أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء

ماهر الفحل

مقدمة

مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد: فإن الحديث والفقه توأمان لا ينفكان؛ فإن جزءاً كبيراً من الفقه إنما هو ثمرة للحديث؛ ذلك لأن الحديث النبوي الشريف أحد المراجع الرئيسة للفقه الإسلامي؛ ومن هنا كان علم الحديث رواية ودراية من أشرف العلوم وأجلها، بل هو أجلها على الإطلاق بعد العلم بالقرآن الكريم الذي هو أصل الدين ومنبع الطريق المستقيم، فالحديث هو المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، بعضه يستقل بالتشريع، وكثير منه شارح لكتاب الله تعالى مبين لما جاء فيه قال تعالى: ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم (¬1)) . ومما لا خلاف فيه: ان الحديث النبوي الشريف لم يدون تدوينا رسميا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين؛ لذا فقد لقي من السلف والخلف عناية كبيرة، وجهدا مميزا كي لا ينضاف الى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس منه؛ لذلك نشأ بجانب علم الحديث رواية علم آخر يخدمه وهو ما أطلق عليه اسم: علم الحديث دراية، وهذا الأخير تندرج تحته علوم كثيرة، ومن تلك العلوم: علم العلل، وهذا الفرع ¬

(¬1) سورة النحل الآية 44

من فروع علم الحديث جليل المقدار؛ لأنه كالميزان في رد أو قبول الأخبار والآثار، ومعرفة هذا النوع من أدق فنون علم الحديث، وأكثرها تشعبا. ولم أقف على مصنف مستقل جمعت فيه جميع دقائق هذا الموضوع؛ وانما هي أبحاث في بعض جوانب الموضوع أو كتب لم تستوعب جميع موضوعات هذا العلم، ثم هي - في الغالب- قد اقتصرت على دراسة الموضوع من ناحية فن الحديث دون ربطه بعلم الفقه بواسطة نماذج لذلك. وقد دفعني ذلك الى التفكير في اختيار هذا الموضوع الممتع النافع المليء بالعوائد والفوائد لطالب الحديث والفقه. وبعد أن شجعني من استشرتهم من الأساتذة وحصلت موافقة الجامعة الموقرة عليه كان عملي فيه على النحو الآتي: حاولت حصر ما يعد علة عند المحدثين، وما يشبه ذلك عند الفقهاء مما يعد وجوده مانعا من العمل به؛ لذلك حاولت ما وسعني الجهد استقراء كلام علماء الحديث المتعلق بهذا الشأن في كتب التخريج والشروح والعلل والرجال، فيسر لي ذلك الوقوف على العلل التي تعل بها الأحاديث عند المحدثين، ودرست كل علة بحد ذاتها من حيث اقوال العلماء فيها، مع بيان ما يبدو لي أنه الراجح منها. ثم حاولت حصر ما يشبه ذلك عند الفقهاء، وهو ما يعده هذا الامام أو ذاك مانعاً من العمل بالحديث؛ وذلك لأن أثر اعلال الحديث عند المحدثين هو الامتناع عن استنباط الأحكام منه وبنائها عليه، فاذا وجد عند الفقهاء ما يمنع من العمل بالحديث وبناء الحكم عليه فان هذا يعد علة عندهم - لأن هذا أهم أثر لإعلال الحديث- وان كان ذلك لا يعد علة في اصطلاح المحدثين أو جمهورهم، وذلك كـ ((اعلال الحديث لمخالفته القواعد العامة، واعلال الحديث لمخالفة عمل اهل المدينة، واعلال الحديث لمخالفته القياس، واعلال رواية الراوي اذا خالفت فتياه، ونحو ذلك)) .

فهذه أعل بها بعض اهل العلم بعض الأحاديث، ولم يعتبرها آخرون عللا؛ لذلك ذكرتها على شكل علل وذكرت أقوال أهل العلم واتجاهاتهم فيها ومناقشاتهم لها. ومن هنا جاء الربط بين علم الحديث وعلم الفقه وأكدت هذا الربط بأن ذكرت بتفصيل مناسب نموذجا أو أكثر أبين فيه أثر هذه العلة أو تلك في اختلاف الفقهاء. هذا وقد اقتضت طبيعة البحث تقسيمه بعد هذه المقدمة الى أربعة فصول: خصصت الفصل الأول منها لبيان ماهية العلة وقضايا أخرى تتعلق بها، وقد تضمن هذا الفصل ستة مباحث: المبحث الأول: عرفت فيه العلة في اللغة واصطلاح المحدثين. والمبحث الثاني: ذكرت فيه نموذجا تطبيقيا للعلة. والمبحث الثالث: تكلمت فيه عن أهم الأسباب التي تكون الأحاديث معلة بسببها. وتكلمت في المبحث الرابع عن أقسام العلة باعتبار محلها وقدحها. وفي المبحث الخامس: تكلمت عن اهم الأمور التي ترفع العلة وتزيلها. وتكلمت في المبحث السادس عن أهمية معرفة علم العلل. أما الفصل الثاني: فقد خصصته لعلل السند. وقد اشتمل على تمهيد وأربعة مباحث: - تكلمت في التمهيد عن تعريف الإسناد وأهميته. وفي المبحث الأول: تكلمت عن الإنقطاع بأنواعه. وفي المبحث الثاني: ذكرت اعلال السند بتضعيف الراوي. والمبحث الثالث: تكلمت فيه: عن تفرد الراوي.

وفي المبحث الرابع: تكلمت عن انكار الأصل رواية الفرع. اما الفصل الثالث: فهو في علل المتن وقد تضمن سبعة مباحث: - المبحث الأول: الاعلال بالتعارض وقد تكلمت فيه عما يبدو من تعارض ظاهر بين النصوص الشرعية. والمبحث الثاني: الاعلال بالشك. والمبحث الثالث: اعلال خبر الآحاد بكونه مما تعم به البلوى، وذكرت فيه: أقوال اهل العلم ومناقشتها. والمبحث الرابع: في اعلال خبر الآحاد بمخالفته فتيا الصحابي الذي يرويه. والمبحث الخامس: في اعلال خبر الآحاد بمخالفته القياس. والمبحث السادس: في اعلال خبر الآحاد بمخالفته اجماع أهل المدينة. والمبحث السابع: اعلال خبر الآحاد بمخالفته القواعد العامة. وقد ذكرت آراء الفقهاء في كون هذا الأمر أو ذاك علة أو ليس بعلة، وبينت ما يبدو لي أنه الراجح منها. وأما الفصل الرابع: فقد خصصته للعلل المشتركة، التي تقع في الاسناد والمتن. وضمنته خمسة مباحث: المبحث الاول: الاعلال بالاضطراب والاختلاف. وتضمن هذا المبحث مطلبين: المطلب الأول: الاضطراب في الاسناد. والمطلب الثاني: الاضطراب في المتن. المبحث الثاني: الاعلال بالزيادة، وتكلمت فيه عن زيادة الثقة وذكرت اهم أقوال أهل العلم في قبولها وردها ثم ذكرت الرأي المختار.

والمبحث الثالث: الاعلال بالشذوذ. والمبحث الرابع: الاعلال بالادراج. والمبحث الخامس: الاعلال بالخطأ وما أشبهه. وقد مثلت لما ذكرته من علل وبينت أثر كل علة في اختلاف الفقهاء، وخرجت الأحاديث الواردة في الرسالة وذلك بالرجوع الى كتب الحديث المعتمدة عند المحدثين، وأطلت التخريج في كثير من المواضع؛ لأن موضوع العلل يستدعي ذلك؛ فان العلة لا تعرف الا بجمع طرق الحديث من مظانها. وقد عزوت أحاديث صحيح البخاري في الجزء والصفحة لطبعة دار الفكر التي تقع في ثلاثة مجلدات بتسعة أجزاء، وهي الطبعة المصورة عن الطبعة الأميرية، ثم اعقبت الجزء والصفحة برقم الحديث من فتح الباري بترقيم الاستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، وذلك لتداول هاتين الطبعتين في أيدي أهل العلم. وكذلك صنعت عند العزو لصحيح مسلم فقد عزوت الى الجزء والصفحة من الطبعة الاستانبولية، ثم اعقبت ذلك بالرقم من طبعة الاستاذ محمد فؤاد عبد الباقي؛ وذلك لأن هاتين الطبعتين أكثر تداولا. اما أحاديث سنن ابي داود وابن ماجه والترمذي فقد ذكرت الجزء والصفحة ورقم الحديث، وقد رتبت الكتب عند التخريج على وفيات المؤلفين. وقد حاولت بيان درجة الأحاديث الواردة في الرسالة مهتديا بأقوال الأئمة السابقين ومستعينا بقواعد الحديث التي وضعها الائمة الاعلام. وقد ترجمت للاعلام التي دار عليها الاسناد في هامش الرسالة ومن ذكر في الحديث زيادة أو اخطأ في الحديث أما بقية الاعلام فقد عملت لها تراجم وضمنتها ملحقا في آخر الرسالة.

أما الخاتمة فقد ضمنتها أهم النتائج. بعد هذا العرض أرى من الواجب علي ان اعبر بالثناء الجميل عما يكنه صدري من عرفان بالفضل لكل من مد اليَّ يد العون أثناء اعداد هذه الرسالة سواء بارشاد او هداية لمصدر أو تشجيع أو دعاء. وأخص بالذكر استاذي الذي أشرف على اعداد هذه الرسالة شيخي العلامة المحقق الامام الدكتور هاشم جميل. فقد خصني بالكثير من الجهد والوقت، وأمدني بتوجيه متواصل، ولا أملك شيئا يوازي فضله هذا الا الدعاء له بالعافية والعمر المديد والعطاء الدائم في الخير وأن يكمل الله تعالى له طريق الوصول الى مرضاته، ويجزل له المثوبة. كما أتوجه بالشكر الجزيل الى اساتذتي الأفاضل الذين تفضلوا بقبول مناقشة هذه الرسالة وتقويمها، وشرفوني بالنظر فيها، فجزاهم الله تعالى عني خير الجزاء. وختاما فإن هذا هو جهدي المتواضع الذي ارجو من الله تعالى له القبول، فقد بذلت فيه ما وسعني من جهد، فان وفقت فيه فلله تعالى الفضل والمنه، وان كان غير ذلك فحسبي أني حاولت الوصول الى خدمة هذا الدين عن طريق الربط بين الفقه الاسلامي وبين علم من أهم علوم الحديث النبوي الشريف، والرب سبحانه وتعالى يثيب على القصد ويعفو عن الخطأ. فأسأله سبحانه وتعالى ان يجنبنا الزلل ويرشدنا الى الصواب ويوفقنا الى ما يحبه ويرضاه. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم باحسان الى يوم الدين.

الفصل الأول: ماهية العلة وقضايا أخرى تتعلق بها

Conclusion A suitable lexical definition adopted by the narrators to identify the word "cause" or "reason" is ailment because any hadith being explicitly sound might be refuted. Unimously the cause is considered as an implicit factor. The narrators refer to the cause and admit that no cause otherwise is observed can be considered as a clear-cut restriction to define the sound hadith (Al-sahih) . Thus they include the "cause" to refer to the idiomatic meaning. It is the actual , critical cause. In criticizing the hadith , they use the "cause" to refer to the reason of AL-hadith ailment,explicit or implicit, critical or not which has its counterpart by the narrators. The cause is defined idiomatically by following all the methods and by comparing AL-hadith contents and its series of narrators. To spot out any defect in weak hadith needs precise approach parallel to the efforts exerted in evaluating the geniune hadith. Singularity is not a cause by itself but might be a cause of certain effect. it helps in outlining the cause and underline the mistakes. The fake like the coordinators, the deserted and the charged don't need any follow-up procedures because their singularity is enough to convict them. If a weak hadith is accepted by the scientists (Scholars) , it is a ccepted and followed without changing its identify , i. e. , into sound hadith. This field of knowledge is like a scale to indicate the right from the wrong and the true from the fals. Some hadiths can be crossed by acquentence. Suspicion is not a cause in hadith but the scholars may check a word or term. Enhancement of confidence is acceptable unless proved otherwise. The causes in the content is the outcome of the scientists' conditions.Most of them are due to justification. It means that some of them depend on the cross reference basis rather than the singularity basis especially if the singularity depends on the problem or contradicts with a hadith narrated by a companion. Or,some scientists believe in depending on general rules or the behaviour of AL- Madina citizen on rather than singularity. Thus,it is very important to encourage all studies which link different fields of AL- hadith sciences to jurisdication and its sources.Then, may Allah prays on his prophet Mohammed and on his relatives and companions. الفصل الأول: ماهية العلة وقضايا أخرى تتعلق بها وفيه ستة مباحث المبحث الأول: تعريف العلة. المبحث الثاني: نموذج تطبيقي للعلة. المبحث الثالث: أسباب العلة. المبحث الرابع: أقسام العلة باعتبار محلها وقدحها. المبحث الخامس: ما تزول به العلة. المبحث السادس: أهمية معرفة العلة. المبحث الأول: تعريف العلة وفيه مطلبان: 1- المطلب الأول: تعريف العلة لغة. 2- المطلب الثاني: تعريف العلة اصطلاحا. المطلب الأول: تعريف العلة لغة عل - بلام مشددة مفتوحة -: متعد ولازم، نقول فيهما: عل يعل - بضم العين وكسرها - ومصدرهما: علا. وأعله الله: أي: أصابه بعلة. والعلة: المرض، وحدث يشغل صاحبه عن وجهه، كأن تلك العلة صارت شغلا ثانيا منعه من شغله الأول. وعلله بالشي تعليلا، أي: لهاه به كما يعلل الصبي بشيء من الطعام عن اللبن (¬1) قال ابن فارس: ((عل: أصول ثلاثة صحيحة: أحدها: تكرار أو تكرير، والثاني عائق يعوق، والثالث: ضعف في الشيء: فالأول العلل وهو الشربة الثانية، ويقال علل بعد نهل ويقال أعل القوم اذا شربت ابلهم عللا. قال ابن الأعرابي في المثل: ما زيارتك ايانا الا سوم عالة أي: مثل الابل التي تعل. وانما قيل هذا لأنها اذا كرر عليها الشرب كان أقل كشربها الثاني. ¬

(¬1) مختار الصحاح: 451

والثاني: العائق يعوق؛ قال الخليل: العلة حدث يشغل صاحبه عن وجهه، ويقال: اعتله كذا أي اعتاقه، قال: فأعتله الدهر وللدهر علل. والثالث: العلة المرض، وصاحبها معتل، قال ابن الاعرابي: عل المريض يعل فهو عليل)) (¬1) والمعل: اسم مفعول من أعله: أنزل به علة فهو معل، يقولون: لا أعلك الله أي لا أصابك بعلة، والحديث الذي اكتشفت فيه علة قادحة هو معل لأنه ظهر أنه مصاب بتلك العلة (¬2) . وبهذا يتضح أن أقرب المعاني اللغوية لمعنى العلة في اصطلاح المحدثين هو: المرض؛ وذلك لأن الحديث الذي ظاهره الصحة اذا أكتشف الناقد فيه علة قادحة فان ذلك يمنع من الحكم بصحته. وقد أطلق بعض العلماء على الحديث ((المعل)) اسم: الحديث ((المعلول)) وأطلق بعضهم عليه اسم الحديث: ((المعلل)) . وقد أعترض النووي على تسميته بـ ((المعلول)) وقال: ((هو لحن)) . (¬3) وذلك لأنه مأخوذ من: أعله: يعله، فاسم المفعول منه: معل. مثل: أضره يضره، فاسم المفعول منه: مضر (¬4) . وقد اعترض السيوطي على التسميتين؛ فأيد النووي في قوله: ان التسمية بـ (المعلول)) لحن، وقال: لأن اسم المفعول من أعل الرباعي لا يأتي على مفعول. ¬

(¬1) معجم مقاييس اللغة: 4/13-15. (¬2) لسان العرب مادة ((علل)) . (¬3) التقريب مع التدريب 1/251. (¬4) شرح البيقونية في مصطلح الحديث لابن عثيمين 115.

المطلب الثاني: تعريف العلة اصطلاحا

ثم اعترض على التسمية بـ ((معلل)) فقال: الأجود فيه ((معل)) بلام واحدة؛ لأنه مفعول أعله قياسا، واما ((معلل)) فمفعول علل؛ وهو لغة بمعنى: ألهاه بالشيء وشغله، وليس هذا الفعل بمستعمل في كلامهم (¬1) . المطلب الثاني: تعريف العلة اصطلاحا عرفها الحافظ ابن الصلاح بقوله ((هي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه)) (¬2) . وعرفها النووي بقوله: ((عبارة عن سبب غامض قادح مع أن الظاهر السلامة منه)) (¬3) . وبهذا يتضح لنا أن العلة شيء خارج عن الجروح الموجهة الى رجال الاسناد؛ وذلك لأن ميدان التعليل انما هو الأحاديث التي ظاهرها الصحة، ولذلك يقول الحاكم: ((وانما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل)) (¬4) . ويقول ابن الصلاح: ((المعلل، هو الذي أطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منها، ويتطرق ذلك الى الاسناد الذي رجاله ثقات الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر)) . (¬5) وكل من جاء بعد ابن الصلاح وعرف المعل اشترط فيه خفاء العلة وكونها ¬

(¬1) تدريب الراوي 1/251 , قال العراقي في شرح التبصرة 1/225: ((والأجود في تسمية المعل)) (¬2) علوم الحديث ص81. (¬3) التقريب مع التدريب 1/252. (¬4) معرفة علوم الحديث ص112. (¬5) علوم الحديث ص81.

قادحة: كالطيبي (¬1) والعراقي (¬2) والسيوطي (¬3) وأبي الفيض محمد بن محمد بن علي بن فارس (¬4) وغيرهم. لكننا مع ذلك نجد بعض العلماء يطلق العلة ويريد بها ما هو أعم من ذلك؛ حيث يدخل فيها العلة الظاهرة، والعلة غير الظاهرة؛ فهذا الحافظ ابن الصلاح يقول: ((ثم اعلم انه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة الى حال الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة؛ وكذلك تجد في كتب العلل الكثير من الجرح بالكذب والغفلة وسوء الحفظ ونحو ذلك من أنواع الجرح، وسمى الترمذي النسخ علة (¬5) من علل الحديث ثم ان بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف نحو ارسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط)) (¬6) . وقال الحافظ ابن حجر: ((والعلة أعم من أن تكون قادحة أو غير قادحة خفية أو واضحة)) (¬7) . ¬

(¬1) الخلاصة ص70. (¬2) شرح التبصرة 1/226 (¬3) التدريب 1/252. (¬4) جواهر الأصول ص48 (¬5) وكذلك ابن أبي حاتم كما يعلم ذلك من صنيعه في علله. أنظر حديث رقم (114) و (246) ولم يرتض العراقي هذا الاطلاق؛ وذلك أن الترمذي ان أراد النسخ علة في العمل فهو كلام صحيح مقبول أما ان أراد انه علة تقدح في صحة الحديث أو في صحة نقله ذلك غير مقبول لأن في كتب الصحيح احاديث كثيرة صحيحة منسوخة. انظر شرح التبصرة والتذكرة 1/239. (¬6) علوم الحديث ص84. (¬7) النكت 2/771.

وقد ذكر الصنعاني ما يدل على أن تقييد العلة بكونها خفية قادحة هو عنده قيد أغلبي، حيث قال: ((وكأن هذا التعريف أغلبي للعلة، والا فانه سيأتي أنهم يعللون بأشياء ظاهرة غير خفية ولا غامضة)) (¬1) . أقول: ومن ينظر في كتب الشروح والتخريج والعلل يجد اطلاق لفظ العلة والمعلول والمعل على كثير من الأحاديث التي فيها جرح ظاهر وقد قمت باستقراء كتاب علل ابن ابي حاتم وأشرت على الأحاديث التي أعلت بالجرح الظاهر فوجدتها كثيرة العدد يزيد مجموعها عن مائتين وسبع وأربعين حديثا فقد أعل بالانقطاع سبعة وعشرين حديثا، هي الأحاديث التالية: ((23، 24، 26، 57، 74، 87، 108، 119، 127، 132، 140، 143، 164، 214، 550، 594، 622، 724، 753، 765، 903، 905، 1220، 1259، 1352، 1357، 1371) . وقد أعل بضعف الراوي مائة وثلاثة وأربعين حديثا هي: (36، 53، 73، 97، 98، 99، 100، 102، 105، 106، 109، 112، 113، 125، 137، 146، 151، 176، 200، 208، 217، 250، 281، 285، 309، 321، 324، 336، 361، 382، 421، 449، 500، 507، 515، 548، 561، 565، 609، 641، 645، 727، 735، 743، 757، 766، 783، 854، 855، 899، 906، 911، 954، 959، 988، 1053، 1061، 1095، 1156، 1189، 1208، 1228، 1235، 1241، 1270، 1285، 1300، 1446، 1473، 1496، 1505، 1515، 1516، 1529، 1575، 1629، 1637، 1657، 1733، 1738، 1764، 1814، 1848، 1852، 1859، 1860، 1892، 1922، 1924، 1936، 1978، 1998، ¬

(¬1) توضيح الأفكار 2/27.

2016، 2017، 2031، 2035، 2047، 2087، 2101، 2108، 2130، 2142، 2178، 2213، 2235، 2247، 2250، 2259، 2270، 2279، 2292، 2293، 2308، 2346، 2352، 2364، 2367، 2385، 2400، 2405، 2435، 2441، 2458، 2460، 2463، 2473، 2475، 2479، 2480، 2490، 2533، 2541، 2551، 2581، 2616، 2643، 2663، 2724، 2759، 2763، 2800، 2811، 2818)) . وقد أعل بالجهالة ثمانية وستين حديثا هي: (89، 129، 149، 180، 314، 342، 345، 356، 417، 441، 459، 476، 701، 839، 1059، 1070، 1071، 1088، 1108، 1124، 1152، 1257، 1262، 1311، 1346، 1484، 1485، 1487، 1556، 1579، 1581، 1638، 1689، 1711، 1714، 1760، 1798، 1812، 1829، 1831، 1832، 1838، 1866، 1878، 1882، 1889، 1966، 2009، 2014، 2151، 2179، 2207، 2286، 2321، 2333، 2349، 2354، 2382، 2383، 2443، 2451، 2477، 2591، 2597، 2618، 2670، 2678، 2735) . وقد أعل بالاختلاط خمسة أحاديث هي: (279، 465، 569، 1233، 2220) . وقد أعل بالتدليس أربعة أحاديث هي: (2119، 2255، 2275، 2579) . وكذلك نجد في كلام كثير من جهابذة العلم اطلاق العلة على الجرح الظاهر كما في نصب الراية للزيلعي، الجزء الثالث ص 85 و 239 و 358 و 370 و 287 و 431. والجزء الرابع ص 47. وفي كلام ابن القيم كما في زاد المعاد 1 /177 و 244.

وكذلك وقع في كلام الحافظ ابن حجر: اعلال بعض الأحاديث بالعلة الظاهرة كما في التلخيص الحبير ج1/25 و 62 و 67 و 88 وج2/47، وفتح الباري ج1 /83 وج2/446 وأنظر سبل السلام 1/69 و 72 و 75. وقد أشرت فيما سبق الى أن الصنعاني قد عد تقييد العلة في التعريف بكونها خفية قادحة قيدا أغلبيا.. وقد قال الحافظ ابن حجر (¬1) ((ان الضعف في الراوي علة في الخبر والانقطاع في الاستاد علة في الخبر، وعنعنة المدلس علة في الخبر وجهالة حال الراوي علة في الخبر)) . وفي حوار مع استاذي العلامة الدكتور هاشم جميل قد تنبهت الى امر آخر، وهو: ان المحدثين اذا تكلموا عن العلة باعتبار ان خلو الحديث منها يعد قيدا لا بد منه لتعريف الحديث الصحيح. فانهم في هذه الحالة يطلقون العلة ويريدون بها المعنى الاصطلاحي الخاص، وهو: السبب الخفي القادح. واذا تكلموا في نقد الحديث بشكل عام فانهم في هذه الحالة يطلقون العلة ويريدون بها: السبب الذي يعل الحديث به: سواء كان خفيا أو ظاهرا قادحا أو غير قادح. وهذا توجد له نظائر عند المحدثين، منها: المنقطع (¬2) : فهو بالمعنى الخاص: ما حصل في اسناده انقطاع في موضع أو في أكثر من موضع لا على التوالي. هذا المصطلح نفسه يستعمله المحدثون أيضا استعمالا عاما فيريدون: كل ما حصل فيه انقطاع في أي موضع في السند كان، فيشمل: المعلق (¬3) ، وهو: الذي حصل فيه انقطاع في اول السند. ¬

(¬1) النكت 1/407 (¬2) أنظر تعريفه علوم الحديث ص51 وما بعدها. (¬3) أنظر تعريفه علوم الحديث ص20.

المبحث الثاني: نموذج تطبيقي للعلة

والمرسل (¬1) ، وهو: الذي حصل فيه انقطاع في آخر السند. والمعضل (¬2) ، وهو: الذي حصل فيه انقطاع في أثناء السند باثنين فأكثر على التوالي. ويشمل أيضا المنقطع بالمعنى الخاص الذي ذكرناه (¬3) . وهكذا نرى أن مصطلح المنقطع يستعمله المحدثون استعمالا خاصا في المنقطع الاصطلاحي، ويستعملونه استعمالا عاما في كل ما حصل فيه انقطاع فيشمل المنقطع الاصطلاحي، والمعلق، والمرسل، والمعضل. وعلى هذا المنوال جرى استعمالهم لمصطلح العلة؛ فهم يستعملونه بالمعنى الاصطلاحي الخاص، وهو: السبب الخفي القادح، ويستعملونه استعمالا عاما، ويريدون به: كل ما يعل الحديث به فيشمل العلة بالمعنى الاصطلاحي، والعلة الظاهرة، والعلة غير القادحة. المبحث الثاني: نموذج تطبيقي للعلة قد أشرت فيما سبق: الى أن المعنى الاصطلاحي الخاص للعلة انما يشمل العلة القادحة الخفية التي يكون الظاهر السلامة منها. وهذه تختص برواية الثقات. أما العلة بالمعنى الأعم فانها تتعلق بالرواية عموما، سواء أكان الراوي ثقة أم ضعيفا وسواء كذلك أكان الوهم بالاسناد أو بالمتن ومن الملاحظ: أن الخطأ في رواية الثقة أشد غموضا من الخطأ في رواية الضعيف لأن الأصل في رواية الثقة الصواب والخطأ طاريء - ¬

(¬1) أنظر تعريفه علوم الحديث ص47. (¬2) أنظر تعريفه علوم الحديث ص54. (¬3) أنظر التدريب 1/207 وما بعدها , شرح البيقونية في مصطلح الحديث 98. وكذلك المرسل يستعملونه استعمالا عاما في كل انقطاع في السند ويستعملونه استعمالا خاصا ويريدون به ما أضافه التابعي الى النبي صلى الله عليه وسلم.

فالقلب من حيث الأساس - مطمئن الى رواية الثقة. وليس كذلك رواية الضعيف، فالقلب غير مطمئن اساسا اليها فالأصل الحكم عليها بالخطأ والصواب طاريء: ومع ذلك فان معرفة الخطأ في رواية الضعيف ليس بالأمر السهل وذلك لأن الحكم عليه بالضعف أساسا يحتاج الى متابعة روايته ومقارنتها برواية الثقات، فان كثرت مخالفته لهم حكم بضعفه. وأيضا فان الضعف درجات؛ والضعف في الراوي اذا لم يكن شديدا فان بالامكان الاستفادة من بعض أحاديثه، وذلك لأن خطأ الضعيف غير مقطوع به، وانما قد يصيب وقد يخطيء؛ كذلك من الضروري أن نعرف: بأن معنى قولهم فلان ضعيف أنه اذا تفرد بشيء عن شيخه لا يحتج به لغلبة احتمال الخطأ عليه وعدم اطمئنان القلب اليه وليس معنى هذا أن كل ما يرويه ضعيف وأنه مخطيء في كل ما يرويه؛ لذلك فان من أحاديثه ما يصح وما يضعف ويعرف الخطأ والصواب بالبحث والموازنة. وهذا يفهم من صنيع الشيخين حيث رويا عن جماعة ممن خف ضبطهم لأنهما علما أن هذه الأحاديث قد صحت (¬1) ، وذلك بالموازنة والمقارنة مع أحاديث غيرهم من الثقات، فلما توبعوا على أحاديثهم، وتبين لصاحب الصحيح صحتها أخرجها في المتابعات مقرونة باحاديث الثقات. وقد يخرج له صاحب الصحيح اذا قامت قرينة أو أحاط روايته ظرف يرجح صحتها: كعناية الراوي الخفيف الضبط برواية شيخ معين أو ملازمته له، فيخرج صاحب الصحيح روايته عن ذلك الشيخ في الأصول وليس في المتابعات فقط. وهذا ¬

(¬1) أنظر كلام الحافظ ابن حجر في هدي الساري حول انتقاء الشيخين الصفحات التالية ((338 و 406 و 414 و 424 و 442 و 444 و 449)) . وأنظر نصب الراية 1/341 , وصيانة صحيح مسلم ص94 , والعواصم والقواصم ج3/96 وما بعدها وشرح صحيح مسلم للنووي 1/18 , والتنكيل ج1/77.

يحتاج الى جهد كبير، وتمييز دقيق بين الأحاديث ليستفاد مما يصح منها. ومن أبرز النماذج الدالة على ذلك كله: حماد بن سلمة: فهو حماد بن سلمة بن دينار البصري؛ ثقة له أوهام. قال أحمد: هو أعلم الناس بحديث خاله حميد الطويل. وقال ابن معين: هو أعلم الناس بثابت - يعني ثابت البناني (¬1) . وقال الحافظ في التقريب: ثقة عابد، أثبت الناس في ثابت - تغير حفظه بأخرة (¬2) . اذن فحماد بن سلمة في أول أمره ثقة له أوهام؛ وهذا التعبير يشير الى خفة في الضبط لكن خفة الضبط تنجبر بطول الملازمة للشيخ وشدة العناية بحديثه. وحماد كما ذكرنا - كثير الملازمة لثابت البناني، شديد العناية بحديثه، اذن فما حدث به حماد قبل - اختلاطه- عن ثابت يعد من الحديث الصحيح. وحديثه عن غيره من قبيل الحسن. ثم تغير حماد لما كبر فساء حفظه. فكان حديثه في هذه المرحلة ضعيفا. اذا عرفنا هذا لننظر ماذا فعل الشيخان بحديث حماد بن سلمة: أما البخاري فقد أخرج له في التأريخ، لكن ترك الحديث عنه في الصحيح. وأما مسلم فقد غربل حديثه، وميز منه أحاديث حدث بها قبل الاختلاط، ثم قسم هذه الأحاديث الى قسمين: القسم الأول: الأحاديث التي حدث بها حماد عن ثابت، وهذه أخرجها مسلم في الصحيح أصولا محتجاً بها. ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 3/11 وما بعدها , الميزان 1/590 وما بعدها. (¬2) التقريب 1/197.

القسم الثاني: الأحاديث التي حدث بها عن غير ثابت - وهذه لم يخرجها مسلم في الأصول. وانما أخرجها في الشواهد. يقول الذهبي: احتج مسلم بحماد بن سلمة في أحاديث عدة في الأصول. وتحايده البخاري. ويوضح ما أجمله الذهبي هنا كلام نقله الحافظ ابن حجر عن البيهقي يتحدث فيه عن حماد بن سلمة، قال البيهقي: ((أحد أئمة المسلمين الا أنه لما كبر ساء حفظه فلذا تركه البخاري، وأما مسلم فاجتهد واخرج من حديثه عن ثابت ما سمع قبل تغيره، وما سوى حديثه عن ثابت - لا يبلغ اثني عشر حديثا- أخرجها في الشواهد)) (¬1) وكذلك اسماعيل بن أبي أويس فهو صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه (¬2) ، فقد روى عنه الشيخان مما علما أنه لم يخطيء فيه واحتجا به الا أنهما لم يكثرا من تخريج حديثه ولم يخرج له البخاري مما تفرد به سوى حديثين مما علم أنه قد حفظه، وأما مسلم فقد أخرج عنه أقل مما أخرج البخاري، وغالب رواية البخاري عنه في أحاديث موطأ مالك فهو عالم بأمره اذ أنه ابن أخت الامام مالك وهو متابع فيما رواه عن مالك حيث أن رواة الموطأ كثيرون (¬3) وموطأ مالك عند البخاري عن جماعة من الرواة. وقال الحافظ ابن حجر: ((وروينا في مناقب البخاري بسند صحيح أن ¬

(¬1) ميزان الاعتدال 1/590 وما بعدها، تقريب التهذيب 1/197، تهذيب التهذيب 3/11، الكواكب النيرات 460. (¬2) تقريب التهذيب 1/71 (¬3) وقد عد الاستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف في مقدمته لموطأ مالك رواية محمد بن الحسن الشيباني ص 16-19 النسخ المشهورة للموطأ فبلغت ستة عشر نسخة

اسماعيل أخرج له أصوله وأذن له أن ينتقي منهاو أن يعلم له ما يحدث به ليحدث به ويعرض عما سواه وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه لأنه كتب من أصوله)) (¬1) بعد هذا نذكر نموذجا لما أعل بوهم الثقة فيه؛ وهو النموذج الآتي: روى شعبة بن الحجاج، عن سلمة بن كهيل، عن حجر أبي العنبس، عن علقمة بن وائل أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: ((غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقال: آمين، وخفض بها صوته)) (¬2) قال أبو عيسى الترمذي: ((وسمعت محمداً يقول: حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا؛ وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث: فقال: عن حجر أبي العنبس وانما هو حجر بن عنبس ويكنى أبا السكن. وزاد فيه: عن علقمة بن وائل وليس فيه عن علقمة، وانما هو عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر. وقال: وخفض بها صوته، وانما ¬

(¬1) هدي الساري 390 وانظر تهذيب التهذيب 1/310 وما بعدها ونصب الراية 1/341 وما بعدها. (¬2) هذه الراوية ذكرها الترمذي 2/28 تعليقا , ورواه موصولا من حديث سفيان عن سلمة برقم ((248)) , وقد أخرجه الدارقطني 1/334 وقال: ((كذا قال شعبة وأخفى بها صوته ويقال أنه وهم فيه لأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة بن كهيل وغيرهما رووه عن سلمة فقالوا: رفع صوته بآمين وهو الصواب)) . وقال الحافظ في التلخيص 1/252 ((وقد رجحت رواية سفيان بمتابعة اثنين له بخلاف شعبة فلذلك جزم النقاد بأن روايته أصح)) وقد أخرجه أحمد 4/316 , والدار مي 1/284 , وأبو داود (932) , والنسائي 2/245 , والبيهقي 2/57 , والدارقطني 1/334 من طريق سفيان. وأخرجه ابن أبي شيبة 1/299 , وأبو داود (933) , والترمذي (249) من طريق العلاء بن صالح , والطبراني 22/113 من طريق محمد بن سلمة؛ ثلاثتهم عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل ولفظ رواية سفيان ((يمد بها صوته)) وعند أبي داود والطبراني ((يرفع بها صوته)) ولفظ العلاء بن صالح ((فجهر بآمين)) . وقد صححه ابن حجر في التلخيص 1/252.

هو: ومد بها صوته)) . قال أبو عيسى: ((وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث فقال حديث سفيان في هذا أصح من حديث شعبة قال وروى العلاء بن صالح الأسدي عن سلمة بن كهيل نحو رواية سفيان)) . ثم ساق الترمذي متابعة العلاء لسفيان (¬1) فهذا مثال الحديث المعل بالمعنى الاصطلاحي الخاص، وذلك لأن الذي ينظر الى رواية شعبة بن الحجاج رحمه الله لا يظن أن فيها علة لأنها رواية جاءت بسند متصل برواية الثقات المعروفين لا سيما وهو من رواية شعبة المعروف بالتشدد في رواية الأحاديث النبوية لكن عرفت علته بجمع الطرق والموازنة والنظر الدقيق في أسانيده ومتونه. بعد هذا أذكر نموذجا آخر للحديث المعل بخطأ الراوي الضعيف، وهذا بناء على المعنى العام للعلة وهو النموذج الآتي: روى ابن أبي ليلى (¬2) ، عن سلمة بن كهيل، عن حجية بن عدي، عن علي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((آمين حين يفرغ من قراءة فاتحة الكتاب)) . قال أبو حاتم الرازي: ((هذا خطأ عندي انما هو سلمة عن حجر أبي العنبس عن وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم)) (¬3) . فقد روى ابن أبي ليلى هذا الحديث ومحمد بن أبي ليلى ضعيف لسوء حفظه، وقد أخطأ في الاسناد وبين ابن أبي حاتم هذا الخطأ. ¬

(¬1) برقم (249) . (¬2) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي أبو عبد الرحمن , صدوق سيء الحفظ جدا. تقريب التهذيب 2/184 , تهذيب التهذيب 9/301. (¬3) علل الحديث ج1/93 رقم 251.

المبحث الثالث: أسباب العلة

المبحث الثالث: أسباب العلة أذكر هنا أسباب العلة بالمعنى العام الذي أشرت اليه فيما سبق، وقد حصر بعض الباحثين أسباب العلة في سبعة رئيسة (¬1) ، ويبدو لي أنها يمكن أن تصل الى تسعة أسباب. أذكرها بايجاز فيما يأتي: أولا: السبب العام: (¬2) وهو الضعف البشري الذي لا يكاد يخلو منه انسان وأن دخول الخطأ والنسيان والوهم على الجنس البشري مما علم بالضرورة فالوهم لا يخلو منه حتى كبار الأئمة الضابطين، وهذا واضح لنا من تعريف الحديث الصحيح (¬3) : (فهو الذي رواه عدل تام الضبط عن مثله الى منتهاه متصل السند، ولا يكون شاذا ولا معللا) . فاشتراطنا لصحة الحديث عدم الشذوذ والعلة يدل على أن الرواة التامي الضبط يدخل في حديثهم الشذوذ والعلة، ولذا يقول الامام أحمد: (¬4) ((ومن يعرى من الخطأ والتصحيف؟)) . ويقول الامام مسلم: (¬5) (فليس من ناقل خبر وحامل أثر من السلف الماضين الى زماننا وان كانوا من أحفظ الناس وأشدهم توقيا واتقانا لما يحفظ وينقل - الا الغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله) . ¬

(¬1) الدكتور همام عبد الرحيم في دراسته على شرح علل الترمذي ج1/93-119. (¬2) شرح علل الترمذي قسم الدراسة ج1/93. (¬3) أنظر تعريف الحديث الصحيح: علوم الحديث ص6 , التقريب مع التدريب 1/63 , اختصار علوم الحديث ص 21 (¬4) علوم الحديث 252. (¬5) التمييز ص124.

وقال ابن معين: (¬1) ((ولست اعجب ممن يحدث فيخطيء انما أعجب ممن يحدث فيصيب)) ثانيا: خفة الضبط وكثرة الوهم: (¬2) حيث أن كثيرا من الرواة مع صدقهم وثبوت عدالتهم كانوا كثيري الخطأ والوهم، لكن ذلك ليس الغالب على حديثم وهؤلاء الذين كثر غلطهم في حديثهم مقبول عند أئمة الحديث كما صنع الامام مسلم (¬3) ، ولكن ليس معنى ذلك ان حديثهم كله مقبول دون تمييز بل كان للأحاديث الصحيحة نصيب (¬4) من حديثهم مما ترجح فيه للناقد - على ما ذكرناه آنفا- أن الراوي هنا قد ضبط وحفظ حديثه، ولكتب العلل نصيب آخر مما تترجح للناقد أن فيه خطأً ووهما، ومن هؤلاء الرواة. محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وعبد الرحمن بن حرملة، وشريك بن عبد الله النخعي قاضي الكوفة، وأبو بكر بن عياش، والربيع بن صبيح، ومبارك بن فضالة، وسهيل بن أبي صالح، وغيرهم كما ذكره ابن رجب (¬5) . ثالثا: الاختلاط: (¬6) وهو آفة عقلية تورث فسادا في الادراك، وتصيب الانسان في آخر عمره، أو تعرض له بسبب حادث: لفقد عزيز أو ضياع مال؛ ومن تصبه هذه الآفة لكبر سنه يقال ¬

(¬1) شرح العلل 1/436. (¬2) شرح العلل قسم الدراسة 1/98. (¬3) حيث أخرج لأصحاب الطبقة الثانية كما أشار في مقدمة كتابه 1/38-39 شرح النووي، تدريب الراوي 1/92. (¬4) كما أشرت اليه في انتقاء الشيخين لأحاديث من كان في حفظهم شيء , وانظر التنكيل ج1/77. (¬5) شرح العلل ج1/403-425. (¬6) شرح العلل قسم الدراسة ج1/102.

فيه اختلط بأخرة (¬1) فالاختلاط قد يطرأ على كثير من رواة الحديث النبوي مما يؤثر على روايته فتصبح فيهاعلة، ومعرفة المختلطين من غيرهم أمر شاق على علماء العلل، فكان المحدثون يسمعون الحديث من الراوي مرارا حتى يعرفوا أنه خلط فيه أم لا، قال حماد بن زيد: (ما أبالي من خالفني اذا وافقني شعبة لأن شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث مرة واحدة يعاود صاحبه مرارا (¬2)) . ومما يذكر في معاودة الراوي والسماع منه ما حصل لمروان بن الحكم: انه استدعى ابا هريرة رضي الله عنه واجلس كاتبه ابا الزعيزعة خلف السرير دون أن يعلم أبو هريرة، وجعل يسأله وأبو الزعيزعة يكتب، فلما حال الحول دعى مروان أبا هريرة وأجلس أبا الزعيزعة من وراء حجاب وجعل يسأله عما سأله عنه سابقا من ذلك الكتاب، فأجاب دون تقديم ولا تأخير) (¬3) . وأحيانا كان الناقد يدخل على الراوي ليختبره فيقلب عليه الأسانيد والمتون، ويلقنه ما ليس من روايته، فان لم ينتبه الشيخ لما يراد به فانه يعد مختلطا ويعزف الناس من الرواية عنه (¬4) . قال الدكتور همام عبد الرحيم (¬5) : (ولكن بصيرة الناقد ويقظة المجتمع ليس لهما تلك القدرة التي تحدد ساعات بدء الاختلاط، اذ الاختلاط حالة عقلية تبدأ خفية ثم يتعاظم أمرها بالتدريج، وبين الخفاء والظهور يكون المختلط قد ¬

(¬1) لسان العرب مادة ((خلط)) (¬2) الجرح والتعديل 1/168. (¬3) مقدمة التمييز ص41، سير أعلام النبلاء 2/598 والمستدرك 3/510 قال الشيخ شعيب- في تعليقه على السير-: ((أبو الزعيزعة لا يعرف)) . (¬4) أنظر المثال على ذلك في المحدث الفاصل 398-399. (¬5) شرح علل الترمذي قسم الدراسة 1/105.

روى أحاديث تناقلها الثقات عن الثقات وما دروا أنهم أخذوها عن الثقة ولكن في اختلاطه) . وهكذا تدخل العلة في الحديث النبوي بسبب اختلاط بعض الرواة لكن العلماء عالجوا هذه القضية بواسطة الرواة عن المختلطين، وقسموهم الى أربعة أقسام: 1- الذين رووا عن المختلط قبل اختلاطه. 2- الذين رووا عنه بعد اختلاطه. 3- الذين رووا عنه قبل الاختلاط وبعده ولم يميزوا هذا من هذا. 4- الذين رووا عنه قبل اختلاطه وبعده وميزوا هذا من هذا. فمن روى عن المختلط قبل الاختلاط قبلت روايته عنه ومن روى عنه قبل الاختلاط وبعده وميز ما سمع قبل الاختلاط ولم يقبل ما سمع بعد الاختلاط، ومن لم يميز حديثه أو سمع بعد الاختلاط لم تقبل روايته (¬1) . رابعا: خفة الضبط بالأسباب العارضة: (¬2) قد يكون المحدث ضابطا لروايته ثم تعرض عليه أمور طارئة تجعل الوهن في ضبطه فتدخل العلة في حديثه، ومن هذه الأمور الطارئة. أ- ضياع الكتب، فقد يعتمد الراوي في ضبطه على كتبه، فاذا ضاعت كتبه وحدث مما علق بذهنه دخلت العلة في حديثه كما حصل لهشيم بن بشير فقد كتب صحيفة بمكة عن الزهري، فجاءت الريح فحملت الصحيفة فطرحتها فلم يجدها (¬3) ، ¬

(¬1) أنظر العواصم والقواصم لابن الوزير 3/101-102. (¬2) شرح العلل قسم الدراسة 1/107. (¬3) تهذيب التهذيب 11/60.

وكذلك علي بن مسهر الكوفي (¬1) ب- احتراق الكتب- وقد يعتمد الراوي على كتبه ثم تحترق فيحدث من حفظه فتدخل العلة في ذلك، وممن احترقت كتبه فحدث من حفظه بعدها عبد الله بن لهيعة (¬2) . ج - من لم يصحب كتابه معه وحدث من حفظه - كذلك بعض الرواة اصطحبوا كتبهم في أماكن وحدثوا منها فلم يخطئوا وحدثوا في أماكن عند غياب كتبهم فأخطأوا كمعمر بن راشد قال يعقوب بن شيبة: (سماع اهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب لأن كتبه لم تكن معه) (¬3) . د- الانشغال عن العلم من أسباب خفة الضبط فقد ضعفت روايات بعض المحدثين لانشغالهم عن العلم حفظا وكتابة بالقضاء كشريك بن عبد الله النخعي حيث ولي قضاء واسط سنة 155 هـ - قال عنه الحافظ في التقريب (¬4) : ((تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة)) . وفقدان البصر فقد كان بعض الثقات يعتمد على كتبه فلما ذهب بصره حدث من حفظه فدخل الوهم في حديثه بعد ذلك، كعبد الرزاق بن همام الصنعاني مع أنه من ¬

(¬1) وفي تهذيب التهذيب 7/384 ((قال العجلي صاحب سنة ثقة في الحديث صالح الكتاب كثير الرواية عن الكوفيين , وقال أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل لما سأل عنه لا أدري كيف أقول كان قد ذهب بصره فكان يحدثهم من حفظه)) . (¬2) تهذيب التهذيب 5/373-379. (¬3) شرح علل الترمذي 2/767. وانظر ميزان الاعتدال 4/154 والتقريب 2/266 وتهذيب التهذيب 5/373-379. (¬4) 1/351. وأنظر الميزان 2/270 وتهذيب التهذيب 4/333.

رجال هذا الميدان قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب (¬1) : ((عمي آخر عمره فتغير)) . خامسا: قصر الصحبة: (¬2) قصر الصحبة للشيخ وقلة ممارسته لحديثه، وهذه في الأصل ليست علة تعل بها الأحاديث لكن العلماء أعطوها أهمية كبيرة لأنه يستفاد من ذلك في ترجيح رواية على أخرى عند الاختلاف؛ لأن من طالت صحبته لشيخه وكثرت ممارسته لحديثه يكون أتقن لحديث شيخه وتترجح روايته عمن قصرت صحبته لهذا الشيخ (¬3) . سادسا: اختصار الحديث أو روايته بالمعنى: (¬4) اختلف العلماء سلفا وخلفا في حكمه: فذهبت طائفة الى منع رواية الحديث بالمعنى، وذهبت أخرى الى جواز ذلك في غير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب الجمهور الى تجويزها بالمعنى في الجميع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وما روي عن غيره اذا قطع بالمعنى وكان عارفا بالمعاني ودقائق الألفاظ (¬5) . وقد يروي أحد الرواة الحديث بالمعنى بصورة تخل بالمعنى وتذهب المقصود فتكون علة في الحديث. كما في الحديث الذي روي من طريق ابن أبي ذئب قال: حدثني صالح مولى التوآمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ¬

(¬1) 1/505. وأنظر الميزان 2/609 وتهذيب التهذيب 6/310. (¬2) شرح العلل قسم الدراسة 1/113. (¬3) انظر على سبيل المثال علل ابن أبي حاتم رقم (2024) و (1647) . (¬4) شرح العلل قسم الدراسة 1/116. (¬5) المحدث الفاصل ص533 , الكفاية 168 , المستصفى 1/107 , التمهيد 1/234 و 6/63 , شرح السنة 1/238 , توجيه النظر 298 , أعلام المحدثين ص42.

صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه)) (¬1) . وقد جاء في بعض النسخ والكتب ((فلا شيء له)) (¬2) . وهذا من تصرف الرواة بالمعنى (¬3) . سابعا: تدليس الثقات: (¬4) أن التدليس يكون أحيانا سببا من أسباب العلة، والتدليس أنواع كثيرة. أشهرها تدليس الأسناد، وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه (¬5) . وتدليس الشيوخ وهو: أن يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف (¬6) . وكلا النوعين يكون أحيانا سببا في اعلال الحديث، فقد يكشف الأئمة النقاد عن ¬

(¬1) أخرجه أبو داود (3191) , وابن ماجه (1517) , وأحمد 2/444 و 455 و 502 , والبيهقي 4/51 وسنده قوي لأن ابن أبي ذئب سمع من صالح قبل الاختلاط. وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن ابن المغيرة ثقة فاضل كما في التقريب 2/184 وصالح بن نبهان مولى التوآمة صدوق اختلط بأخرة , قال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء كابن ابي ذئب وابن جريج. وأنظر الميزان 2/303 وتهذيب التهذيب 4/405 , وتهذيب الكمال 13/102 وما بعدها. (¬2) كما في زاد المعاد 1/500 وعون المعبود 3/182 ومصنف عبد الرزاق 3/527 حديث (6579) وسنن أبي داود قال المزي في تحفة الاشراف 10 / حديث (13503) قال في رواية يحيى: (...... فلا شيء له)) . (¬3) كما ذكره الشيخ محمد عوامة عن الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي. أنظر أثر الحديث في اختلاف الفقهاء ص30. (¬4) شرح العلل قسم الدراسة 1/118. (¬5) علوم الحديث ص66. (¬6) علوم الحديث ص66.

المبحث الرابع: أقسام العلة باعتبار محلها وقدحها

سقوط رجل في الاسناد أسقطه المدلس ويكون هذا الساقط ضعيفا كما في تدليس الاسناد أو يكنيه بكنية غير الكنية التي اشتهر بها. أو يسمى من اشتهر بكنيته. أو يكني من اشتهر باسمه، أو يصفه بصفة غير الصفة التي اشتهر بها مما يوهم أنه رجل آخر وهذا هو تدليس الشيوخ. (¬1) ثامنا: الانقطاع في السند أو الطعن في أحد رجال الأسناد عدالة أو ضبطا: وهذا حسب ما ذكرت سابقا: من أن المراد هنا المعنى العام للعلة فهي لذلك تشمل القادح: الظاهر منه والخفي. تاسعا: التفرد: والتفرد بحد ذاته ليس علة في الخبر، وانما يكون أحيانا سببا من أسباب العلة، اذا لم يكن الراوي مبرزا في الحفظ، فالتفرد قد يلقي الضوء على وجود العلة وسوف يأتي لذلك مزيد بيان ان شاء الله تعالى. المبحث الرابع: أقسام العلة باعتبار محلها وقدحها العلة تكون أحيانا في الأسناد، وتكون أحيانا في المتن، فاذا وقعت العلة في الأسناد: فاما تقدح في السند فقط أو فيه وفي المتن أو لا تقدح مطلقا. وهكذا اذا وقعت العلة في المتن، فعلى هذا يكون للعلة خمسة أقسام (¬2) نشير اليها فيما يأتي: ¬

(¬1) وفي تهذيب التهذيب 7/225 (ان عطية العوفي كان يأتي الكلبي ويسأله عن التفسير وكان يكنيه بأبي سعيد) . وأنظر علوم الحديث ص291 , واختصار علوم الحديث ص209. (¬2) النكت 2/747 , توضيح الأفكار 2/31-32 , مقدمة علل الدارقطني 1/39 , مقدمة البحر الزخار 1/19.

1- تقع العلة في الأسناد ولا تقدح مطلقا مثاله: - ما رواه المدلس بالعنعنة، فهذا يوجب التوقف عن قبوله، فاذا وجد من طريق آخر قد صرح فيها بالسماع تبين أن العلة غير قادحة. (¬1) 2- تقع العلة في الأسناد وتقدح فيه دون المتن مثاله: - ما رواه يعلى بن عبيد الطنافسي، عن الثوري، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((البيعان بالخيار)) (¬2) فغلط يعلى في قوله: عمرو بن دينار، انما هو عبد الله بن دينار كما رواه الأئمة المتقنون من أصحاب سفيان الثوري مثل: الفضل بن دكين، ومحمد بن يوسف الفريابي، ومخلد بن يزيد، وغيرهم (¬3) . 3- تقع العلة في الأسناد وتقدح فيه وفي المتن معا وذلك كأن يوجد في الحديث ارسال أو وقف، أو ابدال راو ضعيف براو ثقة. مثال ذلك: - ما وقع لأبي أسامة - حماد بن أسامة الكوفي، وهو ثقة (¬4) - في روايته عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر - وهو من ثقات الشاميين (¬5) -قدم عبد الرحمن الكوفة فكتب عنه أهلها، ولم يسمع منه أبو أسامة، ثم قدم بعد ذلك الكوفة ¬

(¬1) النكت 2/747 , مقدمة علل الدارقطني 1/40 , مقدمة البحر الزخار 1/19. (¬2) أنظر تفصيل الروايات والطرق في جامع الأصول 1/574 حديث (407) , وتلخيص الحبير 3/20 , ومسند أبي يعلى 10/192-193، واتحاف المهرة 8/528 حديث (9890) , والمسند الجامع 10/439 حديث (7730) . (¬3) علوم الحديث للحاكم 82-83 , وتدريب الراوي 1/254 , مقدمة علل الدارقطني 1/40 , مقدمة البحر الزخار 1/19. (¬4) تقريب التهذيب 1/195. (¬5) تقريب التهذيب 1/502.

عبد الرحمن بن يزيد بن تميم - وهو من ضعفاء الشاميين (¬1) - فسمع منه أبو أسامة، وسأله عن اسمه فقال: عبد الرحمن بن يزيد، فظن أبو أسامة أنه ابن جابر فصار يحدث عنه وينسبه من قبل نفسه فيقول: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، فوقعت المناكير في رواية أبي أسامة عن ابن جابر، ولم يفطن الا أهل النقد فميزوا ذلك ونصوا عليه كالبخاري، وأبي حاتم، وغير واحد (¬2) . 4- تقع العلة في المتن ولا تقدح فيه ولا في الأسناد مثاله: - كل ما وقع من اختلاف ألفاظ كثيرة من أحاديث الصحيحين اذا أمكن الجمع رد الجميع الى معنى واحد فان القدح ينتفي عنهما (¬3) . 5- تقع العلة في المتن وتقدح فيه دون الأسناد مثاله: - ما انفرد مسلم (¬4) باخراجه في حديث أنس رضي الله عنه من اللفظ المصرح بنفي قراءة ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأوا الأكثرين انما قالوا فيه: ((فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين)) من غير تعرض لذكر البسملة وهو الذي اتفق البخاري (¬5) ومسلم (¬6) على اخراجه، ورأوا أن من رواه باللفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وقع له ففهم من قوله: ((كانوا يستفتحون ¬

(¬1) تقريب التهذيب 1/502. (¬2) النكت 2/748 , توضيح الأفكار 2/32 , مقدمة العلل 1/41 , مقدمة البحر الزخار 1/19. (¬3) النكت 2/748 , توضيح الأفكار 2/32 , مقدمة العلل 1/41 / مقدمة البحر الزخار 1/19. (¬4) الجامع الصحيح 2/12 رقم (399) كتاب الصلاة , باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة. (¬5) صحيح البخاري 1/189 رقم (743) كتاب الصلاة , باب ما يقول بعد التكبير. (¬6) صحيح مسلم 2/12 رقم (399) كتاب الصلاة , باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة.

المبحث الخامس: ما تزول به العلة

بالحمد لله رب العالمين)) أنهم كانوا لا يبسملون فرواه على فهم وأخطأ فيه؛ لأن معناه أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة، وليس فيها تعرض لذكر البسملة (¬1) المبحث الخامس: ما تزول به العلة أشرت فيما سبق الى أن العلة ظاهرة وخفية: فالعلة الظاهرة قد تزول بالمتابعات (¬2) والشواهد (¬3) ، ويكون ذلك بالاعتبار (¬4) وسبر الطرق، وقد تزول العلة بتلقي أهل العلم للحديث فيقبل الحديث ويزول أثر العلة. أما العلل الخفية فلا تزول، وهي على نوعين: أحدهما: - ما سببه المخالفة، فالراجحة محفوظة أو معروفة والمرجوحة شاذة أو ¬

(¬1) علوم الحديث للحاكم ص83 , النكت 2/748 , الباعث الحثيث ص67 , مقدمة علل الدارقطني 1/42 , مقدمة البحر الزخار 1/20. (¬2) المتابع: هو الحديث المشارك لحديث آخر في اللفظ والمعنى مع الاتحاد في الصحابي فان كانت المشاركة من أول السند تسمى متابعة تامة وان كانت المشاركة لا من أول السند تسمى متابعة قاصرة , أنظر ضوء القمر ص39 , وقارن باختصار علوم الحديث ص59 والخلاصة 57-58 والنكت 2/682. (¬3) الشاهد: هو الحديث المشارك لحديث آخر في اللفظ والمعنى مع عدم الاتحاد في الصحابي أنظر ضوء القمر ص39 , وقارن باختصار علوم الحديث ص59 والخلاصة 57-58 والنكت 2/682. (¬4) الاعتبار: هو أن يعمد الناقد الى حديث بعض الرواة فيعتبره بروايات غيره من الرواة بسبر طرق الحديث وذلك بالتتبع والاختبار والنظر في المسانيد والجوامع والمعاجم وغيرها ليعلم هل هنالك للحديث متابع أو شاهد أم لا. تدريب الراوي 1/202 , ضوء القمر ص39.

منكرة. وثانيهما: أحاديث أعلت باسباب أخرى غير المخالفة: كمعارضة القرآن، أو نص صحيح متواتر أو تأريخ مجمع عليه فهذه لا تزول (¬1) ، ويبقى الحديث معلا. فالعلل الظاهرة وهي التي سببها انقطاع في السند، أو ضعف في الراوي، أو تدليس، أو اختلاط تتفاوت ما بين الضعف الشديد والضعف اليسير، فما كان يسيرا زال بمجيئه من طريق آخر مثله أو أحسن منه، وما كان ضعفه شديدا فلا تنفعه كثرة الطرق، وبيان ذلك: أن ما كان ضعفه بسوء الحفظ أو اختلاط أو تدليس أو انقطاع يسير، فالضعف هنا يزول بالمتابعات والطرق، وما كان انقطاعه شديدا أو قدح في عدالة الراوي فلا يزول، قال الحافظ ابن الصلاح رحمه الله تعالى (¬2) : ((لعل الباحث الفهم يقول انا نجد أحاديث محكوما بضعفها مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة مثل: ((الأذنان من الرأس)) (¬3) ونحوه، فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن، لأن بعض ذلك عضد بعضه بعضا كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفا؟ وجواب ذلك: أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت فمنه ما يزيله ذلك؛ بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه ولم يختل فيه ضبطه له، وكذلك اذا كان ضعفه من حيث الارسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله امام حافظ؛ اذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر، ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد الجابر عن جبره ومقاومته ذلك كالضعف الذي ¬

(¬1) كما في حديث الوضوء بالنبيذ عند الترمذي ج1/147 حديث ((88)) . (¬2) علوم الحديث ص30. (¬3) بل هو قوي , أخرجه أحمد 5/268 , وابن ماجه (444) , والدارقطني 1/103 وذكر طرقه الزيلعي في نصب الراية 1/18 , وقد جمع الحافظ ابن حجر طرقه وأشار الى تقويته معقبا على تضعيف ابن الصلاح للحديث. النكت 1/410-415.

ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذا، وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك فانه من النفائس العزيزة)) . وقال الحافظ ابن كثير (¬1) : ((لا يلزم من ورود الحديث من وجوه متعددة أن يكون حسنا؛ لأن الضعف يتفاوت: فمنه ما لا يزول بالمتابعات، ومنه ضعف يزول بالمتابعة، كما اذا كان راويه سيئ الحفظ أو روى الحديث مرسلا فان المتابعة تنفع حينئذ فيرفع الحديث عن حضيض الضعف الى أوج الحسن أو الصحة)) . من هذا يتبين لنا أن الأحاديث الشديدة الضعف اذا كثرت وتعددت تبقى ضعيفة ولا ترتقي الى درجة القبول. وقد ذكر السيوطي عن الحافظ ابن حجر أن شديد الضعف بكثرة الطرق ربما يرتقي بمجموع طرقه عن كونه منكرا أو لا أصل له الى درجة المستور السيء الحفظ (¬2) . وقد مشى الحافظ ابن حجر رحمه الله على هذه القاعدة في بعض تحقيقاته لبعض الأحاديث كما صنع في قصة الغرانيق (¬3) حيث قال (¬4) : (وكلها سوى طريق سعيد بن جبير اما ضعيف واما منقطع ولكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا)) . ¬

(¬1) اختصار علوم الحديث ص40. (¬2) تدريب الراوي 1/177. (¬3) قال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على جامع الترمذي 2/465: ((وهي قصة باطلة مردودة كما قال القاضي عياض والنووي رحمه الله وقد جاءت باسانيد باطلة ضعيفة أو مرسلة ليس لها اسناد متصل صحيح وقد أشار الحافظ في الفتح الى أسانيدها ولكنه حاول أن يدعي ان للقصة أصلا لتعدد طرقها وان كانت مرسلة أو واهية وقد أخطأ في ذلك خطأ لا نرضاه له ولكل عالم زلة وعفا الله عنه)) . (¬4) فتح الباري 8/354-355.

وقد أصل السيوطي لها فقال في ألفيته (¬1) : ضعفا لسوء الحفظ أو ارسال أو……تدليس أو جهالة اذا رأوا مجيئه من جهة أخرى وما……كان لفسق أو يرى متهما يرقى عن الانكار بالتعدد……بل ربما يصير كالذي بدي وقد تعقب العلامة أحمد شاكر هذا بقوله (¬2) : (وأما اذا كان ضعف الحديث لفسق الراوي أو اتهامه بالكذب ثم جاء من طرق اخرى من هذا النوع فانه لا يرقى الى الحسن بل يزداد ضعفا الى ضعف، اذ أن تفرد المتهمين بالكذب أو المجروحين في عدالتهم بحديث لا يرويه غيرهم يرجح عند الباحث المحقق التهمة ويؤيد ضعف رواياتهم، وبذلك يتبين خطأ المؤلف وخطؤه في كثير من كتبه (¬3) في الحكم على أحاديث ضعاف بالترقي الى الحسن مع هذه العلة القوية) . وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه، فان الضعفاء قد يسرق بعضهم من بعض ويشتهرعندهم فقط، ولا نجده في روايات الثقات الأثبات مما لا يزيد الضعيف الا ضعفا على ضعف. ¬

(¬1) ألفية الحديث للسيوطي بشرح أحمد شاكر ص15. (¬2) شرح الألفية ص15. وله نحوه في الباعث الحثيث ص40 فأنظره فإنه من النفائس. (¬3) كدفاعه عن كثير من الأحاديث الواهية في اللآليء المصنوعة لكثرة طرقها الواهية , أنظر على سبيل المثال ج1/4 و 11 و 12 و 15 و 18 و 24 و 31 و 34 و 43 وغيرها. وكما يعلم ذلك من تسويده كتابه الجامع الصغير بالأحاديث الضعيفة والواهية وتقويتها. أنظر انتقاد المناوي عليه في فيض القدير ج1 الأرقام الآتية 53 و 62 و 202 و 231 و 486 و 507 و 581 و 668 و 696 و 728 و 840 و 847 و 871 و 919 و 924 و 926 و 934 و 950 و 960 و 1006 و 1017 و 1018 و 1032 و 1060 و 1071 وغيرها أضعافا كثيرة.

وقال ابن جماعة (¬1) : (والضعف لكذب راويه وفسقه فلا ينجبر بتعدد طرقه) . وقال الجرجاني (¬2) : (وأما الضعيف لكذب راويه وفسقه لا ينجبر بتعدد طرقه كما في حديث: ((طلب العلم فريضة)) (¬3) قال البيهقي: هذا حديث مشهور بين الناس واسناده ضعيف وقد روي من أوجه كثيرة كلها ضعيفة) . أما تلقي العلماء لحديث بالقبول فهو من الأمور التي تزول به العلة وتخرج الحديث من حيز الرد الى العمل بمقتضاه، بل ذهب بعض العلماء الى أن له حكم الصحة؛ قال الحافظ ابن حجر (¬4) : ((وجزم القاضي أبو نصر عبد الوهاب المالكي في كتاب الملخص بالصحة فيما اذا تلقوه بالقبول)) . وقال ابن عبد البر (¬5) في الاستذكار -لما حكى عن الترمذي أن البخاري صحح حديث البحر: ((هو الطهور ماؤه)) (¬6) -: وأهل الحديث لا يصححون مثل اسناده لكن الحديث عندي صحيح لأن العلماء تلقوه بالقبول) . ¬

(¬1) المنهل الروي ص37. (¬2) رسالة في علوم الحديث للجرجاني ص76. (¬3) بل هو حسن كما نص عليه المزي فيما نقله السخاوي في المقاصد ص424. وقد جمع السيوطي طرقه في جزء لطيف بلغت خمسين طريقا. (¬4) النكت 1/373. (¬5) تدريب الراوي 1/67 أوجز المسالك 1/72 وهي في التمهيد 5/218 و 219 ولم اجد هذا النص في الاستذكار. (¬6) سيأتي تخريجه.

وفي التمهيد (¬1) (روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: الدينار أربع وعشرون قيراطا) . قال ((وفي قبول جماعة من العلماء واجماع الناس على معناه غنى عن اسناده)) وقال الزركشي (¬2) : ((ان الحديث الضعيف اذا تلقته الأمة بالقبول عمل به على الصحيح حتى أنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع)) وعند الحنفية يعدون الضعيف اذا تلقاه العلماء بالقبول في حيز المتواتر كما نص عليه الجصاص (¬3) فقد قال عند الكلام على حديث: ((طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان)) (¬4) : ((وقد تقدم سنده وقد استعملت الأمة هذين الحديثين في نقصان العدة وان كان وروده من طريق الآحاد فصار في حيز المتواتر لأن ما تلقاه الناس بالقبول من أخبار الآحاد فهو عندنا في معنى المتواتر لما بيناه في مواقع)) . والذي يبدو لي أن الشافعي رحمه الله تعالى هو أول من أشار الى تقوية الضعيف بتلقي العلماء فقد قال (¬5) : ((فاستدللنا بما وصفت من نقل عامة أهل المغازي عن ¬

(¬1) ج 20 /145-146 ونقله عنه السيوطي في التدريب 1/67 والكاندهلوي في أوجز المسالك 1/72. (¬2) في نكته على ابن الصلاح 2/497 نقلا عن مناهج المحدثين 22. (¬3) احكام القرآن 1/386 (¬4) أخرجه أبو داود (2189) , والترمذي (1182) , وابن ماجه (2080) والحاكم 2/502 , والبيهقي 7/370 وفيه مظاهر بن أسلم المخزومي المدني ضعيف من السادسة كما في التقريب ج2/255. (¬5) الرسالة ص142.

النبي صلى الله عليه وسلم أن ((لا وصية لوارث)) (¬1) على أن المواريث ناسخة للوصية للوالدين والزوجة مع الخبر المنقطع واجماع العامة على القول به)) . ثم ان الامام الشافعي قد أشار الى ذلك عند كلامه عن شروط قبول المرسل فقال: ((وكذلك ان وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روي عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم)) . وربما التمس الترمذي ذلك من كلام الشافعي فأخذ يقول في كثير من الأحاديث الضعيفة (¬2) الاسناد من حيث الصناعة الحديثية ((وعليه العمل عند أهل العلم)) مشيرا في ذلك -والله أعلم- الى تقوية الحديث عند أهل العلم لأن عملهم بمقتضاه يدل على اشتهار أصله عندهم. وقد يلتمس هذا من صنيع البخاري رحمه الله فقد قال في كتاب الوصايا من صحيحه (¬3) : ((ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية)) . وقد علق على ذلك الحافظ ابن حجر قائلا (¬4) : ((وكأن البخاري اعتمد عليه لاعتضاده بالاتفاق على مقتضاه، والا فلم تجر عادته أن يورد الضعيف في مقام الاحتجاج)) . ¬

(¬1) يبدو أن الحديث لم يصل الى الشافعي الا بسند ضعيف والا فهو حديث صحيح ثابت متصل أخرجه الترمذي ((2121)) وقال: "حسن صحيح" , وأخرجه النسائي 6/247 , وقد بوب له البخاري في صحيحه 4/4 (¬2) وكما في الاحاديث التالية:37 و54 و 113و 188و198 و 199و282 و288 و 345 و 359و 364 و 408 و 411 و 509 و 513 و 591 و 625 و 638 و 720 و 846 و 1117 و 1142 و 1182 و 1450 و 1460 و 1462 و 1467 و 2109 و 2112 و 2113 و 2122)) . (¬3) 4/6 والحديث وصله أحمد رقم (595) , والترمذي (2122) , وابن ماجه (2715) وفيه الحارث الأعور كذبه الشعبي ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف كما في التقريب 1/141. (¬4) الفتح 5/377.

وقال ابن الوزير (¬1) : ((وقد احتج العلماء على صحة أحاديث بتلقي الأمة لها بالقبول)) وقال الحافظ ابن حجر (¬2) : (من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا أن يتفق العلماء على العمل بمدلول حديث، فانه يقبل حتى يجب العمل به، وقد صرح بذلك جماعة من أئمة الأصول، ومن أمثلته قول الشافعي رضي الله عنه: وما قلت من أنه اذا غير طعم الماء وريحه ولونه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله، ولكنه قول العامة لا أعلم بينهم خلافا. وقال في حديث: ((لا وصية لوارث)) لا يثبته أهل العلم بالحديث ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية)) . أقول: فالشافعي رحمه الله تعالى يشير بذلك الى حديث أبي سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) . أخرجه أحمد (¬3) ، وأبو داود (¬4) ، والترمذي (¬5) ، والنسائي (¬6) . وقد صححه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وابن حزم (¬7) . وقد جاء هذا الحديث من طريق ضعيف عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((الماء لا ينجسه شيء الا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه)) (¬8) . فزيادة قوله: ((الا ما ¬

(¬1) العواصم والقواصم 2/397. (¬2) النكت 1/494-495. (¬3) في مسنده 3/31 و 86. (¬4) في سنة (66) و (67) . (¬5) في جامعة (66) . (¬6) في المجتبى 1/174. (¬7) التلخيص الحبير 1/24. (¬8) أخرجه ابن ماجه (521) .

غلب على ريحه ... الخ)) ضعيفة لأنها من طريق رشدين بن سعد (¬1) وهو رجل صالح لكن أدركته غفلة فخلط في حديثه فالشافعي رحمه الله تعالى يشير الى هذه الزيادة، فهو قد احتج بها مع ضعفها؛ لأن الأمة تلقتها بالقبول: حيث لاخلاف بين العلماء أن الماء اذا غيرته النجاسة تنجس. أما حديث الوصية فقد أشرت آنفا الى أنه ثابت ولم يصل للشافعي الا بطريق ضعيف. وقال الكمال بن الهمام (¬2) : ((ومما يصحح الحديث أيضا: عمل العلماء على وفقه)) . وقال السيوطي في التعقبات على الموضوعات (¬3) - بعد أن ذكر حديث حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر)) - أخرجه الترمذي وقال: العمل على هذا عند أهل العلم؛ فأشار بذلك الى أن الحديث أعتضد بقول أهل العلم، وقد صرح غير واحد بأن من دليل صحة الحديث قول أهل العلم به وان لم يكن له اسناد يعتمد على مثله)) . واكتفي بما نقلته من نصوص عن الأئمة في هذه المسألة ولكن يبدو لي من كلام الامام الشافعي رحمه الله تعالى: أنه ينبغي التفريق بين الحكم بصحة الحديث وبين قبوله والعمل به؛ وذلك أن التصحيح على مقتضى الصناعة الحديثية شيء وقبول الحديث شيء آخر، فاذا وجد حديث مثل هذا فهو مقبول يعمل به لكنه لا يسمى ¬

(¬1) قال الحافظ في التلخيص 1/26: (فيه رشدين بن سعد وهو متروك) . (¬2) فتح القدير 3/143. (¬3) ص12.

المبحث السادس: أهمية علل الحديث

صحيحا ورحم الله الحافظ ابن حجر حيث قال (¬1) : ((لأن اتفاقهم على تلقي خبر غير ما في الصحيحين بالقبول ولو كان سنده ضعيفا يوجب العمل بمدلوله)) فقد أشار رحمه الله الى العمل ولم يتكلم عن الصحة الاصطلاحية، ومن دقق النظر في كلام الشافعي السابق ذكره يجده ينحو نحو هذا الاتجاه. المبحث السادس: أهمية علل الحديث اذا كان كل علم يشرف بمدى نفعه فان علم علل الحديث لذلك يعد من أشرف العلوم؛ لأنه من أكثرها نفعا فهو نوع من أجل أنواع علم الحديث وفن من أهم فنونه، ورحم الله الامام النووي حيث قال: (ومن أهم أنواع العلوم تحقيق الأحاديث النبويات، أعني: معرفة متونها صحيحها وحسنها وضعيفها، متصلها ومرسلها ومنقطعها ومعضلها ومقلوبها، ومشهورها وغريبها وعزيزها ومتواترها وآحادها وأفرادها، معروفها وشاذها ومنكرها ومعللها وموضوعها ومدرجها وناسخها ومنسوخها)) (¬2) . فعلماء الحديث قد اهتموا بالحديث النبوي الشريف عموما لأنه المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، وقد اهتموا ببيان علل الأحاديث النبوية من حيث الخصوص لأن بمعرفة العلل يعرف كلام النبي صلى الله عليه وسلم من غيره وصحيح الحديث من ضعيفه وصوابه من خطئه؛ قيل لعبد الله بن المبارك (¬3) : هذه الأحاديث الموضوعة؟ قال: ¬

(¬1) النكت 1/372. (¬2) مقدمة شرحه لصحيح مسلم 1/2. (¬3) هو عبد الله بن المبارك المروزي ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد جمعت فيه صفات الخير. تقريب التهذيب 1/445.

((تعيش لها الجهابذة)) (¬1) . وقد ذكر الحاكم: أن معرفة علل الحديث علم برأسه غير معرفة السقيم والجرح والتعديل (¬2) . وعلم العلل ممتد من مرحلة النقد الحديثي الذي ابتدأت بواكيره على يدي كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، حيث كان أبو بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما يحتاطان (¬3) في قبول الأخبار ويطلبان الشهادة على الحديث أحيانا من أجل تمييز الخطأ والوهم في الحديث النبوي، ثٍم اهتم العلماء به من بعد لئلا ينسب خطأ الى السنة المطهرة شيء ليس منها. فعلم العلل له مزية خاصة فهو كالميزان لبيان الخطأ والصواب والصحيح من المعوج، وقد اعتنى به أهل العلم قديما وحديثا؛ ولا يزال الباحثون يحققون وينشرون لنا الثروة العظيمة التي دونها لنا أولئك الأئمة العظام كعلي بن المديني، وأحمد والبخاري، والترمذي، وابن أبي حاتم والدارقطني وغيرهم (¬4) . وما ذلك الا لأهمية هذا الفن. ولأهمية هذا العلم نجد أن بعض جهابذة العلماء يصرح بأن معرفة العلل عنده مقدم على مجرد الرواية يقول عبد الرحمن بن مهدي: ((لان ¬

(¬1) رواه عنه بسنده ابن الجوزي في مقدمة الموضوعات 1/46، ونقله المعلمي اليماني في التنكيل 1/49. (¬2) معرفة علوم الحديث ص112. (¬3) في احتياط الصحابة , أنظر السنة ومكانتها في التشريع الاسلامي لمصطفى السباعي ص75 , وكان علي بن أبي طالب يستحلف الراوي أحيانا , فقد روى الامام أحمد في مسنده حديث ,رقم (2) عن علي قال: (كنت اذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء منه واذا حدثني عنه غيري استحلفته)) قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب 1/267- 268: ((هذا حديث جيد الاسناد)) . (¬4) أنظر ماكتبه شيخنا الأستاذ صبحي السامرائي في مقدمته لشرح علل الترمذي لابن رجب ص18-20 في الكتب المؤلفة في العلل وما طبع منها.

أعرف علة حديث واحد أحب الي من أن أستفيد عشرة أحاديث)) (¬1) . ويزيد هذا العلم أهمية أنه من أشد العلوم غموضا، فلا يدركه الا من رزق سعة الرواية، وكان مع ذلك حاد الذهن ثاقب الفهم دقيق النظر، واسع المران. قال أحمد بن صالح المصري (¬2) : ((معرفة الحديث بمنزلة الذهب والشبه فان الجوهر انما يعرفه أهله، وليس للبصير فيه حجة اذا قيل له: كيف قلت: ان هذا الجيد والرديء)) (¬3) لذلك فان وجود العارفين في فن العلل بين العلماء عزيز؛ قال ابن رجب: ((وقد ذكرنا فيما تقدم في كتاب العلم شرف علم العلل وعزته، وأن أهله المحققين به أفراد يسيرة من بين الحفاظ وأهل الحديث، وقد قال أبو عبد الله بن مندة (¬4) الحافظ: انما خص الله بمعرفة هذه الأخبار نفرا يسيرا من كثير ممن يدعي علم الحديث)) (¬5) وقال الحافظ ابن حجر: ((المعلل من أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا، ولا يقوم بها الا من رزقه الله تعالى فهما ثاقبا وحفظا واسعا ومعرفة تامة بمراتب الرواة وملكة قوية بالأسانيد والمتون، ولهذا لم يتكلم فيه الا القليل من أهل هذا الشأن: كعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن أبي شيبة، وأبي حاتم، ¬

(¬1) علل الحديث لابن أبي حاتم 1/9 , وقد نقله الحاكم في معرفة علوم الحديث ص112 , وابن رجب في شرح العلل 1/470. (¬2) أحمد بن صالح المصري أبو جعفر المعروف بابن الطبري ثقة حافظ، تهذيب التهذيب 1/49، تقريب التهذيب: 1/16. (¬3) الجرح والتعديل 2/96. (¬4) أبو عبد الله بن مندة الحافظ هو محمد بن يحيى بن ابراهيم بن الوليد ابن مندة المتوفي 301 , تذكرة الحفاظ ص741 , وطبقات الحفاظ ص313. (¬5) شرح علل الترمذي 1/339-340.

وأبي زرعة، والدارقطني)) (¬1) ثم ان معرفة علل الحديث من الأمور التي لا تنال الا بممارسة كبيرة في الاعلال والتضعيف ومعرفة السند الصحيح من الضعيف، فمن أكثر الاشتغال بعلم الحديث وحفظ جملة مستكثرة من المتون حتى اختلطت بلحمه ودمه وعرف خفايا المتون والأسانيد ومشكلاتها استطاع أن يميز الحديث الصحيح من الحديث المعل، ولذا يقول الربيع بن خيثم: ((ان للحديث ضوءا كضوء النهار تعرفه وظلمة كظلمة الليل تنكره)) (¬2) . ثم على الباحث قبل أن يحكم على حديث بعلة أن يجمع طرق الحديث ويستقصيها من الجوامع والمسانيد والأجزاء، ويسبر أحوال الرواة فينظر في اختلافهم وفي مقدار حفظهم ومكانتهم من الضبط والاتقان، وعند ذلك وبعد النظر في القرائن يقع في نفس الباحث الناقد أن الحديث معل بارسال في الموصول أو وصل في المرسل أو المنقطع، أو سقوط رجل بسبب التدليس، أو وقف في المرفوع، أو معارضة بما هو أقوى لا تحتمل التوفيق، أو دخول حديث في حديث أو وهم أو ما أشبه ذلك من العلل القادحة، ثم يغلب على ظنه ذلك فيحكم بعدم صحة الحديث أو يتردد فيه فيتوقف عن الحكم، وقد يغلب ظن الناقد علة في الحديث ثم تقصر عبارته عن اقامة الحجة في دعواه فيعله بغير قادح، أو يعله من غير أن يفصح عن القادح، لكنه يحس في نفسه احساسا لا دافع له بان في هذا الحديث علة كاحساس الجوهري الحاذق بزيف الزائف، مما يجعله يرى في نفسه أن ذلك كاف للاعلال كالاعلال بالتفرد؛ لذا قال ¬

(¬1) نزهة النظر ص47-48. (¬2) الموضوعات 1/103.

عبد الرحمن بن مهدي: (¬1) ((معرفة علل الحديث الهام فلو قلت للعالم بعلل الحديث من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة)) . ¬

(¬1) معرفة علوم الحديث للحاكم ص112.

