آفات اللسان

أبو فيصل البدراني

مقدمة

"بسم الله الرحمن الرحيم" الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, أما بعد: فهذه رسالة تُعالج مسائل آفات اللسان من حيث الإجمال ومن حيث التفصيل , وقد جمعت فيها مسائل مهمة متفرقة عن هذا الموضوع وجعلتها على هيأة نقاط , علماً بأن هذه المسائل مُستفادة من استقراء الكتاب والسنة , لكنها مُجردة عن الأدلة بُغية الاختصار والاختزال إذ المقام ليس مقام إطالة وإسهاب. في البداية اعلم أن في اللسان آفتان عظيمتان إن خلص من أحدهما لم يخلص من الأخرى, آفة الكلام وآفة السكوت وقد يكون كل منهما أعظم إثماً من الأخرى في وقتها وأكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته. • من الكلام بالباطل وهو درجات متفاوتة: الاستسقاء بالأنواء - الحلف بغير الله تعالى-التسمي بملك الأملاك-سب الدهر-النياحة على الميت-المدح المذموم , وهو ما كان فتنة للممدوح أو فيه إفراط ومجازفة-قول ما شاء الله وشاء فلان أو لولا الله وفلان -اللو وعدم تفويض الأقدار لله تعالى -قول الرجل هلك الناس لمن قاله على سبيل الإزراء على الناس واحتقارهم وتفضيل نفسه عليهم وتقبيح أحوالهم أّما من قاله تحزَنا لما يرى في نفسه وفي الناس من النقص في أمر الدين فلا بأس عليه -القول للمنافق سيد -سب الحمى -التنابز وهوالتلقيب والتنابز بالألقاب هو تعيير الإنسان بما سلف من ذنبه وقد تاب منه أو قول يهودي يا نصراني يا بن المجوسية ونحوها وكذلك تعيير الإنسان بما يكره وكل ما يكره الإنسان إذا نودي به فلا يجوز لأجل الأذية وأما تلقيب الناس بما يحبون هو من السنة كأسد الله والفاروق والصديق ونحوه وأما ما يكون ظاهرها الكراهية إذا أُريد بها الصفة لا العيب فجائز كالأعمش والأعرج ونحوه.

• جماع آفات اللسان هو: ما نهى عنه الشرع , ومنه ما يلي: • في أدب المرء مع ربه – سبحانه -: - النهي عن كل لفظ فيه شرك بالله أو كفر به-سبحانه-أو يؤدي إلى أي منها. - النهي عن دعاء غير الله –تعالى-. - النهي عن الإلحاد في أسماء الله –تعالى-. - النهي عن الاعتداء في الدعاء. - النهي عن الاستسقاء بالأنواء. - النهي عن القول على الله بلا علم. - النهي عن الدعاء بالبلاء. - النهي عن تعبيد الاسم لغير الله-تعالى-. - النهي عن التسمي بأسماء الله-تعالى-التي اختص بها نفسه –سبحانه-. - النهي عن الحلف بغير الله. - النهي عن نداء النبي - صلى الله عليه وسلم - باسمه مجرداً. - النهي عن الغلو والإطراء. • في أدب المرء مع نفسه: - النهي عن تزكية المرء نفسه. • في الأدب مع الدواب: - النهي عن سب الدابة ولعنها. - النهي عن سب البرغوث. - النهي عن سب الديك. - النهي عن سب الضفدع. • في أدب المسلم مع العوارض والجمادات: - النهي عن سب الدهر. - النهي عن سب الليل والنهار. - النهي عن سب الريح، وأَّن على العبد سؤال الله من خيرها والاستعاذة من شرها. - النهي عن سب الحٌمَّى. • في أدب المرء مع غيره عموماً: - النهي عن ذي اللسانين. - النهي عن التنابز بالأَلقاب.

- النهي عن التعيير على سبيل السخرية المؤذية للآخر. - النهي عن مدح الفاسق، وتسويده. - النهي عن المراء، والجدال بالباطل. - النهي عن مناداة الرجل وتلقيبه بما يكره. - النهي عن كثرة الكلام وعن الثرثرة، وأَنها تقسي القلب، وَمَنْ كَثُرَ كَلاَمُه كَثُرَ سَقَطُهُ، وأن كثرة الكلام: منقصة، وقلته: محمدة ومكرمة. - النهي عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وفضول الكلام. - النهي عن التقعَر بالكلام، والتشدَق به، والتفيهق به، وعن تخلَل المرء بلسانه. - النهي عن ((الشَّجب)) وهو: قول الخنا. - النهي عن تمني الموت، وعن دعاء المرء على نفسه، وعن الدعاء بالبلاء، وعن الاعتداء في الدعاء. - نهي المسلم عن أن يكون طعَّاناً، لَعًّاناً، صخًّاباً في الأَسواق. - النهي عن الرفث والصخب، لاسيما للصائم والحاج. - النهي عن التلاعن بلعنة الله. - النهي عن السخرية، وهي بالقول وغيره. - النهي عن الاستهزاء. - النهي عن الغيبة. - النهي عن الكذب. - النهي عن القذف. - النهي عن الشعر المقزع، كهجاء أو فحش، أو كذب .... - النهي عن الغناء، وأنه لهو الحديث، ومزمار الشيطان، وداعية الزنا، ورائد الفجور. - النهي عن التعبير عن الأمور المستحسنة بالعبارات والألفاظ المستقبحة. - النهي عن التعبير عن الأُمور المستقبحة بالعبارة الصريحة ولكن يكني.

