آداب المشي إلى الصلاة ط الوزارة

محمد بن عبد الوهاب

باب آداب المشي إلى الصلاة

[باب آداب المشي إلى الصلاة] آداب المشي إلى الصلاة باب آداب المشي إلى الصلاة (¬1) يسن الخروج إليها متطهرا بخشوع لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في صلاة» وأن يقول إذا خرج من بيته ولو لغير الصلاة: «بسم الله، آمنت بالله اعتصمت بالله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي» . ¬

(¬1) لم يذكر المصنف رحمه الله كتاب أحكام الوضوء وشروط الصلاة قبل باب آداب المشي إلى الصلاة اكتفاء برسالة شروط الصلاة المتضمنة لذلك كله وقد جرت العادة بقراءتها قبل هذا الكتاب فكأنها جزء منه.

وأن يمشي إليها بسكينة ووقار لقوله صلى الله عليه وسلم: «وإذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» وأن يقارب بين خطاه ويقول:

«اللهم إني أسألك بحق (¬1) السائلين عليك وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» ، ويقول: «اللهم اجعل في قلبي نورا وفي لساني نورا، واجعل في بصري نورا وفي سمعي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا وعن يميني نورا وعن شمالي نورا وفوقي نورا وتحتي نورا؛ اللهم أعطني نورا وزدني نورا» . فإذا دخل المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى ويقول: «بسم الله أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. اللهم صل على محمد. اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك» . ¬

(¬1) قوله أسألك بحق السائلين. إلخ قد ورد بذلك حديث ولم يجزم تقي الدين بن تيمية بصحته وذكر غيره أن في سنده (عطية العوفي) وهو شيعي مدلس فلا يعتد بنقله، وعلى تقدير صحته فقد أوله العلماء بأن حق السائلين الإجابة وحق ممشاي الإثابة ونحو ذلك وإجابة الدعاء والإثابة على الأعمال الصالحة من الله تعالى فلا يحتج به على سؤال الله بأحد من خلقه فهو منهي عنه غير جائز.

باب صفة الصلاة

وعند خروجه يقدم رجله اليسرى ويقول: «وافتح لي أبواب فضلك» . وإذا دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» ويشتغل بذكر الله أو يسكت، ولا يخوض في حديث الدنيا؛ فما دام كذلك فهو في صلاة والملائكة تستغفر له ما لم يؤذ أو يحدث. [باب صفة الصلاة] باب صفة الصلاة يستحب أن تقوم إليها عند قول المؤذن: قد

قامت الصلاة إن كان الإمام في المسجد وإلا إذا رآه؛ قيل للإمام أحمد: قبل التكبير تقول شيئا؟ قال: لا؛ إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، ثم يسوى الإمام الصفوف بمحاذاة المناكب والأكعب. ويسن تكميل الصف الأول فالأول وتراص المأمومين وسد خلل الصفوف، ويمنة (¬1) كل صف أفضل، وقرب الأفضل (¬2) من الإمام لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليليني منكم أولو الأحلام والنهى» وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير ¬

(¬1) بفتح الياء كاليسرة بفتحها أيضا. (¬2) أي قرب الرجل الأفضل بسبب العلم وحفظ القرآن ونحو ذلك.

جهر الإمام بالتكبير

صفوف النساء آخرها وشرها أولها، ثم يقول وهو قائم مع القدرة: (الله أكبر) لا يجزئه غيرها، والحكمة في افتتاحها بذلك ليستحضر عظمة من تقوم بين يديه فيخشع، فإن مد همزة " الله " أو " أكبر " أو قال " أكبار " لم تنعقد (¬1) والأخرس يحرم بقلبه ولا يحرك لسانه وكذا حكم القراءة والتسبيح وغيرهما (¬2) . [جهر الإمام بالتكبير] ويسن جهر الإمام بالتكبير لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا كبر الإمام فكبروا» وبالتسميع لقوله: «وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد» . ¬

(¬1) والأكبار جمع كبر فتح الكاف وهو الطبل. (¬2) كالتحميد والتسميع والتشهد والسلام يأتي به الأخرس بقلبه، لا يحرك لسانه.

ويسر مأموم ومنفرد ويرفع يديه ممدودتي الأصابع مضمومة ويستقبل ببطونهما القبلة إلى حذو (¬1) منكبيه إن لم يكن عذر ورفعهما إشارة إلى كشف الحجاب بينه وبين ربه، كما أن السبابة إشارة إلى الوحدانية، ثم يقبض كوعه الأيسر بكفه الأيمن ويجعلهما تحت سرته ومعناه ذل بين يدي ربه عز وجل، ويستحب نظره إلى موضع سجوده في كل حالات الصلاة إلا في التشهد فينظر إلى سبابته. ثم يستفتح سرا فيقول: «سبحانك: اللهم، وبحمدك» ومعنى - سبحانك اللهم - أي ¬

(¬1) حذو: مقابل، والمنكب بفتح الميم وكسر الكاف مجمع عظم العضد والكتف.