الفصل الثاني: علل السند

الفصل الثاني: علل السند وفيه تمهيد، وأربعة مباحث المبحث الاول: اعلال السند بالانقطاع المبحث الثاني: اعلال السند بتضعيف الراوي المبحث الثالث: اعلال السند بتفرد الراوي المبحث الرابع: اعلال السند بسبب انكار الاصل رواية الفرع تمهيد: تعريف الإسناد وأهميته أولا: تعريف الإسناد أ- الاسناد لغة: الاسناد مصدر للفعل الثلاثي المزيد ((أسند)) من قولهم: أسندت هذا الحديث الى فلان أسنده اسنادا اذا رفعته، وسند الى الشيء واستند اليه بمعنى، واسند غيره. والسند يطلق على عدة معان، أشهرها: ما ارتفع من الارض في قبل الجبل والوادي، ويأتي بمعنى المعتمد (¬1) . قال ابن جماعة: ((وأخذه اما من السند وهو: ما ارتفع وعلا من سفح الجبل؛ لأن المسند يرفعه الى قائله، او من قولهم: فلان سند، أي: معتمد فسمي الاخبار عن طريق المتن سندا لاعتماد الحفاظ في صحة الحديث وضعفه عليه)) (¬2) . ب - الاسناد اصطلاحا: عرفه الطيبي في الخلاصة (¬3) بقوله: ((الاسناد رفع الحديث الى قائله)) . وعرفه الحافظ ابن حجر بقوله: ((الاسناد حكاية طريق المتن)) (¬4) . ¬

(¬1) جمهرة اللغة 2/266، لسان العرب مادة ((سند)) ، القاموس المحيط مادة (سند) . (¬2) قواعد التحديث للقاسمي ص202، ولم أجده في المنهل لابن جماعة. (¬3) ص30 (¬4) نزهة النظر 19.

ثانيا: أهمية الاسناد

والسند والاسناد بمعنى واحد، قال الطيبي: ((السند والاسناد يتقاربان في معنى الاعتماد)) (¬1) وقال ابن جماعة: ((المحدثون يستعملون السند والاسناد لشيء واحد)) (¬2) . لكن الاسناد اعم من السند؛ فالاسناد يطلق على سلسلة الرواة الموصلة الى المتن فيكون بذلك مرادفا للسند، ويكون بمعنى عزو الحديث الى قائله فهو أعم. (¬3) ثانيا: أهمية الاسناد للاسناد أهمية كبيرة عند المسلمين وأثر بارز؛ وذلك لما للاحاديث النبوية من أهمية، اذ أن الحديث النبوي الشريف ثاني أدلة أحكام الشرع، ولولا الاسناد واهتمام المحدثين به لضاعت علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ولاختلط بها ما ليس منها ولما استطعنا التمييز بين صحيحها من سقيمها؛ فغاية دراسة الاسناد والاهتمام به هي معرفة صحة الحديث أو ضعفه، فمدار قبول الحديث غالبا على اسناده، قال القاضي عياض: ((فاعلم أولا أن مدار الحديث على الاسناد فبه تتبين صحته ويظهر اتصاله)) (¬4) . وقال ابن الاثير - في جامع الاصول (¬5) -: (اعلم أن الاسناد في الحديث هو الاصل وعليه الاعتماد وبه تعرف صحته وسقمه)) . وهذا المعنى مقتبس من عبارات المتقدمين: قال سفيان الثوري: ((الاسناد سلاح المؤمن، اذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء ¬

(¬1) الخلاصة ص30. (¬2) تدريب الراوي 1/42، ولم أجده في المنهل. (¬3) أنظر تيسير مصطلح الحديث ص15. (¬4) الالماع ص194. (¬5) ج1 /9-10

يقاتل؟)) (¬1) . وقال الامام شعبة: ((انما يعلم صحة الحديث بصحة الاسناد)) (¬2) . وقال عبد الله بن المبارك: ((الاسناد من الدين، ولولا الاسناد لقال من شاء ما شاء)) (¬3) . اذن فالاسناد لا بد منه من أجل أن لا ينضاف الى النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس من قوله: هنا جعل المحدثون الاسناد أصلا لقبول الحديث؛ فلا يقبل الحديث اذا لم يكن له اسناد نظيف، أوله أسانيد يتحصل من مجموعها الاطمئنان الى أن هذا الحديث قد صدر عمن ينسب اليه؛ فهو أعظم وسيلة استعملها المحدثون من لدن الصحابة رضوان الله عليهم الى عهد التدوين كي ينفوا الخبث عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ويبعدوا عنه ما ليس منه. وقد اهتم المحدثون كذلك بجمع أسانيد الحديث الواحد، لما لذلك من أهمية كبيرة في ميزان النقد الحديثي لأن بجمع الطرق يتبين الخطأ. اذا صدر من بعض الرواة، وبذلك يتميز الاسناد الجيد من الرديء، قال علي بن المديني: ((الباب اذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه)) (¬4) . ويستفاد كذلك من جمع الطرق تفسير بعض النصوص؛ اذ ان بعض الرواة قد يحدث على المعنى، أو يروي جزءا من الحديث وتأتي البقية في سند آخر، قال الامام ¬

(¬1) بحوث في تأريخ السنة ص54. (¬2) التمهيد 1/57. (¬3) مقدمة صحيح مسلم 1/15. (¬4) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/270 وعلوم الحديث ص82، وشرح التبصرة 1/227 وتدريب الراوي 1/253 وتوجيه النظر ص265.

احمد: ((والحديث اذا لم تجمع طرقه لم تفهمه والحديث يفسر بعضه بعضا)) (¬1) . وقال الحافظ أبو زرعة العراقي: ((والحديث اذا جمعت طرقه تبين المراد منه، وليس لنا أن نتمسك برواية ونترك بقية الروايات)) (¬2) . ويعرف كذلك بجمع الطرق الحديث الغريب متنا واسنادا، وهو الذي تفرد به الصحابي أو تفرد به راو دون الصحابي، ومن ثم يعرف هل المتفرد عدل أو مجروح؛ فتكرار الاسانيد لم يكن عبثا وانما له مقاصد وغايات يعلمها المشتغلون بهذه الصنعة، قال الامام مسلم في مقدمته للجامع الصحيح (¬3) : ((وانا نعمد الى جملة ما أسند من الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقسمها على ثلاثة اقسام وثلاث طبقات من الناس على غير تكرار، الا أن يأتي موضع لا استغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى أو اسناد يقع الى جنب اسناد لعلة تكون هناك؛ لأن المعنى الزائد في الحديث المحتاج اليه يقوم مقام حديث تام، فلا بد من اعادة الحديث الذي فيه ما وصفنا من الزيادة، أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث على اختصاره اذا أمكن ولكن تفصيله ربما عسر من جملة فاعادته بهيئة اذا ضاق ذلك أسلم)) . إذا تمهد ذلك فاني سأتحدث عن علل الاسناد في أربعة مباحث وعلى النحو الآتي: ¬

(¬1) الجامع لأخلاق الراوي 2/270. (¬2) طرح التثريب 7/181. (¬3) مسلم هامش النووي 1/38-39.

المبحث الاول: اعلال السند بالانقطاع

المبحث الاول: اعلال السند بالانقطاع ذكرت فيما سبق: أن أول شرط اشترطه المحدثون لصحة الحديث هو الاتصال، فكل حديث فقد هذا الشرط فالأصل: هو الحكم عليه بالضعف، الا أن يتقوى بأمور أخرى. والانقطاع في سند الحديث النبوي يشمل عدة انواع حسب موضع الانقطاع: فاذا كان الانقطاع من أول السند سمي معلقا (¬1) . واذا كان من آخر السند سمي مرسلا (¬2) . واذا كان في وسطه، وكان الساقط واحدا سمي منقطعا. (¬3) واذا توالى سقوط رجلين من وسط الاسناد سمي معضلا. (¬4) واذا سقط رجلان لا على التوالي؛ يكون السند منقطعا في موضعين. وقد يكون في الاسناد مدلس لم يصرح بالسماع؛ فيخشى سقوط رجل فله حكم الانقطاع. وعد بعضهم وجود رجل مبهم في الاسناد انقطاعا (¬5) . ¬

(¬1) انظر علوم الحديث لابن الصلاح ص20. (¬2) انظر علوم الحديث لابن الصلاح ص47. (¬3) انظر علوم الحديث لابن الصلاح ص51. (¬4) انظر علوم الحديث لابن الصلاح ص54. (¬5) كما صنع البيهقي في السنن الكبرى ج3/333 وج4/54 و 7/134، والحاكم في معرفة علوم الحديث ص28، وابن الصلاح ص49، وقارن بالنكت 2/561، والمنهل الروي ص49 وقال العلائي في جامع التحصيل ص108: ((والتحقيق أن قول الراوي: عن رجل ونحوه متصل ولكن حكمه حكم المنقطع لعدم الاحتجاج به)) .

النوع الأول من أنواع الانقطاع: التعليق

والمنقطعات ليست على درجة واحدة من الضعف: فمنها الضعيف، ومنها: ما هو أشد ضعفا؛ فالانقطاع آخر السند أيسر من الانقطاع في أوله أو وسطه، واذا كان الساقط واحدا أيسر من سقوط اثنين، وتدليس (¬1) من يدلس عن الثقات أيسر من الذي يدلس عن الضعفاء. وسوف أتكلم عن الانقطاع في سبعة أنواع، وعلى النحو الآتي: النوع الأول من أنواع الانقطاع: التعليق الحديث المعلق: - هو ما حذف من مبدأ اسناده واحد أو أكثر (¬2) . فالحديث المعلق هو: ما حذف من مبدأ اسناده راو أو راويان أو ثلاثة أو جميع الاسناد (¬3) ، كل ذلك يسمى معلقا. وقد علق البخاري - رحمه الله تعالى - جملة من الأحاديث في كتابه الصحيح (¬4) ، وقد وصلها الحافظ ابن حجر في كتابه تغليق التعليق، ولخصه في ¬

(¬1) التدليس قسمان: احدهما: تدليس الاسناد وهو أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما انه سمعه منه. ثانيهما: تدليس الشيوخ وهو أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه، فيسميه أو يكنيه، أو ينسبه، أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف. أنظر علوم الحديث ص66. وهذان النوعان اكثر تداولا، وسيأتي لذلك مزيد بيان ان شاء الله تعالى. (¬2) علوم الحديث لابن الصلاح ص24، التقريب مع التدريب 1/117، الخلاصة ص 47. (¬3) شرح الفية السيوطي ص79 محمد محي الدين عبد الحميد. (¬4) والمعلقات ليست من نمط الصحيح؛ فلا يعاب عليه اخراجه لها؛ لأنه وسم كتابه بـ ((الجامع الصحيح المسند)) فكل حديث ليس مسندا لم يحكم عليه البخاري بالصحة، هدي الساري ص 8 و 19، توجيه النظر ص88.

مقدمة الفتح (¬1) ، وقد تكلم الحافظ نفسه عن تعاليق البخاري في نكته على ابن الصلاح (¬2) بما لا مزيد عليه فقال: ((أقسام التعليق عند البخاري منها ما يوجد في موضع آخر من كتابه. ومنها ما لا يوجد الا معلقا فأما الاول: فالسبب في تعليقه: أن البخاري من عادته في صحيحه أن لا يكرر شيئا الا لفائدة، فاذا كان المتن يشتمل على أحكام كرره في الأبواب بحسبها أو قطعه في الأبواب اذا كانت الجملة يمكن انفصالها من الجملة الأخرى. ومع ذلك فلا يكرر الاسناد، بل يغاير بين رجاله اما شيوخه أو شيوخ شيوخه ونحو ذلك، فاذا ضاق مخرج الحديث ولم يكن له الا اسناد واحد واشتمل على أحكام واحتاج الى تكريرها فانه والحالة هذه اما أن يختصر المتن او يختصر الاسناد، هذا أحد الأسباب في تعليقه الحديث الذي وصله في موضع آخر. وأما الثاني: وهو ما لا يوجد فيه الا معلقا فهو على صورتين: اما بصيغة الجزم واما بصيغة التمريض، أما الأول: فهو صحيح الى من علقه عنه، وبقي النظر فيما أبرز من رجاله، فبعضه يلتحق بشرطه. والسبب في تعليقه: اما لكونه لم يحصل له مسموعا وانما أخذه على طريق المذاكرة او الاجازة أو كان خرج ما يقوم مقامه فاستغنى بذلك عن ايراد هذا المعلق مستوفى السياق او المعنى أو غير ذلك. وبعضه يتقاعد عن شرطه وان صححه غيره أو حسنه وبعضه يكون ضعيفا من جهة الانقطاع ¬

(¬1) من صفحة 20 الى صفحة 70. (¬2) ج1 ص325-326.

خاصة. أما الثاني: وهو المعلق بصيغة التمريض مما لم يورده في موضع آخر فلا يوجد فيه ما يلتحق بشرطه الا مواضع يسيرة، وقد أوردها بهذه الصيغة لكونه ذكرها بالمعنى، وفيه ما هو صحيح، وان تقاعد عن شرطه اما: لكونه لم يخرج لرجاله أو لوجود علة فيه عنده، ومنه ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف وهو على قسمين: أحدهما: ما ينجبر بأمر آخر، وثانيهما: ما لا يرتقي عن مرتبة الضعيف)) (¬1) أما ذكره عن شيوخه: فقد قال العراقي -رحمه الله-: ((أما ما عزاه البخاري الى بعض شيوخه بصيغة الجزم كقوله: قال فلان وزاد فلان ونحو ذلك فليس حكمه حكم التعليق عن شيوخ شيوخه ومن فوقهم بل حكمه حكم الاسناد المعنعن، وحكمه الاتصال، بشرط ثبوت اللقاء والسلامة من التدليس، واللقاء في شيوخه معروف، والبخاري سالم من التدليس فان حكمه الاتصال)) (¬2) . أما التعليق عند الامام مسلم: فقليل جدا جعله الحافظ ابن حجر اثني عشر حديثا. (¬3) وقد تبين مما ذكرناه: أن معلقات البخاري بصيغة الجزم تعد صحيحة الى من علق اليه، هذا ما استقر عليه الأمر عند جمهور العلماء. ¬

(¬1) انتهى كلام الحافظ. (¬2) شرح التبصرة 1/75 وأنظر علوم الحديث ص65 و 69 و 70. (¬3) النكت 1/352

حديث هشام بن عمار في المعازف وأثره في اختلاف الفقهاء

وقد خالف ذلك بعض العلماء - منهم: ابن حزم - فلم يجعلوا لمعلقات الصحيح مزية على غيرها، سواء كان بصيغة الجزم أو بصيغة التمريض، وانما جعلوا لها حكم غيرها من المنقطعات. ولعل أبرز مثال يوضح ذلك: حديث هشام بن عمار في المعازف، فقد اخرجه البخاري في الصحيح على صورة المعلق، مع أنه ليس معلقا في الواقع؛ لأن هشام بن عمار شيخ البخاري، فظنه ابن حزم معلقا، وحكم عليه بالانقطاع ولم يحتج به، وفيما يأتي نسوق الحديث ونبين آثره في اختلاف الفقهاء. حديث هشام بن عمار في المعازف وأثره في اختلاف الفقهاء قال الامام البخاري في صحيحه (¬1) : وقال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال حدثنا عطية بن قيس الكلابي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال: حدثني أبو عامر - أو أبو مالك الأشعري - والله ما كذبني- سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام الى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم- يعني الفقير- لحاجة فيقولوا ارجع الينا غدا، فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير الى يوم القيامة)) . وهشام بن عمار من شيوخ البخاري (¬2) ، لكن البخاري لم يصرح بالسماع بل ذكره بصيغة التعليق مجزوما به. ¬

(¬1) ج7/138 رقم (5590 من الفتح) (¬2) تهذيب التهذيب 11/52 وتهذيب الكمال 24/433 و 30/244، التاريخ الصغير 2/382 الكاشف للذهبي 2/337 بتحقيق الشيخ محمد عوامة.

وقد أعل ابن حزم هذه الرواية بالتعليق فقال: ((وهذا منقطع لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد ولا يصح في هذا الباب شيء أبدا وكل ما فيه موضوع والله لو أسند جميعه او واحد منه فأكثر من طريق الثقات الى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ترددنا في الأخذ)) (¬1) . وقد رد عليه ابن الصلاح بقوله: ((ولا التفات الى ابي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رده ما أخرجه البخاري من حديث ابي عامر أو ابي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخز والمعازف ... الحديث)) من حجة أن البخاري أورده قائلا فيه: قال هشام بن عمار)) (¬2) . وكذلك أجاب العراقي عن قول ابن حزم هذا بقوله: أما الذي لشيخه عزا بقال فكذي عنعنة كخبر المعازف لا تصغ لابن حزم المخالف (¬3) فمعناه أن له حكم المعنعن بشرط اللقاء وعدم التدليس والبخاري لم يكن مدلسا وثبت لقاؤه بهشام بن عمار (¬4) . قال الحافظ ابن حجر: ((واما ما عزاه البخاري لبعض شيوخه بصيغة قال فلان وزاد فلان ونحو ذلك، فليس حكمه حكم التعليق عن شيوخ شيوخه ومن فوقهم بل ¬

(¬1) المحلى 9/59 (¬2) علوم الحديث 61-62. (¬3) شرح التبصرة 1/274، فتح المغيث 1/50. (¬4) فتح المغيث 1/55.

أثر حديث هشام بن عمار في اختلاف الفقهاء: حكم الغناء وحكم بيع آلات الغناء

حكمه حكم العنعنة من الاتصال بشرط اللقاء والسلامة من التدليس)) (¬1) . وقد استشكل العراقي (¬2) : بأن البخاري قد يوجد في صحيحه أحاديث يرويها عن بعض شيوخه قائلا: قال فلان ويوردها في موضع آخر بواسطة بينه وبين ذلك الشيخ. وقد أجاب الحافظ ابن حجر عن هذا بقوله: ((وقد تقرر عند الحفاظ ان الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم يكون صحيحا الى من علقه عنه ولو لم يكن من شيوخه لكن اذا وجد الحديث المعلق من رواية بعض الحفاظ موصولا الى من علقه بشرط الصحة أزال الاشكال)) (¬3) . ثم ذكر الحافظ: ان الطبراني أخرجه في مسند الشاميين، فقال: حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد، قال حدثنا هشام بن عمار (¬4) . أثر حديث هشام بن عمار في اختلاف الفقهاء: حكم الغناء وحكم بيع آلات الغناء ذهب الجمهور الى حرمة الغناء وحرمة بيع آلات الغناء، على خلاف بين المذاهب في تفصيل ذلك (¬5) ومما استدلوا به حديث هشام بن عمار السابق. وذهب ابن حزم الى جواز الغناء وجواز بيع آلاته فقد قال: ((وبيع الشطرنج والمزامير والعيدان والمعازف والطنابير حلال كله ومن كسر شيئا من ذلك ضمنه..)) ¬

(¬1) النكت 1/220. (¬2) التقييد والايضاح ص91 وما بعدها. (¬3) فتح الباري 10/51. (¬4) المصدر السابق، قلت: وهو في مسند الشاميين 1/334 رقم (588) كما ذكر الحافظ. (¬5) المغني 9/175، نهاية المحتاج 8/280-281، احياء علوم الدين 2/248- 249، فتح الباري 2/442، الفتاوي الهندية 5/351.

النوع الثاني من أنواع الانقطاع: الارسال بمعناه الواسع

ثم قال: ((ان بيعها حلال وكذلك بيع المغنيات وابتياعهن حلال لأنه لم يأت نص بتحريم بيع شيء من ذلك)) . ثم ساق ما احتج به المانعون وضعف ذلك كله وقال: ((ان ما احتجوا به من آثار لا تصح أو يصح بعضها ولا حجة لهم فيها)) . (¬1) النوع الثاني من أنواع الانقطاع: الارسال بمعناه الواسع تدل كلمة الارسال من حيث عمومها على عدة معان: أولا: الانقطاع الظاهر. ثانيا: التدليس. ثالثا: الارسال الخفي. رابعا: سقوط ما فوق التابعي. والمرسل في اطلاق المتقدمين يراد به كل انقطاع في السند سواء كان الانقطاع في أول السند أو في آخره أو في وسطه، وذلك هو مذهب أكثر الاصوليين وأهل الفقه والخطيب وجماعة من المحدثين (¬2) . ثم استقر الاصطلاح في: ان المرسل لا يطلق الا على ما رفعه التابعي الى النبي صلى الله عليه وسلم (¬3) . وقد مزج ابن الصلاح بين التدليس والارسال الخفي، فقد عرف التدليس - أي: تدليس الاسناد -بقوله: ((هو أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه؛ موهما ¬

(¬1) المحلى 9/55-61. (¬2) علوم الحديث ص52، شرح النووي على مسلم 1/30، الخلاصة ص66، شرح التبصرة 1/146 جواهر الاصول ص43-44، النكت 2/543، فتح المغيث 1/130-131، شرح الفية السيوطي ص27. (¬3) وذلك كما هو متداول في كتب المصطلح. وأنظر الكفاية ص21.

الصورة الأولى: الانقطاع الظاهر

أنه سمعه منه، أو عمن عاصره، ولم يلقه موهما أنه لقيه وسمعه منه)) (¬1) . وقد اعترض الحافظ ابن حجر على قوله: ((عمن عاصره ولم يلقه)) بأنه ليس من التدليس، بل هو من المرسل الخفي اذ قال: ((والتحقيق فيه التفصيل: وهو أن من ذكر بالتدليس أو الارسال اذا ذكر بالصيغة الموهمة عمن لقيه فهو تدليس، أو عمن أدركه ولم يلقه فهو المرسل الخفي، أو عمن لم يدركه فهو مطلق الارسال)) (¬2) . فتبين لنا من هذا أن كلمة الارسال تدل على أربعة معان: الأول: الانقطاع الظاهر، وهو: أن يروي الراوي عمن لم يعاصره. الثاني: تدليس الاسناد، وهو: أن يروي الراوي عمن لقيه وسمع منه ما لم يسمعه. الثالث: المرسل الخفي، وهو: ان يروي الراوي عمن عاصره ولم يلقه، او لقيه ولم يسمع منه. الرابع: سقوط ما فوق التابعي. وسوف أتكلم عن كل صورة من هذه الصور وأمثل لها بما يصح التمثيل به وأذكر أثر ذلك في اختلاف الفقهاء ان شاء الله تعالى. الصورة الأولى: الانقطاع الظاهر وهو ما يسمى بالمنقطع عند الاطلاق، ووجد التعبير عنه بالمرسل كثيرا عند المتقدمين (¬3) . ¬

(¬1) علوم الحديث ص66. (¬2) النكت 2/614. (¬3) أنظر استخدام الترمذي في جامعه 1/22 عقيب (14)

مثال للمنقطع وأثره في اختلاف الفقهاء: العدد الذي تنعقد به صلاة الجمعة

وهو لغة: اسم فاعل من انقطع، والانقطاع ضد الاتصال (¬1) . واصطلاحا: ما سقط من اسناده راو واحد قبل الصحابي أو أكثر من راو بشرط عدم التوالي في أي موضع كان من مواضع السند (¬2) . والأصل في الحديث المنقطع: أنه ضعيف عند المحدثين؛ لأنه فقد شرط الاتصال؛ وللجهالة بحال الساقط الذي لم تعرف عدالته، ولا ضبطه. قال الشوكاني: ((ولا تقوم الحجة بالحديث المنقطع، وهو الذي سقط من رواته واحد ممن دون الصحابي، وذلك للجهل بحال المحذوف من حيث عدالته وضبطه؛ لأن ثبوت هذا شرط لقبول الحديث)) (¬3) . مثال للمنقطع وأثره في اختلاف الفقهاء: العدد الذي تنعقد به صلاة الجمعة اختلف العلماء في العدد الذي تنعقد به صلاة الجمعة على أقوال، نذكر أهمها فيما يأتي: القول الأول: ان الجمعة لا تنعقد بأقل من أربعة أحدهم الامام. وبذلك قال أبو حنيفة وبعض الفقهاء منهم: الثوري، والليث، وابن المنذر من الشافعية، وهو رواية عن الأوزاعي وأبي ثور. (¬4) ¬

(¬1) تيسير مصطلح الحديث ص76. (¬2) شرح التبصرة 1/158، نزهة النظر ص44، فتح المغيث 1/149، توضيح الأفكار 1/324. (¬3) ارشاد الفحول ص66. (¬4) المغني 2/172، شرح فتح القدير 1/415، المجموع 4/373، المحلى 5/46، فقه الامام سعيد 2/9 وما بعدها ومسائل من الفقه المقارن 1/129-132.

واستدلوا لذلك بما روي عن الزهري، عن أم عبد الله الدوسية، قالت: سمعت رسول اله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الجمعة واجبة على أهل كل قرية، وان لم يكونوا الا ثلاثة رابعهم امامهم)) أخرجه الدارقطني، (¬1) وأعله بالانقطاع فان الزهري لم يسمع من أم عبد الله. وذهب بعضهم الى أنها لا تنعقد بأقل من ثلاثة. وهو مذهب أبي يوسف والزيدية (¬2) . وجاء بمعنى هذا المذهب حديث الزهري السابق، عن أم عبد الله الدوسية، فقد جاء في بعض رواياته عند البيهقي (¬3) بلفظ: ((الجمعة واجبة في كل قرية فيها امام، وان لم يكونوا الا أربعة، حتى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة)) . وذهب بعضهم الى أنها لا تنعقد بأقل من أربعين. وممن قال بذلك الشافعي، وأحمد في رواية (¬4) . وذهب بعضهم الى أنها لا تنعقد بأقل من خمسين. وهو رواية عن أحمد (¬5) . وذهب بعضهم الى أنها لا تنعقد الا بجماعة يمكن أن تتكون بهم قرية مستقلة، ¬

(¬1) سنن الدارقطني 2/7. (¬2) المغني 2/172، شرح فتح القدير 1/415، المجموع 4/373، المحلى 5/46، فقه الامام سعيد 2/9 وما بعدها. (¬3) السنن الكبرى 3/179. (¬4) المغني 2/172، المجموع 4/373، فقه الامام سعيد 2/9 وما بعدها. (¬5) المغني 2/172.

ويكون بينهم بيع وشراء من غير حصر بعدد، وممن قال ذلك مالك (¬1) وذهب بعضهم الى أن الجمعة تنعقد بما تنعقد به الجماعة. وبذلك قال ابن حزم (¬2) . فمن أخذ بالمنقطع أعمل مقتضاه هنا، ومن لم يأخذ به اتجه للاستدلال اتجاها آخر وقد صرح غير واحد من الحفاظ: بأنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العدد الذي تنعقد به الجمعة (¬3) ومثال ذلك ايضا: حديث يعقوب بن ابراهيم الاسكندراني، عن عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب، عن جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((صيد البر حلال ما لم تصيدوه او يصاد لكم)) . (¬4) وهذا سند منقطع؛ فالمطلب بن حنطب بن الحارث المخزومي لم يسمع من جابر. ¬

(¬1) الاشراف للبغدادي 1/127. (¬2) المحلى 5/46. (¬3) نصب الراية 2/197، نيل الاوطار 3/265. (¬4) أخرجه عبد الرزاق (8349) ، وأحمد 3/362 و 387 و 389، وأبو داود 2/171 رقم (1851) ، والترمذي 3/203 رقم (846) ، والنسائي 5/187، وابن خزيمة (2641) ، وابن حبان (3971) ، والحاكم 1/452، والبيهقي 5/190، والبغوي (1989) كلهم من طريق عمرو بن أبي عمرو، بهذا الاسناد. وأخرجه الشافعي 1/323، والطحاوي في شرح المعاني 2/171، والدارقطني 2/291 من طريق عمرو بن أبي عمرو، عن رجل من بني سلمة، عن جابر، به.

أثره في اختلاف الفقهاء: حكم أكل الصيد للمحرم

قال الترمذي: (لا نعرف له سماعا من جابر) . (¬1) وقال أبو حاتم: ((عامة أحاديثه مراسيل، لم يدرك أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع من جابر)) (¬2) أثره في اختلاف الفقهاء: حكم أكل الصيد للمحرم لا خلاف في تحريم الصيد على المحرم اذا صاده بنفسه أو ذبحه (¬3) . وكذلك يحرم على المحرم أكله اذا صاده حلال وكان من المحرم دلالة أو اشارة (¬4) واختلفوا فيما اذا صاده حلال، مع أنه لم يكن من المحرم اعانة ولا دلالة ولا اشارة: فقال بعض السلف: يحرم على المحرم الأكل من لحم الصيد مطلقا. روي ذلك عن علي، وابن عمر، وابن عباس، وغيرهم (¬5) وحجتهم حديث الصعب بن جثامة الليثي: أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه، وقال: ((انا لم نرده عليك الا انا حرم)) (¬6) . ¬

(¬1) الجامع 3/204 عقيب (846) (¬2) المراسيل ص210. وأنظر تحفة الاشراف 2/379 حديث (3098) (¬3) المغني 3/289. (¬4) المصدر السابق. (¬5) المغني 3/290، المجموع 7/304. (¬6) أخرجه البخاري 3/16 رقم (1825) ، ومسلم 4/13 رقم (850) ، وابن ماجه 2/1032 رقم (3090) ، والترمذي 3/206 رقم (849) ، وابن خزيمة (2637) .

الصورة الثانية: التدليس

لكن هذا يحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رده لأنه علم انه صيد من أجله. وذهب بعض الفقهاء الى أنه لا يحرم على المحرم أكله الا اذا علم أنه صيد من أجله، وبذلك قال مالك، والشافعي، وأحمد (¬1) . وذلك لحديث جابر الذي سبق الكلام عليه. وقال أبو حنيفة: ما دام الذي صاده حلال ولم يعنه المحرم بشيء حتى ولو باشارة جاز للمحرم الأكل منه وان صاده الحلال من أجله (¬2) . ودليله حديث أبي قتادة مرفوعاً وفيه: ((هل منكم أحد أمره أو أشار اليه بشيء؟ قال: قالوا: لا، قال: فكلوا ما بقي من لحمها)) (¬3) . لكن هذا ينبغي حمله على أنه لم يصد من أجلهم حتى يجمع بين الأحاديث، ولا يكون بينهما تناقض. الصورة الثانية: التدليس تعريفه: التدليس لغة: من الدلس، وهو اختلاط الظلام بالنور. (¬4) وعند المحدثين أنواع: الأول: تدليس الاسناد، وهو أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه بصيغة ¬

(¬1) المغني 3/289، القوانين الفقهية ص120. (¬2) المغني 3/289، القوانين الفقهية ص120، الاختيار 1/233 بدائع الصنائع 2/198. (¬3) أخرجه أحمد 5/301، والدارمي (1833) ، والبخاري 3/14 رقم (1821) ، ومسلم 4/15 رقم (1196) ، وابن ماجه 2/1033 رقم (3093) ، والنسائي 5/185، وابن خزيمة (2642) . (¬4) لسان العرب مادة ((دلس)) ، القاموس المحيط 2/224.

محتملة. (¬1) والصيغة المحتملة أن لا يصرح بالسماع نحو ((حدثنا، أخبرنا، أنبأنا، سمعت، قال لنا)) . لكن يأتي بصيغة محتملة نحو ((ان، عن، قال، حدث، روى، ذكر)) ؛ لذا لم يقبل المحدثون حديث المدلس ما لم يصرح بالسماع (¬2) . الثاني: تدليس الشيوخ، وهو: أن يأتي باسم شيخه أو كنيته على خلاف المشهور به تعمية لأمره وتوعيراً للوقوف على حاله (¬3) . الثالث: تدليس التسوية (¬4) ، وهو: ان يروي عن شيخه، ثم يسقط ضعيفا بين ثقتين قد سمع أحدهما من الآخر أو لقيه، ويرويه بصيغة محتملة بين الثقتين (¬5) . وممن اشتهر بهذا الوليد بن مسلم (¬6) وبقية بن الوليد (¬7) . الرابع: تدليس العطف: مثل ان يقول الراوي: حدثنا فلان وفلان وهو لم يسمع من الثاني (¬8) . الخامس: تدليس السكوت: كأن يقول الراوي: حدثنا أو سمعت، ثم يسكت ¬

(¬1) علوم الحديث ص73، التقريب مع التدريب 1/223، الخلاصة ص74. (¬2) المصادر السابقة، وأنظر العواصم والقواصم 3/60. (¬3) علوم الحديث ص66، اختصار علوم الحديث ص55. (¬4) وقد سماه القدماء تجويدا، فتح المغيث 1/182، توجيه النظر ص250، تدريب الراوي 1/226 (¬5) المصادر السابقة. (¬6) الوليد بن مسلم القرشي، ثقة كثير التدليس والتسوية، التقريب 2/336. (¬7) بقية بن الوليد بن صائد الكلاعي صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، التقريب 1/105. وأنظر الكلام حول تدليسهما الموقضة ص46. (¬8) الباعث الحثيث 55-56.

برهة، ثم يقول: هشام بن عروة أو الأعمش موهما انه سمع منهما وليس كذلك (¬1) . السادس: تدليس القطع: هو أن يحذف الصيغة ويقتصر على قوله -مثلا- الزهري، عن انس (¬2) . السابع: تدليس صيغ الأداء، وهو ما يقع من المحدثين من التعبير بالتحديث أو الاخبار عن الاجازة موهما للسماع ولا يكون سمع من ذلك الشيخ شيئا (¬3) . وأكثر أنواع التدليس وجودا تدليس الاسناد والشيوخ، والذي يعنينا في دراستنا هذه تدليس الاسناد حيث قد سقناه تحت الارسال. والتدليس مكروه عند المحدثين، وقد يصير حراما حسب الأسباب الدافعة اليه كأن يدلس عن ضعيف شديد الضعف. وكان الامام شعبة بن الحجاج يذم التدليس ذما شديدا. (¬4) وأسباب التدليس كثيرة، منها: العلو في الاسناد أو لصغر شيخه أو لضعفه (¬5) . وحديث المدلس مردود الا أن يصرح بالسماع. أما تدليس التسوية فيشترط فيه: التحديث والاخبار من أول السند الى آخره. (¬6) وسبب رد المحدثين حديث المدلس اذا لم يصرح بالسماع خشية سقوط رجل بين المدلس ومن عنعن عنه. كما في حديث عبد الملك بن عبد العزيز بن ¬

(¬1) المصدر السابق (¬2) المصدر السابق (¬3) المصدر السابق (¬4) اختصار علوم الحديث ص56. (¬5) الموقظة ص48. (¬6) النكت 1/293.

أثر التدليس في اختلاف الفقهاء: حكم تغميض العينين في الصلاة

جريج، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا: ((لا تبل قائما)) أخرجه ابن حبان (¬1) وقال: أخاف أن ابن جريج لم يسمع من نافع هذا الخبر)) (¬2) . أثر التدليس في اختلاف الفقهاء: حكم تغميض العينين في الصلاة ذهب بعض الفقهاء الى أن تغميض العينين في الصلاة مكروه. وبه قال مالك والشافعي وأحمد (¬3) . والحجة لهم: ما روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه)) . قال الهيثمي: ((رواه الطبراني في الثلاثة، وفيه: ليث بن أبي سليم، وقد عنعنه)) (¬4) . وذهب بعضهم الى عدم كراهيته (¬5) . أما اذا صرح المدلس بالسماع فيقبل حديثه. مثال ذلك: حديث محمد بن اسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة، قالت: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع، فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي. وأنا أقول: وا رأساه. فقال: ((بل أنا، يا عائشة، وا رأساه)) ثم قال: ¬

(¬1) الاحسان 4/271 رقم (1423) . (¬2) ولقد صدق ظن ابن حبان فقد صرح ابن جريج، وذكر الساقط. راجع ما كتبناه ص (¬3) المغني 1/662، مغني المحتاج 1/180. (¬4) مجمع الزوائد 2/83 وهو في الكبير (10956) والاوسط (2239) والصغير (24) . (¬5) كالامام النووي فقد قال: ((والأظهر عندي جوازه)) المنهاج هامش مغني المحتاج 1/180.

أثر حديث محمد بن اسحاق في اختلاف الفقهاء

((ما ضرك لو مت قبلي؛ فقمت عليك فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك (¬1)) ) . ومدار هذا الحديث على محمد بن اسحاق وهو مدلس (¬2) وقد عنعن في بعض الطرق وبهذا أعله البيهقي (¬3) ، لكنه قد صرح بالسماع عند البيهقي نفسه (¬4) ، فانتفت شبهة تدليسه فصح حديثه. أثر حديث محمد بن اسحاق في اختلاف الفقهاء اختلف الفقهاء في غسل أحد الزوجين الآخر، اذ أن الفقهاء اتفقوا على أن غسل الميت واجب على الكفاية الا ما حكي عن مالك في رواية عنه أنه سنة (¬5) ، وأجمعوا على جواز غسل المرأة زوجها، واختلفوا في جواز غسل الرجل زوجته على قولين: القول الأول: يجوز للرجل غسل زوجته. وبذلك قال جمهور العلماء واليه ذهب الشافعي، وأحمد في المشهور عنه (¬6) واستدلوا بحديث محمد بن اسحاق السابق. القول الثاني: لا يجوز للرجل غسل زوجته. ¬

(¬1) أخرجه عبد الرزاق (9754) ، وأحمد 6/228، وابن ماجه 1/470 رقم (1465) ، والنسائي في الكبرى (7079) ، وابن حبان (6586) ، والبيهقي في السنن 3/396، وفي دلائل النبوة 7/168-169. (¬2) هو محمد بن اسحاق بن يسار صدوق يدلس تقريب التهذيب 2/144 وانظر الكاشف 2/156 بتحقيق الشيخ محمد عوامة. (¬3) السنن الكبرى 3/396. (¬4) دلائل النبوة 7/168- و 169 وكذلك صرح عند ابن هشام في السيرة النبوية 4/292. (¬5) الشرح الكبير 2/309، حاشية الدسوقي 1/407، نيل الاوطار 4/23، شرح السنة 5/310. (¬6) المغني 2/298، المجموع 5/119، شرح السنة 5/310.

الصورة الثالثة: الارسال الخفي

وهو مروي عن بعض السلف. وبه قال أبو حنيفة وهو رواية عن أحمد (¬1) . وكأنهم لم يأخذوا بحديث محمد بن اسحاق لعنعنته له في بعض الطرق. واحتجوا بأن الموت فرقة تبيح اختها وأربعا سواها؛ فحرمت النظر واللمس كالطلاق (¬2) . الصورة الثالثة: الارسال الخفي تعريفه: عرفه الحافظ ابن حجر بأنه: ((ما رواه الراوي بصيغة محتملة عمن عاصره ولم يعرف ¬

(¬1) بدائع الصنائع 1/305، المغني 2/398، المجموع 5/119، شرح السنة 5/310. (¬2) المغني 2/298.

أنه لقيه، بل بينهما واسطة)) . (¬1) وقد سبق أن بينت أن ابن الصلاح -رحمه الله-قد مزج بين المرسل الخفي والتدليس، فأدخله في تدليس الاسناد. وسمي هذا بالخفي لخفائه على كثير من الناس، فهو أشبه بالتدليس؛ لذا اختلف العلماء فيه اختلافا كثيرا (¬2) . ورجح السخاوي تعريف الحافظ ابن حجر فقال: ((بل هو على المعتمد في تعريفه حسبما أشار اليه شيخنا الانقطاع في أي موضع كان من السند بين راويين متعاصرين لم يلتقيا، وكذا لو التقيا، ولم يقع بينهما سماع فهو انقطاع مخصوص يندرج في تعريف من لم يتقيد في المرسل بسقط خاص (¬3)) ) . وعرفه الزبيدي بقوله: ((والخفي من المرسل ما يرويه عمن عاصره ولم يعرف أنه لقيه)) (¬4) مثال ذلك: حديث فاطمة بنت المنذر، عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام)) (¬5) . وقد أعل هذا الحديث بالانقطاع (أي: أنه مرسل خفي) بين فاطمة بنت المنذر وأم سلمة لأن فاطمة كانت أسن من زوجها هشام باثني عشر عاما، فكان مولده في سنة 60 ومولد فاطمة في سنة 48، وماتت أم سلمة سنة 59، وفاطمة صغيرة لم تبلغها فكيف تحفظ عنها (¬6) . وأجيب عن هذا: بأنه لا يلزم انقطاع الحديث من أجل أن فاطمة بنت المنذر لقيت أم سلمة صغيرة، فقد يعقل الصغير أشياء ويحفظها، وقد عقل محمود ابن الربيع المجة، وهو ابن خمس سنين (¬7) . وسماع من له أحد عشر عاما ممكن صحيح، غير اننا لا نسلم أنها كان عمرها ¬

(¬1) نزهة النظر ص45 وأنظر فتح المغيث 3/79. (¬2) منهج النقد ص286. (¬3) فتح المغيث 3/85-86. (¬4) بلغة الأريب ص192. (¬5) اخرجه الترمذي 3/458 رقم (1152) ، وابن حبان (4224) ، والطبراني في الاوسط (7513) والخطيب في التأريخ 7/55، وقال الترمذي: ((حسن صحيح)) وله شاهد من حديث عبد الله بن الزبير، مرفوعا مختصرا بلفظ: ((لا رضاع الا ما فتق الأمعاء)) أخرجه ابن ماجه 1/626 رقم (1946) من طريق عبد الله بن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عبد الله بن الزبير، به وهذا سند جيد رجاله ثقات غير ابن لهيعة وهو سيء الحفظ الا في رواية العبادلة، وهذا منها. (¬6) زاد المعاد 5/585 والكاشف 2/515 بتحقيق الشيخ محمد عوامة. (¬7) صحيح البخاري 1/29 رقم (77) وقد بوب له البخاري: ((باب متى يصح سماع الصغير))

أثر حديث فاطمة في اختلاف الفقهاء: وقت الرضاع المحرم

أحد عشر عاما بل كان عمرها أربعة عشر عاما حين توفيت أم سلمة؛ فقد ثبت في صحيح مسلم (¬1) : ((أن الحارث بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان دخلا عليها في خلافة يزيد بن معاوية، فسألاها عن الجيش الذي يخسف به ... الحديث)) . وكان ذلك في حين جهز يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة بعسكر الشام الى المدينة، وكانت وقعت الحرة سنة ثلاث وستين (¬2) . وهذا يرد قول من قال: أنها ماتت سنة تسع وخمسين اعتمادا على رواية الواقدي (¬3) . أثر حديث فاطمة في اختلاف الفقهاء: وقت الرضاع المحرم اختلف الفقهاء في وقت الرضاع المحرم الذي يكون منه التحريم على أقوال: القول الأول: شرط تحريم الرضاع أن يكون في الحولين. وهو قول أكثر أهل العلم منهم: عمر، وعلي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم - سوى عائشة- واليه ذهب: الشعبي، وابن شبرمة، والأوزاعي، والشافعي، واسحاق، وأبو يوسف، ومحمد، وأبو ثور، وهو رواية عن مالك (¬4) . وحجتهم الحديث السابق. ¬

(¬1) الجامع الصحيح 8/166 رقم (2882) . (¬2) تأريخ الخلفاء ص209. (¬3) زاد المعاد 5/585. (¬4) المغني 9/201 وما بعدها، بداية المجتهد 2/27، المحلى 10/17، بدائع الصنائع 4/6 نيل الأوطار 6/315.

الصورة الرابعة: الارسال بالمعنى الخاص

القول الثاني: يحرم الرضاع في ثلاثين شهرا. وبه قال أبو حنيفة (¬1) . القول الثالث: مدة الرضاع ثلاث سنين. وبه قال زفر (¬2) . القول الرابع: رضاعة الكبير تحرم. ويروى هذا عن عائشة وعطاء والليث وداود (¬3) . الصورة الرابعة: الارسال بالمعنى الخاص المرسل لغة: - هو: اما مشتق من الارسال بمعنى: الاطلاق وعدم المنع؛ ومنه قوله تعالى: ((انا ارسلنا الشياطين على الكافرين)) (¬4) فكأن المرسل أطلق الحديث، ولم يقيده براو معروف. وقيل: انه مأخوذ من قولهم جاء القوم أرسالا، أي: متفرقين؛ لأن بعض الاسناد منقطع عن بعض. وقيل: مأخوذ من قولهم: ناقة رسل، أي: سريعة السير، كأن المرسل للحديث أسرع فيه فحذف بعض اسناده (¬5) . ¬

(¬1) المصادر السابقة. (¬2) المصادر السابقة. (¬3) المصادر السابقة. (¬4) سورة مريم الآية 83. (¬5) لسان العرب مادة ((رسل)) ، الاسناد عند المحدثين ص309.

وفي الاصطلاح: ما أضافه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير تقييد بالكبير (¬1) . وقيده بعضهم بحديث التابعي الكبير (¬2) . وحده بعضهم (¬3) : ((أنه قول غير الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)) . والمشهور الأول وهو الذي استقر عليه الاصطلاح عند المحدثين. آراء العلماء في الاحتجاج بالمرسل: اختلف أهل العلم في الاحتجاج بالمرسل على أقوال كثيرة (¬4) . أشهرها ثلاثة أقوال رئيسة: القول الأول: ان الحديث المرسل ضعيف لا تقوم به حجة. وهذا ما ذهب اليه جمهور المحدثين، وكثير من أهل الفقه والأصول (¬5) . قال الامام مسلم - رحمه الله تعالى -: ((والمرسل في أصل قولنا وقول أهل ¬

(¬1) علوم الحديث للحاكم ص25، التمهيد 1/19-20، ما لا يسع المحدث جهله ص29، جامع الأصول ج1/115، علوم الحديث لابن الصلاح ص51، التقريب مع التدريب 1/195، الخلاصة ص66، اختصار علوم الحديث ص48، النكت 2/540، نزهة النظر ص43، فتح المغيث 1/129، توضيح الافكار 1/283، ظفر الأماني ص343. (¬2) التمهيد 1/19، فتح المغيث 1/29. (¬3) نقله ابن كثير (اختصار علوم الحديث: ص48) عن ابن الحاجب. (¬4) أو صلها الحافظ ابن حجر (النكت: 2/546-552) الى ثلاثة عشر قولا. (¬5) الكفاية ص384، علوم الحديث ص49، الخلاصة ص49، جامع التحصيل ص48، البحر المحيط 4/404، شرح التبصرة 1/148، نزهة النظر 44، اختصار علوم الحديث ص 48، تدريب الراوي 1/162، شرح السنة 1/245.

العلم بالاخبار ليس حجة)) (¬1) . وقال ابن الصلاح: (وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو الذي استقر عليه آراء جماعة حفاظ الحديث ونقاد الأثر وتداولوه في تصانيفهم) (¬2) وحجتهم: هو جهالة الواسطة التي روى المرسل الحديث عنه، اذ قد يكون الساقط صحابيا وقد يكون تابعيا. وعلى الاحتمال الثاني قد يكون ثقة وقد يكون غير ثقة؛ قال الخطيب البغدادي: ((والذي نختاره سقوط فرض العمل بالمرسل، وان المرسل غير مقبول، والذي يدل على ذلك: أن ارسال الحديث يؤدي الى الجهل بعين راويه، ويستحيل العلم بعدالته مع الجهل بعينه، وقد بينا من قبل أنه لا يجوز قبول الخبر الا ممن عرفت عدالته، فوجب كذلك كونه غير مقبول، وأيضا فان العدل لو سئل عمن أرسل؟ فلم يعدله لم يجب العمل بخبره اذا لم يكن معروف العدالة من جهة غيره، وكذلك حاله اذا ابتدأ الامساك عن ذكره وتعديله؛ لانه مع الامساك عن ذكره غير معدل له فوجب أن لا يقبل الخبر عنه)) (¬3) . وقال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر المرسل في أنواع المردود: ((وانما ذكر في قسم المردود للجهل بحال المحذوف لأنه يحتمل أن يكون صحابيا ويحتمل أن يكون تابعيا وعلى الثاني يحتمل أن يكون ضعيفا ويحتمل أن يكون ثقة، وعلى الثاني يحتمل أن يكون حمل عن صحابي، ويحتمل أن يكون حمل عن تابعي، ¬

(¬1) مقدمة صحيح مسلم هامش النووي 1/112، ونقله عنه ابن الصلاح في علوم الحديث ص49-50. (¬2) علوم الحديث ص49، ونقله عنه ابن كثير في اختصار علوم الحديث ص48. (¬3) الكفاية ص387.

وعلى الثاني فيعود الاحتمال السابق، ويتعدد اما بالتجويز العقلي فالى ما لا نهاية، واما بالاستقراء فالى ستة أو سبعة، وهو أكثر ما وجد في رواية بعض التابعين عن بعض)) (¬1) . القول الثاني: يقبل المرسل من كبار التابعين دون غيرهم بشرط الاعتبار في الحديث المرسل والراوي المرسل، أما الاعتبار في الحديث: فهو أن يعتضد بواحد من أربعة أمور: أن يروى مسندا من وجه آخر، أو يروى مرسلا بمعناه عن راو آخر لم يأخذ عن شيوخ الأول؛ فيدل ذلك على تعدد مخرج الحديث، أو يوافقه قول بعض الصحابة أو يكون قال به أكثر أهل العلم، وأما الاعتبار في راوي المرسل: فأن يكون الراوي اذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولا ولا مرغوبا عنه في الرواية، فاذا وجدت هذه الأمور كانت دلالة على صحة مخرج حديثه فيحتج به. وهو قول الامام الشافعي (¬2) . القول الثالث: يقبل المرسل ويحتج به اذا كان راويه ثقة. وهو قول أبي حنيفة، ومالك، ورواية عن أحمد، وهو مذهب كثير من المتقدمين (¬3) . ¬

(¬1) نزهة النظر ص43-44. (¬2) الرسالة ص461-465، الكفاية ص384، الاحكام في أصول الاحكام 2/112، علوم الحديث لابن الصلاح ص49، جامع التحصيل ص39، البحر المحيط 4/413. (¬3) أصول السرخسي 1/361، علوم الحديث ص51، اختصار علوم الحديث ص، الخلاصة 67 فتح المغيث 1/146، تدريب الراوي 1/171.

أثر المرسل في اختلاف الفقهاء: الأرض الصلبة إذا أصابتها نجاسة مائعة

أثر المرسل في اختلاف الفقهاء: الأرض الصلبة إذا أصابتها نجاسة مائعة ذهب الحنفية الى أن الأرض الصلبة اذا أصابتها نجاسة مائعة فلا سبيل الى تطهيرها الا بقلب اعلاها حتى يصير أسفلها (¬1) . واستدلوا بالمرسل الذي رواه عبد الله بن معقل بن مقرن قال: صلى اعرابي مع النبي صلى الله عليه وسلم -بهذه القصة- (¬2) ، قال فيه: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه واهريقوا على مكانه)) . رواه أبو داود وقال: هو مرسل، ابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم (¬3) وذهب الجمهور الى أن الصب مطهر للأرض ولا يجب الحفر (¬4) . واستدلوا بما رواه أبو هريرة قال: قام اعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((دعوه وأهريقوا على بوله سجلا (¬5) من ماء أو ذنوبا من ماء، فانما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)) (¬6) ¬

(¬1) اللباب 1/107، عمدة القاري 1/123، فتح القدير 1/138. (¬2) اختصره ابو داود وأشار الى الذي قبله. (¬3) سنن أبي داود 1/103 رقم (381) وابن معقل هو عبد الله بن معقل الكوفي ثقة، التقريب 1/453. (¬4) نيل الأوطار 1/42، شرح السنة 2/81 و 82. (¬5) السجل: الدلو الكبير. (¬6) أخرجه البخاري 8/11 رقم (6010) ، والترمذي 1/275 رقم (147) ، وابن ماجه 1/176 رقم (529) .

حكم زكاة مال الصبي والمجنون

مثال آخر: حكم زكاة مال الصبي والمجنون اختلف الفقهاء في زكاة مال الصبي والمجنون. فذهب الجمهور الى وجوب الزكاة في مالهما. (¬1) واحتجوا بحديث يوسف بن ماهك (¬2) ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ابتغوا في مال اليتيم أو في أموال اليتامى، لا تذهبها أو تستهلكها الصدقة)) . رواه البيهقي وهو مرسل (¬3) . وهذا المرسل نموذج للمرسل الذي شرط الشافعي لقبوله أن يعتضد بواحد من أمور أربعة، فقد اعتضد هذا المرسل بثلاثة أمور من الأربعة: فالحديث روي موصولا من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده (¬4) ، ورواه الدارقطني من طريقين آخرين (¬5) . وقد اعتضد بفتيا ثلاثة من الصحابة بموجبه: عمر وعلي، وأم المؤمنين (¬6) وأيضا: فان القول بموجبه هو قول جمهور الفقهاء. وذهب بعض العلماء الى انها لا تجب في مالهما. ¬

(¬1) المجموع 5/331، المغني 2/492، المدونة 2/10، المحلى 5/205، شرح السنة 6/64. (¬2) يوسف بن ماهك بن بهزاد ثقة من الثالثة مات سنة ست ومائة، تقريب التهذيب 2/382. (¬3) السنن الكبرى 4/107. (¬4) أخرجه الترمذي 3/32 رقم (641) ، والدارقطني 2/110، والبيهقي 4/107، والبغوي (1589) ، وروي موقوفا من قول عمر أخرجه أحمد كما في سؤالات عبد الله (744) ، والدارقطني 2/110. (¬5) سنن الدارقطني 2/110-111. (¬6) أنظر الآثار عنهم في المحلى 5/208، وسؤالات أحمد برواية ابنه عبد الله (744) .

النوع الثالث من انواع المنقطع: المعضل

وبذلك قال أبو حنيفة وبعض الزيدية، وهو الراجح عند الامامية، لكن استثنى أبو حنيفة ومن وافقه من الزيدية الزروع والثمار، فأوجبوا فيها الزكاة لا فرق بين أن يكون المالك قاصرا أو غير قاصر (¬1) وذهب بعضهم الى أنها تجب في أموالهم الظاهرة كالزروع والمواشي ونحو ذلك ولا تجب في نقوده (¬2) النوع الثالث من انواع المنقطع: المعضل المعضل لغة: اسم مفعول، من أعضله بمعنى أعياه (¬3) . وفي اصطلاح المحدثين: هو عبارة عما سقط من اسناده اثنان فصاعدا على التوالي (¬4) . وسمى ابن الصلاح حديث تابع التابعي اذا كان مرفوعا معضلا (¬5) . والحديث المعضل ضعيف عند المحدثين لجهالة الساقطين من الاسناد، قال الجوزجاني: ((المعضل أسوأ حالا من المنقطع والمنقطع أسوأ حالا من المرسل، والمرسل لا تقوم به حجة)) (¬6) . ¬

(¬1) مختصر الطحاوي ص45، المجموع 5/99، تبيين الحقائق 1/252، شرح فتح القدير 2/115، شرح السنة 6/64، مسائل من الفقه المقارن 1/190 وما بعدها. (¬2) المصادر السابقة. (¬3) تيسير مصطلح الحديث ص74. (¬4) علوم الحديث ص59، التقريب مع التدريب 1/211، الخلاصة ص69، اختصار علوم الحديث ص51. (¬5) علوم الحديث ص59. (¬6) النكت 2/581.

نموذج لأثر المعضل في اختلاف الفقهاء: حكم من جامع زوجته وهي حائض

نموذج لأثر المعضل في اختلاف الفقهاء: حكم من جامع زوجته وهي حائض اتفق الفقهاء على حرمة جماع الرجل زوجته وهي حائض (¬1) . واختلفوا في وجوب الكفارة: فمنهم: من لم يوجب كفارة في ذلك. وهو مذهب أكثر الفقهاء. واليه ذهب أبو حنيفة، ومالك، والشافعي في الجديد، وأحمد في رواية (¬2) . ومنهم: من أوجب عليه الكفارة. وهو مذهب بعض الصحابة والتابعين، ومن جاء بعدهم، منهم ابن عباس، وقتادة، والأوزاعي. وهو قول الشافعي القديم، وأحمد في رواية (¬3) . وقد قال الأوزاعي: عليه أن يتصدق بخمس دينار. واحتج بما رواه هو عن يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: آمره أن يتصدق بخمس دينار قال أبو داود: ((هذا الحديث معضل)) (¬4) . ووجه الاعضال هنا: هو سقوط راويين بين عبد الحميد بن عبد الرحمن وبين النبي صلى الله عليه وسلم فان عبد الحميد هذا هو ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ثقة من ¬

(¬1) عمدة القاري 3/266، المجموع 2/359، المحلى 2/162، نيل الأوطار 1/241. (¬2) المجموع 2/360، المحلى 2/162، التمهيد 3/175. (¬3) معالم السنن 3/175، المجموع 2/360، الشرح الكبير 1/317، المحلى 2/187. (¬4) سنن أبي داود 1/69 رقم (266) .

الرابعة (¬1) وهو يروي، عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة اثنين (¬2) ، فهو مرسل من وجه ومعضل من وجه. وذهب بقية من ذكرتهم الى أنه يتصدق بدينار أو نصف دينار. وذلك لحديث الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته، وهي حائض؛ قال: ((يتصدق بدينار أو بنصف دينار)) (¬3) وقد اختلفت اتجاهات العلماء في الحكم على هذا الحديث. فقد صححه الحاكم، وابن القطان، ومال الى ذلك أحمد وابن دقيق العيد وابن حجر بينما أعله جماعة من الحفاظ وبالغوا في تضعيفه، منهم: البيهقي، وابن عبد البر، والمنذري، وقال النووي: اتفق الحفاظ على تضعيفه (¬4) . ويبدوا أن الجمهور، مالوا الى تضعيف الأحاديث التي فيها الكفارة؛ لذلك قالوا ¬

(¬1) تقريب التهذيب 1/468. (¬2) وأنظر بذل المجهود 2/284. (¬3) وهو حديث صحيح، رجاله ثقات، أخرجه أحمد 1/229 و 237 و 286 و 312 و 339 و 367، والدارمي (1110) و (1114) و (1116) ، وأبو داود 1/69 رقم (264) و (266) و (2168) ، وابن ماجه ج1/210 رقم (640) ، والترمذي 1/245 رقم (137) ، والنسائي 1/153 و 188، وأبو يعلى (2432) ، والدارقطني 3/287، والحاكم 1/171، والبيهقي 1/317، والبغوي (315) ، والمزي في تهذيب الكمال 16/452 وحاصل ما أعل به هذا الحديث أنه روي مرفوعا وموقوفا، وقد تفرد شعبة في رواية بروايته موقوفا، وقد رفعه هو في رواية وعمرو بن قيس الملائي، وقتادة، ومطر الوراق، وأنظر العلل لابن أبي حاتم 1/50-51، وتعليق العلامة أحمد شاكر على جامع الترمذي 1/245-254. (¬4) فقه الامام سعيد 1/128، عون المعبود 1/109.

النوع الرابع من أنواع الانقطاع: الاختلاف في سماع الراوي

بعدم وجوبها؛ لأن الأصل براءة الذمة من الكفارة، ولا تجب الا بدليل صحيح، وحيث لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم عندهم فيها شيء؛ لذلك فهي عندهم غير واجبة. النوع الرابع من أنواع الانقطاع: الاختلاف في سماع الراوي بينت فيما سبق: أن الاتصال شرط لصحة الحديث النبوي الشريف، والاتصال: هو تلقي الراوي من الشيخ الذي يليه، وقد يختلف العلماء في اثبات سماع راو من شيخه أو نص سماعه منه، وهذا الاختلاف يؤدي الى اختلافهم في اعلال الحديث أو عدم اعلاله، فمن يثبت السماع يعده متصلا، ومن لا يثبت السماع يعده منقطعا مما يؤدي الى رد الحديث أو قبوله؛ مما يحصل خلاف للفقهاء بسبب ذلك. مثال ذلك: حديث مجاهد، عن عائشة، قالت: ((كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فاذا حاذونا سدلت احدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فاذا جاوزونا كشفناه)) (¬1) . فقد اختلف العلماء في سماع مجاهد -وهو ابن جبر المكي- من عائشة: فأنكره يحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان وشعبة بن الحجاج، وقال أبو حاتم: ((مجاهد عن عائشة مرسل)) وأثبته جماعة (¬2) . وكذلك: اختلفوا في سماع راشد بن سعد من ثوبان كما في حديث: ((المسح ¬

(¬1) أخرجه أبو داود 2/167 رقم (1833) . (¬2) تهذيب التهذيب 10/42، نصب الراية 3/94، وقال أبو حاتم: ((لم يسمع منها)) (الجرح والتعديل ج8/ الترجمة 1469) ، وقال ابن معين: ((لم يسمع مجاهد من عائشة)) (تأريخه 2/549) وأنظر تهذيب الكمال 7/232 وتحفة الاشراف 12/293 وجامع التحصيل ص 273.

أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: حكم المسح على العمامة

على التساخين)) (¬1) . فمن لم يثبت سماع راشد من ثوبان أعله بالانقطاع، ومن أثبته جعله متصلا (¬2) . واعلاله بالانقطاع مردود، فانه قد عاصر ثوبان قرابة ثمانية عشر عاما، ولم يصفه أحد بالتدليس، وقد جزم البخاري في تأريخه أنه سمع منه (¬3) أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: حكم المسح على العمامة اختلف الفقهاء في المسح على العمامة على قولين: القول الأول: يجوز المسح على العمامة. وبه قال سفيان الثوري والأوزاعي، وأحمد، وأبو ثور، واسحاق بن راهويه، ومحمد بن جرير وداود (¬4) . ¬

(¬1) أخرجه أحمد 5/277 (ومن طريقه أبو داود 1/36 رقم (146) ، والحاكم 1/169) عن يحيى بن سعيد، عن ثور بن يزيد الكلاعي، عن راشد بن سعد، عن ثوبان قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فاصابهم البرد، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا اليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين، وله شاهد من حديث المغيرة بن شعبة عند الترمذي ج1/30 رقم (19) ، وابن ماجه 1/185 رقم (559) قال عنه الترمذي: ((حسن صحيح)) . والعصائب: هي العمائم، والتساخين: الخفاف. أنظر مسائل عبد الله لأبيه ص35. (¬2) المراسيل لابن أبي حاتم ص59، جامع التحصيل ص210، وعلل أحمد 1/104 رقم (627) وتهذيب الكمال 9/9-11. (¬3) ج3 ص292، وأنظر نصب الراية 1/165، وتهذيب التهذيب 3/226، وتهذيب الكمال 9/9-11. (¬4) المغني 1/300، المجموع 1/406، المحلى 1/81-89.

النوع الخامس من انواع الانقطاع: الاختلاف في سماع مخصوص

واستدلوا بالحديث السابق. القول الثاني: لا يجوز الاقتصار في المسح على العمامة. وبه قال مالك، وأبو حنيفة والشافعي، وهو قول أكثر أهل العلم. وذلك لعدم اثباتهم لهذا الحديث (¬1) النوع الخامس من انواع الانقطاع: الاختلاف في سماع مخصوص قد يختلف أهل العلم في سماع مخصوص، كاختلافهم في رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وهو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص. وجده المراد به جد شعيب، وهو عبد الله بن عمرو بن العاص. وهذه السلسلة اضطربت فيها أقوال النقاد، اضطرابا كثيرا، واختلفت فيها أقوالهم، ما بين قبول ورد وتفصيل، وقلما اختلفوا مثل هذا الاختلاف. وحاصل ما اعلت به هذه السلسلة أمران: الأول: انه وجد صحيفة لجده عبد الله بن عمرو بن العاص؛ فحدث بها وهو لم يسمعها، وبهذا أعلها ابن معين (¬2) ، وابن حزم (¬3) . وهذا مردود فقد ثبت سماع شعيب من جده عبد الله كما سيأتي، على أنه اذا ¬

(¬1) شرح فتح القدير 1/40، المغني 1/300، المجموع 1/406، تبيين الحقائق 1/52، مغني المحتاج 1/60، بداية المجتهد 1/10. (¬2) تهذيب الكمال 22/72. (¬3) المحلى 10/131 و 11/324.

كان روى بعض الأحاديث بالوجادة، فلا بأس لأن الوجادة احدى صيغ التحمل (¬1) . الثاني: ان عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، ان أراد بجده محمد -والد شعيب- فهو مرسل؛ لأن محمدا لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم وان أراد بجده عبد الله بن عمرو فهو منقطع؛ لأن شعيبا لم يلق عبد الله (¬2) . وأجيب على هذا: أن المراد بجده جد شعيب -والد عمرو- وهو عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي الجليل. وقد سمع شعيب منه كما سيأتي مفصلا، وقد ثبت سماع عمرو من أبيه شعيب (¬3) . فتكون الراوية موصولة. وحاصل أقوال أهل العلم في قبولها وردها ما يأتي: أولا: مردودة لأنها وجادة، وبه قال ابن حزم (¬4) . ثانيا: ذهب الدارقطني الى التفصيل، ففرق بين أن يفصح بجده أنه عبد الله فيحتج به أو لا يفصح فلا يحتج به، وكذلك ان قال: عن أبيه، عن جده سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أو نحو هذا مما يدل على أن المراد الصحابي فيحتج به والا فلا (¬5) ثالثا: ذهب ابن حبان الى تفصيل آخر، فان استوعب ذكر آبائه في الرواية احتج به، وان اقتصر على قوله، عن أبيه عن جده لم يحتج به (¬6) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 8/54 وأنظر علوم الحديث لابن الصلاح ص157. (¬2) تهذيب التهذيب 8/51-53، شرح ألفية السيوطي ص246، هامش جامع الترمذي 2/141. (¬3) تهذيب التهذيب 8/51. (¬4) المحلى 10/131 و 11/324. (¬5) تهذيب التهذيب 8/51، شرح ألفية السيوطي ص246، هامش الترمذي 2/140. (¬6) تهذيب التهذيب 8/53.

رابعا: عمرو ضعفه بعضهم مطلقا والجمهور على توثيقه (¬1) خامسا: قبولها وانها متصلة غير منقطعة، فقد قال الامام البخاري: ((رأيت أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني واسحاق بن راهويه، وأبا عبيدة وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، ما تركه أحد من المسلمين)) (¬2) . وقال اسحاق بن راهويه: ((اذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر)) (¬3) . وقال ابن عبد البر: ((وحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مقبول عند أكثر أهل العلم بالنقل)) (¬4) . وقال النووي: ((وهو الصحيح المختار الذي عليه المحققون من أهل الحديث والأكثرون، وهم أهل الفن، وعنهم يؤخذ)) (¬5) . والذي يهمنا هنا هو سماع عمرو من أبيه شعيب، وسماع شعيب من جده عبد الله، فقد صح سماع عمرو من أبيه شعيب، لا خلاف في ذلك، وكذلك قد صح ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 8/51، وحجة من ضعفه ما ورد من أحاديث مناكير في رواياته، وقد أجاب عن ذلك أبو زرعة الرازي: بأن المناكير التي وقعت في حديثه انما هي من الرواة الضعفاء عنه. أنظر الجرح والتعديل ج6 /239. (¬2) تأريخه الكبير 6/ الترجمة (2578) ، تهذيب الكمال 22/69 الكاشف 2/79 بتحقيق الشيخ محمد عوامة. (¬3) تهذيب التهذيب 8/49. (¬4) تجريب التمهيد ص255. (¬5) المجموع 1/110.

سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، وذلك لأن عبد الله هو الذي ربى شعيبا، لما مات أبوه محمد كما قرر ذلك الذهبي (¬1) والعلائي (¬2) ، وغيرهم (¬3) . قال البيهقي: ((وسماع شعيب بن محمد بن عبد الله صحيح من جده عبد الله، لكن يجب ان يكون الاسناد صحيحا الى عمرو)) (¬4) . وقال الزيلعي: ((وقد ثبت في الدارقطني وغيره بسند صحيح سماع عمرو من أبيه شعيب، وسماع شعيب من جده عبد الله)) (¬5) . وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري: ((صح سماع عمرو بن شعيب من أبيه شعيب، وصح سماع شعيب من جده عبد الله)) (¬6) والدليل على ما سبق ثبوت قصة رواها الدارقطني في سننه (¬7) ، والحاكم (¬8) ، والبيهقي (¬9) . - وملخصها - أن شعيبا والد عمرو قال: ((كنت عند عبد الله بن عمرو فجاء رجل فاستفتاه في محرم وقع بامرأته، فقال لي: يا شعيب، اذهب معه الى ابن عباس ... ¬

(¬1) الميزان 3/366. (¬2) جامع التحصيل ص238. (¬3) تهذيب التهذيب 8/49 وما بعدها. (¬4) السنن الكبرى 7/397. (¬5) نصب الراية 1/59. (¬6) تهذيب الكمال 22/73. (¬7) ج3 /50-51. (¬8) المستدرك 2/65. (¬9) السنن الكبرى 5/95.

أثره في اختلاف الفقهاء: متى يعتق المكاتب

وذكر الحديث - قال البيهقي: ((وهذا اسناد صحيح، وفيه دليل على صحة سماع شعيب بن محمد بن عبد الله ابن عمرو بن العاص من جده عبد الله بن عمرو)) . وقال الحاكم - قبل أن يذكر هذه الرواية -: ((كنت أطلب الحجة الظاهرة في سماع شعيب بن محمد، عن جده عبد الله بن عمرو، فلم أصل اليها الى هذا الوقت - ثم ذكر الحديث المتقدم- وقال: ((هذا حديث رواته ثقات حفاظ، وهو كالأخذ باليد على صحة سماع شعيب من جده. ومما يؤكد ذلك أيضا: ما رواه البيهقي (¬1) عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، قال: كنت أطوف مع أبي عبد الله بن عمرو بن العاص ... فذكر الحديث. فكل هذا يدل على صحة ما نقلناه عن الأئمة بأن محمدا - والد شعيب- مات في حياة أبيه عبد الله وترك ابنه شعيبا صغيرا فكفله جده ورباه (¬2) . أثره في اختلاف الفقهاء: متى يعتق المكاتب (¬3) ذهب أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، واليه ذهب الأئمة الأربعة: أن المكاتب عبد ما بقي عليه شيء من كتابته، ولو كان شيئا يسيرا، فلا يحكم بعتقه حتى ¬

(¬1) السنن الكبرى 5/92. (¬2) وأنظر المجموع 1/65 وما بعدها، والميزان 3/266، ونصب الراية 1/58-59 و 2/332-334، وجامع التحصيل ص238، وتهذيب الكمال 22/73، وتهذيب التهذيب 8/48-55، تنقيح التحقيق 1/452، مسند أبي يعلى 10/140، والكاشف مع حاشيته 2/78-80. (¬3) المكاتب: هو العبد الذي يتعاقد مع سيده على عتقه، في مقابلة عوض يؤديه اليه كان يكاتبه على ألف دينار مثلا فاذا أداها الى سيده صار حرا، أنظر فقه الامام سعيد 4/246.

يوافي جميع ما عليه (¬1) . واحتجوا: بما رواه عمرو بن شعيب عن ابيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء)) (¬2) . وقد أعله ابن حزم فقال: ((وأما حديث عمرو بن شعيب فإنه صحيفة)) (¬3) . وأجيب عن ذلك: بأن أكثر أهل العلم على قبول رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وقد صح سماع عمرو بن شعيب من أبيه شعيب، وسماع شعيب من جده عبد الله، على انه اذا كان روى بعض الاحاديث بالوجادة، فلا بأس لأن الوجادة احدى صيغ التحمل. وذهب بعض أهل العلم الى أنه يعتق بنفس عقد الكتابة وكتابته في ذمته (¬4) . وذهب بعضهم الى أنه ان أدى الربع عتق وما بقي في ذمته وهو رواية عن النخعي (¬5) وذهب بعضهم الى أنه ان أدى الثلث عتق وما بقي في ذمته، وهو رواية عن ابن مسعود (¬6) . وذهب بعضهم: الى أنه ان أدى النصف عتق وما بقي في ذمته وهو رواية عن علي وشريح (¬7) . ¬

(¬1) المحلى 9/229، المدونة 7/86، المغني 12/349، فقه الامام سعيد 4/246. (¬2) أخرجه أبو داود 4/20 رقم (3926) ، والبيهقي 10/324. (¬3) المحلى 9/321. (¬4) المحلى 9/229 -230، فقه الامام سعيد 4/247-248. (¬5) المصدرين السابقين (¬6) المصدرين السابقين. (¬7) المصدرين السابقين.

المبحث الثاني: اعلال السند بسبب تضعيف الراوي

وذهب بعضهم: الى أنه ان ادى ثلاثة أرباع قيمته عتق وما بقي في ذمته وبذلك قال عطاء (¬1) . وذهب بعضهم: الى أنه ان أدى قيمته عتق وما بقي في ذمته (¬2) . وذهب بعضهم: الى أنه يعتق منه بقدر ما أدى، وهو رواية عن علي، وبه قال ابن حزم (¬3) . المبحث الثاني: اعلال السند بسبب تضعيف الراوي وفيه تمهيد، وثلاثة مطالب تمهيد: لتحمل (¬4) الحديث وأدائه (¬5) شروط يجب أن تتوفر، والذي يعنينا في دراستنا هذه أهلية (¬6) الأداء، فيشترط فيمن يؤدي الحديث النبوي الشريف - ذكرا كان أو أنثى- الشروط الآتية: أولا: الاسلام (¬7) ؛ فلا تقبل رواية الكافر أبدا، ولا يعقل أن تقبل روايته؛ لأن في قبولها تنفيذا لقوله: ((على المسلمين)) وكيف تقبل رواية من يكيد للاسلام؟ وقد أمرنا ¬

(¬1) المصدرين السابقين. (¬2) المصدرين السابقين. (¬3) المصدرين السابقين. (¬4) التحمل: هو أخذ الحديث عن الشيخ بطريق من طرق التحمل. الاقتراح ص238. (¬5) الأداء: هو تبليغ الحديث وأدائه. أصول الحديث ص227. (¬6) الأهلية: صلاح المرء لروايته الحديث. أصول الحديث ص227. (¬7) علوم الحديث ص94، البحر المحيط 4/268، التقييد والايضاح ص136، ارشاد الفحول ص48، توضيح الافكار 2/115.

الاسلام أن نتوقف في خبر الفاسق، فكيف نأخذ برواية الكافر؟ ثانيا: البلوغ (¬1) : فلا تقبل رواية من دون سن التكليف؛ حيث أن البلوغ مدار التكليف، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم)) (¬2) والبلوغ مظنة الادراك وفهم أحكام الشريعة؛ لذلك نيط التكليف به، والمراد بالبلوغ العقل مع ادراك سن الاحتلام، ولذا فلقد قرنه بها بعضهم. أي - البلوغ والعقل- (¬3) وقد اكتفى الشافعي بذكر العقل (¬4) ؛ لأنه لا يتصور الادراك والعقل دون البلوغ عند الغالب. فاشتراط العلماء البلوغ، فيه احتراز عن حديث الصغير، اذ أنه لا يعرف أثر الكذب ولا عقوبته، فالبلوغ والعقل يزجران المكلف عن الكذب، أما اذا تحمل صغيرا، وأدى الرواية كبيرا قبلت روايته، ولم يتردد أحد في قبول رواية: عبد الله بن عباس، ويوسف بن عبد الله بن سلام، وابن الزبير، والنعمان بن بشير، والحسن بن علي، والسائب بن يزيد، والمعروف من سير السلف: أنهم كانوا يحضرون الأطفال والصبيان مجالس العلم والرواية، فاذا كان في كبره جامعا للشروط الأخرى لا تردد في قبول ¬

(¬1) المصادر السابقة، سوى البحر المحيط فانه 4/267. (¬2) حديث صحيح، أخرجه أحمد 6/100 و 144، والدارمي (2301) ، وأبو داود 4/139 رقم (4398) ، وابن ماجه 1/658 رقم (2041) ، والنسائي 6/156، وابن الجارود (148) ، وأبو يعلى (4400) ، وابن حبان (142) ، والحاكم 2/59 من حديث عائشة. وأخرجه أبو داود 4/140 رقم (4401) ، وابن ماجه 1/658 رقم (2042) والدارقطني 3/138 والحاكم 1/258 و 2/59، والبيهقي 8/264 من حديث علي، وصححه الحاكم، ولم يتعقبه الذهبي. (¬3) الكفاية ص76، بدائع الصنائع 2/266. (¬4) الرسالة ص370.

روايته (¬1) . ثالثا: العدالة (¬2) : وهي كما قال ابن الأثير الجزري (¬3) : ((عبارة عن استقامة السيرة والدين، ويرجع حاصلها: الى هيئة راسخة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة (¬4) جميعا، حتى تحصل الثقة للنفوس بصدقه، ولا تشترط العصمة من جميع المعاصي، ولا يكتفى اجتناب الكبائر بل من الصغائر ما ترد به الشهادة والرواية، وبالجملة فكل ما يدل على ميل دينه الى حد يستجيز على الله الكذب بالأعراض الدنيوية، كيف وقد شرط في العدالة التوقي عن بعض المباحات القادحة في المروءة نحو: الأكل والشرب في السوق، والبول في الشوارع ونحو ذلك؟ فعلى هذا يشترط في الراوي حتى يسمى عدلا: أن لا يفعل الكبائر ولا يصر على الصغائر ولا يفعل ما يخرم مروءته)) . رابعا الضبط (¬5) : - هو اتقان ما يرويه الراوي وذلك: بأن يكون متيقظا لما يروي غير مغفل حافظا لروايته ان روى من حفظه، ضابطا لكتابه ان روى من الكتاب، عالما ¬

(¬1) المنهج الاسلامي ص153، وظفر الأماني 473-474. (¬2) علوم الحديث ص94، البحر المحيط 4/273، التقييد والايضاح ص94، ارشاد الفحول ص48. (¬3) جامع الأصول 1/74. (¬4) المروءة: آداب نفسية تحمل مراعاتها الانسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق، وجميل العادات. وقال بعضهم: هي كمال المرء كما أن الرجولة كمال الرجل. وقال بعضهم: المروءة هي قوة تصدر عنها الأفعال الجميلة المستتبعة للمدح شرعا وعقلا وعرفا. أنظر المنهج الحديث ص58-59. (¬5) علوم الحديث ص94، البحر المحيط 4/307، التقييد والايضاح ص136، ارشاد الفحول ص48، نزهة النظر ص29.

المطلب الأول: اعلال السند بسبب الطعن في عدالة الراوي

بمعنى ما يرويه وبما يحيل المعنى عن المراد ان روى بالمعنى، حتى يثق المطلع على روايته والمتتبع لأحواله بأنه أدى الأمانة كما تحملها لم يغير منها شيئا (¬1) ، وهذا مناط التفاضل بين الرواة الثقات: فاذا كان الراوي عدلا ضابطاً سمي ثقة (¬2) . ويعرف ضبطه بموافقة الثقات الضابطين المتقنين، اذا اعتبر حديثه بحديثهم، ولا تضر مخالفته النادرة لهم، فان كثرت مخالفته لهم وندرت الموافقة اختل ضبطه ولم يحتج بحديثه (¬3) . فهذه شروط أربعة يجب أن تتوفر جميعها في الراوي، فاذا اختل شرط من هذه الأربعة سقط الاحتجاج بحديثه ويكون حديثه ضعيفا حتى ينظر هل له متابع أو شاهد؟ يتقوى بها. واعلال السند بسبب تضعيف الراوي يعود في الغالب الى: فقدان العدالة، او لخلل في العدالة، أو الضبط؛ فهذان أمران، وسأضم الى ذلك حكم الراوي اذا اختلف في توثيقه وتجريحه، وأتكلم عن كل واحد منها في مطلب مستقل؛ لذلك فان هذا المبحث سيتضمن ثلاثة مطالب: المطلب الأول: اعلال السند بسبب الطعن في عدالة الراوي وفيه ثلاثة فروع الفرع الأول: كذب الراوي أو اتهامه بالكذب قد يرد حديث ما ويكون في رجال اسناده راو طعن في عدالته فيختلف العلماء في الاحتجاج به فمنهم: من يرده لهذا الضعف، ومنهم: من يأخذ به لحسن ظنه به أو ¬

(¬1) هامش جامع الأصول 1/72، وأسباب اختلاف المحدثين 1/135. (¬2) توجيه النظر ص69، فتح المغيث 1/18، العواصم 8/27، تدريب الراوي 1/63. (¬3) جامع الأصول 1/72.