تفصيل بعض آفات السان

• تفصيل بعض آفات اللسان: وهي نوعان: كلام بالباطل لغير موجب شرعي , وسكوت عن الحق لغير موجب شرعي , ومنها ما يلي: (الغيبة) • الغيبة درجات, وجمهور العلماء وأكثرهم يعدون الغيبة صغيرة وقيل العكس والحق أن الغيبة تختلف بحسب القول المغتاب به فالغيبة بالقذف كبيرة ولا تساويها الغيبة بقبح الخلقه أو الهيئة مثلا والله أعلم. • تعريف الغيبة وحدها المتفق عليه: الغيبة هي ذكر المرء المُعين غير الكافر المُحارب, وغير الظالم بما يكرهه من أمور دنياه أو دينه الذي استتر به , سواء ذكرته باللفظ أو بالإشارة والرمز, وكل ذلك محرم مالم يكن لموجب شرعي كالنصح أو الاستفتاء أو نحوه. • الغيبة ضابطها ذكر الشخص بما يكره، وهذا يختلف باختلاف ما يُقال فيه، وقد يشتد تأذيه بذلك. • كل ما يُفهم المقصود (ذكرك أخاك بما يكرهه لو بلغه) فهو داخل في الغيبة ولو كان باللسان أو الفعل أو التصريح أو التعريض أو الهمز والغمز والكتابة فكل هذا حرام. • الغيبة لا تختص باللسان فحيث ما أفهمت الغير ما يكرهه المغتاب ولو بالتعريف أو الفعل أو الإشارة أو الغمز أو اللمز أو الكتابة فهو غيبة. • لا يوجد فرق بين الغيبة والنميمة إلا في بعض الأشياء منها أن النميمة تكون بقصد الإفساد أما الغيبة فلا يلزم ذلك ومنها أن الغيبة يشترط لها أن تكون في غيبة المغتاب. • الغيبة لا تكون إلا مع التعيين، أو الإبهام مع معرفة السامعين بالمتكلم عنه. • الكافر الحربي لا تحرم غيبته أو السخرية أو الاستهزاء به, وهذا كلَه بشرط أن يكون ذلك بحق فلا يكذب المسلم أو ينطق بألفاظ محرمة، وأن لا يترتب عليها مفسدة كأن يؤدي ذلك إلى الاستهزاء بالإسلام والمسلمين أو وقوع ضرر على مسلم بسبب هذا الاستهزاء أو مفسدة، والأولى هو التورع عن ذلك وعدم تضييع الأوقات بما لا يُفيد، والاشتغال بما يعود على المسلمين بعودة عزهم والتمكين لدينهم ,علماً أن غيبة غير المسلم عموماً ذمياً أو محارباً هناك من أهل العلم من لا يرى بأس بذلك.

• ذكر ما صح من التاريخ القديم، لا حرج فيه، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عنه فقال: ما زال العلماء ـ رحمهم الله ـ الذين يؤلفون في تراجم الرجال يذكرون الإنسان بما فيه من خير، وشر وما دام المقصود بيان حال هذا الشخص فإنه لا بأس به. • التعميم في القول لا يُعد غيبة فمن اغتاب أهل قرية لم تكن غيبة حتى يسمي قوماً معروفين , فلو اغتاب رجل أهل قرية فقال: أهل القرية كذا، لم يكن ذلك غيبة لأنه لا يريد جميع أهل القرية، بل المراد البعض وهو مجهول فلا شيء على السامع لأن المذكور مجهول , ولا يحسن هذا التعميم ولو أراد الخصوص، وعلى هذا لا تكون الغيبة إلا عن قوم معلومين فلو قلت أهل مصر كذا بخلاء أو قوم سوء فلا يكون ذلك غيبة لأن فيهم البار والفاجر، وعُلم أنه لم يرد الجميع , ومثل قول القائل (هذه المؤسسة حرامية) أو ما أشبه ذلك كأن يقول أهل هذه القرية ظلمة فليس من الغيبة كما نص على ذلك أهل العلم وإن كان فيه تجني على العموم، لأن الغيبة لا تكون إلا على شخص أو أناس معلومين أو مبهمين يعلم المخاطب أعيانهم, والكف عن ذلك أفضل , فالغيبة المحرمة هو أن يذكر إنسانا بعينه أو جماعة بأعيانهم , ولا شك أن الأورع والأحوط الابتعاد عن كل ما يسيء إلى المسلم ويؤذيه ولو كان مجهولا. • ذكر قبيلة باسمها وإن كانت معلومة لا يدخل في التعيين الذي قصده العلماء في هذه المسألة. • ذكر أهل قرية أو بلدة بمنقصة لا يعد غيبة وكذلك ذكر مهنة معينة. • مناجاة الإنسان نفسه بغيبة أي واحد من الناس لا تدخل في حد الغيبة وكذلك ما يحدَث به نفسه وكذلك ما يحدَث به من لا يفهمه , وأيضاً غيبة أعيان الناس عند من لا يعرفهم. • سب الأموات لا يجوز إلا لمصلحة راجحة كتحذير من عمله السيء لا على سبيل التفكَه والتندَر أو بقصد إيذاء الأحياء فذلك لا يجوز. • يشرع غيبة بعض الناس إذا كان فيها دفع تهمة وهو منها بريء كأن يقول أحد أن فلاناً سارق فتقول إن فلان على نيَاته ومغفَل وشأنه أقل من أن يسرق, والأعمال بالنيات. • لا حرج في ذكر حكايات بعض الرموز التاريخية لمن لا يعرفهم الناس المعاصرون بأعيانهم.