أنزهك التنزيه اللائق بجلالك يا ألله، وقوله وبحمدك، قيل معناه: أجمع لك بين التسبيح والحمد «وتبارك اسمك» أي البركة تنال بذكرك «وتعالى جدك» أي جلت عظمتك «ولا إله غيرك» أي لا معبود في الأرض ولا في السماء بحق سواك يا ألله، ويجوز الاستفتاح بكل ما ورد (¬1) ثم يتعوذ سرا فيقول: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» ، وكيفما تعوذ من الوارد فحسن، ثم يبسمل سرا، وليست من الفاتحة ولا غيرها بل آية من القرآن قبلها وبين كل سورتين سوى ¬

(¬1) قال الشيخ تقي الدين: الأفضل أن يأتي بكل نوع أحيانا.

" براءة " (¬1) ويسن كتابتها أوائل الكتب كما كتبها سليمان عليه السلام، وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، وتذكر في ابتداء جميع الأفعال وهي تطرد الشيطان قال أحمد: لا تكتب أمام الشعر ولا معه (¬2) ثم يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية مشددة، وهي ركن في كل ركعة كما في الحديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وتسمى أم القرآن لأن فيها الإلهيات والمعاد والنبوات، وإثبات القدر، فالآيتان ¬

(¬1) فيكره ابتداؤها بها قيل لأنها مع الأنفال سورة واحدة فلا يفصل بينهما بها، وقيل لنزولها بالسيف. (¬2) قال القاضي: لأنه يشوبه الكذب والهجوم غالبا، وأما النظم في الفقه والتوحيد والنحو ونحو ذلك فأجاز العلماء كتابتها أمامه لعدم العلة التي ذكرها القاضي.

الأوليان يدلان على الإلهيات و {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] يدل على المعاد وإياك نعبد {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] يدل على الأمر والنهي والتوكل وإخلاص ذلك كله لله، وفيها التنبيه على طريق الحق وأهله المقتدى بهم والتنبيه على طريق الغي والضلال. ويستحب أن يقف عند كل آية لقراءته صلى الله عليه وسلم وهي أعظم سورة في القرآن، وأعظم آية فيه الكرسي وفيها إحدى عشرة تشديدة. ويكره الإفراط في التشديد والإفراط في المد، فإذا فرغ قال: " آمين " بعد سكتة لطيفة ليعلم أنها ليست من القرآن ومعناها اللهم استجب، يجهر بها إمام ومأموم معا في صلاة

جهرية، ويستحب سكوت الإمام بعدها في صلاة جهرية لحديث سمرة، ويلزم الجاهل تعلمها، فإن لم يفعل مع القدر لم تصح صلاته، ومن لم يحسن شيئا منها ولا من غيرها من القرآن لزمه أن يقول: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وهلله وكبره ثم اركع» رواه أبو داود والترمذي، ثم يقرأ البسملة سرا، ثم يقرأ سورة كاملة ويجزئ آية إلا أن أحمد استحب أن تكون طويلة (¬1) فإن ¬

(¬1) كآية الدين وآية الكرسي فإن قرأ من أثناء سورة فلا بأس أن يبسمل.

كان في غير الصلاة فإن شاء جهر بالبسملة وإن شاء أسر. وتكون السورة في الفجر من طوال المفصل وأوله (ق) لقول أوس: سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كيف تحزبون القرآن؟ قالوا ثلاثا، وخمسا وسبعا وتسعا، وإحدى عشرة وثلاث عشرة، وحزب المفصل واحد، ويكره أن يقرأ في الفجر من قصاره من غير عذر كسفر ومرض ونحوهما (¬1) ويقرأ في المغرب من قصاره ويقرأ فيها بعض الأحيان من طواله لأنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بالأعراف (¬2) . ¬

(¬1) كغلبة نعاس وخوف لمخالفته السنة. (¬2) فرقها في الركعتين.

ويقرأ في البواقي من أوساطه إن لم يكن عذر " (¬1) وإلا قرأ بأقصر منه، ولا بأس بجهر (¬2) امرأة في الجهرية إذا لم يسمعها أجنبي، والمتنفل في الليل يراعي المصلحة فإن كان قريبا منه من يتأذى بجهر أسر وإن كان ممن يستمع له جهر، وإن أسر في جهر وجهر في سر بنى على قراءته. وترتيب الآيات واجب لأنه بالنص وترتيب السور بالاجتهاد لا بالنص في قول جمهور العلماء فتجوز قراءة هذه قبل هذه، ولهذا ¬

(¬1) أي من مرض وسفر ونحوهما. (¬2) ويكره الجهر بالقراءة لمأموم ويخير منفرد وقائم لقضاء ما فاته بعد سلام إمامه بين جهر وإخفات.