مثال لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم التطهر بالماء المستعمل في رفع الحدث

لعدم وجود حديث في الباب عنده أو لقرينة عند هذا الامام يتقوى بها الحديث (¬1) مثال لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم التطهر بالماء المستعمل في رفع الحدث (¬2) اختلف الفقهاء في ذلك: فذهب الأوزاعي ومالك في رواية عنه، وهو قول قديم للشافعي ورواية عن أحمد الى أنه مطهر (¬3) . واحتجوا بما روي عن ابن مسعود مرفوعا: ((من نسي مسح الرأس، فذكر وهو يصلي فوجد في لحيته بللا فيأخذ منه وليمسح به رأسه، فان ذلك يجزئه، وان لم يجد بللا فليعد الوضوء والصلاة)) . قال الهيثمي: ((رواه الطبراني في الأوسط، وفيه نهشل بن سعيد وهو كذاب)) (¬4) . وذهب كثير من الفقهاء الى أنه طاهر غير مطهر فلا يرفع حدثا ولا يزيل نجسا. وبه قال أبو حنيفة في المشهور عنه والشافعي ورواية عن أحمد (¬5) . ¬

(¬1) أنظر كشف الأسرار 3/21، وقواعد التحديث ص330 وما بعدها. (¬2) الماء المستعمل: عرفه الشافعية، بأنه: ما انفصل من أعضاء المحدث في وضوئه أو من بدن الجنب في غسله. وعرفه الحنفية: بأنه ما أزيل به حدث أو أستعمل في البدن على وجه القربة. الحاوي للماوردي 1/296، الهداية 1/20. (¬3) المجموع 1/207، المغني 1/18-20، كشاف القناع 1/32، مغني المحتاج 1/61-62. (¬4) مجمع الزوائد 1/240 وهو في المعجم الاوسط 8/282 رقم (7569) . وأنظر ترجمة نهشل في التقريب 2/307 والتهذيب 10/479 والميزان 4/275. (¬5) الحاوي 1/297، المغني 1/118، الاستذكار 1/253، الهداية 1/19، مغني المحتاج 1/20، بداية المجتهد 1/21، القوانين الفقهية ص45، الخرشي 1/74-75.

وقد لاحظ الجمهور: أن الحديث المذكور لا يجوز الاحتجاج به لطعن في عدالة الراوي؛ لذلك فالحجة لهم: ما صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه)) (¬1) . وفي لفظ لمسلم (¬2) : ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)) . وفي لفظ لأبي داود (¬3) : ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه)) . وهكذا نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم منع من الغسل في الماء الدائم كمنعه من البول فيه، فلولا أن ازالة الحدث بالماء يؤدي الى منع التطهر به لما نهى عنه. فان قيل: حمل الأحاديث على هذا يؤدي الى القول بنجاسة الماء المستعمل في الطهارة من الحدث كنجاسة الماء الذي يبال فيه. أجيب: بأن النهي عن الاغتسال في الماء الدائم يدل على أنه يؤثر في الماء وهذا الأثر هو المنع من التطهر به، أما اقترانه بالنهي عن البول فهذا يقتضي المشاركة في أصل الحكم لا في تفضيله (¬4) ، والحاصل على عدم التسوية بينهما في كل شيء ¬

(¬1) أخرجه الحميدي (970) ، وأحمد 2/265، والدارمي (736) ، ومسلم 1/162 رقم (282) ، وأبو داود 1/18 رقم (69) ، والنسائي 1/49، وابن خزيمة (66) من طريق محمد بن سيرين، عن أبي هريرة. (¬2) الجامع الصحيح 1/162 رقم (283) . (¬3) السنن 1/18 رقم (69) . (¬4) أنظر المغني 1/20.

مثال آخر: حكم الماء المشمس

هو ما صح: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه)) (¬1) اذن فتبركهم بالماء الذي توضأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل على أن الماء المستعمل لا ينجس، فلن تبق دلالة لاقتران الماء المستعمل في الحدث بالماء الذي يبال فيه الا الدلالة على أن المستعمل طاهر غير مطهر. مثال آخر: حكم الماء المشمس اختلف الفقهاء في التوضؤ بالماء المشمس: فذهب الجمهور الى أنه لا يكره التوضؤ بالماء المشمس (¬2) . وذهب بعض الشافعية الى أنه يكره (¬3) . واحتج أصحاب المذهب الثاني: بما رواه خالد بن اسماعيل، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت: أسخنت ماءاً في الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تفعلي يا حميراء (¬4) ، فانه يورث البرص)) (¬5) . ¬

(¬1) جزء من حديث طويل أخرجه أحمد 4/323 و 328 و 331 من طريق عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان. وأنظر المسند الجامع 15/148 حديث (11425) . (¬2) المغني 1/17، الكافي 1/3، الانصاف 1/24، شرح منتهى الارادات 1/13، المجموع 1/135-140 وقال الامام النووي: ((والصواب الجزم بأنه لا كراهية فيه، وهذا هو الموافق لنص الشافعي؛ فانه قال في الام (1/3) : ولا اكره الماء المشمس الا من جهة الطب ... )) ثم قال النووي: ((ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وداود والجمهور: أنه لا كراهة كما هو المختار)) . (¬3) فتح العزيز 1/128، الروضة 1/10-11، نهاية المحتاج 1/59-61. (¬4) الحميراء: تصغير حمراء بمعنى بيضاء اللون مشرب بياضها بحمرة (فتح الباري 7/106) وقال ابن القيم في المنار المنيف ص60: ((كل حديث فيه يا حميراء أو ذكر الحميراء فهو كذب مختلق)) . وأنظر ما علقه الشيخ عبد الفتاح-رحمه الله- عليه وكذا تعليقه على المصنوع ص212 وما بعدها. (¬5) أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات 2/79، والبيهقي 1/6 وقال: ((وهذا لا يصح)) وأخرجه الدارقطني 1/38.

وخالد بن اسماعيل قال عنه ابن عدي: ((كان يضع الحديث على الثقات)) . وقال ابن حبان: ((لا يجوز الاحتجاج به بحال)) . وقال الدارقطني: ((متروك)) (¬1) لذلك فان جمهور العلماء قالوا: بعدم كراهته، وممن قال بعدم كراهته بعض الشافعية، واختار ذلك النووي -رحمه الله تعالى- وقال: ((هو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وداود والجمهور. وعلل النووي اختياره لعدم الكراهة: بأن الشمس، لا أصل لكراهته، ولم يثبت عن الأطباء فيه شيء، قال: ((فالصواب الجزم بأنه لا كراهة فيه)) (¬2) وذكر ابن قدامة: أنه حكي عن أهل الطب: أنهم لا يعرفون لذلك تأثيرا في الضرر (¬3) قال لي العلامة الدكتور هاشم جميل: ((ما ذكر نلاحظ عليه عدة أمور: الأمر الأول: نص كلام الشافعي في المسألة - كما ذكره النووي- رحمه الله ¬

(¬1) الميزان 1/627، لسان الميزان 2/372، المجروحين 1/281، سنن الدارقطني 1/38، سنن البيهقي 1/6. (¬2) المجموع 1/133. (¬3) المغني 1/17.

تعالى- هو قوله: ((لا أكره المشمس الا أن يكره من جهة الطب)) . وقد ذكر النووي: أن هذا يمكن أن يكون معناه: ((لا أكره الا من جهة الطب ان قال أهل الطب أنه يورث البرص)) (¬1) الأمر الثاني: المشهور عن الخراسانيين - من الشافعية -: أن المشمس يكره في البلاد الحارة، اذا شمس في الأواني المنطبعة، وهي المطرقة. وذكر النووي: ان في المنطبعة ثلاثة اوجه: كل ما يطرق، وهو قول الشيخ أبي محمد الجويني النحاس خاصة وهو قول الصيدلاني كل ما يطرق الا الذهب والفضة لصفائهما واختار هذا امام الحرمين (¬2) . الأمر الثالث: ذكر ابن قدامة في المغني قول الشافعي: ((ولا أكرهه الا من جهة الطب)) وفي هامش كتاب المغني طبعة المنار (¬3) : جاءت التعليقة الآتية: ((قيدوا الأواني بالمعادن المنطبعة كالنحاس؛ لما يتحلل من صدئها في الماء، وصدأ النحاس والرصاص سام باتفاق الأطباء، فينبغي تقييد الاحتراز منه بذلك)) ، هذه التعليقة التي جاءت في هامش كتاب المغني ينبغي التحقق من ذوي الاختصاص عن صحة ما جاء فيها، فاذا ثبت ذلك؛ فان هذا يدل على رجحان قول الشافعي في هذه المسألة، فإن احتمال وقوع الضرر من استعماله كافٍ لاثبات الكراهة وان لم يثبت في ذلك أثر، وذلك يدل على مدى دقة الشافعي -رحمه الله تعالى- في استنباطه الأحكام، وعلى ¬

(¬1) المجموع 1/133. (¬2) المجموع 1/133 و 134. (¬3) ج1 ص17.

الفرع الثاني: جهالة الراوي أو كونه مبهما

مدى توفيق الخراسانيين لفهم كلام امامهم في هذه المسألة (¬1)) ) . الفرع الثاني: جهالة الراوي أو كونه مبهما وفيه فقرتان الفقرة الأولى: جهالة الراوي من شروط صحة الحديث العدالة والضبط، ومن كان عدلا ضابطا سمي ثقة (¬2) . والمجهول لم تعرف عدالته ولا ضبطه؛ فهو يفقد شرط الصحة، ووجوده في اسناد حديث يمنع صحته. وسأتناول تعريف الجهالة في اللغة، ثم أعقبه بتعريف الجهالة في اصطلاح المحدثين وأنواعها عندهم: فالمجهول في لغة العرب يطلق على معان، منها: كل شيء غير معلوم الحقيقة، أو غير معلوم الوصف على وجه الدقة، أو في معرفته تردد أو تشكك (¬3) . أما في اصطلاح المحدثين، فهو على ثلاثة أقسام: القسم الأول: مجهول العدالة من حيث الظاهر والباطن مع كونه معروفا برواية عدلين عنه. وهذا القسم غير مقبول عند جمهور المحدثين. وقيل: ان كان من روى عنه فيهم من لا يروي عن غير عدل قبل والا فلا يقبل (¬4) ¬

(¬1) الى هنا انتهى كلام الدكتور هاشم -حفظه الله ومتعنا بعلمه- (¬2) تدريب الراوي 1/63، توجيه النظر ص69، وقارن بفتح المغيث 1/18 والعواصم 8/27. (¬3) مقاييس اللغة 1/489، الأساس للزمخشري 67-68، المعجم الوسيط 1/144. (¬4) علوم الحديث ص100، التقريب مع التدريب 1/268، الخلاصة ص93، اختصار علوم الحديث ص97، شرح التبصرة 1/328، جواهر الأصول ص57، فتح المغيث 1/298، المنهل الروي ص66.

نموذج لحديث المجهول وأثره في اختلاف الفقهاء: حكم الوضوء بالنبيذ

وذهب الامام أبو حنيفة الى قبول روايته مطلقا (¬1) . القسم الثاني: - من عرفت عدالته ظاهرا وجهلت باطنا (¬2) . ويسمى بـ ((المستور)) . وقد قبل روايته بعضهم وردها آخرون (¬3) . القسم الثالث: مجهول العين، وهو كل من لم يعرفه العلماء، ولم يعرف حديثه الا من جهة راو واحد (¬4) . وقد ذهب أكثر أهل العلم الى عدم قبول روايته، وقبلها بعضهم. (¬5) نموذج لحديث المجهول وأثره في اختلاف الفقهاء: حكم الوضوء بالنبيذ لكي لا يحصل لبس في هذه المسألة أنبه الى: أن المراد من النبيذ هنا هو: ما كان شربه حلالا، وهو العصير غير المسكر، وقد كانت صفة النبيذ الذي يتخذ لرسول ¬

(¬1) احكام الأحكام للآمدي 2/70، تنقيح الفصول ص364، فتح المغيث 1/298، المنهل الروي ص66. (¬2) المراد بالعدالة الباطنة ما في نفس الأمر، وهي ترجع الى أقوال المزكين وأما العدالة الظاهرة فيراد بها ما يعلم من ظاهر حال الشخص. شرح شرح نخبة الفكر لعلي القاري ص154. (¬3) علوم الحديث ص101، التقريب مع التدريب 1/268، الخلاصة ص93، اختصار علوم الحديث ص97، شرح التبصرة 1/328، جواهر الأصول ص57، فتح المغيث 1/298، المنهل الروي ص66، الاقتراح ص324، الموقظة ص79، التقييد والايضاح ص145، نزهة النظر ص52. (¬4) الكفاية ص88، علوم الحديث ص101، الخلاصة ص94، شرح التبصرة 1/323، المنهل الروي ص66. (¬5) شرح التبصرة 1/324، تدريب الراوي 1/269، المنهل الروي ص66.

الله صلى الله عليه وسلم هو: أن تلقى تمرات أو نحوها في الماء ليلا فيشربه صباحا، أو تلقى صباحا فيشربه ليلا (¬1) . اذا عرفنا هذا أذكر المسألة فيما يأتي: اختلف الفقهاء في حكم الوضوء بالنبيذ: فذهب الجمهور الى عدم صحة الوضوء بالنبيذ (¬2) . واستدلوا بقوله تعالى: ((فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا)) (¬3) ، وبحديث أبي ذر مرفوعا: ((ان الصعيد الطيب طهور المسلم وان لم يجد الماء عشر سنين، فاذا وجد الماء فليمسه بشرته فان ذلك خير)) (¬4) . وذهب بعض أهل العلم الى صحة الوضوء بالنبيذ: منهم اسحاق وسفيان وهو رواية عن أبي حنيفة (¬5) . واحتجوا بما رواه أبو فزارة (¬6) ، عن أبي زيد، عن عبد الله بن مسعود، قال: ¬

(¬1) أنظر فتح الباري 11/455، عمدة القاري 23/201. (¬2) المغني 1/10، الكافي 1/6، كشاف القناع 1/30، المجموع 1/141، فتح الباري 1/354. (¬3) سورة النساء الآية 43. (¬4) أخرجه عبد الرزاق (913) ، وأحمد 5/155، وأبو داود 1/90 رقم (332) ، والترمذي 1/211 رقم (124) ، والنسائي 1/171، وابن خزيمة (2292) ، وابن حبان (1311) ، والدارقطني 1/176. وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬5) البحر الرائق 1/144، تبيين الحقائق 1/19، اعلاء السنن 1/341-356، المغني 1/10، المحلى 1/202، رد المحتار 1/181، فتح الباري 1/354، شرح معاني الآثار 1/95. (¬6) هو راشد بن كيسان، قال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال ابن حبان ربما أخطأ. الميزان 2/35، الخلاصة ص96.

الفقرة الثانية: ابهام الصحابي

((سألني النبي صلى الله عليه وسلم ((ما في أدواتك)) ؟ فقلت: نبيذ، فقال: ((تمرة طيبة وماء طهور)) قال: ((فتوضأ منه)) (¬1) . قال الامام الترمذي: ((أبو زيد رجل مجهول عند أهل العلم، لا يعرف له رواية غير هذا الحديث)) (¬2) . وقال ابن حبان: ((أبو زيد شيخ مجهول، يروي عن ابن مسعود، وليس يدرى من هو، ولا يعرف من أبوه ولا بلده، ومن كان بهذا النعت ثم روى خبرا واحدا خالف فيه الكتاب والسنة والاجماع والقياس استحق مجانبة ما رواه)) (¬3) . وقال أبو زرعة الرازي: ((حديث أبي فزارة ليس بصحيح، وأبو زيد مجهول)) (¬4) وقال ابن عبد البر: ((أبو زيد مولى عمرو بن حريث مجهول عندهم، لا يعرف بغير رواية أبي فزارة، وحديثه عن ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ منكر لا أصل له)) (¬5) . الفقرة الثانية: ابهام الصحابي الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كلهم عدول بتعديل الله تعالى وتعديل ¬

(¬1) أخرجه عبد الرزاق (693) ، وابن أبي شيبة 1/25، وأحمد 1/402 و 449 و 450، وأبو داود 1/21 رقم (84) ، والترمذي 1/147 رقم (88) ، وابن ماجه 1/135 رقم (384) ، وابن أبي حاتم في العلل 1/17، وأبو يعلى (5046) . (¬2) جامع الترمذي 1/148، عقيب (88) . (¬3) المجروحين 3/158، ونقله عنه الزيلعي في نصب الراية 1/72. وأنظر الكامل لابن عدي 4/1330. (¬4) علل الحديث لابن أبي حاتم 1/17 عقيب (14) . (¬5) نقله عنه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على جامع الترمذي 1/148.

نبيه صلى الله عليه وسلم. والصحابي: هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به، ومات على الاسلام (¬1) . قال الامام النووي - رحمه الله تعالى-: ((الصحابة كلهم عدول من لابس الفتن وغيرها باجماع من يعتد به)) (¬2) . وقال الآمدي: ((اتفق الجمهور من الأئمة على عدالة الصحابة مطلقا)) (¬3) . فعلى هذا اذا انتهى الاسناد الى الصحابي فلا نسأل عنه، ولا نبحث في حاله؛ لأنهم عدول بلا استثناء؛ لذلك فان جهالة اسم الصحابي لا تضر: كأن يقول التابعي قال: رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وروى الخطيب باسناده عن الأثرم قال: قلت لأبي عبد الله - يعني: أحمد بن حنبل -: اذا قال رجل من التابعين حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث صحيح؟ قال: نعم)) (¬4) . وقال ابن الصلاح: ((والجهالة بالصحابي غير قادحة لأن الصحابة كلهم عدول)) (¬5) . وروى البخاري، عن الحميدي، قال: ((اذا صح الاسناد عن الثقات الى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو حجة وان لم يسم ذلك الرجل)) (¬6) . وهذا مذهب جماهير المحدثين يرون ان جهالة الصحابي لا تضر، وهي غير ¬

(¬1) الاصابة 1/7. (¬2) التقريب مع التدريب 2/214. (¬3) احكام الأحكام 2/128. (¬4) الكفاية ص415. وأنظر شرح ألفية السيوطي لأحمد شاكر ص28. (¬5) علوم الحديث ص51. وأنظر قواعد في علوم الحديث للتهانوي ص202-203. (¬6) التقييد والايضاح ص74.

نموذج للحديث الذي أبهم فيه اسم الصحابي وأثره في اختلاف الفقهاء: الشهادة على هلال الفطر من رمضان

قادحة عندهم بصحة الحديث. وخالف في ذلك ابن حزم - رحمه الله - واعتبره قادحا في صحة الحديث (¬1) . نموذج للحديث الذي أبهم فيه اسم الصحابي وأثره في اختلاف الفقهاء: الشهادة على هلال الفطر من رمضان حديث أبي عوانة، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اختلف الناس في آخر يوم من رمضان، فقدم اعرابيان، فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم)) فشهدا بالله لأهلا الهلال أمس عشية، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ان يفطروا)) رواه أحمد (¬2) ، وأبو داود (¬3) ، والدارقطني (¬4) وصححه، والبيهقي (¬5) ورواه البيهقي أيضا (¬6) من طريق أبي عوانة، عن أبي بشر: جعفر بن أبي وحشية، عن أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بنحو حديث ربعي ثم قال البيهقي: (وأبو عمير رواه عن عمومة له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثقات فسواء سموا أو لم يسموا) . وهذا الحديث تضمن الشهادة على هلال الفطر من رمضان؛ وهي موضع خلاف: فمذهب جماهير العلماء: أن هلال الفطر من رمضان لا يثبت بأقل من شاهدين؛ وممن قال بذلك الأئمة الأربعة، الا أن أبا حنيفة، قال ذلك فيما اذا كان في السماء علة، أما اذا لم يكن في السماء علة، فانه لا بد عنده من ¬

(¬1) المحلى 7/338. (¬2) المسند 4/314 و 5/362 (¬3) السنن 2/301 رقم (2339) . (¬4) السنن 2/169. (¬5) السنن الكبرى 4/249. (¬6) المصدر السابق.

شهادة الجمع الغفير من الناس (¬1) . وقد احتجوا بأحاديث، منها: الحديث السابق. ومثله حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب: أنه خطب في اليوم الذي شك فيه فقال: ((اني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءلتهم وانهم حدثوني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته وأنسكوا لها، فان غم عليكم فأتموا ثلاثين يوما، فان شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا)) (¬2) . وخالف في ذلك جماعة من الفقهاء: فذهبوا الى أن هلال الفطر رمضان من يثبت بشهادة شاهد واحد. وقد ذكر الامام النووي -رحمه الله تعالى- أن هذا لم يقل به أحد من العلماء غير أبي ثور (¬3) . وفي ذلك نظر؛ فقد قال به ابن حزم أيضا (¬4) . وحجة هذا المذهب أحاديث منها: حديث ابن عباس، قال: ((جاء رجل اعرابي الى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال اني رأيت هلال رمضان، فقال؛ أتشهد ان لا اله الا الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد ان محمدا رسول الله؟ ¬

(¬1) فتح القدير 2/59-60، شرح الدردير 1/511، القوانين الفقهية ص102، المجموع 6/305، المحلى 6/335، البحر الزخار 3/245، بداية المجتهد 1/308، شرح السنة 6/244. (¬2) أخرجه أحمد 4/321، والنسائي 4/132، وقال الشوكاني: ((اسناده لا بأس به)) نيل الأوطار 4/112. (¬3) المجموع 6/306. (¬4) المحلى 6/335.

نموذج آخر: هل يقضى بالسلب للقاتل

قال: نعم، فقال: يا بلال، أذن في الناس فليصوموا غدا)) (¬1) . فقد دل هذا الحديث على أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قد قبل شهادة الواحد على هلال الصوم، وهلال الفطر مثله لا فرق. وأجيب عن ذلك: بأن حديث عبد الرحمن بن زيد يدل بمنطوقه على اشتراط شاهدين للصوم والفطر، ويدل بمفهومه على عدم قبول أقل من اثنين فيهما، الا أن هذا المفهوم عارضه بالنسبة لهلال الصوم منطوق حديث ابن عباس واشباهه وبقي بالنسبة لهلال الفطر سالما من المعارض. نموذج آخر: هل يقضى بالسلب للقاتل اختلف الفقهاء في ذلك: فذهب جماعة من أهل العلم، منهم: أبو حنيفة ومالك إلى أنه لا يقضى بالسلب للقاتل (¬2) ¬

(¬1) أخرجه الدارمي (1699) ، وأبو داود 2/301 رقم (2340) ، وابن ماجه 1/529 رقم (1652) ، والترمذي 3/74 رقم (691) ، والنسائي 4/131، وابن خزيمة (1923) و (1924) ، وابن الجارود (379) ، وابن حبان (3446) كلهم من طريق سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس. وقد أخرجه أبو داود 1/301 رقم (2341) ، والنسائي 4/132، والدارقطني 2/159 مرسلا بدون ذكر ابن عباس. وقد نقل المزي في التحفة 5/137 عقيب (6104) ، والزيلعي في نصب الراية 2/443 والمنذري في مختصر السنن 3/228 ترجيح النسائي للرواية المرسلة قال: ((هذا أولى بالصواب)) وقول النسائي لم أجده في المجتبى 4/132 ولا في الكبرى 2/68-69. وكأن الترمذي رجح المرسلة أيضا. (¬2) الاختيار 4/132، القوانين الفقهية ص129، شرح معاني الآثار 3/228، شرح السنة 11/108.

واحتجوا: بحديث حماد بن سلمة، عن بديل بن ميسرة العقيلي، عن عبد الله بن شقيق، عن رجل من بلقين، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بوادي القرى، فقلت يا رسول الله: لمن المغنم؟ قال: لله سهم ولهؤلاء أربعة أسهم، فقلت فهل أحد أحق بشيء من المغنم من أحد؟ قال: لا حتى السهم يأخذه أحدكم من جنبه فليس هو أحق به من أخيه)) (¬1) . واعترض ابن حزم -رحمه الله- على جهالة الصحابي، فقال: ((هذا رجل مجهول لا يدرى أصدق في ادعائه الصحبة أم لا)) (¬2) . وذهب جماعة من أهل العلم - منهم: الشافعي وأحمد - الى أن من قتل قتيلا فله سلبه (¬3) . واحتجوا: بحديث أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه)) (¬4) . ¬

(¬1) أخرجه الطحاوي 3/229، وابن حزم في المحلى 7/338 وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 1/49 وقال: ((رواه أبو يعلى واسناده صحيح)) ، ولم أقف عليه في المطبوع من مسند أبي يعلى، فلعله في النسخة الكبيرة. (¬2) المحلى 7/338. (¬3) القوانين الفقهية ص123، شرح معاني الآثار 3/227، المحلى 7/335، شرح السنة 11/108. (¬4) أخرجه مالك 1/585 رقم (1311) ، وعبد الرزاق (9476) ، والحميدي (423) ، وسعيد بن منصور (2696) ، وأحمد 5/295، والدارمي (2488) ، والبخاري 5/196 رقم (4321) ، ومسلم 5/147 رقم (1751) ، وأبو داود 3/70 رقم (2717) ، وابن ماجه 2/946 رقم (2837) ، وابن الجارود (1076) ، وابن حبان (4805) ، والبيهقي 6/306، والبغوي (2724) .

الفرع الثالث: كون الراوي مبتدعا

الفرع الثالث: كون الراوي مبتدعا أعلت كثير من الأحاديث النبوية وتوقف عن العمل بها لأن أحد رواتها كان مبتدعا. فالابتداع أحد الأسباب التي جعلت قسما من العلماء لا يقبلون بعض الأحاديث، وسأتناول تعريف البدعة في اللغة والاصطلاح، وأقسام البدعة ثم أذكر خلاف العلماء في قبولهم حديث المبتدع وتركه. البدعة في اللغة: قال ابن فارس: ((بدعت الشيء قولا وفعلا اذا ابتدأته لا عن مثال سابق)) (¬1) وقال الفيروزآبادي: ((البدعة -بكسر الباء- الحدث في الدين بعد الاكمال، أو ما استحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الأهواء والأعمال)) (¬2) أما في الاصطلاح: فقد عرفها الشاطبي بقوله: ((هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه)) (¬3) وقال الحافظ ابن حجر: ((تطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة)) (¬4) . وعرفها بقوله: ((هي اعتقاد ما أحدث على خلاف المعروف من النبي صلى الله عليه وسلم لا بمعاندة بل بنوع شبهة)) (¬5) . وعرفها السخاوي بقوله: ((هي ما أحدث على غير مثال متقدم فيشمل ¬

(¬1) معجم مقايس اللغة 1/309. (¬2) القاموس المحيط 3/403. (¬3) الاعتصام 1/37. (¬4) فتح الباري 5/156. (¬5) نزهة النظر ص46.

أقسام البدعة

المحمود والمذموم، ولكنها خصت شرعا بالمذموم مما هو خلاف المعروف)) (¬1) . أقسام البدعة: قال الحافظ ابن حجر: ((وأما البدعة فالموصوف بها اما أن يكون ممن يكفر بها أو يفسق بها: فالمكفر بها لا بد أن يكون التكفير متفقا عليه في قواعد جميع الأئمة، كما في غلاة الروافض من دعوى بعضهم حلول الآلهية في علي - رضي الله عنه - أو غيره، أو الايمان برجوعه الى الدنيا قبل يوم القيامة، أو وقوع التحريف في القرآن، أو نسبة التهمة الى السيدة عائشة الصديقة - رضي الله عنها ولعن قاذفها-؛فرواية مثل هؤلاء مردودة قطعا والمفسق بها كبدع الخوارج والروافض الذين يغلون ذلك الغلو وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأصول السنة خلافا ظاهرا لكنه مستند الى تأويل ظاهره سائغ، فقد اختلف أهل السنة في قبول حديث من هذا سبيله اذا كان معروفا بالتحرز من الكذب مشهورا بالسلامة من خوارم المروءة وموصوفا بالديانة والعبادة فقيل: يقبل مطلقا، وقيل: يرد مطلقا، والثالث التفصيل: بين أن يكون داعية لبدعته أو غير داعية، فيقبل حديث غير الداعية، ويرد حديث الداعية، وهذا المذهب هو الأعدل وصارت اليه طوائف من الأئمة وادعى ابن حبان اجماع أهل النقل عليه، لكن في دعوى ذلك نظرا، ثم اختلف القائلون بهذا التفصيل، فبعضهم أطلق ذلك وبعضهم زاده تفصيلا فقال: ان اشتملت رواية غير الداعية الى ما يشيد بدعته ويزينه ويحسنه ظاهرا فلا تقبل وان لم تشتمل فتقبل)) (¬2) . وقال الامام علي بن المديني: ((من تنقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بغضه لحدث كان منه وذكر مساوئه فهو مبتدع حتى يترحم عليهم جميعا فيكون قلبه ¬

(¬1) فتح المغيث 1/326. (¬2) هدي الساري ص385

لهم سليما)) (¬1) . فالكافر ببدعته لا تقبل روايته عند الجمهور، ونقل الامام النووي الاتفاق على ذلك (¬2) ، لكنه لم يوافق على نقل الاجماع فقد اعترض عليه في ذلك الحافظ ابن حجر والسيوطي ونقلا: بأنها تقبل عند قوم ان اعتقد حرمة الكذب (¬3) . أما اذا لم يكن كافرا ببدعته فقد اختلف العلماء في ذلك اختلافا كثيرا على أقوال منها: القول الأول: رد روايته مطلقا وعدم الاحتجاج بها (¬4) . القول الثاني: تقبل رواية المبتدع اذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه، ولا يستحل الشهادة بالزور لمن وافقه سواء كان داعية الى بدعته أو لم يكن داعية (¬5) . القول الثالث: - فصلوا ذلك: فان كان المبتدع داعية الى بدعته لم تقبل روايته وان لم يكن داعية قبلت، ومنهم: زادوا تفصيلا آخر فقالوا: ان اشتملت رواية الداعية ¬

(¬1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/169. (¬2) التقريب مع التدريب 1/275. (¬3) نزهة النظر ص52، تدريب الراوي 1/275. (¬4) معرفة علوم الحديث للحاكم ص135، الكفاية ص148-152، علوم الحديث لابن الصلاح ص103، الخلاصة ص95، المنهل الروي ص67، التنكيل 1/44 وما بعدها، شرح السنة 1/248، شرح علل الترمذي 1/356، تدريب الراوي 1/275، الموقضة 95 اختصار علوم الحديث ص99، ميزان الاعتدال 1/27، شرح التبصرة 1/329، المنهج الحديث للسماحي ص143. (¬5) المصادر السابقة.

نموذج لأثر رواية المبتدع في خلاف الفقهاء: امامة الجالس

على ما يشيد بدعته ويزينه ويحسنه ظاهرا فلا تقبل وان اشتملت قبلت. (¬1) نموذج لأثر رواية المبتدع في خلاف الفقهاء: امامة الجالس اختلف العلماء في صحة امامة الجالس على قولين: القول الأول: لا تصح امامة الجالس، ومن صلى خلف الامام الجالس فصلاته غير صحيحة. وبه قال بعض الفقهاء منهم: الامام مالك ومحمد بن الحسن من الحنفية (¬2) . واحتجوا بما رواه جابر الجعفي، عن الشعبي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحد بعدي جالسا)) (¬3) . وأجيب بأن هذا الحديث رواه جابر الجعفي، وهو متروك لأن له آراء مذمومة وانه كان يؤمن بالرجعة (¬4) . القول الثاني: تصح امامة الجالس اذا لم يستطع القيام وهو مذهب جمهور الفقهاء (¬5) واحتجوا: بحديث أنس بن مالك: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فصرع عنه ¬

(¬1) المصادر السابقة. (¬2) بداية المجتهد 1/111، عمدة القاري 5/191، المدونة 1/81، القوانين الفقهية ص82، الخرشي 2/24، الشرح الصغير 1/436، رد المحتار 1/321-323، شرح السنة 3/422، فتح القدير 1/320، التمهيد 6/142. (¬3) اخرجه عبد الرزاق (4087) و (4088) ، والدارقطني 1/398، والبيهقي 3/80، وهو مرسل أيضا فإن الشعبي وهو عامر بن شراحيل تابعي. (¬4) نصب الراية 2/50 وتقريب التهذيب 1/123، والتهذيب 2/46-51 وميزان الاعتدال 1/379. (¬5) المغني 2/47، احكام الأحكام لابن دقيق 1/225، فتح الباري 2/175، المجموع 4/190، التمهيد 6/142، الانصاف 2/260، كشاف القناع 1/561، مغني المحتاج 1/240، الأم 1/171، شرح السنة 3/422.

المطلب الثاني: اعلال السند بسبب الطعن في ضبط الراوي

فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات، وهو قاعد، فصلينا وراءه قعودا فلما انصرف قال: انما جعل الامام ليؤتم به، فاذا صلى قائما فصلوا قياما، واذا ركع فاركعوا، واذا رفع فارفعوا، واذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد. واذا صلى قائما فصلوا قياما، واذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين)) . أخرجه البخاري (¬1) وقال عقيبه: ((قال أبو عبد الله: قال الحميدي: قوله ((اذا صلى جالسا فصلوا جلوسا)) هو في مرضه القديم، ثم صلى بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم جالسا والناس خلفه قياما، ولم يأمرهم بالقعود، وانما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم)) المطلب الثاني: اعلال السند بسبب الطعن في ضبط الراوي وفيه ثلاثة فروع الفرع الأول: سوء حفظ الراوي اذا كان في سند حديث ما راو قد ضعف بسبب سوء الحفظ، ولم توجد قرينة دالة على أن الراوي السيء الحفظ قد حفظ هذا - كأن تكون له متابعات أو شواهد- فان هذا الحديث يحكم عليه بالضعف، ولا يعمل به الا حيث يعمل بالحديث الضعيف، وحسب الضوابط التي قررها العلماء للعمل به (¬2) . وذلك لأن الحديث الذي يرويه راو مختل الضبط قد فقد شرطا من شروط الصحة الا وهو الضبط، وقد يرى امام من الأئمة أن الراوي قد حفظ هذا الحديث وسلم فيه من الخطأ كأن يجد له ما يقويه، أو يحسن الظن بالراوي أولا يجد في الباب حديثا غيره - وهو ممن يرى العمل بالحديث الضعيف الذي لا يجد في الباب أحسن منه ما لم يجمع على ترك راويه - ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/177 رقم (689) (¬2) أنظر أقوال أهل العلم وشروطهم في العمل بالضعيف أصول الحديث ص348.

أثره في اختلاف الفقهاء: حكم ميتة السمك

فاذا عمل البعض بهذا الحديث وترك العمل به آخرون كان ذلك سببا من أسباب الاختلاف بين الفقهاء (¬1) . أثره في اختلاف الفقهاء: حكم ميتة السمك اختلف الفقهاء في ميتة السمك، هل يحل أكلها ام لا؟ فذهب جماعة الفقهاء الى: حل أكل ميتة السمك الا الطافي منه. وهذا مروي عن علي، وجابر، وابن المسيب، والحسن، وابن سيرين، وطاووس وهو رواية عن ابن عباس والنخعي. والطافي من السمك هو: الذي يعلو على وجه الماء ولا يرسب. وبه قال الحنفية، لكنهم يذكرون الطافي ويقصدون به: أن ما لا يعلم سبب موته لا يحل أكله عندهم وما علم سبب موته يحل أكله (¬2) . والحجة لهم: ما روي عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ألقى البحر وجزر عنه فكلوه، وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه)) (¬3) . واعترض بأن اسناده ضعيف فيه: يحيى بن سليم الطائفي وهو سيء الحفظ (¬4) . وذهب كثير من أهل العلم الى جواز أكل ميتة السمك مطلقا الطافي وغيره. ¬

(¬1) أنظر قواعد التحديث ص113-114. (¬2) فتح الباري 8/485، المغني 11/40، البحر الرائق 8/196، شرح السنة 11/245 (¬3) أخرجه أبو داود 3/358 رقم (3815) ، وابن ماجه 2/1082 رقم (3247) ، والدارقطني 4/268، والبيهقي 9/255. (¬4) التقريب 2/349، التهذيب 11/226، ميزان الاعتدال 4/383.

الفرع الثاني: اختلاط الراوي

روي ذلك عن أبي بكر وعمر وأبي أيوب وأبي هريرة، وعطاء ومكحول وهو رواية عن ابن عباس والنخعي. واليه ذهب مالك والشافعي وأحمد (¬1) . وقد دفع أصحاب هذا المذهب الاحتجاج بحديث جابر لسوء حفظ أحد رواته كما سبق. واحتجوا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم -في البحر-: ((هو الطهور ماؤه الحل ميته)) (¬2) . حيث لم يفرق الحديث بين الطافي وغيره. الفرع الثاني: اختلاط الراوي يشترط في الراوي أن يكون ضابطا لما يرويه ان حدث من حفظه ومحافظا على كتابه من دخول الزيادة والنقصان عليه ان حدث من كتابه (¬3) . والاختلاط ينافي الضبط فكل مختلط ليس ضابطا، ومعرفة المختلطين فن مهم من فنون علم الحديث. ¬

(¬1) معالم السنن 4/251، المجموع 9/33، المغني 11/40، الأشراف 2/256، شرح السنة 11/245. (¬2) أخرجه مالك 1/55 رقم (45) ، والشافعي في الأم 1/22، وابن أبي شيبة 1/131، وأحمد 2/237، والدارمي (735) و (2017) ، وأبو داود 1/21 رقم (83) ، وابن ماجه 1/136 رقم (386) ، والترمذي 1/100 رقم (69) ، والنسائي 1/50، وفي الكبرى (58) ، وابن خزيمة (111) ، وابن الجارود (43) ، وابن حبان (1243) ، والحاكم 1/140، والبيهقي 1/3، والبغوي (281) . وقال الترمذي: ((حسن صحيح)) ونقل عن البخاري تصحيحه كما في العلل المفرد، له (23) (¬3) أنظر النكت 1/267، الكفاية ص227.

تعريف الاختلاط: والاختلاط في اللغة كما قال ابن منظور: ((اختلط فلان أي فسد عقله ورجل خلط بين الخلاطة أحمق مخالط العقل، ويقال: خولط الرجل فهو مخلط واختلط عقله فهو مختلط: اذا تغير عقله)) (¬1) . أما في اصطلاح المحدثين، فقد حده السخاوي بقوله: ((فساد العقل وعدم انتظام الأقوال والأفعال: اما بخرف أو ضرر أو عرض أو مرض: من موت ابن وسرقة مال كالمسعودي أو ذهاب كتب كابن لهيعة أو احتراقها كابن الملقن)) (¬2) . حكم رواية المختلط: قال الحافظ ابن الصلاح -رحمه الله تعالى -: ((هذا فن عزيز مهم لم أعلم أحدا أفرده بالتصنيف واعتنى به مع كونه حقيقا بذلك جدا وهم منقسمون: فمنهم من خلط لاختلاطه وخرفه ومنهم من خلط لذهاب بصره أو لغير ذلك، والحكم فيهم: أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط، ولا يقبل حديث من أخذ عنهم بعد الاختلاط أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده)) (¬3) وقال الامام النووي: ((يقبل ما روي عنهم قبل الاختلاط ولا يقبل ما بعده أو شك فيه)) (¬4) وقال ابن حبان: ((والمختلطون في أواخر أعمارهم - مثل: الجريري وسعيد بن ¬

(¬1) لسان العرب مادة ((خلط)) (¬2) فتح المغيث 3/331. (¬3) علوم الحديث ص352. (¬4) التقريب مع التدريب 2/332.

أبي عروبة وأشباههما - فانا نروي عنهم في كتابنا هذا ونحتج بما رووا، الا انا لا نعتمد من حديثهم الا ما روى عنهم الثقات من القدماء الذين نعلم أنهم سمعوا منهم قبل اختلاطهم، أو ما وافقوا الثقات في الروايات التي لا نشك في صحتها وثبوتها من جهة أخرى، لأن حكمهم وان اختلطوا في أواخر أعمارهم وحصل عنهم في اختلاطهم بعد تقدم عدالتهم حكم الثقة اذا أخطأ اذ الواجب ترك أخطائه اذا علم والاحتجاج بما يعلم أنه لم يخطيء فيه، وكذلك حكم هؤلاء الاحتجاج بهم فيما وافقوا الثقات وما انفردوا مما روى عنهم القدماء من الثقات الذي ساعدهم سماعهم من قبل الاختلاط سواء)) (¬1) . وللسلف نظرات ثاقبة في معرفة الحديث الذي لم يخطىء فيه الراوي من الذي أخطأ فيه فهم ينتقون من أحاديث المختلطين: فما تبين لهم أنه لم يخطيء فيه أخذوه وما تبين لهم أنه أخطأ فيه تركوه، قال وكيع بن الجراح: ((كنا ندخل على سعيد (¬2) ، فنسمع فما كان من صحيح حديثه أخذناه وما لم يكن صحيحا طرحناه)) (¬3) . وقال أبو نعيم: ((كتبت عنه بعد ما اختلط حديثين)) (¬4) . ويبدو أن هذا هو صنيع صاحبي الصحيحين فقد اخرجا عن بعض المختلطين بطريق من سمع منهم بعد الاختلاط، فقد أخرج الامام البخاري لحصين بن عبد الرحمن ¬

(¬1) الاحسان 1/161. (¬2) يعني: سعيد بن أبي عروبة، ترجمته في التقريب 1/302 والتهذيب 4/63، والجرح والتعديل 2/65. (¬3) تهذيب التهذيب 4/64. (¬4) تهذيب التهذيب 4/64.

السلمي (¬1) المختلط بطريق حصين بن نمير الواسطي (¬2) ، قال السخاوي: ((ان حصين بن نمير سمع من حصين بن عبد الرحمن بعد الاختلاط)) (¬3) . وكذلك روى الامام مسلم لأبي اسحاق السبيعي (¬4) بطريق عمار بن زريق. قال أبو حاتم: ((ان عمار بن زريق سمع منه بعد الاختلاط)) (¬5) يقول الشيخ عبد القيوم رب النبي: ((والحقيقة أن صاحبي الصحيحين أخرجا كثيرا عن المختلطين بوساطة من سمعوا منهم بعد الاختلاط والذي يحكم به في هذا البحث هو أن صاحبي الصحيحين لما يخرجان عن المختلطين بطريق من سمع منهم بعد الاختلاط ينتقيان من حديثهم ولا يخرجان جميع أحاديثهم)) (¬6) . لكن هذا الانتقاء لا يكون الا من قبل امام كبير الشأن فلا يستطيعه كل مشتغل بالحديث بل هو خصيصة لأولئك الأئمة العظام المجتهدين العارفين بعلل الحديث ومشكلاته، فحكم المختلطين عند الجمهور من أهل العلم كما سبق بيانه عن ابن الصلاح: أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط ولا يقبل حديث من أخذ عنهم بعد الاختلاط أو أشكل أمره فلا يدرى هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده. وهذا ما نراه جليا ¬

(¬1) أنظر ترجمته، الكواكب النيرات ص147، الجرح والتعديل 2/193، تهذيب التهذيب 2/37، هدي الساري ص398. (¬2) هدي الساري ص398. (¬3) فتح المغيث 3/338. (¬4) هو عمرو بن عبد الله بن عبيد الهمداني، تهذيب التهذيب 8/63، التاريخ الكبير 3/347، الكواكب النيرات ص341. (¬5) علل الحديث ج2/166 (¬6) مقدمة الكواكب النيرات ص14.

نموذج يبين أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم سؤر البهائم

في حكم أئمة الجرح والتعديل على المختلطين (¬1) . نموذج يبين أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم سؤر البهائم اختلف الفقهاء في حكم سؤر سباع البهائم: فذهب الامام أبو حنيفة وهو رواية عن الامام أحمد وهو مشهور مذهبه الى أنها نجسة (¬2) وحجتهم في ذلك أدلة منها: حديث ابن عمر، قال: ((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع، فقال: ((اذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)) . (¬3) قال المباركفوري: ((صححه الشافعي، وأحمد، وأبو عبيد، واسحق، وابن معين، وابن خزيمة، والطحاوي، وابن حبان، والدارقطني، وابن مندة، والحاكم، والخطابي)) (¬4) وجه الدلالة منه: أن سؤر السباع لو كان طاهرا لما حده بقلتين. ¬

(¬1) أنظر على سبيل المثال الجرح والتعديل 4/1 و 2 و 66 و 6/332. (¬2) شرح فتح القدير 1/95، تبيين الحقائق 1/32، رد المحتار 1/223، المغني 1/48، الكافي 1/92. (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة 1/144، وأحمد 2/12، وعبد بن حميد (818) ، والدارمي (737) ، وأبو داود 1/17 رقم (64) ، وابن ماجه 1/172 رقم (517) ، والترمذي 1/97 رقم (67) ، وابن الجارود (45) ، وأبو يعلى (5590) ، وابن خزيمة (92) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/15، والحاكم 1/133، والبيهقي 1/261، والبغوي (282) (¬4) تحفة الأحوذي 1/216 وأنظر السنن الكبرى 1/260، والمجموع 1/114.

الفرع الثالث: قبول الراوي التلقين

وذهب الامام مالك والشافعي وهو رواية عن أحمد الى أنها طاهرة (¬1) واحتجوا: بما رواه داود بن الحصين، عن أبيه، عن جابر، قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: ((نعم وبما أفضلت السباع كلها)) (¬2) . لكن اعترض على الاستدلال بهذا الحديث بما يأتي: حصين والد داود قال عنه الامام البخاري: ((ليس بالقائم)) (¬3) ، وقال عنه أيضا: ((حديثه ليس في وجه يصح)) (¬4) ، وضعفه أبو حاتم. (¬5) وقال عنه ابن حبان: ((اختلط في آخر عمره حتى كان لا يدري ما يحدث به، واختلط حديثه القديم بحديثه الأخير فاستحق الترك)) . (¬6) الفرع الثالث: قبول الراوي التلقين بينت فيما سبق أن من شروط صحة الحديث ضبط الراوي لما يرويه. وعدم الضبط أمارة من امارات رد الحديث وتضعيفه، والتلقين من وسائل الكشف عن الراوي هل هو ضابط أو غير ضابط، فمن يقبل التلقين فهو سيء الحفظ ومختلط عليه غير ضابط، ومن يرد التلقين ويصلح الخطأ فهو ضابط حافظ لما يروى. قال ابن سيد الناس: ((وانه - يعني: التلقين- لعيب تسقط الثقة بمن يتصف به، ¬

(¬1) بداية المجتهد 1/21، الاستذكار 1/211، القوانين الفقهية ص46، الشرح الصغير 1/47، الأم 1/6-7، فتح العزيز 1/174، المجموع 1/114 (¬2) رواه الشافعي في الأم 1/6، ومن طريقه أخرجه البيهقي 1/250. (¬3) الضعفاء الصغير ص24. (¬4) التاريخ الكبير 3/7. (¬5) الجرح والتعديل 3/119. (¬6) المجروحين 2/83.

وقد كانوا يفعلون ذلك بالمحدث تجربة لحفظه وضبطه وصدقه، فربما لقنوه الخطأ كما فعلوا بالبخاري حين قدم بغداد)) (¬1) وقال ابن الوزير: ((هو أن يلقن الشيء فيحدث به من غير أن يعلم أنه من حديثه)) (¬2) . وقال المعلمي اليماني: ((والتلقين هو أن يوقع الشيخ في الكذب ولا يبين، فان كان انما فعل ذلك امتحانا للشيخ وبين ذلك في المجلس لم يضره، وأما الشيخ فان قبل التلقين وكثر ذلك منه فانه يسقط)) (¬3) . وقال ابن حزم: ((من صح أنه قبل التلقين ولو مرة سقط حديثه كله؛ لأنه لم يتفقه في دين الله عز وجل ولا حفظ ما سمع وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((نظر الله امرءا سمع منا حديثا حفظه حتى بلغه)) (¬4) فانما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبول تبليغ الحافظ، والتلقين هو: أن يقول له القائل حدثك فلان بكذا ويسمي له من شاء من غير أن يسمعه منه فيقول: نعم، فهذا لا يخلو من أحد وجهين ولا بد من أحدهما ضرورة: اما ¬

(¬1) النفح الشذي 1/323. وأنظر امتحان البغداديين للبخاري في تأريخ بغداد 2/20-21. (¬2) تنقيح الأنظار مع توضيح الأفكار 2/257، وللسيوطي مثله في التدريب 1/339. (¬3) التنكيل 1/236. (¬4) أخرجه الشافعي في الرسالة (1102) ، والحميدي (88) ، وأحمد 1/436، وابن ماجه 1/85 رقم (232) والترمذي 5/33 رقم (2657) وأبو يعلى (5126) ، وابن حبان (66) ، والشاشي (275) ، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (6) ، والحاكم في معرفة علوم الحديث ص322، وأبو نعيم في الحلية 7/331، والبيهقي في دلائل النبوة 1/23، والخطيب في الكفاية 29، وابن عبد البر في بيان جامع العلم ص45، والبغوي (112) كلهم من حديث عبد الله بن مسعود. وقال الترمذي: ((حسن صحيح)) .

ان يكون فاسقا يحدث بما لم يسمع، أو يكون من الغفلة بحيث يكون الذاهل العقل المدخول الذهن، ومثل هذا لا يلتفت له، لأنه ليس من ذوي الألباب، ومن هذا النوع كان سماك بن حرب أخبر بأنه شاهد ذلك منه شعبة الامام الرئيس ابن الحجاج)) (¬1) . والتلقين ينشأ من الاختلال الكبير في الحفظ، ومن اختل ضبطه فهو مردود الرواية قال الحميدي: ((ومن قبل التلقين ترك حديثه الذي لقن فيه وأخذ عنه ما أتقن حفظه اذا علم ذلك التلقين حادثا في حفظه ولا يعرف به قديما، وأما من عرف به قديما في جميع حديثه فلا يؤمن أن يكون ما حفظه مما لقن)) . (¬2) فالراوي اذا لقن ففطن الى الصواب ولم يقبل التلقين فهو في رتبة الثقة بل في رتبة الحفظ والاتقان ومن لا يفطن ففي رتبة الترك لا سيما ان كثر منه ذلك. (¬3) أما من كان يتلقن فلا يقبل اذا حدث من حفظه، أما اذا حدث من كتابه المصحح فيقبل لأن الاعتماد على كتابه لا على حفظه (¬4) . مثاله: ما رواه الحميدي (¬5) عن سفيان، قال: حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: ((رأيت رسول الله حين افتتح الصلاة رفع يديه حتى حاذتا ابهاميه)) . ¬

(¬1) الاحكام في أصول الأحكام 1/159. (¬2) الكفاية ص149 (¬3) النفح الشذي 1/326. (¬4) قواعد في علوم الحديث ص287. (¬5) مسند الحميدي (724) . وأنظر تحفة الأشراف 2/29، والجرح والتعديل 1/44.

قال سفيان: ((وقدم الكوفة فسمعته يحدث به فزاد فيه: ((ثم لا يعود)) فظننت أنهم لقنوه، وكان بمكة يومئذ أحفظ منه يوم رأيته بالكوفة وقالوا لي: انه تغير حفظه أو ساء حفظه)) . وقد رواه الدارقطني (¬1) من طريق اسحاق بن شاهين، قال: حدثنا خالد بن عبد الله، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء: ((أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قام الى الصلاة فكبر ورفع يديه، قال: وحدثني عدي بن ثابت، عن البراء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله، وهذا هو الصواب، وانما لقن يزيد في آخر عمره ((ثم لم يعد)) فتلقنه وكان قد اختلط)) . وأخرجه عبد الرزاق (¬2) -ومن طريقه أحمد (¬3) ، والدارقطني - (¬4) من طريق سفيان. وليس فيه الزيادة. وأخرجه أحمد (¬5) ، والدارقطني (¬6) من طريقين، عن شعبة، عن يزيد، به. وليس فيه الزيادة وأخرجه أحمد (¬7) والبيهقي (¬8) من طريقين عن أسباط، عن يزيد، به وليس فيه ¬

(¬1) السنن 1/294 (¬2) المصنف (2530) . (¬3) المسند 4/303. (¬4) السنن 1/293. (¬5) المسند 4/303. (¬6) السنن 1/293. (¬7) المسند 4/301. (¬8) السنن الكبرى 2/26.

الزيادة وأخرجه أبو داود (¬1) ، وأبو يعلى (¬2) من طريقين عن شريك. وأخرجه الدارقطني (¬3) من طريق اسماعيل بن زكريا؛ كلاهما (اسماعيل بن زكريا، وشريك) عن يزيد، به وفيه الزيادة. قال الامام البخاري: ((وكذا روى الحفاظ الذي سمعوا من يزيد قديما منهم: الثوري، وشعبة وزهير ليس فيه -ثم لم يعد-)) (¬4) . وقال أبو داود: ((رواه هشيم وخالد وابن ادريس عن يزيد ولم يذكروا فيه ثم لا يعود)) (¬5) وقال الشوكاني: ((وقد اتفق الحفاظ على أن قوله ((ثم لم يعد)) مدرج في الخبر من قول يزيد بن أبي زياد، وقد رواها بدونها شعبة والثوري وخالد الطحان وزهير وغيرهم. قال الحميدي: انما روى هذه الزيادة يزيد ويَزيد يُزيد. وقال أحمد بن حنبل: لا يصح. وكذا ضعفه البخاري ويحيى والدارقطني والحميدي، وغير واحد، وقال البزار: قوله في الحديث: ثم لم يعد لا يصح)) (¬6) ¬

(¬1) السنن 1/200 رقم (749) . (¬2) مسند ابي يعلى (1690) (¬3) السنن 1/293. (¬4) جزء رفع اليدين ص95. (¬5) السنن 1/478 عقيب (749) (¬6) نيل الأوطار 2/193، وأنظر ميزان الاعتدال 4/423، والجرح والتعديل 1/44، وتحفة الأشراف 2/29

أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: حكم رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه

أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: حكم رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه اختلف الفقهاء في ذلك على قولين: القول الأول: يشرع رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه. وبذلك قال جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم واليه ذهب الشافعي، وأحمد وهو رواية عن مالك. وشذ ألأوزاعي في رواية فقال بالوجوب (¬1) . واحتجوا بأدلة كثيرة منها: حديث ابن عمر: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه اذا افتتح الصلاة، واذا كبر للركوع، واذا رفع رأسه من الركوع)) (¬2) . وذكر الامام البخاري رفع اليدين في الركوع والرفع منه عن سبعة عشر صحابيا (¬3) ، وذكر العراقي أنه رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسون صحابيا منهم العشرة المبشرة بالجنة (¬4) . القول الثاني: لا يشرع رفع اليدين الا في تكبيرة الاحرام. ¬

(¬1) الاستذكار 2/126، فتح الباري 2/149، المجموع 3/373، بداية المجتهد 1/104، المغني 1/548، شرح السنة 3/23، كشاف القناع 1/403، المحلى 4/87، مغني المحتاج 1/164، الشرح الصغير 1/304. (¬2) أخرجه مالك 1/123 رقم (196) ، والحميدي (614) ، وأحمد 2/8، والدارمي (1253) ، والبخاري 1/187 رقم (735) وفي رفع اليدين ص40، ومسلم 2/6 رقم (390) ، وأبو داود 1/191، رقم (721) ، وابن ماجه 1/279 رقم (858) . (¬3) جزء رفع اليدين ص 40 (¬4) طرح التثريب 2/264.

وهذا قول أهل الكوفة، منهم: أبو حنيفة وسفيان الثوري (¬1) . واستدلوا بالحديث السابق مع الزيادة فيه، وقد تبين أنها زيادة تلقنها يزيد. واحتجوا أيضا بحديث عبد الله بن مسعود: ((ألا أصلي بكم صلاة رسول الله؟ فصلى، فلم يرفع يديه الا في أول مرة)) (¬2) ، صححه ابن القطان (¬3) ، وحسنه الترمذي (¬4) . واعترض: بأن هذا الحديث قد ضعفه ابن المبارك، فقد نقل عنه الترمذي قوله: ((ولم يثبت حديث ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع الا في أول مرة)) (¬5) . وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عنه فقال: ((هذا خطأ، يقال: وهم فيه الثوري. روى هذا الحديث عن عاصم جماعة فقالوا كلهم: ((ان النبي صلى الله عليه وسلم افتتح فرفع يديه ثم ركع فطبق وجعلهما بين ركبتيه، ولم يقل أحد ما رواه الثوري)) (¬6) ¬

(¬1) جامع الترمذي 2/43، الحجة 1/94، تبيين الحقائق 1/119، فتح القدير 1/268، شرح السنة 3/23 (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة 1/236، وأحمد 1/388 و 441، وأبو داود 1/199 رقم (748) ، والترمذي 1/40 رقم (257) ، والنسائي 2/182 و 195، وفي الكبرى (645) و (1099) ، وأبو يعلى (2302) و (5040) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/229، والبيهقي 2/78. (¬3) نصب الراية 1/395. (¬4) جامع الترمذي 1/41 عقيب (257) وكذلك نقل عنه تحسينه المزي في التحفة 7/113 حديث (9468) . (¬5) جامع الترمذي 1/38 عقيب (256) (¬6) علل الحديث لابن أبي حاتم (258)

المطلب الثالث: حكم المختلف في توثيقه وتجريحه من الرواة

وقال أبو داود: ((وليس هو بصحيح على هذا اللفظ)) (¬1) . المطلب الثالث: حكم المختلف في توثيقه وتجريحه من الرواة قد يختلف أئمة الجرح والتعديل في تجريح راو أو تعديله، كأن يطلع بعضهم على جارح في الراوي فيجرحه بسبب ذلك، ولا يطلع عليه الآخر، وقد يكون بعض من أئمة الجرح والتعديل متشددا (¬2) في الجرح فيجرح الراوي ويصفه بالضعف لأدنى سبب مما لا يعده غيره سببا موجبا لسقوط روايته، أو قد يطلع بعضهم على جارح فيضعف العالم من أئمة الجرح والتعديل هذا الراوي بسبب الأمر الجارح، ثم يتوب الراوي من ذلك أو تزول العلة التي بسببها ضعف الراوي، ولا يعلم ذلك المجرح ويطلع عليه غيره؛ فيكون ذلك سببا في اختلاف التجريح والتعديل في الرواة. (¬3) نموذج لحديث فيه راو من هذا النوع وأثره في اختلاف الفقهاء: كيفية قضاء رمضان اختلف الفقهاء في هذه المسألة: فذهب بعض الفقهاء - منهم: عائشة وابن عمر، والشعبي وابن سيرين، ورواية عن علي وسعيد بن المسيب والحسن البصري - الى وجوب التتابع في قضاء رمضان (¬4) والحجة لهم: حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان عليه ¬

(¬1) سنن أبي داود 1/199 عقيب (748) (¬2) أنظر الموقظة ص83، والرفع والتكميل ص282، والنكت لابن حجر 1/482. (¬3) المصادر السابقة وظفر الأماني ص459 وأسباب اختلاف المحدثين 2/542 (¬4) المدونة 1/213، الروض النضير 6/486، المجموع 6/367، المغني 3/88، شرح السنة 6/322.

الصوم فليسرده ولا يقطعه)) (¬1) . وفي اسناد هذا الحديث عبد الرحمن بن ابراهيم. ضعفه ابن معين، والنسائي والدارقطني، ووثقه البخاري، وقال أحمد: لا بأس به، وقال أبو زرعة: لا بأس به أحاديثه مستقيمة (¬2) . وقال ابن القطان: فهو مختلف فيه، والحديث من روايته حسن (¬3) ، وذهب جمهور العلماء الى أنه يجوز تفريق قضاء رمضان. وممن ذهب الى ذلك الأئمة الأربعة (¬4) . واحتجوا باطلاق قوله تعالى: ((فعدة من أيام أخر)) (¬5) . فلم يقيد وجوب القضاء بالتتابع. ولحديث محمد بن المنكدر، قال: ((بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن تقطيع قضاء رمضان، فقال: ذلك اليك؛ أرأيت لو كان على أحدكم دين، فقضى الدرهم والدرهمين ألم يكن قضاء؟ فالله أحق أن يعفو، أو يغفر)) . رواه البيهقي، وقال: ((اسناده حسن الا أنه مرسل)) (¬6) . ومع ذلك فالحديث له طرق أخرى عند البيهقي: موصولة ومرسلة، وهناك حديث بمعناه، عن عبد الله بن ¬

(¬1) أخرجه الدارقطني 2/192، والبيهقي 4/259. (¬2) ميزان الاعتدال 2/545، وعد الذهبي هذا الحديث من مناكيره. (¬3) الجوهر النقي 4/259. (¬4) المجموع 6/367، المغني 3/88، عمدة القاري 11/52، شرح السنة 6/322. (¬5) سورة البقرة الآية 184. (¬6) السنن الكبرى 4/259.

عمرو بن العاص - عند الدارقطني (¬1) - مرفوعا في اسناده ضعف، فالحديث لهذا لا ينزل عن مرتبة الحسن. وعلى ذلك فيحمل الأمر في حديث أبي هريرة - الذي احتج به أصحاب المذهب الأول- على الندب. جمعا بين الأدلة. مثال آخر: قد يختلفون في وصف راو بالجهالة، ومنهم من يعرفه ويوثقه، كما في حديث سلمة بن كهيل، قال: سمعت حجرا أبا عنبس يحدث عن وائل الحضرمي: ((أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قرأ: ((غير المغصوب عليهم ولا الضالين)) قال: آمين، ورفع بها صوته)) (¬2) فقد أعله ابن القطان بحجر بن عنبس، وقال: (لا يعرف) . (¬3) وأجيب: بأنه ثقة معروف، وقيل له صحبة وقد وثقه ابن معين (¬4) ، وقال الخطيب: كان ثقة احتج به غير واحد (¬5) ، وذكره ابن حبان في الثقات (¬6) . وقال الحافظ ابن حجر: ((صدوق مخضرم)) (¬7) . ¬

(¬1) السنن 1/243. (¬2) سبق تخريجه مفصلا، وهذه رواية البيهقي 2/57. (¬3) التعليق المغني 1/335-336. (¬4) التعليق المغني 1/335-336. (¬5) تاريخ بغداد 8/274. (¬6) تهذيب التهذيب 2/214-215 وهو في ثقات ابن حبان 4/177. (¬7) التقريب 1/155، وأنظر الجرح والتعديل 3/266

أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: حكم الجهر بآمين

أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: حكم الجهر بآمين ذهب جماعة من الفقهاء الى أن الأفضل الجهر بآمين للامام والمأموم، وبه قال أحمد وهو قول للشافعي (¬1) . واحتجوا بالحديث السابق. وذهب بعض الفقهاء الى المخافتة للامام والمأموم. وبه قال أبو حنيفة ومالك في احدى الروايتين عنه (¬2) . واحتجوا بما رواه شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن حجر أبي العنبس، عن علقمة بن وائل، عن أبيه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقال: آمين، وخفض بها صوته)) . وهذا الحديث لا يصلح للاحتجاج فقد أخطأ فيه شعبة في ثلاثة مواضع منها قوله ((وخفض بها صوته)) وانما هو ((ومد بها صوته)) (¬3) . وذهب الامام مالك الى أنه يندب للمأموم ولا يندب للامام (¬4) . ¬

(¬1) المغني 1/529، الانصاف 2/50، كشاف القناع 1/395، الأم 1/109، المجموع 3/299، مغني المحتاج 1/490. (¬2) المغني 1/529، تبيين الحقائق 1/113، فتح القدير 1/256، اللباب 1/254، رد المحتار 1/492. (¬3) وقد خرجناه مفصلا ص () . وبينا المواضع التي أخطأ فيها شعبة. وأنظر كلام المباركفوري في تحفة الأحوذي 2/69-78 فانه قد أطال النفس في ذلك (¬4) الخرشي 1/282، الشرح الصغير 1/326، القوانين الفقهية ص63، حلية العلماء 2/107-108

المبحث الثالث: اعلال السند بسبب التفرد

المبحث الثالث: اعلال السند بسبب التفرد لا يشترط في الخبر التعدد، بل خبر الواحد يكفي اذا استوفى شروطه، وهو الذي عليه جماهير المسلمين من صدر الاسلام وحتى العصور المتأخرة. وقد تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة على قبول خبر الواحد والعمل به، وعقد الامام الشافعي في الرسالة (¬1) بابا لوجوب العمل بخبر الواحد، وكذا الخطيب البغدادي في الكفاية (¬2) . وقد شذ بعضهم فقالوا: باشتراط العدد، وممن قال به ابراهيم بن اسماعيل بن علية (¬3) ، وأبو علي الجبائي (¬4) ، وبعض المعتزلة، فهؤلاء يذهبون الى: ((أن الخبر لا يقبل اذا رواه العدل الواحد الا اذا انضم اليه عدل آخر أو عضده موافقة ظاهر الكتاب، أو ظاهر خبر آحاد أو يكون منتشرا بين الصحابة أو عمل به بعضهم)) (¬5) . واحتجوا بأدلة واهية أجاب عنها الحافظ ابن حجر (¬6) . فالجماهير من أهل العلم لا يشترطون العدد في الرواية بل يعمل بالحديث اذا كان راويه عدلا ضابطا، وكان السند متصلا، ولم يكن في متن الحديث أو في سنده شذوذ أو علة. وقد جرى العمل على ذلك في كتب الاسلام ولا يضر تفرد الراوي بالحديث اذا ¬

(¬1) الرسالة 369-458. (¬2) الكفاية 26-31. (¬3) الميزان 1/20. (¬4) هو محمد بن عبد الوهاب صاحب مقالات المعتزلة (ت 303 هـ) لسان الميزان 5/271. (¬5) النكت 1/242. (¬6) النكت 1/243-247

كان المتفرد عدلا ضابطا ولم يخالف من هو أكثر حفظا أو عددا. قال الامام مسلم: ((هذا الحرف لا يرويه غير الزهري، قال - وللزهري نحو من تسعين حديثا يرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيها أحد بأسانيد جياد)) (¬1) . وقال الحافظ ابن حجر: ((وكم من ثقة تفرد بما لم يشاركه فيه ثقة آخر، واذا كان الثقة حافظا لم يضره الانفراد)) (¬2) . وقال أيضا: ((وتفرد عثمان والد عبدان لا يضر فانه ثقة)) (¬3) . وقال أيضا في ترجمة ثابت بن عجلان: ((قال العقيلي لا يتابع على حديثه، وتعقب ذلك أبو الحسن ابن القطان: بأن ذلك لا يضره الا اذا كثر منه رواية المناكير ومخالفة الثقات، وهو كما قال)) (¬4) . وقال الزيلعي: ((وانفراد الثقة بالحديث لا يضره)) (¬5) . وهذا اذا كان الراوي مبرزا في الحفظ. قال البرديجي في الحسن بن علي بن شبيب المعمري: ((ليس بعجب أن ينفرد المعمري بعشرين أو ثلاثين حديثا في كثرة ما كتب)) (¬6) . أما اذا لم يكن الراوي مبرزا في الحفظ أو قليل الطلب فأن تفرده عندئذ يوجب ¬

(¬1) صحيح مسلم 5/82 عقيب (1647) . وأنظر تدريب الراوي 1/234. (¬2) فتح الباري 5/11. (¬3) فتح الباري 5/407. (¬4) هدي الساري ص394. (¬5) نصب الراية 3/74 (¬6) ميزان الاعتدال 1/504 الترجمة (1894)

النظر والتأني قال الحافظ ابن حجر: ((وسماك بن حرب اذا تفرد بأصل لم يكن حجة)) (¬1) . وقال المعلمي اليماني: ((وكثرة الغرائب انما تضر الراوي في أحد حالين: الأولى: ان تكون مع غرابتها منكرة عن شيوخ ثقات بأسانيد جيدة. الثانية: أن يكون مع كثرة غرابته غير معروف بكثرة الطلب)) . (¬2) وانا لنجد تطبيق ذلك عند الأئمة فقد قال الحافظ ابن حجر -في حديث صلاة التسابيح -: ((وان كان سند ابن عباس يقرب من شرط الحسن الا أنه شاذ لشدة الفردية وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر)) . (¬3) ونحن حين ننظر في كتب العلل والتخريج نجد الأئمة النقاد كثيرا ما يعلون أحاديث الثقات بالتفرد، والتفرد بحد ذاته ليس علة لكنه يكشف عن العلة ويكون أحيانا من أسباب العلة، فالتفرد من أهم المسائل الحديثية وأغمضها اذ تتميز بدورها الفعال في القاء الضوء على ما يكمن في أعماق الرواية من علة أو وهم، ولأهمية التفرد في النقد والتعليل الحديثي نجد أن المحدثين قد أفردوا هذا النوع بالتصنيف، ومن الذين ألفوا فيه الامام أبو داود فقد ألف فيه كتاب التفرد، والامام المزي في تحفة الأشراف (¬4) ينقل منه كثيرا، وألف الدارقطني: الأفراد وغرائب مالك، واهتم الامام الطبراني في المعجم الأوسط بذكر الافراد. ¬

(¬1) تلخيص الحبير 2/198. (¬2) التنكيل 1/104. (¬3) تلخيص الحبير 2/7 (¬4) أنظر تحفة الأشراف 6/249، واعلام المحدثين ص 220 وهذا الكتاب مفقود، وللامام مسلم كتاب الأفراد وهو مفقود أيضا انظراعلام المحدثين ص 175.

فالتفرد لا يؤخذ ضابطا لرد روايات الثقات بل له أحوال مختلفة، حتى رواية الضعيف لا يرد ما ينفرد به مطلقا، بل الجهابذة الفهماء من الأولين يستخرجون منه ما صح من حديثه؛ قال سفيان الثوري: ((اتقوا الكلبي، فقيل له: انك تروي عنه، قال: اني أعلم صدقه من كذبه)) (¬1) وقد روى الامام البخاري ومسلم عن بعض من في حفظهم شيء لما ثبت لديهما أنهم حفظوه ولم يخطؤا فيه (¬2) ، ومثل هذا لا يستطيعه كل أحد. والتفرد اذا كان بالطبقات المتقدمة كطبقة الصحابة فانه لا يضر وكذلك الحال في طبقة كبار التابعين، وذلك اذا كان المتفرد عدلا ضابطا، أما اذا كان التفرد في الطبقات المتأخرة التي من شأنها التعدد والشهرة (¬3) ، لا سيما اذا كان عن الرواة المكثرين الذي يكثر تلامذتهم وينقل أحاديثهم جماعة، فذلك أمر يأخذه النقاد بعين الاعتبار فينظرون علاقة المتفرد بالراوي الذي تفرد عنه وكيف كانت ملازمته له، وكيف كان يتلقى منه الأحاديث عموما وهذا الحديث الذي تفرد به خصوصا، وحالة ضبطه لما يرويه عامة وهذا الحديث خاصة ثم الحكم عليه بعد ذلك بحسب مقتضى نظرهم، ولم يكونوا يطلقون فيه حكما مطردا بالقبول اذا كان ثقة أو بالرد اذا كان ضعيفا، وانما يخضع حكمهم عليه لمنهج علمي دقيق يطبقه حذاق النقاد أصحاب ¬

(¬1) ميزان الاعتدال 3/557، والكلبي: هو محمد بن السائب أبو النضر (¬2) سبق بيانه. (¬3) ومن ينظر في تحفة الأشراف، واتحاف المهرة، والمسند الجامع يجد ذلك ظاهرا، واحسن مثال على ذلك حديث: ((انما الاعمال بالنيات)) ، فقد رواه يحيى بن سعيد الانصاري، عن محمد بن ابراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب. وتفرد كل واحد منهم عن شيخه. ثم رواه عن يحيى بن سعيد سبعمائة. انظر طرح التثريب 2/3.

نموذج للتفرد وأثره في اختلاف الفقهاء: حكم الجمع بين الصلاتين في السفر

البصيرة والخبرة التامة بصناعة الحديث، وذلك لأن الثقة يختلف حاله في الضبط باختلاف الأحوال والأماكن والشيوخ لخلل يطرأ في كيفية التلقي للأحاديث (¬1) ، أو لعدم توفر الوسائل التي تمكنه من ضبط ما سمعه من بعض شيوخه، أو لحدوث ضياع في بعض ما كتبه عن بعض شيوخه، حتى ولو كان من أثبت أصحابهم والزمهم له؛ ولهذا يستنكر النقاد بعض أحاديثهم، فاعلال النقاد لحديث بالتفرد يجب أخذه بنظر الاعتبار وعدم التسرع بالجواب الذي يقول فيه: ((بل هو ثقة لا يضر تفرده)) ذلك لأن التأمل في الرواية وكيفية السماع يمكن الناقد من الحكم الصحيح عليها بالقبول أو الرد (¬2) نموذج للتفرد وأثره في اختلاف الفقهاء: حكم الجمع بين الصلاتين في السفر (¬3) اختلف الفقهاء في حكم الجمع بين الصلاتين في السفر على أقوال: القول الأول: قال الامام مالك، والشافعي، وأحمد في أصح الروايتين عنه، والهادوية من الزيدية يجوز الجمع بين الصلاتين تقديما وتأخيرا، الا أن المشهور عن الامام مالك أن الجمع انما يكون لمن جد به السير، أما النازل فلا يجوز له ذلك. وانما يصلي كل صلاة في وقتها. القول الثاني: قال بعض الفقهاء لا يجوز الجمع بين الصلاتين بسبب السفر، وانما يجوز في موضعين فقط: يجمع الحاج بين الظهر والعصر تقديما يوم عرفة مع ¬

(¬1) أنظر الباعث الحثيث ص26. (¬2) أنظر ظفر الاماني ص242 وما بعدها و 323 وما بعدها، والحديث المعلول للمليباري ص64. (¬3) الجمع بين الصلاتين هو أن يجمع المسافر بين الظهر والعصر في وقت أيهما شاء تقديما وتأخيرا، أي: بأن يقدم العصر فيصليها مع الظهر أو يؤخر الظهر فيصليها مع العصر، وكذا المغرب والعشاء (مسائل من الفقه المقارن: 1/174)

الامام، وبين المغرب والعشاء تأخيرا في مزدلفة وهذا بسبب النسك لا بسبب السفر، وبهذا قال أبو حنيفة. القول الثالث: قال الامام أحمد في أصح الروايتين عنه يجوز الجمع بين الصلاتين تأخيرا لا تقديما ويبدو أن هذا هو مذهب ابن حزم. (¬1) ومن أدلة أصحاب المذهب الأول: حديث أنس، قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس آخر الظهر الى وقت العصر ثم يجمع بينهما، واذا زاغت صلى الظهر ثم ركب)) متفق عليه (¬2) . قال الحافظ ابن حجر: ((وقد احتج بهذا الحديث من أبى جمع التقديم)) ثم قال: ((لكن روى هذا الحديث اسحاق بن راهويه، عن شبابة، فقال: ((كان اذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل)) أخرجه الاسماعيلي (¬3)) ) قال الحافظ: ((وأعل بتفرد اسحاق بذلك، عن شبابة، ثم تفرد جعفر الفريابي به، عن اسحاق؛ وليس ذلك بقادح؛ فانهما امامان حافظان)) (¬4) . اذن فرواية الصحيحين تدل على جمع التأخير، ورواية اسحاق التي أخرجها الاسماعيلي تدل على جمع التقديم أيضا؛ فهي اذا حجة على ابن حزم ومن وافقه ¬

(¬1) ينظر لتفصيل الأقوال والأدلة: مسائل من الفقه المقارن 1/174-180 وكذلك المحرر 1/234، والمغني 2/271، والانصاف 2/334، وكشاف القناع 2/3، والمدونة 1/11، وبداية المجتهد 1/134، والقوانين الفقهية 97، والخرشي 2/67، والأم 1/77، وحلية العلماء 2/204، والمجموع 4/226، ومغني المحتاج 1/271، ورد المحتار 1/381. (¬2) صحيح البخاري 2/58 رقم (1112) ، صحيح مسلم 2/151 رقم (704) (¬3) فتح الباري 2/583. (¬4) المصدر السابق.

نموذج آخر: الولي المجبر

ممن نفى جمع التقديم، والروايتان حجة على أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- ومن وافقه ممن نفى الجمع بسبب السفر أصلا. نموذج آخر: الولي المجبر (بمعنى هل يجوز للأب اجبار ابنته على الزواج؟) اختلف الفقهاء في ذلك على قولين: القول الأول: ان البكر اذا كانت بالغة (¬1) فليس لأحد تزويجها بغير اذنها سواء في ذلك الأب وغيره. نقله الترمذي عن أكثر أهل العلم، ونقله الشوكاني عن العترة، وبه قال الثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأبو ثور وأبو عبيد. وهو رواية عن الشعبي، واليه ذهب أبو حنيفة وأحمد في رواية. (¬2) والحجة لهم: ما رواه حسين بن محمد، قال: حدثنا جرير بن حازم، عن أيوب، عن عكرمة عن ¬

(¬1) أما البكر الصغيرة: فقد نقل بعض العلماء الاجماع على أن للاب تزويجها، وزاد أبو حنيفة غير الأب من سائر العصبات الا أنه جعل لها الخيار عند البلوغ اذا كانت قد زوجها غير الأب أو الجد أما الثيب اذا كانت كبيرة فقد اتفق العلماء - عدا الحسن والنخعي- على عدم جواز تزويجها بغير اذنها سواء في ذلك الأب او غيره وألحق الشافعي وأحمد - في رواية- بالكبيرة الصغيرة أيضا، والرواية الثانية عن أحمد وهي قول أبي حنيفة ومالك أن للاب تزويج الثيب الصغيرة بغير اذنها وزاد أبو حنيفة الجد وغيره من العصبات وجعل لها الخيار عند البلوغ اذا كان قد زوجها غير الاب والجد. أنظر فقه الامام سعيد 3/204. (¬2) جامع الترمذي 3/417، المغني 7/380-385، الهداية 1/44، نيل الأوطار 6/123، الجوهر النقي 7/115، المحلى 9/462، شرح السنة 9/31.

ابن عباس: ((ان جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم)) (¬1) وهذا اسناد صحيح. وقال الحافظ ابن حجر: ((رجاله ثقات)) (¬2) . وأخرجه الدارقطني (¬3) ، وابن ماجه (¬4) من طريق معمر بن سليمان الرقي، عن زيد بن حبان، عن أيوب السختياني به. وأخرجه البيهقي (¬5) ، والدارقطني (¬6) من طريق عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري: قال حدثنا سفيان الثوري، عن هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرجه أبو داود (¬7) ، والبيهقي (¬8) من طريق محمد بن عبيد: عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم- مرسلا- قال أبو داود: ((لم يذكر ابن عباس، وكذلك رواه الناس)) . وقال البيهقي: ((وهذا حديث أخطأ فيه جرير بن حازم، عن أيوب السختياني ¬

(¬1) أخرجه أحمد 1/283، وأبو داود 2/232 رقم (2096) ، وابن ماجه 1/603 رقم (1875) ، والبيهقي 7/117، والدارقطني 3/235، من طرق عن حسين بن محمد، بهذا الاسناد. (¬2) فتح الباري 9/196. (¬3) السنن 3/235. (¬4) السنن 1/603 رقم (1875 م) (¬5) السنن الكبرى 7/117. (¬6) السنن 3/234. (¬7) السنن 2/232 رقم (2097) (¬8) السنن الكبرى 7/117.

والمحفوظ: عن أيوب عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا)) . وقال أبو حاتم الرازي -عن حديث حسين بن محمد-: ((هذا خطأ انما هو كما رواه الثقات عن أيوب، عن عكرمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم -مرسلا- منهم: ابن علية، وحماد بن زيد: أن رجلا تزوج وهو الصحيح، قلت: ((يعني: ابن أبي حاتم)) . الوهم ممن هو؟ قال: من حسين ينبغي ان يكون، فانه لم يرو عن جرير غيره)) (¬1) . والحاصل: أن الحديث أعل بالارسال، وبتفرد جرير بن حازم، عن أيوب، وبتفرد حسين، عن جرير: فأما تفرد جرير، عن أيوب فمردود؛ فقد أخرجه الدارقطني (¬2) من طريق أيوب بن سويد: عن سفيان الثوري، عن أيوب السختياني، به. مرفوعا، فهذه متابعة والمتابعة الثانية: عند الدارقطني (¬3) أيضا من طريق زيد بن حبان، عن أيوب. أما تفرد حسين بن محمد، عن جرير فمردود أيضا، فقد قال الزيلعي (¬4) : ((وقال في التنقيح: قال الخطيب البغدادي: قد رواه سليمان بن حرب، عن جرير بن حازم أيضا، كما رواه حسين، فبرأت عهدته وزالت تبعته)) . أما اعلاله بالارسال فقد أجاب عنه ابن التركماني بقوله: ((جرير بن حازم ثقة جليل، وقد زاد الرفع فلا يضر ارسال من أرسله كيف وقد تابعه الثوري وزيد بن حبان فروياه عن أيوب كذلك مرفوعا (¬5)) . ¬

(¬1) علل الحديث لابن أبي حاتم 1/417. (¬2) السنن 3/235 رقم (58) (¬3) السنن 3/235 رقم (57) (¬4) نصب الراية 3/190. (¬5) الجوهر النقي 7/117-118، وبنحو هذا المعني في تهذيب السنن 3/40-41 لابن القيم

القول الثاني: ان للأب تزويج ابنته البكر بدون اذنها، ولا يجوز له تزويج الثيب الا باذنها. وهو قول كثير من أهل العلم روي ذلك عن ابن عمر، وسعيد بن المسيب، والليث، وابن أبي ليلى، واسحاق، وهو رواية عن الشعبي. واليه ذهب مالك والشافعي، وأحمد في رواية (¬1) والحجة لهم: ما رواه ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الأيم (¬2) أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها واذنها صماتها)) (¬3) . وجه الدلالة: ان الشارع قسم النساء الى قسمين: ثيبات وأبكارا، وخص الثيب بانها أحق بنفسها من وليها؛ فدل ذلك على: أن البكر بعكسها، والا لم يكن لافراد الثيب معنى. وأجيب: بأنه لا دلالة في هذا الحديث على أن البكر ليست أحق بنفسها الا من جهة المفهوم، والمفهوم لا عموم له؛ فيحمل على البكر غير البالغة. وأيضا: فان المفهوم عارضه منطوق الحديث نفسه، وهو قوله: ((والبكر تستأذن)) ¬

(¬1) المدونة 4/8، الأشراف 2/90-91، مغني المحتاج 3/149، المغني 7/380- 385، شرح السنة 9/31. (¬2) الأيم في الأصل: هي التي لا زوج لها سواء في ذلك البكر والثيب والمطلقة والمتوفى عنها زوجها، والمراد بها هنا الثيب خاصة (النهاية في غريب الحديث: 1/54) (¬3) أخرجه عبد الرزاق (10283) ، والحميدي (517) ، وسعيد بن منصور (556) ، وابن أبي شيبة 4/136، وأحمد 1/219، والدارمي (2194) ، ومسلم 4/141 رقم (1421) ، وأبو داود 2/232 رقم (2098) ، وابن ماجه 1/601 رقم (1870) ، والترمذي 3/416 رقم (1108) ، والنسائي 6/84، وابن الجارود (709) .