• من الحالات التي تباح فيها الغيبة وقد تستحب وقد تجب أحياناً: 1 - المظلوم له أن يذكر ظالمه بما فيه إما على وجه دفع ظلمه واستيفاء حقه أو يذكر ظالمه على وجه القصاص من غير عدوان ولا دخول في كذب ولا ظلم الغير فقد رخَص الله للمظلوم الجهر بالقول السيئ ليُشفي غضبه حتى لا يثوب إلى السيف أو إلى البطش باليد، ففي هذا الإذن توسعة على من لا يمسك نفسه عند لحاق الظلم به , وترك ذلك أفضل. 2 - ما يكون على وجه النصيحة للمسلمين في دينهم ودنياهم وإن تضمَن ذكر عيب الغير. • تُباح الغيبة لكل غرض شرعي وقد تجب أحياناً ومنها: 1 - التظلم عند من له ولاية كالسلطان والقاضي.2 - الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي. 3 - الاستفتاء.4 - تحذير المسلمين من الشر وذلك من وجوه منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنَفين وهو واجب , الإخبار بعيب عند المشاورة ,إذا رأيت من يشتري شيئاً معيباً أو عبداً سارقاً أو شارباً أو نحو ذلك تذكره للمشتري بقصد النصيحة لا الإيذاء والإفساد, إذا رأيت متفقهاً يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علماً وخفت عليه ضرره فعليك بنصيحته ببيان حاله قاصداً النصيحة , أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو لفسقه فلك أن تذكره لمن له عليه ولاية ليستدل به على حاله فلا يغتر به ويلزم الاستقامة. 5 - أن يكون مُجاهراً بفسقه أو بدعته فيجوز ذكره بما يُجاهر به ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر.6 - التعريف ويحرم ذكره على سبيل التنقَص. • ذكر الناس بما يكرهون هو في الأصل على وجهين: 1 - ذكر النوع.2 - ذكر الشخص المعيَن الحي أو الميت. أما الأول فكل صنف ذمَه الله ورسوله يجب ذمَه وليس ذلك من الغيبة كما أن كل صنف مدحه الله ورسوله يجب مدحه وما لعنه الله ورسوله لُعن. • من أهم أسباب الغيبة: الحقد والحسد , وحب الانتقام , والغيظ من المغتاب , وإرادة رفعة النفس بخفض غيره , والوشاية , وموافقة الجلساء والأصحاب ومجاملتهم فيما هم عليه من الباطل, والسخرية والاستهزاء بالآخرين وغير ذلك. • من علاج الغيبة أن ينظر إلى السبب الباعث لها فيقطع هذا السبب قدر المستطاع.

• من الصغائر: استماع الغيبة والسكوت عن إنكارها مع الاستطاعة ولغير موجب شرعي. • لا يتخلص المستمع من إثم سماع الغيبة إلا أن ينكر بلسانه فإن خافه فبقلبه وإن قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام آخر لزمه ذلك. • مستمع الغيبة لا يُعتبر مغتاباً لأنه لم يقع هو في الغيبة. • ما ينبغي لمن سمع غيبة أخيه المسلم أن يردها ويزجر قائلها فإن لم ينزجر بالكلام زجره بيده فإن لم يستطع باليد ولا باللسان فارق ذلك المجلس فإن سمع غيبة شخص أو غيره ممن له عليه حق أو من أهل الفضل والصلاح كان الاعتناء بما ذكرناه أكثر. • كيفية التعامل مع مجلس الغيبة عموماً: تنصحهم وإن كنت لا تستطيع فقم ولا تحضر الغيبة ولو استنكروا قيامك. • كيف تصل أرحامك الذين يقعون في أعراض الناس ويغتابونهم؟ المسلم مأمور باجتناب المنهيات كلها، وبإتيان ما يستطيعه من المأمورات. فحضورك المجالس التي فيها الباطل عموماً لا يجوز، وصلة الرحم واجبة عليك، ولكن بالكيفية التي لا تجعلك تقع في تلك المحاذير، كأن تصلهم عن طريق الهاتف أو بالكتابة، أو عن طريق الهدايا، وغير ذلك من الوسائل التي تُمليها الظروف أو تكون مجالستهم في وقت قصير مثلاً , وإذا كان المغتابون هم والديك فعليك نصحهم برفق وأدب، ويمكنك توجيه الحوار بعيداً عن الأمور المحرمة والمبادرة بالكلام النافع، فإذا تمادوا في الغيبة وأردت الإعراض عن كلامهم حتى لا تستمع إلى الغيبة فلا حرج عليك , وخاصة إذا كان في القيام عنهم ضرر عليك أو مشقة أو كان يؤدي إلى مفسدة أكبر، فلا حرج عليك في الجلوس معهم ما دمت تنكر بقلبك , والقاعدة في ذلك أن شهود مجالس المنكر لا يجوز بشكل عام ولكن لا يدخل في ذلك شهود مجالس فيها أثر المنكر لا عينه وكذلك شهود مجالس المنكر للدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو شهودها لتخفيف المنكر بشرط أن لا يؤثر ذلك على المسلم أو شهودها لحاجة أو ضرورة أو مصلحة شرعية راجحة ومن المصلحة الراجحة صلة الأرحام وإذا كانت مجالس بعض الأقارب مجالس غيبة فينبغي الإنكار على المُغتاب وبيان حرمة الغيبة وينبغي في المجالس توجيه الحوار بعيداً عن الأمور المحرمة والمبادرة بالكلام النافع فإذا لم ينفع ذلك وأبى الجالسون إلا الغيبة فلك اجتناب هذه المجالس ولكن لا يجب مراعاة للرحم أما الإعراض

