أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في حركة عثمان بن فودي الإصلاحية في غرب أفريقيا (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب)

مصطفى مسعد

أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في حركة عثمان بن فودي الإصلاحية في غرب أفريقيا (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب)

أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في حركة عثمان بن فودي الإصلاحية في غرب أفريقيا للدكتور مصطفى مسعد أستاذ التاريخ الإسلامي ورئيس قسم التاريخ بكلية العلوم الاجتماعية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ظهور الدعوة: يمثل القرن الثاني عشر للهجرة نقطة تحول هامة في تاريخ العالم الإسلامي بعامة وتاريخ الجزيرة العربية بخاصة. ذلك أن العالم الإسلامي في ذلك العصر يعاني من الانحطاط والضعف والتدهور في كثير من نواحي الحياة الدينية والسياسية والاقتصادية، بسبب تفشي الجهل ووقوعه فريسة التخلف العلمي والجمود الفكري، والانحراف عن جادة الإسلام الصحيح، وتسرب الكثير من أنواع الشرك والبدع والخرافات 1، حتى قيض الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة الإسلامية من ينهض من قلب الجزيرة العربية ليدعو إلى النهوض بالإسلام وإصلاح أحوال المسلمين، بتطهير الإسلام وتخليصه مما علق به من أدران الوثنية وغيرها من مظاهر الشرك. وصاحب هذه الدعوة المباركة هو الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- (1115- 1206 هـ) . لقد أدرك الشيخ- رحمه الله- أن مصدر هذا التدهور والانحلال ابتعاد المسلمين عن الإسلام الصحيح، حتى لقد انتشرت أنواع خطيرة من الشرك ودعوة الأحياء والأموات من الأولياء والصالحين، وإشراكهم فيما يعبد الله به من الذبح والنذور والتوكل والسجود وغير ذلك مما هو حق لله وحده لا شريك له، بل النزول إلى تقديس الجمادات كالأحجار والأشجار، والاعتقاد في قدرتها على جلب النفع ودفع الضر2. نهض الشيخ- رحمه الله- بعبء الدعوة بالرجوع إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وآثار السلف الصالح، ومقاومة البدع والخرافات التي ألصقت بالإسلام، وبمعنى

_ 1 حسين بن غنام: تاريخ نجد (روضة الأفكار والأفهام) تحرير: ناصر الدين الأسد ص 10- 19. 2 محمد بن عبد الوهاب: القسم الخامس من مؤلفات الشيخ (الرسائل الشخصية نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ص 36.

آخر الرجوع بالإسلام إلى ما كان عليه زمن النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه رضي الله عنهم. ولقد بدأ الشيخ دعوته إلى الإصلاح متبعا في ذلك أسلوب الإسلام نفسه، بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكتابة الرسائل وإلقاء الخطب، وعقد حلقات الدرس لتلاميذه الذين يتلقون عنه العلم في مختلف فروع المعرفة، وعنيت الدعوة بتصحيح العقيدة وتحقيق التوحيد، وقد استأثرت معالجة هذه الموضوعات بالكثير من مؤلفات الشيخ وكتاباته ورسائله. كما عني بشرح العقيدة الصحيحة ودعمها بالحجة والدليل من كتاب الله وسنة رسوله وأقوال صالحي الأمة وأفعالهم، وذلك بإخلاص العبادة لله رب العالمين، ونبذ الشرك والبدع والخرافات، والإقلاع عن جميع المحرمات، وبيان معنى الإسلام الصحيح قبل حدوث الشرك وتسرب البدع، وتفسير معنى " لا إله إلا الله "، وما اشتملت عليه من نفي العبادة عما سوى الله وإثباتها لله وحده لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته، وبيان شرائع الإسلام1. لم تسلم الدعوة من حرب شنها عليها بعض الحكام الضالين، وبعض مدعي العلم كذلك، ويمثل اتفاق الدرعية (1157 هـ) بين الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وبين أميرها الإمام محمد بن سعود- رحمهما الله- بداية مرحلة هامة في تاريخ الدعوة السلفية؛ فقد تم تعاهد وتعاقد بينهما على إظهار دين الله والجهاد في سبيله. وبمعنى آخر كانت هذه المعاهدة التي تمت بين الإمامين عهدا على نشر الدعوة السلفية وتوحيد المسلمين تحت راية الإسلام. وبذا بدأ الجهد الجماعي للدعوة ودخولها مرحلة الجهاد. وقد أصبحت بذلك مدينة الدرعية مركز الدعوة السلفية ومنطلقها. فما أن فرغ الإمام الشيخ من أمر الدرعية نفسها وإقبال أهلها على دعوته، حتى بعث برسائله إلى أمراء وأهالي البلاد المجاورة يدعوهم فيها إلى العودة إلى طريق الإسلام الصحيح كما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وتطبيق

_ 1 محمد بن عبد الوهاب, القسم الأول من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب, "العقيدة والآداب الإسلامية" نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

انتشار الدعوة:

جميع أحكامه وإقامة شعائره. فمنهم من استجاب لدعوة الشيخ ودان له بدعوة الإسلام الصحيح، فثاب إلى الرشد، وهجر البدع، وغدا من أنصارها والداعين إلى نشرها ونصرتها، ومنهم من استكبر وأبى وخالف. ولما رأى الشيخ من معظمهم الإعراض عن الدعوة ومناوأتها، بدأ في تكتيل القوى الحربية وإعلان الجهاد في سبيل إقرار هذا الدين على حقيقته، وتهيئة الجو الصالح لنشر الدعوة، وتطبيق منهج الله في جميع شئون الحياة. ولقد أصبح من الضروري مواجهة أعداء الدعوة- حيثما كانوا- وتجريد الحملات الحربية عليهم للدفاع عن الدعوة وإفساح المجال أمام الراغبين في الانضواء تحت لوائها للرجوع إلى الحق وقطع دابر الفتنة. فبدأت سلسلة من المعارك الحربية المتصلة، وانتصرت كلمة الحق، وشهد الإمام الشيخ - رحمه الله- في أواخر حياته رايات التوحيد خفاقة على معظم أقاليم الجزيرة العربية التي شهدت تحولًا خطيرًا في حياتها الدينية والسياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية تحت لواء الدولة السعودية. والحق أن الشيخ الإمام - رحمه الله - قد شهد ثمار دعوته وجهاده وجهوده الصابرة بمولد المجتمع الإسلامي الذي يريده، والذي أيقظت الدعوة عقليته الإسلامية بعد سباتها، فصفت عقيدته بعد أن كدرتها الخرافات والبدع والشركيات والوثنيات، فتحققت بذلك أهداف دعوته، بقيام مجتمع إسلامي متكامل تحت لواء دولة إسلامية تؤمن بالإسلام عقيدة وعبادة وشريعة ومنهجا، وتطبق أحكامه في كل شئونها 1. انتشار الدعوة: لم يقتصر أثر الدعوة السلفية في الجزيرة العربية فحسب، بل امتد هذا الأثر إلى بقاع كثيرة من العالم الإسلامي، وذلك على الرغم من محاولات خصوم الدعوة من تشويه مبادئها، حتى أطلقوا عليها اسم: " المذهب الوهابي " ليدللوا على أنها مذهب جديد على الإسلام، ولقد تضافرت عدة عوامل ساعدت على نجاح الدعوة وانتشارها، فقد كان لشدة إيمان صاحب الدعوة بما يدعو إليه من الحق، وقوته في مواجهة خصوم الدعوة حتى

