آداب العمرة وأحكامها - حطيبة

أحمد حطيبة

آداب السفر للحج والعمرة وغيرهما

شرح آداب العمرة وأحكامها - آداب السفر للحج والعمرة وغيرهما الحج والعمرة من العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، وهما واجبان على من استطاع إليهما سبيلاً، ولهما أحكام معروفة في الكتاب والسنة، وللمسافر إلى الحج والعمرة آداب يشرع له أن يتحلى بها اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.

تعريف العمرة

تعريف العمرة الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين. أما بعد: فهذه بعض أحكام العمرة التي يحتاجها المسلم المعتمر ليؤدي المناسك على الوجه الصحيح الذي أمرنا به ربنا سبحانه وتعالى. تعريف العمرة: العمرة لغة: الزيارة أو القصد، وقد اعتمر إذا أدى العمرة، واختص الاعتمار بقصد الكعبة لأنه يقصد إلى موضوع عامر، وعرفها جمهور الفقهاء بأنها: الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة بإحرام.

من فضائل الحج والعمرة

من فضائل الحج والعمرة قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:96 - 97] وقال تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196]. وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة) رواه الترمذي والنسائي. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) متفق عليه، والمبرور: الذي لا معصية فيه. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: (يا رسول الله! هل على النساء جهاد؟ قال: نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة) رواه ابن ماجة. وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عمرة في رمضان تعدل حجة، أو تعدل حجة معي) متفق عليه. وعن معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الحج والعمرة من سبيل الله، وإن عمرة في رمضان تعدل حجة) رواه الحاكم.

حكم الحج والعمرة

حكم الحج والعمرة والعمرة واجبة على الراجح من أقوال العلماء؛ لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: (يا رسول الله! هل على النساء جهاد؟ قال: عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة)، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة السائل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام وهو جبريل عليه السلام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت، وتعتمر وتغتسل من الجنابة، وتتم الوضوء، وتصوم رمضان، قال: فإن قلت هذا فأنا مسلم؟ قال: نعم. قال: صدقت) رواه ابن خزيمة وابن حبان، وقال الدارقطني: إسناده صحيح ثابت. وعن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الضعن، قال: حج عن أبيك واعتمر) حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيره. ويجب الحج وكذلك العمرة على كل مسلم بالغ عاقل حر مستطيع، فإن اختل أحد الشروط لم يجب بلا خلاف، ولا يجب بالشرع على المكلف المستطيع في جميع أموره إلا حجة واحدة وعمرة واحدة على القول بوجوب العمرة؛ لما روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس! قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم، إنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه).

حكم الإحرام على من دخل مكة

حكم الإحرام على من دخل مكة إذا حج واعتمر حجة الإسلام وعمرته ثم أراد دخول مكة بحالة لا تتكرر، كزيارة أو تجارة أو رسالة، أو لحاجة متكررة كالبريد والحفاظ ونحوه، أو كان مكياً مسافراً فأراد دخولها عائداً من سفره ونحو ذلك، فلا يلزمه الإحرام بحج أو عمرة، ولكن يستحب. وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام).

حج الصبي وعمرته

حج الصبي وعمرته ولا يجب الحج ولا العمرة على الصبي ويصح منه، سواء كان طفلاً أو مراهقاً، فعن ابن عباس: (أن امرأة رفعت صبياً إلى النبي صلى الله عليه وسلم من محفة فقالت: يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر) رواه مسلم. ثم إن كان مميزاً أحرم بنفسه بإذن وليه، وأما الصبي الذي لا يميز فيحرم عنه وليه، فيصير الصبي محرماً بنية الولي أو بقول الولي: اعتقدت الإحرام لفلان، فيصير الصبي محرماً، ومتى صار الصبي محرماً فعل بنفسه ما قدر عليه، وفعل عنه وليه ما لا يقدر عليه، فيغسله الولي عند إرادة الإحرام، ويجرده من المخيط، ويلبسه الإزار والرداء والنعلين إن تأتى منه الشيء، ويطيبه وينظفه، ويفعل ما يفعل الرجل، ثم يحرم أو يحرم عنه، ويجب على الولي أن يجنبه ما يجتنبه الرجل، فإن قدر الصبي على الطواف بنفسه علمه وطاف، وإلا طاف به، والسعي كالطواف، فإن كان غير مميز صلى الولي عنه ركعتي الطواف، وإن كان مميزاً أمره بهما فصلاهما الصبي بنفسه، وإذا ارتكب الصبي محظوراً من محظورات الإحرام كأن تطيب أو لبس ناسياً فلا فدية، وإن تعمد وجبت الفدية، ولو حلق أو قلم ظفره أو قتل صيداً عمداً وجبت الفدية، ويكتب للصبي ثواب ما يعمله من الطاعات، كالطهارة والصلاة والصوم والزكاة والاعتكاف والحج والقراءة والوصية وغير ذلك من الطاعات، ولا يكتب عليه معصية، وإذا حج الصبي ثم بلغ فعليه حجة أخرى؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى).