القذف

عن الغيبة والكلام الباطل وعدم استماعه والإصغاء إليه واجب وإن كنت مُجالساً لهم ولا يضرك السماع في هذه الحال إن لم تكن مُستمعاً وينبغي الاقتصاد في حضور مثل هذه المجالس وتكون بقدر ماتتحقق به الصلة , وباختصار فمجالس الأقارب إذا كان فيها غيبة ونميمة فلك أن لا تشهدها مع صلتهم بما تستطيع. • من جلس في مجلس منكر لموجب شرعي كعدم القدرة على المفارقة مثلاً فليجتهد في الإعراض عنهم بسمعه وقلبه ولا شيء عليه. • إذا لم تقدر على التحلَل من المُغتاب تصريحاً فلتتحلل منه بالجملة عموماً. (القذف) • القذف: هو الرمي بالفاحشة. • تنقسم ألفاظ القذف إلى ثلاثة أقسام: صريح وكناية وتعريض. فالصريح: هو اللفظ الذي يقصد به القذف ولم يحتمل غيره، مثل: يا زان، ويا زانية. والكناية: هي اللفظ الذي يفهم من وضعه احتمال القذف، مثل: يا فاجر يا فاسق يا خبيث، ويا خبيثة يا فاجرة يا فاسقة، وفلانة لا ترد يد لامس، وفلانة تحب الخلوة، ونحو ذلك. والتعريض: هو اللفظ الذي يفهم مِنْهُ الْقَذْفُ بِغَيْرِ وَضعه، مثل: يا ابن الحلال، لست زان ولا أمي زانية. وقد اتفق العلماء على وجوب الحد بصريح القذف , أما الكناية والتعريض إذا كان لم يقصد بها الرمي بالزنا وإنما قصد الشتم فقط، فلا حد عليه، لكنه يستحق أن يؤدبه الحاكم بما يردعه عن ذلك. • الكناية والتعريض لا تكون قذفاً إلا بقرينة. • نقل كلام القاذف وإشاعته بين الناس غيبة وليس بقذف. • القذف بالألفاظ الدالة عليه تخضع لعُرف البلد ومصطلحاته. • الشاعر لو اعترف في شعره بما يستوجب حداً فإنه لا يقام عليه الحد لأن كذب الشاعر في شعره أمر معروف ومعتاد واقع ولا نزاع فيه ولكن يعزر. • إقرار الشاعر بما يستوجب الحد:

قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: الشاعر إذا أقر في شعره بما يستوجب الحد، لا يقام عليه الحد ; لأن الله جل وعلا صرح بكذبهم في شعرهم في قوله: وأنهم يقولون ما لا يفعلون، فهذه الآية الكريمة تدرأ عنهم الحد، ولكن الأظهر أنه إن أقر بذلك استوجب بإقراره به الملام والتأديب وإن كان لا يحد به، كما ذكره جماعة من أهل الأخبار في قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه المشهورة مع النعمان بن عدي بن نضلة. قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية الكريمة: وقد ذكر عن محمد بن إسحاق، ومحمد بن سعد في «الطبقات»، والزبير بن بكار في كتاب الفكاهة: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل النعمان بن عدي بن نضلة على ميسان من أرض البصرة، وكان يقول الشعر، فقال: ألا هل أتى الحسناء أن حليلها ** بميسان يُسقى في زجاج وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قرية ** ورقاصة تجذو على كل منسم فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ** ولا تسقني بالأصغر المتثلم لعل أمير المؤمنين يسوءه ** تنادمنا بالجوسق المتهدم فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: إي والله إنه ليسوءني ذلك، ومن لقيه فليخبره أني قد عزلته، وكتب إليه عمر: بسم الله الرحمن الرحيم، (حم , تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم , غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول لآ إله إلا هو إليهِ المصير) غافر: 1 - 3 أما بعد: فقد بلغني قولك: لعل أمير المؤمنين يسوءه ** تنادمنا بالجوسق المتهدم وأيم الله إنه ليسوءني، وقد عزلتك. فلما قدم على عمر بكته بهذا الشعر، فقال: والله يا أمير المؤمنين ما شربتها قط، وما ذلك الشعر إلا شيء طفح على لساني، فقال عمر: أظن ذلك، ولكن والله لا تعمل لي عملا أبدا، وقد قلت ما قلت، فلم يذكر أنه حده على الشراب، وقد ضمنه شعره لأنهم يقولون ما لا يفعلون، ولكنه ذمه عمر ولامه على ذلك وعزله به، انتهى محل الغرض من كلام ابن كثير، وهذه القصة يستأنس بها لما ذكرنا. وقد ذكر غير واحد من المؤرخين أن سليمان بن عبد الملك، لما سمع قول الفرزدق: فبتن بجانبي مصرعات ** وبت أفض أغلاق الختام