المبحث الرابع: اعلال السند بسبب انكار الأصل رواية الفرع

والاستئذان مناف للاجبار. أما التفريق في الحديث بين البكر، والثيب؛ فذلك لأن الثيب تخطب الى نفسها فتأمر وليها بتزويجها، والبكر تخطب الى وليها فيستأذنها (¬1) المبحث الرابع: اعلال السند بسبب انكار الأصل رواية الفرع اذا أنكر الأصل رواية الفرع انكار متوقف فقد اختلف العلماء في ذلك: فذهب الجمهور الى: أن هذا لا يضر الراوية ولا يوهنها. ولكن بعض أهل العلم رأوا ان ذلك علة تبطل الراوية (¬2) . قال الخطيب: ((وقد اختلف الناس في العمل بمثل هذا وشبهه: فقال أهل الحديث وعامة الفقهاء- من أصحاب مالك والشافعي وغيرهما- وجمهور المتكلمين: أن العمل به واجب اذا كان سامعه حافظا والناس له بعد روايته عدلا، وهو القول الصحيح. وزعم المتأخرون من أصحاب أبي حنيفة: أنه لا يجب قبول الخبر على هذا السبيل ولا العمل، قالوا: ولهذا لزم اطراح حديث الزهري في المرأة تنكح بغير اذن وليها)) (¬3) . وقال ابن الصلاح: ((ومن روى حديثا ثم نسيه لم يكن ذلك مسقطا للعمل به عند جمهور أهل الحديث وجمهور الفقهاء والمتكلمين؛ خلافا لقوم من أصحاب أبي ¬

(¬1) فقه الامام سعيد 3/203. (¬2) فتح المغيث 1/316، المغني في أصول الفقه ص214، شرح النووي على صحيح مسلم 2/231. (¬3) الكفاية ص380.

حنيفة صاروا الى اسقاطه لذلك)) (¬1) . وقال ابن عبد البر: ((العدل اذا روى خبرا عن عدل مثله حتى يتصل، لم يضر الحديث أن ينساه أحدهم لأن الحجة حفظ من حفظ وليس النسيان بحجة)) (¬2) فقد تبين لنا أن الجمهور على قبول رواية الراوي اذا نساها بعد أن حدث بها، والحنفية على خلاف ذلك، والحديث الذي رده الحنفية هو حديث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، قال: أخبرني سليمان بن موسى، أن ابن شهاب أخبره: أن عروة بن الزبير أخبره، أن عائشة أخبرته، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، ولها مهرها بما أصاب منها، فان اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)) . (¬3) وقد أعل هذا الحديث بما رواه الحاكم (¬4) باسناده عن أبي حاتم: محمد بن ادريس الرازي، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول - وذكر عنده أن ابن علية يذكر ¬

(¬1) علوم الحديث ص105. وأنظر التقييد والايضاح ص154، وقواعد في علوم الحديث ص201، وأسباب اختلاف الفقهاء للدكتور عبد الله التركي ص98، شرح السنة 9/39 (¬2) التمهيد 2/142. (¬3) أخرجه الشافعي في الأم 5/13، والطيالسي (1463) ، وعبد الرزاق (10472) ، والحميدي (228) ، وابن أبي شيبة 4/128، وأحمد 6/47 و 66 و 165 و 260، والدارمي (2190) ، وأبو داود 2/229 رقم (2083) و (2084) ، وابن ماجه 1/605 رقم (1879) ، والترمذي 3/407 رقم (1102) ، وابن الجارود (700) ، والطحاوي في شرح المعاني 3/7، وابن حبان (7074) ، والدارقطني 3/221، والحاكم 2/168، والبيهقي 7/105، و 106 و 124 و 125 و 138، وابن حزم في المحلى 9/451، والبغوي (2262) كلهم من طريق عبد الملك بن عبد العزيز، بهذا الاسناد. (¬4) المستدرك 2/169.

حديث ابن جريج في: ((لا نكاح الا بولي)) قال ابن جريج: فلقيت الزهري فسألته عنه؟ فلم يعرفه، وأثنى على سليمان بن موسى، قال أحمد بن حنبل -: ان ابن جريج له كتب مدونة، وليس في كتبه ((يعني: حكاية ابن علية عن ابن جريج) . وقال الحاكم: ((سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت العباس ابن محمد الدوري يقول: سمعت يحيى بن معين يقول - في حديث لا نكاح الا بولي الذي يرويه ابن جريج، فقلت له: ان ابن علية يقول: قال ابن جريج فسألت عنه الزهري؟ فقال: لست احفظه، فقال يحيى ليس يقول هذا الا ابن علية، وانما عرض ابن علية كتب ابن جريج على عبد المجيد بن عبد العزيز بن رواد فأصلحها له ولكن لم يبذل نفسه للحديث)) . وقال الامام الترمذي: ((وقد تكلم بعض أصحاب الحديث في حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن جريج: ثم لقيت الزهري، فسألته فأنكره، فضعفوا هذا الحديث من أجل هذا)) (¬1) وما نقله الحاكم عن الامامين الكبيرين: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين يدل على أن هذه ليست علة تعل بها الأحاديث؛ لأن الثقة مهما بلغ حفظه قد ينسى بعض ما يرويه، ولا يكون ذلك قادحا في صحة ما رواه، وللخطيب البغدادي في ذلك كتاب: ((من حدث فنسي)) . ورحم الله الحاكم حيث قال: ((فقد صح وثبت بروايات الأئمة الأثبات سماع الرواة بعضهم من بعض فلا تعل هذه الروايات بحديث ابن علية وسؤاله ابن جريج عنه وقوله: اني سألت الزهري عنه فلم يعرفه؛ فقد ينسى الثقة الحافظ بعد أن ¬

(¬1) جامع الترمذي 3/410 عقيب (1102) . وأنظر نصب الراية 3/185، والمحلى 9/452، وشرح معاني الآثار 3/7، وتلخيص الحبير 3/180، وسبل السلام 3/16، وشرح السنة 9/39.

حدث به، وقد فعله غير واحد من حفاظ الحديث)) (¬1) وقد أجاب ابن حبان على ذلك بما لا مزيد عليه فقد قال: (هذا خبروهم من لم يحكم صناعة الحديث أنه منقطع أو لا أصل له بحكاية حكاها ابن علية، عن ابن جريج في عقب هذا الخبر قال: (ثم لقيت الزهري فذكرت له ذلك فلم يعرفه وليس هذا مما يهي الخبر بمثله، وذلك أن الخَيِّر الناقل المتقن الضابط من أهل العلم قد يحدث بالحديث ثم ينساه، واذا سئل عنه لم يعرفه، فليس نسيانه الشيء الذي حدث به بدال على بطلان أصل الخبر؛ والمصطفى خير البشر صلى فسها فقيل له: يارسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: كل ذلك لم يكن؛ فلما جاز على من اصطفاه الله لرسالته وعصمه من بين خلقه النسيان في أعم أمور المسلمين الذي هو الصلاة حتى نسي فلما استثبتوه أنكر ذلك، ولم يكن نسيانه بدال على بطلان الحكم الذي نسيه؛ كان من بعد المصطفى من أمته الذين لم يكونوا معصومين جواز النسيان عليهم أجوز ولا يجوز مع وجوده ان يكون فيه الدليل على بطلان الشيء الذي صح عنهم قبل نسيانهم ذلك)) (¬2) . وخلاصة القول: أن العلة زائلة والحديث على أقل أحواله يكون حسنا لذاته. وقال الحافظ: ((أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه أبو عوانة وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم)) (¬3) . وقد اجاد ابن حزم في دفاعه عن الحديث (¬4) . ¬

(¬1) المستدرك 2/168. (¬2) الاحسان 9/385-386، ونقله عنه الزيلعي 3/185 بتصرف. (¬3) فتح الباري 9/194. (¬4) المحلى 9/451-459. وأنظر الأم 5/12-13، والتعلق المغني 3/219- 223، نيل الأوطار 6/249-251، والسنن الكبرى 7/105-113، ونصب الراية 3/185، وتلخيص الحبير 3/179-180، وسبل السلام 3/116-117.

أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء: الولاية في الزواج

أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء: الولاية في الزواج اختلف الفقهاء في اشتراط الولي في النكاح على مذهبين: المذهب الأول: لا يجوز أن تزوج المرأة نفسها الا باذن وليها. وهو مذهب الجمهور (¬1) وحجتهم: حديث أم المؤمنين عائشة الذي سبق ذكره. المذهب الثاني: للمرأة أن تزوج نفسها ممن شاءت، وليس لوليها أن يعترض عليها في ذلك اذا وضعت نفسها حيث ينبغي لها أن تضعها. وبه قال الحنفية (¬2) . وقد ردوا الحديث لانكار الزهري له، وقد نقلت اجابت العلماء على ذلك. _ ¬

(¬1) شرح معاني الآثار 3/7، المحلى 9/451، ونيل الأوطار 6/248، شرح السنة 9/39، معالم السنن 3/200، المغني 7/337، المنتقى 3/270، الهداية 1/142، القوانين الفقهية ص202. (¬2) شرح معاني الآثار 3/7، الهداية 1/142، الاختيار 3/128، المغني 7/337، القوانين الفقهية ص202، بدائع الصنائع 2/242، رد المحتار 3/53، شرح السنة 9/39

الفصل الثالث: علل المتن

الفصل الثالث: علل المتن وفيه سبعة مباحث المبحث الأول: الاعلال بالتعارض المبحث الثاني: الاعلال بالشك المبحث الثالث: اعلال خبر الآحاد بكونه مما تعم به البلوى المبحث الرابع: اعلال خبر الآحاد بمخالفته فتيا الصحابي الذي يرويه المبحث الخامس: اعلال خبر الآحاد بمخالفته القياس المبحث السادس: اعلال خبر الآحاد بمخالفته اجماع اهل المدينة المبحث السابع: اعلال خبر الآحاد بمخالفته القواعد العامة. المبحث الاول: الاعلال بالتعارض وفيه: مطلبان المطلب الأول: معارضة الحديث لظاهر القرآن الكريم ان القرآن الكريم نقل الينا نقلا متواترا فهو قطعي الثبوت بلا شك (¬1) ، أما خبر الآحاد فهو ظني الثبوت على الصحيح المختار (¬2) ، فخبر الآحاد مهما قوي سنده واشتهر رجاله فهو لا يقاوم النص القرآني من حيث الثبوت، وعليه فخبر الآحاد ظني لاحتمال الخطأ في أحاديث الثقات المتقنين؛ ومن هنا اشترط بعض الفقهاء من المالكية والحنفية للعمل بخبر الآحاد أن لا يخالف ظاهر القرآن الكريم حيث أن ورود خبر الآحاد مخالفا لظاهر القرآن الكريم دليل على عدم صحته لأنه لو كان صحيحا لما خالف كتاب الله عز وجل الذي نقل الينا نقلا متواترا وورد ورودا قطعيا وخبر الآحاد ظني، ولا تعارض بين القطعي والظني بوجه بل الظني يسقط بمقابلة القطعي (¬3) . ¬

(¬1) البحر المحيط 3/364. (¬2) التقريب مع التدريب 1/75-76، وقارن بالبحر المحيط 4/362-366. (¬3) أصول السرخسي 1/365، ميزان الأصول 2/642، كشف الاسرار 2/48-49، قواعد في علوم الحديث ص125.

نموذج لذلك: القضاء بالشاهد الواحد واليمين

ولم يشترط الجمهور هذا الشرط؛ وذلك لجواز تخصيص عموم نصوص الكتاب أو السنة المتواترة أو المشهورة بخبر الواحد عند التعارض، وكذلك يجوز تقييد مطلق الكتاب بخبر الآحاد (¬1) . نموذج لذلك: القضاء بالشاهد الواحد واليمين اذا قامت البينة على دعوى المدعي بشهادة كاملة النصاب، وقبل القاضي شهادة الشهود، فان القاضي يحكم بما ادعاه المدعي لا خلاف بين العلماء في ذلك (¬2) . واذا لم يكتمل نصاب الشهادة وطلب المدعي يمين المدعى عليه وحلف فان يمين المدعي في هذه الحالة ترد (¬3) . أما اذا لم يطلب المدعي يمين المدعى عليه، ففهي هذه الحالة هل يكمل النقص في نصاب الشهود بيمين المدعي ويقضى له بذلك أولا؟ فقد اتفق الفقهاء على عدم القضاء بالشاهد واليمين في الحدود ثم اختلفوا فيما سوى ذلك على أربعة مذاهب: المذهب الأول: - لا يقضى بذلك في شيء من الحقوق. وبه قال أبو حنيفة ومن وافقه (¬4) . المذهب الثاني: يقضى به فيما سوى الحدود، لا فرق في ذلك بين القصاص ¬

(¬1) اسباب اختلاف الفقهاء للدكتور مصطفى الزلمي ص301. (¬2) المغني 12/8. (¬3) مسائل من الفقه المقارن 2/199. (¬4) الاختيار 2/111، مختصر الطحاوي ص333، المغني 12/10.

وغيره. وبه قال ابن حزم (¬1) . المذهب الثالث: يقضى بذلك فيما سوى الحدود والقصاص. وهو قول الهادوية (¬2) . المذهب الرابع: يقضى به في الأموال أو ما يؤول اليها. وبه قال جمهور اهل العلم، روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وهو قول الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز والحسن وشريح واياس وعبد الله بن عتبة وأبي سلمة بن عبد الرحمن ويحيى بن يعمر وربيعة ومالك وابن أبي ليلى وأبي الزناد والشافعي (¬3) . وقد احتج الجمهور القائلون بالقضاء بالشاهد واليمين بما صح عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد (¬4) وفي رواية للامام أحمد: ((انما كان ذلك في الاموال)) وبما صح عن أبي هريرة قال: ((قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد ¬

(¬1) المحلى 9/404. (¬2) سبل السلام 4/131، نيل الأوطار 8/295، البحر الزخار 5/403. (¬3) الجوهر النقي 1/174، المغني 12/10، القوانين الفقهية ص259، التمهيد 2/153، بداية المجتهد 2/507، جامع الترمذي 3/629، عقيب (1345) (¬4) أخرجه الشافعي في مسنده الملحق بالأم 8/389، وأحمد 1/248 و 315، 323، ومسلم 5/128 رقم (1711) ، وأبو داود 3/308 رقم (3608) و (3609) ، وابن ماجه 2/793 رقم (2370) ، وأبو يعلى (2511) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/144، والبيهقي 10/167، والبغوي (2502) ، وابن الجارود (1006) ، والطبراني في الكبير (11185) كلهم من حديث ابن عباس

الواحد)) (¬1) وبما روي عن ابن جابر بن عبد الله: ((ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد)) (¬2) . وبما روي عن سرق: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة الرجل ويمين الطالب)) (¬3) . وقد روي هذا الحديث أيضا عن عمر وعلي، وعبد الله بن عمر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وسعد بن عبادة والمغيرة بن شعبة، وبلال بن الحارث، وعمارة بن حزم ومسلمة بن قيس، وعامر بن ربيعة، وسهل بن سعد، وتميم الداري، وأنس، وأم المؤمنين أم سلمة، وزينب بنت ثعلبة، فهؤلاء عشرون من الصحابة رووا الحديث، والطرق الى بعضهم ¬

(¬1) أخرجه الشافعي 2/179، وأبو داود 3/308 رقم (3610) و (3611) ، وابن ماجه 2/793 رقم (2368) ، والترمذي 3/628 رقم (1343) ، وابن الجارود (1007) ، وأبو يعلى (6683) ، والطحاوي في شرح المعاني 4/44، وابن حبان (5073) ، والبيهقي 10/168، والبغوي (2053) وقال الترمذي: ((حسن غريب)) . (¬2) أخرجه أحمد 3/305، وابن ماجه 2/793 رقم (2369) ، والترمذي 3/628 رقم (1344) ، وابن الجارود (1008) ، والدارقطني 4/212، والبيهقي 10/170. (¬3) أخرجه ابن ماجه 2/793 رقم (2371) ، والبيهقي 10/172، والمزي في تهذيب الكمال 10/216 وفيه رجل مجهول.

المطلب الثاني: التعارض بين حديثين

صحيحة (¬1) . واعتذر أبو حنيفة ومن وافقه عن العمل بهذا الحديث لأنه خبر واحد يعارضه الكتاب بقوله: ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء)) (¬2) . فقد ذكر الجصاص الحنفي: أن المانع من قبول هذه الأخبار رد نص القرآن لها (¬3) . ويجاب عن ذلك: بأن ما اشترطه الحنفية ومن وافقهم من شروط العمل بخبر الآحاد لا تلزم عند الجمهور، ولا معارضة بين هذا الحديث وبين ظاهر القرآن الكريم. وانما هو نوع تخصيص، ثم ان حديث القضاء بالشاهد واليمين ليس خبر آحاد فيما ذكره الحنفية من وصف الآحاد فهو مشهور أو أعلى من المشهور في اصطلاحهم فقد رواه أكثر من عشرين صحابيا، والمشهور عند الحنفية يخص به الكتاب والسنة المتواترة (¬4) . المطلب الثاني: التعارض بين حديثين قد ينقدح لعالم من علماء الحديث علة في حديث، ثم لا يجد علة ظاهرة ¬

(¬1) وقد اعتنى بتخريج طرق الحديث: ابن عبد البر في التمهيد 2/134 وما بعدها، والبيهقي في السنن الكبرى 10/167 وما بعدها، والدارقطني في سننه 4/212 وما بعدها. وأنظر نصب الراية 4/96، ومجمع الزوائد 4/202. (¬2) سورة البقرة الآية 282. (¬3) أحكام القرآن 1/514-516. (¬4) أنظر فواتح الرحموت 2/128. وقد أفاض أستاذي الدكتور هاشم في مناقشة الأدلة بما لا مزيد عليه في مسائل من الفقه المقارن 2/199-208.

قادحة في صحة الحديث فيحاول أن يعل الحديث بعلة غير قوية، وقد يكون هذا الاعلال عنده كاف للقدح في صحة الحديث، وهذا النوع من الاعلال يسمى: بـ ((المعارضة)) أي: أن هذا الحديث يخالف ويعارض الأحاديث الصحيحة، ومخالفة الأحاديث الصحيحة شذوذ، وقد تعل كثير من الأحاديث بهذا النوع من الاعلال، وقد يقع التعارض في كثير من الأحاديث الصحيحة، لكن العلماء الجهابذة من أئمة الحديث والفقه كثيرا ما يتمكنون من الجمع بين الأحاديث المتعارضة جمعا سائغا. وهذا مبحث مهم خصه الأصوليون بالكتابة فيه وسموه: بـ ((التعارض والترجيح)) وقد اهتم المحدثون به من قبل وألفوا فيه كتبا سميت بـ ((مختلف الحديث)) . أما تعارض الصحيح مع الضعيف فان ذلك لا يوهن الصحيح بل يزيد الضعيف ضعفا، وله اسم خاص عند علماء المصطلح وهو: ((المنكر)) (¬1) . لكن التعارض القادح هو الذي لا يمكن الجمع فيه ويكون الدليلان متماثلين في القوة، أو على أقل الأحوال أن يكون الحديثان المتعارضان صحيحين. مثال ذلك: حديث ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبد الله بن بسر السلمي، عن أخته الصماء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تصوموا يوم السبت الا فيما افترض عليكم وان لم يجد ¬

(¬1) نزهة النظر ص47، علوم الحديث ص180، الموقظة ص43، فتح المغيث 1/90.

أحدكم الا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه)) (¬1) . قال الترمذي: ((حسن)) . لكن هذا الحديث قد أعله جماعة من الحفاظ بالمعارضة. قال الحاكم (¬2) : ((وله معارض باسناد صحيح، وقد أخرجاه من حديث همام، عن قتادة عن أبي أيوب، عن جويرية بنت الحارث: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: صمت أمس؟ قالت: لا، قال: فتريدين أن تصومي غدا؟ … الحديث)) (¬3) . ¬

(¬1) أخرجه أحمد 6/368، والدارمي (1756) ، وأبو داود (2421) ، وابن ماجه (1726 م) ، والترمذي 3/120 رقم (744) ، وابن خزيمة (2163) ، والنسائي في الكبرى (2762) ، والطبراني في الكبير 24/حديث (818) ، والمزي في تهذيب الكمال 35/219. وأخرجه عبد بن حميد (508) ، والنسائي في الكبرى (2761) ، والطحاوي في شرح المعاني 2/80، والحاكم 1/435، والبيهقي 4/302، والبغوي (1806) من طريق خالد بن معدان، عن عبد الله بن بسر. وأخرجه أحمد 4/189 من طريق يحيى بن حسان عن عبد الله بن بسر. وأخرجه أحمد 4/189، والنسائي في الكبرى (2759) ، والدولابي في الكنى 2/118 من طريق حسان بن نوح، عن عبد الله بن بسر. قال الحافظ ابن حجر في التلخيص 2/229: ((لكن هذا التلون في الحديث الواحد مع اتحاد المخرج بالاسناد الواحد يوهن راويه وينبيء بقلة ضبطه الا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث فلا يكون ذلك دالا على قلة ضبطه وليس الأمر هنا هكذا)) . وقد ضعفه في تهذيب التهذيب مرارا ج1/437 وج2/252 وج8/195 (¬2) المستدرك 1/435-436، ونقله عنه الحافظ ابن حجر في التلخيص 2/229. (¬3) أخرجه أحمد 6/324 و 430، وعبد بن حميد (1557) ، والبخاري 3/54 رقم (1986) ، وأبو داود 2/321 رقم (2422) ، والنسائي في الكبرى (2753) . وهذا لفظ البخاري كما أشار الحاكم.

وقال الامام مالك: ((هذا كذب)) (¬1) يعني: حديث صوم يوم السبت. وقال صاحب عون المعبود (¬2) : ((وقد طعن في هذا الحديث جماعة من الأئمة: مالك ابن أنس، وابن شهاب الزهري، والأوزاعي، والنسائي، فلا تغتر بتحسين الترمذي وتصحيح الحاكم وان ثبت تحسينه فلا يعارض حديث جويرية بنت الحارث الذي اتفق عليه الشيخان)) . ومن العلماء من قال: انه منسوخ كالامام أبي داود (¬3) . وقد يضعف أحد دعوى النسخ: بأن من شرط الحكم بالنسخ: العلم بالتأريخ، وهنا لا نعلم التأريخ، فيجاب عن ذلك: بأن هذا يوضحه حديث كريب - مولى ابن عباس - قال: ((أن ابن عباس وناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثوني الى أم سلمة أسألها: أي الايام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر لصيامها؟ قالت: يوم السبت والأحد، فرجعت اليهم فأخبرتهم، فكأنهم أنكروا ذلك، فقاموا بأجمعهم اليها فقالوا: انا بعثنا اليك هذا في كذا، وذكر أنك قلت كذا، فقالت: صدق، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما كان يصوم من الايام السبت والأحد، وكان يقول: انهما عيدان للمشركين وأنا أريد أن أخالفهم (¬4)) . وهذا ما فهمه الحافظ ابن حجر حين وضح مدرك أبي داود في دعوى النسخ اذ ¬

(¬1) تلخيص الحبير 2/230. (¬2) 2/294. (¬3) سنن أبي داود 2/321 عقيب (2421) (¬4) أخرجه أحمد 6/324، وابن خزيمة (2167) ، وابن حبان (941 موارد) ، والطبراني في الكبير 23/383، والحاكم 1/436، والبيهقي 4/313، واسناده قوي رجاله ثقات غير عبد الله بن محمد بن عمر،، وحديثه لا ينزل عن رتبة الحسن، فقد وثقه ابن حبان وقال ابن المديني وسط وقال غيره صالح (الميزان للذهبي: 2/484 وتهذيب التهذيب 6/18) ، والحديث صححه الحاكم ولم يتعقبه الذهبي، وقال ابن القيم في زاد المعاد 2/79: ((أراه حسنا))

أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء

قال قي التلخيص (¬1) : ((يمكن أن يكون أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب في أول الأمر ثم في آخر الأمر قال خالفوهم فالنهي عن صيام يوم السبت يوافق الحالة الأولى وصيامه اياه يوافق الحالة الثانية وهذه صورة النسخ والله أعلم)) . وقال الطحاوي في شرح معاني الآثار (¬2) : ((ولقد أنكر الزهري حديث الصماء في كراهية صوم السبت ولم يعده من حديث اهل العلم بعد معرفته به)) . وقال الأثرم: ((قال أبو عبد الله - يعني احمد بن حنبل -: قد جاء فيه حديث الصماء، وكان يحيى بن سعيد يتقيه وأبى أن يحدثني به، قال الأثرم: وحجة أبي عبد الله في الرخصة في صوم السبت أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر منها حديث أم سلمة)) (¬3) . أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء بعد ان ذكر الطحاوي حديث الصماء قال: ((فذهب قوم الى هذا الحديث فكرهوا صوم يوم السبت تطوعاً)) وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يروا بصومه بأساً. وكان من الحجة عليهم في ذلك: أنه قد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم يوم الجمعة الا أن ¬

(¬1) ج2 / 226 (¬2) ج2/81. (¬3) الفروع 3/121-122.

يصام قبله يوم، أو بعده يوم (¬1) . ففي هذه الآثار المروية في هذا، اباحة صوم يوم السبت تطوعا، وهي أشهر وأظهر في أيدي العلماء، من هذا الحديث الشاذ، الذي قد خالفها. وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صوم يوم عاشوراء (¬2) وحض عليه، ولم يقل: ان كان يوم السبت فلا تصوموه ففي ذلك دليل على دخول كل الايام فيه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب الصيام الى الله عز وجل، صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوما ويفطر يوما)) (¬3) . ففي ذلك أيضا، التسوية بين يوم السبت وبين سائر الأيام. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا بصيام أيام البيض (¬4) ... ¬

(¬1) حديث النهي عن صوم يوم الجمعة ثابت من حديث أبي هريرة عند البخاري 3/54 رقم (1985) ومسلم 3/154 رقم (1144) ، وأبي داود 2/320 رقم (2420) ، وابن ماجه 1/549 رقم (1723) ومن حديث جابر بن عبد الله عند البخاري 3/54 رقم (1984) ، ومسلم 3/154 رقم (1143) . (¬2) حديث الندب لصوم عاشوراء ثابت من حديث أبي قتادة عند مسلم 3/167 رقم (1162) ، وأبي داود 2/321 رقم (2425) ، وابن ماجه 1/553 رقم (1738) ، والترمذي 3/126 رقم (752) (¬3) أخرجه البخاري 4/195 رقم (3418) ، ومسلم 3/165 رقم (1159) ، وأبو داود 2/327 رقم (2448) ، وابن ماجه 1/546 رقم (1712) ، والنسائي 3/214، وابن خزيمة (1145) ، وابن حبان (2590) ، والبيهقي 4/295 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. (¬4) أي: أيام الليالي البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر؛ لأنها المقمرات من أوائلها الى آخرها، ولا بد من حذف مضاف، تقديره: أيام الليالي البيض. جامع الأصول 6/326. وفي ندب صوم الأيام البيض وردت عدة أحاديث، منها: حديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا ذر، اذا صمت من الشهر ثلاثة أيام، فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة)) . أخرجه الطيالسي (475) ، وعبد الرزاق (7873) ، وأحمد 5/152، والترمذي 3/134 رقم (761) ، والنسائي 4/222، وابن خزيمة (2128) ، وابن حبان (3655) ، والبيهقي 4/294، وقال الترمذي: ((حسن)) .

وقد يدخل السبت في هذه كما يدخل فيها غيره من سائر الأيام، ففيها أيضا اباحة صوم يوم السبت تطوعا. وقد أنكر الزهري حديث الصماء في كراهية صوم يوم السبت، ولم يعده من حديث أهل العلم بعد معرفته به)) . وقد أفاض الطحاوي في الاستدلال على عدم اطلاق الكراهة ثم قال: ((وقد يجوز عندنا، والله أعلم، ان كان ثابتا- يعني: حديث الصماء- أن يكون انما نهي عن صومه، لئلا يعظم بذلك فيمسك عن الطعام والشراب والجماع فيه كما يفعل اليهود، فأما من صامه لا لإرادته تعظيمه، ولا لما تريد اليهود بتركها السعي فيه، فان ذلك غير مكروه)) (¬1) . ونحو هذا نقل ابن قدامة عن الامام أحمد، فقد قال: ((قال الأثرم: قال أبو عبد الله: أما صيام يوم السبت يتفرد به فقد جاء فيه حديث الصماء، وكان يحيى بن سعيد يتقيه - أي: أن يحدثني به - وسمعته من أبي عاصم، والمكروه افراده، فان صام معه غيره لم يكره لحديث أبي هريرة (¬2) وجويرة (¬3) ، وان وافق صوما لانسان لم يكره لما قدمنا)) (¬4) . ويعني بقوله: ((لما قدمنا)) ، كلام الامام أحمد في صوم يوم الجمعة الذي نقله الأثرم أيضا حيث قال: ((قيل لأبي عبد الله: صيام يوم الجمعة؟ فذكر حديث النهي ان يفرد، ثم قال: الا أن يكون في صيام كان يصومه وأن يفرد فلا، قال: قلت: رجل كان ¬

(¬1) شرح معاني الآثار 2/80 و 81. (¬2) حديث أبي هريرة تقدم تخريجه. (¬3) حديث جويرة تقدم تخريجه (¬4) المغني 3/98.

نموذج آخر: حكم الصوم بعد النصف من شعبان الى رمضان

يصوم يوما ويفطر يوما فوقع فطره يوم الخميس وصومه يوم الجمعة وفطره يوم السبت فصام الجمعة مفردا؟ فقال: هذه الآن لم يتعمد صومه خاصة، انما كره أن يتعمد الجمعة)) (¬1) . اذن فجمهور العلماء لم يأخذوا بحديث الصماء لمعارضته بما هو أقوى منه. وحملوا النهي فيه على تحري افراده بالصوم. قال لي العلامة الدكتور هاشم جميل: ((أجمع وأخصر ما قرأته في حديث الصماء كلام الترمذي، حيث قال بعد روايته لهذا الحديث: ((هذا حديث حسن، ومعنى كراهته في هذا: أن يخص الرجل يوم السبت بصيام؛ لأن اليهود تعظم يوم السبت)) (¬2) . اذن فالنهي عن تحري يوم السبت بصوم التطوع؛ اذن فمن صام يوما قبله أو يوما بعده فهو لم يتحر صومه، ومن صامه لأنه وافق عادته في الصوم فهو لم يتحر صومه، ومن صامه لأنه وافق صوما مشروعا كصوم عرفة أو عاشوراء فهو غير متحر له)) . نموذج آخر: حكم الصوم بعد النصف من شعبان الى رمضان قال الطحاوي: ((ذهب قوم الى كراهة الصوم بعد النصف من شعبان الى رمضان)) (¬3) وذكر: ان حجتهم في ذلك: ¬

(¬1) المغني 3/98. (¬2) جامع الترمذي 3/120 عقيب (744) (¬3) شرح معاني الآثار 2/82.

حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) (¬1) . قال الطحاوي: ((وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس بصوم شعبان كله، وهو حسن غير منهي عنه)) (¬2) . قلت: لأنهم أعلوا حديث العلاء بالمعارضة. قال أبو داود: ((وكان عبد الرحمن لا يحدث به، قلت لأحمد: لم؟ قال: لأنه كان عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان وقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافة)) (¬3) . فهذا الحديث قد أعله بعض العلماء بالتعارض، وقد بوب البيهقي في سننه بعد أن ذكر الحديث: ((باب الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء)) (¬4) . هكذافهم الحافظ ابن حجر أن البيهقي مراده في ذلك تضعيف حديث العلاء بالمعارضة اذ قال (¬5) : ((وكذا صنع قبله الطحاوي واستظهر بحديث ثابت عن أنس ¬

(¬1) أخرجه عبد الرزاق (7325) ، وابن أبي شيبة 3/21، وأحمد 2/442، والدارمي (1747) و (1748) ، وأبو داود 2/301 رقم (2337) ، وابن ماجه 1/528 رقم (1651) ، والترمذي 3/115 رقم (738) ، وابن حبان (3589) ، والبيهقي 4/209، وقال الترمذي: ((حسن صحيح، لا نعرفه الا من هذا الوجه)) . وأنظر تحفة الأشراف 10/232. (¬2) شرح معاني الآثار 2/82. (¬3) سنن أبي داود 2/301 عقيب (2337) (¬4) السنن الكبرى 4/209، والحديث أعله النسائي في السنن الكبرى 2/172 رقم (2911) لتفرد العلاء بن عبد الرحمن، والعلاء هذا قال فيه الحافظ ابن حجر (التقريب: 2/63) : ((صدوق ربما وهم)) . واستنكره الامام أحمد كما نقله البيهقي، وكذلك استنكره ابن معين كما نقل الصنعاني في سبل السلام 2/642. (¬5) فتح الباري 4/129.

مرفوعا: أفضل الصيام بعد رمضان شعبان)) (¬1) . ومن الأحاديث المعارضة لحديث العلاء التي أشار اليها البيهقي حديث أم المؤمنين عائشة، قالت: ((ما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان)) (¬2) . وحديث أم المؤمنين أم سلمة، قالت: ((لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من السنة شهرا تاما الا شعبان يصله برمضان)) (¬3) . وقال ابن رجب الحنبلي (¬4) : ((واختلف العلماء في صحة هذا الحديث ثم العمل به، اما تصحيحه فصححه غير واحد منهم: الترمذي، وابن حبان، والحاكم، وابن عبد البر وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء واعلم، وقالوا: هو حديث منكر، منهم: عبد الرحمن بن مهدي، وأحمد، وأبو زرعة الرازي، والأثرم. ورده الامام أحمد بحديث: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين)) (¬5) ، فان مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين)) . ¬

(¬1) أخرجه الطحاوي 2/93. (¬2) السنن الكبرى للبيهقي 4/210. (¬3) المصدر السابق (¬4) في لطائف المعارف ص142، كما نقله محقق الارشاد للخليلي 1/218. (¬5) أخرجه الطيالسي (2671) ، وابن أبي شيبة 3/20، وأحمد 1/226، والدارمي (1690) ، وأبو داود 2/298 رقم (2327) ، والترمذي 3/72 رقم (688) ، والنسائي 4/136 و 153، وأبو يعلى (2355) ، وابن خزيمة (1912) ، وابن حبان (3590) و (3594) ، والطبراني في الكبير (11706) ، وفي الأوسط (5736) ، والحاكم 1/424، والبيهقي 4/208 من حديث عبد الله بن عباس. وقال الترمذي: ((حسن صحيح)) . وأنظر تحفة الأشراف 5/138 حديث (6105) .

المبحث الثاني: الاعلال بالشك

المبحث الثاني: الاعلال بالشك الضبط في الرواية شرط من شروط الصحة والشك، يخالف الضبط ويباينه لكن الجنس البشري مجبول على الخطأ والنسيان، وقد يتردد الراوي في لفظة أو يشك في رفع الحديث ووقفه، وهذا أمر لا يسلم منه أحد الا من شاء الله، فالراوي اذا اخطأ أو شك وكان ذلك قليلا ونادرا منه فانه لا يضره، ولا يوهن حديثه الا اذا كثر منه ذلك فانه يضعف بسوء الحفظ، واذا غلب عليه ذلك يترك حديثه. وقد وجد الشك في كثير من الأحاديث الصحيحة ولم يقدح أحد بصحتها لهذا الشك، ينظر على سبيل المثال: فتح الباري الجزء الأول، الصفحات الآتية: ((264، 265، 487، 504، 514، 553)) والجزء الثاني الصفحات: ((42، 102، 132، 143، 183، 195، 215، 231، 271، 301، 309، 375، 464)) . والجزء الثالث الصفحات: ((136، 238، 346، 443، 453، 562، 578)) . والجزء الرابع الصفحات: ((16، 27، 29، 33، 203، 225، 230، 258، 264، 279، 388، 428)) . والجزء الخامس الصفحات: ((63، 79، 181، 202، 299، 325)) . الجزء السادس الصفحات: ((15، 64، 133، 411، 461)) . لكن قد يتوقف العلماء في كلمة أو لفظة يقع فيها الشك. مثال ذلك: حديث داود بن الحصين، عن أبي سفيان، عن أبي هريرة، ان النبي

صلى الله عليه وسلم: ((رخص في العرايا (¬1) في خمسة أو سق (¬2) أو دون خمسة أوسق)) (¬3) . قال ابن الأثير: ((شك داود بن الحصين في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق)) (¬4) . وقال الحافظ ابن حجر: ((وقد اعتبر من قال بجواز بيع العرايا بمفهوم العدد ومنعوا ¬

(¬1) اختلف العلماء في صورة العرايا. وهي عند أبي حنيفة: أن يهب الرجل لآخر ثمرة نخلة، فلا يقطعها الموهوب له، ويبدوا للواهب أن يعود بهبته، فيعوض الموهب له خرصها تمرا؛ وبذلك يطيب للواهب ما يرجع به، وللموهب له ما أخذه من العوض، فيخرج الواهب من حكم من وعد وعدا فأخلفه، ويخرج الموهوب له من حكم من أخذ عوضا عن شيء لم يملكه. وصورتها عند مالك: أن يهب رجل لآخر تمر نخلات معينة، أو مقدارا معينا من ثمرة بستانه، ويتأذى من دخول الموهوب له، فيشتري منه ما وهبه له بخرصه تمرا، وذلك: بأن يقدر الخارص ما يتحصل من الرطب اذا جف وصار تمرا، فيعطي الواهب للموهوب له مقدار ذلك تمرا؛ ولا يجوز هذا فيما زاد على خمسة أوسق. وصورتها عند الشافعي وأحمد: أن يشتري الرجل الرطب على رؤوس الأشجار بخرصه تمرا، فيستلم البائع التمر، ويستلم المشتري الرطب بالتخلية؛ ولا يجوز ذلك فيما زاد على خمسة أوسق، وقد جاز هذا على خلاف الأصل للضرورة؛ فان الأصل عدم جواز بيع الرطب بالتمر. أنظر مختصر الطحاوي ص78، وشرح النووي على مسلم 4/35، والمنتقى 4/225، وفقه الامام سعيد 3/55-56. (¬2) هي: جمع وسق بفتح الواو وكسرها، قال الهروي: كل شيء حملته فقد وسقته. تهذيب الأسماء واللغات 3/191. (¬3) أخرجه البخاري 3/99 رقم (2190) ، ومسلم 5/15 رقم (1541) ، وأبو داود 3/252 رقم (3364) ، والترمذي 3/595 رقم (1301) ، والنسائي 7/268، وابن الجارود (659) ، والطحاوي في شرح المعاني 4/30. (¬4) جامع الأصول 1/475.

نموذج لهذا وأثره في اختلاف الفقهاء

ما زاد عليه، واختلفوا في جواز الخمسة لأجل الشك المذكور، والخلاف عند المالكية والشافعية، والراجح عند المالكية الجواز في الخمسة فما دونها، وعند الشافعية الجواز فيما دون الخمسة ولا يجوز في الخمسة وهو قول الحنابلة وأهل الظاهر؛ فمأخذ المنع: ان الأصل التحريم، وبيع العرايا رخصة فيؤخذ منه بما يحقق منه الجواز ويلغي ما وقع فيه الشك)) . (¬1) وقال صاحب طرح التثريب: ((شك داود فجعل الفقهاء هذا الحديث مخصصا لعموم تلك الأحاديث وقالوا: تتقيد الرخصة بأقل من خمسة أوسق، واختلفوا في جوازها في خمسة أوسق؛ لأن الأصل تحريم بيع التمر بالرطب، وجاءت العرايا رخصة وشك الراوي في خمسة أوسق أو دونها، فوجب الأخذ باليقين وهو دون خمسة أوسق وبقيت الخمسة أوسق على التحريم)) (¬2) . وقد يشك الراوي في رفع لفظة أو وقفها فيتوقف العلماء عندئذ بالعمل بهذا، ويحصل خلاف في العمل به أو عدمه. نموذج لهذا وأثره في اختلاف الفقهاء حديث أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من اعتق نصيبا له في مملوك أو شركا له في عبد فكان له من المال ما يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق)) . قال نافع: ((والا فقد عتق منه ما عتق)) . قال أيوب: لا أدري أشيء قاله نافع أو شيء في الحديث (¬3) . ¬

(¬1) فتح الباري 4/388. (¬2) ج6/140، ولتفصيل الأقوال، انظر شرح السنة للبغوي 8/91. (¬3) أخرجه البخاري 3/189 رقم (2524) ، وأيوب هو ابن أبي تميمة السختياني ثقة. التقريب 1/189.

المبحث الثالث: اعلال خبر الآحاد بكونه مما تعم به البلوى

فقد اختلف الفقهاء في حكم العبد المشترك اذا عتق أحد الشركاء حصته: فذهب الامام سعيد بن المسيب أن العبد اذا كان بين شركاء فاعتق أحدهم حصته وأبى الآخرون سرى العتق الى باقيه، ثم ان كان المعتق موسرا كان عليه ضمان حصص شركائه ولا يرجع على العتيق بشيء، وان كان موسرا فلا شيء عليه واستسعى (¬1) العبد فيما بقي من قيمته. وبذلك قال أبو يوسف، ومحمد، والطحاوي، وهو رواية عن أحمد. ووافق أبو حنيفة الامام سعيد فيما يختص بالمعتق معسرا وخالفه في الموسر فقال: الشريك بالخيار ان شاء أعتق، وان شاء استسعى العتيق في قيمة حصته، وان شاء ضمن المعتق، فان ضمنه رجع المعتق على العتيق فاستسعاه بما ضمنه. ووافق مالك والشافعي الامام سعيد فيما يختص بالموسر وخالفاه في المعسر فقالا: لا تعتق حصته وتبقى حصة الشريك رقيقا. وبذلك قال أحمد في رواية (¬2) . المبحث الثالث: اعلال خبر الآحاد بكونه مما تعم به البلوى ان ورود الحديث بطريق الاحاد ليس علة تقدح في صحة الحديث لكن اشترط بعض الفقهاء شروطا للعمل بخبر الآحاد، وكل حديث ورد ولم يستوف الشروط فالأصل أنه لا يعمل به عندهم. وسأتناول هذه الشروط على شكل علل لأن كثيرا من الأحاديث أعلت على هذه الطريقة. ومن الشروط التي اشترطها الحنفية للعمل بخبر الآحاد ما يأتي: ¬

(¬1) استسعى: أي كلف الاكتساب حتى يحصل قيمة نصيب الشركاء الآخرين. وأنظر فتح الباري 5/157. (¬2) فقه الامام سعيد 4/253-254، شرح السنة 9/357.

أن لا يكون خبر الآحاد واردا فيما تعم به البلوى. والمقصود بعموم البلوى هو: ما يكثر وقوعه ويحتاجه جميع الناس، فما كان من هذا القبيل يحتاج اثباته الى خبر متواتر أو مشهور، ومانقل بخبر الآحاد يعد في هذا الموضع غير صحيح فلا يعمل به (¬1) . واحتج الحنفية على هذا الشرط: بأن الخليفة الأول أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- رد خبر المغيرة بن شعبة في ميراث الجدة، ورد عمر خبر أبي موسى في الاستئذان فلولا أن مذهب الصحابة رد أخبار الآحاد الواردة فيما تعم به البلوى ما ساغ لأبي بكر وعمر رد هذه الأخبار مما يدل على أن ذلك اجماع منهم. (¬2) والمقصود بخبر المغيرة هو: حديث قبيصة بن ذؤيب، قال: ((جاءت الجدة الى أبي بكر تسأله ميراثها، قال: فقال لها: مالك في كتاب الله شيء، ومالك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة فأنفذه لها أبو بكر)) (¬3) . ¬

(¬1) أصول السرخسي 1/368، كشف الاسرار للبزدوي 3/16، الفصول في الأصول 3/114. (¬2) أصول السرخسي 1/368، الفصول في الأصول 3/117 (¬3) أخرجه عبد الرزاق (19083) ، وسعيد بن منصور (80) ، وابن أبي شيبة 11/320، وأحمد 4/225، والدارمي (2924) ، وأبو داود 3/121 رقم (2894) ، وابن ماجه 2/909 رقم (2724) ، والترمذي 4/366 رقم (2101) ، وقال الترمذي: ((حسن صحيح)) . وأنظر تحفة الأشراف 8/361.

وأما خبر أبي موسى فهو: حديث أبي سعيد الخدري قال: ((استأذن أبو موسى على عمر، فقال: السلام عليكم أأدخل؟ قال عمر: واحدة، ثم سكت ساعة، ثم قال: السلام عليكم أأدخل؟ قال عمر: اثنتان، ثم سكت ساعة فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فقال عمر: ثلاث، ثم رجع، فقال عمر للبواب: ما صنع؟ قال: رجع، قال: عليَّ به، فلما جاءه، قال: ما هذا الذي صنعت؟ قال: السنة، قال: السنة؟ والله لتأتيني على هذا ببرهان أو بينة أولا فعلن بك، قال: فأتانا ونحن رفقة من الأنصار فقال: يا معشر الأنصار، ألستم أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الاستئذان ثلاث، فان أذن لك، والا فارجع)) فجعل القوم يمازحونه، قال أبو سعيد: ثم رفعت رأسي اليه فقلت: فما أصابك في هذا من العقوبة فانا شريكك. قال: فاتى عمر فاخبره بذلك، فقال عمر: ما كنت علمت بهذا)) (¬1) . وأجيب عن هذا: بان دعوى الاجماع غير مسلم بها بل الصحيح خلاف ذلك؛ فقد رجع الصحابة في مسائل كثيرة من هذا القبيل الى خبر الآحاد وقبلوها: فقد قبل أبو بكر حديث عائشة وحدها في القدر الذي كفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قالت عائشة: ((دخلت على أبي بكر -رضي الله عنه- فقال: في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: في ثلاثة أثواب سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة. وقال لها: في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الاثنين)) (¬2) . وكذلك قبول عمر بن الخطاب خبر أم المؤمنين عائشة في وجوب الغسل من التقاء الختانين، وهو ما رواه عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: تذاكر أصحاب النبي ¬

(¬1) أخرجه عبد الرزاق (19423) ، وأحمد 3/19، والدارمي (2632) ، والبخاري 3/72 رقم (2062) ، ومسلم 6/179 رقم (2153) (¬2) أخرجه البخاري 2/127 رقم (1387) .

رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عمر بن الخطاب الغسل من الجنابة. فقال بعضهم: اذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل، وقال بعضهم: انما الماء من الماء. فقال عمر -رضي الله عنه -: قد اختلفتم علي وانتم أهل بدر الأخيار، فكيف بالناس بعدكم؟ فقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: يا أمير المؤمنين ان اردت ان تعلم ذلك، فأرسل الى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فسلهن عن ذلك. فأرسل الى عائشة -رضي الله عنها- فقالت: ((اذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل)) . فقال عمر عند ذلك: لا أسمع أحدا يقول: الماء من الماء الا جعلته نكالا)) (¬1) . وكذلك رجوع عبد الله بن عمر عن المخابرة الى رواية رافع بن خديج وهو ما رواه نافع، ان ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي امارة أبي بكر وعمر وعثمان وصدرا من خلافة معاوية، حتى بلغه في آخر خلافة معاوية ان رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه وانا معه فسأله؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كراء المزارع، فتركها ابن عمر بعده وكان اذا سئل عنها بعد قال: زعم رافع بن خديج ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها)) (¬2) . وأما قصة المغيرة: فان أبا بكر انما توقف فيه لأنه أمر مشهور فاراد ان يتثبت فيه (¬3) . وأما عمر -رضي الله عنه- فان أبا موسى أخبره بذلك الحديث عقب انكاره عليه رجوعه فاراد عمر الاستثبات في خبره لهذه القرينة (¬4) . ¬

(¬1) أخرجه الطحاوي في شرح المعاني 1/59 (¬2) أخرجه البخاري 3/123 رقم (2285) و 3/141 رقم (2344) ، ومسلم 5/21 رقم (1547) ، وابن ماجه 2/820 رقم (2453) ، والنسائي 7/47. (¬3) النكت للحافظ ابن حجر 1/245. (¬4) النكت للحافظ ابن حجر 1/246.

قال لي العلامة الدكتور هاشم جميل: ((ويدل على ان فعل الصديق وعمر -رضي الله عنهما- انما قصدا منه مجرد التثبت ولا علاقة للأمر بخبر الآحاد: ان الصديق لم يرد خبر المغيرة، وانما سأل هل معه غيره؟ فلما شهد محمد بن مسلمة بذلك قضى الصديق بموجب الخبر وعمل به؛ والخبر لا يزال خبر اثنين، وخبر الاثنين -كخبر الواحد- كلاهما خبر آحاد. وكذلك الحال بالنسبة لخبر أبي موسى، لم يرده عمر -رضي الله عنه- بل قبله لما شهد معه أبو سعيد، وهذا أيضا خبر اثنين لم يخرج عن كونه خبر آحاد كما ذكرنا)) (¬1) . وقد قبل عمر حديث عبد الرحمن بن عوف وحده في: ((ان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر)) (¬2) . وحديث الضحاك بن سفيان في توريث امرأة أشيم من دية زوجها (¬3) . فالراجح ما ذهب اليه الجمهور من أهل العلم فان خبر الآحاد يعمل به وان كان مما تعم به البلوى اذا استوفى شروط القبول للاحتجاج به من حيث ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ذلك ان الادلة الشرعية الدالة على وجوب العمل بخبر الآحاد لم تفرق بين عموم البلوى وغيرها ¬

(¬1) الى هنا انتهى كلام الدكتور هاشم جميل. (¬2) أخرجه الطيالسي (225) ، والشافعي في الرسالة (1183) ، وعبد الرزاق (9972) ، وابن أبي شيبة 12/243، وأحمد 1/190، والدارمي (2504) ، والبخاري 4/117 رقم (3157) . (¬3) أخرجه عبد الرزاق (17764) ، وابن أبي شيبة 9/363، وأحمد 3/452، وأبو داود 3/129 رقم (2927) ، وابن ماجه 2/ 883 رقم (2642) ، والترمذي 4/19 رقم (1415) وقال: (حسن صحيح) . وأنظر تحفة الأشراف 4/202 حديث (4973) .

أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: نقض الوضوء بمس الذكر

أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: نقض الوضوء بمس الذكر حصل خلاف بين الحنفية والجمهور بسبب هذا الشرط في مسائل عدة منها: ((نقض الوضوء بمس الذكر)) اختلف الفقهاء في هذه القضية على مذهبين: المذهب الأول: ذهب جمهور الفقهاء الى أن مس الذكر ناقض للوضوء لكنهم اختلفوا اذا مسه بباطن الكف أو غيره بشهوة أو غيرها، مس ذكره أو ذكر غيره عامدا أو ناسيا. (¬1) وهو مذهب جماعة من السلف من الصحابة والتابعين، واليه ذهب مالك والشافعي وأحمد في احدى الروايتين عنه (¬2) . القول الثاني: ذهب الحنفية الى أن مس الذكر لا ينقض الوضوء. وبه قال بعض السلف (¬3) . حجة المذهب الأول: استدل الجمهور على نقض الوضوء بمس الذكر بحديث بسرة بنت صفوان: ¬

(¬1) فقه الامام سعيد 1/80 (¬2) المغني 1/170، المحلى 1/195، بداية المجتهد 1/41، نهاية المحتاج 1/104-106، المدونة 1/8 القوانين الفقهية 39. (¬3) مجمع الأنهر 1/21، المغني 1/170، بدائع الصنائع 1/148، المبسوط 1/66، شرح معاني الآثار 1/71-79، شرح فتح القدير 1/49، تبيين الحقائق 1/12، البحر الرائق 1/45-47، فتح باب العناية 1/80، رد المحتار 1/147

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من مس ذكره فليتوضأ)) (¬1) وقد اعترض الحنفية على الاستدلال بهذا الحديث، فقال السرخسي: ((وما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا بين يدي كبار الصحابة حتى لم ينقله أحد منهم وانما قاله بين يدي بسرة، وقد كان عليه الصلاة والسلام أشد حياء من العذراء في خدرها)) (¬2) . ويجاب عن ذلك: بأن رد خبر الآحاد بكونه واردا فيما تعم به البلوى أمر التزمه الحنفية ولم يوافقهم غيرهم فهو يلزم من التزم به ولا يلزم غيره. وأدلة الجمهور الذين لم يلتزموا هذا الشرط للعمل بخبر الآحاد قد تبين رجحانها؛ لذلك فهذا الاعتراض لا يؤثر على صلاحية حديث بسرة للاحتجاج به. أما بالنسبة لقول الامام السرخسي: ((ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا بين يدي كبار الصحابة ... الخ)) . فقد قال لي العلامة الدكتور هاشم جميل: ((هذا كلام في غاية العجب؛ اذ ما المانع أن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك لأحد صغار الصحابة ولم يقله لكبارهم، وهل عرفت الأمة غالبية السنة من طريق كبار الصحابة؟ الواقع يشهد أن الأمر ليس كذلك، وانما غالبية السنة عرفت من طريق ¬

(¬1) أخرجه مالك في الموطأ 1/84 رقم (100) ، والشافعي 1/34، والطيالسي (1657) ، وعبد الرزاق (411) و (412) ، والحميدي (352) ، وابن أبي شيبة 1/136، وأحمد 6/406، والدارمي (730) ، وأبو داود 1/46 رقم (181) ، وابن ماجه 1/161 رقم (479) ، والترمذي 1/126 رقم (82) ، والنسائي 1/101، وابن الجارود (16) ، وابن خزيمة (33) ، وابن حبان (1112) ، والطبراني في الكبير 24/حديث (487) . وقال الترمذي: (حسن صحيح) . (¬2) المبسوط 1/66

غير الكبار، ثم ما المانع من أن يخص النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من أصحابه بتبليغ حكم شرعي ما دام تلك الصحابية قد قامت بواجب التبليغ؟ وكم من سنة انفردت صحابية بحفظها على هذه الأمة ولا سيما في قضايا يهم أمرها النساء أكبر مما يهم الرجال؟ وهذه القضية منها فان أمر رعاية الأطفال انما يعود الى الأمهات، فالأم تقوم بغسل عورة ولدها في اليوم عدة مرات بينما قد لا يفعل ذلك الأب مرة واحدة في حياته كلها؛ اذن فما المانع أن تكون بسرة - رضي الله عنها- قد سألت عن هذا الأمر المهم وعلمت حكمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنها انتشرت هذه السنة، ثم ان توفر الدواعي لنقل حكم من طريق فرد واحد لا يعني بالضرورة أن هذا الحكم لم يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره. هذا كله لو سلمنا أن هذه السنة لم ترو الا من طريق بسرة -رضي الله عنها-، والا فالواقع أن الحديث قد نقل عن غيرها)) (¬1) . أقول: هذا صحيح فان الحديث قد جاء من طرق عن عدة من الصحابة: فقد جاء من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، مرفوعا: ((أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وايما امرأة مست فرجها فلتتوضأ)) . (¬2) ومن حديث زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مس فرجه فليتوضأ)) . (¬3) ¬

(¬1) الى هنا انتهى كلام الدكتور هاشم جميل حفظه الله ومتعنا بعلمه. (¬2) أخرجه أحمد 1/223، وابن الجارود (17) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/75، والبيهقي في السنن الكبرى 1/132، وفي المعرفة 1/349، والدارقطني 1/147. ونقل البيهقي في المعرفة عن البخاري قوله: ((حديث عبد الله بن عمرو في هذا الباب في مس الذكر هو عندي صحيح)) . (¬3) أخرجه أحمد 5/194، والبيهقي في المعرفة 1/334، 335 من طريق محمد بن اسحاق، قال: حدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عروة بن الزبير، عن زيد بن خالد الجهني، به واسناده صحيح، محمد بن اسحاق مدلس وقد صرح بالسماع من الزهري لكن الامام علي بن المديني عد هذا الحديث مما انكر على محمد بن اسحاق. انظر المعرفة ليعقوب الفسوي 2/27، وتاريخ الخطيب 1/229، وتهذيب الكمال 24/420-421.

وجاء الحديث من رواية عبد الله بن عمر مرفوعا: ((من مس ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة)) (¬1) . وقد جاء الحديث أيضا من رواية أبي هريرة مرفوعا: ((اذا افضى أحدكم بيده الى فرجه حتى لا يكون بينه حجاب ولا ستر فليتوضأ وضوءه للصلاة)) (¬2) . وجاء الحديث أيضا من رواية أم المؤمنين عائشة، مرفوعا: ((ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضئون)) (¬3) ¬

(¬1) أخرجه الدارقطني 1/147 وفي اسناده: عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف، التقريب 1/435، وأخرجه الطحاوي في شرح المعاني 1/74، والبزار (1/148 كشف الاستار) من طريق صدقة بن عبد الله، عن هاشم بن زيد الدمشقي، وصدقة وهاشم ضعيفان. انظر التقريب 1/366 ترجمة صدقة، وأنظر الميزان 4/289 ترجمة هاشم بن زيد الدمشقي. وأخرجه الطحاوي أيضا 1/74 من طريق العلاء بن زيد عن الزهري، عن سالم عن أبيه، به. والعلاء ضعيف، التقريب 2/92. وقال الحافظ في التلخيص 1/124: ((وله طريق أخرى أخرجها الحاكم وفيها عبد العزيز بن أبان وهو ضعيف)) . فهذا الحديث يتقوى بكثرة الطرق. (¬2) أخرجه الشافعي في الأم 1/19، وأحمد 2/333، والدارقطني 1/147، والطحاوي في شرح المعاني 1/74، والحاكم 1/138، وابن عبد البر في الاستذكار 1/311، والبزار (1/149 كشف) ، والبيهقي 1/130-131. وفيه يزيد بن عبد الملك ضعيف كما في التقريب 20/368، لكن ابن عبد البر أخرجه من طريق يزيد بن عبد الملك هذا، ونافع بن أبي نعيم المقبري؛ فهو متابع. (¬3) أخرجه الدارقطني 1/147-148 وقال: ((عبد الرحمن العمري ضعيف)) . وأخرجه الطحاوي في شرح المعاني 1/74، والبزار ((1/148 كشف)) من طريق عمر بن شريح عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، وعمر هذا ضعيف؛ قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/245: ((رواه البزار وفيه عمر بن شريح، قال الأزدي لا يصح حديثه)) . وقد روي هذا عن أم المؤمنين عائشة من قولها: أخرجه الشافعي في الأم 1/20، والحاكم 1/138، والبيهقي 1/33.

وجاء الحديث من رواية أم المؤمنين أم حبيبة مرفوعا: ((من مس ذكره فليتوضأ)) (¬1) . وجاء الحديث أيضا من رواية جابر بن عبد الله مرفوعا: ((اذا مس أحدكم ذكره فعليه الوضوء)) (¬2) وروي الحديث من طريق أبي أيوب مرفوعا: ((من مس فرجه فليتوضأ)) (¬3) . فهذه ثمان طرق عن ثمانية من الصحابة غير حديث بسرة، منها: الصحيح، ومنها ما هو ضعيف ضعفا معتضدا فأقل درجاته عند الحنفية أن يكون مشهورا، وما ¬

(¬1) أخرجه ابن أبي شيبة 1/163، وابن ماجه 1/162 رقم (481) والطحاوي في شرح المعاني 1/75، وأبو يعلى (7440) ، والبيهقي 1/130، وابن عبد البر في الاستذكار 1/310، والطبراني في الكبير 23/حديث (450) ، وذكره الترمذي في الجامع 1/130 عقيب (84) ، وقال: ((وقال أبو زرعة: حديث أم حبيبة في هذا الباب صحيح)) . (¬2) أخرجه الشافعي في الأم 1/19، وابن ماجه 1/162 رقم (480) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/74، والمزي في تهذيب الكمال 20/209. وفيه عقبة بن عبد الرحمن مجهول التقريب 2/27. (¬3) أخرجه ابن ماجه 1/162 رقم (482) ، والطبراني في الكبير (3928) ، وفي اسناده اسحاق ابن أبي فروة، قال في التقريب 1/59: ((متروك)) .

كان كذلك يعمل به عندهم فيما تعم به البلوى. وقد استدل الحنفية لمذهبهم في عدم نقض الوضوء بمس الذكر بحديث قيس بن طلق بن علي الحنفي، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وهل هو الا مضغة منه؟ أو بضعة منه؟)) (¬1) قال الترمذي: ((هذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب)) (¬2) . لكن اعترض ابن حزم على الاستدلال به، فقال: ((هذا خبر صحيح الا أنهم لا حجة لهم فيه لوجوه: أحدها: أن هذا الخبر موافق لما كان الناس عليه قبل ورود الأمر بالوضوء من مس الفرج هذا لا شك فيه، فاذا هو كذلك فحكمه منسوخ يقينا حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوضوء من مس الفرج، ولا يحل ترك ما تيقن أنه ناسخ والأخذ بما تيقن أنه منسوخ، وثانيها: أن كلامه عليه السلام ((هل هو الا بضعة منك)) دليل بين على أنه كان قبل الأمر بالوضوء منه، لأنه لو كان بعده لم يقل عليه السلام هذا الكلام، بل بين أن الأمر بذلك قد نسخ، وقوله هذا يدل على أنه لم يكن سلف فيه حكم أصلا وأنه كسائر الأعضاء)) (¬3) . ¬

(¬1) أخرجه الطيالسي (1096) ، وعبد الرزاق (426) ، وابن أبي شيبة 1/165، وأحمد 4/22، وأبو داود 1/46 رقم (182) ، وابن ماجه 1/162 رقم (483) ، والترمذي 1/131 رقم (85) ، والنسائي 1/101، وفي الكبرى (158) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/75 و 76، والطبراني في الكبير (8233) ، والدارقطني 1/148، والبيهقي 1/134. (¬2) جامع الترمذي 1/131 عقيب (85) ، وقد ضعف أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان ويحيى بن معين حديث طلق، وأعلوه بقيس بن طلق. أنظر علل ابن أبي حاتم (111) ، وسنن الدارقطني مع التعليق المغني 1/149-150. (¬3) المحلى 1/239.

المبحث الرابع: اعلال خبر الآحاد بمخالفة فتيا الصحابي الذي يرويه

المبحث الرابع: اعلال خبر الآحاد بمخالفة فتيا الصحابي الذي يرويه ان من الشروط التي اشترطها الحنفية للعمل بخبر الآحاد: أن لا يخالف الصحابي الراوي للحديث ما رواه. وحجتهم في ذلك: أن الراوي لا يخالف ما روى الا لعلة أنه منسوخ أو أنه لا يصح للعمل، والا لما أعرض عنه، لما علم من تمسك الصحابة بالسنة النبوية (¬1) . والجمهور على خلاف ذلك. وأجيب عن استدلال الحنفية: بأنه لا يلزم من مخالفة الصحابي للحديث الذي يرويه نسخ ذلك الحديث ما لم نطلع على الناسخ؛ لاحتمال نسيان الصحابي للحديث، أو تأويله له بوجه من الوجوه. وأيضا فما دام الحديث قد صح عنه عليه الصلاة والسلام فإنه لا يؤثر على العمل به بعد ذلك أن يكون الراوي قد خالف ما روى أم لم يخالف، وذلك لاحتمال أن يكون الراوي قد افتى قبل أن يعلم بالحديث النبوي، ثم ان قول الصحابي في مقابلة النص انما يعد من اجتهاده، ونحن غير ملزمين باجتهاده اذا صح لدينا الحديث بخلافه؛ ورحم الله الشافعي اذ قال: ((كيف أترك الحديث بعمل من لو عاصرته لحاججته؟)) (¬2) ؛ فالحجة تكون بما روى الصحابي لا بما رأى فالحديث إذا ثبت وصح سنده الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلاف الصحابي له وتركه العمل به لا يوجب رده؛ لأن الحديث حجة على الأمة كافة والصحابة من ضمنها؛ قال ابن القيم: ((والذي ندين الله به ولا يسعنا ¬

(¬1) كشف الأسرار للبزدوي 3/61، أصول السرخسي 1/3-7، تيسر التحرير 3/107، الفصول 3/183، ميزان الأصول 2/655. (¬2) فواتح الرحموت 2/163، تيسير التحرير 3/71.

نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء: تطهير الإناء من ولوغ الكلب

غيره- أن الحديث اذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه -: أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك ما خالفه كائنا ما كان، لأنه من الممكن أن ينسى الراوي الحديث ولا يحضر وقت الفتيا، أو لا يفطن لدلالته على تلك المسألة، أو يتأول فيه تأويلا مرجوحا، أو يقوم في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضا في نفس الأمر، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه وأنه خالفه الأقوى منه)) (¬1) . نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء: تطهير الإناء من ولوغ الكلب اختلف الفقهاء في عدد الغسلات التي يطهر بها الاناء من ولوغ الكلب على قولين: القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء الى أنه يغسل سبع مرات، واختلفوا في اشتراط التتريب وعدمه. (¬2) واستدلوا بحديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اذا شرب الكلب في اناء أحدكم فليغسله سبع مرات)) وفي رواية: ((اذا ولغ الكلب في اناء أحدكم فليرقه ثم يغسله سبع مرات)) وفي رواية: ((طهور اناء أحدكم اذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب)) (¬3) . ¬

(¬1) اعلام الموقعين 3/53. (¬2) المغني 1/45، بداية المجتهد 1/22، المحلى 1/93-94، المجموع 2/586، مغني المحتاج 1/83. (¬3) أخرجه عبد الرزاق (330) ، والحميدي (968) ، وأحمد 2/265، والبخاري 1/54 رقم (172) ، ومسلم 1/161 رقم (279) ، وابو داود 1/19 رقم (71) و (73) ، وابن ماجة 1/30 رقم (363) والترمذي 1/151 رقم (91) والنسائي 1/177، وابن خزيمة (96) . وهو في صحيفة همام (39) .

القول الثاني: ذهب الحنفية الى عدم اشتراط العدد في الغسل، وانما يغسل حتى يغلب على الظن نقاؤه من النجاسة، فيكون الفرض ثلاثة، والسبعة ندب (¬1) . وقد اعترض الحنفية على استدلال الجمهور بأن أبا هريرة راوي الحديث أفتى بثلاث غسلات، فثبت النسخ (¬2) . واستدل الحنفية على أن أبا هريرة كان يفتي بخلاف ما يروي بما رواه الطحاوي (¬3) والدارقطني (¬4) من طريق عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، عن عطاء، عن أبي هريرة - في الاناء يلغ فيه الكلب أو الهر- قال: ((يغسل ثلاث مرات)) . وهكذا رد الحنفية الرواية المرفوعة، عن أبي هريرة؛ لهذه الرواية الموقوفة عليه؛ لأن فتياه خالفت روايته. والجواب على ذلك: أن هذه رواية تفرد بها عبد الملك بن أبي سليمان ونص النقاد على أنه أخطأ بها، وقد خالفه الثقات بذلك. فقد روى الدارقطني (¬5) من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة -في الكلب يلغ في الاناء- قال: ((يراق ويغسل سبع مرات)) . قال الدارقطني: صحيح موقوف (¬6) . ¬

(¬1) الهداية 1/23. (¬2) شرح معاني الآثار 1/23، شرح فتح القدير 1/75-76 (¬3) شرح معاني الآثار 1/23. (¬4) سنن الدارقطني 1/64. (¬5) سنن الدارقطني 1/66. (¬6) وهو كما قال. بل ان هذا السند من أصح الأسانيد. الباعث الحثيث ص24.

وهذه الرواية الصحيحة تؤيد المرفوع؛ مما يدل على خطأ عبد الملك بن أبي سليمان وعبد الملك، قال عنه الحافظ ابن حجر: ((صدوق له أوهام)) (¬1) ، وقال الامام أحمد: ((ثقة يخطيء)) (¬2) . وقد رجح الحافظ ابن حجر الرواية الموافقة للحديث المرفوع، فقال: ((ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الاسناد ومن حيث النظر: أما النظر فظاهر وأما الاسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين عنه. وهذا من أصح الاسانيد، وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، وهو دون الأولى في القوة بكثير)) (¬3) . وقال البيهقي: ((تفرد به عبد الملك من أصحاب عطاء ثم من أصحاب أبي هريرة، والحفاظ الثقات من أصحاب عطاء وأصحاب أبي هريرة يروون سبع مرات، وفي ذلك دلالة على خطأ رواية عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن أبي هريرة في الثلاث، وعبد الملك لا يقبل منه ما يخالف الثقات، لمخالفته أهل الحفظ والثقة في بعض روايته: تركه شعبة بن الحجاج، ولم يحتج به البخاري في صحيحه)) (¬4) . ومع كل هذا فان الحديث لم يتفرد به أبو هريرة، فقد جاء من حديث عبد الله بن مغفل (¬5) ومن حديث عبد الله بن عمر (¬6) ، وروي من حديث علي (¬7) . ¬

(¬1) التقريب 1/519. (¬2) الخلاصة للخزرجي ص244. (¬3) فتح الباري 1/277. (¬4) نقله شارح الدارقطني 1/66، والمبار كفوري في التحفة 1/302. (¬5) أخرجه مسلم 1/162 رقم (280) ، وأبو داود 1/19 رقم (74) ، والنسائي 1/177. (¬6) أخرجه ابن ماجه 1/130 رقم (366) عن محمد بن يحيى، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: أنبأنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، مرفوعا: ((اذا ولغ الكلب في اناء أحدكم فليغسله سبع مرات)) وهذا اسناد صحيح، لكن قال الامام المزي في تحفة الأشراف 6/108 عقيب (7735) : ((وقع في بعض النسخ: (عبيد الله) وهو وهم)) . والذي ثبته المزي: عبد الله بن عمر وهو ضعيف؛ فيكون الاسناد على ما ثبته المزي ضعيفا. (¬7) عند الدارقطني 1/65 وسنده ضعيف لضعف الجارود بن أبي يزيد. الميزان 1/384.

المبحث الخامس: اعلال خبر الآحاد بمخالفته القياس

المبحث الخامس: اعلال خبر الآحاد بمخالفته القياس ان من الشرائط التي اشترطها بعض الحنفية للعمل بخبر الآحاد: هو أن لا يخالف خبر الواحد القياس، وهذه المسألة ليست محل اتفاق بين الحنفية: بل قال بها بعض المتقدمين منهم وتبعهم كثير من المتأخرين، أما أكثر المتقدمين فهم على خلاف ذلك. ويلاحظ: ان الذين قدموا القياس على خبر الواحد لم يقولوا بهذا على اطلاقه، بل هم يقسمون الرواة الى قسمين: القسم الأول: من عرف بالرأي والاجتهاد والضبط والفقه كالخلفاء الأربعة الراشدين وابن مسعود، والعبادلة، وزيد بن ثابت، وهؤلاء لا خلاف بين الحنفية في قبول حديثهم واعتباره حجة مقدمة على القياس. القسم الثاني: من عرف من الصحابة بالرواية ولم يعرف بالفقه والاجتهاد والفتيا، فهؤلاء اذا جاءوا بخبر الآحاد موافقا للقياس قبل وإن جاء حديثهم مخالفا للقياس فهذا الذي حصل خلاف بين الحنفية في قبوله وعدمه على قولين: القول الأول: - ذهب بعض الحنفية الى قبول أخبارهم حتى اذا خالفت القياس وهذا القول موافق لقول الجمهور. وهو مذهب جمهور المتقدمين من أئمة الحنفية. القول الثاني: ذهب عيسى بن أبان، والقاضي، وأبو زيد وكثير من المتأخرين من

الحنفية الى رد حديث هؤلاء، وتقديم القياس عليه (¬1) . واحتجوا لهذا بما روي عن ابن عباس، أنه سمع أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو: ((توضؤوا مما مست النار)) ، فقال له ابن عباس: أنتوضأ من الدهن؟ أنتوضأ من الحميم؟ فقال أبو هريرة: يا ابن أخي اذا سمعت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له الامثال (¬2) . قالوا: فقد رده ابن عباس بالقياس. وأجيب: بأن الادعاء أن هؤلاء الصحابة -كأبي هريرة ونحوه- ليسوا من أهل الفقه والاجتهاد غير مسلم به وذلك لأن اجابته السابقة التي أجاب بها ابن عباس تدل على عقلية فقهية رفيعة المستوى، وابن عباس نفسه لم يراجعه على اجابته، ثم ان أبا هريرة -رضي الله عنه- كان يحدث ويفتي ويجتهد فلم يمنعه أحد من كبار الصحابة. أما حديث الوضوء مما مست النار فان عند ابن عباس الحديث الناسخ لحديث أبي هريرة، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة وصلى ولم يتوضأ (¬3) ، فكأن أبا هريرة لم يعلم بالناسخ. ¬

(¬1) كشف الأسرار للبزدوي 2/377-378. (¬2) أخرجه الطيالسي (2376) ، وعبد الرزاق (267) و (268) ، وابن أبي شيبة 1/50، وأحمد 2/265، ومسلم 1/187 رقم (352) ، والترمذي 1/114 رقم (79) ، والنسائي 1/105، والطحاوي 1/63. (¬3) أخرجه أحمد 1/226، والبخاري 1/63 رقم (207) ، وأبو داود 1/48 رقم (187) ، وابن خزيمة (41) من طريق عطاء عن ابن عباس: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة، ثم صلى، ولم يتوضأ)) .

على أنه لم ينفرد بحديث الوضوء مما مست النار، فقد رواه أبو أيوب (¬1) ، وأبو طلحة (¬2) وزيد بن ثابت (¬3) ، وأم المؤمنين أم حبيبة (¬4) ، وأم المؤمنين عائشة (¬5) ، وأبو موسى الأشعري (¬6) ، وسهل بن الحنظلية (¬7) ، وأم المؤمنين أم سلمة (¬8) ، وأنس بن مالك (¬9) ، وعبد الله بن عمر (¬10) ، ومعاذ بن جبل (¬11) ، وعبد الله بن زيد (¬12) ، وغيرهم. فالراجح ما ذهب اليه جمهور الفقهاء: من أنه لا يضر خبر الآحاد مخالفته للقياس، لأن النص اذا صح لا يجوز تقديم غيره عليه الا اذا عارضه دليل قطعي أو نص أقوى ولم يمكن الجمع، ثم أن الادلة المثبتة لخبر الآحاد لم تستثن من أخبار الآحاد شيئا بل جاءت مطلقة، وجمهور المتقدمين من أئمة الحنفية موافقون لجمهور العلماء على ذلك. وقد أصبح من البديهي عند الفقهاء: أن مرتبة القياس بين الادلة انما تأتي تالية لمرتبة الأدلة المتفق عليها - الكتاب، والسنة، والاجماع- فالقياس لا يتقدم السنة ¬

(¬1) عند النسائي 1/106. (¬2) عند النسائي 1/106. (¬3) عند النسائي 1/107. (¬4) عند أبي داود 1/50 رقم (195) . (¬5) عند مسلم 1/188 رقم (353) . (¬6) عند أحمد 4/397 و 413. (¬7) عند أحمد 4/180 و 5/289. (¬8) عند الطبراني في الكبير. مجمع الزوائد 1/248. (¬9) عند البزار مجمع الزوائد 1/248-249. (¬10) عند البزار مجمع الزوائد 1/249. (¬11) عند البزار مجمع الزوائد 1/249. (¬12) عند الطبراني في الكبير مجمع الزوائد 1/249.

نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم رد الشاة المصراة

الصحيحة سواء أكانت سنة آحاد أو غير آحاد، ورحم الله ابن جماعة حيث قال: ((والصحيح الذي عليه ائمة الحديث أو جمهورهم أن خبر الواحد العدل المتصل في جميع ذلك مقبول وراجح على القياس المعارض له، وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما من ائمة الحديث والفقه والأصول)) (¬1) . نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم رد الشاة المصراة (¬2) اختلف الفقهاء في جواز رد الشاة المصراة اذا اطلع المشتري على هذا العيب بعد الشراء على قولين: القول الأول: لا يجوز ردها. وبه قال أبو حنيفة ومحمد وأبو يوسف في رواية (¬3) القول الثاني: ذهب جمهور الفقهاء الى أنه يجوز له ردها بعيب التصرية (¬4) . واختلفوا في الشيء الذي يرد معها: فمنهم من قال: يرد معها صاع من تمر، ومنهم من قال: صاع من غالب قوت البلد. وذهب أبو يوسف في رواية عنه الى أنه يرد معها قيمة اللبن؛ لأنه ضٍمان متلف، ¬

(¬1) المنهل الروي ص23. (¬2) المصراة: هي التي صري لبنها وحقن في الثدي وجمع فلم يحلب. فتح الباري 4/362، شرح السنة 8/125. (¬3) المبسوط 13/38. (¬4) المغني 4/233، بداية المجتهد 2/132، فتح الباري 4/362، شرح السنة 8/125.

فكان مقدرا بقيمته كسائر المتلفات (¬1) . واستدل الجمهور على جواز الرد بالتصرية بحديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا تصروا الابل والغنم، فمن ابتاعها بعد فانه بخير النظرين بعد أن يحتلبها: ان شاء أمسك وان شاء ردها وصاع تمر)) (¬2) . وجه الدلالة: ان هذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخيار للمشتري بالرد اذا تبين ان الشاة مصراة. وأجاب المانعون على ذلك: بأن هذا الحديث مخالف للقياس فلا يقبل من وجوه: الوجه الأول: ان القياس في ضمان العدوان فيما له مثل مقدر بالمثل في قوله تعالى: ((فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)) (¬3) ، وفيما لا مثل له مقدر بالقيمة. الوجه الثاني: انعقد الاجماع على وجوب القيمة أو المثل عند فوات العين وتعذر الرد، فاللبن ان كان من ذوات الأمثال يضمن بالمثل، وان لم يكن فيما يضمن بالقيمة، فايجاب التمر مكانه يكون مخالفا للثابت بالكتاب والسنة والاجماع فيكون ناسخا. الوجه الثالث: ان هذا الحديث يدل على توقيت خيار العيب وهو غير موقت بوقت بالاجماع فتوقيته مخالف للقياس فيرد (¬4) . وأجيب على هذا: ¬

(¬1) المصادر السابقة (¬2) أخرجه البخاري 3/92 رقم (2149) و (2150) ، ومسلم 5/4 رقم (1515) (¬3) سورة البقرة الآية 137. (¬4) فتح الباري 4/366.

المبحث السادس: اعلال خبر الآحاد بمخالفة اجماع أهل المدينة

بأن حصر الضمان بالقيمة والمثل غير مسلم، فان الحر تضمن ديته بالابل وليست مثلا ولا قيمة، وقد يضمن المثل بالقيمة اذا تعذرت المماثلة كمن أتلف شاة لبونا فان عليه قيمتها ولا يجعل بأزاء لبنها آخر لتعذر المماثلة. ثم ان حكم المصراة انفرد بأصله عن المماثلة فلا يستغرب أن ينفرد بوصف زائد على غيره، والحكمة فيه أن هذه المدة التي يتبين بها لبن الخلقة من اللبن المجتمع بالتدليس غالبا فشرعت لاستعلام العيب، فظهر الفرق بين الخيار في المصراة وغيرها (¬1) . واستدل المانعون للرد: بأن التصرية ليست من العيوب التي يحق للمشتري الرد بسببها ما لم يشترط؛ وذلك لأن البيع يقتضي سلامة المبيع، وقلة اللبن لا تعد من العيوب التي تعدم السلامة؛ لأن اللبن ثمرة وبعدمه لا تنعدم صفة السلامة فبقلته من باب أولى (¬2) . وأجيب: بأن الخيار انما يثبت للمشتري بالتدليس، وذلك لأن المشتري لما رأى ضرعا مملوءا باللبن ظن: أن ذلك عادتها، فكأن البائع قد شرط له ذلك، فاذا تبين له الأمر خلافه ثبت له الرد، لفقد الشرط المعنوي المذكور، وهذا هو التدليس لأنه يظهر ما يخفى، وهذا مقتضى العدل (¬3) . المبحث السادس: اعلال خبر الآحاد بمخالفة اجماع أهل المدينة ان جمهور الفقهاء لم يشترطوا لقبول خبر الآحاد شيئا، لكن اشترط الحنفية أو بعضهم شروطا تكلمت عنها في المباحث السابقة، وقد اشترط المالكية شروطا أيضا سأتكلم عنها على شكل علل؛ لأن الحديث الذي لم يستوف شروطه فهو معلول لعدم ¬

(¬1) أنظر فتح الباري 4/366. (¬2) المبسوط 13/139. (¬3) فتح الباري 4/379.