تنوعت مصاحف الصحابة في كتابتها وكره أحمد قراءة حمزة والكسائي والإدغام الكبير لأبي عمرو، ثم يرفع يديه كرفعه الأول بعد فراغه من القراءة وبعد أن يثبت قليلا حتى يرجع إليه نفسه، ولا يصل قراءته بتكبير الركوع، فيكبر فيضع يديه مفرجتي الأصابع على ركبتيه ملقما كل يد ركبة ويمد ظهره مستويا ويجعل رأسه حياله لا يرفعه ولا يخفضه لحديث عائشة ويجافي مرفقيه عن جنبيه لحديث أبي حميد، ويقول في ركوعه: (سبحان ربي العظيم) لحديث حذيفة رواه مسلم، وأدنى الكمال ثلاث وأعلا في حق الإمام عشر وكذا حكم سبحان ربي الأعلى في السجود، ولا يقرأ في

الركوع والسجود لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ثم يرفع رأسه ويرفع يديه كرفعه الأول قائلا، إمام ومنفرد: (سمع الله لمن حمده) وجوبا (¬1) ومعنى سمع استجاب فإذا استتم قائما قال: «ربنا ولك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد» (¬2) وإن شاء زد «أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد» وله أن يقول غيره مما ورد. وإن شاء قال: «اللهم ربنا لك الحمد» ¬

(¬1) ثم إن شاء أرسل يديه من غير وضع إحداهما على الأخرى، وإن شاء وضع يمينه وشماله. (¬2) أي كالكرسي وغيره مما لا يعلم سعته إلا الله تعالى.

الصلاة في مكان شديد الحر أو شديد البرد

بلا واو لوروده في حديث أبي سعيد وغيره، فإن أدرك المأموم الإمام في هذا الركوع فهو مدرك للركعة، ثم يكبر ويخر ساجدا ولا يرفع يديه، فيضع ركبتيه ثم يديه ثم وجهه ويمكن جبهته وأنفه وراحتيه من الأرض ويكون على أطراف أصابع رجليه موجها أطرافها إلى القبلة، والسجود على هذه الأعضاء السبعة ركن، ويستحب مباشرة المصلى (¬1) ببطون كفيه، وضم أصابعهما موجهة إلى القبلة غير مقبوضة رافعا مرفقيه. [الصلاة في مكان شديد الحر أو شديد البرد] وتكره الصلاة في مكان شديد الحر أو شديد ¬

(¬1) بفتح اللام أي موضع الصلاة.

البرد لأنه يذهب الخشوع، ويسن للساجد أن يجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويضع يديه حذو منكبيه، ويفرق بين ركبتيه ورجليه. ثم يرفع رأسه مكبرا ويجلس مفترشا، يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويخرجها من تحته ويجعل بطون أصابعها إلى الأرض لتكون أطراف أصابعها إلى القبلة؛ لحديث أبي حميد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم باسطا يديه على فخذيه مضمومة الأصابع، ويقول: «رب اغفر لي» ولا بأس بالزيادة لقول ابن عباس: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين " رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني» رواه أبو داود. ثم

يسجد الثانية كالأولى وإن شاء دعا فيه لقوله صلى الله عليه وسلم: «وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» رواه مسلم، وله عن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: " اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيه وسره» . ثم يرفع رأسه مكبرا قائما على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه لحديث وائل إلا أن يشق لكبر أو مرض أو ضعف (¬1) ثم يصلي الركعة الثانية كالأولى إلا في تكبيرة الإحرام والاستفتاح، ولو لم يأت به في الأولى. ¬

(¬1) أي فيعتمد على الأرض.

ثم يجلس للتشهد مفترشا جاعلا يديه على فخذيه باسطا أصابع يسراه مضمومة مستقبلا بها القبلة قابضا من يمناه الخنصر والبنصر محلقا إبهامه مع وسطاه، ثم يتشهد سرا ويشير بسبابته اليمنى (¬1) في تشهده إشارة إلى التوحيد ويشير بها أيضا عند دعائه في صلاة وغيرها؛ لقول ابن الزبير: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها» . رواه أبو داود، فيقول: «التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» ، ¬

(¬1) أي مرار أكل مرة عند ذكر لفظ الله تنبها على التوحيد.

، وأي تشهد تشهده مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز، والأولى تخفيفه وعدم الزيادة عليه وهذا التشهد الأول، ثم إن كانت الصلاة ركعتين فقط صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» ، ويجوز أن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم مما ورد، وآل محمد: أهل بيته (¬1) وقوله (التحيات) ¬

(¬1) قوله (أهل بيته) هذا أحد الوجوه في معنى الآل. وقال في الإقناع الذي هو أصل هذا الكتاب: وآله أتباعه على دينه، قال الشارح كان لم يكونوا من أقاربه ثم استدل بما يطول ذكره وهذا في مقام الدعاء كما هنا، وأما في مقام تحريم الزكاة على آله فالمراد بهم بنو هاشم وبنو المطلب، أو بنو هاشم فقط والبحث مفصل في محله.

أي جميع التحيات (¬1) لله تعالى استحقاقا وملكا (والصلوات) الدعوات (والطيبات) الأعمال الصالحة فهو سبحانه يحيي ولا يسلم عليه لأن السلام دعاء. وتجوز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفردا إذا لم يكثر ولم تتخذ شعارا لبعض الناس أو يقصد بها بعض الصحابة دون بعض، وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في غير الصلاة وتتأكد تأكدا كثيرا عند ذكره. وفي يوم الجمعة وليلتها، ويسن أن يقول: ¬

(¬1) أي التعظيمات.

«اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من فتتة المسيح الدجال» وإن دعا بغير ذلك فحسن لقوله صلى الله عليه وسلم: «ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه» ما لم يشق على مأموم، ويجوز الدعاء لشخص معين لفعله صلى الله عليه وسلم في دعائه للمستضعفين بمكة، ثم يسلم وهو جالس مبتدئا عن يمينه قائلا: «السلام عليكم ورحمة الله» وعن يساره كذلك، والالتفات سنة، ويكون عن يساره أكثر بحيث يرى خده، ويجهر إمام بالتسليمة الأولى فقط ويسرهما غيره، ويسن حذفه وهو عدم تطويله أي لا يمد به صوته وينوي به الخروج من الصلاة وينوي به أيضا السلام على الحفظة

وعلى الحاضرين، وإن كانت الصلاة أكثر من ركعتين نهض مكبرا على صدور قدميه إذا فرغ من التشهد الأول (¬1) ويأتي بما بقي من صلاته كما سبق إلا أنه لا يجهر ولا تقرأ شيئا بعد الفاتحة فإن فعل لم يكره، ثم يجلس (¬2) في التشهد الثاني متوركا يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجها عن يمينه ويجعل إليتيه على الأرض فيأتي بالتشهد الأول ثم ¬

(¬1) قال في الإقناع: ولا يرفع يديه قال في الإنصاف: وهر المذهب وعن الإمام أحمد يرفعهما، اختاره المجد والشيخ تقي الدين وصاحب الفائق وابن عبدوس، قال في المبدع وهي أظهر وقد صححه أحمد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم. (¬2) قوله ثم يجلس إلى آخره هذا الجلوس والصلاة على النبي والتسليم من أركان الصلاة اكتفى المصنف بذكرها هنا عن إعادتها في الأركان فتنبه.

الذكر والدعاء والاستغفار عقب الصلاة

بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم بالدعاء ثم يسلم، وينحرف الإمام إلى المأمومين على يمينه أو على شماله، ولا يطيل الإمام الجلوس بعد السلام مستقبل القبلة، ولا ينصرف المأموم قبله لقوله صلى الله عليه وسلم: «إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالانصراف» فإن صلى معهم نساء انصرف النساء وثبت الرجال قليلا؛ لئلا يدركوا من انصرف منهن. [الذكر والدعاء والاستغفار عقب الصلاة] ويسن ذكر الله والدعاء والاستغفار عقب الصلاة فيقول: «أستغفر الله» ثلاثا ثم يقول:

«اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله لا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون» «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد» ثم يسبح ويحمد ويكبر كل واحدة ثلاثا وثلاثين ويقول تمام المائة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» ويقول بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب قبل أن يكلم أحدا من الناس: «اللهم أجرني من النار» سبع مرات. والإسرار بالدعاء أفضل وكذا بالدعاء المأثور ويكون بتأدب وخشوع وحضور قلب ورغبة

ورهبة لحديث «لا يستجاب الدعاء من قلب غافل» ويتوسل بالأسماء والصفات والتوحيد (¬1) ويتحرى أوقات الإجابة، وهي ثلث الليل الآخر وبين الأذان والإقامة وأدبار الصلاة المكتوبة وآخر ساعة يوم الجمعة، وينتظر الإجابة ولا يعجل فيقول: قد دعوت ودعوت فلم يستجب لي، ولا يكره أن يخص نفسه إلا في دعاء يؤمن عليه، ويكره رفع الصوت (¬2) . ويكره (¬3) في الصلاة التفات يسير ورفع ¬

(¬1) ولا يتوسل إلى الله بدعائه بمخلوق كالملائكة والأنبياء والصالحين؛ لأن ذلك لم يكن واردا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه فيكون بدعة فيها والبدع في الدين لا خير فيها. (¬2) أي بالدعاء في صلاة وغيرها. (¬3) قوله: " ويكره. " هذا شروع في ذكر بعض ما يكره في الصلاة وما يباح أو يستحب فيها.

بصره إلى السماء وصلاته إلى صورة منصوبة أو إلى آدمي واستقبال نار ولو سراجا وافتراش ذراعيه في السجود، ولا يدخل فيها وهو حاقن أو حاقب أو بحضرة طعام يشتهيه بل يؤخرها ولو فاتته الجماعة. ويكره مس الحصى وتشبيك أصابعه واعتماده على يديه في جلوسه ولمس لحيته وعقص شعره وكف ثوبه وإن تثاءب كظم ما استطاع فإن غلبه وضع يده في فمه. ويكره تسوية التراب بلا عذر ويرد المار بين يديه (¬1) ولو بدفعه، آدميا كان أو المار غيره ¬

(¬1) أي ما لم يكن في مكة المشرفة فلا يرده لأنه عليه السلام صلى بمكة والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة، وألحق الموفق الحرم كله بمكة.

فرضا كانت الصلاة أو نفلا فإن أبى فله قتاله ولو مشى يسيرا ويحرم المرور بين المصلي وبين سترته وبين يديه إن لم يكن له سترة، وله قتل حية وعقرب وقملة وتعديل ثوب وعمامة وحمل شيء ووضعه، وله إشارة بيد ووجه وعين لحاجة، ولا يكره السلام على المصلي وله رده بالإشارة، ويفتح على إمامه إذا أرتج عليه أو غلط، وإن نابه شيء في صلاته سبح رجل وصفقت امرأة، وإن بدره بصاق أو مخاط وهو في المسجد بصق في ثوبه وفي غير المسجد عن يساره، ويكره أن يبصق قدامه أو عن يمينه.

