة الرابعة]ـ: فيها أربعة فصول: ـ[الفصل الأول]ـ: فيما يجب على الإمام من إجبار الرعية على الاستعداد، لأن العدوّ دائماً له بالمرصاد. ـ[الفصل الثاني]ـ: في جواز صلح العدوّ إنْ كان مطلوباً، وعدم جوازه إنْ كان طالباً. ـ[الفصل الثالث]ـ: فيما يرتزق منه الجيش إن عجز بيت المال، ووجوب المعونة بالأبدان إن افتقر إليها في الحال. ـ[الفصل الرابع]ـ: في حكم من ساكن العدوّ الكفور، ورضي بالمقام معهم ففي تلك الثغور. ـ[المسألة الخامسة]ـ: فلا شيء يتعلّق بها، بل هي قائمة بنفسها وبجميع الفصول. وبعد هذه المسائل جعل للكتاب خاتمة ضمنها الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدلّ على الابتلاء والامتحان الذي هو سنة الله في خلقه، كما حثّ فيها على الصبر في الشدائد والتمسّك بالكتاب والسنة، هذا إلى جانب الكثير من المواعظ والعبر، ووقائع الأنبياء والصالحين وما اتّصفوا به من تقوى وورع. - أسلوبه: اتّبع التُّسولي في أجوبته هذه أسلوب المدقق المحقّق في النصوص، فقد كان- رحمه الله- دقيقاً في نقله للنصوص ما عدا البعض منها، وكان لا يكتفي في كل قضية يطرقها بنقل ما قاله الفقهاء فيها، وإنما كان يناقش ويحاور ويطرح وجهة نظره فيها مدلّلاً ذلك بالأدلة النقلية من الكتاب والسنة والعقلية، ومن ذلك قوله - في قضية عقوبة كاتم الجواسيس- بعد أن أورد أقوال الفقهاء فيها-: (إذا كان يقاتل من أراد إفساد الكروم وغابة الزيتون- كما مرّ- فكيف بمن يريد إفساد الدين بالكتم على الجواسيس، ونقل الأخبار، ومبايعة الكفار، فهم أسوأ حالاً

من المحاربين، لأنهم تولّوا الكفار ومن يتولّ الكفار فهو منهم) 1. فكان لا ينتقل من قضية إلى أخرى، ومن فصل إلى فصل، حتى يتعمّق ويغوص ويشبع كل جوانبه بالبحث والتقصّي والتحقيق والتمحيص. كما التزم- رحمه الله- بعد كل قضية يطرحها بالحثّ على الجهاد في سبيل الله، وعدم التخاذل والتكاسل، والتذكير بعظم ثواب الشهادة لإعلاء كلمة الله، كما اهتمّ عقب كل قضية بوضع نتيجة تتضمّن النهي عنها أو الأمر بها بحسب موضعها، وذلك كقوله- بعدما طرح قضية أكل أموال الناس بالباطل-: (فانظروا- أيدكم الله-! في هذا الوعيد اللاحق لأكل أموال الناس بالباطل- ما أفضعه وما أبشعه- حتى كان الدانق الذي هو: سدس الدرهم يودي بسبعين صلاة مقبولة في جماعة، فعلى من له اليد القوية أن يبادر إلى التغيير على من كانت يده سريعة لأكل الأموال أيًّا كان عاملاً أو غيره، لئلاّ يكون راضياً بفعله) 2. وقد وضع في خاتمة بعض المسائل ما يتحصل منها ممّا يدل على تمكّنه وسعة مداركه، ومن ذلك قوله في آخر المسألة الأولى- بعد أن شرح فصولها-: (وبتمام هذه الستة فصول، وإجراء الأحكام على ما اشتملت عليه من الأصول، ينزجر الظالم الجسور، وبإهمالها تُهتك الستور، ويستولى على الإسلام العدوّ الكفور وبتأملها يُعلم حكم الله في الفريقين اللّذين أشرقم لهما في السؤال، والله أعلم) 3. وهو في كثير من المسائل يستشهد بالآيات القرآنية والأحاديث النبويّة والقواعد الأصولية والفقهية، وينقل آراء فقهاء المذهب المالكي، كما أنه في بعض المسائل ينقل أقوال المذاهب الأخرى، كما هو الحال في فصل عقوبة العاصي بالمال 4.

_ 1 - أنظر القسم التحقيقي: 170. 2 - أنظر القسم التحقيقي: 248. 3 - أنظر القسم التحقيقي: 267. 4 - أنظر القسم التحقيقي، الفصل الخامس [ص:223]. والفصل السادس [ص:240] من المسألة الأولى.

ثالثا: مصادره

فنتيجة لذلك كان أسلوب أجوبته- رحمه الله- أسلوباً موضوعيًّا يتّسم بالقوّة والدقة، وخاصة أنه كان موجهاً لأمير مجاهد يريد أن يتّبع القول الحق، لإعلاء كلمة الله وطرد المستعمر الكافر. ثالثاً: مصادره لقد تنوّعت المصادر التي اعتمد عليها الإمام التُّسولي في أجوبته سواء منها ما صرّح به أو سمى مؤلفها، فشملت الفقه والأصول والسياسة الشرعية وكتب الجهاد والحديث والتفسير وغيرها، سواء المتقدّم منها أو المتأخر. وسأكتفي هنا بذكرها 1 دون التعريف بها، لأني عرّفت بها في القسم التحقيقي. مصادر الفقه والأصول: أجوبة أبي الوليد محمد بن رشد وهي المسمّاة "بفتاوي ابن رشد". البيان والتحصيل له- أيضاً- التاج والإكليل في شرح مختصر خليل لأبي عبد الله المواق. التلقين للقاضي عبد الوهاب. التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب للشيخ خليل. الذخيرة: لأبي العباس أحمد بن إدريس القرافي. الرسالة: لأبي محمد بن أبي زيد القيرواني. الشامل: لبهرام بن عبد الله الدميري. شرح التاودي للاميّة الزقاق. شرح الرباطي للعمل الفاسي لأبي زيد محمد بن قاسم السجلماسي الرباطي.

_ 1 - موزعة على فنونها ومرتبة ترىتيباً هجائياً.

شرخ الزرقاني على خليل. شرح العمل الفاسي للقاضي أبو القاسم العميري. العتبية لأبي عبد الله محمد القرطبي الأندلسي. قوانين ابن جزي. الكافي ليوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد الله القرطبي. المتيطة، لأبي الحسن علي المتيطي، الذي سمّاها "النهاية والتمام في معرفة الوثائق والأحكام". مختصر ابن الحاجب. مختصر خليل. المدوّنة الكبرى لابن القاسم برواية الإمام سحنون عنه. المستصفى للغزالي. المعيار المعرب والجامع المغرب في فتاوي إفريقية والأندلس والمغرب للونشريسي. المقدمات والممهدات لابن رشد. مواهب الجليل في شرح مختصر خليل لأبي عبد الله محمد الرعيني المعروف بالحطاب. نظم عمل فاس لأبي زيد عبد الرحمن الفاسي. النوادر والزيادات، للإمام عبد الله بن أبي زيد القيرواني. نوازل البرزلي، الذي سمّاه "جامع مسائل الأحكام ممّا نزل من القضايا للمفتين والحكام". نوازل الزياتي، الذي سمّاه "الجواهر المختارة مما وقفت عليه من النوازل بجبل غمارة". نوازل القرويين، لأبي عبد الله محمد بن عبد النور.

مصادر السياسة الشرعية والجهاد والسير والتصوف

مصادر السياسة الشرعية والجهاد والسير والتصوّف: تبصرة الحكّام للإمام ابن فرحون. دوحة الناشر لأبي عبد الله محمد ابن عسكر. سراج الملوك لأبي بكر الطرطوشي. عيون الأخبار، لأبي محمد المعروف بابن قتيبة. فلك السعادة الدائر بفضل الجهاد والشهادة للفقيه محمد المدعو عبد الهادي بن عبد الله العلوي. قوت القلوب في معاملة المحبوب، لأبي طالب محمد المكي. كتاب الجهاد، لأبي جعفر عبد الرحمن الدمياطي. وفيات الأعيان، لابن خلكان. مصادر الحديث: بحر الأسانيد في صحاح المسانيد، للسمرقندي. سنن أبي داود. شفاء الصدور، لابن السبع الإمام أبي الربيع سليمان السبتي. صحيح البخاري. صحيح أبي عوانة. صحيح مسلم. المستدرك على الصحيحين، للحاكم. مسند أحمد بن حنبل. مصادر التفسير: أحكام القرآن، لابن العربي.

رابعا: أهميته وانتشاره

تفسير البيضاوي، الذي سمّاه "أنوار التنزيل وأسرار التأويل". تفسير القرآن، لابن النحاس. تفسير القرطبي، الذي سمّاه "الجامع لأحكام القرآن". تفسير ابن عطية، الذي سمّاه "المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزنيز". الكشاف عن حقائق التنزيل، لأبي القاسم الزمخشري. كما استشهد بأقوال كثير من أعلام المذهب المالكي مثل ابن القاسم وابن بشير وأشهب والشيخ محرز واللّخمي والشاطبي والشيخ زروق وميارة والشيخ عبد القادر الفاسي والشيخ الزرقاني والتاودي بن سودة وغيرهم. رابعاً: أهميته وانتشاره: كتاب "أجوبة التُّسولي" ذو أهمية بالغة في بابه فهو إلى جانب كونه مؤلفاً فقهياً يعتبر رسالة مستقلة في الجهاد العملي، وذلك لأسباب كثيرة، فقد كان مؤلفه من الفقهاء الكبار في عصره وصاحب قدم راسخة في النوازل والأحكام، فقد وصفه الأمير محمد بأنه شيخ الإسلام 1. وهذا الكتاب وليد الأحداث السياسية التي جدّت في ذلك العصر، ذلك أنّ أبا الحسن التُّسولي لم تأته فكرة الكتاب من فراغ، وإنّما جاءت ضرورة ملحّة تقتضيها أجواء المجتمع الإسلامي، فقد كان منشؤه أساساً تلك الأسئلة التي وجهها الأمير عبد القادر المجاهد عند احتلال الفرنسيين للجزائر يستفتي فيها علماء فاس في شأن القبائل التي تساعد المستعمرين وتتكتّم على جواسيسهم، قال الأمير محمد: "قد كان الأمير يعاقب من وقع في أيدي ضباط الثغور من أشقياء المتنصرة كالدوائر والزمالة والبرجية وغيرهم ممّن يواصل العدوّ ويتسلّل إلى مدنه بما اختلسه من المسلمين من عروض وماشية بما دون القتل إلاّ من تحقّق ضرره للمسلمين، فكان يأمر بقتلهم ثم بدا له أن يستفتي المحقّقين من علماء مصر وفاس

_ 1 - أنظر: تحفة الزائر: 1/ 207.

في شأنهم، وشأن مانعي الزكاة، والإعانة التي افترضها للقيام بأمر الجهاد وغير ذلك، ممّا اضطرّه الحال إلى السؤال عنه تأكيداً لحجته وتوطيداً لمحجته" 1. كما قال الشيخ مخلوف:- في ترجمة التُّسولي- (وفي سنة 1252هـ بعث الأمير الحاج عبد القادر بن محيي الدين سؤالاً لعلماء فاس في شأن الخطب الذي حلّ بالقطر الجزائري وأجابه عنه برسالة في عدّة كراريس وهذا الخطاب تسبّب عنه استيلاء فرنسا على الجزائر سنة 1246هـ وعلى بقية القطر شيئاً فشيئاً) 2. وهذا الكتاب يفتح المراسلات بين الأمير عبد القادر الجزائري والمولى عبد الرحمن بن هشام باعتبار أن الأسئلة التي أرسلها الأمير عبد القادر إلى المولى عبد الرحمن أجاب عنها الإمام التُّسولي فكان كما قال الشيخ الفاضل بن عاشور- حينما أورد الرسائل الستة بين الأمير والمولى عبد الرحمن-: (فتكون الرسالة الأولى هي رسالة سنة 1252هـ، ولعلّ المكتوب المجاب بها عنه هو مبدأ الاحتمال. فإنه: "ذكر في حوادث سنة اثنتين وخمسين ورود سؤال الأمير عبد القادر إلى علماء فاس بشأن حكم المتعاونين مع العدوّ من المسلمين، وحكم دفع الزكاة والإعانة إلى متولي الجهاد" ولم يرد شيء من الأمير عبد القادر قبل ذلك، وأعقب هذا الخبر بإشارة السلطان على الإمام التُّسولي أن يتولّى تحرير الجواب عن تلك المسألة) 3. وهو يعدّ أول مظهر لليقظة الجهادية بالمغرب الحديث حديث ضمنه عدّة توجيهات وأفكار تتناول واقع الحياة إذ ذاك بالمغرب 4، وممّا كتبه بخصوص تنظيم الجيش: ( .... ولذا قالوا: يجب على الإمام أن يهتمّ بأمور الجهاد فيأمر كل قبيلة بتعلّم الحروب والتدريب، وإن رأي أن يعين من كل قبيلة مائة أو أكثر تتعلّم الحروب مهيئة نفسها لكلمة الأمير، وتكون تلك المائة من

_ 1 - نفس المصدر السابق: 1/ 206. 2 - شجرة النور: 397. 3 - أنظر: من وثائق الوحدة في "مجلة الفكر" عدد سنة 1960 [ص:540]. 4 - أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 27 - 28.

الوجوه الذين لا يولّون الأدبار، وعند كل خمسة أشهر ونحوها يأمر بالضرب بين يديه بمرأي منه، فمن رآه منهم كثير الإصابة والتدريب أحسن إليه، وقرّبه لديه، وهكذا حتى يعرف من كل قبيلة أبطالها وشجعانها، فيعينهم حينئذ للاستنفار: الأمثل فالأمثل، ومن وجده من القبائل لم يعتن بما أمره به من تعلّم الحروب أهانها وأهان قائدها ولامهم على مخالفة أمره، ولا يتّكل في اختيارهم على غيره فينتظم الأمر حينئذ) 1. كما امتاز هذا الكتاب بالشمولية فإلى جانب كونه مؤلفاً جهادياً مستقلاً تناول فيه مسائل ذات أهمية بالغة- كما بيّنّاه سابقاً- ناقش فيه- أيضاً- بعض القضايا التي لها صلة بالجهاد وجعل لها فصولاً مستقلة فتعرض لقضية عقوبة العاصي بالمال، وعقوبة مانع الزكاة وأخذ الغير بجريرة قومه وغيرها. وقد جمع في كتابه هذا الكثير من الأقوال والمسائل الفقهية الجهادية التي رويت عن الإمام مالك وأعلام مذهبه هذا إلى جانب بيان وجهة النظر في المذاهب الأخرى في بعض الأحيان. كما جمع الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة وآثار الصحابة في الجهاد إلى جانب الاستشهاد بالوقائع الحربية وحيلها ومكائدها. وممّا يزيد من أهمية هذا الكتاب أن مصادره متنوعة وفيها ما يعتبر من أمهات المذهب، كما بيّناه، فيما سلف. وقد كان المؤلف يورد المسائل التي اختلفت فيها آراء الفقهاء وكثيراً ما يرجح بينها ويعطي وجهة نظره. وكان يعطي كل فصل من الفصول الصيغة الجهادية العملية، فلا يكتفي بنقل الأقوال الفقهية في كل فصل وإنما يذيلها بالمواعظ والعبر والحثّ على الجهاد لإعلاء كلمة الله وعدم التكاسل والتخاذل.

_ 1 - أنظر: القسم التحقيقى: 305.

خامسا: وصف النسخ

وهكذا يمكننا أن نعتبره موسوعة عسكرية فقهية جمعت بين الفقه الجهادي والتنظيم العسكري، الأمر الذي أدّى إلى انتشاره وظهوره خاصة في ذلك العصر الذي ظهر فيه هذا اللّون من التأليف بسبب الاحتلال الأجنبي، قال السلاوي:- عند حديثه عنه- (هو موجود بأيدي الناس) 1، كما قال الأمير محمد- أيضاً-: (وحيث أنه في غاية الإسهاب رمت اختصاره ليتأتى درجه في هذا الكتاب محافظة على أحكامه المنقحة وانتشاقاً لريا أزهاره المفتحة) 2. وقد استفاد منه من جاء بعده من الفقهاء المتأخرين ومنهم المهدي الوزاني، فنقل من هذه الأجوبة في نوازله فصل العقوبة المالية بقوله: (وقال الشيخ التُّسولي في أجوبته إذا زنى شخص .... إلخ) 3. وإلى جانب ذلك قد طبع طبعة حجرية بفاس وتوافرت النسخ الخطية له- كما سيأتي عند الحديث عن وصف النسخ- وهذا يدل بوضوح على مدى انتشاره بين الناس وعنايتهم به. خامساً: وصف النسخ: اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على ثلاث نسخ خطة، ونسخة مطبوعة على الحجر بفاس. النسخة الأولى: نسخة دار الكتب الوطنية بتونس، وهي من أملاك مكتبة "حسن حسني عبد الوهاب"، ضمن مجموع رقمه (18124) يضم: الكتاب الأول: الدرّ المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود.

_ 1 - الاستقصا: 9/ 46. 2 - تحفة الزائر: 1/ 208 - 216، حيث قام باختصار مسائله. 3 - المعيار الجديد: 10/ 195 - 203.

النسخة الثانية

تأليف: الشيخ شهاب الدسن أحمد بن حجر الهيثمي، يبدأ من ورقة 1 إلى 71. الكتاب الثاني: كتبانا هذا ويبتديء من ورقة 72 إلى 132. وقد سمّي في الفهرس "فتوى في معاقبة الخونة من المسلمين بالجزائر"، والنسخة لا تحمل عنواناً: عدد أوراقها: 61 ورقة. عدد سطورها: 20 سطراً. متوسط الكلمات في كل سطر: 12 كلمة. مقاس أوراقها: 31 * 14 سم. ناسخها: محمد بن الطاهر الغربي الكافي. تاريخ النسخ: عصر يوم الثلاثاء السادس والعشرسن من ذى القعدة، سنة: (1285هـ). خطّها مغربي جميل واضح مقروء، وقد ميّزت المسائل فيها بعناوين بارزة، وكذلك المهمات نبّه عليها بالخط الأحمر، وورقها جيد ليس فيه نقص ولا أثر أرضه، ولعلّها أقرب النسخ عهداً بالمصنف، فليس بينها وبينه سوى 27 عاماً، ولهذا قلّت فيها الأخطاء، ولهذا السبب وغيره من المزايا المتقدمة جعلتها أصلاً. النسخة الثانية: نسخة مكتبة الدكتور نجم عبد الرحمن خلف، تحمل رقم 98 في مكتبته الخاصة، وقد أهداني مشكوراً نسخة مصوّرة عنها. عدد أوراقها: 43 ورقة. عدد سطورها: 22 سطراً. متوسط الكلمات في كل سطر: 13 كلمة. مقاس أوراقها: 23 * 15،5 سم. ناسخها: محمد بن محمد بن الحسن بن الحاج عبد الله. تاريخ النسخ: الثالث من رمضان المعظم (سنة 1320هـ).

النسخة الثالثة

خطها مغربي جيّد واضح مقروء، وفيها تصحيحات وتنبيهات وضعت في الهامش، وهي سالمة من النقص والخروم، وقد رمزت لها بحرف "ب". النسخة الثالثة: نسخة مكتبة الشيخ العلاّمة "محمد الطاهر ابن عاشور" بتونس، تحمل رقم (ف - أ: 252/ 223)، وقد تفضل أبناؤه بإهدائي نسخة مصوّرة عنها. عدد أوراقها: 57 ورقة. عدد سطورها: 20 سطراً. متوسط الكلمات في كل سطر: 10 كلمات. مقاس أوراقها: 24 * 14 سم. خطّها مغربي جميل واضح مقروء، وكلمتها مفردة، وقد سلمت من النقص، وقد أغفل الناسخ- رحمه الله- ذكر اسمه، وسنة نسخه لها. وقد رمزت لها بحرف "ج". النسخة الرابعة: طبعة حجرية طبعت بفاس من غير تاريخ، تقع في 83 صفحة، قسمت إلى ملازم، وكل ملزمة لها ترقيمها المستقل عن ترقيم الأخرى، وفي كل ملزمة 8 صفحات. عدد سطورها: 26 سطراً. متوسط الكلمات في كل سطر: 10 كلمات. مقاس صفحاتها: 17 * 15،5. وقد امتلكت نسخة منها. سادساً: منهجي في التحقيق: - قمت بنسخ المخطوط كاملاً، وقد غيرت ما اصطلح عليه الناسخ لنفسه من

رسم بعض الكلمات بما هو متعارف في عصرنا من الرسم الإملائى، مثل: (ذالك- ذلك) (رءا- رأي) (هاذه- هذه) (القضات- القضاة) (الولات- الولاة) ونحوها. - قابلت المنسوخ بالمخطوط زيادة في الحيطة والتحرّي. - قارنت بين النسخ الخطية، وأثبت الفروق في الهامش، وأصلحت ما كان فيها من أخطاء لغوية بالرجوع إلى المصادر الأصلية. - حققّت وخرّجت النصوص الفقهية بالرجوع إلى مصادرها الأصلية التي اعتمد عليها المؤلف ونقل منها، ونسبت الأقوال إلى أصحابها ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، كما رجعت إلى مصادر فقهية غير التي نقل منها المؤلف. - خرجت الآيات القرآنية ذاكراً اسم السورة ورقم الآية، وبما أن المؤلف في الغالب يقتصر على موطن الشاهد، فقد ذكرت تمام الآية في الهامش. - خرّجت الأحاديث النبوية، ولم أقتصر على الكتب الستة، بل توسعت في ذلك، فرجعت إلى كتب الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وغيرها، حتى يعرف مصدرها ومدى صحتها. - شرحت ما يحتاج إلى شرح وتوضيح مما يتعلّق باللّغة والفقه والمصطلحات العسكرية بالرجوع إلى: كتب المعاجم اللّغوية، والقواميس الفقهية، وكتب المصطلحات العسكرية. - ترجمت لجميع الأعلام- الواردين في الكتاب بالرجوع إلى كتب الرجال واليبقات الخاصة بهم، وضبطت ما يحتاج إلى ضبط أو توضيح من الأسماء والألقاب، وما تكرر ذكره منهم اكتفيت بالترجمة له في الموطن الأول. - عرّفت بالكتب التي ذركها التُّسولي في هذا الكتاب، فذكرت مصنفيها، وهل هي مطبوعة أو مخطوطة ورقمها ومكانها إن وجد، وعند تكرارها أحيل إلى الموطن الذي عرفت بها فيه. - جعدت للكتاب ملحقين تتميماً للفائدة، أحدهما: جواب التُّسولي المختصر على مسائل الأمير عبد القادر، وثانيهما: تقييد التُّسولي على فتوى علماء فاس

وردّ الجزائريين عليها. - قمت بعمل فهارس شاملة للكتاب لتسهل الإفادة منه والانتفاع به، هي كما يلي: 1 - فهرس الآيات القرآنية. 2 - فهرس الأحاديث النبوية. 3 - فهرس المصطلحات الفقهية. 4 - فهرس المصطحات العسكرية والسياسية. 5 - فهرس البلدان والأمكنة والبقاع. 6 - فهرس القبائل والفرق والجماعات. 7 - فهرس الأشعار. 8 - فهرس الكتب الواردة في الكتاب. 9 - فهر الأعلام. 15 - فهرس المصادر والمراجع. 11 - فهرس الموضوعات.

الصفحة الأولى من النسخة الأصلية

الصفحة الأخيرة من النسخة الأصلية

الصفحة الأولى من النسخة (ب)

الصفحة الأخيرة من النسخة (ب)

الصفحة الأولى من نسخة (ج)

الصفحة الأخيرة من نسخة (ج)

الصفحة الأولى من النسخة (د)

الصفحة الأخيرة من النسخة (د)

القسم الثاني نص الكتاب وتحقيقه

القسم الثاني نصّ الكتاب وتحقيقه

بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على (سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم) الحمد لله الذي لا نشرك به أحداً، ولا نجد من دونه ملتحداً، مُبتلي قلوب المؤمنين ليميّز الخبيث من الطيب، ويعلم أيها أقوى جلداً. والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الذي أنقذنا من الهلاك والردى، وتكفل بالشفاعة غداً، ضارب هام 2 العداء، ومجاهد من حاد عن طريق الهدى، وقاتل من اتخذ مع الله ولداً، وعلى آله وأصحابه الذين لم ترعهم الكتائب- الوافرة، وإن كانوا هم أقل عدداً، ولا أهالتهم 3 الأمم الكافرة، وإن كانوا أكثر جمعاً وأظهر عُدًّا وعدداً. وبعد: فقد كان قبل هذه الأيام، ورد من ناحية أعمال الجزائر أعادها الله دار إسلام، كتاب من خليفتها- المجاهد في سبيل ربّ العالمين- سيدي الحاج- عبد القادر ابن محيي الدين- أيد الله كتائبه- وجعل (النصر) 4 عونه مظاهره

_ 1 - في "ب": (ومولانا محمد وآله)، في "ج": (سيدنا محمد وآله). 2 - مفرده الهامة، ويجمع أيضاً على هامات، وهو: زعيم القوم ورئيسهم وغرة مجدهم، ويقصد به هنا: زعماء العدوّ، (أنظر: الرازي- مختار الصحاح: 557، ابن منظور- لسان العرب: 4724). 3 - أفزعتهم، هاله الخطب يهوله: أفزعه، وشق عليه، (أنظر: الرازي- الصحاح: 556، ابن منظور- لسان العرب: 4722). 4 - ساقطة من الأصل، والإضافة من "ب" و"ج" و"د".

(ومصاحبه 1 - متضمناً للسؤال عن مسائل 2 (كما ستراه بعد وتقف عليه) 3. ولما وقف (عليه) 4 مولانا الإمام- كهف الإسلام، وملاذ الخاص والعام- كافل أمة سيّدنا محمد- عليه أفضل الصلاة والسلام- وقامع طواغيت الشّرك بالسنان 5 والحسام 6 - أمير المؤمنين- الآخذ لراية الكتاب [1/أ] السُّنَّة باليمين، نجل الملوك العظام- المنصور بالله مولانا- عبد الرحمن بن هشام 7 - أدام الله أيامه بعزيز داره ونصر (مبين) 8 يتصل به عن المولى الكريم اعداده. كلّف هذا العبد الحقير- المعترف بالعجز والتقصير- أن يجيب عن تلك المسائل بحسب ما يراه، فامتثل وأجاب عن ذلك بجواب دال بحسب فحواه: على أن المجيب استفرغ فيه ما هو عنده في سرّه ونجواه، وكان- نصره الله- أمر بالاختصار في الجواب وعدم التطويل فيه والإطناب. ثم لما (طولع) 9 به وهو على ما هو عليه- أيده الله- من الشَّغف 10 بمحبة العلم، والتلهف على بثّه، وغاية الحرص على إذاعته في الآفاق ونشره، والمبالغة في التنفير (عن) 11 البدع المحدثات، وقمع الملحدين المعتدين ذوي الجرأة والتعصبات، والذب

_ 1 - في "ب": (ومصابحه) وهو تصحيف. 2 - وكان سفيره في إيصال هذه المسائل السيد ابن عبد الله سقاط. أنظر: الأمير محمد- تحفة الزائر:1/ 206. 3 - في "الأصل": (كما بعد ستراه وتوتف عليه) والتصويب من: "اب" و"ج" و"د". 4 - في "ب": (عليها). 5 - وهو: سنان الرمح، وجمعه: أسنّة (الرازي- مختار الصحاح: 251). 6 - السيف القاطع، (الرازي- مختار الصحاح: 103، مجمع اللغة العربية- المعجم الوسيط: 1/ 174). 7 - تقدّمت ترجمته في القسم الدراسي [ص:15]. 8 - ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب"، وفي "ج" و"د" (مكين). 9 - في " الأصل": (طلع)، والتصويب من "ب"، و"ج"، و"د". 10 - من الشِّغاف- بالفتح- غلاف القلب، يقال: "شغفه الحب"، أي: بلغ شغافه، وبابه باب: شغف (الرازي- مختار الصحاح: 270). 11 - في "الأصل": (على) وهو تصحيف. والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د".

عن الحنفية السمحاء وحياطتها 1، وقمع من يلحظها لعين الاعتداء والإزراء بها، رأي: أن الجواب المذكور في غاية الاختصار والقصور 2. فأمر المجيب أمراً ثانياً: بأن يجعله تأليفاً ليحيط بجميع معانيه، ويطلق في ذلك عنان القول ليبرىء العليل ويشفيه، ويوسع في الجواب، ويتعرّض لجميع متعلّقاته ليحيط بصوب الصواب، [1/ب] فقلت- ممتثلاً الجواب عن هذه المسائل التي عظم موقعها من دين الإسلام، وتأكد الاعتناء بمتعلقاتها 3 على التمام-: (يتوقف على تبحر في الفقه (وتضلّع في) 4 قواعده، وباع واسع في تحرير دقائقه ونوازله، وأنّى للقاصر مثلي بجوابها، وتحصيل دقائق فروعها وأصولها، فالخوض فيها لقاصر العلم مثلي خطر، والكشف عن لثامها 5 مع كلالة 6 الذهن صعب عسير، ولكن للأمر (المولوي) 7 تكلفت الجواب عنها- ثانياً- على قدر نظري القصير، لأن المسافر الجادّ في السير قد أرخص له في التفسير وبالله سبحانه الاستعانة، وهو نعم المولى ونعم النصير).

_ 1 - من الحيطة، بمعنى: كلاّ، ورعاه، وبابه: قال، وكتب، (الرازي- مختار الصحاح: 125). 2 - للتُّسولي جوايين على مسائل الأمير عبد القادر أحدهما: كبير وهو هذا، والآخر مختصر وقد جعلته ملحقاً في آخر الرسالة. (أنظر صفحة: 464 - 470). 3 - ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب"، و"ج" و"د". 4 - في "ب": (تطلع على)، والمعنيان كلاهما مناسب للسياق، (فتضلّع): بمعنى امتلأ وتتبّع بقواعده، ويقال: (تضلّع الرجل: امتلأ شبعاً وريًّا)، (الرازي- مختار الصحاح: 303). (وتطلّع) بمعنى: اطّلع عليه (الرازي- مختار الصحاح: 313). 5 - اللَثام: ما كان على الفم من النقاب، وهنا تشبيه بليغ حيث جعل لمسائل الفقه لثاماً كاللّثام الذي تغطي به المرأة وجهها. أنظر الرازي- مختار الصحاح: 468. 6 - من كلّ، كلولا، وكلالة: ضعف، وتعب. (الفيومي- المصباح المنير: 2/ 228، مجمع اللغة العربية- المعجم الوسيط: 2/ 802). 7 - في "ب": (المذكور).

نص السؤال

نص السؤال الحمد لله، سادتنا الأعلام، أئمة الهدى ومصابيح الظلام، فقهاء الحضرة الإدريسية، ومرمى 1 المطالب ومحطّ الرحال العيسية، أطباء أدواء الدين ومُحِقّون حقّه ومبطلون باطله، ومنتجون قضاياه المتخلية عقيمة 2 وباطلة. جوابكم- أبقاكم الله- فيما عظم به الخطب 3، واشتدّ به الكرب، بوطن الجزائر الذي صار لقربان الكفر جزائره، وذلك أنّ العدو الكافر يحاول ملك المسلمين مع استرقاقهم، تارة بالسيف وتارة بحبال سياستهم، ومن المسلمين من يداخلهم ويبايعهم، ويجلب (لهم) 4 الخيل ولا يبخل من دلالتهم على عورات المسلمين ويطالعهم، ومن أحياء العرب المجاورين لهم من يفعل ذلك، ويتمالؤون على الجحود والإنكار، فإذا طولبوا بتعيينه جعجعوا 5، والحال أنّهم يعلمون منهم الأعين والآثار. فما حكم الله في الفريقين في أنفسهم وأموالهم؟ فهل لهم من عقاب أم يتركون على حالهم؟.

_ 1 - أيّ مقصد ترمى إليه الآمال، ويوجه نحوه الرجاء، ويقال: (ليس وراء الله من مرمى) (ابن منظور- لسان العرب: 1740). 2 - العقيم: الداء الذي لا يبرأ منه. (الرازي- الصحاح: 352). 3 - الشأن، والأمر صغر أم عظم، جمعه: "خطوب" (البستاني- فاكهة البستان: 403). 4 - في "ب" و"ج": (اليهم). 5 - الجعجعة: صوت الرحى، والمقصود منه هنا: الذي يكثر الكلام ولا يعمل، والجبان يوعد ولا يوقع، وفي المثل: (أسمع جعجعة ولا أرى طحناً). (البستاني- فاكهة البستان: 215).

وما الحكم فيمن يتخلّف في المدافعة عن الحريم والأولاد إذا استنفر 1 نائب الإمام الناس للدفاع والجلاد؟ فهل يعاقبون؟ وكيف عقابهم، ولا يتأتى بغير قتالهم؟ وهل تؤخذ أموالهم وأسلابهم؟ 2. [2/أ] وكيف العمل فيمن يمنع الزكاة، أو يمنع بعضها، مع التحقق بعمارة ذمته في الحال؟ فهل يُصدق مع قلّة الدين في هذا الزمان؟ أم يكون الاجتهاد فيه مجال؟. ومن أين يرتزق الجيش المدافع عن المسلمين، السادّ 3 ثغورهم 4 عن المغيرين ولا بيت مال، وما يجمع من الزكاة لا يفي بشبعهم، فضلاً عن كسوتهم وسلاحهم وخيلهم ومؤنتهم وزيّهم؟. فهل يترك فيستبيح 5 الكافر الوطن؟ أم يكون ما يلزمهم على جماعة المسلمين؟ وإذا كان فهل على العموم؟ (أم) 6 على الأغنياء (فقط)؟ ولا

_ 1 - أي: كلّفهم أن ينفروا خفافاً وثقالاً، وحثهم على النفير ودعاهم إليه. أنظر لسان العرب: 4498. 2 - مفرده: السّلب محركة، ما يسلب، يقال: (أخذ سلب القتيل) وهو: ما معه من ثياب وسلاح ودابة: (البستاني- فاكهة البستان: 661). 3 - سِداد الثغر: بكسر السين، وتخفيض الدال بعدها، أي: الذي تسدّ به الثغور أخذاً من سداد القارورة، وهو ما يسدّ به فمها. قال القلقشندي: (وربما أخذ اللّقب من قول الشاعر: أَضَاعُونِي وَأَيَّ فَتىً أَضَاعُوا … لِيَوْمِ كَرِيةةٍ وَسَدَادِ ثَغْرِ واللقب من ألقاب الوزراء في عصر المماليك، وربما كان يطلق على العسكريين الذين كانوا يفتخرون بحمايتهم للثغور، وهي البلاد الواقعة على الحدود بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول، وكانت دائماً مجال هجوم ودفاع). أنظر: الفلقشندي- صبح الأعشى: 6/ 53، محمد قنديل- التعريف بمصطحات صبح الأعشى: 178، 179. 4 - من الثغر، وهو: موضع المخافة من فروج البلدان، يقال: (هذه المدينة فيها ثغر)، والموضع الذي تخاف أن يأتيك العدوّ منه في جبل أو حصن لانثلامه، وإمكان دخول العدوّ منه. (البستاني- فاكهة البستان: 162). 5 - من استباحه، أي: انتهبه، واستأصله، وعدّه مباحاً. (البستاني- فاكهة البستان: 125). 6 - في "ب" و"ج" و"د": (أو) وكلاهما مناسب للسياق.

(يمكن) 1 اختصاص الأغنياء لجفوة 2 الأعراب وجهلهم؟. وهل يعدّ مانع المعونة باغ 3 أم لا؟ وما حكم أحوال البغاة؟. وهل القول بعدم ردّها يجوز العمل به، أم لا؟!. أجيبوا عمّا ذكرنا، وعمّا يناسب المقام والحال ممّا لم يحضرنا، وداووا عللنا- أبقاكم الله- فقد ضاق من هذه الأمور الضرع، وكاد القائم بأمر المسلمين- لضيق الأسباب- أن يتخلّف عن الأمر، ويطرح (ثوب) الامارة والدرع- مأجورين، والسلام. في التاسع عشر من ذي الحجّة عام اثنين وخمسين ومائتين وألف، عن إذن الحاج عبد القادر محيي الدين.

_ 1 - في "ب" و"ج" و"د": (يتمكن) وهو تصحيف. 2 - الجفوة: بالفتح، وتكسر: "الجفاء والغلظة" يقال: "فلان ظاهر الجفوة" بالكسر، (وفلان به جفوة) بالفتح، إذا كان هو مجفواً، ويقال: (رجل جافي الخلقة، وجافي الخلق) أي: غليظ العشرة، خرق في المعاملة متحامل عند الغضب، وجمعه: جفاة. أنظر: ابن منظور- لسان العرب: 646. 3 - الباغي: الظالم المستعلي، جمعه: بغاة، وشرعاً: "الحصفكى": هم الخارجون على الإمام الحق بغير الحق. "الصنعاني": هم الذين يظهرون أنهم محقون، وأن الإمام مبطل، وحاربوه، أو عزموا على حربه. في اصطلاح الفقهاء: "النووي": هم المخالفون للإمام الخارجون من طاعته بالامتناع من أداء ما عليهم. "ابن عابدين": الطالبون لما لا يحلّ من جور وظلم. "المالكية": الخارجون عن طاعة السلطان. "الشافعية": الخارجون عن الإمام الأعظم، القائم بخلافة النبوّة في حراسة الدين وسياسة الدنيا. "الحنابلة": هم الظلمة الخارجون عن طاعة الإمام، المعتدون عليه. "الجعفرية": من خرج على إمام عادل، وقاتله ومع تسليم الحق إليه. "بعض أهل العلم": هم كل فئة لهم منعة، يتغلّبون، ويجتمعون، ويقاتلون. (أبو جيب- القاموس الفقهي: 40).

ونص الجواب

ونص الجواب الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله. أما المسألة الأولى: ففيها فصول: الفصل الأول: فيما يفعل مع قبائل الزمان، المنهمكين في الحرمات والعصيان الفصل الثاني: في دليل عقوبة كاتم الجواسيس والغصاب، وغيرهم ممّن يستحق العقاب. الفصل الثالث: في كون الرجل يؤاخذ بجريرة 1 قومه، (كما يؤاخذ بجريرته) 2. [2/ب] الفصل الرابع: فيما لا يجوز للنصارى بيعه، ولا يحلّ لنا أن نمكّنهم بوجه من تناوله. الفصل الخامس: في معاقبة العاصي بالمال، وما فيه من الخلاف في القديم والحال. الفصل السادس: في زيادة تحقيق بعض ما تقدّم، وكيفية إجرائه على المنصوص المسلّم. الفصل السابع: في حرمة ترك الإمام الرعية على ما هم عليه، وكيفية سيرته مع رعيته ومع العمال 3 لديه.

_ 1 - الجريرة: الذنب والجناية يجنيها الرجل. (البستاني- فاكهة البستان: 200). 2 - ساقطة من "ب". 3 - قال القلقشندي (العامل هو: الذي ينظم الحسابات ويكتبها، وقد كان هذا اللقب في الأصل إنما يقع على الأمير المتولي العمل ثم نقله العرف إلى هذا الكاتب وخصّه به دون غيره). (صبح الأعشى: 5/ 466). وقال أبو جيب: (وهو عند الحنابلة: الذي يبعثه الإمام لأخذ الزكاة من أربابها، وجمعها، وحفظها، ونقلها، ومن يعينه الإمام لسوقها، ورعيها، وكذلك: الكاتب، والحاسب، والكيال، والوزان، والعداد، وكل من يحتاج إليه فيها. وعند الظاهرية هو: العامل الخارج من عند الإمام الواجبة طاعته، وهو: المصدق والساعي) (القاموس الفقهي: 262).

وأما المسألة الثانية: ففيها فصلان: الفصل الأول: في حكم المتخلف عن الاستنفار، وما عليه من العقاب من العزيز الجبار. الفصل الثاني: فيما ينبغي فعله قبله، وفيمن يجب استنفاره من الرعية، وكيفية التدريب للحروب، وذكر مكائديها يظفر الإمام بالمرغوب. وأما المسألة الثالثة: فهي مستقلة بنفسها، وليس فيها فصل آخر زائد عليها 1. وأما المسألة الرابعة: ففيها أربعة فصول: الفصل الأول: فيما يجب على الإمام من إجبار الرعية على الاستعداد، لأن العدوّ دائماً له بالمرصاد. الفصل الثاني: في جواز صلح العدوّ إنْ كان مطلوباً، وعدم جوازه إنْ كان طالباً. الفصل الثالث: فيما يرتزق منه الجيش إنْ عجز بيت المال، ووجوب المعونة بالأبدان إن افتقر 2 إليها في الحال. الفصل الرابع: في حكم من ساكن العدوّ الكفور، ورضي بالمقام معهم في تلك الثغور. وأما المسألة الخامسة: فلا شيء يتعلّق بها، بل هي قائمة بنفسها. وبجميع هذه الفصول يتمّ ما أشرقم إليه في آخر السؤال من قولكم: (أجيبوا عمّا ذكرنا وعمّا يناسب المقام ممّا لم يحضرنا وداووا عللنا ... إلخ .. ).

_ 1 - تناول فيها حكم مانع الزكاة مع تحقّق عمارة ذمّته، أو عدم تحقّقها. 2 - احتيج إليها. (البسناني- فاكهة البستان: 1093).

المسألة الأولى

المسألة الأولى الفصل الأول فيما يفعل مع قبائل الزمان، المنهمكين في الحرمات والعميان ــــــــــــــــــــــــــــــ إعلم أنّه لا يخفى أنّ غالب قبائل الزمان، كما هو شاهد بالعيان، بحيث لا يمكن أنْ يختلف فيه إثنان، (متواطئون) 1 (على) 2 الانهماك في العصيان، [3/أ] إذ لا تجد قبيلة في الغالب إلاّ وهي تحمي أفرادها، وتتعصّب (لهم) 3، ولا يتناهون فيما بينهم عن منكر فعلوه، ولا يسمحون بجريرهم ومذنبيهم، ولا يجبرونهم على الذهاب للشريعة المطهرة إنْ رفعهم المغصوب والمنهوب إليها، بل وإنْ أرسل الحاكم إلى جريرهم (كتموا) 4 عليه وأخفوه، وردّوا الرسول خائباً وربما حاربوه وطردوه. وينصبون الغارات ويقطعون الطرقات، ولا يردّهم عمّا هم عليه من

_ 1 - في "ب": (يتواطئون). 2 - في "الأصل": (عن)، والتصويب من "ب" و"ج " و"د". 3 - في جميع النسخ: (تتعصّب عليها) وهي: لا تتفق مع سياق النص، والذي أثبتناه هو الأولى، فإن قولنا: (تتعصّب لهم) أي: تميل إليهم، وتحمي ذمارهم، وتقوم بنصرهم، بينما (التعصب عليهم) معناه: الميلان عليهم ومقاومتهم، والمقصود هنا هو: الميل إليهم ونصرتهم، لا مقاومتهم. أنظر: البستاني- فاكهة البستان: 946. في "ب": (كتموه).

ارتكتاب الشهوات، والانهماك في الحرمات 1، إلاّ أقوى الأيادى 2 الزاجرة للطغاة والعتاة 3، ولأجل هذا المعنى قالوا: (إنّ الله يدفع بالسلطان ما لا يدفع بالقرآن) 4. قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} أي: لو أنّ الله أقام السلطان في الأرض، لدفع القوي عن الضعيف، لفسدت الأرض بتواثب الخلق بعضهم على بعض، فلا ينتظم لهم حال، ولا يستقيم لهم قرار. ولا زال الأئمة قديماً وحديثاً يندبون السلاطين، ويحثّونهم على قتال من اتصف من القبائل أو غيرهم بتلك الصفات. وعليه فما ذكرقموه من كونهم متمالئون على الإنكار، مع علمهم بالأعين والآثار 5، صحيح بحسب ما علم من قبائل الزمان، فإنْ أعلنوا ذلك وأشهروه 6، فالواجب قتالهم ومعاقبتهم، لأنّهم حينئذ مخالفون لأهل الإسلام. وقد قال الإمام "ابن العربي" 7:- كما يأتي- (قد اتفقت الأئمة على أن من

_ 1 - في "ج": (المحرمات). 2 - في "ب" و"ج" و"د": (الأيدي). 3 - مفرده: العاتي، وهو: الجبار، والمجاوز للحدّ في الاستكبار، وقيل: هو المبالغ في ركوب المعاصي، المتحرر الذي لا يقع منه الوعظ والتنبيه موقعاً. (الرازي- الصحاح: 326). 4 - أخرجه "ابن كثير في تفسيره ": 5/ 159 مرفوعاً بلفظ: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". وأورده ابن الأزرق في "بدائع السلك في طبائع الملك": 1/ 68، في "الفاتحة الثالثة من المقدمة الثانية" بلفظ: "ان الله ليزع ... ". وابن تيمية في "مجمع الفتاوى": 8/ 107 "فصل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". 5 - مفرده الأثر: وهو العلاّمة. (المعجم الوسيط:1/ 5). 6 - من شهره- شهراً- وشهرة: أعلنه وأذاعه. (المعجم الوسيط: 1/ 500). 7 - أبو بكر، محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلى، المالكي: قاض، من حفاظ الحديث، رحل إلى الشرق، وبرع في الأدب، وبلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين، وصنف كتباً في الحديث والفقه والأصول والتفسير والأدب والتاريخ، قال ابن بشكوال عنه: (ختام علماء الأندلس، وآخر أئمتها وحفاظها، من كتبه: "العواصم من القواصم- ط " و"عارضة =

يفعل المعصية يقاتل عليها ويحارب) 1 اهـ. ولا معصية أعظم ممّا وصفتم به أولئك القبائل، إذّ المعصية شاملة لذلك وللغصب والعمل بالربا وترك الجماعة والجمعة والأذان وغير ذلك، كما صرّح به هو بنفسه 2 عند قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّة [3/ب] وَرَسُولَهُ} 3، الآية. ومن ذلك ما ذكره "البرزلي" 4 قائلاً: (نزلت (الأعراب) 5 على تونس يريدون دخول الغابة لإفساد كرومها 6 على عادتهم الفاسدة للتضييق على المسلمين) 7. قال: (فندب شيخنا الإمام- رحمه الله- الناس إلى قتالهم، وذكرهم قول 8

_ = الأحوذى في شرح الترمذي- ط" و"أحكام القرآن- ط". مات قرب فاس (سنة 543هـ). (ابن بشكوال- الصلة: 531، وابن خلكان- وفيات الأعيان: 1/ 489، وابن فرحون- الديباج: 281، والزركلي- الأعلام: 6/ 230). 1 - أنظر: ابن العربي- أحكام القرآن: 2/ 593، "سورة المائدة/ آية 33". قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ ... الآية}. 2 - أي: ابن العربي- نفس المصدر السابق. 3 - أبو القاسم بن أحمد بن محمد القيرواني، المعروف بالبرزلي: الفقيه المالكي، المفتي، شيخ الإسلام، من كتبه: "جامع مسائل الأحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكّام- خ". مات بتونس (سنة 844هـ). (التنبكتي- نيل الابتهاج: 225 - 226، الزركلي- الأعلام: 5/ 172). 4 - سورة المائده/ آية 33، وتمامها: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّة وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. 5 - في "ب": (العرب). 6 - مفرد الكرم، وهو العنب. 7 - أنظر فتاوى البرزلي: 4/ 240 - ب، "في مسائل الحرابة". 8 - وهو قوله في أعراب قطعوا الطريق: (جهادهم أحب إليّ من جهاد الروم) أنظر فتاوى البرزلي: 4/ 240 - أ.

مالك 1، وما ورد في كمال المحارين 2 المخالفين على أهل الإسلام، وأراد أنْ يستعين بمشيخة الوقت فلم (يساعفوه) 3 محتجّين بأنّ الناس ليس لهم بمدافعتهم طاقة، إذ لم تكن لهم معرفة بالحروب، مع تركّب الأعراب عليهم في غالب الأوقات، مع ضعف جيش المسلمين عن مدافعتهم، فقال لهم شيخنا الإمام: لو كانوا على قلب واحد لغلبوهم، ولكن ضعف الإيمان حمل الناس على العجز عن قتالهم، إذْ لا يقابلهم إلاّ أهل

_ 1 - أبو عبد الله: مالك بن أنس الأصبحي الحميرى: إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تنسب المالكية، عاش في المدينة، صلباً في دينه، بعيداً عن الأمراء والملوك، وجه إليه (الرشيد) العباسي ليأتيه فيحدثه، فقال: (العلم يؤتى) فقصد الرشيد منزله واستند إلى الجدار، فقال مالك: (يا أمير المؤمنين!: من إجلال رسول الله إجلال العلم). من كتبه: "الموطأ" و"رسالة في الوعظ" و"النجوم" و"تفسير غريب القرآن"، مات (سنة 179هـ). (عياض- ترتيب المدارك: 1/ 104، ابن الجوزي- صفة الصفوة: 2/ 99، ابن فرحون- الديباج: 17 - 30، ابن حجر- التهذيب: 10/ 5). 2 - المحارب: اسم فاعل من حارب، قال ابن الحاجب: (هو كل فعل يقصد به أخذ المال على وجه يتعذر الاستغاثة عادة من رجل أو امرأة أو حرّ أو عبد أو مسلم أو ذمي أو مستأمن وان لم يقتل وان لم يأخذ مالاً): (خليل- التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب: 2/ 222 - ب. وقال البرزلي: (الحرابة: فعل لأخذ مال محترم بإذهاب عقل أو مقابلة أو بإخافة سبيل، وفي مختصر شيخنا هي: الخروج لإخافة السبيل بأخذ مال محرم بمكتابرة فقال أو إذهاب عقل أو قتل خفية أو بمجرد قطع الطريق لا لامرأة ولا عداوة، وفي العتبية: من خرج لقطع السبيل لغير أخذ مال فهو محارب وكذلك من حمل السلاح على الناس وأخافهم من غير عداوة. (فتاوى البرزلي: 4/ 237 - ب، 238 - أ). وقال أبو جيب: عند الظاهرية: هو المكتابر، المخيف لأهل الطريق، المفسد في الأرض، سواء بسلاح أو بلا سلاح أصلاً، سواء ليلاً أو نهاراً في مصر أو فلاة، أو في قصر الخليفة أو الجامع، سواء قدّموا على أنفسهم إماماً أو لم يقدموا سوى الخليفة نفسه، فكل من حارب المار، وأخاف السبيل بقتل النفس، أو أخذ مال أو لجراحة، أو لانتهاك فرج، فهو محارب، عليه وعليهم- كثروا أو قلّوا- حكم المحاربين. وعند بعض أهل العلم: هو الذي إذا نقض العهد، ولحق بدار الحرب، وحارب المسلمين. وعند الجعفرية: هو كل مجرد سلاحاً في بر، أو بحر، ليلاً أو نهاراً، لإخافة السابلة وإن لم يكن من أهلها على الأشبه. وعند الإباضية: من أخاف السبيل، وأعلن الفساد في الأرض. (القاموس الفقهي: 84). 3 - في "ب": (يسعفوه).

الدين، وأهله قد قلّوا في هذا الزمان 1. قال: (وقد إختار الخليفة- نصره الله- ما قاله شيخنا الإمام، وكان فيه شجاعة وإقدام، فقاتلهم وحده بجيشه- بارك الله فيه- حتى غلبهم وسباهم، وترك جلهم (عرايا) 2 اهـ 3. فانظروا إلى قوله: (على عادتهم) وإلى قوله: (وأهله قد قلّوا). وكذا أفتى كثير من الفقهاء المعتبرين بقتال هؤلاء القبائل المجاورين "لفاس" ونحوها، لما هم عليه من الأوصاف المتقدّمة، ووافق على ذلك الشيخ "ميّارة" 4، والإمام "الأبّار" 5، والشيخ "عبد القادر الفاسي" 6، وغيرهم. وإذا كان يقاتل من أراد إفساد الكروم، وغابة الزيتون كما مرّ، فكيف لا بمن

_ 1 - أنظر فتاوى البرزلي: 4/ 240 - ب: "في مسائل الحرابة". 2 - في "الأصل": (عرياناً)، وما أثبتناه مناسب للسياق. 3 - أنظر فتاوى البرزلي: 4/ 240 - ب: "في مسائل الحرابة". 4 - أبو عبد الله: محمد بن أحمد، ميارة: فقيه مالكي، من أهل فاس. من كتبه: "الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكّام- ط"، و"الدر الثمين في شرح منظومة المرشد المعين- ط" ويعرف بميارة الكبير، تمييزاً عن مختصر له، يسمّى "ميارة الصغير"، وله أيضاً "تنبيه المغتربين على حرمة التفرقة بين المسلمين". مات (سنة 1072هـ). (الكتاني- سلوة الأنفاس: 1/ 165 - 167، الزركلي- الأعلام: 6/ 11 - 12، كنون- النبوغ المغربي: 259). 5 - هو أحمد بن محمد بن موسى حمدون خطب فاس، من كتبه: "كشف الرواق عن صرف الجامعة" و"التقاط الدر الجليل في شرح مختصر خليل". مات (سنة 1071هـ). أنظر: القادرى- نشر المثاني: 2/ 109 - 111، الكتاني- سلوة الأنفاس: 3/ 230، بن عبد الله- الموسوعة المغربية: 1/ 7. 6 - أبو محمد، عبد القادر بن علي بن يوسف بن محمد، المغربي، الفاسي، المالكي، من كبار الشيوخ في عصره، ولد ونشأ في "القصر" وانتقل إلى فاس (سنة 1025هـ)، لم يشتغل بالتأليف، وإنما كانت تصدر عنه أجوبة على أمور يسأل عنها، فجمعها بعض أصحابه، وفيها: "الأجوبة الكبرى- ط" و"الأجوبة الصغرى- ط"، مات (سنة 109هـ). (المحبّي- خلاصة الأثر: 2/ 444، الزركلي- الأعلام: 4/ 41).

يريد إفساد الدين بالكتم على الجواسيس، ونقل الأخبار، ومبايعة الكفار، فهم أسوأ حالاً من المحاربين، لأنّهم تولوا الكفار، ومن يتول الكفار فهو منهم، وسيأتي حكم) أموالهم) 1 في الفصل الأول 2 من المسألة الثانية، وفي آخر مسألة 3 من مسائل السؤال، هذا كلّه إنْ أشهروا ذلك [4/أ] وأعلنوه كما مرّ!. وأمّا إنْ لم يشهروه ولا أعلنوه، ولكن اتهموا بذلك فقط، فالتهمة قوية لا شكّ في قوتها، من مثل هؤلاء القبائل لشهرتهم بذلك، فيجرى حكمهم على قول صاحب "التبصرة"،4 ما نصّه: (المتهم بالفجور وقطع الطريق، والسرقة والزنا- أي وكتمان الجواسيس والغصّاب، ونحو ذلك- لا بدّ أنْ يكشف ويستقصى 3 أمره بقدر تهمته وشهرته بذلك، وربما كان الكشف بالضرب، أو بالسجن دون الضرب على قدر ما اشتهر منه) 6.

_ 1 - في "ب": (أحوالهم). 2 - أنظر: ... 3 - أنظر: المسألة الخامسة: ... 4 - الإمام القاضي: برهان الدين، إبراهيم بن علي بن فرحون، عالم، بحّاث، نشأ في المدينة، مغربي الأصل، من شيخ المالكية، تولى القضاء بالمدينة (سنة 792هـ)، وكتابه هذا: قد ذكر فيه شيئاً من فوائد الإمام السبكي والبلقيني. ومن كتبه- أيضاً-: "الدلياج المذهب- ط"، و"طبقات علماء المغرب" مات (سنة 799هـ). (ابن حجر- الدرر الكامنة.: 1/ 48، وفيات الونشريسي في "كتاب ألف سنة من الوفيات": 133، التنبكتي- نيل الابتهاج: 30 - 31، حاجي خليفة- كشف الظون: 1/ 339، الزركلي- الأعلام: 1/ 52). 5 - أي يبلغ الغاية في البحث عن أمره، (البستاني- فاكهة البسنان: 1167). 6 - أنظر: ابن فرحون- التبصرة: 2/ 120، (الفصل الثالث: الدعوى بالتهم والعدوان)، حيث وجدت أن: ما نقله "المصنف" - رحمه الله- هنا مخالف في لفظه لما هو في "التبصرة"، فالنص كما ورد: (المتهم بالفجور كالسرقة، وقطع الطرق، والقتل، والزنا، وهذا القسم: لا بدّ أن يكشفوا، ويستقصى عليهم بقدر تهمتهم وشهرتهم بذلك، وربما كان بالضرب والحبس، وبالحبس دون الضرب على قدر ما اشتهر عنهم)، فقد جاء النص خاليأمن قوله (أي: وكتمان الجواسيس والغصاب، ونحو ذلك)، فجعلته بين معترضتين حتى أبيّن أنه من قول- التُّسولي- رحمه الله- وليس داخلاً في قول صاحب التبصرة. ونقله - أيضاً- المصنف (التُّسولي) في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 363 "في دعوى السرقة".

قال: (وليس تحليفه وإرساله مذهباً لأحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولو حلّفنا كل واحد وأطلقناه وخفينا سبيله، وقلنا: لا نأخذ إلاّ بشاهدي عدل، كان فعل ذلك مخالفاً للسياسة الشرعية، ومن ظنّ تحليفه وإرساله، فقد غلط غلطاً فاحشاً مخالفاً لنصوص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع الأمة) 1. ثم قال: (واعلم أنّ هذا النوع من المتهمين يجوز ضربه وحبسه) 2. وقال "القرافي" 3 في "ذخيرته": (إعلم أنّ التوسعة على الحكّام في أحكام السياسة ليس مخالفاً للشرع، لأن الفساد قد كثر وانتشر، بخلاف العصر الأول) 4 اهـ. الغرض منه. وعليه فإذا كان المتهم بما أشرقم إليه عدداً معيّناً، كما يفهم من قولكم: (ومن أحياء العرب من يفعل ذلك) فحكمه ما تقدّم، وسيأتي مزيد بيان، لذلك في الفصل السادس.

_ 1 - أنظر، ابن فرحون- تبصرة الحكام: 2/ 120، وهو في الأصل: يعزو هذا القول إلى "ابن قيم الجوزية"، حيث يقول (قال ابن قيم الجوزية الحنبلي: ما علمت أحداً من أئمة المسلمين يقول: ان هذا المدعى عليه بهذه الدعاوي، وما أشبهها يحلف ويرسل بلا حبس ولا غيره، وليس تحليفه وإرساله مذهباً ... إلخ). ونقله- أيضاً- المصنف في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 363، "في دعوى السرقة". 2 - أنظر: نفس المصدر السابق: 2/ 120، بزيادة (مما قام على ذلك من الدليل الشرعي). 3 - أبو العباس: أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن، شهاب الدين الصنهاجي القرافي: من علماء المالكية، نسبته إلى قبيلة "صنهاجة"، وإلى "القرافة" بالقاهرة، وهو مصري المولد، له مصنفات في الفقه، منها كتابه هذا "الذخيرة" وهو كما ذكر الزركلي (مخطوط في ستة مجلدّات)، وقد قامت بطبع جزء منه شمل "المقدمات وكتاب الطهارة" وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت. وله- أيضاً- "أنوار البروق في أنواء الفروق- ط" و"الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرف القاضي والإمام- ط". مات (سنة 684هـ). أنظر: ابن فرحون- الديباج: 62 - 67، مخلوف- شجرة النور الزكية: 188، الزركلي- الأعلام:1/ 94 - 95. 4 - أنظر: ابن فرحون- التبصرة: 2/ 117. ونقله أيضا المصنف في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 364 "في دعوى السرقة".

وأمّا إن لم يكن المتهم بما أشرقم إليه معيّناً في ناحية، ولا محصوراً في عدد معلوم، وإنّما غلب على الظنّ أن من أفراد القبيلة من يفعل ذلك، ولا يدري من هو، فالواجب (- فيما إذا لم يكن المتهم معيّناً-) 1 وهو غاية المقدور- أنْ يتقدّم الإمام إليهم، ويلزمهم بحراسة جواسيسهم وغصّابهم وتجّارهم، ويخبرهم [4/ب] بأنّه إنْ ظفر بجاسوس منهم، أو بغاصب، أو بمن يبيع شيئاً لهم، حلّت عقوبة جميعهم، وغرمهم جميع ما (نهب) 2 أو غصب مثلاً. إذ لا (يحرس) 3 الجاسوس أو السارق (أو) 4 والغاصب غير أخيه الذي يساكنه أو 5 يجاوره، ولا يشكّ عاقل أنّ القبائل (والمداشر) 6 لا يخفى عليهم ذهاب جواسيسهم، ولا إيابهم، ولا مكاتبتهم، ولا غصّابهم، ولا سرّاقهم، ولا يخفى أنّ الإمام إذا تقدّم إليهم وألزمهم 7 بما ذكر، فلا إشكال أنّهم يتأهبون لحراسة من ذكر، ويشمّرون 8 عن ساق الجدّ في ذلك، ويتناهون فيما بينهم عن المفاسد 9 دفعاً للعقوبة التي تلزمهم من الإمام. ثم بعد تقدّم الإمام إليهم وإلزامهم بما ذكر، يجعل المراصد 10 على الطرقات

_ 1 - ساقطة من "الأصل"، ومن "ج"، و"د"، والإضافة من "ب". 2 - في "الأصل": (نسب) وهو تصحيف. 3 - في "الأصل": (يحرض)، وكذلك في "ب"، والصواب ما أثبتناه من "ج"، و"د". 4 - ساقط من "الأصل"، والإضافة من "ب" و"ج". 5 - ساقطة من "ب" و"ج". 6 - في الأصل" (المراجش) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج"، و"د" وهي بمعنى الضيعات". 7 - في "الأصل" (ولزمهم)، وكذلك في "ج"، وما أثبتناه من"ب" مناسب للسياق. 8 - من شمر إزاره تشميراً: رفعه، يقال (شمّر عن ساق الجدّ في أمره) أي: خفّ. (الرازي- الصحاح: 274). 9 - في "الأصل" (الفساد)، وما أثبتناه من "ب" و"ج" مناسب للسياق. 10 - في "ب" (المرصاد) والصواب ما أثبتناه، لأنه جمع (المرصد) وهو موضع الرصد. (البستاني - فاكهة البستان: 535).

من أهل الثقات، العارفين (بمغابن) 1 الطرق من غير أولئك القبائل والمداشر خفية منهم، فإذا ظفر بأحد من الجواسيس ونحوهم ممّن كلّفهم بحراسة، أو ثبت على أحد منهم شيء من ذلك بإقرار أو بيّنة، فلا إشكال أنه يحلّ له عقوبة الجميع. أمّا عقوبة الجاسوس فتكون بالقتل، ولا تقبل له توبة، قال "خليل" 2: (وقتل عين وإن أمن، والمسلم كالزنديق) 3. وقال "ابن رشد" 4: (لأنّ مفسدته أعظم من مفسدة المحارب) 5.

_ 1 - في "الأصل" (بمغاير) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج"، و"د" فمغابن الطرق، أي مخادعها. أنظر البستاني- فاكهة البستان: 151. 2 - في "ب" (خ)، وهو: خليل بن اسحاق بن موسى، ضياء الدين الجندي، فقيه مالكي، من أهل مصر، تعلم في القاهرة، وولي الافتاء على مذهب مالك. من كتبه: "المختصر- ط" و"التوضيح- خ" و"المناسك- خ" واختلف في سنة وفاته وأرجحها (سنة 776هـ). (ابن فرحون- الدليباج: 115، ابن حجر- الدرر الكامنة: 2/ 86، الزركلي- الأعلام: 2/ 315). 3 - أنظر: مختصر خليل: 98، (باب: الجهاد، وقال الزرقاني في "شرحه على خليل": 3/ 118، ("وقتل عين" على المسلمين، وهو الجاسوس الذي يطلع على عورات المسلمين، وينقل أخبارهم للعدوّ، وإن كان ذميًّا عندنا أو حربيًّا أمن، لأن التأمين لا يتضمن كونه عيناً، ولا يستلزمه، ولا يجوز عقد عليه، "سحنون" إلاّ أن يرى الإمام استرقاقه، والمسلم العين كالزنديق، ان ظهر عليه كونه عينا قتل ولو أظهر التوبة بعد أخذه، وإن جاء تائباً قبل الظهور عليه). 4 - أبو الوليد: محمد بن أحمد: قاضي الجماعة بقرطبة، من أعيان المالكية، وهو: جدّ ابن رشد الفيلسوف (محمد بن أحمد)، من كتبه: "المقدمات والممهدات- والبيان والتحصيل- ط" و"الفتاوى"، (ط) وغيرها، مات (سنة 520هـ،. (ابن بشكوال- الصلة: 576 - 577، ابن فرحون- الديباج: 278، الزركلي- الأعلام: 5/ 316 - 317). 5 - أنظر: ابن رشد- البيان والتحصيل: 2/ 537، حيث رجح قول (ابن القاسم): (أرى أن تضرب عنقه) في عقوبة الجاسوس، وعلّل ذلك بقوله: (لأن الجاسوس أضر على المسلمين من المحارب، وأشدّ فساداً في الأرض منه، وقد قال الله تعالى- في المحارب- {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّة وَرَسُولَهُ} (سورة المائدة/ آية 33). فللجاسوس حكم المحارب، إلاّ أنه لا تقبل له توبة باستخفافه بما كان عليه، كالزنديق، وشاهد الزور، ولا يخير الإمام فيه- من عقوبات المحارب- إلاّ في القتل والصلب، لأن =

وأما التاجر إليهم فهو قريب من الجاسوس أو عينه، لأنّ الغالب عليه أنّ النصارى يسألونه عن أحوال المسلمين، ولا يجد بدًّا من جوابهم، ولأنّه يعينهم بما نقل إليهم من أنواع المتاجر ولاسيّما السلاح، ومن أعانهم فقد أشرك في دماء المسلمين- كما يأتي-. وقد أفتى سيدي "محمد بن سودة"، والشيخ "ميّارة " والإمام "الأبّار" حسبما في "نوازل الزياتي": (يقتل من باع مملوكاً للعدوّ، حيث كان لا ينفك 1 عن فساده إلاّ بالقتل، لأنه من أهل العبث 2 وإدخال الضرر على المسلمين) اهـ. فحكم هذا التاجر كذلك إنْ كان لا ينفك (إلاّ به) 3، وإلاّ فالعقوبة [5/أ] عليه في ماله أو بدنه- على ما يأتي في فصل العقوبة بالمال-4. وأما الكاتمون للجواسيس والغصّاب والمفرّطون 5 في حراستهم من إخوانهم بعد التقدّم إليهم، فعقوبتهم واجبة ولا يستحقون قتلاً، وإنّما وجبت عقوبتهم لأنّ حرس الجواسيس ونحوهم من المتلبّسين بالتجارة إليهم، جهاد يتعيّن بتعيين الإمام. [قال] "خليل": (وتعيّن بتعيين الإمام، وإنْ على إمرأة) 6 باختصار.

_ = القطع أو النفي لا يرفعان فساده في الأرض وعاديته على المسلمين عنهم، وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول مالك: أرى فيه اجتهاد الإمام). 1 - في "ب" و"ج" (ينكف) وكلا المعنيين صحيح. 2 - أي: أهل الاستخفاف بالدين واللّعب والهزل. أنظر: ابن منظور- لسان العرب: 2775، البستاني- فاكهة البستان: 898. 3 - في "الأصل" (الأيدي)، وكذلك في"ب"، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ج". 4 - أنظر الفصل الخامس من المسألة الأولى. 5 - المقصرون والمضيعون، يقال: (فرط الرجل في الأمر فرطاً)، قصّر فيه وضيّقه حتى فات. أنظر: الرازي- الصحاح: 392، الفيومي- المصباح المنير: 2/ 242. 6 - أنظر: مختصر خليل: 96، (باب: الجهاد) والنص كما ورد: (وتعيّن بفجأ العدوّ، وان على امرأة، وعلى من يقربهم إن عجزوا، وبتعيين الإمام).

وهؤلاء الكاتمون والمفرّطون، قد عيّنهم الإمام للحراسة للجواسيس ونحوهم، فخالفوا وكتموا 1 وفرّطوا، فحيث افتضح أمرهم بنقض بعض ما كلفوا بحراسته تحقّقت تهمتهم وظلمهم ولزمهم العقاب، لأنّهم بالمخالفة والكتمان عصوا الله ورسوله، ووجب عقابهم- كما يأتي دليله في الفصل بعده- ووجب أيضاً مؤاخذة بعضهم ببعض- كما يأتي في الفصل الثالث- والله أعلم.

_ 1 - ساقطة من ط "ج".

الفصل الثاني

الفصل الثاني في دليل عقوبة كاتم الجواسيس والغصّاب وغيرهم ممّن يستحق العقاب ــــــــــــــــــــــــــــــ اعلم أنّه لا يخفى أن كل من تلبّس بمعصية توعّد الله عليها بالعقاب الأخروي، فإنّ الإمام يجب عليه أنْ يعاقب فاعلها، كان فيها مع ذلك حق لآدمي، ككتمان الجواسيس والغصّاب وحمايتهم والتعصب عليهم، لما في ذلك من الفساد وإدخال الضرر على المسلمين في دينهم ودنياهم، أو تمحّض فيها حق الله فقط، كالأكل في نهار رمضان، وترك الصلاة وإقامة الأذان، وترك النهي عن المناكر مع القدرة، أو عدم هجرتهم مع عدم القدرة، لأن "من رضي فعل قوم فهو منهم" 1، إذ سبب هلاك الأمم السابقة وخزيهم ولعنهم، أنّهم كانوا [5/ب] لا يتناهون عن المناكرة قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ... إلى قوله: كَانُوا لَا يَتَنَاةوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} 2.

_ 1 - أخرجه أبو داود في "سننه" عون المعبود شرح سنن أبي داود- للعظيم آبادي): 11/ 74، "كتاب اللّباس"، عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ: "من تشبّه بقوم فهو منهم". وأورده الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين": 6/ 128، وقال: (أخرجه أبو يعلى، والديلمي في "مسنديهما"، وعلي بن معبد في "كتاب الطاعة" عن ابن مسعود مرفوعاً بلفظ: "من رضي عمل قوم كان شريك من عمل به"). 2 - سورة المائدة / آية 78 - 79، وتمامها: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاةوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.

قال الإمام "القرطبي" 1، و"ابن عطة" 2 - "في تفسيرهما"- ما نصّه: (قال " قتادة" 3، و "مجاهد" 4: لعنهم: مسخهم 5 قردة) 6. قالا: (وقد ذمّ الله هؤلاء القوم لتركهم النهي عن المنكر، وكذا يذمّ من بعدهم ممّق فعل فعلهم.

_ 1 - أبو عبد الله: محمّد بن أحمد بن أبي بكر، الأنصاري، الخزرجي، الأندلسي، القرطبي: من كبار المفسرين، صالح متعبّد، استقر بمصر، من كتبه: "الجامع لأحكام القرآن- ط" و"قمع الحرص بالزهد والقناعة" و"التذكرة بأحوال الموتى وأحوال الآخرة- خ" مات (سنة 671هـ)، (ابن فرحون- الديباج: 317، المقري- نفح الطيب:1/ 428، الزركلي - الأعلام: 5/ 322). 2 - أبو محمد: عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطيّة المحاربي، الغرناطي، مفسّر، فقيه، أندلسي، عارف بالأحكام، والحديث، ولي قضاء المرية، يكثر الغزوات في جيوش الملثمين، عن كتبه "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" مات (سنة 542هـ). (الضبي- بغية الملتمس: 389 - 399، المقري- نفح الطيب:1/ 593، الداودي- طبقات المفسرين: 1/ 260 - 261). 3 - أبو الخطاب: قتادة بن دعامة بن عزيز، السدوسي، البصري، المفسّر، الحافظ، المحدث، قال الإمام (أحمد بن حنبل): (قتادة أحفظ أهل البصرة)، وكان رأساً في العربية، ومفردات اللغة والنسب، مات بواسطة الطاعون، (سنة 118هـ). (ابن خلكان- وفيات الأعيان:1/ 427، الذهبي- تذكرة الحفاظ:1/ 115، الزركلي- الأعلام: 5/ 189). 4 - أبو الحجاج المكي: مجاهد بن جبر، مولى "بني مخزوم" التابعي، المفسر، قال الذهبي: (شيخ القراء والمفسرين)، أخذ التفسير عن ابن عباس، وكان رحالة لا يسمع بأعجوبة إلاّ ذهب فنظر إليها، أما كتابه في "التفسير" فيتقيه المفسرون، وسئل (الأعمش) عن ذلك، فقال: (كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب) مات (سنة 104هـ). (ابن الجوزى- صفة الصفوة: 2/ 117، الذهبي- ميزان الاعتدال: 3/ 9، الزركلي- الأعلام: 5/ 278). 5 - من المسخ، وهو تحويل سورة إلى ما هو أقبح منها، يقال: (مسخه الله قرداً). (الرازي- مختار الصحاح: 494). 6 - أنظر القرطبي- الجامع لأحكام القرآن: 6/ 252، بزيادة: "وخنازير"، وابن عطية- المحرر الوجيز: 5/ 165، مفصلاً، وهو (قال مجاهد وقتادة: بل مسخوا في زمن داود قردة، وفي زمن عيسى خنازير). 7 - في "ب" و"ج" و"د": (المناكر).

خرّج أبو داود 1، عن عبد الله بن مسعود 2، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أول ما دخل النقصُ على بني إسرائيل»، كان الرجل يلقى الرجل فيقول: (يا هذا) 3؟ اتّق الله!، ودع ما تصنع، فإنّه لا يحلّ لك، ثم يلقاه [من الغد] 4 فلا يمنعه ذلك أنْ يكون أكيلَهُ وشَرِيبهُ وقَعِيدَهُ، فلما فعلوا ذلك ضَرَبَ الله قلوب بعضهم ببعض، وقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ... إلى قوله: فَاسِقُونَ} 5 ثم قال: "كلا والله لتأمرن بالمعروفِ، ولتنهوّن عن المنكرِ، ولتأخذنّ على يدِ الظالمِ، ولتأطِرُنَّه على الحق أطراً، (ولتقصرنه 6 على الحق قصراً، أو ليُضْرِبن اللهُ بقلوبِ بعضكم على بعض، ثم ليلعنّكم كما لعنهم" 7 ومعنى لتأطِرَنَّه أي: (لتردنه) 8 اهـ. لفظه.

_ 1 - هو: سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني: إمام أهل الحديث في زمانه، من كتبه: "السنن- ط" و"المراسيل- ط" و"كتاب الزهد". مات بالبصرة (سنة 275هـ). (البغدادي- تاريخ بغداد: 9/ 55، ابن خلكان- وفيات الأعيان: 1/ 214، الذهبي- تذكرة الحفاظ: 2/ 152. 2 - وهو: أبو عبد الرحمن: عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي، الصحابي الجليل، الفاضل، من السابقين إلى الاسلام، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة، خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحب سره، نظر إليه عمر يوماً وقال: (وعاء ملىء علماً) له: 848 حديثاً، مات (سنة 32هـ). (ابن الجوزي- صفة الصفوة: 1/ 154، ابن الأثير- أسد الغابة في معرفة الصحابة: 3/ 356). 3 - هكذا في سنن أبي داود وفي جميع النسخ: (ما هذا يا فلان). 4 - ساقطة من جميع النسخ، والإضافة من سنن أبي داود. 5 - سورة المائدة / آية 78 - 81. 6 - في جميع النسخ: (أو تقصونه). 7 - أخرجه أبو داود في "سننه" كتاب "الملاحم" باب: "الأمر والنهي" (أنظر: "عون المعبود شرح سنن أبي داود": 11/ 487 - 488 - 489، نحوه. وأورده السيوطي في "جمع الجوامع": 2/ 233، وعزاه لأبي داود، وكذا في كتابه "الدر المنثور في التفسير بالمأثور": 2/ 300. 8 - (أنظر: القرطبي- الجامع لأحكام القرآن: 6/ 253، وابن عطية- المحرر الوجيز: 5/ 166، بلفظ: "إن الرجل من بنى إسرائيل كان إذا رأي أخاه على ذنب نهاه عنه تغريراً، =

فأنتم ترون هذا الزجر الغليظ، والوعيد الفضيع، حتى قال- عليه الصلاة والسلام-: "والله إمّا أن تأمروا بالمعروف وتردّوا الظالم إلى الحق، وإمّا أنْ يضرب الله بقلوب بعضكم على بعض، ويلعنكم كما لعنهم" فقوله في الحديث الكريم: "أو ليضربنّ الله ... إلخ" قسيم قوله: "لتأمرنّ ... إلخ". قال في "الكشاف": قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا} 2 أي: لم يكن ذلك اللعن الشنيع الذي كان سبب المسخ، إلاّ لأجل المعصية والاعتداء لا لشيءآخر، ثم فسّر المعصية [6/أ] والاعتداء بقوله: {كَانُوا لَا يَتَنَاةوْنَ (عَنْ مُنْكَرٍ) 3} 4 - أي- لا ينهى بعضهم بعضاً، ثم قال: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} 5 للتعجب من سوء فعلهم، مؤكداً لذلك بالقسم) 6. قال: (فيا حسرة على المسلمين في إعراضهم عن باب التناهي عن المنكر، وقلّة عبئهم 7 به، كأنه (ليس) 8 من ملّة الإسلام، مع ما يتلون من كتاب الله، وما فيه

_ = فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأي منه أن يكون خليطه وأكيله، فلما رأي الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى، قال ابن مسعود: وكان رسول الله متكأ فجلس، وقال: "لا والله حتى تأخذوا على يد الظالم فتأطروه على الحق اطراً". 1 - "الكشاف عن حقائق التنزيل": لأبي القاسم: محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشري: الإمام، العالم، المفسر، اللغوي، الأديب، معتزلي المذهب، مات (سنة 538هـ). (ابن خلكان- وفيات الأعيان: 2/ 81، حاجي خليفة- كشف الظون: 2/ 1475 - 1484). 2 - سورة المائد و / آية: 78، وتمامها: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}. 3 - ساقط من "الأصل"، ومن "ج"، والإضافة من "ب". 4 - سورة المائدة / آية: 79. 5 - الشطر الثاني من الآية السابقة. 6 - أنظر: الزمخشري- الكشاف: 1/ 667. 7 - أي: قلّة مبالاتهم به، ويقال: (ما عبأ به: لم يعدّه شيئاً، ولم يباله). (الرازي- مختار الصحاح: 323، المعجم الوسيط: 2/ 585). 8 - ساقط من "الأصل"، والإضافة من "ب" و"ج"، و"د".

من المبالغات في هذا الباب) 1 اهـ. وقال- تعالى-: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} 2. قال "البيضاوي " 3: (أي: لا تميلوا إليهم أدنى ميل، فإن الركون: هو الميل القليل كالتزيّي بزيهم وتعظيم ذكرهم، وإذا كان الركون إلى من وجد فيه ما يسمّى ظلماً يلحقه هذا الوعيد، فما ظنّك بالركون إلى الظالمين الموسومين بالظلم، ثم بالميل إليهم كل الميل، ثم بالظلم نفسه والانهماك فيهه) 4 اهـ. وقال "ابن عطية": ("ولا تركنوا" يقال: ركن يركن، ومعناه السكون إلى الشيء والرضي به، فالركون يقع على قليل هذا المعنى وكثيره) اهـ. الغرض منه. وقال في "الكشاف": ("ولا تركنوا" متناول الانحطاط 5 في هواهم، والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم، ومجالستهم، وزيارتهم، ومداهنتهم 6، والرضي بأعمالهم، والتشبه بهم، والتزيّ بزيهم، ومدّ العين إلى زهرتهم [وذكرهم] 7 بما فيه تعظيم لهم) 8. قال: (وتأمل قوله: "ولا تركنوا" فإن الركون هو: الميل اليسير، وهذا

_ 1 - أنظر: الزمخشري - الكشاف:1/ 667. 2 - سورة هود/ آية 113، وتمامها: {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}. 3 - أبو سعيد: عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي، ناصر الدين البيضاوي: قاض، مفسر، علاّمة، من كتبه: "أنوار التنزيل وأسرار التأويل- ط"، و"طوالع الأنوار- ط" و"لبّ اللّباب في علم الإعراب" مات في تبريز (سنة 685هـ). (ابن كثير- البداية والنهاية: 13/ 309، الداودي- طبقات المفسرين: 1/ 242 - 243، كبرى زاده- مفتاح السعادة: 1/ 436). 4 - أنظر: البيضاوى- أنوار التنزيل: 231. 5 - من انحطّ: أيّ: نزل وانحدر: (المعجم الوسيط: 1/ 182). 6 - من داهن وهي: المسالمة، والمصالحة. (المصباح المنير:1/ 244). 7 - ساقطة من جميع النسخ، والإضافة من "الكشاف": 2/ 433. 8 - أنظر: الزمخشري- الكشاف: 2/ 433، سورة هود / آية 113.

فيمن ركن إلى من ظلم فكيف بالظالمه) 1. قال: (وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من دعا لظالم بالبقاء، فقد (أحبّ) 2 أن يعصي (الله) 3 في أرضه" 4. ولقد سئل "سفيان الثوري" 3 عن ظالم أشرف على الهلاك في بريّة، هل يسقى شربة من ماء؟ فقال: (لا، فقيل له: يموت، فقال له: دعه يموت) 6 اهـ. [6/ب] وإذا كان هذا الوعيد الفظيع لاحقاً لمن لا يتناهى عن المناكر، فضلاً عمّن يباشرها كهؤلاء القبائل الذين وصفتهم، أو لمن ركن إلى الظالم الركون اليسير فكيف بمن يكتم على الجواسيس والغصّاب والتجار الحربيين ونحوهم، ويطعمهم

_ 1 - أنظر: الزمخشري- الكشاف: 2/ 433، وقد أورده "المصنف" هنا مختصراً، وتمامه قوله بعد: (هو الميل اليسير): (إلى الذين ظلموا، أي: إلى الذين وجد فيهم الظلم، ولم يقل إلى الظالمين، وحكي أن "الموفق" صلّى خلف الإمام، فقرأ بهذه الآية، فغشي عليه، فلما أفاق قيل له، فقال: "هذا فيمن ركن إلى من ظلم، فكيف بالظالم! "). 2 - في "الأصل": (حب)، وما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د" مناسب للسياق. 3 - في "ب": (يعصي الله ورسوله) وهي زائدة، والصحيح سقوطها، كما هو ثابت في الموضع الذي نقل منه المصنف وهو: (الزمخشري- الكشاف: 2/ 434، وكما هو ثابت- أيضاً- في كتب الحديث، ككتاب "كشف الخفاء للجراحي": 2/ 325. 4 - أورده الجراحي في "كشف الخفاء ومزيل الالباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس": 2/ 325، وقال: (ذكره البيهقي في الشعب، وابن أبي الدنيا في الصمت من قول الحسن البصري، وأخرجه أبو نعيم في ترجمة "سفيان الثوري من قوله، لكنه لم يرو في المرفوع). والغزالي في "الإحياء": 2/ 87، وقال العراقي في تخريجه: (لم أجده مرفوعاً، وإنما رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب الصمت" من قول الحسن). أنظر: كتاب الصمت وآداب اللّسان: 344 رقم 231. 5 - أبو عبد الله: سفيان بن سعيد الثورى: المحدث، الحافظ، العالم، التقي، نشأ في الكوفة، وسكن مكة والمدينة، وانتقل إلى البصرة، من كتبه: "الجامع الكبير" و"الجامع الصغير" وكتاب في "الفرائض"، مات (سنة 161هـ). (ابن سعد- الطبقات: 6/ 257، ابن حجر - تهذبب التهذيب: 4/ 111، 115، الزركلي- الأعلام: 3/ 104 - 105. 6 - أنظر: الزمخشري - الكشاف: 2/ 434.

أو يساكنهم، أو يأوون إليه فيجالسهم أو يحسن إليهم أو يواسيهم، وكيف بالتعصب عليهم ومنع الإمام من الانتصاف 1 منهم، فلو لم يكن إلاّ واحد من هذه الأمور لكفي به معصية، فكيف بجميعه أو غالبه!. وهذا كله فيمن لم يباشر- لأنّه بكتمه أو تعصّبه أو مجالسته لهم أو مساكنته ونحو ذلك، مع عدم التغيير عليهم إنْ قدر، أو خروجه من بينهم إنْ لم يقدر 2 - راض بفعلهم معين لهم بذلك على الاستمرار في معصيتهم، "ومن رضي فعل قوم فهو منهم" 3، ولذلك استوجبوا ما تقدّم من العقاب في الآيتين الكريمتين، فكيف بالمباشرة منهم!. ولذا قال الفقهاء- كما في "ابن عرفة 4 وغيره-: (تحرم الإقامة والسكنى بين قوم لا يتناهون عن المناكر، ولا زاجر لهم يزجرهم عنها، وإنْ لم يباشر هو معهم ما هم عليه، وتجب عليه هجرتهم، قال تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُةاجِرُوا فِيةا}) 5. قالوا: (وهو ساقط الإمامة والشهادة بعدم (الهجرة) 7.6.