استيفائه شروط القبول عندهم، ومن شروط المالكية للعمل بخبر الآحاد: أن لا يخالف عمل أهل المدينة، فالحديث اذا ورد بخبر الآحاد، وهو مخالف لما يعمل به أهل المدينة فلا يعمل به لهذه العلة؛ وهذا ليس مجمعا عليه عند المالكية بل فيه خلاف، لكن المشهور من مذهبهم أن عمل أهل المدينة حجة ترد بها أخبار الآحاد المخالفة له، فهو كالمتواتر عندهم (¬1) ، هذا هو المتداول في كتب الأصول. وحجتهم في ذلك: أن المدينة هي التي نزل فيها القرآن وطبق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحكام الشرعية، وبين فيها الحلال والحرام، وتعلم الصحابة هذه الأحكام من الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم، أقام فيها الصحابة المجتهدون ومن بينهم ثلاثة من الخلفاء الراشدين، فكان عملهم من عمل الرسول صلى الله عليه وسلم ثم أخذ عنهم التابعون وفيهم الفقهاء السبعة (¬2) الذين كانوا يحرصون على معرفة السنة، والاقتداء الكامل بالرسول صلى الله عليه وسلم مع الورع الكامل في الفتيا، فكان عمل هؤلاء منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثابة النقل المتواتر الذي يوجب القطع (¬3) . وأجيب على هذا: - بأن السنة اذا ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم فان الواجب عندئذ هو العمل بها، ولا عبرة برأي من خالفها سواء كانوا علماء المدينة أو غيرهم، لأن هؤلاء العلماء لم يخالفوها الا لأنها لم تبلغهم ولو بلغتهم لم يخالفوها قطعا، ثم ان اهل المدينة جزء من الأمة لا كلها فلا يلزم من مخالفتهم ترك الأحاديث الواردة بأسانيد ¬

(¬1) احكام الفصول 414، تيسير التحرير 3/344، اعلام الموقعين 2/305. (¬2) الفقهاء السبعة هم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن حارث، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. اعلام الموقعين 1/23. (¬3) ترتيب المدارك 1/64-65.

صحيحة (¬1) . وأجاب ابن حزم بما حاصله: ((أولا: أرأيتم الخبر المسند الصحيح قبل أن يعمل به أحق هو أم باطل؟ ولا بد من أحد هذين، فان قالوا: حق فسواء عمل به أهل المدينة أو لم يعملوا به لا يزيد الحق درجة في أنه حق أن يعمل به ولا يبطله أن يترك العمل به، ولو أن أهل الأرض كلهم أصفقوا على معصية محمد صلى الله عليه وسلم ما كان ذلك مسقطا لوجوب طاعته، وقد فعلوا ذلك في أول مبعثه فما كان مبطلا لصحته، وكذلك لو أصفق أهل الأرض كلهم على نبوة مسيلمة -لعنه الله- ما حققها ذلك. ثانيا: وان قالوا: الخبر باطل قبل العمل به لا يحققه العمل به، ولا يزيد الله بالعمل الباطل الا ضلالا وخزيا. ثالثا: ثم نقول لهم: متى أثبت الله العمل بالخبر الصحيح أقبل أن يعمل به أم بعد أن يعمل به؟ فان قالوا: قبل أن يعمل به فهو كقولنا، وان قالوا: بعد أن يعمل به لزمهم أن العاملين به هم الذين شرعوا تلك الشريعة. رابعا: ولم يبق لهم الا أن يقولوا لما ترك العمل بالخبر علمنا بأنه منسوخ، وهذا هو باب الإلهام الذي ادعته الروافض. خامسا: ثم نسألهم فنقول لهم عمن تريدون أعمل أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلهم أم عمل عصر دون عصر أم عمل محمد صلى الله عليه وسلم أم عمل أبي بكر أم عمل عمر أم عمل صاحب من سكان المدينة بعينه؟ فان قالوا: عمل أمة محمد صلى الله عليه وسلم فالخلاف بين الأمة اشتهر، وان ¬

(¬1) مسائل من الفقه المقارن 1/25.

نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم خيار المجلس

قالوا عصرا ما دون سائر الأعصار، فالاختلاف بين كل عصر موجود، ولا سبيل الى وجود مسألة اتفق عليها أهل عصرها (¬1) . سادسا: واذا أردنا أن نعتمد على عمل أهل المدينة فنسأل ونقول: هل اختلف اهل المدينة ام لم يختلفوا؟ فان قالوا: لم يختلفوا ردهم الموطأ، حيث أن فيه مسائل اختلف أهل المدينة فيها، وان قالوا: اختلفوا، قيل لهم: فما الذي جعل اتباع عمل أهل المدينة بعضهم أولى من بعض، وقد أبطل الله كل عمل عند الاختلاف الا الرد الى كتاب الله وسنة نبيه)) (¬2) . نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم خيار المجلس اذا تم العقد بين المتبايعين ولم يتفرقا ولم يختارا لزوم العقد، فهل يعتبر العقد لازما بمجرد تمامه أو أن كلا من المتعاقدين له خيار فسخ العقد ما داما في المجلس؟ حصل خلاف في ذلك بين الفقهاء على مذهبين: المذهب الأول: ذهب فريق من الفقهاء الى القول بعدم ثبوت خيار المجلس، وقالوا: يلزم العقد بالايجاب والقبول، الا اذا اشترطا أو احدهما الخيار. ¬

(¬1) هذا من ابن حزم مبني على مذهبه القائل: بأن الاجماع بعد عصر الصحابة -رضي الله عنهم- غير ممكن، وهذه قضية مخالفة لما عليه جمهور العلماء. الأحكام لابن حزم 4/506، والتبصرة ص359. وقول ابن حزم هذا هو احدى الروايتين عن أحمد بن حنبل. أنظر الأحكام للآمدي 1/328. وقال الشوكاني في ارشاد الفحول ص82: ((انه ظاهر كلام ابن حبان)) . وانظر ميزان الأصول 2/772 (¬2) الاحكام في أصول الأحكام 2/98-110.

والى ذلك ذهب أبو حنيفة، ومالك، وأكثر الزيدية. المذهب الثاني: وذهب فريق من الفقهاء الى القول بثبوت خيار المجلس للمتعاقدين في عقود البيع، وعليه فاذا تبايع شخصان وقع العقد جائزا، ولكل واحد منهما فسخه ما لم يفارق مجلس العقد أو يختار اللزوم. وبذلك قال جمهور أهل العلم، واليه ذهب الشافعي، وأحمد، والظاهرية، والامامية، وبعض الزيدية (¬1) . حجة الجمهور: استدلوا بما صح عن حكيم بن حزام، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فان صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وان كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)) (¬2) . وجه الدلالة: ان هذا الحديث مصرح بأن العقد بين المتبايعين لا يلزم ما لم يتفرقا عن مكان العقد أو يختارا لزومه، وكل ما يطلق عليه في العرف تفرق يحصل به المقصود. واعترض المالكية: ¬

(¬1) مسائل من الفقه المقارن 2/10-11، المجموع 9/186، المغني 4/6، شرح فتح القدير 5/81، المحلى 8/351. (¬2) أخرجه الشافعي 2/154 و 155، والطيالسي (1316) ، وابن أبي شيبة 7/124، وأحمد 3/402 و 434، والدارمي (2550) و (2551) ؛ والبخاري 3/76 رقم (2079) و 3/83 رقم (2108) و 3/84 رقم (2110) ، ومسلم 5/10 رقم (1532) ، وأبو داود 3/273 رقم (3459) ، والترمذي 3/548 رقم (1246) ، والنسائي 7/244، والطبراني في الكبير (3115) الى (3119) ، والبيهقي 5/269، والبغوي (2051) .

بأن هذا الحديث مخالف لعمل أهل المدينة؛ وهو خبر آحاد فلا يؤخذ به (¬1) . وأجيب على هذا: بأن شرط قبول الآحاد موافقة عمل أهل المدينة شرط تفرد به المالكية لم يوافقهم الجمهور عليه. والصحيح أنه لا يشترط. ثم أن المنقول عن جملة علماء المدينة العمل به كما قال به عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر وأبو هريرة، وسعيد بن المسيب، والزهري، وابن أبي ذئب، وهؤلاء كلهم من أهل المدينة (¬2) . واعترض أيضا: بأن الحديث محمول على ارادة التفرق بالأقوال وليس بالأبدان، وذلك فيما اذا قال البائع بعت وقال المشتري اشتريت فهنا قد تفرقا وانقطع الخيار، ثم ان الخيار هو الذي كان للبائع قبل أن يقول المشتري اشتريت (¬3) . وأجيب: بأن هذا خلاف الظاهر، فان السابق الى الفهم التفرق من المكان، والمتبادر الى الذهن علامة الحقيقة على أن الحديث قد جاء بروايات تنفي أن يكون المراد منه غير ما ذهب اليه الجمهور. وبيان ذلك فيما يأتي: ما صح عن نافع، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يختارا)) . قال: فكان ابن عمر اذا ابتاع بيعا وهو قاعد، قام ليجب له ¬

(¬1) المنتقى 5/55، عارضة الأحوذي 6/5 (¬2) المغني 4/61، فتح الباري 4/330. (¬3) مسائل من الفقه المقارن 2/18

البيع (¬1) . وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، الا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)) (¬2) . فهذه الأحاديث يتعذر حملها على غير ما ذهب اليه الجمهور. واعترض الحنفية على هذا الحديث: بأن الحديث دار فيما تعم به البلوى، ولا يقبل خبر الآحاد فيما تعم به البلوى (¬3) . وأجيب على هذا: بأن هذه شرائط للعمل بخبر الآحاد التزم بها الحنفية وقد خالفهم فيها الجمهور فهي لا تلزم على أن خيار المجلس ليس مما تعم به البلوى، لأن الذين يفسخون العقد بناء على خيار المجلس يعدون قلة بالنسبة لمن لا يفسخون (¬4) . ثم أن الحنفية قد جعلوا للمشهور حكم المتواتر في هذه الأمور، والحديث مشهور باصطلاحهم، وبيان ذلك: أن المشهور عندهم هو ما لا يقل رواته عن ثلاثة في ¬

(¬1) أخرجه مالك 2/201 رقم (1958) ، والطيالسي (1338) ، والحميدي (654) ، وأحمد 1/56 و 2/4، والبخاري 3/83 رقم (2107) و 3/84 رقم (2109) ، ومسلم 5/9 رقم (1531) ، وأبو داود 3/272 رقم (3454) و (3455) ، وابن ماجه 2/735 رقم (2181) ، والترمذي 3/547 رقم (1245) ، والنسائي 7/248. (¬2) أخرجه أحمد 2/183، وأبو داود 3/273 رقم (3456) ، والترمذي 3/550 رقم (1247) ، والنسائي 7/251. وقال الترمذي: (هذا حديث حسن) . وانظر تحفة الأشراف 6/336 حديث (8797) . (¬3) بدائع الصنائع 5/228، شرح فتح القدير 5/81، المغني 4/6 (¬4) مسائل من الفقه المقارن 2/16.

كل طبقة من طبقات اسناده. وهذا الحديث قد رواه من الصحابة: حكيم بن حزام، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وسمرة، وأبو برزة الأسلمي، وابن عباس، وجابر (¬1) . فهذه طرق كثيرة ربما بلغت حد التواتر عند بعض أهل العلم فهو على أقل تقدير مشهور في اصطلاح الحنفية، وللمشهور عندهم حكم المتواتر من حيث أنه يجوز أن يزاد به على الكتاب ويقبل فيما تعم به البلوى (¬2) . واستدل الحنفية والمالكية على عدم ثبوت خيار المجلس بما يأتي: أولا: قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم)) (¬3) . وجه الدلالة: ان هذه الآية أباحت على وجه الاطلاق التصرف بما يحصل عليه كل من المتعاقدين لمجرد حصول التراضي، واذا تم الايجاب والقبول بالقول فقد تراضيا، وهي مطلقة حيث أنها لم تشترط التفرق بالأبدان (¬4) . ثانيا: قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)) (¬5) . وجه الدلالة: ان الشارع قد أمر بالوفاء بالعقود، والعقد بعد تمام الايجاب والقبول وقبل التفرق من المجلس أو التخيير يسمى عقدا، فيدخل في عموم هذه الآية من حيث وجوب الوفاء به، والقول بغير ذلك ابطال للنص وأجيب عن ذلك: ¬

(¬1) نصب الراية 4/1 وما بعدها، التلخيص الحبير 3/20. (¬2) مسائل من الفقه المقارن 2/17. (¬3) سورة النساء الآية 39. (¬4) أحكام القرآن لابن العربي 1/409. (¬5) سورة المائدة الآية 1.

المبحث السابع: اعلال خبر الآحاد بمخالفة القواعد العامة

بأن هذا الاستدلال مبني على اعتبار أن العقد قد تم وانه لازم للوفاء به، وهذا لا يتأتى إلا بنص الشارع، وقد اعتبر الشارع أن العقد غير لازم وأن التجارة غير تامة عن تراض الا بعد حصول التفرق المذكور في حديث خيار المجلس (¬1) . ثالثا: ما صح عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه ويقبضه)) (¬2) . وجه الدلالة: ان هذا الحديث عام قد أباح التصرف بالمبيع بمجرد القبض، ولم يشترط التفرق، فدل على عدم ثبوت خيار المجلس. وأجيب عن هذا: بأن هذا الحديث عام تخصصه أحاديث خيار المجلس، وان القبض والتصرف انما يتم بعد التفرق (¬3) . المبحث السابع: اعلال خبر الآحاد بمخالفة القواعد العامة من الشروط التي اشترطها المالكية للعمل بخبر الآحاد أن لا يخالف القواعد العامة وذلك لأن القاعدة العامة تعني: أن مضمونها ليس موضع خلاف بين الفقهاء، وعليه فاذا خالف خبر الآحاد القاعدة العامة تكون المخالفة علة مسقطة للعمل بخبر ¬

(¬1) المحلى 8/412. (¬2) أخرجه الطيالسي (2602) ، وعبد الرزاق (14) و (210) ، والحميدي (508) ، وابن أبي شيبة 6/368، وأحمد (1/215) ، والبخاري 3/89 رقم (2133) ، ومسلم 5/7 رقم 1525) ، وأبو داود 3/281 رقم (3496) و (3497) ، وابن ماجه 2/749 رقم (2227) ، والترمذي 3/586 رقم (1291) ، والنسائي 7/285 (¬3) مسائل من الفقه المقارن 2/16

نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم صوم من أكل أو شرب ناسيا

الآحاد (¬1) . وأجيب عن ذلك: بأن القاعدة مهما بلغت فهي لا تكون أقوى من نص عام، وخبر الآحاد الخاص اذا صح يمكن أن يخصص العام، وعليه فاذا عارض خبر الآحاد القاعدة العامة فان القاعدة لا تبطل العمل به وانما تخص القاعدة به (¬2) . نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم صوم من أكل أو شرب ناسيا اختلف الفقهاء فيمن أكل أو شرب ناسيا وهو صائم هل يفسد صومه أم لا على قولين: القول الأول: لا يفسد صومه. وهو مذهب جمهور الفقهاء، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، والظاهرية، والامامية، وأكثر الزيدية (¬3) . القول الثاني: يفسد صومه وبذلك قال المالكية (¬4) . استدل المالكية على ذلك بأن الصوم ركنه الامساك عن المفطرات، ومن تناول ¬

(¬1) مسائل من الفقه المقارن 1/24. (¬2) مسائل من الفقه المقارن 1/275. (¬3) الهداية 2/62، القوانين الفقهية ص108، المجموع 6/366، المغني 3/51-56، المحلى 6/203، البحر الزخار 3/255، سبل السلام 3/255، نيل الأوطار 4/231، شرائع الاسلام 1/190، شرح الزرقاني على الموطأ 2/447، المنتقى 2/65، شرح السنة 6/292، مسائل من الفقه المقارن 1/275. (¬4) المصادر السابقة.

المفطر فقد فوت ركن الصوم، والصوم من باب المأمورات، والقاعدة: أن المأمورات يؤثر فيها النسيان كما يؤثر العمد، فمن فوت ركنا من أركان الصلاة ناسيا فان صلاته لا تصح حتى يأتي به وكذلك الحج فالصوم مثلها، وبما أن الركن الوحيد في الصوم انما هو الامساك فاذا فوته فوت الصوم كله وعليه أن يأتي بغيره قضاء. هكذا رد بعض المالكية الحديث الوارد في ذلك عن أبي هريرة والذي سنذكره في أدلة الجمهور بحجة مخالفته هذه القاعدة (¬1) بينما حمله بعضهم على صوم التطوع وأجيب: بأن كلا الأمرين غير مسلم به: أما الأول فلأن القاعدة غاية أمرها أنها دليل عام، فهي لا تعارض الأحاديث الصحيحة، وانما تخص بها، فتكون هذه القاعدة سارية على غير الصوم، وأما الصوم فقد خص بالأحاديث الواردة بأدلة الجمهور. أما الثاني فقد ثبتت أحاديث صحيحة مصرحة بالفرضية. أدلة الجمهور: استدلوا بما صح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فانما أطعمه الله وسقاه)) (¬2) . فهذا نص صريح في أن تناول المفطر نسيانا لا يؤثر على صحة الصوم، وهو عام في كل صوم، لأنه لم يفرق بين صوم الفرض وصوم التطوع، ومع ذلك فقد حمله ¬

(¬1) الزرقاني هامش الموطأ 2/447، والمنتقى 2/65، فتح الباري 4/157. (¬2) أخرجه عبد الرزاق (7372) ، وأحمد 2/425، والدارمي (1733) ، والبخاري 3/40 رقم (1933) ، ومسلم 3/160 رقم (1155) ، وأبو داود 2/315 رقم (2398) ، والترمذي 3/100 رقم (721) ، وأبو يعلى (6038) ، وابن خزيمة (1989) ، وابن حبان (3519) ، والبيهقي 2/178.

بعضهم على صوم التطوع بحجة أن الحديث لم يتعرض لصوم رمضان (¬1) . وأجيب: بأنه قد صح التصريح بأن ذلك في صوم الفرض بما رواه أبو هريرة مرفوعا: ((من أفطر في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة)) (¬2) . وهذا صريح في أنه في صوم رمضان، وصريح في نفي القضاء، والكفارة، وعام في كل مفطر من غير تفريق بين الأكل والشرب وبين غيرها. وقد ثبت عن ابن عباس مرفوعا: ((ان الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) (¬3) والصوم داخل في هذا العموم. ¬

(¬1) مسائل من الفقه المقارن 1/275، فتح الباري 4/157. (¬2) أخرجه ابن حبان (906 موارد) ، والحاكم 1/430، والبيهقي 4/229، قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وانظر نصب الراية 2/445-446، وفتح الباري 4/157. _ (¬3) أخرجه الطحاوي في شرح المعاني 3/95، وابن حبان (7219) ، والدارقطني 4/170، والحاكم 2/198، والبيهقي 7/356 من طريق عطاء عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس، به واسناده صحيح متصل. وأخرجه ابن ماجه 1/659 رقم (2045) من طريق عطاء عن ابن عباس، به وأشار المزي في تحفةالأشراف 5/85 حديث (5905) الى السند المتصل.

الفصل الرابع: العلل المشتركة

الفصل الرابع: العلل المشتركة وفيه خمسة مباحث المبحث الأول: الاعلال بالاضطراب والاختلاف المبحث الثاني: الاعلال بالزيادة. المبحث الثالث: الاعلال بالشذوذ المبحث الرابع: الاعلال بالادراج المبحث الخامس: الاعلال بالخطأ وما أشبهه المبحث الأول: اعلال السند بالاضطراب والاختلاف تمهيد لهذا المبحث: المضطرب في اللغة: اسم فاعل من اضطرب؛ مأخوذ لغة من الاضطراب بمعنى الحركة والاختلاف، يقال: اضطرب الموج أي ضرب بعضه بعضا؛ فهو مضطرب. وفي لسان العرب: اضطرب أمره اختل، وحديث مضطرب السند وأمره مضطرب (¬1) . والمضطرب في الاصطلاح: - هو الحديث الذي تختلف الرواية فيه، فيرويه بعضهم على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له، مع عدم امكان ترجيح أحداهما على الأخرى (¬2) . فشرط الاضطراب اذا تساوي الروايات، أما اذا ترجحت احداهما على الأخرى فالحكم للراجحة، والمرجوحة شاذة أو منكرة. وعليه فان كان أحد الوجوه مرويا من طريق ضعيف والآخر من طريق قوي فلا ¬

(¬1) لسان العرب مادة ((ضرب)) وينبغي التنبيه الى أن الشائع تسميته بـ ((المضطرِب)) على وزن اسم الفاعل، وهو من باب الاسناد المجازي لأن الاضطراب واقع فيه لا منه اذ انه اسم مكان؛ فيظهر فيه اضطراب الراوي أو الرواة فهو على الحقيقة ((مضطرَب)) بفتح الراء ولو سمي كذلك لكان أظهر في المعنى الاصطلاحي. ينظر حاشية الأجهوري على الزرقاني للبيقونية ص72 وهامش توضيح الأفكار 2/35 وشرح الديباج المذهب ص48 ولمحات في أصول الحديث ص247. (¬2) علوم الحديث ص84.

أين يقع الاضطراب؟

اضطراب والعمل بالطريق القوي، وان لم يكن كذلك، فان أمكن الجمع بين تلك الوجوه بحيث يمكن ان يكون المتكلم باللفظين الواردين عنى معنى واحدا فلا اشكال أيضا؛ مثل ان يكون في أحد الوجهين قد قال الراوي: عن رجل وفي الوجه الآخر يسمي هذا الرجل فقد يكون هذا المسمى هو ذلك المبهم فلا اضطراب اذا ولا تعارض وان لم يكن كذلك بأن يسمى مثلا الراوي باسم معين في رواية ويسمى باسم آخر في رواية أخرى فهذا محل نظر. اذ يتعارض فيه أمران: أحدهما: انه يجوز أن يكون الحديث عن الرجلين معا. والثاني: أن يغلب على الظن ان الراوي واحد واختلف فيه. فههنا لا يخلو أن يكون الرجلان معا ثقتين أو لا، فان كانا ثقتين فههنا لا يضر الاختلاف عند الكثير؛ لأن الاختلاف كيف دار فهو على ثقة، وبعضهم يقول: هذا اضطراب يضر؛ لأنه يدل على قلة الضبط (¬1) . أين يقع الاضطراب؟ يقع الاضطراب في متن الحديث ويقع في الاسناد وقد يقع ذلك من راو واحد، وقد يقع بين رواة له جماعة (¬2) حكم الحديث المضطرب (¬3) : الحديث المضطرب ضعيف؛ لأن الاختلاف (¬4) فيه مشعر بعدم ضبط راويه، ¬

(¬1) أنظر محاسن الاصطلاح ص204. (¬2) علوم الحديث ص85. (¬3) علوم الحديث ص85. (¬4) يعبر كثيرا عن الاضطراب بـ ((الاختلاف)) وهل هما شيء واحد أو لا؟ . فالاختلاف أعم من الاضطراب اذ الاختلاف يطلق على القادح وعلى غيره اما الاضطراب فلا يطلق الا على القادح.

أنواع الاضطراب في الاسناد

والضبط شرط في صحة الحديث؛ وقد فقد المضطرب هذا الشرط. وما ذكرته هو الأصل في حكم المضطرب؛ لكن هذا لا يعني ان الاضطراب والصحة لا يجتمعان ابدا؛ بل قد يجتمعان؛ نقل ذلك السيوطي عن الحافظ ابن حجر وغيره فقال: ((وقع في كلام شيخ الاسلام.. ان الاضطراب قد يجامع الصحة؛ وذلك بأن يقع الاختلاف في اسم رجل واحد واسم أبيه ونسبته ونحوذلك ويكون ثقة. فيحكم للحديث بالصحة ولا يضر الاختلاف فيما ذكر مع تسميته مضطربا، وفي الصحيحين احاديث كثيرة بهذه المثابة؛ وكذلك جزم الزركشي في مختصره فقال: قد يدخل القلب والشذوذ والاضطراب في قسم الصحيح والحسن)) (¬1) . أنواع الاضطراب في الاسناد: الاضطراب يكون في متن الحديث ويكون في اسناده، والاضطراب الأهم والأكثر تشعبا هو الاضطراب في الاسناد؛ لذلك فاني سأبدأ به مقسما هذا المبحث الى مطلبين. المطلب الأول: الاضطراب في الاسناد الاضطراب في الاسناد يتنوع على خمسة أنواع هي: أ- تعارض الوصل والارسال. ب- تعارض الوقف والرفع. ج- تعارض الاتصال والانقطاع. ء- زيادة رجل في أحد الاسنادين. هـ- الاختلاف في اسم الراوي ونسبه اذا كان مترددا بين ثقة وضعيف (¬2) . وسأتكلم عن كل واحد من الأنواع في فرع مستقل؛ لذلك فان هذا المطلب سيتضمن خمسة فروع: الفرع الأول: تعارض الوصل والارسال الاتصال أول شرط من شرائط صحة الحديث؛ واتصال الاسناد هو: سماع الحديث لكل راو من الراوي الذي يليه (¬3) . ويعرف ذلك بتصريح الراوي بصيغة من احدى صيغ السماع الصريحة، ¬

(¬1) تدريب الراوي 1/267 (¬2) وقد اعتمدت في هذا التقسيم على تقسيم العلائي كما نقله الحافظ ابن حجر في النكت على ابن الصلاح 2/778، وقد اعتمد على هذا التقسيم ايضا الصنعاني في توضيح الأفكار 2/38. (¬3) علوم الحديث ص44 الخلاصة ص46.

مثل: [حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعت، وقال لنا] وغيرها، أما اذا كانت الرواية بصيغة من الصيغ المحتملة مثل: [عن أو أن او حدث، او أخبر، او قال] فحينئذ لا بد من توفر شرطين في الراوي لحمل هذه الصيغة على الاتصال: اولهما: السلامة من التدليس أي: أن لا يكون من روى هكذا مدلسا. ثانيهما: المعاصرة وامكان اللقاء، وهذان الشرطان عند الكثير من المحدثين، وقد اشترط علي بن المديني والبخاري وغيرهما ثبوت اللقاء ولو مرة (¬1) . ويشترط في الاتصال أن يكون من أول السند الى آخره؛ فاذا اختل الاتصال في موضع من المواضع سمي السند منقطعا، ويسميه المتقدمون أيضا مرسلا (¬2) ، ثم استقر الاصطلاح من بعد على ان المرسل هو: ما أضافه التابعي الى النبي صلى الله عليه وسلم (¬3) . لذلك فان الحديث اذا روي مرسلا مرة وروي مرة أخرى موصولا فهذا يعد من الأمور التي تعل بها الأحاديث ومنهم: من لا يعد ذلك علة وتفصيل الأقوال فيها على النحو الآتي: أولا: ترجيح الرواية الموصولة على المرسلة؛ لأنه من قبيل زيادة الثقة. ثانيا: ترجيح الرواية المرسلة. ثالثا: الاعتبار لأكثر الرواة عددا. رابعا: الترجيح للأحفظ. ¬

(¬1) مقدمة مسلم هامش النووي 1/108، علوم الحديث ص61 و 66، شرح التبصرة 1/163، السنن الأبين ص49، فتح المغيث 1/165، التنكيل 1/81، شرح ألفية السيوطي ص32. (¬2) أنظر فتح المغيث للسخاوي 3/79. (¬3) وهو الذي عليه كتب المصطلح. وأنظر الكفاية ص21.

خامسا: التساوي بين الروايتين والتوقف (¬1) . وقد ظهر لي من دراسة مجموعة من الأحاديث التي اختلف في وصلها وارسالها ان الترجيح لا يندرج تحت قاعدة كلية، لكن يختلف الحال حسب المرجحات والقرائن، فتارة ترجح الرواية المرسلة وتارة ترجح الرواية الموصولة. ومن المرجحات: مزيد الحفظ، وكثرة العدد، وطول الملازمة للشيخ. وقد يختلفون في ذلك أحيانا فمنهم: من يرجح الرواية المرسلة ومنهم: من يرجح الرواية الموصولة ومنهم: من يتوقف. ومن الأمثلة على الترجيح بكثرة الطرق والشواهد حديث: ((لا نكاح الا بولي)) فقد أشار الترمذي (¬2) الى الروايات المرسلة والاختلاف فيه الا أنه حديث صحيح بطرقه وشواهده: فقد أخرجه الامام أحمد (المسند: 4/398 و 413 و 418) ، وأبو داود (السنن: 2/229 رقم 2085) ، والترمذي (الجامع:3/407 رقم (1101 و 1102) ، والبيهقي (السنن الكبرى: 7/107) من حديث أبي موسى الأشعري. وصححه ابن حبان (موارد الضمآن: (1243) و (1244) و (1245)) ، والحاكم (المستدرك: 2/169) واطال في تخريج طرقه مع انه اختلف في وصله وارساله. ثم قال: ((وقد صحت الرواية فيه عن ازواج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش) . ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم 1/32، المنهل الروي ص43-44، فتح المغيث 1/173، تنقيح التحقيق 1/366، قواعد في علوم الحديث ص118، التنكيل 2/22، شرح ألفية السيوطي ص29، لمحات في أصول الحديث ص279. ولم أجد من نسب هذه الأقوال لأصحابها؛ سوى القول الأول فهو الذي رجحه الامام النووي ويستخدمه كثيرا في مؤلفاته. (¬2) الجامع 3/407.

ثم قال: ((وفي الباب عن علي وابن عباس ومعاذ وعبد الله بن عمرو وأبي والمقداد وابن مسعود وجابر وأبي هريرة وعمران بن حصين وعبد الله بن عمر والمسور بن مخرمة وأنس بن مالك)) . وقد أفاض الزيلعي (نصب الراية:3/183-190) في تخريج الطرق والشواهد بما لا مزيد عليه. ومن الأمثة على ترجيح الرواية الموصولة اذا كان صاحبها مبرزا بالحفظ والاتقان: حديث يونس بن يزيد الأيلي، عن ابن شهاب، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة حنين سار ليلة حتى اذا أدركه الكرى عرس وقال لبلال: ((اكلا لنا الليل)) فصلى بلال ما قدر له ونام ... الحديث وفي آخره: ((من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها اذا ذكرها؛ فان الله تبارك وتعالى قال: ((أقم الصلاة لذكري)) أخرجه مسلم (الصحيح: 2/138 رقم 680) ، وأبو داود (السنن: 1/118 رقم 435) ، وعند أبي عوانة (الصحيح: 2/253) ، والنسائي (المجتبى: 2/296) ، والبيهقي (السنن الكبرى:2/217) من طريق ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، به. وقد توبع يونس، فقد تابعه معمر بن راشد، عند أبي داود (السنن: 1/119 رقم 436) ، وأبي عوانة (الصحيح: 2/253) ، والنسائي (المجتبى:2/ 296) وتابعه أيضا الأوزاعي ومحمد بن اسحاق كما نقله ابن عبد البر (¬1) . وخالف الامام مالك (الموطأ رواية يحيى:25) - ومن طريقه الشافعي (المسند: 1/53 و 54) - فرواه عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.... فذكر الحديث -مرسلا-. ¬

(¬1) التمهيد 6/386-387.

فالرواية الراجحة هي الرواية الموصولة؛ لأن يونس ثقة من رجال الستة (¬1) ، وقد توبع. ومن الأمثلة على ترجيح الرواية المرسلة اذا كان الواصل ضعيفا: ما رواه الحاكم (المستدرك: 1/442) من طريق علي بن العباس، قال: حدثنا علي بن سعيد بن مسروق الكندي، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم -في قوله تبارك وتعالى-: ((ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا)) (¬2) - قال: ((قيل: يا رسول الله ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة)) . وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد تابع حماد بن سلمة سعيدا على روايته عن قتادة. ثم ساق الحاكم متابعة حماد وصحح الحديث من طريق حماد على شرط مسلم. وقد خالفه في ذلك البيهقي (السنن: 4/330) فقد ذكر الحديث معلقا وقال عقيبه: ((ولا أراه إلا وهما)) أي: الرواية الموصولة. ثم ساق باسناده من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن الحسن، وذكر الحديث مرسلا. ثم ساق المتابعات على ذلك، وقال: ((هذا هو المحفوظ عن قتادة، عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا)) . ¬

(¬1) وذكر الحافظ ابن حجر في التقريب 2/386: ((ان في روايته عن الزهري وهما قليلا)) . قلت: وهذا الوهم هنا مغتفر لمتابعة معمر والأوزاعي وابن اسحاق. هذا غير اننا لا نوافق الحافظ ابن حجر على ذكر الوهم في روايته عن الزهري، فهو من رجال الستة المعتمدين المكثرين؛ وقال الذهبي: (احد الاثبات عن الزهري) (الكاشف، الترجمة، 6480 طبعة محمود عوامة) (¬2) سورة آل عمران الآية 97.

نماذج لأثر تعارض الوصل والارسال: في اختلاف الفقهاء

وقال الحافظ ابن حجر (¬1) : ((وسنده صحيح الى الحسن، وقد رواه الحاكم من حديث حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس أيضا، الا ان الراوي عن حماد، وهو أبو قتادة: عبد الله بن واقد الحراني متروك، وقد قال أبو حاتم: منكر الحديث ... )) ثم قال: ((والصحيح من الروايات رواية الحسن المرسلة)) . فرواية الحاكم وهم ومتابعة حماد لا قيمة لها، لأن الراوي عن حماد أبو قتادة: عبد الله بن واقد الحراني ضعفه أبو حاتم وقال عنه الحافظ (¬2) : ((متروك، وكان احمد يثني عليه، وقال لعله كبر واختلط، وكان يدلس)) (¬3) . نماذج لأثر تعارض الوصل والارسال: في اختلاف الفقهاء النموذج الأول روى حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من ملك ذا رحم محرم فهو حر)) (¬4) . قال أبو داود: ((لم يحدث هذا الحديث الا حماد بن سلمة، وقد شك)) . ¬

(¬1) التلخيص 2/35. (¬2) تقريب التهذيب 1/459. (¬3) وأنظر ميزان الاعتدال 2/517، وتهذيب التهذيب 6/66. (¬4) أخرجه الطيالسي (911) ، وأحمد 5/15 و 20، وأبو داود 4/26 رقم (3949) ، وابن ماجه 2/843 رقم (2524) ، والترمذي 3/646 رقم (1365) ، والحاكم 2/214، والبيهقي 10/289، وابن الجارود (973) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/109 و 110، والطبراني في الكبير 7/205 رقم (6852) من طريق حماد بن سلمة عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، به.

وقال الترمذي: ((هذا حديث لا نعرفه مسندا الا من حديث حماد)) . وكذا صوب البيهقي الارسال. وقال الحافظ في الفتح (¬1) بعد ان ذكر البخاري الحديث معلقا بصيغة التضعيف: ((قيل أنه أشار بهذه الترجمة الى تضعيف الحديث الوارد فيمن ملك ذا رحم محرم فهو حر، وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من حديث الحسن، عن سمرة، واستنكره ابن المديني، ورجح الترمذي ارساله، وقال البخاري: لا يصح، وقال أبو داود: تفرد به حماد وكان يشك في وصله، وغيره يرويه عن قتادة، عن الحسن قوله ... وجرى الحاكم وابن حزم وابن القطان على ظاهر الاسناد فصححوه (¬2)) ) . (أثر ذلك في اختلاف الفقهاء) اختلف الفقهاء في حكم من ملك ذا رحم محرم تبعا لاختلافهم في الحكم بصحة هذا الحديث او عدم صحته. فمن صحح الحديث أخذ بعمومه وقال: من ملك ذا رحم محرم عتق. والمراد بذي الرحم المحرم: كل من بينهما نسب يوجب تحريم النكاح، فيدخل في ذلك الأصول والفروع والأخوة والأعمام ومن في معناهم (¬3) . وبذلك قال جمهور الفقهاء. واليه ذهب أبو حنيفة وأحمد. وبذلك قال شريك أيضا، وقاس عليه أيضا المحرم من الرضاع وبه قال الأوزاعي، وقاس عليه ذا الرحم غير المحرم، كابن العم ونحوه لكن الحديث قيد ¬

(¬1) 5/168. (¬2) وتصحيح الحاكم في المستدرك 2/214، وتصحيح ابن حزم في المحلى 9/202-203. (¬3) نيل الأوطار 6/82.

الحكم بالمحارم (¬1) . وذهب فريق من الفقهاء الى القول بعدم صحة الحديث، وبناء على ذلك تفاوتت آراؤهم في المسألة: فقال داود: لا يعتق أحد على أحد (¬2) . وذهب الشافعي الى: انه يعتق على المالك الأصول والفروع فقط (¬3) . وقد احتج على ذلك بدليل آخر وهو قوله تعالى: ((تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا، وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا، إن كل من في السموات والأرض الا أتى الرحمن عبدا (¬4)) . وجه الدلالة: ان الله نفى عن نفسه الولادة، وعلل ذلك: بأن الكل عبيد له. فدل ذلك على: استحالة اجتماع الولادة مع العبودية. وعليه: فكل شخصين بينهما ولادة، اذا ملك أحدهما الآخر عتق عليه (¬5) . وذهب مالك الى: انه يعتق على المالك الأصول والفروع والأخوة فقط دون فروعهم (¬6) . وحجته الآية السابقة على نحو ما استدل به الشافعي وقاس الأخوة على الاولاد؛ ¬

(¬1) المغني 12/268، المحلى 9/200، الهداية 2/40، بداية المجتهد 2/278، وأنظر فقه الامام سعيد بن المسيب 4/234. (¬2) فتح الباري 5/168، ونيل الأوطار 6/83. (¬3) المهذب 2/4. (¬4) سورة مريم الآيات من 90 الى 93. (¬5) المهذب 2/4، وفقه الامام سعيد 4/232. (¬6) الأشراف للبغدادي 2/305، والمحلى 9/201

النموذج الثاني

لأن الشارع أقامهم مقام الولد في حجب الأم من الثلث الى السدس، فدل ذلك على: ان للأخوة تأثيرا كالولادة (¬1) . وقد دفع هذا الفريق حديث سمرة بانه مرسل؛ ومن ذلك اعلال أبي داود له: بأن موسى بن اسماعيل رواه عن حماد بن سلمة، وقال في روايته: عن سمرة فيما يحسب حماد، وعليه فقد شك حماد في وصل هذا الحديث، وقد رواه شعبة، عن الحسن مرسلا، وشعبة أحفظ من حماد (¬2) . وعلى تسليم هذا: فالحديث على أسوأ أحواله يكون مرسلا وهو معتضد بحديث ابن عمر (¬3) على أن غير موسى قد رواه عن حماد من غير شك. رواه عبد الله بن المبارك، ومسلم بن ابراهيم، ويزيد بن هارون وغيرهم، وموسى نفسه قد رواه من غير شك (¬4) . النموذج الثاني النص حديث مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا ام أربعا؟ فليصل ركعة ¬

(¬1) الأشراف 2/305، فقه الامام سعيد 4/232. (¬2) سنن أبي داود 4/26، وجامع الترمذي 3/646 وما بعدها. (¬3) أخرجه ابن ماجه 2/844 رقم (2525) ، والنسائي في الكبرى 3/173 رقم (4897) ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5399) ، وفي شرح المعاني، له 3/109، والبيهقي 10/289 وهو بنفس اللفظ، وقد صححه ابن حزم 9/202 وأشار الى تضعيفه الترمذي 3/646، والبيهقي 10/289. (¬4) الجوهر النقي 10/289.

وليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم فان كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين وان كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان)) . وقد رواه عن مالك: أبو مصعب الزهري ((الموطأ:475) ، وسويد بن سعيد (الموطأ: 151) ، وعبد الله بن مسلمة القعنبي عند أبي داود (السنن: 1/269 رقم 1026) ، وعبد الله بن وهب عند الطحاوي (شرح المعاني:1/433) وعند البيهقي (السنن الكبرى: 2/331) ، وعثمان بن عمر عند الطحاوي (شرح المعاني: 1/433) ، ومحمد بن الحسن الشيباني (الموطأ: ص66 رقم 138) ، ويحيى بن يحيى الليثي (الموطأ: 1/149 رقم 252) . قال الحافظ ابن عبد البر: ((هكذا روى الحديث عن مالك جميع رواة الموطأ، عنه ولا اعلم أحدا أسنده عن مالك الا الوليد بن مسلم (¬1) ، وتابعه على ذلك يحيى بن راشد -ان صح- عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تابع مالكا على ارساله الثوري وحفص بن ميسرة الصنعاني ومحمد بن أبي جعفر بن كثير وداود بن قيس الفراء فيما روى عنه القطان، ووصل هذا الحديث وأسنده من الثقات- على حسب رواية الوليد بن مسلم له عن مالك- عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، ومحمد بن عجلان، وسليمان بن بلال ومحمد بن مطرف: أبو غسان، وهشام بن سعد، وداود بن قيس في غير رواية القطان؛ والحديث متصل مسند صحيح لا يضره تقصير من قصر به في اتصاله لأن الذين وصلوه حفاظ مقبولة زيادتهم)) (¬2) . انتهى كلام ابن عبد البر. وقبل ابن عبد البر سأل الأثرم شيخه - الامام أحمد - عن حديث أبي سعيد المرفوع في السهو. قال له: ((أتذهب اليه؟ فقال الامام احمد: نعم أذهب اليه، فقال ¬

(¬1) روايته عند ابن حبان (الاحسان: 2663) (¬2) التمهيد 5/18-19.

أثر ذلك في اختلاف الفقهاء

الأثرم: انهم يختلفون في اسناده؟ فقال: الامام أحمد انما قصر به مالك وقد أسنده عدة: ابن عجلان وعبد العزيز بن أبي سلمة)) (¬1) . وهذا الحديث تناوله الدارقطني في علله (¬2) وانتهى الى ترجيح الرواية المسندة (¬3) أثر ذلك في اختلاف الفقهاء اختلف الفقهاء في موضع سجود السهو؛ فذهب أكثر أهل العلم الى تصحيح الرواية الموصولة وأخذوا بالحديث السابق وقالوا: ان السجود كله قبل السلام، وهو قول أكثر الفقهاء واليه ذهب الشافعي وأحمد في رواية (¬4) وحديث أبي سعيد نص صريح على أن السجود في الزيادة قبل السلام. واستدلوا أيضا بما رواه عبد الله بن بحينة؛ قال: ((صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين من بعض الصلوات. ثم قام فلم يجلس. فقام الناس معه فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم. ثم سلم (¬5)) ) . ¬

(¬1) نقله ابن عبد البر في التمهيد 5/25. (¬2) 11/260-263 س (2274) (¬3) والرواية المسندة: أخرجها ابن أبي شيبة 2/25، وأحمد 3/72 و 83 و 84 و 87، والدارمي (1503) ، ومسلم 2/84 رقم (571) ، وأبو داود 1/269 رقم (1024) ، وابن ماجه 1/382 رقم (1210) ، والنسائي 3/27، وابن خزيمة (1023) و (1024) ، وأبو عوانة 2/193، والطحاوي في شرح المعاني 1/433، والدارقطني 1/375، والبيهقي 2/331 من طرق: عن زيد بن أسلم، عن عطاء عن أبي سعيد، به. (¬4) المجموع 4/155، المغني 1/674، تنقيح التحقيق 1/983، حلية العلماء 2/178. (¬5) صحيح البخاري 2/85 رقم (1224) ، صحيح مسلم 2/83 رقم (570) ، واللفظ لمسلم.

وهذا صريح في أن السجود من النقص يكون قبل السلام. وخالف في ذلك جماعة من الفقهاء: فذهب بعضهم الى أن السجود كله بعد السلام. وروي هذا عن بعض السلف واليه ذهب أبو حنيفة (¬1) . والحجة لهم: 1- ما صح عن زياد بن علاقة قال: ((صلى بنا المغيرة بن شعبة؛ فنهض في الركعتين؛ فسبح به من خلفه؛ فأشار اليهم: قوموا؛ فلما فرغ من صلاته وسلم، ثم سجد سجدتين للسهو؛ فلما انصرف، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع كما صنعت)) (¬2) قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح، وهو دليل على أن السجود من النقص يكون بعد السلام)) 2- ما صح عن أبي هريرة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين فقال ذو اليدين: أقصرت الصلاة، أم نسيت يارسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين أخريين، ثم سلم، ثم كبر فسجد ... الحديث (¬3) . ¬

(¬1) الهداية 1/51، بدائع الصنائع 1/172. (¬2) أخرجه الطيالسي (695) ، وأحمد 4/247 و 253 و 254، والدارمي (1509) ، والترمذي 2/201 رقم (365) ، وأبو داود 1/272 رقم (1036) و (1037) ، وابن ماجه 1/381 رقم (1208) ، والدارقطني 1/378 و 379، والبيهقي 2/343 من طريق قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة. (¬3) أخرجه البخاري 1/183 رقم (714) و 2/86 رقم (1228) و 9/108 رقم (7250) ، ومسلم 2/86 رقم (573) ، وأبو داود 1/264 رقم (1008) و (1009) ، والترمذي 2/247 رقم (399) ، والنسائي 3/22.

وهذا دليل على أن السجود من الزيادة يكون بعد السلام أيضا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم. وفي رواية مسلم: أنه عليه الصلاة والسلام ((قام فدخل المنزل)) والكلام والمشي زيادة (¬1) . 3- عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل سهو سجدتان بعد السلام)) (¬2) ضعفه البيهقي باسماعيل بن عياش (¬3) . وأجيب: بأن اسماعيل اذا حدث عن أهل بلده فروايته عنهم صحيحة وهذا منها (¬4) . الا أن علة الحديث عندي زهير بن سالم العنسي فهو وان قال فيه الحافظ ابن حجر: ((صدوق فيه لين وكان يرسل)) (¬5) الا أنه ضعيف. قال الامام الدارقطني: ((حمصي منكر لم يسمع من ثوبان)) (¬6) وذهب بعض الفقهاء الى: أن السجود اذا كان عن نقص في الصلاة فمحله قبل السلام، واذا كان عن زيادة فمحله بعد السلام. وهو مذهب مالك وقول للشافعي، ورواية عن أحمد (¬7) ¬

(¬1) فقه الامام سعيد 1/262. (¬2) أخرجه أبو داود 1/272 رقم (1038) ، وابن ماجه 1/385 رقم (1219) ، والبيهقي 2/337، والمزي في تهذيب الكمال 9/407. (¬3) السنن الكبرى 2/337. (¬4) فقه الامام سعيد 1/262. (¬5) التقريب 1/264. (¬6) ميزان الاعتدال 2/83. (¬7) المجموع 4/155، المغني 1/674، حلية العلماء 2/178.

الفرع الثاني: تعارض الوقف والرفع

والحجة لهم: حديث عبد الله بن بحينة السابق؛ فان النبي صلى الله عليه وسلم سجد لتركه التشهد الأول سجدتين قبل السلام؛ وهذا من نقص في الصلاة؛ فحملوا عليه كل نقص وجعلوا السجود لأجله قبل السلام. وحديث ذي اليدين؛ فان النبي صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام؛ لما حصل في الصلاة من زيادة الكلام والمشي؛ فحملوا عليه كل زيادة وجعلوا السجود لأجلها بعد السلام (¬1) وذهب بعضهم الى: أن السجود كله قبل السلام الا في موضعين فيكون بعد السلام، وهما: اذا سلم من نقص في صلاته، أو تحرى الامام فبنى على غالب ظنه. وبذلك قال أبو حنيفة، وسليمان بن داود. وهو رواية عن أحمد واختاره بعض الشافعية (¬2) . والحجة لهم: أن السجود انما شرع لجبر خلل وقع في الصلاة؛ فالمعقول أن يكون محله قبل السلام، ويستثنى من ذلك ما ورد النص بأنه يكون بعد السلام؛ وقد ورد ذلك في النقص، وهو: حديث عبد الله ابن بحينة. وفيما اذا تحرى الشاك فبنى على غالب ظنه؛ وذلك لما روي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين)) (¬3) الفرع الثاني: تعارض الوقف والرفع كثيرا ما نجد في كتب الحديث أحاديث رويت مرفوعة (¬4) الى النبي صلى الله عليه وسلم ثم ¬

(¬1) فقه الامام سعيد 1/262. (¬2) المغني 1/674، فقه الامام سعيد 1/263. (¬3) أخرجه أبو داود 1/268 رقم (1020) ، وأنظر فقه الامام سعيد 1/263. (¬4) المرفوع: - هو ما أضيف الى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير. علوم الحديث ص41.

نجد الحديث قد روي عن الصحابي موقوفا (¬1) من قوله، فاذا حصل هذا في حديث ما فانه يكون محل نظر وخلاف عند المحدثين، وخلاصة ذلك ما يأتي: فاذا كان السند نظيفا خاليا من بقية العلل؛ فان للعلماء فيه الاتجاهات الآتية: أولا: يحكم للحديث بالرفع؛ لأن راويه مثبت وغيره ساكت، ولو كان نافيا فالمثبت مقدم على النافي؛ لأنه علم ما خفي (¬2) . ثانيا: الحكم للوقف (¬3) . ثالثا: التفصيل. فالرفع زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، الا أن يقفه الأكثر ويرفعه واحد؛ لظاهر غلطه (¬4) . رابعا: يحمل الموقوف على مذهب الراوي والمسند على أنه روايته فلا تعارض (¬5) . وقد رجح الامام النووي الأول (¬6) . والذي يبدو لي - من صنيع النقاد-: أنهم في مثل هذه الأحوال لا يجزمون بشيء لأول وهلة، وانما يوازنون ثم يحكمون، مما يدل على أن الحكم عندهم لا يناط بقاعدة كلية مطلقة؛ لذلك فان ما أطلق الامام النووي ترجيحه يمكن أن يكون مقيدا ¬

(¬1) الموقوف: - هو ما أضيف الى الصحابي من قوله أو فعله أو نحوه. علوم الحديث ص41. (¬2) فتح المغيث 1/177، التنكيل 2/22، شرح ألفية السيوطي ص29، قواعد التحديث ص118، لمحات في أصول الحديث 279. (¬3) المصادر السابقة. (¬4) المصادر السابقة. (¬5) المصادر السابقة. (¬6) مقدمة شرح النووي على صحيح مسلم ج1/25.

على النحو الآتي: الحكم للرفع- لأن راويه مثبت وغيره ساكت، ولو كان نافيا فالمثبت مقدم على النافي؛ لأنه علم ما خفي- الا اذا قام لدى الناقد دليل أو ظهرت قرائن يترجح له معها الوقف. وقد يروى الحديث مرفوعا وموقوفا وكلاهما ضعيف لكن الحفاظ يرجحون أحدهما على الأخرى؛ اذا كان أقل ضعفا مثال ذلك: حديث الترمذي (¬1) قال: حدثنا علي بن حجر، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن معاوية بن يحيى، عن الزهري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤذن الا متوضيء)) . ثم ساق سندا آخر (¬2) : من طريق يونس بن يزيد الأيلي (¬3) ، عن أبن شهاب (¬4) ، قال: قال أبو هريرة: ((لا ينادي بالصلاة الا متوضيء)) . ثم قال الترمذي: ((وهذا اصح (¬5) من الحديث الأول)) . وأخرجه البيهقي (¬6) : من طريق معاوية بن يحيى الصدفي ثم قال: ((هكذا رواه ¬

(¬1) جامع الترمذي 1/389 رقم (200) . وأنظر تحفة الأشراف 10/367 حديث (14603) . (¬2) جامع الترمذي 1/390 رقم (201) ، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة 1/211، والبيهقي 1/397. (¬3) وهو ثقة انظر تقريب التهذيب 2/386. (¬4) وهو الزهري الذي دار عليه الحديث كما في تحفة الأشراف 10/367 حديث (14603) ، والمسند الجامع 16/671، حديث (12966) (¬5) ليس المراد هنا بالأصحية الاصطلاحية، لكن الأرجح أو الأقل ضعفا. اعلال السنن 1/56 قواعد التحديث 82. (¬6) السنن الكبرى 1/397.

معاوية بن يحيى الصدفي، والصحيح رواية يونس بن يزيد الأيلي وغيره، عن الزهري قال: قال أبو هريرة: ((لا ينادي بالصلاة الا متوضيء)) . فرواية الرفع خطأ، أخطأ فيها معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف (¬1) ، والموقوفة ضعيفة أيضا للانقطاع (¬2) بين الزهري وأبي هريرة لكنها أرجح وأقل ضعفا من الرواية المرفوعة. وقد يروى الحديث مرفوعا وموقوفا وكلا الروايتين صحيحتان، ولا تضر الرواية الموقوفة الرواية المرفوعة. مثال ذلك: - حديث علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه-: ((ينضح من بول الغلام ويغسل بول الجارية)) . قال الترمذي في جامعه (¬3) : ((رفع هشام الدستوائي هذا الحديث عن قتادة وأوقفه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة ولم يرفعه)) . وقال الحافظ ابن حجر (¬4) : ((اسناده صحيح الا أنه اختلف في رفعه ووفقه، وفي وصله وارساله وقد رجح البخاري صحته وكذا الدارقطني)) . والرواية المرفوعة: رواها معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، فذكره مرفوعا (¬5) . ¬

(¬1) تقريب التهذيب 2/361. (¬2) انظر تهذيب التهذيب 9/477، والامام الزهري للدكتور حارث ص98. (¬3) 2/510 عقيب حديث (610) (¬4) تلخيص الحبير 1/50. (¬5) أخرجها أحمد 1/76 و 97 و 137، وأبو داود 1/103 رقم (378) ، وابن ماجه 1/174 رقم (525) ، والترمذي 2/509 رقم (610) ، والبزار (717) ، وأبو يعلى (307) ، وابن خزيمة (284) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/92، وابن حبان (1375) ، والدارقطني 1/129، والحاكم 1/165، والبيهقي 2/415، والبغوي (296) .

نموذج لهذه الصورة

والرواية الموقوفة: رواها يحيى بن سعيد، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي حرب بن أبي ألأسود، عن أبيه، عن علي، فذكره موقوفآ (¬1) . وهكذا صحح الحديث ابن حبان (¬2) ، والحاكم (¬3) ، ولم يتعقبه الذهبي، ونقل صاحب عون المعبود (¬4) عن المنذري: ((وقال البخاري: سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه وهشام يرفعه وهو حافظ)) . وهكذا صحح البخاري وغيره رفع الحديث، مع أنه قد صح موقوفا أيضا؛ وهذا يدل على أن الحديث اذا صح رفعه ووقفه، فان الحكم عندهم للرفع ولا تضره الرواية الموقوفة الا اذا قامت قرائن تدل على أن الرفع خطأ. نموذج لهذه الصورة وما دمنا قد تكلمنا في حديث علي -كرم الله وجهه- فلنذكر اختلاف الفقهاء في كيفية التطهر من بول الأطفال. وقبل أن أذكر آراء الفقهاء، أذكر جملة من الأحاديث المتعلقة بالمسألة لأحيل عليها عند الاشارة الى الأدلة طلبا للاختصار؛ فأقول: 1- صح عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ((أتي النبي صلى الله عليه وسلم بصبي، فبال على ثوبه، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فأتبعه اياه)) رواه مالك (¬5) ، وزاد مسلم (¬6) في روايته: ((ولم يغسله)) . 2- صح عن أم قيس بنت محصن؛ أنها أتت بابن لها صغير - لم يأكل الطعام - الى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأجلسه في حجره، فبال على ¬

(¬1) أخرجها عبد الرزاق (1488) ، وابن أبي شيبة 1/121، وأبو داود 1/103 رقم (377) ، والبيهقي 2/415. (¬2) الاحسان رقم (1375) (¬3) المستدرك 1/165. (¬4) 1/145. (¬5) الموطأ ج1/109 رقم (164) ، ومن طريق مالك أخرجه البخاري 1/65 رقم (222) . (¬6) الجامع الصحيح 1/164 رقم (286)

ثوبه؛ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء، فنضحه ولم يغسله، رواه مالك والشيخان (¬1) . 3- حديث علي -كرم الله وجهه- وقد سبق- ((ينضح من بول الغلام، ويغسل بول الجارية)) . ورواه النسائي (¬2) عن أبي السمح بلفظ: ((يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام)) . وقد اختلف الفقهاء في الاحكام المستفادة من هذه الآحاديث على مذاهب أشهرها - ما يأتي: المذهب الأول: يرى أن التطهير من بول الرضيع- كالتطهير من بول الكبير - انما يكون بغسله، لا فرق في ذلك بين بول رضيع أكل الطعام أو لم يأكل، كما أنه لا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى. والى ذلك ذهب أبو حنيفة، وهو المشهور عن مالك على خلاف بينهما في كيفية الغسل الذي يجزئ في التطهير من النجاسة: فان أبا حنيفة يشترط لتطهير النجاسة ¬

(¬1) الموطأ 1/109 رقم (165) ، صحيح البخاري 1/66 رقم (223) ، صحيح مسلم 1/164 رقم (287) . (¬2) المجتبى: 1/158.

غير المرئية تعدد مرات غسلها - ثلاثا أو سبعا- والعصر بعد كل غسلة، ولم يشترط مالك أكثر من صب الماء على النجاسة بحيث يغمرها، ويذهب لونها وطعمها ورائحتها ولا يشترط لازالة النجاسة امرار اليد والعصر ونحو ذلك (¬1) وقد حملوا ((اتباع الماء)) و ((نضحه)) و ((رشه)) ، هذه الالفاظ كلها حملوها على معنى الغسل، وقد أفاض الطحاوي في ايراد الآثار الدالة على أن هذه الالفاظ قد تطلق ويراد بها الغسل (¬2) . لكن هذا يؤخذ عليه: أن هذه الالفاظ وان كانت تطلق أحيانا على الغسل فان الحال في مسألتنا هذه لا يحتمل ذلك؛ لأنه يؤدي الى تناقض تتنزه عنه نصوص الشريعة، فحديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قد جاء بلفظ: ((فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فاتبعه اياه ولم يغسله)) . فاذا جعل أتبعه بمعنى غسله فان المعنى حينئذ يكون: فغسله ولم يغسله. وكذلك حديث ام قيس بنت محصن قد جاء بلفظ: ((فنضحه ولم يغسله)) . فلو حمل النضح على معنى الغسل لكان التقدير: فغسله ولم يغسله، وهذا تناقض غير معقول. وأيضا فان النبي صلى الله عليه وسلم عطف الغسل على النضح في حديث علي -كرم الله وجهه- وعطف الرش على الغسل في حديث أبي السمح - رضي الله عنه- والعطف يقتضي المغايرة. فلو أريد بهما معنى واحدا لكان عبثا يتنزه عنه الشارع (¬3) المذهب الثاني: نسب الى الشافعي قول: بأن بول الصبي الذي لم يأكل الطعام ¬

(¬1) الاختيار 1/40-44، المنتقى شرح الموطأ 1/128. (¬2) شرح معاني الآثار 1/93. (¬3) فقه الامام سعيد بن المسيب 1/37.

طاهر. ونسبت رواية الى مالك: أنه لا يغسل بول الجارية ولا الغلام قبل أن يأكلا الطعام. لكن ذكر الباجي: أن هذه الرواية عن مالك شاذة. وذكر النووي: أن نقل هذا القول عن الشافعي خطأ (¬1) . لذلك فلا حاجة للتعليق على هذا المذهب. المذهب الثالث: ينضح بول الطفل الرضيع الذي لم يأكل الطعام، فاذا أكل الطعام كان حكم بوله كحكم بول الكبير يغسل. وقد فسر هذا المذهب النضح: بأنه غمر موضع البول ومكاثرته بالماء مكاثرة لا يبلغ جريانه وتردده وتقطره. فهو بمعنى الغسل الذي سبق ذكره عن مالك (¬2) وقد اعتمد هذا المذهب حديث أم قيس بنت محصن، فقد جاء بلفظ: ((أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام ... الخ وقد اعترض ابن حزم - القائل: بأن النضح يكفي في التطهير من بول الذكر كبيرا أو صغيرا -: بأن تخصيص ذلك بالصبي الذي لم يأكل ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لذلك فالحديث لا دلالة فيه على هذا التحديد (¬3) . ويجاب عن ذلك: بأن نجاسة الأبوال المستتبعة لوجوب غسلها كل ذلك متيقن بالاحاديث العامة الدالة على ذلك: كحديث أبي هريرة مرفوعا: ((استنزهوا من البول؛ فان عامة عذاب القبر منه)) (¬4) . ¬

(¬1) المنتقى شرح الموطأ 1/128، شرح مسلم للنووي 3/135. (¬2) المجموع 2/596، المغني 1/735. (¬3) المحلى 1/101. (¬4) رواه ابن خزيمة وصححه على ما ذكر الحافظ في الفتح 1/233، ولم أقف عليه في المطبوع من صحيح ابن خزيمة.

وحديث ابن عباس في القبرين اللذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صاحبيهما يعذبان، وقال: ((أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستنزه من البول)) (¬1) . فنجاسة بول الآدمي ووجوب غسله كل ذلك متيقن بهذه الاحاديث، وتخصيص بول الصبي الذي لم يأكل الطعام بالنضح متيقن بحديث أم قيس بنت محصن، وما عدا ذلك مشكوك فيه، فلا يترك اليقين للشك (¬2) . والاكتفاء بالنضح في التطهير من بول الرضيع خصه أحمد وجمهور الشافعية بالصبي الذي لم يأكل الطعام، أما بول الصبية فلا يجزى فيه الا الغسل (¬3) . أما الشافعي نفسه فقد نص على جواز الرش على بول الصبي ما لم يأكل الطعام، واستدل على ذلك بالحديث، ثم قال: ((ولا يبين لي في بول الصبي والجارية فرق من السنة الثابتة، ولو غسل بول الجارية كان أحب الي احتياطا، وان رش عليه ما لم تأكل الطعام اجزأ، ان شاء الله تعالى)) (¬4) . وقد ذكر النووي -رحمه الله تعالى-: انه لم يذكر عن الشافعي غير هذا، وقال: قال البيهقي: كأن أحاديث الفرق بين بول الصبي والصبية لم تثبت عند الشافعي. وقول الشافعي هذا مروي عن النخعي، وهو رواية عن الأوزاعي ووجه لبعض الشافعية، ووصفه النووي: بأنه ضعيف (¬5) ¬

(¬1) أخرجه البخاري 1/65 رقم (218) ، ومسلم 1/166 رقم (292) (¬2) فقه الامام سعيد بن المسيب 1/36. (¬3) المغني 1/734، المجموع 2/595. (¬4) المجموع 2/595-597. (¬5) المصدر السابق.

وهنا يأتي دور حديث علي -كرم الله وجهه- ومثله حديث أبي السمح -رضي الله عنه- خادم النبي صلى الله عليه وسلم - فهي أحاديث ثابتة، وقد فرقت بين بول الصبي وبين بول الصبية. وقد ثبت هذا عند أحمد؛ لذلك أخذ به وفرق بينهما في الحكم، أما الشافعي فقد صرح بأنه لم يثبت عنده من السنة ما يفرق بينهما؛ لذلك رأى ان النضح يكفي فيهما وان كان الأحب اليه غسل بول الصبي احتياطا؛ ولو ثبتت عند الشافعي هذه الأحاديث لأخذ بها - فهذا هو شأنه وشأن الفقهاء كافة لا يتخطون السنة الثابتة عندهم الى غيرها ما لم يكن لها عندهم معارض- ولذلك أطبق أصحاب الشافعي على الفرق في الحكم بين بول الصبي والصبية لما ثبتت عندهم هذه الأحاديث. وقد تترجح الرواية الموقوفة اذا كان رواتها أوثق: مثال ذلك حديث ابن عمر الآتي: روى الدارقطني (¬1) بسنده من طريق الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عمر: ((انه جمع بين حج وعمرة، فطاف لهما طوافين وسعى سعيين، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صنعت)) . وروى الدارقطني (¬2) من طريق الحسن بن عمارة، عن علي -كرم الله وجهه- مرفوعا نحو هذا، وقال: ((لم يروهما غير الحسن بن عمارة، وهو متروك)) . وقد ضعف الحسن بن عمارة. أبو داود الطيالسي، والعقيلي وغيرهما (¬3) . على ان الحديث قد روي من طرق أخرى مرفوعا وموقوفا بخلاف هذا: فقد رواه أحمد بن أبي بكر الزهري، قال: أخبرنا الدراوردي، عن عبيد الله بن ¬

(¬1) سنن الدارقطني 2/258. (¬2) سنن الدارقطني 2/258. (¬3) نصب الراية 3/110، ميزان الاعتدال 1/513 وما بعدها.

عمر، عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: ((من جمع بين الحج والعمرة طاف لهما طوافا واحدا ثم لم يحل حتى يحل من حجه)) . وهذا اسناد ضعيف؛ فان الدراوردي وهو عبد العزيز بن محمد، عن عبيد الله ابن عمر منكر كما نص عليه الامام النسائي (¬1) . والحديث أخرجه البيهقي (السنن الكبرى: 5/107) من طرق عن أحمد بن أبي بكر الزهري، بهذا الاسناد. وأخرجه أحمد (المسند:2/67) ، والدارمي (السنن:1851) ، والترمذي (الجامع: 3/284 رقم 948) ، وابن ماجه (السنن: 2/991 رقم 2975) ، والدارقطني (السنن:2/257) ، والطحاوي (شرح المعاني: 2/197) من طرق عن الدراوردي، به. وقال الترمذي: ((حسن صحيح غريب (¬2) ، تفرد به الدراوردي، وقد رواه غير واحد عن عبيد الله ولم يرفعوه وهو أصح)) وقد أورده ابن التركماني في الجوهر النقي (¬3) وذكر قول الترمذي ثم قال: ((وفي الاستذكار: لم يرفعه أحد عن عبيد الله غير الدراوردي وكل من رواه غيره (¬4) أوقفه على ابن عمر)) . وقال الطحاوي: ((هذا الحديث خطأ، أخطأ فيه الدراوردي فرفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم، ¬

(¬1) تقريب التهذيب 1/512. (¬2) في تحفة الاشراف 6/156 عقيب (8029) : ((حسن غريب)) وهو أصوب؛ لما بعده وكذا نقله الزيلعي في نصب الراية 3/108 عن الترمذي. (¬3) 5/107. (¬4) الرواية الموقوفة في صحيح مسلم 4/50-51 رقم (1230) ، وقد رواه عن عبيد الله: يحيى القطان، وعبد الله بن نمير.

نموذج لأثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء: صفة حج القارن

وانما اصله عن ابن عمر، عن نفسه، هكذا رواه جماعة الحفاظ، وهم مع هذا لا يحتجون بالدراوردي عن عبيد الله اصلا)) (¬1) . نموذج لأثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء: صفة حج القارن من المعلوم ان صفة الإحرام بالنسك له ثلاثة اوجه: التمتع، والافراد، والقران: فالتمتع هو: ان يحرم بعمرة مفردة من الميقات في أشهر الحج، فاذا فرغ منها أحرم بالحج من عامه ذلك. والمتمتع يحرم بالحج من مكة، أو أي مكان بالحرم. أما الافراد فهو: ان يهل مريد النسك بالحج مفردا ثم اذا فرغ من الحج، وأراد العمرة أهل بها من الحل. أما القران فهو: ان يجمع بين الحج والعمرة في الاحرام بهما. أو يحرم بالعمرة ويدخل عليها الحج (¬2) . والذي يعنينا هنا صفة حج القارن؛ فقد اختلف الفقهاء فيه على مذهبين: المذهب الأول: ان القارن اذا دخل مكة طاف للعمرة وسعى، ثم يبدأ أعمال الحج: فيطوف للقدوم ويواصل اعمال الحج من وقوف ورمي وطواف ركن وسعي، وهكذا. ولا يحلق بين العمرة والحج؛ لأن في ذلك جناية على احرام الحج، وانما يحلق في يوم النحر كما يحلق المفرد. فعلى هذا المذهب: لا يكفي طواف الافاضة للحج والسعي بعده عن الطواف والسعي. انما لا بد أن ¬

(¬1) شرح معاني الآثار 2/197. (¬2) المغني 3/210 و 232.

يطوف ويسعى للعمرة، ثم لا بد بعد ذلك من طواف وسعي للحج أيضا. وقد قال بهذا بعض السلف، ويروى عن الشعبي وجابر بن زيد وعبد الرحمن بن الأسود، وبه قال الثوري والحسن بن صالح، وهو مذهب أبي حنيفة، ورواية عن احمد (¬1) . ومن الحجة لأصحاب هذا المذهب: ¬

(¬1) المغني 3/494، الهداية مع فتح القدير 2/204، المحلى 7/175، شرح السنة 7/84.

حديث ابن عمر من رواية الحسن بن عمارة، وقد سبق، فقد نص على طوافين وسعيين. وقد احتجوا أيضا: بأحاديث أخرى مرفوعة وآثار عن الصحابة وعضدوا ذلك بقوله تعالى: ((وأتموا الحج والعمرة لله)) (¬1) . قالوا: واتمامهما ان يأتي بأفعالهما على وجه الكمال، ولم يفرق بين القارن وغيره. قالوا: ولأنهما نسكان فكان لهما طوافان كما لو كانا منفردين (¬2) المذهب الثاني: ان القارن اذا كان دخل مكة طاف طواف القدوم ثم يفعل ما يفعل المفرد، ويكفيه طواف الافاضة للحج والسعي له عن الطواف والسعي للعمرة؛ بمعنى: أنه يكفيه للنسكين طواف واحد وسعي واحد. وهذا قول أكثر أهل العلم، وروي هذا عن جماعة من الصحابة، وهو قول ابن عمر وجابر بن عبد الله، وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد، وهو مذهب مالك والشافعي، وأحمد في أشهر الروايتين عنه (¬3) . ومن الحجة لأصحاب هذا المذهب: حديث ابن عمر من رواية عبيد الله بن عمر، عن نافع، وقد سبق، فقد نص على طواف واحد للنسكين. وهم وان رجحوا وقفه على ابن عمر الا أن معناه، ورد في أحاديث وآثار صحاح، منها: 1- حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وفيه: ((واما الذين كانوا أهلوا بالحج، أو جمعوا الحج والعمرة فانما طافوا طوافا واحدا)) (¬4) . وفي لفظ لمسلم (¬5) قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: ((يسعك طوافك لحجك وعمرتك)) . 2- حديث جابر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة. فطاف لهما طوفا واحدا (¬6) . 3- حديث ليث بن أبي سليم، عن عطاء وطاوس ومجاهد، عن جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطف هو وأصحابه لعمرتهم وحجتهم، حين قدموا، الا طوافا واحدا (¬7) . ومثال ذلك أيضا: حديث ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الشفق الحمرة، فاذا غاب الشفق وجبت الصلاة)) . رواه الدارقطني (¬8) ، ورواه البيهقي مرفوعا وموقوفا ¬

(¬1) سورة البقرة الآية 196. (¬2) المغني 3/494. (¬3) المغني 3/494، المحلى 7/175، شرح السنة 7/84. (¬4) أخرجه مالك 1/450 رقم (942) ، ومسلم 4/29 رقم (1211) (¬5) الجامع الصحيح 4/34 رقم (1211) (132) (¬6) أخرجه الترمذي 3/283 رقم (947) وقال: ((حسن)) وانظر تحفة الاشراف 2/291 حديث (2677) (¬7) أخرجه ابن ماجه 2/990 رقم (2972) ؛ وأبو يعلى (2498) ، واسناده ضعيف لضعف ليث. وأنظر تقريب التهذيب 2/138، ومصباح الزجاجة (الورقة 188) . (¬8) سنن الدارقطني 1/269.

أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء: أول وقت العشاء

وقال: ((الصحيح أنه موقوف)) (¬1) . وقال شمس الحق آبادي: ((وقال البيهقي في المعرفة: روي هذا الحديث عن عمر وعلي وابن عباس وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس وأبي هريرة ولا يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء)) (¬2) . أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء: أول وقت العشاء أجمع الفقهاء على أن أول وقت العشاء غياب الشفق (¬3) . وذلك لحديث طويل رواه أبو موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا فأقام العشاء حين غاب الشفق)) (¬4) لكنهم اختلفوا في المراد بالشفق هل هو الشفق الأحمر أو الأبيض؟ : فذهب جماعة من الفقهاء الى أن أول وقت العشاء مغيب الشفق الأحمر. وهو مذهب كثير من السلف من الصحابة والتابعين واليه ذهب الشافعي وأحمد، ومالك في أشهر الروايتين عنه. وهو رواية عن أبي حنيفة، اختارها أبو يوسف ومحمد (¬5) . وذهب بعضهم الى أن أول وقت العشاء مغيب الشفق الأبيض. ¬

(¬1) السنن الكبرى 1/373. (¬2) التعليق المغني 1/269-270 (¬3) المجموع 3/42. (¬4) رواه مسلم 2/106 رقم (614) (¬5) البحر الرائق 1/258، تبيين الحقائق 1/80، عمدة القاري 5/56، المغني 1/390، حاشية الدسوقي 1/178، مغني المحتاج 1/122، المجموع 3/35، فقه الامام سعيد 1/171.

وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين واليه ذهب أبو حنيفة في اظهر الروايتين عنه، وقد اختارها الطحاوي، وهو رواية عن مالك، وقد اختاره المزني وابن المنذر من أصحاب الشافعي (¬1) . وقد احتج أصحاب المذهب الأول بما يأتي: 1- حديث ابن عمر الذي سبق ذكره. 2- أن تفسير الشفق بالحمرة، قد ورد عن كثير من أئمة اللغة، منهم: الأزهري، والخليل، والفراء، والجوهري، وغيرهم (¬2) . واحتج أصحاب المذهب الثاني بما يأتي: 1- ان تفسير الشفق بالبياض ورد عن أئمة اللغة، منهم المبرد، وثعلب (¬3) . 2- يدل على أن المراد بالشفق هنا البياض عدة أحاديث، منها: حديث أبي مسعود الأنصاري، قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر حين تزول الشمس)) .. الى أن قال: ((ويصلي العشاء حين يسود الأفق)) (¬4) وحديث طويل لجابر قال: ((سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصلاة)) الى ان قال: ((ثم أذن -يعني: بلال- للمغرب حين غربت الشمس، فأخرها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كاد يغيب بياض النهار، وهو الشفق فيما نرى، ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام الصلاة وصلى، ثم أذن للعشاء حين غاب الشفق (¬5)) . ¬

(¬1) المصادر السابقة. (¬2) المجموع 3/44، تبيين الحقائق 1/80 (¬3) تبيين الحقائق 1/80. (¬4) رواه أبو داود 1/107-108 رقم (394) . (¬5) رواه الطبراني في الأوسط 7/403 رقم (6783) واسناده حسن مجمع الزوائد 1/304.

وحديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت العشاء، فقال: ((اذا ملأ الليل بطن كل واد)) (¬1) . وقد تترجح الرواية المرفوعة لقرائن خاصة كحديث: ((من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له)) . فقد روي (¬2) من طرق عن عبد الله بن وهب، قال: حدثني ابن لهيعة ويحيى بن أيوب، عن عبد الله بن أبي بكر، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله عن أبيه، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يجمع الصيام-الحديث- وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات غير ابن لهيعة لكنه مقرون بيحيى بن أيوب، ثم ان ابن لهيعة صحيح الحديث اذا روى عنه أحد العبادلة الأربعة: عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقريء وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الله بن وهب (¬3) ، وهذا الحديث من رواية عبد الله بن وهب فهي متابعة قوية ليحيى بن أيوب. وقد أخرجه الترمذي (¬4) ، والنسائي (¬5) والبيهقي (¬6) من طرق أخرى، عن يحيى ¬

(¬1) قال الهيثمي في المجمع 1/313: ((رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح)) . قلت: وهو في الاوسط 4/570 رقم (3975) (¬2) أخرجه أبو داود 2/329 رقم (2454) ، وابن خزيمة (1933) ، والدارقطني 2/172، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/325، والبيهقي 4/202، والخطيب في تأريخه 3/92 (¬3) أنظر التقريب 1/444، والعواصم والقواصم 7/180. (¬4) جامع الترمذي 3/108 رقم (730) (¬5) المجتبى 1/320. (¬6) السنن الكبرى 4/202

وحده، قال الترمذي: ((لا نعرفه مرفوعا الا من هذا الوجه، وقد روي عن نافع، عن ابن عمر قوله (¬1) ، وهو أصح، وهكذا روي أيضا هذا الحديث عن الزهري موقوفا (¬2) ، ولا نعلم أحدا رفعه الا يحيى بن أيوب)) . وفي قوله: ((لا نعلم أحدا رفعه الا يحيى)) نظر فقد رواه ابن لهيعة أيضا كما سبق (¬3) . وقال أبو داود: ((رواه الليث واسحاق بن حازم أيضا جميعا عن عبد الله بن أبي بكر مثله، ووقفه على حفصة معمر والزبيدي وابن عينية ويونس الأيلي كلهم عن الزهري)) (¬4) . وقال البيهقي: ((وهذا حديث قد أختلف على الزهري في اسناده، وفي رفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن أبي بكر أقام اسناده ورفعه، وهو من الثقات الأثبات)) (¬5) أقول: لم يتفرد به بل تابعه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، عن ابن شهاب (¬6) . ¬

(¬1) أخرجها مالك 1/388 رقم (788) ، وعبد الرزاق (7787) عن ابن جريج وعبيد الله بن عمر، وأخرجها الطحاوي في شرح المعاني 2/55 عن موسى بن عقبة، ثلاثتهم عن نافع عن ابن عمر موقوفا. (¬2) الرواية الموقوفة أخرجها عبد الرزاق (7786) ، والطحاوي في شرح المعاني 2/55 من طريق الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن حفصة موقوفا (¬3) وكذلك أخرجه أحمد 6/287 عن حسن بن موسى، عن أبن لهيعة، به (¬4) السنن 2/329 عقيب (2454) (¬5) السنن الكبرى 4/202. (¬6) عند النسائي 1/320، وعند ابن حزم في المحلى 6/162، والبيهقي 4/202 من طرق عن عبد الرزاق عنه.

قال عنه ابن حزم (¬1) : ((وهذا اسناد صحيح ولا يضر اسناد ابن جريج (¬2) له أن أوقفه معمر ومالك وعبيد الله ويونس وابن عينية؛ فابن جريج لا يتأخر عن أحد من هؤلاء في الثقة والحفظ، والزهري واسع الرواية فمرة يرويه عن سالم، عن أبيه، ومرة عن حمزة، عن أبيه، وكلاهما ثقة، وابن عمر كذلك: مرة رواه مسندا، ومرة رواه أن حفصة أفتت به ومرة أفتى هو به؛ وكل هذا قوة للخبر)) . والخلاصة: أن هذا الحديث قد اختلف في رفعه ووقفه: وقد صحح رفعه الدارقطني (¬3) ، والخطابي (¬4) ، وابن حزم (¬5) وصحح وقفه البخاري فقال: ((هو خطأ، وهو حديث فيه اضطراب؛ والصحيح عن ابن عمر موقوف (¬6)) . وقال أبو داود: ((لا يصح رفعه)) (¬7) وقال النسائي: ((الصواب عندي موقوف؛ ولم يصح رفعه (¬8)) . ¬

(¬1) المحلى 6/162. (¬2) لقد فات ابن حزم ان ابن جريج مدلس وقد عنعن انظر التقريب 1/520، ومذهب ابن حزم رد رواية المدلس مطلقا حتى ولو صرح بالسماع. انظر مذهب ابن حزم في رد رواية المدلس، احكام الأحكام، له 1/141 وقارن بالعواصم والقواصم 8/236. (¬3) السنن 1/234 (¬4) معالم السنن 2/134. (¬5) المحلى 6/162. (¬6) التعليق المغني 1/234، علل الترمذي الكبير (202) . (¬7) السنن 2/329 عقيب (2454) (¬8) المجتبى 4/196، والسنن الكبرى، له 2/117 عقيب (2649) وزاد في الكبرى: ((وحديث ابن جريج عن الزهري غير محفوظ)) .

أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء: تبييت النية في الصوم المتعلق بزمن بعينه

أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء: تبييت النية في الصوم المتعلق بزمن بعينه نقل ابن قدامة الاجماع على عدم صحة الصوم بغير نية، سواء في ذلك الفرض والتطوع (¬1) . ثم اختلفوا في حكم تبييت النية في الصوم المتعلق بزمن بعينه: كصوم رمضان والنذر المعين: فذهب جمهور الفقهاء: الى أن هذا الصوم لا يصح الا اذا بيتت (¬2) فيه النية من الليل. وبه قال مالك والشافعي وأحمد، واحتجوا بالحديث السابق (¬3) . وقال أبو حنيفة: لا يجب تبييت النية في ذلك، وانما تجزى النية فيه قبل الزوال (¬4) . ولعل الحديث المذكور لم يصح مرفوعا عنده؛ أوحمل النفي فيه على نفي الفضيلة والكمال، وقاس صوم رمضان ونحوه على صوم التطوع، الذي صح فيه حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، قال فاني اذن صائم ... الحديث)) (¬5) . ¬

(¬1) المغني 3/22. (¬2) التبييت: ايقاع نية الصوم ليلا. انظر: (مغني المحتاج: 1/423، فقه الامام سعيد 2/203) (¬3) عمدة القاري 10/353، بداية المجتهد 1/316، مغني المحتاج 1/423، شرح السنة 7/269. (¬4) المغني 3/22، القوانين الفقهية ص117، تبيين الحقائق 1/315، المجموع 6/300، الهداية 1/84. (¬5) أخرجه مسلم 3/159 رقم (1154) ، والترمذي 3/111 رقم (733) ، والنسائي 4/194، وابن خزيمة (2141)

وقد تكون الرواية المرفوعة خطأ والصواب الوقف، وخطأ الرفع سببه الضعفاء. مثال ذلك: - حديث عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر قال: ((ما بلت قائما منذ أسلمت)) فهذا صحيح موقوف أخرجه ابن أبي شيبة والبزار (¬1) ، وقال الهيثمي: ((رجاله ثقات)) (¬2) وقد رفع الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق -وهو ضعيف- (¬3) ، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم أبول قائما فقال: ((يا عمر لا تبل قائما)) (¬4) . قال البوصيري (¬5) بعد أن ضعف سند ابن ماجه: ((وعارضه خبر عبيد الله ابن عمر العمري الثقة المأمون المجمع على تثبيته، ولا يغتر بتصحيح ابن حبان (¬6) هذا الخبر من طريق ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، فانه قال بعده: أخاف أن يكون ابن جريج لم يسمعه من نافع، وقد صح ظنه، فان ابن جريج سمعه من ابن أبي المخارق)) وكذلك ضعف الامام الترمذي الرواية المرفوعة (¬7) وأعلها بعبد الكريم بن أبي ¬

(¬1) المصنف 1/124، والبزار في مسنده (149) وفي كشف الأستار (244) (¬2) مجمع الزوائد 1/106 (¬3) انظر تقريب التهذيب 1/516. (¬4) ورواية عبد الكريم أخرجها ابن ماجه 1/112 رقم (308) ، والبيهقي 1/202، والحاكم 1/285. (¬5) مصباح الزجاجة (الورقة 24) . (¬6) الاحسان 4/271 رقم (1423) ، وقد دلس ابن جريج شيخه الضعيف، الذي اخطأ في رفعه. (¬7) الجامع 1/17 عقيب (12)

أثره في اختلاف الفقهاء: حكم البول قائما

المخارق، ثم ساق رواية عبيد الله الموقوفة وقال: ((وهذا أصح من حديث عبد الكريم)) . أثره في اختلاف الفقهاء: حكم البول قائما اختلف الفقهاء في حكم البول قائما على قولين: القول الأول: ذهب أكثر أهل العلم الى أنه جائز غير مكروه. روي ذلك عن علي وزيد بن ثابت وسعد بن عبادة وغيرهم واليه ذهب مالك (¬1) . واحتجوا بما روي عن حذيفة، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال عليها قائما)) رواه الشيخان وغيرهما (¬2) . القول الثاني: ذهب جماعة من أهل العلم الى كراهيته. واليه ذهب الشافعي وأحمد (¬3) . ومما استدلوا به الحديث السابق، وحديث أم المؤمنين عائشة: ((من حدثكم ان رسول الله كان يبول قائما فلا تصدقوه، ما كان يبول الا قاعدا)) (¬4) . ¬

(¬1) شرح الزرقاني 1/131، مصنف ابن أبي شيبة 1/123، معالم السنن 1/20، المجموع 2/85، المغني 1/156، المدونة 1/24. (¬2) صحيح البخاري 1/66 رقم (225) و 3/177 رقم (2471) ، صحيح مسلم 1/157 رقم (273) ، وأخرجه أبو داود 1/6 رقم (123) ، والترمذي 1/19 رقم (13) _ (¬3) المدونة 1/24، مصنف ابن أبي شيبة 1/123، معالم السنن 1/20، المجموع 2/85، المغني 1/156، شرح الزرقاني 1/131. (¬4) أخرجه الطيالسي (1515) ، وابن أبي شيبة 1/123، وأحمد 6/136، وابن ماجه 1/112 رقم (307) ، والترمذي 1/17 رقم (12) والنسائي 1/26، وابن حبان (الاحسان: 1430) ، والحاكم 1/181، والبيهقي 1/101. وقال الترمذي: ((حديث عائشة أحسن شيء في الباب وأصح)) .

_ ومثاله أيضا: ما أخرجه الدارقطني (¬1) : قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد المقريء، وأبو حاتم الرازي، قالا: حدثنا معلى بن أسد، قال: حدثنا عبد العزيز بن المختار، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس: ((ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل، ولكن يشرعان)) . قال الدارقطني: ((خالفه (¬2) شعبة)) ... ثم ساقه بسنده الى شعبة، عن عاصم، عن عبد الله بن سرجس، قال: ((تتوضأ المرأة وتغتسل من فضل غسل الرجل وطهوره، ولا يتوضأ الرجل بفضل المرأة ولا طهورها)) ... قال: ((وهذا موقوف صحيح، وهو أولى بالصواب)) . وقال البيهقي بعد أن أعله بالوقف: ((وبلغني عن أبي عيسى الترمذي، عن محمد بن اسماعيل البخاري، أنه قال: حديث عبد الله بن سرجس في هذا الباب هو موقوف ومن رفعه فهو خطأ (¬3)) ، وكذا أعله ابن عبد الهادي (¬4) وأجاب بعض العلماء: ان الرفع زيادة ثقة، فهي مقبولة (¬5) . ¬

(¬1) سنن الدارقطني 1/116-117، وأخرجه ابن حزم في المحلى 1/212 من طريق معلى، بهذا الاسناد. (¬2) يعني: عبد العزيز بن المختار. (¬3) السنن الكبرى 1/192-193. (¬4) تنقيح التحقيق 1/218. (¬5) عمدة القارئ 3/86.

أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: حكم التطهر بفضل الطهور

أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: حكم التطهر بفضل الطهور اذا تطهر شخص فأفضل من طهوره، فهل يجوز التطهر به؟ اختلف الفقهاء في ذلك: فذهب بعض الفقهاء الى جواز تطهر المرأة بفضل طهور الرجل، وعدم جواز تطهر الرجل بفضل طهور المرأة مطلقا سواء خلت به أم لا، وهو مذهب الامام سعيد بن المسيب وابن حزم (¬1) . ومما استدلوا به حديث عبد الله بن سرجس السابق، كما يرويه ابن حزم، وبحديث الحكم بن عمرو الغفاري: ((ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى ان يتوضأ الرجل بفضل طهور المراة)) (¬2) . وذهب بعض العلماء الى عدم جواز تطهر كل منهما بفضل طهور الآخر روي ذلك عن أبي هريرة (¬3) ، وحجته حديث عبد الله بن سرجس، من رواية عبد العزيز، عن عاصم. وذهب جمهور العلماء الى جواز تطهر كل منهما بفضل طهور الآخر. وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد في رواية (¬4) واحتجوا بما صح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((كنت أغتسل انا والنبي ¬

(¬1) المجموع 2/191، المحلى 1/213، طرح التثريب 2/39، فتح الباري 1/210. (¬2) أخرجه أحمد 4/213 و 5/66، والبيهقي 1/191، وابن حزم في المحلى 1/212 (¬3) فتح الباري 1/209. (¬4) شرح معاني الآثار 1/26، المجموع 2/191.

الفرع الثالث: تعارض الاتصال والانقطاع

صلى الله عليه وسلم من اناء واحد تختلف ايدينا فيه)) (¬1) وصح: ((انه عليه الصلاة والسلام اغتسل أو توضأ من فضل ما اغتسلت فيه أم المؤمنين ميمونة من الجنابة)) (¬2) . الفرع الثالث: تعارض الاتصال والانقطاع قد يرد حديث ما بسند منقطع، ثم يرد نفس الاسناد من طريق آخر متصلا خاليا من الانقطاع؛ فتختلف لذلك أنظار المحدثين فيه: فمنهم من يرجح الرواية الموصولة، ومنهم من يرجح الرواية المنقطعة، وقد يتوقف بعضهم في ذلك. والأكثر يعتبرون الوصل زيادة فاذا كان من ثقة قبل (¬3) . لكن صنيع المحدثين يشعر بأنه: ليس لذلك ضابط بل قد تترجح الرواية المنقطعة اذا كان رواتها أكثر أو احفظ، وقد تترجح الرواية الموصولة اذا كان رواتها أكثر عددا أو اشد ضبطا وما الى غير ذلك من المرجحات (¬4) . مثال ذلك: حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمر بن الخطاب، قال: ((صلاة السفر وصلاة الفطر، وصلاة الأضحى، وصلاة الجمعة، ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم)) . وقد اختلف العلماء في سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من عمر؛ وسبب ¬

(¬1) أخرجه البخاري 1/74 رقم (261) ، ومسلم 1/176 رقم (321) (¬2) أخرجه مسلم 1/177 رقم (322) ، وابن أبي شيبة 1/33 (¬3) انظر مقدمة الامام النووي في شرحه لصحيح مسلم 1/25 (¬4) انظر نصب الراية 1/336 وجامع الترمذي 5/208 عقيب (2995) ، وكلام ابن المبارك عند النسائي في السنن الكبرى 1/632 عقيب (2072) وعلل ابن ابي حاتم 1/138

اختلافهم في ذلك: اختلافهم في تحديد مولده: فقد نقل بعضهم انه ولد لست سنين بقيت من خلافة عمر (¬1) . بينما نقل آخرون: أنه ولد قبل ذلك، قال أبو نعيم: ((ولد في خلافة الصديق او قبل ذلك، وحدث عن عمر)) (¬2) . هكذا اختلف في سماعه: فالأثر منقطع على رأي من لا يثبت السماع، ومتصل على رأي من يثبت له السماع. وقد أخرج الحديث أحمد (¬3) من طريق وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن زبيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمر، به. وأخرجه ابن ماجه (¬4) ، والبيهقي (¬5) من طريق محمود بن بشر، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد، عن زبيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن عمر، به. وهذا اسناده صحيح، وفيه زيادة كعب بن عجرة، زادها يزيد بن زياد بن أبي ¬

(¬1) تاريخ بغداد 10/200، تهذيب التهذيب 6/261. (¬2) حلية الأولياء 4/353، وكذا جزم الذهبي في سير اعلام النبلاء 4/263 بنحو قول أبي نعيم (¬3) المسند 1/37، وأخرجه النسائي 3/183، والبيهقي 3/200 من طريق سفيان، به. وأخرجه ابن ماجه 1/338 رقم (1063) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/421، وأبو نعيم في الحلية 4/353 من طرق، عن زبيد، به. (¬4) السنن 1/388 رقم (1064) (¬5) السنن الكبرى 3/199.

أثره في اختلاف الفقهاء: حكم قصر الصلاة الرباعية في السفر

الجعد (¬1) وقد رجح أبو حاتم: رواية سفيان الثوري - بدون الزيادة- على رواية يزيد بن زياد بن أبي الجعد (¬2) لكن أخرجه الطحاوي (¬3) من طريق سفيان الثوري، عن زبيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الثقة، عن عمر. أثره في اختلاف الفقهاء: حكم قصر الصلاة الرباعية في السفر اختلف الفقهاء في حكم قصر الرباعية في السفر على قولين: القول الأول: القصر عزيمة، فلا يجوز للمسافر الاتمام عند توفر شرائط القصر. وهو قول جماعة من السلف، وبه قال أبو حنيفة والظاهرية، وهو قول لمالك وبعض الزيدية (¬4) . ومما استدلوا به حديث عمر السابق. القول الثاني: القصر رخصة فيجوز القصر والاتمام، وبه قال الشافعي، وأحمد وهو المشهور من مذهب مالك وبعض الزيدية (¬5) . وقد احتج الجمهور بأدلة منها: 1- قوله تعالى: ((واذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من ¬

(¬1) وهو يزيد بن زياد بن أبي الجعد الأشجعي الكوفي صدوق من السابعة. تقريب التهذيب 2/364. (¬2) علل الحديث 1/138. (¬3) شرح معاني الآثار 1/422. (¬4) شرح معاني الآثار 1/415-428، تبيين الحقائق 1/209، المحلى 4/269، بداية المجتهد 1/120. (¬5) البحر الزخار 3/41، المغني 2/267، المجموع 4/198، مغني المحتاج 1/271، القوانين الفقهية ص199.

الصلاة)) (¬1) . فالآية قد نفت الجناح، وهذا انما يكون في الرخص لا في العزائم. 2- وعن أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: ((انها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة الى مكة، حتى اذا قدمت مكة قالت: يارسول الله، -بأبي أنت وأمي - قصرت وأتممت، وأفطرت وصمت؟ فقال: أحسنت ياعائشة، وما عاب علي)) (¬2) . فقوله عليه الصلاة والسلام لأم المؤمنين ((أحسنت)) وكانت قد أتمت الصلاة، دليل صريح على أن القصر رخصة لا عزيمة. ومثال ذلك أيضا: ما رواه مالك (¬3) ، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب: ان رجلا من بني مدلج - يقال له: قتادة- حذف ابنه بالسيف، فأصاب ساقه، فترى في جرحه فمات. فقدم سراقة بن جعثم على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له. فقال عمر: أعدد على ماء قديد، عشرين ومائة بعير، حتى أقدم عليك، فلما قدم عليه عمر بن الخطاب، أخذ من تلك الابل ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة، ثم قال: أين أخو المقتول؟ قال: هأنذا. قال: خذها. فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس لقاتل شيء)) . وأخرجه ابن ماجه (¬4) عن أبي الأحمر، عن يحيى بن سعيد به -مختصرا. وأخرجه ¬

(¬1) سورة النساء الآية 18 (¬2) رواه النسائي 3/122، والدارقطني وحسنه 1/222، والبيهقي 3/142، وصححه عبد الحق. أنظر التعليق المغني 1/242. (¬3) الموطأ برواية الليثي (2536) ، ورواه عبد الرزاق (17782) ، والشافعي في مسنده (28) ويحيى بن بكير عند البيهقي 8/72 عن مالك، به. (¬4) السنن 2/884 رقم (2646)

البيهقي (¬1) من طريق يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، به أتم منه. وهذا اسناد صحيح لولا الانقطاع، وليس في الرواية ما يدل على أن قتادة من الصحابة - حتى يحكم له بالعدالة- فهو مجهول لا يعرف، وعلى افتراض أنه صحابي فهو منقطع؛ لأن عمرو بن شعيب لم يدرك الا قليلا من الصحابة مثل زينب بنت أبي سلمة، والربيع بنت معوذ، وغالب روايته عن التابعين. (¬2) وقد ورد الحديث موصولا كما رواه الدارقطني (¬3) ، والبيهقي (¬4) من طريق اسماعيل بن عياش عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس للقاتل من الميراث شيء)) . واسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن غير الشاميين (¬5) ، وهذا منها، لكنه لم ينفرد به فقد توبع متابعة قاصرة، فقد أخرجه أبو داود (¬6) ، والبيهقي (¬7) من طريق محمد بن راشد، قال حدثنا سليمان بن موسى، عن عمرو بن شعيب، به. وسليمان بن موسى صدوق فيه بعض لين وخلط قبل موته بقليل (¬8) . ¬

(¬1) السنن الكبرى 6/219 (¬2) تهذيب التهذيب 8/48، التقييد والايضاح 331 وانظر غير مأمور الكاشف للذهبي 2/78-79 بتحقيق الشيخ محمد عوامة فإن فيه فائدة. (¬3) السنن 4/95. (¬4) السنن الكبرى 8/186. (¬5) تقريب التهذيب 1/73. (¬6) السنن 1/189 رقم (4564) (¬7) السنن الكبرى 8/187. (¬8) تقريب التهذيب 1/331

أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: أثر القتل في الارث

ومحمد بن راشد هو المكحولي الدمشقي صدوق يهم (¬1) . فيكون هذا السند ضعيفا، لكنه يتقوى برواية اسماعيل بن عياش، وتعضد أحداهما الأخرى؛ فتتقوى بذلك الرواية الموصولة، ويصبح الحديث حسنا لغيره على أقل أحواله، فيترجح الوصل ويقوى الحديث وقد تصبح الرواية المنقطعة شاهدا للرواية الموصولة، ثم ان له شاهدا من حديث أبي هريرة (¬2) أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: أثر القتل في الارث اذا قتل شخص مورثه فهل يعد هذا القتل مانعا من الارث؟ هذا موضع اختلف فيه الفقهاء: فذهب جماعة من الفقهاء الى أن القاتل لا يرث عمدا كان القتل أو خطأ. وهو مذهب جماعة من السلف من الصحابة ومن بعدهم، منهم: الصديق، وعمر، وعلي، وابن مسعود، وشريح، وطاوس، والشعبي، والنخعي. واليه ذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد (¬3) . واستدلوا بالحديث السابق فهو لم يفرق بين عمد وخطأ. وذهب بعض الفقهاء الى أنه يمنع من الارث القتل العمد، أما الخطأ فلا يمنع من ¬

(¬1) تقريب التهذيب 2/160. (¬2) عند الترمذي 4/370 رقم (2109) ، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (12286) ، وابن ماجه (2645) و (2735) ، والدارقطني 4/96. وسنده ضعيف عندهم. وقال الترمذي: ((هذا حديث لا يصح)) . (¬3) الاختيار 4/241، المغني 7/162، مغني المحتاج 3/25-26، عمدة القاري 23/259، فتح الباري 12/39، فقه سعيد 3/156 وما بعدها.

الفرع الرابع: زيادة رجل في أحد الأسانيد

الارث الا الدية، فان القاتل لا يرث منها شيئا. روي ذلك عن جماعة من التابعين، ومن جاء بعدهم؛ منهم: عطاء، ومكحول، والزهري، وهو رواية عن سعيد بن المسيب واليه ذهب مالك (¬1) ، وحجتهم ما يأتي: 1- عموم آيات المواريث، فانها أثبتت ميراث من ورثه الله تعالى فيها، فلا يستثنى منهم أحد الا بدليل، ولم يثبت في استثناء القاتل خطأ اجماع ولا دليل صحيح. وحملوا حديث عمر على القتل العمد. 2- ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم فتح مكة فقال: ((لا يتوارث أهل ملتين، والمرأة ترث من دية زوجها وماله، وهو يرث من ديتها ومالها، ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدا، فان قتل أحدهما صاحبه عمدا لم يرث من ديته وماله شيئا، وان قتل صاحبه خطأ ورث من ماله ولم يرث من ديته)) (¬2) . وذهب بعض الفقهاء الى أن القتل غير مانع وان كان عمدا. روي ذلك عن سعيد بن جبير، وهو رواية عن سعيد بن المسيب (¬3) وقد استدلوا بعموم آية المواريث؛ فانها تتناول القاتل وغيره. ولم تثبت عندهم أدلة تخص هذا العموم. وقد عد بعض العلماء هذا القول شاذا مخالفا لاجماع الصحابة (¬4) الفرع الرابع: زيادة رجل في أحد الأسانيد اذا روي حديث بأسانيد متعددة، وكان مداره على رجل واحد، وزيد في أحد ¬

(¬1) المغني 7/161، المنتقى 7/108، الاشراف 2/329 فقه الامام سعيد 3/156. (¬2) رواه البيهقي في السنن الكبرى 6/221. (¬3) المغني 7/161، فقه الامام سعيد 3/158. (¬4) أنظر المصدرين السابقين.

الأسانيد رجل ونقص من بقية الأسانيد، ولم نستطع الترجيح بين الروايات مما يدل على ان الخطأ من الذي دار عليه الاسناد فرواه مرة هكذا، ومرة هكذا، فتبين لنا ان هذا الراوي لم يضبط هذا الحديث فيحكم على الحديث بالاضطراب ويتوقف الاحتجاج به حتى نجد له ما يعضده من متابعات أو شواهد ترفعه من الضعف الى حيز القبول (¬1) . مثال ذلك: حديث: ((الفخذ عورة)) فالحديث يرويه: زرعة، عن جرهد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ساق الزيلعي (¬2) الاختلاف في الحديث، ونقل عن ابن القطان قوله: ((وحديث جرهد له علتان، أحدهما: الاضطراب المؤدي لسقوط الثقة به، وذلك أنهم مختلفون فيه: فمنهم من يقول: زرعة بن عبد الرحمن، ومنهم من يقول: زرعة بن عبد الله، ومنهم من يقول: زرعة بن مسلم. ثم من هؤلاء من يقول: عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول: عن أبيه، عن جرهد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول: زرعة، عن آل جرهد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وان كنت لا أرى الاضطراب في الاسناد علة، فانما ذلك اذا كان من يدور عليه الحديث ثقة فحينئذ لا يضره اختلاف النقلة عليه: الى مرسل ومسند، أو رافع وواقف، أو واصل وقاطع، وأما اذا كان الذي اضطرب عليه الحديث غير ثقة أو غير معروف فالاضطراب يوهنه أو يزيده وهنا، وهذه حال هذا الخبر وهي العلة الثانية: ان زرعة وأباه غير معروفي الحال ولا مشهوري العدالة)) . والحديث أخرجه احمد (المسند: 3/479) ، والطبراني (المعجم الكبير: 2138) من طريق سفيان، عن أبي الزناد، عن زرعة بن عبد الرحمن، عن جده جرهد: ¬

(¬1) أنظر محاسن الاصطلاح ص204، توضيح الأفكار 2/35. (¬2) نصب الراية 4/241-242

((ان النبي صلى الله عليه وسلم مر به، وقد كشف فخذه فقال: غطها فانها عورة)) . وأخرجه الطحاوي (شرح المعاني: 1/475) من طريق مسعر، عن أبي الزناد، عن زرعة، به. وأخرجه عبد الرزاق (المصنف: 19808) -ومن طريقه أحمد (المسند: 3/478) ، والترمذي (الجامع: 5/103 رقم 2798) - عن معمر، عن أبي الزناد، قال: أخبرني ابن جرهد، عن أبيه، به. وحسنه الترمذي، وقال: ((اسناده عندي ليس بالمتصل)) ، ولعله انما حسنه لما له من شواهد. وأخرجه أحمد (المسند: 3/478) ، والحميدي (المسند: 858) ، والدارقطني (السنن: 1/224) من طريق سفيان قال: حدثنا أبو الزناد، قال: أخبرني آل جرهد، عن جرهد. وأخرجه أحمد (المسند: 3/479) من طريق أبي الزناد، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد، عن جرهد جده ونفر من أسلم سواه ذوي رضى: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على جرهد ... وأخرجه الطيالسي (المسند: 1176) عن مالك بن أنس، عن سالم بن النظر عن ابن جرهد: ان النبي صلى الله عليه وسلم مر به ... وأخرجه أحمد (المسند: 3/478) ، وأبو داود (السنن: 4014) والطحاوي (شرح المعاني:1/475) ، والبيهقي (السنن الكبرى:2/428) من طريق مالك، عن أبي النظر: سالم بن أبي أمية، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد، عن أبيه، عن جده جرهد ... وأخرجه الدارقطني (السنن: 1/224) من طريق سفيان، عن أبي النظر، به. وأخرجه ابن أبي شيبة (المصنف: 9/118) ، والحاكم (المستدرك: 4/180)

من طريق سفيان، عن سالم أبي النظر، عن زرعة بن مسلم بن جرهد، عن جده جرهد. وأخرجه أحمد (المسند:3/478) ، والترمذي (الجامع 5/103 رقم (2797)) ، والطحاوي (شرح المعاني:1/475) من طريق محمد بن عقيل، عن عبد الله بن جرهد، عن أبيه. وقد علقه البخاري (الجامع: 1/103 عقيب (370)) بصيغة التضعيف (¬1) . فهذا الاضطراب الذي سبق بيانه قادح في صحته، ولكن هناك شواهد للحديث تجبره. منها حديث علي مرفوعا: ((لا تبرز فخذك ولا تنظر الى فخذ حي ولا ميت)) (¬2) . وله شاهد آخر عن محمد بن عبد الله بن جحش مرفوعا: ((غط فخذك؛ فان الفخذ عورة)) (¬3) . وله شاهد آخر عن ابن عباس مرفوعا: ((غط فخذك؛ فان الفخذ عورة)) (¬4) . ¬

(¬1) وقال البخاري بعد أن ذكره وذكر حديث أنس: ((ان النبي صلى الله عليه وسلم حسر عن ساقه)) -قال: ((حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط، حتى يخرج من اختلافهم)) (¬2) أخرجه أبو داود 3/196 رقم (3140) و 4/40 رقم (4015) واستنكره، وابن ماجه 1/469 رقم (1460) ، والحاكم 4/180، والطحاوي في شرح المعاني 1/474، وفي شرح مشكل الآثار 2/284، والدارقطني 1/225، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند 1/146، والبيهقي 3/388 وسنده ضعيف؛ فان فيه انقطاعا بين ابن جريج وحبيب، كما أعله أبو حاتم في العلل ج2/271 رقم (2380) ، وقد وجدت الرواية بتصريحه بالسماع منه كما في رواية عبد الله والبيهقي، لكنها معلولة بجهالة يزيد أبي خالد. وأنظر تعجيل المنفعة ص455 (¬3) أخرجه أحمد 5/290، والحاكم 4/180. وقال عنه الزيلعي في نصب الراية 4/245 بعد أن ذكره بسند أحمد: ((هذا مسند صالح)) . (¬4) أخرجه أحمد 1/275، والترمذي 5/103 رقم (2796) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/474، والبيهقي2/228 وسنده ضعيف لضعف أبي يحيى القتات، لينه الحافظ ابن حجر في التقريب 2/489.

أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء: حد العورة

وله شاهد آخر من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعا: ((اذا انكح أحدكم عبده أو أجيره، فلا ينظر الى شيء من عورته، فان أسفل من سرته الى ركبته من عورته)) (¬1) . وله شاهد آخر من حديث محمد بن جحش، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معمر وفخذاه مكشوفتان، قال: ((يا معمر، غط فخذيك؛ فان الفخذ عورة)) (¬2) . فهذه شواهد يشد بعضها بعضا تقوي حديث جرهد فيصح الاحتجاج به أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء: حد العورة نظرا لاختلافهم في حديث ((الفخذ عورة)) حصل خلاف بين أهل العلم في حد عورة الرجل. فذهب فريق من أهل العلم الى أن عورة الرجل ما بين السرة، والركبة وهما ليسا من العورة. وبذلك قال مالك، والشافعي، وأحمد في رواية وهو المعتمد في مذهبه، وبه قال أبو حنيفة وزاد الركبة فهي عنده من العورة (¬3) . ¬

(¬1) أخرجه أحمد 2/187، وأبو داود 1/133 رقم (496) ، والبيهقي 2/228- 229 وسنده قوي. (¬2) أخرجه أحمد 5/290، والبغوي في شرح السنة 9/21 رقم (2251) (¬3) المحرر 1/41-42، المغني 1/579، الانصاف 1/449، تبيين الحقائق 1/95 كشاف القناع 1/308، بداية المجتهد 1/90، القوانين الفقهية ص69، مغني المحتاج 1/185.

الفرع الخامس: الاختلاف في اسم الراوي ونسبه

وحجتهم الحديث المذكور. وذهب فريق من العلماء الى أن العورة: هي السوأتان فقط، والفخذ ليس من العورة، وبه قال ابن أبي ذئب، وابن علية، والطبري، وداود، وابن حزم، وهو رواية عن أحمد (¬1) . وقد ضعف ابن حزم حديث ((الفخذ عورة)) . واحتج لهذا المذهب بأدلة منها: حديث أنس: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وركب أبو طلحة، وأنا رديف أبي طلحة، فأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر، وان ركبتي لتمس فخذ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حسر الأزار، عن فخذه، حتى أني أنظر بياض فخذ النبي صلى الله عليه وسلم ... الحديث، متفق عليه (¬2) . الفرع الخامس: الاختلاف في اسم الراوي ونسبه قد يروى حديث باسناد، ويختلف الاسناد حول مدار الراوي فيختلف في نسبه واسمه حتى لا يمكن ترجيح احدى الروايات على الآخرى مثال ذلك: حديث: عبد الله بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صاع من بر أو قمح على كل اثنين)) (¬3) . قال الدارقطني: ((هذا حديث اختلف في اسناده ومتنه أما سنده فرواه الزهري واختلف عليه فيه فرواه النعمان بن راشد، عنه عن ثعلبة بن أبي صعير، عن أبيه، ورواه ¬

(¬1) المحلى 3/210، المجموع 3/169، عمدة القاري 4/80، المغني 1/615. (¬2) صحيح البخاري 1/103 رقم (371) ، ومسلم 4/145 رقم (1365) (¬3) رواه أحمد 5/431 و 432 وأبو داود ج2/114 رقم (1619) و (1620) و (1621) والطحاوي في شرح المعاني 2/45 والدارقطني 2/147 وعبد الرزاق (5785) والحاكم 3/279. وأنظر ترجمة الراوي في تهذيب الكمال 14/653.

أثره في اختلاف الفقهاء: مقدار الواجب من البر في زكاة الفطر

بكر بن وائل عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير، وقيل: عن ابن عيينة، عن الزهري، عن ابن أبي صعير عن أبي هريرة وقيل: عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وقيل عن عقيل، ويونس، عن الزهري، عن سعيد - مرسلا - ورواه معمر، عن الزهري، عن الأعرج عن أبي هريرة (¬1)) . أثره في اختلاف الفقهاء: مقدار الواجب من البر في زكاة الفطر اختلف الفقهاء في المقدار الواجب من البر لزكاة الفطر. فذهب بعض الفقهاء الى أن الواجب نصف صاع مستدلين بهذا الحديث وكأنهم لم يروا الاضطراب قادحا في صحته، وهو مذهب كثير من السلف وبه قال أبو حنيفة (¬2) . وذهب جماعة من الفقهاء الى أن الواجب صاع (¬3) . ¬

(¬1) العلل 2/39-40 ونقله الزيلعي في نصب الراية 2/408، وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق 2/1448: ((هذا حديث مضطرب الاسناد والمتن وقد تكلم فيه الامام أحمد بن حنبل وغيره)) . (¬2) عمدة القاري 9/113 عون المعبود 2/28، طرح التثريب 4/52، المحلى 6/129، الهداية 1/83، شرح السنة 6/74، شرح معاني الآثار 2/41-42، تبيين الحقائق 1/308، البحر الرائق 2/273، اللباب 1/406، حاشية ابن عابدين 2/364. (¬3) طرح التثريب 4/52 الروض النضير 2/441، معالم السنن 2/50، السنن الكبرى 4/167، الاشراف 1/188، المجموع 6/142، المغني 2/648، الكافي 1/322، المحرر 1/226، الانصاف 3/179، التمهيد 4/135، القوانين الفقهية 129 مواهب الجليل 1/365، الشرح الصغير 1/675، الخرشي 2/228، حاشية الدسوقي 1/504، الأم 2/67، مغني المحتاج 1/405، شرح السنة 6/74.

المطلب الثاني: الاضطراب في المتن

واحتجوا: بحديث عبد الله بن عمر: ((ان رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على الناس صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل حر او عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين)) (¬1) . المطلب الثاني: الاضطراب في المتن كما أن الاضطراب يكون في سند الحديث فكذلك يكون في متنه. وذلك اذا ورد لنا حديث اختلف الرواة في متنه اختلافا لا يمكن الجمع بين رواياته المختلفة ولا يمكن ترجيح أحد الروايات على البقية فهذا يعد اضطرابا قادحا في صحة الحديث اما اذا أمكن الجمع فلا اضطراب، وكذا اذا أمكن ترجيح احدى الروايات على بقية الروايات، فلا اضطراب اذا فالراجحة محفوظة أو معروفة والمرجوحة شاذة أو منكرة (¬2) . وقد يختلف أئمة الحديث في ذلك كل حسب اجتهاده. مثال ذلك: حديث حماد بن سلمة، عن عاصم بن المنذر، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اذا كان الماء قلتين أوثلاثا لم ينجسه شيء)) . فقد أخرجه الامام أحمد (¬3) قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا حماد بن سلمة، به. وأخرجه الدارقطني (¬4) من طريق يزيد بن هارون، قال: أخبرنا ¬

(¬1) أخرجه البخاري 2/161 رقم (1504) ، ومسلم 3/68 رقم (984) (¬2) أنظر هدي الساري ص348-349، وتحفة الأحوذي 2/91. (¬3) المسند 2/23. (¬4) السنن 1/22.

حماد بن سلمة، به. وأخرجه البيهقي (¬1) من طريق ابراهيم بن الحجاج وهدبة بن خالد قالا: حدثنا حماد بن سلمة، به. وأخرجه أحمد (¬2) قال: حدثنا عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، به وأخرجه أبو داود (¬3) قال: حدثنا موسى بن اسماعيل، عن حماد بن سلمة، به. وأخرجه أحمد (¬4) ، والدارمي (¬5) ، وابو داود (¬6) ، وابن ماجه (¬7) ، والترمذي (¬8) ، وابن خزيمة (¬9) كلهم من طريق محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، فذكره. وأخرجه عبد بن حميد (¬10) ، وأبو داود (¬11) ، والنسائي (¬12) من طريق حماد بن أسامة، عن الوليد بن كثير المدني، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن ¬

(¬1) السنن الكبرى 1/262. (¬2) المسند 2/107. (¬3) السنن 1/17 رقم (65) (¬4) المسند 2/12 و 26. (¬5) السنن (737) و (838) (¬6) السنن 1/17 رقم (64) (¬7) السنن 1/172 رقم (517) (¬8) الجامع 1/97 رقم (67) (¬9) صحيح ابن خزيمة (92) . (¬10) المنتخب من مسنده (817) (¬11) السنن 1/17 رقم (63) (¬12) المجتبى 1/46، والسنن الكبرى 1/74 رقم (50)

عبد الله (¬1) بن عبد الله بن عمر، فذكره. قال ابن عبد الهادي: ((قد اختلف عن حماد: فروى عنه ابراهيم بن الحجاج، وهدبة بن خالد، وكامل بن طلحة فقالوا: ((قلتين أو ثلاثا)) . وروى عنه عفان ويعقوب بن اسحاق الحضرمي، وبشر بن السري والعلاء بن عبد الجبار، وموسى بن اسماعيل، وعبيد الله بن محمد: ((اذا كان الماء قلتين)) ولم يقولوا ((أو ثلاثا)) واختلف عن يزيد بن هارون: فروى عنه ابن الصباح بالشك، وروى عنه أبو مسعود بغير شك فوجب العمل على قول من لم يشك)) . (¬2) وقد رواه القاسم بن عبد الله بن عمر العمري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اذا بلغ الماء أربعين قلة فانه لا يحمل الخبث)) . أخرجه الدارقطني (¬3) ، والقاسم هذا ضعيف. قال عنه أحمد بن حنبل: ((القاسم عندي ليس بمتصل؛ كان يكذب ويضع الحديث، ترك الناس حديثه)) (¬4) . وقال يحيى بن معين: ((هو كذاب خبيث)) (¬5) . ¬

(¬1) تحرف في المطبوع من المجتبى 1/175 الى: ((عبيد الله)) ورواية عبيد الله بن عبد الله بن عمر غير موجودة أصلا في ((سنن النسائي)) ، أنظر تحفة الأشراف 6/240 رقم (7305) ، والمسند الجامع 10/28 رقم (7190) (¬2) تنقيح التحقيق 1/195، وبنحو هذا قال الدارقطني في سننه 1/22. (¬3) السنن 1/26. (¬4) الجرح والتعديل 7/111. (¬5) ميزان الاعتدال 3/372.

أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: حكم الماء اذا خالطته نجاسة

فهذه الرواية لسقوطها وشدة ضعفها لم تؤثر؛ لأن من شرط الاضطراب تساوي الوجوه (¬1) . وهذه لم تساوي بقية الروايات. وقد رجح كثير من الحفاظ طريق محمد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه مرفوعا: ((اذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء)) . وكأنهم لم يروا الاختلاف فيه قادحا لارجحية هذا الطريق على باقي الطرق. قال المباركفوري: ((صححه الشافعي، وأحمد، وأبو عبيد، واسحاق، وابن معين، وابن خزيمة، والطحاوي، وابن حبان، والدارقطني، وابن مندة، والحاكم، والخطابي)) (¬2) . فتصحيحهم لهذا الحديث لارجحية هذا السند على الاسانيد التي وقع فيها الاختلاف والشك، ومع هذا فقد أعله بعض النقاد بالاضطراب. قال ابن عبد البر: ((اسناده مضطرب اضطرابا يوجب التوقف عن القول به)) (¬3) . أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: حكم الماء اذا خالطته نجاسة نقل غير واحد من العلماء الأجماع: على ان الماء اذا خالطته نجاسة فغير طعمه أو لونه أو ريحه فهو نجس قل الماء أو كثر (¬4) . ثم اختلفوا اذا لم يتغير الماء. ¬

(¬1) أنظر هدي الساري ص348-349، وتحفة الأحوذي 2/91 (¬2) تحفة الأحوذي 1/216-217. (¬3) التمهيد 1/329. (¬4) طرح التثريب 2/32، المغني 1/24، القوانين الفقهية ص30، فقه الامام سعيد 1/23.

فذهب جماعة من الفقهاء. الى أن الماء الذي خالطته نجاسة لم تغير أحد أوصافه طهور قل الماء أو كثر. وهو قول كثير من السلف من الصحابة والتابعين وبه قال مالك وأحمد في رواية، وبه قال ابن المنذر والغزالي، والروياني من أصحاب الشافعي (¬1) . وكأنهم لم يأخذوا بحديث القلتين للاختلاف الواقع فيه، واحتجوا بحديث أبي سعيد الخدري، انه قيل: يارسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يطرح فيه الحيض ولحم الكلاب والنتن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ان الماء طهور لا ينجسه شيء)) (¬2) . وذهب بعض الفقهاء الى أن الماء اذا كان قلتين فأكثر لا ينجس الا بتغيره، فاذا كان أقل من قلتين تنجس بوقوع النجاسة فيه سواء تغير أم لا. وهو قول جماعة من السلف. وبه قال الشافعي وأحمد في أشهر الروايات عنه (¬3) واحتجوا بحديث القلتين السابق. وذهب بعض الفقهاء الى أنه ينجس كلما غلب على الظن سريان النجاسة فيه ¬

(¬1) المحلى 1/168، التمهيد 1/328، المجموع 1/113، المغني 1/25، عمدة القارئ 3/151، قوانين الاحكام الفقهية ص44، حاشية الدسوقي 1/78. (¬2) أخرجه ابن ابي شيبة 1/141، وأحمد 3/31 و 86 وأبو داود 1/17 رقم (66) و (67) ، والترمذي 1/95 رقم 66، والنسائي 1/174، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/11، والدارقطني 1/30 و 31، والبيهقي 1/257،، وقال الترمذي: ((حسن)) وقال الامام أحمد كما في تهذيب الكمال 19/84: ((حديث بئر بضاعة صحيح)) وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص 1/4: ((صححه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو محمد بن حزم)) . (¬3) التمهيد 1/328، المجموع 1/113، المغني 1/25، مجموع فتاوى شيخ الاسلام 21/30، كشاف القناع 1/41، شرح منتهى الارادات 1/81، مغني المحتاج 1/21.

المبحث الثاني: الاعلال بالزيادة

ويغلب على ظن المستعمل للماء انه يستعمل النجاسة معه. وبه قال أبو حنيفة. (¬1) وقدر المتأخرون من أصحابه بما كان مساحته دون عشرة أذرع في عشرة أذرع فالخلاصة: ان من صحح حديث القلتين أخذ به. ومن حكم عليه بالضعف لاضطرابه ترك الاحتجاج به واحتج لما ذهب اليه بأدلة أخرى المبحث الثاني: الاعلال بالزيادة زيادة الثقة من القضايا الخفية في علل الحديث، وقد أولى المتقدمون لزيادة الثقة أهمية كبيرة فالزيادة نوع من أنواع الاختلاف سواء كان في المتن أو في السند. والزيادة في اللغة: هي النمو، وهو خلاف النقصان (¬2) . أما في اصطلاح المحدثين فقد عرفت: بأنها ما انفرد به الراوي من زيادة - في المتن أو في السند عن بقية الرواة، عن شيخ لهم)) (¬3) وصورها ابن رجب: ((بأن يروي جماعة حديثا باسناد واحد ومتن واحد، فيزيد بعض الرواة فيه زيادة، ولم يذكرها بقية الرواة)) (¬4) . ¬

(¬1) أحكام القرآن للجصاص 3/419، الهداية 1/8-9، شرح معاني الآثار 1/161، شرح فتح القدير 1/64 تبيين الحقائق 1/22، البحر الرائق 1/78-87. (¬2) لسان العرب 3/198، تاج العروس 2/368. (¬3) اختصار علوم الحديث ص61. (¬4) شرح علل الترمذي 2/635.

حكم زيادة الثقة

فالزيادة فن عظيم من فنون الحديث، ومرجعه الى الاختلاف بالروايات، ومن الطبيعي أن يختلف الرواة في بعض الأحيان سندا أو متنا ولا غرابة في ذلك؛ اذ يبعد عادة أن يكون الجميع في مستوى واحد من الاهتمام والتيقظ والتثبت والدقة والضبط منذ تلقي الأحاديث من أصحابها الى حين أدائها، لأن المواهب متفاوتة فمنهم من بلغ أوج مراتب الثقات، ومنهم من هو في أدنى هذه المراتب، ومنهم من هو بين الحدين، وهذا الفريق على درجات متفاوتة، وهؤلاء الثقات كثيرا ما يشتركون في سماع الحديث من شيخ لهم، فاذا حدثوا به بعد فترة من الزمن في جملة من الأحاديث المسموعة من مصادر شتى فان مدى الاتفاق بينهم والاختلاف يتوقف على مقدار تيقظهم واهتمامهم ومذاكرتهم ودقتهم وحفظهم، وبما أنهم مختلفون في ذلك فانهم قد يختلفون في أداء الرواية، والزيادة لون من ألوان الاختلاف، وعليه فاذا زاد أحد الثقات في حديث شيئا ليس في حديث الآخرين، فما حكم هذه الزيادة؟ هذا ما سنتكلم عنه بايجاز فيما يأتي: حكم زيادة الثقة: اختلف العلماء في حكم زيادة الثقة على أقوال كثيرة (¬1) ، أهمها ستة أقوال: القول الأول: تقبل مطلقا: سواء تعلق بها حكم شرعي أم لا وسواء غير الحكم الثابت أم لا، وسواء أوجبت نقض أحكام ثبتت بخبر ليس هي فيه أم لا، وسواء أكانت من شخص واحد- بأن يروي مرة ناقصا ومرة بتلك الزيادة - أو كانت الزيادة قد رواها غيره ولم يروها هو. وهذا مذهب جمهور الفقهاء والأصوليين، وجماعة من أهل الحديث (¬2) . ¬

(¬1) أوصلها الزركشي الى ثلاثة عشر قولا. البحر المحيط 4/332-337 (¬2) الكفاية ص424، احكام الأحكام للآمدي 2/99، علوم الحديث ص77، البحر المحيط 4/331، شرح التبصرة 1/211، المنهل ص58، فتح المغيث 1/200، تدريب الراوي 1/205، احكام الأحكام لابن حزم 2/90-96، شرح ألفية السيوطي ص54، لمحات في أصول الحديث ص297.

القول الثاني: لا تقبل مطلقا: فلا تقبل ممن رواه ناقصا ولا من غيره. وهو قول جماعة من أهل الحديث (¬1) . القول الثالث: تقبل اذا كانت من غير الراوي ولا تقبل اذا كانت منه، وذلك بأن يرويها تارة ويسقطها أخرى. وهو قول جماعة من أهل الحديث، وحكاه الخطيب عن فريق من الشافعية (¬2) . القول الرابع: تقبل اذا تعدد مجلس السماع وترد اذا اتحد (¬3) . القول الخامس: لا تقبل اذا كانت مخالفة في الحكم لما رواه الباقون وتقبل اذا لم تكن مخالفة (¬4) . القول السادس: تقبل الزيادة في الالفاظ اذا كان راويها يغلب عليه الفقه ولا تقبل اذا لم يكن راويها يغلب عليه الفقه (¬5) . ¬

(¬1) الكفاية ص425، البحر المحيط 4/332، شرح التبصرة 1/212-213، النكت 2/688، تدريب الراوي 1/205. (¬2) الكفاية ص425، البحر المحيط 4/332، علوم الحديث ص77، اختصار علوم الحديث ص66، المنهل ص58، فتح المغيث 1/201، لمحات في أصول الحديث ص297. (¬3) علوم الحديث ص77-78، التقريب مع التدريب 1/206، المنهل ص58، توضيح الأفكار 2/17، لمحات في احوال الحديث ص 297. (¬4) الكفاية ص425، البحر المحيط 4/332، المنهل ص58، فتح المغيث 1/200، توضيح الأفكار 2/7، لمحات في أصول الحديث ص297. (¬5) الاحسان 1/159.

وقد نقل عن ابن حبان ما حاصله: ان أصحاب الحديث الغالب عليهم حفظ الأسامي والأسانيد دون المتون، والفقهاء الغالب عليهم حفظ المتون وأحكامها وأداؤها بالمعنى، دون حفظ الأسانيد وأسماء المحدثين؛ لذلك يرى: أن من كان الغالب عليه الفقه لا تقبل منه الزيادة في الاسناد؛ لأن الغالب عليه أحكام المتن الا اذا كانت الزيادة من كتابه، ومن كان الغالب عليه الحديث لا تقبل منه الزيادة في المتن الا اذا كانت الزيادة من كتابه؛ لأن الغالب عليه أحكام السند. ولم يرتض الباحثون هذا الاتجاه، وعدوه من تشدد ابن حبان الذي خالف فيه جمهور المحدثين (¬1) . هذه أهم الأقوال في زيادة الثقة والذي ينظر فيها يرى أقوالا متباينة جدا ووجهات نظر العلماء فيها مختلفة اختلافا واسعا؛ وقد رجح الخطيب البغدادي قبول زيادة الثقة مطلقا، فقال: ((والذي نختاره من هذه الأقوال: أن الزيادة الواردة مقبولة على كل الوجوه، معمول بها اذا كان راويها عدلا ومتقنا ضابطا)) (¬2) . قال ابن رجب: ((وذكر في الكفاية حكاية عن البخاري: أنه سئل عن حديث أبي اسحاق في النكاح بلا ولي - قال: والزيادة من الثقة مقبولة واسرائيل ثقة. وهذه الحكاية - ان صحت- فان مراده الزيادة في هذا الحديث والا فمن تأمل كتاب تأريخ البخاري (¬3) تبين له قطعا أنه لم ير أن زيادة كل ثقة في الاسناد مقبولة، وهكذا ¬

(¬1) تحقيقات الشيخ عبد الفتاح أبي غدة على كتاب قواعد في علوم الحديث للتهانوي ص121 وانظر ما علقه الشيخ شعيب على الاحسان 1/159. (¬2) الكفاية ص425. (¬3) أنظر على سبيل المثال التاريخ الكبير: ج2/125 و 140 و 178 و 179 و 212.

الدارقطني يذكر في بعض المواضع: أن الزيادة من الثقة مقبولة ثم يرد (¬1) في أكثر المواضع زيادات كثيرة من الثقات، ويرجح الارسال على الاسناد، فدل على أن مرادهم زيادة الثقة مثل تلك المواضع الخاصة وهي اذا كان الثقة مبرزا في الحفظ (¬2)) ) . وظاهر كلام الحافظ ابن حجر في النخبة قبول زيادة الثقة مطلقا مع عدم المنافاة اذ قال: ((وزيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق منه)) (¬3) . ولم يرتض ما اشتهر عند جمع من العلماء من القول: بقبول الزيادة من غير تفصيل فقد قال في النكت (¬4) : ((واشتهر عن جمع من العلماء القول: بقبول الزيادة مطلقا من غير تفصيل، ولا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في الصحيح والحسن ان لا يكون شاذا)) . والذي ينظر في صنيع الأئمة السابقين والمختصين في هذا الشأن يراهم لا يقبلونها مطلقا ولا يردونها مطلقا بل مرجع ذلك الى القرائن والترجيح: فتقبل تارة، وترد أخرى، ويتوقف فيها أحيانا؛ قال الحافظ ابن حجر: ((والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين - كعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، والبخاري وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والدارقطني وغيرهم- اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، ولا يعرف عن أحد منهم قبول اطلاق الزيادة)) (¬5) ¬

(¬1) أنظر على سبيل المثال كتاب السنن للدار قطني ج1/97 و 117 و 127 و 148 و 153 و 163 و 169 و 180 و 181. (¬2) شرح علل الترمذي 2/638. (¬3) النخبة مع النزهة ص37. (¬4) 2/692. (¬5) نزهة النظر ص96.

وهذا هو الرأي المختار المتوسط الذي هو بين القبول والرد، فيكون حكم الزيادة حسب القرائن المحيطة بها حسب ما يبدو للناقد العارف بعلل الحديث وأسانيدها وأحوال الرواة بعد النظر في ذلك، أما الجزم بوجه من الوجوه من غير نظر الى عمل النقاد فذلك فيه مجازفة، وما أحسن كلام الحافظ الزيلعي - رحمه الله- حيث قال: ((فمن الناس من يقبل الزيادة مطلقا، ومنهم من لا يقبلها، والصحيح التفصيل، وهو: أنها تقبل في موضع دون موضع، فتقبل اذا كان الراوي الذي رواها ثقة حافظا ثبتا والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثقة، كما قبل الناس زيادة مالك بن أنس قوله: من المسلمين في صدقة الفطر واحتج بها أكثر العلماء، وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها، ومن حكم في ذلك حكما عاما فقد غلط بل كل زيادة لها حكم خاص يخصها)) (¬1) . وقد قال لي العلامة الدكتور هاشم جميل: من مجمل الأقوال ونصوص العلماء وتصرفات النقاد - يبدو لي- أنه يمكنا استخلاص اتجاه وسط ربما لا يكون بعيدا عن الصواب، وذلك اذا حررنا القضية على النحو الآتي: الأصل في زيادة الثقة القبول، الا اذا قام الدليل على الرد، أو رجحت القرائن الرد أو التوقف؛ وذلك لأننا انما نتكلم عن زيادة الثقة، اذن فالزيادة شيء عرفه ورواه راو عدل ضابط، فلا نرده لمجرد أن غيره من الثقات لم يروه ولم يعرفه؛ وذلك لأن القاعدة: أن من عرف حجة على من لم يعرف، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ؛ لذلك قلت: بأن الأصل في زيادة الثقة القبول؛ ولو أطلقنا رد الزيادة لكان في ذلك مجازفة كبيرة؛ لأننا قد نرد جزءا من السنة من غير دليل؛ ومع ذلك فاننا لا ندعي ¬

(¬1) نصب الراية 1/336.

للراوي الثقة العصمة من الخطأ، فاحتمال الخطأ بالنسبة له وارد وان كان احتمالا بعيدا؛ لذلك قلنا: بأن الزيادة ترد اذا قام الدليل على الرد؛ وكذلك الحال ان رجحت القرائن الرد أو كانت على الأقل ثورت شكا كبيرا يحمل على التوقف. فاذا كانت الزيادة آتية من راو ثقة شاركه غيره من الثقات في مجلس التلقي لهذه الرواية عن الشيخ، فاذا كان الرواة الذين لم يأتوا بالزيادة من الكثرة بحيث يبعد على مثلهم احتمال نسيانهم أو عدم تنبههم جميعا لهذه الزيادة، فان ذلك يشكل قرينة يترجح معها رد الزيادة أو التوقف عن قبولها. ولو روى عدد من الثقات حديثا عن شيخ ثقة معروف بالفقه والفتيا - كمالك والثوري، والأوزاعي مثلا- وانفرد أحد الرواة بزيادة، وهذه الزيادة تنبني عليها قضية فقهية، وثبت أن فتيا ذلك الشيخ الفقيه تتطابق مع الحديث خاليا من تلك الزيادة؛ فان هذه قرينة ترجح رد الزيادة أو التوقف عن قبولها؛ لأنه يتجه القول حينئذ بأن تلك الزيادة لو كانت عنده لأفتى بموجبها. وهكذا. والله أعلم (¬1) مثال للزيادة في الاسناد: أخرج الامام أحمد في مسنده (¬2) قال: حدثنا وكيع - يعني ابن الجراح - وقال (¬3) : حدثنا يحيى، وعبد الرحمن وقال الترمذي (¬4) : حدثنا محمود، قال: حدثنا أبو نعيم. أربعتهم (وكيع بن الجراح، ويحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو نعيم الفضل بن دكين) ¬

(¬1) الى هنا انتهى كلام الدكتور هاشم جميل نفع الله المسلمين بعلمه. (¬2) المسند 1/400. (¬3) المسند 1/429. (¬4) جامع الترمذي 5/208 رقم (2995)

رووا عن سفيان الثوري، عن أبيه، عن أبي الضحى، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ان لكل نبي ولاة من النبيين، وان وليي أبي وخليلي ربي ثم قرأ: ((ان أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين)) (¬1) هكذا روى الحديث الثقات الأثبات عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى، عن عبد الله وقد رواه أبو أحمد الزبيري (¬2) فزاد فيه: ((مسروق)) بين أبي الضحى وعبد الله بن مسعود كما أخرجه الترمذي (¬3) قال: حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو أحمد، قال حدثنا سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله، فذكر الحديث)) . (¬4) وقد رجح العلماء رواية من رووه منقطعا (¬5) ولم يقبلوا الزيادة التي زادها أبو أحمد الزبيري لأن من رواه منقطعا أكثر عددا وأشد حفظا. قال الترمذي بعد أن ساق الرواية المنقطعة: ((هذا أصح من حديث أبي الضحى، عن مسروق)) ¬

(¬1) سورة آل عمران الآية 68. (¬2) هو محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم ثقة ثبت، الا انه قد يخطيء في حديث الثوري التقريب 2/76 وانظر الكاشف مع حاشيته 2/186-187 كلاهما بتحقيق الشيخ محمد عوامة. (¬3) جامع الترمذي 5/208 رقم (2995) (¬4) جامع الترمذي 5/208. وأنظر تحفة الأشراف 7/149 حديث (9581) (¬5) لأن أبا الضحى واسمه مسلم بن صبيح لم يسمع من عبد الله بن مسعود وانظر تهذيب الكمال 16/123-127و 27/521..

وذكر أبو حاتم الرازي وأبو زرعة أن زيادة (مسروق)) خطأ (¬1) وخالف ذلك العلامة أحمد شاكر في ترجيح هذه الزيادة وقبولها فوهم في ذلك (¬2) مثال للزيادة في المتن: … روى عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ثابت وقتادة عن أنس، قال: ((نظر بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءا فلم يجده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ههنا ماء؟ فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده في الاناء الذي فيه الماء، ثم قال: توضأ بسم الله، فرأيت الماء يفور من بين أصابعه، والقوم يتوضئون، حتى توضؤوا من عند آخرهم، قال ثابت: فقلت لأنس: كم تراهم كانوا؟ قال: نحوا من سبعين رجلا)) (¬3) . وقد تفرد معمر بن راشد (¬4) شيخ عبد الرزاق في روايته لهذا الحديث من وجهين: الوجه الأول: تفرده في اقتران ثابت وقتادة في هذا الاسناد، ولم يتابعه عليه أحد - فيما أعلم - والحديث محفوظ عن ثابت وحده وعن قتادة وحده أيضا، برواية الجمع من الثقات عن كل واحد منهما على انفراده، هكذا رواه البخاري ومسلم وغيرهما وأعرضا عن رواية معمر. على أن هذا ليس علة. ¬

(¬1) علل ابن أبي حاتم (1677) (¬2) كما في تعليقه على تفسير الطبري الفقرة (7217) بكونها زيادة من ثقة. (¬3) مصنف عبد الرزاق 11/276 رقم (20535) ، ومن طريقه أخرجه احمد 3/165، والنسائي 1/61، وفي الكبرى (84) ، وابن خزيمة (144) ، وأبو يعلى (3036) ، والدارقطني 1/711، وابن حبان (6544) . (¬4) معمر بن راشد الأزدي مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن ثقة ثبت فاضل الا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا، التقريب 2/266.

الثاني: - وهو الأهم - أن معمر ذكر في متن الحديث زيادة التسمية على الوضوء، وهذه الزيادة لم يروها - فيما أعلم- أحد غيره. فقد روي هذا الحديث عن ثابت وحده: رواه حماد بن زيد (¬1) ، وحماد بن سلمة (¬2) - وهو أثبت الناس في ثابت (¬3) -، وسليمان بن المغيرة (¬4) ، وغيرهم رووه عن ثابت عن أنس ولم يذكروا التسمية. وقد روي الحديث عن قتادة وحده: رواه سعيد بن أبي عروبة (¬5) - وهو أثبت الناس في قتادة (¬6) - وهمام بن يحيى (¬7) وشعبة بن الحجاج (¬8) ، وهشام الدستوائي (¬9) . وغيرهم. رووه عن قتادة، عن أنس، ولم ¬

(¬1) عند ابن سعد 1/178، وعبد بن حميد (1365) ، وأحمد 3/147. والبخاري 1/61 رقم (200) ، ومسلم 7/59 رقم (2279) ، وابي يعلى (3329) ، وابن خزيمة (124) ، وابن حبان (6546) ، والبيهقي في دلائل النبوة 4/122، وفي الاعتقاد ص273. (¬2) عند ابن سعد 1/178، وأحمد 3/175 و 248، وأبا عوانة في المناقب كما في اتحاف المهرة ج2/496. (¬3) تهذيب التهذيب 3/12. (¬4) عند ابن سعد 1/171، وعبد بن حميد (1284) ، وأحمد 3/139 و 147 و 169، وأبي يعلى (3327) ، وابن حبان (6543) (¬5) عند أحمد 3/170 و 215، والبخاري 4/233 رقم (3572) ، ومسلم 7/59 رقم (2279) ، والبغوي في شرح السنة (3714) ، وأبي يعلى (3193) (¬6) تهذيب التهذيب 4/63 (¬7) عند أحمد 3/289، وأبي يعلى (2895) ، وأبي نعيم في دلائل النبوة (317) (¬8) عند أبي يعلى (3172) (¬9) عند مسلم 7/59 رقم (2279)

نموذج لذلك وأثره في اختلاف الفقهاء

يذكروا التسمية مما يقوي الجزم بخطأ معمر في زيادة التسمية؛ اذ ليس من المعقول أن يغفل جميع الرواه عن ثابت وقتادة عن هذه اللفظة ويحفظها معمر. نموذج لذلك وأثره في اختلاف الفقهاء مثال ذلك: ما رواه أبو مالك الأشجعي - سعد بن طارق- عن ربعي بن حراش، عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا اذا لم نجد الماء، وذكر خصلة أخرى)) (¬1) قال ابن الصلاح: ((فهذه الزيادة -يعني: وجعلت تربتها لنا - تفرد بها أبو مالك: سعد بن طارق الأشجعي، وسائر الروايات لفظها وجعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا)) (¬2) . والذي يبدو لي أن ابن الصلاح -رحمه الله- قد عد هذه اللفظة زيادة لأنها لم ترد في حديث جابر وأبي هريرة وأبي أمامة (¬3) ؛ لأن أبا مالك قد تفرد بجملة الحديث ¬

(¬1) أخرجه أحمد 5/383، ومسلم 2/63 رقم (522) ، والنسائي في فضائل القرآن (47) ، وابن خزيمة (263) و (264) . جميعهم من طريق: أبي مالك الأشجعي، عن ربعي بن حراش، فذكره. (¬2) علوم الحديث ص79 (¬3) حديث جابر عند أحمد 3/304، وعبد بن حميد (1154) ، والدارمي (1396) ، والبخاري 1/91 رقم (335) و 1/119 رقم (438) و 4/104 رقم (3122) ، ومسلم 2/63 رقم (521) ، والنسائي 1/209 و 2/56 وحديث أبي هريرة عند أحمد 2/411، ومسلم 2/64 رقم (523) ، وابن ماجه 1/187 رقم (567) ، والترمذي 4/104 رقم (1553) ، وحديث أبي امامة عند أحمد 5/248 و 256، والترمذي 4/104 رقم (1553)

أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: ما يجوز به التيمم

وليس له مشارك في روايته عن ربعي (¬1) ولكن يشكل عليه ان زيادة ذكر التراب وردت من حديث علي (¬2) . أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: ما يجوز به التيمم اختلف الفقهاء فيما يجوز به التيمم على قولين: القول الأول: ذهب الشافعي، وأحمد واسحاق، وأبو يوسف، وداود الى أن التيمم يكون بالتراب. وزاد أبو يوسف الرمل، وهو قول الشافعي اذا خالطه تراب. (¬3) واستدلوا بالحديث السابق القول الثاني: ذهب أبو حنيفة، والأوزاعي، ومالك: الى أن التيمم جائز بالأرض وبكل ما عليها سواء كان متصلا بها أم سابخا كان التراب أو غيره حتى الثلج عند مالك. الا ان الامام أبا حنيفة قيده بأن يكون من جنس الأرض. وقد وضع الحنفية كذلك ضابطاً فقالوا: كل ما لا يلين ولا ينطبع بالنار فهو من جنس الأرض. وكل ما يلين وينطبع أو يحترق ويصبح رمادا فهو ليس من جنس الأرض (¬4) . ¬

(¬1) النكت 2/700 (¬2) عند أحمد في المسند 1/98 و 158 من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي، عن علي مرفوعا بلفظ: ((وجعل التراب لي طهورا)) . وعبد الله بن محمد قال عنه الحافظ في التقريب 1/448: ((صدوق فيه لين)) فلعل ابن الصلاح لم يعتد بهذا الطريق لما في عبد الله من كلام والله اعلم. (¬3) الأم 1/50، المجموع 2/215، المغني 1/247-248، رد المحتار 1/230- 240 _ (¬4) شرح فتح القدير 1/112، تبيين الحقائق 1/38-39، البحر الرائق 1/155، الخرشي 1/191 حاشية الدسوقي 1/155، فقه الامام الأوزاعي 1/75، الاختيار 1/23.

واحتجوا بقوله تعالى: ((فتيمموا صعيدا طيبا)) (¬1) . والصعيد: هو كل ما صعد أي: ظهر على الأرض وسمي به لصعوده. وبما صح عن جابر بن عبد الله مرفوعا: ((وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا)) (¬2) . فقد عمم الشارع لفظ الأرض وجعل جميعها مطهرة، وعليه فيجوز التيمم بجميع أجزائها (¬3) . نموذج آخر: حديث سليمان التيمي (¬4) ، عن قتادة عن أبي غلاب يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، قال: قال ابو موسى: ((ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا، فعلمنا سنتنا. وبين لنا صلاتنا. فقال: اذا قمتم الى الصلاة فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم فاذا كبر فكبروا، واذا قرأ فانصتوا، واذا قال: ولا الضالين. فقولوا: آمين يحببكم الله. ثم اذا كبر وركع فكبروا واركعوا ... الخ)) . هكذا رواه سليمان التيمي فذكر فيه زيادة ((واذا قرأ فانصتوا)) (¬5) . وقد رواه جماعة عن قتادة ولم يذكر أحد منهم هذه الزيادة وهم: معمر بن ¬

(¬1) سورة النساء الآية 43 (¬2) أخرجه البخاري 1/91 رقم (335) (¬3) فقه الامام الأوزاعي 1/76 (¬4) هو سليمان بن طرخان التيمي، أبو المعتمر البصري ثقة عابد، التقريب 1/326. (¬5) وحديث سليمان التيمي عند احمد 4/415، ومسلم 2/14 رقم (404) ، وأبي داود 1/256 رقم (973) ، وابن ماجه 1/276 رقم (847) ، والنسائي 2/242

راشد (¬1) ، وسعيد بن أبي عروبة (¬2) ، وهشام الدستوائي (¬3) ، وأبو عوانة (¬4) . فهؤلاء أربعتهم رووه عن قتادة، عن أبي غلاب، عن حطان، عن أبي موسى، به. ولم يذكر أحد منهم هذه الزيادة؛ مما يعلم بذلك تفرد سليمان التيمي بها قال المزي: ((وفي حديث التيمي من الزيادة: ((واذا قرأ فانصتوا)) ولم يذكر هذا اللفظ غيره)) (¬5) . وقال مسلم: ((وفي حديث جرير عن سليمان التيمي، عن قتادة من الزيادة: ((واذا قرأ فأنصتوا)) وليس في حديث أحد منهم)) (¬6) . وقد طعن في هذه الزيادة بعض الحفاظ (¬7) . وقال أبو داود: ((وقوله: فأنصتوا ليس بمحفوظ، لم يجيء به الا سليمان التيمي في هذا الحديث)) (¬8) . مثال آخر حديث أبي خالد الأحمر -سليمان بن حيان -، عن محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((انما جعل ¬

(¬1) عند أحمد 4/393، ومسلم 2/14 رقم (404) (¬2) عند احمد 4/401 و 405، والدارمي (1318) و (1365) ، ومسلم 2/14 رقم (404) ، وابن ماجه 1/291 رقم (901) ، والنسائي 2/96 و 196، وابن خزيمة (1584) و (1593) (¬3) عند أحمد 4/409، ومسلم 2/4 رقم (404) ، وابن ماجه 1/291 رقم (901) ، والنسائي 2/241 و 3/41، وابن خزيمة (1584) و (1593) . (¬4) عند مسلم 2/14 رقم (404) ، وأبي داود 1/256 رقم (972) (¬5) تحفة الأشراف 6/410 (¬6) صحيح مسلم 2/15 عقيب (404) (¬7) المصدر السابق (¬8) سنن أبي داود 1/256 عقيب (973)

الامام ليؤتم به، فاذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، واذا قرا فأنصتوا، واذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، واذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، واذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد، وان صلى جالسا فصلوا جلوسا اجمعون)) (¬1) . فقد زاد محمد بن عجلان (¬2) في هذا الحديث زيادة: ((واذا قرأ فأنصتوا)) وتفرد بها؛ فقد رواه مصعب بن سعد (¬3) ، وسهيل بن أبي صالح (¬4) ، والأعمش (¬5) ؛ ثلاثتهم عن أبي صالح، عن أبي هريرة، والزيادة هذه عندي من محمد بن عجلان هو الذي تفرد بها. قال النسائي: ((لا نعلم أحدا تابع ابن عجلان على قوله: ((واذا قرأ فأنصتوا)) (¬6) . وقد اعتبر أبو داود هذه الزيادة من أبي خالد الأحمر، حيث قال: ((هذه الزيادة واذا قرأ فأنصتوا ليست بمحفوظة الوهم عندنا من أبي خالد)) (¬7) . هكذا قال وليس الأمر كذلك، فان أبا خالد الأحمر متابع على هذه الزيادة؛ فقد ¬

(¬1) أخرجه أحمد 2/240، وأبو داود 1/165 رقم (604) ، وابن ماجه 1/276 رقم (846) ، والنسائي 2/141 كلهم من طريق أبي خالد الأحمر، به. (¬2) قال عنه الحافظ في التقريب 2/190: ((صدوق الا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة)) وانظر حاشية الكاشف 2/200 ففيها من النفائس. (¬3) عند أحمد 2/341، وأبي داود 1/165 رقم (603) (¬4) عند مسلم 2/20 رقم (415) ، وابن خزيمة (1575) (¬5) عند احمد 2/440، ومسلم 2/20 رقم (415) ، وابن ماجه 1/308 رقم (960) ، وابن خزيمة (1576) و (1582) (¬6) سنن النسائي 2/141. (¬7) سنن أبي داود 1/165 عقيب (604) ، وأبو خالد الأحمر هو سليمان بن حيان صدوق يخطيء، التقريب 1/323

أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم قراءة المأموم خلف الامام

أخرجه النسائي (¬1) قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك، قال: حدثنا محمد بن سعيد الأنصاري، عن ابن عجلان، به بالزيادة المذكورة. فهذه متابعة من محمد بن سعيد الأنصاري -وهو ثقة (¬2) - لأبي خالد الأحمر مما يرفع احتمال الزيادة من ابي خالد ويكون الحمل في هذه الزيادة على محمد بن عجلان. وقد صحح هذه الزيادة مسلم في صحيحه (¬3) أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم قراءة المأموم خلف الامام اختلف الفقهاء في قراءة المأموم خلف الامام على ثلاثة أقوال: القول الأول: لا يقرأ المأموم مع الامام فيما يجهر به، ويقرأ فيما يسر به. وهو مذهب الامام سعيد والزهري، والحكم، والهادي، وزيد بن علي، وهو رواية عن ابن عباس، وقول للشافعي، وهو قول ابن العربي من المالكية (¬4) . ومما استدلوا به زيادة: ((واذا قرأ فأنصتوا)) الواردة في حديث أبي موسى الأشعري وحديث أبي هريرة، التي سبق الكلام عليها مفصلا. القول الثاني: لا يقرأ المأموم خلف الامام لا في سرية ولا في جهرية. وهو مذهب جماعة من السلف من الصحابة والتابعين. واليه ذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد. الا أن أبا حنيفة منع القراءة مطلقا ووافقه ابن وهب وأشهب من ¬

(¬1) المجتبى 2/142. (¬2) أنظر المجتبى 2/142، والتقريب 2/164. (¬3) 2/15 عقيب (404) (¬4) حاشية الدسوقي 1/237، المجموع 3/364، المدونة 1/70، القوانين الفقهية ص67، الخرشي 1/280، الشرح الصغير 1/322

المالكية. بينما استحب مالك القراءة في الصلاة السرية، وإليه ذهب أحمد وزاد استحبابها في سكتات الامام وعند عدم سماع المأموم القراءة لبعده (¬1) المذهب الثالث: يقرأ المأموم خلف الامام لا فرق بين سرية أو جهرية. وهو مذهب جماعة من السلف وهو الصحيح من مذهب الشافعي. قال النووي: ((والصحيح وجوب القراءة على المأموم في الصلاة السرية أو الجهرية)) (¬2) . نموذج آخر روى ابن حبان (¬3) ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد الأزدي، قال: حدثنا اسحاق بن ابراهيم، قال: أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تموت في السمن؟ فقال: ((ان كان جامدا فألقوها وما حولها وان كان ذائبا فلا تقربوه)) . فهذا الحديث فيه زيادة غريبة -وهي: وان كان ذائبا فلا تقربوه - فقد انفرد بها اسحاق بن ابراهيم - وهو ابن راهويه (¬4) - عن سفيان بن عيينة مخالفا في ذلك الحفاظ من أصحابه: كالامام أحمد، والحميدي، ومسدد، وقتيبة وغيرهم. ¬

(¬1) مصنف ابن أبي شيبة 1/375، معالم السنن 1/207، شرح معاني الآثار 1/251، المغني 1/604، الهداية 1/37، الأشراف 1/79، المنتقى 1/59، الشرح الكبير للدردير 1/71، كشاف القناع 1/451، تبيين الحقائق 1/131، شرح فتح القدير 1/294. (¬2) المجموع 3/194، نهاية المحتاج 1/476، معالم السنن 1/206. (¬3) الاحسان 4/234 رقم (1392) . (¬4) ثقة حافظ مجتهد التقريب 1/54.

فقد رواه الحميدي (¬1) - وعنه البخاري (¬2) -وأحمد (¬3) ، ومحمد بن يوسف (¬4) ، ومسدد (¬5) ، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي وأبو عمار (¬6) ، وقتيبة بن سعيد (¬7) ، والحسن بن محمد الزعفراني (¬8) ، وعلي بن المديني (¬9) . هؤلاء جميعهم رووه عن سفيان بن عيينة، قال: حدثنا الزهري، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، انه سمع ابن عباس يحدث عن ميمونة: ان فأرة وقعت في سمن فماتت، فسئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أنزعوها وما حولها وكلوا سمنكم)) . فهنا يترجح رد هذه الزيادة التي زادها اسحاق، فهو -على جلالته- قد خالف هذه المجموعة الكبيرة من الحفاظ من أصحاب سفيان، والحديث لم ينفرد به سفيان عن الزهري، وانما رواه عن الزهري: مالك (¬10) ، والأوزاعي (¬11) ، ومعمر (¬12) ، وروايتهم موافقة لرواية الجمع عن سفيان بن عيينة -بدون الزيادة- مما يترجح للناقد خطأ اسحاق بن راهويه في روايته السابقة ¬

(¬1) المسند (312) (¬2) الجامع الصحيح 7/126 رقم (5528) (¬3) المسند 6/329 (¬4) عند الدارمي (744) و (2089) و (2090) (¬5) عند أبي داود 3/364 رقم (3841) (¬6) كلاهما عند الترمذي 4/225 رقم (1798) (¬7) عند النسائي 7/178 (¬8) عند البيهقي 9/353. (¬9) عند الطبراني في الكبير 23/رقم (1043) و (1044) (¬10) الموطأ 2/565 رقم (2785) ، ومن طريقه اخرجه احمد 6/335، والدارمي (2092) ، والبخاري 1/68 رقم (236) ، والنسائي 7/178 (¬11) عند أحمد 6/330 (¬12) عند أبي داود 3/365 رقم (3843) ، والنسائي 7/178.

أثر ذلك في اختلاف الفقهاء

بذكر الزيادة. وأيضا فان الزهري - الذي دار عليه الحديث- لا يفرق في فتياه بين الجامد وغير الجامد (¬1) . وليس الزهري ممن يقال في حقه لعله نسي الطريق المفصلة المرفوعة، لأنه كان أحفظ الناس في عصره؛ فخفاء ذلك عنه في غاية البعد (¬2) . أثر ذلك في اختلاف الفقهاء اختلف الفقهاء في المائعات غير الماء اذا سقطت فيها نجاسة: فذهب جمهور الفقهاء الى انه ينجس كله بملاقاة النجاسة (¬3) . أخذا بالزيادة المذكورة عن اسحاق. وخالف فريق من الفقهاء -منهم: الأوزاعي والزهري -فقالوا: لا ينجس الا بالتغير (¬4) ((نموذج آخر للزيادة وأثره في اختلاف الفقهاء)) حديث: مؤمل بن اسماعيل، عن سفيان الثوري، عن عاصم بن كليب، عن كليب بن شهاب عن وائل بن حجر قال: ((صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره)) . ¬

(¬1) قال شيخ الاسلام ابن تيمية: ((وقد افتى الزهري في المائع والجامدبأن تلقى الفأرة وما قرب منها ويأكل)) ، مجموع الفتاوى 21/517. وأنظر فتح الباري 1/344 و 9/668 (¬2) مجموع الفتاوى 21/517، والزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري الفقيه الحافظ متفق على جلالته واتقانه التقريب 2/207. (¬3) فتح الباري 1/344 و 9/668-670، مجموع فتاوى ابن تيمية 21/490-502 و 515-517، وشرح السنة للبغوي 11/258. (¬4) المصادر السابقة.

أخرجه ابن خزيمة (479) ، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصفهان (الورقة:125 (¬1) من طريق مؤمل بن اسماعيل، به. وقد تفرد مؤمل بن اسماعيل - فيما اعلم- بزيادة ((على صدره)) (¬2) . فقد روى الحديث عن سفيان الثوري جماعة من الرواة؛ لم يذكر أحد منهم -غير مؤمل- لفظة (على صدره) فقد رواه بدون الزيادة من يأتي: عبد الله بن الوليد، عند احمد ((المسند:4/318)) . عبد الرزاق الصنعاني ((المصنف: 2522)) ، وعنه احمد ((المسند:4/317)) أبو نعيم الفضل بن دكين، عند أحمد ((المسند:4/318)) محمد بن يزيد المخزومي، عند ابن خزيمة (691) . محمد بن يوسف، عند النسائي ((المجتبى:3/35)) . وكيع بن الجراح، عند أحمد ((المسند:4/316)) . يحيى بن آدم، عند أحمد ((المسند: 4/318)) . محمد بن عبد الله بن يزيد المقريء عند النسائي ((المجتبى:2/236)) . ثمانيتهم رووه عن سفيان فلم يذكر أحد منهم هذه الزيادة التي تفرد بها مؤمل، وقد تابع سفيان الثوري على رواية هذا الحديث جماعة فلم يذكر أحد منهم هذه الزيادة التي تفرد بها مؤمل -وهم: سفيان بن عيينة، عند الحميدي ((المسند:885)) ، والنسائي ((المجتبى ¬

(¬1) نقلا عن تعليق الشيخ شعيب الارناؤوط على العواصم 3/7 (¬2) نص عليه ابن القيم في اعلام الموقعين، والشيخ شعيب في تعليقه على العواصم 3/7، وأنظر نصب الراية 1/314-317.

3/34)) ، وابن خزيمة ((713)) . محمد بن الفضل، عند ابن خزيمة (478) و (713) . عبد الواحد بن زياد، عند احمد ((المسند:4/316)) . زهير بن معاوية، عند أحمد ((المسند: 4/318)) . شعبة بن الحجاج، عند أحمد ((المسند: 4/316 و 319)) ، والبخاري ((جزء رفع اليدين ص26)) ، وابن خزيمة (689) و (697) . عبد العزيز بن مسلم، عند أحمد ((المسند:4/317)) . زائدة بن قدامة، عند الدارمي ((السنن: 1364)) ، وأحمد ((المسند: 4/318)) ، والبخاري ((جزء رفع اليدين 30) ، وأبو داود ((السنن:1/193 رقم 727)) ، والنسائي ((المجتبى 2/26)) ، وابن خزيمة (480) و (714) ، والبيهقي ((السنن الكبرى 2/228)) ، وابن الجارود ((المنتقى 208)) . عبد الله بن ادريس، عند البخاري ((جزء رفع اليدين ص71)) ، وابن ماجه ((السنن: 810 و 912)) ، والترمذي ((الجامع:2/85 رقم 292)) ، والنسائي ((المجتبى 2/211)) ، وابن خزيمة ((477)) و (641) و (690) و (713) . بشر بن المفضل، عند أبي داود ((السنن: 726 و 957)) ، وابن ماجه ((السنن 810 و 867)) ، والنسائي ((المجتبى 3/35)) سلام بن سليم عند الطيالسي ((المسند:137)) . خالد بن عبد الله، عند البيهقي ((السنن: 2/131)) . فهؤلاء جميعهم رووه عن عاصم بن كليب، عن كليب، عن وائل. ولم يذكر أحد منهم هذه الزيادة.