الصلاة إلى سترة

[الصلاة إلى سترة] وتكره صلاة غير مأموم إلى غير سترة ولو لم يخش مارا من جدار أو شيء شاخص كحربة أو غير ذلك مثل آخرة الرحل، ويسن أن يدنو منها لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة ويدن منها» وينحرف عنها يسيرا لفعله صلى الله عليه وسلم، وإن تعذر خط خطا وإذا مر من ورائها شيء لم يكره، فإن لم تكن سترة أو مر بينه وبينها امرأة أو كلب أو حمار بطلت صلاته (¬1) وله قراءة في المصحف والسؤال عند آية الرحمة، والتعوذ عند آية العذاب. ¬

(¬1) بطلان الصلاة بمرور واحد من الثلاثة المذكورة وارد في حديث معروف والمذهب أنها لا تبطل إلا بمرور الكلب الأسود البهيم فقط.

والقيام ركن في الفرض (¬1) لقوله تعالى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] (¬2) إلا لعاجز أو عريان أو خائف أو مأموم خلف إمام الحي العاجز عنه (¬3) وإن أدرك الإمام في الركوع فبقدر التحريمة (¬4) . وتكبيرة الإحرام ركن وكذا قراءة الفاتحة على الإمام والمنفرد (¬5) وكذا الركوع لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] (¬6) ¬

(¬1) قوله: " والقيام ركن. " هذا شروع في ذكر أركان الصلاة، وقد تقدم ذكر بعضها. (¬2) سورة البقرة، الآية: 238. (¬3) أي بشروطه وهر أن يرجى زوال علته. (¬4) أي فالركن من القيام بقدر التحريمة أي تكبيرة الإحرام. (¬5) قال في الإقناع: وكذا على المأموم لحديث: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " فلا يتحملها الإمام عنه. (¬6) سورة الحج، الآية: 77.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رجلا دخل المسجد فصلى ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فقال له: " ارجع فصل فإنك لم تصل " فعلها ثلاثا ثم قال: والذي بعثك بالحق نبيا لا أحسن غير هذا فعلمني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم اجلس حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» رواه الجماعة (¬1) فدل على أن المسمى في هذا ¬

(¬1) المراد بالجماعة في اصطلاح المجد في المنتقى هم أهل الأمهات الست والإمام أحمد السبعة في اصطلاح صاحب بلوغ المرام.

الحديث لا يسقط بحال؛ إذ لو سقطت لسقطت عن الأعرابي الجاهل. والطمأنينة في هذا الأفعال ركن لما تقدم. ورأى حذيفة رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده، فقال له: ما صليت ولو مت لمت على غير فطرة الله التي فطر عليها محمدا صلى الله عليه وسلم. والتشهد الأخير ركن لقول ابن مسعود: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله السلام على جبريل وميكائيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا هكذا ولكن قولوا التحيات لله» رواه النسائي ورواته ثقات.

الواجبات التي تسقط سهوا

[الواجبات التي تسقط سهوا] والواجبات التي تسقط سهوا ثمانية: التكبيرات غير الأولى (¬1) والتسميع للإمام والمنفرد والتحميد للكل وتسبيح ركوع وسجود وقول رب اغفر لي والتشهد الأول والجلوس له وما عدا ذلك سنن أقوال وأفعال. فسنن الأقوال سبع عشرة: الاستفتاح والتعوذ والبسملة والتأمين وقراءة السورة في الأوليين وفي صلاة الفجر والجمعة والعيد والتطوع كله والجهر والإخفات وقول ملء السماء والأرض إلى آخره وما زاد على المرة ¬

(¬1) أي تكبيرة الإحرام فإنها ركن غير تكبيرة مأموم أدرك إمامه راكعا فهي سنة للاجتزاء عنها بتكبيرة الإحرام.

في تسبيح ركوع وسجود وقول رب اغفر لي والتعوذ في التشهد الأخير والصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم والبركة عليه وعليهم، وما سوى ذلك فسنن أفعال مثل: كون الأصابع مضمومة مبسوطة مستقبلا بها القبلة عند الإحرام والركوع والرفع منه وحطهما عقب ذلك، وقبض اليمين على كوع الشمال وجعلهما تحت سرته والنظر إلى موضع سجوده (¬1) وتفريقه بين قدميه في قيامه ومراوحته بينهما وترتيل القراءة والتخفيف للإمام وكون الأولى أطول من الثانية وقبض ¬

(¬1) قال في المبدع: وفي حالة إشارته في التشهد فإنه ينظر إلى سبابته لخبر ابن الزبير، وصفته تجاه الكعبة فإنه ينظر إليها كذا قال، والله أعلم.