_ 1 - انتصف منه: استوفى حقه منه كاملاً، وأنصف الرجل: عدل، يقال: (أنصفه من نفسه، وانتصف هو منه). (الرازي- مختار الصحاح: 526، ترتيب القاموس المحيط: 4/ 342). 2 - ساقطة من "ب". 3 - تقدّم تخريجه. 4 - أبو عبد الله: محمد بن محمد بن عرفة الورغمي، الإمام التونسي، العالم، الخطيب، المفتي في عصره، تولّى إمامة الجامع الأعظم (سنة 750هـ)، من كتبه: "المختصر الكبير"، و"المختصر الشامل" و"المبسوط" في الفقه. مات بتونس (سنة 803هـ). (السخاوي- الضوء اللامع: 9/ 240 - 242، التنبكتي- نيل الابتهاج: 274، الزركلي- الأعلام: 7/ 43). 5 - سورة النساء / آية 97، وتمامها: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُةاجِرُوا فِيةا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَةنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. 6 - في "ب" و"ج" و"د": (الهجران). 7 - (اتفق علماء المدينة مالك وأصحابه أجمع، على: ردّ شهادة تسعة وإمامتهم أبداً وإن تابوا =

وحينئذ فلا مؤاخذة على الإمام، حيث وآخذه من جملتهم، وقاتله أو عاقبه معهم بمال أو غيره- على ما يأتي في الفصل بعده- ولا سيّما، حيث تقدّم إليهم وأخبرهم: بأنّ من لم يرضَ بفعلهم فليخرج عنهم- على أنّه لا يحتاج للتقدّم المذكور- لأنّ كل من ساكن قوماً، يعلم أنه ينوبه ما ينوبهم من شرّ أو غيره. وقد قالوا: (شاع مثل هذا الفساد حتى في الحواضر 1، فتجد أهل [7/أ] (الحارة) 2 والحومة يحمون فسّادهم ويكتمون عليهم، ويجالسونهم ولا ينهونهم عمّا هم عليه). وقد قال عليه الصلاة والسلام: "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: إن كان مظلوماً فنعم، وإن كان ظالماً، فكيف ننصره؟ فقال: نصره أن تمنعه من ظلمه" 3.

_ = وحسنت حالتهم، وذلك بعد الظهور عليهم، وهم أربعة في "المدونة" وخمسة في غيرها، وأما الأربعة الذين هم في المدونة: الزاني، وشاهد الزور، والمحارب والقاتل عمداً والأصل في منع ذلك الكتاب والسنة والاجماع، أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ... } (النساء / آية 93)، وأما السنّة فقوله- عليه السلام-: "كل ذنب عسى أن يكون معفواً إلاّ من مات كافراً، أو قتل مؤمناً متعمداً"، وأما الاجماع "سأل سائل ابن عمر، وابن عباس، وعلي بن أبي طالب- رضي الله عنهم-: عمّن قتل مؤمناً متعمدا هل له توبة؟ فقالوا كلهم: وهل يستطيع أن يحيه، وهل يبتغي نفقاً في الأرض أو سلّماً في السماء!؟). (الفتاوى لأبي عمران الفاسي = 37). 1 - في "ج" (الحاضرة) وهي: ضد البادية، وهي: المدن والقرى والريف. (الرازي- مختار الصحاح: 107). 2 - الحارة: كل محلة دنت منازلها فهم أهل الحارة. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 1/ 749). 3 - أخرجه البخاري في "صحيحه": (أنظر: فتح الباري: 5/ 98) كتاب: المظالم، باب: أمن أخاك ظالماً أو مظلوماً. ومسلم في "صحيحه": 4/ 1998، "كتاب: البر والصلة والآداب" "باب: نصر الأخ ظالماً أو مظلوماً"،نحوه. وأحمد في "مسنده ": 5/ 99 - 201. والترمذي في "سننه": 4/ 523، كتاب: الفتن"باب (68)، عن أنس، وقال فيه: (هذا حديث حسن صحيح).

وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} 1. والكتمان على الجواسيس والغصّاب، أو عدم التناهي عن المناكر، أو مخالطتهم إثم وعدوان، فكيف بحمايتهم أو مواساتهم كما هو الموجود من أهل الفساد!. وقال "ابن العربي" - عند قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّة وَرَسُولَهُ ... }: (فقد اتفقت الأئمة الأربعة على أن من يفعل المعصية يقاتل ويحارب، كما لو اتفق أهل بلد على العمل بالربا، أو على ترك الجماعة، أو تعطل الجمعة، أو ترك الآذان، فإنهم يقاتلون على ذلك) 2. والمراد منه قوله: (من يفعل المعصية، لأن المعصية شاملة لجميع ما تقدّم وغيره، ولا خصوصيّة لما مثّل به. وهذا الفصل كله داخل تحت قول الشيخ "خليل": (وعزّر 3 الإمام لمعصية الله، أو لحق آدمي ... إلى قوله: وإنْ زاد على الحدّ-، أو أتى على النفس ... إلخ) 4.

_ 1 - سورة المائدة / آية 2، وتمامها: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّةرَ الْحَرَامَ وَلَا الْةدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْئا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّة إِنَّ اللَّة شَدِيدُ الْعِقَابِ}. 2 - أنظر: ابن العربي- أحكام القرآن: 2/ 593. 3 - التعزير: التأديب، ومنه: التعزير الذي هو الضرب دون الحدّ. (الرازي- مختار الصحاح: 338). 4 - أنظر: مختصر خليل: 289"باب (شرب المسلم المكلف ما يسكر جنسه). والنص كامل كما ورد: (وعزر الإمام لمعصية الله، أو لحق آدمي حبساً ولوماً، وبالإقامة، ونزع العمامة، وضرب بسوط أو غيره، وان زاد على الحدّ أو أتى على النفس)، فقال الزرقاني في شرحه لخليل: 8/ 115 - 116، (ولما فرغ من الكلام على الحدود التي جعل الشارع فيها شيئاً معلوماً، بل يختلف باختلاف الناس، وأقوالهم، وأفعالهم، وذواتهم، وأقدارهم، فقال: "وعزّر الإمام" أو نائبه "لمعصية الله " وهي: ما له للآدمي إسقاطه كالأكل في نهار رمضان بغير عذر إلاّ أن يجيء تائباً، "أو لحق آدمي" وهو: ما له اسقاطه كشتم آخر وضربه، أو أذاه بوجه لا ما ليس لله فيه حق، لأنه ما من حق لآدمي إلاّ ولله فيه حق، وذلك اما: بالحبس أو باللّوم، والتوبيخ، أو بالاقامة من المجلس، أو بنزع العمامة، وضرب بالسوط أو غيره "وان =

قال في "العتيبة" 1: (قد أمر مالك: بضرب شخص وجد مع صبي في سطح المسجد، قد جرّد، وضمّه إلى صدره، أربعمائة سوط، فانتفخ ومات، ولم يستعظم ذلك مالك) 2. فهذه النصوص كلها صريحة في وجوب العقاب، لمن ارتكب معصية، كتماناً كانت أو غيره، وهل يعدل عن التعزير إلى إغرامه المال؟ سيأتي ذلك مبيّناً في الفصل الخامس- إنْ شاء الله- والله أعلم. [7/ب]

_ = زاد على الحدّ أو أتى على النفس" وله الاقدام ان ظن السلامة، فان ظن عدمها أو شك منع، "و" ان فعل مع الشك، "ضمن" دية "ما سرى" لنفس أو عضو على العاقلة، والإمام كواحد منهم ولا قصاص عليه). 1 - وتسمى- أيضاً- "المستخرجة" وهى: لفقيه الأندلس، أبي عبد الله: محمد بن أحمد بن عبد العزيز، العتبي، القرطبي، المالكي. مات (سنة 255هـ)، وقيل (سنة 254هـ). وكتابه هذا مطبوع مع البيان والتحصيل لابن رشد، وسمّى بذلك نسبة لصاحبه العتبى، وقد وضعه في مسائل مذهب الإمام مالك. (الضبي- بغية الملتمس: 48، ابن فرحون- الديباج المذهب: 238، حاجي خليفة- كشف الظنون: 2/ 1124، والزركلي- الأعلام: 5/ 307). 2 - بحثت عنه بحثاً مضنياً في "العتيبة" ولم أقف عليه، ووقفت عليه في: شرح ابن رشد للعتيبة، وهو: "البيان والتحصيل": 16/ 278، كتاب: "الحدود".

الفصل الثالث

الفصل الثالث في كون الرجل يؤاخذ بجريرة قومه كما يؤاخذ بجريرته ــــــــــــــــــــــــــــــ روى مسلم، في "صحيحه " وغيره، عن "عمران بن حصين": "أن "ثقيفاً" 1 كانت خلفاء "بني غفا" 2 في الجاهلية، فأصاب المسلمين رجلاً من بني غفار ومعه ناقة له، وأتوا به (إلى) 3 النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد!، بم أخذتني، وأخذت (سابقة) 4 الحاج 5، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أخذتك بجريرة حلفائك ثقيفَ)، وكانوا أسروا رجلين من المسلمين، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمرّ به وهو محبوس، فيقول: يا محمد!: إني لمسلم، فيقول - صلى الله عليه وسلم -: (لو قلت ذلك، وأنت تملك أمرك لأفلحت) ففداه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرجلين من المسلمين، وأمسك الناقة لنفسه 6 اهـ.

_ 1 - ثقيف: قبيلة منازلها في جبل الحجاز بين مكة واليائف، وعلى الأصح بينه وبين جبال الحجاز، وتنقسم إلى بطون كثيرة. (كحالة- معجم قبائل العرب: 1/ 147). 2 - هم: بنو غفار بن عبد مناة بن كنانة، وهم رهط أبي ذرّ الغفاري، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإليهم الإشارة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (غفار غفر الله لها). (القلقشندي- صبح الأعشى:1/ 350) وانظر: كحالة- معجم القبائل: 3/ 890. 3 - ساقطة من "الأصل"، ومن "ج"، و"د" والإضافة من "ب". 4 - في جميع النسخ: (سائقة) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، أنظر: النووي على مسلم: 11/ 100. 5 - أي: ناقته العضباء، (النووي على مسلم: 11/ 100، كتاب "النذور". 6 - أخرجه مسلم في "صحيحه": 3/ 1262،، كتاب النذر""باب: "لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما يملك العبد"، نحوه مطولاً، من طريق أيوب عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين. وأبو داود في "سننه" أنظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود": 9/ 144، كتاب: الإيمان والنذور""باب "النذور فيما لا يملك"، نحوه مطولاً. وأحمد في "مسنده": 4/ 430، 433، نحوه مطولاً.

ونقله ابن العربي في "الأحكام" في سورة البقرة عند قوله تعالى: {فَإِنِ انْتَةوْا فَإِنَّ اللَّة غَفُورٌ رَحِيمٌ 1} 2، ونقله في "التبصرة" 3 مسلّماً محتجاً به، على أنّ ذلك من أحكام) السياسة) 4. قالوا: (وهو معارض لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 3 أي: لا تؤخذ نفس بذنب غيرها) 6. قال "المازري" 7: (أجاب الناس عن الحديث الكريم بثلاثة أجوبة: أحدها: أنْ يكونوا عوهدوا على أن لا يتعرضوا لأصحاب سيدنا محمد، لا هم ولا حلفاؤهم 8، فنقض حلفاؤهم العهد، ورضوا هم بذلك، فاستبيحوا. والثاني: أنّهم كانوا لا عهد لهم، فهم على الإباحة. والثالث: أنّ في الكلام حذفاً، ومعناه: "أخذتك لنفادي بك من

_ 1 - سورة البقرة / آية 192. 2 - أنظر: ابن العربي- أحكام القرآن:1/ 108. 3 - أنظر: ابن فرحون- التبصرة: 2/ 109. 4 - هكذا في "ب" و"ج" و"د" وفي الأصل (الشريعة). 5 - سورة الأنعام / آية 164، وتمامها: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْةا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}. 6 - قال القرطبي: (ويحتمل أن يكون المراد بهذه الآية في الآخرة، وكذلك التي قبلها، فأما التي في الدنيا فقد يؤاخذ فيها بعضهم بجرم بعض، لاسيّما إذا لم ينه الطائعون العاصين). (الجامع لأحكام القرآن: 7/ 157). 7 - أبو عبد الله: محمد بن علي بن عمر التميمي، المازري: المحدث، الفقيه، المالكي، نسبته إلى مازر، من كتبه: "المعلم بفوائد مسلم" في الحديث علق به على صحيح مسلم، و"التلقين- خ" و"الكشف والأبناء" في الرد على الأحياء للغزالي، مات بالمهدية (سنة 536هـ). (ابن خلكان- وفيات:1/ 486، ابن فرحون- الديباج: 279 - 281، المقري- أزهار الرياض: 3/ 165). 8 - مفرده: الحليف، أي: المتعاهد على التناصر. (المعجم الوسيط:1/ 192).

حلفائك" 1 اهـ. وكان "ابن فرحون": لم يرتض شيئاً من هذه الأجوبة، واعتمد على الجواب الأول منها، فلذلك احتجّ بالحديث وساقه، لأنّه: المذهب على جواز أخذ الرجل بجريرة قومه 2. وقال "الأبيّ" 3 - كما نقله شارح 4 نظم العمل-5: (كان الشيخ [8/أ] "ابن عرفة" يقول: هذا الحديث أصل في هذا الحكم، وهو: أخذ الحليف بجريرة

_ 1 - أنظر: السجلماسي في "شرح نظم عمل فاس": 2/ 421 عند قول الفاسي: وأولوا أسر الغفيلي إذ جنا … الحلفاء من ثقيف هاهنا حيث نقل شارحها هذه الأجوبة الثلاثة عن المازري، ثم قال: (ويحتمل عندي وجهاً رابعاً وهو: أن يكون جوابه على جهة المقابلة، لأنه لما قال: بم أخذتني وأخذت سابقة الحاج؟، وكان ذلك معظماً عندهم، قال: أخذتك بجريرة حلفائك لأنهم- أيضاً- كانوا يطالبون بجريرة الحلفاء، فأجابه على جهة المقابلة على أصلهم. 2 - أنظر: ابن فرحرن- التبصرة: 2/ 109. 3 - محمد بن خلفة، الأبيّ، الوشتاتي، المالكي: العالم، المحدث، القاضي، التونسي، نسبته إلى "أبة"، ومن كتبه: "اكمال اكمال المعلم، لفوائد كتاب مسلم- ط" سبعة أجزاء، في شرح صحيح مسلم، و"شرح المدونة" وغير ذلك، مات بتونس (سنة 827هـ). (الشوكاني - البدر الطالع: 2/ 169، مخلوف- شجرة النور: 244، الزركلي- الأعلام: 6/ 115. 4 - لقد شرحه عدّة من العلماء والمقصود من شارحه هنا هو: السجلماسي الرباطي، أنظر ترجمته: 259، والذي يدل على ذلك أنه ذكره في [ص:259] قائلاً: (واما قول الرباطي في شرحه للعمل المذكور ....... ) 5 - هو: "نظم العمل الفاسي" لأبى زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي: الفقيه، الباحث، المتفنن، نعته المؤرخ "ابن زيدان"،: بسيوطي زمانه، صنف نيفاً وسبعين كتاباً، مات (سنة 1096هـ). ونظمه هذا يعدّ- مجهوداً قيّماً تمّم به ما كان الإمام: "الزفاق" قد ابتدأه في لاميته، من جمع المسائل التي جرى العمل بها في الأحكام الشرعية، مراعاة للأعراف، والظروف، وان لم تكن من الراجح ولا المشهور، فأربى عليه واتسع في ذلك بما لا غاية بعده، وله- أيضاً-: "مفتاح الشفاء" ذيل به كتاب الشفاء" للقاضي عياض، و"أزهار البساتين"، ترجم به بعض شيوخه. (السلاوي- الاستقصا: 4/ 51، البغدادي- ذيل كشف: 4/ 659، الزركلي- الأعلام: 3/ 310، كنون- النبوغ المغربي:1/ 295).

حليفه، وإنْ لم يجرم 1 إلاّ كونه حليفاً فقط) 2 أه. قلت: وهو يريد ما لابن فرحون. وبيان ذلك: أنّ هذه المسألة لا تخلو من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون الغير ممّن لا يأوي إليه المذنب، ولا يحميه، ولا يتعصّب عليه، ولا ينكف المذنب عن ذنبه بتغريم ذلك الغير، فهذا هو الذي لا يؤاخذ ذلك الغير بذنبه كتاباً وسنة وإجماعاً، كان الغير قربياً للمذنب أو غيره، وهو محلّ قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 3. ثانيها: أن يكون ذلك الغير ممّن لا يأوي إليه المذنب، ولا يحميه، ولا يتعصّب عليه- كالقسم الذي قبله- إلاّ أنّه إذا أخذ من ذلك الغير ما أخذه المذنب أو نهبه، كفّ المذنب عن ذنبه ومفسدته، لكون ذلك الغير يقدر على الانتصاف من المذنب، أو لكونه قريباً له، فلهذا قالوا: (يجوز مؤاخذة ذلك الغير به سدًّا للذريعة 4 - 5 كما يأتي

_ 1 - في "ج" (يجزم) وهو تصحيف. 2 - أنظر: الأبي- "اكمال اكمال المعلم": 4/ 360. 3 - تقدّم تخريجها في: 194. 4 - قال القرافي: (الذريعة: الوسيلة للشيء، ومعنى ذلك: حسم مادة وسائل الفساد، دفعاً له، فمتى كان الفعل السالم من المفسدة وسيلة إلى المفسدة، منعنا من ذلك الفعل وهو مذهب مالك رحمة الله عليه، وقد أجمعت الأمة على أن الذرائع ثلاثة أقسام: أحدها: معتبراً اجماعاً، كحفر الآبار في طرق المسلمين. وثانيها: ملغى اجماعاً، كزراعة العنب فانه لا يمنع خشية الخمر. وثالثها: مختلف فيه كبيوع الآجال. اعتبرنا نحن الذريعة فيها، وخالفنا غيرنا). (الذخيرة: 1/ 144 - 145). 5 - أنظر: السجلماسي الرباطي في شرحه "لنظم العمل الفاسي": 2/ 417، حيث قال في شرحه: (كما لو كان بعض أهل الغصب، والتعدي على أموال الناس لا يقدر على الانتصاف منه لفراره مثلاً، ولم يوجد سبيل لقطع مفسدته إلاّ بالردّ من قريبه غرم ما يأخذ ويتلف من الأموال بحيث يعلم من حال الظالم أنه إذا عرف أن قريبه يؤاخذ بجريرته، حمله ذلك على الترك، فيرتكب ما ذكر للضرورة من باب قاعدة القضاء على الخاصة بمنفعة العامة، كما ضمن الصناع وأغرموا ما لا يلزمهم بحسب الأصل لولا مصلحة العامة، ويندرج هذا أيضاً في قاعدة =

عن ناظم العمل- 1. ثالثها: أن يكون ذلك الغير ممّن يحمي المذنب، أو يتعصّب عليه، أو يواسيه، أو يأوي وينحاش إليه، ويرضي بفعله، فهذا يؤاخذ ذلك الغير بجريرته وبجميع ما أخذه، ولا يختلف فيه، لأنه بتعصبه- ولو بجاهه- وحمايته، والرضي بفعله، صار معيناً له على ظلمه، متسبباً بذلك لاتلاف أموال الناس ودمائهم، وتأمل قول "المازري" في الجواب الأول من الأجوبة الثلاثة: (ورضوا هم بذلك ... إلخ) 2. وهذا القسم الثالث: هو الذي لحقه الوعيد وإنْ لم يباشر، ويجز له العقاب دنيا وأخرى- كما مرّ في الفصل الذي قبله- وهو الواقع من قبائل الزمان وفساد حواضرهم- كما مرّت الإشارة إليه- وهو الذي يجب أنْ يحمل عليه، الحديث الشريف الوارد في مؤاخذة الرجل بجريرة [8/ ب] قومه، كما دلّ عليه: أول أجوبة "المازري"، وسياق "ابن فرحون"، و"ابن العربي" وغيرهما له، كأنّه المذهب، فلا معارضة حينئذ بين الآية والحديث الكريمين، لأنّ الغير في هذا القسم عاص لله بما ارتكب من إعانة المذنب، والرضي بفعله، وحمايته وتعصّبه عليه، أو إحسانه إليه، أو إيوائه إليه، والرواية بذلك واردة عن "ابن القاسم" 3 وغيره.

_ = معروفة، وهي: "إذا تقابل مكروهان أو محظوران أو ضرران ولم يمكن الخروج عنهما وجب ارتكتاب أخفهما" ولا شكّ أن المؤاخذ بذنب الغير أخف من بقاء مفسدة: الحرابة، والغصب، ونهب الأموال. 1 - أنظر قول ناظم العمل: 136. 2 - أنظر: الجواب الأول: 129. 3 - أبو عبد الله: عبد الرحمن بن القاسم بن خالد، العتقي، المصري: يعرف بابن القاسم، الفقيه، الزاهد، العالم، تفقه بالإمام مالك ونظرائه. ومن كتبه: "المدونة- ط"، مات بمصر (سنة 191هـ). (الشيرازي- طبقات المفسرين: 150، عياض- ترتيب المدارك: 3/ 244 - 261، ابن خلكان- وفيات: 1/ 276، ابن فرحون- الديباج: 146).

قال الشيخ "عبد الباقي الزرقاني " 1 - عند قول خليل في الحرابة:- (وبالقتل يجب قتله ولو بإعانته)، ما نصّه: (قوله. ولو بإعانته، أي: على القتل، ولو بالتقوي بجاهه، وإنْ لم يأمر بقتل، ولا تسبب فيه، لأنّ جاهه إعانة عليه حكماً 2. قال "ابن الحاجب" 3: (وأمّا إنْ لم يتسبب: فقال "ابن القاسم ": يقتل، وقال "أشهب" 4: يضرب مائة، ويحبس سنة) 5. قال الشيخ 6 - يعني المصنف-: (أي: لم يتسبّب في قتل، ولكن التقوّي به، أي: بجاهه حاصل، ككونه من فئة ينحاز إليهم قطاع الطريق، فيقتل الجميع، لأنّهم متمالئون، أي: وإنْ لم يعينوا القطاع في القتل) 7 اهـ.

_ 1 - الشيخ عبد الباقي بن يوسف بن أحمد الزرقاني: الفقيه المالكي، من كتبه: "شرح مختصر خليل- ط" و"شرح العزية". مات بمصر (سنة 1099هـ). (المحبي- خلاصة الأثر: 2/ 287، القادري- التقاط الدرر: 238، الحجوي- الفكر السامي: 4/ 117، الزركلي- الأعلام: 3/ 272). 2 - أنظر: الزرقاني على خليل: 8/ 110 عند قول خليل: (وبالقتل يجب قتله ولو بكافر أو عبد أو بإعانة). 3 - أبو عمرو: عثمان بن عمر بن أبي بكر بن الحاجب: الفقيه المالكي، من كبار العلماء بالعربية، كردي الأصل، نشأ بالقاهرة، وسكن دمشق، من كتبه: "الكافية" و"الشافية" و"مختصر الفقه" ويسمّى "جامع الأمهات". مات بالاسكندرية (سنة 646هـ)، (ابن خلكان- وفيات: 1/ 314، كبرى زاده- مفتاح السعادة: 1 م 117). 4 - أبو عمرو: أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي، العامري الجعدي، فقيه الديار المصرية في عصره، كان صاحب الإمام مالك، قال الشافعي: "ما أخرجت مصر أفقه من أشهب"، مات (سنة 204هـ). (الشيرازي- طبقات الفقهاء: 150، ابن خلكان- وفيات: 1/ 78، ابن فرحون- الديباج المذهب: 98 - 99، ابن حجر- تهذيب:1/ 359. 5 - أنظر: ابن الحاجب في "مختصره": 2/ 195 - ب. 6 - هو ابن الحاجب، ناقلاً عنه "الشيخ الزرقاني في شرحه على خليل": 8/ 110. 7 - أنظر: الزرقاني على خليل: 8/ 110.

وأصل ذلك في "ابن الحاجب" و"التوضيح" 1 و"الشامل" 2 ونصّه: (وقتل الربيئة- أي: الطليعة 3 التي تحرس المحاربين- ثم قال: وكذا المتسبب في القتل، وكذا إنْ لم يتسبب- أي: بإمساك ونحوه- فإنّه يقتل لأنّ التقوّي به- أي: بجاهه- حاصل على الأصح) 4 اهـ. ووقفت على جواب للشيخ "يوسف الرسموكي" 5، و"يبورك بن عبد الله

_ 1 - للشيخ خليل بن اسحاق بن موسى، وكتابه هذا شرح به مختصر ابن الحاجب- وما زال مخطوطاً- توجد منه نسخة بدار الكتب الوطنية بتونس. في جزءين رقم (6081 - 6082). 2 - الشامل في فروع المالكية: لبهرام به عبد الله، الدميري، المالكي، المفتي، القاضي، المدرس المصري، نسبته إلى "دميرة"، انتفع به الطلبة ولا سيّما بعد صرفه عن القضاء في عهد "الظاهر". وكتابه هذا مخطوط على نسق "مختصر خليل" في الصادقية وغيرها، وله- أيضاً:، "شروح على مختصر خليل"، و"شرح مختصر ابن الحاجب في الأصول". مات (سنة 805هـ). (التنبكتي- نيل الابتهاج: 151، حاجي خليفة- كشف الظنون: 2/ 1025، مخلوف- شجرة النور: 239، الزركلي- الأعلام: 2/ 76). 3 - "الطليعة" من الجيش: القسم الرئيسي من المقدمة والقوة التي تكون أمام الجيش وخلف النفيضة. (شيت خطاب- المصطلحات العسكرية: 1/ 454 - 455). 4 - أنظر: ابن الحاجب في "مختصره": 2/ 195 - ب"باب "الحرابة" حيث قال: (فيقتل الربيئة ومن أمسك للقتل، ومن تسبب له، وأمّا من لم يتسبّب للقتل، فقال ابن القاسم: يقتل، وقال أشهب: يضرب مائة ويحبس سنة). وخليل في "التوضيح": 2/ 224 - ب "باب الحرابة". وبهرام في "الشامل": 202 - ب"باب: "الحرابة" حيث أورد الحالات التي يعاقب فيها المحارب بالقتل، فقال (واستحب قتل دي تدبير، وقطع ذي بطش، وضرب غيرهما، ونفيه كمن وقعت منه فلتة، وقيل: إذا لم يقطع السبيل ولا قتل: ضرب ونفي، وإن أخذ المال وأخاف، أو وقع منه أحدهما فقط: خيّر فيه بين قتل وقطع مضطر، وإن طال منه رعلاً أمره بقتل، ولو لم يقتل، ولا تخيير فيه، وروي: يخيّر، وان قتل وتعاظم فساده، وروي: ان كان ذا رأي وتدبير: قتل فيه بكل حال، أو بطش وقوة: قطع، وإلاّ عزر وسجن) ثم قال: (وقيل الرِّيبة في المتسبّب في القتل وكذا إن لم يتسبب). 5 - عنه بحثاً مضنياً في كتب التراجم فلم أقف عليه إلاّ في كتاب فقهي (أجوبة الفقيه عبد الوهاب بن أحمد الزقاق) للفقيه "سعيد بن علي الأوزلي" حيث نقل عنه عدّة أجوبة وسمّاه =

السملالي" 1 قالا فيه- ما نصّه-: (نصّ أهل المذهب- في غير ما كتاب "كنوازل القرويين " 2 - فقد نقلها جامعها عن "أبي عمران الفاسي" 3 - : أن من له مال قبل رجل من سرقة أو غصب أو معاملة بالدية، وكان أهله لا ينصف بعضهم بعضاً، ويذبّون 4 عنه إن [9/أ] أريد أخذه والتناصف منه، فإنّ أهله يؤاخذون به، لأنّهم كالمعينين له على جرمه، ومن كان من أهله صالحاً لا يذبّ عنه لا يؤاخذ به) اهـ. وإذا كان هذا المعين له بجاهه والانحياز 5 إليه، مؤاخذ بما فعله المذنب، باتفاق ابن القاسم وأشهب- لأنّهما لم يختلفا في مؤاخذته، وإنما اختلفا في عقابه بالقتل أو بالضرب أو السجن- فكيف: لا يؤاخذ هذا الغير المعين ولو

_ = باسمه، فقال: (يوسف بن يعزي بن داود الرسموكي: العالم، الفاضل، الفقيه، قاضي الجماعة بسوس) (أجوبة الزقاق، لسعيد الأوزر: 53، 60، 67، 68). 1 - يبورك بن عبد الله بن يعقوب السملالي، من جزولة: فاضل من بيت علم، وتدريس، من أهل "تازموت" بالمغرب، له كتب وشروح واختصارات منها: "نصيحة الطبة" و"شرح صغرى السنوسي" و"شرح فرائض مختصر خليل"، مات (سنة 1058هـ). (الزركلي- الأعلام: 8/ 133). 2 - هو كتاب "الحاوي في الفتاوى" لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد النور التونسي الإمام الفقيه المبرز المتفنن في سائر العلوم، أخذ عن القاضي ابن زيتون، والقاضي أبي محمد بن برطلة. (كان بالحياة سنة 726هـ) وكتابه هذا كما ذكر الشيخ مخلوف: "جمع فيه فتاوى على طريقة أحكام بن سهل". (مخلرف- شجرة النور: 206). 3 - موسى بن عيسى بن أبي حاج الغفجومي، نسبة إلى غفجوم، فخذ من قبيلة "زناته": الشيخ المالكي، كان بيته معروفاً مشهوراً يعرفرن "ببني حاج"، استوطن القيروان، وحصلت له بها رئاسة العلم، وتفقه "بأبي الحسن القابسي"، ورحل إلى قرطبة فتفقه بها عند "الأصيلي"، وسمع من "أبي عثمان" و"عبد الوارث" وغيرهم، ودرس الأصول على القاضي "أبو بكر الباقلاني"، من كتبه: "التعليق على المدونة"، مات (سنة 430هـ). (شرف الطالب من أسنى المطالب من كتاب: "ألف سنة من الوفيات": 54، كنون- النبوع المغربي:1/ 59،58). 4 - يدفعون عنه ويحموه: يقال: (وذب عن حريمه ذباً) أي: حمى ودفع، وهو من باب: قتل. (المصباح المنير: 1/ 249). 5 - أي: التحيّز إليه. يقال (انحاز الرجل إلى القوم) أي: تحيّز إليهم. (المصباح المنير:1/ 191).

بجاهه، ورضاه بما فعله المذنب من نهب الأموال، لأنّ اللّصوص حملاء (عن) 1 بعضهم بعضاً اتفاقاً!. والمعين للّص بشيء ممّا تقدّم نصّه كما رأيته بقبائل الزمان وغيرهم المعلومين بما هم عليه من التعصّب والحميّة بالفعل، فضلاً عن التعصّب بالجاه والانحياز، لا إشكال أن غير المباشر منهم مؤاخذ بما فعله المباشر- ولو لم يظهر منه تسبّب- لأنّه لا أقلّ أنْ يكون حامياً للمباشر بجاهه وإورائه إليه، وعلى هذا يحمل الحديث الكريم؛ لأن شأن الحليف أنْ يحمي حليفه ويتعصّب عليه بجاهه وبغيره، فلذلك أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الغفاري" "بثقيف". والجواب الثالث 2 من أجوبة المازري: يظهر أنّه لا يتم مع كونه- عليه السلام- أخذ الناقة لنفسه، (إذْ حيث أخذه ليفادي به من حلفائه، فما وجه أخذه الناقة لنفسه؟) 3، فالجواب الأول هو: أحسنها ولا معارضة حينئذ - كما مرّ-. إذا تقررت هذه الأقسام الثلاثة المذكورة، علمت: أنْ القسم الأول منها هو المشار إليه بقول ناظم العمل: (ولا يؤاخذ بذنب الغير … في كل شرع من قديم الدهر) 4 وهو معنى قوله- تعالى-: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 5، أي: لا تؤاخذ نفس بذنب غيرها [9/ب] والقسم الثاني منها هو المشار إليه بقوله أيضاً:

_ 1 - في "الأصل": (على) وهو تصحيف. 2 - وهو قوله: (إن في الكلام حذفاً، ومعناه: "أخذتك لنفادي بك من حلفائك") أنظر: 122. 3 - ساقطة من "ب". 4 - أنظر: السجلماسي الرباطي في "شرحه لنظم عمل فاس": 2/ 417. 5 - تقدّم تخريجها.

(إلاّ إذا سدّت به الذريعة … أو خيف شرع شرعه أو شيعه) 1 2 إلاّ أنه أطلق، فظاهره أنّه مع الذريعة يؤاخذ به قريياً كان أو غير قريب، قدر المأخوذ منه على الانتصاف من الذنب أم لا، وليس كذلك، بل محله: إذا كان الغير المأخوذ به يقدر على الانتصاف من المذنب، أو ينكفّ المذنب عن ذنبه بمؤاخذة ذلك الغير. ولعلّه إنّما أطلق اتّكالاً على المعنى، لأنّ العادة أنّ الظالم لا ينكفّ عن ظلمه بمؤاخذة ذلك الغير، إلاّ إذا كان ذلك الغير قريباً لذلك المذنب، أو كان يقدر على تغريمه، وعلى الانتصاف منه سواء كان قريباً له أم لا، وإلاّ فإن كان لا ينفك 3 عن ظلمه بمؤاخذة ذلك الغير، ولا يقدر الغير على الاننصاف منه، لم تجز مؤاخذته به بحال، لأنّه حينئذ من القسم الأول 4 فلا سد للذريعة فيه أصلاً، وهذا المعنى الذي أشرنا إليه، لم يلم به أحد من شراحه فيما علمت، والله أعلم. والمؤاخذة لسذ الذريعة هي: المسألة المعروفة عند الناس بالكفاف 3، وهو: أنْ يكون لشخص حق من دين، أو وديعة، أو سرقة، أو غصب، ولا يقدر

_ 1 - أنظر: السجلماسي الرباطي في شرحه لنظم عمل فاس: 2/ 409. 2 - قال المصنف: (والشاهد من قوله: إلاّ إذا سدّت به الذريعة ... إلخ، لأنهم إذا عزموا حملهم ذلك على حفظ طرقاتهم وحفظ المارين بأرضهم وعدم كتمان غصابهم وسراقهم فضلاً عن التعصب عليهم). (البهجة في "شرح التحفة": 2/ 351) "في الغصب والتعدّي". 3 - في "ب" و"ج" و"د" (ينكف) وكلا المعنيين صحيح. 4 - أنظر القسم الأول: 131. 5 - قال السجلماسي- في مسألة الكفاف-: (لم أر الكلام عليها إلاّ في كتاب صغير لا أعلم مؤلفه الآن، ونصّه "والذي وقع له ببلد فلم ينصف من حقه، فإن كان بلد لا حاكم به، ولا سلطان، وعلم فهم لا ينصفونه من ماله بعد صحته وثبوته، فلا بأس أن يكفف من يعلم منه القدرة والكفاية لبلوغ حقه ممن له عصيبة يغضبون بغضبه، ويقومون معه إذا أمسك عنه ماله حتى يوصلوا إلى الممنوع حقه، والمطالبات في هذا سواء لمن ثبت حقّه وصحّ منعه، حاشى الدماء والحدود، وما حكمه أن يكون في البدن فذلك لا كفاف فيه). (شرح نظم عمل فاس: 2/ 417).

صاحب الحق على الانتصاف منه لتعصبه. فإذا (ظفر) صاحب الحق بأحد من قومه في بلد تناله فيه الأحكام، فله أن يؤاخذه بذنبه، أو بما غصب منه، ويقضي له بذلك في غير الدماء والحدود، حيث كان هذا المؤاخذ ينكفّ الظالم عن ظلمه بمؤاخذته، أو يقدر على الانتصاف منه- كما مرّ- ولو لم يكن قريباً، ولا كان يحمي ذلك الملدّ 1 الظالم، ولا ممّن يتعصّب عليه، ولا ممّن يأوي إليه- لأنّه: (إذا التقى ضرران ومحظوران ارتكب [10/أ] أخفّهما) 2 - لأنّ الأمر دائر بين أن ييقى هذا المذنب على مفسدته وغصبه وظلمه، ولن أن يؤاخذ به قريبه، أو من يقدر على الانتصاف منه من قومه. ولا شكّ أن مؤاخذة الغير القريب والقادر على الانتصاف من المذنب أخف، هذا معنى قول "ناظم العمل": (إلاّ إذا سدّت به الذريعة ... إلخ) 3 وإنْ كان "شارحه" 4 أدار الاحتمال بين أن يحمل على مؤاخذة القريب، أو على مؤاخذة من يقدر على الانتصاف منه، والصواب: التعميم، لأن سدّ الذريعة موجود فيهما، ومع ذلك لم يقيّده شارحه المذكور: بكون المؤاخذ لا يحمي المذنب ولو بجاهه- على ما مرّ بيانه- مع أنه لا بدّ من ذلك التقييد، وإلاّ فهو القسم الثالث، لأن مؤاخذته حينئذ ليست من سدّ الذريعة في شيء، بل

_ 1 - من اللّدد، وهو شدّة الخصومة، قال في القاموس لده: خصمه فهو لادّ ولدود. (ميّارة في شرحه للعاصمية: 26)، فصل "في رفع المدعي عليه وما يلحقه بذلك". (البستاني- فاكهة البستان: 1290). 2 - أنظر السجلماسي الرباطي في شرحه "لنظم العمل الفاسي": 2/ 417. وقال السيوطي: "إذا تعارض مفسدتان روعي أعظهما ضرراً بارتكتاب أخففهما" كما لو أحاط الكفار بالمسلمين، ولا مقاومة بهم، جاز دفع المال إليهم، وكذا استنقاذ الأسرى منهم بالحال إذا لم يمكن بغيره، لأن مفسدة بقائهم في أيديهم واصطلاحهم للمسلمين أعظم من بذل المال. (الأشباه والنظائر: 87)، حيث جعلها قاعدة رابعة من القواعد المتعلّقة بالقاعدة الرابعة (الضرر يزال). 3 - تقدّم قوله في: 137. 4 - هو: السجلماسي الرباطي، أنظر: 259.

المؤاخذ حينئذ لأجل إعانته إيّاه، وتعصيبه عليه ولو بجاهه، وهو الوجود في قبائل الزمان- كما تقدّم مبسوطاً- وشاهد ذلك ما تقدّم في الحديث الكريم 1، وما تقدّم 2 عن "ابن القاسم" و "أشهب". وبتأمل هذه الأقسام المذكورة في هذا الفصل، نعلم: أنه لا معارضة بين الحديث والآية 3 المذكورين، وهذا هو الذي حمل "ابن فرحون"، و"ابن العربي" وغيرهما، على الاحتجاج بالحديث الكريم، (إذ) 4 ما كان يخفى على مثل "ابن فرحون"، ومن معه المعارضة المذكورة 5 - لو كانت-. وهذه الأقسام الثلاثة التي قسّمناها في المؤاخذة بذنب الغير، لم أقف عليها منصوصة هكذا، ولكنها ظاهرة من النصوص والدلائل المتقدّمة، والله أعلم. ـ[تنبيهان!]ـ: الأول: ما تقدّم من أن "الكفاف" لا يكون في الدماء والحدود، معناه: أنّه لا يقتل ولا يحدّ قريب القاتل، أو يقطع ونحو ذلك، ولا يقتل أو يقطع أيضاً من يقدر على الإنتصاف منه. [10/ب] وأمّا إذا أراد الحاكم ونحوه أنْ يأخذ القريب المذكور، أو من قدر على الانتصاف منه، بمال يدفعه لأولياء المقتول أو المقطوع مثلاً برضاهما، لأنّه في الوقت غاية المقدور، ولو أخر ذلك لوقت آخر لضاع ذلك وتعذّر الإنتصاف، فلا إشكال في الجواز، لأن الحدود حينئذ برضي أولياء المقتول والمقطوع رجعت مالاً، فكأن القاتل المذكور والقاطع تعصّب لأولياء المقطوع على مال، فيؤخذ المال من قريبه أو ممّن يقدر على الانتصاف منه ارتكتاباً لأخف الضررين- كما مر-.

_ 1 - وهو: "أن ثقيفاً كانت حلفاء بني غفار ... إلخ " تقدّم في: 128. 2 - تقدّم قولهما في: 200. 3 - قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. 4 - في "الأصل": (إذا). 5 - أنظر: 129.

ولا يقال: (القَوَدُعَيْن) 1 على مذهب "ابن القاسم". لأنّا نقول: (القودعين، إذا مكن القاتل والقاطع من نفسه، وقال: اقتلوني واقطعوني، ولا أدفع دية). وأين التمكين في صورتنا؟ بل هو ممتنع بنفسه غير منقاد لما يجب عليه من القود، فكان الخيار للأولياء، وهذا في مسألة: سدّ الذريعة، التي هي القسم الثاني 2 من الأقسام الثلاثة. وأمّا مسألة القسم الثالث التي هي: مسألة التعصّب والحميّة ولو بالجاه، فإنّ المتعصّب والمباشر سواء في القتل والقطع- (كما مرّ) -3. الثاني: إذا طلب مريد الكفاف من المؤاخذ بالملدّ 4 (أ) 5 والغاصب ونحوهما، ضامناً بوجهه حتى يثبت حقّه على الملدّ والغاصب، فلا إشكال أنّه يجاب أيضاً، وكذا لو طلب ضامناً إلى أن يأتي الملدّ أو الغاصب فيقرّ أو ينكر، لأنّ الغرض أن المؤاخذ به يقدر على الانتصاف منه، كما هي عادة القبائل، فإذا لم يأت به ليقرّ أو ينكر أخذ الحق منه، لأنّ الملدّ أو الغاصب ينزلان حينئذ منزلة من امتنع من الجواب وإقرار أو إنكار، فيؤخذ الحق من هذا الذي يقدر على الانتصاف منه إرتكتاباً لأخف الضررين، أو يؤخذ الحق من قريبه الذي ينكفّ 6 الظالم عن ظلمه بمؤاخذته. [11/أ] وانظر لو أتى المؤاخذ به بإثبات إنكاره، وعجز مريد الكفاف عن إثبات حقّه على الملدّ، وطلب أنْ تكون يمينه بمحضره في البلد التي تنالها الأحكام.

_ 1 - هو: القصاص، وأقاد الأمير القاتل بالقتيل قتله به قوداً، (الفيوي- المصباح المنير: 2/ 204). 2 - أنظر القسم الثاني: 131. 3 - ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د". 4 - تقدّم معناها. 5 - ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب" و"ج" و"د". 6 - في "ج": (لا ينكفّ) وهو تصحيف، والتصويب من "الأصل" ومن "ب".

والظاهر: أن 1 يسجن المؤاخذ به حتى يغرم المال، أو يأتي بالظالم ليحلف للطالب، لأن "سدّ الذريعة" شامل لذلك كلّه، وسيأتي في الفصل السادس: أنّ الظالم أحق بالحمل عليه. وهذا: إذا ثبت أن المؤاخذ المذكور قريب للظالم، أو هو ممّن يقدر على الانتصاف منه، أو علم ذلك بالقرائن القطعية، وإلاّ فلا يؤاخذ به. وهذا كلّه- أيضاً- في مسألة: القسم الثاني لا في القسم الثالث، لأنّه متسبب ولو بجاهه- كما مرّ-، فهذا 2 ضامن كالمباشر إذْ لا ذريعة في هذا القسم- كما مرّ-. ولا شك: أنّ غير المباشر فيه يؤاخذ 3 بذنب المباشر وبالضامن وبغيره، ممّا ينجزّ 4 إليه الأمر- كما تقدّم- ولا تنفعه الوثيقة التي يكتبها بالتبرىء منهم، وعدم مخالطهم، وعدم إيوائهم إليه، لأنّه مأمور بهجرانهم وبالخروج من بينهم- كما مرّ-. اللهم: إلاّ إذا كان الفساد في أفراد مخصوصين معروفين بأعيانهم، يفعلون المعاصي والمناكر، ويفرّون لرؤوس الجبال، ولا يأوون إلى قرابتهم وقبيلتهم، وهم مجتهدون في تحصيلهم، وشهد لهم بذلك الثقات من الناس، فلا يؤاخذون بهم حينئذ. وهذا نادر في قبائل الزمان، والغالب منهم خلاف ذلك، والحمل على الغالب مشروع واجب، ولهذا إذا زعم رؤساء هؤلاء القبائل، ومن له أدنى رأي منهم: أنّهم لا يتعصّبون على فسّادهم وأهل المناكر منهم، وأنّهم لا يأوون إليهم، ولا يجالسونهم، ولا يحمونهم، فإنّهم لا يصدّقون، لأن ذلك خلاف غالب عوائدهم "والأحكام تدور مع الغالب وجوداً وعدماً" فيؤاخذون حينئذ بفسّادهم، ويضمنون ما أتلفوه، والله أعلم. [11/ب]

_ 1 - في "ب"و"ج": (أنه). 2 - في "ب" و"ج": (فهو). 3 - في "ب": (يؤخذ). 4 - أي: يقصد إليه الأمر. (البستاني- فاكهة البستان: 1417).

الفصل الرابع

الفصل الرابع فيما لا يجوز للنصارى بيعه، ولا يحل لنا أنْ نمكّنهم (بوجه) 1 من تناوله ــــــــــــــــــــــــــــــ قال في "المدونة" 2: (قال "مالك": لا يباع من الحربي سلاح، ولا كراع - أي: الخيل- ولا سروح، ولا نحاس، ولا خُرثي" 3 4. قال "ابن حبيب" 5: (وسواء كانوا في هدنة، أو غيرها 6، ولا يجوز بيع الطعام منهم في غير الهدنة) 7.

_ 1 - ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب" و"ج" و"د". 2 - "المدونة في فروع المالكية"- لابن القاسم- من أجلّ الكتب في مذهب الإمام مالك، وقد طبع في ستة عشر جزءاً، وله شروح كبيرة. 3 - الخُرثي: بالضم: أثاث البيت ("ترتيب القاموس المحيط: 2/ 30)، وقال الحطاب- بعد أن ذكر قول ابن القاسم في تحريم بيع آلة الحرب للحربيين- (قال أبو الحسن قوله "وخرث" هو: المتاع المختلط). (مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: 4/ 253). 4 - أنظر: المدونة الكبرى: 10/ 270، كتاب (التجارة بأرض العدوّ، في بيع الكراع والسلاح والعروض لأهل الحرب)، وقد أورده المصنف هنا مختصراً، والنص كما ورد في المدونة (قال مالك: أما كل ما هو قوة على أهل الإسلام ممّا يتقوّون به في حروبهم من كراع أو سلاح أو خرثى، أو شيء ممّا يعلم أنه قوة في الحرب من نحاس أو غيره فإنهم لا يباعون ذلك). 5 - أبو مروان: عبد الملك بن حبيب بن سليمان السلمى الالبيري القرطبي: عالم الأندلس، وفقيه المالكية في عصره. من كتبه: "حروب الإسلام" و"طبقات الفقهاء والتابعين" و"تفسير موطأ مالك" و"الواضحة". مات بقرطبة (سنة 238هـ). (الذهبي- ميزان الاعتدال: 2/ 148، ابن فرحون- الديباج: 154، ابن حجر- لسان الميزان: 4/ 59، الزركلي- الأعلام: 4/ 157). 6 - في "ب": (أولاً). 7 - أنظر: المازري- شرح التلقين (168 أ) حيث قال: (أما الطعام فذكر ابن حبيب أنه يياع ممّن بيننا وبينهم هدنة، ولا يياع ممّن لا هدنة بيننا وبينهم، ويمكن أن يكون أراد منع ذلك في زمن حاجتهم إليه فيكون بيعه منهم قوة لهم علينا).

(ومنعه "ابن القاسم": مطلقاً، في هدنة أو غيرها 1، وهو المذهب كما في "المعيار") 2. وترجيح بعضهم قول "ابن حبيب": بجواز بيع الطعام منهم في الهدنة، ووقت الرخاء، خلاف المذهب. وكلام "زعيم الفقهاء" في "المقدمات" 3، موافق لما تقدّم أنّه المذهب، لأنّه قال: (إنما يباع لهم من العروض 4 ما لا يتقوّون به في الحروب 5، ولا يرهب في

_ والشاطبي وفتاويه": 145 في (ما يحرم بيعه للمحاربين). وابن فرحون في "التبصرة": 2/ 148، وعزا نقله إلى عبد الملك بن الماجشون عن ابن حبيب. والبناني في "شرحه لمختصر خليل": 5/ 11"باب (البيوع)، فقال: (قول الزرقاني: وكذا يمنع أن يباع للحربيين آلة الحرب، قال الحطاب: "وأمّا بيع الطعام، فقال ابن يونس عن ابن حبيب يجوز في الهدنة، وأما في غير الهدنة فلا، قاله ابن الماجشون). وعليش في منح الجليل، "شرح مختصر خليل": 4/ 443. 1 - نقله ابن فرحون في "التبصرة": 2/ 148. والبناني في "شرحه لمختصر خليل": 5/ 11 ن حيث قال: (وكلام الشاطبي في المعيار يقتضي أن المذهب المنع مطقاً، وهو الذي عزاه ابن فرحون في "التبصرة"، وابن جزي في "القوانين" لابن القاسم)، وقال الشيخ عليش- في بيع الطعام للحربيين- (وكلام الشاطبي يفيد أن المذهب منعه مطقاً، وعزاه ابن فرحون وابن جزي لابن القاسم) (منح الجليل في شرح مختصرخليل:4/ 443). 2 - "المعيار المعرب والجامع المعرب في فتاوى إفريقية والأندلس والمغرب" للونشريسي، أبو العباس: أحمد بن يحيى التلمساني، فقيه مالكي، أخذ عن علماء تلمسان، ونقمت عليه حكومتها أمراً فانتهبت داره وفرّ إلى فاس ومات فيها (سنة 914هـ). وكتابه هذا- طبع في اثني عشر جزءاً وعمل له فهرس جامع والجزء الثالث عشر، وهو يجمع أكثر نوازل الفقه المالكي. (السلاوي- الاستقصا: 2/ 182، الكتاني- فهرس الفهارس: 2/ 438، الزركلي- الأعلام:1/ 269). 3 - "المقدمات والممهدات" لأبي الوليد محمد بن رشد. 4 - من العرض- بوزن الفلس- المتاع، وقال أبو عبيد (العروض الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ولا تكون حيواناً ولا عقاراً). الرازي- مختار الصحاح: 335). 5 - في "ب" و"ج": (الحرب).

القتال، ومن الكسوة 1 ما يقي الحر والبرد لا أكثر، ومن الطعام ما لا يتقوّت به مثل الزيت والملح 2، وما أشبه ذلك) 3 اهـ. فانظر إلى قوله: (ما لا يتقوّت به .... إلخ). وقال "اللخمي" 4: (لا يباع منهم النحاس، والحديد، والأدم- أي: الجلود- والحمير، والبغال، والزيت، والقطران 5، والشمع، واللّحم، والسر وج، والمهاميز. قال: وأمّا الحرير، والصوف، والكتّان، فالأمر فيه خفيف) اهـ. وهذا نص في منع بيع الشمع منهم 6، لأنّه يصنع (به) 7 المراكب، وكذلك 8 الجلود لأنّها من آلات الحرب.

_ 1 - الكسوة:- بكسر الكاف وضمها-: واحدة الكسا، وكسوته ثوباً، كسوة- بالكسر- فاكتسى، والكساء: واحد الأكسية، وتكسى بالكساء، لبسه. (الرازي- مختار الصحاح: 452). 2 - في "ب" (اللّحم)، والصواب ما أثبتناه من "الأصل"، ومن "ج "، و"د" وقد ثبت في "المقدمات": 614. 3 - أنظر: ابن رشد- المقدمات: 614، كتاب "التجارة في أرض الحرب". 4 - أبو الحسن: علي بن محمد الربعي، القيرواني، فقيه مالكي، أديب، ومحدث، من كتبه "تعليق كبير على المدونة" سمّاه "التبصرة"، و"فضائل الشام". مات "بصفاقص" (سنة 478هـ). (ابن فرحون- الديباج: 203، مخلوف- شجرة النور: 117، الزركلي- الأعلام: 4/ 328). 5 - القطران:- بالفتح وبالكسر-، وكظربان: عصارة الأبهل والأرز ونحوهما، (ترتيب القاموس المحيط: 3/ 643). 6 - قال المازري: (وكذلك منع عن بيع الشمع، ولعلّهم أيضاً يحتاجون إليه في السفن وغيرها). (شرح التلقين: 168 - أ) وقال الشاطبي: (وأما الشمع: فقال المازري في تعليل المنع: لعلّهم أنما يحتاجون إليه في السفن وغيرها، يعني: أنهم يستعينون به في الإضرار بنا فيمتنع بيعه منهم). (فتاوى الشاطبي: 146). 7 - في "الأصل" (بها)، وفي "ب" (منه)، وما أثبتناه من "ج" مناسب للسياق. 8 - في "ب"و"ج": (كذا).

قال الإمام "أبو القاسم 1 بن خجّو"- حسبما نقلوا عنه في حواشي "المختصر" 2 - ما نصّه: (بيع الجلود من الحربيين حرام، ولا يقع ذلك من سليم الإيمان، لأن الجلد يصنع منه آلات الحرب، ومن سمح بشيء من آلات الحرب، فقد نبذ الإسلام وراء ظهره، وكان للكافرين ظهيراً) اهـ. وهذا صريح في منع بيع البقر ونحوها منهم، لأنّها تعقر 3 ويصنع بجلودها ما ذكر. وقال "سحنون" 4: (من أهدى للحربيين سلاحاً فقد أشرك في دماء المسلمين، وكذا بيعه ذلك منهم) 5 اهـ.

_ 1 - أبو القاسم بن علي، بن خجو، التلمساني، الحسّاني، العالم، العامل، ناصر السنة، ومميت البدعة، الفقيه، المطلع، الحافظ، الورع، كان شديد الشكيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تفقه بحضرة فاس، وأخذ عن كثير من مشايخها كالإمام "ابن غازي"، من كتبه "غنيمة السلماني" و"ضياء النهار" و"النصائح فيما يحرم من الأنكحة والذبائح" مات (سنة 956هـ) ابن عسكر- دوحة الناشر: 14، لقط الفرائد من لفاظة حقق الفوائد، في كتاب (ألف سنة من الوفيات): 301، محمد الكتاني- سلوة الأنفاس: 2/ 149 - 150). 2 - "المخنصر" للشيخ خليل بن اسحاق. وهذا المختصر في الفقه المالكي، وقد طبع وترجم إلى الفرنسية، وذكر حاجي خليفة: (أن على مختصر الشيخ "خليل" حاشية للمكناسي، والعلاّمة شمس الدين محمد بن إبراهيم التتائي (ت سنة 942هـ)، وسمّاه: "فتح الجليل في شرح مختصر خليل"). (الحاجي خليفة- كشف الظنون: 2/ 1628، الزركلي- الأعلام: 2/ 315). 3 - من عقر: جرح، فهو: عقير، وهم عقرى، كجريح وحرحى، وعقر البعير والفرس بالسيف فانعقر، أي ضرب به قوائمه. (الرازي- مختار الصحاح: 350). 4 - هو: عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي، الملقب بسحنون، القاضي، الفقيه، الزاهد الذي لا يهاب سلطاناً في حق يقوله، مولده في القيروان، ولي القضاء بها (سنة 234هـ)، رفيع القدر، عفيفاً، روى "المدونة" في فروع المالكية، مات (سنة 240). (ابن خلكان- الوفيات:1/ 291، ابن فرحون- الديباج: 160، الزركلي- الأعلام: 4/ 5). 5 - أنظر: المازري- شرح التلقين: (168 - أ) بلفظ: (قال سحنون فيمن باع منهم السلاح وشارك في دماء المسلمين)، (بن فرحون- التبصرة: (2/ 148)، بزيادة "ومن باع منهم سلاحاً فكأنما أخذ رشوة على دماء المسلمين).

وقال "الحسن" 1: (من حمل الطعام إليهم فهو فاسق، ومن باع [12/أ] السلاح منهم 2 فليس بمؤمن) 3 اهـ. وقد تقدّم- في الفصل الأول- أن الشيخ "ميّارة"، ومن معه أفتوا: (يقتل من باع وصيفاً مسلماً لهم، حيث كان لا ينفك عن إدخال الضرر على المسلمين إلا به). وكذا أفتى الإمام سيدي "يحى السراج" 4: (بقتل من يبيع المسلمين الأحرار وأودلاهم للعدوّ) اهـ. ووجهه ظاهر لأنّه أعظم مفسدة من الجاسوس، لأنّ الجاسوس ينقل 5 الأخبار للعدوّ، وهذا ملّكه رقاب المسلمين. ثم ما تقدّم من منع بيع البقر والجلود والحديد، أنّه 6 إذا لم يعرض للمسلمين

_ 1 - أبو سعيد: الحسن بن يسار البصري، تابعي، إمام، عالم، فقيه، فصيح، شجاع، شبّ في كنف علي بن أبي طالب، وكان يدخل على الولاّة فيأمرهم وينهاهم، قال الغزالي (كان الحسن البصري أشبه الناس كلاماً بكلام الأنبياء، وأقربهم هديأمن الصحابة، وكان غاية في الفصاحة) له كلمات سائرة، وكتاب في "فضائل مكة"، مات (سنة 110هـ)، (الذهبي- ميزان الاعتدال:1/ 254، الزركلي- الأعلام: 2/ 226). 2 - في "ب" و"ج" و"د": (منهم السلاح). 3 - أورده المازري- شرح التلقين: (168 - أ) وقال عقبه: (وهذا تغليظ في بيع السلاح لأننا لا نكفر بذلك، إلاّ لمن تعمد واعتقد استحلال دماء المسلمين)، وابن فرحون في "التبصرة": 2/ 148، بلفظ "من حمل إليهم طعاماً فهو فاسق ومن حمل إليهم سلاحاً فليس بمؤمن أي ليس بكامل الإيمان). 4 - أبو زكرياء، يحيى بن محمد السراج النفزي الحميري الأندلسي، مفتي فاس وخطيب مسجديها الأعظمين، "الأندلس" و"القرويين". مات في الثامن من عشر جمادى الأولى سنة 1007م، ودفن قرب قبر أبي زيد الهزميري. أنظر: ابن القاضي- لقط الفرائد في كتاب "ألف سنة من الوفيات": 285، القادري- التقاط الدرر: 31، 32. 5 - في "ب": (من ينقل). 6 - في "ب" و"ج": (إنما هو).

حاجة إلى آلة الحروب، كاحتياجهم إلى الأنفاض 1 مثلاً، والبنب، والكور 2، ونحو ذلك، ممّا تأكدت حاجتهم إليه لدفع العدوّ الذي زاحمهم في الجيش. وإلاّ بأن تأكدت الحاجة إلى شيء من ذلك، فإنّه تراعى حينئذ المصلحة العامة- لأنّه إذا تعارض ضرران إرتكب أخفّهما- فيجتهد في المصلحة حينئذ، فإنْ كان ما طلبوه من البقر والجلود والحديد ليس فيه كبير تقوية لهم، ولا توهين للمسلمين لقلّتها بالنسبة لحال المسلمين، ولحال ما يؤخذ منهم من الأنفاض ونحوها، جاز حينئذ شراء الأنفاض والبنب ونحوها، بالبقر والجلود، دفعاً لأثقل الضررين بأيسرهما. وقد قال في "التوضيح" 3 - بعد: أن ذكر الخلاف في جواز مفاداة الأسارى بالخيل وعدم جوازها 4 - ما نصّه: (وسبب الخلاف تعارض مفسدتين، إحداهما: إعانة الكافر بآلة الحرب، والثانية: بقاء (الأسارى) في أيديهم، وينبغي على هذا أنْ يتبع في ذلك (المصلحة) الراجحة) 5 اهـ. ونقله عنه غير واحد مسلّماً.

_ 1 - لم أقف على معناً لها مناسب للسياق في القاموس، ولقد سألت العلاّمة الشيخ محمد المنوني عنها فأخبرني بأنها المدافع الصغيرة. 2 - والكور- بالفتح-: الجماعة الكثيرة من الإبل، أو مائة وخمسون، أو مائتان وأكثر، والقطيع من البقر جمع أكوار. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 4/ 97). 3 - "التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب" للشيخ خليل بن اسحاق، ما زال مخطوطاً. 4 - قال في التوضيح- بالنسبة للخلاف في جواز مفادات الأسارى بالخيل وعدم جوازها-: (المنع مطلقاً لابن القاسم، والجواز مطلقاً لسحنون، قال: ويباع لهم الخمر للعداء، هكذا نقل الباجي عنه، ونقل "اللخمي" و"صاحب البيان" و"ابن يونس" عنه: انه قال: ويأمر الإمام أهل الذمّة بدفع ذلك إليهم ليحاسبهم لذلك في الجزية، والقول بجواز المفادات بالخيل والسلاح. دون الخمر والخنزير وما أشبهها لابن الماجشون وأشهب لئلا يتذرّع إلى ملك الخمر وإشاعتها وأسواق المسلمين، والرابع عكس الثالث، ونسبه اللخمي لابن القاسم و"الموازية" لأنهم يتقوّون على المسلمين بآلة الحرب). (التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب: 1/ 302 - ب). 5 - أنظر: خليل في "التوضيح" شرح مختصر ابن إلحاجب: 1/ 302 - ب.

وكذا 1 إنْ اشترى السلاح بالسلاح، ففي المواق 2 عن ابن سراج 3: (في الحربي ينزل بأمان ومعه سلاح يريد أنْ يبيعه، فيجوز شراءه وإبداله بمثله أو دونه) 4 اهـ. وأما بيع آلات الحرب، من سلاح ونحوه للعدوّ لاحتياج [12/ ب] المسلمين إلى القوت لشدّة الغلاء عندهم: فإنهم يجوّزوه بحال. وقد سئل الإمام "الشاطبي" 5 - مفتي غرناطة 6 رحمه الله-: عن بيع بعض ما

_ 1 - في "ب" و"ج": (كذلك). 2 - لأبي عبد الله: محمد بن يوسف العبدري الغرناطي المواق، فقيه مالكي، كان عالم غرناطة وإمامها وصالحها في وقته، مات (سنة 897هـ) وكتابه هذا سمّي نسبة إليه، وقد طبع واسمه الكامل "التاج والإكليل" يشرح فيه مختصر خليل، وله- أيضاً- "سنن المهتدين في مقامات الدين". (التنبكتي- نيل الابتهاج: 324، مخلوف- شجرة النور: 262، الزركلي- الأعلام: 7/ 154 - 155). 3 - أبو القاسم محمد بن محمد بن سراج الغرناطي مفتيها، وقاضي الجماعة بها الإمام العلاّمة الفقيه الحافظ حامل لواء المذهب المالكي، أخذ عن ابن لب والحفار وابن علاق وجماعة. له تآليف منها: "شرح المختصر" وفتاوى كثيرة نقل الونشريسي في معياره جملة منها. (مات سنة 848هـ). (مخلوف- شجرة النور: 248). 4 - بحثت عنه في "المواق في شرحه لمختصر خليل" فلم أقف عليه وهو شرحه الكبير الذي سمّاه "التاج والإكليل "، ولعل المصنف نقله عن "المواق" في شرحه الصغير على "مخصر خليل" حيث ذكر له شرحان في ترجمته. قال التنبكتي في "نيل الابتهاج": 324 (وله تآليف منها شرحاً، على مختصر خليل الكبير سمّاه "التاج والإكليل" والمختصر من مسودته وهما متقاربان في الجرم يزيد كل على الآخر في بعض المواضع) وكذا ذكر مخلوف في، شجرة النور": 262. وشرحه الصغير مفقود كما أخبرني فضيلة الدكتور أبو الأجفان. 5 - هو: إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطيٍ، الشهير: بالشاطبي، أصولي، حافظ، من أئمة المالكية، من كتبه: "الموافقات" في أصول الفقه، و"المجالس" شرح به كتاب البيوع من صحيح البخاري، و"الإفادات والإنشادات" و"الفتاوى". مات (سنة 790هـ) (التنبكتي- نيل الابتهاج: 46 - 50، الكتاني- فهرس الفهارس: 1/ 134، الزركلي- الأعلام: 1/ 75، أبو الأجفان- مقدمة تحقيق فتاوى الشاطبى: 24). 6 - قال الأنصاري: (هى أقدم مدن كورة البيرة من أعمال الأندلس، وأعظمها، وأحسنها، يشقها النهر المعروف "بنهر قلزم" من القديم، ويعرف الآن: "بنهر حداره " وله نهر آخر =

لا يجوز بيعه من العدوّ، من سلاح وطعام، هل يرخص لجزيرة أهل الأندلس في معاملتهم النصارى به لحاجة المسلمين، لأن بلاد النصارى أحدقت 1 بهم من كل جانب، إلاّ بعض جهات المسلمين بعيدة منهم، لأنها من وراء البحر، والحاجة تدعوهم للبيع والشراء بذلك؟. فأجاب: (بأن الحكم الذي هو بيع آلة الحرب منهم: عام في أهل الجزيرة وغيرها، فلا يرخص لهم في ذلك، ونصوص الأئمة القاضية بذلك كثيرة) 2 اهـ. وقد أفتى الإمام "المازري"- رحمه الله-: (بعدم جواز دخول المسلمين لأرض الكفار لجلب الأقوات، وإنْ اشتدّ الغلاء بهم، حيث كانت أحكام الكفار تجري على الداخلين إليهم من المسلمين. قال: لأنّ حرمة المسلم لا تهتك 3 بالحاجة إلى الطعام، فإنّ الله سبحانه يغنيه من فضله، إن شاء) اهـ، باختصار كثير.

_ = يقال له "سنجل"، وبينها وبين "قرطبة" ثلاثة وثلاثون فرسخا. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 4/ 195). 1 - من حدق- أي-: أحاط، وحدّقوا به تحديقاً، وأحدقوا به: أحاطوا به. (الرازي- مختار الصحاح: 95، المعجم الوسيط: 1/ 161). 2 - فتاوى الشاطبي: 144 - 145 (ما يحرم بيعه للمحاربين)، وقد نقله "المصنف" هنا مختصراً ونصّه كما ورد: (أن هذه الجزيرة جارية مجرى غيرها، إذا لم يفرق العلماء في المسألة بين قطر وقطر، ولا فرقوا- أيضاً- بين من هادن أو كان حربياً لنا، إلاّ ما ذكره ابن حبيب في الطعام، فإنه أجاز بيعه ممّن هادن دون الحربي، وما علّلتم به من حاجتنا إليهم فليس بموجب لتسويغ البيع منهم، لأن الله تعالى قال: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ ةذَا ... الآية} - سورة التوبة / آية 28 - فنبهت الآية على أن الحاجة إليهم في جلب الطعام إلى مكّة لا ترخص في انتهاك حرمة الحرم، فكذلك لا ترخص في استباحة الاضرار بالمسلمين). 3 - الهتك: خرق الستر عمّا وراءه، وقد هتكه فانهتك، وهتّك الأستار: شدّد للكثرة، والاسم الهتكة، بالضم. (الرازي- مختار الصحاح: 546).

ففيه تقوية لفتوى "الشاطبي" المتقدمة، لأنّه إذا كانت حرمة المسلم لا تهتك بجري أحكام الكفار عليها لجلب الأقوات، فأحرى بيع السلاح منهم لتحصيل الأقوات، لأنّ في بيعها إعانة لهم على جميع المسلمين- كما مرّ عن "سحنون" وغيره- وإنتهاك لحرمتهم، بل ولأخذ أموالهم ودينهم، والله أعلم!.

الفصل الخامس

الفصل الخامس في معاقبة العاصي بالمال وما فيه من الخلاف في القديم والحال ــــــــــــــــــــــــــــــ اعلم! أن ما وقع من الخلاف بين الأئمة في جواز العقوبة والتعزير بالمال شهير، لا يخفى أمره على من له أدنى مسيس بالفقه. وقد ذكر "الزرقاني" وغيره: الخلاف في ذلك بين الأئمة في القديم، عند قول "خليل": (وعزّر الإمام لمعصية الله) 1.

_ 1 - ونص الزرقاني في شرحه على خليل: 8/ 115 - 116: "وهل يكون التعزير بأخذ المال في معصية لا تعلّق لها بالمال أم لا؟، والأول مذهب الحنفية قاله "الشيخ علي الأجهوري" وتوقّفه في مذهبه فيه تصور، فان "النهر" مختصر "البحر" للحنفية: عزا للأئمة الثلاثة والصاحبين أنه لا يكون بالمال، ونصّه: "وما في الخلاصة سمعت من ثقة أنه يكون بأخذ المال أيضاً، ان رأي القاضي ذلك، ومن جملة ذلك من لا يحضر الجماعة مبنى على اختيار من قال بذلك كقول "أبي يوسف"، فانه روي عنه: أنه جوّز للسلطان التعزير بأخذ المال، كذا في "الفتح"، ومعناه:- كما قال "البزازي": أن يمسكه عنده مدة لينزجر ثم يعيده إليه لا أنه يأخذه لنفسه أو لبيت المال، كما توهّمه الظلمة، إذ لا يجوز أخذ مال مسلم بغير سبب شرعي، أي: كشراء أو هبة انتهى. ثم إنها تردّ إليه إذا تاب فان أيس من توبته صرفه الإمام إلى ما يرى، وفي "شرح الآثار": التعزير بأخذ المال كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ، كذا في "المجتبي"، وعندهما وباقي الأئمة الثلاثة لا يجوز التعزير به انتهت عبارة "النهر"، وانظر قوله: وعندهما، مع ما نقله قبل عن أبي يوسف". وذكر "البناني في شرحه لمختصر خليل": 8/ 115، 116، عند قول خليل "وعزر الإمام لمعصية الله" ما نصّه: (قول الزرقاني عن الشيخ الأجهوري: "وهل يكون التعزير بأخذ المال في معصية لا تعلق لها بالمال أم لا؟ ... إلخ" يدل على قصوره ما ذكره "ابن رشد" في رسم مساجد القبائل من سماع "ابن القاسم"، من كتاب، (الحدود في القذف" ونصّه: "مالك لا يرى العقوبات في الأموال، وإنما كان ذلك في أول الإسلام"). أنظر: ابن رشد- البيان والتحصيل: 16/ 278.

وسيأتي: أنّه قول "للشافعي" في القديم. قال "الجزولي" 1 - على قول الرسالة 2، عن "عمر بن عبد العزيز" (تحدث للناس أقضية [بقدر ما أحدثوا من الفجور] 3 - ما نصّه: [13/أ] وبقول عمر هذا: يستدل أشياخ السوء من القبائل فيما أحدثوا: أنّ من سلّ سيفه فضرب به يلزمه كذا، أو من وضع يده عليه ولم يسلّه يلزمه كذا، ومن لطم شخصاً يلزمه كذا، أو من شتم يلزمه كذا، وكل ذلك بدعة) اهـ. ولما نقله الشيخ "ميّارة" قال عقبه: (ما استدل به أشياخ السوء، لا شكّ في صحته، لأنّ إغرام أهل الجنايات المال لزجرهم وردعهم عمّا هم عليه من باب العقوبة بالمال، والمعروف عدم جوازها. وقد أفتى الشيخ أبو القاسم "البرزلي": بجوازها، واستدلّ عليه بوجوه، وأملي في ذلك جزءاً. وردّ عليه- ما ذهب إليه من جوازها- عصريّه الشيخ "أبو العباس الشماع" 4،

_ 1 - أبو زيد: عبد الرحمن بن عفان الجزولي، فقيه مالكي، من أهل فاس، أعلم الناس في عصره بمذهب مالك، وكان يحضر في مجلسه أكثر من ألف فقيه معظمهم يستظهر "المدونة"، وقيدت عنه على "الرسالة" ثلاثة تقاليد، مات (سنة 741هـ). (الكتاني- سلوة الأنفاس: 2/ 124، الزركلي- الأعلام: 3/ 316). 2 - أي رسالة ابن أبي زيد: في الفقه المالكي، للشيخ الإمام أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني. 3 - ساقطة من "الأصل"، ومن "ج"، والإضافة من "الرسالة". (زروق- شرح رسالة ابن أبي زيد: 2/ 275، وابن ناجي- شرح رسالة ابن أبي زيد: 276). 4 - هو أبو العباس: أحمد بن محمد، الشهير بالشماع، الهنتاني التونسي الشيخ الصالح العلاّمة الفقيه المحقق الفاضل الفهامة، ولاه الأمير أبو فارس ناظراً على جميع قضاة الكور وعدولها وقاضي المحال، أخذ عن ابن عرفة وغيره، وعنه أبو زيد الثعالبي وغيره، نقل الونشريسي في المعيار جلّة من فتاويه. مات (سنة: 833هـ). وكتابه هذا في الرد على البرزلي في مسألة العقوبة بالمال الذي ذكره المصنف هنا سمّاه "مطالع التمام في رد القول لإباحة إغرام ذوي الجنايات والاجرام" توجد نسخة منه بخط الونشريسي في الاسكوريال رقم (1140). (مخلوف- شجرة النور:244).

وألّف عليه تأليفاً، ونقض كل ما عقده البرزلي 1. ثم قال 2: إلاّ أن كلام البرزلي، ومن ردّ عليه هو- والله أعلم- مفروض مع وجود الإمام وتمكّنه من إقامة الحدود وإجرائها على مقتضاها، ولا شكّ أنّ العدول 3 عنها إلى غيرها حينئذ تبديل للأحكام، وحكم بغير ما أنزل الله. وأمّا مع عدم الإمام، أو عدم التمكّن من إقامة الحدود وإجرائها على أصلها: فالعقوبة بالمال أولى من الإهمال وعدم الزجر، وترك القوي يأكل الضعيف. فعظم المفسدة في ذلك يغني فيه العيان عن البيان، وذلك مفض لخراب العمران، وهدم البنيان. بل إذا تعذّرت إقامة الحدود، ولم تبلغها الاستطاعة، (و) 4 كانت الاستطاعة تبلغ إلى إيقاع تعزيز يزدجر به: تنزّلت أسباب الحدود منزلة أسباب التعزيرات، فيجري فيها ما هو معلوم في التعزير. وليس المراد أنّ الحدّ يسقط بذلك، ولكن (غاية ذلك) 3 ما تصله الاستطاعة في الوقت دفعاً للمفسدة ما أمكن، فإنْ أمكن بعد ذلك إقامة الحدّ أقيم إنْ اقتضت الشريعة إقامته، والظالم أحق أن يحمل عليه) 6 اهـ. [13/ب] كلامه باختصار.

_ 1 - قال المهدي الوزاني: (وقد وقع النزاع في ذلك- العقوبة بالمال- بين علماء تونس عام 828هـ، فكلهم أفتوا بالمنع وانفرد عنهم الشيخ البرزلي فأفتى بالجواز وألف في ذلك تأليفاً فيه نحو أربعة أوراق). أنظر: المعيار الجديد: 10/ 175. ونقل مثله- أيضاً- الشيخ مخلوف في شجرة النور: 244. 2 - أي: الشيخ ميارة. 3 - من عدل عنه، يعدل، عدلاً، وعدولاً: حاد. (ترتيب القامرس المحيط: 3/ 172). 4 - في "الأصل" (أو). 5 - في "ب": (ذلك غاية). 6 - لم أقف على قول "الشيخ ميارة" ولكنني وقفت على ما نقله السجلماسي في "شرح نظم عمل فاس": 2/ 427 - 428، حيث عزاه إلى العربي الفاسي في جواب له في مسألة العقوبة بالمال "أنظر الصفحة التالية"، ونقل "العربي الفاسي" في جوابه ما قاله: البرزلي بجواز العقوبة بالمال، وردّ ابن الشماع عليه.

ونحوه للشيخ التاودي 1، والشيخ سيدى العربي الفاسى 2 قائلاً: المشاهد في الوقت أنّ القبائل بعيدة عن تنفيد الزواجر فيها، ونهيهم دون زاجر لا يؤثر، فالعقوبة بالمال، وإنْ كانت ممنوعة، لكنها في هذا الزمان محلّ الضرورة، لأنّ الواقع بالمشاهدة الآن أن القبائل التي لا تنالها الأحكام لا تمكن فيها العقوبة في الأبدان، لأنّهم لا يذعنون لمن رام ذلك منهم، ووقع القطع بأن إرادة تنفيذ ذلك موقع فيما هو أدهى وأمر من الفتن، فصار فعلها عام المصلحة، كما أن تركها عام المفسدة) 3. قال: (وقد وقفت على جواب "لأبي جعفر الداودى" 4 أفتى فيه: بجوازها،

_ 1 - أبو عبد الله محمد بن سودة، أنظر قوله في مسألة العقوبة بالمال في شرحه عل لامية الزقاق: 160. 2 - أبو حامد: محمد العربي بن يوسف بن محمد الفهري الفاسي، شيخ الإسلام، الفاضل، من كتبه: "عقد الدرر"، وأرجوزة في "نظم ألقاب الحديث" طبعت مع شرحها لمحمد بن عبد القادر الفاسي، ومنظومة في "الزكاة"، مات بتطوان (سنة 1052هـ)، (مخلوف- شجرة النور الزكية: 302، الكناني- سلوة الأنفاس: 2/ 313، الزركلي- الأعلام: 6/ 264 - 265). 3 - نقله السجلماسي في "شرح نظم عمل فاس": 2/ 427 - 428، حيث كان جواباً عن سؤال وجه له في مسالة: العقوبة بالمال، وقال السجلماسي: (وقفت على جواب منسوب للإمام العلاّمة سيدى محمد العربي، مال فيه إلى جواز العقوبة بالمال عند تعذر إقامة الحدود، والزواجر الشرعية، وهو جواب حافل نحو ثمان ورقات، فأحببت أن أنقل شيئاً منه هنا وذلك أنه سئل- رضي الله عنه- عن حال القبائل في الزمان الذي لا سلطان فيه: أن من قطع منهم طريقاً أو نهب مالاً- مثلاً- لا يمكن زجره إن أمكن، إلاّ بالعقوبة المالية، ومن رام كبر ذلك من العقوبة في البدن تعرض لوقوع ما هو أنكر وأعظم؟ فأجاب: اغرام أهل الجنايات ما يكون زاجراً لهم من باب العقوبة بالمال والمعروف عدم جوازها، وقد أفتى بجوازها الشيخ أبو القاسم البرزلي وأملى في ذلك جزءاً ورد ذلك عليه "عصريه وبلديه الشيخ أبو العباس الشماع وألف تأليفاً دلّ على تبحّره في العلم خطأ فيه من يقول بالجواز إلاّ أن كلام الشيخين مفروض مع وجود الإمام ... إلخ. 4 - هو: أبو جعفر، أحمد بن نصر الداودى، الأسدي، المالكي: محدث، فقيه، متكلم، سكن "طرابلس الغرب"، وتوفي تلمسان، من مصنفاته: "النامي في شرح الموطأ" و"الواعي في الفقه" و"النصيحة في شرح البخاري" و"الإيضاح في الرد على القدرية". مات (سنة 402هـ) (ابن فرحون- الديباج: 35، كحالة- معجم المؤلفين: 2/ 194 - 195).

وكان زمانه زمان هرج 1 وفتن) 2 اهـ كلام سيدى العربي باختصار. ثم قال الشيخ "ميّارة"- إثر ما مرّ عنه-: (وقد يشهد للعقوبة بالمال حديث التنفيل 3، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من وجدتموه يصيد في حرم المدينة فخذوا سلبه" 4. قال عياض 5: "لم يأخذ به من أئمة الفتوى إلاّ الشافعي في قول له قديم، وخالفه أئمة الأمصار" 6.

_ 1 - الهرج: الفتنة والاختلاط، وبابه: ضرب. (الرازي- مختار الصحاح: 549). 2 - أورده السجلماسي فى "شرح نظم عمل فاس": 2/ 428، وزاد- في النقل عن العربي الفاسي- قوله: (فان صحّت نسبة الجواب له- أي لأبي جعفر الداودي- فهو محمول على اعتبار تعذر الحكم بغيرها كما في زماننا هذا). 3 - النّفل- محركة-: الغنيمة، والهبة، جمعه: أنفال، ونفل، والنافلة: الغنيمة، والعطية. (ترتيب القاموس: 4/ 419). 4 - أخرجه أبو داود في "السنن": 2/ 216 - 217، (كتاب: المناسك"باب: في تحريم المدينة، عن سليمان بن أبي عبد الله، قال: رأيت سعد بن أبي وقاص، أخذ رجلا يصيد في حرم المدينة الذي حرّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلبه ثيابه، فجاء مواليه فكلّموه فيه، فقال: (ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرّم هذا الحرم، وقال: "من أخذ أحداً يصيد فيه فليسلبه ثيابه" فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه). وأحمد في "المسند": 1/ 170، نحوه. وأورده القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن ": 6/ 306. 5 - أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي: عالم المغرب، وإمام أهل الحديث في وقته، أعلم الناس بكلام العرب وأنسابهم، ولي قضاء سبتة وغرناطة، من تصانيفه: "الشفاء بتعريف حقوق المصطفى" و"ترتيب المدارك وتقريب المسالك في معرفة أعلام مذهب الإمام مالك". مات (سنة 544هـ). (ابن بشكوال- الصلة: 2/ 453 - 454، الضبي- بغية الملتمس: 437، ابن خلكان- وفيات: 1/ 392، كبرى زاده- مفتاح السعادة: 2/ 19). 6 - قال الشوكاني: (وقد حكى ابن قدامة عن أحمد في احدى الروايتين القول به، قال: "وروى ذلك عن ابن أبي ذئب وابن المنذر" وهذا يرد على القاضي عياض حيث قال: ولم يقل به أحد بعد الصحابة إلاّ الشافعي في قوله القديم)، (نيل الأوطار: 5/ 34).

قال النووي 1: "وقال به: سعد بن أبي وقاص 2، وجماعة من الصحابة" 3، ولا يضر الشافعي مخالفة أهل الأمصار، إذا كانت السنة معه، وهذا القول هو المختار لصحة الحديث، وعمل الصحابة على وفقه) اهـ. قال 4: (فقف على قول النووي: ولا يضر الشافعي مخالفة أهل الأمصار إذا كانت السنة معه، وعلى قوله: وهذا القول هو المختار) اهـ. وتعقبه الشيخ التاودي بقوله: (لا شاهد لهم، أي: للنووي ومن معه في الحديث المذكور، لأنّه في حق من صاد في الحرم، فبعيد أنْ تقول به في غيره، كمن رعى حيث لا يجوز له، أو قطع شجراً مملوكاً، فلا يؤخذ سلبه، وإنّما عليه قيمة ما أتلفه) 5 اهـ. قلت: يرد هذا التعقب بأن: معنى قوله عليه الصلاة والسلام: "فخذوا [14/أ] سلبه " أي: فعاقبوه بأخذ ماله على معصيته التي ارتكتبها. فإن تمحّض 6 الحق لله- كالصيد في الحرم، وعدم التناهي عن المنكر،

_ 1 - أبو زكريا محيي الدين: يحيى بن شرف بن مري الحزامي، الشافعي، العالم، الفقيه، المحدث، ولد في "نوا"، وتعلم في دمشق، من كتبه::تهذيب الأسماء واللغات- ط" و"منهاج الطالبين- ط" و"المنهاج في شرح صحيح مسلم- ط". مات "بنوا" (سنة 676هـ). (السبكي- طبقات الشافعية: 5/ 165، كبرى زاده- مفتاح السعادة:1/ 398، الزركلي - الأعلام: 8/ 149 - 150). 2 - أبو اسحاق القرشي الزهري، الصحابي الأمير، فاتح العراق، ومدائن كسرى، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، يقال له: فارس الإسلام، له في كتب الحديث (271 حديثاً)، مات (سنة 55هـ). (ابن الجوزي- صفة الصفوة:1/ 138، ابن الأثير- أسد الغابة: 2/ 290، الزركلي- الأعلام: 3/ 87). 3 - نقله الشوكاني في "نيل الأوطار": 5/ 34، وقال: (قال الماوردي: يبقى له ما يستر عورته، وصحّحه النووي واختاره جماعة من أصحاب الشافعي). 4 - أي: الشيخ ميّارة. 5 - شرح التاودي على لاميّة الزقاق: 160. 6 - وهو كل شيء خلص، حتى لا يشوبه شيء يخالطه. (المعجم الوسيط: 2/ 862).