وقد روى هذا الحديث عن وائل بن حجر غير كليب؛ 1 و 2 - علقمة بن وائل ومولى لهم عند أحمد ((المسند: 4/317)) ، ومسلم ((الصحيح:2/13 رقم 401)) ، وأبي عوانة ((الصحيح 2/97)) ، وابن خزيمة (906) ، والبيهقي ((السنن الكبرى 2/28)) 3- عبد الجبار بن وائل، عند أحمد ((المسند: 4/318)) ، والدارمي ((السنن 1244)) ، والنسائي ((المجتبى 2/122)) ، وابن حزم ((المحلى 4/112)) . فعدم ورود هذه الزيادة عند أحد من تلاميذ سفيان الثوري وعدم ورودها عن أحد من تلاميذ عاصم بن كليب وعدم ورودها عن أحد من تلاميذ وائل بن حجر يدل على شذوذها وانها زيادة غير صحيحة، وهم فيها مؤمل بن اسماعيل حين حدث من حفظه، وهذه المخالفة مع شدة الفردية لا تقبل، ومؤمل مع ثقته وجلالته فانه يخطيء من حفظه أحيانا بعد ما دفن كتبه. قال فيه ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق شديد في السنة كثير الخطأ. وقال الآجري: سألت أبا داود عنه فعظمه ورفع من شأنه الا أنه يهم في الشيء (¬1) . ونقل الحافظ ابن حجر: أنه دفن كتبه فكان يحدث من حفظه فكثر خطأه (¬2) . ومما يؤكد شذوذ هذه الزيادة ان سفيان الثوري - وهو من أهل الكوفة- مذهبه كمذهب الحنفية في وضع اليدين تحت السرة كما نقله النووي (¬3) ، وابن ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 10/380-381 وانظر بلابد الكاشف للذهبي 2/309-310 بتحقيق الشيخ محمد عوامة، ومسند الامام احمد 4/29 بتحقيق الشيخ احمد شاكر. (¬2) تهذيب التهذيب 10/380-381 (¬3) المجموع 3/247

أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء: موضع اليدين عند القيام في الصلاة

قدامة (¬1) . فلو كانت هذه الزيادة ثابتة عنه لما خالفها، وقد ضعفها ابن القيم (¬2) وعد وضع اليدين على الصدر مكروها (¬3) أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء: موضع اليدين عند القيام في الصلاة اختلف الفقهاء في موضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة عند القيام؛ على أقوال: القول الأول: توضع اليمنى على اليسرى فوق السرة تحت الصدر؛ وهو قول كثيرمن أهل العلم وهو قول الشافعية ورواية عند الحنابلة (¬4) . القول الثاني: توضع اليمنى على اليسرى تحت السرة؛ وهو مروي عن أبي هريرة، وأنس، وبه قال الثوري واسحاق بن راهويه، وهو مذهب الحنفية، والمعتمد عند الحنابلة. (¬5) ¬

(¬1) المغني 1/519. (¬2) اعلام الموقعين 2/381 (¬3) بدائع الفوائد 3/91 (¬4) المجموع 3/247، الروضة 1/232، تفسير القرطبي 8/7311، تحفة الاحوذي 2/83، بدائع الفوائد 3/91، حلية العلماء 2/96 وما بعدها، نيل الأوطار 1/188 (¬5) المجموع 3/247، المغني 1/519، شرح فتح القدير 1/249-250، البحر الرائق 1/325، حاشية ابن عابدين 1/476، عون المعبود 1/325، الحلية 2/96، المحلى 4/113، نيل الأوطار 1/188، بدائع الفوائد 3/91

القول الثالث: توضع على الصدر نسبه القرطبي للامام علي (¬1) ولا يصح عنه (¬2) ، ونسبه صاحب الهداية للشافعي (¬3) ولا يصح عنه (¬4) ونسبه لاسحاق بن راهويه (¬5) ولا يصح عنه (¬6) واختار هذا المذهب الصنعاني (¬7) والمباركفوري (¬8) وصاحب عون المعبود (¬9) ، والشوكاني (¬10) . القول الرابع: - انه مخير في وضعها لعدم ثبوت شيء في ذلك؛ وهو قول الأوزاعي وابن المنذر (¬11) . القول الخامس: الاسبال هو المختار؛ وروي هذا عن الحسن وابراهيم وابن المسيب وابن سيرين وسعيد بن جبير. وروي هذا عن مالك وبه قال أكثر الزيدية (¬12) . ¬

(¬1) تفسير القرطبي 8/7311 (¬2) التعليق المغني 1/285. (¬3) الهداية 1/47 (¬4) اذ لم أجد هذا القول في كتب الشافعية (¬5) الارواء 2/71 (¬6) فقد ذكر النووي والشوكاني عنه خلاف ذلك (¬7) سبل السلام 1/168 (¬8) تحفة الأحوذي 2/ (¬9) 1/325 (¬10) نيل الاوطار 1/189. (¬11) حلية العلماء 2/96، الهداية 1/47، أحكام القرآن لابن العربي 4/1999، القوانين الفقهية ص62، نيل الأوطار 2/189، عون المعبود 1/325 (¬12) بداية المجتهد 1/99، سبل السلام 1/168، نيل الأوطار 1/189، الروضة الندية 1/97.

وقد استدل أصحاب القول الثالث؛ بحديث وائل بن حجر مع زيادة مؤمل التي تفرد بها وقد بينا شذوذها وعدم صلاحيتها للاحتجاج، واستدلوا أيضا بما رواه أبو داود (¬1) : من طريق الهيثم بن حميد عن ثور عن سليمان بن موسى، عن طاوس، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشد بينهما على صدره، وهو في الصلاة)) . وهذا لا يصلح ان يكون دليلا لما يأتي أولا: - الهيثم بن حميد، فيه كلام؛ فقد وثقه أبو داود وقال علي بن مسهر: ضعيف قدري (¬2) . ثانيا: - سليمان بن موسى قال البخاري: عنده مناكير، وقال أبو حاتم: محله الصدق وفي حديثه بعض الاضطراب، وقال النسائي: ليس بالقوي (¬3) . ثالثا: - الارسال فان طاوس تابعي صغير ولم يذكر ممن سمعه (¬4) . واستدلوا أخيرا (¬5) ، بما رواه الامام أحمد (المسند: 5/226) قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، قال: حدثنا سماك عن قبيصة بن هلب، عن أبيه، قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن يساره ورأيته يضع هذه على صدره، ووصف يحيى اليمنى على اليسرى فوق المفصل)) . وهذا ضعيف لا تقوم به حجة لأن قبيصة مجهول لم يرو عنه سوى سماك وقال ¬

(¬1) السنن 1/201 رقم (759) (¬2) الميزان 4/321 (¬3) الميزان 2/225. (¬4) التقريب 1/377. (¬5) تحفة الأحوذي 2/90، عون المعبود 1/325

عنه الحافظ في التقريب (¬1) : ((مقبول)) يعني: حيث يتابع والا فليس كما نص عليه في مقدمة كتابه (¬2) . وقال المديني: ((مجهول لم يرو عنه غير سماك)) (¬3) . ثم ان هذا الحديث معل بعدم ثبوت زيادة ((على صدره)) كما في حديث وائل، فمدار الحديث على سماك واختلف فيه على سماك، فقد رواه عن سماك. 1- شعبة بن الحجاج عند الطيالسي (المسند: 1087) ، وابن أبي شيبة (المصنف:1/305) ، وأحمد (المسند 5/226 و 227) ، وأبو داود (السنن:1/273 رقم 1041) . 2- زائدة بن قدامة، عند أحمد (المسند: 5/227) 3- شريك بن عبد الله النخعي عند أحمد (5/226) 4- أبو الأحوص سلام بن سليم، عند ابن ماجه (السنن 809 و 929) ، والترمذي (الجامع 252 و 301) ، وعبد الله بن أحمد (في زياداته على مسند أبيه 5/226 و 227) . فهؤلاء أربعتهم رووه عن سماك لم يذكر أحد منهم زيادة (على صدره) ، ومنهم من رواه مختصرا. وقد رواه سفيان الثوري عن سماك واختلف عليه أيضا فقد رواه عنه1- يحيى بن سعيد القطان - كما ذكرنا- وهو الوحيد الذي ذكر الزيادة2- عبد الرزاق (المصنف (3207)) ولم يذكر الزيادة. ¬

(¬1) 2/123. (¬2) التقريب 1/5 (¬3) حاشية سبط ابن العجمي على الكاشف 2/133.

المبحث الثالث: الاعلال بالشذوذ

3- عبد الرحمن بن مهدي عند الدارقطني (السنن 1/285) ولم يذكر الزيادة. 4- وكيع بن الجراح عند أحمد (المسند5/227) ، وابن أبي شيبة (المصنف 1/305) ولم يذكر الزيادة. فهذا الحديث لا يصلح للاحتجاج به لجهالة قبيصة وهو علة الحديث ثم لعدم ثبوت لفظة ((على صدره)) عند بقية أصحاب سفيان وعدم ثبوتها عند بقية أصحاب سماك -والله أعلم- المبحث الثالث: الاعلال بالشذوذ تعريف الشاذ: الشاذ لغة، هو: المنفرد عن غيره أو الجمهور (¬1) . أما في الاصطلاح فله ثلاثة تعاريف: الأول: عرفه الشافعي، فقال: ((ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة حديثا لم يروه غيره، انما الشاذ من الحديث ان يروي الثقات حديثا فيشذ عنهم واحد فيخالفهم)) (¬2) . وهذا هو الذي استقر عليه الاصطلاح وعليه اهل العلم (¬3) . وعلى هذا التعريف يقيد الشاذ بقيدين: أولهما: ان يكون راوي الشاذ ثقة. ¬

(¬1) المصباح المنير ص363 (¬2) الكفاية ص223، معرفة علوم الحديث للحاكم ص119، علوم الحديث ص76 (¬3) علوم الحديث ص76-77، شرح التبصرة 1/193، تدريب الراوي 1/232

شروط الشاذ

وثانيهما: ان يخالف غيره من الثقات (¬1) . الثاني: عرفه الحليلي، فقال: ((ان الشاذ ما ليس له الا اسناد واحد، يشذ بذلك شيخ ثقة أو غير ثقة، فما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به ويرد ما شذ به غير ثقة)) (¬2) . وقد رد هذا بافراد الصحيحين (¬3) . الثالث: عرفه الحاكم فقال: ((فاما الشاذ فانه حديث ينفرد به ثقة من الثقات، وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة)) (¬4) . هكذا عرفه الحاكم ولم يشترط فيه المخالفة، ولم يذكر رده، وعلى هذا يلزم ان يكون في الصحيح الشاذ وغير الشاذ (¬5) . وقد أشرت فيما سبق الى أن التعريف الأول: هو الذي استقر عليه الاصطلاح، وجرى عليه العمل عند جماهير المحدثين. شروط الشاذ: يتضح من التعريف الذي استقر عليه جمهور المحدثين: ان الحديث الشاذ لا ¬

(¬1) توضيح الأفكار 1/379، فتح المغيث 1/186 (¬2) الارشاد 1/176، ونقله عنه ابن الصلاح في علوم الحديث ص77، والطيبي في الخلاصة ص70، وابن كثير في اختصار علوم الحديث ص57 (¬3) اختصار علوم الحديث ص58 والذي يبدو لي: ان الخليلي يفرق بين ثقة مبرز في الحفظ فيحتمل تفرده وبين ثقة لا يحتمل تفرده فيتوقف فيه كما صحح حديث مالك في المغفر 1/168 مع انه صرح بتفرد مالك بن انس به والله اعلم. (¬4) معرفة علوم الحديث ص119، ونقله عنه ابن الصلاح ص77 (¬5) فتح المغيث 1/186.

أنواع الشذوذ

يكون شاذا حتى يجتمع فيه امران: التفرد، والمخالفة؛ وذلك لأن تفرد الثقة بحديث لم يخالف فيه غيره لا يعد ضعيفا، بل هو صحيح اذا استوفى بقية الشروط. مثال ذلك: حديث: ((انما الاعمال بالنيات)) فقد تفرد به يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمدبن ابراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب (¬1) . فهذا الحديث قد حصل فيه تفرد في أكثر من طبقة، ومع ذلك فلا يعد شاذا؛ لأن من تفرد به لم يخالف غيره. ثم ان خولف الثقة بأرجح منه: لمزيد ضبط او كثرة عدد أو غير ذلك من المرجحات فالمرجوح هو: الشاذ، والراجح محفوظ (¬2) أنواع الشذوذ: الشذوذ تارة يكون في المتن، وتارة يكون في الاسناد، وقد يكون فيهما كليهما ونذكر فيما يأتي امثلة ونماذج لذلك: حديث جرير بن عبد الحميد، عن سهيل، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، مرفوعا: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تسافر بريدا)) (¬3) . فلفظ بريد في هذه الرواية شاذ كما أشار اليه الحافظ ابن حجر (¬4) ؛ فقد رواه ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/5 رقم (1) (¬2) انظر منهج النقد ص428-429 (¬3) أخرجه أبو داود 2/140 رقم (1725) (¬4) الفتح 2/567 و 569.

مالك بن أنس (¬1) ، ومحمد بن عجلان (¬2) ، وابن أبي ذئب (¬3) ؛ ثلاثتهم عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري، عن ابي هريرة، مرفوعا: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوما وليلة)) . وبهذا اللفظ أخرجه الشيخان (¬4) . مما يؤكد شذوذ الرواية الأولى ولعل الوهم في ذلك من جرير وهو ابن عبد الحميد؛ فقد قال عنه الحافظ: ((ثقة صحيح الكتاب، قيل: كان في آخر عمره يهم من حفظه)) (¬5) . فلعله روى الحديث في الآخر من حفظه فأخطأ فيه. مثال للشذوذ في السند: ما رواه سفيان بن عيينة (¬6) -وتابعه ابن جريج (¬7) ، وحماد بن سلمة (¬8) - عن عمرو بن دينار، عن عوسجة، عن ابن عباس: ((ان رجلا مات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ¬

(¬1) في موطئه برواية الليثي 2/574 رقم (2803) ، ومن طريقه أخرجه أبو داود 2/140 برقم (1724) (¬2) عند الحميدي (1006) (¬3) عند ابن ماجه 2/968 رقم (2899) (¬4) صحيح البخاري 2/54 رقم (1087) ، ومسلم 4/103 رقم (1339) وغيرهم. من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، به. (¬5) تقريب التهذيب 1/127. (¬6) عند الحميدي (523) ، وأحمد 1/221، وابن ماجه 2/915 رقم (2741) ، والترمذي 4/368 رقم (2106) (¬7) عند أحمد 1/358 (¬8) عند أبي داود 3/124 رقم (2905)

نموذج للشذوذ في المتن وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء

ولم يدع وارثا الا عبدا، هو أعتقه، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم، ميراثه)) (¬1) . وقد خالفهم حماد بن زيد - وهو ثقة (¬2) - فرواه عن عمرو بن دينار، عن عوسجة، ولم يذكر ابن عباس (¬3) . ولذا قال أبو حاتم: ((المحفوظ حديث ابن عيينة)) (¬4) ، فحماد بن زيد من أهل العدالة والضبط ومع ذلك فقد رجح أبو حاتم رواية من هم أكثر عددا منه (¬5) . نموذج للشذوذ في المتن وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء مثال ذلك: حديث أشعث بن عبد الملك الحمراني، عن محمد بن سيرين، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم)) (¬6) . ¬

(¬1) وهذا الحديث حسنه الترمذي، وذكر ان العمل على خلافه عند اهل العلم. وقال البخاري في تاريخه 7/الترجمة (347) : ((لم يصح حديثه)) (¬2) التقريب 1/197 (¬3) علل الحديث لابن ابي حاتم 2/52 رقم (1643) (¬4) علل الحديث لابن أبي حاتم 2/52 رقم (1643) (¬5) أنظر لمحات في اصول الحديث ص459 (¬6) أخرجه أبو داود 1/273 رقم (1039) ، والترمذي 2/240 رقم (395) ، والنسائي 3/26، وابن حبان (2670) ، والطبراني في الاوسط (2250) ، والحاكم 1/323، والبغوي (771) . وقال الترمذي: ((حسن غريب صحيح)) ولفظة ((صحيح)) لم ترد في تحفة الأشراف 8/203 حديث (10885)

فذكر التشهد في هذا الحديث شاذ تفرد به أشعث (¬1) وخولف فيه؛ قال الامام البيهقي: ((تفرد به أشعث الحمراني، وقد رواه شعبة، ووهيب، وابن علية، والثقفي، وهشيم بن زيد، ويزيد بن زريع، وغيرهم، عن خالد الحذاء لم يذكر أحد منهم ما ذكر أشعث عن محمد عنه)) (¬2) . وأيده الحافظ ابن حجر في الفتح (¬3) وقال: ((وقال ابن حبان: ما روى ابن سيرين عن خالد الحذاء غير هذا الحديث. انتهى. وهو من رواية الأكابر عن الأصاغر (¬4) ، وضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما ووهموا رواية أشعث لمخالفته غيره من الثقات عن ابن سيرين، فان المحفوظ عن ابن سيرين في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد)) . أقول: والحديث المحفوظ الذي رواه جمع من الثقات عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين،: ((ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر، فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله، فقام اليه رجل، يقال له الخرباق، وكان في يديه طول. فقال: يا رسول الله، فذكر صنيعه، وخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى الى الناس. فقال: أصدق هذا؟ قالوا نعم. فصلى ركعة. ثم سلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم)) (¬5) . ¬

(¬1) هو: أشعث بن عبد الملك الحمراني ثقة فقيه التقريب 1/80 (¬2) السنن الكبرى 2/355. (¬3) 2/79 (¬4) انظر الكلام حول هذا النوع في علوم الحديث لابن الصلاح ص276. (¬5) أخرجه أحمد 4/427 و 431 و 440، ومسلم 2/87 رقم (574) ، وأبو داود 1/267 رقم (1018) ، وابن ماجه 1/384 رقم (1215) ، والنسائي 3/26 و 66، وابن خزيمة (1054) و (1060) ، وابن حبان (2654) ، والبيهقي 2/359.

أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: التشهد في سجود السهو

أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: التشهد في سجود السهو اختلف الفقهاء في التشهد بعد سجود السهو، لكن هذا يقتضي منا أن نوجز أولاً خلافهم في محل سجود السهو لكي نحيل عليه خلافهم في حكم التشهد، فنقول: اختلفوا في محل سجود السهو: فذهب أكثر الفقهاء الى أن محله قبل السلام. وبه قال الشافعي في الصحيح من أقواله وأحمد في رواية. وذهب بعضهم الى: أن السجود بعد السلام، وبه قال جملة من الفقهاء، واليه ذهب أبو حنيفة. وذهب بعضهم الى ان السجود ان كان من نقص فمحله قبل السلام، وان كان من زيادة فمحله بعد السلام وهو مذهب مالك، وهو قول قديم للشافعي، ورواية عن أحمد. فان اجتمعت الزيادة والنقص فمحله قبل السلام عند مالك، وبعد السلام عند الشافعي على هذا القول. وذهب بعضهم الى: أن السجود كله قبل السلام الا في موضعين فيكون بعد السلام، وهي: اذا سلم من نقص في صلاته أو تحرى الامام فبنى على غالب ظنه (¬1) . اذا حررنا هذا فقد اختلفوا في التشهد بعد سجدتي السهو؛ وخلاصة هذا الاختلاف فيما يأتي: ¬

(¬1) المجموع 4/72، المغني 1/687، الاختيار 1/93، حلية العلماء 2/178، تنقيح التحقيق 1/983، القوانين الفقهية ص67، فقه الامام سعيد 1/258 وما بعدها.

من قال: ان سجود السهو كله بعد السلام - كأبي حنيفة - قال: يتشهد بعد سجدتي السهو (¬1) . ومن قال سجود السهو كله قبل السلام - كالشافعي في الجديد- قال: يتشهد بعد سجدتي السهو. (¬2) أما الذين فصلوا فجعلوا بعضه قبل السلام وبعضه بعده: فقد قال مالك: يتشهد للذي بعد السلام، وأما التشهد للذي قبل السلام فعنه فيه روايتان (¬3) . وقال أحمد: لا يتشهد لسجود السهو الذي قبل السلام، ويتشهد لسجود السهو الذي بعد السلام (¬4) . ونحو ذلك مذهب الشافعي بالنسبة لقوله القديم (¬5) . وعلى أية حال: فمن قال بالتشهد بعد سجدتي السهو فقد أخذ بالزيادة التي سبق ذكرها في حديث عمران، ومن عدها شاذة وردها قال بعدم التشهد بعد سجدتي السهو. نموذج آخرحديث سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر قال: نحرنا يوم الحديبة سبعين بدنة البدنة عن عشرة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يشترك البقر في الهدي)) . رواه الحاكم وصححه (¬6) ، لكن لفظة ((العشرة)) شاذة، والصواب سبعة وهو ¬

(¬1) الاختيار 1/93 (¬2) مغني المحتاج 1/213. (¬3) القوانين الفقهية ص67. (¬4) المغني 1/687. (¬5) المجموع 4/72 (¬6) المستدرك 4/230

المحفوظ. وقد أشار الحافظ الذهبي الى شذوذ لفظة ((العشرة)) ، فقال: ((وخالفه ابن جريج، ومالك، وزهير، عن أبي الزبير، فقالوا: البدنة عن سبعة، وجاء عن سفيان أيضا كذلك)) (¬1) . وهو كما قال -رحمه الله- فقد أخرجه الدارمي (¬2) قال: أخبرنا يعلى، قال: حدثنا سفيان، فذكره محفوظا كرواية الجميع، ولكن لم يتبين لنا هذا الشذوذ ممن حصل. ورواية مالك أخرجها أحمد (¬3) ، والدارمي (¬4) ، ومسلم (¬5) ، وأبو داود (¬6) ، وابن ماجه (¬7) ، والترمذي (¬8) . ورواية ابن جريج، أخرجها أحمد (¬9) ، ومسلم (¬10) ، وابن خزيمة (¬11) . ¬

(¬1) التلخيص هامش المستدرك 4/230 (¬2) السنن (1961) ولعل الحمل يبقى على سفيان فإن الراوي عنه هنا يعلى بن عبيد الطنافسي وهو ثقة إلا في حديثه عن سفيان كما نص عليه ابن معين وغيره. انظر الكاشف 2/397، والميزان 4/الترجمة (9838) (¬3) المسند 3/293 والحديث في موطأ مالك برواية الليثي 1/624 رقم (1395) . (¬4) السنن (1962) (¬5) الجامع الصحيح 4/87 رقم (1318) (¬6) السنن 3/98 رقم (2809) (¬7) السنن 2/1047 رقم (3132) (¬8) الجامع 3/248 رقم (904) و 4/75 رقم (1502) وكذلك اخرجها ابو عوانة 5/236 وابن حبان (4006) والبيهقي 9/294 زالبغوي 9/294 وانظر التمهيد 12/147. (¬9) المسند 3/378 (¬10) الجامع الصحيح 4/87 رقم (1318) (¬11) صحيح ابن خزيمة (2900)

أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: الاشتراك في الهدي

ورواية زهير أبي خثيمة أخرجها مسلم (¬1) . ورواه غيرهم عزرة بن ثابت (¬2) ، وعمرو بن الحارث (¬3) جميعهم عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: ((نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبة البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة)) . كل هذا يؤكد شذوذ رواية الحاكم أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: الاشتراك في الهدي الهدي الذي تجزيء فيه الشاة - كهدي التمتع - هل يجزيء فيه اشتراك اكثر من واحد في بدنة؟ هذا موضع اختلف فيه الفقهاء: فذهب بعضهم الى أن البدنة -البعير والبقرة- تجزئ عن العشرة. وممن قال ذلك اسحاق وابن حزم (¬4) . واحتجوا بالحديث السابق مع الزيادة الشاذة ويدل لهم أيضا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم في قسمة الغنائم، عدل البعير بعشر شياه؛ وما دامت الشاة تجزيء عن واحد فالبعير يجزيء عن عشرة. فقد روي عن رافع بن خديج قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة، فأصاب الناس جوع، فأصبنا ابلا وغنما)) . الى أن قال: ((ثم قسم، فعدل عشرة من الغنم ببعير ¬

(¬1) الجامع الصحيح 4/87 رقم (1318) (¬2) عند أحمد 3/301، ومسلم 4/88 رقم (1318) (¬3) عند ابن خزيمة (2901) (¬4) المحلى 7/154

نموذج للشذوذ في السند والمتن: وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء

… الحديث)) رواه البخاري (¬1) والبقرة مثل البعير؛ فان كلا منهما يطلق عليه بدنة في اللغة (¬2) وذهب بعضهم الى أن البعير عن عشرة والبقرة عن سبعة. وهذا رواية عن سعيد بن المسيب (¬3) وحجته حديث ابن عباس، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فحضر الأضحى، فاشتركنا في البقر سبعة وفي الجزور عشرة (¬4) . وذهب الجمهور الى أن كلا منهما يجزيء عن سبعة. وبه قال أبو حنيفة، ومالك، وأحمد (¬5) . وحجتهم حديث جابر السابق باللفظ المحفوظ، ويرجح هذا أنه آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وقال مالك: لا يشترك في الدم الواحد، فالبعير كالشاة لا تجزيء الا عن واحد (¬6) . وما سبق حجة عليه. نموذج للشذوذ في السند والمتن: وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء حديث: حيان بن عبيد الله، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) الفتح 9/494 (¬2) فقه الامام سعيد 2/306 (¬3) الشرح الكبير 3/539. (¬4) اخرجه أحمد 1/275، وابن ماجه 2/1047 رقم (3131) ، والترمذي 3/248 رقم (905) وقال: ((حسن غريب)) (¬5) المحلى 7/151، 152، المجموع 7/184، الشرح الكبير 3/538، الهداية 1/110 (¬6) المحلى 7/151 و 152، الأشراف للبغدادي 1/246.

((بين كل أذانين صلاة الا المغرب)) أخرجه البزار (¬1) ، والدارقطني (¬2) قال البزار: ((لا نعلم أحدا يرويه الا بريدة ولا رواه الا حيان وهو بصري مشهور)) . أقول: هذا الحديث شاذ متنا وسندا والشذوذ جاء من قبل حيان بن عبيد الله (¬3) لتفرده بهذا الاسناد والمتن مع الزيادة كما نص عليه البزار. قال الحافظ ابن حجر: ((وأما رواية حيان - وهو بفتح المهملة والتحتانية - فشاذة؛ لأنه وان كان صدوقا عند البزار وغيره لكنه خالف الحفاظ من أصحاب عبد الله بن بريدة في اسناد الحديث ومتنه)) (¬4) . وقد بين لنا الشذوذ الامام البيهقي -رحمه الله تعالى- اذ قال: ((أخطأ فيه حيان بن عبيد الله في الاسناد والمتن جميعا، أما السند: فأخرجاه في الصحيح عن سعيد الجريري وكهمس عن عبد الله بن بريدة، عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بين كل أذانين صلاة، قال في الثالثة: لمن شاء، وأما المتن فكيف يكون صحيحا وفي رواية ابن المبارك عن كهمس في هذا الحديث قال: وكان ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين، وفي رواية حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة، عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا قبل المغرب ركعتين، وقال في الثالثة: لمن شاء)) (¬5) . ¬

(¬1) كشف الاستار 1/334 رقم (693) (¬2) السنن 1/264 (¬3) ترجمته في الميزان 1/623 الترجمة (2388) (¬4) فتح الباري 2/108. (¬5) نقله عنه شارح الدارقطني 1/264

أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: راتبة المغرب القبلية

فالشذوذ في السند: أن حيان جعل الحديث من مسند بريدة وقد رواه الجمع الغفير من الثقات عن عبد الله بن بريدة، عن عبد الله بن مغفل؛ فالحديث من مسند عبد الله بن مغفل (¬1) . وأما الشذوذ في المتن فهو الاستثناء الوارد بقوله: ((الا المغرب)) فهو خطأ بلا شك لمخالفته الثقات بذلك. أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: راتبة المغرب القبلية اختلف الفقهاء في استحباب صلاة ركعتين قبل المغرب: فذهب جمهور الفقهاء الى عدم استحبابها. وبذلك قال أبو حنبفة، ونقل عن مالك، وهو وجه في مذهب الشافعي (¬2) . ومن الحجة لهم: الزيادة في حديث بريدة السابق: ((الا المغرب)) . وذهب فريق من الفقهاء الى القول باستحباب ركعتين قبل صلاة المغرب. روي ذلك عن جماعة من الصحابة، منهم: عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن ¬

(¬1) وهكذا أخرجه ابن أبي شيبة 2/356، وأحمد 4/86 و 5/54 و 56 و 57، والدارمي (1447) ، والبخاري 1/161 رقم (627) ، ومسلم 2/212 رقم (838) ، وابو داود 2/26 رقم (1283) ، وابن ماجه 1/368 رقم (1162) ، والترمذي 1/351 رقم (185) ، والنسائي 2/28، وابن خزيمة (1287) ، وابو عوانة 2/32 و 64، وابن حبان (1559) و (1560) و (1561) ، والدارقطني 1/266، والبيهقي 2/472، والبغوي (430) جميعا من طرق عن عبد الله بن بريدة، عن عبد الله بن مغفل. (¬2) عمدة القاري 7/246، شرح مسلم للنووي 2/381، نصب الراية 2/140.

أبي وقاص، وأبي، وأبو ثور، أبو موسى الأشعري، وغيرهم. ومن التابعين: سعيد بن المسيب، والحسن، ومكحول، وغيرهم. وبه قال الظاهرية، وهو وجه للشافعية صححه النووي، ونقل ابن حجر قولا لمالك، ونقل استحباب ذلك عن أحمد، لكن قال ابن قدامة: ظاهر كلام أحمد أنهما جائزان وليستا سنة (¬1) . والحجة لهذا المذهب: وحيث قد ثبت شذوذ الزيادة السابقة في حديث بريدة فان عموم حديث بريدة يدل لهذا المذهب. ويدل لذلك أيضا: أولا: حديث عبد الله المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلوا قبل المغرب، قال في الثالثة: لمن شاء؛ كراهية أن يتخذها الناس سنة)) (¬2) . ثانيا: حديث مرثد بن عبد الله المزني قال: اتيت عقبة بن عامر الجهني، فقلت: الا أعجبك من أبي تميم: يركع ركعتين قبل المغرب، فقال عقبة: انا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: فما يمنعك الآن؟ قال: الشغل)) (¬3) ¬

(¬1) فتح الباري 3/74، تحفة الأحوذي 2/506، مصنف ابن أبي شيبة 2/356- 357، المحلى 2/256، عمدة القاري 7/246، شرح النووي على صحيح مسلم 2/381، المغني 1/766. (¬2) أخرجه البخاري 2/74 رقم (1183) (¬3) أخرجه البخاري 2/74 رقم (1184)

المبحث الرابع: الاعلال بالادراج

المبحث الرابع: الاعلال بالادراج تعريف المدرج: المدرج لغة: مأخوذ من درجت الثوب اذا طويته، والادراج هو: لف الشيء في الشيء (¬1) أما في اصطلاح المحدثين: - فهو: أن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوي فيحسبها من يسمعها مرفوعة فيرويها كذلك (¬2) . والأحسن أن يقال في تعريفه: ((ما كانت فيه زيادة ليست منه)) (¬3) . أنواع الادراج: ينقسم المدرج الى مدرج الاسناد، ومدرج المتن. أما مدرج الاسناد فهو على وجهين: الوجه الأول: أن يكون الحديث عند الراوي وعنده حديث آخر باسناد آخر، فيأتي أحد الرواة ويروي عنه أحد الحديثين باسناده الخاص ويدخل فيه الحديث الآخر كله أو بعضه من غير أن يبين ذلك (¬4) . ¬

(¬1) لسان العرب مادة ((درج)) (¬2) اختصار علوم الحديث ص73، تدريب الراوي 1/268، شرح ألفية السيوطي ص 73 (¬3) لمحات في أصول الحديث ص299. (¬4) لمحات في أصول الحديث ص301

مثال ذلك: حديث سعيد بن أبي مريم، عن الزهري، عن أنس: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابرو ولا تنافسوا ... الحديث)) (¬1) . فعبارة: ((ولا تنافسوا)) أدرجها ابن أبي مريم (¬2) وليست من هذا الحديث، بل هي من حديث آخر لمالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، مرفوعا: ((اياكم والظن فان الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا)) (¬3) فأدرج ابن أبي مريم: ((ولا تنافسوا)) في الحديث وهما منه، ورواها عن مالك باسناد واحد، وكلا الحديثين مخرج في الصحيحين متفق عليه من رواية مالك، وليس في الأول: ((ولا تنافسوا)) وهي في الثاني (¬4) . الوجه الثاني، ومثاله: الحديث الذي أخرجه الترمذي (¬5) ، من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن واصل الأحدب، ومنصور والأعمش، عن ¬

(¬1) لم اقف على رواية سعيد بن أبي مريم، والحديث في موطأ مالك 2/493 رقم (2639) عن الزهري ومن طريق مالك أخرجه البخاري 8/25 رقم (6076) ، ومسلم 8/8 رقم (2559) ، وقد رواه عن الزهري أيضا سفيان بن عيينة عند مسلم 8/9 رقم (2559) ، ومعمر بن راشد عن مسلم 8/9 رقم (2559) ، وزكريا بن اسحاق عند أحمد 3/209، وشعيب بن أبي حمزة عند البخاري 8/23 رقم (6065) ، محمد بن الوليد عند مسلم 8/9 رقم (2559) ، ويونس بن يزيد عند مسلم 8/9 رقم (2559) (¬2) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم، ثقة ثبت فقيه تقريب التهذيب 1/293. (¬3) في موطأ مالك 2/494 رقم (2640) ، ومن طريق مالك أخرجه البخاري 8/23 رقم (6066) ، ومسلم 8/10 رقم (2563) ، وغيرهم. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/256، لمحات في أصول الحديث ص301. (¬5) جامع الترمذي 5/314 رقم (3182)

أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن ابن مسعود، قال: قلت: ((يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك)) . فان رواية واصل الأحدب هذه مدرجة على رواية منصور والأعمش، فان واصلا يرويه عن أبي وائل عن ابن مسعود مباشرة لا يذكر فيه ((عمرو بن شرحبيل)) هكذا رواه شعبة وغيره عن واصل (¬1) . وقد رواه يحيى القطان، عن الثوري بالاسنادين مفصلا (¬2) ، ومن ذلك يتبين اذن ذكر، عمرو بن شرحبيل أدرج على رواية منصور والأعمش. أما ادراج المتن فهو: أن تضاف اليه زيادة من كلام بعض الرواة، يتوهم السامع أنها منه (¬3) . وقد تكون الزيادة المدرجة في أول المتن أو في وسطه أو في آخره: مثال ما أدرج في أول المتن: ((اسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار)) . هكذا رواه الخطيب من رواية ابن قطن، وشبابة، عن شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة (¬4) ، في جملة: ((أسبغوا الوضوء)) من كلام أبي هريرة. ¬

(¬1) رواية شعبة عن واصل عند أحمد 1/434 و 464، والترمذي 5/315 رقم (3183) ، والنسائي 7/90 ورواه غير شعبة: سفيان الثوري عند البخاري 6/137 رقم (4761) ، و 8/204 رقم (6811) وعند النسائي 7/90، ورواه أيضا عبد الرحمن بن مهدي عند أحمد 1/462 ثلاثتهم (شعبة، وسفيان، وابن مهدي) عن واصل، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، وأنظر علل الدارقطني ج5/220، وشرح التبصرة 1/258-260، وشرح ألفية السيوطي 76- 77 (¬2) أما التي بدون الزيادة فهي عند البخاري 6/137 رقم (4761) ، واما التي بالزيادة فهي عند البخاري أيضا 8/204 رقم (6811) . (¬3) لمحات في أصول الحديث ص299. (¬4) اورده الخطيب في: الفصل للوصل، ورقة 6، نقلا عن هامش ظفر الأماني ص248 وانظر تدريب الراوي 1/70.

قال الخطيب: ((وهم أبو قطن وشبابة في روايتهما عن شعبة على ما سقناه، وقد رواه الجم الغفير كرواية آدم)) (¬1) . ورواية آدم التي أشار اليها الخطيب البغدادي: أخرجها البخاري (¬2) قال: حدثنا آدم بن أبي اياس، قال: حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة، وكان يمر بنا والناس يتوضؤون من المطهرة، قال: أسبغوا الوضوء فان أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال: ((ويل للأعقاب من النار)) . أما ما أدرج في وسط المتن. فمثاله ما رواه: عبد الحميد بن جعفر، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن بسرة، قالت: سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول: ((من مس ذكره أو أنثييه أو رفغييه فليتوضأ)) (¬3) . قال الدارقطني: ((كذا رواه عبد الحميد، عن هشام، ووهم في ذكر الانثيين والرفغ وادراجه لذلك في حديث بسرة، والمحفوظ: ان ذلك قول عروة وكذا رواه الثقات عن هشام، منهم: أيوب وحماد بن زيد وغيرهما)) (¬4) . ¬

(¬1) ما سبق (¬2) الجامع الصحيح 1/53 رقم (165) ، وقد رواه عن شعبة غير آدم: محمد بن جعفر (غندر) ، عند أحمد 2/409، ويحيى بن سعيد عند أحمد 2/430، وحجاج بن محمد عند أحمد 2/430، ووكيع بن الجراح عند أحمد 2/271، ومسلم 1/148 رقم (242) ، وهاشم بن القاسم عند الدارمي (713) ويزيد بن زريع عند النسائي 1/77. (¬3) أخرجه الطبراني في الكبير 24/200، والدارقطني 1/148، والبيهقي 1/137 (¬4) سنن الدارقطني 1/148، وحديث بسرة سبق تخريجه مفصلا عن جماعة من الصحابة بدون ذكر الادراج.

نموذج لما أدرج في آخر المتن وأثره في اختلاف الفقهاء

نموذج لما أدرج في آخر المتن وأثره في اختلاف الفقهاء حديث زهير بن معاوية، عن الحسن بن الحر، عن القاسم بن مخيمرة، قال: أخذ علقمة بيدي وحدثني: ان عبد الله بن مسعود أخذ بيده، وحدثه: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله بن مسعود فعلمه التشهد في الصلاة: ((التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين- قال زهير-: حفظت عنه- ان شاء الله -: أشهد ان لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فاذا قضيت هذا أو قال: فاذا فعلت هذا فقد قضيت صلاتك، ان شئت أن تقوم فقم، وان شئت أن تقعد فاقعد)) . أخرجه أحمد (¬1) عن يحيى بن آدم، وأبو داود (¬2) عن عبد الله بن محمد النفيلي، والدارمي (¬3) عن ابي نعيم - الفضل بن دكين-، والطحاوي (¬4) من طريق ابي غسان وأحمد بن يونس وأبي نعيم، والدارقطني (¬5) من طريق شبابة بن سوار وموسى بن وردان، والطبراني (¬6) من طريق عبد الملك بن واقد الحمراني وأحمد بن يونس وأبي بلال الأشعري، والطيالسي (¬7) ؛ كلهم عن زهير بن معاوية بهذا الاسناد. وجعلوا قوله: ((اذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك ان شئت ان تقوم فقم وان شئت ان تقعد فاقعد)) . متصلا بالحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. ¬

(¬1) المسند 1/422. (¬2) السنن 1/254 رقم (970) (¬3) السنن 1/309. (¬4) شرح معاني الآثار 1/275 (¬5) السنن 1/353. (¬6) المعجم الكبير (9925) (¬7) المسند (275)

أثره في اختلاف الفقهاء: حكم التشهد والسلام

وقد أخرجه ابن حبان (¬1) من طريق غسان بن الربيع، قال: حدثنا ثوبان، عن الحسن بن الحر، عن القاسم بن مخيمرة، عن علقمة، عن ابن مسعود - وجعل قوله-: ((فاذا فرغت من هذا)) من قول ابن مسعود. وقال الدارقطني: ((قوله: فاذا قضيت هذا فقد قضيت الصلاة، من كلام ابن مسعود، فصله شبابة عن زهير وجعله من كلام ابن مسعود، وقوله أشبه بالصواب ممن أدرجه، وقد اتفق من روى تشهد ابن مسعود على حذفه)) (¬2) . وقال النووي في الخلاصة: ((اتفق الحفاظ على انها مدرجة)) (¬3) . وقال الكمال بن الهمام الحنفي: ((وقد بين الادراج شبابة بن سوار في روايته عن زهير بن معاوية وفصل كلام ابن مسعود من كلام النبي صلى الله عليه وسلم)) (¬4) . أثره في اختلاف الفقهاء: حكم التشهد والسلام ذهب فريق من الفقهاء الى أن التشهد والسلام ليسا فرضين، وبه قال جماعة من السلف وهو مذهب أبي حنيفة (¬5) لكن يلاحظ: ان أبا حنيفة وان قال بعدم فريضتهما، فقد ¬

(¬1) الاحسان 5/293 رقم (1962) (¬2) سنن الدارقطني 1/353. (¬3) نقله عنه الكافيجي في المختصر في علم الأثر ص148 والكمال بن الهمام في شرح فتح القدير 1/193، لكن يشكل في نقل الاجماع قول الخطابي: ((ان لم يثبت ادراجها يعني: قوله اذا قلت هذا فقد تمت صلاتك ... )) دلت على ان الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست واجبة)) . أنظر الدراية 1/157. (¬4) شرح فتح القدير 1/193. (¬5) البناية شرح الهداية 2/260، جامع الترمذي 1/262، عمدة القاري 6/121، شرح صحيح مسلم 2/40.

قال بوجوبهما، وترك الواجب عنده لا يترتب عليه بطلان الصلاة ولكن ان تركه متعمدا أثم وان تركه ناسيا سجد للسهو عنه. واحتجوا بالحديث السابق على ان الزيادة مرفوعة وليست مدرجة؛ قال المرغيناني: ((والقعدة في آخر الصلاة مقدار التشهد لقوله - عليه الصلاة والسلام- لابن مسعود- رضي الله عنه- حين علمه التشهد: ((اذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك علق التمام بالفعل قرأ أو لم يقرأ)) (¬1) . وذهب جمهور الفقهاء الى فريضتهما (¬2) . واحتجوا بما روي عن ابن مسعود، قال: ((كنا نقول قبل أن يفرض التشهد: السلام على الله السلام على جبريل وميكائيل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا هكذا؛ فان الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله ... الحديث)) (¬3) . الدلالة فيه من وجهين: أحدهما: قوله: ((قبل أن يفرض التشهد)) فدل ذلك على أن التشهد فرض. ثانيهما: قوله عليه الصلاة والسلام: ((قولوا التحيات)) والأمر للوجوب. واحتجوا أيضا: بما روي عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)) (¬4) . ¬

(¬1) الهداية 1/46. (¬2) المجموع 3/462 و 475، وشرح صحيح مسلم 2/40 و 47، والمغني 1/578 و 589. (¬3) اخرجه الدارقطني 1/133 وصححه، والبيهقي 2/378. (¬4) أخرجه الشافعي 1/70، وعبد الرزاق (2539) ، وأحمد 1/123 و 129، والدارمي (693) ، وأبو داود 1/16 رقم (61) و 1/167 رقم (618) ، وابن ماجه 1/101 رقم (275) ، والترمذي 1/8 رقم (3) ، والبزار (633) ، وأبو يعلى (616) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/273، والدارقطني 1/60، والبيهقي 2/15 و 253، وانظر تلخيص الحبير 1/229، ونصب الراية 1/307-308.

قال الترمذي: ((هذا الحديث أصح شيء في الباب وأحسن)) . نموذج آخرحديث مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن ابن أكيمة الليثي، عن أبي هريرة: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: ((هل قرأ معي منكم أحد آنفا؟)) فقال رجل: نعم. أنا يا رسول الله. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اني أقول مالي أنازع القرآن)) فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة، حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬1) . فجملة: ((فانتهى الناس عن القراءة ... الخ)) مدرجة من كلام ابن شهاب الزهري شيخ مالك. قال أبو داود: سمعت محمد بن يحيى بن فارس، قال: ((فانتهى الناس عن القراءة من كلام الزهري)) (¬2) . قال الترمذي: ((روى بعض أصحاب الزهري هذا الحديث، وذكروا هذا الحرف ¬

(¬1) الموطأ 1/139 رقم (230) ، واخرجه من طريق مالك: الشافعي 1/139، واحمد 2/311، والبخاري في جزء القراءة خلف الامام (95) و (262) ، وأبو داود 1/218 رقم (826) ، والترمذي 2/118 رقم (312) ، والنسائي 2/140، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/217، وابن حبان (1849) ، والبيهقي 2/57، وابن عبد البر في التمهيد 11/23، والبغوي (607) (¬2) السنن 1/219 عقيب (827)

أثره في اختلاف الفقهاء: حكم القراءة خلف الامام

قال: قال الزهري)) (¬1) . وقال الخطيب البغدادي: ((فانتهى الناس الخ مدرج من كلام الزهري بينه ابن عيينة)) (¬2) . وقال الحافظ ابن حجر: ((وقوله فانتهى الناس مدرج في الخبر من كلام الزهري، بينه الخطيب واتفق البخاري في التاريخ وأبو داود ويعقوب بن سفيان والذهلي والخطابي وغيره)) (¬3) . أثره في اختلاف الفقهاء: حكم القراءة خلف الامام اختلف الفقهاء في قراءة المأموم خلف الامام على ثلاثة أقوال: القول الأول: لا يقرأ المأموم مع الامام فيما يجهر به، ويقرأ فيما يسر به. وهو مذهب جماعة من السلف والخلف (¬4) . واحتجوا بحديث أبي هريرة السابق مع اللفظ المدرج. القول الثاني: يقرأ المأموم خلف الامام لا فرق بين السرية ولا جهرية (¬5) . ولم يأخذوا بحديث أبي هريرة وذلك لوجود الادراج فيه. القول الثالث: لا يقرأ المأموم خلف الامام لا في سرية ولا في جهرية (¬6) ¬

(¬1) جامع الترمذي 2/120 عقيب (312) (¬2) الفصل للوصل المدرج في النقل ص64. (¬3) التلخيص 1/246. (¬4) لقد سبق تفصيلهم (¬5) لقد سبق تفصيلهم. (¬6) سبق بيان ذلك.

نموذج للاعلال بالخطأ وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء

المبحث الخامسالاعلال بالخطأ وما أشبهه قد يطلع الجهبذ من أئمة الحديث على حديث ما فيحكم عليه بالخطأ أو الوهم مع أن الظاهر السلامة من هذه العلة، لكن العالم الفهم لا يحكم بذلك عن هوى بل يترجح لديه ان أحد الرواة قد اخطأ في هذا الحديث وذلك للقرائن التي تحيط بالحديث، ومثل هذا لا يتضح لأي أحد الا لمن منحه الله فهما دقيقا واطلاعا واسعا وادراكا كبيرا ومعرفة بعلل الأسانيد ومتونها ومشكلاتها وغوامضها ومعرفة بطرق الحديث ومخارجها واحوال الرواة وصفاتهم. وقد يختلف النقاد في اعلال الحديث بالخطأ فمنهم: من يترجح له ذلك ومنهم من لا يرى خطأ في الرواية. والاعلال بالخطأ يشمل ما أخطأ فيه الراوي، أو أوهم، أو قلب في السند أو في المتن أو صحف أو حرف. وفيما يأتي: نذكر، أمثلة لذلك، ثم نسوق بعض النماذج مبينين أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: نموذج للاعلال بالخطأ وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء مثال ذلك: حديث أبي اسحاق السبيعي، عن الأسود، عن عائشة، قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء)) (¬1) . ¬

(¬1) أخرجه الطيالسي (1397) ، واحمد 6/43 و 106 و 109 و 146 و 171، وأبو داود 1/58 رقم (228) ، وابن ماجه 1/192 رقم (581) و (582) و (583) ، والترمذي 1/202 رقم (118) ، وأبو يعلى (4729) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/124 و 125، والبيهقي 1/201، والبغوي (268) .

وهذا الحديث اسناده صحيح وليس له علة، لكن حكم جماعة من أئمة الحديث على هذا الحديث بالخطأ؛ فقد قال الامام أحمد: ((انه ليس بصحيح)) ، وقال أبو داود: ((هو وهم)) . وقال يزيد بن هارون: ((هو خطأ)) ، وقال ابن مفوز: اجمع المحدثون: ((على أنه خطأ من أبي اسحاق)) ، وقال الترمذي: ((يرونه أنه غلط من أبي اسحاق)) (¬1) . واعلال المحدثين حديث أبي اسحاق السبيعي ذلك لما صح: عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ قبل أن ينام)) (¬2) . فكأنهم رأوا حديث أبي اسحاق يخالف ما رواه الجم الغفير عن عائشة في: ((انه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ قبل أن ينام)) . والذي يبدو لي ان لا معارضة بين الحديثين، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ احيانا ولا يمس الماء أحيانا؛ لذا قال ابن قتيبة بعد أن ذكر الحديثين: ((ان هذا كله جائز، فمن شاء أن يتوضأ وضوءه للصلاة بعد الجماع ثم ينام، ومن شاء غسل يده وذكره ونام، ومن شاء نام من غير أن يمس ماء، غير أن الوضوء أفضل. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هذا مرة ليدل على الفضيلة، وهذا مرة ليدل على الرخصة ويستعمل الناس ذلك، فمن أحب أن يأخذ بالأفضل أخذ، ومن أحب أن يأخذ بالرخصة أخذ)) (¬3) . ¬

(¬1) التلخيص 1/148-149. (¬2) أخرجه الطيالسي (1384) و (1485) ، وعبد الرزاق (1073) ، وابن أبي شيبة 1/60 و 61، والدارمي (763) و (2084) ، وأحمد 6/126 و 143 و 191، والبخاري 1/80 رقم (288) ، ومسلم 1/170 رقم (305) ، وأبو داود 1/57 رقم (222) و (223) و (224) ، وابن ماجه 1/194 رقم (591) ، وعلقه الترمذي 1/203 عقيب (119) ، والنسائي 1/139، وابن خزيمة (215) ، وأبو عوانة 1/278، والطحاوي في شرح المعاني 1/125، وابن حبان (1217) و (1218) ، والبيهقي 1/200 و 300، والبغوي (265) . (¬3) نقله محقق مسند أبي يعلى 8/175-176.

وحديث أبي اسحاق صححه البيهقي، فقد قال: ((وحديث أبي اسحاق السبيعي صحيح من جهة الرواية، وذلك أن أبا اسحاق بين سماعه من الأسود في رواية زهير بن معاوية، عنه، والمدلس اذا بين سماعه ممن روى عنه وكان ثقة فلا وجه لرده)) (¬1) . وحديث أبي اسحاق السبيعي (¬2) له شواهد تعضده قال البيهقي: ((ويؤيده ما رواه هشيم عن عبد الملك، عن عطاء، عن عائشة مثل رواية أبي اسحاق عند الأسود)) (¬3) . وما صح عن ابن عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ((نعم ويتوضأ ان شاء)) (¬4) . وحديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت جنبا فيأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة فيقوم فيغتسل)) (¬5) . ¬

(¬1) السنن الكبرى 1/202. (¬2) وأبو اسحاق هو: عمرو بن عبد الله الهمداني، أبو اسحاق السبيعي ثقة مكثر عابد من الثالثة، اختلط بآخره تقريب التهذيب 2/73، قلت: واختلاطه هنا لا يضر فإن من الذين رووا الحديث عنه سفيان الثوري وروايته عنه قديمة جيدة كما نص عليه الحافظ ابن حجر نفسه في التهذيب، هذا غير إنا لا نسلم انه اختلط فقد دفعه الذهبي في الميزان 3/الترجمة 6393 بقوله: ((شاخ ونسي، ولم يختلط وقد تغير قليلاً)) . وانظر لزاماً الكاشف 2/82 بتحقيق الشيخ محمد عوامة. (¬3) السنن الكبرى 1/202. (¬4) أخرجه ابن خزيمة (211) ، وابن حبان (232 موارد) (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة 2/173، وأحمد 6/101 و 254. واسناده صحيح

((أثر ذلك في اختلاف الفقهاء)) (حكم الجنب اذا أراد أن ينام) اختلف الفقهاء فيمن أجنب اذا أراد أن ينام: فذهب جماعة من الفقهاء الى أنه يستحب للجنب اذا أراد أن ينام أن يتوضأ روي ذلك عن علي وعبد الله بن عمر، ورواية عن سعيد بن المسيب. واليه ذهب الشافعي وأحمد، وبه قال مالك (¬1) . والحجة لهم: ما صح عن أم المؤمنين عائشة: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام)) (¬2) وذهب بعض الفقهاء الى أنه يرخص للجنب في النوم من غير وضوء ولا كراهة عليه وبه قال بعض الفقهاء (¬3) . واحتجوا بحديث أبي اسحاق السابق (¬4) . ((نموذج للاعلال بالوهم وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء)) حديث عيسى بن يونس، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي ¬

(¬1) المجموع 2/156، المغني 1/228، المدونة 1/308. (¬2) سبق تخريجه. (¬3) شرح معاني الآثار 1/125، المجموع 2/156، المغني 1/228. (¬4) سبق تخريجه.

هريرة مرفوعا: ((من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض)) (¬1) قال الترمذي: ((حسن غريب)) (¬2) ، وقال الدارقطني: ((رواته ثقات)) (¬3) ، وصححه الحاكم ولم يتعقبه الذهبي (¬4) . بينما أعله جماعة من الحفاظ بالوهم قال البخاري: ((لم يصح)) (¬5) وقال: ((لا أراه محفوظا)) (¬6) . وقال أبو داود: ((قلت له: (يعني: الامام أحمد) حديث هشام، عن محمد، عن أبي هريرة؟ قال: ليس من هذا شيء)) (¬7) . وقال البيهقي: ((وبعض الحفاظ لا يراه محفوظا)) (¬8) ونقل الزيلعي عن مسند اسحاق بن راهويه: ((قال عيسى بن يونس زعم أهل البصرة ¬

(¬1) أخرجه أحمد 2/498، والدارمي (1736) ، وأبو داود 2/310 رقم (2380) ، وابن ماجه 1/536 رقم (1676) ، والترمذي 3/98 رقم (720) ، والنسائي في الكبرى (3130) ، وابن خزيمة (1960) و (1961) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2/97، وابن حبان (3519) ، والدارقطني 2/184، والحاكم، والبيهقي 4/219، والبغوي (1755) ، والمزي في تهذيب الكمال 7/142. (¬2) جامع الترمذي 3/99 عقيب (720) (¬3) سنن الدارقطني 2/184 (¬4) المستدرك والتلخيص 1/426. (¬5) تاريخه الكبير 1/الترجمة (251) (¬6) نقله عنه تلميذه الترمذي 3/99 عقيب (720) (¬7) سؤالات أبي داود للامام أحمد ص292، ونقله الزيلعي في نصب الراية 2/448. (¬8) السنن الكبرى 4/219

أن هشاما وهم في هذا الحديث)) (¬1) . وقال الدارمي: ((قال عيسى: زعم أهل البصرة أن هشاما أوهم فيه، فموضع الخلاف ههنا)) (¬2) ووجه توهيم هشام بن حسان: ان الحديث محفوظ موقوفا ورفعه وهم توهم فيه هشام قال البخاري: ((ولم يصح وانما يروى هذا عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة رفعه (¬3) ، وخالفه يحيى بن صالح، قال: حدثنا يحيى، عن عمر بن حكيم بن ثوبان سمع أبا هريرة، قال: اذا قاء أحدكم فلا يفطر فانما يخرج ولا يولج)) (¬4) . هكذا أعل الامام البخاري بأن الصواب موقوف وان الخطأ الذي نشأ لهشام بسبب رواية عبد الله بن سعيد، وكذلك أعل النسائي حديث هشام بالوقف فقد قال: ((وقفه عطاء)) ثم ذكر الروايات الموقوفة (¬5) . وقد خالف الشيخ ناصر الدين الألباني ذلك فصحح الحديث في تعليقه على صحيح ابن خزيمة (¬6) ، معتمدا على متابعة حفص بن غياث (¬7) لعيسى بن يونس قال: ¬

(¬1) نصب الراية 2/449. (¬2) سنن الدارمي 1/25. (¬3) عبد الله بن سعيد هو ابن أبي سعيد المقبري، وهو متروك كما في التقريب 1/419، وحديثه أخرجه ابن أبي شيبة 3/38، وأبو يعلى (6604) ، والدارقطني 2/182 و 185، وقد علقه الترمذي 3/99 عقيب (720) بصيغة التمريض. (¬4) تاريخه الكبير 1/الترجمة (251) (¬5) السنن الكبرى 2/215 عقيب (3130) (¬6) ج3/229. (¬7) وهي التي عند ابن ماجه 1/536 رقم (1676) ، والحاكم 1/426، والبيهقي 4/429

أثره في اختلاف الفقهاء: حكم من تقيأ عامدا وهو صائم

((وانما قال البخاري وغيره: بانه غير محفوظ لظنهم أنه تفرد به عيسى بن يونس عن هشام)) (¬1) . قلت: وهذا بعيد جدا لأنه يستبعد عن الأئمة الحفاظ السابقين الذين حفظوا مئات الآلاف من الأسانيد أنهم لم يطلعوا على هذه المتابعة، فأصدروا هذا الحكم. بل ان العلة عندهم وهم هشام لا تفرد عيسى بن يونس كما صرح به البخاري في تأريخه فانه قال: ((ان حديث هشام عنده وهم لا يلتفت اليه)) (¬2) . وقد تقدم قول عيسى بن يونس في توهيم هشام ونقله عن أهل البصرة ذلك واقرار الدارمي ذلك، ومما يدل على أن المتابعة التي ذكرها الشيخ الألباني معروفة لديهم أن أبا داود الذي سأل أحمد بن حنبل عن حديث هشام قد أشار الى متابعة حفص لعيسى، اذ قال: ((ورواه أيضا حفص بن غياث عن هشام مثله)) (¬3) أثره في اختلاف الفقهاء: حكم من تقيأ عامداً وهو صائم اختلف الفقهاء فيمن تقيأ عامدا مستدعيا لخروج القيء على مذهبين: ذهب عامة أهل العلم الى أن من استقاء عامدا يفسد صومه (¬4) . ولعلهم احتجوا بالحديث السابق - مع اعلال كثير من المحدثين له بالوهم- لأن منهم من صححه، ولأن الأخذ بمضمونه مستفيض عند العلماء حتى نقل ابن ¬

(¬1) الارواء 3/53. (¬2) التاريخ الكبير 1/91. (¬3) السنن 2/310 عقيب (2380) (¬4) المغني 3/52، المحلى 6/175.

نموذج للاعلال بالقلب وثر ذلك في اختلاف الفقهاء

المنذر الاجماع على ذلك (¬1) . لكن حكي عن ابن مسعود وابن عباس: أن القيء لا يفطر (¬2) . وقد احتج لهم ابن قدامة بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث لا يفطرن الصائم: الحجامة والقيء والاحتلام)) (¬3) . وأعله ابن قدامة: بأنه حديث غير محفوظ يرويه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف في الحديث (¬4) . نموذج للاعلال بالقلب وثر ذلك في اختلاف الفقهاء من الأوهام التي تنشأ لبعض رواة الحديث القلب في مروياتهم، وقد حصل هذا لكثير من الرواة، وقد تمكن المحدثون من تمييز هذه الأوهام التي وقعت لبعض المرويات وميزوا الخطأ من الصواب حتى بقيت السنة مصانة ومحفوظة من الخطأ والعمد ومن الزائد والدخيل، وتمييز هذه الأوهام لم يكن بالأمر السهل على المحدثين؛ لكنهم كانوا يتابعون الرواة في حلهم وترحالهم وكيفية تلقيهم وأدائهم للحديث؛ حتى لا يدخل على السنة ما ليس منها. والقلب سواء كان بالمتن أو في السند قد يكون عمدا من الراوي أو سهواً، والعمد قد يكون لاختبار الراوي كما صنع مهرة محدثي بغداد للامام البخاري ليختبروا حفظه وذكائه حتى رد كل حديث على اسناده وميز ¬

(¬1) المغني 3/52 (¬2) المغني 3/52. (¬3) أخرجه عبد بن حميد (959) ، وابن عدي 4/1579 و 1583، والدارقطني 2/183، وابو نعيم في الحلية 8/357، والبيهقي 4/220 و 364. وأنظر تلخيص الحبير 2/206 (¬4) تقريب التهذيب 1/480، ميزان الاعتدال 2/564 الترجمة (4868)

الخطأ من صوابه (¬1) . أو للاغراب كما يفعله بعض الضعفاء من أجل أن يوقعوا الناس في الغرابة حتى يظنوا أنه يروي ما ليس عند غيره حتى يقبلوا على أخذ حديثه والتحمل عنه كأن يكون الحديث مشهورا عن راو من الرواة أو باسناد من الأسانيد فيقلبه أحد الضعفاء الكذابين براو أو باسناد آخر وهذا صنيع محرم يقدح في عدالة راويه (¬2) . فعلماء الحديث خدموا السنة وتتبعوا الرواة وبينوا ما وقع في الحديث من قلب أو غيره حتى جعلوا المقلوب نوعا من أنواع علوم الحديث. ويمكننا أن نعرفه بأنه: هو الحديث الذي أبدل فيه راويه شيئا بآخر في السند أو في المتن عمدا أو سهوا (¬3) . والحديث المقلوب من انواع الضعيف؛ لانه ناشيء عن اختلال ضبط الراوي للحديث حتى احاله عن وجهه، واذا كثر وقوع ذلك منه أدى الى اختلال ضبطه وضعف حديثه (¬4) . والقلب قد يكون في السند مثل: ((كعب بن مرة)) فيقلب على أحد الرواة الى: ((مرة بن كعب)) . وقد يكون في المتن وهو كثير، منه: حديث أبي هريرة عند مسلم (¬5) حديث: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله)) فقد جاء في هذه الرواية عند مسلم: ((ورجل تصدق بصدقته فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) . وهذه ¬

(¬1) راجع القصة في تاريخ بغداد 2/20، والبداية والنهاية 1/25، وهدي الساري 2/200. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/284. (¬3) شرح التبصرة 1/283، منهج النقد ص435، ظفر الأماني ص405، التقييد والايضاح 2/101. (¬4) منهج النقد ص435. (¬5) الصحيح 3/93 رقم (1031)

اللفظة انقلبت على بعض الرواة والحديث محفوظ: ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) (¬1) . ((أثر القلب في اختلاف الفقهاء)) (الهيئة عند السجود هل توضع اليدان قبل أم الركبتان؟) اختلف الفقهاء في ذلك على قولين: القول الأول: توضع الركبتان قبل اليدين عند الهوي الى السجود. نقله الترمذي عن أكثر أهل العلم، وهو مروي عن عمر بن الخطاب. وبه قال النخعي، ومسلم بن يسار، وسفيان الثوري، والشافعي، وأحمد في رواية واسحاق وهو مذهب أهل الكوفة منهم: أبو حنيفة (¬2) . واحتجوا بما رواه شريك القاضي، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه واذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه)) (¬3) ¬

(¬1) عند أحمد 2/439، والبخاري 1/168 رقم (660) و 2/138 رقم (1423) ، والترمذي 4/516 رقم (2391) ، والنسائي 8/222، وابن خزيمة (59) ، وابن حبان (7338) ، والبيهقي 10/87، والبغوي (470) ، وابن عبد البر 2/280. (¬2) جامع الترمذي 2/57، الأم 1/113، المغني 1/554، بداية المجتهد 1/167، شرح معاني الآثار 1/254، المجموع 3/394، نيل الأوطار 2/281. (¬3) أخرجه الدارمي (1326) ، وأبو داود 1/222 رقم (838) ، وابن ماجه 1/286 رقم (882) ، والترمذي رقم (268) ، والنسائي 2/206 و 234، وابن خزيمة (626) و (629) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/255، وابن حبان (1912) ، والطبراني في الكبير 22/حديث (97) ، والدارقطني 1/345، والحاكم 1/ 226، والبيهقي 2/98.

قال الترمذي: ((هذا حديث حسن غريب، لا نعرف أحدا رواه غير شريك)) (¬1) . القول الثاني: توضع اليدان قبل الركبتين في السجود. وبه قال الأوزاعي ومالك ورواية عن أحمد وهو مذهب أصحاب الحديث. وقال الأوزاعي: ((أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم)) وبه قال ابن حزم وجعل وضع اليدين قبل الركبتين فرضا. ونقله الشوكاني عن العترة (¬2) . واحتجوا: بما رواه عبد العزيز بن محمد الدراوردي، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن الحسن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اذا سجد أحدكم، فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) (¬3) . ¬

(¬1) جامع الترمذي 2/57 عقيب (268) . وانظر تحفة الأشراف 9/89 حديث (11780) ، وشريك سيء الحفظ، فحديثه ضعبف عند التفرد وقد تفرد بهذا الحديث، وهذا الحديث ضعفه الامام الدارقطني في سننه 1/345 لتفرد شريك فقد قال: ((لم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به)) ، وأنظر ترجمة شريك في التقريب 1/351. ولعل الامام الترمذي حسنه لتلقي أهل العلم له بالقبول؛ لأنه قال ((والعمل عليه عند أكثر أهل العلم)) . (¬2) المحلى 4/129، المجموع 3/394، شرح معاني الآثار 1/254، المغني 1/554، الشرح الكبير للدردير 1/250، نيل الاوطار 2/282، فتح الباري 2/291، تحفة الأحوذي 2/128 (¬3) أخرجه أحمد 2/381، والبخاري في التاريخ الكبير 1/139، وأبو داود 1/222 رقم (840) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/254، والدارقطني 1/344-345، والبيهقي 2/99 و 100، والحازمي في الاعتبار ص158 و 159، واسناده صحيح، وكذا قال محققا زاد المعاد 1/223 وصححه ابن حزم في المحلى 4/129، وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي 2/137: ((صحيح أو حسن لذاته)) ثم أطال النفس في تعليل ذلك. وقال ابن حجر في بلوغ المرام: ((هو أقوى من حديث وائل بن حجر)) سبل السلام 1/186، ونقل المباركفوري 2/137 عن ابن سيد الناس قوله: ((أحاديث وضع اليدين قبل الركبتين أرجح)) .

وكان الامام البخاري أعله بتفرد محمد بن عبد الله بن الحسن وبالانقطاع. اذ قال: ((ولا يتابع عليه ولا أدري سمع من أبي الزناد أم لا؟)) (¬1) . وأجيب عن ذلك: أما التفرد فلا يضر لأنه ثقة (¬2) . قال ابن التركماني: ((وثقه النسائي، وقول البخاري: لا يتابع على حديثه ليس بصريح في الجرح فلا يعارض توثيق النسائي)) (¬3) . وأما قول البخاري: ((ولا أدري سمع من أبي الزناد أم لا؟)) فهي غير مفيدة للانقطاع غاية ما فيها عدم معرفة البخاري لهذا الأمر، وقد عرفه غيره فأثبته الامام الذهبي بقوله: ((حدث عن نافع وأبي الزناد)) (¬4) . وقد دفع ابن خزيمة الاستدلال بهذا الحديث بأنه منسوخ بما رواه ابراهيم بن اسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن سلمة، عن مصعب بن سعد، عن سعد قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بالركبتين قبل اليدين (¬5) ¬

(¬1) التاريخ الكبير 1/139. (¬2) التقريب 2/176، التهذيب 9/252. (¬3) الجوهر النقي 2/100. (¬4) سير اعلام النبلاء 6/210. وأنظر تهذيب التهذيب 9/353 والكاشف 2/185-186 طبعة الشيخ محمد عوامة. (¬5) صحيح ابن خزيمة (628) . وضعف ابن حجر النسخ بقوله: ((وادعى ابن خزيمة أن حديث أبي هريرة منسوخ)) . فتح الباري 2/291.

وأجيب: بأن هذا لا يصلح للنسخ لشدة ضعفه وسقوطه؛ فهو مسلسل بالعلل ابراهيم بن اسماعيل، لينه أبو زرعة وتركه أبو حاتم (¬1) . واسماعيل بن يحيى، قال الدارقطني: ((متروك)) (¬2) . ويحيى بن سلمة، قال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك (¬3) . وقال ابن حجر: ((وهذا لوصح لكان قاطعا للنزاع لكنه من افراد ابراهيم بن اسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه وهو ضعيف)) (¬4) . وقد دفع ابن القيم الاستدلال بحديث أبي هريرة وأعله بالقلب. قال ابن القيم: ((وكان يقع لي أن حديث أبي هريرة كما ذكرنا مما انقلب على بعض الرواة متنه وأصله، ولعله: ((وليضع ركبتيه قبل يديه)) (¬5) . وكذلك قال اللكنوي (¬6) ويجاب عن هذا: بأن هذا مما لا دليل عليه ولعل ابن القيم واللكنوي - رحمهما الله- ما لا الى ذلك بما روي من طريق عبد الله بن سعيد المقبري، عن جده، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الفحل)) (¬7) . ¬

(¬1) الميزان 1/20 الترجمة (39) (¬2) الميزان 1/254 الترجمة (968) (¬3) الميزان 4/381 الترجمة (9527) . وأنظر الاعتبار للحازمي ص160. (¬4) الفتح 2/291. (¬5) زاد المعاد 1/224. (¬6) ظفر الأماني ص405 و 407. (¬7) أخرجه ابن أبي شيبة 1/263، والطحاوي 1/255، والبيهقي 2/100.

نموذج للاعلال بالتصحيف والتحريف

لكن هذا لا حجة لهم فيه ولا ينبغي أن تعل به الأحاديث الصحيحة، فهو ضعيف جدا لتفرد عبد الله بن سعيد المقبري به فهو متروك. قال ابن معين: ليس بشيء، وقال الفلاس: منكر الحديث متروك، وقال يحيى بن سعيد: استبان لي كذبه، وقال الدارقطني: متروك ذاهب الحديث، وقال البخاري: تركوه. (¬1) ثم أن حديث وضع اليدين قبل الركبتين، له شاهد موقوف من طريق نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان اذا سجد بدأ بوضع يديه قبل ركبتيه، وكان يقول: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك)) (¬2) . نموذج للاعلال بالتصحيف والتحريف يحصل لبعض الرواة أوهام تقع في السند أو في المتن بتغيير النقط أو الشكل أو الحروف. وهذا النوع من الخطأ يسمى عند المحدثين بـ ((التصحيف والتحريف)) . ومعرفة ¬

(¬1) الميزان 2/429 الترجمة (4353) ، ومما ينبغي التنبيه اليه: ان الامام الطحاوي 1/255 أعل حديث الأعرج عن أبي هريرة بحديث عبد الله بن سعيد المقبري وقد بان لك ما فيه، ومنهم: من جعل هذا اضطرابا وليس الأمر كذلك فان من شرط الاضطراب استواء وجوه الاختلاف ولا تعل الرواية الصحيحة بالضعيفة. (¬2) أخرجه أبو داود كما في تحفة الأشراف (8030) ، وابن خزيمة (627) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/254، والدارقطني 1/344، والحاكم 1/226، وصححه، ولم يتعقبه الذهبي، وعلقه البخاري (2/390 الفتح) مجزوما به، لكن الجزء المرفوع منه لم يرد عند البخاري ولا الدارقطني، وقال البيهقي عن هذه الزيادة المرفوعة: ((ولا أراه الا وهما)) السنن الكبرى 2/100 ولم يعقب عليه الحافظ ابن حجر 2/291.

هذا النوع من أنواع علوم الحديث له أهمية كبيرة؛ وذلك لما فيه من تنقية الأحاديث النبوية مما شابها في بعض الألفاظ سواء كان في متونها أو في رجال أسانيدها. وهذا الفن فن جليل لما يحتاج اليه من الدقة والفهم واليقظة، ولم ينهض به الا الحفاظ الحاذقون؛ فقد عني به المحدثون وبضبطه. وفائدة معرفة هذا الفن معرفة المراد من الكلمات المصحفة قبل تصحيفها (¬1) . والتصحيف في اللغة: تغير اللفظ حتى يتغير المراد، ويقال: صحفه فتصحف. أي: غيره فتغير حتى التبس (¬2) . وهو مشتق من الصحيفة؛ لأن من ينقل كذلك ويغير يقال: أنه قد صحف: أي قد روى من الصحف فهو مصحف، ومصدره التصحيف (¬3) . والتصحيف في اصطلاح المحدثين: تحويل الكلمة في الحديث من الهيئة المتعارفة الى غيرها (¬4) . والتصحيف والتحريف مترادفان، ويطلقان على معنى واحد، الا أن الحافظ ابن حجر فرق بينهما تفريقا حسنا، فقال: ((وان كانت المخالفة بتغير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق، فان كان ذلك بالنسبة الى النقط فالمصحف، وان كان بالنسبة الى الشكل فالمحرف)) (¬5) . والسبب في وقوع التصحيف والاكثار منه انما يحصل غالبا للآخذ من الصحف وبطون الكتب، دون تلق للحديث عن أستاذ من ذوي الاختصاص؛ لذلك حذر أئمة ¬

(¬1) علوم الحديث ص250، منهج النقد ص444. (¬2) المصباح المنير 1/358. (¬3) فتح المغيث 3/68 (¬4) فتح المغيث 3/68. (¬5) نزهة النظر ص49.

الحديث من الأخذ عمن هذا شأنه، وقالوا: ((لا يؤخذ الحديث من صحفي)) (¬1) . ثم أن التصحيف اذا صدر من الراوي نادرا لا يعاب عليه به ولا يطعن فيه، لكن اذا كثر منه دل على ضعفه لأنه ليس من أهل الشأن؛ لذا قال الامام أحمد بن حنبل: ((ومن يعرى عن الخطأ والتصحيف)) (¬2) . والتصحيف يكون في السند ويكون في المتن: وما كان في السند: هو ما حصل فيه تغيير في ضبط رجل أو أكثر من رجال السند مثل: جواب التيمي، قرأه بعضهم: جراب، وأبي حرة، قرأه بعضهم أبو جرة (¬3) . والتصحيف في المتن: هو ما كان فيه تغيير لبعض الفاظ المتن. مثاله: ما روي عن الدارقطني: أن أبا موسى العنزي حدث بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يأتي أحدكم يوم القيامة ببقرة لها خوار)) ، فقال فيه: ((أو شاة تنعر)) بالنون، وانما هو: ((تيعر)) ، بالياء (¬4) . ¬

(¬1) فتح المغيث 3/68. (¬2) علوم الحديث 252، فتح المغيث 3/68. (¬3) فتح المغيث 3/70. (¬4) الجامع لأخلاق الراوي 1/295، علوم الحديث ص254.

الخاتمة في خلاصة نتائج البحث

الخاتمة في خلاصة نتائج البحث اقرب المعاني اللغوية لمعنى العلة في اصطلاح المحدثين هو: المرض؛ وذلك لأن الحديث الذي ظاهره الصحة اذا اكتشف الناقد فيه علة قادحة، فإن ذلك يمنع من الحكم بصحته. ان تقييد العلة بكونها خفية قيد اغلبي، فإن المحدثين اذا تكلموا عن العلة باعتبار إن خلو الحديث منها يعد قيداً لابد منه لتعريف الحديث الصحيح، فإنهم في هذه الحالة يطلقون العلة ويريدون بها المعنى الاصطلاحي الخاص، وهو السبب الخفي القادح واذا تكلموا في نقد الحديث بشكل عام فإنهم في هذه الحالة يطلقون العلة ويريدون بها السبب الذي يعل به الحديث سواء كان خفيا او ظاهراً، قادحاً او غير قادح، وهذا له نظائرعند المحدثين. العلة بالمعنى الاصطلاحي الخاص لا تعرف إلا بجمع الطرق والموازنة والنظر الدقيق في اسانيد الحديث ومتونه. ان معرفة الخطأ في حديث الضعيف يحتاج الى دقة وجهد كبير كما هو الحال في معرفة الخطأ في حديث الثقة. التفرد بحد ذاته ليس علة، وانما يكون احياناً سبباً من اسباب العلة. ويلقي الضوء على العلة ويبين ما يكمن في اعماق الرواية من خطأ او وهم. المجروحون جرحاً شديداً - كالفساق والمتهمين والمتروكين - لا تنفعهم المتابعات إذ ان تفردهم يؤيد التهمة عند الباحث الناقد الفهم.

الحديث الضعيف اذا تلقاه العلماء بالقبول فهو مقبول يعمل به ولا يسمى صحيحاً. علم العلل كالميزان لبيان الخطأ والصواب والصحيح والمعوج. قد تعل بعض الاحاديث بالمعارضة اذا لم يمكن الجمع ولا التوفيق. الشك ليس علة في الحديث، لكن قد يتوقف العلماء في كلمة او لفظة يقع فيها الشك. زيادة الثقة مقبولة ما لم يقم دليل او ترجح القرينة ردها. علل المتن في الغالب آتية مما اشترط الفقهاء للعمل بخبر الآحاد، وكثير منها يعود للترجيح، بمعنى ان بعض الفقهاء يرجح العمل بالدليل المعارض عنده على العمل بخبر الآحاد، وذلك كرد بعض الفقهاء خبر الآحاد كإن يكون وارداً فيما تعم فيه البلوى، او خالفت فتيا الصحابي الحديث الذي رواه، وكتقديم بعض العمل بالقواعد العامة او عمل اهل المدينة على العمل بخبر الآحاد عند المعارضة، وقد انتهيت في غالب ذلك في ترجيح ما ذهب اليه جمهور العلماء في هذه القضايا. لما تقدم يبدو لي من المهم جداً تشجيع الدراسات التي تربط بين الفقه ومصادره، وخصوصاً تلك التي تربط بينه وبين علوم الحديث المختلفة. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان الى يوم الدين تم بحمد الله الفراغ من طباعة هذا البحث يوم الاثنين الموافق 16 محرم 1420 هـ الموافق ليوم 3/5/1999 م

ملحق في تراجم الأعلام

ملحق في تراجم الأعلام الواردة في الرسالة 1- (ابراهيم بن يزيد النخعي) أبو عمران الكوفي , فقيه العراق , ورأس مدرسة الرأي. قال الشعبي - حين بلغه موته-: ((ما ترك بعده مثله)) . ولد سنة ست واربعين. وتوفي سنة ست وتسعين. ((طبقات ابن سعد 6/270 , حلية الاولياء 4/217 , تذكرة الحفاظ 1/73 , تهذيب التهذيب 1/187)) 2- (ابي بن كعب النجاري المدني) من اعيان الصحابة , وسيد قراء هذه الامة. شهد بيعة العقبة , وبدرا , والمشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم , توفي بالمدينة , والأكثرون على انه توفي في خلافة عمر. وقيل: غير ذلك. ((حلية الاولياء 1/250 , الاستيعاب 1/47 , تذكرة الحفاظ 1/16 , الاصابة 1/9 , تهذيب التهذيب 1/187)) 3- (احمد بن ابي خثيمة: زهير بن حرب النيسابوري البغدادي) ابو بكر , محدث , اديب ولد ببغداد , سنة: خمس وثمانين ومائة. وتوفي فيها سنة: تسع وسبعين ومائتين. ((تاريخ بغداد 4/162 , تذكرة الحفاظ 2/156)) 4- (احمد بن علي الرازي) ابو بكر الجصاص: من اكابر الحنفية , اليه انتهت رئاسة العلم في زمانه في مذهب ابي حنيفة. ولد سنة: خمس وثلثمائة وتوفي سنة: سبعين وثلثمائة ((تاريخ بغداد 4/314)) 5- (احمد بن محمد بن سلامة الازدي الطحاوي) ابو جعفر: من كبار ائمة الحنفية في الحديث والفقه والخلاف. ولد في ((طحا)) من صعيد مصر سنة: تسع وعشرين ومائتين , وقيل: غير ذلك. وتوفي في: مستهل ذي القعدة سنة: احدى وعشرين وثلثمائة. ((البداية والنهاية 11/174 , تذكرة الحفاظ 3/808))

6- (احمد بن محمد بن هانئ) ابو بكر الاسكاف الطائي الأثرم: محدث , فقيه , صاحب احمد بن حنبل. له من الكتب السنن والتاريخ والعلل. توفي سنة احدى وستين ومائتين. ((تذكرة الحفاظ 2/570)) 7- (اسحاق بن ابراهيم بن مخلد الحنظلي) ابو يعقوب المروزي , ابن راهويه: احد ائمة المسلمين , جمع بين الحديث والفقه والورع والتقوى. ولد سنة: احدى - وقيل: ست - وستين ومائة. توفي بنيسابور: ليلة السبت , الموافق ليلة النصف من شعبان سنة: سبع - او ثمان - وثلاثين ومائتين. ((تاريخ بغداد 6/345 , حلية الاولياء 9/234 , تذكرة الحفاظ 2/433 , تهذيب التهذيب 1/216)) 8- (اسماء بنت ابي بكر الصديق) ذات النطاقين , صحابية من الفضليات , اخت عائشة لأبيها , وام عبد الله بن الزبير توفيت بمكة , سنة: ثلاث - او اربع- وسبعين. ((حلية الاولياء 2/55 , الاستيعاب 4/232 , الاصابة 4/229 , تهذيب التهذيب 12/397)) 9- (اسماعيل بن ابراهيم بن مقسم الاسدي البصري) ابو بشر , المعروف: بابن علية. امام حجة جمع بين الحديث والفقه. ولد سنة: عشر ومائة. وتوفي ببغداد: يوم الثلاثاء , لثلاث عشر خلت من ذي القعدة سنة: ثلاث - او اربع - وتسعين ومائة. ((تاريخ بغداد 6/229 , تذكرة الحفاظ 1/322 , تهذيب التهذيب 1/275)) 10- (اسماعيل بن عياش بن سليم العنسي) ابو عتبة الحمصي: صدوق في روايته عن اهل بلدة مخلط في غيرهم. ((تقريب التهذيب 1/73 , تهذيب التهذيب 1/321)) 11- (الاسود بن يزيد بن قيس) ابو عمرو - ويقال: عبد الرحمن - النخعي التابعي: من اصحاب ابن مسعود , فقيه , حافظ , ثقة , وكان عالم الكوفة في عصره.