_ 1 عبد الله بن يوسف الشبل: تاريخ نجد والدولة السعودية- طبع بمطابع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- الرياض, ص 69- 83.

الإسلام وغرب أفريقية:

جمع حولها الأتباع والأعوان والتلاميذ الذين كانوا عدتها ودعامتها، فضلا عن القوة السياسية ممثلة في أنصار الدعوة من آل سعود منذ اتفاق الدرعية "1157 هـ" أكبر الأثر في التمكين للدعوة، وإبلاغ صوتها إلى أقصى المشرق وأقصى المغرب. ومن هنا: تتجلى قوة الدعوة في الجمع بين الأمور السياسية والدينية، فقد حمل آل سعود لواء الجهاد في سبيل نصرة الدعوة في حياة الشيخ وبعد وفاته، وتوحدت على أيديهم معظم أقاليم الجزيرة العربية بما فيها إقليم الحجاز حيث المعبر الذي انتقلت الدعوة عن طريقه في موسم الحج. فقد أتاح دخول الحجاز في حوزة الدولة السعودية الأولى في العقدين الثاني والثالث من القرن الثالث عشر للهجرة (1217- 1226 هـ) لحجاج بيت الله الحرام من جميع البلاد الإسلامية التعرف على حقيقة الدعوة السلفية والالتقاء بدعاتها، ومناقشتهم فيما يدعون إليه، حتى ازدادوا بها إيمانا وتشبعوا بمبادئها، وبخاصة حينما شهدوا أحوال الحجاز في عهد أنصار الدعوة من آل سعود، وما كان يسوده من أمن واستقرار وتطبيق لجميع مبادئ الإسلام، فحملوها إلى بلادهم، ودعوا الناس إليها، فانتقلت هذه المبادئ الإصلاحية إلى سومطره والهند في قارة آسيا، وإلى ليبيا وبلاد السودان الغربي في قارة إفريقية، وكان هدف دعاتها في كل مكان يحلون به هو محاربة الفساد والقضاء على البدع والخرافات، وتصحيح العقيدة الدينية، والعودة بالإسلام إلى ما كان عليه زمن النبيصلى الله عليه وسلم، ثم محاولة إقامة حكومة صالحة على أساس ديني، تحكم بالإسلام عقيدة ومنهج حياة 1. الإسلام وغرب أفريقية: ينبغي قبل الحديث عن الدعوة في غرب أفريقية أن نشير في إيجاز إلى امتداد الإسلام وانتشاره في هذه الأقاليم الأفريقية. المقصود ببلاد غرب أفريقية هنا: البلاد التي كانت تعرف قديما باسم السودان الغربي والسودان الأوسط. وتشمل مساحة جغرافية تمتد من مصب نهر السنغال في الغرب إلى

_ 1 عبد الله بن يوسف الشبل: المرجع نفسه ص 89.

الحدود الغربية لبلاد دارفور في سودان وادي النيل في الشرق، وتقع بين الصحراء الكبرى في الشمال، وبين نطاق الغابات الاستوائية في الجنوب. ولقد تأثرت هذه الأقاليم بموجتين إسلاميتين، تتجلى أولاهما في تسرب الإسلام وانتشاره فيها انتشارا بطيئا استغرق حوالي سبعة قرون ابتداء من القرن الخامس الهجري (11م) ، وجاءت الموجة الثانية في أعقاب حركة الجهاد التي اضطلع بها الفلان في القرن الثالث عشر الهجري (19م) . أما الموجة الأولى فكانت طلائعها من قبائل الملثمين (الطوارق) الذين اضطلعوا بنشر الإسلام في غرب أفريقية، عن طريق التسرب السلمي والاستيطان في هذه الأقاليم، أو عن طريق الغزو والفتح. وعلى الرغم من أن حركة المرابطين بزعامة قبيلة جدالة في القرن الخامس الهجري (11 م) كانت قصيرة العمر فإنهم نجحوا في إزالة أكبر عقبة كانت تحول دون تقدم الإسلام جنوبا، فاضمحلت على أيديهم مملكة غانة الوثنية، ثم اعتنق ملوكها الإسلام وأخلصوا له، وعملوا على نشره بوسائلهم، وتحولت غالبية شعب غانة إلى الإسلام. واستطاع دعاة المرابطين أن ينشروا الإسلام على ضفاف السنغال، وفي الأقاليم الواقعة بين السنغال والنيجر. وتم في عهد المرابطين تأسيس مدينة "تنبكت" وامتداد الإسلام إلى مدينة (جنى) ، وقد غدت هاتان المدينتان السودانيتان أعظم مركزين للثقافة الإسلامية وسوقين هامتين للتجارة السودانية على ضفاف النيجر. وفي هذه المرحلة كذلك، ظلت الموجة الإسلامية الأولى قوية، بيد أن موجهيها لم يصبحوا من البربر، بل من أهل البلاد الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام، ونالوا نصيبا من الثقافة الإسلامية، سواء أكانوا من السودانيين الخلص، أم من السودانيين الذين اختلطت دماؤهم بدماء البربر، وأفادوا من خبراتهم السابقة في ميادين السياسة والحرب، فأسسوا سلطنات إسلامية واسعة مثل: مالي "وسنغى، وبرنوء والكانم، وإمارات الهوسة في شمال نيجيريا، حيث قامت سبع إمارات هي: دورا، وكانو، وزاريا، وغوبر (جوبير) ، وكتسنا، وبيرام، ورانو1.