وإخراج الصلاة عن وقتها مثلاً مع قضائها في غير وقتها، والأكل في رمضان نهاراً - فإنّما يؤخذ سلبه أي: ماله فقط. وإنْ كان الحق لله ولآدمي: فيؤخذ ماله لحق الله، ويغرم بعد ذلك حق الآدمي، إذ ما من حق لآدمى إلاّ وفيه حق لله الذي هو: إثم الجرأة والإقدام. والحديث الكريم علّق أخذ السلب على معصية الله، كان معها حق لآدمي أم لا، ويدلّك لهذا ما قالوه في الغاصب والمتعدّي ونحوهما، من أنّهما يؤدبان لحق الله، ويغرمان ما أتلفاه. [قال] خليل: في الغصب- (وأدب مميّز- ثم قال- وضمن بالاستيلاء) 1. ومن ذلك أيضاً ما قاله في "المتيطية" 2 وغيرها: (من أنّ الصواب للحاكم متى علم بلدد 3 المطلوب واستخفافه أن يؤدبه، ويبيح للعون 4 الذي مضى أثره أخذ

_ 1 - أنظر مختصر خليل: 222، (باب: الغصب)، وتمام النص قوله: (الغصب: أخذ مال قهراً تعدّياً بلا حرابة، وأدب مميّز، كمدّعيه على صالح، وفي حلف المجهول قولان، وضمن بالاستيلاء). وقال الزرقاني في شرحه لقول خليل هذا-: (وأدّب مميّز وجوباً باجتهاد الحاكم بعد أن يؤخذ منه ما غصب، بل ولو عفا عنه المغصوب منه لحق الله لا للتحريم، بل لدفع الفساد في الأرض، واستصلاح حاله. وضمن الغاصب المميّز باستيلائه على الشيء المغصوب عقاراً أو غيره كأمة). (الزرقاني على خليل: 6/ 137 - 138). 2 - وتسمى أيضاً: "النهاية والتمام في معرفة الوثائق والأحكام" لأبي الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الأنصاري المتيطي القاضي، عارف بالشروط محرّر للنوازل. مات (سنة 570هـ) وكتابه هذا في الوثائق، كان المفتون والحكام يعتمدونه، وذكر الوزير السّراج- في ترجمة الإمام محمد بن هارون الكناني: ان من مؤلفاته اختصار المتيطية. وقال ابن عبد الله: مخطوط يوجد بالخزانة العامة بالرباط رقم (2482 د) "فصول غير تامة" ونسخة في الخزانة الملكية بالرباط رقم (683/ 876) (5185/ 8324). (مخلوف- شجرة النور: 163، الوزير السّراج- الحلل السندسية في الأخبار التونسية:1/ 829، التنبكتي- نيل الابتهاج: 199، ابن عبد الله- معلمة الفقه المالكي: 147). 3 - في "ج" (بلمد) وهو تصحيف، والمقصود: شدة الخصومة. 4 - العون: الظهير على الأمر، والجمع: الأعوان، (الرازي- مختار الصحاح: 364، الفيومي- المصباح المنير: 2/ 105).

أجرته منه) 1. ولا يخفى أن الملدّ تسبب بلدده في إتلاف أجرة العون على خصمه فوجب غرمها عليه، ولزمه مع ذلك الأدب لاقتحامه معصية الله تعالى بلدده، لأنّه ظالم كما ترى. إلاّ أنّ الشافعي في ذلك القول القديم: يجعل محل الأدب غرم المال للحديث المتقدّم، وهو ما اختاره النووي، وبهذا يتمّ استشهادهم بالحديث الكريم على العقوبة بالمال، فالحجة به قائمة على منكر جوازها، وبه يردّ ما حكاه ابن رشد: من الاجماع على نسخ جوازها، لأنّه قال في غير ما موضع من "بيانه": (أنّها أي: في العقوبة بالمال منسوخة بإجماع) 2. وردّه ابن قيم الجوزية 3 بقوله: (من قال: أنّ العقوبة بالمال منسوخة، فقد

_ 1 - نقله السجلماسي في "شرحه لنظم عمل فاس": 2/ 429. 2 - قال ابن رشد: (ان الإمام مالك لا يرى العقوبات في الأموال، لأن العقوبات في الأموال أمر قد كان في أول الإسلام، من ذلك ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مانع الزكاة: "أنا آخذوها منه وشطر ما له عزمة من عزمات ربنا" و"ما روي عنه في حريشة الجبل: أن فيها غرامه مثليها وجلدات نكال". "وما روى عنه: من أن سلب من أخذ وهو يصيد في الحرم لمن أخذه"، كان ذلك كلّه في أول الإسلام، وحكم به عمر بن الخطاب، ثم انعقد الاجماع بأن ذلك لا يجب، وعادت العقوبات على الجرائم في الأبدان). (البيان والتحصيل: 16/ 278 "كتاب الحدود": 9/ 317 - 318 "كتاب السلطان". ونقل السجلماسي- أيضاً- عن مؤلف كتاب "المغارسة" ما قاله ابن رشد- حين تكلّم عن هذا الحديث- من وجدتموه يصيد في حرم المدينة .... - من "العتيبة": (أن هذا الحديث ضعيف وعلى تقدّم صحته، فانه كان في صدر الإسلام حين كانت العقوبة مشروعة، فكل ذلك منسوخ بالاجماع على أن العقوبة على الجرائم إنما تكون في الأبدان ولا تكون في الأموال) ثم نقل- أيضاً- ما قاله أبو العباس الونشريسي في كتابه: "عدة الفروق": (والعقوبة بالمال إنما كانت في صدر الإسلام ثم نسخت، وحكى ابن رشد اجماع الأمة على نسخها. (شرح نظم عمل فاس: 2/ 425). 3 - أبو عبد الله، محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي، شمس الدين: الداعية المصلح، العالم الجليل، تلميذ ابن تيمية، وهو الذي هذّب كتبه، ونشر علمه، وسجن معه في قلعة دمشق، ألف تصانيف كثيرة منها: "إعلام الموقعين- ط"، و"الطرق الحكمية في السياسة =

غلط على مذاهب الأئمة نقلاً واستدلالاً، وفعل الخلفاء الراشدين وأكتابر الصحابة لها بعد موته - صلى الله عليه وسلم - مبطل لدعوى نسخها) 1 اهـ. [14/ب] قال الحافظ الونشريسي: (ومسائل الكفارات، وفتوى ابن العطار 2، بجعل أجرة العون على المطلوب شاهدة لابن قيم الجوزية على ابن رشد) 3 اهـ. أي: فابن رشد وإنْ حكى الاجماع على النسخ- ومن حفظ حجة على من لم يحفظ- لكن مسائل الكفارات التي هي قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ... إلى قوله: لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} 4، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ ... الآية} 5، وأجرة العون 6،- لأنّه لا زال الحكم بها إلى

_ = الشرعية،). مات (سنة 751هـ)، (ابن كثير- البداية والنهاية: 14/ 234، ابن حجر- الدرر الكامنة: 3/ 400). 1 - أنظر: ابن قيم الجرزية- اعلام الموقعين: 2/ 117 - 118). ونقله- كذلك- السجلماسي في "شرحه لنظم عمل فاس": 2/ 425، عن أبي العباس الونشريسي في كتابه "عدة الفروق" بزيادة (والمدّعون النسخ ليس معهم كتاب ولا سنّة ولا اجماع يصحح دعواهم). 2 - أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن عبيد الله، القرطبي، الفقيه، العالم، الحاذق بالشروط، كان يفضل فقهاء وقته بمعرفته بالنحو واللسان، ذكره الفقيه أبو عبد الله بن عتاب فقال: (ومحل أبي عبد الله في العلم معروف، وهو به موصوف، ولقد كان فقيهاً موثقاً لم يحفظ أنه أخذ عليها أجراً) وقد تولّى الشورى ثم عزل عنها، له مع الفقهاء أخبار كثيرة. مات بالأندلس (سنة 399هـ). أنظر: عياض- ترتيب المدارك: 7/ 148 - 158، ابن فرحون- الديباج: 269. 3 - نقله السجلماسي في "شرح نظم عمل فاس": 2/ 424. 4 - سورة المائدة / آية 95، وتمامها: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ةدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}. 5 - سورة المجادلة / آية 3، وتمامها: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّةاتِهِمْ إِنْ أُمَّةاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّة لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}. 6 - هذه العبارة معطوفة على ما سبقها، وقد أوردها المصنف ليعزّز بها مذهب ابن القيم في جواز العقوبة المالية.

الآن- تقدح في الاجماع. قلت: وكذا يشهد لابن قيم الجوزية: الحديث المتقدّم وقول الشافعي به، وترجيح النووي له. فتبيّن بهذا: انّ حكاية الاجماع على النسخ لا تتمّ، وإنْ كان ناظم العمل تبع ابن رشد، حيث قال: (ولم تجز عقوبة بالمال … أو فيه عن قول من الأقوال لأنّها منسوخة ... إلى قوله: فنسخها مضى 1 عليه الاجماع) 2. لأنّ "شارحه" القاضي العدل "أبو القاسم العميري" 3 - تعقب عليه متابعة ابن رشد- قائلاً: (ما أفتى به البرزلي: مال إليه الفقيه أبو القاسم بن خجّو، وابن (العقدة) 4 الأغصاوي 5، وكتبا بذلك إلى السلطان: مولاي "محمد بن سيدي

_ 1 - في "ب" (نصّ) والصواب ما أثبتناه من "الأصل"، ومن "ج"، وقد ثبت في (السجلماسي - شرح نظم عمل فاس: 2/ 421). 2 - أنظر: السجلماسي في "شرحه لنظم عمل فاس": 2/ 422، ونصّه: ولم تجز عقوبة بالميال … أو فيه عن قول من الأقوال لأنها منسوخة الأمور … ما زال حكمها على اللّسن يدور كأجرة الملدّ في الخصام … واليرح للمغشوش من طعام والبرزلي أخذ بالعموم … هو كقول الشافعي القديم ورده المعاصر ابن الشماع … فنسخها مضى عليه الاجماع 3 - أبو القاسم بن سعيد العميري الجابري المكناسي، القاضي، الشاعر، المشتغل بالتاريخ والسيرة النبوية، ولد بفاس، وولي فيها القضاء، من كتبه: "التنبيه والاعلام بفضل العلم والاعلام" و"الورد الندي في السيرة النبوية" و"فهرست شيوخه". مات بفاس (سنة 1178هـ). (القادري- نشر المثاني: 3/ 238، ومقدمة كتاب "كشف القناع عن تضمين الصناع لابن رحال": 21). 4 - في "الأصل" (العقيدة) وهو تصحيف. 5 - أبو عمران، موسى بن الأغصاوي، اشنهر أبوه بالعقدة، كان فقيهاً عالماً نجيباً محصلاً، أخذ عن المشايخ الكبار مثل "التودي، والعبدوسي" وكان يدعى بفحل المدونة، مات (سنة 911هـ). (وفيات الونشريسي في كتاب "ألف سنة من الوفيات": 156، وابن عسكر- دوحة الناشر: 33 - 34).

محمد الشريف السوسي الدرعي"- وهو نازل بوادي سبوا 1 قبل أخذه لفاس- وتكلما 2 بكلام طويل، حاصله: أنّهما راضيان بفتوى البرزلي. وقد اتّسع ففي القول بها: الفقيه موسى بن علي (الوزاني) 3، وكتب فيها، إلى أن قال: والذي أخاطب به نفسي، وألتزم الحظّ عليه- إلى حلول رمسي 4 - إن أقول: أنّ فتوى "البرزلي": بجواز العقوبة بالمال ثابتة أي اثبات، فشد يدك عليها!. فجميع من له يد من القواد والولاة، على إقامة الحدود البدنية لمن وجبت عليه، فإنْ تعذّر ذلك فعلى العقوبة المالية) 5 [16/أ]. ثم قال القاضي 6 المذكور: (- ولذلك قلت مخاطباً للناظم 7 على ما حكى من الاجماع مع وجود من يخالفه- ما نصّه:

_ 1 - بضم أوله وثانيه، نهر بالمغرب قرب طنجة من أرض البربر. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 3/ 186). 2 - في "الأصل" (وتكلم) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج". 3 - في "الأصل" (الوازني) وهو تصحيفى، وما أثبتناه من "ب" و"ج"، ثابت في كتب التراجم، وهو أبو عمران، موسى بن علي الوزاني، الفقيه، الصالح، الحافظ، الناقد، المطالع، المحقق، المصنف، كان رحمه الله فاضلاً مشاركاً في جميع العلم، كثير الانتاج لكتب العلم بيده، نسخ منها أكثر من ثلاثمائة ديوان من الدواوين الكبار، ألف التآليف وجمع فتاوى فقهاء عصره في سفر، له أجزاء كثيرة ما بين منظوم ومنثور، وكان الشيخ "أبو القاسم بن علي بن خجّو" يقول: (فقهاء بادية المغرب من كعبة الوزاني إلى أسفل) مات في أواخر (سنة 1017هـ). (ابن عسكر- دوحة الناشر: 40 - 41). 4 - رمسي: دفني، رمس الميت: دفنه، وبابه: ضرب. (الرازي- الصحاح: 204). 5 - أنظر قول العميري بتمامه في المعيار الجديد للوزاني: 10/ 179. 6 - هو أبو القاسم بن سعيد العميرى. 7 - أبو زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي، كان فقيهاً، محدثاً، باحثاً متفنناً، وكان ملازماً للمولى الرشيد بن علي، وله فيه شعر كثير، من مصنفاته: "مفتاح الشفاء" و"أزهار البساتين (ت 1096هـ) (الأزهري- اليواقيت: 195، السلاوي- الاستقصا: 4/ 51، الكتاني- سلوة: 1/ 315).

قلت: على النسخ حكيت الاجماع … ما القول في مخالفة ابن الشماع وتبع البرزلي ابن العقدة … مع ابن خجّو خلافاً قد عقده وأوضح القول بها الوزاني … موسى ممّا أعشى عن الأوزاني وفي جواب العربي الفاسي … كلام قد جلّ عن القياس مثل الذي لابن ميّارة الودود … جوازه عند تعذّر الحدود وقبلهم قال به ابن عرفة … وغيره يعرفه من عرفه والنووي قال هو المختار … أتى به الحديث والآثار وهو قول الشافعي في القديم … فالخلف جار في الحديث والقديم اهـ كلام العميري 1. وحاصل اعتراضه، أنّه لو صحّ الاجماع الذي حكاه "ابن رشد"، وتبعه "الناظم للعمل"، ما وسع هؤلاء (الفقهاء المتقدمين مخالفته، إذ لا يخفى على مثلهم ذلك الإجماع لو صحّ، لممارستهم مطالعة كتاب: "البيان" لابن رشد، وغيره، وقد تبيّن أن هؤلاء الشيوخ كلهم: على جوازها مع تعذّر إجراء الأحكام على مقتضاها، خلافاً لإطلاق ناظم العمل، تبعاً لغيره. وقد تحصّل من هذا كله: أن ما شرع الله فيه حدًّا معلوماً -كالزنى، والسرقة، والحرابة، والقذف، ونحوها- لا تجوز فيه العقوبة بالمال اتفاقاً، لما فيه من تبديل الحدود المعيّنة من الشارع سبحانه، لقوله- تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} 2 ...

_ 1 - له شرح على نظم "عمل فاس" سمّاه: "الأمليات الفاشية في شرح العمليات الفاسية"، منه نسخة خطية في (مكتبة تطوان رقم 649) أنظر: ابن عبد الله- معلمة الفقه المالكي: 103، وانظر قوله هذا في المعيار الجديد لوزاني: 10/ 179 - 180. 2 - سورة المائدة / آية 44، وتمامها: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيةا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِةا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ ةادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُةدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيئا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}.

(الظَّالِمُونَ} 1 ... {الْفَاسِقُونَ} 2. اللهم!: إلاّ أنْ يتعذّر إقامتها فيعاقب بالمال حينئذ، إرتكتاباً لأخف الضررين، ودفعاً لأثقل المفسدتين ما أمكن، ولا يسقط الحدّ إنْ زال العذر [15/ب] على ما مرّ عن هؤلاء الشيوخ. وأمّا ما فيه الأدب والتعزير بالاجتهاد- كما مرّ في الفصل الثاني-: فقيل: (يعاقب بالمال مطلقاً، وهو ما يفهم من حديث التنفيل، وبه قال: "الشافعي"، واختاره "النووي"، و"ابن قيم الجوزية"). وقيل: (لا يعاقب به مطلقاً، وهو ما "لابن رشد" ومن معه). وقيل: (لا يعاقب به- أيضاً- إلاّ مع التعذر- أيضاً- وهو ظاهر (إطلاق هؤلاء الشيوخ المتأخرين). فشدّ يدك على هذا التحصيل، فقد زلّت هنا أقدام، وسأزيدك في الفصل الذي يليه بياناً يجب عليه التعويل، والله أعلم. انتهى.

_ 1 - سورة المائدة / آية 45، وتمامها: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيةا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. 2 - سورة المائدة / آية 47، وتمامها: (وَلْيَحْكُمْ أَةلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}

الفصل السادس

الفصل السادس 1 في زيادة تحقيق بعض ما تقدّم، وكيفية إجرائه على المنصوص المُسَلّم ــــــــــــــــــــــــــــــ فقد علمت- ممّا مرّ- أنّه إذا زنا شخص، أو سرق، أو حارب مثلاً، وثبت ذلك بما لا مطعن 2 له فيه، وظفر به الإمام، فلا يسجن لإعطاء المال بل ليقام الحدّ عليه، ولا عذر لهم في كونه يتعذّر حدّه، لأنّه لا تعذّر بعد الظفر بعينه، لأنّ من سجن لاعطاء المال يمكن إقامة الحدّ عليه قطعاً، وإقامته متعبد بها يثاب مقيمها على إقامتها الثواب الجزيل الذي لا حدّ له، لأنّه قد نفّذ أوامر الله في عباده، ولا فرق في ذلك بين الشريف والمشروف، وبين ذي الوجاهة 3 والضعيف. ومن سجن الزناة والقاذفين (وقاتلي) 4 الغيلة 5 مثلاً، وذوي الحرابة والسراق، لأخذ الأموال بعد ثبوت ذلك عليهم بموجبه ثم سرّحهم 6: فقد بدّل الأحكام الشرعية، ومن بدّلها دخل في قوله- تعالى-: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ،

_ 1 - نقل هذا الفصل بتمامه المهدى الوزاني في "المعيار الجديد": 10/ 195 - 204. 2 - في "ب": (طعن). 3 - ذو الجاه والقدر والرتبة، يقال: "وقد وجه الرجل": صار وجيهاً، أي: ذا جاه وقدر. (الفيومي- المصباح المنير: 2/ 366). 4 - في "الأصل" (وقاتل) وما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د" مناسب للسياق، لأن ما قبله جاء بصيغة الجمع، وهو معطوف عليه. 5 - بكسر الغين: الاغتيال، يقال: "قتله غيلة"، وهو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع فيقتله فيه: (الرازي- مختار الصحاح: 383). 6 - أي: أفرج عنهم، يقال: "سرّح عن فلان" أي: فرّج. أنظر البستاني- فاكهة البستان: 638.

فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}. ولا يسع البرزلي، ومن معه، أنْ يقولوا: بمثل هذا التبديل المذكور، وحاشاهم أن يقولوه! [16/أ] وإنما معنى كلامهم: أنّ الزاني أو المحارب ونحوه، لم يظفر بعينه لفراره، أو تعصّبه ونحو ذلك، وإنّما ظفر الإمام بماله: فإنّه يعاقب بأخذه حتى يظفر به، فيقام الحدّ عليه إنْ لم يحدث ما يسقطه، كالتوبة للمحارب قبل القدرة عليه ونحو ذلك، كما مرّ. وجلالتهم تصونهم عمّا توهّم فيهم، كيف: وقد علم من الدين ضرورة: أنّ من بدّل ما شرعه الله، أو أحلّ ما حرّم الله فهو كافر، وأن إقامة حدود الله واجبة من غير فرق بين وضيع أو شريف!. وفي الصحيح: أنّه قال- عليه الصلاة والسلام-: "إنّما هلك من كان قبلكم، لأنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، وأيّم الله: لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" 1 اهـ.

_ 1 - أخرجه مسلم في "صحيحه": 3/ 1315، "كتاب: الحدود" "باب: قطع السارق الشريف وغيره " مطولاً، من طريق ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، أن قريشاً أهمّهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلّم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: ومن يجترىء عليه إلاّ أسامة، حبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه أسامة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أتشفع في حدّ من حدود الله؟) ثم قام فاختطب فقال: "أيها الناس إنما أهلك الذين من قبلكم، انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحدّ، وأيم الله!، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". والنساثى في "سننه ": 8/ 64 - 65 - 66 - 67، "كتاب: قطع السارق" "باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر الزهري في المخزومية التي سرقت". بألفاظ مختلفة وروايات عديدة. وأبو داود في "سننه" "أنظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود": 12/ 31. "كتاب: الحدود" "باب: في الحدّ يشفع فيه، نحوه مطولاً. وابن ماجة في "سننه ": 2/ 851 "كتاب: الحدود" "باب: الشفاعة في الحدود"،، نحوه. وأحمد في "مسنده ": 6/ 162، نحوه.

ولهذا قلنا في التحصيل المتقدّم- آنفاً-: أنّ ما شرع الله فيه حدًّا معلوماً لا يعدل عنه إلى المال إتفاقاً بل إجماعاً، إلاّ مع التعذّر، ولا يسقط الحدّ إنْ زال العذر فتنبّه لما ذكر!: فقد زلّت هنا أقدام، فيفتون بالمال مطلقاً، ويحتجّون بما للبرزلي ومن معه، وهم قد دخلوا بسبب ذلك في الكفر بنصّ التنزيل، فقد ضلّوا وأضلّوا، نسأل الله السلامة من حمل كلام الأئمة على غير وجهه!. وقد تقدّم- في الفصل الثالث-: أنّ حامي الغاصب أو المحارب ونحوهما- ولو بجاهه- كهو، فيجرى على حكمه، فيعاقب بالمال إنْ لم يظفر الإمام بعينه، ثم إنْ ظفر به حكم عليه بما شرع الله فيه. وقد نقل البرزلي- في نوازله- 1: (أن سرّاق "المغرب" اليوم كلّهم لصوص، تجري عليهم أحكام الحرابة من القتل، أو القطع من خلاف أو النفي، لا أحكام السرقة، لأنّهم يجعلون أحد السرّاق عند رأس صاحب المنزل في الحاضرة أو البادية، متى رآه تحرّك ضربه أو هدّده، وكذا سرّاق البوادي يجعلون واحداً يخرج الحيوان [16/ب] والمتاع، والباقون واقفون بالسلاح يمنعون يقدم عليه) 2. قال- أي البرزلي-: (والحكم فيهم: أنّهم إذا أخذوا بعد أنْ قتل أحدهم ربّ المنزل قتلوا جميعاً، وإنْ لم يقتلوا أحدا: أجريت عليهم أحكام المحارب من النفي والقطع من خلاف، أو القتل والصلب.

_ 1 - هي "جامع مسائل الأحكام ممّا نزل من القضايا للمفتين والحكام" لأبي القاسبم بن أحمد بن محمد القيرواني، المعروف بالبرزلي (مات سنة 844هـ). ذكر الزركلي: "ان كتابه هذا مخطوط في مجلدين، قد يكون مختصراً من كتابه الفتاوى"، وأنه اقتنى نسخة منه نفيسة في أربعة مجلدات "كتبت سنة (982هـ) سمّاها الناسخ في أولها الفتاوى" على طريقة المشارقة، وفي نهايتها "النوازل" على طريقة المغاربة" (الزركلي- الأعلام: 5/ 172). 2 - أنظر: فتاوى البرزلي: 4/ 241 - أ، حيث نقله عن "أبي محمد صالح" 3 في "مسائل الحرابة". والمصنف (التسّولي) في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 365 (فصل قي دعوى السرقة).

وإذا أخذوا واحداً 1 منهم فقط: (كان ضامناً لجميع ما أخذوه) 2 اهـ. باختصار. وقال الشيخ "ميّارة"- في بعض فتاويه- ما نصّه: (وقد آل بنا الحال في بعض الأوقات إلى أنْ يتبع المسافرين بعض مردّة أهل البلد إلى الأجنّة ونحوها ممّا قرب من البلاد، فيسفكون دمائهم، وينهبون أموالهم، ويرجعون إلى البلد بالأمتعة جهاراً، فلا ينتقم منهم، ولا يستفتى عن حكمهم، بل وإلى ما هو أعظم من هذا: من القتل صبراً، ونهب الأموال من الدور والحوانيت بلا ذنب، ولا سبب، ثم يكتسب فاعل ذلك التعظيم والاحترام، فضلاً عن عدم النكير عليه، والضرب على يده، فإنّا لله وإنّا إليه راجعونه) 3 اهـ كلام ميّارة. قلت: ولا شكّ في حرابة من وجدت منه 4 هذه الأوصاف، وجريان أحكام الحرابة عليه، حيث ثبت ذلك عليه. وأمّا إنْ لم يثبت- وهو الغالب- لعدم وجود من يشهد على من اكتسب التعظيم والاحترام بالتمرّد والعصيان- كما هو مشاهد بالعيان-: فإنّه ينكل بالضرب، وطول السجن بقدر (قوة) 5 تهمته- كما تقدّم عن "التبصرة" وغيرها في الفصل الأول - ولا (أقل) 6 من أنْ ينفى من البلد مؤاخذة له بالأيسر، وردعاً

_ 1 - في جميع النسخ (واحد) والصواب ما أثبتناه. 2 - أنظر: فتاوى البرزلي: 4/ 341 - أ "في مسائل الحرابة" و"المصنف" في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 365 "في دعوى السرقة". 3 - أنظر: ميّارة في "رسالته في قتال المحاربين المتعرضين لقطع الطريق" وهي: موجودة ضمن مجموعة رسائل: 17/ب. ونقله- أيضاً- المصنف في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 350، "في دعوى الغصب والتعدّي". 4 - في "ب": (فيه). 5 - ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د". 6 - ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د".

لأمثاله، وإنْ لم يظفر الإمام بعينه فإنّه يعاقب بالمال، كما مرّ تفصيله. وأما إذا غصب شخص مالاً لآخر، أو أتلفه بغرق أو حرق، ونحو ذلك تعدّياً 1: فإنّه يغرم ما غصبه وما أتلفه لربه، ولو بجاهه، كما تقدّم في الفصل الثالث. [17/أ] فإن أراد الحاكم أنْ يغرمه بعد ذلك مالاً بدل ما لزمه من الأدب على جرئته، وتلبّسه بمعصيته، أو تمحّضت معصية الله كالصيد في الحرم، والشتم بغير قذف، أو بقذف، وعفا عنه المقذوف- إذْ ما من حقّ لآدمى إلاّ وفيه حق الله- وككتمان الجواسيس، والغصاب، والأكل في نهار رمضان، ونحو ذلك، فإنه يجري 2 على ما مرّ من الخلاف المتقدّم. فيجوز: على ما للشافعي في قوله القديم، وعليه المتأخرون، حيث تعذّر أدبه. ولكن لم أقف على القدر الذي يعاقب به العاصي- على القول به- وظاهر كلامهم: أنه باجتهاد الإمام، فيغرم كل واحد بقدر ما ينزجر به، وذلك يختلف باختلاف عظم جريرته، وبحسب الشخص من تمرده على العصيان، وعدم تمرّده، ولو أدى ذلك إلى أخذ ماله كلّه، حيث كان لا ينفكّ إلاّ به. فالعقوبة بالمال حينئذ منظور فيهما- أيضاً-: إلى قوة تهمته، وكثرة تمرّده. أمّا ما يفعله بعض جهّال العمّال، والقواد اليوم، من مجاوزة الحدّ في الإغرام، لكونهم لا ينظرون إلى ما تقدّم، بل إلى كثرة مال صاحب المذنب وقلّته، ولا ينظرون إلى كون الذنب وقع منه فلتة 3، ولا إلى كونه متمرداً على العصيان أم لا، بل ويأخذون ما أتلفه الغاصب ونحوه، ولا يدفعون لربه شيئاً، أو يدفعون له الشيء القليل، فهو خرق للكتاب، والسنّة، والاجماع.

_ 1 - أي: ظلماً وتجاوزاً. (الرازي- مختار الصحاح: 331، البستاني- فاكهة: 915). 2 - في "ب" (يحرم) وهو خطأ. 3 - الفلتة: الأمر يحدث من غير رويّة واحكام، ويقال (الهفوة غير المقصودة). (المعجم الوسيط:2/ 706).

قال تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ... إلى قوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ (عُدْوَانًا وَظُلْمًا) 1 فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} 2، أي: لا تأكلوه بما لم تبحه الشريعة. ولا شكّ أنّ الشريعة لم تبح لهم شيئاً من ذلك، فأكل أموال الناس [17/ب] بالباطل لاحق به الوعيد المتقدّم، ولاحق به- أيضاً- الوعيد في قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا، فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ... الآية} 3. لأنّه إذا كانت المحاربة لله ورسوله لاحقة لمن تعامل بالربا- مع كونه برضي المتعاقدين في الجملة- فكيف يأخذه بغير رضي مالكه ظاهراً أو باطناً، بل على وجه التعدّي والظلم!. وفي الصحيح عنه- عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس: من لا دينار له ولا متاع، فقال: لا، بل المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب، هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته، أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم (يحبس) 4 في النار" 5.

_ 1 - ساقطة من "ب". 2 - سورة النساء / آية 29 - 30، وتمامها: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّة كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}. 3 - سورة البقرة / آية 279، وتمامها: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}. 4 - في "ب" و"ج" و"د" (يسحب) وكلا اللّفطين غير واردتين بالرجوع إلى مسلم في صحيحه. 5 - أخرجه مسلم في "صحيحه": 4/ 1997، "كتاب: البر والصلة" "باب: تحريم الظلم" عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: "ان المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتى قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من =

وفي الحديث الكريم- أيضاً-: "أنّه يوم القيامة يؤخذ للمظلوم بماله، من حسنات ظالمه، عن كل دانق سبعون صلاة مقبولة" زاد بعض الحنفية: "في جماعة". نقله "شرّاح " 1 المختصر 2 عند قوله في البيوع: (بأوزن منها بسدس سدس 3. قالوا: (والدانق هو: سدس الدينار والدرهم) اهـ. فانظروا:- أيّدكم الله- في هذا الوعيد اللاحق لأكل أموال الناس بالباطل ما أفضعه، وما أشبعه، حتى كان الدانق الذي هو: سدس الدرهم يؤدي بسبعين صلاة مقبولة في جماعة!. فعلى من له اليد القويّة، أنْ يبادر إلى التغيير على من كانت يده سريعة لأكل الأموال 4، أيًّا كان عاملاً، أو غيره لئلا يكون راضياً بفعله. وقد تقدّمت النصوص- في الفصل الثاني-: "أنّ من رضي فعل قوم فهو منهم"

_ = حسناته وهذا من حسناته، فان فنيت حسناته، قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار". وأحمد في "مسنده": 2/ 303، 334، 372، نحوه. والترمذي في "سننه": 4/ 613، "كتاب: صفة القيامة" "باب: ما جاء في شأن الحساب والقصاص". 1 - في "الأصل" (شرح) ولعلّه سهو من الناسخ. 2 - هو: "مختصر" الشيخ خليل بن اسحاق، وقد شرحه كثيرون، منهم: ابن الناسخ الطربلسي، وسمّاه: "الدرر فى توضيح المختصر" (ت 914هـ)، وبهرام بن عبد الله المالكي الدميري (ت 805هـ)، والرعيني المالكي، سمّاه: "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" ثلاث مجلدات (ت 954هـ)، والشيخ عبد الباقي الزرقاني (ت 1099هـ)، وغير ذلك كثير. (حاجي خليفة- كشف الظون: 2/ 1628). 3 - أورده الزرقاني في "شرحه على مختصر خليل": 5/ 55 "كتاب: البيوع عند قوله "بأوزن منها بسدس سدس"، ولم ينص على أنه حديث، وإنما قاله بطريقة تدلّ على ضعفه، حيث يقول: "وما قيل: أنه يؤخذ للمظلوم بماله ... " ولم أقف عليه في كتب الحديث التي بين يدي. 4 - في "ب" (أموال الناس).

وقد علمت هناك: ما لحقه- (بسبب ذلك) - 1 من الهلاك والخسران، [قال تعالى]: {إِنَّ اللَّة لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا [18/أ] مَا بِأَنْفُسِهِمْ} 2 ... {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ (فَبِمَا) 3 كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} 4. وأمّا إذا نهب مسافر أو سرق 5 بأرض قوم: فقد تقدّم عن "التبصرة" في الفصل الأول: (أنّ المتهم يكشف ويبالغ في كشفه بالضرب والسجن على قدر قوة تهمته). وذكر ابن (سهل) 6: (أنّ الرجل إذا قبض بيده بعض المسروق، وقال: اشتريته من السوق، فإنّه ينظر فيه، فإنْ كان ممّن يشار إليه بالسرقة سجن حتى يموت) 7 اهـ. وقد علمت: أنّ قبائل الزمان كلّهم متّهمون، إذ غالب أحوالهم 8 النهب

_ 1 - ساقطة من "ج". 2 - سورة الرعد / آية 11، وتمامها: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}. 3 - في "الأصل" (بما)، وكلاهما جائز، قال ابن مجاهد: (قرأ نافع وابن عامر: "من مصيبة بما كسبت" بغير فاء، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام، وقرأ الباقون: (فبما) بالفاء). (ابن مجاهد- السبعة في القراءات: 581). 4 - سورة الشورى / آية 30. 5 - في "ب" (مروا) وهو خطأ. 6 - في "الأصل" (سهيل) وكذلك في "ب"، وهو تصحيف. وهو: أبو الأصبغ عيسى بن سهل بن عبد الله السدي القرطبي الغرناطي: قاضي "غرناطة"، أصله من "جيان" وولي الشورى بقرطبة، من كتبه: "الأعلام بنوازل الأحكام" في الفتاوى وغيرها، وذكر "الزركلي": (أنه مخطوط يوجد في خزانة الرباط (86 أوقات)، كما توجد منه نسخة منه بدار الكتب الوطنية بتونس رقم (18394)، وقد قام بتحقيق الجزء الأول منه الدكتور أنس العلاني لنيل أطروحة دكتوراه الحلقة الثالثة بالكلية الزيتونية بتونس. (مخلوف- شجرة النور: 122، الزركلي- الأعلام: 5/ 1 - 103). 7 - نقله ابن فرحون في "التبصرة": 2/ 121 "في الدعاوي بالتهم والعدوان"، والمصنف في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 363 "في دعوى السرقة"، وعزاه إلى "ابن فرحون". 8 - في "ج": (أصولهم) وهو تصحيف.

والغصب- كما تقدّم في الفصل الأول- والحمل على الغالب واجب، وعليه: فلا بدّ حينئذ من كشف من وقع النهب ونحوه بأرضهم بالسجن وغيره، لأنّ الغالب أنّ ذلك لا يخفى عليهم، إذ لا تجد أحداً ينهب الناس بأرض إلاّ وبعض أهل تلك الأرض معهم، وأهل البلد لا يخفى عليهم ذلك. والحمل على الغالب مشروع، وليس للحاكم أنْ يقول للمنهوب ونحوه: إنّما لك عليهم اليمين، لأنّ ذلك ذريعة- كما تقدّم عن "التبصرة"- إلى إهمال ما أوجبه الشرع باتفاق الأئمة الأربعة: من الكشف بالضرب والسجن، وذريعة إلى 1 زيادة الفساد. وأيضاً: لا أقلّ أن يكون عقابهم وتضمينهم من باب سدّ الذريعة- الذي تقدّم في الفصل الثالث أنّه مشروع- لأنّهم إذا غرّموا حمّلهم ذلك على حفظ طرقاتهم 2، والمارّين بأرضهم، وعدم كتمان غصّابهم، والتعصب عليهم- كما تقدّم-. فإرسال من وقع النهب بأرضهم مع المنهوب للقاضي يحكم بينهم، من زيادة الفساد قطعاً، وإهمال سدّ الذريعة، ليس بالأمر الهيّن، إذ فيه إعانة الظالم على ظلمه، لأن" غاية 3 ما يفعله القاضي: أنْ يكلّف المنهوب بالبيّنة، وأين هذه البيّنة؟، وعلى فرض وجودها، فلا تكون إلاّ من أهل ذلك البلد، وهم على ما هم عليه من الحميّة 4، والعصبيّة، وقوة التهمة، فكيف يشهدون! مع كونه نهب بأرضهم، بل (من) 5 شهد منهم عاقبوه، وخشي على نفسه منهم، لأنّهم مكتسبون بغصبهم التعظيم والاحترام [18/ب]- كما مرّ-!. ومن أجل إهمال هذا الباب: استولى الكفر، وغلب الظلم على الإسلام،

_ 1 - ساقطة من "ب". 2 - في "الأصل" (سرّاقهم)، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج". 3 - في"ب" (غالب). 4 - هي: (الأنفة، يقال: (فلان دو حميّة منكرة) إذا كان ذا غضب وأنفة. (الرازي- مختار الصحاح: 121، المصباح المنير:1/ 187). 5 - ساقطة من "الأصل".

وسفكت دماء، وغصبت أموال لا يعلمها إلاّ الكبير المتعال. حتى أنّ المسافر يسفك دمه في بعض الطرقات أو ينهب ماله، أو يأتي في جسده بعض الجراحات- ممّا لا يفعله المرء بنفسه- (فيرسله) 1 العامل (أو) 2 القائد مع من أخذ بأرضهم القاضي الوقت، فيستبشرون لأنّهم يعلمون أنّ يردّهم لليمين. فكيف يهمل العامل المذكور- ما تقدّم في الفصل الأول والثالث-: من وجوب كشفهم بالضرب والسجن وإغرامهم، سدًّا للذريعة 3!. قال "القرافي": (يمتاز نظر القاضي، ونظر والي الجرائم، بأمور منها: (أن) 4 والي الجرائم يسمع الدعوى على المتهوم، ويبالغ في 5 كشفه، بخلاف القاضي. ومنها: أنْ يعجل يحبس المتهوم للاستبراء والكشف) 6.

_ 1 - في "الأصل" (فيرسل)، وما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د" مناسب للسياق. 2 - ساقطة من "الأصل". 3 - نقله المصنف- أيضاً- في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 352، "في دعوى الغصب والتعدّي". 4 - ساقطة من "الأصل" ومن "ب"، والإضافة من "ج". 5 - ساقطة من "ج". 6 - قال ابن فرحون: (قال القرافي- أيضاً- في "الذخيرة" ممّا نقله عن "الماورديّ في الفرق بين نظر القاضي ونظر والي الجرائم، قال: "ويمتاز والي الجرائم على القضاة بتسعة أوجه: الأول: سماع قذف المتهوم من أعوان الامارة من غير تحقيق الدعوى المعتبرة، ويرجع إلى قولهم، هل هو من أهل هذه التهمة، أم لا؟ فان نزهوه أطلقه، أو قذفوه بالغ في الكشف بخلاف القضاة. الثاني: أنه يراعي شواهد الحال وأوصاف المتهوم في قوة التهمة وضعفها، بأن يكون المتهم بالزنا متصنعاً للنساء، فتقوى التهمة، أو متهماً بالسرقة، وفيه آثار ضرب مع قوة بدن، أو لا يكون شيئاً من ذلك فيخفف، وليس ذلك للقضاة. الثالث: تعجيل حبس المتهوم للاستبراء والكشف، ومدّته شهر، أو بحسب ما يراه، بخلاف القضاة =

قال 1: (وقد ورد أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وجد في بعض غزواته رجلاً، فاتّهمه: بأنّه جاسوس، فعاقبه، حتى أقر) 2. فانظروا- أيّدكم الله- كيف عاقبه- عليه الصلاة والسلام- بمجرّد التهمة، وأفعاله- عليه الصلاة والسلام- كلّها للتشريع 3!. قلت: ولذا قال في "التحفة" 4:

_ = الرابع: يجوز له مع قوة التهمة ضرب المتهم ضرب تعزير لا ضرب حدّ ليصدق، وليس ذلك للقضاة. الخامس: أن له فيمن تكررت منه الجرائم، ولم ينزجر بالحدود، استدامة حبسه إذا أضرّ الناس بجرائمه بخلاف القضاة. السادس: أن له احلاف المتهوم لاختبار حاله، ويغلظ عليه الكشف، ويحلفه بالطلاق والعتاق والصدقة- كأيمان بيعة السلطان- ولا يحلف القاضي أحداً في غير حق، ولا يحفف إلاّ باليمين بالله تعالى. السابع: أن له أخذ المجرم بالتوبة قهراً ويظهر له من الوعيد ما يقوده إليها طوعاً، ويتوعده بالقتل فيما لا يجب فيه القتل، لأنه ارهاب لا تحقيق، ويجوز أن يتوعّده بالأدب دون القتل بخلاف القضاة. الثامن: أن له سماع شهادات أهل المهن إذا كثر عددهم ممّن لا يسمعهم القاضي. التاسع: أن له النظر في المواثبات وإن لم توجب غرماً ولا حداً). (التبصرة: 2/ 115). 1 - أي: القرافي. 2 - أخرجه أبو داود في "سننه" أنظر "عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم آبادي": 7/ 315 - 316، مرفوعاً، عن سلمة بن الأكوع، وفيه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتله". وأورده ابن فرحون في "التبصرة": 2/ 110، وعزاه للقرافي في الذخيرة في باب السياسة. 3 - في "الأصل" (للشريعة) وهو تصحيف، وما أثبتناه من "ب" و"ج". 4 - "تحفة الحكام في نكت العقود والأحكام" لأبي بكر محمد بن محمد بن عاصم الغرناطي: القاضي، الفقيه، المالكي، مات بغرناطة (سنة 829هـ)، وهو عبارة عن: أرجوزة في الفقه المالكي، تعرف (بالعاصمية) نسبة إلى مؤلفها، وقد شرحها جماعة من العلماء. وله أيضاً "حدائق الأزاهر في مستحسن الأجوبة والمضحكات والحكم والأمثال والحكايات والنوادر" وإلى غير ذلك. (مخلوف- شجرة النور: 247، الزركلي- الأعلام: 7/ 45).

(وان يكن مطالباً من يتّهم … فمالك بالسجن والضرب حكم) 1 قال 2: (ومنها: أنّه يضرب المتهوم مع قوة التهمة، أو يحلّفه بالطلاق والعتاق وأيمان البيعة، بخلاف القاضي) 3. قال: (ومنها: أنّ له أن يتوعّد الجرم بالقتل، فيما لا يجب فيه قتل، لأنه إرهاب لا تحقيق، ويجوز له أن يحقّق وعيده بالأدب دون القتل، بخلاف القضاة، فليس لهم ذلك) 4 اهـ باختصار. ونقل ذلك ابن فرحون 5، وزاد: (أن بعض القضاة المالكية فعل ذلك). فقد علمت: أنّ النصوص متواترة بكشف المتهوم، واحداً كان أو جماعة، [19/أ] من القبائل أو غيرهم، ومع ذلك يضمنون في مثل من أخذ المسافر بأرضه سدًّا للذريعة- كما مرّ في الفصل الثالث- لأنّهم غرّموا، احتاطوا 6 هم لصيانة الطرقات المارّة في أرضهم، واحتاط غيرهم ممّن سمع ذلك كذلك. وفي تضمين مثل هؤلاء يقول ناظم العمل: (لوالد القتيل مع يمين … القول في الدعوى بلا تبين إذا ادّعى (دراهما) 7 وأنكرا … القاتلون ما ادّعاه وطرا) 8

_ 1 - أنظر المصنف (التُّسولي) في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 363، فصل في دعوى السرقة". 2 - أي: القرافي. 3 - نقله ابن فرحون في "التبصرة": 2/ 115 في الفرق الرابع والسادس بين نظر القاضي ونظر والي الجرائم. 4 - أنظر نفس المصدر السابق، في الفرق السابع بين نظر القاضي ونظر والي الجرائم. 5 - ساقطة من "ج". 6 - أخذوا بالأوثق والأحزم. (المعجم الوسيط: 206). 7 - في "الأصل" (دراهم) بالرفع، وكذلك في "ج"، وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من "ب"، لأنه مفعول به. 8 - أنظر: السجلماسي في "شرحه لنظم عمل فاس": 2/ 137، في مسائل القضاء واليمين والشهادة.

ولا مفهوم القتيل)، ولا (لدراهم)، بل المدار: على كون الدعوى على معروف بالتهمة والظلم، كقبائل الزمان- التي 1 تقدّم أنّهم محمولون على التهمة والفساد-، وأنّه لا يمكن إجراء الأحكام على مقتضاها فيهم، سواء ادّعى عليهم بالدراهم والقتل، أو بالدراهم فقط، (أو) 2 بالعروض، أو بالحيوان 3، أو غير ذلك، كما لشرّاحه 4. قال ناظم العمل في "شرحه لنظمه"- ناقلاً عن شيخه قاضي الجماعة: (أبي القاسم بن أبي النعيم 5 - (ما نصّه) 6: (الذي (جرت به الأحكام) 7 عندنا في هذه النازلة ومثلها: أنّ القول قول والد القتيل مع يمينه، والظالم أحق أنْ يحمل عليه، وإنْ كان المشهور خلافه، وكم من مسألة جرى الحكم فيها بخلاف المشهور، ورجّحها العلماء للمصالح العامة) 8 اهـ.

_ 1 - في "ب" (الذي). 2 - ساقطة من "الأصل". 3 - في "ب" (الحيوان). 4 - أي: شرح نظم عمل فاس. 5 - في "الأصل" (أبي القاسم ابن النعيم) وكذلك في "ج" وفي "ب" (ابن النعيم) وما أثبتناه ثابت في كتب التراجم. وهو: أبو القاسم، بن محمد بن أبي النحيم الغسّاني الأندلسي، أحد قضاة فاس المشهورين في العصر "السعدي" بعد أحمد المنصور"، يعد شخصية علمية وسياسية في عصره، أدرك عدة شيوخ أخذ عنهم، وأخذ عنه كثير، وله دروس ومقروءات، وتخرج به جماعة من الأعلام "كأبي حامد الفاسي"، قتله اللّصوص من "اللمطين" اثر رجوعه من صلاة الجمعة بموضع يقال له: "الزر بطانة" طالعة فاس، لطلوعه للصلاة مع السلطان من غير إذنهم سنة 1032هـ)، وثار قتال بفاس بين الأندلسيين واللّمطيين بسبب موته ودام أحد عشر شهراً لارادة الأخذ بثأره. (القادري- التقاط الدرر: 80، ونشر المثاني:1/ 254 - 233، السلاوي- الاستقصا: 6/ 57). 6 - ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب" و"ج" و"د". 7 - في "ب" و"ج": (جرى به العمل). 8 - نقله السجلماسي في "شرحه لنظم عمل فاس": 2/ 137، حيث قال: (وقد وقفت على ما قيّده الفقيه: "سيدي عبد العزيز الزياتى" من خط عمّ أبينا "سيدى العربي الفاسي"- =

ثم نقل نحوه: عن مشايخ فاس، ومراكش، وشفشاون 1، وغيرهم 2. وظاهرهم: أنّ مستند العمل المذكور هو ما يأتي عن الرعيني 3، وأن المدعى عليه حيث كان ممّن يشار له 4 بذلك، فيقبل قول المدعي، وإنْ (لم) 5 يثبت

_ = رحمهم الله- قال: "وجدت بخط شيخنا قاضي الجماعة "سيدي أبو القاسم بن أبي النعيم" جواباً عن هذه المسألة قال فيه: الذي جرت به الأحكام عندنا بهذه الحضرة في هذه النازلة ومثلها، أن القول قول والد القتيل مع يمينه، والظالم أحق أن يحمل عليه، وان كان المشهور خلافه، وكم من مسألة جرى الحكم فيها بغير المشهور، ورجّحها العلماء للمصالح العامة). 1 - شفشاون: مدينة بشمال المغرب وهي بلد صغير في الشمال الغربي "لمراكش" على مسيرة 35 ميلاً جنوبي تطوان، يقوم عند سفح جبل سيدي (بوحاجة) وهو طفف من كتلة "بوهاشم" الجبلية على رافد من روافد "وادي لو"، وتدخل شفشاون الآن في منازل قبيلة الأخماس وإن كانت الحال جرت أن تتع "بني زجل" وهي قبيلة من فرع "غمارة" وشفشاون عند العامة "شاون"، وأصل الاسم هو صيغة الجمع البربرية "أشفشاون". وجاء في تقييد القاضي العلاّمة محمد الصادق الريوني: "شفشاون" كلمة بربرية معناها محل صالح للجهاد. (عبد القادر العافية- لمحات تاريخيّة عن مدينة شفشاون، أنظر مجلة دعوة الحق: 5/ 115، يونيو، لسنة 1977). 2 - قال (المصنف)، (قال سيدى العربي الفاسي ما ذكره ابن النعيم رحمه الله شاهدنا الحكم به عام قدوم الخليفة أبي العباس المنصور حضرة فاس وقد انحشر الناس إلى الشكوى بالمظالم وكان يحضر مجلسه أي: مجلس الخليفة للحكم فيها علماء "فاس" كشيخنا المذكور وشيخنا المفتي سيدي محمد القصار، وشيخنا سيدي علي بن عمران، وعلماء "مراكش" وقاضي مراكش وقاضي شفشاون، فكان الحكم يصدر على الوجه المذكور). (البهجة في شرح التحفة: 2/ 349، "في دعوى الغصب والتعدّي") حيث عزاه إلى ناظم العمل في شرحه لنظمه). 3 - هو: أبو عبد الله، محمد بن سعيد الأندلسي، الفاسي، الرعيني، المحدث، العالم، الرحالة، له نظم وتصانيف منها "المغرب في جملة من صلحاء المشرق والمغرب"، و"اختصار المقدمات" لابن رشد، و"الأسئلة والأجوبة" و"الاعتماد في الجهاد". مات (سنة 778هـ) (مخلوف- شجرة النور: 236، الكتاني- فهرس الفهارس:1/ 326، الزركلي- الأعلام: 6/ 139). 4 - في "ب"و"ج" (إليه). 5 - ساقطة من "الأصل".

تلصّصه (ولا) 1 تعدّيه باقرار (أو بيّنة) 2، كما يأتي عن عمر- رضي الله عنه- وهو كذلك. سئل الإمام "الحفار" 3 - حسبما في "المعيار"-: عن الدعوى على المعروف، بالظلم يعني: كقبائل الزمان؟ [19/ب] فقال: (إنّ من عرف بالتعدّي والظلم، قال الفقهاء: (ينغلب) 4 الحكم في حقه، فمن ادّعى على من هذه حالته 5، فيحلف هذا الطالب، ويستحق ما طلب) 6 اهـ. ونقل الرعيني مثله عن مالك 7، وقال: (إنّ مثل هذا وقع في زمان عمر-

_ 1 - ساقطة من "الأصل". 2 - في "ب"و"ج"و"د" (ولا ببيّنة). 3 - أبو عبد الله، محمد بن علي شهر بالحفار، الأنصاري، إمام غرناطة ومحدثها ومفتيها، الشيخ المعمر ملحق الأحفاد بالأجداد الفقيه العلاّمة. أخذ عن "ابن لب" وغيره، وعنه: خلق كابن سراج وأبي بكر بن عاصم، له فتاوى نقل بعضها في المعيار، (مات سنة 811هـ). أنظر: مخلوف- شجرة النور: 247. 4 - في "الأصل" (يغلب) وكذلك في "بر" وما أثبتناه من "ب"، وقد ثبت في النص الأصلي في المعيار: 5/ 244 - 245. 5 - في "ب"و"ج" (حاله). 6 - أنظر هذه المسألة في المعيار للونشريسي: 5/ 244 - 245، "في ذمي استظهر على مسلم برسوم، وادّعى المسلم قضاء ما فيها"، حيث كان قول الإمام الحفار هنا في الأصل جواباً عن سؤال مضمونه: أن رجلاً من يهود الذمّة استظهر على رجل من المسملين بثلاثة رسوم، وذكر أنه بقيت لهم من كل واحد منها بقيّة وطلبه بها، فادعى المسلم المذكور أنه خلّصه من الرسوم المذكورة، فهل يكون القول قول الغريم، أو لا يلتفت إلى قوله إلاّ ببيّنة؟. وأوردها أيضاً- السجلماسي في "شرحه لنظم عمل فاس": 2/ 138. ونقلها- أيضاً- المصنف في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 350، "في دعوى الغصب والتعدّي". 7 - قال السجلماسي: (ذكره الرعيني في كتاب "الدعوى والإنكار في ترجمة القضاء في أهل الغصب والتعدّي، ومن يعرف باستحلال الحرام" ونصّه: قال مالك: فيمن دخل عليه السراق، فسرقوا متاعه وانتهبوا ماله، وأرادوا قتله فنازعهم وحاربهم، ثم ادعي أنه يعرفهم أو لم يعرفهم أهو مصدق عليهم إذا كانوا معروفين بالسرقة مستحلّين لها؟ أو ترو أن يكلف البيّنة، قال: هو مصدق عليهم). ("شرح نظم عمل فاس": 2/ 138 - 139). ونقله أيضاً المصنف في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 349 - 350 "في دعوى الغصب".

رضي الله عنه- في سرّاق دخلوا على شخص، وانتهبوا ماله، فرفعهم إلى عمر، فأغرمهم عمر- رضي الله عنه- بمجرد دعواه عليهم، ونكّلهم 1 عقوبة موجعة) 2 اهـ. فما جرى به العمل له 3 مستند صحيح، وقد تكفّل شارحه بنقول كثيرة تشهد له بل لو لم يكن في وجوب إغرامهم إلاّ سدّ الذرائع لكان كافياً، فضلاً عن كونهم متّهمين- كقبائل الزمان ونحوهم- على أنّ تلك النقول كلها دائرة بين سدّ الذريعة وبين قوة التهمة- على ما مرّ في الفصل الثالث- وذلك كلّه مراعاة للمصلحة العامة. وأمّا قول الرباطي 4 - في شرحه للعمل المذكور-: (لا بدّ من ثبوت التلصّص 5 والتعدّي بإقرار أو ببيّنة) 6. كما هي مسألة العتبيّة: (من أنّ الغاصب، اختطف صرّة لم يعرف قدر ما فيها بمعاينة البيّنة، أو بإقرار الغاصب، أنّ القول للمغصوب منه في قدر ما فيها) 7.

_ 1 - أي: جعلهم نكالاً وعبرة لغيرهم، وأصابهم بنازلة، وصنع بهم يحذر غيرهم. (الرازي- الصحاح: 338، البستاني- فاكهة البستان: 1507). 2 - أورده السجلماسي في "شرحه لنظم عمل فاس": 2/ 138 - 139. 3 - ساقطة من "ب". 4 - هو: أبو زيد محمد بن قاسم السجلماسي الرباطي البوجعدي: فقيه مالكي، سجلماسي الأصل، أقام بالرباط للتدريس بها وقراءة البخاري، له تآليف، منها: "فتح الجليل الصمد في شرح التكميل والمعتمد" يعرف بشرح العمل المطلق، وهو شرح أرجوزة له في الفقه، و"شرح نظم العمل للفاسي". مات (سنة 1214هـ). (الزركلي- الأعلام: 7/ 8). 5 - أي تكرار السرقة، وتستعمل للتجسس. (المعجم الوسيط: 2/ 831). 6 - أنظر السجلماسي في "شرحه لنظم عمل فاس": 2/ 141. 7 - أنظر "العتبية": 11/ 232، حيث كان جواباً عن سؤال وجّه للإمام مالك عن رجل انتهب من رجل مالاً في صرّة في يده والناس ينظرون إليه، قد رأوها قبل ذلك في يد صاحبها، فطلب، فطرحها مطرحاً لم توجد، فادّعى صاحبها عدداً وكذبه الآخر ولم يفتحها ولم يدر كم هي؟. قال مالك: (إذا اختلفا في العدد فاليمين على المنتهب، ومطرف وابن كنانة يقولان في هذا وشبهه: القول قول المنتهب منه، إذا ادّعى ما يشبه، وأن مثله يملكه. =

فليست هي المقصودة بالعمل المذكور، وحمله عليها بعيد من ظاهره وإطلاقه، ومن تعليلهم بالمصلحة العامة. وما قاله أبو الحسن الزرويلي 1، وابن هلال 2: (من أنّ ما للرعيني، خلاف الأصول 3 ... (إلخ) - لا يقدّم في العمل المذكور.

_ = قال محمد بن رشد- في شرحه لهذه المسألة-: (قول مالك هو القياس، لقول النبي عليه السلام "البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر" فالقول قول المنتهب مع يمينه، أنه لم يكن فيها أكثر من كذا وكذا، إذ حقّق أنه لم يكن فيها أكثر من ذلك، وان لم يدع معرفة عدد ما فيها، وذلك إذا أتى بما يشبه، فإن أتى بما لا يشبه، لم يكن له إلاّ ما أقر به المنتهب، وأما قول مطرف وابن كنانة، فانه استحسان، ووجهه ان عداء المنتهب وظلمه قد ظهر، فوجب ان يسقط حقه، في أن يكون القول قوله، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ليس لعرق ظالم حق والظالم أحق من حمل عليه). 1 - هو: أبو الحسن علي بن محمد الزرويلي، المعروف: بالصغير، الفقيه، القاضي، المفتي، المغربي، الحافظ، تولّى القضاء والتدريس بفاس في عهد السلطان "أبو الربيع"، ومن كتبه: "التقييد على المدونة- خ" خمسة أجزاء في الصادقية بتونس، باسم "شرح تهذيب المدونة" في الفقه المالكي، و"الفتاوى والتقييدات"، وسيأتي أن المراد بها "الأجوبة" كما أوردها المصنف- مات (سنة 719هـ). (ابن فرحون- الديباج: 212، السلاوي- الاستقصا: 2/ 49، 87، مخلوف- شجرة النور: 215، الزركلي- الأعلام: 4/ 334). 2 - هو: أبو العباس، أحمد بن عمر بن هلال الربعي: الفقيه المالكي، المفتي كان ماهراً في الأصول، حسن الخط، قال ابن فرحرن: (كان كثير العزلة عن أهل المناصب، بل عن الناس ما عدا خواص طلبته)، من كتبه: "شرح جامع الأمهات" لابن حاجب في الفقه، و"ناضرة العين"، و"الفتح القدسي في تفسير آية الكرسي". مات (سنة 795هـ). (ابن فرحون- الديباج: 82، ابن حجر- الذرر الكامنة: 4/ 232، الزركلي- الأعلام: 1/ 187). 3 - نقله السجلماسي في "شرحه لنظم عمل فاس": 2/ 141، حيث كان جواباً عن سؤال وجّه لابن هلال، في مسألة: المشتهر بقطع الطريق يدعي عليه رجل: انه تلصّص عليه وأخذ له مالاً ولا شاهد له إلاّ بالسماع، هل يحلف المدعي ويستحق، أو يحلف اللّص ويبرأ؟ فقال- في جوابه عن هذه المسألة- ما نصّه: (وأما المدعى عليه أخذ المال بالتلصّص، وهو معروف بذلك مشهور، فليس عليه إلاّ اليمين إذا أنكر ولم تقم عليه بيّنة، ولا أعلم في ذلك خلافاً، وما للرعيني فيمن كان معروفاً بأخذ أموال الناس والاغارة عليهم فادّعى عليه رجل أنه أخذ له مالاً أنه مصدق مع يمينه، ويأخذ ما ادّعى عليه، قال "الزرويلي": "هو خلاف الأصول"، وإنما =

إذ ما قالاه: من مخالفته للأصول) إنما هو: جار على المشهور، وقد قالوا: (كم من مسألة جرى فيها العمل بخلاف المشهور)، وهذا العمل حدث بعد زمان أبي الحسن، وابن هلال، كما هو ظاهر، والله أعلم. (وأيضاً 1 فإنه وإنْ كان الأصل عدم العداء والظلم، لكن لما كثر كل منهما في هذا الزمان وغلب، أجروا الأحكام على مقتضى الغالب، وحملوا الناس عليه، لئلاّ تضيع الحقوق، لأنّ الأصل والغالب إذا تعارضا فالحكم للغالب، لقوله تعالى: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} 2 أي: احكم به. ولذا قال أبو الحسن في "أجوبته" 3 - في مسألة: من رفع شخصاً بحاكم جائر فأغرمه مالاً، يجب عليه، بعد أن حكى فيها قولين- ما نصّه: (وهذا وقد كان الحاكم يحكم بحق تارة، وبالباطل أخرى، وأمّا الآن فالحاكم لا يحكم إلاّ بالباطل،

_ = خلاف "مطرف" و"ابن كنانة" و"أشهب" فيمن علم بالتلصّص". وأشار الزرويلي إلى أنه لا يؤخذ من قولهم ما يقوله بعض الناس: المسلوب مع بمينه، قال: لأن قولهم ذلك إذا علم بالتلصّص برؤية الناس). ثم قال السجلماسي: (قلت عبارة الشيخ أبي الحسن الزرويلي في المعنى الذي ذكر أنه أشار إليه، هو قوله:- ما نصّه- "وانظر مثلاً" يؤخذ من قول "ابن كنانة" و"مطرف" و"أشهب" ما يقوله بعض الناس: "المسلوب مع يمينه" والذي يظهر: أنه لا يؤخذ منه، لأن مسألة "العتبية" فيها: وناس ينظرون إليه، وأما المسلوب فلم يعاين أحد ما أخذ له). 1 - من هنا إلى آخر ....... قوله: "أن الحكم للغالب كما رأيت" "ساقط" من "الأصل"، والإضافة من"ب" و"ج" و"د". 2 - سورة الأعراف / آية 199، وهي: جزء من قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}. 3 - هي: "الفتاوى والتقييدات" لأبي الحسن الزرويلي. وهذه الفتاوى قيّدها عنه تلاميذه، وقال "الزركلي": (ومن لطيف ما رأيت "كتاب: الدر النير على أجوبة أبو الحسن الصغير" لقاضي سجلماسة ابراهم ابن هلال، طبع بفاس (سنة 133هـ) وفي نهاية النسخة التي رأيتها ورقة مخطوطة حديثة عنوانها: "فهرست الدرّ النير على أجوبة أبو الحسن الصغير" فكأن كاتبها تعمّد ابراز النص على أنه يكبر ويصغر). (الزركلي- الأعلام: 4/ 334).

فلا ينبغي أنْ يختلف في أنّه يغرم ما خسره) 1، وسلّمه ابن هلال. فأنت تراه حمل الحكّام على الظلم والتعدّي، حيث غلب منهم ذلك، وأوجب على الشاكي الغرامة وإنْ كان الأصل عدم العداء. ونحوه: لسيدي مصباح 2 - حسبما في المعيار- حيث قال: (إذا تقرّر العرف في ولاة الظلم وأجنادهم، بغرم المال ممّن أخذوه ظلماً، كان القول للمأخوذ منه فيما 3 ادّعى أنّه غرمه، وفي قدره، لأنّ العرف شاهد لمدّعيه يقوم مقام الشاهد الناطق) 4 باختصار. وقبائل الزمان، ومردة حواضرهم كذلك، لما كثر منهم العداء وغلب، كان القول للمنهوب والمغصوب، (و) 5 لكن فيما يشبه أن يملكه فقط. وإذا تقرّر هذا علمت: أنّ ما جرى به العمل، له مستند صحيح، وأصل أصيل فى الشريعة، وهذا العمل حدث بعد زمان أبي الحسن، وابن هلال، ولو كانت القبائل في زمانهما على ما هم عليه، وقت جريان العمل المذكور ما وسعهما أنْ يقولا بمخالفته للأصول، لاعترافهما بأنّ الحكم للغالب كما رأيت. وبما تقدّم عن التبصرة، والقرافي في الفصل الأول، وعن القرافي في هذا الفصل: يتبيّن لكم- أيّدكم الله! - عدم العمل على ما في "البيان" عن "مالك" 6. [20/أ]

_ 1 - نقله المصنف في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 350 - 351. 2 - هو: أبو الضياء، مصباح بن عبد الله اليالصوني: الشيخ الفقيه المالكي، الحافظ، العالم، تنسب إليه المدرسة "المصباحية". مات بمدبنة فاس (سنة 750هـ). (وفيات الونشريسي: 119، ولقط الفرائد من لفاظة حقق الفوائد: 203، في كتاب: ألف سنة من الوفيات). 3 - في "ب" (ممّا). 4 - نقله المصنف في "البهجة في شرح التحفة": 2/ 351. 5 - الواو ساقطة من "ج". 6 - أنظر ما أورده ابن رشد عن الإمام مالك في "بيانه" في "الفصل الخامس": 158.

ونقله في التبصرة 1، فقيل له 2: (أيكره للسلطان أنْ يأخذ الناس بالتهمة فيخلوا ببعضهم، ويقول له: الأمان عليك، فأخبرني: فيخبره؟. فقال: إنّي- والله- لأكره ذلك، أنْ يقوله لهم، (ويغرّهم) 3، وهو وجه الخديعة). قال "ابن رشد": (وجه الكراهة: أنّه إذا قال له ذلك، فهو من نوع الإكراه على الإخبار، ولعلّه يخبره بالباطل لينجو من عقابه، فإقراره على نفسه من باب الإقرار تحت الوعيد، والتهديد لا يلزمه) 4 اهـ. لأنّ هذا الذي كرّهه الإمام مالك- في هذه الرواية- مخالف لما ورد: "أنّه- عليه الصلاة والسلام- لقى رجلاً، فاتّهمه: أنّه جاسوس، فعاقبه، حتى أقرّ" كما تقدّم عن "القرافي". ومخالف لما مرّ عنه 5 في كلام التحفة، حيث قال ناظمها: (وإنْ يكن مطالباً من يتهم … فما لك بالسجن والضرب حكم وحكموا بصحة الاقرار … من ذاعر 6 يحبس للاختبار) 7 ومخالف لما مرّ عن القرافي، والتبصرة. لأنّ ماكرّهه الإمام- أي مالك-: هو من باب السياسة، والعمل بها

_ 1 - أنظر ابن فرحون- التبصرة: 2/ 114، "في أحكام القضاء بالسياسة الشرعية". 2 - أي: الإمام مالك. 3 - في "الأصل" (ويغرمهم) وفي "ب" (ولغيرهم) وكلاهما تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ج" كما هو ثابت في "التبصرة لابن فرحون ". 4 - نقله ابن فرحون في "التبصرة": 2/ 114. 5 - أي: عن الإمام مالك. 6 - "الذاعر" المفزع والمخيف وهو الزاني الفاسق السارق (التُّسولي- البهجة في شرح التحفة: 2/ 363). 7 - أنظر المصنف في "البهجة في شرح التحفة لابن عاصم": 2/ 363، فصل: "في دعوى السرقة".

مشروع، لكثرة الفساد وإنتشاره- كما مر- ومن السياسة في استجلاب إقرار المتهم، ما ورد: أن عليًّا- رضي الله عنه- شكى إليه شاب، بنفر من الناس، فقال: إنّ هؤلاء خرجوا مع أبي في سفر، فعادوا ولم يعد أبي، فسألتهم عنه؟ فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله؟ فقالوا: ما ترك شيئاً- وكان معه مال كثير- فارتفعنا إلى القاضي، فاستحلفهم، وخلّى سبيلهم. فدعا عليّ- رضي الله عنه- بأعوانه: فوكّل بكل رجل منهم رجلين، وأوصاهم 1 أنْ لا يمكنوا بعضهم يدنوا من بعض، ولا يمكّنون أحداً يكلّمهم، ودعا كاتبه، ودعا أحدهم، فقال له: أخبرني عن أبي هذا الفتى، في أيّ يوم خرج معكم؟ وفي أي منزل نزل معكم 3 وكيف كان سيركم 3 وبأيّ علّة مات؟ وكيف أصيب لماله 2؟، وسأله: عمن غسله، ودفنه؟ ومن تولّ الصلاة عليه؟ وأين دفن؟، والكاتب يكتب. ثم كبّر علي- رضي الله عنه- وكبّر الحاضرون معه، والباقي من التهمين، لا علم لهم، عن ماذا يسأل صاحبهم، وماذا يقول!، إلاّ أنّهم ظنّوا: أنّ صاحبهم قد أقرّ عليهم، لكونهم ينظرون إليه، ولا يسمعون كلامه. ثم دعا الآخر بعد أنْ غيب الأول عن مجلسه، ثم سأله كما سأل صاحبه، ثم غيّبه، وطلب الآخر وسأله، والكاتب يكتب، كل ذلك حتى عرف ما عند الجميع، فوجد كل واحد يخبر بضدّ ما أخبر به صاحبه، (ثم أمر بردّ الأول، وقال له: يا عدوّ الله!: قد عرفت غدرك وكذبك ممّا سمعت من أصحابك، ولا ينجيك من العقوبة إلاّ الصدق) 3 ثم أمر به إلى السجن، وكبّر وكبّر الحاضرون. فلما أبصر الباقي من المتهمين حاله، لم يشكوا أنّ صاحبهم قد أقرّ عليهم، ثم

_ 1 - في "الأصل" (وأوصى). 2 - في "ب" (ماله). 3 - ساقطة من "ج".

دعا آخر منهم: فهدّده، فقال: والله- يا أمير المؤمنين- لقد كنت كارهاً لما صنعوا، ثم دعا الجميع: فأقرّوا بالقصة، واستدعى الأول، وقيل له: لقد أقرّ أصحابك، ولا ينجيك سوى الصدق، فأقرّ بما أقرّ به أصحابه، فأغرمهم المال، واستقاد منهم بالقتل" 1 اهـ. فتدبّرا- أيّدكم الله! - في هذه القصة، ففيها دليل- لما مرّ- أنّ والي الجرائم لا يرفع المتهمين إلى القضاة،- كما مرّ عن القرافي- الا ترى كيف استحلفهم القاضي- في هذه القصة- وأرسلهم، وتولّى علي- رضي الله عنه- الفصل بينهم، حتى استجلب إقرارهم!. وفيها دليل لكون المتهم يهدّد بالسجن وغيره، ويعرف عند استجلاب إقراره. وفيها ردّ لما حكاه في "البيان" عن مالك: من الكراهة لذلك، كما مرّ. وبتمام هذه الستة فصول، وإجراء الأحكام على ما اشتملت عليه من الأصول: ينزجر الظالم الجسور، وبإهمالها: تهتك الستور ويستولي [21/أ] على الإسلام العدوّ الكفور، وبتأملها يعلم حكم الله في الفريقين اللّذين أشرتم لهما في السؤال، والله أعلم.

_ 1 - أخرجه البيهفي في "سننه": 10/ 104، "كتاب آداب القاضي"، "باب التثبت في الحكم".

الفصل السابع

الفصل السابع في حرمة ترك الإمام الرعية على ما هم عليه، وكيفيّة سيرته مع رعيته، ومع العمّال لديه ــــــــــــــــــــــــــــــ اعلم: أنّ قولكم- أيدكم الله! - في السؤال: (أم يتركون على حالهم ... الخ؟) إنّ الترك: مما لا يحلّ كتابا، وسنة، وإجماعاً، بل الواجب: أن تجرى عليهم أحكام الفصول السابقة، ولا يتركون على ما هم عليه بحال. قال القرافي وغيره: (فما أباح الله العرض بالقذف والسب قط، ولا أباح الأموال بالغضب والسرقة قط، ولا الأنساب بإباحة الزنا قط، ولا العقول بإباحة المفسدات لها قط، ولا النفوس والأعضاء بإباحة القتل والقطع بغير حق قط، ولا الايمان بإباحة الكفر وانتهاك حرمة الحرمات قط) اهـ كلامه- رحمه الله-. وقد علمتم: أنّه ما نصب الولاة والأئمة إلاّ لزجر من إرتكب من الرعية شيئاً من هذه الأمور، وذلك فرض عين عليهم، فإذا تركوا الرعية على ما هم عليه من المناكر- من نقل الأخبار، ومبايعة الكفار، أو غصب الأموال، ونحو ذلك ممّا مرّ- فقد أخلوا 1 بما فرض الله عليهم، فيفضي ذلك: إلى هدم الإسلام، وكشف العدوّ عن الوطن اللثّام، وفساد الكفر لا يعد له فساد، فيلحق حينئذ الأئمّة ذلك الوعيد المتقدم- في الفصل الثاني والسادس- لأنهم بتركهم زجر الرعية عن المناكر، قد أحبوا أن يعصى الله في أرضه ورضوا بذلك. وقد قال العلماء- رضي الله عنهم-: (من ترك أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من

_ 1 - تركوا، يقال (أخلّ الرجل بمركزه تركه). (الرازي- مختار الصحاح: 1146).

الولاة: تجري على أحكام تخالف أحكام الكتاب والسنة، فقد غشّها). [21/ب] وقد قال- عليه الصلاة والسلام-: "من غشّ أمتى، فعليه: لعنة الله " 1. وقال أبو طالب المكي 2 - رضي الله عنه- في "القوت": (روينا عن ابن عباس- رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: لله- عزّ وجلّ- ثلاثة أملاك: ملك على ظهر بيت الله الحرام، وملك على مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وملك على ظهر بيت المقدس، ينادون ككل يوم يقولى الملك الذي على ظهر بيت الله- سبحانه-: من ضيّع فرائض الله خرج من أمان الله، ويقول الملك الذي على مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من خالف سنّة رسول الله لم تنله الشفاعة، ويقول الملك الذي على ظهر بيت المقدس: من أحلّ حراماً لم يقبل منه صرف ولا عدل) 3 اهـ.

_ 1 - ورده الغزالي في "إحياء علوم الدين": 1/ 81 "كتاب آفات العلم" بزيادة: "لعنه الله والملائكة والناس أجمعين، قيل: يا رسول الله: وما غش أمتك؟ قال: أن يبتدع بدعة يحمل الناس عليها"، وقال العراقي في تخريجه: (أخرجه الدارقطني في "الأفراد" من حديث "انس" بسند ضعيف جداً). 2 - هو: أبو طالب، محمد بن علي بن عطية الحارثي، المكي، الواعظ، الزاهد، الفقيه، نشأ بمكة، ثم رحل إلى البصرة فاتهم بالاعتزال، حفظ عنه الناس أقوالاً هجروه من أجلها. وكتابه هذا: "قوت القلوب في معاملة المحبوب، ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد" في التصوّف، وقد طبع في مجلدين، قال الخطيب البغدادى: (ذكر فيه أشياء منكرة مستشنعة في الصفات) وقال حاجي خليفة: (انهم قالوا: لم يصنف مثله في دقائق الطريقة ولمؤلفه كلام في هذه العلوم لم يسبق إلى مثله، واختصره الشيخ الإمام: محمد بن خلف الأموي الأندلسي (ت 485هـ)، وسمّاه: "الوصول إلى الغرض المطلوب من جواهر قوت القلوب"). ومن كتبه- أيضاً- "علم القلوب" و"أربعون حديثاً" أخرجها لنفسه، مات لبغداد (سنة 386هـ). (البغدادي- تاريخ بغداد: 3/ 89، ابن خلكان- وفيات الأعيان: 1/ 491، الذهبي- ميزان الاعتدال: 3/ 107، حاجي خليفة- كشف الظنون: 2/ 1361، الزركلي- الأعلام: 6/ 274). 3 - لقد بحثت عنه بحثاً مضنيًّا في "كتاب قوت القلوب" فلم أقف عليه جملة واحدة- كما أورده المصنف هنا- وإنما وقفت عليه متفرقاً في ثلاثة مواضيع وهي: أولاً: 2/ 68، "الفصل الثالث والثلاثون: ذكر فرائض التوبة وشرح فضائلها" بلفظ: "من =

وهذه الثلاثة كلها لاحقة للإمام: لأنّه إذا أهمل الرعية، فقد ترك ما فرض الله عليه: من زجرها، وإذا تركها تخالف 1 سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تنله شفاعته لأنه مكلف بها، وإذا تركها تستحل المحرمات، فقد أحلّها لها، فكيف: يسع الإمام أن يضيّع ما فرض الله عليه من زجر رعيّته عن هذه المناكر، فيخرج من أمان الله، ولم تنله شفاعة رسول الله، وتلحقه لعنة الله!. وروى مسلم في صحيحه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: (ما من امرىء يلي أمر المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح، إلاّ ولم يدخل معهم الجنة" 2. وقال- عليه الصلاة والسلام-: "كلكم راع، وكل راع مسؤول عن رعيّته، فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيّته، والرجل راع على أهل بيته،

_ = ضيّع فرائض الله- عز وجل- خرج من أمانة الله". ثانيا: 2/ 58 "باب: تفضيل علم الايمان واليقين على سائر العلوم والتحذير من الزلل فيه"، بلفظ: "ان الله تعالى ملكاً ينادي كل يوم: من خالف سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تناله شفاعته". ثالثاً: 4/ 218، "كتاب: تفصيل الحلال والحرام" بلفظ "ان لله- عزّ وجلّ- ملكاً على بيت المقدس ينادي في كل ليلة من أكل حراماً لم يقبل منه صرف ولا عدل". وأورده- أيضاً- السيوطي "في اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة": 1/ 92" كتاب المبتدأ"، عن عبد الله مرفوعا، وقال: (قال الخطيب: هذا منكر، ورجاله ثقات معروفون سوى البصري وابن رجاء فإنهما مجهولان قلت: قال في الميزان: هذا خبر كذب، والله أعلم). وابن عراق الكناني "في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة": 1/ 170 "كتاب المبتدأ". وقال: (رواه الخطيب من حديث عبد الله بن مسعود، وقال: منكر ورجاله ثقات، سوى أحمد بن رجاء بن عبيدة، ومحمد بن إسحاق البصري فمجهولان). والشوكاني "في الفوائد المجموعة في الأحاديث المرفوعة": 465، "كتاب: الايمان" وأورد ما أورده السيوطي وابن عراق عن: الخطيب. 1 - في "ب" (خالف) وهو خطأ. 2 - أخرجه مسلم في "صحيحه": 1/ 126، "كتاب: الايمان" "باب: إستحقاق الوالي الغاش لرعيته النار"، 3/ 1460 "كتاب: الإمارة" "باب: فضيلة الإمام العادل". وأورده المتّقي الهندي في "منتخب كنز العمال": 2/ 135، وعزاه لمسلم.

وهو مسؤول عن رعيّته، وعبد الرجل راع على مال سيّده، وهو مسؤول عنه " 1. قال الإمام أبو بكر الطرطوشي 2 - رحمه الله-: (جعل 3 - صلى الله عليه وسلم -[22/أ]: "كل ناظر في حق غيره راعياً") 4. وفي شرح الموطأ 5: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من إسترعاه الله رعيّته،

_ 1 - أخرجه البخاري في "صحيحه" أنظر: "فتح الباري في شرح صحيح البخاري": 5/ 180 "كتاب: العتق" "باب: العبد راع في مال سيّده" عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر. وكذلك: 9/ 299 "كتاب النكاح" "باب: المرأة راعية في بيت زوجها" عن نافع عن ابن عمر. وأحمد في "مسنده": 2/ 5. والهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد": 5/ 207 "كتاب: الخلاف" "باب: كلكم راع ومسؤول" عن أنس بن مالك، وقال فيه: (رواه الطبراني في الصغير والأوسط باسنادي الأوسط، ورجاله رجال الصحيح). وأورده، الطرطوشي في "سراجه": 40 "باب: فيما جاء في الولاة والقضاة". 2 - هو: أبو بكر، محمد بن الوليد بن خلف بن سليمان بن أيوب: القرشي الفهري الأندلسي الطرطوشي، الفقيه المالكي الزاهد، المعروف: بابن أبي رندقة، صحب أبا الوليد الباجي بمدينة "سرقسطة"، وكان إماماً عالماً عاملاً ورعاً متواضعاً متقلّلاً من الدنيا راضيأمنها باليسير، ومن كتبه: "سراج الملوك- ط" و"كتاب كبير عارض به إحياء علوم الدين للغزالي" و"بر الوالدين" و"الفتن" وغيرها. مات (سنة 520هـ). (ابن خلكان- وفيات:1/ 479، ابن فرحون- الديباج: 276، الزركلي- الأعلام: 7/ 133 - 134). 3 - في "ب" (جعل رسول الله). 4 - أنظر: الطرطوشي- سراج الملوك: 40 "فيما جاء في الولاة والقضاة وما في ذلك من الضرر والحظر"، بعدما أورد حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ... الحديث". 5 - "الموطأ" للإمام مالك بن أنس الاصبحي، تقدم في: 168، وقد قام بشرحه كثير من العلماء منهم: ابن حبيب المالكي (ت 239هـ)، وأبو الوليد الباجي (ت 474هـ)، وسماه المنتقى في سبع مجلدات، ومحمد النحوي البطليوسي (ت 521هـ)، وأبو بكر ابن العربي (ت 546هـ) وسماه القبس، والسيوطى، وسمّاه "كشف المغطى في شرح الموطأ"، (حاجي خليفة- كشف الظنون: 1/ 1907 - 1908).

فليحفظها يالنصيحة، وإن لم يحفظها بالنصيحة لم يرح رائحة الجنة" 1 اهـ. وإنّما لم يرح رائحة الجنة: لأنّه إذا لم ينصحها فقد غشّها، حيث تركها على ما هي عليه من مخالفة الكتاب والسنة. ولمّا حجّ هارون الرشيد 2، لقيّه عبد الله العمري 3 - في الطوّاف- فقال: "يا هارون!، فقال: لبيك يا عمري، قال: كم ترى ما هنا من خلق؟ قال: لا يحصيهم إلاّ الله- سبحانه- فقال: إعلم أيها الرجل: أنّ كل واحد منهم يسأل عن خاصة نفسه، وأنت وحدك مسؤول عنهم كلهم، فانظر: كيف تكون! فبكى هارون، فجعلوا يعطونه منديلاً للدموع، ثم قال: والله إن الرجل ليسرع في مال نفسه فيستحق الحجر عليه، بمن أسرع في مال

_ 1 - أخرجه البخاري في "صحيحه": أنظر: "فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر": 13/ 126 - 127، "كتاب: الأحكام" "باب: من استرعى رعية فلم ينصح" عن الحسن عن معقل بن يسار، نحوه. ومسلم في "صحيحه": 1/ 126 "كتاب الأيمان"، "باب: إستحقاق الوالي الغاش لرعيته النار"، 3/ 1460 "كتاب الإمارة" "باب: فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية". وأحمد في "مسنده": 5/ 27، نحوه. وأورده الطرطوشي في "سراجه": 40 "فيما جاء في الولاة والقضاة". 2 - أبو جعفر، هارون الرشيد ابن محمد المهدي ابن المنصور العبّاسي، خامس خلفاء الدولة العبّاسية في العراق، ولد بالريّ، ونشأ في دار الخلافة ببغداد، وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي (سنة 170هـ) فقام بأعبائها وازدهرت الدولة في أيامه، وكان عالماً بالأدب، وأخبار العرب، والحديث والفقه، فصيحاً، كان يحج سنة ويغزو سنة، ولم يجتمع على باب خليفة ما اجتمع على بابه من العلماء والشعراء والكتّاب. مات (سنة 193هـ). (البغدادي- تاريخ بغداد: 14/ 5، ابن الأثير- الكامل: 6/ 69، ابن كثير- البداية والنهاية: 10/ 213، البكري- تاريخ الخميس: 2/ 331، الزركلي- الأعلام: 8/ 62). 3 - هو أبو عبد الرحمن، عبد الله بن عمر بن عاصم العمري المدني أخو عبيد الله بن عمر، روى عن نافع، وجماعة، وكان محدِّثاً صالحاً، قال ابن الأهدل: (كان آية في العلم غاية في العبادة). مات (سنة 171هـ). (ابن الجوزي- صفة الصفوة: 1/ 563 - 582، ابن العماد الحنبلي- شذرات الذهب: 1/ 279).

المسلمين! " 1 اهـ بنقل الطرطوشي المذكور. وإذا علمتم هذا: تبيّن لكم: أنّ ليس للراعي أن يدّخر عمّن استرعى عليهم نصحاً، ولا أنّ يهمل في تدبيرهم ما يثمر نجحاً، فيجب عليه: أن يزجرهم عمّا هم عليه، ويردّهم إلى معالم الدين وأن يحرضهم على فعل ما أمروا به، وترك ما نهوا عنه من العناد التحريض المبين، إذ أحسن ما صرفت إليه الوجوه، واستدفع به الخبث والمكروه، العمل بالكتاب والسنة والآيات المتلوّة المحكمة، وردع اليد الظالمة من عامل أو غيره، فينصف 2 للرعية من العمّال، كما ينتصف لهم من بعضهم بعضاً، ويرد لهم البال 3. قال- تعالى-: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}. قال الإمام الطرطوشي- المتقدم-: (يعني لولا أنّ الله- تعالى-: أقام السلطان في الأرض لا يدفع القوي عن الضعيف، [22/ب] وينتصف المظلوم من الظالم، لأهلك القوي الضعيف، وتواثب الخلق بعضهم على بعض، ولا ينتظم لهم حال، ولا (يستقر) 4 لهم 5 قرار، فتفسد الأرض ومن عليها. ثم امتنّ الله على الخلق بإقامة السلطان، فقال: {وَلَكِنَّ اللَّة ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} 6 يعني: في إقامة السلطان، فيأمن الناس، ويكون فضله على الظالم كفّ يده، وفضله على المظلوم أمانه، وكفّ يد الظالم عنه 7.