توفي بالكوفة , سنة: اربع - او خمس او ست - وسبعين. ((حلية الاولياء 2/102 , تذكرة الحفاظ 1/48 , الاصابة 1/106 , تهذيب التهذيب 1/342)) 12- (اشهب بن عبد العزيز بن وارد القيسي) ابو عمرو: وقيل: اسمه مسكين , واشهب لقبه , من اجل اصحاب مالك المدافعين عن مذهبه , واليه انتهت رئاسة المالكية في مصر بعد ابن القاسم. ولد سنة: خمس واربعين ومائة. وتوفي بمصر: يوم السبت لثمان بقين من شعبان سنة اربع ومائتين. ((تهذيب التهذيب 1/359)) (الاعرج = عبد الرحمن بن هرمز، سيأتي) (الاعمش = سليمان بن مهران ,سياتي) (ابو امامة = صدي بن عجلان , سيأتي) (الاوزاعي = عبد الرحمن بن عمرو , سيأتي) 13- (اياس بن معاوية بن قرة المزني) أبو واثلة , البصري: تابعي , فقيه , ثقة , ولي قضاء البصرة. ولد سنة: ست واربعين. وتوفي بواسط , سنة: اثنتين وعشرين ومائة. ((حلية الاولياء 3/123 , تهذيب التهذيب 1/390)) . 14- (ايوب بن ابي تميمة السختياني) ابو بكر - ويقال: ابو عثمان - البصري: تابعي , ثبت , حجة , من كبار الفقهاء والمحدثين. ولد سنة: ست - او ثمان - وستين. وتوفي سنة: احدى وثلاثين , وقيل: غير ذلك. ((حلية الاولياء 3/3 , تذكرة الحفاظ 1/130 , تهذيب التهذيب 1/398)) (أبو ايوب الانصاري = خالد بن زيد , سيأتي) (ابو بردة بن ابي موسى = عامر بن عبد الله بن قيس , سيأتي) 15- (بسرة بنت صفوان بن نوفل القرشية الاسدية) بنت اخي ورقة بن نوفل -

وقيل: بنت صفوان بن امية - من بني مالك بن كنانة صحابية جليلة , لها سابقة وهجرة, عاشت الى خلافة معاوية ((الاستيعاب 4/249 , الاصابة 4/252 , تهذيب التهذيب 12/404)) 16- (ثابت بن اسلم) ابو محمد البصري , البناني: ثقة عابد توفي سنة: سبع وعشرين ومائة ((تذكرة الحفاظ 1/125 , تقريب التهذيب 1/125 , تهذيب التهذيب 2/2 , طبقات الحفاظ ص56)) (الثوري = سفيان بن سعيد , سيأتي) (الجصاص = احمد بن علي الرازي , تقدم) 17- (حجر بن العنبس الحضرمي الكوفي) صدوق مخضرم. ((تقريب التهذيب 1/155 , تهذيب التهذيب 2/214)) 18- (حفص بن ميسرة) ابو عمر العقيلي الصغاني , نزيل عسقلان , ثقة ربما وهم توفي سنة: احدى وثمانين ومائة. ((تقريب التهذيب 1/189 , تهذيب التهذيب 2/419)) 19- (الحكم بن عتيبة) ابو محمد-ويقال: ابو عبد الله, ويقال: ابو عمر- الكوفي تابعي, ثقة, حجة, افقه اهل الكوفة بعد النخعي والشعبي. ولد سنة: خمسين , وقيل: سبع واربعين. توفي سنة: ثلاث - وقيل: اربع , وقيل: خمس - عشرة ومائة. ((تذكرة الحفاظ 1/117 , تهذيب التهذيب 2/434)) 20- (داود بن علي الاصفهاني) ابو سليمان الظاهري: احد المجتهدين , ورأس المذهب الظاهري , ولد في الكوفة سنة: اثنتين - وقيل: احدى - ومائتين توفي ببغداد: في رمضان سنة: سبعين ومائتين. ((تاريخ بغداد 8/369 , تذكرة الحفاظ 2/572 , شذرات الذهب 2/158))

21- (الربيع بن خثيم بن عائذ بن عبد الله) ابو يزيد , الثوري , الكوفي: ثقة عابد مخضرم توفي سنة: احدى - وقيل: ثلاث - وستين ((تقريب التهذيب 1/244، تهذيب التهذيب 3/242)) 22- (ربيعة بن ابي عبد الرحمن) ابو عثمان , المدني , المعروف بربيعة الرأي = ثقة فقيه مشهور ((تقريب التهذيب 1/247 , تهذيب التهذيب 3/258)) 23- (رفيع بن مهران) ابو العالية , الرياحي البصري تابعي , فقيه , ثقة , حجة , الا انه كثير الارسال توفي سنة: تسعين , وقيل: غير ذلك. ((حلية الاولياء 2/217 , تذكرة الحفاظ 1/61 , تهذيب التهذيب 3/284)) (ابو الزناد = عبد الله بن ذكوان , سيأتي) 24- (سعيد بن المسيب بن حزن) ابو محمد: القرشي , المخزومي , المدني: امام التابعين , واحد الفقهاء السبعة. ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب , وقيل: لاربع سنين توفي سنة: اربع وتسعين على الصحيح ((فقه الامام سعيد 1/10-150)) 25- (سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري) ابو عبد الله , الكوفي: امام من ائمة المسلمين , وعلم من اعلام الدين , وامير المؤمنين في الحديث. ولد في الكوفة , سنة: سبع وتسعين. وتوفي بالبصرة , سنة: احدى وستين ومائة. ((تاريخ بغداد 9/151 , حلية الاولياء 6/356 , تذكرة الحفاظ 1/302 , تهذيب التهذيب 4/111)) 26- (سفيان بن عيينة بن ابي عمران) ابو محمد , الكوفي الهلالي , الامام الحجة الفقيه , محدث الحرم المكي ولد بالكوفة سنة: سبع ومائة توفي بمكة سنة: ثمان وتسعين ومائة ((تاريخ بغداد 9/174 , حلية الاولياء 7/270 , تذكرة الحفاظ 1/262 , تهذيب التهذيب 4/111))

27- (سليمان بن بلال) ابو محمد وابو ايوب , المدني التيمي: ثقة ((تقريب التهذيب 1/322 , تهذيب التهذيب 4/175) 28- (سليمان بن مهران الاسدي الكاهلي) ابو محمد الاعمش , الكوفي: تابعي من الائمة الثقات , عارف بالكتاب والسنة والفرائض. ولد سنة: احدى وستين , وقيل: تسع وخمسين وتوفي في: ربيع الاول , سنة: ثمان - وقيل: خمس , وقيل سبع - واربعين ومائة. ((تاريخ بغداد 9/3 , حلية الاولياء 5/46 , تذكرة الحفاظ 1/154 , تهذيب التهذيب 4/222)) 29- (سلمة بن كهيل) ابو يحيى الكوفي الحضرمي: ثقة ثبت توفي سنة: احدى وعشرين ومائة ((تقريب التهذيب 1/318 , تهذيب التهذيب 4/155)) 30- (سهل بن سعد بن مالك بن خالد) ابو العباس الانصاري الخزرجي الساعدي: له ولأبيه صحبة توفي سنة: ثمان وثمانين , وقيل: غير ذلك ((تقريب التهذيب 1/336 , تهذيب التهذيب 4/252)) 31- (سهيل بن ابي صالح) ابو يزيد المدني: صدوق تغير حفظه بآخرة. ((تقريب التهذيب 1/338 , تهذيب التهذيب 4/263)) 32- (شريح بن الحارث بن قيس الكندي) أبو أمية: الكوفي , القاضي , ثقة امام ومن اشهر القضاة في صدر الاسلام. توفي بالكوفة , سنة: ثمان - وقيل - اثنتين , وقيل: تسع - وسبعين وقيل غير ذلك. ((حلية الاولياء 4/132 , تذكرة الحفاظ 1/59 , الاستيعاب 2/148 , الاصابة 2/146 , تهذيب التهذيب 4/326)) 33- (شريك بن عبد الله النخعي الكوفي) أبو عبد الله، القاضي: أحد الائمة , ومن مشاهير القضاة , الا أنه سيء الحفظ في الحديث. ولد ببخارى , سنة: تسعين وتوفي بالكوفة , سنة: سبع - او ثمان , وسبعين , ومائة. ((تاريخ بغداد 9/279 , تهذيب

التهذيب 4/335)) 34- (شعبة بن الحجاج بن الورد) أبو بسطام الواسطي العتكي: امير المؤمنين في الحديث. قال فيه الشافعي: لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق. ولد سنة: اثنتين وثمانين. وتوفي سنة ستين ومائة. ((تاريخ بغداد 9/255 , تذكرة الحفاظ 1/193)) . (الشعبي = عامر بن شراحيل، سيأتي) 35- (طاوس بن كيسان اليماني) أبو عبد الرحمن: ويقال: اسمه ذكوان , وطاوس لقبه: من اكابر التابعين في الحديث , والفقه , والزهد. ولد سنة: ثلاث وثلايين. وتوفي بمكة , سنة: ست - وقيل: خمس - ومائة , وقيل: بعد ذلك. ((حلية الاولياء 4/4 , تذكرة الحفاظ 1/90 , تهذيب التهذيب 5/118)) . (الطبري = محمد بن جرير ,سيأتي) (الطحاوي = أحمد بن محمد بن سلامة , تقدم) (أبو العالية = رفيع بن مهران , تقدم) 36- (عامر بن شراحيل بن عبد) وقيل: عامر بن عبد الله بن شراحيل أبو عمرو , الشعبي الحميري , الكوفي: من ائمة التابعين , وكان امام أهل زمانه ولد سنة: عشرين. وقيل: تسع عشرة , وقيل: احدى وثلاثين. وتوفي سنة: تسع ومائة , وقيل: غير ذلك. ((تاريخ بغداد 12/227 , حلية الاولياء 4/410 , تذكرة الحفاظ 1/279 , تهذيب التهذيب 5/765)) 37- (عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك العنزي) حليف آل خطاب: صحابي مشهور , أسلم قديما وهاجر , وشهد بدرا , مات ليالي قتل عثمان. ((تقريب التهذيب 1/387 , تهذيب التهذيب 5/62))

38- (عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي) أبو محمد , موفق الدين الحنبلي: من كبار الحنابلة , وصاحب المؤلفات النافعة , منها: المغني. ولد سنة: احدى واربعين وخمسمائة. وتوفي بدمشق سنة: عشرين وستمائة. ((شذرات الذهب 5/88 , البداية والنهاية 13/99)) 39- (عبد الله بن ذكوان القرشي) أبو عبد الرحمن المدني , المعروف: بأبي الزناد: تابعي , محدث , حجة , فقيه. ولد سنة: خمس وستين. وتوفي بالمدينة , في رمضان سنة: ثلاثين - وقيل: احدى , وقيل: اثنتين وثلاثين - ومائة. ((تذكرة الحفاظ 1/134 , تهذيب التهذيب 5/203)) . 40- (عبد الله بن أبي سلمة الماجشون) من ثقات التابعين. توفي سنة: ست ومائة. ((تهذيب التهذيب 5/343 , تقريب التهذيب 5/420)) 41- (عبد الله بن المبارك بن واضح , الحنظلي التميمي) أبو عبد الرحمن , المروزي: أحد الائمة الأعلام , محدث , فقيه , عالم بالعربية. ولد سنة: ثماني عشرة ومائة. توفي بهيت سنة: احدى وثمانين ومائة. ((حلية الاولياء 8/162 , تذكرة الحفاظ 1/374 , تهذيب التهذيب 5/382)) 42- (عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي) أبو عمرو: فقيه الشام , امام من أئمة المسلمين , وعلم من أعلامهم , محدث حجة , وفقيه مجتهد. ولد سنة: ثمان وثمانين. وتوفي ببيروت , سنة: ثمان - وقيل: احدى , وقيل: خمس , وقيل ست , وقيل: سبع - وخمسين ومائة. ((حلية الاولياء 6/136 , تذكرة الحفاظ 1/178 , تهذيب التهذيب 6/242)) 43- (عبد الرحمن بن القاسم) أبو عبد الله , العتقي المصري , صاحب مالك , كان ثقة اماما فقيها , من كبار أصحاب مالك الناصرين لمذهبه. ولد سنة: ثمان

وعشرين - وقيل: احدى , وقيل: اثنتين - وثلاثين ومائة. توفي بمصر , في شهر صفر , سنة: احدى وتسعين ومائة. ((تذكرة الحفاظ 1/356 , تهذيب التهذيب 6/252)) 44- (عبد الرحمن بن أبي ليلى) أبو عيسى الأنصاري , المدني الكوفي: واسم أبي ليلى: يسار , ويقال: بلال , ويقال: داود من كبار التابعين , ثقة جليل المقدار. ولد لست بقين من خلافة عمر. وتوفي سنة: ثلاث وثمانين. ((تاريخ بغداد 9/169 , حلية الاولياء 4/350 , تذكرة الحفاظ 1/58 , تهذيب التهذيب 6/260)) . 45- (عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري) أبو سعيد , البصري , اللؤلؤي: امام من أئمة المسلمين , وعلم من أعلامهم , فقيه , ومحدث من كبار الحفاظ الثقات الأثبات. ولد سنة: خمس وثلاثين ومائة. وتوفي بالبصرة سنة: ثمان وتسعين ومائة. ((تاريخ بغداد 10/240 , تذكرة الحفاظ 1/329 , حلية الاولياء 9/3 , تهذيب التهذيب 6/279)) 46- (عبد الرحمن بن هرمز - وقيل: كيسان - الأعرج) أبو داود , المدني: تابعي ,ثقة حافظ , قاريء , عالم بالأنساب , وعلوم العربية. توفي بالاسكندرية سنة: سبع عشرة - وقيل: عشر - ومائة. ((تذكرة الحفاظ 1/97 , تهذيب التهذيب 6/290)) 47- (عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج) أبو الوليد: فقيه الحرم المكي , وامام أهل الحجاز في عصره , من اتباع التابعين: ثقة فاضل , عابد , من أول من كتب الحديث. ولد بمكة سنة: ثمانين. وتوفي فيها في: أول ذي الحجة , سنة: خمسين - وقيل: تسع واربعين - ومائة. ((تاريخ بغداد 9/400 , تذكرة الحفاظ 1/169 , تهذيب التهذيب 6/405)) 48- (عبد الواحد بن اسماعيل الروياني) قاضي القضاة , الملقب: بفخر الاسلام: من كبار فقهاء الشافعية. ولد سنة: خمس عشرة واربعمائة. توفي: يوم الجمعة

سنة: احدى - أو اثنتين - وخمسمائة. ((البداية والنهاية 12/170 , شذرات الذهب 4/4)) 49- (عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد) أبو زرعة الرازي المخزومي: أحد الأئمة الأعلام , ومن كبار علماء الحديث ((تذكرة الحفاظ 2/557 , طبقات الحفاظ ص253 , خلاصة تهذيب الكمال ص213)) 50- (علي بن عبد الله بن جعفر السعدي) ابن المديني , ابو الحسن البصري: أحد الأئمة الأعلام , وحفاظ الاسلام. توفي سنة: أربع وثلاثين ومائتين. ((تاريخ بغداد 11/458 , تذكرة الحفاظ 2/418 , طبقات الحفاظ ص187)) 51- (عيسى بن أبان بن صدقة) أبو عيسى , من كبار الحنفية ,له مؤلفات منها: اثبات القياس , واجتهاد الرأي ((تاريخ بغداد 11/157)) (ابن علية = اسماعيل بن ابراهيم بن مقسم , تقدم) (ابن عيينة = سفيان بن عيينة , تقدم) 52- (قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز) أبو الخطاب، الدوسي , البصري: تابعي ,امام حجة , ثقة ولد سنة: احدى وستين. وتوفي بواسط ,سنة: ست - او سبع او ثمان - عشرة ومائة. ((حلية الاولياء 2/333 , تذكرة الحفاظ 1/122 , تهذيب التهذيب 8/351)) 53- (قيس بن طلق بن علي الحنفي اليماني) صدوق ,وهم من عدة في الصحابة. ((تقريب التهذيب 2/129 , تهذيب التهذيب 8/398)) 54- (كهمس بن الحسن التيمي) أبو الحسن البصري , ثقة. توفي سنة: تسع واربعين ومائة. ((تهذيب التهذيب 8/405 , طبقات الحفاظ ص83))

55- (الليث بن سعد بن عبد الرحمن) أبو الحارث , الفهمي: أحد الأئمة الأعلام , المجتهد , امام في الفقه والحديث. ولد سنة: أربع وتسعين. وتوفي بالقاهرة سنة خمس - وقيل: أربع- وسبعين ومائة. ((تاريخ بغداد 13/3 , حلية الاولياء 7/318 , تذكرة الحفاظ 1/224 , تهذيب التهذيب 8/459)) (ابن الماجشون = عبد الملك بن عبد العزيز ,تقدم) (ابن المبارك = عبد الله بن المبارك, تقدم) 56- (مبارك بن فضالة) أبو فضالة البصري: صدوق ,يدلس , ويسوي. توفي سنة: خمس وستين ومائة , وقيل غير ذلك ((تقريب التهذيب 2/227 , تهذيب التهذيب 10/28)) 57- (مجاهد بن جبر المكي) أبو الحجاج: من أعلام التابعين ,امام في الحديث والتفسير والقراءات والفقه وسائر العلوم. ولد سنة: احدى وعشرين. وتوفي سنة: مائة ,وقيل غير ذلك. ((حلية الاولياء 3/279 , تذكرة الحفاظ 1/92 , تهذيب التهذيب 10/42)) 58- (محمد بن اسحاق بن خزيمة , السلمي) أبو بكر النيسابوري ,امام في الحديث والفقه , تفقه على اصحاب الشافعي ولد سنة: ثلاث وعشرين ومائتين. وتوفي بها في: الثاني من ذي القعدة , سنة: احدى عشرة وثلاثمائة. ((تذكرة الحفاظ 2/720)) 59- (محمد بن اسحاق بن يسار) أبو بكر المدني: نزيل العراق: امام اهل المغازي والسير. توفي ببغداد سنة: احدى وخمسين ومائة. ((تاريخ بغداد 1/214 , تذكرة الحفاظ 1/172 , تهذيب التهذيب 9/39)) 60- (محمد بن ادريس بن المنذر) أبو حاتم الرازي الحنظلي: أحد الأئمة

الحفاظ الكبار , عالم بالعلل والجرح والتعديل. توفي سنة سبع وسبعين ومائتين ((تاريخ بغداد 3/73 , تذكرة الحفاظ 2/567 , شذرات الذهب 2/171) 61- (محمد بن سيرين) أبو بكر بن أبي عمرة البصري: من أجل علماء التابعين امام في الحديث والفقه ولد بالبصرة سنة: ثلاث وثلاثين. وتوفي بها: لتسع مضين من شوال ,سنة: عشر ومائة. ((تاريخ بغداد 5/331 , حلية الاولياء 2/263 , تذكرة الحفاظ 1/77 , تهذيب التهذيب 9/214)) . 62- (محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن ابي ذئب) ابو الحارث , المدني , القرشي , العامري: امام في الفقه والحديث. ولد سنة: ثمانين. وتوفي سنة: ثمان - وقيل: تسع - وخمسين ومائة. ((تاريخ بغداد 2/296 , تذكرة الحفاظ 1/191 , تهذيب التهذيب 9/306)) 63- (محمد بن عجلان المدني) صدوق , الا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة. توفي سنة: ثلاث عشرة ومائتين. ((تقريب التهذيب 2/190 , تهذيب التهذيب 9/341)) 64- (محمد بن مسلمة الأنصاري) صحابي مشهور , وهو من أكبر من اسمه محمد من الصحابة: كان من الفضلاء. توفي بعد الاربعين. ((تقريب التهذيب 2/208 , تهذيب التهذيب 9/454)) 65- (محمد بن مطرف بن داود) أبو غسان ,الليثي المدني , نزيل عسقلان: ثقة توفي سنة: ثلاث وعشر ومائتين. ((تقريب التهذيب 2/208 , تهذيب التهذيب 9/461)) 66- (محمد بن يوسف بن واقد) أبو عبد الله الفريابي: من أئمة الحديث الحفاظ. ((تذكرة الحفاظ 1/376 , طبقات الحفاظ ص163))

67- (مخلد بن يزيد القرشي الحراني) صدوق له اوهام. توفي سنة -ثلاث وتسعين ومائة. ((تقريب التهذيب 2/235 , تهذيب التهذيب 10/77)) 68- (معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي , البصري) صدوق , ربما وهم. ((تقريب التهذيب 2/257 , تهذيب التهذيب 10/196)) 69- (مكحول بن أبي مسلم) أبو عبد الله الشامي الدمشقي: امام اهل الشام: ثقة فقيه محدث. توفي سنة: اثني عشرة ومائة , وقيل غير ذلك. ((حلية الاولياء 5/177 , تذكرة الحفاظ 1/107 , تهذيب التهذيب 10/289)) 70- (هشام بن حسان) أبو عبد الله البصري , القردوسي: ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين وفي روايته عن الحسن وعطا , مقال ;لأنه كان يرسل عنهما. توفي سنة: ثمان وأربعين ومائة , وقيل غير ذلك. ((تقريب التهذيب 2/318 , تهذيب التهذيب 11/34)) 71- (هشام بن أبي عبد الله سنبر) أبو بكر الدستوائي: ثقة ثبت. ((تقريب التهذيب 2/319 , تهذيب التهذيب 11/43)) 72- (هشيم بن بشير بن القاسم) أبو معاوية السلمي الواسطي: قال فيه حماد بن زيد: ما رأيت في المحدثين أنبل منه. ((تاريخ بغداد 14/85 , تذكرة الحفاظ 1/248 , طبقات الحفاظ ص111)) 73- (يحيى بن سعيد بن فروخ القطان) ابو سعيد التميمي البصري: امام كبير في الحديث، من اعلم الناس في الرجال والعلل. ولد سنة: عشرين ومائة وتوفي سنة: ثمان وتسعين ومائة ((تاريخ بغداد 14/135، حلية الاولياء 8/382، تذكرة الحفاظ 1/298)) 74- (يحيى بن سعيد بن قيس) أبو سعيد الأنصاري: امام كبير في

الحديث , عالم بالعلل والرجال. توفي سنة: أربع وأربعين ومائة , وقيل غير ذلك. ((تاريخ بغداد 14/101 , تذكرة الحفاظ 1/137 , تهذيب التهذيب 11/221)) 75- (يحيى بن يعمر البصري) ثقة فصيح , وكان يرسل توفي: قبل المائة , وقيل: بعدها. ((تقريب التهذيب 2/361 , تهذيب التهذيب 11/305)) 76- (يعقوب بن ابراهيم بن حبيب) أبو يوسف الأنصاري ,الكوفي ,البغدادي: صاحب أبي حنيفة , ومن كبار تلاميذه وناشر فقهه. ولد سنة: ثماني عشرة ومائة. وتوفي ببغداد ,سنة: اثنتين وثمانين ومائة , وقيل: غير ذلك. ((تاريخ بغداد 14/242 , تذكرة الحفاظ 1/292)) 77- (يعقوب بن شيبة بن الصلت) أبو يوسف السدوسي البصري: كان من كبار علماء الحديث والعلل. توفي سنة: اثنتين وستين ومائتين. ((تذكرة الحفاظ 2/577 , طبقات الحفاظ ص258)) 78- (يعلى بن عبيد بن أبي امية) أبو يوسف الطنافسي الكوفي: ثقة الا في حديثه عن الثوري. توفي سنة: بضع وما ئتين. ((تقريب التهذيب 2/378 , تهذيب التهذيب 11/402)) 79- (أبو حرب بن أبي الأسود الديلي البصري) ثقة , قيل: اسمه محجن ,وقيل عطاء. توفي سنة: ثمان ومائة. ((تقريب التهذيب 2/410 , تهذيب التهذيب 12/69) 80- (أبو نعيم: الفضل بن دكين) وهو لقب , واسمه: عمرو بن حماد الملائي الكوفي: كان ثقة حافظا متقنا ((تذكرة الحفاظ 1/372 , طبقات الحفاظ ص162))

فهرس المصادر

فهرس المصادر القرآن الكريم 1- كتب التفسير وعلومه. 2- كتب الحديث وعلومه. 3- كتب الفقه 4- كتب اصول الفقه وتاريخ التشريع 5- كتب علم الكلام 6- كتب التاريخ والانساب , والطبقات , والرجال. 7- كتب اللغة والأدب والمصطلحات. 8- الرسائل الجامعية. 9- كتب متنوعة. كتب التفسير وعلومه 1-أحكام القرآن الجصاص - ابو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي (ت 370 هـ) نشر دار الكتاب العربي بيروت. 2-احكام القرآن ابن العربي - أبو بكر محمد بن عبد الله المالكي (ت 543 هـ) تحقيق محمد علي البجاوي دار الجيل -بيروت -لبنان 3-الاعتبار في الناسح والمنسوخ من الاخبار للحازمي: ابي بكر محمد بن موسى بن عثمان تحقيق محمد أحمد عبد العزيز مكتبة عاطف القاهرة مصر

4-تفسير القرآن العظيم ابن كثير - عماد الدين أبو الفداء اسماعيل بن جعفر القرشي الدمشقي (ت 774 هـ) دار الفكر عمان. 5-جامع البيان عن تأويل آي القرآن. لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (224-310) . تحقيق احمد محمد شاكر ومحمود محمد شاكر دار المعارف بمصر 6-الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن احمد الأنصاري القرطبي (ت 671 هـ) مطبوعات دار الشعب مصر. كتب الحديث وعلومه 7-اتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من اطراف الكتب العشرة. العسقلاني: أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ) قام بتحقيقه ةاخراجه لجنة من المختصين، نشر الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة، الطبعة الاولى، 1992-1998 الاجزاء 1-14 8-أثر الحديث الشريف في اختلاف الفقهاء. محمد عوامة دار السلام للطباعة والنشر. الطبعة الاولى 1398 هـ - 1978 م. 9-الاحسان في تقريب صحيح ابن حبان لأبن بلبان: الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط الطبعة الاولى 1408 هـ - 1988 م. مؤسسة الرسالة بيروت 10-احكام الأحكام شرح عمدة الأحكام تقي الدين بن دقيق العيد (ت 702 هـ) تحقيق محمد احمد شاكر عالم الكتب الطبعة الثانية 1987 م 11-اختصار علوم الحديث لابن كثير مع شرحه الباعث الحثيث لأحمد محمد شاكر الطبعة الثانية , مطبعة محمد علي صبيح وأولاده 1958م

12-الارشاد في معرفة علماء الحديث لأبي يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي القزويني (367- 446 هـ) تحقيق الدكتور عمر سعيد بن عمر ادريس مكتبة الرشيد بالرياض. 13-ارواء الغليل في تخريج احاديث منار السبيل تاليف: محمد ناصر الديل الالباني المكتب الاسلامي الطبعة الثانية 1405 هـ - 1985 م 14-أسباب اختلاف المحدثين خلدون الأحدب الدار السعودية للنشر والتوزيع 15-الاستذكار لمعرفة فقهاء الامصار فيما تضمنه الموطأ في معاني الرأي والآثار لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت 463 هـ) تحقيق: علي النجدي ناصف القاهرة - المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية 1391 هـ - 1971 م. 16-أصول الحديث علومه ومصطلحه الدكتور: محمد عجاج الخطيب دار الفكر الحديث - لبنان الطبعة الاولى 1386 هـ - 1967 م 17-اعلاء السنن للتهانوي تحقيق محمد تقي عثمان مكتبة دار العلوم كراتشي باكستان 18-أعلام المحدثين محمد محمد أبو شهبة مركز كتب الشرق الأوسط - مصر 19-الاغتباط لمعرفة من رمي بالاختلاط. سبط ابن العجمي الحافظ ابراهيم بن محمد بن خليل (ت 841 هـ) مطبوع ضمن ثلاث رسائل في الحديث. 20-ألفية السيوطي في علم الحديث تصحيح وشرح أحمد محمد شاكر الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت لبنان (واليها العزو عند الاطلاق) 21-ألفية السيوطي في علم الحديث تصحيح وشرح محمد محي الدين عبد

الحميد , القاهرة 22-الاقتراح في بيان الاصطلاح. تقي الدين بن دقيق العيد (ت 702 هـ) دراسة وتحقيق الدكتور قحطان عبد الرحمن الدوري مطبعة الارشاد بغداد 1402 هـ - 1982 م 23-الالماع الى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع للقاضي عياض بن موسى اليحصبي (ت 544 هـ) تحقيق سيد احمد صقر دار التراث الطبعة الاولى 1389 هـ - 1970 م. 24-الامام الزهري وأثره في السنة الدكتور حارث سليمان الضاري مطبعة جامعة الموصل 1985 م 25-الامام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين الدكتور نور الدين عتر مطبعة لجنة التاليف والنشر 26-أوجز المسالك الى موطأ مالك محمد زكريا الكاندهلوي دون اشارة لمكان الطبع أو تاريخه 27-البحر الزخار المعروف بمسند البزار للامام ابي بكر احمد بن عمرو بن عبد الخالق العتكي البزار (ت 292هـ) تحقيق محفوظ الرحمن زين الله مؤسسة علوم القرآن الطبعة الاولى، 1998م الاجزاء 1-3 28-بحوث في تاريخ السنة الدكتور اكرم ضياء العمري الطبعة الرابعة 1984 م (دون الاشارة لمكان الطبع او تاريخه) 29-بذل المجهود في حل أبي داود خليل احمد السهار نفوري (ت 1346 هـ) دار الكتب العلمية , بيروت , لبنان

30-بلغة الأريب محمد مرتضى الحسيني الزبيدي (ت 1205 هـ) تحقيق عبد الفتاح أبو غدة مكتب المطبوعات الاسلامية بحلب 31-تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي المباركفوري: محمد بن عبد الرحمن (ت 1353 هـ) تصحيح ومراجعة عبد الوهاب عبد اللطيف دار الفكر , بيروت 1399 هـ - 1979 م 32-تحفة الاشراف بمعرفة الأطراف للامام الحافظ جمال الدين أبي الحجاج يوسف بن زكي الدين عبد الرحمن بن يوسف المزي (ت 742 هـ) صححه وعلق عليه عبد الصمد شرف الدين , دار القيمة الهند 1965 م 33-تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ) حققه وراجع أصوله - عبد الوهاب عبد اللطيف دار الكتب العلمية - بيروت لبنان الطبعة الثالثة 1409 هـ - 1989. 34-تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة العسقلاني: أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ) دار الكتاب العربي بيروت 35-تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس لأبن حجر العسقلاني , ومعه منظومة الذهبي , ومنظومة أبي محمود المقدسي كلاهما في ذكر المدلسين , والثلاثة بتحقيق الدكتور عاصم القريوتي الطبعة الأولى , مكتبة المنار بالاردن. 36-التعليق المغني على الدارقطني للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي مطبوع بذيل سنن الدارقطني مكتبة المتنبي بالقاهرة 37-التقريب لمحي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ) مطبوع مع التدريب. 38-التقييد والايضاح شرح مقدمة ابن الصلاح العراقي: زين الدين عبد الرحيم

الحسين العراقي (ت 806 هـ) تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان المكتبة السلفية بالمدينة المنورة الطبعة الاولى 1989 هـ - 1969 م 39-تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير للحافظ أبي الفضل شهاب أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) تحقيق الدكتور. شعبان محمد اسماعيل مكتبة ابن تيمية القاهرة 40-تلخيص المستدرك لأبي عبد الله محمد بن احمد الذهبي (ت 748 هـ) مطبوع بذيل المستدرك. 41-التمييز للامام أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261 هـ) مطبوع مع كتاب (منهج النقد عند المحدثين , نشأته وتاريخه) للدكتور محمد مصطفى الأعظمي الطبعة الثانية 1402 هـ شركة الطباعة العربية السعودية المحدودة , الرياض 42-تنقيح الأنظار في علوم الآثار للحافظ محمد بن ابراهيم بن علي الصنعاني المشهور بابن الوزير (ت 840 هـ) مطبوع مع توضيح الأفكار 43-تنقيح التحقيق في احاديث التعليق للحافظ شمس الدين محمد بن احمد بن عبد الهادي (ت 744 هـ) دراسة وتحقيق الدكتور عامر حسن صبري المكتبة الحديثة - الامارات العربيةالمتحدة الطبعة الاولى 1409 هـ -1989 م 44-التنكيل لما ورد في تأنيب الكوثري من الأباطيل للشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (1386 هـ) تحقيق محمد ناصر الدين الالباني ومحمد عبد الرزاق حمزة دار الكتب السلفية ,مؤسسة علمية لطباعة الكتاب الاسلامي - القاهرة توزيع دار الباز , عباس احمد الباز مكة المكرمة. 45-تهذيب سنن ابي داود لأبن القيم الجوزية تحقيق احمد شاكر , ومحمد حامد

الفقي مطبعة أنصار السنة المحمدية , القاهرة 1367 هـ 46-توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه واتجاهاته الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب مكتبة الخانجي - مصر الطبعة الأولى 1400 هـ - 1981 م 47-توجيه النظر الى أصول الأثر طاهر بن صالح بن احمد الجزائري (ت 1338 هـ) دار المعرفة , بيروت 48-توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار محمد بن اسماعيل الأمير الصنعاني (ت 1182 هـ) تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد الطبعة الأولى عام 1366 هـ مطبعة السعادة , بجوار محافظة مصر. 49-تيسير مصطلح الحديث الدكتور محمود الطحان الطبعة الثانية 1398 هـ - 1978 م 50-ثلاث رسائل في علوم الحديث تحقيق وتعليق علي حسن علي عبد الحميد الزرقاء الاردن 51-جامع الأصول في احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري (ت 606 هـ) تحقيق عبد اقادر الارناؤوط مطبعة الملاح الطبعة الاولى 1969م 52-جامع الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة (ت 279 هـ) تحقيق احمد محمد شاكر دار الكتب العلمية بيروت 1987 م 53- جامع التحصيل في احكام المراسيل العلائي - صلاح الدين أبو سعيد بن خليل كيكلدي العلائي (694-761هـ) تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي عالم الكتب النهضة الطبعة الثانية 1407 هـ - 1986 م

54-الجامع الصحيح محمد بن اسماعيل البخاري (ت 256 هـ) دار الفكر , بيروت (وهي التي احلنا لها بالجزء والصفحة أما الرقم فهو من الفتح) 55-الجامع الصحيح مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري (ت 261 هـ) . طبعة استانبول المحققة المطبوعة عام 1329 هـ (وهي التي احلنا اليها بالجزء والصفحة) 56-الجامع الصحيح مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي دار الحديث القاهرة (وهي التي احلنا اليها بالرقم) 57-الجامع في الجرح والتعديل جمع وترتيب مجموعة من المحققين عالم الكتب الطبعة الأولى 1992 م 58-الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع الخطيب البغدادي: أحمد بن علي بن ثابت (ت 463 هـ) دراسة وتحقيق محمد رأفة الطبعة الأولى 1401 هـ - 1981 م الكويت مطبعة الفلاح. 59-جامع بيان العلم وفضله , وما ينبغي في روايته وحمله لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي (ت 463 هـ) تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان الناشر: المكتبة السلفية بالمدينة المنورة مطبعة العاصمة بالقاهرة الطبعة الثانية سنة 1968 م 60-جزء رفع اليدين محمد بن اسماعيل البخاري (ت 256 هـ) نشر دار الآرقم الكويت 61-جزء فيه طرق حديث: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)) تخريج جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) تحقيق علي حسن علي عبد الحميد دار عمار

الطبعة الاولى 1408 هـ - 1988 م 62-جزء القراءة خلف الامام محمد بن اسماعيل البخاري (ت 256 هـ) نشر دار الحديث القاهرة 63-جواهر الأصول في علم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم للامام أبي الفيض محمد بن محمد علي فارسي (ت 837 هـ) تحقيق أبي المعالي القاضي أطهر المباركفوري المطبعة الهندية العربية - بومباي الهند (1393 هـ - 1972 م) 64-الجوهر النقي في الرد على البيهقي ابن التركماني - علاء الدين بن علي بن عثمان (ت 745 هـ) مطبوع هامش السنن الكبرى للبيهقي. 65-حاشية برهان الدين ابي الوفا ابراهيم بن محمد سبط ابن العجمي (ت841هـ) على الكاشف للذهبي مطبوع بذيل الكاشف بتحقيق الشيخ محمد عوامة واحمد محمد نمر شركة دار القبلة، مؤسسة علوم القرآن 1992م-1413هـ. 66-حاشية لقط الدرر بشرح متن نخبة الفكر عبد الله بن حسين خاطر السمين العدوي المالكي الأزهري , انتهى منها سنة1309 هـ مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده , بمصر الطبعة الأولى 1938م 67-حاشية الشيخ عطية الاجهوري الشافعي الأزهري (ت 1190 هـ) على شرح سيدي محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني (ت 1122 هـ) على المنظومة المسماة بالبيقونية في مصطلح الحديث لعمر بن محمد بن فتوح البيقوني الدمشقي الشافعي (ت 1080 هـ) مطبعة دار احياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي 68-الخلاصة في أصول الحديث للحسين بن عبد الله الطيبي (ت 743 هـ) تحقيق الشيخ صبحي السامرائي مطبعة الارشاد بغداد

69-الدراية في تخريج أحاديث الهداية العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ) مطبعة الفجالة الجديدة مصر (1384هـ-1964م) 70-دلائل النبوة ومعرفة أصول صاحب الشريعة لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (384-458هـ) تحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي دار الكتب العربية بيروت الطبعة الأولى 1985 م 71-دلائل النبوة لأبي نعيم الاصبهلتي (430هـ) حففه محمد رواس قلعجي وعبد البر عباس دار النفائس الطبعة الثانية 1986م 72-الديباج المذهب للجرجاني - علي بن محمد بن علي الجرجاني (ت 816 هـ) تحقيق الدكتور عبد الغفار سليمان دار الحديث خلف الجامع الأزهر 73-رسالة في اصول الحديث الجرجاني: علي بن محمد بن علي تحقيق الدكتور علي زوين دار الرشيد الرياض 74-الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة لأبي جعفر محمد بن جعفر الكتاني (ت 1345 هـ) الطبعة الأولى دار الكتب العلمية , بيروت لبنان , عن الطبعة الأولى 1332هـ 75-الروض الداني الى المعجم الصغير للطبراني (260 - 360 هـ) تحقيق محمد شكور الحاج المكتب الاسلامي , بيروت , دار عمار الاردن الطبعة الأولى 1985 م 76-الرفع والتكميل في الجرح والتعديل اللكنوي: أبو الحسنات محمد عبد الحي (1264 - 1304هـ) . تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة الطبعة الثالثة دار البشائر حلب 1407 هـ - 1987 م

77-سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام محمد بن اسماعيل الكحلاني الصنعاني (ت 1182 هـ) دار الفكر بيروت 78-السنة ومكانتها في التشريع الاسلامي الدكتور مصطفى السباعي الطبعة الأولى 1380 هـ - 1961 م مكتبة دار العروبة القاهرة 79-السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الامامين في السند المعنعن تحقيق الدكتور محمد بن الحبيب بن الخوجة الدار التونسية للنشر والتوزيع 1397 هـ - 1977 م 80-السنن أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 هـ) تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد دار احياء التراث العربي بيروت 81-السنن ابن ماجه: أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت 275 هـ) تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي دار الحديث , القاهرة 1982 م 82-السنن لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت 255 هـ) طبعة شركة الطباعة الفنية المتحدة - القاهرة 83-السنن سعيد بن منصور (ت227هـ) تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي طبع الهند 1387 هـ 84-السنن للحافظ علي بن عمر الدارقطني (ت 385 هـ) مكتبة المتنبي بالقاهرة 85-السنن (المجتبى) النسائي: أحمد بن شعيب (ت 303) بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية الامام السندي الدار المصرية اللبنانية 1407 هـ - 1987 م 86-السنن الكبرى النسائي: أحمد بن شعيب (ت 303 هـ) تحقيق الدكتور عبد

الغفار سليمان البنداري , وسيد كسروي حسن دار الكتب العلمية , بيروت , لبنان الطبعة الأولى 1411 هـ - 1991 م 87-السنن الكبرى البيهقي , أحمد بن الحسين (ت 458 هـ) الطبعة الأولى - مطبعة دائرة المعارف النظامية في الهند 1344 هـ 88-سير أعلام النبلاء الذهبي: شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 هـ) تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط بالاشتراط مع جماعة الطبعة الأولى 1406 هـ - 1986 م 89-شرح البيقونية محمد بن صالح بن عثيمين اعتنى به وحققه ابو عبد الله سيد بن عباس الجليمي مكتبة السنة، القاهرة الطبعة الاولى 1415هـ-1995م 90-شرح التبصرة والتذكرة وهي شرح ألفية العراقي , للحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت 806 هـ) تحقيق محمد بن الحسين العراقي الحسيني دار الكتب العلمية , بيروت 91-شرح الزرقاني على الموطأ (رواية يحيى الليثي) لأبي عبد الله محمد بن الشيخ عبد الباقي (ت 1122 هـ) مطبعة مصطفى محمد بمصر. 1355 هـ - 1936 م 92-شرح السنة لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي (ت 516 هـ) تحقيق شعيب الارناؤوط , وزهير الشاويش المكتب الاسلامي , بيروت لبنان 1400 هـ - 1980 م 93-شرح علل الترمذي ابن رجب - زين الدين عبد الرحمن بن احمد بن رجب البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي (ت 795 هـ) تحقيق ودراسة الدكتور الدكتور همام عبد الرحيم سعيد الاردن , الطبعة الأولى 1407 هـ - 1987 م (واليها

العزو عند الاطلاق) 94-شرح علل الترمذي لابن رجب تحقيق الشيخ صبحي جاسم البدري السامرائي وزارة الاوقاف العراقية مطبعة العاني بغداد 1396 هـ 95-شرح علي القاري الهروي بن سلطان محمد (ت 1014) على نزهة النظر شرح نخبة الفكر ونخبة الفكر وشرحه نزهة النظر كلاهما لاحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) دار الكتب العلمية بيروت 1978 م , وهي طبعة مصورة على الطبعة المطبوعة في استانبول سنة: 1327 هـ 96-شرح صحيح مسلم لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي (ت 676 هـ) تحقيق عبد الله أحمد أبي زينة دار الشعب - مصر 97-شرح معاني الآثار الطحاوي - أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي المصري الحنفي (229-321 هـ) تحقيق محمد سيد جاد الحق مطبعة الأنوار المحمدية، مصر 98-شرف أصحاب الحديث الخطيب: أبو بكر أحمد بن علي البغدادي (ت 463 هـ) تحقيق الدكتور محمد سعيد خطيب أوغلي مطبعة جامعة أنقرة 1971 م 99-صحيح ابن خزيمة للامام ابي بكر محمد بن اسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (ت 311 هـ) تحقيق الدكتور مصطفى الأعظمي , تخريج محمد ناصر الدين الألباني المكتب الاسلامي , بيروت الطبعة الأولى 1391 هـ - 1971 م 100-صحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة تحقيق رفعت فوزي عبد المطلب الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة الطبعة الاولى 1406 هـ - 1985 م

101-صيانة صحيح مسلم من الاخلال والغلط وحمايته من الاسقاط والسقط للامام الحافظ المحدث أبي عمرو بن الصلاح (ت 643 هـ) دراسة وتحقيق موفق عبد الله بن عبد القادر دار الغرب الاسلامي 1404 هـ - 1984 م 102-ضوء القمر على نخبة الفكر محمد علي احمدين دار المعارف- مصر الطبعة الثانية 1378 هـ - 1958 103-ظفر الأماني في مختصر الجرجاني للامام أبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي (1264- 1304 هـ) . تحقيق الدكتور تقي الدين الندوي دار القلم للنشر والتوزيع الامارات المتحدة الطبعة الأولى 1995 م 104-طرح التثريب العراقي - زين الدين عبد الرحيم بن الحسين (ت 806 هـ) دار احياء التراث العربي بيروت , لبنان. 105-طليعة التنكيل المعلمي اليماني (ت 1386 هـ) مطبوع مع التنكيل 106-عارضة الأحوذي بشرح جامع الترمذي لأبن العربي المالكي (ت 543 هـ) دار العلم للجميع 107-علل الحديث للامام ابي محمد عبد الرحمن الرازي الحافظ ابن الامام أبي حاتم محمد بن ادريس بن المنذر (ت 327 هـ) مكتبة المثنى بغداد 108-العلل الكبير للترمذي محمد بن عيسى بن سورة (ت 279 هـ) ترتيب أبي طالب القاضي تحقيق الدكتور حمزة ذيب مكتبة الاقصى الطبعة الاولى، 1406هـ، عمان 109-العلل ومعرفة الرجال احمد بن حنبل (ت241هـ) برواية ابنه عبد الله تحقيق طلعت قوج بيكت والدكتور اسماعيل جراخ اوغلي المكتبة الاسلامية، استانبول

110-العلل الواردة في الأحاديث النبوية الدارقطني: علي بن عمر (ت 385 هـ) تحقيق الدكتور محفوظ الرحمن زين الله الأجزاء 1-11 دار طيبة , الرياض الطبعة الاولى 1985 م 111-علوم الاسناد من السنن الكبرى دراسة ونقد تاليف الدكتور نجم عبد الرحمن خلف دار الراية للنشر والتوزيع الطبعة الأولى 1409 هـ - 1989 م 112-علوم الحديث لأبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري (ت 643 هـ) حققه وخرج أحاديثه نور الدين عتر الناشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة 1386 - 1966 م 113-عمدة القاري شرح صحيح البخاري العيني - بدر الدين محمود بن أحمد (ت 855 هـ) مصورة بيروت عن الطبعة المنيرية بمصر 114-عون المعبود شرح سنن أبي داود لأبي عبد الرحمن شرف الحق الشهير بمحمد أشرف ابن أمير بن علي بن حيدر الصديقي العظيم آبادي عني بنشره الحاج حسن ايران صاحب دار الكتاب العربي بيروت , لبنان , وهي طبعة مصورة عن الطبعة الهندية الحجرية 115-عيون الأثر في فنون المغازي والسير لمحمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري (ت 734 هـ) طبعة دار المعرفة , بيروت 116-فتح الباري شرح صحيح البخاري العسقلاني: أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ) ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي صححه وحققه عبد العزيز بن باز دار الفكر ببروت لبنان 1379 هـ 117-فتح الباقي على ألفية العراقي للحافظ أبي زكريا بن محمد الأنصاري (ت 925 هـ) تحقيق محمد بن الحسين العراقي طبع بذيل شرح التبصرة

والتذكرة دار الكتب العلمية بيروت , لبنان. 118-فتح المغيث شرح ألفية الحديث السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902 هـ) تحقيق عبد الرحمن بن محمد عثمان الطبعة الثانية 1388 هـ - 1968 م 119-فضائل القرآن النسائي - أحمد بن شعيب (ت 303 هـ) تحقيق الدكتور فاروق حمادة مطبعة النجاح الجديدة , الدار البيضاء , المغرب سنة 1400 هـ 120-فيض القدير شرح الجامع الصغير المناوي- محمد عبد الرؤوف (ت 1031 هـ) والجامع الصغير من أحاديث البشير النذير لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت 911 هـ) دار المعرفة , بيروت , لبنان الطبعة الثانية 1391 هـ - 1972 م 121-قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث القاسمي - محمد جمال الدين دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1399 هـ - 1979 م 122-قواعد في علوم الحديث ظفر أحمد التهانوي (ت 1394 هـ) تحقيق عبد الفتاح ابو غدة مكتب المطبوعات الاسلامية , حلب الشهباء الطبعة الخامسة 1404 هـ - 1984 م 123-كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب السنة الهيثمي - نور الدين علي بن أبي بكر (735 - 807هـ) تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي الطبعة الثانية 1404 هـ - 1984. 124-الكفاية في علم الرواية الخطيب البغدادي - أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت (ت 463 هـ) دار الكتب العلمية , بيروت لبنان

125-اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) نشر المكتبة التجارية بمصر 126-لمحات في أصول الحديث الدكتور محمد أديب صالح المكتب الاسلامي , بيروت الطبعة الثانية 1393 هـ 127-ما لا يسع المحدث جهله الميانشي - أبو حفص عمر بن عبد المجيد (ت 581 هـ) تحقيق الشيخ صبحي السامرائي شركة الطبع والنشر الاهلية بغداد 1967 م 128-مجمع الزوائد ومنبع الفوائد الهيثمي - نور الدين علي بن ابي بكر الطبعة الثانية 1402 هـ - 1982 م دار الكتاب العربي , بيروت , لبنان. 129-محاسن الاصطلاح البلقيني - سراج الدين عمر البلقيني. مطبوع مع مقدمة ابن صلاح تحقيق الدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطيء مطبعة دار الكتب 1974 م 130-المحدث الفاصل بين الراوي والواعي القاضي الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (ت 360 هـ) تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب دار الفكر , الطبعة الأولى بيروت 1971 م 131-المختصر في علم الأثر محي الدين الكافيجي (ت 879 هـ) تحقيق الدكتور علي زوين دار الرشيد الرياض 1407 هـ - 1987 م 132-المراسيل عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن ادريس الحنظلي الرازي (240- 327هـ) بعناية شكر الله نعمة الله قوجاني مؤسسة الرسالة الطبعة الثانية 1402 هـ - 1982 م 133-مسائل الامام أحمد رواية ابنه عبد الله (213-290هـ) تحقيق ودراسة الدكتور

علي سليمان المهنا مكتبة الدار القيمة بالمدينة المنورة الطبعة الأولى 1406 هـ - 1986 م 134-المستدرك على الصحيحين للامام الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري محمد بن عبد الله (ت 405 هـ) وبذيله تلخيص المستدرك لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن احمد الذهبي (ت 748 هـ) الناشر مكتب المطبوعات الاسلامية حلب , طبع بيروت شركة علاء الدين 135-المسند محمد بن ادريس الشافعي (ت 204هـ) دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان 136-المسند للحافظ الكبير سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي الفارسي البصري أبي داود الطيالسي (ت 204 هـ) دار المعرفة , بيروت , لبنان 137-المسند أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي (ت 219 هـ) تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي توزيع دار الباز مكة المكرمة 138-المسند احمد بن حنبل الشيباني (ت 241 هـ) تحقيق الشيخ احمد محمد شاكر دار المعارف القاهرة 1949 م 139-المسند , وبهامشه منتخب كنز العمال احمد بن حنبل (ت 241 هـ) دار الفكر العربي 140-المسند أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط , بالاشتراك مع جماعة مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 1993 - 1998 م الأجزاء 1-25 141-المسند الجامع الدكتور بشار عواد معروف بالاشتراك مع جماعة دار الجيل بيروت , لبنان , الطبعة الأولى 1993 م

142-المسند للحافظ الكبير أبي عوانة يعقوب بن اسحاق (ت 310 هـ) حيدر آباد الهند 1966 م 143-المسند لابي سعيد الهيثم بن كليب الشاشي (ت235هـ) تحقيق محفوظ الرحمن زين الله مكتبة العلوم والحكمة المدينة المنورة الطبعة الاولى، 1410هـ 144-المسند للامام الحافظ احمد بن علي بن المثنى التيمي أبي يعلى 210-307 تحقيق وتخريج حسين سليم أسد دار المأمون للتراث الطبعة الأولى 1407 هـ - 1987 م 145-مشكل الآثار لابي جعفر احمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (ت321هـ) تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط مؤسسة الرسالة الطبعة الاولى 1994م (وهي الطبعة التي اشرنا اليها بالرقم) 146-مشكل الآثار لأبي جعفر الطحاوي الطبعة الأولى سنة 1333 هـ بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية في الهند (وهي التي احلنا اليها بالجزء والصفحة) 147-مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه احمد بن ابي بكر بن اسماعيل البوصيري مخطوطة مصورة عن نسخة الشيخ شعيب الارناؤوط المحفوظة في حلب، سوريا. 148-المصنف لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 هـ) تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي مطابع دار القلم بيروت 1390 هـ - 1970 م 149-المصنف لأبي بكر عبد الله بن ابراهيم بن عثمان المشهور بابن ابي شيبة

(ت 235 هـ) المطبعة العزيزية حيدر آباد الدكن الهند 1386 هـ 150-المصنوع في معرفة الحديث الموضوع (وهو الموضوعات الصغرى) لعلي القاري الهروي المكي (ت 1014 هـ) تحقيق وتعليق عبد الفتاح أبو غدة مؤسسة الرسالة الطبعة الثانية 1978 م 151-المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ) تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي نشر وزارة الاوقاف الكويتية 152-معالم السنن الخطابي - أبو سليمان حمد بن محمد البستي (ت 388 هـ) الطبعة العلمية بحلب الطبعة الأولى 1351 هـ - 1932 م 153-المعجم الأوسط الطبراني - أبو القاسم سليمان بن أحمد (260-360هـ) تحقيق محمود الطحان مكتبة المعارف - الرياض الطبعة الأولى 154-المعجم الكبير الطبراني - أبو القاسم سليمان بن أحمد (260-360هـ) تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي الطبعة الثانية وزارة الاوقاف والشؤون الدينية , الجمهورية العراقية 1408 هـ - 1988 م مطابع الزهراء بالموصل 155-معرفة السنن والآثار للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت 458 هـ) تحقيق سيد أحمد صقر طبع بالقاهرة المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية 156-معرفة علوم الحديث للحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري (ت 405 هـ) تعليق معظم حسين منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت الطبعة الثالثة 1979 م 157-المقاصد الحسنة في بيان كثير من الاحاديث المشتهرة على الألسنة تأليف

محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902 هـ) صححه وعلق عليه عبد الله محمد الصديق الناشر مكتبة الخانجي بمصر , ومكتبة المثنى بغداد 1375 هـ - 1956 م 158-المقترح في أجوبة بعض اسئلة المصطلح مقبل بن هادي الوادعي مكتبة دار القدس , صنعاء اليمن الطبعة الأولى 1991 م - 1411 هـ 159-المنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن قيم الجوزية (ت 752 هـ) تحقيق عبد الفتاح أبو غدة الناشر مكتب المطبوعات الاسلامية بحلب الطبعة الثانية 1983 160-مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة تاليف الدكتور المرتضى الزين أحمد مكتبة الرشيد الرياض الطبعة الأولى 1415 هـ - 1994 م 161-المنتخب من مسند عبد بن حميد للامام الحافظ أبي محمد عبد بن حميد (ت 249هـ) تحقيق الشيخ صبحي السامرائي ومحمود محمد خليل عالم الكتب , مكتبة النهضة الحديثة الطبعة الأولى 1988 م 162-المنتقى شرح الموطأ الباجي - أبو الوليد سليمان بن خلف (ت 494 هـ) مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى 1332 هـ 163-المنتقى من السنن ابن الجارود - أبو محمد عبد الله بن علي النيسابوري (ت 307 هـ) مطبعة الفجالة الجديدة مصر 1382 هـ - 1963 م 164-المنهج الاسلامي في الجرح والتعديل الدكتور فاروق حمادة مكتبة المعارف الرباط الطبعة الأولى 1982 م 165-المنهج الحديث في علوم الحديث - قسم الرواة- محمد محمد السماحي

منشورات المكتبة العصرية بيروت صيدا الطبعة الأولى 166-منهج النقد في علوم الحديث الدكتور نور الدين عتر دار الفكر , بيروت الطبعة الثالثة 1401 هـ - 1981 م 167-المنهل الراوي من تقريب النواوي محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ) تحقيق وتعليق الدكتور مصطفى الخن منشورات دار الملاح 168-المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي ابن جماعة - بدر الدين محمد بن ابراهيم بن جماعة (ت 733 هـ) تحقيق الدكتور محي الدين عبد الرحمن رمضان دار الفكر -دمشق سورية الطبعة الثانية 1406 هـ - 1986 م 169-موارد الضمآن الى زوائد ابن حبان نور الدين علي بن بكر الهيثمي (ت 807 هـ) بتصحيح ونشر الشيخ محمد عبد الرحمن حمزة طبع في المكتبة السلفية بالقاهرة 170-الموطأ مالك بن أنس (ت 179 هـ) رواية يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي (ت 244 هـ) تحقيق الدكتور بشار عواد معروف دار الغرب الاسلامي , الطبعة الاولى 1996 م (وهي الطبعة التي احلنا اليها غند الاطلاق) 171-الموطأ مالك بن أنس رواية أبي مصعب الزهري تحقيق الدكتور بشار عواد معروف ومحمود محمد خليل , بيروت 1992 م 172-الموطأ مالك بن أنس رواية سويد بن سعيد الحدثاني تحقيق عبد المجيد التركي دار الغرب الاسلامي 1995 م 173-الموطأ مالك بن أنس رواية محمد بن الحسن الشيباني تحقيق وتعليق عبد

الوهاب عبد اللطيف المكتبة العلمية , (بدون تاريخ ولا مكان طبع) 174-الموضوعات ابن الجوزي -أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (ت 597 هـ) دار الفكر الطبعة الثانية 1403 هـ - 1983 م 175-الموقظة في علم الحديث الذهبي - شمس الدين محمد بن احمد (ت 748 هـ) تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة مكتب المطبوعات الاسلامية بحلب 176-نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر العسقلاني - احمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ) تعليق نور الدين عتر , المكتبة العلمية في المدينة المنورة 177-نصب الراية في تخريج احاديث الهداية الزيلعي - أبو محمد عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي (ت 762 هـ) مع حاشية بغية الألمعي في تخريج الزيلعي دار احياء التراث العربي , بيروت لبنان الطبعة الثانية 1393 هـ - 1973م 178-النفح الشذي في شرح جامع الترمذي تاليف محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري (ت 734 هـ) دراسة وتحقيق , الدكتور أحمد معيد عبد الكريم دار العاصمة بالرياض 1409 هـ 179-النكت على كتاب ابن الصلاح العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ) تحقيق دراسة الدكتور ربيع بن هادي عمير دار الراية للنشر والتوزيع الطبعة الثانية 1408 هـ - 1988 م 180-نيل الأوطار من احاديث سيد الأخيار شرح منتقى الاخبار الشوكاني - محمد بن علي بن محمد (ت 1255 هـ) دار الجيل , بيروت لبنان

181-هدي الساري مقدمة فتح الباري العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ) تحقيق عبد العزيز بن باز ومحمد فؤاد عبد الباقي , وقام باخراجه محب الدين الخطيب دار الفكر 1379 هـ كتب الفقه الفقه الحنفي 182-الاختيار لتعليل المختار لأبي الفضل مجد الدين عبد الله بن محمد الموصلي (ت 683 هـ) تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد الطبعة الرابعة مكتبة محمد علي صبيح وأولاده القاهرة 1964 م 183-البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم زين الدين ابراهيم بن محمد (ت 970 هـ) الناشر دار المعرفة , بيروت الطبعة الثانية 184-بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع الكاساني - علاء الدين أبو بكر بن مسعود الحنفي الملقب بملك العلماء (ت 587 هـ) دار الكتاب العربي بيروت لبنان الطبعة الثانية 1402 هـ -1982 م 185-تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق الزيلعي: فخر الدين عثمان بن علي (ت 743 هـ) مصورة عن الطبعة الاميرية ببولاق. مصر 1313 هـ دار المعرفة - بيروت - لبنان 186-حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار للامام أحمد أمين الشهير بابن عابدين دار الفكر , بيروت الطبعة الثانية 1386 هـ - 1966 م 187-الحجة على أهل المدينة الامام محمد بن الحسن الشيباني وعليه تعليقات الاستاذ مهدي حسن الكيلاني مطبعة المعارف الشرقية , حيدر آباد الدكن الهند 1385 هـ - 1965 م

188-شرح فتح القدير على الهداية شرح بداية المبتدي للامام كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام مصور عن الطبعة الأولى - دار احياء التراث العربي , بيروت لبنان 189-الفتاوي الهندية المسماة بالفتاوي العالمكيربة طبع بالمطبعة الميمنية مصطفى البابي الحلبي مصر 190-فتح باب العناية بشرح كتاب النقاية الامام علي القاري تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة الناشر مكتب المطبوعات الاسلامية بحلب 1387 هـ - 1967 م 191-اللباب في الجمع بين السنة والكتاب المنبجي - محمد بن علي بن زكريا المنبجي (ت 686 هـ) تحقيق الدكتور محمد فضل عبد العزيز المراء دار الشرق للنشر والتوزيع الطبعة الأولى 1403 هـ - 1983 م 192-مختصر الطحاوي مطبعة دار الكتاب العربي بمصر 1370 هـ 193-النكت الطريفة في التحديث عن ردود ابن أبي شيبة على ابي حنيفة للشيخ محمد زاهد الكوثري ادارة القرآن والعلوم الاسلامية كراتشي، باكستان 1407 هـ - 1987 م 194-الهداية شرح بداية المبتديء المرغيناني - أبو الحسن علي بن أبي بكر (ت 593 هـ) مطبعة - مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر 1355 هـ - 1936 م الفقه المالكي 195-بداية المجتهد ونهاية المقتصد ابن رشد - محمد بن احمد بن محمد (ت 595 هـ) دار الفكر

196-ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك القاضي - أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي (ت 544 هـ) تحقيق الدكتور أحمد بكير محمود منشورات: دار مكتبة الحياة , بيروت , ودار مكتبة الفكر , ليبيا سنة 1967 م 197-حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للامام شمس الدين محمد عرفة الدسوقي (ت 1203 هـ) طبع دار احياء الكتاب العربي عيسى البابي الحلبي في مصر 198-الخرشي على مختصر سيدي خليل الخرشي - محمد بن عبد الله بن علي (ت 1101 هـ) دار صادر , بيروت , لبنان 199-الشرح الصغير على أقرب المسالك الى مذهب الامام مالك للامام أبي البركات أحمد بن محمد الدردير دار المعارف بمصر 1392 هـ 200-الشرح الكبير على مختصر خليل أحمد الدردير (ت 1201 هـ) المطبعة الأميرية 1292 هـ 201-الكافي في فقه أهل المدينة لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري الناشر مكتبة الرياض الحديثة في الرياض 1398 هـ - 1978 م 202-المدونة مالك بن أنس (ت 179 هـ) رواية سحنون بن سعيد التنوخي (ت 240 هـ) عن عبد الرحمن بن القاسم (ت 191هـ) مطبعة السعادة بمصر ط 1323 هـ الفقه الشافعي 203-الأم للامام الشافعي (ت 204 هـ) أشرف على طبعه وتصحيحه محمد زهري النجار الناشر مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة مصر 1381 هـ - 1961 م الطبعة الاولى

204-الحاوي للماوردي: ابي الحسين علي بن محمد بن حبيب البصري (ت450هـ) دار الكتب العلمية الطبعة الاولى 1994م-1414هـ 205-حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء سيف الدين أبو بكر محمد بن أحمد الشاشي القفال تحقيق الدكتور ياسين أحمد ابراهيم مكتبة الرسالة الحديثة الأردن الطبعة الاولى 1988 م 206-روضة الطالبين النووي: محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ) المكتب الاسلامي , بيروت لبنان 207-فتح العزيز شرح الوجيز لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي (ت 623 هـ) المطبعة المنيرية 1352 هـ 208-المجموع شرح المهذب للامام النووي - محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ) والتكملة للسبكي: تقي الدين أبي الحسن علي بن عبد الكافي (ت 756 هـ) المطبعة المنيرية 1352 هـ 209-مغني المحتاج شرح المنهاج محمد الشربيني الخطيب (ت 977 هـ) مطبعة مصطفى محمد بمصر 1377 هـ - 1958 م 210-المهذب أبو اسحاق الشيرازي , ابراهيم بن علي (ت 476 هـ) مطبعة مصطفى البابي الحلبي 1343 هـ 211-نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للشيخ شمس الدين محمد بن أبي العباس الرملي الناشر - المكتبة الاسلامية طبع دار احياء التراث العربي , بيروت لبنان.

الفقه الحنبلي 212-الانصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الامام المبجل احمد بن حنبل للامام علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرادي (ت 885 هـ) تصحيح وتعليق محمد حامد الفقي مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة 1374 هـ - 1955 م الطبعة الأولى 213-زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر الزرعي تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط وعبد القادر الارناؤوط مؤسسة الرسالة الطبعة الثالثة عشر 1406 هـ - 1986 م 214-شرح منتهى الارادات منصور بن يونس البهوتي (ت 1051 هـ) دار الفكر - بيروت لبنان 215-الفروع للامام شمس الدين المقدسي أبي عبد الله محمد بن مفلح (ت 763 هـ) راجعه عبد الستار أحمد قراج عالم الكتب , بيروت الطبعة الرابعة 1405 هـ - 1989 م 216-الكافي في فقه الامام المبجل احمد بن حنبل للامام أبي محمد موفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي المكتب الاسلامي 1399 هـ - 1979 م 217-كشاف القناع عن متن الاقتناع للامام منصور بن يونس البهوتي (ت 1051 هـ) مطبعة الحكومة بمكة المكرمة 1394 هـ 218-مجموع فتاوي ابن تيمية جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد قاسم مصور عن الطبعة الاولى مطابع الدار العربية - بيروت 219-المحرر في الفقه على مذهب الامام احمد بن حنبل للامام مجد الدين أبي البركات ابن تيمية (ت 652 هـ) مطبعة السنة المحمدية 1369 هـ -

1950 م 220-المحرر لابن عبد الهادي تحقيق الدكتور يوسف بن عبد الرحمن المرعشلي , ومحمد سليم سمارة , وجمال الذهبي توزيع دار الباز بمكة 221-المغني ابن قدامة - موفق الدين عبد الله بن احمد (ت 630 هـ) وبهامشه - الشرح الكبير على المقنع لشمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن قدامة (ت 682 هـ) دار الكتب العلمية بيروت 222-المقنع في فقه الامام المبجل احمد بن حنبل للامام أبي محمد موفق لدين عبد الله بن قدامة المقدسي المكتب الاسلامي 1399 هـ - 1979 م الفقه الزيدي 223-البحر الزخار الجامع لمذاهب الامصار احمد بن يحيى بن المرتضى (ت 840 هـ) الطبعة الأولى 1366 هـ مطبعة السعادة بمصر 224-الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير شرف الدين الحسين بن أحمد الصنعاني (ت 1221 هـ) مطبعة السعادة بمصر الطبعة الاولى 1347هـ 225-الروضة الندية شرح الدرة البهية صديق حسن بن علي القنوجي دار الندوة الجديدة الطبعة الاولى 1404 هـ - 1984 م الفقه الظاهري 226-المحلى لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت 456 هـ) دار الفكر بيروت , لبنان فقه الخلاف 227-الأشراف على مسائل الخلاف القاضي عبد الوهاب بن علي البغدادي

(ت 433 هـ) مطبعة الارادة المغرب 228-فقه الامام سعيد بن المسيب لأستاذي العلامة الدكتور هاشم جميل عبد الله نشر وزارة الأوقاف الطبعة الاولى مطبعة الارشاد بغداد 1394 هـ - 1974 م 229-مسائل من الفقه المقارن لأستاذي العلامة الدكتور هاشم جميل عبد الله طبع على نفقة جامعة بغداد الطبعة الاولى 1409 هـ - 1989 م كتب أصول الفقه وتاريخ التشريع 230-إحكام العقول في احكام الأصول للامام أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي (ت 474 هـ) تحقيق الدكتور عبد الله الجبوري مؤسسة الرسالة - الرباط الطبعة الاولى 1989 م 231-الاحكام في أصول الحكام ابن حزم - علي بن احمد بن سعيد بن حزم (ت 456 هـ) منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت الطبعة الأولى 1400 هـ - 1980 م 232-الاحكام في أصول الأحكام للآمدي - سيف الدين أبي الحسن علي بن أبي علي بن محمد (ت 631 هـ) مؤسسة الحلبي وشركاؤه للنشر والتوزيع القاهرة 1387 هـ - 1967 م 233-ارشاد الفحول الى تحقيق الحق من علم الأصول تاليف محمد بن علي الشوكاني (ت 1255 هـ) مطبعة مصطفى البابي الحلبي الطبعة الاولى القاهرة 1356 هـ 234-اسباب اختلاف الفقهاء تاليف الدكتور مصطفى الزلمي , طبع بغداد 235-أسباب اختلاف الفقهاء تاليف الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي مكتبة

الرياض الحديثة بالرياض الطبعة الثانية 1977 م 236-أصول الفقه للامام أبي بكر محمد بن احمد بن أبي سهل السرخسي (ت 490 هـ) تحقيق أبي الوفاء الأفغاني دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان 237-اعلام الموقعين عن رب العالمين ابن قيم الجوزية: شمس الدين محمد بن أبي بكر (ت 751 هـ) تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد دار الفكر , بيروت الطبعة الاولى 1374 هـ - 1955 م 238-البحر المحيط في أصول الفقه الزركشي - بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله (ت 794 هـ) قام بتحريره الدكتور عمر سلمان الأشقر منشورات وزارة الاوقاف الكويتية الطبعة الاولى 1409 هـ - 1988 م 239-التبصرة في أصول الفقه للشيخ أبي اسحاق ابراهيم بن علي بن يوسف الفيروز آبادي الشيرازي (ت 476 هـ) تحقيق الدكتور محمد حسن هيتو مطبوع بالاوفسيت ,دار الفكر دمشق 1400 هـ - 1980 م 240-تيسير التحرير شرح العلامة محمد أمين المعروف بأمير شاه م كتاب التحرير في أصول الفقه الجامع بين اصطلاحي الحنفية والشافعية. لكمال الدين بن الهمام طبع مطبعة عيسى البابي الحلبي 1351 هـ 241-جمع الجوامع بشرح الجلال المحلى ابن السبكي - تاج الدين عبد الوهاب (ت 771 هـ) والشرح لجلال الدين محمد بن احمد المحلى (ت 864 هـ) مطبعة المصطفى الحلبي 1349هـ 242-حاشية البناني على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع مطبوع بهامش جمع الجوامع

243-الرسالة للامام الشافعي محمد بن ادريس (ت 204 هـ) تحقيق احمد محمد شاكر مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده. الطبعة الاولى 1358 هـ 244-شرح نور الأنوار على المنار للشيخ أحمد المعروف بملا جيون ابن أبي سعيد بن عبيد الله الحنفي (ت 1130هـ) طبع بذيل كشف الاسرار للنسفي دار الكتب العلمية , بيروت لبنان 1406 هـ - 1986 م 245-الفصول في الأصول أحمد بن علي الجصاص الحنفي (ت 370 هـ) تحقيق عجيل جاسم الشمني الدار الاسلامية - الكويت الطبعة الاولى 1988 م 246-فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت لعبد العلي محمد بن نظام الدين الانصاري (ت 1225 هـ) مطبوع مع كتاب المستصفى للغزالي في المطبعة الأميرية في القاهرة 1322 هـ 247-كشف الأسرار شرح المصنف على المنار للامام أبي البركات عبد الله بن أحمد المعروف بالنسفي (ت 710 هـ) دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان 1406 هـ - 1986 م 248-كشف الأسرار عن أصول فخر الاسلام البزدوي - للامام علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري (ت 730 هـ) دار الكتاب العربي بيروت لبنان , 1394 هـ - 1974 م 249-المستصفى من علم الأصول للامام أبي حامد الغزالي محمد بن محمد (ت 505 هـ) المطبعة الأميرية القاهرة 1322 هـ 250-المغني في أصول الفقه للامام جلال الدين أبي محمد بن محمد بن عمر

الخبازي (629-691 هـ) تحقيق الدكتور محمد مظهر بقا الطبعة الاولى 1403 هـ جامعة أم القرى - مكة المكرمة 251-الموافقات في أصول الفقه وقواعده لأبي اسحاق ابراهيم بن موسى الشاطبي المالكي (ت 790 هـ) تحقيق الشيخ عبد الله دراز طبع المطبعة الرحمانية 252-ميزان الأصول في نتائج العقول في أصول الفقه للسمرقندي - علاء الدين شمس النظر أبي بكر محمد بن احمد (ت 539 هـ) دراسة وتحقيق شيخنا الدكتور عبد الملك عبد الرحمن السعدي وزارة الأوقاف والشؤون الدينية العراق الطبعة الاولى 1407 هـ - 1987 م كتب علم الكلام 253-الاعتقاد والهداية الى سبيل الرشاد البيهقي - أبو بكر أحمد بن الحسين (384-458هـ) تحقيق أحمد عصام الكاتب دار الآفاق الجديدة الطبعة الأولى 1981 م 254-شرح اعتقاد أصول أهل السنة والجماعة للامام أبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي (ت 418هـ) تحقيق الدكتور أحمد سعد حمدان نشر دار طيبة بالرياض كتب التأريخ والتراجم والطبقات والرجال 255-الاستيعاب في اسماء الاصحاب لأبي عمر يوسف بن عبد البر مطبوع بهامش الاصابة 256-الاصابة في تمييز الصحابة العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ) دار صادر بيروت.

257-البداية والنهاية للحافظ عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (ت 774 هـ) الناشر: مكتبة المعارف بيروت , ومكتبة النصر بالرياض 1966 م طبعة مصورة على الطبعة الأولى بمصر 258-بغية الملتمس في تاريخ اهل الأندلس أحمد بن يحيى بن عميرة الضبي (ت 599 هـ) دار الكتاب العربي , القاهرة سنة 1967 م 259-تاريخ بغداد الخطيب البغدادي - أبو بكر أحمد بن علي الخطيب (ت 463 هـ) دار الكتاب العربي بيروت - لبنان 260-التاريخ الصغير للامام محمد بن اسماعيل البخاري (ت 256 هـ) تحقيق محمود ابراهيم زايد 1397 هـ - 1977 م دار الوعي، حلب 261-التاريخ الكبير للامام البخاري , محمد بن اسماعيل الطبعة الأولى دائرة المعارف بالهند 262-تذكرة الحفاظ الذهبي: أبو عبد الله شمس الدين (ت 748 هـ) دار احياء التراث العربي 263-تقريب التهذيب العسقلاني: أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ) تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت , لبنان , ط ثانية 1395 هـ - 1975 م 264-تهذيب الاسماء واللغات لابي زكريا محي الدين بن شرف النووي (ت676هـ) دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان 265-تهذيب التهذيب العسقلاني: احمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ) طبع مجلس دائرة المعارف النظامية في الهند 1325 هـ

266-تهذيب الكمال في اسماء الرجال للحافظ جمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي (ت 742 هـ) تحقيق وتعليق: الدكتور بشار عواد معروف مؤسسة الرسالة , بيروت ط أولى 1980 - 1993 267-الثقات للامام الحافظ محمد بن حبان بن ابي حاتم (ت354هـ) دار الفكر الطبعة الاولى، 1978م 268-الجرح والتعديل لأبي محمدعبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن ادريس بن المنذر الرازي (ت 327 هـ) طبع دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن - الهند 1372 هـ - 1952 م 269-حلية الاولياء وطبقات الاصفياء للحافظ أبي نعيم الأصفهاني (ت 430 هـ) المكتبة السلفية 270-خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في اسماء الرجال لاحمد بن عبد الله الخزرجي الانصاري (ت923هـ) الناشر مكتب المطبوعات الاسلامية بحلب الطبعة الثالثة، 1979م-1399هـ 271-سير اعلام النبلاء الذهبي: أبو عبد الله شمس الدين (748 هـ) تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط وزملائه مؤسسة الرسالة الطبعة الرابعة 1406 هـ - 1986 م 272-سيرة النبي صلى الله عليه وسلم المعروفة بسيرة ابن هشام لأبي عبد الله محمد بن اسحاق (ت 151 هـ) تهذيب أبي محمد عبد الملك بن هشام (ت 218 هـ) 273-طبقات الحفاظ لجلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي (ت 911 هـ) تحقيق لجنة من العلماء دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1403 هـ - 1983 م

274-الطبقات الكبرى محمد بن سعد كاتب الواقدي (ت 230 هـ) دار التحرير بالقاهرة 1388 هـ 275-الضعفاء الصغير لأبي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري (ت 256 هـ) تحقيق محمود زايد نشر دار الوعي بحلب 1396 هـ 276-الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة شمس الدين محمد بن احمد الذهبي (ت 748 هـ) تحقيق: عزت علي عيد عطية , وموسى محمد علي القاهرة - دار الكتب الحديثة الطبعة الأولى 1392 هـ (وهي التي اعتمدناها عند الاطلاق) 277-الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة للامام الذهبي تحقيق الشيخ محمد عوامة واحمد محمد نمر مؤسسة علوم القرآن الطبعة الاولى، 1992م 278-الكامل في ضعفاء الرجال للامام أبي أحمد عبد الله بن علي الجرجاني (277-365هـ) تحقيق لجنة من المختصين دار الفكر الطبعة الأولى 1404 هـ - 1984 م 279-الكنى والأسماء لأبي بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي (ت 310 هـ) الطبعة الثانية - دار الكتب العلمية 1403 هـ - 1983 م بيروت - لبنان 280-الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقاة لأبي البركات محمد بن أحمد المعروف بابن الكيال (ت 939 هـ) تحقيق ودراسة: عبد القيوم عبد رب النبي دار لمأمون للتراث الطبعة الأولى 1981 م - 1401 هـ

281-لسان الميزان العسقلاني: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان 282-المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين للامام الحافظ محمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي (ت 354 هـ) تحقيق محمد ابراهيم زايد دار الوعي حلب. 1396 هـ 283-المعرفة والتاريخ للفسوى بتنحقيق الدكتور اكرم ضياء العمري بغداد، 1394هـ 284-ميزان الاعتدال في نقد الرجال الذهبي: محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 هـ) تحقيق علي محمد البجاوي دار المعرفة - بيروت , لبنان الطبعة الأولى 1382 هـ - 1963 م 285-يحيى بن معين وكتابه التاريخ دراسة وترتيب وتحقيق د. أحمد محمد نور سيف الطبعة الأولى 1979 م مطابع الهيئة العامة للكتاب مكة المكرمة كتب اللغة والأدب والمصطلحات 286-أساس البلاغة الزمخشري: جار الله أبو القاسم محمود بن عمر ط دار صادر 287-تاج العروس بشرح القاموس لمحمد بن محمد الحسيني المعروف بمرتضى الزبيدي تحقيق علي الهلالي , طبع الكويت 288-جمهرة اللغة لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الازدي (ت 321 هـ) الطبعة الاولى مطبعة مجلس دائرة المعارف , العثمانية بحيدر آباد الدكن 1345 هـ

289-الصحاج في اللغة اسماعيل بن حماد الجوهري تحقيق أحمد عبد الغفور عطاء دار العلم للملايين - بيروت 1399 هـ 290-القاموس المحيط للفيروزآبادي - مجد الدين بن يعقوب الشيرازي (ت 817 هـ) مطبعة دار المأمون 1357 هـ - 1938 م 291-لسان العرب ابن منظور - جمال الدين محمد بن مكرم (ت 711 هـ) نشر دار صادر , بيروت , لبنان 1376 هـ 292-مختار الصحاح محمد بن أبي بكر الرازي دار الكتب العلمية , بيروت 293-المصباح المنير في غريب الشرح الكبير الفيومي - احمد بن محمد بن علي المقري (ت 770 هـ) مصطفى البابي الحلبي بمصر 294-معجم مقايس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395 هـ) تحقيق عبد السلام هارون دار الفكر للطباعة والنشر 1399 هـ - 1979 م 295-المعجم الوسيط الدكتور ابراهيم أنيس , والدكتور حليم منتصر وعطية الصوالحي ومحمد خلف الله أحمد أمواج للطباعة والنشر والتوزيع , بيروت , لبنان الطبعة الثانية 1987 م 296-النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير الجزري تحقيق: الطناجي والزاوي مطبعة عيسى الحلبي القاهرة الطبعة الاولى 1383 هـ الرسائل الجامعية 297-أثر الحديث النبوي في اختلاف الفقهاء رسالة ماجستير مقدمة من الشيخ عبد الله حسن الحديثي الى مجلس كلية العلوم الاسلامية جامعة بغداد 1993 م

298-الاسناد عند المحدثين رسالة ماجستير مقدمة من قبل الشيخ داود سليمان صالح الدليمي الى مجلس كلية الشريعة جامعة بغداد 1987 م 299-الامام أبو حاتم الرازي ومكانته بين علماء الجرح والتعديل. رسالة ماجستير تقدم بها زياد محمد رشيد العاني الى مجلس كلية الشريعة جامعة بغداد 1990 م 300-الفصل للوصل المدرج في النقل لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) اطروحة دكتوراه تقدم بها الشيخ عبد السميع محمد الأنيس الى مجلس كلية العلوم الاسلامية جامعة بغداد 1995 م 301-مكانة الامام أبي حنيفة في الحديث رسالة ماجستير تقدم بها عبد العزيز شاكر حمدان الكبيسي الى مجلس كلية العلوم الاسلامية 1992 م كتب متنوعة 302-الاتجاهات الفقهية عند اصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري د. عبد المجيد محمود نشر مكتبة الخانجي 1399 هـ - 1979 م 303-احياء علوم الدين تصنيف أبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت 505 هـ) دار المعرفة , بيروت 304-بدائع الفوائد لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي المشتهر بابن القيم الجوزية (ت 751 هـ) دار الكتاب العربي , بيروت. 305-العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم محمد بن ابراهيم الوزير اليماني (ت 840 هـ) تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط مؤسسة الرسالة الطبعة الاولى 1992 م

§1/1