ركبتيه مفرجتي الأصابع في الركوع ومد ظهره مستويا وجعل رأسه حياله ومجافاة عضديه عن جنبيه ووضع ركبتيه قبل يديه في سجوده ورفع يديه قبلهما في القيام وتمكين جبهته وأنفه من الأرض ومجافاة عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه وإقامة قدميه وجعل بطون أصابعهما إلى الأرض مفرقة ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطة الأصابع إذا سجد وتوجيه أصابع يديه مضمومة إلى القبلة ومباشرة المصلي بيديه وجبهته وقيامه إلى الركعة على صدور قدميه معتمدا بيديه على فخذيه والافتراش في الجلوس بين السجدتين والتشهد الأول والتورك في الثاني ووضع يديه على

سجود السهو

فخذيه مبسوطتين مضمومتي الأصابع مستقبلا بهما القبلة بين السجدتين وفي التشهد وقبض الخنصر والبنصر من اليمنى وتحليق إبهامها مع الوسطى والإشارة بسبابتها والالتفات يمينا وشمالا في تسليمه وتفضيل الشمال على اليمين في الالتفات. [سجود السهو] وأما سجود السهو فقال أحمد يحفظ فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أشياء: سلم من اثنتين فسجد، وسلم من ثلاث فسجد، وفي الزيادة والنقصان، وقام من الثنتين فلم يتشهد. قال الخطابي: المعتمد عليه عند أهل العلم هذه الأحاديث الخمسة، يعني حديثي ابن مسعود، وأبي سعيد، وأبي هريرة وابن بحينة، وسجود

السهو يشرع للزيادة والنقص وشك في فرض ونفل إلا أن يكثر فيصير كوسواس فيطرحه. وكذا في الوضوء والغسل وإزالة النجاسة، فمتى زاد فعلا من جنس الصلاة قياما أو ركوعا أو سجودا أو قعودا عمدا بطلت، وسهوا يسجد لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين» رواه مسلم. ومتى ذكر عاد إلى ترتيب الصلاة بغير تكبير، وإن زاد ركعة قطع متى ذكر وبنى على فعله قبلها ولا يتشهد إن كان قد تشهد ثم سجد وسلم. ولا يعتد بالركعة الزائدة مسبوق، ولا يدخل معه من علم أنها زائدة، وان كان إماما أو منفردا فنبهه اثنان لزمه الرجوع، ولا يرجع إن نبهه واحد إلا أن

العمل اليسير في الصلاة

يتيقن صوابه لأنه صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قول ذي اليدين. [العمل اليسير في الصلاة] ولا يبطل الصلاة عمل يسير كفتحه صلى الله عليه وسلم الباب لعائشة وحمله أمامة ووضعها. وإن أتى بقول مشروع في الصلاة في غير موضعه كالقراءة في القعود والتشهد في القيام لم تبطل به. وينبغي السجود لسهوه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين» . وإن سلم قبل إتمامها عمدا بطلت، وإن كان سهوا ثم ذكر قريبا أتمها ولو خرج من المسجد أو تكلم يسيرا لمصلحتها، وإن تكلم سهوا أو نام فتكلم أو سبق على لسانه حال قراءته كلمة من غير القرآن

من شك في عدد الركعات

لم تبطل. وإن قهقه بطلت إجماعا؛ لا إن تبسم. وإن نسي ركنا غير التحريمة فذكره في قراءة الركعة التي بعدها بطلت التي تركه منها وصارت الأخرى عوضا عنها، ولا يعيد الاستفتاح، قاله أحمد، وإن ذكره قبل الشروع في القراءة عاد فأتى به وبما بعده، وإن نسي التشهد الأول ونهض لزمه الرجوع والإتيان به ما لم يستتم قائما لحديث المغيرة رواه أبو داود، ويلزم المأموم متابعته ويسقط عنه التشهد ويسجد للسهو. [من شك في عدد الركعات] ومن شك في عدد الركعات بنى على اليقين، ويأخذ مأموم عند شكه بفعل إمامه،

ولو أدرك الإمام راكعا وشك هل رفع الإمام رأسه قبل إدراكه راكعا لم يعتد بتلك الركعة. وإذا بنى على اليقين أدى بما بقى ويأتي به المأموم بعد سلام إمامه ويسجد للسهو، وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد معه ولو لم يتم التشهد ثم يتمه بعد سجوده. ويسجد مسبوق لسلامه مع إمامه سهوا ولسهوه معه وفيما انفرد به ومحله قبل السلام إلا إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر لحديث عمران وذي اليدين وإلا فيما إذ بنى على غالب ظنه إن قلنا به فيسجد ندبا بعد السلام لحديث علي وابن مسعود، وإن نسيه قبل السلام أو بعده أتى به ما لم يطل الفصل،

باب صلاة التطوع

وسجود السهو وما يقول فيه وبعد رفعه كسجود الصلاة. [باب صلاة التطوع] باب صلاة التطوع قال أبو العباس: التطوع تكمل به صلاة الفرض يوم القيامة إن لم يكن أتمها (¬1) وفيه حديث مرفوع (¬2) وكذلك الزكاة وبقية الأعمال، وأفضل التطوع الجهاد، ثم توابعه من نفقة فيه وغيرها، ثم تعلم العلم وتعليمه، قال ¬

(¬1) ولهذا لا ينبغي للإنسان ترك ما شرعه الله من النوافل فإنها تكمل الفرائض كالصلاة والصيام وغير ذلك فإن تركها متهاونا بها راغبا عنها خيف عليه من الإثم لرغبته عن السنة بل صرح غير واحد من العلماء أن تارك الوتر فاسق إذا داوم على تركه. (¬2) رواه أحمد في المسند.