_ 1 - نقله الطرطوشي في "سراج الملوك": 34 "باب في مقامات العلماء والصالحين عند الأمراء والسلاطين"، 47. "باب في أن السلطان مع رعيته مغبون غير غابن ". والشيخ أحمد المرنيسي في "جوابه عن حكم المال الذي يفرض على المسلمين لدفعه إلى الأعداء مقابل الصلح": 8. وابن عماد الحنبلي في "شذرات الذهب": 1/ 279 - 280. 2 - في "ج" (فينتصف). 3 - البال: الحال التي تكترث لها، والشأن، يقال: "أمر ذو بال" شريف يحتفل له ويهتم به. (المعجم الوسيط: 1/ 87، البستاني- فاكهة البستان: 128). 4 - في جميع النسح (يستقيم) وما أثبتناه قد ثبت في "سراج الملوك" للطرطوشي. 5 - ساقطة من "ب". 6 - سورة البقرة / آية 251. 7 - أنظر: الطرطوشي- سراج الملوك: 47"باب في فضل الولاة والقضاة إذا عدلوا.

قال 1: (ولذا قال العلماء: "مثل الرعية مع السلطان، كالطباخ مع الآكلة، عليه العناء ولهم الهناء، وعليه الحار ولهم القار 2") 3. فحقيق على كل رعيّة: أن ترغب إلى الله في صلاح السلطان، وأن تبذل له نصحها) 4. وقالوا أيضاً: "مثله معهم، كيتامى لهم ديون قد عجزوا عن قبضها إلاّ بوكيل، فالمظلوم من الرعية هو اليتيم، والظالم منهم هو المدين، والوكيل هو السلطان. فإن استوفى الوكيل الدين بلا زيادة ولا نقصان، وأداه إلى اليتامى بحسب ما يجب لكل، فقد بريء من القوم، ولم تبق عليه تباعة للميدان ولا لليتيم، وحصل الأجر مرتين: أجر القبض، وأجر الدفع، ودخل في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّة يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} 5 وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "المقسطون على منابر من نور يوم القيامة" 6

_ 1 - أي: الطرطوشي. 2 - القار هو: البارد. (المعجم الوسيط: 2/ 731). 3 - أنظر: الطرطوشي- سراج الملوك: 47"باب: "في أنّ السلطان مع رعيّته مغبون غير غابن وخاسر غير رابح". 4 - نفس المصدر السابق: 48"باب: "في بيان الحكمة في كون السلطان في الأرض". 5 - سورة المائدة/ آية 42، قوله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّة يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. سورة الحجرات / آية 9، قوله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّة يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. سورة الممتحنة / اية 8، قوله تعالى: {أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّة يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. 6 - أخرجه مسلم في "صحيحه": 3/ 1458 "كتاب الامارة". "باب: فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، نحوه عن عبد الله بن عمرو. والنسائي في "سننه": 8/ 220 "كتاب آداب القضاة" "باب: فضل الحاكم العادل في حكمه" نحوه. وأحمد في "مسنده": 2/ 160. وأورده المتّقي الهندي في "منتخب كنز العمال": 2/ 132 - 133. والحديث بتمامه ساقط من نسخة "د".

وفي قوله- عليه الصلاة والسلام-: " (ممبعة) يظلّهم الله بظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه: إمام عادل ... الحديث " 1 إلى غير ذلك. وإن هو زاد على الدين الواجب بغير حق فهو ظالم للمديان، وإنْ نقص بغير موجب فهو ظالم لليتيم، وكذا إنْ استوفى الديون وأمسكها ولم يدفعها لأربابها فهو ظالم لهم، داخل في قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَةنَّمَ حَطَبًا} 2. وقد تقدّم- في الفصل السادس-: " أنّه يؤخذ للمظلوم من [23/أ] حسنات ظالمه، بكل دانق مسبعون صلاة مقبولة" 3. والدانق: سدس الدينار أو الدرهم. فيجب على الإمام: الاجتهاد بقدر طاقته في الكشف عن العمّال- كما مرّ في الفصل السادس-: أنه يبالغ في الكشف عن خبرهم بحسب قوة التهمة وضعفها- ولا يغترّ فيهم بكلام من (يزين) له الوقت، فإنّ أكثر العمّال جهّالاً لا يتّقون الله، ولا يتحفظون من المداهنة 4، والنفاق، والكذب. وفي أفضل من عمّال الوقت، يقول سيّدنا علي- كرّم الله وجهه-: "المغرور من غررتموه" 5. وقد كتب الشيخ محرز 6 - الذي سأل من الشيخ "أبي محمد بن أبي زيد:

_ 1 - أخرجه البخاري في "صحيحه". "أنظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر: 2/ 143، "كتاب: الأذان " "باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المسجد". ومسلم في "صحيحه": 2/ 715، "كتاب الزكاة"، "باب: فضل اخفاء الصدقة". 2 - سورة الجن/ آية 15. 3 - أورده الزرقاني في "شرحه لمختصر خليل"، تقدم في: 170. 4 - هي: إظهار خلاف ما يضمر، كالادهان، والغش. (ترتيب القاموس المحيط: 2/ 242). بحثت عنه فلم أقف عليه. 6 - هو: محرز بن خلف بن رزين البكري، من نسل أبي بكر الصديق، مؤدب تونسي، زاهد، تهافت عليه الناس للتبرك به وسماع كلامه، يعلم القرآن والحديث والفقه، وكان سلفياً، سمع في أحد سواق "القاهرة" رجلاً يسب السلف، فأمسك بطرف ثوبه وصاح: أيها الناس إنّي لا أرضى!؟ فتهاووا على الرجل حتى تقطع لحمه بين أيديهم، مات (سنة 413هـ). (ابن القنفذ- شرف الطالب في أسنى المطالب "في كتاب ألف سنة من الوفيات": 53، الزركلي- الأعلام: 5/ 284).

"تأليف الرسالة"- إلى أمير الوقت في رجل طلبه بعض العمّال بمغرم، ما نصّ الغرض منه: (أنا رجل قد عرف كثير من الناس اسمي، وهذا من البلاء- وأسأل الله أنْ يتغمّدني برحمته- وربما جاء المضطرّ يسأل الحاجة: فإنْ تأخرت خفت، وإنْ أسرعت فهذا أشدّ. وقد كتبت إليك من مسألة: رجل من الطلبة طلب بدراهم، ولا شيء قبله، وحامل رقعتي: يشرح إليك 1 ما جرى، فعامل فيه من لا بدّ من لقائه، وأستحيي ممّن وجدت لذاذة العيش به، وشاور في أمرك الذين يخافون الله تعالى، واحذر بطانة السوء، فإنّهم إنّما يريدون دراهمك، ويقرّبون من النار لحمك ودمك، واحفظ تحفظ، واتّق الله- فإنّه {مَنْ يَتَّقِ اللَّة يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} 2 - {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّة يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} 3 - واستعين بالله- فإنّه من يتوكّل على الله فهو حسبه- واستكثر من الزاد، فقد دنا الرحيل، والسلام. فلما بلغ كتابه الأمير: أخذه وقبّله، وقال: "هذا كتاب صدّيق الله"، وأمر كاتبه: أن يكتب سجلاً لجميع الطلبة بالحفظ والرعاية، وأن يصرف عن طلبة الشيخ جميع ما كان أُخِذ لهم قبل من المظالم. والمقصود منه: "وشاور في أمرك الذين يخافون ... إلى آخره" إذ ذاك كله، تحريض على عدم الثقة بالعمّال، فهو كقول سيدنا علي المار: "المغرور من غررقموه ". فمن الحزم: أنْ لا يصدقهم السلطان على ضعفاء الرعية، لأنّ تصديقهم غرور من السلطان، ولا يولّي من طلب الولاية من الرعية، لما في البخاري، ومسلم، وغيرهما:

_ 1 - في "ب" (لك). 2 - سورة الطلاق / آية 4، وتمامها: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّة يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}. 3 - سورة الطلاق / آية 2، وتمامها: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّةادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّة يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}.

أنّ رجلاً قال: يا رسول الله: إستعملنى، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تنحّ، إنّا لا نستعمل على عملنا هذا من أراده" 1 اهـ. والسرّ فيه: أنّ الولايات أمانات، وطلب الأمانة دليل على خيانتها، فيجب عليه: أنْ لا يوليه، وإنْ ولّى غير طالبها فيتقدّم إليه ويخوفه بأنه إنْ وجد منه زلّة أو تعدّياً عاقبه العقوبة الشديدة، وأنّه إنْ لم يبالغ في القيام بحقوق الله- من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر- وحقوق عباده- من رفع يد الظالم عن المظلوم- أخذه أخذاً وبيلاً، إذ العمّال في هذا الأوان، وقبله- كما مرّ عن سيّدنا علي، والشيخ محرز- يتوصّلون لغرضهم الفاسد، وأكل الأموال بالباطل، بقلب الحقائق. (فإذا جاء الضعيف يشتكي إلى السلطان بجور العامل عليه) أو بعدم الانتصاف له من ظالمه، حقد العامل بذلك الشاكي، وغضب عليه، وسبقه حينئذ كما للإمام "اليوسي" 2 وغيره بكتابه لباب السلطان- فزاد عليه-: (وإن لم يسبقه، فإن السلطان

_ 1 - أخرجه البخاري في "صحيحه". "أنظر: فتح الباري في شرح صحيح البخاري": 13/ 125 "كتاب الأحكام"، "باب: ما يكره من الحرص على الامارة". ومسلم في "صحيحه": 4/ 1456، "كتاب: الامارة" "باب: النهي عن طلب الامارة". وقد أخرجه كلاهما عن أبي موسى الأشعري، وليس فيه لفظه "تنحّ"، وقد بحثت عنها في طرق هذا الحديث ولم أقف عليها، فلعلها من تصرف المصنف، والله اعلم. 2 - هو: أبو علي الحسن بن مسعود بن محمد، نور الدين اليوسي: الفقيه المالكي، الأديب، ينعت بغزالي عصره، تنقل في الأمصار وأخذ عن العلماء، واستقر بفاس مدرّساً، وكان ممّن لا تأخذه في الحق لومة لائم، وقد بالغ في الذبّ عن الشريعة والحرص على تقرير أصولها الرفيعة، لا يخاطب السلطان إلاّ بصريح الحق مشافهة ومكاتبة، رزق الأقبال من الخلق فيجتمع عليه الجم الغفير حيثما أقام حتى كان السلطان لا يتركه أن يقرّ في قراره، بل يأمر بالرحيل في أقرب مدة من الموضع الذي أستقرّ له إلى موضع آخر من كتبه: "زهر الأكم في الأمثال والحكم" و"حاشية على شرح مختصر الشيخ السنوسىي، و"المحاضرات" وغير ذلك، مات بقبيلة "بنى يوسىي (سنة 1102هـ). (القادري- التقاط الدرر: 2/ 258 260، السلاوي- الاستقصا: 4/ 51، مخلوف- شجرة النور: 328 - 329، الكتاني- فهرس الفهارس: 2/ 464 - 469، الزركلي- إعلام: 2/ 223، سركيس- معجم المطبوعات: 2/ 1959 - 1960، كحالة- معجم المؤلفين: 3/ 294، الزاوية الدلائية: 102 - 108).

يرده إليه لينفّذ إليه دعواه، فيتمكّن منه العامل ويسجنه، ويكتب للسلطان: بأنه بالغ في كشف أمره، فوجد الشاكي ظالماً، أو سارقاً، أو هاجماً، أو غاضباً، وربما كتب عليه بيّنة بذلك من اللّفيف 1 أو العدول، ولا يعجزه الحال لأن كل من أمره بالشهادة شهد خوفاً منه). ولله درّ بعض الفقهاء: كان جالساً مع السلطان، وحين سأل السلطان بعض الناس- أي: جماعة منهم- عن عاملهم؟، فأثنوا عليه [24/أ] فقال الفقيه: (ما هذا وجه الشهادة، بل وجهها: أن تعزله عنهم، واسئلهم حينئذ، عمّا يشهدون به فيه؟ وماذا يقولون فيه؟ - وإلاّ فمن يستطع أن يقول: للأسد أبخر 2 الفم وهو بين شدقيه- ففعل السلطان ذلك، فما من أحد من الرعية- المولّى عليها العامل المذكور- إلاّ وجاء للسلطان متظلّماً شاكياً بالعامل المذكور، فعلم بذلك: صدق الفقيه المذكور!. وعليه: فيجب على الإمام: أنْ لا يعمل بقول العامل في هذا الشاكي، وكيف يعمل بقوله فيه، مع كونه عدوًّا له، إذ بمجّرد إتيانه للشكاية للسلطان صار عدوًّا له، لأنّه أتى ليظهر عيوبه للسلطان، ومن يرضى أن تظهر عيوبه لأدنى الناس، فكيف بها للسلطان- فالله الله في عباد الله-!. فالواجب: أن ينفذ للشاكي شكواه، ويستفصل في دعواه، ويتولّى سماعها بنفسه، ولا يتّكل في سماعها على غيره، وإذا توقّفت دعواه على إثبات، أمره بإثباته، وكلّف من ينظر له في ذلك من الثقات قاضياً أو غيره. وقد علمتم- أيّدكم الله-: أن الله- تبارك وتعالى- يتولّى يوم القيامة، الفصل بين عباده بنفسه، ولا يتّكل فيهم على أحد، كما في الصحيح: أنه-

_ 1 - اللّفيف: ما اجتمع من الناس من قبائل شتّى، قال تعالى: {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} (سورة الإسراء/ آية 104) أي: مجتمعين مختلطين. والمقصود بها هنا جماعة غير العدول قال الفاسي: "فإذا كانت شهادة اللفيف أجيزت للضرورة، ولم يكن نص في عينها، وإنما يستند فيها للقياس على غيرها مما أجيز للضرورة استحساناً، فلا يخرج بها عما نص عليه العلماء فيما أجيز للضرورة". (أنظر: الفاسي- شهادة اللفيف: 21 - 22، (الرازي- مختار الصحاح: 475 - 476). 2 - من البخر وبخر الفم: انتنت ريحه. (الفيومي- المصباح المنير: 1/ 48).

صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من أحد إلاّ سيكلمه ربّه يوم القيامة كفاحاً، ليس بينه وبينه ترجمان ... الخ " 1. والسلطان خليفة الله في أرضه في الدنيا، فإذا احتجب، واتّكل- في الفصل بين العباد- على غيره، لزم أنْ يكون- والعياذ بالله- أشرف من خالقه، وذلك أسرع شيء إلى زوال ملكه. قال الإمام الطرطوشي، وغيره: (وإذا احتجب السلطان عن سماع الشكايات بنفسه، فإنه أسرع شيء إلى خراب ملكه، لأن بطانة السوء والعمال يلعبون في أرواح الخلائق، وحريمهم، وأموالهم، لأنّ الظالم حينئذ [24/ب] قد أمن (أن لا يصل) 2 المظوم إلى السلطان. قال: قال الحكماء: لا تزال الرعية ذا سلطان ما وصلوا إلى سلطانهم، (فإذا احتجب فهناك سلاطين كثيرة، وذاك مفض للجور والظلم) 3 4.

_ 1 - أخرجه البخاري في "صحيحه". "أنظر فتح الباري في شرح صحيح البخاري": 11/ 400 "كتاب: الرقاق" "باب: من نوقش الحساب عذب" عن عدي بن حاتم قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما منكم من أحد إلاّ وسيكلّمه الله يوم القيامة ليس بين الله وبينه ترجمان، ثم ينظر فلا يرى شيئاً قدّامه، ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار، فمن إستطاع منكم أن يتّقي النار ولو بشق تمرة). ومسلم في "صحيحه": 2/ 703، "كتاب: الزكاة" "باب: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار" عن عدي بن حاتم. والترمذي في "سننه": 4/ 611، "كتاب: صفة القيامة" "باب: في القيامة"، وقال: (قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح). وابن ماجة في "سننه": 1/ 66 "كتاب: المقدمة" "باب: فيما أنكرت الجهمية". وأحمد في "مسنده": 4/ 256. 2 - في "الأصل" (وصول) وكذلك في "ج"، وفي "ب" (من دخول) وما أثبتناه قد ثبت في كتاب "سراج الملوك للطرطوشي". 3 - ساقطة من "ب". 4 - أنظر: الطرطوشي- سراج الملوك: 57 "باب: في الصفات الراتبة التي زعم الحكماء أنه لا ندام معها مملكة".

فالواجب على السلطان: أنْ يتولّى الفصل بنفسه فيما يحضره من الشكايات بين يديه، كما كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين من بعده. قال الإمام الطرطوشي- في سراجه- 1: (بلغنا: أنّ ملكاً من الملوك، نزل به صمم، فأصبح (متوجعاً مهتماً) 2 بأمور المظلومين، وأنّه لا يسمع إستغاثتهم 3، فأمر منادياً ينادي: أنْ لا يلبس في مملكته ثوباً أحمر، إلاّ مظلوم، وقال: "لئن منعت سمعي، لم أمنع بصري"، فكان كل من ظلم يلبس ثوباً أحمر، ويقف تحت قصره، ويكشف عن ظلمه) 4. قال: (وكان بعض ملوك الصين: يجعل في بيت ملكه ناقوساً 5 موصولاً بسلسلة، وطرف السلسلة في خارج الطريق، وعليها أمناء للسلطان مأمورون:

_ 1 - "سراج الملوك" لأبي بكر الطرطوشي، وكتابه هذا قد طبع، وأوله: "الحمد لله الذي لم يزل ولا يزال وهو الكبير المتعال .... ". وقد جمع فيه سير الأنبياء، وآثار الأولياء، ومواعظ العلماء، وحكم الحكماء، ونوادر الخلفاء، ورتبه ترتيباً أنيقاً قلّما سمع به ملك إلاّ إستكتبه، ولا وزير إلاّ استصحبه، يستغني الحكيم بمدارسته عن مباحثة الحكماء، والملك عن مشاورة الوزراء، وأبوابه أربعة وستون باباً. (حاجي خليفة- كشف الظنون: 2/ 984). 2 - في جميع النسخ (مسترجعاً مهموماً) وما أثبتناه قد ثبت في "سراج الملوك" للطرطوشي. 3 - في جميع النسخ (باستغاثتهم) وما أثبتناه قد ثبت في "سراج الملوك ". 4 - أنظر: الطرطوشي- سراج الملوك: 54، "باب: في بيان معرف الخصال التي هي قواعد السلطان ولا ثبات له دونها". ونقلها- أيضاً- الغزالي في "أحياء علوم الدين": 2/ 351 - 352، فيما حكاه ابن المهاجر عن أمير المؤمنين "المنصور" حينما قدم مكة وسمع رجلاً عند الملتزم: يشكو حاله من الظلمة لله، فدار بينه ويبن الرجل حديثاً طويلاً، وتضمن- هذا الحديث- هذه القصة عن أحد ملوك الصين. وكذلك أوردها ابن الأزرق في "بدائع السلك في طبائع الملك": 1/ 357، وقال: (وهي بتمامها مذكورة في الإحياء). 5 - في "الأصل" (ناقوصاً) وكذلك في "ج"، وما أثبتناه من "ب" قد ثبت في "سراج الملوك للطرطوشي"، والناقوس: عبارة عن خشبة طويلة يضربها النصارى إعلاماً للدخول في صلاتهم (المصباح المنير: 2/ 331).

بأنْ لا يتعرّضوا لمن أراد إمساكها وجرّها، فإذا جاء المظلوم وجرّ السلسلة، سمع الملك صوت الناقوس، فيأمر بإدخال المظلوم، وكل من حرّك السلسلة يمسكه أولئك الحفظة حتى يدخل على السلطان) 1. فهذه طريقة العدل بين السلطان وعمّاله، وبين الرعية فيما بينها. إذ العدل قوام الملوك، وبه صلاح الدنيا والدين كما مرّ في قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ ... الآية} وكما مرّ- أيضاً- في الفصل الأول- في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّة يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ (إلى أهلها) 2 ... }. وكما قال تعالى- في آية الملوك- التي أنزلها الله فيهم- وهو قوله تعالى-: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّة لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} 3. ثم سمّى المنصورين، وشرائط النصر، فقال- جلّ من قائل-: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَةوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} 4. فضمن الله تعالى النصر للملوك، وشرط عليهم [25/أ] أربع شرائط): إقامة الصلاة فيهم، وفي رعيّتهم، وإيتاء الزكاة كذلك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

_ 1 - أنظر: الطرطوشي- سراج الملوك: 54 "باب: في بيان معرفة الخصال التي هي قواعد السلطان ولا ثبات له دونها". 2 - سورة النساء / آية 58، وتمامها: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّة نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّة كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}. 3 - سورة الحج / آية 40، وتمامها: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيةا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّة لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}. 4 - سورة الحج / آية 41.

قال الإمام الطرطوشي، واليوسي، وغيرهما،: (فمتى تضعضعت قواعد الملوك، وإنتقص عليهم شيء من أطرف مملكتهم، أو ظهر عليهم عدوّ الدين، أو باع فتنة، أو جاحد نعمة، فليعلموا: أنّ ذلك من الاخلال بشرط من الشرائط المشروطة عليهم، فليرجعوا إلى الله بإقامة العدل، والقسط الذي شرعه الله لعباده، وبه قامت السماوات والأرض، بإظهار شرائع 1 الدين، ونصر المظلوم، والأخذ على يد الظالم، ومقاتلته العدوّ الكافر ... 2 الخ). ثم أنّه قد تقدّم: أنْ الإمام يتولّى الفصل بنفسه فيما حضر بين يديه. وأما ما غاب عنه ولم يحضر بين يديه من أمور الرعية وعمّالها، فلا يسأل عنها إلاّ الثقات، ؤاهل الدين، لا من لا يتّقي الله، ولا يتحفظ من المداهنة والنفاق من العمال، وأهل الثروة، الذين نفسهم على نفس العمّال، لأنّ لهم مدخلاً في المخزنية 3 فيواجهون العمّال، كما أنّ العمّال يواجهونهم، فلا يجرون الأحكام عليهم، ولا على من تعلق بهم، فيزيّنون الوقت للأمير ويزيّنون فعل العمّال.

_ 1 - في "ب" و"ج" (شعائر). 2 - أنظر: الطرطوشي- سراج الملوك: 39 "باب: فيما جاء في الولاة والقضاة، وما في ذلك من الغرور". 3 - مكان الخزن (المعجم الوسيط: 1/ 232). وقال أمين الريحاني: هذه اللفظة في وضعها واصطلاحها مغربية محض، وهو نظام سمّي بالنظام المخزني حينما كانت قبائل المغرب في الماضي على عداء دائم وأهل المدن، تقطع عليهم الطرق، وتسلب وتنهب من تشاء، فأراد "المنصور الذهبي" أن يضبط القبائل بالسياسة والمصانعة، فيقرّبها منه ويشركها في الحكم ليأمن شرها، لذلك أنشأ النظام المخزني الذي يخزن فيه السلاح، ليكون سيفه في البلاد وترسه في القبائل، والعسكرية هي: حفظ الأمن في البلاد بواسطة باشاوات في المدن، وقواد في القبائل، يعينهم السلطان، ويكون لهم من المخزن قوة مسلحة تنقذ أحكامهم. (أنظر: أمين الريحاني- المغرب الأقصى رحلة في منطقة الحماية الإسبانية: 175 - 182).

وكان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: "إذا قدمت الوفود من البلاد البعيدة، يسألهم: عن أحوالهم، وأسعارهم وعمّن يعرفوه من أهل البلاد، وعن أميرهم: هل يدخل عليه الضعيف، وهل يعود المريض؟ فإنْ قالوا: نعم، حمد الله - تعالى- وإنْ قالوا: لا، كتب إليه بالعزل" 1. وكان- رضيّ الله عنه-: "إذا بعث عاملاً شرط عليه أربعاً: لا يركب البراذين 2، ولا يلبس الرقيق، ولا يأكل النقى، ولا يتخذ حاجباً، ولا يغلق باباً عن حوائج الناس" 3. ولما بلغه: "أنّ (سعد) 4 بن أبي وقّاص: إتّخذ قصراً، وفتح له [25/ب] باباً، وأنّه احتجب عن الخروج للحكم بين الناس، وصار يحكم في داره، أمر: بتحريق قصره، وبادر إلى عزله" نقله فيه "التبصرة"، وغيرها 5. ومن الواجب: أنْ يتّخذ الأمير مزكي السر من الثقات في كل بلد يخبره عن سيرة العمّال والقضاة، ولا يطّع عليه أحد من رعيته، وإنّما تجري المكاتبة 6

_ 1 - نقله ابن فتيبة في "عيون الأخبار": 1/ 14. 2 - مفرده الذكر: برذون، والمؤنث: برذونة، وهي: الدابة ما دون الخيل، وأقدر من الحمر. (الرازي- مختار الصحاح: 35، البستاني- فاكهة البستان: 79). 3 - نقله ابن قتيبة في "عيون الأخبار": 1/ 53، "كتاب: السلطان" وابن الأزرق في "بدائع السلك في طبائع الملك": 336/ 337. 4 - في "الأصل" والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج". وهو: أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص بن عبد مناف القرشي الزهري: الصحابي الأمير، فاتح العراق، ومدائن كسرى، وأحد الستة الذين عيّنهم عمر للخلافة، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، له في كتب الحديث (271) حديثاً. مات (سنة 55هـ). (ابن الجوزي- صفة الصفوة:1/ 138، ابن الأثير- أسد الغابة: 2/ 290، 293، البكرى- تاريخ الخميس:1/ 499). 5 - نقله ابن الأزرق في "بدائع السلك في طبائع الملك": 1/ 373. 6 - في "ب" و"ج" (المكاتبات).

بينهما من غير واسطة، فيكتب الأمير له بخط يده لئلا يطّلع (عليه) 1 أحد من خواصه، لأنّهم إنْ أطّلعوا (عليه) 2: أفشوا ذلك في العمّال والولاة، وسارع الجميع لإذايته، والتحرز من إطلاعه على أمورهم. وقد قال المأمون 3: (ما فتق علي فتق قط إلاّ ووجدت سببه جور العمّال) 4. ومن الاخلال بضبط هذه الأمور: ما وقع لسلطان الجزائر، حتى استولى عدوّ الدين عليه، [قال تعالى]: {إِنَّ اللَّة لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} 5. فاجتهدوا- أيّدكم الله-!: في القيام بحقوق العباد، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاةدُوا فِينَا} أي: في حقّنا، ومن أجلنا، ولوجهنا خالصاً {لَنَةدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أي: لنهدينهم 6 هداية إلى طريق الخير {وَإِنَّ اللَّة لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} 7 - أي: لناصرهم ومعينهم. وعن بعضهم: (من عمل بما يعلم، وفق لما لم يعلم) 8.

_ 1 - ساقطة من "الأصل" ومن "ب" و"د" والإضافة من "ج". 2 - ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب" و"ج" و"د". 3 - هو أبو العباس، عبد الله بن هارون الرشيد بن أبي جعفر المنصور: سابع الخلفاء من بني العباس في العراق، وأحد أعاظم الملوك، في سيرته وعلمه وسعة ملكه، عرّفه المؤرخ ابن دحية بالإمام "العالم المحدث النحوي اللغوي" فقامت دولة الحكمة في أيامه، وقرب العلماء والفقهاء والمحدثين والمتكلمين وأهل اللغة والأخبار والمعرفة بالشعر والأنساب. مات (سنة 2/ 218هـ). (ابن الأثير- الكامل: 6/ 144 / 148، البكري- تاريخ الخميس: 2/ 334، الزركلي- الأعلام: 4/ 142). 4 - نقله الطرطوشي في "سراج الملوك": 141، "باب: في بيان الشروط والعهود التي تؤخذ على العمّال" وابن الأزرق في "بدائع السلك في طبائع الملك": 335. 5 - سورة الرعد / آية 11. 6 - في "ب" و"ج" و" د" (لنزيدنهم). 7 - سورة العنكبوت / آية 69. 8 - في "الأصل" (من عمل بما لم يعلم فقد تكفّل وفق لما لم يعلم) وما أثبتناه من "ب" و"ج".

فقد تكفّل الله (- سبحانه-) 1 بالنصر والإعانة لمن اجتهد في امتثال أوامره، واجتناب نواهيه.

_ 1 - ساقطة من "الأصل" ومن "د".

المسألة الثانية

وأما المسألة الثانية: ففيها فصلان: الفصل الأول في حكم المتخلّف عن الاستنفار، وما عليه من العقاب من العزير الجبّار ــــــــــــــــــــــــــــــ قد علمت- ممّا تقدّم-: أنّ الاستنفار للجهاد يتعيّن بتعيين الإمام، فحيث استنفر قوماً فقد عيّنهم للجهاد، فمخالفتهم عصيان لله ولرسوله توجب عقوبتهم- بما تقدّم في الفصل السادس-[26/أ] ثم انّ النفير للجهاد، والذهاب إليه، المخاطب به ابتدأ هو الإمام، أي: هو المخاطب أنّ 1 يعيّن طائفة من رعيّته تذهب إليه. فإذا عيّن طائفة، وجيشاً له، وجب على من عيّنهم وصار في حقّهم: فرض عين، لقوله- تعالى-: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ... } 2. وقال- تعالى-: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} 3. وقال- تعالى-: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ ... } 4. وقال: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 3.

_ 1 - في "ب" و "ج" و "د" (بأنّ). 2 - سورة التوبة/ آية 122، وتمامها: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}. 3 - سورة التوبة/ آية 36. 4 - سورة التوبة/ آية 123. 5 - سورة النساء/ آية 89، وتمامها: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُةاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}.

وقال: {يَا أَيُّةا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ... } 1. و [قال]: {قَاتِلُوهُمْ- أي: دائمأ- حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ- أي: لا يوجد فيكم شرك- وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} 2. وقال: {يَا أَيُّةا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}. إلى غير ذلك من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية: كقوله- عليه الصلاة والسلام-: "جاهدوا في سبيل الله، فإن الجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنة" 3. أخرجه: أحمد 4، والطبراني 5 والحاكم 6 وصححه عن عبادة بن الصامت 7 -

_ 1 - سورة التوبة / آية 73، وسورة التحريم / آية 9، وتمامها: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَةنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}. 2 - سورة الأنفال / آية 39، وتمامها: {فَإِنِ انْتَةوْا فَإِنَّ اللَّة بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. 3 - أخرجه أحمد في "مسنده": 5/ 314. والحاكم في "المستدرك": 2/ 74 - 75 "كتاب: الجهاد" عن أبي أمامة عن عبادة، مرفوعاً، بلفظ آخر. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد": 5/ 272، عن عبادة بن الصامت، وقال: (رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط أطول من هذا، وأحد أسانيد أحمد وغيره ثقات). 4 - هو أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني: إمام المذهب الحنبلي، مات (سنة 241هـ). (ابن الجوزي- صفة الصفوة: 2/ 190، ابن خلكان- وفيات: 1/ 17، ابن كثير- البداية: 10/ 325، الزركلي- الأعلام: 1/ 203). 5 - أبو القاسم، سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الشامي، من كبار المحدثين، ولد "بعكا"، له ثلاثة "معاجم في الحديث" وكتب في "التفسير" و"دلائل النبوّة". مات (سنة 360هـ). (ابن خلكان- وفيات: 1/ 215، ابن تغري بردي- النجوم الزاهرة: 4/ 59، الزركلي- الأعلام: 3/ 121). 6 - أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن حمدويه الضبي النيسابوري، الشهير بالحاكم، من أكابر حفّاظ الحديث، وأعلم الناس بصحيح الحديث وتميزه عن سقيمه، قال ابن عساكر: (وقع من تصانيفه المسموعة في أيدي الناس ما يبلغ ألفاً وخمسمائة جزء) ومنها: "تاريخ نيسابور" و"المستدرك على الصحيحين" و"الإكليل". مات (سنة 405هـ) (الذهبي- ميزان الاعتدال: 3/ 85، ابن حجر- لسان الميزان: 5/ 232، الزركلي- الأعلام: 6/ 227). 7 - أبو الوليد: عبادة بن الصامت الأنصاري الخزرجي، الصحابي الجليل، من الموصفين بالورع، شهد العقبة وبدرا وسائر المشاهد، وهو أول من ولي القضاء بفلسطين، روى 181 =

رضي الله عنه-. وأخرج: عبد الرزاق 1، عن أبي أمامة 2 - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بالجهاد في سبيل الله، فإنّه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهمّ والغم" 3. فالخطاب في هذه الآيات القرآنية، ونحوها، والأحاديث النبوية التي لا تحصى كلّه للأئمة ابتداء، وللرعية انتهاء. أعني: يجب على الإمام ابتداء: أنْ يعيّن طائفة من كل قبيلة مثلاً، فإذا عيّنهم صار فرض عين على من عيّنهم انتهاء- كما مرّ-. فإذا ترك الإمام التعيين والأمر بالجهاد لحقه الوعيد الآتي، وإذا عيّن الإمام طائفة ولم تفعل لحقها الوعيد الآتي- أيضاً- وهو: [26/ب]

_ = حديثاً. مات (سنة 34هـ). (ابن حبيب- المحبر: 270، ابن حجر تهذيب: 5/ 111، الزركلي- الأعلام: 3/ 258). 1 - هو: أبو بكر، عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري الصنعاني، من حفاظ الحديث الثقات، من أهل "صنعاء"، كان يحفظ نحواً من سبعة عشر ألف حديث، له "الجامع الكبير" و"كتاب: تفسير القرآن". مات (سنة 211هـ). (ابن خلكان- وفيات: 1/ 126، الزركلي- الأعلام: 3/ 353). 2 - أبو أمامة: صدى بن عجلان بن وهب الباهلي. صحابي كان مع علي بن أبي طالب في "صفين"، له في الصحيحين 250 حديثاً، آخر من مات من الصحابة بالشام (سنة 81هـ). (ابن الجوزي- صفة الصفوة: 1/ 308، ابن حجر- تهذيب: 4/ 420، الزركلي- الأعلام: 3/ 203). 3 - أخرجه أحمد في "مسنده": 5/ 319، عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت. والبيهقى في "سننه": 9/ 104، "كتاب السير" "باب: إقامة الحدود في أرض الحرب، وهو طرف من رواية طويلة عن عبادة بن الصامت. وابن حبان في "مورد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للهيثمي": 410. "كتاب: المغازى" "باب: في غنيمة بدر وغيرها" وهو طرف من رواية طويلة عن عبادة بن الصامت. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد": 5/ 272، "كتاب الجهاد" "باب: فضل الجهاد"، وقال: (رواه الطبراني، في الأوسط، وفيه عمرو بن الحصين وهو متروك). والمتقي الهندي في "منتخب كنز العمّال": 2/ 266.

قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوةا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَةا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَةا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِةادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ} 1 أي: عقوبة عاجلة، أو آجلة 2. قال في "الكشاف": (هذه آية شديدة لا ترى أشدّ منها، كأنها تنعى على الناس ما هم عليه من رخاوة عقد الدين، واضطراب حبل اليقين) 3 اهـ. فهذا الوعيد: لاحق للإمام إذا لم يعيّن، ولاحق للرعيّة إذا عيّن ولم يفعلوا. وقال- تعالى-: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ... إلى قوله: إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} 4. قال المفسّرون: (هذا سخط عظيم على المتثاقلين 5، حيث وعدهم بعذاب أليم مطلقاً يتناول عذاب الدنيا والآخرة- أي: عذاب الدنيا باستيلاء العدوّ عليهم ونحوه، وعذاب الآخرة بالنار- وأنّه يهلكهم ويستبدل قوماً آخرين غيرهم) 6. فهذا الوعيد أيضاً: لاحق للإمام إذا لم يعيّن، ولاحق للرعيّة إذا عيّن ولم يفعلوا. فقوله- تعالى-: {إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: إذا قال الله للأئمة: انفروا بلا واسطة، وقال للرعية: انفروا بواسطة الإمام.

_ 1 - سورة التوبة / آية 24، وتمامها: {وَاللَّهُ لَا يَةدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}. 2 - قاله الزمخرشي في "الكشاف": 2/ 257، وعزاه إلى الحسن. ونقله القرطبي في "الجامع لأحكام القرآان ": 8/ 96. 3 - أنظر: الزمخشري- الكشاف: 2/ 257. 4 - سورة التوبة / آية 38 - 39، وتمامها: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. 5 - في "ب" (الثاقلين) وهو خطأ. 6 - أورده الزمخشري في "الكشاف": 2/ 271.

فخطابه- تعالى- للأئمة بلا واسطة، وخطابه للرعية بواسطة الإمام، فالكلّ يلحقه الوعيد المذكور بمخالفة ما أمر به. قال القرطبي في تفسيره: (التثاقل عن الجهاد مع إظهار الكراهية حرام). قال: الإمام إذا عيّن قوماً وندبهم إلى الجهاد لم يكن لهم أنْ يتثاقلوا عند التعيين، ويصير بتعيينه فرضاً على كل من عيّنه) 1 اهـ. وقال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّةلُكَةِ} 2. قيل: (التهلكة هي: الكفّ عن الغزو والجهاد، والإنفاق فيه، لأن [27/أ] الكفّ يقوّي العدوّ، ويتسلّط عليكم، فيفسد عليكم دينكم ودنيام) 3. والوعيد شامل للإمام ابتداء، وللرعية انتهاء- كما مرّ-. وقال- تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ... إلى قوله: قُلْ نَارُ جَةنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} 4. قال ابن النحاس 5: هذه الآية: (وإنْ كانت في أقوام بأعيانهم، ففيها التهديد لمن فعل كفعلهم، وتخلّف كتخلّفهم، وناهيك بذلك وعيداً فضيعاً).

_ 1 - أنظر القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن": 8/ 142، وزاد عليه: (فاما من غير كراهة فمن عينه النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم عليه التثاقل وان أمن منهما فالفرض فرض كفاية، ذكره القشيري). 2 - سورة البقرة / آية 195، وتمامها: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّةلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّة يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. 3 - قاله الزمخشري في "الكشاف": 1/ 237، والبيضاوي في "تفسيره": 44. 4 - سورة التوبة / آية 81، وتمامها: {وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَةنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ}. 5 - هو: أبو جعفر أحمد بن محمد المرادي، المصري: المفسر، الأديب، كان من نظراء "نفطويه" و"ابن الأنباري". من كتبه: "تفسير القرآن" و"إعراب القرآن" و"تفسير أبيات سيبويه". مات بمصر (سنة 338هـ). (ابن كثير- البداية والنهاية: 11/ 222، السيوطى- بغية الوعاة:1/ 362، الداودي- طبقات المفسرين:1/ 67 - 70).

وأخرج الطبراني: عن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما ترك قوم الجهاد، إلاّ عمّهم الله بالعذاب" 1 اهـ. فأطلق في العذاب، فيتناول: الدنيوي ما والأخروي- كما مرّ- والوعيد لاحق الإمام والرعية أيضاً- كما مرّ- إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا تحصى. فقد علمت من هذا كلّه!: أنّ الله- تبارك وتعالى- قد أكّد الوعيد، وأوعد بالعذاب الشديد، كل من أعرض عن الجهاد، وشغله عنه الاهتمام بأمر 2 الأزواج والأولاد، وأبدى القرآن الكريم ما فيه كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد. وإذا تقرر هذا تبيّن لكم- أيّدكم الله-!: حكم ما أشرتم إليه في السؤال من قولكم: (فهل يعاقبون ... الخ؟). إذ لا إشكال في عقاب المتخلف عن النفير بعد التعيين- كما رأيته- دنيا وأخرى. فحينئذ فإنْ أظهروا الميل للعدوّ والكافر، وتعصّبوا به: فيقاتلون قتال الكفّار، ومالهم فيء. وقد سُئِلَ الإمام سيدي: أحمد بن زكري 3: عن قبائل من العرب امتزجت أمورهم مع النصارى، وصارت بينهم محبّة، حتى أنّ المسلمين: إذا أرادوا الغزو،

_ 1 - أورده المنذري في "الترغيب والترهيب": 2/ 331، "كتاب: الجهاد" "باب: الترهيب من أن يموت الإنسان ولم يغزو ولم ينو الغزو"، وقال: (رواه الطبراني بإسناد حسن). 2 - في "ب" و"ج" و"د" (بأمور). 3 - وهو: أحمد بن زكري، الفقيه، الأصولي، البياني، من أهل تلمسان، تتلمذ على يد العلاّمة "ابن زاغو"، من كتبه: "مسائل القضاء والفتيا" و"بغية الطالب في شرح عقيدة ابن الحاجب". "وشرح الورقات لإمام الحرمين" في أصول الفقه. مات (سنة 899هـ). (الونشريسي- وفيات الونشريسي من كتاب: "ألف سنة من الوفيات": 153، مخلوف- شجرة النور: 267، الزركلي- الأعلام: 1/ 231).

أخبر هؤلاء القبائل النصارى، فلا يجدهم المسلمون إلاّ متحذرين متهيّبين- والفرض أنّ المسلمين لا (يتوصّلون) 1 إلى الجهاد إلاّ من بلاد هؤلاء القبائل-[27/ب] وربما قاتلوا المسلمين مع النصارى. ما حكم الله في دمائهم، وأموالهم؟ وهل ينفون من البلاد؟ وكيف إنْ أبوا من النفي إلاّ بالقتال؟. فأجاب- رحمه الله- بقوله ما نصّه: (ما وصف به القوم المذكورون: يوجب قتالهم كالكفار الذين تولّونهم، ومن يتولّ الكفّار فهو منهم. قال تعالى: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} 2 اهـ. وأمّا: إنْ لم يميلوا إلى الكفّار، ولا تعصّبوا بهم، ولا كانوا يخبرونهم بأمور المسلمين، ولا أظهروا شيئاً من ذلك، وإنّما وجد منهم الامتناع من النفير فإنّهم: يقاتلون قتال الباغية 3 - وسيأتي الكلام عليها في المسألة الأخيرة من مسائل السؤال- والله أعلم.

_ 1 - في "الأصل" (يتوصل) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د". 2 - سورة المائدة / آية 51، وتمامها: {إِنَّ اللَّة لَا يَةدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}. 3 - في "ب" (الباغين).

الفصل الثاني

الفصل الثاني فيما ينبغي للإمام فعله قبله، وفيمن يجب استنفاره من الرعية، وكيفية التدريب للحروب 1 وذكر مكائد بها يظفر 2 الإمام بالمرغوب ــــــــــــــــــــــــــــــ اعلم: أنّه ينبغي للإمام قبل الاستنفار: أنْ يأمرهم بتقديم عمل صالح من صدقه، أو صيام، وردّ مظلمة، وصلة رحم، كما كان يفعل عمر- رضي الله عنه - ويقول: "إنّما تقاتلون بأعمالكم" 3. ثم اعلم: أنّ الله تعالى قرن النصر بالصبر، فقال تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} 4 وقال: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} 5. وقال: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ... } 6، وقال: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّة مَعَ الصَّابِرِينَ} 7.

_ 1 - في "ب" (للرعية). 2 - في "ب" (ليظفر). 3 - نقله الطرطوشي في "سراج الملوك ": 174، "باب: في ذكر الحروب وتدبيرها وحيلها وأحكامها". 4 - سورة الأنفال/ جزء من آية: 65. 5 - سورة آل عمران/ آية 120، وتمامها: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِةا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّة بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}. 6 - سورة الأنفال/ آية 45، وتمامها: {وَاذْكُرُوا اللَّة كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. 7 - سورة البقرة/ آية 153، وتمامها: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّة مَعَ الصَّابِرِينَ}.

قال الحرالّى 1 - بعد كلام-: (فمن لم يتحمّل الصبر الأول على الجهاد، أخذ بأمور هي بلايا في باطنه تجاوزها الخطاب، فانعطف عليها، قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ} 2، فالجوع: فراغ الجسم عمّا به [29/أ] قوامه، لفراغ النفس عن الأمان الذي هو لها قوام، فأفقدها القوامين في ذات نفسها بالخوف، وفي بدنها بالجوع لمّا لم تصبر على كدّ الجهاد، وقد كان ذلك الصبر عليه أهون من الصبر على الخوف والجوع. وإنما كان أول نائلهم من هذا الابتلاء الخوف، حيث خافوا الأعداء على أنفسهم فجاؤوهم إلى مواطنهم- فمن لم يمش إلى طبيبه ليستريح جاء الطيبيب لهلاكه- وشتّان بين خوف الغازي 3 للعدوّ في قصره وبين المحصر 4 في أهله، وكذلك شتّان بين أرزاق 5 المجاهد وتزوّده" - " وخير الزاد التقوي- " 6 في

_ 1 - في جميع النسخ (المحرالي) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، وهو: أبو الحسن، علي بن أحمد بن الحسن الحرالي التجيبي: المفسر، المغربي، الصوفي، أطال "الغبريني" في الثناء عليه وإراد أخبارة، وقال: (ما من علم إلاّ له فيه تصنيف)، وقال الذهبي: (كان فلسفي التصوّف، ملأ تفسيره بحقائقه ونتائج فكره وزعم أنّه يستخرج من علم الحروف وقت خروج الدجال) من كتبه: "مفتاح الباب المقفل لفهم القرآن المنزل" و"المعقولات الأول" في المنطق، و"الوافي" وغيرها. مات بحماة (سنة 638هـ). (الغبريني- عنوان الدراية: 85 - 97، الذهبي- ميزان الاعتدال: 2/ 218، المقري- نفح الطيب: 1/ 417، الزركلي- الأعلام: 4/ 256 - 257، وجاء في هامشه: وقد وردت نسبته في كثير من المصادر بلفظ "الحراني" وهو تصحيف). 2 - سورة البقرة / آية 155، وتمامها: {وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}. 3 - أي: المجاهد الذي يغزو الأعداء في عقر دارهم، والذي ربما تنتابه هواجس الخوف من الأعداء عندما يشتدّ الوطيس. 4 - هو: المحاصر الذي ضيّق عليه الأعداء، وأحاطوا به في عقر داره. (الرازي- مختار الصحاح: 106). 5 - في "الأصل" (ازارة) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د". 6 - أورده الزبيدي في "اتحاف السادة المتقين بشرح أحياء علوم الدين": 8/ 448، وعزاه للبيهقي من طريق الثوري عن ابن عباس، بزيادة: "ورأس الحكمة مخافة الله عزّ وجلّ". =

سبيله لجهاده وبين جوع المتحلّف في عيلته 1. فالمجاهد: آمن في جيشه، متزوّد في رحله، غانم من عدوّه. والمتخلّف: خائف في أهله، جائع في عيلته، ناقص المال من ذات يده) اهـ. (وهذا) 2 الوعيد لاحق للإمام والرعية: فالإمام يلحقه ذلك إذا غفل ولم يجبر الناس على الجهاد والاستعداد، والرعية يلحقها ذلك إذا أمرهم ولم يمتثلوا. وإذا تقرر أنّ النصر مقرون بالثبات والصبر، فيخرج منه: أنّه لا يستنفر إلاّ من كان فيه نجدة الصبر، فلتكن همّة الإمام مصروفة لاستنفار الشجعان والأبطال، لأنهم المتّصفون بالصبر للقتال، فيعينهم للخروج مع غيرهم وليكثر منهم- ولا عليه أن يكثروا- ويقربهم إليه بالمنزلة والمكانة، ويوسر إليهم، ويعدهم وعداً جميلاً، ويقوّي أطماعهم في أن ينالوا ما عنده من الهبات الفاخرة، والولايات السّنية 3، ويجعلهم مقدمة 4 الجيش. فقد قالت الحكماء: (أسد يقود ألف ثعلب خير من ثعلب يقود ألف أسد) 3.

_ = والعجلوني الجرّاحي في "كشف الخفاء ومزيل الألباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس": 1/ 473، وقال (رواه العسكري عن زيد بن خالد رفعه في حديث، ورواه أبو الشيخ عن ابن عباس مرفوعاً بزيادة "وخير ما ألقي في القلب اليقين"، وعن عقبة بن عامر كما سيأتي في ("رأس الحكمة": 1/ 507)، فيتقوّى، بل صريح القرآن شاهد له. 1 - أهل بيت الرجل الذين ينفق عليهم. (المعجم الوسيط: 2/ 644). 2 - في "الأصل" (وهكذا) وما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د" مناسب للسياق. 3 - من: السّنّي: أي: الرفيع، وأسناه: رفعه. (الرازي- مختار الصحاح: 252). 4 - المقدمة: هي: قطعات الحماية الأمامية، وجحفل مؤلف من جميع الصنوف تقسم إلى نفيظة وطليعة، تخرج من القسم الأكبر لحمايته وللحصول على المعلومات عن العدوّ وعن الأرض، ولمنع العدوّ من الحصول على المعلومات، ولحماية القسم الأكبر من مباغتة العدوّ. (أنظر: شيت خطاب- المصطلحات العسكرية: 2/ 595 - 596، فتحي أمين- المصطلحات العسكرية: 497). 5 - نقله الطرطوشي في "سراج الملوك": 174 "باب: في ذكر الحروب وتدبيرها وحيلها وأحكامها"، وعزاه إلى حكماء العجم.

قال الإمام الطرطوشي: (لا ينبغي أن يقدّم على الجيش أو يأخذ الألوية 1 إلاّ الرجل ذو البسالة والنجدة والشجاعة) 2. [28/ب] ولله درّ قائل: ("وَالنَّاسُ أَلْفٌ مِنْهُمْ كَوَاحِدٍ … وَوَاحِدٌ كَالْأَلْفِ إِنْ أَمرٌ عَنَّا") 3 وإذا كان الواحد كالألف: فإذا 4 رأي الإمام في قومه وجيشه عدداً 5 ممّن هذه أوصافه فذلك 6، وإلاّ "ردّ الغنم للزريبة" 7، ولذا قالوا: (يجب على الإمام: أن يهتمّ بأمور الجهاد، فيأمر كل قبيلة: بتعليم الحروب، والتدريب). وإن رأي: أن يعيّن من كل قبيلة مائة أو أكثر، تتعلم الحروب والتدريب مهيئة نفسها لكلمة الأمير، وتكون تلك المائة: من الوجوه الذين لا يولّون الأدبار، وعند كل خمسة أشهر ونحوها 8، يأمرهم بالضرب بين يديه بمرأي منه، فمن رآه 9 منهم كثير الإصابة والتدريب أحسن إليه وقرّبه لديه، وهكذا حتى يعرف من كل قبيلة أبطالها وشجعانها، فيعيّنهم حينئذ للأسفار الأمثل فالأمثل. ومن وجده من القبائل لم (يعتن) 10 بما أمره به: من تعلّم الحروب أهانها

_ 1 - جمع لواء: وهو العلم الصغير (ابن العنابي- السعي المحمود في نظام الجنود: 115). 2 - أنظر: الطرطوشي في "سراج الملوك": 174، "باب: في ذكر الحروب وتدبيرها وحيلها وأحكامها". 3 - المصدر السابق: 175، "باب: في ذكر الحروب وتدبيرها وحيلها وأحكامها"، ولم يذكر قائله. وابن العنابى في "السعى المحمود في نظام الجنود: 163، وعزا نقله "للطرطوشي". 4 - في "ب" (فسان). 5 - في "الأصل" (عدد) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د". 6 - ساقطة من "ب" و"ج" و"د". 7 - نقله الطرطوشي في "سراج الملوك": 174. 8 - في "ج" (أونحوها) وفي "ب" (أو أكثر). 9 - في "ج" (رأي). 1 - 0 - في "الأصل" (يتعين) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د".

وأهان قائدها، ولامهم على مخالفة أمره، ولا يتّكل في اختبارهم على غيره فينتظم الأمر حينئذ. فإذا احتاج الأمير إلى إقامة جيش لفجىء العدوّ ونحوه، أقامه في ساعة واحدة من الأبطال، لأنّهم مكتوبون عنده في الديوان 1 من كل قبيلة، ولا يحتاج حينئذ إلى فريضة الحراك، لأنّهم إذا وكّلوا لغرضهم لا يحركون إلاّ أوباش 2 الناس، الذين إذا قابلوا العدوّ ولّو الأدبار، فيفسد الأمر، ويختلّ الملك، وربما كانوا لا يفترضون 3 الحركة إلاّ بعد انتهاز العدوّ في المسلمين الفرصة. (ولما تقابل بعض أمراء 4 الأندلس، مع الطاغية (ابن ردمير) 5، قال الطاغية- لمن يثق بعقله، وممارسته للحروب من رجاله-: "استعلم لي من في عسكر المسلمين من الشجعان الذين نعرفهم كما يعرفوننا، ومن غاب منهم، [29/أ] ومن حضر "فذهب، ثم رجع، فقال: "فيهم فلان وفلان حتى (عدّ) 6 سبعة رجال". قال: " (انظر) 7 الآن من في (عسكري) 8 من الرجال المعروفين بالشجاعة،

_ 1 - هو: مجتمع الصحف، والكتاب يكتب فيه أهل الجيش وأهل العطيّة، وأول من وضعه: عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (ترتيب القاموس المحيط: 2/ 237). 2 - أي: الأخلاط، مثل "الأوشاب"، وقيل: هو جمع مقلوب من: البوش. (الرازي- مختار الصحاح: 560). 3 - في "ب" (يفرضون). 4 - هو: المستعين بالله: سليمان بن محمد بن هود مولى أبي حذيفة الجذامي، مؤسس دولة آل هود بالأندلس، وتقابل مع هذا الطاغية في مدينة "وشقة" من ثغور بلاد الأندلس. (مات سنة 438هـ). أنظر: ابن عذارى- البيان المغرب: 3/ 221 - 224، والطرطوشي- سراج الملوك: 175، والزركلي- الأعلام: 3/ 132. 5 - في "الأصل" (ابن زدمير) وكذلك في "ب"، وما أثبتناه من "ج" قد ثبت في "البيان المغرب" لابن عذارى: 3/ 223، وفي "سراج الملوك" للطرطوشي: 175، "ابن ردميل" وجاء في نسخة أخرى منه: 302 "ابن روميل النصراني". 6 - ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د". 7 - في "الأصل" (أنظروا) وما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د" قد ثبت في "سراج الملوك ". 8 - في "الأصل" (عسركم) والصواب ما أثبتناه.

ومن غاب منهم "فعدّوهم، فوجدوهم ثمانية لا يزيدون، فقام الطاغية ضاحكاً مسروراً، وهو 1 يقول: "ما أبيضك من يوم". ثم تناشبت الحرب، فلم تزل المضاربة 2 بين الفريقين، ولم يولّ واحد منهم دبره، ولا عن مقامه، حتى (فنى) 3 أكثر العسكرَين، ولم يفرّ واحد منهم، ولما كان وقت العصر حملوا على المسلمين، وداخلوهم مداخلة واحدة، ففرّقوا بينهم وهزموهم. فليعتبر ذو 4 العزم في البصيرة، ببشرى الطاغية بالنصر والغنيمة، لما زاد في أبطاله رجل واحد) اهـ بنقل الطرطوشي 5. وذكر بعض المؤرخين: (أن بعض أمراء الأندلس الذين استحكموها إثر فتحها كان يقاتل عدوّه، وأمّر على طائفة من جيشه ولده، فوقعت الهزيمة على ناحية ولده، فجاء الأمير لولده بسيفه يقطر دماً ليقتله، وهو يقول: (هلاّ صبرت حتى قتلت وسلّمت، ولا تأتيني بالذلة والهزيمة" فما ردّه خواصه عن قتل ولده إلاّ بمشقّة. فلما رأي عمّاله ما فعل بولده، قالوا: "هذا ما فعل بولده، فكيف بنا! " فلم ينهزهم أحد من عمّاله بعد). فتهديد العمّال وتوعّدهم بالقتل إن انهزموا، من مكائد الحرب. وذكر الموّاق- رحمه الله-: (أنّ عثمان 6 - رضي الله عنه- أمّر-: ابن أبي

_ 1 - ساقطة من "ب". 2 - في "سراج الملوك للطرطوشي" (المصابرة). 3 - في "الأصل" (أفنى) وكذلك في "ب"، وما أثبتاه من "ج" و"د" قد ثبت في "سراج الملوك". 4 - في"ب" و"ج" و"د" (ذوو). 5 - نقله الطرطوشي في "سراج الملوك": 175 - 176، "باب: في ذكر الحروب ومكائدها". وابن العنابي في "السعي المحمود في نظام الجنود": 163 - 164، وعزا نقله للطرطوشي. 6 - عثمان بن عفان، أمير المؤمنين ذو النورين، ثالث الخلفاء الراشدين. قتل (سنة 3هـ). (ابن حبيب- المحبر: 377، ابن الجوزي- صفة:1/ 112، الزركلي- الأعلام: 4/ 210).

سرح 1 على غزوّ افريقية" 2، وكان الطاغية "جرجير" يملك من "طرابلس" 3 إلى "طنجه" 4، فهاله 5 أمر العرب لما نزلوا به، فتحيّل: أن زيّن بنتا له كانت بارعة الجمال، وقال لجيشه: "أتعرفون هذه" قالوا: "نعم، سيدتنا، وبنت سيّدنا" قال الملك جرجير: [29/ب] "- وحق المسيح، ودين النصرانية- لا قتل أحد منكم ابن أبي سرح- أمير العرب- إلاّ زوجتها له، وسقت لها جميع ما معها من الحليّ، والحلل، والجواري! ". فحرّض بذلك شجعان الروم تحريضاً شديداً، فبلغ ذلك لابن أبي سرح، فأخبر من معه من المسلمين: بمقالة "جرجير"، ثم قال لهم: "- والله- لا قتل منكم رجل "جرجير" إلاّ نفلته ابنته، وما معها! ". فانتدب أناس فيهم: عبد الله بن الزبير 6 - رضي الله عنه- وهو: ابن بضع

_ 1 - هو: عبد الله بن سعد أبي سرح القرشي العامري: صحابي جليل، وفارس بني عامر، أسلم قبل فتح مكة، وكان من كتاب الوحي للنبي - صلى الله عليه وسلم - فتح افريقية، وغزا الروم بحراً، وظفر بهم في معركة "ذات الصواري" مات "بعسقلان" فجأة وهو قائم يصلي (سنة 37هـ). (ابن الأثير- أسد الغابة: 3/ 173، ابن كثير- البدابة: 7/ 250، السلاوي- الاستقصا:1/ 35، الزركلي- الأعلام: 4/ 88 - 89). 2 - سمّيت "افريقية": بافريقيس بن أبرهة، وقيل: أنه لما غزا المغرب انتهى إلى موضع واسع رحيب كثير الماء، فأمر أنْ تبنى هناك مدينة فبنيت وسمّاها بأفريقية، اشتق اسمها من اسمه، ثم نقل إليها الناس، ثم نسبت تلك الولاية بأسرها إلى هذه المدينة، وفتحت عنوة في خلافة عثمان بن عفان (سنة 29هـ). (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 1/ 228). 3 - وهي طرابلس الغرب، مدينة تقع على شاطيء البحر، يحيطها سور صخري جليل البنيان. ذكر اللّيث بن سعد: (غزا عمرو بن العاص طرابلس (سنة 23هـ)، وحاصرها شهرين لا يقدر منهم على شيء ثم دخلها بجيشه وهزم الروم وغنم ما كان فيها. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 4/ 25). 4 - هي: بلد على ساحل بحر المغرب مقابل الجزيرة الخضراء وهو: من البر الأعظم وبلاد البربر، ينسب إليها: "عبد الملك بن سنجون اللواتي الطنجي"، وكان من فصحائها وكبار علمائها. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 4/ 43). 5 - أي: أفزعه، وبابه: قال. (الرازي- مختار الصحاح: 556). 6 - أبو بكر، عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي: فارس قريش في زمنه، شهد فتح =

وعشرين سنة، فتحيّلوا، وحملوا حتى شقّوا الصفوف، وظفروا "بجرجير"، فقتلوه، وانهزم الكفّار، وتنازعوا في قتل "جرجير"، فقالت البنت: "أنا أعرف قاتل أبي" فأمر ابن أبي سرح: أنْ يمرّ الجيش بين يديها، وهي تنظر حتى مر ابن الزبير، قالت: "هذا- والمسيح- هو: الذي قتل أبي، فقال ابن أبي سرح، لابن الزبير: "كتمتنا" قال: "قد علم الله (الذي) 1 قتله له- يعني: لم أقتله إلاّ لله- لا لما وعدت به من التنفيل" قفال ابن أبي سرح: "إذن- والله- أنفلك ابنته" فنفله إياها، وما معها، واتخذها أم ولد) 2 اهـ. فانظروا- أيّدكم الله-!: كيف كانت راحة المسلمين في انتداب هؤلاء الأبطال لقتله، ووفاء أميركم بوعده!. قال المواق أيضاً: (ذكر) صاحب "عيون الأخبار" 3 أن "مسلمة" 4 حاصر

_ = افريقية زمن عثمان، بويع له بالخلافة (سنة 64هـ)، وكان من خطباء قريش المعدودين، وأول من ضرب الدراهم المستديرة، له في كتب الحدبث 33 حديثاً، وكانت له مع الأمويين وقائع هائلة انتهت بمقتله (سنة 73هـ). (ابن الأثير- الكامل: 4/ 135، ابن الجوزي- صفة:1/ 322، البكري- تاريخ الخميس: 2/ 301، الزركلي- الأعلام: 4/ 87) .. 1 - ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د". 2 - نقله الموّاق في "التاج والأكليل لشرح مختصر خليل": 3/ 373 374، "كتاب: الجهاد" وعزا نقله لصاحب كتاب "معارف الأشواق". 3 - "عيون الأخبار" للشيخ الإمام أبي محمد، عبد الله بن مسلم، المعروف بابن قتيبة، الدينوري، النحوي، الأدبي، من المصنفين المكثرين، وكتابه هذا قد طبع، وهو كبير مشتمل على أبواب كثيرة، تجتمع في عشرة كتب وهى: كتاب السلطان، والحرب، والسؤدد، والطبائع، والأخلاق، والعلم، والزهد، والاخوان، والحوائج، والطعام، والنساء. وذكر: أنّه صنفه في الأدب والمحاضرات دالاً على معالي الأمور، مرشداً لكريم الأخلاق، زاجراً عن الدناءة والقبح، باعثاً على الصواب والتدبير، ورفق السياسة). ومن كتبه- أيضاً-: "تأويل مختلف الحديث" و"أدب الكتاب" وغير ذلك. مات ببغداد (سنة 276هـ). (السيوطي- بغية الوعة: 2/ 63 - 64، حاجي خليفة- كشف الطنون: 2/ 1184، الزركلي- الأعلام: 4/ 137). 4 - هو: مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم: الأمير، القائد، من أبطال عصره، من بني أميّة في دمشق، له فتوحات مشهورة منها "غزو القسطنطنية" و"الترك" و"السند" قال =

حصناً من حصون الكفّار، وندب الناس للدخول من نقب 1 هناك، فما دخله أحد، فجاء رجل من عرض الجيش، فدخله، ففتحه الله عليهم، فنادى "مسلمة": "اين صاحب النقب؟ "فما جاء أحد، فنادى: "اني عزت عليه أنْ يأتي" فأتى رجل وقال: "صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثاً: أنْ لا تجعلوا اسمه في صحيفة إلى الخليفة، ولا تأمروا له بشيء، ولا تسألوا عمّن هو! ". فقال "مسلمة": "ذلك له" فقال: "أنا هو" [30/أ] فكان مسلمة لا يصلّي صلاة إلاّ قال: "اللهمّ إجعلني مع صاحب النقب") 2 اهـ. وذكر الإمام الطرطوشي- في "سراجه"-: (أن القدماء قالوا: للكثرة الرّعب، وللقلّة النصر، فالكثرة أبداً يصحبها الإعجاب ومع الإعجاب الهلاك. وفي الحديث: "خير الأصحاب أربعة، وخير السرايا 3 أربعمائة، وخير الجيش أربعة آلاف، ولن يغلب جيش بلغ اثني عشر ألفاً من قلّة" 4 فالكثرة

_ = الذهبي: (كان أولى بالخلافة من سائر إخوته). مات (سنة 120هـ). (ابن حجر- تهذيب: 10/ 144، الزركلي- الأعلام: 7/ 224). 1 - أي: من ثقب، وجمعه: أنقاب، ونقاب، ونقبت الحائط، أي: خرقته. (الفيومي- المصباح المنير: 2/ 330، الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 4/ 420). 2 - أنظر ابن قتيبة في "عيون الأخبار": 1/ 172، "باب: في أخبار الشجعاء والفرسان وأشعارهم". والموّاق في "التاج والإكليل في شرح مختصر خليل": 3/ 374. 3 - مفرده: "سريّة" وهي: قمة عسكرية للمشاة والخيّالة والدروع والمخابرة والهندسة والنقلية. يقال: سرية مشاة، وسرية خيالة وسرية مدرعات، وسرية دبابات، وسرية ناقلات. (شيت خطاب- المصطحات العسكرية: 361). 4 - أخرجه أحمد في "مسنده": 1/ 299، عن ابن عباس. والبيهقي في "سننه": 9/ 156، "كتاب السير" "باب: ما يستحب من الجيوش والسرايا". وأبو داود في "سننه" أنظر: "عون المعبود في شرح سنن أبي داود": 7/ 268 - 269. "كتاب الجهاد" "باب: في ما يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا"، وقال: (والصحيح أنه مرسل). والهيثمى في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد": 5/ 258، 327 "كتاب الجهاد" "باب: =

يلزمها الإعجاب. قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ (شَيْئًا) ... 1} 2. (قال) 3: (قال بعض الحكماء: وقد جمع الله لنا آداب الحرب، في قوله تعالى: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّة كَثِيرًا .... إلى قوله: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّة مَعَ الصَّابِرِينَ} 4 5، فدلّت هذه الآية: على أن النصر مقرون بالصبر. قال: (ورأيت غير واحد ممّن ألّف في الحروب: يكره رفع الصوت بالتكبير،

_ = المرافقة" و"باب الصبر عند القتال" مع زيادة، من قلّة إذا صدقوا وصبروا" وعزاه لأبي داود والترمذي. وأورده الزبيدي في "اتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين": 6/ 399. والشوكاني في "نيل الأوطار": 7/ 235، "باب: ترتيب السرايا والجيوش"، وقال: (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن). 1 - سورة التوبة / آية 25، وتمامها: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}. 2 - أنظر الطرطوشي في "سراج الملوك": 179، "باب: في ذكر الحروب ومكائدها وحيلها وأحكامها". 3 - أي الطرطوشي، وهي ساقطة من "الأصل" وكذلك من "ب"، والإضافة من "ج". 4 - سورة الأنفال / آية 45، تقدم تخريجها: 302، وآية 46 وتمامها: {وَأَطِيعُوا اللَّة وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْةبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّة مَعَ الصَّابِرِينَ}. 5 - أنظر الطرطوشي في "سراج الملوك ": 177 "باب: ذكر الحروب ومكائدها وحيلها". ونقله- أيضاً- ابن الأزرق في "بدائع السلك في طبائع الملك": 1/ 167، "في مكائد حصار المدن والحصون" وعزاه لكتاب، محاسن البلاغة للتدميرى". ثم قال: (قال صاحب "مشارع الأشواق" من متأخري المشارقة- هو محيي الدين أحمد بن ابراهيم الدمشقي-: "ولقد صدق هذا القائل فإن الله تعالى أمر المقاتلين فيها بخمسة أمور، ما اجتمعت في فئة إلاّ نصرت، وإن قلّت، وكثر عدوّها، وهي: الثبات وكثرة ذكر الله، وطاعة الله ورسوله، وعدم التنازع الموجب للفشل والوهن، فإنّهم إذا اجتمعوا كانوا كالحزمة من السهام، لا يستطاع كسرها جملة فإذا تفرّقت سهل كسرها سهماً سهماً. الخامسة: الصبر وهو ملاذ الأمر والنصر سببه، ومتى فقد شيء من ذلك نقص من النصر بحسبه).

ويقولون: يذكر الله في نفسه) 1. قال 2: (قال عتبة بن ربيعة 3 - يوم بدر-4 لأصحابه-: ألا ترون أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - جثيًّا 5 على الركب، كأنهم خرس يتلمّظون 6 تلمّظ الحيّات) 7. قال: (وبينما المنصور بن (أبي) 8 عامر 9 - في بعض غزواته-: إذ وقف

_ 1 - أنظر نفس المصدر السابق. وقال القرطبي عند قوله تعالى: {فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّة كَثِيرًا}: (قال قتادة: افترض الله- جلّ وعزّ ذكره- على عباده، أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف وحكم هذا الذكر أن يكون خفيًّا، لأن رفع الصوت في مواطن القتال رديء مكروه إذا كان الذاكر واحداً، فأنَّا إذا كان من الجميع عند الجملة فحسن، لأنه يفتّ في أعضاد العدوّ، وروى أبو داود عن قيس بن عباد قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكرهون الصوت عند القتال). (الجامع لأحكام القرآن: 8/ 34). 2 - أي الطرطوشي. 3 - أبو الوليد، عتبة بن ربيعة بن عبد شمس: كبير قريش وأحد ساداتها في الجاهلية، موصوفاً بالرأي والحلم والفضل، خطيباً، نافد القول، أول ما عرف عنه توسطه للصلح في حرب الفجّار (بين هوازن وكنانه)، أدرك الإسلام، وشهد بدراً مع المشركين، وقاتل قتالاً شديداً، فأحاط به عليّ بن أبي طالب وحمزة وعبيدة بن الحارث، فقتلوه (سنة 2هـ) (ابن حبيب- المحبر: 175، الزركلي- الأعلام: 4/ 200). 4 - ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل "وادي الصفراء" وإليه نسبت الوقعة المشهورة التي أظهر الله بها الإسلام وفرّق بين الحق والباطل في شهر رمضان (سنة 2هـ). (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 1/ 357 - 358). 5 - جثى على ركبتيه يجثي جثيًّا، وجثا يجثو جثوًّا: أي جلس على ركبته. (الرازي- الصحاح: 69، المصباح المنير: 1/ 113). 6 - لمظ الرجل يلمظ لمظاً، وتلمّظ زيد تذوق وتتبع بلسانه اللّماظة، والحيّة أخرجت لسانها. (البستاني- فاكهة البستاني: 1312). 7 - أنظر الطرطوشي في "سراج الملوك ": 177، "باب: في ذكر الحروب ومكائدها وحيلها وأحكامها"، وأورده- أيضاً- ابن قتيبة في "عيون الأخبار": 2/ 108، "كتاب الحرب" "آداب الحرب ومكائدها". 8 - ساقطة من جميع النسخ، والإضافة من "سراج الملوك " ومن كتب التراجم. 9 - هو محمد بن عبد الله بن عامر المعافري القحطاني، المعروف: بالمنصور بن أبي غامر: أمير =

من الأرض بمكان مرتفع، فرأى: جيوش المسلمين- بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن يساره- قد ملؤوا السهل والجبل، فالتفت إلى مقدم العسكر- وهو رجل يعرف: بابن المصحفي- 1 وقال له: كيف ترى هذا العسكر، أيها الوزير؟ "فقال له- ابن المصحفي-: "أرى جمعاً كثيراً، وجيشاً واسعاً" قال له المنصور: "لا يعجزنا أن يكون في هذا الجيش ألف مقاتل، من أهل الشجاعة والبسالة"، فسكت ابن المصحفي، فقال المنصور: "ما سكوتك؟ أليس في هذا الجيش ألف مقاتل من الأبطال؟ " [30/ب] قال: "لا"، فتعجب المنصور!، ثم انعطف عليه، فقال: "أليس فيهم خمسمائة رجل؟ " قال: "لا"، قال: "أفيهم مائة رجل؟ " قال: "لا"، قال: "أفيهم خمسون؟ " قال: "لا"، فسبّه المنصور، واستخفّ به، وأمر به فأخرج على أقبح حال!. فلما توسّطوا بلاد المشركين: اجتمعت الروم، وتصافّ الجمعان، فبرز علج 2 من الروم- يكر 3 ويمرّ- وهو ينادي: "هل من مبارز؟ "، فبرز له رجل من المسلمين، فتجاولا ساعة، فقتله العلج، ففرح المشركون، وصاحوا

_ = الأندلس، في دولة المؤيد الأموي، قدم قرطبة طالباً للعلم فبرع وتولّى القضاء في اشبيلية، وقام بشؤون الدولة لما مات المستنصر الأموي، وكان "المؤيد" صغيراً، قال الذهبي: (كان المؤيد معه صورة بلا معنى). مات في احدى غزواته بمدينة سالم (سنة 392هـ). (ابن الأثير- الكامل: 9/ 61، المقري- نفح الطيب:1/ 189، الزركلي- الأعلام: 6/ 226). 1 - هو: أبو الحسن، جعفر بن عثمان بن نصر، الحاجب المعروف: بالمصحفي، الوزير، الأديب، الأندلسي، الكاتب، ولي جزيرة "ميورقة" في أيام الناصر، وتصرّف في أمور الدولة في أيام هشام المؤيد، وقوى عليه المنصور بن أبي عامر فقتله وبعث بجسده إلى أهله (سنة 372هـ) (المقري- نفح الطيب:1/ 281 - 286، الزركلي- الأعلام: 2/ 125). 2 - العلج- بالكسر- الرجل من كفّار العجم، وجمعه: علوج وأعلاج. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط:3/ 291). 3 - يقال: كرّ الفارس: عاد مرة بعد أخرى. (شيت خطاب- المصطحات العسكرية: 2/ 618).

واضطرب لها المسلمون!، ثم جعل العلج يمرح بين الصفّين، وينادي: "هل من مبارز اثنين بواحد؟ "، فبرز إليه رجل من المسلمين، فتجاولا ساعة، فقتله العلج، وجعل يكرّرا ويحمل: "هل من مبارز ثلاثة بواحد؟ "، فبرز إليه رجل، فقتله العلج، فصاح المشركون، وذلّ المسلمون- وكادت أن تكون كسرة-!. فقيل للمنصور: "ما لها غير ابن المصحفي " فبعث إليه: فحضر، فقال المنصور: "ألا ترى ما يصنع هذا العلج؟ " قال: "بعيني جميع ما جرى" قال: "فما الحيلة فيه؟ " قال: "وما الذي تريد؟ " قال: "تكفي المسلمين شرّه " قال: "نعم"، ثم قصد إلى رجال يعرفهم، فاستقبله رجل من رجال الثغور 2 على فرس قد نشزت أوراكها هزالاً- وهو: يحمل قربة ماء بين يديه على الفرس، والرجل في نفسه وحليته: غير متصنّع، فقال له- ابن المصحفي-: "ألا ترى ما يصنع هذا العلج؟ " قال: "قد رأيته!، فماذا ترى فيه؟ " قال: "يزال رأسه الآن" قال: "نعم"، فلبس لأمة 3 حربه، وبرز إليه، فتجاولا ساعة، فلم ير الناس إلاّ المسلم خارجاً إليهم يركض، ولا يدرون ما هنالك؟، فإذا الرجل: يحمل رأس العلج، فألقى الرأس بين يدي المنصور!، وقال ابن المصحفي له: "عن مثل هذا أخبرتك: بأنه ليس في عسكرك ألف، ولا خمسمائة، ولا مائة، ولا خمسون، ولا عشرون، ولا عشرة" [31/أ] فردّ ابن المصحفي إلى منزلته فأكرمه، وأكرم قاتل العلج) 4 اهـ.

_ 1 - في "ب" و"ج" و"د" (يكرّ) وما أثبتناه مناسب للسياق. 2 - مفرده "ثعر" وهو: كل موضع قريب من أرض العدوّ، كأنه مأخوذ من الثغر، وهي الفرجة في الحائط، وهو في مواضع كثيرة، منها: ثعر الشام، وطرسوس، والمصيصة وغيرها. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 2/ 79 - 80). 3 - اللأمة- بالفتح- الدّرع، وجمعه: لأم ولؤم، والفارس لأمته لسمها. (البستاني- فاكهة البستاد: 1275). 4 - أورده الطرطوشي في "سراح الملوك ": 176 - 178، "باب: في ذكر الحروب ومكائدها وحيلها وأحكامها" وذكر أنه نقله من أستاذه: القاضي أبو الوليد الباجي.

قال: وكذا وقع لرجل يقال له ابن فتحون 1: فإنه كان أشجع العرب والعجم، وكانت النصرانية تعرف شجاعته، وكان المستعين (أبو) 2 المقتدر بالله 3: يعظّمه لذلك، ويجرى له في كل يوم خمسمائة دينار، فحسده نظراؤه على كثرة العطاء- وما زالوا عليه- حتى غيّروه عليه. فلما غزا المستعين بلاد الروم، فبرز علج وسط الميدان 4، ينادي: "هل من مبارز؟ فبرز إليه رجل، فقتله العلج، ثم خرج إليه آخر فقتله، ثم آخر فقتله، فضجّ المسلمون، واضطربوا، ولم يقدر أحد من المسلمين: أن يخرج إليه، وبقي الناس في حيرة!. فقيل للمستعين: "ما لها إلاّ ابن فتحون" فدعاه، وقال له: "أترى ما يصنع هذا العلج؟ " فقال: "هو بعيني" قال: "فما الحيلة فيه؟ " قال: "وما تريد؟ ". قال: "أن تكفي المسلمين شرّه"، فلبس ابن فتحون قميصاً واسع الأكمام، وركب فرسه بلا سلاح، وأخذ بيده سوطاً طويلاً، وفي طرفه عقدة، ثم برز إليه- فعجب النصراني منه! - وحمل كل منهما على صاحبه، فلم تخط طعنة النصراني سرج ابن فتحون، فتعلّق ابن فتحون برقبة فرسه ونزل

_ 1 - هو أبو الوليد ابن فتحون، فارس كان "بسرقسطة"، يقرب نسبه إلى الطرطوشي. (الطرطوشي- سراج الملوك: 180). 2 - في جميع النسخ (ابن) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه كما هو ثابت في "سراج الملوك": 180. 3 - هو أبو الفضل، العباس بن محمد بن أبي بكر بن سليمان، المستعين بالله، من خلفاء الدولة العباسية الثانية بمصر، بويع بالخلافة في القاهرة بعد وفاة أبيه (سنة 808هـ)، أرسله "الأتابكي شيخ المحمودي" إلى سجن الاسكندرية بعد هزيمة الناصر، ومات بالطاعون (سنة833هـ). أنظر: ابن إياس- بدائع الزهور: 1 - 2/ 747، 2/ 130، البكري- تاريخ الخميس: 2/ 384، الزركلي- الأعلام: 3/ 265). 4 - أي- الساحة، يقال ميدان المعركة: ساحة المعركة والحرب. (شيت خطاب- المصطلحات العسكرية: 2/ 651).

إلى الأرض، ثم استوى على سرجه، وحمل عليه، فضربه بالسوط على عنقه، فالتوى على عنقه، وأخذه بيده من السرج، فاقتلعه، وجاء به نحو المستعين فألقاه بين يديه، فعلم المستعين: أنه أخطأ في صنعه معه، فأكرمه، وردّه إلى منزلته، وزاد في عطائه) 1. ومن المكائد أيضاً: ما قاله ابن النحاس وغيره، قالوا: (أهمّ ما ينبغي لصاحب الجيش قبل القتال، أن يبثّ الجواسيس الثقات عنده في عسكر [31/ب]، عدوّه، ليتعرّف أخبارهم، وما عندهم من العدد والآلات، ويحرز أعدادهم، ويبحث عن أسماء رؤسائهم وشجعانهم، ويدسّ إليهم ويخدمهم بما تميل إليه طبائعهم، ليغدروا بصاحبهم أو يعتزلوه وقت القتال، ويكتب أخباراً مزوّرة تطابق ما وصل إليه من الجواسيس، ويطرحها في جيش عدوّه على ما يقتضيه الحال، ولا يبخل بما يصرفه على ذلك، فإنه إن كانت النصرة له فلا يضرّه ما أنفق، وإن كانت عليه فلا ينفعه ما خلف) 2. ويروى: (أن أصحاب المهلّب 3 حاصوا عليه، وقالوا: "لا طاقة لنا

_ 1 - أنظر الطرطوشي في "سراج الملوك ": 180، "باب: ذكر الحروب ومكائدها وحيلها وأحكامها". 2 - قال ابن الأزرق - في مكائد ما قبل القتال-: (المكيدة الأولى: وهي أهمّ ما يبدأ به قبل القتال، بثّ الجواسيس الثقات في عسكر العدوّ وبلاده لتعرف أخبارهم مع الساعات، وما عندهم من العدّة والعدد، وما لهم من المكائد والحيل، وكم عدد رؤسائهم وشجعانهم وما منزلتهم عند صاحبهم، ويدسّ إليهم ما يخدعون به من صلة أو ولاية، حتى يغدروا صاحبهم، أو يهربوا عنه ويخذلوه، عند لقائه). (ابن الأزرق- بدائع السلك في طبائع الملك: 1/ 162). وقال الطرطوشي: (ووجوه الحيل لا تحصى والحاضر فيها أبصر من الغائب). (الطرطوشي- سراج الملوك: 17). 3 - هو أبو سعيد، المهلب بن أبي صفرة ظالم بن سراق الأزدي العتكي، أمير، بطاش، جواد، قال فيه عبد الله بن الزبير: (هذا سيد أهل العراق) حارب الأزارقة تسعة عشر عاماً حتى تمّ له الظفر بهم، تولّى ولاية "خراسان" في عهد عبد الملك بن مروان، أخباره كثيرة، مات بخرسان (سنة 83هـ). (ابن حبيب- المحبر: 261، ابن الأثير- الكامل: 4/ 183، ابن خلكان- وفيات: 350 - 358، الزركلي- الأعلام: 7/ 315).

بسهام 1 مسمومة ترمي بها الخوارج، يصنعها رجل يقال له: "أبزى" فقال: "كفيتكم العبد- إن شاء الله-"، ثم كتب إليه: "من المهلّب إلى أبزى، أما بعد: فقد وصلت هديّتك، وحسن موقعها، وقد أنفذت لك مع كتابي ألف درهم، فاقبضها، ولا تقطع مواصلتي ومهاداتي أعظم وفدك، وتجدني حيث شئت". وقال للرسول: "تعرض لجماعة من الخوارج، حتى يأخذوا الكتاب منك، ويدفعوه إلى رئيسهم "قطري" 2 - ففعل ما أمره به- فلما وصل الكتاب إلى "قطري"، عجّل على "أبزى" بالقتل، قبل أن يعرف صحة الخبر، وقال: "ما أصنع بمن يهادي المهلّب "، فافترقوا لذلك، وكان هذا سبب اختلافهم، فقال المهلّب- لأصحابه-: "لا تشغلوهم عن المنازعة بالقتال، فإنّهم إن افترقوا الآن لن يجتمعوا أبداً" فكان كما قاله). وحكى عن كسرى: (أنه بعث "الاصبهند" إلى الروم، في جيش عظيم، فأعطي من الظفر ما لم يعط أحد من الظفر قبله، فظن "كسرى": أن ذلك يغيره عليه، ويوجب له كبراً، فبعث إليه رجلاً، ليقتله- وكان المبعوث عاقلاً- فلما رأى عقل "الاصبهند" وتدبيره، قال: "ما يصلح هذا بغير جرم"، ثم

_ 1 - مفرده: "سهم" وهو: عود من الخشب يسوّى، في طرفه نصل يرمى به عن القوس. (شيت خطاب- المصطحات العسكرية: 1/ 380). 2 - هو أبو نعامة، ابن الفجاءة، جعونة بن مازن بن يزيد الكناني المازني التميمي، من رؤساء الأزارقة "الخوارج" وأبطالهم. من أهل "قطر" بقرب "البحرين"، كان خطيباً فارساً شاعراً. استفحل أمره في زمن مصعب بن الزبير، لما ولي العراق نيابة عن أخيه عبد الله، وبقي "قطري" ثلاث عشرة سنة يقاتل ويسلّم عليه بالخلافة وامارة المؤمنين، والحجاج بن يوسف يسثر إليه جيشاً بعد جيش، وهو يردهم ويظهر عليهم، اختلف المؤرخون في مقتله، فقيل: عشر به على فرسه، فاندقت عنقه فمات، وقيل: توجه إليه سفيان بن الأبرد الكلبي، فقاتله وقتل في المعركة، وذلك في (سنة 78هـ). (ابن خلكان- وفيات الأعيان: 4/ 93 - 95، الزركلي- الأعلام: 5/ 200 - 201).