ولقد كان معظم إمارات الهوسة على الوثنية حتى القرن الثامن الهجري (14 م) ، حين وفدت إليها تيارات إسلامية من الغرب على أيدي فقهاء مالي، ومن الشمال على أيدي فقهاء المغرب أما التيار الثالث فمصدره بلاد برنو ومصر، وثم تيار إسلامي رابع وفد إليها مع تجار جني وتنبكت المترددين على إمارتي كانو وكتسنا أواخر القرن التاسع وأوائل القرن العاشر للهجرة. (15- 16 م) ، وذلك إبان انتعاش تجارة إمارات الهوسة، واستقرار أولئك التجار في هذه البلاد، والقيام على تدريس الدين الإسلامي ونشر مذهب مالك1، وساعد على ازدياد قوة التيار الإسلامي في القرن العاشر الهجري (16 م) خضوع إمارات الهوسة لسلطنة سنغى الإسلامية. لكن على الرغم مما بذل من جهود لنشر الإسلام في بلاد الهوسة. فإن الإسلام لم يغلب على هذه البلاد، وظلت بها جماليات وثنية حتى مطلع القرن الثالث عشر الهجري (19 م) 2، ولم يلبث بعض أمراء الهوسة أن تحولت حماستهم للإسلام والثقافة الإسلامية إلى فتور تام، ولم يعد يسمع شيء عن نشاط إسلامي خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر (17، 18 م) - حتى قيام الفلان بثوراتهم الإصلاحية في القرن الثالث عشر الهجري (19 م) . يضاف إلى هذا أن الغزو المراكشي في غرب أفريقية في القرن العاشر الهجري (16م) والقضاء على سلطنة سنغى الإسلامية، قد أدى إلى تدهور أحوال البلاد الاقتصادية والثقافية والدينية، بسبب فساد الأمن واضطراب سير التجارة السودانية عبر الصحراء الكبرى، وتشريد علماء تنبكت، واضمحلال جامعاتها. يقابل هذا ازدياد نفوذ الممالك الوثنية مثل سيغو (سجو) 3 وخضوع الباشوات الذين خلفهم الغزو المراكشي لنفوذ ملوك سيغو الوثنيين ثم إن الجامعات الإسلامية القليلة المبعثرة في الأقاليم الوثنية

عوملت معاملة أهل الذمة؛ فقد فرضت عليهم الجزية، وحرموا من تطبيق الشريعة الإسلامية، وخضعوا لقوانين البلاد القائمة على العادات الوثنية. واستمرأ معظم أمراء المسلمين- وقتذاك- ومن يلوذ بهم من النفعيين الحياة في ظل هذا الركود، ما عدا نفر من أهل الصلاح والتقوى الذين يتطلعون إلى ظهور مصلح يأخذ بأيدي المسلمين، وينقذ الدين الإسلامي من وهدته1. الحركات الإصلاحية في بلاد الهوسة. تحقق هذا الإصلاح المرتقب على أيدي الفلان منذ مطلع القرن الثالث عشر للهجرة (19 م) . وهنا تبدأ الموجة الإسلامية الثانية التي بلغت من القوة في خلال قرن واحد حدا يفوق ما بلغته الموجة الإسلامية الأولى في خدمة الإسلام والثقافة الإسلامية في غرب أفريقية خلال سبع قرون. ولقد امتدت اليقظة الإسلامية التي انبعثت من قلب الجزيرة العربية على يد الشيخ المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب إلى بلاد الهوسة بغرب أفريقية أول القرن الثالث عشر الهجري؛ إذ وجدت الدعوة السلفية طريقها إلى هذه الأقاليم التي ما كان لها أن تبقى بعيدة عما يعتمل - وقتذاك - في قلب الجزيرة العربية وغيرها من الأقطار الإسلامية التي تأثرت بالدعوة السلفية؛ لصلاتها القوية بها جميعا ولا سيما في موسم الحج. كان رواد نشر الدعوة السلفية ودعاتها في غرب أفريقية من قبائل الفلبي (الفلان) الذين أخذت أفواجهم منذ القرن السابع الهجري (13 م) تفد من مواطنهم الأصلية بإقليم فوتاتورو بالسنغال إلى بلاد الهوسة في شمال نيجيريا. وقد انقسم المهاجرون من الفلان إلى فريقين: فريق سكن المدن وعرف باسم "فلانى جدا"، أي: المختلطين أو المهجنين، لاختلاطهم بقبائل الهوسة عن طريق المصاهرة 2 وهؤلاء كانوا أول من

_ 1 محمود كعت التنبكتي: تاريخ الفتاسن في أخبار البلدان والجيوش, وأكابر الناس ص 17. (2) Fage, o. g. d.: an introduction to the history of west africa. p. 35.

عثمان بن فودي والدعوة إلى الإصلاح:

اعتنق الإسلام في بلاد الهوسة. أما الفريق الآخر فمن البدو الذين لم يختلطوا بقبائل الهوسة. وعرفوا باسم: "بروروجي" أي رعاة البقر، واحتفظ هؤلاء بدينهم الوثني. وفي أواخر القرن الثاني عشر الهجري (18 م) غدا الفلان جدا المسلمون عنصرا هاما بين سكان بلاد الهوسة ووصل كثير منهم إلى أعلى المناصب بفضل مواهبهم واستعدادهم الذهني 1. عثمان بن فودي والدعوة إلى الإصلاح: وبطل قصة انتشار الدعوة السلفية في غرب أفريقية هو الشيخ عثمان بن فودي (دان فيديو) 2 ينتسب هذا المصلح إلى أسرة من الفلان انطلقت في ركاب المهاجرين منهم حتى دخلت سهول السودان الغربي وأقامت في بلاد الهوسة، وفي هذه البيئة ولد عثمان بن فودي سنة 1169 هـ في قرية طفل من أعمال إمارة كوبر (جوبير) . وقد نشأ في بيت علم وفتوى؛ إذ اعتنق أجداده الإسلام من زمن بعيد، واشتغل أبوه وأفراد أسرته بالعلم، وتلقى عثمان بن فودي دروسه الأولى على يد أبيه محمد، وأمه حواء، وجدته رقية 3. شب عثمان بن فودي في هذه البيئة المتدينة، ودرس علوم العربية وعلوم القرآن والحديث والفقه على أيدي علماء عصره في بلاد الهوسة، وفي أغاديس4. ولعل أقوى أساتذته تأثيرا فيه هو الشيخ جبريل بن عمر5. ولما بلغ عثمان بن فودي مبلغ الرجال، وأوتي حظا من النضوج العقلي والفكري، هاله حال المسلمين في بلاد الهوسة، وما كانوا عليه من تخلف وانحراف عن جادة الإسلام الصحيح. وانتشار البدع والخرافات والوثنيات، ثم رحل عثمان إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، فتأثر بالدعوة السلفية التي كانت آخذة في النمو والانتشار في الوقت الذي زار فيه

_ 1 Boville, e. a.: the golden trade of the moors, p. 224 2 عرف باسم دان فوديو. أي: ابن النقية. واسمه عثمان بن محمد بن عثمان بن صالح. ومن الألقاب التي تلقب بها: نور الزمان, ومجدد الإسلام. والشيخ. 3 آدم عبد الله الألوري: الإسلام في نيجيريا ص 35. 4 أغاديس: مدينة تقع بالقرب من طريق القوافل الممتد بين أقاليم السودان الأوسط وبلاد المغرب. 5 آدم عبد الله الألوري: المرجع نفسه ص 30-31.

مكة 1 حين دخلوها في صورة الدولة السعودية الأولى- كما سبق أن ذكرنا- ولقد خالط عثمان بن فودي دعاة السلفية من أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب واستمع إليهم وتشرب مبادئ الدعوة السلفية وتحمس لها، فأيقظت في نفسه رغبة ملحة في إصلاح أحوال المجتمع في بلاده، ومحاربة البدع والخرافات والوثنيات التي تفشت في بلاده، حيث اختلطت تعاليم الإسلام بالعادات الوثنية، وارتد بعض المسلمين عن دينهم 2. ولعل خير ما نستشهد به في هذا المقام ما ذكره الإمام محمد بللو بن الشيخ عثمان بن فودي في كتابه "إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور" عن فشو الفساد والبدع والشركيات في مجتمع الهوسة؛ إذ يقول: "وقد وجدت في هذه البلاد (بلاد الهوسة) من أنواع الكفر والفسوق والعصيان أمور فظيعة، وأهوال شنيعة، طبقت هذه البلاد وملأتها حتى لا يكاد يوجد في هذه البلاد من صح إيمانه وتعبد إلا النادر القليل، ولا يوجد في غالبهم من يعرف التوحيد، ويحسن الوضوء، والصلاة، والزكاة، والصيام، وسائر العبادات، فمنهم كفار يعبدون الأحجار والجن، ويصرحون على أنفسهم بالكفر، ولا يصلون، ولا يصومون، ولا يزكون، ويسبون الله ويقولون في حقه ما لا يليق في جنابه الأعلى. وهؤلاء غالب عامة السودان الذين يقال لهم: "ما غنداوا"، وبعض عتاة الفلاتيين والتوارك، ومنهم قوم يقرون بالتوحيد، ويصلون، ويصومون، ويزكون من غير استكمال شروط، بل يأتون في ذلك كله بالرسم والعلامة، مع أنهم يخلطون هذه الأعمال بأعمال الكفر الذي ورثوه عن آبائهم وأجدادهم، وبعضهم من قبل نفسه........ وغالب ملوك هذه البلاد وجنودهم وأطبائهم وعلمائهم من هذا القبيل. ومنهم قوم يقرون بالتوحيد، ويصلون ويصومون، ويزكون من غير استكمال شروط كما مر، مع أنهم مقيمون على عوائد ردية وبدع شيطانية، ومنهم منهمكون في المعاصي الجاهلية متأنسون بها، جارون فيها مجرى المباحات حتى كأنها لم يرد فيها نهي، وهي خصال كثيرة أقاموا عليها، وهؤلاء أكثر عامة الفلاتيين وبعض مسلمي السودانيين (الهوسة) ؛ إذ قد مر أن غالبهم كفار بالأصالة وبعضهم بالتخليط. ومنهم قوم عارفون بالتوحيد كما ينبغي،

_ 1 أرنولد: الدعوة إلى الإسلام, ترجمة حسن إبراهيم حسن وآخرين ص 360 , 362. 2 آدم عبد الله الألوري: المرجع نفسه ص 31.

محسنون للوضوء والغسل، والصلاة، والزكاة، والصيام بذلك كما ينبغي، وهؤلاء النادر القليل 1. ويضيف آدم عبد الله الألوري- أحد علماء نيجيريا- إلى ذلك قوله: " لما انتشرت البدع بين اللمعاء ودب الفساد في نفوس المسلمين وعظموا الأشجار والأحجار ونسبوا إليها الرزق والولد والخير والشر، وتعمق الملوك في الجور والطغيان، حتى إذا مرض أحدهم ذبح عبدا أو أمة له ليفديه من الموت، تلك هي الأشياء التي أنهضت نية ابن فودي للقيام بالدعوة إلى إخماد البدع الشنيعة وإحياء الشريعة" 2. وفي سنة 1215 هـ بدأ عثمان بن فودي الدعوة إلى الإصلاح، كما بدأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوته: دعوة إلى الدين بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ويبدو من منهجه في الإصلاح العودة بالإسلام إلى ما كان عليه زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته- رضي الله عنهم- فأخذ يدعو إلى إحياء الشريعة الإسلامية المستمدة من القرآن والسنة وإجماع السلف الصالح - رضوان الله عليهم. ولما زاد عدد أتباع الشيخ عثمان ومريديه، رأى أن ينتقل إلى المرحلة الثانية من الدعوة، وفكر في الاتصال بأحد الملوك ليشد من أزره، فلجأ إلى أقوى ملوك الهوسة- وهو وقتذاك- الملك نافتا (ملك غوبر) ، وشرح له الإسلام الصحيح وطلب إليه إحياء معالم الدين، وإقامة العدل بين الناس. فاستجاب له- أول الأمر- وأسند إليه الفتوى والإرشاد بمجلسه وديوانه 3. غير أن بعض مدعي العلم الحاقدين، قاموا يعيرونه لاتصاله بالملك ويتهمونه بالرياء والسعي إلى الجاه والسلطان، ووشوا به عند الملك.