أبو الدرداء: العالم والمتعلم في الأجر سواء وسائر الناس همج لا خير فيهم. وعن أحمد طلب العلم أفضل الأعمال لمن صحت نيته وقال: تذاكر بعض ليلة أحب إلي من إحيائها. وقال: يجب أن يطلب الرجل من العلم ما يقوم به دينه، قيل له مثل أي شيء؟ قال: الذي لا يمنعه جهله صلاته وصومه ونحو ذلك. ثم بعد ذلك الصلاة لحديث: «استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة» ثم بعد ذلك ما يتعدى نفعه من عيادة مريض أو قضاء حاجة مسلم، أو إصلاح بين الناس لقوله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بخير أعمالكم وبأفضل من درجة الصوم والصلاة؟ إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة» .

صححه الترمذي. وقال أحمد: اتباع الجنازة أفضل من الصلاة وما يتعدى نفعه يتفاوت، فصدقة على قريب محتاج أفضل من عتق، وهو أفضل من صدقة على أجنبي إلا زمن مجاعة، ثم حج. وعن أنس مرفوعا: «من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع» قال الترمذي: حسن غريب. قال الشيخ: تعلم العلم وتعليمه يدخل في الجهاد وإنه نوع منه وقال: استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهار أفضل من الجهاد الذي لم يذهب فيه نفسه وماله. وعن أحمد: ليس يشبه الحج شيء للتعب الذي فيه ولتلك المشاعر وفيه مشهد ليس في الإسلام

مثله عشيه عرفة وفيه إنهاك المال والبدن. وعن أبي أمامة «أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: " عليك بالصوم فإنه لا مثل لهم» رواه أحمد وغيره بسند حسن. وقال الشيخ قد يكون كل واحد أفضل في حال لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه بحسب الحاجة والمصلحة. ومثله قول أحمد: انظر ما هو أصلح لقلبك فافعله. ورجح أحمد فضيلة الفكر على الصلاة والصدقة. فقد يتوجه منه أن عمل القلب أفضل من عمل الجوارح وأن مراد الأصحاب عمل الجوارح ويؤيده حديث: «أحب الأعمال إلى الله الحب في الله والبغض في الله» . وحديث: «أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله» .

وآكد التطوع الكسوف (¬1) ثم الوتر ثم سنة الفجر، ثم سنة المغرب، ثم بقية الرواتب، ووقت صلاة الوتر بعد العشاء إلى طلوع الفجر والأفضل آخر الليل لمن وثق بقيامه، وإلا أوتر قبل أن يرقد، وأقله ركعة وأكثره إحدى عشرة، والأفضل أن يسلم من ركعتين ثم يوتر بركعة وإن فعل غير ذلك مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فحسن، وأدنى الكمال ثلاث، والأفضل بسلامين ويجوز بسلام واحد، ويجوز كالمغرب. ¬

(¬1) قال في الإقناع أصل هذا الكتاب: وآكد صلاة التطوع صلاة الكسوف ثم الاستسقاء ثم التراويح ثم الوتر. وكذلك في الزاد وغيره فيحتمل أن هذه الزيادة سقطت من النسخ المطبوعة.

والسنن الراتبة عشر، وفعلها في البيت أفضل وهي: ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتا الفجر. ويخفف ركعتي الفجر ويقرأ فيهما بسورتي الإخلاص، أو يقرأ في الأولى بقوله تعالى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] (¬1) الآية، التي في البقرة، وفي الثانية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] (¬2) الآية وله فعلها راكبا. ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 136. (¬2) سورة آل عمران، الآية: 64.

ولا سنة للجمعة قبلها، وبعدها ركعتان أو أربع، وتجزئ السنة عن تحيه المسجد، ويسن له الفصل بين الفرض والسنة بكلام أو قيام لحديث معاوية، ومن فاته شيء به منها استحب له قضاؤه، ويستحب أن في بين الأذان والإقامة. والتراويح سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعلها جماعة أفضل ويجهر الإمام بالقراءة لنقل الخلف عن السلف ويسلم من كل ركعتين لحديث: «صلاة الليل مثنى مثنى» . ووقتها بعد العشاء وسنتها قبل الوتر إلى طلوع الفجر ويوتر بعدها، فإن كان له تهجد جعل الوتر بعده لقوله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا» فإن

أحب من له تهجد متابعة الإمام قام إذا سلم الإمام فجاء بركعة لقوله صلى الله عليه وسلم: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» صححه الترمذي. ويستحب حفظ القرآن إجماعا وهو أفضل من سائر الذكر ويجب منه ما يجب في الصلاة (¬1) . ويبدئ الصبي وليه به قبل العلم إلا أن يعسر، ويسن ختمه في كل أسبوع وفيما دونه أحيانا، ويحرم تأخير القراءة إن خاف نسيانه، ويتعوذ قبل القراءة، ويحرص على الإخلاص ودفع ما يضاده، ويختم في الشتاء ¬

(¬1) وهو الفاتحة على المشهور أو الفاتحة وسورة على مقابله.