أخبره بالذي جاء به، فأرسل "الاصبهند" إلى "قيصر": [32/أ] "اني أريد أن ألقاك؟ " قال: "إذا شئت التقينا"، فالتقيا، وقال له: "إن هذا الخبيث قد همّ بقتلي، ووجّه إليّ رجلاً، لذلك، وإني أريد هلاكه- كالذي أراد مني- والبادي أظلم- فاجعل لي من نفسك ما سأطمئن إليه، فأعطيك من بيوت أمواله؟ ". فأعطاه من المواثيق، ما اطمأنّ إليه، وسار قيصر في أربعين ألفاً، فنزل "بكسرى"، فعلم "كسرى": كيف جرى الأمر، فاحتال على بعض جنود "قيصر"، فدعا قسيساً متبصراً في دينه، وقال له: "إني كاتب معك كتاباً لطيفاً في جريدة، لتبلغه "الاصبهند"، ولا تطعنّ على ذلك أحداً، وأعطاه ألف دينار، وقد علم "كسرى": أن القسّ موصل كتابه إلى "قيصر"، لأنّه لا يحبّ هلاك الروم. وكان في الكتاب: "إلى "الاصبهند": إني كتبت إليك، وقد دنا منّي "قيصر"، وقد أحسن الله إلينا، ومكّنا منهم بتدبيرك- لاعدمت صواباً- وأنا ممهله، حتى يقرب من المدائن 1، ثم أغافصه 2 في يوم كذا، فأعد عليّ من قبلك ما يكون به استئصالهم. فخرج القسّ (بالكتاب) 3: فأوصله إلى "قيصر"، فقال قيصر: "هذا الحق، ما أراد إلاّ هلاكنا! " فتولّى منصرفاً، وأتبعه "كسرى"، ايّاس بن

_ 1 - جمع مدينة: وهذا الموضع كان مسكن الملوك من الأكاسرة الساسانية وغيرهم، فكان كل واحد منهم إذا ملك بنى لنفسه إلى جنب التي قبلها وسمّاها باسم، فأولها المدينة "العتيقة"، ثم مدينة "الاسكندرية"، ثم مدينة يقال لها "رومية"، وغير ذلك، فسميت المدائن بذلك، وكان فتح المدائن كلّها على يد: سعد بن أبي وقاص سنة 16هـ) في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 5/ 74 - 75). 2 - في "ج" (أعافصه) والصواب ما أثبتناه. وهو بمعنى: فاجأه وأخذه على غرّة (ابن منظور- لسان العرب: 3276، الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 3/ 106). 3 - في "الأصل" (بالكتب) ولعلّه سهو من الناسخ.

قبيصة الطائي 1، فقتل أصحابه، ونجا قيصر في شرذمة 2 قليلةه). وقد كان "كسرى" من الذكاء على غاية، روي عنه: (أنّ منجميه قالوا له: "انك تقتل"، فقال: "لأقتلن من يقتلني" فأمر: بسمّ مخلّط في أدوية، ثم كتب عليه: "هذا دواء، للجماع مجرب، من أخذ منه قدر وزن كذا جامع كذا وكذا امرأة 3! " فلما قتله: "شيرويه" 4، فتّش خزائن أبيه، فمرّ به، فقال- في نفسه-: "هذا الدواء كان يقوي على المواقعة" فأخذ منه فقتله وهو ميت). قالوا: (وينبغي لأمير الجيش: أن يفشي في جيشه على ألسنة كبراء عدوّهم 5، (وبطارقتهم) 6 كتباً مزوّرة إليه، ويظهرها في عسكره، [32/ب] لتقوى بها القلوب، وتنطق بمضمونها الألسنة، ويتّسع فيها الكلام، فلا بدّ أن يبلغ العدوّ ذلك، فيوغر قلبه على أصحابه وجنده- ويخاف أن يكون ذلك حقاً- وان كان يعلم أن

_ 1 - هو من أشراف طيء، وفصحائها، وشجعانها في الجاهلية، اتصل بكسرى ابرويز، فولاه الحيرة، وولي النعمان، ثم اشتدّ غضب ابرويز على النعمان فقتله وأعاد اياساً إلى ولاية الحيرة، وحدثت في أيامه وقعة "ذي قار" التي انتصف بها العرب من العجم، وكان على العجم اياس، فانهزم ولم يبرح والياً على الحيرة إلى أن مات (سنة 54هـ). (ابن الأثير- الكامل: 1/ 173، الزركلي- الأعلام: 2/ 33). 2 - الشرذمة: جماعة قليلة من الجند، يقال: "بعث الآمر شرذمة إلى العدوّ": جماعة قليلة من الجند، "وطارد الجيش شراذم العدوّ": جماعاته المتفرقة القليلة الذين مزّقتهم الحرب. (شيت خطاب- المصطحات العسكرية: 1/ 398). 3 - في "ب"و"ج"و"د": (مرة). 4 - شيرويه بن عضد الدولة، ابن بويه الديلمي، أبو الفوارسي، الملقّب: شرف الدولة، سلطان بغداد وابن سلطانها، وكان فيه خير وقلّة ظلم، أزال المصادرات، واعتلّ بالاستسقاء، مات (سنة 379هـ). (اليافعي- مرآة الجنان: 2/ 408، الزركلي- الأعلام: 3/ 183). 5 - في "ب"و"ج"و"د": (عدوّه). 6 - في "الأصل" (بطارقهم) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج"، لأنه جمع بطريق وهو: القائد من قواد الروم تحت يده عشرة آلاف رجل. (الرازي- مختار الصحاح: 41، ابن منظور- لسان العرب: 301).

ذلك كذباً، فلا بدّ أن يؤثر في قلبه أثراً) 1. قالوا: (وينبغي له- أيضاً-: أن يكثر في مجلسه من قراءة الأحاديث الواردة في فضائل الجهاد وأنواعه، وقراءة كتب الغزوات، ووقائع العرب وأيامها، وفتوحات المسلمين، ومنازلات الأبطال، ومعارك الشجعان من الصبر الشديد، والانغماس في العدوّ الكثير، فيوكل الطلبة بأن يقرأوا ذلك في كل طائفة من جيوشه، فإن ذلك يقوّي قلوب ذوي الإيمان، ويذهب بالضعف من قلب الجبان) 2. فان طارقاً 3 - (مولى) 4 ابن نصير-5: (لما عبر إلى بلاد الأندلس، ليفتحها، وخرج بعسكره في "الجزيرة الخضراء" 6 وهو: في اثني عشر ألفاً، فطمعت

_ 1 - نقل نحوه ابن الأزرق في "بدائع السلك في طبائع الملك": 1/ 162 "في المكيدة الثانية من مكائد ما قبل القتال وآدابه". 2 - أورد نحوه الهروي في "التذكرة الهروية في الحيل الحربية": 94، "في تحريض الرجال على الحرب" ومن ذلك قوله (ويستحب للملك أن يكثر في مجلسه من قراءة كتب الحروب وغزوات الفرس ووقائع العرب، وفتوح الشام وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومقاتل الفرسان، وحيل القتال). 3 - هو طارق بن زياد الليثي بالولاء: فاتح الأندلس، أصله من البربر، اسلم على يد موسى بن نصير، فكان من أشدّ رجاله. مات سنة (102هـ). (المقري- نفح الطيب: 1/ 108، الزركلي- الأعلام: 3/ 217). 4 - في "الأصل" (موصلي)، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه. 5 - هو: أبو عبد الرحمن، موسى بن نصير، اللخمي بالولاء، صاحب فتح الأندلس، كان من التابعين- رضي الله عنهم- وكان كريماً شجاعاً ورعاً تقيًّا لله تعالى. لم يهزم له جيش قط، مات (سنة 97هـ). (ابن خلكان- وفيات: 2/ 134، المقري- نفح الطيب: 1/ 108، الزركلي- الأعلام: 7/ 330 - 331). 6 - مدينة مشهورة بالأندلس ن وقبالتها من البرّ بلاد البربر سبتة، وهي شرقي شذونة وقبلي قرطبة، ومدينتها من أشرف المدن وأطيبها أرضاً، وسورها يضرب له ماء البحر. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 1/ 136).

الروم فيها، فاقتتلوا ثلاثة أيام، وكان على الجيش رجل يقال له: "تدمير" 1، فكتب تدمير إلى ملكه "لذريق" 2 يعلمه: "بأنهم قوم لا يدري من أهل الأرض هم، أم من أهل السماء؟ - قد وصلوا إلى بلادنا- وقد لقيتهم- فانهض إليّ أنت بنفسك! ". فأتى لذريق في تسعين ألف عنان 3، فاقتتلوا ثلاثة أيام- أشدّ قتال- فرأي طارق: ما الناس فيه من الشدّة!، فقام يحرّضهم على الصبر، ويرغّبهم في الشهادة، ثم قال: "أين المفرّ؟ البحر من ورائكم، والعدوّ أمامكم، فليس إلاّ الصبر منكم، والنصر من ربّكم، وأنا فاعل شيئاً، فافعلوا كفعلي، والله لأقصدنّ طاغيتهم: فإمّا أن أقتله، وإما أن أقتل دونه!. فاستوثق من حلية 4 لذريق، وعلامته وخيمته، ثم حمل عليه مع أصحابه حملة

_ 1 - هو: قائد من قواد الملك "لذريق"، وإليه تنسب بلاد "تدمير" بالأندلس وهي: "مرسية" وما والاها، وهي خمسه مواضع تسمّى بهذا الاسم. (ابن خلكان- وفيات الأعيان: 5/ 321). 2 - هو الملك السابع والعشرين من ملوك اليونان الذين حكموا الأندلس وآخرهم، وهر صاحب مدينة "طليطلة"، سقط حكمه فيها بعد أن فتحها المسلمون على يد طارق بن زياد (سنة 94هـ)، وهو الذي فتح (بيت الحكمة) الذي أسسه ملوك اليونان لوضع الطلسمات لتخويف البربر، وكان عليه ستة وعشرون قفلاً لكل ملك قفل منها، فرأي فيه مائدة عظيمة وعليها مكتوب: مائدة سليمان بن داود- عليهما السلام-، وتابوتاً عليه صور فرسان مصوّرة على أشكال العرب، وعليهم الفراء وهم معمّمون على ذوائب جعد ومن تحتهم الخيل العربية، ووجد كذلك رق مكتوب فيه: (متى فتح هذا البيت وهذا التابوت المقفلا بالحكمة دخل القوم الذين صورهم في التابوت إلى جزيرة الأندلس، وذهب ملك اليونان من أيديهم) فندم لذريق على ما فعل وتحقّق انقراض دولتهم. (ابن خلكان- وفيات الأعيان: 5/ 327 - 328). 3 - العنان: هو سير اللجام الذي تمسك به الدابة، وجمعه: أعنّة. (المعجم الوسيط: 2/ 639). 4 - أي: صفته. (الرازي- مختار الصحاح: 116)، وقد تكون (خيمته) كما ثبت في "سراج الملوك ": 178.

رجل واحد، فقتل الله لذريق [33/أ]- وحمى الله المسلمين- وانهزمت الروم) 1. وبهذه الحيلة: هزم البارسلان- ملك الترك- ملك الروم، بعد: (أن جمع الرومي جيوشاً يبلغ عددهم ستمائة ألف مقاتل، وقد استعدّ من الخيل والسلاح والمجانيق 2، والآلات المعدّة لفتح الحصون والحروب ما يعجز الوصف عن إحصائها، فلقيه البارسلان بنحو اثنى عشر ألفاً،- فحرّض 3 قومه كتحريض "طارق" المتقدّم- وحملوا على ملك الروم، حتى خلصوا إليه بقتل من دونه، فقتلوه وبدّدوا شمله) 4. وبها- أيضاً-: (قهر "ابن تاشفين" 5، "الأذفونش" 6 ملك الروم، لأن ابن

_ 1 - نقل هذه الواقعة: ابن خلكان في "وفيات الأعيان": 5/ 320 - 328، والطرطوشي في "سراج الملوك": 178، وابن الأزرق في "بدائع السلك في طبائع الملك": 1/ 165، "فيما يخدع به العدوّ عند القتال". وابن العنابي في "السعي المحمود في نظام الجنود": 178، عن الإمام الطرطوشي في "سراجه". 2 - هي آلة حربية لرمي العدوّ بحجارة كبيرة، ولها عدة أنواع. (أنظر هامش: أبو بكر الهروي "التذكرة الهروية في الحيل الحربية": 81). 3 - قال "البارسلان " لتحريض قومه: (يا معشر أهل الإسلام امهلوا فان هذا يوم الجمعة والمسلمون يخطبون على المنابر ويدعون لنا في شرق البلاد وغربها) فصبروا إلى أن زالت الشمس ثم صلّوا ودعوا الله تعالى أن ينصر دينه وأن يربط على قلوبهم الصبر- وكان "البارسلان" قد استوثق من خيمة ملك الروم وعلامته وفرسه، ثم قال لرجاله: (لا يتخلف أحدكم أن يفعل كفعلي ويضرب بسيفه ويرمي بسهمه حيث أضرب بسيفى وأرمي بسهمي). (الطرطوشي- سراج الملوك: 177 - 178). 4 - نقلها الطرطوشي في "سراج الملوك ": 177 - 178"باب: "في ذكر الحروب ومكائدها وحيلها وأحكامها". وابن العنابي في "السعى المحمود في نظام الجنود": 179 - 180. 5 - أبو يعقوب، يوسف بن تاشفين بن ابراهيم، الصنهاجي، اللمتوني، الحميري، أمير المسلمين، وملك الملثمين، سلطان المغرب الأقصى، حازماً ضابطاً لمصالح مملكته، كتب إليه المعتمد ابن عباد (سنة 475هـ) من "اشبيلية" يستنجده على قتال الافرنج، فزحف بمجموعة، فكانت واقعة "الزلاقة" التي انكسر فيها جيش الفرنج. مات (سنة 500هـ). (ابن الأثير- الكامل: 9/ 216، 10/ 143، الزركلي- الأعلام: 8/ 222). 6 - في جميع النسخ (الأدفنش) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه كما هو ثابت في كتب التراجم. وهو: الأذفونش فرذلند ملك الأفرنج بالأندلس، صاحب "طليطلة" قوى أمره في ذلك =

تاشفين أمر قواده وأبطاله: أن يحملوا عليه، ولا يقصدون غيره، ففعلوا، حتى خلصوا إليه، وأصابوه، إلاّ أنه هرب بعد الإصابة في نفر قليل، وبدّدوا جمعه، وغنموا جيشه) 1. فانظروا- أيّدكم الله-: كيف قرن الله النصر بالصبر في هذه الوقائع، وكيف انغمس العدد القليل في الكثير، فوقع النصر- حيث كانوا على قلب واحد- فلا يستنفر ويقدّم للقتال من لا معرفة له به، ولذا وجب على الإمام تدريبهم وتعليمهم- كما مرّ!. (ولما برز بعض ملوك 2 الأندلس، لقتال الروم، ورأي الهزيمة دنت إليه، فزع إلى "رجل" 3 من المسلمين لم يكن في الثغور أعرف منه بالحروب، فقال له: "كيف اليوم يا رجل؟ " فقال له: "يوم أسود، ولكن بقيت لي حيلة" فذهب بعد أن زيّا نفسه بزيّ الروم- وكان يعرف كلامهم بمجاورتهم- فانغمس في عسكر الكفّار، فقصد إلى الطاغية 4، وجعل

_ = الوقت، وكانت ملوك الطوائف من المسلمين هنالك يصالحونه، ويؤدّون إليه ضريبة، وقد استولى على "طليطلة" بعد حصار شديد، وكانت "للقادر بالله بن ذي النون"، ودارت بينه ويين الأمير "يوسف بن تاشفين" معارك انتصر فيها المسلمون، وهرب الأذفونش. (ابن خلكان- وفيات: 5/ 27 - 29). 1 - أنظر ابن خلكان في "وفيات الأعيان": 7/ 116 - 117، وكان ذلك في موقعة "الزلاقة" قرب بطليوس (سنة 479هـ)، حيث قال: (قال "البياسي": ان يوسف بن تاشفين قدم بين يدي حربه كتاباً على مقتضى السنة يعرض عليه: الدخول في الإسلام أو الحرب أو الجزية، ومن فصول كتابه: وبلغنا يا "أذفونش" أنك دعوت في الاجتماع بك، وتمنيت أن يكون لك فلك تعبر البحر عليها إلينا، فقد أجزناه إليك، وجمع الله في هذه العرصة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك، فلما سمع "الأذفونش" ما كتب إليه، جاش بحر غيظه وزاد في طغيانه وأقسم: أنه لا يبرح من موضعه حتى يلقاهه). 2 - هو: المقتدر بالله ابن هود ملك الأندلس، وقد برز من سرقسطة، (الطرطوشي- سراج الملوك: 179 - 180 "في ذكر الحروب وتدبيرها"). 3 - يسمّى "سعدادة". 4 - هو رد ميل عظيم الروم. (الطرطوشي- سراج الملوك: 180).

يترصد 1 غرّته 2، فوجده مكففاً 3 في السلاح لا يظهر منه إلاّ عيناه، فاحتال، حتى أمكنته الفرصة فطعنه في عينيه، فخرّ صريعاً، وجعل ينادي بلسان الروم: "قتل السلطان يا معشر الروم" وأشاع قتله في العسكر، فكان ذلك سبب انهزامهمه) 4. قالوا: (ومن السنة إذا أراد غزو طائفة: أن يوري 5 بغيرها تورية لا يشكّ فيها القريب والبعيد، ولا يطّلع على مقصده أحداً من خواصه، ولا غيرهم، إلاّ إن دعت ضرورة إلى ذلك- كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة "تبوك" 6 - بل إن أمكنه: أن يورّي بغيرها ممّا هو- كحالها في القرب والبعد والخوف- فليفعل، ولا يعيّنها ما وجد لكتمانها سبيلاً) 7.

_ 1 - ترصد له: أي قعد له على طريقه. (البستاني- فاكهة البستان: 535). 2 - أي: غفلته. (نفس المصدر السابق: 1017). 3 - أي: محاطاً، فكنّفه: حاطه وصانه، وتكنفوه، واكتنفوه، وكنفوه تكنيفاً: أحاطوا. (الرازي- الصحاح: 459). 4 - نقلها الطرطوشي في "سراج الملوك ": 179 - 180. 5 - في "الأصل" (يرى) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج". وهو بمعنى: يخفيه، يقال: "ورّى الخبر تورية" أي: ستره وأظهر غيره كأنه مأخوذ من وراء الإنسان، كأنه يجعله وراءه حيث لا يظهر، فالتورية: ان تطلق لفظاً ظاهراً في معنى، وتريد به معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ لكنه خلاف ظاهره. (الرازي- مختار الصحاح: 569، المصباح المنير: 2/ 376). 6 - موضع بين وادي القرى والشام، حصن بين عين ونخل وحائط ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وتنسب إليه آخر غزواته - صلى الله عليه وسلم - حينما توجه في (سنة 9هـ)، لغزو من انتهى إليه أنه قد تجمع من "الروم" وعاملة، ولخم، وجذام، فوجدهم قد تفرّقوا، فنزل - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه على عين وأمرهم أن لا يمسّ أحد من مائها، فسبق إليها رجلان وهي تبص بشيء من ماء فجعلا يدخلان فيها سهمين ليكثر ماءها، فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما زلتما تبوكان منذ اليوم) فسميت بذلك "تبوك "، والبوك: ادخال اليد في شيء وتحريكه. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 2/ 14 - 15). 7 - قال الصنعاني: (وكانت توريته - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا أراد قصد جهة سأل عن طريق جهة أخرى ايهاماً أنه يريدها، وإنما يفعل ذلك لأنه أتم فيما يريده من إصابة العدوّ وإتيانهم على غفلة من =

وفي الصحيحين: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لم يكن يريد غزوة يغزوها إلاّ ورّى بغيرها) 1. قال "ابن النحاس": (واعلم: أن الرسول يكشف حالة مرسله، لأنه أنموذج 2 شجاعته واقدامه، وترجمان عقله وفهمه، فربّ رسول: أزال هيبة مرسله من قلب عدوّه، بما شاهد من خوره 3، وعجزه، وجبنه، وقبح منظره، وربّ رسول: ألقى الرعب في قلب العدوّ، بحسن مظهره، وشدّة اقدامه، وقوة قلبه، وفصاحة لسانه، فكان ذلك سبب كسر العدوّ) 4. وقال: (ينبغي: أن يختار الرسل الثقات الذين لهم قوة الفراسة في أقوال العدوّ وأفعاله، وينبغي: أن لا يرسل رسولاً إلى عدوّه مراراً متوالية، فربما

_ = غير تأهبهم له وفيه دليل على جواز مثل هذا، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (الحرب خدعة). (الصنعاني- سبل السلام: 1342 - 1343). 1 - أخرجه البخاري في "صحيحه" "أنظر فتح الباري في شرح صحيح البخاري": 6/ 122 - 130، كتاب: "الجهاد" باب: "من أراد غزوة فورّى بغيرها" ومن أحب الخروج يوم الخميس"، 8/ 113، "كتاب المغازي" باب: "حديث كعب بن مالك"، عن عبد الله بن كعب. ومسلم في "صحيحه": 4/ 2128، كتاب: "التوبة" باب: "حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه". 2 - في "ب" (دليل). 3 - في "ب" و"ج" و"د" (جوره) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه. وهو بمعنى: ضعفه. تقول: "خور يخور خوراً، والجمع خور بوزن طور. (الرازي- الصحاح: 150). 4 - نقل نحوه الهروي في "التذكرة الهروية في الحيل الحربية": 75 - 78، "في صفة الرسول الذي يرسله، والرسول الذي يأتيه والحيلة عليه" وممّا قاله: (وليحذر أن يرسل رسولاً إلاّ بعد امتحانه واختبار أسراره واعلانه، وليعتبر دينه فإن وجد ميلاً إلى الدنيا وطمعاً في جمع المال، فلا يأمنه على سره. وليعلم أن الرسول الذي يأتيه من عدوّه أو صديقه إنما هو بعضه لا بل كلّه، وإنما هو رأيه، لا بل عقله، فيه يستدل على عقل صاحبه، وقوته، وعجزه، وخوره، واقدامه، فإذا أراد امتحانه وكشفه، فليستشره، فانه يقف من مشورته على خيره وشرّه، وعدله وجوره).

حصل للرسول من المرسل إليه مؤانسة وإحسان- والقلوب مجبولة على حبّ المحسن فقد يتولّد من ذلك: عدم إقدامه عليه بالكلام، حياء منه، وترك مقابلته بما يكره، وفاء له، ومداهنة 1 له في الجواب- حيث لا تليق المداهنة- فيحصل من ذلك خلل لا يخفى، فإن الإحسان يقيّد اللسان، وربما يتولّد من ذلك صداقة تؤدي: إلى أن يصير بطانة 2 للعدوّ عند من أرسله، فيضره من حيث لا يشعر) 3. وكم من دولة: كان سبب زوالها، خيانة رسولها واستمالة قلبه- كما تقدّم- فإذا اختلفت الرسل، كان ذلك أوثق لنيل ما يرومه 4 - اللهم-: إلاّ [34/أ] أن يكون الرسول ممّن به ثقة- لا يداخلها شكّ- ولا ارتياب- فإن تكرر دخوله عليه. ومن أعظم المكائد في الحروب- كما للطرطوشي، وابن النحاس، وغيرهما-: (الكمين- ولا تحصى كثرته وتعدّده- فان قدر على أن يجعل منه ثلاثة كمائن أو أكثر فليفعل، وهو: وان كان من عدد يسير، فانه إذا ظهر: أثر في القلوب رعباً، وفي الأعضاء ضعفاً، وفي العقل خموداً 5، وفي الاقدام وقفة، ولا يدوم اقبال مقاتل- على خصمه، إلاّ إذا كان آمناً من ورائه، ومتى جوّز أن يؤتى من خلفه تشتّتت همّته بين الدفع والقتال، وضعف جأشه عن مقاومة الرجال. وكم من عسكر: استبيحت بيضته 6، وقلّ عزمه،

_ 1 - من "دهن" أي: نافق. (الزاري- ترتيب القاموس المحيط: 2/ 226). 2 - البطانة: هو صفي الرجل يكشف له عن أسراره، ويقال: "بطانة الثوب": ما يبطن به، وهى: خلاف ظهارته. (ابن منظور- لسان العرب: 304، المعجم الوسيط: 1/ 61). 3 - نقل نحوه الهروي فى "التذكرة الهروية في الحيل الحربية": 75 - 76، "في صفة الرسول الذي يرسله". 4 - أي: يظلبه، يقال: "رام الشيء" طلبه. (الرازي- الصحاح: 210، المعجم الوسيط: 1/ 385). 5 - أي سكوناً، ويقال: "خمد فلان خموداً" أي: سكن. (المعجم الوسيط:1/ 254). 6 - "البيضة": الخوذة الحديدية التي يلبسها الجنود والضباط في الحرب وفي التدريب الإجمالي ونحوهما. (شيت خطاب- المصطحات العسكرية: 1/ 103).

بالكمائن، وكانت سبب هلاكهم في الجاهلية والإسلام 1. قال ابن النحاس: (وإذا صفّ للقتال: فليجتهد) أن تكون الشمس في عين العدوّ، والريح في وجهه، فإن سبقه العدوّ إلى ذلك، ولم يمكنه إزالته عن موضعه، فليخرجه بالعسكر عن ظلّه وينشر الرايات، ويرتب الأبطال بنفسه- ولا يعتمد على غيره- ويجعل بعض الأبطال والشجعان في قلب العسكر- فانه: مهما انكسر الجناحان 2، فالعيون ناظرة إلى القلب- فإذا كانت راياته تخفق، وطبوله تضرب، كان حصناً للجناحين، وملاذاً لمن فرّ منهما، وإذا انكسر القلب: تمزّق الجناحان- اللهم- إلاّ أن يكون مكيدة من صاحب الجيش، فيجعل الحماة والأبطال في الجناحين، ويجعل من دونهم في القلب، حتى إذا توسطه العدوّ، واشتغل بنهبه، أطبق عليه الجناحان. وينبغي: أن يختار من عسكره عصبة 3 يثق بشجاعتهم وفروسيتهم، [34/ب] فإذا حمل العدوّ على جهة من جهات العسكر أمرهم به، وليجتهد على الثبات عند الصدمة الأولى، وإن رأى: أن يوهم عدوّه أن له كميناً بمحل كذا، (وأنه يأمره بالتحول من ذلك إلى محل آخر) 4، وهو في ذلك كلّه إنما يريد خدعة: فليفعل-

_ 1 - أنظر: الطرطوشي في "سراج الملوك": 175، "باب: في ذكر الحروب وتدبيرها وحيلها وأحكامها". وابن الأزرق في "بدائع السلك في طبائع الملك": 1/ 164، "فيما يخدع به العدوّ وعند القتال". وابن العنابي في "السعي المحمود في نظام الجنود": 162، في "حيل الحروب" وعزاه "للطرطوشي". 2 - جناحا العسكر: جانباه (شيت خطاب- المصطلحات العسكرية: 1/ 157). 3 - العصبة من الرجال: ما بين العشرة إلى الأربعين" (الرازي- مختار الصحاح: 343). 4 - ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د". وفي "د" زيادة: "بالتحول مثلاً من ذلك).

والحيل لا تحصى- والحاضر فيها أبصر من الغائب-) 1. وقد قال- عليه الصلاة والسلام-: "الحرب خدعة" 2، ومعنى قوله: "خدعة"- بضم الخاء وفتحها- أي: ينقضي أمرها بخدعة واحدة 3. ويروى: (أن "عمرو 4 بن عبدود": لما بارز "عليًّا"- رضي الله عنه- وأقبل عليه، قال له عليّ: "ما برزت لأقاتل اثنين" فالتفت "عمرو"، فوثب عليه عليّ: فضربه، فقال عمرو: "خدعتني" فقال: "الحرب خدعة") 5. وقد فعل مثل هذا: ("الهادي" 6 - أمير المؤمنين-: لما حمل عليه

_ 1 - نقل نحوه: ابن الأزرق في "بدائع السلك في طبائع الملك": 1/ 164، "فيما يخدع به العدوّ عند القتال" في: "الخدعة الأولى". والهروي في، التذكرة الهروية في الحيل الحربية": 97 - 100، في "ضرب المصافّ ومكائد الحرب". 2 - أخرجه أبو داود في "سننه" أنظر: "عون المعبود في شرح سنن أبي داود": 7/ 298، "كتاب الجهاد" باب: "المكر في الحرب". والترمذي في "جامعه" أنظر: "تحفة الأحوذي": 5/ 320، كتاب: "الجهاد" باب: "ما جاء في الرخصة في الكذب والخديعة في الحرب"، وقال (حديث حسن صحيح). وأحمد في "مسنده": 1/ 90، 6/ 387. وأورده ابن حجر في "المطالب العالية": 2/ 195، وعزاه لأبي يعلى في "مسنده". 3 - قال ابن العنابي: (و"خدعة" من الخدع- بالفتح- اظهار أمر، واضمار خلافه، تقال بفتح فسكون، وبضم فسكون، وبضم ففتح. قال المطرزي في "المغرب": "قال ثعلب: والحديث باللغات الثلاثة، فالفتح على أن الحرب ينقضي أمرها بخدعة واحدة، والضم على أنها آلة الخداع". وأما الخدعة- بضبم ففتح- فلأنها تخدع أصحابها، لكثرة وقوع الخداع فيها. وهي أجود معنى. والأول أفصح، لأنها لغة النبي - صلى الله عليه وسلم -) انتهى. (السعى المحمود في نظام الجنود: 160). 4 - في "بط (عمراً) والصواب ما أثبتناه. وهو: عمرو بن عبدود العامري، من "بني لؤي" من قريش. وكان فارسها وشجاعها في الجاهلية، أدرك الإسلام ولم يسلم، قتله "علي بن أبي طالب" في غزوة "الخندق" (سنة 5هـ). أنظر: ابن أبي حديد- شرح المنهج: 3/ 280، الزركلي- الأعلام: 5/ 81. 5 - كانت هذه الواقعة في غزوة الخندق. أنظر: الزركلي- الأعلام: 5/ 81. 6 - أبو محمد، أمير المؤمنين، موسى الهادي بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، من خلفاء الدولة العباسية ببغداد، شجاعاً جواداً، له معرفة بالأدب، ولد بالريّ، وولي بعد وفاة أبيه =

"الخارجي "- وليس عنده أحد- ولا معه سلاح- فلم يتحرك من مكانه إلى أن قرب منه، فصاح: أضرب عنقه- كأنه يأمر أحداً من وراء الخارجي- فالتفت "الخارجي" إلى خلفه، لينظر المأمور بضرب عنقه، فوثب عليه الهادي وثبة صار على صدره، وأخذ منه السيف، وذبحه به). واعلموا- أيّدكم الله-!: أن من استضعف عدوّه، أو آمن به في هدنة أو غيرها، وسكن إلى راحته فقد اغترّ، ومن اغترّ ظفر به عدوّه- إذ لا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون- فاحذروا عدوّم- أيّدكم الله-! ولا تغترّوا، واشعروا الجرأة لقلوبكم عند الحرب، فإنها سبب الظفر، واذكروا الضغائن، فانها تبعث على الاقدام، والتزموا الطاعة، فانها حصن المحارب- والصبر سبب النصر-. قال بعض المصنفين: (كثرة التكبير عند اللّقاء فشل: غضّوا الأصوات، وتحمّلوا السكينة والصبر، فإنهما سبب الظفر والنصر) قاله الطرطوشي 1. [35/أ]

_ = (سنة 169هـ)، وكان غائباً فأقام أخوه "الرشيد" ببيعته، واستبدّت أمه بالأمر، فأمرت جواريها أن يقتلنّه فخنقنه ودفن في بستانه "بعيسى آباذ" (سنة 170هـ). (ابن الأثير- الكامل: 6/ 29 - 36، الزركلي- الأعلام: 7/ 327). 1 - قاله الطرطوشي في "سراج الملوك ": 181 "باب: في ذكر الحروب ومكائدها، وحيلها، وأحكامها". وقال الهروي: (وليحذروا كثرة الصياح، والغلبة والصراخ فان ذلك يؤدي إلى الفشل والضجر والملل والعجز والخور، وليلزموا هيبة الحرب، وناموس الشجاعة، والثبات عند الصدمة الأولى. (التذكرة الهروية في الحيل الحربية: 98 - 99).

المسألة الثالثة

وأما المسألة الثالثة: فهي مستقلة بنفسها، وليس فيها فصل آخر زائد عليها. حكم مانع الزكاة مع تحقّق عمارة ذمته، أو عدم تحققها ــــــــــــــــــــــــــــــ اعلم: أن مانع الزكاة إن تحققت عمارة ذمّته كما ذكرتم- 1: فإنها تؤخذ منه لما مضى من الأعوام، وللعام الحال، وإن بقتال. وأما: إن لم تتحقّق عمارة ببيّنة أو إقرار- إذ لا تتحقّق عمارة الذمة إلاّ بذلك- ولم يكن هناك إلاّ مجرد التهمة، ففي النوادر 2: (إذا أتى الساعي 3 بعد غيبة سنين، فقال له رجل معه ألف شاة: "إنما ملكتها منذ سنة أو سنتين" فهو مصدق بغير يمين، ويزكّيها لما قال) اهـ 4 بنقل الحطاب 5.

_ 1 - أي: في السؤال. 2 - "النوادر والزيادات" للإمام عبد الله بن أبي زيد القيرواني، وكتابه هذا مشهور في الفقه المالكي على المدوّنة، وهو أزيد من مائة جزء، ويعتبر من الكتب التي يعتمد عليها في التفقه، وهو مخطوط توجد نسخة منه بـ"دار الكتب الوطنية بتونس"" رقم (5770). (أنظر: ابن فرحون- الديباج المذهب: 137). 3 - كل من ولي شيئاً على قوم "فهو صاع عليهم، وأ كثر ما يقال ذلك في سعاة الصدقة، يقال: "سعي عليها"، أي: عمل عليها، وهم السعاة. (الرازي- مختار الصحاح: 238). 4 - نقله الحطاب في "مواهب الجليل لشرح مختصر خليل": 2/ 273، "باب: الزكاة". عند قول خليل "كتخلفه عن أقل فكمل وصدق". 5 - هو "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" لأبي عبد الله محمد بن محمد الرعيني المعروف بالحطاب، الفقيه المالكي، الصوفي، مغربي الأصل، ومكي المولد، وكتابه هذا في الفقه المالكي، وقد طبع في ستة مجلدات، ومن كتبه- أيضاً- "قرة العين بشرح ورقات إمام الحرمين" و"تحرير الكلام في مسائل الالتزام- ط". مات بطرابلس الغرب (سنة 954هـ). (التنبكتي- نيل الابتهاج: 337، حاجي خليفة- كشف الظون: 2/ 1628، الزركلي- الأعلام: 7/ 58).

وكذا يقال: في الحبوب والدراهم. فإذا قال: "لم آخذ نصاباً من الحبوب، أو ليس عندي نصاب من الدراهم" فهو مصدق، ولكن محل تصديقه- بدون يمين- إذا لم يمتنع من دفعها. وأما إن تقدّم منه امتناع- كما لو هرب بالماشية سنين فراراً من الزكاة- أو امتنع من دفع زكاة الحرث والعين 1 سنين- أيضاً- ولما قدر الإمام عليه زعم: "أن الماشية نقصت عن النصاب الذي كانت عليه في السنة الأولى من سني الهروب، وكملت نصاباً في هذه السنة- ونحو ذلك- أو لم يأخذ نصاباً من الحبوب فيما مضى" أو قال: "الذي معي من العين ونحوها: إنما هو قراض 2، أو بضاعة" 3 أو قال: "لم يحل حولها، أو عليّ دين". ففى تصديقه في مسألة الهروب بالماشية، وعدم تصديقه إلاّ ببيّنة- ويؤخذ بزكاة ما وجد لجميع السنين-: قولان 4. وفي تصديقه- أيضاً- في مسألة العين بدون يمين- ولو متهماً- وعدم التصديق إلاّ بها مطلقاً [قولان]، ثالثها: يصدق غير المتهم، دون المتهم فلا يصدّق إلاّ بها. وكذا يقال: في زكاة الحبوب فيما يظهر.

_ 1 - العين: عند المالكية: الذهب، والفضة. عند الحنفية: ما كان قائماً في ملك الإنسان من نقود وعروض. عند الشافعية: ما يقابل الذمة، وما يقابل المنافع. (أبو جيب- القاموس الفقهي: 270). 2 - القراض: المضاربة، ويسمّيها أهل العراق مضاربة، وأهل الحجاز قراضاً. (أبو جيب- القاموس الفقهي: 300). 3 - البضاعة: ما يتجر فيه، وجمعه "بضائع"، واصطلاحاً: ما يدفعه المالك لإنسان يبيع فيه ويتجر، ليكون الريع كله للمالك، ولا شيء للعامل (أبوجيب- القاموس الفقهي: 37) وعزاه لالابن عابدنى". القول الأول هو: لابن القاسم وسحنون وابن رشد واللخمي وابن حارث. (الزرقاني على خليل: 2/ 129 - 130، البناني على خليل: 2/ 130).

وأما كونه يؤخذ المتهم بقدر معين من الزكاة بدون إقرار، ولا بيّنة، ولا نكول 1: فلم يقل به أحد فيما علمت، ولا أظنه يوجد. [35/ب] هذا كله بالنسبة لماضي الأعوام، وأما بالنسبة لما حضر: فلا إشكال أن الماشية تعدّ، ويؤخذ منها الجزء المعروض عليه، وإن اتّهمه أنه غيّب شيئاً منها حلّفه، حيث لا بيّنة على تغييبه. والتمر، والعنب يخرصان 2، وكذا الزرع. ففي "أجوبة" 3 ابن رشد- ما نصّه-: (وأما الزرع: فلا يجوز خرصه على الرجل المأمون، واختلف: إن لم يكن مأموناً على قولين: " (الأصح) 4 - عندي- جوازه، إذا وجد من يحسنه ") اهـ.5 وغالب قبائل الزمان هو: عدم الأمانة، ووجود التهمة، فيخرص عليهم، ولأجل كون الناس اليوم محمولين على التهمة، وعدم الأمانة. قال المتأخرون: (يمين التهمة 6:

_ 1 - النكول: "مصدر" وهو عند الشافعية: الامتناع من الحلف بما طلبه القاضي، أي: وما يتعلق به من قوله. (أبو حبيب- القاموس الفقهي: 362). 2 - من خرص الشيء: حزره، وقدره بالظنّ، يقال: "خرص النخل والكرم": حرز ما عليه من الرطب تمراً، ومن العنب زبيباً فهو خارص وجمعه: "خراص". (أبو حبيب- القاموس الفقهي: 115). 3 - هي: "الفتاوى" لأبي الوليد محمد بن رشد وكتابه هذا جمع فيه فتاواه، وقد قام بتقديمه وتحقيقه الدكتور "مختار التليلي" الأستاذ في الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين بتونس. 4 - في "الأصل" و"ب" و"ب" (أصحها) وفي "د" (أصحهما) وما أثبتناه قد ثبت في "فتاوى ابن رشد": 2/ 1014. 5 - ابن رشد- الفتاوى: 2/ 1014 "في مسألة خرص الزرع". 6 - التهمة: ما يتهم يه، وجمعه: "تهم، وتهمات"، ويمين التهمة هي عند الإباضية: اللازمة في الدعوى غير المحقّة. (أبو جيب- القاموس الفقهي: 115). وقال ابن فرحون: (تجب اليمين بمجرد الدعوى دون خلطة في مواضع، منها: أهل التهم والعداء والظلم). (التبصرة: 1/ 161).

تتوجّه اليوم مطلقاً، إلاّ فيما فيه معرّة 1 - كدعوى السرقة- فإنها لا تلحق من لا تليق به - ممّن شهد فيه بالخير- ومخالطة أهله- اتفاقاً) وعليه: فتجب اليمين في مسألة العين مطلقاً، والله أعلم.

_ المعرّة: الاثم. (الزاوي- ترتيب القاموس: 3/ 186).

المسألة الرابعة

وأما المسألة الرابعة: ففيها: أربعة فصول الفصل الأول فيما يجب على الإمام من (إجبار) 8 الرعية على الاستعداد لأن العدوّ دائماً لهم بالمرصاد 2 ــــــــــــــــــــــــــــــ اعلم: "أن مثل الناس بلا سلطان، مثل الحوت في الماء يزدرد 3 الكبير الصغير" فمتى لم يكن لهم سلطان لم ينتظم لهم أمر 4. فالأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- هم أعمّ خلق الله نفعاً، فهم أجلّ خلق الله قدراً، لأنهم تعاطوا إصلاح الخلائق دنيا وأخرى، وأمرهم الله تعالى: أن يأمروا أممهم بالاستعداد، ومقاتلة الكفار، ليخرجوا بذلك من الظلمات إلى النور، وكذلك السلطان هو: خليفة النبوّة في إصلاح الخلائق، ودعائهم إلى

_ 1 - في "الأصل" (أخبار) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د". 2 - بالكسر: الطريق والمكان يرصد فيه العدوّ، والراصد للشيء، الراقب له. (ابن منظور- لسان العرب: 1653 - 1654). 3 - أي: "يبلع" يقال: "زرد" اللقمة: بلعها. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 2/ 444). قال ابن الأزرق: (ان توهّم الاستغناء عن السلطان باطل، أما في الدين، فلامتناع حمل الناس على ما عرفوا منه طوعاً أو كرهاً دون نصبه، "ان الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". وأما في الدنيا، فلأن حامل الطبع والدين، لا يكفي في إقامة مصالحها على الوجه الأفضل غالباً). (بدائع السلك في طبائع الملك: 1/ 68). وقال الآمدي: (ولذلك نجد من لا سلطان لهم كالذئاب الشاردة والأسود الضارية، لا يبقى بعضهم على بعض، ولا يحافظون على سنّة ولا فرض، ولهذا قيل: "السيف والسنان، يفعلان ما لا يفعل البرهان"). (غاية المرام في علم الكلام: 374، ونقله- أيضاً- ابن الأزرق في "بدائع السلك": 1/ 69).

عبادة الرحمن، وإقامة دينهم، وتقويم أمرهم- من استعداد [36/أ] وغيره- وبذل النصيحة لهم، فليس فوق الإمام العادل إلاّ نبي مرسل، أو ملك مقرب. فحقيق على الرعية: أن ترغب 1 إلى الله في إصلاح السلطان، وحقيق على السلطان: أن يحملهم على إقامة دينهم، وتقويم أمرهم- كما تقدّم في الفصل السابع- في شرح قوله: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ ... } - وكما قال تعالى: {إِنَّ اللَّة يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَةلِةا} 2 فالخطاب: للولاة على أحد الاحتمالات بأداء الأمانات، أي: التكاليف التي كلّفوا بها في الرعية- من الحكم بالعدل- وتدبير أمرهم بما يعود عليهم نفعه- من استعداد وغيره 3. ثم قال تعالى- في حق الرعية-: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّة وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} 4. فإنه تعالى: لما أمر السلاطين والولاة بأداء الأمانات- من الحكم بالعدل- وتدبير الأمر- من الاستعداد وغيره- أمر الرعية: بالسمع والطاعة لهم، فكل منهما أمره سبحانه: أن يقوم بحق الآخر 3.

_ 1 - من رغب إليه: ابتهل وضرع وطلب. (المعجم الوسيط: 1/ 357). 2 - سورة النساء / آية 58. 3 - قال القرطبي: (هذه الآية من أمهات الأحكام تضمّنت جميع الدين والشرع. وقد اختلف من المخاطب بها، فقال على بن أبي طالب، وزيد بن أسلم، وشهر بن حوشب، وابن زيد: "هذا خطاب لولاة المسلمين خاصة، فهي للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأمرائه، ثم تتناول من بعدهم" وقال ابن جريج وغيره: "ذلك خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة في أمر مفتاح الكعبة حين أخذه من عثمان بن أبي طلحة". ثم قال: (والأظهر في الآية أنها عامة في جميع الناس، فهي تتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات في قسمة الأموال وردّ الظلامات والعدل من الحكومات- وهذا اختيار الطبري-، ليتتناول من دونهم من الناس في حفظ الودائع والتحرر في الشهادات وغير ذلك). (الجامع لأحكام القرآن: 5/ 255 - 256). 4 - سورة النساء / آية 59. 5 - قال علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-: (حق على الإمام أن يحكم بالعدل ويؤدّي الأمانة فإذا فعل ذلك فحق على الرعية ان يسمعوا ويطيعوا). (ابن عاشور- التحرير: 5/ 96، سورة النساء / آية 59).

ثم قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ- اي: اختلفتم أنتم وأولو الأمر في شيء فردّوه- إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ... } 1 هكذا في الكشاف 2، وغيره 3. وإذا وجب على الإمام: أن يؤدي الأمانات- من العدل- وبذل النصح- وتدبير الأمر- ولم يفعل فهو غاش لنفسه ولرعيّته، ولذا قال العلماء- حسبما تقدّم في الفصل السابع-: (من ترك أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - تجري على أحكام تخالف أحكام الكتاب والسنة، فقد غشّها). وقد قال- عليه الصلاة والسلام- "من غشّ أمتي فعليه لعنة الله". وتقدّم أيضاً- في الفصل المذكور-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من استرعاه الله رعية فليحفظها بالنصيحة، وإن لم يحفظها بالنصيحة [36/ب] لم يرح رائحة الجنة". إلى غير ذلك: من الوعيد اللاحق له- المنقول في الفصل المذكور- والمنقول أيضاً:- في الفصل الثاني من المسألة الثانية- عن الحرالي 4، على قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ... إلى قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ

_ 1 - تابعة للآية السابقة، وتمامها: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}. 2 - أورده الزمخشري في "الكشاف": 1/ 524. 3 - قال ابن عاشور: (وضمير "تنازعهم" راجع للذين آمنوا فيشمل كل من يمكن بينهم التنازع، وهم من عدا الرسول، إذ لا ينازعه المؤمنون، فشمل تنازع العموم بعضهم مع بعض، وشمل تنازع ولاة الأمور بعضهم مع بعض، وشمل ننازع الرعية مع ولاة أمورهم، وشمل تنازع العلماء بعضهم مع بعض في شؤون علم الدين، وإذا نظرنا إلى ما ذكر في سبب النزول نجد المراد ابتداء هو الخلاف بين الأمراء والأمة، ولذلك نجد المفسرين قد فسّروه ببعض صور من هذه الصور، فليس مقصدهم قصر الآية على ما فسّروا به، وأحسن عباراتهم في هذا قول "الطبري": "يعني فان اختلفتم أيها المؤمنون أنتم فيما بينكم أو أنتم وأولو أمركم فيه". وعن "مجاهد":، فان تنازع العلماء ردّوه إلى الله). (التحرير والتنوير: 5/ 99). 4 - في "الأصل" (المحرالي) وفي "ب" (الحراني) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ج" و"د".

وَالْجُوعِ ... } 1. ولهذا قال العلماء أيضاً- حسبما في أواخر "شرح نظم بيوع" ابن جماعة 2 - ونقله غير واحد- ما نصّه: (من البدع المحرمة: التواطؤ على ترك إهمال اقتناء الخيول لأهل القدرة، واكتساب أنواع العدّة، وتعلم الرماية التي بها يسيد الرجل ويصول 3، وترك التحصين 4 والتحفير على ثغور المؤمنين، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} 5 والتحفير والتحصين من العدّة) 6 اهـ. قال في (الكشاف ": ("من قوة"- أي- من كل ما يتقوّى به في الحرب من

_ 1 - سورة البقرة / آية 153، 155، ونصّها: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّة مَعَ الصَّابِرِينَ} {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}. 2 - هو: أبو بكر بن القاسم بن جماعة الهواري التونسي، الشيخ الفاضل، من شيوخه: "ابن واجد"، وهو أول من أدخل شرحه على الجمل لأفريقية. وممّن شرح نظمه هذا "القبّاب لما وتوجد نسخة منه في دار الكتب الوطنية بتونس "فهرس العبدلية " رقم: 19738. وقال كنون- في ترجمة- "أبو القاسم بن خجو": (أن له كتاب: شرح نظم بيوع ابن جماعة". مات (سنة 712هـ). (وفيات الونشريسي في كتاب: "ألف سنة من الوفيات": 101، كنون- النبوع المغربي: 1/ 262). 3 - من صال بمعنى: وثب، ويقال: "ربّ قول أشد من صول" الرازي- الصحاح: 296). 4 - التحصين: تقوية الموضع بالحفر وبالأسلاك الشائكة وبالألغام وبالنار. (شيت خطاب- المصطحات العسكرية: 1/ 188). 5 - سورة الأنفال / آية 60، وتمامها: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}. 6 - لقد بحثت عنه في "شرح القباب لنظم بيوع ابن جماعة" ولكنني لم أقف عليه ولعلّه يكون في شرخ آخر.

عددها. وعن "عقبة بن عامر" 1: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: "ألا إن القوة الرمي، قالها: ثلاثاً"- أي: تعلم الإصابة في الرمي- ومات عقبة هذا: عن سبعين قوساً، وعن "عكرمة" 2: هي "الحصون") 3. أي: "القوة" هي تحصين الحصون بالتحفير وغيره 4. وروي الحديث المتقدم: في "صحيح" مسلم 5، وكذا رواه: أبو عوانة 6 في

_ 1 - هو: عقبة بن عامر بن عبس بن مالك الجهني: أمير من الصحابة، ولي مصر (سنة 44هـ)، وعزل عنها (سنة 47هـ)، وكان شجاعاً فارساً من الرماة، فقيهاً شاعراً، قارئاً، وهو أحد من جمع القرآن. مات بمصر (سنة 58هـ). (ابن الأثير- أسد الغابة: 3/ 417، ابن إياس- بدائع الزهور: 101/ 109. 2 - أبو عبد الله، عكرمة بن عبد الله البربري المدني، مولى عبد الله بن عباس: تابعي، كان من أعلم الناس بالتفسير والمغازي. طاف البلدان، وروى عنه زهاء ثلاثمائة رجل، منهم أكثر من سبعين تابعياً، مات بالمدينة (سنة 105هـ). (الذهبي- ميزان الاعتدال: 2/ 208، ابن خلكان- وفيات الأعيان: 1/ 319 الزركلي- الأعلام: 4/ 244). 3 - قاله "الزمخشري، في "الكشاف": 2/ 232. 4 - قال القرطبي: (قال ابن عباس: القوة ها هنا السلاح والقسّي). (الجامع لأحكام القرآن: 8/ 35). وقال ابن عاشور: (وقوته- أيضاً- سلاحه وعتاده، وهو المراد هنا، فهو مجاز مرسل بواسطتين فاتخاذ السيوف والرماح والأقواس والنبال من القوة في جيوش العصور الماضية، واتخاذ الدبابات والمدافع والطيارات والصواريخ من القوة في جيوش عصرنا). (التحرير والتنوير: 10/ 55). 5 - أخرجه مسلم في "صحيحه": 3/ 1522، "كتاب: الامارة"، باب: فضل الرمي والحثّ عليه". 6 - أبو عوانة، يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم النيسابوري، ثم الأسفراييني: من أكابر حفاظ الحديث، نعته "ياقوت" بأحد حفاظ الدنيا، طاف الشام ومصر والعراق والحجاز واليمن وبلاد فارس في طلب الحديث، وهو أول من أدخل كتب الشافعي ومذهبه في "أسفرايين". من كتبه، كتابه هذا "الصحيح المسند" وقد طبع وهو مخرج على صحيح مسلم، وله فيه زيادات. مات (سنة 316هـ). (ابن خلكان- وفيات: 2/ 308، حاجي خليفة- كشف الظنون: 2/ 1679، الزركلي- الأعلام: 8/ 196).

"صحيحه"، وبوّب له فقال: (باب: بيان الترغيب في الرمي، وإيجابه على المسلم) 1. قال الإمام الطرطوشي: (قوله تعالى: {مَا اسْتَطَعْتُمْ} مشتمل على ما في مقدور البشر من: العدة، والآلة، والحيلة) 2 اهـ. وقوله: (والحيلة) تقدّمت الإشارة إلى بعضه: في الفصل الثاني من فصلي المسألة الثانية. وقال الإمام ابن طلحة 3: (يلزم الإمام حمل الناس على الجهاد، فإن اتكل على أن (يتكلف) 4 الناس بأنفسهم، ضاع الباب، وتهدّم الإسلام، إذ لا يتمّ الجهاد إلاّ بحمل الإمام الناس عليه، وأخذ أموالهم من وجهها، [37/أ] ووضعها في محلّها من جيوشهم، ويحمل 5 أهل المال: على كسب الخيول، وآلة الحرب، وسدّ الثغور) اهـ. فتأملوا- أيّدكم الله-!: هذا التحريض على الاستعداد، وهو قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} 6 وقوله- تعالى-: {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ

_ 1 - لعلّه أخرجه في "كتاب الجهاد"، ولم أقف إلاّ على جزءين منه مطبوعين تناول فيهما أبواب: الأعمال والفرائض والصلاة. وأخرجه- أيضاً- الحاكم في "مستدركه": 2/ 328، "كتاب التفسير" وأبو داود الطيالسي في "مسنده". أنظر: منحة العبود: رقم 1182). 2 - قاله الطرطوشي في "سراجه": 174، "باب: في ذكر الحروب وتدبيرها وحيلها وأحكامها". 3 - هو: أبو بكر عبد الله بن طلحة اليابرى الاشبيلي القاضي: فقيه، أصولي، مفسّر، روى عن أبي الوليد الباجي، له رحلة مشرقية، وممن أخذ عنه بمكة "الزمخشري". من كتبه: "المدخل" وهو أحد كتابين له في الأصول والفقه وود فيهما عن ابن حزم، وصل إلى "المهدية" (سنة 513هـ)، وألف لأميرها كتاب "سيف الإسلام"، واستوطن مصر، ومات بمكة في تاريخ غير معروف. (مخلوف- شجرة النور: 130). 4 - في "الأصل" (يتّكل) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج". 5 - في "ب"و"ج". (ويجبر). 6 - سورة الأنفال / آية 60.

غِلْظَةً} 1 أي: بأساً وخشونة، وقوله- تعالى-: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} 2 وقوله- تعالى-: {يَا أَيُّةا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} إلى غير ذلك من الآيات الكريمة الصريحة في هذا المعنى، والأمر من الله تعالى- إذا ورد فهو-: للوجوب حقيقة. ولذا: قال ابن طلحة: (يلزم الإمام ... إلخ)، وقال أبو عوانة- فيما مرّ عنه-: (وإيجابه على المسلم) وقال في الكافي 3، والقرطبي، وابن عرفة، وغيرهم: (فرض على الإمام: إغزاء طائفة إلى العدوّ كل سنّة ... إلخ) 4. فالخطاب: في هذه الآيات المتقدمة، وما اشبهها- من قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} - {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} - {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} 5 أي: شرك- {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} 6 - {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} 7 - إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة- إنما

_ 1 - سورة التوبة / طرف من آية: 123. 2 - سورة التوبة / آية 73، وسورة التحريم / آية 9. 3 - "الكافي" في فروع المالكية، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي: من كبار حفاظ الحديث، مؤرخ، أديب، بحاثة، يقال له حافظ المغرب، ولد بقرطبة. وكتابه هذا قد طبع في الرياض في مجلدين. ومن كتبه- أيضاً-: "الدرر في اختصار المغازي والسير" و"العقل والعقلاء" وغير ذلك. مات 8 بشاطبة" (سنة 463هـ). (ابن خلكان- وفيات: 2/ 348، ابن فرحون- الديباج: 357، الزركلي- الأعلام: 8/ 240). 4 - نقله ابن عبد البر في "الكافي": 1/ 463، "باب: واجب الجهاد ونافلته" والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن": 8/ 152، (سورة التوبة / آية 41). والمواق في "التاج والإكليل ومواهب الجليل": 3/ 346، "كتاب الجهاد" وعزاه لابن عبد البر في "الكافي". 5 - طرف من آيتين: سورة البقرة / آية 193، وتمامها: {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}. سورة الأنفال / آية 39، وتمامها: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}. 6 - سورة التوبة / آية 14، وتمامها: {وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ}. 7 - سورة محمد / آية 35، وتمامها: (وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}.

هو في ذلك كلّه: إلى الأئمة، إذ بيدهم الحل والعقد ن فيجب عليهم: أن يجبروا الرعية، وعلى الرعية: أن يمتثلوا- كما تقدّم ذلك مبسوطاً في فصل الاستنفار من المسألة الثانية. ولذا قال الفقهاء- كما في الشامل وغيره-: (لا يجوز خروج جيش دون إذن الإمام، وتوليته عليهم من يحفظهم) 1. وقال الشيخ زرّوق 2 - كما في الحطّاب-: (التوجّه للجهاد بغير إذن الإمام سلّم الفتنة، وقلّ ما اشتغل به أحد فانجح) 3 اهـ. فأنت: تراهم منعوا جهاد الرعية بغير إذن الإمام الذي يضبط أمرهم، لأنّهم: وإن خرجوا بمائة ألف مثلاً، فلا يذهبون ببعض الطريق إلاّ تنازعوا وفشلوا قبل الوصول للمحل، وإن وصلوا لم يحصلوا على طائل- إذ التقدم للحروب لا يكون إلاّ بضبط وقهر، وكيفية ترتيب- وغير ذلك-. فإذا كان كذلك: تعيّن أن يكون الخطاب في تلك الآيات الكريمة، والأحاديث النبويّة، إنّما هو للإمام، فإن لم يكن إمام تعلّق الخطاب بالمسلمين في نصبه، وإقامة أمور الجهاد. ولذا قالوا: (يلزم الإمام: أن يحمل الناس على الاستعداد ومباشرة القتال) - كما مر-. وقال الإمام "القرطبي"، وصاحب "الكافي" وغيرهم: (فرض على الإمام إغزاء

_ 1 - أنظر: بهرام في "الشامل": 64 - ب. 2 - أبو العباس، أحمد بن أحمد بن عيسى البرنسي، الفاسي: فقيه، محدث، صوفي، تفقّه بفاس، وقرأ بمصر والمدينة، له تصانيف كثيرة يميل فيها إلى الاختصار مع التحرير، منها: "شرح مختصر خليل" و"النصيحة الكافية لمن خصّه الله بالعافية- ط" و"إعانة المتوجه المسكين على طريق الفتح والتمكين"، مات (سنة 899هـ). (السخاوي- الضوء اللامع: 1/ 222، مخلوف- شجرة النور: 267، الزركلي- الأعلام:1/ 91). 3 - أنظر: الحطاب في "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل": 3/ 350، "باب: الجهاد"، عند قول خليل: (وبتعيين الإمام).

طائفة إلى العدوّ كل سنة مرّة، يخرج معهم بنفسه، أو يولّي عليهم من يثق به، وفرض على الناس في أموالهم وأنفسهم: الخروج المذكور، لا خروجهم كافة) اهـ. أي: لقوله- تعالى-: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} وهذا: إن كان العدوّ مطلوباً، لا إن كان طالباً، فيتعيّن الخروج على جميع ما نزل بهم- كما يأتي-. فانظروا- أيّدكم الله-!: إلى قولهم: (فرض على الإمام ... إلخ) فالوجوب المستفاد من تلك الآيات متوجّه: إلى الإمام- والرعية يجب عليها طاعته فيه ولي غيره - فإذا فرّط واتّكل على أن يجاهدوا، ويستعدوا بالخيل، وتعلم الرمي، كان ممّن لحقهم الوعيد المتقدم- هاهنا- وفي فصل الاستنفار- وناهيك بذلك وعيداً فضيعاً. فتبيّن: أن الإمام هو: قطب رحاها 1، وشمس ضحاها، وأن عليه المدار في الجبر على الاستعداد وتوابعه من التقدم للجهاد. قال تعالى: {يَا أَيُّةا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} والتحريض: المبالغة في الحثّ على الأمر، ولا قتال، ولا غلظة، ولا علو 2 [38/أ] إلاّ بآلة، واستعداد. فيجب عليه: أن يأمر أهل القدرة باقتناء الخيول، وتعلّم الرماية، ويفرض (الادالات) 3 على القبائل، للتحفير على الثغور، والحصون، وكل قبيلة تموّن

_ 1 - أي: أن الإمام هو قطب رحى الرعية، وإنما شبّه بقطب الرحى: وهي الحديدة التي في الطبق الأسفل من الرحيين يدور عليها الطبق الأعلى، فكذا الإمام بالنسبة لرعيته، فهو سيّدهم الذي يدور عليه أمرهم. (الرازي- مختار الصحاح: 427). 2 - العلوّ: الغلبة، والرفعة، والشرف. الرازي- (مختار الصحاح: 356). 3 - في"ب" (الآلات) والصواب ما أثبتناه، والادالة هي: حامية عسكرية من الجيش السلطاني النظامي أو من قبائل الجيش تقوم بحراسة أحد المراكز وتتناوب عدة ادالات حيث "تتداول" الخفارة في المراكز التي يعينها لها السلطان وهي في المصطح العسكرى: اسهام من طرف مدينة أو اقليم لتعزيز حامية، من ذلك: الادالة التي وجهها أهل فاس الصويرة عام (1179هـ / 1765م) في عهد السلطان سيدي محمد ابن عبد الله عند ما أسس المدينة وهي عبارة عن خمسين رامياً بقائدها مع فقيه، ومدرّس، ومؤقت، ومؤذن، وشاهدين، وأسقط عنهم البعث الذي كان يفرضه الملوك قبله وهو خمسمائة رام" (أنظر: ابن عبد الله- الموسوعة المغربية:4/ 6).

(ادالتها) أو بما يظهر، وكذا: يفعل فيما تهدّم من أسوار الثغور وأبرجتها 1، ويكثر من المهراز 2، والانفاض، (والبنب) 3، وغير ذلك من آلات الحرب، ويأمرهم: بالضرب بالانفاض، والمهراز والنبال، وغير ذلك بين يديه- كما مرّ في الفصل الثاني من المسألة الثانية-، ليعلم النجيب منهم فيكرمه، وغيره فيهينه، ويحرضهم على الذهاب إليهم، وقتالهم في أراضيهم- كما قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} 4 - ويأمرهم: أن لا يكونوا من الطائفة القائلة: {لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ... } - بل من الطائفة الأخرى القائلة- {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} 5، لما مر في فصل الاستنفار 6: (أن للقلّة النصر، وللكثرة الرعب، فالكثرة أبداً يلزمها الإعجاب، وفي الإعجاب الهلاك). قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ (فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ) شَيْئًا ... } 7. ومن كانت هذه نيّته، وفنى مملكته في الاستعداد والتدريب، وعيّن من كل قبيلة مثلاً مائة فارس ونحوها، ومن شجعانها وأبطالها الذين رموا بين يديه، وظهرت نجابتهم في الإصابة بالرمي في الكرّ والفرط بمرأي من عينيه، حصلت له ولهم مزية الجهاد- ولم ترعهم الكتائب الوافرة- وإن كانوا هم أقل عدداً- بل هم مجاهدون، وإن ماتوا قبل ملاقاة العدوّ، لأنهم على نيّته،

_ 1 - جمع "برج" وهو: الحصن في المدن وفي الخطوط الدفاعية. وبرج المراقبة: الحصن المشرف الذي يراقب العدوّ منه. (شيت خطاب- المصطلحات العسكرية: 1/ 77). 2 - بحثت عن معناها فلم أقف عليه، وهو الثابت في جميع النسخ، ولعلّها تحصيف من المهراس الذي هو مدفع الهاوون. (أنظر: المنوفي- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 154). 3 - سورة البقرة / آية 249، وتمامها: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّة مُبْتَلِيكُمْ بِنَةرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}. 4 - سورة التوبة / آية 36. 5 - هي القنابل الثقيلة. أنظر: المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 154. 6 - أنظر قول الطرطوشي في: 219. 7 - سورة التوبة / آية 25.

"وإنما الأعمال بالنيات " 1. فسعدوا- والله-! وكفى بمزية الجهاد مزية، إذ لا يدركها أحد ولو استمرّ [38/ب] في، العبادة ألف سنة، لأنّه: أعزّ دين الإسلام، ومشى على نهجه- عليه الصلاة والسلام - وقام بأوامر الله أحسن قيام، وبالغ في إعلاء كلمات الله مبالغة الأبرار الكرام. قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} 2. ثم قال: {وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ ... } 3. وإن هو أهمل ذلك الاستعداد، وترك رعيّته على ما هم عليه من الافتخار باللّباس، والانهماك في المآكل والازدراد، والاشتغال بزينة يحلّى بها نحر وجيد 4، والتنافس فيما لا يغني في الشدائد ولا يفيد، حتى تداعت الصلبان محيلة عليهم وعليه، وتحركت الطواغيت من كل جهة إليهم وإليه: فقد تلّه 5 الشيطان

_ 1 - أخرجه البخاري في "صحيحه"، أنظر: "فتح الباري في شرح صحيح البخاري": 1/ 9 "كتاب: بدء الوحي"، وهو أول حديث في الصحيح. ومسلم في "صحيحه": 3/ 1515 "كتاب الامارة" "باب: إنما الأعمال بالنية". وكلاهما أخرجاه عن طريق عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكلّ امرىء ما نوى: فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه". 2 - سورة التوبة / آية 120، وتمامها: {مَا كَانَ لِأَةلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّة لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. 3 - سورة التوبة / آية 121، وتمامها: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. 4 - في "ب" وجيه) وهو تصحيف، وهي بمعنى: العنق، والجمع: أجياد، مثل: حمل وأحمال (المصباح المنير:1/ 143). 5 - أي: صرعه، فهو: متلول وتليل، أو ألقاه على عنقه وخدّه. (ترتيب القاموس المحيط: 1/ 314).

للجبين، وخسر الدنيا والآخرة- ذلك هو الخسران المبين- (فلا هو [ولا] 1 هم مفلحون في الدنيا بغلبة عدوّهم) 2، ولا هو ولا هم مفلحون في الآخرة بالنجاة من عذاب ربّهم، للحوق ما تقدّم من الوعيد الفضيع إليهم، وذلك دأب الله- سبحانه- مع من أهمل أوامره، ورضي في الدنيا بالدون، وأمن مكر الله {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} 3. فاعتبروا- يا أولي الأبصار-: فإن الذهول 4 عمّا وقع بأهل البلاد والقواعد غريب، وتفكّروا في منابرها التي كان 5 يعلو فيها واعظ وخطب، وفي مساجدها المتعدّدة الصفوف، كيف استولى عليها الكافر المريب 6؟، وكيف أخذ الله فيها بذنب المترفين 7 المعرضين عن الأوامر بالاستعداد من دونهم!؟، [39/أ] وعاقب الجمهور لمّا أغمضوا عن الاستعداد وممارسة القتال عيونهم، فساءت بالغفلة عنه عقبى جميعهم، وذهبت النقمات 8 بعاصيهم، ومن داهن في أمره من مطيعهم، قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} 9!. فاستعدوا- أيّدكم الله-!: فإن ترك أوامر الله- التي من جملتها الاستعداد، والتدريب مع الحروب- مؤذنة بالبوار 10، وذريعة 11 لأن

_ 1 - ساقطة من جميع النسخ، والإضافة من عندنا. 2 - ساقطة من "ب". 3 - سورة الأعراف / آية 99، وتمامها: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}. 4 - النسيان والغفلة. (المعجم الوسيط:1/ 317). 5 - ساقطة من "ب". 6 - المفزع، وأراب الرجل، أي: صار ذا ريبة، فهو مريب. (المعجم الوسيط: 1/ 386). 7 - من ترف، أي: تنعّم، وأترفته النعمة: أطغته. (الرازي- مختار الصحاح: 57). 8 - من النقمة- بالكسر والفتح-: المكافأة بالعقوبة. (ترتيب القاموس المحيط: 4/ 433). 9 - سورة الأ نفال / آية 25، وتمامها: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّة شَدِيدُ الْعِقَابِ}. 10 - البوار: الهلاك. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 1/ 282). 1 - 1 - الذريعة: الوسيلة، والجمع، الذرائع. (الرازي- مختار الصحاح: 175).

تصبحوا مضغة في لهوات 1 الكفار، وانتصروا لدين الله غاية الانتصار، وتوجّهوا إلى الله تعالى بالتضرع 2 والانكسار، وإلاّ فقد تعيّن في الدنيا والآخرة حدّ الخسار. فإن من ظهر عليه عدوّ دينه، وهو عن أوامر الله مصروف، وعلى الحطام 3 المسلوب 4 عنه ملهوف 5، لم تقم له بعد ذلك قائمة، قال تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّة يَنْصُرْكُمْ} 6. [قال]: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْةرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} 7. فمن استعدّ لعدوّه الكافر في الفسحة 8 (والمهلة) 9 وجد منفعة العدّة، ومن تقرّب إلى الله باتّباع أوامره- بالاستعداد وغيره- وجده في الشدة. والعاقل من لا يغترّ في الحروب بالسلم مع عدوّه بطول المدة، فإن الدهر يتقلّب، ويبلي 10 الجدّة، ويستوعب 11 العدّة.

_ 1 - جمع "اللهاة" وهى: اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم. (الرازي- مختار الصحاح: 480، البستاني- فاكهة: 1318). وهنا تشبيه بليغ، حيث وصف المسلمين المتهاونين في ترك أوامر الله الذين لا يؤخذون بأسباب الاستعداد والتدريب للجهاد أما العدوّ والكافر بالمضغة السهلة اللّينة أمام ماضغها. 2 - في "ب" و"ج" و"د" (بالضراعة). 3 - هو: كل ما في الدنيا من مال يفنى ولا يبقى. (البستاني- فاكهة البستان: 315). 4 - من السّلب، وهو: الاختلاس، والانتزاع قهراً. (الرازي- مختار الصحاح: 244). 5 - من لهف، وتلهّف عليه: حزن وتحسّر، ويقال: "هو ملهوف القلب"، اي: محترقه. (ابن منظور- لسان العرب: 4087). 6 - سورة محمد / آية 7، وتمامها: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّة يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}. 7 - سورة التوبة / آية 8، وتمامها: {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}. 8 - بالضم: السّعة: (الرازي- مختار الصحاح: 395). 9 - والمهلة بالضم: السكينة، والرفق. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 4/ 292). 10 - من بلي- بالكسر- وهو: الفناء، ويقال: "بلي الميت" أفنته الأرض. (الفيومي- المصباح المنير ك 1/ 78). 1 - 1 - أي: يستأصل. (الرازي- الصحاح: 577، المعجم الوسيط: 2/ 1054).

ولما استولى الكافر- دمّره الله- على ثغر الجزائر 1 - أعادها الله دار إسلام- في المحرّم سنة 1246 "ست وأربعين ومائتين وألف"، لفقت 2 خطة مشتملة على التحريض على الاستعداد، وعلى بعض أحكام الجهاد، وخطت بها- بعد ذلك - في بعض البلاد، خروجاً: من عهدة 3 قوله- عليه الصلاة والسلام-: "إذا ظهرت البدع، وسكت العالم، فعليه (لعنة) 4 الله والعباد" 3 ومن عهدة قوله- تعالى-: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} 6 ومن عهدة قوله [39/ب] تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} 7 الموجب ذلك كله،

_ 1 - أنظر: الجيلالي- تاريخ الجزائر العام: 3/ 381 - 394، "الحملة الفرنسية ضد الجزائر" حيث أنه في اليوم الثاني من شهر ذي الحجة 1245هـ /25 مايو 1930م غادرت الحملة الفرنسية ميناء "طولون" بقيادة الأميرال "دوبيري" متجهة إلى الجزائر، وكان دخولها من منطقة "سيدي فرج" على بعد أربعة عشر كيلومتراً غربي العاصمة، وهي المنطقة التي اختارها لنزول الجيش بها الخبير العسكري "بوتان" الذي كان قد بعث به نابليون من قبل (1808م)، لاختبار أرض الوطن، فاختار هذه الناحية لأن الحملة تستطيع منها أن تأتي مدينة الجزائر من خلفها بدل أن تتعرض لها من ناحية وجهها الحصين فيما لو أرادت النزول في شاطيء أو مرفأ مدينة الجزائر ذاتها، وهكذا بدون اعلان حرب أو إنذار بقتال أخذت الجيوش الفرنسية تنزل بأرض الجزائر إلى أن وقعت العاصمة في أيديهم في (14 محرّم 1246هـ) الموافق (5 جويلية 1830م). 2 - لفّق: ضمّ كلام الخطبة بعضه إلى بعض كما يضمّ بين شقّي الثوبين بالخياطة، فيقال لفّق بين الثوبين، أي: لأم بينهما بالخياطة. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 4/ 158، البسناني - فاكهة: 1305). 3 - ساقطة من "ب" و"ج" و"د". 4 - ساقطة من "الأصل" ومن "ب"، والإضافة من و"ج" و"د". 5 - أورده السيوطي في "جمع الجوامع": 1/ 70، عن معاذ، ولفظه:، إذا ظهرت البدع في أمتي وشتم أصحابي فليظهر العالم علمه، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله" وعزاه للديلمي. وكذا أورده في نفس المصدر السابق من طريق ابن عساكر عن معاذ: 1/ 70. 6 - سورة آل عمران / آية 187، وتمامها: {وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}. 7 - سورة البقرة / آية 159، وتمامها: {وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}.

لطرد الكاتم والإبعاد، وامتثالاً لقوله تعالى- في كتابه الكريم-: {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا} 1، ولقوله تعالى: {يَا أَيُّةا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} 2. ولقوله - صلى الله عليه وسلم - ممّا أخرجه: "أحمد" و"الطبراني": "أن المؤمن يجاهد بسيفه، ولسانه" 3، ولقوله- عليه الصلاة والسلام- فيما أخرجه "السمرقندي"-4: "أن أول من يدخل الجنة سراً، والناس في الحساب من أمر بالجهاد، وحرّض عليه" 5 وهكذا أيضاً رواه في: "شفاء الصدور" 6. وعن عليّ- رضي الله عنه- قال: "من حرّض أخاه على الجهاد، كان له أجره، وكان له في كل خطوة في ذلك عبادة سنة". والمأثور عنهم في ذلك: لا يحويه ديوان، ولا يحصره زمام الأذهان، وكيف "والدين كجسم، والجهاد منه بمنزلة الرأس في الأجساد"!.

_ 1 - سورة النساء / آية 84. 2 - سورة الأنفال / آية 65. 3 - أخرجه أحمد في "مسنده": 3/ 456، عن كعب بن مالك. وأورده السيوطي في "جمع الجوامع": 2/ 211. وجاء في "سنن" أبي داود، نحوه، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم). (عون المعبود شرح سنن أبي داود: 7/ 182). 4 - أبو محمد، الحسن بن أحمد بن محمد بن جعفر السمرقندي القاسمي: إمام زمانه في الحديث، من كتبه: "بحر الأسانيد في صحاح المسانيد". جمع فيه مائة ألف حديث، قال الذهبي: (لم يقع في الإسلام مثله). مات (سنة 491هـ). (الكتاني- الرسالة المستطرفة: 125، الزركلي- الأعلام: 2/ 180). 5 - لقد أطلت النفس في البحث عنه فلم أجده. 6 - "شفاء الصدور"، لابن السبع، الإمام الخطيب أبي الربع سليمان السبتي، قال عنه صاحب "مشارع الأشواق" (وقفت عليه في نحو أربعة أسفار يشتمل على أحاديث في فضائل الأعمال وضع فيه مؤلفه من عجائب الغرائب أصولاً وفروعاً جمع فيه وادعى، وأودع أحاديثه عريّة عن الإسناد. (حاجي خليفة- كشف الظنون: 2/ 1050)، وقد أخبرني الشيخ العلاّمة محمد المنوني: أنه توجد قطعة منه في المغرب.

وأثبّتها هاهنا لما اشتملت عليه من التحريض، ونيل الثواب الجزيل في قتال أهل العناد. نصّها: (الحمد لله، الواحد الأحد، المنزّه عن الأكفاء، والأضداد، المتعالي عن الأشياء، والشركاء، والأنداد، الذي هدى من وفّقه إلى طريق الرشاد، وخذل بعدله من أضّله فأوجب له الطرد والإبعاد، نحمده ونشكره على ما أسبغ 1 من النعم، ورفع من النقم، وهو سبحانه لمن حمده وشكره كفيل بالازدياد. ونشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، شهادة ترغم 2 بها أنوف أهل الشرك والارتداد. ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، المبعوث بدلائل الحقّ، وقتال أهل العناد، - صلى الله عليه وسلم -، وعلى آله الأبرار، وصحابته الأخيار- الذين [40/أ] بذلوا المجهود في قتال أهل الشرك، بذلاً خارجاً عن المعتاد- صلاة دائمة تقيناً بها من أهوال يوم الجزاء، الذي لا ينفع فيه مال، ولا وداد 3. عباد الله!: عليكم بتقوى الله، وأجيبوا داعي الله، واعلموا: أن الله- سبحانه- أيّد هذا الدين المحمّدي بالجهاد، ووعد الساعي فيه، أو في شيء منه إلى سني المراد، فجعل- سبحانه- الشهيد بالحياة المحفوفة في برزخ 4 الموت بالرزق الجزيل وحسن الاستمداد، فما من ميت مقبول إلاّ ولا يتمنّى العود إلى الدنيا إلاّ الشهيد، لما يرى من فضل الشهادة عند ذي العرش المجيد، فيتمنّى: الرجوع إليها ليزداد- إذ له من الكرامة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر- يوم العباد!. أخرج "الحاكم": عن "عائشة"- رضي الله عنها-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

_ 1 - أي: أتمّ. (المعجم الوسيط:1/ 416). 2 - تقول: فعل ذلك على الرغم من أنفه، ورغم أنفي لله عزّ وجلّ. معناه: ذلّ وانقاد، لأن أمسّ به التراب. (الرازي- مختار الصحاح: 198). 3 - من المودّة، وهي: المحبّة. (المعجم الوسيط: 2/ 1031). 4 - ما بين الموت والبعث، فمن مات فقد دخل البرزخ، قال تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (سورة المؤمنون / آية 100). (المعجم الوسيط: 1/ 48).

- قال: "لجابر 1 بن عبد الله"- وقد استشهد أبوه 2 في "أحد" 3: "ألا أبشّرك؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال: "إن الله أحيا أباك وأقعده بين يديه، وقال له: تمنّ عليّ ما شئت أعطيك؟، قال: يا ربّ ما عبدتك حق عبادتك، أتمنّى أن تردّني إلى الدنيا أقتل مع نبيّك مرة أخرى في الجهاد، قال: قد سبق منّي إنك إليها لا تردّ! " 4. فأعظم به من وصف لا تحصى فضائله، إذ قدمت على نوافل الخير المعلّى 5 نوافله، عند الربّ الرحيم الكريم يوم التناد. فناهيك بأن للمجاهد مزية لا يدركها غيره، ولو عبد ألف سنة، هي حياته المحفوفة بالرزق الجزيل طول الأباد 6.

_ 1 - جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري السلمي، صحابي، من المكثرين من الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، غزا تسع عشرة غزوة، وكانت له حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم، روى له البخاري ومسلم وغيرهما. (1540) حديثاً، مات (سنة 78هـ). (النووي- تهذيب الأسماء واللغات:1/ 142، ابن حجر- الإصابة: 2/ 45، الزركلي- الأعلام: 2/ 104). 2 - هو: الصحابي عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي، يكنّى بأبي جابر، وكان عقبياً، بدرياً، شهد "بدراً" "واحداً"، وقتل يوم "أحد"، ودفن هو وعمرو بن الجموح في قبر واحد، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ادفنوهما في قبر واحد فإنهما كانا متصاينين متصادقين في الدنيا". (ابن الأثير- أسد الغابة: 3/ 213 - 233). 3 - بضم أوله وثانيه معاً: اسم الجبل الذي كانت عنده غزوة أحد التي قتل فيها حمزة عم النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقع في شمالي المدينة على قرابة ميل منها. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 1/ 109). 4 - أورده الزبيدي في "اتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين": 3/ 24، بنحوه. والهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد": 9/ 317، (كتاب: المناقب" "باب: ما جاء في عبد الله بن عمرو بن حرام" بنحوه. 5 - من العلاء بالفتح أو العلى وهو: الرفعة والشرف. (البستاني- فاكهة البستان: 981). 6 - أي: مدى الدهر. (المعجم الوسيط:1/ 2).

أخرج "ابن جرير" 1: عن "الضحاك" 2 - رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال- لما أصيب أهل "أحد"-: [40/ب] "أعطاهم الله الشهادة، والحياة، والرزق الطيب"، قالوا: يا ليتنا من يبلّغ إخواننا: إنّا قد لقينا ربنا، فرضي عنّا، وأرضانا، فقال الله- تعالى-: أنا رسولكم إلى نبيّكم، وإخوانكم، وأنزل الله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ ... } 3 {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ} 4 5. فبيّن- سبحانه-: أنه لا نجاة من الموت، ولا محيد إلاّ في قتال أهل الكفر والعناد، فيا لها من مزية علت المزايا مراتبها، ورتبة علت المراتب فضائلها، فاق

_ 1 - أبو جعفر، محمد بن جروير بن يزيد الطبري، المؤرخ، المفسّر، الإمام الثقة، المجتهد، استوطن بغداد، عرض عليه القضاء والمظالم فامتنع. من كتبه: "أخبار الرسل والملوك- ط"، يعرف بتاريخ الطبري، و"جامع البيان في تفسير القرآن- ط". مات (سنة 310هـ). (الذهبي- تذكرة الحفاظ: 2/ 351، ابن كثير- البداية: 11/ 145، كبرى زاده- مفتاح السعادة: 1/ 205). 2 - أبو سعيد، الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب الكلابي، شجاع، صحابي، كان نازلاً بنجد، وولاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من أسلم هناك من قومه، وكانوا يعدونه بمائة فارس، وله شعر، مات (سنة 11هـ). (ابن الأثير- أسد الغابة: 3/ 36، الزركلي- الأعلام: 3/ 214). 3 - سورة آل عمران / آية 169، وتمامها: (عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}. 4 - سورة البقرة / آية 154، وتمامها: (وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ}. 5 - أخرجه أبو داود في "سننه" "أنظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود": 7/ 194، نحوه مطوّلاً من طريق: عثمان بن أبي شيبة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. وأحمد في "مسنده": 1/ 266، "كتاب الغزوات"، نحوه من طريق: أبي الزبير المكي عن ابن عباس. والحاكم في "المستدرك ": 2/ 88، 297، نحوه مطوّلاً. وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". والبيهقى في "سننه": 9/ 163، "كتاب: السير" "باب: فضل الشهادة في سبيل الله عزّ وجلّ" نحوه. وأورده الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين في شرح إحياء علوم الدين": 10/ 388، نحوه مختصراً.

بها المجاهد سائر العباد، وفاز بكريم منابها 1 يوم يقوم الاشهاد، فلو أراد أحدكم دواء للموت لم يجد له دواء إلاّ فناء نفسه في قتال أهل الكفر والارتداد!. فحرّضوا أنفسكم وأشياعكم عليه بقلب وقالب 2 وجازم الاعتقاد، وأكثروا من الأهبة والنفر إليه، وبادروا له بغاية الاستعداد، فإن لم تشغلوهم شغلوكم، وإن لم تقاتلوهم قاتلوكم، كيف وهم لكم بالمرصاد، أو لا ترون أنهم نزلوا على من بالقرب 3 منكم، واستولوا لهم على أعظم الثغور، وصارت تخلي رعباً منهم المنازل والقصور، ويغتالون لهم الرقاب والأموال والولاد!. فانظروا أيّدكم الله لأنفسكم!: فإن فساد الكفر لا يعدّ له فساد، يبثّ الشرك والتثليث، وينسخ كلمة التوحيد، ويمحي أثر قائلها من الأرض والبلاد!. أولا تتيقّنون أن الله- سبحانه-: أمرنا بالغلظة عليهم، والتقوّي، وكثرة الاستعداد؟. أولا تعلمون أن الله- سبحانه-: وعدنا بالنصر عليهم وهو سبحانه إن وعد بشيء لا يخلف الميعاد-؟ فقال- جلّ من قائل-: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّة يَنْصُرْكُمْ} 4، وقال: {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} 5، وقال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} 6 وقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} 7، وقال: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} 8، وقال: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} 9، وقال: (أم

_ 1 - المناب:- بالفتح- مصدر: يقال: "ناب عنه نوباً ومناباً": قام مقامه. (الرازي- مختار الصحاح: 542، ترتيب القاموس المحيط: 1520). 2 - القالب: ما تفرغ فيه المعادن وغيرها ليكون مثالاً لما يصاغ منها. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 3/ 672، البستاني- فاكهة البستان: 1186). 3 - أي: على "ثغر الجزائر". 4 - سورة عمد / آية 7. 5 - سورة التوبة / آية 123. 6 - سورة الأنفال / آية 60. 7 - سورة البقرة / آية 193. 8 - سورة التوبة / آية 14. 9 - سورة التوبة / آية 36.

حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاةدُوا مِنْكُمْ} 1 أي: أحسبتم: أن تتركوا فلا تؤمروا بالقتال في الجهاد، ولا تمتحنوا ليظهر الصادق في إيمانه من الكاذب، ويتميّز كل على الانفراد 2، وقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} 3 أي: لنعاملنّكم معاملة المختبر بأن نأمركم بالقتال والجهاد، حتى يتبيّن الصابر على دينه من غيرم، وتظهر أخباركم للحاضر والباد 4. فتنبّهوا- أيّدكم الله-!: فإنكم بهذه الآيات القرآنية المخاطبون، وبالأحاديث المصطفيّة المقصودون، إذ بيدكم الحلّ والعقد، والرعيّة في طوعكم، فكيف بأمرها بالجهاد تبخلون!؟ - وأنتم خلفاء الله في أرضه- فكيف على دينه لا تغيرون!؟، أأمنتم مكر الله- {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} -!؟ 5، أأتخذتم عند الله عهداً، فأنتم عليه متوكّلون!؟ 6، أم تعتقدون: أن كفاركم اليوم لا يقصدونكم بالقتال والجهاد؟، أم تقولون: نحن اشتغلنا اليوم بجهاد أنفسنا ورعيّتنا، (بالخدمة) 7 على الأولاد؟!. والنبي- عليه الصلاة والسلام-: إنما بعثه الله مجاهداً، وفي هذا العرض الأدنى زاهداً، متقنّعاً باليسير، وهو: يستعدّ لعدوّه الاستعداد الكبير، فإذا لم تقتدوا به فبمن تقتدون؟، وإذا لم تهتدوا به فبمن تهتدون؟، وإذا لم تشمّروا 8 عن

_ 1 - سورة التوبة / آية 16، وتمامها: {وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. 2 - أنظر: القرطبي- "الجامع لأحكام القرآن ": 8/ 88. 3 - سورة محمد / آية 31، وتمامها: {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}. 4 - قال القرطبي: ("ولنبلونّكم" أي: نتعبّدم بالشرائع وإن علمنا عواتب الأمور، وقيل: لنعاملنّكم معاملة المختبرين، {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ}، قال ابن عباس: {حَتَّى نَعْلَمَ}، حتى نميّز، وقال علي- رضي الله عنه-: {حَتَّى نَعْلَمَ}، حتى نرى). (الجامع لأحكام القرآن: 16/ 253). 5 - سورة الأعراف / آية 99. 6 - في "ب" (متّكلون). 7 - ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب" و"ج" و"د". 8 - من شمّر ازاره تشميراً: رفعه، والتشمير في الأمر، السرعة فيه والخفة، ويقال: "شمّر عن

ساق الجدّ في هذه البرهة ففي أيّ وقت تشمرون!؟، وإذا لم تستعدّوا في هذه الفسحة فمتى تستعدّون!؟. أفلا تتذكرون: أن الله- سبحانه- أمرنا بالذهاب إليهم، وقتالهم في أراضيهم، فكيف: إذا قدموا إلى برّنا هذا بالغيّ والفساد!؟، [41/ب] أم لنا براءة استثنانا الله- تعالى- بسببها من عموم دعوة العباد؟!. فالجهاد: فرض عين على من نزل بهم عدوّ الدين، فإن لم تكن فيهم كفاية، أو لم تجتمع لهم كلمة: فعلى الذين يلونهم، (فإن لم تكن في الذين يلونهم كفاية، أو لم تجتمع لهم كلمة: فعلى الذين يلونهم) 1، وهكذا إلى أن تحصل الكفاية، ولو اتّصل ذلك من مثل "المغرب" لبغداد"، وعمّ ذلك من الآفاق الحاضر والباد. فأيقظوا أنفسكم من وسن الغفلة 2، وانتهزوا من عدوّ الدين الفرصة ما دامت معكم فسحة الاستعداد، قبل أن يتفاقم الهول، ويحق القول، ويسدّ الباب، ويحق العذاب، وتسترق بالكفر الرقاب، ويحصل الفوت بسبب الازدياد- فإنكم إن لم تستعدّوا فهم لكم بصدد الاستعداد والوقوف لكم بالمرصاد، ولا تتّكلوا على ما يخبركم به ضعفاء العقول من وفائهم باستمرار العهود، وعدم نقضهم للميثاق المعقود، فإن ذلك كلّه مردود، إذ لا ميثاق ولا عهد لأعداء الدين وأهل الفساد، كيف ونحن لا نعتبر عهودهم وشهادتهم بالإضافة إليهم، فكيف نعتبرها بالنسبة إلينا بإجماع أهل العلم والاجتهاد!. جعلني الله وإياكم ممّن يقظ فاستيقظ، ووعظ فاتّعظ، وكان أول من امتثل، حتى فاز بفضيلة مزيّة الجهاد 3.

_ ساعده، أو عن ساقه" أي: جدّ، وشمرت الحرب. وشمّرت عن ساقها: اشتدّت. عن ساقها: اشتدّت. (الرازي- مختار الصحاح: 274، الفيومي- المصباح المنير: 1/ 390). 1 - ساقطة من "ب". 2 - "الوسن" محركة، والوسنة والسنّة: شدّة النوم أو أوّله، أو النعاس. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 4/ 612). 3 - في "ب" (الاجتهاد)، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه.

الفصل الثاني

الفصل الثاني في جواز صلح العدوّ إن كان مطلوباً، (وفي) 1 عدم جوازه إن كان طالباً ــــــــــــــــــــــــــــــ اعلم: أن العدوّ الكافر دمّره الله إما أن يكون طالباً، أو مطلوباً. فالجهاد في الثاني: فرض كفاية، [قال] "ابن النحاس": (جهاد الكفار في بلادهم فرض كفاية [42/أ] باتفاق العلماء). [وقال] "ابن عرفة": (حاصل أنقال المذهب: أنه فرض كفاية، على قادر عليه، لم ينزل به عدوّ الدين، ولم يبلغه نزوله بمن عجز عن رفعه من مسلم أو ذمي. ثم قال: وفرض الكفاية، حرام عموم تركه) 2 اهـ. أي: يحرم أن يتركه الإمام في جميع السنين لغير عذر، قال الإمام "القاضي" "عبد الوهاب"- في "التلقين" 3 - : (لا يجوز للإمام تركه لهدنة، إلاّ لعذر).

_ 1 - ساقطة من "ب" و"ج" و"د". 2 - أنظر: ابن عرفة- المختصر الفقهي: 1/ 262 - ب، "كتاب الجهاد". 3 - "التلقين فى الفروع" للقاضي أبو محمد، عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي، من فقهاء المالكية، له نظم ومعرفة بالأدب، توجّه إلى مصر فعلت شهرته. وكتابه هذا مخطوط في فقه المالكية، قال الحاجي خليفة: (قال القاضي ابن شهبة: مختصر، وشرحه، ولم يتمه، وعليه "شرح" لداود بن عمر الشاذلى، (ت سنة 732هـ)، وقال السيوطى- فى "طبقات النحاة": صنف مختصر التلقين للقاضي عبد الوهاب في الفقه). من كتبه أيضاً: "عيون المسائل"، و"النصرة لمذهب مالك" وغيرها. مات (سنة 422هـ). (الشيرازي- طبقات الفقهاء: 168 - 169، ابن كثير- البداية والنهاية: 12/ 42، ابن فرحون، الديباج: 159 - 160، حاجي خليفة- كشف الظنون: 1/ 481). 4 - نفله الونشريسي في "المعيار": 2/ 209، "في مجاهدون يغيرون على أطراف مراكز العدوّ الذي صالحه السلطان".

[قال] "اللّخمي": (هو فرض على كل إمام كانت رعيّته تجاور العدوّ) 1 أي: في كل عام مرة. [وقال] "أبو عمر"- في "كافيه "-، و"القرطبي"- في "تفسيره "- وغيرهما: (فرض على الإمام: إغزاء طائفة إلى العدوّ كل سنة مرة، يخرج معهم بنفسه، أو يولّي عليهم من يثق به .... إلخ ما مرّ في الفصل قبله. وذكر "الدمياطى" 2 - في "كتاب الجهاد"-، "وابن النحاس" 3، وغيرهما: (أن ترك الجهاد في جميع السنين، والإعراض عنه، والسكون إلى الدنيا خروج من الدين. واحتجّوا له، بما روي: عن "ابن عمر" 4 - رضي الله عنهما-: أن النبي-

_ 1 - نقله المواق في "التاج والإكليل فى شرح مختصر خليل": 3/ 346"باب: "الجهاد". والحطاب فى "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل": 3/ 347، "باب الجهاد". 2 - في "الأصل" (الزمياطى) وكذلك في "ج" وفي "د" (الرباطي) وكلاهما تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ب"، وقد ثبت في كتب التراجم. وهو: عبد الرحمن بن أبي جعفر الدمياطي، روى عن مالك وسمع من كبار أصحابه: كابن وهب، وابن القاسم، وأشهب، وله عنهم سماع مختصر مؤلف حسن وهذه الكتب معروفة باسمه تسمّى بالدمياطيّة، روى عنه: يحيي بن عمر والوليد ابن معاوية وغيرهما. مات (سنة 226هـ). (ابن فرحون- الديباج: 148، مخلوف- شجرة النور: 29). 3 - أبو جعفر، تقدّم، وكتابه المقصود هنا هو: "مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق" في فضائل الجهاد. وهو مطبوع. (حاجي خليفة- كشف الظون: 2/ 1686، الزركلي- الأعلام: 87). 4 - أبو عبد الرحمن، عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي: الصحابي الجليل، كان جريئاً جهيراً، هاجر إلى المدينة مع أبيه وشهد فتح مكة، أفتى الناس في الإسلام ستين سنة، له في كتب الحديث (2630) حديثاً، مات (سنة 73هـ). (ابن سعد- طبقات: 4/ 105، 138، النووي- تهذيب الأسماء:1/ 278، ابن خلكان- وفيات: 1/ 246، الزركلي- الأعلام: 4/ 108).

صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا تبايعتم بالعينة 1، وأخذتم بأذناب البقر، ورضيتم بالزراعة، وتركتم الجهاد، سلّط الله عليكم ذلاًّ، ولا ينزعه عنكم، حتى ترجعوا إلى دينكم" رواه: "أبو داود" بإسناده، وقال: (حسن) 2. قالوا: ومعنى الحديث: أن الناس إذا تركوا الجهاد، وأقبلوا على الزراعة ونحوها، سلّط الله عليهم العدوّ،- لعدم تأهبهم له- ولعدم استعدادهم لنزوله-، لرضاهم بما هم فيه من الأسباب، فأعطاهم ذلاًّ، وهو: أنهم لا يتخلّصون من

_ 1 - العينة: السلف. وفي تفسير الفقهاء: أن يبيع الرجل متاعه إلى رجل، ثم يشتريه منه في المجلس بثمن حال. عند المالكية، وفي قول للظاهرية: بيع الرجل ما ليس عنده، وهي السّلم. عند الشافعية والزيدية، وفي قول للحنفية، وقول للحنابلة: أن يبيع سلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها من المشتري قبل قبض الثمن بثمن نقد أقلّ من ذلك القدر. وفي قول للحنفية: أن يأتي الرجل المحتاج إلى آخر، ويستقرضه عشرة دراهم، ولا يرغب المقرض في الاقراض طمعاً في فضل لا يناله بالقرض، فيقول: لا أقرضك، ولكن أبيعك هذا الثوب إن شئت باثني عشر درهما، وقيمته في السوق عشرة، ليبيعه في السوق بعشرة، فيرضي به المستقرض، فيبيعه كذلك، فيحصل لصاحب الثوب درهمان، وللمشتري قرض عشرة. وفي قول للحنابلة، وقول للظاهرية: أن يكون عند الرجل المتاع، فلا يبيعه إلاّ إلى أجل مسمّى. (أبو جيب- القاموس الفقهي: 270). قال الشوكاني: (وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة مالك وأبو حنيفة وأحمد والهادوية، وجوز ذلك الشافعي وأ صحابه مستدلّين على الجواز بما وقع من ألفاظ البيع التي لا يراد بها حصول مضمونه وطرحوا الأحاديث المذكورة في الباب). (نيل الأوطار: 5/ 207). 2 - أخرجه أبو داود في "سننه" أنظر: عون المعبود في شرح سنن أبي داود: 9/ 335، "كتاب البيوع" "باب: النهي عن العينة"، عن نافع عن ابن عمر. والبيهقى في "سننه": 5/ 316، "كتاب البيوع" "باب: ما ورد في كراهية التبايع بالعينة". وأورده الزيلعي في "نصب الراية": 4/ 17. والمتقي الهندي في "منتخب كنز العمال": 2/ 263. والشوكاني في "نيل الأوطار": 5/ 206، وقال: (رواه أحمد وأبو داود، وأخرجه أيضاً- الطبراني وابن القطان وصحّحه، وقال الحافظ- في بلوغ المرام- ورجاله ثقات). وقد صحّحه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة": 1/ 15.

عدوّهم، حتى يرجعوا إلى ما هو واجب عليهم، من جهاد الكفار، والإغلاظ عليهم، وإقامة الدين، ونصرة الإسلام. وقد دل قوله - عليه الصلاة والسلام- "حتى ترجعوا إلى [42/ب] دينكم": على أن ترك الجهاد، والإعراض عنه، خروج من الدين، ومفارقة له، وكفى به ذنباً وإثماً. اهـ. فالمخاطب في هذا الحديث الكريم، وغيره، هم: الأئمة، فمعناه: إذا ترك الأئمة الناس، يتبايعون بالعينة، ويتبعون أذناب البقر ... إلخ،- كما مرّ في الفصل قبله- وفي فصل الاستنفار-. وذكر الدمياطي، و"ابن النحاس"- أيضاً - وغيرهما، ما نصّه: (خرّج "ابن عساكر" 1، عن "أنس" 2 باسناده، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من غزا غزوة في سبيل الله"، فقد أدّى إلى الله جميع طاعته، {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا} 3.

_ 1 - أبو القاسم، علي بن الحسن هبة الله، ثقة الدين ابن عساكر الدمشقي: المؤرخ الحافظ الرحالة، محدث الديار الشامية. من كتبه: "تاريخ دمشق الكبير" يعرف بتاريخ ابن عساكر، اختصره الشيخ عبد القادر بدران" و"تهذيب تاريخ ابن عساكر" و"الأشراف على معرفة الأطراف" وغيرها. مات بدمشق (سنة 571هـ). (ابن خلكان- وفيات الأعيان: 1/ 335، ابن كثير- البداية والنهاية: 12/ 294، كبرى زاده- مفتاح السعادة:1/ 216، 2/ 211، الزركلي- الأعلام: 4/ 274). 2 - أنس بن مالك بن النصر بن ضمضم الخزرجي الأنصاري، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخادمه، روى عنه رجال الحديث (2286) حديثاً، مولده "بالمدينة" ثم رحل إلى "دمشق"، ومنها إلى "البصرة"، وهو آخر من مات "بالبصرة"، من الصحابة (سنة 93هـ). (ابن سعد- طبقات: 7/ 10، ابن الجوزي- صفة:1/ 298، ابن الأثير- أسد الغابة:1/ 127 - 129، الزركلي- الأعلام: 2/ 25). 3 - سورة الكهف / آية 29، وتمامها: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُةا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُةلِ يَشْوِي الْوُجُوة بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}.

قال: قيل:- يا رسول الله- وبعد هذا الحديث الذي ععناه، من يدع الجهاد ويقعد؟ قال: من لعنه الله، وغضب عليه، وأعدّ له عذاباً عظيماً، قوم يكونون في آخر الزمان ولا يرون الجهاد، وقد اتخذ ربّي عنده عهداً لا يخلفه: أيّما عبد لقيه، وهو يرى ذلك، أن يعذّبه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين! ") 1 اهـ. قال "الدمياطي"- المذكور- وغيره: (ذكر صاحب "شفاء الصدور"، عن "زيد بن أسلم" 2، عن "أبيه" 3، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزال الجهاد حلواً خضراً ما قطر القطر من السماء، وسيأتي على الناس زمان، يقول فيه قرّاء منهم: ليس هذا بزمان جهاد، فمن أدرك ذلك الزمان، فنعم زمان الجهاد، قالوا:- يا رسول الله- وأحد يقول ذلك، نعم، من لعنه الله، والملائكة، والناس أجمعون! ") 4 اهـ. فانظروا- أيّدكم الله-!: إلى هذا الوعيد الفضيع، وبالجملة: إنما تجوز المهادنة مع كون الجهاد فرض كفاية، بأن يكون العدوّ مطلوباً في أرضه، ومع

_ 1 - أورده المتقي الهندي في "منتخب كنزل العمال": 2/ 268 - 269، مختصراً، وعزاه للديلمي عن أنس. 2 - أبو أسامة أو أبو عبد الله، العدوي العمري، فقيه مفسر من أهل المدينة، كان مع عمر بن عبد العزيز أيام خلافته، ثقة كثير الحديث، له حلقة في المسجد النبوي، وله كتاب في "التفسير" رواه عنه ولده عبد الرحمن. مات (سنة 136هـ). (الذهبي- تذكرة الحفاظ: 1/ 124، ابن حجر- تهذيب: 3/ 395، الزركلي- الأعلام: 3/ 56 - 57). 3 - أبو زيد، اسلم العدوي، أدرك زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عن أبي بكر، ومولاه عمر وعثمان وابن عمر وغيرهم. قال عنه العجلي: (مدني ثقة من كبار التابعين)، قال أبو عبيد: (توفي سنة 80هـ). (ابن الأثير- أسد الغابة: 1/ 77 - 78، ابن حجر- تهذيب التهذيب: 1/ 233). 4 - أورده المتقي الهندي في "كنز العمال": 10742، نحوه. ولفظه: "لا يزال الجهاد حلواً خضراً ما أمطرت السماء وأنبتت الأرض وسينشأ نشوء من قبل المشرق يقولون: لا جهاد ولا رباط أولئك هم وقود النار، بل رباط يوم في سبيل الله خير من عتق ألف رقبة ومن صدقة أهل الأرض جميعاً". وكذلك في "المنتخب": 2/ 275.

ذلك قالوا: (إنما تجوز لمصلحة) من استعداد، وإقامة [43/أ] جيش، ونحو ذلك، مما يراه الإمام من المصالح التي يحتال فيها لعدوّه) 1. قالوا: (ويستحب: أن لا تزيد المهادنة على أربعة أشهر) كما في "خليل" 2، وغيره 3. وكيف يطوّل في الهدنة سكوناً للراحة، من تدبّر قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوةا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَةا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَةا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِةادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} ونحوها من الآيات!؟. قال في "الكشاف ": (قوله تعالى: {بِأَمْرِهِ} أي: عقوبته عاجلة أو آجلة قال: وهي آية شديدة لا ترى أشد منها ... إلخ) ما تقدّم من كلامه فيها مع غيرها. وقال "ابن النحاس": (في هذه الآية الشريفة: من التهديد، والتحذير، والتخويف، لمن ترك الجهاد رغبة عنه وسكوناً إلى ما هو فيه من الأهل والمال، ما فيه كفاية، فاعتبروا يا أولي الأبصاره) اهـ. وقد قالوا: (إن الإمام مع الرعية، كالنفس مع صاحبها، إن لم يشغلها شغلته). فالإمام: إن لم يشغل الرعية بأمور الجهاد، شغلته بالقيام عليه، وبعدم امتثال أوامره، كما أن النفس: إن لم يشغلها صاحبها بالعبادة والطاعة لربّها، شغلته بالمعاصي، وكفران النعم التي أسبلت عليها. وقال "القرطبي"- في "تفسيره"-: (إن قيل: كيف يصنع الواحد إذا قصّر

_ 1 - قال أحمد المرنيسي (قال الشيخ خليل: وللإمام المهادنة لمصلحة ان خلا عن كشرط بقاء مسلم وان بمال). (أنظر جوابه لسؤال عن حكم المال الذي يفرض على المسلمين لدفعه إلى الأعداء مقابل الصلح بعد نفاد مال بيت مال المسلمين ص: 2). 2 - أنظر: "مختصر خليل": 103 (فصل عقد الجزية) ونصّه: (وندب أن لا تزيد على أربعة أشهر. 3 - قال الموّاق: (قال ابن شاس: استحبّ الشيخ أبو عمر أن لا تكون المدة أكثر من أربعة أشهر إلاّ مع العجز). (التاج والإكليل لمختصر خليل: 3/ 386).

الجميع- يعنى: في الجهاد- أو في فداء الأسارى -؟ قيل: يعمد إلى أسير واحد فيفديه،- فإنه إذا فدى الواحد (فقد أدّى في الواحد أكثر ممّا كان يلزمه في الجماعة - فإن الأغنياء لو اقتسموا فداء الأسارى ما أدّى كل واحد منهم إلاّ أقلّ من / (درهم- ويغزو بنفسه إن قدر، وإلاّ جهّز غازياً، لقوله- عليه الصلاة والسلام-): "من جهّز غازياً، فكأنما غزا" 1 اهـ. ثم لا يخفى: أن ما وقع لتلك الأقطار، حتى صار لهم العدوّ يقطع لهم البحار، ويتّبعهم في الفيافي 3 والقفار 4، والمسلمون أمامه "كأولاد الجراد"، هذا يتقدّم أمام الآخر سالكين نهج الفرار، إلاّ من طول المهادنة في تلك الأوطان، وعدم ممارسة القتال وشدّة الامتحان، فسكنوا إلى الراحة، واشتغلوا بالتكسّب

_ 1 - أخرجه البخاري في "صحيحه" "أنظر: فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 6/ 49. "كتاب الجهاد" "باب: فضل من جهّز غازياً أو خلفه بخير"، عن زيد بن خالد، وزاد عليه: "ومن خلف غازياً في سبيل الله بخير فقد غزا". ومسلم في "صحيحه": 3/ 1507، "كتاب: الامارة" "باب: فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره. والترمذي في "صحيحه": 4 م 168، "كتاب فضائل الجهاد" باب: ما جاء في فضل من جهّز غازياً، وقال: (قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير هذا الوجه). والنسائي في "سننه": 6/ 46، "كتاب الجهاد" "باب: فضل من جهّز غازياً". وأبو داود في "سننه": 3/ 12، "كتاب: الجهاد"، "باب: ما يجزىء في الغزو". وأحمد في "مسنده": 4/ 115. وأورده المتقي الهندي في "منتخب كنز العمّال": 2/ 264. 2 - القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن": 8/ 152، وزاد في الحديث: "ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا". 3 - جمع "فيفاء" وهي الصحراء الملساء، وقد أضيفت إلى عدة مواضع منها: فيفاء "الخبار" و"رشاد"، وفيفاء "غزال" بمكة وغير ذلك. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 4/ 285). 4 - جمع "قفر"، وهو: الخلاء من الأرض لا ماء فيه ولا ناس ولا كلأ، ودار قفر: خالية. (المعجم الوسيط: 2/ 756).

وأموال الزراعة، وصار عدوّهم يتحيّل لهم بأدنى التحيلات، فيفشي أخباراً في أجناس الكفّار من اليهود وغيرهم، أنه يريد ثغور المسلمين، وأنه مريد الخروج منها، أو أنه يريد الصلح ونحو ذلك، وذلك كلّه: مكيدة، لعلمه: بأن ذلك يصل للمسلمين، فتسكن نفسهم إليه، فينتهز فيهم فرصته، وإذا رآهم لقتاله اجتمعوا كفّ عن خروجه لهم حتى يتفرّقوا لطلب ما به تطبّعوا لعلمه: أنه لا صبر لهم عليه، وأنه ليس بيد أميرهم رزق يرشدهم إليه، ولا لهم مغيث من أمراء الآفاق يعينهم عليه، فإذا تفرّقوا دهمهم بما من الجيوش لديه. ولهذا: قدّمنا- في الفصل الذي قبله ويليه- وفي الفصل الثاني من المسألة الثانية-: أن الإمام يجب عليه: أن يفرض على كل قبيلة مائة مثلاً ونحوها من شجعانها وأبطالها تكون معه دائماً، وكل قبيلة تموّن مائتها، وعليه رعي النصفة في المناوبة بين الناس- كما في "ابن شاس" 1 - 2 فإذا قامت معه هذه ستة أشهر ونحوها، ردّها لبلادها بعد أن تأتي الأخرى في محلها، وهكذا، ليدفع بذلك هذه الحيلة، وليس المقصود الاقتصار على دفعها، بل المقصود: الاستعداد لدفعها وإخراجهم من القصور التي استولوا للمسلمين عليها، وإهانتهم في أراضيهم التي أتوا للإسلام منها. [44/أ] وقد تقدّم- في تلك الفصول- ما- فيه كفاية، لأهل البصيرة وأولي العناية، [قال تعالى]: {الَّذِينَ جَاةدُوا فِينَا لَنَةدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ... } 3، {إِنَّ اللَّة مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} 4.

_ 1 - أبو محمد، عبد الله بن محمد بن نجم بن شاس، جلال الدين، الجذامي السعدي المصري، شيخ المالكية في عصره بمصر، له "عقد الجواهر الثمينة" في فقه المالكية. مات مجاهداً "بدمياط" (سنة 616هـ). (مخلوف- شجرة النرر: 165، الزركلي- الأعلام: 4/ 124). 2 - أنظر: عقد الجواهر الثمينة: 1/ 464 ونقله الحطاب في "مواهب الجليل لمختصر خليل": 3/ 347. 3 - سورة العنكبوت / آية 69. 4 - سورة النحل / آية 128.

قال "ابن عرفة": (كرّه علماؤنا المهادنة على أن يعطينا أهل الحرب مالاً كل عام، ولقد طلب الطاغية ذلك من "عبد الله بن هارون"، على أن يعطوه مائة ألف دينار كل عام، فشاور الفقهاء في ذلك، فقالوا له: "الثغور اليوم عامرة فيها أهل البصائر بالقتال أكثرهم من البلدان، إن قطع عنهم الجهاد تفرّقوا، وخلت الثغور للعدوّ، والذي يصيبه أهل الثغور منهم أكثر من مائة ألف" فسرّ بذلك، ورجع إلى رأيهم) 1 اهـ. فانظروا- أيّدكم الله-!: كيف احتال العدوّ، وسمح باعطاء المال، لأجل أن يتفرّق من الثغور أهل البصائر بالقتال، ويسكن الناس إلى الراحة، فلا يقدرون على مقاومته بعد ذلك لعدم ممارستهم للقتال؟!. وانظروا: كيف كرّه العلماء تلك المهادنة مع أخذ المال من العدوّ، مع وجود العدّة والعدد، فكيف بها مع عدم ذلك كلّه؟! 2. هذا كله: في حكم المهادنة إن كان العدوّ مطلوباً في أرضه. وأما ان كان العدوّ طالباً- كما في تلك الناحية وغيرها من الأقطار-: فقال في "المعيار": (لا يجوز الصلح والهدنة بحال، وإن وقع وجب نقضه، لأن العدوّ حيث نزل أو قارب النزول فالجهاد متعيّن، وترك الجهاد المتعيّن ممتنع، فالصلح - المذكور-: ممتنع، لأنه تعود على العدوّ- أهلكه الله- مصلحته، وعلى المسلمين مفسدته، وإن تخيّلت فيه مصلحة، فهي للعدوّ أعظم من وجوه مكملة، فإنه يتحصّن في تلك المدّة، ويكثر من آلات الحرب والعدّة، فيتعذّر على المسلمين الاستنقاذ، ويصعب عليهم تحصيل [44/ب] المراد- فالصلح المذكور إن وقع مصلحة للعدوّ ومفسدة على الإسلام- فلا يكون له في نفس الأمر انبرام- فيجب نقضه، لأنه بمقتضى الشرع غير منبرم، فحكمه غير لازم عند كل من حقّق

_ 1 - قاله ابن عرفة في "المختصر الفقهي": 1/ 279 - أ "في المهادنة". 2 - قال أحمد المرنيسي: (قال المازري: لا يهادن العدوّ بإعطائه مالاً لأنه عكس مصلحة أخذ الجزية منهم إلا ّلضرورة التخليص منه). (جواب لسؤال عن حكم المال الذي يفرض على المسلمين لدفعه إلى الأعداء مقابل الصلح بعد نفاد مال بيت مال المسلمين: 2).

أصول الشريعة) اهـ باختصار 1، وفيه كفاية. قلت: وكيف يصح الصلح والهدنة من العدوّ الطالب للمسلمين النازل بأرضهم؟!، والله سبحانه يقول: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَةدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ .... } 2، فهو استفهام بمعنى: الإنكار والاستبعاد، لأن يكون لهم عهد ولا ينكثوه- مع وغرة صدورهم- يعنى: محال أن يثبت لهؤلاء عهد، فلا تطمعوا في ذلك، ولا تحدثوا به أنفسكم. ثم قال تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْةرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا - أي: حلفاء- وَلَا ذِمَّةً} 3 أي: عهداً؟!، (أي: حالهم وشيمتهم أنهم: إن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم قرابة، ولا حلفاء ولا عهداً) قاله: غير واحد من المفسرين 4. والصلح الوارد عنه- عليه الصلاة والسلام 5 - إنما: هو منه إليهم، لأنهم مطلوبون وقتئذ، لا منهم إليه، فحيث ظهر عليهم- عليه الصلاة والسلام- وطالبهم في أراضيهم جاز صلحه لمصلحة. ولا شكّ: أن العدوّ الكافر النازل بأرض الإسلام- وأخذ لهم الثغور، والأمصار- قد ظهر عليهم، فكيف يرقب 6 عهذه، وتسكن النفس إليه؟،

_ 1 - أنظر: الونشريسي في "المعيار": 2/ 208، "مجاهدون يغيرون على أطراف مراكز العدوّ الذي صالحه السلطان". 2 - سورة التوبة / آية 7، وتمامها: {إِلَّا الَّذِينَ عَاةدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّة يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}. 3 - سورة التوبة / آية 8. قال القرطبي: (كيف هنا للتعجب، كما تقول: كيف يسبقني فلان، أي لا ينبغي أن يسبقني، "وعهد" اسم يكون، وفي الآية اضمار، أي كيف يكون للمشركين عهد مع إضمار الغدر). (الجامع لأحكام القرآن: 8/ 78). 4 - أنظر: البيضاوي في "تفسيره": 191. والزمخشري في "الكشاف": 2/ 249 - 250. والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن": 8/ 79. 5 - هو: صلح الحديبية المشهور. (الطبري- تاريخ الرسل والملوك: 2/ 620 - 644). 6 - في "ب" (يترقّب)، وفي "ج"و"د" (يرتقب).

وكيف يكون للمغلوب على غلابه (الكافر) 1 عهد وميثاق؟!. ولهذا قال الإمام الحافظ "أبو العباس الونشريسي"- رحمه الله- في "معياره"، أثناء جواب له، ما نصّه: (كيف يثاق بهم عند قوتهم وظهورهم، وكثرة عددهم، ووفور عُددهم اعتماداً على وفائهم بعهودهم في شريعتهم، ونحن لا نقبل شهادتهم بالإضافة إليهم فضلاً عن قبولها بالإضافة إلينا، فكيف يعتمد على زعمهم بالوفاء!؟) 2 اهـ الغرض منه. ومعناه: أن العهد أعلا مراتبه أن يكون شهادة، ونحن لا نقبل [45/أ] شهادة بعضهم على بعض، فكيف نقبلها على المسلمين، ونعتمد على زعمهم وعهدهم بالوفاء؟!. فهذا خرق: للاجماع، والكتاب، والسنة بلا نزاع، قال تعالى- مخبراً عن دوام معاداة الكفار للمؤمين- وانهم لا ينفكّون عنها- بقوله: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردّوم عن دينكم إن استطاعوا ... } 3. وإنما جاز الصلح والهدنة: إذا كانوا مطلوبين في أراضيهم، لأن الغلبة والظفر

_ 1 - ساقطة من "ب". 2 - قاله الونشريسي في "معياره ": 2/ 140، أثناء جواب عن سؤال وجّهه له الفقيه القاضي "أبو عبد الله بن قطية" عن رجل من أهل "مربلّة" معروف بالفضل والدين تخلف عن الهجرة مع أهل بلده ليبحث عن أخ له فقد قبل في قتال العدوّ بأرض الحرب كما أنه كان عوناً للمسلمين الذمّيين حيث سكناه ولمن جاورهم يتكلّم عنهم مع حكّام النصارى فيما يعرض لهم معهم من نوائب الدهر، فهل يرخص له من الإقامة معهم تحت حكم الملّة الكافرة؟ أو لا يرخص؟، فأجاب بذلك بعد أن نقل ما روي عن "عمر بن عبد العزيز" أنه نهى عن الإقامة بجزيرة الأندلس. 3 - سورة البقرة/ آية 217، وتمامها: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّةرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَةلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيةا خَالِدُونَ}.

حينئذ للمؤمنين، فالعهد حينئذ منا إليهم، لا منهم إلينا، فالمؤمنون هم الموفون بالعهود، ومع ذلك قالوا: (إنما يجوز لمصلحة ... كما مرّ). وكيف تميل النفس، وتسكن لعهودهم مع نهي الشارع عنها؟!، وأيضاً مهما أرادوا نقضها تسبّبوا وطلبوا من المؤمنين أمراً لا يمكن المؤمنين أن يسمحوا به، وإن هم سمحوا به انتقلوا إلى طلب ما هو أعلى منه، وهكذا إلى أن تحصل الإباية من المسلمين فيحتجّون عليهم. وكيف يكون للمغلوب على غالبه (عهد) 1 ويشرط؟!، وقد سمعنا: أنكم صالحتموه 2 - أيّدكم الله- قبل هذا الأوان، فصار يطلبكم بمطالب لا تسمحون بها، فكان سبباً للنقض، وقد كانت عهود من الطاغية لأهل الأندلس، فلم يتم لهم شيء منها، فهو دائماً إنما يطلب العهود مع كونه غالباً، لفرصة ينتهزها، أو حيلة يستعملها، فيكون الصلح عائداً على المسلمين بالمفسدة، كما مرّ. ـ[تنبيه!]ـ: إذا نزل عدوّ الدين بأرض الإسلام، أو قريباً منها مريداً الدخول إليها، فإن الجهاد فرض عين على أهل ذلك البلد، وعلى إمامهم، شيوخاً وشبّاناً، أحراراً، أو عبيداً، بل وإن على امرأة إن كانت لها قوّة، ولا يتوقف قتالهم للعدوّ النازل على مشورة الإمام، ولا سيّما إن بعد منهم، بل وإن لم يكن لهم إمام تعيّن عليهم

_ 1 - في جميع النسخ (عهد الله) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه. 2 - الخطاب هنا للأمير عبد القادر الجزائري، وقد قامت بينه وبين الفرنسيين عدّة معاهدات واتّفاقيات نقضها الفرنسيون، ومنها: الهدنة التي قامت بينه وبين "دي ميشيل" الفرنسي حاكم وهران، ومعاهدة "تافنة" التي قامت بينه وبين "بيجو" (في سنة 1837م). فكانوا كما قال الأمير "شكيب أرسلان": (كانت معاهدات الدول الاستعمارية مع أهالي الأقطار التي تضع نصب أعينها الاستيلاء عليها هي في الغالب محاط استراحة بين الحملة والحملة، ومنازل استجمام بين مراحل الحرب لا غير، بحيث لا تعدم عذراً لدى توفّر القوة في نقض المعاهدات التي لم تبرمها منذ البداية إلاّ على نيّة النقض). (يحيى بوعزيز- الأمير عبد القادر رائد الكفاح: 52 - 62).

مدافعته ونصب الإمام، فإن لم يقدر- أهل ذك البلد- مع إمامهم، على مقاومة العدوّ، تعيّن على أقرب الأئمة إليهم، وعلى رعيّته أن [45/ب] يعينوهم، فإن لم تكن فيهم كفاية ومقاومة- أيضاً- وجب: على من والاهم، وهكذا حتى يأتي الوجوب منسحباً على جميع المسلمين. فقطر الجزائر مثلاً: حيث لم يقدروا على دفعه، لعدم من يضبط كلمتهم، أو لعدم وجود القوة فيهم، بدليل: أنه (يتردّد) 1 العدوّ إليهم، ويأخذ مدائنهم شيئاً فشيئاً، فإنه يجب على من والاهم- من أئمة المشرق- وأئمة المغرب- إلى "سوس" الأقصى- وإلى "بغداد" بل وإلى "الهند" 2 مثلاً-: أن يعينوهم بالجيوش والعدّة والعدد، وإن عصى من والاه فلم يعن، تعيّن على من والا من والاه، وهكذا. قال "ابن جزي"- في "قوانينه"-3: ويتعيّن الجهاد بأمور: أحدها: أمر الإمام، فمن عيّنه الإمام وجب عليه الخروج. والثاني: أن يفجأ العدوّ بلاد الإسلام، فيتعيّن عليهم دفعه، فإن لم) يقدروا) 4 لزم من قاربهم، فإن لم يستقل الجميع وجب على سائر المسلمين) 3.

_ 1 - في "الأصل" (لا يتردد) وهو خطأ، والصواب "يتردّد" كما هو ثابت في "ب" و"ج" و"د". 2 - هي أحد أشباه الجزر الثلاث التي توجد في آسيا الجنوبية. وهي: بانحصارها بين شبه جزيرة العرب وشبه جزيرة الهند الصينية تشبه "إيطاليا" من "أوروبا" ولكنها بشكلها الجملي يمكن تشبيهها "بافريقيا" (دائرة معارف القرن العشرين: 10/ 540). 3 - "القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية" لأبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي: الفقيه، الأصولي، اللغوي، من أهل غرناطة. وكتابه هذا قد طبع في مجلد واحد، ومن كتبه- أيضاً-: "تقريب الوصول إلى علم الأصول" و"الفوائد العامة في لحن العامة"، وغيرها، مات (سنة 741هـ). (ابن فرحون- الديباج: 295، ابن حجر- الدرر الكامنة: 3/ 356، المقري- نفح الطيب: 3/ 272، البغدادي- ذيل كشف الظنون: 4/ 244، الزركلي- الأعلام: 5/ 325). 4 - في جميع النسخ (يستقلوا)، وما أثبتناه قد ثبت في "قوانين ابن جزي": 149. 5 - قاله ابن جزي في "قوانينه": 149، "كتاب: الجهاد" وزاد عليه أمراً ثالثاً وهو: "استنقاذ أسارى المسلمين من أيدي الكفّار".

وقال الإمام "أبو عمر بن عبد البر"- رحمه الله-: (يتعيّن على كل أحد: إن حلّ العدوّ بدار الإسلام محارباً لهم: أن يخرج إليه أهل تلك الدار، خفافاً وثقالاً، شيوخاً وشباناً، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر سواد المسلمين، وإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوّهم، كان على من جاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة، وكذلك- أيضاً- من علم بضعفهم، وأمكنه غياثهم، لزمه- أيضاً- الخروج، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم، ولو قارب العدوّ دار الإسلام ولم يدخلها لزمهم- أيضاً- الخروج) 1 اهـ. قال "ابن بشير" 2: (إذا نزل قوم من العدوّ بأحد من المسلمين، وكانت فيهم قوة على مدافعتهم، فإنه تتعيّن عليهم المدافعة، فإن عجزوا تعيّن على من قاربهم نصرتهم) 3 اهـ. وقال "المازري": (فان عصى الحاضر أو من والاه ولم يدفع، [46/أ] تعلق الوجوب بمن يليه) 4 اهـ. ونصوص أهل المذهب في هذا لا تحصى كثرة. والمخاطب بالتعيين المذكور ابتداء إنما هو: الإمام، إذ هو المكلّف باستنفار الرعية، لنصرة من والاهم، وتجب على من عيّنه لذلك إطاعته، ولا يتّكل على الرعية أن تفعل، كما مرّ: في قول "القرطبي"، و"الكافي"، وغيرهما: (فرض على

_ 1 - قاله ابن عبد البر في "الكافي": 1/ 462 - 463. 2 - أبو الطاهر، ابراهيم بن عبد الصمد بن بشير التنوخي المهدوي، الإمام العالم الجليل الفقيه الحافظ، بينه وبين أبي الحسن اللخمي قرابة، وتفقه عليه في كثير من المسائل ورد عليه اخياراته، أخذ عن الإمام السيوري وغيره، من كتبه: "التنبيه" وذكر فيه أسرار الشريعة، وكتاب "جامع الأمهات" مات شهيداً، قال الشيخ مخلوف: "لم أقف على وفاته". أنظر: مخلوف- شجرة النور: 126 3 - نقله الموّاق في "التاج والإكليل": 3/ 348، "كتاب: الجهاد" عند قول خليل: "وعلى قربهم ان عجزوا". 4 - نقله الموّاق في "التاج والإكليل": 3/ 346، "كتاب الجهاد". والحطاب في "مواهب الجليل": 3/ 347، "كتاب الجهاد".

الإمام: إغزاء طائفة إلى العدوّ، ويخرج معهم بنفسه، أو يولّي عليهم من يثق به، وفرض على الناس- في أموالهم وأنفسهم- الخروج المذكور). وكما مرّ- أيضاً- في قول "ابن طلحة": (يلزم الإمام: حمل الناس على الجهاد، فإن اتّكل على أن يفعل الناس بأنفسهم ضاع الباب ... إلخ). وإنما وجب على من والاهم أن يعينهم- حيث لم يستقلّوا، أو لم يفعلوا-، لأنّ العدوّ إذا نزل بأرض الإسلام، وعجز أهل تلك الأرض عن دفعه، أو لم يعجزوا، ولكنهم عصوا وتركوا دفعه، فإن العدوّ يتمكّن حينئذ من تلك الأرض، وإذا تمكّن انتقل بالمحاربة لمن والاهم وهكذا، فيؤدي ذلك لكثرة الارتداد، واستئصال الإسلام. وهكذا وقع (لأهل) 1 جزيرة الأندلس، تركوا الاستعداد، ولما دهمهم العدوّ- منسحباً بالسلاح- وثياب البذلة 2 - خرجوا لقتاله بالغفائر 3، وثياب الزينة، فدهشوا: لعدم التدريب، وممارسة القتال، فصبروا اليوم الأول- مثلاً- والثاني، وكّلوا، فأخذ رقابهم وأموالهم، وكانت ملوكهم لا يعين بعضهم بعضاً، حتى تمكّن العدوّ من طليطلة" 4 قاعدة مملكتهم، وصارت ملوكهم تؤدي الضريبة وقتئذ للعدوّ الكافر، فلم تنفعهم الإعانة حينئذ، ولم تقم لهم قائمة! فانظروا- أيّدكم الله-!: حيث لم يعن بعضهم بعضاً، ولم يكونوا بناء

_ 1 - ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب" و"ج" و"د". 2 - بكسر الباء، ما يمتهن من الثياب. (الرازي- مختار الصحاح: 33). 3 - جمع الغفارة وهو: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة". (المعجم الوسيط: 2/ 663). 4 - بضم الطائين وفتح اللامين: مدينة كبيرة ذات خصائص محمودة بالأندلس، غربي ثغر الروم، وبين الجوف والشرق من "قرطبة"، وكانت قاعدة ملوك القرطبيين وموضع قرارهم، عليها "القنطرة" التي يعجز الوصف عن وصفها، كانت في أيدى المسلمين إلى أن ملكها الأفرنج (سنة 477هـ). وكانت تسمّى "مدينة الأملاك"، ينسب إليها جماعة من العلماء، منهم: أبو عبد الله الطليطلي (ت 458هـ) وغيرهم. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 4/ 39 - 40).

مرصوصاً، ولم يستعدّوا لعدوهم الكافر عموماً وخصوصاً، كيف أصبحوا [46/ب] بين يديه جناحاً مقصوصاً، والمال والحريم بأيديهم معدوداً محصوصاً 1، والقلب من أجل فعلتهم إلى الأبد حيراناً منكوصاً 2، وأصبحت مساجدهم مناصب 3 للصلبان، واستبدلت مآذنهم) بالنواقس) 4 بعد الأذان، فلو لم تكن (في الدنيا) 3 إلاّ هذه الفعلة، لكفت في أئمة المسلمين ورعيّتهم موعظة!. قال- سيدي- "العربي الفاسي": (لا يبرأ المسلمون من عهدة المدافعة، ونصرة من عجز، إلاّ إذا استفرغوا الوسع في إزاحة الكفّار من المدائن التي أخذوها للمسلمين، (فلو نازلوها فلم تفتح، وجب عليهم معاودتها كلما أمكنهم ذلك، حتى يفتحها الله عليهم، ولا فرق في ذلك بين المدائن المأخوذة للمسلمين) 6 حديثاً أو قديماً). لأن الوجوب والتعيين متعلّق بالمسلمين، لا بقيد زمان، ولا مكان، إلاّ أنه: يتعيّن على الحاضر زماناً ومكاناً،- على ما مرّ ترتيبه- فانا لم يفعل لعذر، أو لغير عذر، وجب على غيره ممّن يليه. كما قاله "ابن عرفة"، عن "المازري": (وترك من تقدم من أئمة المسلمين مدائن الإسلام في أيدي الكفّار، هم بذلك في محل العصيان، لا في محل الاقتداء والاستنان، وقديماً قيل: "أسلك سبيل الهدى، ولا يضرّك قلّة

_ 1 - من أحصى الشيء، أي: عرف قدره. (المعجم الوسيط: 1/ 179). 2 - نكص عن الأمر نكصاً، ونكوصاً، ومنكصاً: تكأكأ عنه وأحجم، وعلى عقبيه: رجع عما كان عليه من خير. (الزاوي - ترتيب القاموس المحيط: 4/ 393). 3 - العود الذي يصلب عليه. (البستاني- فاكهة البستان: 801). 4 - في جميع النسخ (بالنواقص)، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه. وهو جمع "ناقوس"، الذي يضربه النصارى لأوقات صلاتهم. (الزاوي - ترتيب القاموس المحيط: 4/ 426). 5 - ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د". 6 - ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د".

السالكين، واترك طريق الردى، ولا يضرّك كثرة الهالكين") 1 اهـ كلامه. قلت: وهذا منه- رحمه الله- تصريح بأن الجهاد فرض عين، على كل من الأئمة، والحال: أنهم قد أخذوا له، أو لغيره ممّن قبله، بعض أقطار البلدان، لأن عدوّ الدين قد نزل به، أو بمن قبله، وقد أخذ له، أو لمن قبله ثغوراً، فيجب عليه: أن يستنقذ ذلك منهم، وإن ترك ذلك الاستنقاذ من قبله، وهو صحيح لا خلاف فيه. ولهذا أفتى- سيدي- "شقرون بن هبة" 2 - أحد حفّاظ المتأخرين-: بأن الجهاد في هذا الزمان فرض عين ونحوه في كتاب "فلك السعادة" 3 قائلاً:

_ 1 - نقله - المصنف- في "الجواهر النفيسة فيما يتكرّر من الحوادث الغريبة": 1/ 9 - ب، 10 - أ. 2 - هو: أبو عبد الله محمد بن هبة الله، المعروف بالسيد "شقرون بن هبة الله": الفقيه، الفهامة، العلاّمة، شيخ الفتيا وإمامها الأكبر، كان طلق اللّسان واسع العبارة واضح البيان، كثير المعرفة، قدم على "فاس" (سنة 967هـ) فقلّده يومئذ السلطان "الغالب بالله" الفتوى ورياسة العلم بمراكش وسائر أقطار المغرب، وجعل له كرسياً للدرس في قصره كان يحضره السلطان وسائر الأمراء، فانتفع الناس بعلومه، لقي المشايخ الأكابر وأخذ عنهم، مات "بفاس" (سنة 983هـ). (ابن عسكر- دوحة الناشر: 116 - 117). 3 - "فلك السعادة الدائر بفضل الجهاد والشهادة"" لعبد الهادي بن عبد الله بن علي بن طاهر الحسني السجلماسي، فاضل من أهل المغرب، قرأ "بفاس" وغيرها. وكان من ألمع رجال "مدغرة"، ورث العلم والصلاح عن والده وأجداده الكرام واشتهر باطلاعه على السيرة النبويّة. وكتابه هذا قال عنه محمد بن عبد العزيز الدباغ: (في الجهاد، جمع فيه فأوعى وضمنه كل ما يتعلّق بهذا الموضوع من آيات وأحاديث بناه على طريقة المحدثين، وذكر في مقدمته أنه كان مطولاً ثم اختصره، وأنه بوّبه على اثني عشر باباً، كما هي بروج الفلك، وأنه فصله على ثمانية وعشرين فصلاً على عدد المنازل. وكان كتابه محبوباً متداولاً ونافعاً مفيداً، وقد حبس المولى عبد الله نسخة منه على خزانة القرويين في شهر رجب من عام ستة وخمسين ومائة وألف وهي نسخة مكتوبة بخط مغربي جميل واضح رقمها الترتيبي (264) وتشتمل على مائة وخمس وستين ورقة). (الزركلي- الأعلام: 4/ 273، الدباغ- دراسة حول كتاب، فلك السعادة". أنظر: "دعوة الحق" العدد: 246، الصفحات: 152 - 160، لسنة 1405هـ/ 1985م)

(الجهاد اليوم فرض عين، لأنّهم قالوا: "إذ نزل العدوّ ساحة 1 الإسلام، فالجهاد فرض عين" ولا مخالف لهذا القول، واليوم قد نزلوا بساحات، [47/أ] وهتكوا أستاراً وحرمات، وأخذوا معاقل وحصوناً، وسبوا 2 قبائل وبطوناً). أي: وهم إذا سبوا ذلك، تعيّن على إمام الوقت ورعيّته أن يستنقذوا ذلك، ويجب على من يليه من الأئمة: أن يعينه على ذلك إن هو عجز، أو ترك وعصى- كما تقدّم في نص "المازري"- كما أنه يجب ذلك على من بعده من الأئمة إن هو مات. ثم قال 3: (قال "ابن عادل" 4 في تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِأَةلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ... } 5، ظاهر الآية وجوب الجهاد على الكلّ، إلاّ ما خصّه الدليل من: المرضى والضعفاء والعاجزين 6.

_ 1 - الساحة: المكان الواسع، وساحة الحرب: هي جميع البلاد التي يحتمل أن يتقاتل فيها الفريقان المتخاصمان في البر والبحر والجوّ. (شيت خطاب- المصطلحات العسكرية: 1/ 380). 2 - السبي، والسباء: الأسر، وقد سبيت العدوّ: أسرته. (الرازي- مختار الصحاح: 227). 3 - أي صاحب كتاب "فلك السعادة" المتقدّم. 4 - أبو حفص عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي سراج الدين: المفسّر، العالم، صاحب التفسير الكبير: "اللباب في علوم الكتاب- خ" في خزانة "كتاب سراي" "بمغنيسيا"، نسخة سلطانية في (7000) ورقة، ومنه المجلدات الأول والثاني والثالث والخامس والثامن في الرباط، وفي "شسشربتي" و"الظاهرية" و"الزيتونة" و"دار الكتب" مجلدات متفرقة منه، وفي مكتبة مدرسة بشير أغا بالمدينة نسخة منه قريبة من الكمال. مات (سنة 880هـ). (حاجي خليفة- كشف الظنون: 1543، الزركلي- الأعلام: 58). 5 - سورة التوبة / آية 120، وهي طرف منا، وتقدّم تخريجها في: 355. 6 - قال القرطبي: (ويحتمل أن يكون الإستنفار في كل مسلم، وخصّ هؤلاء بالعتاب لقربهم وجوارهم، وأنهم أحقّ بذلك من غيرهم). (الجامع لأحكام القرآن: 8/ 290).

ثم نقل عن (الأوزاعي) 1، و"ابن المبارك" 2، و"ابن جابر" 3، و"سعيد بن عبد العزيز" 4: (أن) 5 الخطاب في هذه الآية: لأول هذه الأمة ولآخرها 6، وذلك لو سوّغنا للمندوب للجهاد أن يتقاعد لم يختص بذلك بعض دون بعض، فيؤدي إلى تعطيل الجهاد.

_ 1 - في "الأصل" (ابن الأوزاعي) والصواب ما أثتناه في "ب" و"ج" و"د" قد ثبت في "القرطبي": 8/ 292. وهو: عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي، إمام الديار الشامية في الفقه والزهد، وأحد الكتّاب المترسلين، وكانت الفتيا تدور بالأندلس على رأيه، من كتبه: "كتاب السنن" في الفقه، و"المسائل". مات (سنة 157هـ). (الأصبهاني- حلية الأولياء: 6/ 135، الزركلي- الأعلام: 3/ 320). 2 - أبو عبد الرحمن، عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي بالولاء، التميمي: الحافظ، شيخ الإسلام، المجاهد، التاجر، أفنى عمره في الأسفار، وجمع الحديث والفقه والعربية وأيام الناس والشجاعة والسخاء، من كتبه: "الجهاد" وهو أول من صنف فيه، و"الرقائق ". مات "بهيت" على الفرات (سنة 181هـ). (الذهبي- تذكرة الحفاظ: 1/ 253، كبرى زاده- مفتاح السعادة: 2/ 112، الزركلي- الأعلام: 4/ 115). 3 - أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن جابر الأندلسي الهواري: المالكي، الشاعر، اللغوي، عالم بالعربية، أعمى، من أهل "المرية"، صحبه إلى الديار المصرية "أحمد بن يوسف الغرناطي الرعيني، فكان ابن جابر يؤلف وينظم، والرعيني يكتب، من كتبه: "شرح ألفية ابن مالك" و"شرح ألفية ابن معطي"، و"العين في مدح سيد الكونين" وغير ذلك، مات (سنة 780هـ). (ابن حجر- الدرر الكامنة: 3/ 339، كبرى زاده- مفتاح السعادة: 1/ 156، الزركلي- الأعلام: 5/ 328). 4 - أبو محمد، التنوخي، الدمشقي، فقيه دمشق في عصره، حافظاً، حجة، قال الإمام أحمد بن حنبل: "ليس بالشام أصح حديثاً منه". مات (سنة 167هـ). (الذهبي- تذكرة الحفّاظ: 1/ 23، الزركلي- الأعلام: 3/ 97). 5 - في "الأصل" (ابن) ولعلّه سهو من الناسخ. 6 - نقله القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن": 8/ 292، ونصّه (قال الوليد بن مسلم، سمعت الأوزاعي وابن المبارك والفزاري والسبيعي وسعيد بن عبد العزيز يقولون- في هذه الآية-: أنها لأول هذه الأمة وآخرها).

وقال ابن عطية: (حكم الآية في دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الصحيح، وكذلك غيره من الأئمة) اهـ 1. قال: (وقد قالوا- أيضاً-: إذا عجز أهل دار نزل بهم عدوّ الدين، عن الذبّ عق أنفسهم، تعيّن على من يقربهم أن يعينهم، وهكذا: واليوم نسمع ونبصر بنزول العدوّ دياراً فضلاً عن دار فنتغافل، وربما استصرخونا 2 فنتكاسل، حتى ينتهزوا 3 (فرصتها)، ويتمكّنوا من غرّتها، ثم يفعلون بأخرى مثل ذلك، فدلّ ذلك: على استخفافنا بقوله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} 4 أي: (فواجب عليكم أن تنصروهم على المشركين، لأن ترك نصرهم يؤدي لمفسدة، واستيلاء الكفّار حتى عليكم) 5 اهـ باختصار كثير.

_ 1 - قال ابن عطية: (هذه معاتبة للمؤمنين من أهل يثرب وقبائل العرب المجاورة لها على التخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوه، وقوة الكلام تعطي الأمر بصحبته إلى توجهه غازياً وبذل النفوس دونه. وهذا كله في الانبعاث إلى غزو العدوّ على الدخول في الإسلام واما إذا ألمّ العدوّ بجهة فمتعيّن على كل أحد القيام بذبه ومكافحته. فيجيء قوله تعالى: {مَا كَانَ لِأَةلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ} عموم في اللفظ والمراد به في المعنى الجمهور والأكثر. وتجيء هذه الآية مبيّنة لذلك مطردة الألفاظ متصلة المعنى من قوله- تعالى- {مَا كَانَ لِأَةلِ الْمَدِينَةِ ... إلى قوله {يَحْذَرُونَ} بين في آخر الآية العموم الذي في أولها، إذ هو معرض أن يتأول فيه ألاّ يتخلف بشر). (المحرر الوجيز- 8/ 297 - 300). 2 - في "ب" (استصرخوا بنا). 3 - في "ب"و"ج"و"د" (ينتهزون). 4 - سورة الأنفال / آية 72، وتمامها: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَةاجَرُوا وَجَاةدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُةاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُةاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. 5 - قال ابن عاشور في تفسير هذه الآية- (أي: طلبوا أن تنصروهم لأجل الدين، أي لردّ الفتنة عنهم في دينهم إذ حاول المشركون إرجاعهم إلى دين الشرك وجب نصرهم لأن نصرهم للدين ليس من الولاية لهم بل هو من الولاية للدين ونصره، وذلك واجب عليهم سواء استنصرهم الناس أم لم يستنصروهم إذا توفر داعي القتال). (التحرير والتنوير: 10/ 86).

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ.- أي: (إلاّ) 1 تفعلوا مثله، من تولّى [47/ب] المؤمنين بعضهم بعضاً، ومعاداتهم 2 للكافرين، كما يفعل الكفّار [من] 3 التعاضد 4 والتعاون- تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} 5. 6 وبيانه: أن المؤمنين إذا تركوا التناصر والتعاون فيما بينهم- حتى يكونوا يداً واحدة على الكافرين- انحلّ نظامهم، واستولى الكافر على جميعهم، وذلك مفسدة لدينهم ودنياهم. فالله الله في الهمم قد حمدت 7 ريحها، والله الله في الرجولية قد قلّ حدّها، والله الله في الغيرة على الدين قد (تعس) 8 جدّها، والله الله في الدين الذي (طمع الكفر) 9 في تبديله، والله الله في الحريم الذي مدّ الكافر يده إلى استرقاقه وتحويله، ولمثل هذا فليعمل العاملون، وفي مثله فليتنافس المتنافسون!. وبالجملة: فلا يخرج إمام ولا رعيته من عهدة الوجوب، في إزاحة الكفار من مدائن المسلمين 10، أو إعانة من عجز عن إخراجهم منها، أو مدافعتهم عنها،

_ 1 - في "الأصل" (لا) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د". 2 - في "ج" و"د" (ومعانتهم) والصواب ما أثبتناه. 3 - إضافة من عندنا حتى يستقيم النص. 4 - أي: التعاون والمناصرة. (المعجم الوسيط: 2/ 612). 5 - سورة الأنفال / آية 73. 6 - قال ابن عاشور: (إن المسلمين إذا لم يظهروا يداً واحدة على أهل الكفر لم تظهر شوكتهم، ولأنه قد يحدث بينهم الاختلاف من جرّاء اختلافهم في مقدار تفرّق جماعتهم، وهذا فساد كبير، ولأن المقصود إيجاد الجامعة الاسلامية وإنما يظهر كمالها بالتفاف أهلها التفافاً واحداً، وتجنب ما يضادّها، فإذا لم يقع ذلك ضعف شأن جامعتهم في المرأى وفي القوة، وذلك فساد كبير). (التحرير والتنوير: 10/ 88). 7 - أي: سكنت (المعجم الوسيط: 1 م 254). 8 - في "الأصل" (تعسر) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د". 9 - في "الأصل" (تطمع في مدّ الكافر) ولعلّه سهو من الناسخ، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج"و"د". 1 - 0 - في "ب" (الاسلام).

إلاّ باستفراغ الوسع، وبذل الطاقة والجهد بالعدّة والاستعداد، ومباشرة الدفع، ومعاودة القتال بحسب الإمكان، أو يموت وهو مدين على ذلك الفعل، فينتقل الوجوب إلى من تولّى بعده، وأما كونه يقتدي بمن عصى من الأئمة، وترك مدائن المسلمين بأيدي الكفار، أو ترك إغاثة من عجز عن الدفع، فذلك غير مخلص. وبهذا نعلم: أن محل كون الجهاد فرض كفاية: إذا لم يكن العدوّ أخذ شيئاً من بلاد المسلمين، وإلاّ كان فرض عين- على ما مرّ تفصيله قريباً- إذ هو: نازل بهم دائماً ما دام آخذاً لثغورهم وبلادهم، فيجب على أئمة وقته، وعلى من يليهم إن عجزوا، على من بعدهم إن ماتوا أو عصوا وتركوا أن يخرجوهم ممّا استولوا عليه، ولا يحلّ لهم تركهم، إلاّ بقدر ما [48/أ] يتجهّزون، ويعاودون ذلك المرة بعد المرّة، حتى يفتحها الله عليهم.

الفصل الثالث

الفصل الثالث فيما يرتزق منه الجيش إن عجز بيت المال، ووجوب المعاونة بالأبدان إن افتقر إليها في الحال ــــــــــــــــــــــــــــــ اعلم: أنه إذا ضعف بيت المال عن أرزاق الجيش، فقد قال- حجة الإسلام - أبو حامد الغزالي، في كتابه "المستصفى" 1، ما نصّه: (فإن قيل: توظيف الخراج 2 من المصالح، فهل إليه سبيل، أم لا؟، قلنا: لا سبيل إليه مع كثرة

_ 1 - "المستصفى" للإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي الطوسي: الفيلسوف، المتصوّف، رحل إلى كل من بغداد والحجاز والشام ومصر. وكتابه هذا في أصول الفقه، وقد قال فيه: (قد صنفت في فروع الفقه وأصوله كتباً كثيرة ثم أقبلت بعده على علم طريق الآخرة ... ) وقد اختصره: أبو العباس أحمد بن محمد الاشبيلي (ت 651هـ)، وشرحه أبو علي حسين بن عبد العزيز الفهري البلنسي (ت 679هـ)، وعليه تعاليق لسليمان بن محمد الغرناطي (ت 639هـ). ومن كتبه- أيضاً-: "إحياء علوم الدين" و"تهافت الفلاسفة" و"معارك القدس في أحوال النفس" وغيرها، مات "بالطابران" (سنة 505هـ). (ابن خلكان- وفيات الأعيان:1/ 463، كبرى زاده: مفتاح السعادة: 2/ 191 - 210، حاجي خليفة- كشف الظنون: 2/ 1673، الزركلي- الأعلام: 7/ 22). 2 - الخراج: ما يخرج من غلّة الأرض. عند الحنابلة: ما قرّر على الأرض بدل الأجرة. عند الزيدية: ما وضع على أرض افتتحها الإمام، وتركها في يد أهلها على تأديته. عند الاباضية: هو ما يستخرجه السلطان، أو نحوه من أصحاب الأموال كل سنة مثلاً. وأرض الخراج عند الشافعية نوعان: الأول: أن يفتح الإمام بلدة قهراً، ويقسمها بين الغانمين، ثم يعوّضهم عنها، تم يقفها على المسلمين، ويضرب عليها خراجاً. الثاني: أن يفتح الإمام بلدة صلحاً على أن الأرض للمسلمين، ويسكنها الكفار بخراج معلوم، فالأرض تكون فيئاً للمسلمين، والخراج أجرة لا يسقط بإسلامهم. وخراج الوظيفة عند الحنفية مثل الذي وظّفه عمر رضي الله عنه على أرض سواد العراق لكل جريب يبلغه الماء صاع بر أو شعير، والجريب: قطعة متميّزة من الأرض يختلف مقدارها بحسب اصطلاح أهل الأقاليم. (أبو جيب- القاموس الفقهي: 114 - 115).

الأموال في أيدي الأخيار، أما إذا خلت الأيدي، ولم يكن في (بيت المال) 1 ما يفي بخراجات العسكر- ولو تفرق العسكر واشتغلوا بالكسب، لخيف دخول الكفّار بلاد الإسلام، أو خيف ثوران الفتنة من أهل الغرامة في بلاد الإسلام-: فيجوز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند. ثم إن رأى في طريق التوزيع التخصيص بالأراضي فلا حرج، لأنّا نعلم: أنه إذا تعارض شران [أو] 2 ضرران، قصد دفع أشدّ الضررين، وأعظم الشرين، وما يؤديه كل واحد منهم قليل بالإضافة إلى ما يخاطر به من نفسه وماله، لو خلت خطة الإسلام عن ذي شوكة 3، يحفظ نظام الأمور، ويقطع مادة الشرور (ولفسدت الأرض ومن عليها 4 اهـ 5 باختصار. وقوله: (على الأغنياء ... إلخ يريد (على) من له قدرة وطاقة على دفع شيء لا (يجحف) 6 به، كما يأتي. وفي "المعيار"، عن الإمام "ابن منظور" 7: (الأصل: أن لا يطالب المسلمون بمغارم غير واجبة بالشرع، وإنما يطالبون بالزكاة، وما أوجبه القرآن والسنّة،

_ 1 - في "المستصفى" (مال المصالح). 2 - ساقطة من جميع النسخ، والإضافة في المصدر السابق. 3 - أي: ذي بأس، فالشوكة: شدّة البأس. (الرازي- مختار الصحاح: 278). 4 - هذه العبارة لم يوردها الغزالي في "المستصفى" ولعلّها من تصرف المصنف. 5 - الغزالي "المستصفى": 256. من أجحف به: اشتدّ في الاضرار به، يقال "أجحف بهم الدهر"، استأصلهم، وأجحف بهم الفقر: أذهب أموالهم. (المعجم الوسيط:1/ 108). 6 - أبو عمر، عثمان بن يحيى بن محمد بن منظور، القيسي، المالقي، كان عالماً بالعربية، والفرائض. قال السيوطي: (قال في تاريخ غرناطة: من بيت معمور بالنباهة، كان صدراً من علماء بلده، أستاذاً ممتعاً، من أهل النظر والاجتهاد والتحقيق، ثاقب الذهن) ولي القضاء "ببلش" و"مالقة". من كتبه: "بغية المباحث في معرفة مقدمات الموارث" و"اللّمع الجدلية في كيفية التحدث في علم العربية". مات "بمالقة" (سنة 735هـ). 7 - (السيوطى- بغية الرعاة: 2/ 136 - 137، ابن فرحون- الديباج: 192، حاجي خليفة - كشف الظون: 2/ 1561 - 1562، البغدادي- هدية العارفين:1/ 654، كحالة- معجم المؤلفين: 6/ 270).

كالفيء 1، والركاز 2، وارث من ورثه بيت (المال)، لكن إذا عجز بيت المال عن أرزاق الجند، وما يحتاج إليه من آلة حرب [48/ب] وعدّة: فيوزع على الناس ما يحتاج إليه من ذلك، ويستنبط هذا الحكم، من قوله تعالى: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَةلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا؟ .... } 3. لكن لا يجوز ذلك إلاّ بشروط: أحدها: أن يعجز بيت المال، وتتعيّن الحاجة. وثانيها: أن يصرفه الإمام بالعدل، فلا يجوز: أن يستأثر به دون المسلمين، ولا ينفقه في سرف، ولايعطي من لا يستحق، ولا أكثر ممّا يستحق. وثالثها: أن يكون المغرم على من كان قادراً من غير ضرر ولا إجحاف، ومن 4 لا شيء له أوله شيء قليل لا يغرم شيئاً. ورابعها: أن يتفقّدها في كل وقت، فربما جاء وقت لا يفتقر فيه لزيادة على ما في بيت المال) 5.

_ 1 - في قول العلماء: هو كل ما حصل للمسلمين من أموال الكفار بغير قتال. وعند المالكية، والاباضية، وقول للشافعية وللزيدية:-يرادت الغنيمة. (أبو جيب- القاموس الفقهي: 291 - 292). 2 - ما ركّزه الله- تعالى- في الأرض من المعادن في حالتها الطيبيعية. وفي الحديث الشريف: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "في الركاز الخمس. قيل: يا رسول الله وما الركاز؟ قال: هو الذهب، والفضة، المخلوقان في الأرض، يوم خلق الله السموات والأرض". وهو في الشرع: عياض: الكنز من دفن الجاهلية. التمرتاشي: مال مركوز تحت أرض من معدن خلقي ومن كنز. المالكية والشافعية والجعفربة، مثل القول الشرعي المنقول عن عياض، وفي قول للمالكية: هو ما وجد من ذهب، أو فضة في باطن الأرض مخلصاً سواء دفن فيها، أو كان خالياً عن الدفن. الثوري والحنفية: هو المعدن. (أبو جيب- القاموس الفقهي: 152 - 153). 3 - سورة الكهف / آية 94، وتمامها: {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}. 4 - في "ب" (ولا من)، ولعلّه سهو من الناسخ. 5 - أنظر: الونشريسي في "المعيار": 11/ 127 - 128 "في حكم فرض الخراج على الرعية" =

قال 1: (وكذلك إذا تعيّنت الضرورة للمعونة 2 بالأبدان، ولم يكف المال، فإن الناس يجبرون على التعاون بأبدانهم، على الأمر الداعي للمعونة، بشرط القدرة، وتعين المصلحة، والافتقار إلى ذلك) 3. قال: (فإذا عزم أمير المؤمنين على رفع (الظلمات) 4 وسلك بالمأخوذ على الشروط التي ذكرناها، حتى يعلم الناس أنهم لا يطالبون إلاّ بما جرت به العوائد 5، وسلك بهم مسلك العدل في الحكم، فله أن يوزّع من المال على النسبة المفسرة ما يراه صواباً، ولا إجحاف فيه حسبما ذكرناه 6 اهـ باختصار. فانظروا- أيّدكم الله-!: فإنهم لم يخصّوا ذلك بالأغنياء- والغنى يتفاوت- وإنما ضبطوه بعدم الإجحاف. قال- الحافظ-: "أبو العباس الونشريسي"- رحمه الله- كان بمحول جواب "ابن منظور" - ما نصّه: (تأملت السؤال بمحوله، ولا مزيد على ما

_ = وهو جواب لابن منظور عن سؤال وجه له. وزاد عليه شرط لم يذكره "المنصف" هنا، وهو (الثالث: أن يصرفه مصرفه بحسب المصلحة والحاجة لا بحسب الغرض). ونقله- أيضاً- أحمد المرنيسي في "فتواه في حكم المال الذي يفرض على المسلمين": 5 - 6، وعزاه للمعيار عن ابن منظور، بعد أن قال: (نعم ان خلا بيت المال أو بقي به ما لا يقوم بأرزاق الجند جاز أن يوظف عليهم من المعونة ما هو مألوف ومعهود بشروط نقلها صاحب "المعيار" في جامعه عن ابن منظور ... ). 1 - أي الإمام ابن منظور. 2 - في "ب" (للمعاونة) وما أثبتناه قد ثبت في "المعيار". 3 - نقله الونشريسي في "المعيار": 11/ 128، "في حكم فرض الخراج على الرعية". ونقله- أيضاً- أحمد المرنيسي في "فتواه في حكم المال الذي يفرض على المسلمين": 6. 4 - في "الأصل" (الظلامات) وكذلك في "ج" و"د"، وما أثبتناه من "ب" قد ثبت في (المعيار). 5 - جمع عادة، وهي: عبارة عمّا يستقر في النفوس من الأمور المتكررة المقبولة عند الطبائع السليمة. (البستاني- فاكهة البستان: 995). 6 - أنظر المصدر السابق "المعيار": 11/ 128 - 129. وأحمد المرنيسي في "فتواه في حكم المال الذي يفرض على المسلمين": 6.

أجاب به المجيب أسفله وبطرّته، وبذلك أفتي وأقول، [49/أ] "محمد الموّاق"،- وفقه الله- آمين 1 اهـ. قال 2: (وكان الإمام "أبو اسحاق الشاطبي"- رحمه الله- ممّن يرى رأي من يجيز ضرب الخراج على الناس عند ضعفهم وحاجتهم، لضعف بيت المال عن القيام بمصالح الناس 3، قائلاً: "وهو- رأي توظيف الخراج على المسلمين- من "المصالح المرسلة" 4، ولا شكّ عندنا: في جوازه وظهور مصلحته في بلاد "الأندلس" في زماننا، لكثرة الحاجة، وضعف بيت المال، لكن يبقى نظر آخر في قدر ما يحتاج إلى أخذه من ذلك: فهذا لا يعرفه إلاّ الملك، أو من يباشره من خدّامه وخاصته، بل ذلك في زماننا لا يعلمه إلاّ الملك") 5 اهـ كلام الشاطبي. وذكر "ابن خلكان" 6: (أن أمير المؤمنين "يوسف بن تاشفين": طلب من

_ 1 - الونشريسي- "المعيار": 11/ 129. ونقله أحمد المرنيسي في "فتواه في حكم المال الذي يفرض على المسلمين": 6. 2 - أي: الونشريسي. 3 - في "ب" (المسلمين). 4 - قال الآمدي- في المصالح المرسلة-: (قد اتفق الفقهاء من الشافعية والحنفية وغيرهم على امتناع التمسك به إلاّ ما نقل عن مالك أنه يقول به، مع إنكار أصحابه لذلك عنه، ولعلّ النقل إن صح عنه فالأشبه أنه لم يقل بذلك في كل مصلحة، بل فيما كان من المصالح الضرورية الكلية الحاصلة قطعاً. فالمصالح منقسمة إلى ما عهد من الشارع اعتبارها، وإلى ما عهد منه الغاؤها وهذا القسم متردّد بين ذينك القسمين، وليس الحاقه بأحدهما أولى من الآخر، فامتنع الاحتجاج به دون شاهد بالاعتبار، يعرّف أنه من قبيل المعتبر دون الملغى). (الأحكام في أصول الأحكام: 4/ 216). 5 - نقله الونشريسي في "المعيار": 11/ 131. 6 - أبو العباس، أحمد بن محمد بن ابراهيم بن أبي بكر، البرمكي، الاربلي. المؤرخ الحجة، الأديب الماهر، تولّى القضاء في "مصر والشام"، والتدريس في كثير من مدارس دمشق، من كتابه: "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" من أشهر كتب التراجم، مات (سنة 681هـ). (ابن اياس- بدائع الزهور: 7/ 353، الزركلي- الأعلام:1/ 220).

أهل البلاد المعونة على ما هو بصدده، فوصل كتابه إلى "المريّة" 1 في هذا المعنى، وذكر فيه: أن جماعة أفتوه بجواز طلب ذلك اقتداء "بعمر بن الخطاب"- رضي الله عنه- فقال أهل "المريّة" لقاضي بلدهم- وهو: "أبو عبد الله محمد بن يحيى بن الفرّاء2 - : "الأبدان تحييه" 3، وكان هذا القاضي من أهل الدين والورع على ما ينبغي، فكتب إليه: "أما بعد، ما ذكره أمير المؤمنين في اقتضاء المعونة، وتأخري عن ذلك، وان "أبا الوليد الباجي" 4، وجميع الفقهاء والقضاة (بالعدوة) 5 والأندلس أفتوه: باقتضائها، وذكروا: أن "عمر بن الخطاب"- رضي الله عنه- قد اقتضاها، فكان "عمر بن الخطاب"- رضي الله عنه-

_ 1 - بالفتح ثم الكسر، وتشديد الياء: مدينة كبيرة من كورة "البيرة" من أعمال الأندلس، كانت هي "وبجاية" بأبي الشرق، منها يركب التجار، وفيها تحل مراكب التجار، وفيها مرفأ ومرسى للسفن والمراكب، دخلها الافرنج- خذلهم الله- من البرّ والبحر في (سنة 542هـ)، ثم استرجعها المسلمون (سنة 552هـ)، وينسب إليها أبو العباس أحمد بن عمر المعروف بالدلائي المريّ، ومحمد بن خلف بن سعيد المريّ من أهل الفقه والفضل. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 5/ 119). 2 - وهو: أبو عبد الله محمد بن يحيى بن زكرياء، يعرف بابن الفراء، من أهل "المريّة" وقاضيها، الصالح الدين، المتواضع، روى عن أبي العباس العذري كثيراً، وعن القاضي أبي عبد الله بن المرابط، سمع الناس منه بعض ما رواه، استشهد "بقتندة" (سنة 514هـ). (ابن بشكوال- الصلة: 2/ 572). 3 - هذه العبارة ليست واردة في "وفيات الأعيان". 4 - أبو الوليد، سليمان بن خلف بن سعد التجيبي القرطبي: فقيه مالكي، محدّث، ولد في "باجة بالأندلس"، وتولّى القضاء في بعض أنحائها، من كتبه: "السراج في علم الحجاج"، و"أحكام الفصول في أحكام الأصول" و"التسديد إلى معرفة التوحيد" مات "بالمريّة" (سنة 474هـ). (ابن فرحون- الدبياج المذهب: 120، المقري- نفح الطيب: 1/ 361). 5 - في "الأصل" (بعزوة) وكذلك في "ب"، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ج" و"د" وقد ثبت في "وفيات الأعيان": 7/ 119، وهي: إحدى مدن فاس أُسست (سنة 192هـ) في ولاية إدريس بن إدريس، وهي مشهورة بشجاعة رجالها ونجدتهم وجمالهم، حيث ان مدينة "فاس" تفترق إلى مدينتين، أحدهما كانت هذه والأخرى تسمّى "بعدوة القرويين". (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 4/ 230).

صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضجيعه في قبره، ولا يشكّ في عدله، ولست يا أمير المؤمنين: بصاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[49/ب] ولا وزيره، ولا ممّن لا يشكّ في عدله، فان كان الفقهاء والقضاة أنزلوك بمنزلته في العدل، فإن الله سائلهم وحسيبهم. وما اقتضاها عمر- رضي الله عنه- حتى دخل مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحلف أن ليس عنده، درهم واحد من بيت مال المسلمين ينفقه عليهم، فلتدخل: يا أمير المؤمنين المسجد الجامع هنالك بحضرة أهل العلم، وتحلف: أن ليس عندك درهم واحد، ولا في بيت مال المسملين، وحينئذ تستوجب ذلك، والسلام") 1 اهـ. بلفظه، ونقله غير واحد 2. وزاد بعضهم: (أن "عليًّا بن يوسف" 3 كتب لأهل "المريّة" يهددهم على القدح في جانب الفقيه القاضي المذكور، ويأمرهم بالاعتراف له بالفضل، ولم يكن يرد عليه كتاب أعزّ من كتابه لزهذه) 4 اهـ. فتنبّهوا- أيّدكم الله-!: لهذه القصة، لكن حالكم معروف، وأنه لا بيت مال لكم لاستيلاء الكفار عليه قبل ولايتكم. ثم إذا جاز 5 التوزيع المذكور بالشروط المتقدمة: فإنه يجب على كل من

_ 1 - انظر ابن خلكان في "وفيات الأعيان": 7/ 118 - 119. 2 - ونقله الونشريسي في "المعيار": 11/ 132. وأحمد المرنيسي في "فتواه في حكم المال الذي يفرض على المسلمين: 6". 3 - أبو الحسن، علي بن يوسف بن تاشفين اللمتوني، أمير المسلمين "بمراكش"، وثاني ملوك دولة الملثمين المرابطين، بويع بعد وفاة أبيه (سنة 500هـ)، قال ابن خلكان: (كان حليماً وقوراً صالحاً عادلاً) ومن أعماله: أنه جاء إلى الأندلس مجاهداً، فعبر البحر من "سبتة" في جيوش تزيد على مائة ألف فارس، وفتح مدينة "طلامون" و"مجريط" و"وادي الحجارة"، مات (سنة 537هـ). (السلاوي- الاستقصا: 1/ 123، 126، الزركلي- الأعلام: 5/ 33). 4 - انظر: ابن خلكان- وفيات الأعيان: 7/ 118 - 119. 5 - في "ب" (جوّز).

وظف عليه شيء أن يؤديه. وقد سئل الإمام "السرقسطي" 1 - رحمه الله-: (هل يجوز لأحد أن يغيب على شيء من المغارم الموظفة؟، فقال: "إن مصالح المسلمين التي لا تسكن ثغورهم، ولا (ينفك) 2 عنهم عدوّهم- دمّره الله- ولا تأمن طرقهم إلاّ بها، إن كانت لا تقوم إلاّ بمغارم الأسواق، وكان أصل وضعها عن اتفاق من أهل الحل والعقد، لكون بيت المال عاجزاً قاصراً عنها، فإن تلك المغارم يجب حفظها، وأن يولّى لقبضها وصرفها في مواضعها الثقات الأمناء، فإن أخذوها من محلها، ووضعوها في المصالح التي جعلت لها، كان سعيهم مشكوراً، ومن ضيّعها، ووضعها في غير موضعها، كان غاشًّا ظالماً، وكذلك من لزمته [50/أ] من أهل الأسواق فحبسها، ولم يخرجها") 3 اهـ. وقال الإمام) الطرطوشي"- في "سراجه"-: (اعلم: أن المال قوة السلطان، وعمارة المملكة، ولقاحه الأمن، ونتاجه العدل، وهو: حصن السلطان، ومادة الملك، والمال أقوى العدد على العدوّ، ومن حقوقه: أن يؤخذ من حق ويوضع في حق ويمنع من سرف ولا يأخذ من الرعية إلاّ ما فضل عن معاشها ومصالحها، ثم ينفق ذلك في الوجوه التي يعود عليها نفعها) 4 اهـ لفظه 5. فان قلت: قد ورد في الحديث، أنه- عليه الصلاة والسلام- قال: "لا

_ 1 - أبو الحسن، رزين بن معاوية بن عمّار العبدري السرقسطي الأندلسي: إمام الحرمين، نسبته إلى "سرقسطة"، جاور بمكة زمناً طويلاً، من كتبه: "التجريد للصحاح الستة" مات بمكة (سنة 535هـ). (الكتاني- الرسالة المستطرفة: 130، الزركلي- الأعلام: 3/ 20). 2 - في " المعيار" (ينكف): 5/ 32. 3 - نقله الونشريسي في "المعيار": 5/ 32، "مسألة: في حكم الغيبة على مغارم الأسواق". 4 - ساقطة من "ب". 5 - أنظر: الطرطوشي- سراج الملوك: 122 - 123، "باب: في سيرة السلطان في استجباء الخراج".

يدخل الجنة صاحب مكس" 1، أليست المغارم المذكورة من المكس المذكور؟. قلنا: المغارم لمصالح المسلمين، ليست من المكس في شيء، لأن المكس- كما "لابن عرفة" وغيره-: هو: (منع الناس من التصرف في أموالهم بالبيع، أو غيره، ليختصّ المانع بنفع ذلك) 2 اهـ. وقال "أبو محمد المرجاني" 3: (المكس: أن يحجر السلعة بحيث لا يبيعها أحد غيره، أو من يختاره) 4. وقال (الطيبي) 5: (المكس: الضريبة التي يأخذها (العشار) 6. قال الشيخ "أبو محمد عبد القادر الفاسي": (فعلى تفسير (الطيبي) أخذ

_ 1 - أخرجه أبو داود في "سننه": 3/ 133، "كتاب: الخراج والامارة والفيء". "باب: في السعاية على الصدقة) عن عقبة بن عامر. وأحمد في "مسنده": 4/ 143. وأورده العجلوني الجراحي في "كشف الخفاء ومزيل الألباس": 2/ 501، وقال: (رواه أبو داود وأحمد وغيرهما عن عقبة بن عامر مرفوعاً، وصحّحه ابن خزيمة والحاكم). والسخاوي في "المقاصد الحسنة": 469، وقال: (وصحّحه ابن خزيمة والحاكم). 2 - نقله الونشريسي في "المعيار": 2/ 492. 3 - أبو محمد المرجاني الشيخ، العالم، الصالح، الإمام التونسي. مات (سنة 699هـ). (شرف الطالب في أسنى المطالب في كتاب "ألف سنة من الوفيات": 75، مخلوف- شجرة النور: 193). 4 - نقله الونشريسي في "المعيار": 2/ 492 "في حقيقة المكس وبدعيته". 5 - في "الأصل" (القرطبي) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د"، وقد ثبت في "المعيار". وهو: شرف الدين الطيبي، الحسين بن محمد بن عبد الله: المحدّث، المفسّر، من علماء البيان، من أهل توزير، كانت له ثروة طائلة أنفقها في وجوه الخير، كان شديد الرد على المبتدعة، ملازماً لتعليم الطلبة، آية في استخراج الدقائق من الكتاب والسنّة، من كتبه: "الخلاصة في معرفة الحديث" و"شرح الكشاف" في التفسير سمّاه: "فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب"، و"شرح مشكاة المصابيح في الحديث". مات (سنة 734هـ). (ابن حجر- الدرر الكامنة: 2/ 68، الزركلي- الأعلام: 2/ 256). 6 - نقله الونشريسي في "المعيار": 2/ 492، "في حقيقة المكس وبدعيته".