النميمة

قال له: قد وجب عليك الحد، فقال الفرزدق: يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحد، بقوله: (وإنهم يقولون ما لا يفعلون) الشعراء: 226، فلم يحده مع إقراره بموجب الحد ... انتهى. • ألفاظ القذف تابعة للاستعمالات العرفية والقرائن الحالية. (النميمة) • النميمة هي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد بينهم. • النميمة إذا دعت الحاجة إليها فلا مانع منها وقد تجب أحياناً فنقل الكلام بين الناس على جهة النصيحة ليست نميمة بل هو مشروع. • ذو الوجهين مداهن وهو مذموم وهو من جملة النمامين وهو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها على جهة الإفساد ويُظهر لها أنه منها ومخالف لغيرها أما من يقصد الإصلاح بين الناس فذلك محمود وهو أن يأتي كل طائفة بكلام فيه صلاح الطائفة الأخرى ويعتذر لكل واحدة عند الأخرى وينقل إليها من الجمل ما أمكنه ويستر القبيح. (السماع) • يجب على المسلم حفظ سماعه عن الإثم إلا لمصلحة شرعية راجحة. • السماع: هو إدراك الصوت مطلقاً بقصد أو بغير قصد , أما الاستماع هو إدراك الصوت بقصد سماعه وهو الإصغاء والمراعاة. • يجوز الاستماع إلى المحرم إذا ترتب على الاستماع إليه مصلحة تربو على مفسدة سماع المحرم. • لا يأثم سامع الغناء المحرم من غير قصد الاستماع لكن يجب عليه أن يتحول عن المكان الذي يسمع منه الغناء إذا لم تدع الضرورة إلى البقاء في ذلك المكان. • يجوز الاستماع إلى كلام المرأة بشروط: 1 - أن يكون موضوع الكلام فيما أذن الشرع فيه ولا تنكره النفوس السليمة. 2 - أن يكون أداؤها معروفاً بأن يكون قولها جزلاً وكلامها فصلاً ولا يكون يُحدث في القلب ريبة كترخيم الصوت. 3 - أن لا يتلذذ السامع بصوتها ولا يخاف من نفسه الفتنة. • يجب التجسس إذا كان طريقاً إلى إنقاذ نفس من الهلاك.

اللعان

• يباح التجسس على الكفار في الحرب. • يحرم التجسس على الكافر المسالم إذا لم تظهر منه الريبة في إرادة الفساد. • التجسس في بلاد الكفار المحاربون جائز ونقل ما يضرهم. • يجوز الجلوس في مجالس الكفار لمعرفة كيدهم ولو كان يسمع منهم الكلمات المنكرة إذا رأى قادة المسلمين ضرورة ذلك لحفظ دماء المسلمين وأعراضهم. • يجب على من سمع شخصاً يقذف مؤمناً أمور: أن ينكر على القاذف وينصحه , أن لا يخبر المقذوف بما قذفه القاذف لأنه نميمة محرمة. • تجوز قراءة الأناشيد والاستماع إليها إذا كانت خالية من الكلمات المنكرة ولم يكثر الاستماع إلها بحيث لا يغلب الانشغال به. • يستحب الاستماع إلى الأناشيد المشتملة على ذكر الله وتعظيمه وتدعو إلى طاعته وعبادته. • يكره الاستماع إلى الأناشيد إذا استولت على الإنسان وأشغلته عن القرآن والذكر. • يحرم الاستماع إلى آلات الموسيقى التي تُطرب وتلهي بذاتها. • يحرم الاستماع إلى غناء امرأة أجنبية في كل أنواع الغناء. • الغناء المحرم هو ما اشتمل على صوت امرأة أجنبية للرجال أو موسيقى أو كلمات تخالف الشرع. • يحرم الغناء تعاطيه والاستماع إليه اتفاقاً في الحالات التالية: إذا أدى إلى فتنة أو هيجان شهوة، أو إذا أدى إلى غفلة عن ذكر الله، أو إذا اشتمل على الكلمات المنكرة، أو إذا صاحبها اختلاط الرجال والنساء أو صاحبها آلت ملاهي محرمة. (اللعان) • جواز لعن أصحاب المعاصي والكفار عموماً بدون تعيين أحد بعينه. • لعن الفساق وأصحاب المعاصي على وجه العموم جائز بإجماع العلماء. • يجوز لعن الفاسق المعين المجاهر بكبائر الذنوب والذي يظهر منه الفساد والإفساد مع كراهية ذلك , والدعاء لهم بالهداية أولى من لعنهم.