أول الليل وفي الصيف أول النهار. قال طلحة ابن مصرف: «أدركت أهل الخير من هذه الأمة يستحبون ذلك تقولون إذا ختم أول النهار: صلت عليه الملائكة حتى يمسي، وإذا ختم أول الليل: صلت عليه الملائكة حتى يصبح» رواه الدارمي عن سعد بن أبي وقاص إسناده حسن. ويحسن صوته بالقرآن ويرتله، ويقرأ بحزن وتدبر ويسأل الله تعالى عند آية الرحمة، ويتعوذ عند آية العذاب ولا يجهر بين مصلين أو نيام أو تالين جهرا بحيث يؤذيهم، ولا بأس بالقراءة قائما وقاعدا ومضطجعا وراكبا وماشيا. ولا تكره في الطريق ولا مع حدث أصغر؛ وتكره في المواضع القذرة؛ ويستحب الاجتماع

لها والاستماع للقارئ، ولا يتحدث عندها بما لا فائدة فيه. وكره أحمد السرعة في القراءة وكره قراءة الألحان وهو الذي يشبه الغناء، ولا يكره الترجيع، ومن قال في قرآن برأيه وبما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار وأخطأ ولو أصاب. ولا يجوز للمحدث مس المصحف وله حمله بعلاقة أو في خرج فيه متاع وفي كمه وله تصفحه بعود ونحوه وله مس تفسير وكتب فيها قرآن، ويجوز للمحدث كتابته من غير مس وأخذ الأجرة على نسخه ويجوز كسيه الحرير ولا يجوز استدباره أو مد الرجل إليه ونحو ذلك مما فيه ترك تعظيمه، ويكره تحليته بذهب أو فضة وكتابة الأعشار وأسماء السور وعدد

الآيات وغير ذلك مما لم يكن على عهد الصحابة. ويحرم أن يكتب القرآن أو شيء به فيه ذكر الله بغير طاهر فإن كتب به أو عليه وجب غسله، وإن بلى المصحف أو اندرس دفن لأن عثمان رضي الله عنه دفن المصاحف بين القبر والمنبر. وتستحب النوافل المطلقة في جميع الأوقات إلا في أوقات النهي. وصلاة الليل مرغب فيها وهي أفضل من صلاة النهار وبعد النوم أفضل لأن الناشئة لا تكون إلا بعده فإذا استيقظ ذكر الله تعالى وقال ما ورد، ومنه:

« (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله) » ثم إن قال: « (اللهم اغفر لي) » أو دعا استجيب، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته، ثم يقول: «الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك سبحانك أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره» ثم يستاك، فإذا قام إلى الصلاة فإن شاء استفتح باستفتاح المكتوبة، وإن شاء بغيره كقوله:

«اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق والساعة حق. اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولا قوة إلا بك» وإن شاء قال:

«اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» . ويسن أن يستفتح تهجده بركعتين خفيفتين وأن يكون له تطوع يداوم عليه وإذا فاته قضاه. ويستحب أن يقول عند الصباح والمساء ما ورد وكذلك عند النوم والانتباه ودخول المنزل والخروج منه وغير ذلك، والتطوع في البيت أفضل وكذا الإسرار به إن كان مما لا تشرع له الجماعة ولا بأس بالتطوع جماعة إذا لم يتخذ عادة. ويستحب الاستغفار بالسحر والإكثار منه، ومن فاته تهجده قضاة قبل الظهر ولا يصح التطوع من مضطجع.

وتسن صلاة الضحى، ووقتها من خروج وقت النهي إلى قبيل الزوال، وفعلها إذا اشتد الحر أفضل وهي ركعتان وإن زاد فحسن. وتسن صلاة الاستخارة، إذا هم بأمر فيركع ركعتين من غير الفريضة ثم يقول: «اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب؛ اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسميه بعينه - خير لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري " عاجله وآجله " فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به» .

ثم يستشير ولا يكون وقت الاستخارة عازما على الفعل أو الترك. وتسن تحيه المسجد وسنة الوضوء وإحياء ما بين العشاءين، وسجدة التلاوة سنة مؤكدة وليست بواجبة لقول عمر: " من سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه " رواه مالك في الموطأ. وتسن للمستمع، والراكب يومئ بسجوده حيث كان وجهه والماشي يسجد بالأرض مستقبل القبلة ولا يسجد السامع. لما روي عن الصحابة. وقال ابن مسعود للقارئ وهو غلام: اسجد فإنك إمامنا. وتستحب سجدة الشكر عند نعمة ظاهرة

عامة أو أمر يخصه، ويقول إذا رأى مبتلى في دينه أو بدنه: «الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا» . وأوقات النهي خمسة: بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وبعد طلوعها حتى ترتفع قيد رمح وعند قيامها حتى تزول وبعد صلاة العصر حتى تدنو من الغروب وبعد ذلك حتى تغرب. ويجوز قضاء الفرائض فيها وفعل المنذورات وركعتي الطواف وإعادة جماعة إذا أقيمت وهو في المسجد وتفعل صلاة الجنازة في الوقتين الطويلين.

§1/1