_ 1 محمد بللو بن عثمان بن فودي: إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور, طبع دار الشعب. القاهرة 1383 هـ (1964م) ص 58-60. 2 آدم عبد الله الألوري: الإسلام في نيجيريا ص 35- 36. 3 آدم عبد الله الألوري, نفس المصدر ص 37.

ومنهم من أنكر عليه بعض أقواله وأفعاله 1، فوقعت بينه وبين الملك جفوة سافر بسببها الشيخ إلى بلاد زمفرة وكبي، حيث قضى خمس سنوات داعيا إلى الإسلام، فاعتنقه على يديه عدد من الوثنيين، كما تاب على يديه عدد من المرتدين. وهنا نترك القلم للإمام محمد بللو بن الشيخ عثمان بن فودي، ليلقي المزيد من الضوء على ما قام به والده المصلح الكبير من جهود لنشر الدعوة في مجتمع الهوسة، وما لقي في سبيلها من عداء الملوك ووقوفهم في وجه الدعوة فيقول: " ... ثم إنه لما برز هكذا، وكثر أتباعه من العلماء والعوام، وتراسل الخلق إلى الاقتداء به، وكفاه الله من ناوأه من علماء وقته، حتى نشر أعلام الدين، وأحيا السنة الغراء، فتمكنت في البلد أي تمكين، نصب أهل الدنيا له العداوة من أمراء هذه البلاد،..... وإنما غاظهم ما يرون من ظهور الدين وقيام ما درس من معالم اليقين، وذهاب بقاء ما هم فيه من الضلال والباطل والتخمين، مع أن سلطنتهم.. مؤسسة على قواعد مخالفة للشريعة.... فلما أوضح الشيخ الطريق، واهتدى إليه أهل التوفيق ... وبقي أهل الدنيا من علماء السوء والملوك في طغيانهم يعمهون، ... فجعل أولئك الملوك والعلماء يؤذون الجماعة (أتباعه) ، ويعترضون كل من ينتسب إلى الشيخ، ... ولم يزل كل من تولى من ملوك بلادنا مجتهدا في إطفاء ذلك النور ويكيد بالشيخ وبجماعته، ويمكر بهم ويحتال في استئصالهم. وأما الأحكام فهم متجمدون على ما وجدوا أباءهم الأسلاف ... وغالب أحكامهم مصادم للكتاب والسنة وإجماع الأمة، كما هو معلوم مشهور، مع أنهم مفترون بأقوال وأفعال لا تصدر إلا من كافر ... ولم يرعنا إلا إنذار أمير غوبر نافتا بثلاثة أمور: أنه لم يرض لأحد أن يعظ الناس إلا الشيخ وحده، ولم يرض لأحد بالإسلام إلا وارثه من آبائه، ومن لم يرث الإسلام فليعد إلى ما وجد عليه آباءه وأجداده، وألا يتعمم أحد بعد اليوم، ولا تضرب امرأة بخمارها على جيبها. وهذا إنذاره في الأسواق، كل ذلك سعي منه في مكيدتنا.." 2. لقد اعتنق الإسلام على يدي الشيخ عدد كبير من الوثنيين، وزاد الناس له أتباعا،

_ 1 المصدر السابق. 2 محمد بللو: إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور ص 95- 97.

ورأى الملوك فيه خطرا ملحا ينتقص من سيادتهم، ويحد من نزواتهم، ويؤلب عليهم رعيتهم1. ولما توفي الأمير نافتا، خلفه ابنه الأمير يونفا في حكم إمارة غوبر وعلى الرغم من أنه كان تلميذا للشيخ عثمان، فقد كان لا يقل عن أبيه انتصارا للوثنية، ورأى الأمير يونفا في ازدياد قوة الشيخ وكثرة أنصاره خطرا يهدد عرشه، فدبر مؤامرة لاغتياله، وأدى فشل الأمير في التخلص من الشيخ إلى ازدياد عدد أنصاره وتلاميذه. لقد أدرك الشيخ أنه لم يستطع أن يحقق هدفه بالفوز بمعاونة أمير من أمراء الهوسة، ومساندة القوة السياسية للدعوة، بل تعرضت دعوته للخطر بإصدار القرارات المساندة للوثنية من ناحية، ومحاولة القضاء عليه وعلى دعوته من ناحية أخرى. وفي شتاء سنة 1218 هـ (1803 م) خرج الشيخ صحبة فريق من أتباعه المخلصين مهاجرين إلى بلدة جودو على أطراف الصحراء. ونادى الشيخ في أنصاره معلنا الهجرة من دار الكفر إلى دار الهجرة، غير أن أمراء الهوسة قابلوا عمل الشيخ وأنصاره بتعقبهم أينما ذهبوا، وقطع الطرق الموصلة إليهم، ونهب أموالهم والتهيؤ لحربهم. فلم يجد الشيخ بدا من إعلان الجهاد. واستجابت له عشائر الفلان من البلدين والرعاة، وقدموا إلى مهجره للانضمام إلى جيشه، وتأييد دعوته، وبايعوه على الجهاد أو الموت، وطاعة الله ورسوله، كما بايعوه بإمرة المؤمنين (ساركين مسلمي) 2. تزعم أمير غوبر المعارضين له، وسار لحربه، وجاء إعلان الجهاد رسميا سنة 1219 هـ (1804 م) بداية دور جديد في الحركة الإصلاحية، هو دور الفتح والجهاد. فعقد الشيخ اللواء لأربعة عشر من أصحابه، وأحرزوا نصرا على أمير غوبر وحلفائه من الطوارق. وأثارت هزيمتهم الهلع والخوف في بلاد الهوسة، واستولى المجاهدون على إمارة زاريا سنة

_ 1 حسن أحمد محمود: دور العرب في نشر الحضارة في غرب إفريقية، المجلة التاريخية المصرية العدد 14, 1968, ص 94. 2 Boville, e. a.: op. cit. p. 225