الكذب

• اللعن المطلق جائز أما اللعن المعيَن ففيه اختلاف بين السلف والراجح جوازه إن كان المعين مستحقاً للعن سواء كان كافراً أو مسلماً بمعنى أن يأتي بفعل ملعون عليه في الشرع وتتحقق فيه شروط اللعن وتنتفي فيه الموانع. (الكذب) • حقيقة الكذب هو إيهام الشيء بخلاف ما هو عليه , والطرف المقابل لا يعلم ذلك , أو بمعنى آخر الكذب المحرم شرعاً هو الخداع الذي يُفوت حقاً أو يُثبت باطلاً. • الزور هو كل باطل , وشهادة الزور هي ما كانت سبباً لإبطال حق. وحرَم الشارع كتمان الشهادة المتعيَنة بلا عذر لكونها سبباً أيضاً لإبطال الحق. • المعاريض هي التورية. • التورية: أن يقصد بعبارته مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ وبالنسبة إلى ما يفهمه المُخاطب. • الكذب المحض والمعاريض يشتركان باعتبار المآل وهو عدم فهم المُخاطب له على المعنى الذي قصده المتكلم , ويفترقان في أن لفظ المعاريض يحتمل أكثر من معنى والكذب لا يحتمل إلا معنى واحداً , وكلاهما خداع للمخاطب. • الكذب ليس حراماً لعينه بل لما فيه من الضرر على المُخاطب أو على غيره. • الكذب وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً فالكذب فيه حرام لعدم الحاجة إليه , وإن أمكن التوصل إليه بالكذب ولم يكن بالصدق فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً , وواجب إن كان المقصود واجباً. وينبغي أن يُقابل بين مفسدة الكذب والمفسدة المترتبة على الصدق فإن كانت المفسدة في الصدق أشد ضرراً فله الكذب , وإن كان عكسه أو شك حرم عليه الكذب. • إذا كان الكذب مشروعاً فلك الحلف وإن استطعت التورية فحسن. • الكذب المحرم هو ما لا نفع فيه شرعاً. • المندوب: ما كان لإرهاب أعداء الدين في الجهاد. • الواجب: ما كان لتخليص مسلم أو ماله من هلاك.

• المباح: ما كان للإصلاح بين الناس وما كان لجبر خاطر الوالد أو خاطر الزوجة. • يجوز استعمال الكذب للضرورة أو لمصلحة شرعية وقد يجب أحياناً ولو قرنه بالحلف, واستعمال المعاريض أولى. • لا يجوز استعمال المعاريض إذا ترتب عليها إثبات باطل أو تفويت حق. • المعاريض إذا كانت لا تثبت باطلاً ولا تفوت حقاً جائزة مع الكراهة وإن كانت لحاجة أو للممازحة فهي مستحبة. • الحيل والمعاريض ثلاث أنواع: 1 - نوع قربة وطاعة. 2 - نوع جائز ولا حرج على فاعله ولا على تاركه وترجَح فعله على تركه تابع لمصلحته. 3 - نوع محرم وهو مخادعة لله تعالى ورسله وهو المتضمَن لإسقاط ما أوجبه وإبطال ما شرعه وهو المذموم. • كل ما وجب بيانه فالتعريض فيه حرام لأنه كتمان وتدليس وكل ما حرم بيانه فالتعريض فيه جائز بل واجب إن اضطر إلى الخطاب وأمكن التعريض فيه , وإن كان بيانه وكتمانه جائز فإما أن تكون المصلحة في كتمانه فالتعريض مستحب وإن كانت المصلحة في بيانه فالتعريض مكروه والبيان مستحب وإن تساوى الأمران الكتمان والبيان وكان كل منهما طريقاً إلى المقصود جاز الأمران. • من ترك التورية وأطلق عبارة الكذب في مسألة يجوز فيها الكذب فليس بحرام في هذا الحال. • الكذب على الزوجة والعكس جائز حتى يُرضي كلٌ منهما الطرف الآخر ولا يغضب أحدهما عن الآخر. • الكذب بين الزوجين لا بأس به فيما لا يضر الناس وفيما يخصهما كأن تقول الزوجة لزوجها سأذهب لأجل والدتي وهي لها حاجة هامَة ولو أخبرته ما أذن لها أو منعها ولا فيها محذور لا بأس بذلك. • الكذب المرادف للخداع بقصد المزاح والسخرية وإضحاك الناس ليس معتبراً في الشرع. • تأليف القصص الخيالية لأغراض حسنة كتعليم بعض الفضائل أو ضرب الأمثال للتعليم مشروعة. • المبالغة التي يعتقد الطرف المخاطب بها أنها مبالغة جائزة دائماً ليست من الكذب في شيء.