الفوائد في الأبواب، والقاعات، واكتراء الأسواق والرحاب مكس، وهو الذي كثر استعماله في العرف. وعلى تفسير "المرجاني" و "ابن عرفة": ليس بمكس، وإنما هو: غصب وظلم) 1 اهـ. وقد علمت: أن الفقهاء- رضي الله عنهم- احترزوا عنه، وأخرجوه بالشروط المتقدمة، فليست المغارم المذكورة من المكس في شيء، لأنها ليست [50/ب] لنفع الأمير، بل لنفع المسلمين، ولهذا اتفقوا على جوازها. لكن الأحوط والأقرب فيما يظهر: أن جبر الناس على المعونة بالأبدان أصوب، بأن يفرض على كل قبيلة مائة فارس أو أكثر بحسب ما تطيقه، وكل قبيلة تموّن مائتها وإدالتها، فإذا مضى لهذه الإدالة أربعة أشهر مثلاً أرسلها بعد أن تأتي أخرى في محلها، وهكذا، لأن ذلك أهون على الرعيّة من فرض الأموال وتوزيعها عليهم، ولا سيّما وهم لم يعتادوا ذلك، والنفس مجبولة على حبّ المال، لأنه شقيق الروح، فيؤدي إلى ميلهم للعدوّ الكافر، وإلى سوء الظنّ بإمامهم، لتهمتهم إيّاه على أنه يصرف ذلك في مصالح نفسه. فتوزيع المال يحتاج إلى رياضة وسياسة، بخلاف المعونة بالأبدان على الكيفيّة المذكورة، فهي: سالمة ممّا ذكرنا- وقد تقدّم التنبيه على هذا في فصل الاستنفار- ولو كلّف الرعية أن يحرثوا لبيت المال مثلاً، فكل زوج من أزواج القبائل تزرع مدًّا 2 أو مدّين من عندها، وتحصده، وتدرسه 3، وتأتي بزمامه للأمير، من غير أن يدفع الأمير لهم شيئاً في مقابلة ذلك، لكان صواباً.

_ 1 - نقله الونشريسي في "المعيار": 2/ 492، وزاد عليه: (قال المرجاني: والظالم هو الذي يقرر في بعض الأشياء أن من اشترى شيئاً أو باعه فعليه كذا وكذا، فهذا لا يمتنع من شرائه ولا بيعه إذ ليس فيه إعانة). 2 - المدّ: مكيال قديم، وهو رطل وثلث عند أهل الحجاز، أي ربع صاع ورطلان عند أهل العراق، جمعه: امداد، ومداد. (أبو جيب- القاموس الفقهي: 337). 3 - درس الحنطة درساً ودراساً: داسها. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 2/ 169).

قال الإمام "الطرطوشي"- رحمه الله-: (فيا أيها الملك: احرص كل الحرص على عمارة الأرضين، وعلى جباية الأموال بالرفق، ومجانبة الخرق 1، فان العلقة تنال من الدم بغير أذى، ولا سماع صوت، ما لا تناله "البعوضة" بلسعتها وهول صوتها. ومثل السلطان إذا حمل على أهل الخراج، حتى ضعفوا عن عمارة الأرض، مثل من يقطع لحمه ويأكله من الجوع، فهو وإن قوي من ناحية، ضعف من ناحية أخرى، وما أدخله على نفسه (من الوجع 2 والضعف أعظم ممّا دفع عن نفسه) 3 من ألم الجوع. ومثال من كلّف الرعية من الخراج فوق طاقتها: كالذي يصلح سطح [51/أ] داره بتراب أساسها، ومن يدمن (حزّ) 4 العمود يوشك أن يضعف (فتقع) 5 الخيمة عليه، وإذا ضعف الزارعون عجزوا عن عمارة الأرض فيتركونها، فتتخرّب 6 الأرض، وتهرب الأرزاق 7، فتضعف العمارة، ويضعف الخراج، وينتج ذلك ضعف الأجناد، وإذا ضعف الجند طمع الأعداء في السلطان. فيا أيها الملك: كن بما يبقى في أيدي رعيّتك، أفرح (منك) 8 بما يؤخذ

_ 1 - بالضم وبالتحريك: ضذ الرفق، وأن لا يحسن الرجل الحمل والتصرف في الأمور، والحمق. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 2/ 44). 2 - في "ب" (الجوع) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من "ج" و"د" قد ثبت في "سراج الملوك". 3 - ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب" و"ج" و"د". 4 - في "الأصل" (جز) وكذلك في "ج"، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"د". 5 - في "الأصل" (فتقطع) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من"ب" و"ج" و"د". 6 - في "سراج الملوك" (فتخرب). 7 - في "سراج الملوك" (ويهرب الزراع). 8 - ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب" "ج" و"د".

منها، فلا يقلّ مع الصلاح شيء، ولا يبقى مع الفساد شيء) 1. قال 2: (روي: أن "المأمون ") أرق ذات ليلة، فاستدعى سميره، فحدّثه بحديث، فقال: "يا أمير المؤمنين كان "بالموصل" 3 بومة، و "بالبصرة" 4 بومة، فخطبت بومة "الموصل" إلى بومة "البصرة" بنتها لابنها، فقالت بومة "البصرة": لا أنكحك ابنتي، إلاّ أن تجعل في صداقها مائة ضيعة 3 خراب، فقالت بومة "الموصل": لا أقدر6 عليها الآن، ولكن إن دام علينا هذا الأمير سنة، فعلت لك ذلك"، قال: (فاستيقظ) لها "المأمون"، وجلس للمظالم، وأنصف الناس بعضهم من بعض، وتفقّد أمر (الولاة) 7. قال 8: (واعلموا أن أعظم ما يدخل على الدول من الفساد، هو: تقليد (الأعمال) 9 أهل الحرص عليها، لأنه لا يخطبها إلاّ لصّ في ثوب ناسك، وذئب

_ 1 - أنظر: الطرطوشي- سراج الملوك: 123، "باب في سيرة السلطان في استجباء الخراج"، ونقله أحمد المرنيسي في "فتواه في حكم المال الذي يفرض على المسلمين": 8. 2 - أي: أبو بكر الطرطوشي. 3 - مدينة مشهورة عظيمة، احدى قواعد بلاد الاسلام قليلة النطر كبراً وعظماً ومنها يقصد إلى جميع البلدان، فهي باب "العراق" ومفتاح "خراسان"، قالوا: وسمّيت بالموصل لأنها وصلت بين الجزيرة والعراق، وينسب إليها من أهل العلم كثير ومنهم: عبد العزيز بن حيان بن جابر الأزدي الموصلي، (ت 261هـ)، وأبو يعلى أحمد بن علي التميمي الموصلي الحافظ. 4 - قال ابن الأنباري: البصرة في كلام العرب الأرض الغليظة، وهي: مدينة في "العراق"، وأخبارها كثيرة، والمنسوبون إليها من أهل العلم لا يحصون، وقد صنّف "عمر بن شبّه" و"أبو يحيى زكرياء الساجي" وغيرهما في فضائلها كتباً في مجلدات. (ياقوت الحموي- معجم البلدان: 1/ 430 - 440). 5 - الضيعة: العقار، (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 3/ 47). 6 - في "ب" (أقوى) وما أثبتناه مناسب للسياق. 7 - أنظر الطرطوشي في "سراج الملوك": 123، "باب: في سيرة السلطان في استجباء الخراج". 8 - أي: أبو بكر الطرطوشي. 9 - في جميع النسخ (العمّال) وهو تصحيف، وما أثبتناه قد ثبت في "سراج الملوك": 141.

في (مسلاخ) 1 عابد وقد سبق المثل: "الحرص على الأمانة، دليل على 2 الخيانة"، وإذا اهتضمت حقوق المسلمين، وأكلت أموالهم، فسدت نياتهم، وقلّت طاعاتهم، (فانتقضت) 3 الأمور، ودبّ الفساد إلى الملوك) 4. قال "المأمون": (ما فتق عليّ فتق قط، إلاّ وجدت سببه جور العمّال). (ولما عزل "عثمان"- رضي الله عنه- "عمرو بن العاص" 5 عن مصر، استعمل عليها "ابن أبي السرح"، فحمل من المال أكثر مما كان يحمله "عمرو"، فقال عثمان: "يا عمرو أشعرت أن اللّقاح درّت؟ " فقال عمرو: [51/ب] "وذلك (أنكم) 6 أعجفتم 7 أولادها") 8. وقال "زياد" 9: (أحسنوا للزارعين، فإنكم لن تزالوا سمّاناً ما سمنوا) 10.

_ 1 - في جميع النسخ (سلاح)، وما أثبتناه قد ثبت في "سراج الملوك". 2 - ساقطة من "ج". 3 - في جميع النسخ (فانقضت) وما أثبتناه قد ثبت في "سراج الملوك ". 4 - أنظر: الطرطوشي- سراج الملوك: 141، "باب: في بيان الشروط والعهود التي تؤخذ على العمّال". 5 - أبو عبد الله، عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي، فاتح مصر، وأحد عظماء المسلمين ودهاتهم، وأولى الرأي والحزم والمكيدة فيهم، أسلم في هدنة الحديبية، وولاّه النبي - صلى الله عليه وسلم - امرة جيش "ذات السلاسل" أخباره كثيرة، وله في كتب الحديث (39) حديثاً. (ابن الأثير- أسد الغابة: 4/ 115 - 118، الزركلي- الأعلام: 5/ 79). 6 - في "الأصل" (انكم) وما أثبتناه من "ب" "ج" و"د" قد ثبت في "سراج الملوك": 123. 7 - العجف هو: الهزال. (الرازي- مختار الصحاح: 328). 8 - نقله الطرطوشي في "سراجه": 123، "باب: في سيرة السلطان في استجباء الخراج". 9 - زياد بن أبيه: أمير، من الدهاة، القادة الفاتحين، الولاة، من أهل الطائف، اختلفوا في اسم أبيه، فقيل: عبيد الثقفي، وقيل: أبو سفيان، أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يره، وأسلم في عهد أبي بكر، ولاه علي بن أبي طالب امرة "فارس"، قال الشعبي: (وما رأيت أحداً أخطب من زياد) أخبار كثيرة وله أقوال سائرة. مات (سنة 53هـ). (الطبري- تاريخ: 5/ 288، الذهبي- ميزان الاعتدال:1/ 355، الزركلي- الأعلام: 3/ 53). 1 - 0 - نقله الطرطوشي- سراج الملوك: 123، "باب: في سيرة السلطان في استجباء الخراج".

قال 1: (وسمعت شيوخ بلاد الأندلس من الأجناد وغيرهم، يقولون: ما زال أهل الإسلام ظاهرين على عدوّهم، وأمر العدوّ في ضعف وانتقاص، لمّا كانت الأرض مقطّعة في أيدي الأجناد، فكانوا يستغلونها، (ويرفقون) 2 بالفلاحين، ويربونهم كما يربّي التاجر تجارته، فكانت الأرض عامرة، والأموال وافرة، والأجناد متوافرة 3، إلى أن كان الأمر في آخر زمان "ابن أبي 4 عامر": فردّ عطايا الجند مشاهرة، وقدّم على الأرض جباة يجبونها، فأكلوا الرعايا، واحتجبوا أموالهم، واستضعفوهم، فتهارجت الرعايا، وضعفوا عن العمارة، فقلّت الجبايات المرتفعة إلى السلطان، وضعفت الأجناد، وقوي العدوّ على بلاد المسلمين، حتى أخذوا الكثير منها، ولم يزل أمر المسلمين في ضعف، وأمر العدوّ في ظهور، إلى أن استولى "اللمتونيّون" 3 فردّوا الاقطاع كما كانت في الزمان الأول، ولا أدري ما يكون وراء ذلك، نسأل الله: جميل الصنع! 6 اهـ لفظه. فتدبّروا- أيّدكم الله-!: هذه القضايا، فإن قبائلكم هي (أجنادكم) 7،

_ 1 - أي: الطرطوشي. 2 - في "الأصل" (ويرفقوا)، وما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د" قد ثبت في "سراج الملوك". 3 - في "سراج الملوك" (متوافرين). 4 - ساقطة من جميع النسخ، والإضافة من "سراج الملوك ": 123. وهو: المنصور بن أبي عامر. 5 - في "سراج الملوك": "المتلثّمون" وكلاهما جائز. فاللّمتونيون، نسبة إلى بلاد "لمتونة" وهم طائفة من طوائف الملثّمين، قال ابن خلدون- وهو يصف الإقليم الأول- (وبالقرب منها من شماليّها بلاد "لمتونة" وسائر طوائف الملثّمين) وقال- يصف الإقليم الثاني-: (وفيها جمالات الملثّمين من "صنهاجة"، وهم شعوب كثيرة ما بين "كزّولة" و"لمتونة" و"مسراتة"، و"لمطة" و"وريكة". وكان من ملوكها "يوسف بن تاشفين". (ابن خلدون - مقدمة تاريخ: 93، 98، 405). 6 - أنظر: الطرطوشي- سراج الملوك: 123، "باب في سيرة السلطان في استجباء الخراج". 7 - في "الأصل" (أجلادكم) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د".

وتركهم يستغلّون (أراضيهم) 1، ويعطون "الادالات" أفضل وأصوب يظهر من ضرب الخراج عليهم- كما ترون- والله أعلم.

_ 1 - في "الأصل" (أراضيكم) وما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د" مناسب للسياق.

الفصل الرابع

الفصل الرابع في حكم من ساكن العدوّ الكفور، ورضي بالمقام معهم في تلك الثغور ــــــــــــــــــــــــــــــ قد تقدّم في "الفصل الثاني" و"الثالث" من فصول المسألة الأولى: أن الهجرة من أرض الفساد واجبة، ولا فساد أعظم من [52/أ] (الكفر). قال "ابن العربي"- في "الأحكام"-: (الهجرة وهي: الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، وكانت فرضاً في أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة) اهـ 1، ونقله في "المعيار"، وقال: (وكذلك الهجرة من أرض الحرام والباطل. وقد قال- عليه الصلاة والسلام-: "يوشك أن يكون خير مال المسلم) غنم) 3 يتبع بها (شعف) 4 الجبال، ومواقع القطر يفرّ بدينه من الفتن "أخرجه

_ 1 - انظر: ابن العربي- أحكام القرآن: 1/ 484، سورة النساء / آية 97 حيث قسم الهجرة إلى ستة أنواع وجعل هذا النوع الأول منها، وهي: - 1 - الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام. - 2 - الخروج عن أرض البدعة. - 3 - الخروج عن أرض غلب عليها الحرام. - 4 - الفرار من الاذاية في البدن. - 5 - خوف المرض في البلاد الوخمة، والخروج منها إلى الأرض النزهة. - 6 - الفرار خوف الاذاية في المال. 2 - الونشريسي- المعيار: 2/ 127. 3 - في "الأصل" (غنما) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د". 4 - في جميع النسخ (شعب) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، وقد ثبت في كتب الحديث.

البخاري"، و"الموطأ" 1 2. قال 3 - في العارضة-4: (فإن لم يوجد بلد إلاّ كذلك؟ قلنا: يختار المرء أقلها اثماً، مثل أن يكون بلد فيه كفر، وبلد فيه جور، بلد الجور خير له. أو بلد فيه عدل وحرام، وبلد فيه جور وحلال، فبلد الجور والحلال خير. أو بلد فيه معاص في حقوق الله، فهو أولى من بلد فيه معاص في مظالم العباد .... إلخ) 5. قال: ولا (يسقط) هذه الهجرة الواجبة على هؤلاء الذين استولى على بلدهم) العدوّ، الكافر) - لعنه الله- إلاّ تصوّر العجز عنها بكل وجه، بحيث لم يجد لها حيلة ولا سبيلاً، مثل: أن يكون مريضاً جداً، أو ضعيفاً جداً، ولا بدّ مع ذلك من كونه له نيّة صادقة، أنه إن قدر على الهجرة يوماً ما هاجر. فحينئذ يرجى له العفو المشار إليه، بقوله تعالى: {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُةاجِرُوا فِيةا ... إلى قوله: فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} 6. وأما القادر على الهجرة بحيلة أو غيرها، فهو غير معذور، داخل في وعيد

_ 1 - أخرجه البخاري في "صحيحه" (أنظر: فتح الباري في شرح صحيح البخاري": 13/ 40، "كتاب: الفتن". "باب: التهرّب في "الفتنة" عن أبي سعيد الخدري. والإمام مالك في "الموطأ": 2/ 970" كتاب الاستئذان" "باب: ما جاء في أمر الغنم". وأبو داود في "سننه": 8/ 123، 124، "كتاب: الفتن والملاحم" "باب: ما يرخص فيه من البداوة في الفتنة". والنسائي في "سننه": 8/ 123، 124، "كتاب: الايمان وشرائعه" "باب: الفرار بالدين من الفنن". وأحمد في "مسنده": 3/ 6. 2 - أنظر: الونشريسي- المعيار: 2/ 121، في أسنى المتاجر في بيان أحكام من غلب على وطنه النصارى ولم يهاجر، وما يترتّب عليه من العقوبات والزواجر". 3 - أي: الطرطوشي. 4 - في "الأصل" (المعارضة)، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د"، وهي "عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي" لأبي بكر محمد بن العربي. 5 - أظر: ابن العربي- عارضة الأحوذى بشرح صحيح الترمذي: 7/ 88، 89، "باب الهجرة"، والونشريسي- المعيار: 2/ 121. 6 - سورة النساء / آية 97.

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ... إلى قوله ... : وَسَاءَتْ مَصِيرًا} 1، وفي وعيد قوله تعالى: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا [52/ب] عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)} 2 ... إلى قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} 3، وفي قوله تعالى: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ ... إلى قوله ... : إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} 4 وفي قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ (فَلَيْسَ) 3 مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} 6، وفي قوله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} 7، وفي قوله تعالى: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} 8، وفي قوله تعالى: {يَا أَيُّةا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا ... إلى قوله ... : إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 9 10. (وفي عيد قوله- عليه الصلاة والسلام-: "أنا بريء من كل مسلم مقيم بين

_ 1 - سورة النساء / آية 97. 2 - ساقطة من "ب" و"ج" و"د". 3 - سورة الممتحنة / آية 1، وتمامها: {وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِةادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}. 4 - سورة آل عمران / آية 118، وتمامها: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}. 5 - ساقطة من "الأصل". 6 - سورة آل عمران / آية 28، وتمامها: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}. 7 - سورة هود / آية 113. 8 - سورة المائدة / آية 51. 9 - سورة المائدة / آية 57، وتمامها: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّة إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}. 1 - 0 - أنظر: الونشريسي- المعيار: 1/ 121 - 123، مع تقديم وتأخير وتفصيل.

أظهر المشركين، قالوا: يا رسول الله: لم؟ قال: لا تتراءى "نارهما 1" 2. وقال: "لا تساكنوا المشركين، ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو منهم" 3 4. قال في كتاب "فلك السعادة": (والحديثان رواهما أحد الكتب الستة وفي لفظ "أبي داود" عن (سمرة) 5: "من جامع المشرك، أو سكن معه فهو مثله") 6 اهـ. قال في "المعيار": (ولا معارض لهذين الحديثين، ولا ناسخ، ولا مخصّص، ولا مخالف لهما من أئمة المسلمين) 7.

_ 1 - في "الأصل" (ناراهما) والصواب ما أثبتناه. 2 - أخرجه أبو داود في "سننه" (أنظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود: 7/ 303 - 304)، "كتاب: الجهاد". والنسائي في "سننه": 8/ 36، "كتاب القسامة" عن اسماعيل عن قيس. والتبريزي في "مشكاة المصابيح": 3547. والبغوي في "شرح السنة": 10/ 373. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد": 5/ 253. "كتاب: الجهاد" "باب: النهي عن مساكنة الكفار" بما معناه، من طريق: قيس بن أبي حازم عن خالد بن الوليد. وقال: "رواه الطبراني ورجاله ثقات". 3 - أخرجه الترمذي في "سننه": 4/ 155، 156 "كتاب: السير" باب "ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين، عن سمرة بن جندب. والبيهقي في: سننه": 9/ 12 - 13، "كتاب: السير" "باب: فرض الهجرة، عن جرير بن عبد الله البجلي، مرفوعاً بلفظ: "من أقام مع المشركين فقد برئت عنه الذمة". 4 - نقلهما الونشريسي في "المعيار": 2/ 125 - 126. 5 - في "الأصل" (سمر) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه. وهو: سمرة بن جندب بن هلال الفزاري: صحابي من الشجعان القادة، نشأ في المدينة، ونزل البصرة، أمّره معاوية على البصرة عاماً أو نحوه ثم عزله، كتب رسالة إلى بنيه، قال ابن سيرين: (فيها علم كثير). مات (سنة 60هـ). (ابن حبيب- المحبر: 295، ابن حجر- تهذيب: 4/ 236). 6 - أخرجه أبو داود في "سننه": 3/ 93. "كتاب: الجهاد" "باب: في الاقامة بأرض الشرك". 7 - أنظر: الونشريسي- المعيار: 2/ 126، حيث قال بعد ما أورد الحديثين السابقين: (التنصيص في هذين الحديثين على المقصود بحيث لا يخفى على أحد ممّن له نظر سليم، =

ونقل في "المقدمات" الحديث الأول في كتاب: "التجارة إلى أرض الحرب" مقتصراً عليه، ثم قال: (فإذا وجب بالكتاب، والسنة، واجماع الأمة، على من أسلم بدار الحرب أن يهجره، ويلحق بدار الإسلام، ولا يقيم بين أظهر المشركين، لئلاّ تجري عليه أحكامهم، فكيف يباح لأحد الدخول إلى بلادهم، حيث تجري عليه أحكامهم في تجارة، أو غيرها!؟. وقد كره "مالك"- رحمه الله-: أن يسكن أحد ببلد يكفر [53/أ] فيها بالرحمن، وتعبد من دونه الأوثان، لا تستقر نفس أحد على هذا إلاّ مسلم مريض الإيمان) 1 اهـ. قلت: (أنظر: هل يسقط الحج عن من علم من نفسه، أنه لا طريق له إلاّ من بلادهم؟، إذ لا تباح طاعة بارتكاب معصية، لأن الدخول لبلادهم لتجارة أو غيرها ممنوع- كما رأيته- مسقط للشهادة والإمامة- وتقدّم عن "المازري": أنه لا يجوز الدخول لبلادهم لشراء الأقوات- أو يخفف له في ذلك؟، لم أر فيه نصاً). ثم ذكر في كتاب "فلك السعادة"- اثر ما مرّ عنه، عن "الزناتي" في كتاب "المولد" 2 - : (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا ترافقوهم في الأسفار، ولا تساكنوهم في الأمصار، واضربوا بينكم وبينهم بسور البعاد) 3. قال: (وروى "الزناتي"- في كتابه هذا- أيضاً-: أنه- عليه الصلاة والسلام- قال: "من ضحك في وجه يهودي، فكأنما قرصني في فؤادي") 4.

_ = وترجيح مستقيم. وقد ثبتا في الحسان من المصنفات الستة التي تدور عليها رحى الاسلام. قالوا: ولا معارض لها، ولا ناسخ، ولا مخصص، ولا غيرهما، ومقتضاهما لا مخالف لهما من المسلمين، وذلك كاف في الاحتجاج بهما). 1 - أنظر ابن رشد- المقدمات: 612، "كتاب التجارة إلى أرض الحرب"، ونقله- أيضاً- الونشريسي في "المعيار": 2/ 124. 2 - "مولد نبوي" لأبي عمران موسى بن أبي علي الزناتي الزموري المولد والمنشأ، نزيل مراكش، مات بها سنة (714هـ). أنظر: المنوني- ورقات عن الحضارة المغربية: 275. 3 - لقد بحثت عنه بحثاً مضنيًّا في مصادر عدة فلم أقف عليه. 4 - لم أقف عليه.

وذكر بعضهم: (عن "أبي موسى الأشعري "أرضي الله عنه، قال: قلت "لعمر بن الخطاب "- رضي الله عنه-: أن في كنّابنا نصرانياً، قال: ما لك؟! - قاتلك الله- ألأ اتخذت حنيفياً؟ 2، أما سمعت قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض؟!، قلت: له دينه ولط كتابته، قال: لا أكرمهم إذْ أهانهم الله، ولا أعرهم إذ أذلّهم الله، ولا أدنيهم إذ أبعدهم الله، قلت: لا يتئم أمر النصرة إلاّ به، فقال: مات النصراني، والسلام يعني: هب أنه مات، فما تصنع بعده، فافعله الآن، واستغنى عنه بغيره) 3 اهـ. وقد قيل: (من والى أعداء الله، تبرأ منه، ووكله إليهم) اهـ. فهذه النصوص القرآنية، والأحاديث النبوئة، والاجماعات القطعية، كلها 531/ ب،- كما في "المعيار"- صريحة في: وجوب الهجرة"، وحرمة لم الاقامة في بلادهم، ولا تجد لذلك مخالفاً من أهل القبلة. وأما دمه وماله إذا لم يهاجر مع القدرة: فقال في "المعيار"- أيضاً- إثر ما مرّ عنه: (اختلف الناس فيمن أسلم، وبقى "بدار الحرب ". فقال "مالك ": "دمه محقون- أي معصوم- وماله فيء، فهو لمن أخذه، أبو موصى، عبد الله بن قيس بن سليم بن حرب، الصحالي الجليل، الشجاع، الفاتح، وأحد الحكمين الفذين رضي بهما على ومعاوية بعد حرب لأصفين "، وأحسن الصحابة صوتأ في التلاوة، له (355) حديثاً، مات بالكوفة (سنة 44هـ). (ابن سعد- طبقات: 4/ 79، ابن الجوزي- صفة: 1/ 225، الزركلي- الأعلام: 14/ 4 1). في "ب" (حنفياً) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، وهو بمعنى الميل إلى الإسلام الثابت عليه، والمستقيم، ومن أسلم لأمر الله ولم يلتو. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 727/ 1، البستاق- فاكهة: 351). أورده ابن قتيبة في "عيون الاخبار": 43/ 1! "كتاب السلطان،) عن اسحاق بن راهويه قال: لأعن عياض ابن أممط موسى، أن عمر بن الخطاب، قال لأممط موسى: ادع لمط كاتبدً ليقرأ لنا صحفأ جاءت من الشام، فقال أبو موصى: انه لا يدخل المسجد؟ قال عمر: أبه جنابة؟ قال: لا، ولكنه نصراق، فال: فرفع يده فضرب فخذه حتى كاد يكسرها ثم قال: مالك ....... "."

وليس بمعصوم حتى يخرج به لدار الإسلام". وقال "الشافعي": "دمه وماله معصومان، وإن لم يخرج لدار الإسلام". ويقول "الشافعي": قال "أشهب"، و"سحنون"، واختاره "ابن العربي". وبقول "مالك" في المال: قال "أبو حنيفة" 1 - كما ترى-، وبه قال "أصبغ" 2، واختاره "ابن رشد"، وهو المشهور عن "مالك". فمن أسلم منهم: عند "مالك"، "وأبي حنيفة"، ولم يحز مالاً ولا ولداً بدار الإسلام- أي: لم يخرج إليها بماله وولده- فكأنه: لا مال له ولا ولد عندهما، وكان اليد للكفّار، كما أن الدار لهم، فماله وولده لمن قاتل عليه من المسلمين، باتفاق هذين الإمامين) 3.

_ 1 - الإمام النعمان بن ثابت، التيمي بالولاء، الكوفي: الفقيه، المجتهد، المحقق، أحد الأئمة الأربعة، قال الإمام الشافعي: (الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة) من كتبه "المسند" في الحديث و"المخارج" في الفقه. مات (سنة 150هـ). (البغدادي- تاريخ: 3/ 323 - 423، ابن خلكان- وفيات: 2/ 163، ابن كثير- البداية والنهاية: 10/ 107، كبرى زاده- مفتاح السعادة: 2/ 63 - 83). 2 - أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع، فقيه من كبار المالكية "بمصر"، قال ابن الماجشون: "ما أخرجت مصر مثل أصبغ"، وكان كاتب ابن وهب، وله تصانيف. مات (سنة 225هـ). ابن خلكان- وفيات: 1/ 79). 3 - قال الونشريسي: (والمسألة محققة في مسائل الخلاف مبنية على أن الحربي هل يملك ملكاً صحيحاً أم لا؟ وهل هو الإسلام أو الدار؟. فمن ذهب إلى أنه يملك ملكاً صحيحاً تمسك بقوله- عليه السلام- "هل ترك لنا عقيل من دار"، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها). فسوّى بين الدماء والأموال وأضافها إليهم، والإضافة تقتضي التمليك، ثم أخبر عمّن أسلم منهم أنه معصوم، وذلك يقتضي أن لا يكون لأحد عليه سبيل. وتمسك- أيضاً- من أتبعه ماله بقوله - صلى الله عليه وسلم - (من أسلم على شيء فهو له)، وبقوله (لا يحلّ مال امرىء مسلم إلاّ عن طيب نفس منه). وأما مالك وأبو حنيفة ومن قال بقولهما فعندهم أن العاصم إنما هو الدار، فما لم يحز المسلم ماله وولده بدار الإسلام، وإلاّ فما أصيب من ذلك بدار الكفر فهو فيء للمسليم، وكأن =

قال 1: (وهذا الخلاف: وإن كان إنّما ورد فيمن أسلم منهم، وبقي بين أظهرهم، ولم يهاجر، لكن المتأخرون 2: ألحقوا به في الحكم من كان مسلماً بالأصالة، وبقي ساكناً معهم، ولم يهاجر بعد استيلاء الطاغية على أرضه- وأخرى لو فرّ منّا إليهم- وسوّوا بينهما في الأحكام الفقهية المتعلقة بأموالهم وأولادهم، (ولم) 3 يروا فيها فرقاً بين الفريقين، وذلك لأنّهما في موالاة الأعداء، ومساكنتهم، ومداخلتهم، وملابسَتهم، وعدم مباينتهم 4، وترك الهجرة الواجبة عليهم سواء، فألحقوا- رضي الله [54/أ] عنهم-: من كان مسلماً بالأصالة، وبقي ساكناً بين أظهرهم، بمن أسلم منهم وبقي بدارهم، في جميع الأحكام. فاجتهاد المتأخرين في هذا مجرد إلحاق ما سكت عنه الأقدمون، فيمن كان مسلماً بالأصالة، لعدم وقوعه في زمنهم، بمن أسلم منهم وبقي بدارهم، لاستوائهما في المعنى من كل وجه، وهو عدل من النظر واحتياط في الاجتهاد، فكان في غاية الحسن) 3. قال: (لكن "ابن الحاج" 6: بعد أن وافق غيره في الإلحاق المذكور، بحث

_ = الكفّار عندهم لا يملكون، بل أموالهم وأولادهم حلال لمن يقدر عليها من المسلمين كدمائهم. وقال ابن العربي- أيضاً- العاصم لدم المسلم الإسلام، ولماله الدار، وقال الشافعي: العاصم لهما جميعاً هو الإسلام، وقال أبو حنيفة، العاصم المقوم لهما هو الدار والموثم هو الإسلام). المعيار: 2/ 127، 128، 129). 1 - أي: الونشريسي. 2 - منهم: أبو عبد الله بن الحاج. (الونشريسي- المعيار: 2/ 129). 3 - في "الأصل" (ولو) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د". 4 - المباينة: المفارقة، وتباين القوم: تهاجروا. (الرازي- مختار الصحاح: 32). 5 - أنظر: الونشريسي- المعيار: 2/ 129. 6 - هو أبو عبد الله، محمد بن أحمد المعروف بابن الحاج: الإمام الفقيه، الحافظ العالم، العمدة، المشاور القدوة، أخذ عن محمد بن فرج مولى ابن الطلاع وابن رزق وغيرهما. وروى عن: أبي مروان بن سراج وأبي علي الغساني، وعنه: ابنه أحمد، والقاضي عياض، ومحمد بن =

وفرّق من عنده بينهما: بأن مال من أسلم كان مباحاً قبل إسلامه، بخلاف مال المسلم بالأصالة، فإنه لم يتقدّم له كفر يبيح ماله 1. ثم ذكر صاحب "المعيار" عن "ابن رشد" كلاماً 2، وقال عقبه: (هذا يؤذن بترجيح خلاف ما رجّحه ابن الحاج من الفرق المذكور) 3 اهـ كلام صاحب "المعيار" بتقديم، وتأخير، واختصار، وزيادة، للايضاح. وقد علمت منه: أن المسلم بالأصالة ومن تجدّد إسلامه سواء في الأحكام المذكورة، وأن ما فرّق به "ابن الحاج" يردّ بما "لابن رشد"، لأنّه المقدم عند الاختلاف، ولا سيّما- وقد تقدّم-: أنه المشهور عن "مالك". بل قد يقال: إن المسلم بالأصالة يؤخذ بالأحرى من حكم من أسلم لا بالمساواة، لأن من أسلم ربما يعذر، لقرب عهده بالإسلام، فلم يعلم بوجوب

_ = سعادة، وغيرهم، كان يدور القضاء في وقته بينه وبين أبي الوليد ابن رشد في خلافة يوسف بن تاشفين، من كتبه: "النوازل" المشهورة، و"شرح خطبة صحيح مسلم"، و"كتاب الايمان" وغير ذلك. قتل ظلماً وهو ساجد في صلاة الجمعة (سنة 529هـ). أنظر: ابن بشكوال- الصلة: 2/ 580 - 481، الضبي- بغية الملتمس: 51، مخلوف- شجرة النور: 132). 1 - أنظر: الونشريسي- المعيار: 2/ 129، وقال (ويعتضد هذا الفرق بنص آخر مسألة من سماع يحيى من كتاب الجهاد ولفظه: وسألته عمّن تخلف من أهل "برشلونة" من المسلمين عن الارتحال عنهم بعد السنة التي أجّلت لهم يوم فتحت في ارتحالهم، فأغار على المسلمين تعوذاً ممّن يخاف من القتل ان ظفر به، فقال ما أراه إلاّ بمنزلة المحارب الذي يتلصّص بدار الإسلام من المسلمين، وذلك أنه مقيم على دين الإسلام، فإن أصيب فأمره إلى الإمام يحكم فيه بمثل ما يحكم في أهل الفساد والحرابة. وأما ماله فلا أراه يحلّ لأحد أصابه) انتهى. 2 - هو قول ابن رشد في ردة على ابن الحاج: (انهم في غارتهم على المسلمين بمنزلة المحاربين، صحيح لا اختلاف فيه، لأن المسلم إذا حارب فسواء كانت حرابته في بلد الإسلام، أو في بلد الكفر، الحكم فيه سواء، وأما قوله في ماله: "أنه لا يحلّ لأحد أصابه"، فهو خلاف ظاهر قول مالك في "المدوّنة": في الذي يسلم في دار الحرب، ثم يغزو المسلمون تلك الدار فيصيبون أهله وماله، ان ذلك كله فيء، إذ لم يفرق فيها بين أن يكون الجيش غنم ماله وولده قبل خروجه أو بعد خروجه). (المعيار: 2/ 130). 3 - انظر: الونشريسي- المعيار: 2/ 130.

الهجرة، والجهل بالأحكام له أثر في الجملة، فلا تفريط معه حينئذ، بخلاف المسلم بالأصالة، فالغالب علمه بوجوبها- ولا سيّما الفارّ منّا إليهم- فهو: مفرّط عاص بتركها، فالمسلم بالأصالة أسوأ حالاً قطعاً ممّن أسلم، وبه يبطل: تفريق "ابن الحاج" والله أعلم. ثم قال في "المعيار": (قال بعض المحقّقين من الشيوخ: يظهر أن الأحكام الملحقة بهم في الأنفس والأولاد، جارية على المقيمين [54/ب] مع النصارى الحربيين، على حسب ما تقرر من الخلاف المتقدّم، ثم إن حاربونا ترجّحت حينئذ استباحة (دمائهم، وان أعانوهم بالمال على قتالنا: ترجّحت حينئذ استباحة) 1 أموالهم، وقد ترجّح سبي ذراريهم) 2 اهـ. قلت: ولا يخفى أن كل مقيم بدارهم، لا بدّ أن يؤدي جزية لهم، فهو (دائماً) 3 معين لهم علينا، ومكثر سوادهم، وذلك مرجّح لإباحة أموالهم، كما قاله الإمام "مالك"- رحمه الله- ومن وافقه، على ما مرّ بيانه. وتقدّم في فصل الاستنفار، عن الإمام "ابن زكري": (أنهم يقاتلون قتال الكفار، حيث أعانوا الكفّار ولو بالمال. والله أعلم.

_ 1 - ساقطة من "ب". 2 - أنظر: الونشريسي- المعيار: 2/ 130. 3 - في "الأصل" (دائم) والصواب ما أثبتناه.

المسألة الخامسة

وأما المسألة الخامسة: فلا شيء يتعلّق بها، بل هي قائمة بنفسها ــــــــــــــــــــــــــــــ اعلم: أن مانع المعونة بالمال أو بالأبدان باغ قطعاً، لأنّه منع حقاً وجب عليه - كما تقدّم في الفصل الثالث من فصول المسألة الرابعة- وحينئذ يجري عليه: حكم البغاة المشار إليه بقول "خليل" وغيره: (الباغية: فرقة خالفت الإمام لمنع حق ... إلى قوله ... : واستعين بمالهم عليهم) 1. ويظهر غاية الظهور أنه يؤخذ ما جهّز به الإمام الجيوش التي قاتلهم بها، لأنهم ببغيهم متسبّبون في إتلاف بيت المال، فعليهم ضمان ذلك في المال الذي بأيديهم وفي غيره. كما قالوا: (ان الملدّ المماطل ضامن لما تسبّب في إتلافه على خصمه من أجرة الرسول) - كما تقدّم تحقيقه في الفصل الخامس من فصول المسألة الأولى- والجيش كله رسول للبغاة في الحقيقة، ولم أره مسطوراً هكذا، إلاّ أنّه لا شكّ أن من تسبّب في إتلاف مال، وجب غرمه عليه، ولعلّ هذا هو المستند في [55/أ] عدم ردّ الملوك اليوم أموالهم إليهم، إذ الغالب أنها لا تفي بما جهّزوا به جيوشهم التي قاتلوهم بها. أو يقال: مستندهم في ذلك: سدّ الذريعة- كما تقدّم تحقيقه في الفصل الثالث من فصول المسألة الأولى- إذ لو ردّت إليهم أموالهم، لكان ذلك سبباً لبغي غيرهم، فعدم ردّها إليهم فيه سدّ تلك الذريعة. أو يقال: ردّ أموالهم إنما هو: إذا تأتّى جمعها من الجيش، ولم يخش بغيه بها ثانياً، والغالب أنه يتأتّى جمعها وأنه يخشى بغيه بها ثانياً وهذا مفهوم

_ 1 - أنظر: مختصر خليل: 280، "باب الباغية"، والنص كاملاً (الباغية فرقة خالفت الإمام لمنع حق أو لخلعه، فللعدل قتالهم، وان تأولوا كالكفار، ولا يسترقوا، ولا يحرق شجرهم، ولا ترفع رؤوسهم بأرماح، ولا يدعوهم بمال، وأستعين لمالهم عليهم).

الشرط 1، المقدر في قولهم: (ثم ردّ كغيره) 2، أي: إن أمنوا من بغيهم نجها ثانياً، والغالب من قبائل الزمان عدم الأمن، كما مرّ. أو يقال: العقوبة بالمال فيها نزاع، ومال البغاة من ذلك قطعاً، بل ينبغي أن لا يدخلها الخلاف المتقدّم، حيث راعى الإمام تضمينهم لما أفسدوه عليه، أي: تسبّبوا في إتلافه ببغيهم. على أنّه قد يقال: الاستعانة الحقيقية، إنما هي قبل القدرة عليهم، وهو قبلها لا تمكنه الاستعانة بمالهم، إلاّ على الوجه المذكور، وهو أن يجهّز جيوشه، ثم يضمنهم ذلك. وأما بعد القدرة: فلا تتصوّر الاستعانة، لأنّه لم يبق قتال بينهما يوجب الاستعانة بالمال. وأما ما ظفر به من مالهم حال القتال، وقبل كمال القدرة عليهم، فذلك قليل بالنسبة إلى ما بقي بأيديهم، ومع ذلك قالوا: (إنما يردّ إليهم إذا استغنى الإمام عنه) 3 - كما في "شرّاح المتن"- والغالب: عدم الاستغناء. وأيضاً: فإن بغاة هذا الزمان غير (متأولين) 4 وكل باغ غير متأول يضمن ما قتله من الجيش، كما يضمن ما أتلفه من الأموال، كما أشار له [55/ب] "خليل" بمفهوم قوله: (ولم يضمن متأول أتلف نفساً، أو مالاً ..... إلخ) 5 فأموالهم حينئذ ربما

_ 1 - هو نوع من أنواع مفهوم المخالفة الذي هو: اثبات نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه، نحو: من تطهر صحت صلاته. أنظر: القرافي- الذخيرة:1/ 58، 59. 2 - أنظر: مختصر خليل: 280. والزرقاني على خليل: 8/ 61. 3 - أنظر: الزرقاني على خليل: 8/ 61، والبناني على خليل: 8/ 61، عند قول خليل (ثم ردّ كغيره). 4 - في ("الأصل" (متوالين) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من "ج" و"د"، والمتأول هو: من تأول خروجاً عن الحق والصواب. (الزرقاني على خليل: 8/ 60). 5 - أنظر: مختصر خليل: 280 "باب الباغية"، والنص كاملاً: (ولم يضمن متأول أتلف نفساً أو مالاً، ومضى حكم قاضيه، وحد أقامه، ورد ذمّي معه، لزمته، وضمن المعاند النفس والمال، والذمّي محه ناقض، والمرأة المقاتلة كالرجل).

لا تفي بما أتلفوه من الأموال والأنفس. وأيضاً: إن ردّ أموالهم إليهم إنما هو: إذا علمت ملاّكه. وبالجملة: فواحد من الوجوه المتقدمة كاف في عدم وجوب ردها إليهم، فكيف بذلك إذا وجدت تلك الوجوه كلها، أو وجد غالبها، أو متعدد منها!، ولذا قال في- "معاوضات" - "المعيار": (يجوز شراء ما لم يعلم مالكه من الطعام الذي يجلبه الجيش من أمتعة الباغية) 1 اهـ. وظاهره: أنّه يجوز له تملّكه، ولا يحتاج إلى تعريف به، ولهذا صحّ له بيعه، وللآخر شراءه، وما ذلك إلاّ لكون الغالب وجود شيء من الوجوه السابقة المانعة من ردّ أموالهم إليهم، وإلاّ لوجب التعريف، ولم يجز لأحد شراؤه قبله، والله أعلم) 2.

_ 1 - ذهب إلى جواز ذلك "أبو محمد عبد الله بن بختي الزواوي" في جواب له على نازلة نزلت بافريقية يوم ولاية الأمير أبي حفص، وذلك أنه لما حصر "تونس" تفرق حينئذ العرب على قراها وحاصوا طعامها وقطعوا طرقها، ثم جلب العرب الطعام إلى البلد لبيعه، فتوقف أكثر الناس عن شرائه، فسئل من بها من العلماء، فأجاب هذا الشيخ بجوازها، فأخذ الناس بفتواه، وقال- لما سئل عن سبب هذه الفتوى-: (ولكن ذلك عندي مقتضى الفقه، وهو - أيضاً- جائز على مذهب "الموازية" "والمدونة"، أما الفقه وذلك أن الطعام المجلوب لا يعلم عين مالكه، ولو قام شخص يطلبه ما حكم له بأخذ هذا الطعام المجلوب اتفاقاً). وقال بعضهم: بالمنع من ذلك لأن في ذلك إعانة لهم على الغصب، فقال الشيخ عند ذلك: فالمنع من ذلك ليس هو لكون هذا ليس بملك لهم. وإنما هو لمعنى آخر، مع أن هذا لا يمنعهم من الغصب والعداء، وهم إن لم يشتر منهم يرفعونه إلى موضع آخر ويبيعونه أو يأ كلونه. (الونشريسي- المعيار: 5/ 68 - 69، "في حكم الشراء من العرب المعروفين بالنهب". 2 - المسألة الخامسة بتمامها ساقطة من "ب".

خاتمة

خاتمة قال تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ} 1 أي: لأهلكم 2 بعذاب من عنده، وكفى أمرهم بغير قتال، إلاّ أنّه- تبارك- وتعالى- أراد بحكمته (اختبار) 3 المؤمنين، فأمر بالقتال، ليبلو بعض الناس ببعض، فيصير من قتل من المؤمنين إلى ثواب، ومن هلك من الكافرين إلى عذاب. هذا في قتال الكفار، وكذا في قتال البغاة، لقوله- تعالى-: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ ... - أي: ترجع- إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} 4، ولو شاء الله لانتصر منهم- أيضاً- وأهلكم بغير قتال. ولكن: سبق في علمه- سبحانه-: أنّه لا بدّ من الاختبار، قال- تعالى-: {(مَا) 5 كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ... أي: لا يترككم مختلطين لا يعرف مخلصكم من منافقكم-6 ... حَتَّى [56/أ] يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} 7.

_ 1 - سورة محمد / آية 4، وتمامها: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَةا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ}. 2 - في "ج"و"د" (فأهلكم). 3 - في "الأصل" (اختيار) والصواب ما أثبتناه من "ج" و"د". 4 - سورة الحجرات / آية 9، وتمامها: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّة يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. 5 - في "الأصل" (وما) والصواب ما أثبتناه. 6 - قال القرطبي: (قيل: الخطاب للمؤمنين، أي: وما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من اختلاط المؤمن بالمنافق، حتى يميز بينكم بالمحنة والتكليف فتعرفوا المنافق الخبيث والمؤمن الطيب). (الجامع لأحكام القرآن: 4/ 289). 7 - سورة آل عمران / آية 179، وتمامها: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّة يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.

قال "قتادة": (حتى يميز المؤمن من الكافر: بالهجرة والجهاد) 1. وهكذا: التكالف الشرعية: من صلاة، وصيام، وزكاة، وجهاد، وحج- ونحو ذلك من الواجبات- وتحريم الربا- مثلاً- وأكل أموال الناس بالباطل، وبيع الطعام بالطعام نسيئة 2 - ونحو ذلك من المحرمات- كلها للاختبار. قال - تعالى-: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} 3. فالتكاليف 4 الشرعية- من المأمورات والمنهيات- كلها عيار 5 صادق للعباد، كما يعيّر الدرهم باخراج ما في بطنه للعيان بسبب إمراره وحكّه على حجارة. قال- تعالى-: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} 6 والفتنة: الامتحان والاختبار، بشدائد التكليف من مفارقة الأوطان، ومجاهدة الأعداء، وسائر الطاعات الشاقة، وهجرة الشهوات والملاذ، وبالفقر، والقحط، وأنواع المصائب في الأنفس والأموال، والصبر على إذايات 7 الكفّار،

_ 1 - نقله الخازن في "لباب التأويل وأسرار التنزيل": 1/ 308. ولم ينسبه لقتادة. 2 - النسيئة: التأخير، يقال: "باعه بنسيئة"، وهو: الدين المؤخر. وربا النسيئة: هو الزيادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل. (أبو جيب- القاموس الفقهي: 144، 351). 3 - طرف من آيتين: سورة هود / آية 7، وتمامها: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ ةذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}. وسورة الملك / آية 2، وتمامها: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}. 4 - من بداية الخاتمة إلى هنا ساقطة من "ب". 5 - العيار: هو ما اتّخذ أساساً للمقارنة، وكل ما تقدّر به الأشياء من كيل أو وزن، وعيار النقود: هو مقدار ما فيها من المعدن الخالص المعدود أساساً لها بالنسبة لوزنها. (المعجم الوسيط: 2/ 645). 6 - سورة العنكبوت / آية 2. 7 - في "ب" و"ج" و"د" (اذاية).

وكيدهم، وضررهم 1. والمعنى: أحسب الناس الذين أجروا كلمة التوحيد على ألسنتهم، وأظهروا القول بالإيمان، أنهم يتركون لذلك غير ممتحنين، بل يمتحنهم الله ويختبرهم بضروب المحن، حتى يختبر صبرهم، وثبات أقدامهم، وصحة عقائدهم، ونصوع 2 نيّاتهم، ليتميّز المخلص من غير المخلص، والراسخ في الدين من المضطرب فيه، والمتمكن فيه من العابد على حرف. كما قال- تعالى-: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ... } 3. قال: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ (قَبْلِهِمْ) 4} 5. يعنى: أن أتباع الأنبياء قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فتنوا، وأصابهم ما (هو) 6 أشدّ ممّا أصابكم فصبروا. كما قال- تعالى-: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ 7 مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَةنُوا لِمَا

_ 1 - قال القرطبي: (قال مجاهد وغيره: "فنزلت هذه الآية مسلّية ومعلمة أن هذه سيرة الله في عباده اختبارا للمؤمنين وفتنة". قال ابن عطية: وهذه الآية وإن كانت نزلت بهذا السبب أو ما في معناه من الأقوال فهي باقية في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - موجود حكمها بقية الدهر. وذلك أن الفتنة من الله- تعالى- باقية في ثغور المسلمين بالأسر ونكاية العدوّ وغير ذلك. وإذا اعتبر- أيضاً- كل موضع ففيه ذلك بالأمراض وأنواع المحن. قلت- أي القرطبي-: ما أحسن ما قاله، ولقد صدق فيما قال). (الجامع لأحكام القرآن: 13/ 323 - 324). 2 - الناصع: الخالص من كل شيء، والنصيع: الصافي كالناصع. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 4/ 341 - 342). 3 - سورة آل عمران / آية 186، وتمامها: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}. 4 - في "الأصل"، و"ب" و"ج" (قبلكم) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "د". 5 - سورة العنكبوت / آية 3، وتمامها: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}. 6 - ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د". 7 - بضم القاف وإسقاط الألف على قراءة ابن كثير ونافع وأبو عمرو. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائى: (قاتل) بفتح القاف وادخال الألف. (ابن مجاهد- السبعة في القراءات: 217).

أَصَابَهُمْ ... } 1 [56/ب] والمعنى: (أنّ الافتتان والامتحان، سنة قديمة جارية في الأمم كلها، فليعلمنّ الله- بالامتحان والاختبار- الذين صدقوا في الايمان، وليعلمنّ الكاذين فيه، فيجازي الذين صبروا وصدقوا بالثواب الجزيل وعلوّ الدرجات، والذين كذبوا ولم يصبروا بالعذاب الأليم، وبكونهم في أسفل الدركات) هكذا في "الكشاف" 2، و"البيضاوي" 3، وغيرهما. ولذا قالوا: (الصبر ثلاث أقسام: صبر على الطاعة، حتى يؤديها. وصبر عن المعصية، حتى يتركها. وصبر على (المصيبة) 4، حتى لا يجزع منها) 5. وكلها: يشملها قوله- تعالى-: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} 6. فشدّوا- أيّدكم الله-: على الكتاب والسنة، فإن كتاب الله هو الحكم الفاصل بين الحق والباطل، والسنة هي القسطاس العادل بين المقتصد 7 (والمائل) 8، ومن خرج

_ 1 - سورة آل عمران / آية 146، وتمامها: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}. 2 - الزمخشري- الكشاف: 3/ 439. 3 - البيضاوي- أنوار التنزيل: 384. 4 - في "الأصل" و"د" (المعصية) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج". 5 - قال القرطبي: (والصبر صبران: صبر عن معصية الله، فهذا مجاهد، وصبر على طاعة الله، فهذا عابد. فإذا صبر عن معصية الله وصبر على طاعة الله أورثه الله الرضا بقضائه، وعلامة الرضا سكون القلب بما ورد على النفس من المكروهات والمحبوبات). (الجامع لأحكام القرآن: 2/ 174). 6 - سورة الزمر / آية 10، وتمامها: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي ةذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. 7 - أي: المستقيم، يقال: اقتصد في أمره، استقام. (البستاني- فاكهة البستان: 1161). 8 - في "الأصل" (المال) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د" وهو بمعنى: حاد عن الحق وعدل. (البستاني- فاكهة البستان: 901).

عنهما مرجعه إلى الويل والثبور 1، ويتجرع كؤوس الندامة يوم النشور. واعلموا: أنّه لا ينفع مال ولا بنون، إلاّ من أتى الله بقلب سليم، وعلّقوا ظاهرم، وباطنكم بالله- تعالى- ولا تشغلوا سرّكم بسواه- فإنّه ليس في الوجود سواه- وكما تحذرون الوقوع في العمل المشترك، احذروا أن يكون لكم قلب مشترك، فإنّ الله- سبحانه- غيور لا يريد من يقف بساحة المنازل والدّور. وقد تقدّم قول "عمر"- رضي الله عنه-: "إنّما تقاتلون بأعمالكم"، وتقدّم: أنّ النصر مقرون بالصبر، أي: المشتمل على أقسامه الثلاثة، وتلك الأقسام: هي العمل بالكتاب والسنة لا يخرج عنهما شيء. واعلموا: أنّ أحوالنا مع الله- تبارك وتعالى- كأحوال: أمة حبشيّة جيء بها من بلادها، من يد إلى يد يلعب بها، فلما وصلت إلى [57/أ] السوق اشتراها السلطان، وخلع عليها من أنواع الحلي والحلل على اختلاف أنواعها ما لا يوصف، فإنْ كانت عاقلة عارفة قدر نفسها، وتفكّرت في أصلها، وخساسة قدرها، وحقّقت أن كل ما عندها، إنّما هو خلع من فضل السلطان عليها، واعترفت له بالإحسان، وعدم استحقاقها لتلك الخلع، فقد قيّدت تلك النعم 2 بعقالها 3، وإنْ هي رأت لنفسها مزيّة استحقّت بها ذلك منه، فقد تعرّضت لزوالها. أرأيت ان سلبها تلك الخلع، وأخرجها إلى السوق تباع، أليست هي الأمة الأولى؟!. فحال الذين: صدقوا في الإيمان، وصبروا، وشكروا نعم الله عليهم بطاعته، وامتثال أوامره- من جهاد واستعداد، وغيرهما من إقامة الصلاة، واجتناب المحرمات، وارتكاب الشهوات- كحال: الأمة المعترفة بإحسان سيّدها إليها، لأنّها لم تفرح بالنعم نفسها، وإنّما فرحت بالمنعم عليها، ورضي سيّدها عليها، واستحقت بذلك المزيّة.

_ 1 - أي: الهلاك والخسران. (الرازي- مختار الصحاح: 61). 2 - في "الأصل" (النعيم) وما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د" مناسب للسياق. 3 - في "الأصل" (بعضالها) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د".

قال- تعالى-: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ ... - النعم بالطاعات، وامتثال الأوامر، واجتناب النواهى- ... لَأَزِيدَنَّكُمْ} 1 نعمة إلى نعمة. كما قال- تعالى-: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} 2. يعني: وكذلك من يقيم القرآن. وحال الذين كذّبوا، كحال الأمة التي رأت لنفسها مزية، ولم تعترف بإحسان سيّدها، ولا شكرته، بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، لأنها فرحت بالنعم لا بالمنعم عليها، فقد تعرّضت لزوالها. قال تعالى: {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} 3 كما قال- أيضاً-: {إِنَّ اللَّة لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ (حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) 4} 5، وقال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ بِمَا 6 كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} إلى غير [57/ب] ذلك. فشدّوا- أيّدكم الله-: على الكتاب والسنة (بالنواجذ) 7 وبالغوا في إتقانهما وتحريرهما، والعمل بهما على ما تقتضيه القواعد. فإنه: لا يعبد الله إلاّ بالعلم، قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} 8، إذ به

_ 1 - سورة إبراهيم / آية 7، وتمامها: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}. 2 - سورة المائدة / آية 66، وتمامها: {مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ}. 3 - سورة إبراهيم / آية 7. 4 - ساقطة من "الأصل" ومن "ج"، والإضافة من "ب" و"د". 5 - سورة الرعد / آية 11. 6 - في "ب" و"ج" (فبما) وكلاهما جائز، سورة الشورى / آية 30. 7 - في جميع النسخ (بالنواجد) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، وهو بمعنى: أقصى الأضراس، وهي أربعة، أو هي الأنياب، أو هي الأضراس كلها، جمع "ناجذ". ويقال: "عضّ على ناجذه": صبر على صعاب الأمور، أو بلغ أشده واستحكم، "وعضّ في الأمر بناجذة": أتقنه وعضّ على الشيء بناجذه: حرص عليه. (المعجم الوسيط: 2/ 909، الزاوي- ترتيب القاموس المحيط: 4/ 327). 8 - سورة طه / آية 114، وتمامها: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}.

يعرف الله، وبه يتميّز الحلال من الحرام، وبه شرّفت الملائكة والرسل والأنبياء، ومن أجله سجدت الملائكة لأبينا "آدم" حين علّمه ربّه الأسماء 1. ومن رأى منكم شيئاً في نفسه، أو غيره، من خرق العادات، فليرجع بذلك إلى كتاب ربّ السموات، وسنّة سيّد المخلوقات، فما وجدته موافقاً، فاشكر الله على ذلك، وما وجدته مخالفاً، فدعه ولا تغترّ بما هنالك، فكم من مبتدع مشى على الماء، وطار في (الهواء) 2، واللّعين إبليس يغوص في الماء، ويطير في الهواء، والدجال 3 تخرق له العادات، وتسخّر له الجمادات، ويحيي الأموات وتطويه الأرض والسموات، وهو كافر بإجماع، يدّعي الربوبية، وينسب نفسه للألوهية. وقد ألقى السامري 4 حلية في النار فصار عجلاً جسداً له خوار 3، وإنما

_ 1 - قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّةا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ ةؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}. (سورة البقرة / الآيات 31، 32، 33، 34). 2 - في جميع النسخ (الهوى) وما أثبتناه مناسب للسياق. 3 - هو: المسيح الدجال. أنظر: مسلم في "صحيحه": 4/ 2247 - 2267. كتاب "الفتن وأشراط الساعة" الأبواب: "ذكر الدّجال وصفته" وما "في الدجال وهو أهون على الله عز وجلّ" "خروج الدجّال ومكثه في الأرض، ونزول عيسى وقتله إيّاه وذهاب أهل الخير والإيمان وبقاء شرار الناس وعبادتهم الأوثان" "قصة الجساسة" "في بقية من أحاديث الدجال". 4 - قال القرطبي: (قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: كان السامريّ من قوم يعبدون البقر، فوقع بأرض مصر فدخل في دين بني اسرائيل بظاهره، وفي قلبه ما فيه من عبادة البقر، وقيل: كان رجلاً من "القبط"، وكان جاراً لموسى آمن به وخرج معه. وقيل: كان عظيماً من عظماء بني اسرائيل، من قبيلة تعرف "بالسامرة" وهم معروفون بالشام. قال سعيد بن جبير: كان من أهل كرمان). (الجامع لأحكام القرآن: 11/ 233 - 234). 5 - قال تعالى: {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاةا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا ةذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ}. (سورة طه / آية: 87 - 88). =

ذلك: فتنة واختبار، هل يرجع إلى وراء (أو) 1 يتبع الآثار؟!. قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} 2، فمن ترك ما عنده من الكتاب والسنّة، لظنّ ما عند الناس من خرق العادات والبدعة، فهو مغرور، لأن حكمة الألوهية اقتضت: أن يتحلّى الإنسان بإظهار العبودية، بإقامة التكاليف الشرعية، - على ما أخبر به الكتاب والسنة- من غير فرق بين مشروف أو شريف، ولا بين صالح أو ضعيف. قال "ابن خلكان"- في ترجمة: "أبي يزيد البسطامي" 3 ما نصّه-: (ان أبا يزيد، كان يقول: لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات، حتى [58/أ] يرتفع في الهواء فلا تغترّوا به، حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي، وحفظ الحدود، وأداء الشريعة!) اهـ لفظه. قال الإمام "القرطبي"- عند قوله تعالى-: {مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ

_ = قال القرطبي- في تفسيره لهذه الآيات-: (قال "قتادة": ان السامريّ قال لهم- حين استبطأ القوم موسى-: إنما أحتبس عليكم من أجل ما عندكم من الحليّ فجمعوه ودفعوه إلى السامرىّ فرمى به في النار، وصاغ لهم منه عجلاً، ثم ألقى عليه قبضة من أثر فرس الرسول وهو "جبريل"- عليه السلام-. وقال "معمر": الفرس الذي كان عليه جبريل هو الحياة، فلما ألقى عليه القبضة صار عجلاً جسداً له خوار، والخوار صوت البقر. وقال "ابن عباس": لما انسكبت الحليّ في النار، جاء السامريّ، وقال لهارون: يا نبيّ الله أؤلقي ما في يدي- وهو يظن أنه كبعض ما جاء به غيره من الحليّ- فقذف التراب فيه، وقال: كن عجلاً جسداً له خوار، فكان كما قال، للبلاء والفتنة، فخار خورة واحدة لم يتبعها مثلها). (الجامع لأحكام القرآن: 11/ 235). 1 - ساقطة من "ب". 2 - أبو يزيد، طيفور بن عيسى البسطامي: الزاهد المشهور، له أخبار كثيرة، كان "ابن عربي" يسمّيه أبا يزيد الأكبر. مات "ببسطام" (سنة 261هـ). (ابن خلكان- وفيات: 2/ 531، الذهبي- ميزان الاعتدال: 1/ 481). 3 - أنظر: ابن خلكان- وفيات الأعيان: 2/ 531.

يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} 1 - ما نصّه-: (عن "أساء بنت أبي بكر" 2 - رضي الله عنها- قالت: "كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قرىء عليهم القرآن، تدمع أعينهم، وتقشعرّ جلودهم" قيل لها: "إن الناس اليوم، إذا قرىء عليهم القرآن خر أحدهم مغشيًّا عليه" فقالت- منكرة لذلك-: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم! ") 3. وقال "سعيد بن عبد الرحمن الجمحي" 4: (مرّ ابن عمر برجل من أهل القرآن ساقط، فقال: "ما بال هذا؟ " قالوا: "إنّه إذا قرىء عليه القرآن، أو سمع ذكر الله سقط" فقال "ابن عمر": "إنا لنخشى الله ولا نسقط"، ثم قال: "إن الشيطان يدخل في جوف أحدكم، ما كان هذا صنيع أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - "!) 5. قال "عمر بن (عبد العزيز) " 6: (ذكر عند "ابن سرين" 7: الذين يصرعون

_ 1 - سورة الزمر / آية 23، وتمامها: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَةدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ ةادٍ}. 2 - من قريش، صحابية من الفضليات، آخر المهاجرين والمهاجرات وفاة، تزوجها الزبير بن العوام، فولدت له عدة أبناء، شهدت اليرموك، وكانت فصيحة حاضرة القلب واللّب. تقول الشعر، وسمّيت "ذات النطاقين" لأنها صنعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - طعاماً حين هاجر إلى المدينة، فلم تجد ما تشدّه به، فشقت نطاقها وشدّت به الطعام، لها (56 حديثاً)، ماتت (سنة 73هـ). (ابن سعد- طبقات: 8/ 182، ابن الجوزي- صفة: 2/ 31، الزركلي- الأعلام:1/ 305). 3 - أنظر: القرطبي- الجامع لأحكام القرآن: 15/ 249. 4 - أبو عبد الله، سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله الجمحي: قاضي بغداد منشأه في "المدينة"، وهو من رجال الحديث، روى عن أبي حازم بن دينار وهشام بن عروة وسهيل بن أبي صالح وعبد الرحمن بن القاصم وغيرهم، مات (سنة 176هـ). (ابن حجر- تهذيب: 4/ 50، الزركلي- الأعلام: 3/ 97). 5 - أنظر: القرطبي- الجامع لأحكام القرآن: 5/ 249. 6 - في جميع النسخ (عباد) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، وقد ثبت في القرطبي: 15/ 249. 7 - أبو بكر، محمد بن سرين البصري، الأنصاري بالولاء: التابعي، العالم، الكاتب، الورع، نشأ برّازاً، وتفقه وروى الحديث، واشتهر بتعبير الرؤيا، ينسب له: كتاب: "تعبير =

إذا قرىء عليهم القرآن، قال: "بيننا وبينهم أن يقعد أحدهم على ظهر بيت باسطاً رجليه، ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره، فان رمى بنفسه فهو صادق"!) 1. وقال (أبو) 2 عمران الجريني 3: (وعظ "موسى"- عليه الصلاة والسلام- بنى إسرائيل، ذات يوم، فشقّ رجل قميصه، فأوحى الله إلى موسى: "قل لصاحب القميص: لا يشق قميصه، فإني لا أحبّ المبذّرين، بل يشرح لي عن قلبه"!) 4 اهـ لفظه. وذكر في "دوحة الناشر" 5: (ان العالم- الشهير- أبا عبد الله

_ = الرؤيا- ط" و"منتخب الكلام في تفسير الأحلام- ط"، مات "بالبصرة" (سنة 110هـ). (ابن حبيب- المحبر: 379 - 480، ابن خلكان- وفيات: 1/ 453، ابن حجر- تهذيب: 9/ 190 - 192، الزركلي- الأعلام: 6/ 154). 1 - أنظر: القرطبي- الجامع لأحكام القرآن: 15/ 249. 2 - في "الأصل" (ابن) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د" وقد ثبت في "القرطبي". 3 - في جميع النسخ (الجوني) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، وقد ثبت في كتب التراجم. وهو: ابو عمران، موسى بن العباس بن محمد الجويني النيسابوري: المحدث، الحافظ، قدم دمشق ومكة، من كتبه: "كتاب على صحيح مسلم"، مات "بجوين" "بين بسطام ونيسابور"، سنة (323هـ). (الذهبي- تذكرة الحفاظ: 3/ 36، سير أعلام النبلاء: 15/ 235 - 236). 4 - أنظر: القرطبي- الجامع لأحكام القرآن: 15/ 249 - 250. 5 - "دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر" للقاضي المغربي: أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر بن مصباح بن عسكر، تولى القضاء والفتيا "بقصر كتامه" و"شفشاون" و"ترغة" وانتقل إلى "فاس". وكتابه هذا مطبوع وكان تأليفه (عام 985هـ) أي قبل وفاته بسنة واحدة، حيث جعله كفهرس ذكر فيه شيوخه وما قرأ عليهم من فنون أو أخذ عنهم من مبادىء التصوّف، إلاّ أنه توسّع فذكر كل من عرف من شيوخ القرن الهجري العاشر سواء لقيهم أو لم يلقهم، بل ذكر من أعلام هذا القرن حتى الذين لم يعاصرهم. وقد أثنى عليه الزركلي بقوله: "صغير مفيد"، مات (سنة 986هـ). (البغدادي- ذيل كشف الظنون: 3/ 482، الزركلي- الأعلام: 6/ 292، محمد حجي- مقدمة دوحة الناشر: الصفحات: أ- ب).

(الورياجلي) 1: كان متصدّراً للفتوى والإقراء- "بقصر [58/ب] عبد الكريم"-2 فجاء ذات يوم لمجلس التدريس، فلم يجد أحداً من الطلبة، إلاّ اثنين أو ثلاثة، فسأل عن وجه تخلّفهم؟، فقالوا له: "ذهبوا مع جميع الناس إلى رجل 3، قدم إلى البلد، يدّعي: أنه عيسى بن مريم"، فقال (لهم) 4: "اذهبوا (بي) 5 إليه "، فلما وصلوا إليه، وجدوه قد اجتمع عليه خلق كثير بين خادم وزائر، قال الشيخ: "أنت تدّعي أنك عيسى بن مريم؟ " فقال: "نعم" فقال له: "ومن يشهد لك؟ " فقال: "تلك الصومعة، تشهد لي" فقال: "وكيف ذلك؟! " فقال: "تشير لها، فتولول 6، وتتمايل" فأشار لها، فولولت وتمايلت، وجميع الناس ينظرون، ويعدّون ذلك من أعظم البراهين على صدقه!. فتقدّم الشيخ إليه، وسأله: عن التوحيد ومعتقده؟، فلم يجد عنده شيئاً، فسأله: عن بعض الفرائض والسنن؟، فلم يجب بشيء. فوثب الشيخ عليه، ولم يجد من يعينه، إلاّ الطالبان اللّذان أتيا معه،

_ 1 - في "الأصل" و"ب" و"ج" (المزجلي) وفي "د" (المرجاني)، وكلاهما تصحيف، والصواب ما أثبتناه كما هو ثابت في "دوحة الناشر": 30. وهو: أبو محمد، عبد الله الورياجلي: الفقيه الأجل، العلاّمة الصدر الأوحد، الذي [[. . . بياض بالكتاب المصور (قاله مُعِدُّ الكتاب للشاملة)]] درجة الاجتهاد في زمانه، من فحول العلماء الذين تشدّ إليهم الرحال، أخذ عن الإمام القوري والعبدوسي، رحل إلى تلمسان للأخذ عن الإمام "ابن مرزوق" وتولّى رياسة العلم بفاس وبها استقرّ إلى أن مات. وذكر صاحب "دوحة الناشر": (كانت وفاته في العشرة الأولى والله أعلم). (ابن عسكر- دوحة الناشر: 30 - 33). 2 - في "ب" (عبد الملك) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، ويسمّى- أيضاً-: "بقصر كتامة"، قال محمد حجي: (هو القصر الكبير المشهور جنوبي العرائش والذي دارت بضواحيه معركة وادي المخازن الكبرى). (أنظر: هامش كتاب دوحة الناشر لابن عسكر:31). 3 - اسمه: "برزيز" (ابن عسكر- "دوحة الناشر: 32). 4 - ساقطة من "الأصل" والإضافة من "ب" و"ج" و"د". 5 - في "الأصل" (أي) والصواب ما أثبتناه من "ب" و"ج" و"د". 6 - الولوال: البلبال، ويقال = عود مولول: مصوّت.

وغيرهم كلّهم أمسكوا عنه خوفاً من خسف الأرض، أو نزول العذاب بهم فأوثقوه، وأمر الشيخ بضربه ضرباً وجيعاً، وأمر به إلى السجن، فبقي بالسجن- مدة طويلة- وهو: يتشفع للشيخ في تسريحه، وأقرّ على نفسه بقضيته، وأن شيطاناً من شياطين الجن أمره أن يدّعي ذلك، وشرط عليه شروطاً ذكرها 1، فسرّحه الشيخ حينئذ- بعد المدة الطويلة- وذهب الرجل لقراءة القرآن بعد مدة، ورجع لزيارة الشيخ، فسأله عن شيطانه؟ فقال له: "ما رأيته من ذلك اليوم "!) 2. لذا: قال غير واحد من العلماء العارفين: (أن نعم الله لا تحصى، ومن أعظمها وأجلّها: الانتقاد على أهل الدعوى، والمنتسبين، لأنه يزيد الصادق عزيمة، ويوقع الكاذب في الهزيمة، ومن تأمل: قصّة "موسى" [59/أ] مع "الخضر" 3 - عليهما السلام- (سلّم موجب الانتقاد، إذ لو لم ينتقد موسى الخضر) 4 لكان جاحداً للرسالة. (قالوا) 5: (وأسباب الانتقاد كثيرة، والناقد بصير، فمن تلك الأسباب ما كرّه، ومنها ما حرّم، وربما وجب كل ذلك بحسب الأشخاص، والأوضاع، والحال، والمآل). ولا يفهم هذا كل أحد، لكن لا بدّ من ذكر بعضها:

_ 1 - منها: ان يدعي النبوّة ويأتيه لكل ما يريد، ويدخل في جدور الحيطان ويكلّم الناس بتصديقه، فيتوهّم الناس أن الجماد قد تكلّم. (ابن عسكر - دوحة الناشر: 32). 2 - أنظر: ابن عسكر- دوحة الناشر 31 - 32. 3 - أنظر: البخاري في "صحيحه": 1/ 48، "كتاب العلم" باب ما ذكر في ذهاب موسى - صلى الله عليه وسلم - في البحر إلى الخضر، وقوله تعالى: {ةلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}. والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن": 11/ 12 - 45" سورة الكهف / آية: 61 إلى 82. 4 - ساقطة من "ج". 5 - ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب" و"ج" و"د".

فمن ذلك: الزيارة بالجموع، من غير زاد، وهذا يؤدي للاستضافة لا محالة، فإن أكرموا مدحوا، وإلاّ ذمّوا، فأين طلب النسبة للكمال أو التشبّه بالرجال؟!، وقول الله- تعالى- في وصفهم-: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ .... - إلى قوله- ... : لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} 1. ومن ذلك: أن (يشهر) شيخهم نفسه، بفراش دونه، أو آنية شرب خاصة به، أو دابة له وحده، فذلك كله علامة لتشريف نفسه، وطلب الحظ والجاه، والأوائل الصديقون كانوا لا يمتازون بشيء عن أصحابهم ورفقائهم، بل "يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"! 2. ومن ذلك: أن يتّخذ الناس يمشون خلفه،- وقد كان "أحمد بن حنبل)، لا يمشي خلفه أبداً- فأين الذلّة والخشوع؟!. ومن ذلك: أن يدّعي الإرادة، ويتّسم بسمات العبادات، ويحبّ الاجتماع عليه، ويعمل المبيتات بالسماع لديه، ويشهر نفسه عند العوام، ويحبّ منهم الاستعظام، ولا يرجع إلى الكتاب والسنة- في المسائل المبهمات-3 - والنوازل المشكلات- بل ترك، قال ربّنا، وقال محمد نبيّنا. ويتمذهب بقولهم: قالت أشياخنا من رأي من رآنا لا يدخل النار، ومن صحبنا، وكان على طريقتنا دخل الجنّة) [59/ب] وهيهات هيهات!: من أين له بهذه الدعوى؟ وما دليله عليها من كتاب ربّ السموات- حتى عدل بها عن الكتاب

_ 1 - سورة البقرة / آية 273، وتمامها: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّة بِهِ عَلِيمٌ}. 2 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ ةاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (سورة الحشر / آية 9). 3 - المبهم: ما يصعب على الفهم، والغامض لا يتحدّد المقصود منه. (المعجم الوسيط: 1/ 74).

والسنة- واستمال بها قلوب عامة الأمة- فأصبحوا- وقد باؤا بهوس 1 عظيم- وجهل مركب جسيم-؟!. كيف!: والله- سبحانه- (يقول) 2 يا محمد-! {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} 3. وقال: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} 4 وقال: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} 5 وقال: {إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} 6 وقال: {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} 7 وقال: {إِنَّكَ لَا تَةدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّة يَةدِي مَنْ يَشَاءُ؟!} 8. وإذا كان هو في مقام النّبوّة الا يغنى من الله شيئاً، فكيف: يغني من هو دونهم من أهل الخصوصية، ويدّعي أن من رآه ضمن له الجنة؟ بل لو بلغ العبد ما بلغ من الخصوصية ما أمكنه: أن يأمن من مكر الله على نفسه، فضلاً عن أن يضمن الجنة لمن رآه، أو صحبه من غيره، قال- تعالى-: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}.

_ 1 - الهوس: طرف من الجنون. (الرازي- مختار الصحاح: 555). 2 - في: "الأصل" (أن يقول) وهي زائدة، والصواب سقوطها كما في "ب" و"ج". 3 - سورة آل عمران / آية 128، وتمامها: {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}. 4 - سورة الأعراف / آية 188، وتمامها: {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. 5 - سورة الشعراء / آية 214. 6 - سورة الممتحنة / آية 4، وتمامها: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}. 7 - سورة التحريم / آية 10، وتمامها: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}. 8 - سورة القصص / آية 56، وتمامها: {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُةتَدِينَ}.

بل الشيخ الصالح الصادق: من كان القرآن شعاره، والسنة قيده وعقاله، والخمول سيرته، والعزلة سبيله، والزهد في الدنيا شيمته وطبيعته، يقف عند الحق في الرضى والغضب، وينصف غيره من نفسه بغير طلب، مشغول بعيبه عن عيوب غيره، بشراه في وجهه، وحزنه في صدره، إن قدر عفا، وإن وعد وفى، يؤثر آخرف على دنياه، ويقف مع الحق وإن خالف هواه، يعرف عيبه، ويستعظم ذنبه، ولا يخاف ولا يرجو إلاّ ربّه، يوالي في الله، ويبغض في الله، ويغضب لله، ويرضى لله، يخفي الطاعات، كما [60/أ] يخفي السّيئات، وإذا قام قام بالله، وإذا نطق نطق بالله، وإذا استعان استعان بالله في أموره كلها، ولم يستعن بغيره من صالح أو ولي، ولا رسول أو نبي، واقف مع قوله- تعالى-: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 1 - أي: لا نعبد إلاّ إيّاك، ولا نستعين إلاّ بك، ومع قوله- تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ .... :- إلى قوله- تعالى- ... سَّابِقُونَ} 2. فهذه: صفات المؤمنين من عباده الصالحين، وعلمائه العارفين، الذين يجب بهم الاقتداء والائتساء، واتخاذهم مشايخ في الأقوال والأفعال، وبهم الاهتداء، ومن لم تكن هذه صفته، فالحذر الحذر، ولو مشى على الماء، وطار في الهواء، كما مرّ!. قال مؤلفه "علي بن عبد السلام التُّسولي"- لطّف الله به-: بتمام هذه الخاتمة، انتهى الكلام بنا، على ما قصدنا جمعه، نسأله تعالى: أن يمنّ علينا، وعلى من كان السبب فيه، بتوبة صادقة، وأن يجيرنا وجميع المسلمين من الفتن الظاهرة والباطنة، وأن يختم لنا ولهم بحسن الخاتمة وأن يهب لنا ولهم قرباً على

_ 1 - سورة الفاتحة/ آية 5. 2 - سورة المؤمنون/ الآيات: 57، 58، 59، 60، 61، وتمامها: {وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَةا سَابِقُونَ}.

بساط الأدب في مقعد صدق العبودية، وأن يدمّر العدوّ الكفور تدميراً لا تقم له بعد قائمة إلاّ يوم النشور، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وينفع به المتسبب والقارىء والناظر ويجعله لنا ولهم سلّماً لجنّات نعيم، بجاه أشرف خلقه سيّدنا محمد- عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم-، ورحم الله من رأى خللاً فأصلحه أو عيباً فستره، فإن الإنسان محل الخطأ والنسيان، والله- سبحانه- يتكرّم على الجميع بالعفو والغفران. اللهم ربّ كل شيء، وإله كل شيء، وولي كل شيء، وقاهر كل شيء، وفاطر كل شيء، والعالم بكل شيء والحاكم على كل شيء، والقادر على كل شيء، بقدرتك على كل شيء، اغفر لنا ولهم ولجميع المسلمين كل شيء، ولا تحاسبنا وإيّاهم بشيء، ولا تسألنا وإيّاهم عن شيء، إنك على ما تشاء قدير، وبالاجابة جدير، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم، (وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليماً) 1. ووافق الفراغ من تأليفه وجمعه: ظهر يوم الأربعاء عاشر ربيع النبوي الأنور سنة: "ثلاث وخمسين ومائتين وألف". كمّل نسخ التأليف المبارك- بحمد الله وحسن عونه وتوفيقه- الحقير الذليل: المقرّ بالذنب والعجز والتقصير، عبده وأقلّ عبيده. "محمد بن الطاهر" المرتجى غفران ذنبه المتكاثر، الغربي نسباً، الكافي مسكناً، المالكي مذهباً، الأشعري اعتقاداً، الخلوتي طريقة، غفر الله له، ولوالديه، ولمن علّمه وأحسن إليه، ولقرابته ومشايخه، ولمن صلّح ونظر وكتب، بجاه سيّدنا محمد سيّد العرب. وكان الفراغ من كتابته: بعد عصر يوم الثلاثاء السادس والعشرين من ذي

_ 1 - ساقطة من "ب" و"ج". وفي "د" (انتهت الأجوبة اللّطيفة، وصلّى الله على من ختمت به الرسالة، وأيدته بالنصر والكوثر والشفاعة).

القعدة سنة: "خمس وثمانين ومائتين وألف"، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له. محمد رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - 1.

_ 1 - في "ب" قال ناسخها: (انتهى على يد ناسخه وكاتبه في: الثالث من شهر الله رمضان المعظّم "عام: 1310" عبد ربّه: "محيي بن الحاج وفقه الله بمنّه وفضله، آمين، آمين).

الملاحق

الملاحق

ملحق رقم (1)

ملحق رقم (1) جواب التُّسولي المختصر عن مسائل الأمير عبد القادر 1 ــــــــــــــــــــــــــــــ يخفى أن هؤلاء القبائل الكاتمين، قد خسروا دنياهم وآخرتهم، وخالفوا أمر مولاهم، فإن ثبت عليهم ما ذكرتموه فحكمهم ظاهر- ممّا يأتي-، وإنْ لم يكن إلاّ مجرّد التهمة وغلبة الظن فالواجب وهو غاية المقدور، أن يتقدّم الإمام إليهم ويلزمهم بحراسة جواسيسهم وتجّارهم، ويخبرهم بأنّه إنْ ظفر بجاسوس منهم، أو بمن يبيع شيئاً لهم حلت عقوبة جميعهم، إذ لا يحرس الجاسوس أو السارق أو الغاصب غير أخيه الذي يساكنه ويجاوره، ولا يشك عاقل أنّ أهل المداشر أو الدوار لا يخفى عليهم ذهاب جاسوسهم ولا إيابه ولا مكاتبته، وقد جرت عادة قبائل الزمان- كما هو مشاهد بالعيان- أنّ الوالي إذا تقدّم، للقبيلة أو المدشر وأخبرهم: بأنّ من أذنب منهم أخذوا جميعاً بذنبه، وأنّ القوافل والأضياف إذا نهبوا بأرضهم غرموا ما نهبوه، إذ لا يخفى عليهم المذنب والناهب، فلا إشكال أنّهم يتأهبون لحراسة المذنب والناهب، ويشمرون عن ساق الجدّ في ذلك، ويتأهّبون فيما بينهم دفعاً للعقوبة وإلى هذا المعنى أشار ناظم عمل فاس بقوله: ولا يؤاخذ بذنب الغير … في كل شرع من قديم الدهر إلاّ إذا سدّت به الذريعة … أو خيف شرع شرعه أو شيعه

_ 1 - أورده التُّسولي في "الجواهر النفسية فيما يتكرر من الحوادث الغريبة": 1/ 274 - ب، 276 - أ، والوزاني في "المعيار الجديد": 10/ 207 - 212. ونظراً إلى كون هذا الجواب مختصراً من الأصل الذي وثقت نقوله فقد أغناني ذلك عن تكرار التوثيق.

فقوله: إلاّ إذا سدت ... إلخ، هو المستند لما نحن فيه، لأنّ العادة أنّ المذنب إذا علم أنّ قريبه يؤاخذ به إنْ فرّ هو بنفسه كف عن ذنبه، وهذا هو مستند الأمراء والولاة في القديم في مؤاخذة القرابات بمذنبيهم، حتى عقد الموثقون- في ذلك- الوثائق لمن أراد البراءة من قريبه الشرير المعلوم بالفساد والعصيان لئلاّ يؤاخذ به كما في "المتيطية" وغيرها. ثم بعد التقدّم المذكور- للقبائل المذكورة- يجعل المراصد على الطرقات من أهل الثقات العارفين بمغابن الطرق من غير أولئك القبائل والمداشر خفية منهم، فإذا ظفر بأحد منهم حقت عقوبة جميعهم، إما المقبوض جاسوساً فلا يخفى حكمه وهو القتل- كما في خليل-. وأمّا الذاهب للتجارة ولا سيّما (ببيعه ما لا يحل بيعه لهم) 1 كالخيل والبغال والجلود والشمع والنحاس أو عينه، لقول "سحنون": (من باع سلاحاً للعدوّ فقد أشرك في دماء المسلمين) اهـ والسلاح يشمل ذلك كلّه. وقال الحسن: (من حمل إليهم الطعام فهو فاسق، ومن باع منهم السلاح فليس بمؤمن في هدنة أو غيرها) اهـ. وقد أفتى القاضي سيدي محمد بن سودة، والشيخ ميّارة، والإمام الأبار: (بقتل من باع وصيفاً- أي مملوكاً- للعدوّ)، حيث كان من أهل الفساد، وإدخال الضرر على المسلمين، وكان لا ينكف إلاّ بالقتل زجراً لأمثاله عن العتو والفساد. وأمّا الكاتمون للجواسيس والتجار، والمفرطون في حراستهم من إخوانهم- بعد التقدّم المذكور- فعليهم الأدب الوجيع، لأن حرس الجواسيس والتاجريين إليهم) ليضيق بهم وتقطع عنهم الحيرة) 7 جهاد يتعيّن بتعيين الإمام- كما في خليل - وغيره-، وهؤلاء الكاتمون والمفرطون قد عينهم الإمام للحراسة فخالفوا

_ 1 - في المعيار الجديد للوزاني: 10/ 208: (بحمله ما لا يحل بيعه منهم). 2 - في المعيار الجديد للوزاني: 10/ 209: (للتضيق بهم وقطع الحيرة عنهم).