1219 هـ (1804 م) ، وإمارتي كانو وكتسنا سنة 1220 هـ (1805 م) ، كما وقعت في أيديهم عاصمة إمارة غوبر سنة 1223 هـ (1808 م) . لقد كانت الحماسة الدينية تدفع أولئك المجاهدين إلى طلب الشهادة، فتمكنوا في سنة 1225 هـ (1810 م) من إخضاع إمارات الهوسة جميعها لنفوذهم. رأى الشيخ عثمان بن فودي أن تشمل حركته الإصلاحية بلاد برنو (السودان الأوسط) لموالاة سلطانها للوثنيين ومساعدتهم ضد المجاهدين من أنصار الشيخ، فاستولوا على كثير من أقاليم برنو لمتاخمتها لبلادهم من جهة الشرق. وهكذا تمت آخر مرحلة من مراحل الجهاد، فتأسست دولة إسلامية شملت جميع إمارات الهوسة القديمة. ورأى الشيخ عثمان أن يترك شئون الحكم والإدارة لابنه محمد بللو، وأخيه الوزير عبد الله بن فودي، فقسم البلاد بينهما. وجعل ابنه محمدا على القسم الشرقي وعاصمته سكت (سكوتو) ، وجعل أخاه عبد الله على القسم الغربي من الدولة، وعاصمته جواندو في إقليم كبى. أما الشيخ عثمان فإنه آثر التفرغ للدراسة ونشر الإسلام وتفقيه الناس في الدين متخذا سكت مقرا له، ولما توفي الشيخ عثمان سنة 1233 هـ (1817م) ، بويع ابنه محمد بللو أميرا للمؤمنين. وظلت الإدارة مزدوجة في عهده: القسم الشرقي: تابع لإدارة سكت، والقسم الغربي تابع لعبد الله في عاصمته جواندو. اختلف الباحثون في تقدير حركة الجهاد التي تزعمها عثمان بن فودي. فيرى البعض منهم: "أن الفلان اتخذوا الدين وسيلة لنيل عرض الدنيا، واستغلوه للتنكيل بأمراء الهوسة الذي كانوا يضطهدونهم وينكرون عليهم حقوقهم" ويزعمون: "أن الجهاد حركة قومية لقبائل الفلان- مسلمين ووثنيين- موجهة ضد قبائل الهوسة وكبيرهم الأمير يونفا أمير غوبر والذي كان قرر القضاء عليهم، وبعد انتهاء الجهاد عاد الفلان والوثنيون إلى حياة المراعي، على حين أن العلماء وزعماء الفلان- وعلى رأسهم الشيخ عثمان بن فودي- استغلوا الدين لطرد الحكام القدامى. واقتسام مناصبهم 1.

_ 1 Hogbon, s. g.: the mohamedan emirates of nigeria p. 110

غير أن هذا القول لا يتفق وما نعلمه عن طبيعة الجهاد وأهدافه. ذلك أنه كان محاولة صادقة للإصلاح وجهادا ضد الطغاة المستبدين، مهما كان جنسهم، بدليل أن الجهاد ضم بين الهوسة والفلان، وباستثناء القادة وأصحاب الألوية، فقد كان عدد المجاهدين من الهوسة لا يقل عن عدد المجاهدين من الفلان 1. وكان أحد أصحاب الألوية الأربعة عشر على الأقل من الهوسة 2. ثم إن جميع الفلان في بلاد الهوسة لم يشتركوا في الجهاد مع الشيخ عثمان بن فودي؛ إذ حارب بعضهم في صفوف أمراء الهوسة، على حين وقف البعض الأخر موقفا محايدا. والكثيرون من سكان البلاد الذين رأوا في الجهاد إعلاء لشأن الدين، انضموا لحركة الجهاد ضد بني جلدتهم، سواء أكانوا من الفلان أم من الهوسة3. لم تكن حركة الجهاد التي تزعمها الشيخ عثمان بن فودي موجهه ضد الوثنيين (الكفار) فحسب، ولكن ضد المرتدين والمستهترين من المسلمين الذين يخلطون أعمال الإسلام بأعمال الكفر. ولقد واجهت حركة الإصلاح بزعامة الشيخ عثمان بن فودي مقاومة عنيفة من جانب أمراء الهوسة- كما رأينا- كما تعرضت لنقد بعض معاصريه من العلماء والفقهاء، وعلى رأسهم الشيخ محمد الأمين الكانمي من برنو، والمعروف أن الشيخ الكانمي من أبرز علماء عمره، وشخصية إسلامية فذة، ولكنه اتهم الشيخ عثمان باستغلال الدين لنيل عرض الدنيا. وإذا كان الشيخ الكانمي قد سلم بوجهة نظر الجماعة الإسلامية من أنصار الشيخ عثمان، وضيقهم بخصومهم، فإنه لم يجد- في رأيه- في هذا الضيق ما يبرر قتالهم، على حين أن الشيخ عثمان اتهم الكانمي ومن لف لفه من العلماء والفقهاء بالنفاق لتحيزهم لملوك الهوسة ضد جماعة المسلمين. ولقد أوضح محمد بللو- بتكليف من والده الشيخ عثمان بن فودي- في رسالة بعث

_ 1 Smith, m. g.: the jihad, p. 409. 2 Ibid 3 Allan Burns: History of Nigeria, P.46.