المجادلة والمناظرة

• اختلاق القصص غير الواقعية كأن يتحدث الأسد ونحوهما لا بأس به. • تأليف القصص الخيالية جائزة بشرط أن يعلم قارئها أنها خيالية. • التوسع في المدح على سبيل المبالغة (وإن كان كذباً في ظاهر اللفظ) ليس من الكذب في شيء. • المبالغة في القول وحكاية الحادثة بالمعنى ليس من الكذب. • حكاية قصة وهمية يُراد منها تناقض حيثياتها للرد على المُخالف وإبطال حجته الباطلة والذي يقصد به التوبيخ مشروع وليس ذلك من الكذب في شيء. • اليمين الكاذبة من أجل الصلح بين المتخاصمين جائزة. • في الحرب لا مانع من الكذب الذي ينفع المسلمين، ولا يكون فيه غدر للكفار، لكن يكون فيه مصلحة للمسلمين. • نقل أقوال الناس بالمعنى بما لا يُخل بالمقصود جائز. • نقل الطرف المُضحكة جائز مالم تكن مشتملة على محرم. • صيغ المبالغة والكناية والمجاز التي لا تخدع الناس ولو خدعتهم بغير قصد المتكلم لا تدخل في حد الكذب. (المجادلة والمناظرة) • مناظرة أهل البدع والأهواء منهي عنها لأن كثيراً من أهل البدع إلا من رحم الله لا تُرجى توبتهم، ومنعاً لشهرتهم وإطفاءً لفتنتهم واحترازاً من فتنتهم علماً أن مناظرتهم ليست مذمومة بإطلاق بل قد تكون في بعض الحالات متعينة على من يكون أهلاً لها , كأن تشتهر البدعة وتنتشر بين الناس ويلتبس الحق بالباطل فهنا ينبغي مناظرتهم حسب ما تقتضيه المصلحة, ولتُلتمس المصلحة الشرعية في جميع الأحوال. • المجادلة بوجه عام قسمين: مجادلة محمودة وهي ما كانت لإثبات الحق أو دفع الباطل أو للتعليم، ومجادلة مذمومة وهي ما كانت لرد الحق أو لنصرة الباطل أو كانت فيما نهى الله ورسوله عن المجادلة فيه كالمجادلة في المتشابه وفي الحق بعد ما تبين أو كانت لحظ النفس. • الجدال المحمود وهو المجادلة بالتي هي أحسن وهي التي تكون عن علم وبصيرة وبحسن خلق ولطف ورفق ولين وحسن خطاب ودعوة إلى الحق وتحسينه ورد الباطل وبيان قبحه بأقرب طريق موصل إلى ذلك وأن لا يكون القصد منها مجرد المُغالبة وحب العلو بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق

الشعر

, والجدال المذموم هو كل جدال أيد الباطل أو أوصل إليه أو كان بغير علم وبصيرة. • المراء هو الجدال المذموم. (الشعر) • الشعر نوعان:- 1 - محمود وهو ما فيه مدح للإسلام والمسلمين ونصرة الحق وأهله وهذا لا بأس به. 2 - ما فيه مدح قوم بباطل أو ذم قوم بباطل أو قول زور وبهتان فهذا النوع مذموم محرم. • الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، وشعر الغزل الفاحش في المعين لا يجوز إنشاؤه ولا سماعه إلا إذا كان ممن مات من أهل الجاهلية أو نحوهم. • حكم إنشاد وسماع الشعر المتضمن معاني مخالفة للشرع , والرد على من أجازه: نقلاً عن مركز الفتوى في موقع إسلام ويب: لا يجوز إنشاد وسماع الشعر المتضمن معاني مخالفة للشرع وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسمع ما يخدش جناب التوحيد ويمس عقائد المسلمين، إلا ويبين وجه الصواب وينهى عن المنكر، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم: لما سمع بعض جواري الأنصاري صبيحة بنائه بعائشة، يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر، فقالت جارية منهن: وفينا نبي يعلم ما في غد ـ فلم يسكت صلى الله عليه وسلم، بل نهاها فقال: لا تقولي هكذا وقولي ما كنت تقولين. رواه البخاري. قال الحافظ ابن حجر: فِيهِ إِشَارَة إِلَى جَوَاز سَمَاع الْمَدْح وَالْمَرْثِيَة مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مُبَالَغَة تُفْضِي إِلَى الْغُلُوّ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَط بِإِسْنَادٍ حَسَن مِنْ حَدِيث عَائِشَة: أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِنِسَاءٍ مِنْ الْأَنْصَار فِي عُرْس لَهُنَّ وَهُنَّ يُغَنِّينَ: وَأَهْدَى لَهَا كَبْشًا تَنَحْنَحَ فِي الْمِرْبَد ** وَزَوْجك فِي الْبَادِي وَتَعْلَم مَا فِي غَد ـ فَقَالَ: لَا يَعْلَم مَا فِي غَد إِلَّا اللَّه. اهـ. وكذلك كان أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ ومما يدل على ذلك ما ورد من أثر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وفيه: فإذا أريد أحد منهم على شيء من أمر الله، دارت حماليق عينيه كأنه مجنون.