وكتموا أو فرطوا، فحيث افتضح أمرهم بقبض الجواسيس والتجار لزمهم العقاب، لأنهم بالمخالفة والكتمان والتفريط عصوا الله ورسوله. وعزر الإمام لمعصية الله، أمّا بالعقوبة في الأبدان فلا خلاف، وأمّا بالأموال فعلى نزاع، فأجازها البرزلي ومنعها غيره، لكن قالوا محل الخلاف: (إذا تمكن الإمام من إقامة الحدود وإجرائها على مقتضى الشريعة، وإلاّ فالعقوبة بالمال أولى من الإهمال) اهـ. وبجوازها- أيضاً- مع عدم التمكن من إقامة الحدود أفتى سيدي العربي الفاسي- حسبما في شرح نظم العمل- قائلاّ: (الواقع الآن بالمشاهدة أن القبائل التي لا تنالها أحكام السلاطين لا تمكن فيهم العقوبة بالأدان، فالعقوبة بالمال وإنْ كانت ممنوعة فهي هذا الزمان محل الضرورة وفعلها عام المصلحة) اهـ باختصار. وإذا تقرّر هذا (فإليكم) 1 النظر في كونكم متمكّنين من إقامة الحدود في أولئك القبائل، وعدم تمكّنكم من إقامتها. وأمّا قولكم في السؤال: أم يتركون على حالهم ... إلخ، فذلك ممّا لا يحلّ كتاباً وسنة وإجماعاً، لأنّ من قدر على تغيير المنكر وجب عليه تغييره، وهو فرض عين على الولاة، وما نصبوا إلاّ لتغييره، ولا منكر أعظم من ترك القبائل المذكورين على ما هم عليه من نقل الأخبار ومبايعة الكفّار، لأن ذلك مفض إلى هدم الإسلام، وقد قال العلماء- رضي الله عنهم- (من ترك أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من الولاة تجري على أحكام تخالف أحكام الكتاب والسنة فقد غشها)، وقال- عليه الصلاة والسلام-: "من غشّ أمّتي فعليه لعنة الله" وقال- أيضاً-: "إذا ظهرت البدع، وسكت العالم فعليه لعنة الله". وأما حكم المتخلّف عن الجهاد بعد أن استنفره الإمام: فلا يخفى عليكم قوله- تعالى-: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ... }، ولا يخفى عليكم قول "خليل": (وتعيّن بتعيين الإمام ... إلخ)، لأنّ الإمام حيث استنفرهم فقد

_ 1 - في نفس المصدر السابق: (فالحكم).

عينهم، فمخالفتهم عصيان لله ورسوله توجب عقوبتهم- بما تقدّم ذكره- فإن كانت عقوبتهم لا تتأتّى إلاّ بقتالهم قوتلوا، لأن عدم نفورهم رضا منهم باستيلاء عدوّ الدين. وأمّا مانع الزكاة: فتؤخذ منه إنْ تحققت عمارة ذمته ببيّنة أو إقرار ولو كرهاً، وأما غلبة الظن بتعمير ذمّته، فغاية ما توجبه عليه اليمين. وأمّا أرزاق الجيش: فقال "ابن منظور": (إذا عجز بيت المال عن أرزاق الجند وما يحتاج إليه من آلة الحرب، فيوزع على الناس ما يحتاج إليه من ذلك، ويستنبط هذا الحكم من قوله- تعالى-: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ... }، لكن لا يجوز ذلك إلاّ بشروط: أن يعجز بيت المال وتتعيّن الحاجة، وأن يصرفه الإمام بالعدل فلا يجوز أن يستأثر به دون المسلمين ولا ينفقه في سرف ولا يعطي من لا يستحق ولا أكثر ممّا يستحق، وأن يكون العزم على من كان قادراً من غير ضرر ولا إجحاف ومن لا شيء له أوله شيء قليل لا يغرم شيئاً، وأن يتفقدها في كل وقت فربّما جاء وقت لا يفتقر فيه لزيادة على مما في بيت المال، وكما يتعيّن التوزيع في المال فكذلك إذا تعيّنت الضرورة للمعونة بالأبدان- ولم يكف المال- فإن الناس يجبرون على التعاون بالأبدان بشرط القدرة وتعيّن المصلحة) اهـ. فإنْ قلت: قد ورد في الحديث الكريم أنّه قال- عليه الصلاة والسلام-: "لا يدخل الجنة صاحب مكس" أليست المغارم المذكورة من المكس المذكور؟. قلنا: ليست من المكس "لابن عرفة" إذ قال: (هو منع الناس من التصرّف في أموالهم بالبيع أو غيره ليختصّ المانع بنفع ذلك). وقال "أبو محمد المرجاني": (المكس أنّ يحجر السلعة بحيث لا يبيعها أحد غيره) وقال "الطيبي": (المكس الضريبة التي يأخذها العشار). قال الشيخ عبد القادر الفاسي: (فعلى تفسير الطيبي أخذ الفوائد في الأبوات والقاعات وأكثر الأسواق والرحاب مكس- وهو الذي كثر إستعماله في العرف-

وعلى تفسير المرجاني وابن عرفة ليس بمكس وإنّما هو غصب وظلم) اهـ. وقد علمت أنّ المغارم المذكورة ليست لنفع المانع بل النفع للمسلمين، ولذا اتفقوا على جوازها، وقال الفقيه الصالح "أبو القاسم بن خجو" في أواخر شرح "بيوع ابن جماعة" ما نصّه: (من البدع المحرمة التواطؤ على إهمال إقتناء الخيول لأهل القوة، واكتساب أنواع العدة والرماية التي بها يسيد الرجل ويصول، وترك التحفير والتحصين على ثغور المسلمين، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} والتحفير والتحصين من العدّة. قال الإمام ابن طلحة: (يلزم الإمام حمل الناس على الجهاد، فإنْ اتّكل على أن يتكفف الناس الجهاد بأنفسهم ضاع الباب وتهدّم الإسلام، إذ لا يتمّ الجهاد إلاّ بحمل الإمام الناس عليه، وأخذ أموالهم من وجهها ووضعها في جيوشهم، ويجبر أهل المال على كسب الخيول وآلة الحرب وسدّ الثغور) اهـ. فتأمّلوا- رحمكم الله- هذا التحريض على الاستعداد، وتدبّروه- مع ما مرّ - فيمن ترك أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - تجري على غير الكتاب والسنة ممّا وقع للمسلمين من الوهن عن القتال في تلك الأقطار- حتى استولى العدوّ على الثغور وبعض الأمصار- إلاّ من إهمال الاستعداد، وترك أوامر الله في زوايا الإهمال والاندثار، وهو- سبحانه تعالى- يقول: {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} 1 {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} 2 {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} 3 {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} 4، والتحريض والعلوّ والغلظة لا تكون إلاّ بالعدة والعدد وغير ذلك من كمال الاستعداد من تعليم الرماية للصغار والكبار وممارسة القتال، فلما أهملوا ذلك ولم يحملهم الإمام عليه، نبّه الله- سبحانه وتعالى- عدوّهم للعمل به

_ 1 - سورة الأنفال / آية 65. 2 - سورة التوبة / آية 123. 3 - سورة التوبة / آية 73. 4 - سورة محمد / آية 35.

ففاجأهم بالعدة والعدد- فبهتوا وخلت منه ثغورهم وقصورهم، ولم يتأخر عنهم ساعة فيستعدّوا ويثبتوا فندموا والله- وما نفع الندم- وتألموا في قلوبهم- وما نفعهم الألم فـ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، ولمثل هذا فليفعل العاملون. وأما مانع المعونة فهو باغ قطعاً لأنّه منع حقاً وجب عليه- كما تقدّم- فيجري عليه حكم البغاة، ويستعان بماله على قتاله، ويظهر غاية الظهور أنّه يؤخذ من ماله ما جهز به الإمام الجيوش التي قاتله بها، لأنّه ببغيه متسبب في إتلاف بيت المال فعليه ضمان ذلك في المال الذي بيده، وفي غيره، ولم أره مسطوراً إلاّ أنّه لا شكّ أنّ من تسبّب في إتلاف مال وجب عليه عزمه، ولعل هذا هو المستند في عدم ردّ الملوك اليوم أموالهم إليهم إذ الغالب أنّها لا تفي بما جهزوا به الجيوش المقاتلة، أو يقال مستندهم في ذلك سدّ الذريعة- على ما مرّ بيانه- وأيضاً فردّ أموالهم إنما هو إذا تأتى جمعها من الجيش ولم يخشى بغيهم بها ثانياً، وأيضاً قد تقدم أن العقوبة بالمال فيها نزاع ومال الباغي من ذلك قطعاً، بل ينبغي أن لا يدخلها الخلاف المتقدّم حيث رأى الإمام تضمينهم لما أفسدوه- أي تسبّبوا في إتلافه ببغيهم-، والقول بردّ أموالهم يحمل على ما إذا لم يرد الإمام تضمينهم، أو على أن الأئمة قالوا: (واستعين بمالهم عليهم) والاستعانة الحقيقيّة إنّها هي قبل القدرة عليهم، وهو قبلها لا تمكنه الاستعانة بمالهم لها- على الوجه المذكور- وهو: أن يجهز جيوشه ثم يضمنهم فذلك من الاستعانة قطعاً، وأمّا بعد القدرة فلا تتصوّر الاستعانة، لأنّه بعد القدرة لم يبق قتال بينهما يوجب الاستعانة بالمال، وأيضاً فإن الردّ مقيد بما إذا عُلِم أربابه، ولذا قال في (معاوضات المعيار": (يجوز شراء ما لم يُعْلم مالكه من الطعام الذي يجلبه الجيش من أمتعة الباغية) والله أعلم. وكتب عبد ربّه- تعالى- على التُّسولي، لطف الله به، آمين.

ملحق رقم (2)

ملحق رقم (2) تقييد التُّسولي على فتوى علماء فاس وردّ الجزائريين عليها 1 ــــــــــــــــــــــــــــــ لما فتح الروم ثغر الجزائر أعادها الله دار إسلام في الحرم سنة ست وأربعين ومائتين وألف، وغنموا سلطانها، وبقي ذلك الجو بلا أمير يجمع كلمتهم فدخلهم الرعب واختلّت الكلمة وغلب الفساد فيهم، فأتى رؤساؤهم وأهل الوجاهة منهم إلى أمير المؤمنين الآخذ لراية الكتاب والسنة باليمين، ظل الأمن والأمان مولانا عبد الرحمن سائلين منه الدخول في إيالته، وإجراء الأحكام فيهم بكلمته وسطوته، فاستشار- أيّده الله- قاضي هذه الحضرة الإدريسية وقتئذ وعلماءها فأفتوا بعدم قبولهم، لأن تلك إيالة أخرى وسلطانهم- وهو العثماني- سلطان إصطنبول لا زال قائماً موجوداً، فلما رأى علماء ذلك الجو وأهل الوجاهة منهم ما أفتى به قاضي فاس وعلماؤها كتبوا للسلطان المذكور- وهم يومئذ "بفاس"- ما نصّه: (ليعلم سيّدنا قطب المجد ومركزه، ومحل الفخر ومحرزه، أساس الشرف الباذخ ومنبعه، وبساط الفضل الشامخ ومجمعه، السلطان الأعظم الأمجد الأفخم، نجل الملوك العظام سيّدنا ومولانا عبد الرحمن بن هشام، أبقى الله سيّدنا للمسلمين ذخراً، ومنحه مودّة وأجراً، أن فتوى سادتنا علماء "فاس" مبنيّة على غير أساس، لأنّهم اعتقدوا أن في عنقنا للإمام العثماني بيعة، وهذا لو صحّ لكان علينا حجة، وليس الأمر كذلك وإنما له مجرد الاسم هنالك، وعامل الجزائر

_ 1 - أورده التُّسولي بتمامه في "الجواهر النفسية فيما يتكرر من الحوادث الغربية": 1/ 267 - أ، 268 - أ، وأورده السلاوي في الاستقصا: 9/ 27 - 29 ما ردّ به علماء الجزائر على فتوى علماء فاس في عدم قبول مبايعتهم.

إنّما كان متغلباً، وبالدين متلاعباً، فأهلكه الله بظلمه وتطاوله على عباد الله وجوره وفسقه، إنّ الله يمهل على الظالم حتى يأخذه، فإذا أخذه لم يفلته، ويدل على تغلبه وإستقلاله عدم وقوفه عند الأمر العثماني وإمتثاله، بل لا يكترث به أصلاً، ولا يتبع له قولاً ولا فعلاً، وقد أمره أن يعقد مع النصارى صلحاً فلم يقبل له قولاً ولا نصحاً، وطلب منه بعض الأموال ليستعين بها على ما حلّ به مع النصارى من الأهوال، فامتنع غاية الامتناع، ولم يمكنه من شبر منها فضلاً عن الباع، حتى أخذها العدوّ الكافر، وهذا جزاء كل فاسق فاجر، مال جمع من حرام سلّط الله عليه الأعداء اللّئام، وهذا كلّه من المتغلب متواتر مشاهد بالعيان، مستغن عن إقامة الدليل والبرهان، الناس كلهم عبيد الله وإماؤه، والسلطان واحد منهم ملّكه الله أمرهم إبتلاء وامتحاناً، فإن قام فيهم بالعدل والرحمة والإنصاف والاصلاح مثل سيّدنا- نصره الله- فهو خليفة الله في أرضه وظلّ الله على عبيده وله الدرجة عند الله- تعالى-، وإن قام فيهم بالجور والعسف والطغيان والفساد مثل هذا المتغلب فهو متجاسر على الله في مملكته، ومتسلّط ومتكبّر في الأرض بغير الحق ومتعرض لعقوبة الله الشديدة وسخطه، هذا وعلى فرض التسليم أن للعثماني في عنقنا بيعة، فلا تكون علينا حجة، لأنّه تباعد علينا قطره فلم يغن عنّا شيئاً ملكه، لما بيننا وبينه من المفاوز والقفار والبحار، والقرى والمدن والأمصار، وربما قرب محله من جهة البحر لكن منعه الآن من ركوبه الكفار، على أنّه ثبت بتواتر الأخبار البالغة حدّ الكثرة والانتشار أنّه مشتغل لنفسه ومقرّه عاجز عن الدفع عن إيالته القريبة من محلّه حتى أنّه هادن النصارى خمس سنين على عدد كثير من المئين، وأعطى فيهم منهم ضامن ليكون في المدة المذكورة على نفسه وحشمه آمناً، فكيف يمكنه مع هذا الدفاع عن قطرنا وناحيتنا وبلدنا، وأدل دليل على بعده عن هذا المرام خبر مصر ونواحي الشام، فقد استولى عليها أعداء الدين، مدة تزيد على الخمس سنين فلم يجد لهم نفعاً ولا ملك عنهم دفعاً حتى استعان بالعدوّ والكافر، والله- تعالى- قد يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.

هذا وقد نصّ الآبي في "شرح مسلم" - "مفصح عن مثل قضيتنا ومعلم-: (على أن الإمام إذا لم ينفذ في ناحية أمره جاز إقامة غيره فيها ونصره) 1، فانتظار نصرته يؤدي إلى الهلاك، كيف وقد تطاولت إليها الأعناق وتشوفت إليها من كل جانب العيون والأحداق، فأعرضنا عن الكل صفحاً وطوينا عنه الجواب كشحاً، مقبلين على عتبة باب سيّدنا- نصره الله- وسدّته، داخلين تحت طاعته، ملتزمين لخدمته متوافقين مع القبائل والأمصار، وأهل الرأي والاستبصار، لعلمنا أنّ سيّدنا- نصره الله- المتأهل في هذا الأمر العريق، الجدير بالإمامة الحقيق، كيف وقد ورثها كابراً عن كابر وإليه إنتهت المآثر والمفاخر، فنطلب من سيّدنا- نصره الله- أنّ يلتزم لنا بفضله من هذه البيعة القبول، مستشفعين بجاه جدّه الرسول- صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وصحابته المنتخبين وآخر دعوانا أنّ الحمد لله ربّ العالمين). قال التُّسولي: (انتهى ما كتبه علماء ناحية الجزائر للسلطان المذكور، ولما وقف عليه- أيّده الله ونصره- قبل بيعتهم ودخولهم في إيالته، وخالف ما افتى به فقهاء فاس، فلما سئلت عن النازلة بعد قدومي من الغيبة- لأني كنت غائباً وقت فتوى فقهاء فاس فلم احضر معهم- دعاني الحال إلى أن قيدت في شأنها ما نصّه: الحمد لله الباقي الذي لا يزول ولا يبيد، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد، الداعي إلى قتال كل جبار عنيد، وكفور صنديد، وعلى آله وأصحابه أولي السماحة والشجاعة، بلا مرية ولا تفنيد، وبعد: فلا يخفى أنّ هؤلاء القوم اعترتهم فتنتان، فتنة فيما بينهم، وفتنة عدوّ الدين، وما يقال من وجوب العزل في الأولى يقال في الثانية بالأحرى، إذ وزان ذلك حرمة ضرب الوالدين المأخوذة من حرمة تأفيفهما بالفحوى، وقد أجمعت الأمة على أنّه إذا التقى ضرران ارتكب أخفهما، قال في

_ 1 - أنظر: إكمال إكمال المعلم: 5/ 160.

"المواقف" 1 وشرحه: (وللأمة خلع الإمام وعزله لسبب يوجبه مثل أن يوجد منه ما يوجب اختلال أحوال المسلمين وانتكاس أمور الدين- كما كان لهم نصبه وأقامته- لانتظامهم وإعلائها، وإن أدى خلعه إلى الفتنة احتمل أي ارتكب أدنى المضرتين) 2 اهـ. ولا يخفى أن إمام هؤلاء بغفلته وعدم تفقدّه للأحوال مع مضيّ مدة يمكنه فيها التفقد- لو كان على البال- وقع منه غاية الاختلال، وانتكس الدين مع ذلك إلى وراء، ونبذ بالعراء، على أنّه معلوم ما فعله علماء إفريقية- وفيهم للأمة أسوة وقدوة- من عزل الغائب المعهود له من أبيه بالخلافة، وبيعة أخيه الموجود بالحضرة لما خشي في إنتظار الغائب من توقّع الفتنة، وإذا كان هذا مع التوقع فكيف به مع الوقوع؟!، الذي يراود عن التمسك بالوثقى والدين المتين. وقد قال ابن حزم- رحمه الله- في "مراتب الاجماع": (أجمعوا على أنّه لو نزل عدوّ الدين بساحة المسلمين، وقالوا إن لم تعطونا مال فلان استأصلناكم، لم يحل أن يعطوا ذلك، ولو خيف إستئصال المسلمين) 3 اهـ. ولا يخفى أن عدم مبادرة القوم لإقامة الإمام وبقائهم على الحال تمكين للعدوّ - دمّره الله- من الاستيلاء على الرقاب والأموال، إذ لا مقاتل يتعيّن ولا مدافع يتبيّن. كيف وهو قد استولى على أعظم الثغور، وصارت تخلى رعباً منه المنازل والدور، إن دام هذا ولم يحدث له تغيير لم يبك لميت ولم يفرح لمولود. وقد يقال على جهة التلميح: هؤلاء القوم اختلت كلمتهم وفسد نظامهم وكل من كان كذلك عظمت مفسدته بسفك الدماء ونهب الأموال واستيلاء

_ 1 - المواقف في علم الكلام لأبي الفضل عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي: عالم بالأصول والمعاني والعربية. من أهل "ايج" "بفارس"، ولي القضاء، وأنجب تلامذة عظاماً، وجرت له محنة مع صاحب كرمان، فحبسه بالقلعة، فمات مسجوناً سنة (756هـ). أنظر: السيوطى: بغية الوعاة: 2/ 75 - 76، كبرى زادة- مفتاح السعادة:1/ 169). 2 - أنظر: الإيجي- المواقف: 400. 3 - بحثت عنه في كتاب "مراتب الاجماع" ولم أقف عليه.

أعداء الدين، وكل من كان كذلك وجب عليه نصب الإمام ولا ينتظر من كان، ينتج أن هؤلاء يجب عليهم نصب الإمام، ولا ينتظرون من كان، فدليل الصغرى والوسطى المشاهدة، ودليل الكبرى ما تقدّم، ولك أنّ تجعل الوسطى صغرى وتكتفي بها. وبالجملة: فالنازلة لوضوح حكمها التحقت بضروريات العين، وصار إقامة الدليل عليها كإقامته على أنّ الواحد نصف الاثنين. ثم لا يخفى أنّ الكلام في العامل غير ضار، إذ لا علينا فيه عدل أو جار، سواء عزله الخليفة أو عليه ثار، وأيضاً فإنّ المتغلب تنعقد إمامته على الأصحّ دفعاً لفساده، إلاّ أنّه عاص بما فعله قاله: "سعد الدين التفتزاني" 1، إلاّ أنّه وإن تغلّب أو انعقدت إمامته بغير التغلب فقد وجب- لما مرّ- عدم مراعاتها. والسلام. علي التُّسولي- لطف الله به).

_ 1 - مسعود بن عمر عبد الله التفتازاني، سعد الدين: من أئمة العربية والبيان والمنطق، ولد "بتفتازان"، وأقام "بسرخس"، وأبعده تيمورلنك إلى سمرقند، من كتبه: "تهذيب المنطق" و"المطول" في البلاغة، و"المختصر"، اختصر به شرح تلخيص المفتاح" وغيرها، مات بسمرقند ودفن بسرخس سنة 793هـ). أنظر: السيوطى- بغية الوعاة: 2/ 285، الزركلي- الأعلام: 7/ 219.

الفهارس

الفهارس

فهرس الآيات

فهرس الآيات

فهرس الأحاديث

فهرس الأحاديث

فهرس المصطلحات الفقهية

فهرس المصطلحات الفقهية

_ الاجتهاد .................................................. 163 - 308 الاجماع .................................................. 158 - 159 - 160 - 161 - 162 - 168 - 305 الأحكام الشرعية .......................................... 154 - 164 - 308 الأحكام تدور مع الغالب وجوداً وعدماً ..................... 141 أخف الضررين .......................................... 139 - 140 - 147 - 163 - 247 الاستبراء ................................................ 173 استرقاق ................................................. 284 الاستنفار ................................................ 251 الاعشار ................................................. 28 الأمربالمعروف ........................................... 200 أهل الشرك والارتداد ..................................... 258 بدعة .................................................... 152 - 335 بيت المال ............................................... 311 - 336 التصيير ................................................. 58 التعزير .................................................. 127 - 153 - 163 التعيين .................................................. 279 التكاليف الشرعية ........................................ 315 - 321 التهمة ................................................... 168 التوسعة على الحكام ..................................... 113 الجريرة .................................................. 128 - 130 الجنايات ................................................ 152 الحجة الشرعية .......................................... 47 الحدود .................................................. 153 - 161 - 321 حق الآدمي ............................................. 157 - 168 الحق لله ................................................ 156 - 157 - 168

_ الخراج .............................................. 286 - 290 - 296 الخرص ............................................. 241 الدماء والحدود ....................................... 139 دية ................................................. 140 دين ................................................ 137 ذريعة .............................................. 136 - 254 الربا ............................................... 169 الركاز ............................................. 288 الرهن ............................................. 57 الزكاة ............................................. 28 الزواجر ........................................... 154 سد الذريعة ........................................ 131 - 137 - 138 - 140 - 172 - 173 - 175 - 169 - 311 - 338 الشهادة ........................................... 125 - 196 - 305 الشريعة .......................................... 153 الضرر .......................................... 57 الطلاق .......................................... 175 العتاق ........................................... 175 العرف ........................................... 182 العقاب الأخروي .................................. 118 العقوبة بالمال .................................... 152 - 153 - 154 - 158 - 161 - 168 - 312 - 336 علم الوثائق ...................................... 52 العلماء ........................................... 271 عمارة الذمة ....................................... 239 العون ............................................ 157 - 159 الغرم ............................................. 336 الغش ............................................ 245 الفتوى ........................................... 155 فرض العين ..................................... 206 - 263 - 275 - 280 - 285 فرض كفاية ..................................... 264 - 268 - 285

_ الفقه الاسلامي ..................................... 47 الفلس ............................................. 57 الفوائد ............................................. 334 الغيلة ............................................. 164 القذف ............................................ 162 - 186 القراض ........................................... 240 القضاء ........................................... 59 القود عين ........................................ 139 الكفارات .......................................... 159 الكفاف ........................................... 137 - 139 - 140 المتهم ............................................ 113 المصالح ......................................... 286 المصالح العامة .................................. 176 - 179 - 80 1 - 334 المصالح المرسلة ................................ 290 المضاربة ....................................... 28 المكس ......................................... 28 - 336 المماطل ....................................... 311 الناهب ........................................ 333 النسخ ......................................... 158 النصاب ....................................... 240 النكاح ......................................... 57 النهي عن المنكر .............................. 200 الوجوب ....................................... 279 الو كيل ....................................... 192 اليمين ........................................ 172 - 173

فهرس المصطلحات العسكرية والسياسية

فهرس المصطلحات العسكرية والسياسية

_ آلات الحرب .............................. 144 أجناد ..................................... 182 احتلال ................................... 30 - 57 الادالات .................................. 252 - 300 أرزاق الجيش ............................. 336 استعمار .................................. 23 استقلال .................................. 27 استنفار .................................. 74 - 204 الأسطول ................................ 23 - 24 اسوار ...................................... 251 الأسير ..................................... 147 الأعداء .................................... 308 الألوية ..................................... 214 الامام ..................................... 116 - 117 - 118 - 124 - 126 - 168 - 211 - 213 - 214 - 287 - 332 الأمراء ..................................... 27 - 332 الأنفاض ................................... 147 - 252 الباز ....................................... 69 البغاة ....................................... 104 البنب ....................................... 147 البيعة ....................................... 175 التحصين ................................... 337 التخلف عن الجهاد .......................... 335 التدخل المسلح .............................. 25 التدريب ..................................... 81 - 211 - 214

_ التلصص ........................ 178 تنطم الجيش ..................... 70 - 83 التنفيل ........................... 163 التهديد ........................... 216 التورية ........................... 233 الثغور ........................... 223 - 246 - 251 - 270 - 335 ثورة .............................. 23 الجاسوس ........................ 76 - 112 - 114 - 116 - 117 - 118 جزية ............................ 310 الجهاد ........................... 24 - 46 - 47 - 212 - 213 - 268 - 269 - 285 - 337 الجيش .......................... 26 - 62 - 147 - 271 الحدود .......................... 27 - 335 الحراسة ......................... 334 الحرابة .......................... 162 - 166 - 167 الحرب .......................... 211 - 214 الحربي .......................... 142 - 145 حرس ........................... 116 الحسام .......................... 65 الحسبة .......................... 40 حصن ........................... 219 الحصون ........................ 231 - 247 - 251 الحليف ......................... 130 - 136 حيلة ............................ 69 - 223 الخديعة ......................... 69 - 183 خلع الامام ...................... 342 الخليفة ......................... 219 الخونة ......................... 73 الخيل .......................... 67 - 142 - 334 دار الاسلام .................... 305 - 307

_ دار الحرب .............................. 305 - 307 الدفاع عن الوطن ........................ 39 - 102 - 340 الديوان ................................... 215 الربيئة ................................... 134 الرعية ................................... 196 الرماية ................................... 69 - 246 - 251 الرمي .................................... 67 الساحة الجهادية .......................... 62 سبي .................................... 310 السجن .................................. 112 - 135 سذ الثغور ............................... 248 السرايا ................................... 219 السروج .................................. 142 السكة ................................... 29 السلاح .................................. 26 - 142 - 146 - 148 - 149 السلب ................................... 155 - 156 السلطان ................................. 161 السنان ................................... 61 - 65 سهام ..................................... 225 السيف ................................... 152 الشكايات ................................. 198 الشهيد .................................... 258 شؤون الملك .............................. 72 الصلح .................................... 272 - 274 ضباط ..................................... 80 الطاغية .................................... 308 العتاد ....................................... 26 العدوّ ........................................ 334

_ العزل ......................................... 201 العسكر والعسكرية ............................. 67 - 68 - 213 - 222 - 223 - 233 العقوبة (بالأبدان، بالأموال) .................... 114 - 116 - 117 - 132 - 333 العهود ........................................ 46 العين ......................................... 240 الغازي ........................................ 212 الغزو ......................................... 26 - 208 - 229 - 267 الغصب والغصاب ............................ 112 - 114 - 113 - 118 - 124 - 168 - 333 الغفائر ....................................... 278 فيء ......................................... 307 القائد ........................................ 168 - 213 القتال ....................................... 69 - 314 القرصنة .................................... 23 القوات البحرية .............................. 23 - 28 الكتائب ..................................... 232 الكرّ ........................................ 222 كراع ........................................ 142 الكمين ...................................... 233 الكور ....................................... 147 مبايعة وبيعة ................................ 186 المتثاقلين ................................... 207 المتعدي .................................... 137 المتهم ...................................... 171 المجانيق ................................... 231 المحارب ومحاربة .......................... 109 - 110 - 112 المجاهد ................................... 212 المدافع .................................... 24 - 72 المراصد ................................... 113 - 334 مركب ..................................... 24

_ مزكي السر ........................ 201 المظلوم ............................. 185 المغيرني ........................... 103 مكيدة ............................. 211 - 225 - 235 - 270 الملّد .............................. 140 المهاميز ........................... 144 المهراس ........................... 67 - 69 المصاز ............................ 252 المؤامرات ........................ 25 موقعة ووقعة ...................... 25 - 26 - 27 الميثاق ............................. 46 - 227 النجدة ............................. 213 النمر ............................... 213 النفي ............................... 210 النفير ............................... 204 النهب .............................. 171 هجوم .............................. 26 الهدنة .............................. 143 الهزيمة ............................. 216 الولاة ............................... 332 - 335

فهرس الأشعار

فهرس الأشعار

فهرس الكتب الواردة في الكتاب

فهرس الكتب الواردة في الكتاب

_ أجوبة أبي الوليد ابن رشد ....................... 77 الأحكام ......................................... 129 أحكام القرآن .................................... 79 الاستقصا ....................................... 13 - 29 - 58 أسد الغابة ...................................... 12 الأعلام ......................................... 60 التقاط الدّرر .................................... 13 أنوار التنزيل ................................... 13 ايقاظ السريرة ................................... 13 - 60 بحر الأسانيد في صحاح المسانيد ............... 79 البداية والنهاية .................................. 12 البدر الطالع .................................... 13 البستان ......................................... 21 بغية الملتمس ................................... 12 البهجة في شرح التحفة .......................... 52 - 59 - 73 البيان والتحصيل ............................... 12 - 77 - 162 التاج والاكليل في شرح مختصر خليل .......... 77 تاريخ بغداد .................................... 12 تاريخ الجزائر العام ............................. 13 تبصرة الحكام .................................. 79 - 129 - 167 - 171 - 171 - 183 - 201 التحرير والتنوير ............................... 13

_ تحفة الأحكام ............................................................. 52 تحفة الزائر ............................................................... 13 تذكرة المجالس في علم المدافيع والمهاريس ................................. 69 ترتيب المدارك ............................................................ 12 تفسير البيضاوي .......................................................... 80 تفسير سور من القرآن ..................................................... 41 تفسير القرآن لابن النحاس ................................................ 80 تفسير القرطبي ........................................................... 80 - 265 تقاييد وطرر في النحو والفقه .............................................. 51 تقييد على آية: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون} ......... 41 التلقين ................................................................... 77 - 264 التمر المنصهر في روض المختصر ...................................... 41 التوضيح ................................................................. 12 - 13 - 77 - 133 - 147 جامع القرويين ............................................................ 13 الجامع لأحكام القرآن ...................................................... 13 - 80 الجامع لمحاسن اللّباب .................................................... 63 الجواب عن المولى الحسن ................................................ 51 جامع مسائل الأحكام ممّا نزل من القضايا للمفتين والحكام .................. 78 الجواهر المختارة .......................................................... 78 الجواهر النفيسة .......................................................... 41 - 43 حاشية على تفسير أبى السعود والبيضاوي ................................. 41 حاشية على شرح التاودي للامية الزقاق .................................... 57 حاشية على شرح تلخيص المفتاح ......................................... 41 دوحة الناشر .............................................................. 79 - 323 الديباج المذهب ........................................................... 12 ديوان ..................................................................... 41 الذخيرة ................................................................... 77 - 113 الرسالة ................................................................... 77 - 152 - 194 رسالة العبد الضعيف إلى السلطان الشريف ................................ 68

_ رسالة في مسألة حذف كلمة قال من السند ............................ 41 رسالة ميّارة .......................................................... 13 سراج الملوك ........................................................ 79 - 198 - 219 - 293 سلوة الأنفاس ........................................................ 13 - 59 سنن الدارمي ........................................................ 13 سنن أبي داود ....................................................... 79 سير أعلام النبلاء ................................................... 12 الشامل .............................................................. 12 - 13 - 133 - هـ 25 شجرة النور .......................................................... 13 - 59 الشرب المحتضر .................................................... 13 - 59 شرح ألفية ابن مالك .................................................. 51 شرح التاودي على التحفة ............................................. 53 - 57 - 59 شرح الزرقاني على خليل ............................................. 78 شرح الشامل لبهرام ................................................... 59 شرح العاصمية ...................................................... 44 شرح لامية الزقاق ................................................... 77 شرح مسلم .......................................................... 341 شرح الموطأ ........................................................ 189 شرح نظم بيوع ابن جماعة .......................................... 246 شرح نظم عمل فاس ................................................ 13 - 77 - 78 شفاء الصدور ...................................................... 79 - 268 صحيح البخاري .................................................... 79 صحيح أبي عوانة .................................................. 79 - 247 صحيح مسلم ....................................................... 79 - 169 - 188 - 247 الصلة ............................................................. 12 طبقات ابن سعد .................................................... 12 عارضة الأحوذي ................................................... 302 العاصمية .......................................................... 45 العتبية ............................................................. 78 - 127 - 179

_ عيون الاخبار .......................................................... 79 - 218 فتاوى التسولي .......................................................... 55 الفتاوى ابن رشد ........................................................ 12 فتاوى الزياتي ........................................................... 55 الفكر السامي ........................................................... 60 فلك السعادة الدائر بفضل الجهاد والشهادة ................................ 79 - 280 - 304 - 305 فهارس دار الكتب الوطنية .............................................. 13 - 73 فهرس الفهارس ......................................................... 13 فهرس المكتبة الأزهرية .................................................. 13 قصيدة في مدح المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .................... 51 قمع أهل الرعونة في اطلاق المكس ..................................... 51 القوانين الفقهية ......................................................... 13 - 78 - 276 قوت القلوب في معاملة المحبوب ....................................... 79 - 187 الكافي ................................................................. 12 - 78 - 249 - 277 كتاب الجهاد ........................................................... 79 - 265 الكشاف ............................................................... 13 - 80 - 121 - 122 - 207 - 246 - 269 - 317 كشف الظنون ......................................................... 13 كشف الغمة ........................................................... 62 المتيطية .............................................................. 78 - 157 - 334 المحرر الوجيز ........................................................ 13 - 80 مختصر ابن الحاجب ................................................. 13 - 78 مختصر خليل ........................................................ 13 - 55 - 78 - 145 - 170 مختصر ابن عرفة .................................................... 13 المدوّنة ............................................................... 78 - 142 مراتب الاجماع ....................................................... 342 المستدرك ............................................................ 79 المستصفى .......................................................... 78 - 286 مسند أحمد .......................................................... 79 مظاهر يقظة المغرب الحديث ........................................ 13

_ المعجم المفهرس ................................. 13 معجم المؤلفين ................................... 60 معلمة الفقه المالكي .............................. 13 المعيار الجديد ................................... 13 المعيار المعرب .................................. 13 - 78 - 143 - 178 - 182 - 273 - 309 - 313 مقامات .......................................... 51 المقامات الحمدونية ............................... 41 المقدمات ......................................... 12 - 78 - 303 المقصود في علمي العروض والقوافي .............. 41 مقمع الكفرة بالسنان والحسام ....................... 65 منتهى النقول ومشتهى العقول ..................... 51 منظومة في السير ................................ 41 المواقف في علم الكلام ............................ 342 مواهب الجليل .................................... 78 الموسوعة الحديثية ................................ 13 الموسوعة المغربية ................................ 13 الموطأ ........................................... 13 - 302 المولد ............................................ 305 ميزان الاعتدال ................................... 12 النبوغ المغربي .................................... 13 نشر المثاني ...................................... 13 نظم عمل فاس ................................... 78 نظم مقدمة ابن حجر ............................. 41 نفح الطيب ...................................... 13 النوادر والزيادات ................................. 78 - 239 نوازل البرزلي .................................... 12 - 13 - 78 - 166 نوازل الزياتي .................................... 78 - 116 نوازل القرويين ................................... 135 النهاية والتمام في معرفة الوثائق والأحكام .......... 78

_ نيل الابتهاج ................................. 13 وثائق الزياتي ................................ 54 وفيات الأعيان ............................... 79 هدية العارفين ................................ 13 - 59 همزية البوصيري ............................. 51 لامية علي بن القاسم الشهر بالزقاق ........... 58

فهرس الأعلام

فهرس الأعلام

_ الآبار 111 - 116 أبزى 226 الأبي 130 - 341 أحمد التجاني 40 أحمد بن حجر الهيثمي 84 أحمد بن حنبل 13 - 37 - 205 - 257 الأذفونش 231 أسماء بنت أبي بكر 322 أشهب 80 - 133 - 135 - 307 أصبغ 307 الأصبهند 226 أنس 267 الأوزاعي 282 اياس بن قبيصة الطائي 227 البارسلان 231 البخاري 194 - 302 البرزلي 13 - 159 - 161 - 165 - 335 البغدادي 13 - 59 بنعبد الله 13 - 132 بهرام 13 - 59 البوصيري 40 بيجو 27 البيضاوي 13 - 317 التاودي: محمد بن سودة 33 - 42 - 53 - 336 - 156 - 116 - 56 تدمير 230 التنبكتي 12 جابر بن عبد الله 259 جرجير 217 الجزولي 152 جعفر الكتاني 12 - 44 - 54 - 60 الجيلالي 12 - 72 حاجي خليفة 12 الحاكم 205 - 258 حامد ابراهيم 13 الحجوي 54 - 60 الحرالي 217 - 245 الحسن البصري 146 - 334 حسن حسني عمد الوهاب 83 الحطاب 53 - 59 - 250 الحفار 178 حمدون بن الحاج 33 - 39 - 44 الخضر- عليه السلام- 325

_ الخطيب البغدادي 12 خليل 13 - 53 - 116 - 133 - 269 - 311 - 336 خليل بن علي بن عبد السلام 38 - 57 الدارمي 13 الدكالي 39 - 55 الدمياطي 265 - 267 - 268 الدلائي محمد الحاج 18 الذهبي 12 الرباطي 179 الرجراجي 49 الرعيني 177 - 178 الرهوني 33 الزرقاني 80 - 151 الزركلي 60 - 72 زروق 80 - 250 الزمخشري 13 الزناتي: أبو عمران موسى بن أبي علي 305 الزياتي 43 - 55 - 56 زياد بن أبيه 298 الزياني 34 زيد بن أسلم 268 السامري 320 السجلماسي 13 سحنون 145 - 150 - 307 - 334 سعد بن أبى وقاص 156 - 201 السرقسطي 293 سعد الدين التفتزاني 341 سعيد بن عبد الرحمن الجمحي 322 سعيد بن عبد العزيز 282 سفيان الثوري 123 سليمان بن محمد 17 - 20 - 22 - 23 - 24 السمرقندي 257 سمرة بن جندب 304 السلاوي 12 - 21 - 24 - 28 - 52 الشاطبي 80 - 148 الشافعي 152 - 156 - 160 - 168 - 307 الشفشاوني 42 شقرون بن هبة 280 الشوكاني 12 شرويه 228 الصديقي 12 الضبي 12 الضحاك 260 طارق بن زياد 229 - 230 الطراني 205 - 209 - 257 الطرطوشي 197 - 214 - 235 - 248 - 296 الطيب بن كيران 33 - 40 - 42 الطيبي 294 - 336 عائشة 258 عبادة بن الصامت 205 عباس بن أحمد التاودي 42

_ عبد الباقي الزرقاني 133 عبد الرحمن الفاسي 161 - 333 عبد الرحمن بن هشام 9 - 17 - 72 - 81 - 100 عبد الرزاق 206 عبد السلام العلمي 35 عبد الصادق- ابن أخيه 50 - 51 عبد القادر بو خريص 56 عبد القادر بن شقرون 40 عبد القادر الفاسي 80 - 111 - 336 عبد القادر الكوهن 49 عبد الله بن الزبير 217 - 218 عبد الله السقاط 72 عبد الله العمري 195 عبد الله بن هارون 272 عبد الهادي العلوي 71 عبد الوهاب 264 عثمان بن عفان 216 - 268 العراقي 42 العربي الزرهوني 49 العربي الفاسي 154 - 155 - 162 - 279 - 335 عكرمة 247 علي بن أحمد 51 علي بن سليمان 23 علي بن أبي طالب 184 - 185 - 237 - 257 علي بن يوسف 292 عمار ذي الرياستين 41 عمران بن حصين 128 عمر بن الخطاب 178 - 179 - 201 - 211 - 291 - 306 عمر بن عبد العزيز 152 - 322 عمر الفاسي 56 عمرو بن العاص 298 عمرو بن عبدود 237 عياض 12 - 155 الغالي بن محمد اللجائي 66 الغفاري 136 الفاسي: أبو محمد علي بن محمد السوسي 51 قتادة 119 القرافي 113 - 173 - 182 - 186 القرطبي 13 - 119 - 265 - 277 - 321 قطري 226 قيصر 227 كحالة 60 كسرى 226 - 227 اللخمي 80 - 144 - 265 لذريق 230 المازري 132 - 149 - 277 - 279 - 305 مالك 12 - 13 - 142 - 182 - 185 - 305 المأمون 202 - 298 المأمون بن المنصور 30

_ مجاهد 119 محرز 80 - 193 - 195 محمد بن ابراهيم الدكالي 39 - 42 - 54 محمد بن أحمد الحبابي 35 محمد بن أحمد الخوجة 68 محمد بن أحمد السنوسي 49 محمد بن ادريس الوزير 63 محمد التاودي 58 محمد بن الشريف 18 - 19 محمد الطاهر ابن عاشور 13 محمد بن الطاهر الغربي الكافي 84 - 329 محمد بن عبد الرحمن 49 محمد بن عبد القادر 13 - 71 - 80 محمد بن الفضل ابن كيران 35 محمد الكتاني 12 - 39 - 44 - 55 - 59 محمد بن محمد بن أبي بكر الدلائي 18 محمد بن محمد بن الحسن 84 محمد بن محمد الشريف السوسي 167 محمد بن محمد بن عاصم الأندلسي 52 محمد المهدي بن الطالب بن سودة 70 مخلوف 12 - 54 - 81 مسلم 128 - 188 - 194 المقري 12 المكي بن قصابة 69 المنصور الذهبي 30 المنصور بن أبي عامر 221 - 222 - 223 المنوني 13 - 25 - 28 - 58 المهدي الوزاني 71 المهلب 225 - 226 المواق 148 - 216 - 218 - 290 موسى- عليه السلام- 325 موسى بن علي الوزاني 161 مولود المسكالي 50 المولى رشيد 19 المولى سليمان 20 - 21 - 22 - 23 المولى عبد الرحمن بن هشام 23 - 339 المولى محمد بن عبد الله 20 - 24 - 31 المولى مسلمة 20 - 21 المولى هشام 19 المولى يزيد 19 ميارة 13 - 53 - 59 - 80 - 111 - 146 - 152 - 155 - 167 - 334 نجم عبد الرحمن خلف 84 النووي 156 - 158 - 160 - 163 الهادي 237 هارون الرشيد 195 الوزاني 13 الونشريسي 13 - 159 - 173 اليازغي 40 يبورك بن عبد الله السملالي 135 يحيى السراج 146 يوسف بن تاشفين 290 يوسف الرسموكي 134 اليوسي 195 - 200

الكنى

_ الكنى أبو اسحاق الشاطبي 290 أبو أمامة 206 أبو بكر الصديق 209 أبو بكر الطرطوشي 189 - 191 أبو جعفر الداودي 154 أبو حامد الغزالي 286 أبو الحسن 180 - 181 أبو الحسن الزرويلي 180 أبو حنيفة 307 أبو داود 120 - 266 - 304 أبو طالب المكي 187 أبو العباس الشماع 152 أبو العباس الونشريسي 289 أبو عبد الله محمد بن يحيى بن الفرّاء 291 أبو عبد الله الورياجلي 323 أبو عمر بن عبد البر 265 أبو عمران الجريني 323 أبو عمران الفاسي 135 أبو عوانة 249 أبو العلاء العراقي 33 أبو القاسم البرزلي 152 أبو القاسم بن خجّو 145 - 160 - 161 - 337 أبو القاسم العميري 55 - 160 أبو القاسم بن أبى نعيم 176 أبو محمد المرجاني 294 - 295 - 336 أبو مدين 21 أبو القتدر بالله 224 أبو موسى الأشعري 306 أبو الوليد الباجي 291 أبو يزيد البسطامي 321 من نسب لأبيه ابن الأثير 12 ابن بشكوال 12 ابن بشير 80 - 227 ابن بونة 36 ابن تاشفين 231 ابن جابر 282 ابن جرير 260 ابن جزي 276 ابن الحاج: أبو عبد الله 308 - 309 ابن الحاجب 134 ابن حبيب 142 - 143 ابن حزم 342 ابن الخطيب 40 ابن خلكان 290 - 321 ابن رشد 115 - 158 - 159 - 160 - 162 - 163 - 183 - 307 - 309 ابن ردمير 215 ابن زكري 310

_ ابن أبي زيد 193 ابن أبي سرح 216 - 217 - 218 - 298 ابن سراج 148 ابن سعد 12 ابن سهل 171 ابن سيرين 322 ابن شاس 271 ابن طلحة 248 - 249 - 277 - 335 ابن الطيب الشرقي 34 ابن الطيب القادري 34 ابن عادل 281 ابن عاشور 13 - 81 ابن أبى عامر 299 ابن عبد الله 71 ابن عبد البر 12 - 276 ابن عباس 187 ابن العربي 108 - 126 - 129 - 132 - 139 - 301 - 307 ابن عرفة 13 - 124 - 130 - 162 - 249 - 264 - 272 - 279 - 294 - 295 - 337 ابن عزوز 68 ابن عساكر 267 ابن العطار 159 ابن عطية 13 - 119 - 283 ابن العقدة الأغصاوي 160 - 161 ابن عمر 265 - 322 ابن فتحون 224 ابن فرحون 130 - 131 - 132 - 139 - 175 ابن القاسم 80 - 132 - 135 - 139 - 143 ابن قيم الجوزية 158 - 160 - 163 ابن المبارك 282 ابن المصحفي 222 - 223 ابن منظور 288 - 290 - 336 ابن النحاس 208 - 225 - 234 - 235 - 236 - 265 - 267 - 269 ابن نصير 229 ابن هلال 181 - 182

فهرس المصادر والمراجع

فهرس المصادر والمراجع

_______ 1 - المخطوطة والمطبوعة

_______ أرسلان: الأمير شكيب (1366هـ) 7 - حاضر العالم الاسلامي (4 أجزاء)، نقله إلى العربية الأستاذ: عجاج نويهض، مطبعة عيسى البابي الحلبي- مصر (1352هـ). ابن أرويلة: قدور 8 - وشاح الكتائب وزينة الجيش المحمدي الغالب، تقديم وتحقيق: محمد بن عبد الكريم، طبع بالجزائر (1968م). ابن الأزرق: أبو عبد الله محمد بن علي (896هـ) 9 - بدائع السلك في طبائع الملك، تحقيق: د. علي سامي النشار، منشورات وزارة الأعلام - العراق- (1977م). الأزهري: محمد البشير ظافر (ت 1329هـ) 10 - اليواقيت الثمينة في أعيان مذهب عالم المدينة، مطبعة الملاجىء العباسية التابعة لجمعية العروة الوثقى- القاهرة- (1324هـ). الأصبهاني: أبو نعيم أحمد بن عبد الله (ت 430هـ) 11 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (10 أجزاء)، دار الكتاب العربي- بيروت- الطبعة الثانية (1387هـ - 1967م). الألباني: محمد ناصر الدين 12 - سلسلة الأحاديث الصحيحة (3 أجزاء)، الكتب الاسلامي- بيروت- الطبعة الثالثة (1403هـ -1983م). أمين: محمد فتحي 13 - قاموس المصطلحات العسكرية، الطبعة الثانية (بدون تاريخ). الأوزلي: سعيد بن علي 14 - أجوبة الزقاق، نسخة خطية بمكتبة: د. نجم عبد الرحمن خلف، رقم: (101). ابن اياس: محمد بن أحمد الحنفي (ت 930هـ) 15 - بدائع الزهور في وقائع الدهور (4 أجزاء)، الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة- الطبعة الثانية، مصوّرة عن الطبعة الأولى (1402 - 1404هـ / 1982 - 1984م).

_______ الايجي: عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد (ت 756هـ) 16 - المواقف في علم الكلام، عالم الكتب- بيروت- (بدون تاريخ). - ب - البخاري: محمد بن اسماعيل بن ابراهيم (ت 256هـ) 17 - الجامع الصحيح: أنظر فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر. البرزلي: أبو القاسم بن أحمد القيرواني (ت 844هـ) 18 - جامع مسائل الأحكام، نسخة خطّية بدار الكتب الوطنية بتونس، رقم (4851). البستاني: عبد الله اللبناني (ت 1348هـ) 19 - فاكهة البستان معجم لغوي مختصر من البستان، الطبعة الأميركانية- بيروت- (1930م). ابن بشكوال: خلف بن عبد الملك (ت 578هـ) 20 - الصلة (جزآن)، الدار المصرية للتأليف والترجمة (1966م). البغدادي: اساعيل باشا بن محمد الباباني (ت 1339هـ) 21 - إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (جزآن)، دار الفكر- بيروت- (1402هـ - 1982م). 22 - هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين (جزآن)، دار الفكر- بيروت- (1402هـ -1982م). البغوي: الحسين بن مسعود (ت 580هـ) 23 - شرح السنة، المكتب الاسلامي- مصر- (بدون تاريخ). البقلي: محمد قنديل 24 - التعريف بمصطلحات صبح الأعشى، الهيئة المصرية العامة للكتاب (1983م). البكري: أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز (ت 487هـ) 25 - المغرب في ذكر بلاد افريقية والمغرب، وهو جزء من كتاب المسالك والممالك. طبع بالجزائر (1857م).

_______ البناني: محمد بن الحسن (ت 1194هـ) 26 - حاشيته على الزرقاني في شرح خليل (8 أجزاء)، دار الفكر- بيروت- (بدون تاريخ) مطبوعة بهامش الزرقاني على خليل. بهرام: تاج الدين السلمي الدميري (ت 805هـ) 27 - الشامل، نسخة خطّية بدار الكتب الوطنية- تونس- رقم (1987/ 00699). البيضاوي: أبو سعيد عبد الله بن عمر (ت 685هـ) 28 - أنوار التنزيل وأسرار التأويل، المطبعة البهية المصرية- القاهرة- الطبعة الثانية (1344هـ -1925م). البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت 458هـ) 29 - السنن الكبرى (10 أجزاء)، دار الفكر- بيروت- (بدون تاريخ). - ت - التازي: د. عبد الهادي 30 - جامع القرويين (3 أجزاء)، دار الكتب اللبناني- بيروت- الطبعة الأولى (1972م). التاودي: محمد بن سودة (ت 1209هـ) 31 - شرح التاودي على لاميّة الزقاق، الطبعة التونسية الرسميّة (1304هـ). التبريزي: محمد بن عبد الله الخطيب العمري (ت 741هـ) 32 - مشكاة المصابيح، المكتب الاسلامي (بدون تاريخ). الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة (ت 279هـ) 33 - الجامع الصحيح (5 أجزاء)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار احياء التراث العربي- بيروت- (بدون تاريخ). التسولي: علي بن عبد السلام (ت 1258هـ) 34 - البهجة في شرح التحفة (جزآن)، المطبعة الخيرية- مصر- الطبعة الأولى (1304هـ).

_______ 35 - - الجواهر النفيسة فيما يتكرّر من الحوادث الغريبة، نسخة خطيّة بدار الكتب الوطنية بتونس، يوجد منها أربعة أجزاء فقط. أرقامها) 1/ 5354 - 2/ 5355 - 3/ 5356 - 4/ 5357. 36 - حاشيته على شرح التاودي للاميّة الزقاق، الطبعة التونسية الرسمية (1304هـ). تشرشل: شارل هنري 37 - حياة الأمير عبد القادر، ترجمه وعلّق عليه: د. أبو القاسم سعد الله، منشورات الدار التونسية للنشر (1974م). ابن تغري بردى: جمال الدين أبي المحاسن الأتابكي (ت 874هـ) 38 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (12 جزءا)، دار الكتب المصرية (1348 - 1375هـ). التنبكتي: أبو العباس أحمد بن أحمد بابا (ت 1036) 39 - نيل الابتهاج بتطريز الديباج، طبع بهامش الديباج المذهب، دار الكتب العلمية- بيروت- (بدون تاريخ). التهانوي: محمد علي الفاروقي (ت 1158هـ) 40 - كشاف اصطلاحات الفنون، تحقيق: د. لطفي عبد البديع، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة للطباعة والنشر- القاهرة- (1382هـ-1963م). ابن تيميّة: تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الحراني (ت 728هـ) 41 - مجموع الفتاوى (37 جزءا)، جمع وترتيب المرحوم عبد الرحمن بن محمد بن قاسم بمساعدة ابنه، مكتبة المعارف- الرباط- (بدون تاريخ)، أشرف على الطباعة والإخراج المكتب التعليمي السعودي بالمغرب. - ج - الجزائري: أحمد بن محيي الدين (ت 1320هـ) 4 - 2 - كيف دخل الفرنسيون الجزائر، نشره وقدّم له: د. صلاح الدين المنجد، منشورات دار الكتاب الجديد (بيروت 1962م).

_ الجزائري: الأمير عبد القادر (ت 1300هـ) 43 - ذكرى العاقل وتنبيه الغافل، تحقيق: د. ممدوح حقي، دار اليقظة العربية- بيروت- (1966م). 44 - المواقف في التصوّف والوعظ والإرشاد (3 أجزاء)، مراجعة وتصحيح لجنة من علماء دمشق، دار اليقظة العربية- دمشق (1386 - 1387هـ / 1966 - 1967م). الجزائري: الأمير محمد بن عبد القادر (ت 1331هـ) 45 - تحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر (جزآن)، المطبعة التجارية- الاسكندرية- (1903م). ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (ت 597هـ) 46 - صفة الصفوة (جزآن)، طبع بحيدر آباد- الهند- (1355هـ). أبو جيب: سعدي 47 - القاموس الفقهي، دار الفكر- دمشق- الطبعة الأولى (1402هـ -1982م). الجيلالي: عبد الرحمن بن محمد 48 - تاريخ الجزائر العام (5 أجزاء)، دار الثقافة- بيروت- الطبعة السادسة (1403هـ -1983م). - ح - ابن الحاجب: عثمان بن عمر (ت 646هـ) 49 - المختصر "جامع الأمهات"، نسخة خطّية، دار الكتب الوطنية بتونس، رقم (06450). الحاكم: محمد بن عبد الله (ت 405هـ) 50 - المستدرك على الصحيحين (4 أجزاء)، طبع بحيدر آباد- الهند- (1334هـ). ابن حبيب: أبو جعفر محمد البغدادي (ت 245هـ) 51 - المحبر، رواية أبي سعيد الحسن بن الحسين السكري، اعتنى بتصحيحه: د. ايلزه ليختن شتيتر، المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت- (بدون تاريخ).

_ ابن حجر: شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي العسقلاني (ت 852هـ) 52 - الإصابة في تميّز الصحابة (12 جزءا)، مكتبة الكليات الأزهرية- القاهرة- الطبعة الأولى (بدون تاريخ). 53 - تهذيب التهذيب (12 جزءا)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت- الطبعة الأولى (1404هـ - 1984م). 54 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (4 أجزاء)، طبع بحيدر آباد- الهند- (1950 - 1945م). 55 - فتح الباري في شرح صحيح البخاري (13 جزءا)، دار المعرفة للطباعة والنشر- بيروت- (بدون تاريخ). 56 - لسان الميزان (6 أجزاء)، طبع بحيدر آباد- الهند- (1331هـ). 57 - المطالب العالية في زوائد المسانيد الثمانية، مطبعة دار التراث الاسلامي، (بدون تاريخ). الحجوي: محمد بن الحسن الفاسي الثعالبي (ت 1376هـ) 58 - الفكر السامي في تاريخ الفقه الاسلامي (4 أجزاء)، ابتدأ طبعه بمطبعة دار المعارف بالرباط (1340) وكمّل بمطبعة البلدية بفاس (1345هـ). ابن أبي الحديد: عبد الحميد بن هبة الله (ت 656هـ) 59 - شرح نهج البلاغة لعلي بن أبي طالب، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت- (بدون تاريخ). حرب: د. أديب 60 - التاريخ العسكري والإداري للأمير عبد القادر (جزآن)، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع- الجزائر- الطبعة الأولى (1983هـ). حجي: د. محمد 61 - الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي، من تاريخ المغرب في القرن السابع عشر، المطبعة الوطنية- الرباط- (1384هـ -1964م).

_ الحطاب: أبو عبد الله محمد بن محمد المغربي (ت 954هـ) 62 - مواهب الجليل لشرح مختصر خليل (6 أجزاء)، دار الفكر- بيروت- الطبعة الثانية (1398هـ -1978م). حقي: احسان 63 - الجزائر العربية أرض الكفاح المجيد، المكتب التجاري- بيروت- الطبعة الأولى (1961م). ابن حنبل: الإمام أحمد (ت 241هـ) 64 - المسند (6 أجزاء)، دار الفكر- بيروت- (بدون تاريخ). - خ - الخازن: علي بن محمد بن ابراهيم البغدادي (ت 741هـ) 65 - لباب التأويل في معاني التنزيل، دار المعرفة للطباعة والنشر- بيروت- (بدون تاريخ). خرفي: د. صالح 66 - في ذكرى الأمير، المؤسسة الوطنية للكتاب- الجزائر- (1984م). الخطيب البغدادي: أبو بكر أحمد بن علي (ت 463هـ) 67 - تاريخ بغداد (14 جزءا)، مطبعة السعادة- مصر- الطبعة الأولى (1349 - 1931م). ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد (808هـ) 68 - المقدمة، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر- بيروت- الطبعة الثانية (1961م). ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد (681هـ) 69 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، دار الثقافة- بيروت- (8 أجزاء)، واعتمدت- أيضاً- طبعت مصر لسنة (1310هـ).

_ خليل: بن اسحاق ضياء الدين الجندي (ت 776هـ) 70 - التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (جزآن)، نسخة خطّية بدار الكتب الوطنية بتونس، رقم (1/ 6081 - 2/ 6082). 71 - المختصر الفقهي، المطبعة الأمنية البارونية- مصر- (1319هـ). - د - أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275هـ) 72 - السنن. أنظر: عون المعبود للعظيم آبادي. الداودي: شمس الدين محمد بن علي (ت 945هـ) 73 - طبقات المفسرين (جزآن)، تحقيق: علي محمد عمر، بمركز تحقيق التراث بدار الكتب - القاهرة- الناشر مكتبة وهبة، الطبعة الأولى (1392هـ-1972م). ابن أبي الدنيا: الإمام أبي بكر عبد الله بن محمد (ت 288هـ). 74 - الصمت وآداب اللسان، دراسة وتحقيق: د. نجم عبد الرحمن خلف، طبعة دار الغرب الاسلامي، الطبعة الأولى- بيروت- (1406هـ-1986م). الدياربكري: حسين بن محمد بن الحسن (ت 966هـ) 75 - تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس (جزآن)، مؤسسة شعبان للنشر والتوزيع- بيروت- (بدون تاريخ). - ذ - الذهي: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748هـ) 76 - تذكرة الحفاظ (4 أجزاء)، طبع بحيدر آباد- الهند- (1333 - 1334هـ). 77 - سير أعلام النبلاء (23 جزءا)، مؤسسة الرسالة- بيروت- الطبعة الأولى (1402هـ-1982م). 78 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال (3 أجزاء)، طبع بمصر (1325هـ).

_ - ر - الرازي: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر (ت بعد 666هـ) 79 - الصحاح، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت- الطبعة الثانية (1983م). ابن رحال: أبو علي الحسن المعداني (ت 1140هـ). 80 - كشف القناع عن تضمين الصناع، دراسة وتحقيق: د. محمد أبو الأجفان، المؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات- بيت الحكمة- الدار التونسية للنشر- تونس- (1986م). ابن رشد (الجد): أبو الوليد محمد بن أحمد (ت 520هـ) 81 - البيان والتحصيل والشرح والتعليل في مسائل المستخرجة (18 جزءا) من غير الفهارس، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب الاسلامي- بيروت- (1404هـ). 82 - الفتاوى (3 أجزاء)، تحقيق: الدكتور المختار بن الطاهر التليلي، دار الغرب الاسلامي. إدارة احياء التراث الاسلامي بقطر- الطبعة الأولى: (1407هـ -1987م). 83 - المقدمات، دار صادر- بيروت- طبعة جديدة بالأوفست، (بدون تاريخ). الريحاني: أمين 84 - المغرب الأقصى رحلة في منطقة الحماية الإسبانية، دار المعارف بمصر (1952م). - ز - الزاوي: الطاهر أحمد 85 - ترتيب القاموس المحيط (4 أجزاء)؛ الدار العربية للكتاب، الطبعة الثالثة (1980م). الزبيدي: محمد بن محمد الحسينى (ت 1205هـ) 86 - اتحاف السادة المتقين بشرح احياء علوم الدين (10 أجزاء)، دار الفكر- بيروت- (بدون تاريخ). 87 - تاج العروس من جواهر القامرس (10 أجزاء)، طبع بمصر (1306 - 1307هـ). الزرقاني: عبد الباقي بن يوسف (ت 1099هـ) 88 - شرح الزرقاني على مختصر خليل (8 أجزاء)، دار الفكر- بيروت- (بدون تاريخ).

_ الزركلي: خير الدين (ت 1396هـ) 89 - الأعلام لأشهر الرجال والنساء في العرب والمستعمرين والمستشرقين (8 أجزاء)، دار العلم للملايين- بيروت- الطبعة السادسة (1980م). زروق: أحمد بن محمد البرنسي الفاسي (ت 899هـ) 90 - شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني (جزآن)، طبع بمطبعة الجمالية- مصر- (1332هـ -1914م). الزمخشري: محمود بن عمر (ت 528هـ) 91 - الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل (4 أجزاء)، رتبه وضبطه: مصطفى حسين أحمد، مطبعة الاستقامة- القاهرة- الطبعة الأولى (1365هـ -1946م). زيدان: جرجي بن حبيب (ت 1332هـ) 92 - تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، مطبعة الهلال- مصر- (1910م). الزيلعي: عبد الله بن يوسف (ت 762هـ) 93 - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (4 أجزاء)، دار المأمون- مصر- الطبعة. الأولى (1357هـ - 1938م). - س - الساعاتي: أحمد بن عبد الرحمن البنا (ت بعد 1371هـ) 94 - منحة المعبود ترتيب مسند الطيالسي أبي داود، مطبعة المنيرية بالأزهر- القاهرة- (1372هـ) السبكي: تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب (ت 771هـ) 95 - طبقات الشافعية الكبرى (6 أجزاء)، طبع بمصر (1324هـ). السجلماسي: محمد ابن أبي القاسم (ت 1214هـ) 96 - شرح نظم عمل فاس لأبي زيد عبد الرحمن الفاسي (جزآن)، مطبوع على الحجر بفاس (1291هـ)

_ سحنون: عبد السلام بن سعيد التنوخي (ت 240هـ) 97 - المدونة الكبرى للإمام مالك (15 جزءا)، مطبعة السعادة- القاهرة (1323هـ). السخاوي: شمس الدين محمد بن عبد الرحمن (ت 902هـ) 98 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (12 جزءا)، طبع بمصر (1353هـ). 99 - المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، صحّحه وعلّق حواشيه: عبد الله محمد الصديق، وقدم وترجم للمؤلف: عبد الوهاب عبد اللطيف. الناشر مكتبة الخانجي بمصر- ومكتبة المثنى ببغداد- دار الأدب العربي للطباعة- القاهرة (1375هـ -1956م). السراج: الوزير محمد بن محمد الأندلسي (ت 1149هـ) 100 - الحلل السندسية في الأخبار التونسية، تحقيق: د. محمد الحبيب الهيلة، الدار التونسية للنشر (1970م). ابن سعد: محمد الزهري (ت 230هـ) 101 - الطقبات الكبرى (8 أجزاء)، مطبعة بريل بليدن- ألمانيا (من عام 1321 إلى 1325هـ). السلاوي: ابو العباس أحمد بن خالد الناصري (ت 1315هـ) 102 - الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى. طبع في مصر (1312هـ) في (4 أجزاء)، وطبعت دار الكتاب- الدار البيضاء- المغرب (1956م) في (9 أجزاء). السيد: فؤاد صالح 103 - الأمير عبد القادر الجزائري متصوّفاً وشاعراً، المؤسسة الوطنية للكتاب- الجزائر (1985م) السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن (ت 911هـ) 104 - الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية. دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى (1403هـ -1983م). 105 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة- (جزآن)، تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم، دار الفكر- بيروت- الطبعة الثانية (1399هـ -1979م).

_ 106 - - اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة (جزآن)، دار العرفة للطباعة والنشر، الطبعة الثانية (1395 - 1975م). 107 - جمع الجوامع (جزآن)، المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية- القاهرة (بدون تاريخ). 108 - الدار المنثور في التفسير بالمأثور (6 أجزاء)، المطبعة الاسلامية- طهران (1377هـ). - ش - ابن شاس: جلال الدين عبد الله بن نجم (ت 616هـ) 109 - عِقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة (3 أجزاء) طبع على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، تحقيق: د. محمد أبو الأجفان، أ. عبد الحفيظ منصور. بإشراف ومراجعة: الشيخ د. محمد الحبيب بن الخوجة، الشيخ د. بكر بن عبد الله أبو زيد، دار الغرب الاسلامي، ط الأولى، 1415هـ / 1995م. الشاطبي: أبو اسحاق ابراهيم الأندلسي (ت 790هـ) 110 - الفتاوى، تحقيق: د. محمد أبو الأجفان- مطبعة الكواكب- تونس- الطبعة الثالثة (1408هـ -1987م). الشطي: محمد جميل (ت 1379هـ) 111 - أعيان دمشق، المكتب الاسلامي، الطبعة الثانية (1972م). شلبي: أحمد 112 - مقارنة الأديان (4 أجزاء) مكتبة النهضة المصرية- القاهرة، الطبعة الخامسة (1978م). الشوكاني: محمد بن علي (1250هـ) 113 - البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، (جزآن)، طبع بمصر (1348هـ). 114 - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، تحقيق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، المكتب الاسلامي- بيروت، الطبعة الثالثة (1302هـ). 115 - نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار (8 أجزاء)، دار القلم- بيروت (بدون تاريخ).

_ شيت خطاب: محمود 116 - المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم (جزآن)، دار الفتح للطباعة والنشر- بيروت، الطبعة الأولى (1386هـ -1966م). الشيرازي: أبو اسحاق الشافعي (476هـ) 117 - طبقات الفقهاء، تحقيق: د. احسان عباس، دار الرائد العربي- بيروت، الطبعة الثانية (1401هـ - 1981م). - ص - الصديقي: محمد بن سعيد 118 - إيقاظ السريرة لتاريخ الصويرة- دار الكتاب- الدار البيضاء (بدون تاريخ). الصنعاني: محمد بن اسماعيل الأمير اليمني (ت 1182هـ) 119 - سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام (4 أجزاء)، تصحيح وتعليق: محمد بن عبد العزيز الخولي، دار الجيل للنشر والتوزيع- بيروت (1400هـ -1980م) - ض - الضبي: أحمد بن يحيى بن أحمد (ت 599هـ) 120 - بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس، دار الكتاب العربي- المكتبة الأندلسيّة (1967م). - ط - طاش كبرى زادة: أحمد بن مصطفى بن خيل الرومي الحنفي (ت 968هـ) 121 - مفتاح السعادة ومصباح السيادة (جزآن)، طبع في حيدر آباد- الهند (1329هـ). أبو طالب المكي: محمد بن علي الحارثي (ت 386هـ) 122 - قوت القلوب في معاملة المحبوب (4 أجزاء)، المكتبة الحسينية المصرية بالأزهر- القاهرة- الطبعة الأولى (1351هـ -1932م).

_ الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير (ت 310هـ) 123 - تاريخ الرسل والملوك (11 جزءا)، تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم، دار المعارف- القاهرة- الطبعة الرابعة (بدون تاريخ). الطرطوشي: أبو بكر محمد بن الوليد الفهري (ت 520هـ) 124 - سراج الملوك، مطبعة بولاق- مصر- (1289هـ). الطيالسي: سليمان بن داود بن جارود (ت 204هـ) 125 - المسند: أنظر: منحة المعبود- للساعاتي. - ع - ابن عاشور: الشيخ محمد الطاهر (ت 1393هـ) 126 - تفسير التحرير والتنوير (30 جزءا)، الدار التونسية للنشر- تونس- (1984م). ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد (ت 463هـ) 127 - الكافي في فقه أهل المدينة المالكي، تحقيق وتقديم وتعليق: الدكتور محمد محمد ولدماديك الموريتاني (جزآن)، الناشر مكتبة الرياض الحديثة- الرياض- البطحاء. بنعبد الله: عبد العزيز 128 - معلمة الفقه المالكي، دار الغرب الاسلامي- بيروت، الطبعة الأولى (1403هـ-1983م). 129 - الموسوعة المغربية للاعلام البشرية والحضارية (4 أجزاء)، مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية- المغرب- (1395هـ- 1975م). العتبي: محمد القرطبي (ت 255هـ) 130 - المستخرجة من الأسمعة المعروفة بالعتبية (18 جزءا)، تحقيق: د. محمد حجي، دار الغرب الاسلامى- بيروت (1404هـ-1984م). مطبوعة مع البيان والتحصيل لابن رشد. العجلوني الجراحي: اسماعيل بن محمد (ت 1162هـ) 131 - كشف الخفاء ومزيل الألباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس (جزآن)،

_ تصحيح وتعليق: أحمد القلاش، مؤسسة الرسالة- بيروت، الطبعة الثالثة (1403هـ-1973م). ابن عراق الكناني: أبو الحسن علي بن محمد (ت 963هـ) 132 - تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة (جزآن)، حققه وراجع أصوله وعلّق عليه عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصديق، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى (1399هـ-1979م). ابن العربي: أبو بكر محمد بن عبد الله المعافري (ت 543هـ) 133 - أحكام القرآن (4 أجزاء)، تحقيق: علي محمد البجاوي، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، الطبعة الثانية (1387هـ - 1967م). 134 - عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي (13 جزءا)، دار العلم للجميع (بدون تاريخ). ابن عرفة: محمد بن محمد الورغمي (ت 803هـ) 135 - المختصر الفقهي، نسخة خطية بدار الكتب الوطنية بتونس رقم (6351). ابن عذارى: المراكشي (ت نحو 695هـ) 136 - البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب (4 أجزاء)، تحقيق ومراجعة ج/س، كولان- ليفي بروفنسال، دار الثقافة- بيروت- الطبعة الثالثة (1983م). بوعزيز: د. يحيى 137 - الأمير عبد القادر رائد الكفاح الجزائري. الدار العربية للكتاب- تونس والشركة الوطنية للنشر والتوزيع- الجزائر (1983م). 138 - الجديد في علاقات الأمير عبد القادر مع اسبانيا وحكامها العسكريين بملية. بالاشتراك مع د. ميكيل دوابيالزا، دار البعث للطباعة والنشر، قسنطينة- الجزائر، الطبعة الأولى (1402هـ-1982م). ابن عسكر: محمد الحسني الشفشاوني (ت 986هـ) 139 - دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر، تحقيق: د. محمد حجي، الطبعة الثانية مصوّرة بالأوفست- الرباط (1397هـ -1977م).

_ ابن عطية: القاضي أبي الحق محمد بن غالب الأندلسي (ت 546هـ) 140 - المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: المجلس العلمي بفاس، وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية- المغرب- (1395هـ-1975م). عظيم آبادي: شمس الحق محمد (ت 1329هـ) 141 - عون العبود بشرح سنن أبي داود (13 جزءا)، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت- الطبعة الثالثة (1388هـ-1968م). عليش: محمد بن أحمد (ت 1299) 142 - منح الجليل في شرح مختصر خليل (9 أجزاء)، دار الفكر الطباعة والنشر- بيروت- الطبعة الأولى (1404هـ-1984م). ابن العماد: أبو الفلاح عبد الحي الحنبلي (ت 1089هـ) 143 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب (8 أجزاء)، دار الآفاق الجديدة- بيروت (بدون تاريخ). ابن العنابي: محمد بن محمود (ت 1267هـ) 144 - السعي المحمود في نظام الجنود، تقديم وتحقيق: د. محمد بن عبد الكريم الجزائري، المؤسسة الوطنية للكتاب- الجزائر (1983م). عياض: القاضي (ت 544هـ) 145 - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك (8 أجزاء)، تحقيق: د. محمد بن شريفة، وزارة الأوقات والشؤون الاسلامية- المملكة المغربية، طبع بأمر من الملك الحسن الثاني (بدون تاريخ). - غ - الغبريني: أحمد بن أحمد (ت 704هـ) 146 - عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية، طبع بالجزائر (1328هـ-1910م). الغزالي: أبو حامد (ت 505هـ) 147 - احياء علوم الدين، دار المعرفة- بيروت (بدون تاريخ).

_ 148 - - المستصفى من علم الأصول، تحقيق وتعليق الشيخ محمد مصطفى أبو العلا، مكتبة الجندي وشركة الطباعة الفنية المتحدة- القاهرة (1391هـ- 1971م). - ف - الفاسي: أبو عمران عبد الرحمن (ت 430) 149 - الفتاوى، نسخة خطيّة بمكتبة د. نجم عبد الرحمن خلف. رقم 110. ابن فرحون: برهان الدين ابراهيم (ت 799هـ) 150 - تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الحكام (جزآن)، المطبعة البهية بمصر (1302هـ). 151 - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، دار الكتب العلمية- بيروت (بدون تاريخ). الفيومي: أحمد بن محمد بن علي المقري (ت 770هـ) 152 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي (جزآن)، صحّحه: محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة عيسى البابي الحلبي وشركاه- القاهرة (1347هـ -1929م). - ق - القادري: عبد الله بن أحمد 153 - الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته، دار المنارة للنشر والتوزيع- جدّة- الطبعة الأولى- (1405هـ- 1985م). القادري: محمد بن الطيب عبد السلام الحسني (ت 1187هـ) 154 - نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني عشر (4 أجزاء)، تحقيق: الأستاذ محمد حجي والأستاذ أحمد التوفيق، دار الغرب للتأليف والترجمة والنشر- الرباط 155 - التقاط الدرر ومستفاد المواعظ والعبر من أخبار وأعيان المائة الحادية والثانية عشر، تحقيق: هاشم العلوي القاسمي، دار الآفاق الجديدة- بيروت- الطبعة الأولى (1403هـ-1983م).

_ ابن القاضي: أحمد بن محمد المكناسي (ت 1052هـ) 156 - لقط الفرائد من لفاظة حقق الفوائد في كتاب ألف سنة من الوفيات، تحقيق: الأستاذ محمد حجي، دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر- الرباط (1396هـ -1976م). ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري (276هـ) 157 - عيون الأحبار (4 أجزاء)، مطبعة دار الكتب المصرية، الناشر دار الكتاب العربي- بيروت (بدون تاريخ). القرافي: شهاب الدين أحمد بن ادريس الصنهاجي (ت 684هـ) 158 - الذخيرة (الجزء الأول) تحقيق التراث الفقهي- وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية - الكويت- مطبعة الموسوعة الفقهية، الطبعة الثانية مصوّرة بالأوفست عن الطبعة الأولى (1402هـ - 1982م). القرطبي: أبو عبد الله محمد الأنصاري (ت 671هـ) 159 - الجامع لأحكام القرآن (20 جزءا)، تصحيح أحمد عبد العليم البردوني، الطبعة الثانية (بدون تاريخ). القلقشندي: أبو العباس أحمد بن علي (ت 821هـ) 160 - صبح الأعشى في صناعة الأنشا (14 جزءا)، نسخة مصوّرة عن الطبعة الأميرية- وزارة الثقافة والارشاد القومي- المؤسسة المصرية للتأليف والترجمة والطباعة والنشر (سنة 1383هـ - 1963م). ابن القنفد: أحمد بن حسن الخطيب القسنطيني (ت 809هـ) 161 - شرف الطالب في أسنى المطالب في كتاب ألف سنة من الوفيات، تحقيق: الأستاذ محمد حجي- دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر- الرباط (1396 - 1976م). القيرواني: أبو محمد عبد الله بن أبي زيد (ت 386هـ) 162 - النوادر والزيادات، نسخة خطية بدار الكتب الوطنية- بتونس رقم (5770). - ك - الكتاني: جعفر بن ادريس الحسني (ت 1323هـ) 163 - اعلام أئمة الأعلام، مطبوع على الحجر بفاس (بدون تاريخ).

_ 164 - - الشرب المحتضر في رجال القرن الثالث عشر، طبع على الحجر بفاس (1309هـ). الكتاني: محمد بن جعفر بن ادريس (ت 1345هـ) 165 - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة، طبع في بيروت (1322هـ). 166 - سلوة الأنفاس (3 أجزاء)، مطبوع على الحجر بفاس. الكتاني: محمد عبد الحي بن عبد الكبير الأدريسي (ت 1382هـ) 167 - فهرس الفهارس والاثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات (جزآن)، الطبعة الجديدة الفاسية (1347هـ). ابن كثير: عماد الدين أبو الفداء اسماعيل بن عمر (ت 774هـ) 168 - البداية والنهاية (14 جزءا)، طبع في مصر (1351 - 1358هـ). 169 - تفسير القرآن العظيم (8 أجزاء)، تحقيق: د. محمد ابراهيم البنا، ومحمد أحمد عاشور، وعبد العزيز غنيم، دار الشعب- مصر. كحالة: عمر رضا 170 - اعلام النساء: في عالمي العرب والاسلام، مؤسسة الرسالة- بيروت- الطبعة الثالثة (1397هـ - 1977م) كرد علي: محمد بن عبد الرزاق (ت 1372هـ) 171 - خطط الشام (6 أجزاء)، الطبعة الثالثة (1403هـ -1983م)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات- بيروت، الناشر مكتبة النوري- دمشق. كنون: عبد الله 172 - النبوغ المغربي في الأدب العربي (3 أجزاء)، الطبعة الثالثة (1395هـ -1975م)، دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر- بيروت. - م - ابن ماجه: أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت 275هـ) 173 - السنن، حقّق نصوصه وعلّق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي- دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت (بدون تاريخ).

_ المازري: أبو عبد الله محمد بن علي التميمي (ت 536هـ) 174 - شرح التلقين، نسخة خطية بدار الكتب الوطنية بتونس، رقم (12209). الإمام مالك: أبو عبد الله الأصبحي الحميري (ت 179هـ) 175 - الموطأ (جزآن)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار احياء التراث العربي- بيروت (بدون تاريخ). المتقي الهندي: علي المتقي الهندي (ت 975هـ) 176 - كنز العمال، ضبطه: بكر حياني، صحّحه ووضع فهارسه: صفوت السقا، مؤسسة الرسالة- بيروت (1399هـ). 177 - منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، مطبوع بهامش مسند الإمام أحمد بن حنبل، دار الفكر- بيروت (بدون تاريخ). ابن مجاهد: أبو بكر أحمد بن موسى (ت 324هـ) 178 - السبعة في القراءات، تحقيق: د. شوقى ضيف، الطبعة الثانية- دار المعارف (بدون تاريخ). المحبّي: محمد أمين بن فضل الله الحموي الدمشقي (ت 1111هـ) 179 - خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (4 أجزاء)، دار صادر- بيروت- (لا تاريخ). مخلوف: محمد بن عمد (ت 1355هـ) 180 - شجرة النور الزكية، دار الكتاب العربي- بيروت- طبعة جديدة بالأوفست عن الطبعة الأولى (1349هـ) المطبعة السلفية ومكتبتها. المرنيسي: أبو العباس أحمد بن محمد (ت 1277هـ) 181 - جوابه عن حكم المال الذي ما يفرض على المسلمين لدفعه إلى الأعداء مقابل الصلح، نسخة خطّية بمكتبة د. نجم عبد الرحمن خلف، رقم 85. مسلم: أبو الحسين القشيرى النيسابوري (ت 261هـ) 182 - الصحيح، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار احياء التراث العربي- بيروت (1394هـ -1954م).

_ المقري: أحمد بن محمد التلمساني (ت 1041هـ) 183 - أزهار الرياض في أخبار عياض (4 أجزاء)، طبع ثلاثة منها بمصر (1358 - 1361هـ). 184 - نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب (4 أجزاء)، طبع في مصر (1302هـ). المنذري: عبد العظيم بن عبد القوى (656هـ) 185 - الترغيب والترهيب (4 أجزاء)، دار احياء التراث العربي- بيروت، الطبعة الثالثة (1388هـ -1968م). ابن منظور: محمد بن مكرم بن علي (ت 711هـ) 186 - لسان العرب، تحقيق: عبد الله علي الكبير، ومحمد أحمد حسب الله، وهاشم محمد الشاذلي دار المعارف- القاهرة- (بدون تاريخ). المنوني: محمد بن عبد الهادي 187 - مظاهر يقظة المغرب الحديث (جزآن)، دار الغرب الاسلامي- بيروت وشركة النشر والتوزيع، المدارس، الدار البيضاء، الطبعة الثانية (1405هـ -1985م). 188 - ورقات عن الحضارة المغربية في عصر بني مرين، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مطابع الأطلس- المغرب (1979م). المواق: أبو عبد الله محمد بن يوسف (897هـ) 189 - التاج والإكليل لمختصر خليل (6 أجزاء)، مطبوع بهامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب، دار الفكر- بيروت، الطبعة الثانية (1398هـ - 1978م) المهدي الوزاني: محمد بن محمد العمراني (ت 1342هـ) 190 - المعيار الجديد- المعرب عن فتاوى المتأخرين من علماء المغرب (11 جزءا)، طبع على الحجر بفاس (بدون تاريخ). ميارة: أبو عبد الله محمد بن أحمد (ت 1072هـ) 191 - رسالته في قتال المحاربين المتعرضين لقطع الطريق، نسخة خطّية ضمن مجموع بمكتبة د. نجم عبد الرحمن خلف رقم 86.

_ - ن - ابن ناجي: قاسم بن عيسى التنوخي (ت 837هـ) 192 - شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني (جزآن)، طبع بمطبعة الجمالية- مصر (1332هـ -1914م) مع شرح زروق على رسالة ابن أبي زيد القيرواني. ناصر: د. محمد 193 - منتخبات من شعر الأمير عبد القادر، المؤسسة الوطنية للكتاب- الجزائر (1984م). النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب (ت 303هـ) 194 - السنن، بشرح الحافظ السيوطي، وحاشية الإمام السندي (8 أجزاء)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت (بدون تاريخ). النووي: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف الدمشقي (ت 676هـ) 195 - تهذيب الأسماء واللغات (4 أجزاء)، طبع بمصر (بدون تاريخ). 196 - المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (8 أجزاء)، دار احياء التراث العربي- بيروت، الطبعة الثالثة (1404هـ -1984م). - هـ - الهروي: علي بن أبي بكر (ت 684هـ) 197 - التذكرة الهروية في الحيل الحربية، تحقيق: مطيع المرابط، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي- دمشق (1972م). الهيثمي: علي بن أبي بكر (ت 807هـ) 198 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (10 أجزاء)، دار الكتاب العربي- بيروت، الطبعة الثالثة (1402هـ -1982م).

_ - و - الونشريسي: أحمد بن يحيى (ت 914هـ) 199 - المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل افريقيا والأندلس والمغرب (13 جزءا) دار الغرب الاسلامي- بيروت (1401هـ- 1981م)، خرّجه جماعة من العلماء بإشراف د. محمد حجي. 200 - وفيات الونشريسي في كتاب ألف سنة من الوفيات، تحقيق: د. محمد حجي، دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر- الرباط (1396هـ-1976م). - ي - اليافعي: عبد الله بن سعد (ت 768هـ) 201 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان (4 أجزاء)، طبع في حيدر أباد الدكن- الهند (1337هـ-1339هـ). أبو يعلى: أحمد بن علي بن المثنى التميمي (ت 307هـ) 202 - المسند: حقّقه وخرّج أحاديثه: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث- دمشق وبيروت- الطبعة الأوله (1404هـ -1984م).

الفهارس والمعاجم

____ 2 - - الفهارس والمعاجم

المجلات والدوريات

_ 215 - - المعجم الوسيط (جزآن) مجمع اللغة العربية، مطبعة مصر، القاهرة (1380هـ -1960م). 216 - المنجد في الأعلام، تأليف عدّة من المستشرقين، مطبوع مع المنجد في اللغة، دار الشرق (المطبعة الكاثوليكية) بيروت، الطبعة الثانية (بدون تاريخ). 217 - موسوعة الأطراف الحديثتة (30 مجلداً) للشيخ حامد ابراهيم، والأستاذ محمد سعيد زغلول، طبع منها جزآن باسم محمد سعيد زغلول والباقي مخطوط، واعتمدت على صورتها في مكتبة الدكتور، نجم عبد الرحمن خلف.

§1/1