بها إلى الشيخ أمين الكانمي للرد على تشنيعاته ضد جماعة المسلمين من أنصاره، فيقول: " ... وأما ادعاؤك أن هذا الأمر والنهي أدانا إلى ما يضر بديننا، وهو الخروج على الإمام بعد البيعة، وقد ثبت عند كل حرمته، وإن طرأ عليه فسق، فإن كلامك هذا يتناول ملوك بلادنا هذه فلا عبرة به، كما ثبت عندنا من كفرهم بجهل الأصول، والذبح للأحجار والأشجار وإنكار البعث والنشور. هذا ما نعرفه في بلادنا هذه، وأما في بلادكم (برنو) فليس لنا علم بأحوال أئمتها وسلاطينها إلا أنه إذا كان فيها قيام أميركم على إذابة المجاورين لكم من الفلانيين الذين لهم الاقتداء بالشيخ (عثمان) حتى ألجأتموهم إلى الهجرة تعصبا لملوك حوس (الهوسة) ونصرة لهم، ومعلوم أن الكافرين بعضهم أولياء بعض- كما أن المؤمنين كذلك- علمنا بالضرورة أنه حينئذ راض بدينهم، حين قام يواليهم دون المؤمنين ويظاهرهم عليهم، ولا جرم أن الرضا بالكفر كفر...." 1. كما أوضح الشيخ عثمان بن فودي منهجه في الجهاد في وثيقة أذاعها على جماعة المسلمين في بلاد السودان. وقد شرح فيها طاعة الجماعة لأمير المؤمنين ونوابه، وقواعد وجوب الهجرة على المسلمين والتفريق بين دار الإسلام ودار الحرب، والتعريف بالكفار ومن يجب على المسلمين قتالهم2. وفما يلي بعض ما ورد في "وثيقة أهل السودان ومن شاء الله من الإخوان".

_ 1 محمد بللو: إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور، ص 164- 165. 2 نشرت هذه الوثيقة مصورة بالزنكوغراف ومعها ترجمة إنجليزية في: Bivar, a. d. d. h.: the wathigat ahl al-sudan amanifests of the fulani jihad. journal of african history, vol. 11, no 2, 1961. pp. 233-236.

بسم الله الرحمن الرحيم " فاعلموا يا إخواني أن الأمر بالمعروف واجب إجماعا، وأن النهي عن المنكر واجب إجماعا، وأن الهجرة من بلاد الكفار واجبة إجماعا، وأن موالاة المؤمنين واجبة إجماعا، وأن تأمير أمير المؤمنين واجب إجماعا، وأن طاعته وجميع نوابه واجبة إجماعا. وأن الجهاد واجب إجماعا، وأن تأمير الأمراء في البلدان واجب إجماعا، وأن تأمير القضاة واجب إجماعا، وأن تنفيذهم أحكام الشرع واجب إجماعا، وأن حكم البلد حكم سلطانه إجماعا، إن كان مسلما كان البلد بلد إسلام، وإن كان كافرا كان البلد بلد كفر، وجبت الهجرة منه، وأن قتال الملك الكافر الذي لا يقول: "لا إله إلا الله" أصلا واجب إجماعا، وأن أخذ السلطنة منه واجب إجماعا، وأن قتال الملك الكافر الذي لا يقول "لا إله إلا الله" أصلا واجب به إجماعا، وأن أخذ السلطنة منه واجب إجماعا، وأن قتال الملك الكافر الذي لا يقول "لا إله إلا الله" بسبب عرف البلد، ولم يكن يدع (كذا) الإسلام واجب إجماعا، وأن أخذ السلطنة منه واجب إجماعا، وأن قتل الملك المرتد والذي لم يخرج عن دين الإسلام لكونه يدعي الإسلام ويخلط أعمال الإسلام بأعمال الكفر كملوك حوس (الهوسة) غالبا واجب به إجماعا، وأن أخذ السلطنة منه واجب إجماعا، وأن قتال المهملين من المسلمين الذين لم يكونوا تحت بيعة أمير من أمراء المؤمنين واجب إجماعا إذا دعوا إلى البيعة وأبوا حتى يدخلوا في البيعة ... وأن قتال جماعة المرتدين واجب إجماعا، وأن أموالهم فيء، وأن في استرقاقهم قولين: المشهور المنع، ولا يعصي من فعله إن قلد من يقول بجوازه ... ". لقد ترك ظهور هذه الحركة الإصلاحية آثارا عميقة في أقاليم الهوسة، وفضلا عن نجاحها في ميدان الجهاد وتوحيد بيع إمارات الهوسة المتنازعة وتأسيس دولة إسلامية على أنقاضها، فقد نجحت كذلك في مجال الجهود السلمية في نشر الإسلام بين القبائل الوثنية. فقد انتشر الدعاة من تلاميذ الشيخ عثمان بن فودي في بلاد يوربا، ونجحوا في

اجتذاب قبائلها إلى الإسلام، وتم على أيديهم تأسيس إمارة الألوري الإسلامية وخضوعها لأمير المؤمنين في سكت1. علاقة حركة عثمان بن فودي الإصلاحية بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب: بعد هذا العرض الهادئ لمراحل حركة الشيخ عثمان بن فودي الإصلاحية في غرب افريقيا أوائل القرن الثالث عشر للهجرة ودراسة أهم المبادئ والأسس التي اعتمدت عليها هذه الحركة الإصلاحية، يبدو مدى التقارب بينها وبين الدعوة السلفية التي نهض بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية في النصف الثاني من القرن الثاني عشر للهجرة. والدعوة السلفية إن لم تكن تركت آثارا مباشرة على هذه الحركة وغيرها من الحركات الإصلاحية التي ظهرت بعدها، فالواقع أنها قد مهدت لها وقوت من عزائم القائمين بها، إذ كانت بحق دعوة رائدة، وجد فيها بعض أصحاب العزائم من المصلحين قدوة طيبة يقتدون بها، وأثرا صالحا ينهجون نهجه في جميع مراحل حركاتهم الإصلاحية، كما كان للتقارب الزمني بين الدعوة السلفية وبين حركة عثمان بن فودي الإصلاحية بصفة خاصة، فضلا عن وجود بعض أوجه التشابه بين ظروف كل من الإقليمين- الجزيرة العربية وغرب أفريقيا- من حيث تدهور النواحي الدينية والسياسية والاجتماعية قبل ظهور الحركتين، ووحدة الشعور بالحاجة إلى الإصلاح، كان لهذا كله أكبر الأثر في التعجيل بميلاد حركة الشيخ عثمان بن فودي الإصلاحية، فقد كان نجاح الدعوة السلفية في تحقيق أهدافها من الحوافز التي شجعت ابن فودي وغيره من بعض زعماء الإصلاح على الأخذ- من قريب أو بعيد- بالمنهج الذي اتبعه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دعوته. وتكاد تجمع بعض المصادر على أن الشيخ عثمان بن فودي قد حج إلى بيت الله الحرام، والتقى ببعض رجال الدعوة السلفية حين خضوع الحجاز للدولة السعودية الأولى

_ 1 آدم عبد الله الألوري. الإسلام في نيجيريا ص 46-52.