ومن أمر الله أن لا يُذكر الكفر إلا على سبيل الإنكار أو التعجب ونحو ذلك، وقد رواه ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد بلفظ: فإذا أريد أحدهم على شيء من دينه دارت حماليق عينيه. فهل يظن في أمثال هؤلاء أن يتناشدوا الشعر المحتوي على الكفر لجماله اللغوي وسحر قافيته على سبيل الاستمتاع بأسلوب الشاعر بغض النظر عن المعنى؟!! وقد روى البخاري في الكتاب نفسه ـ الأدب المفرد ـ عن خالد بن كيسان قال: كنت عند ابن عمر، فوقف عليه إياس بن خيثمة، قال: ألا أنشدك من شعري يا ابن الفاروق؟ قال: بلى، ولكن لا تنشدني إلا حسنا، فأنشده حتى إذا بلغ شيئا كرهه ابن عمر قال له: أمسك. وهذا عثمان بن مظعون ينصرف إلى مجلس من قريش ينشدهم فيه لبيد بن ربيعة الشاعر، فقال لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ـ فقال عثمان: صدقت، قال لبيد: وكل نعيم لا محالة زائل ـ قال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول. رواه ابن إسحاق في السيرة. وقد قال النووي في شرح حديث جابر بن سمرة: كانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ـ فِيهِ جَوَاز الْحَدِيث بِأَخْبَارِ الْجَاهِلِيَّة وَغَيْرهَا مِنْ الْأُمَم. اهـ. ومما ينبغي أن يُعلم هو أن ناقل الكفر ليس بكافر، فلا حرج في ذكر مثل هذه الأشعار للتحذير منها، وبيان بطلان مضمونها، والتعجب من حال أهلها. وعلى هذا يحمل ما كان يدور بينهم من حديث الجاهلية أو أمر الجاهلية، على أن أمر الجاهلية لا يلزم أن يكون كفرا، بل الكفر وما دونه يدخل في ذلك، فكل ما يخالف شريعة الإسلام فهو داخل في الجاهلية، قال البخاري في صحيحه: باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنك امرؤ فيك جاهلية ـ وقول الله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. اهـ. ومن أمثلة ما كانوا يتذاكرونه من حديث الجاهلية ما رواه البخاري عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَيَّ الرَّجُلَ، فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي، قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ فَقَالَتْ: أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا، قَالَ عُمَرُ: صَدَقَ بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ

المدح

صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحْ أَمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَوَثَبَ الْقَوْمُ، قُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا ثُمَّ نَادَى يَا جَلِيحْ أَمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقُمْتُ فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ هَذَا نَبِيٌّ. وقد بوب البخاري في صحيحه في كتاب المناقب باب: أيام الجاهلية ـ وأسند فيه عدة أحاديث فيها بعض أحوال الجاهلية وأخبارها، وأما من ينشد الشعر المحتوي على الكفر لا على سبيل الاستشهاد اللغوي، ولا على سبيل التحذير أو التعجب ونحو ذلك، فهو وإن كان مذموما إلا إنه لا يصل إلى الكفر، إلا إن كان مقرا بما يسمع معتقدا إياه أو راضيا به وأما شعر الغزل: فيمنع منه ما كان في امرأة معينة، وكان يغري بالفاحشة، أما إذا كان مبهما وبقصد الاستشهاد وما أشبهه فلا مانع منه، وأخيرا ننبه على أن حديث ابن مسعود الذي عند أحمد وغيره وقال فيه كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجال من قريش، فذكروا النّساء فتحدثوا فيهن فتحدث معهم حتى أحببت أن يسكت. صحيحة الألباني رقم: 1552. قال فيه محققو مسند الإمام أحمد: إسناده ضعيف ـ لانقطاعه، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لم يسمع من عم أبيه عبد الله بن مسعود. اهـ. وذكره الشيخ مقبل الوادعي في أحاديث معلة ظاهرها الصحة، فقال: هذا الحديث إذا نظرت إلى سنده وجدتهم رجال الصحيح، ولكن رواية عبيد الله عن عبد الله بن مسعود مرسلة كما في تهذيب التهذيب، وفي تحفة الأشراف في ترجمة عبيد الله بن عبد الله: لم يدركه. اهـ. والله أعلم. (المدح) • المدح المذموم وهو ما كان فتنة للممدوح أو فيه إفراط ومجازفة , أما المدح المحمود فهو جائز وقد يستحب أحياناً وهو الذي لا يكون فيه فتنة للممدوح ولا إفراط ومدحه بما ليس فيه. • هناك فرق بين الشكر والمدح الذي ذمه الشرع فالشكر على المعروف والثناء على فعله رجاء أن يتقدم أكثر في فعل الصالحات كان من هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكن مدح الناس بما ليس فيهم أو المدح الذي يؤدي إلى الغرور هو المذموم. • قول يا أسد يا ذئب جائز إذا كان على سبيل المدح والتشجيع ونحوه.

تنبيه: أعتذر لكل الأخوة القراء لعدم عزو المعلومات المسطرة في هذه الرسالة إلى مصادرها والسبب في ذلك أن أصل هذه الرسالة كان ملخصاً شخصياً ولم أكن أنوي وقتها نشرها بين الناس وبالتالي لم أهتم بمصادر المعلومات ولكن لمَا كثرت المادة لدي ارتأيت نشرها لتعم الفائدة للجميع , فجزى الله كل من ساهم في هذه الرسالة مساهمة مباشرة أو غير مباشرة كالذين نقلت عنهم ولم أذكر أسماءهم للسبب المذكور أعلاه وجعلها في موازين حسناتهم. لإبداء الملاحظات والاقتراحات فيرجى التواصل على البريد الإليكتروني: [email protected] أخوكم أبو فيصل البدراني وختاماً نسأل الله عز وجل أن ينفع بهذه الرسالة قارئها ومؤلفها وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

§1/1