خلال الربع الأول من القرن الثالث عشر الهجري، وتشربه مبادئ الدعوة السلفية- على ما سبقت الإشارة إليه- ولو أن البعض ينكر ذهاب الشيخ عثمان بن فودي إلى مكة أصلا، على حين يعترف أولئك المنكرون بأن أستاذ الشيخ عثمان بن فودي، وهو الشيخ جبريل بن عمر قد أدى فريضة الحج مرتين، والتقى ببعض رجال الدعوة السلفية وتأثر بمبادئها 1. وسواء صح خبر أداء الشيخ عثمان بن فودي فريضة الحج أم لم يصح، فالواضح أنه تلقى الدعوة السلفية سواء بالمباشرة من منبعها الأصلى على أيدي دعاتها في الحجاز، أم بالواسطة على يد أستاذه جبريل بن عمر، ومما يقوى هذا الدليل التشابه الواضح بين ملامح الدعوة السلفية وحركة عثمان بن فودي الإصلاحية التي لم تشبها شوائب صوفية، فكلا الدعوتين تلتقيان في: أولا: تحقيق التوحيد، وتطهير العقيدة مما شابها من أدران الشرك كالاعتقاد في قدسية بعض الأرواح أو الأشجار أو الكهوف أو الآبار، وتقديم القرابين إلى الجن لإبعاد أذاه، وزيارة قبور الأولياء والصالحين بقصد نيل شفاعتهم. ثانيا: الدعوة إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة، وآثار السلف الصالح، ومحاربة البدع 2. وللشيخ عثمان بن فودي في هذا المجال أعمال كثيرة توضحها دعوته في دروسه وفي كتبه ومؤلفاته، وله في ذلك: كتاب "إحياء السنة". ثالثا: اتخاذ الجهاد في سبيل الله وسيلة لنشر الدعوة الإسلامية بين الوثنيين الذين يصدون عن سبيل الله، والمرتدين عن الإسلام، ومن حاد إسلامهم عن الطريق الصحيح، ويخلطون أعمال الإسلام بأعمال الكفر ويوالون الكفار دون جماعة المسلمين3.

_ 1 Boville, e. a. the golden trade of he moors. fage. d. g. d. op. c. t. 2 راجع ما سبق هنا، وانطر محمد بللو, نفس المصدر ص 58- 60, آدم عبد الله الألوري, نفس المرجع ص 35 - 36 3 انظر: وثيقة أهل السودان فيما سبق هنا, ص 18 ومحمد بللو، نفس المصدر ص 164- 165.

وقد أدت حركة الجهاد هذه إلى القضاء على الإمارات المتنازعة واتحادها في ظل دولة إسلامية واحدة تطبق الإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة وتقيم شعائر الإسلام، مما يذكر بالجهاد المسلح الذي نهض به الأئمة السعوديون في سبيل نشر الدعوة السلفية، فأقاموا الدولة السعودية الأولى التي استطاعت أن توحد معظم أقاليم الجزيرة العربية في ظل حكومة واحدة، تطبق مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وقد ظلت هذه المبادئ متأصلة في نفوس أتباعها حتى الدولة السعودية الحالية التي أمكن لمؤسسها المرحوم الملك عبد العزيز استعادة ملك آبائه وأجداده، وتأسيس المملكة العربية السعودية القائمة على أساس ديني سلفي، ومن ثم كان نجاح الدعوة السلفية في إقامة دولة إسلامية مستقلة من أكبر الدوافع لقيام دول إسلامية متأثرة بالدعوة السلفية التي أصبحت أساسا لبناء كيانها الديني والسياسي والحضاري، ومن أبرزها دولة (سكت الإسلامية) في غرب أفريقيا. رابعا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الإسلام ورد الحث عليه في الكتاب والسنة، وكما قامت الدعوة السلفية بتحقيق هذا الهدف الإسلامي بتطبيق أحكام الإسلام وإقامة حدوده، وتعيين قضاة للفصل في الخصومات بين الناس، وإحياء نظام الحسبة، وتنظيم بيت مال المسلمين، نرى أن الدولة الإسلامية التي أقامها الشيخ عثمان بن فودي في غرب أفريقيا تضع- أيضا- النظام الإسلامي للإدارة بإحياء نظام البيعة وتعيين العمال لحكم الأقاليم، وإحياء نظام الوزارة والحسبة والقضاء الإسلامي. خامسا: وكما كانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب سببا في إيقاظ الحياة الفكرية بعد جمودها فترة طويلة من الزمن، وإثارة الجدل بين أنصار الدعوة وخصومها واجتهادهم في البحث والتحصيل العلمي، مما أدى إلى قيام يقظة إسلامية. ونشاط علمي ظهرت آثاره فيما خلف الشيخ الإمام من تراث إسلامي ضخم يتمثل في رسائله وبحوثه ومؤلفاته العديدة في مختلف العلوم الإسلامية، وذلك فضلا عما قام به أبناؤه وتلاميذه من إنتاج علمي لا يزال يثري المكتبة العربية الإسلامية بالعديد من المؤلفات. كذلك أشعلت حركة الإصلاح التي قادها الشيخ عثمان بن فودي في غرب أفريقيا يقظة فكرية هائلة،

وكما لقيت الحركة الإصلاحية معاونة وتعضيدا، فقد واجهت كذلك معارضة شديدة في الداخل والخارج مما أثار الجدل حولها وأدى إلى قيام نهضة فكرية تجلت آثارها فيما خلفته من تراث عربي إسلامي يتمثل في عدد ضخم من المؤلفات في شتى العلوم الإسلامية بأقلام بعض زعمائها وقادتها وتلاميذهم في شكل كتب أو رسائل، وجميعها مكتوبة باللغة العربية، وعلى الرغم من أن الجانب الأكبر من هذا التراث الإسلامي الضخم لا يزال مبعثرا وحبيس كثير من مكتبات نيجيريا والغرب الأوربي، ينتظر جهودا مخلصة للدراسة والبحث، فمما لا شك فيه أن هذا التراث الإسلامي قد أدى دورا هاما في دعم الحركة الإسلامية واتساع رقعة الإسلام في هذا الجزء من أفريقيا خلال القرن الثالث عشر وصدر القرن الرابع عشر للهجرة.

§1/1