حكم من أراد الحج والعمرة والتجارة في طريقه

حكم من أراد الحج والعمرة والتجارة في طريقه ويستحب لقاصد الحج والعمرة أن يكون متخلياً عن التجارة ونحوها في طريقه، فإن خرج بنية الحج والتجارة فحج واتجر صح حجه وسقط عنه فرض الحج، لكن ثوابه دون ثواب المتخلي عن التجارة؛ لما رواه البخاري عن ابن عباس قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقنا في الجاهلية، فلما كان الإسلام كأنهم كرهوا أن يتجروا في الحج، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:198] يعني: في مواسم الحج.

اشتراط المحرم في حج المرأة

اشتراط المحرم في حج المرأة ولا يلزم المرأة الحج ولا العمرة إلا إذا أمنت على نفسها بزوج أو محرم، ولا يجوز للمرأة أن تسافر لحج التطوع أو لسفر زيارة وتجارة ونحوهما مع نسوة ثقات أو امرأة ثقة؛ لأنه سفر ليس بواجب، روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم) متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة ليس معها ذو حرمة) متفق عليه، وفي رواية لـ مسلم: (مسيرة يوم)، وفي رواية: (مسيرة ليلة). وينبغي للمرأة ألا تحرم بغير إذن زوجها، ويستحب له أن يحج بها؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: (لا يخلو رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا، قال: انطلق فحج مع امرأتك) متفق عليه. وليس لزوج منع زوجته من حجة الإسلام، فإن أرادت حج إسلام أو تطوع أو عمرة فأذن الزوج وأحرمت به لزمه تمكينها من إتمامه، ولا يجوز له تحليلها، ولا يجوز لها التحلل.

الحج والعمرة عن المعضوب والميت

الحج والعمرة عن المعضوب والميت المعضوب: هو الضعيف الذي لا يقدر على الحج ولا على العمرة لعجزه بمرض أو كبر سن، روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله! إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخ كبيراً لا يثبت على الراحلة، فأحج عنه؟ قال: نعم). وذلك في حجة الوداع، متفق عليه. ولا يجوز الحج ولا العمرة عن المعضوب بغير إذنه، بخلاف قضاء الدين عن غيره، ويجوز الحج والعمرة عن الميت، ولا يجوز لمن عليه حجة الإسلام أو حجة قضاء أو نذر أن يحج عن غيره، فعن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم: سمع رجلاً يقول: لبيبك عن شبرمة قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب. قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة)، وفي رواية (أحججت قط؟ قال: لا. قال: فاجعل هذه عنك ثم حج عن شبرمة).

آداب السفر للحج والعمرة وغيرهما

آداب السفر للحج والعمرة وغيرهما قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:197] قال الإمام النووي رحمه الله في آداب السفر: إذا أراد سفراً استحب أن يشاور من يثق بدينه وخبرته وعلمه في سفره في ذلك الوقت، ويجب على المستشار النصيحة والتخلي عن الهوى وحظوظ النفس، قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران:159] فإذا عزم على الثقة فالسنة أن يستخير الله تعالى ويصلي ركعتين من غير الفريضة، ثم يدعو دعاء الاستخارة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب, اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله فقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به، ويسمي حاجته). إذا استقر عزمه لسفر حج أو غزو أو غيرهما فينبغي أن يبدأ بالتوبة من جميع المعاصي والمكروهات، ويخرج عن مظالم الخلق ويقضي ما أمكنه من ديونهم، ويرد الودائع، ويستحل كل من بينه وبينه معاملة في شيء أو مصاحبة، ويكتب وصيته ويشهد عليه بها. ويستحب أن يوكل مما لم يتمكن من قضائه من ديونه، وأن يترك لأهله ومن يلزمه نفقتهم إلى حين رجوعه، وينبغي أن يسترضي والديه ومن يتوجب عليه بره وطاعته، وينبغي أن يحرص أن تكون نفقته حلالاً خالصة من الشبهة، ويستحب للمسافر في حج أو غيره أن يستكثر من الزاد والنفقة ليواسي منه المحتاجين، وليكن زاده طيباً، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة:267]، ويستحب ترك المساومة فيما يشتريه لأسباب سفر حجه وغزوه ونحوهما من أسفار الطاعة، ويستحب ألا يشارك غيره في الزاد والراحلة والنفقة؛ لأن ترك المشاركة أسلم من أنه يمتنع بسببها من التصرف في وجوه الخير من الصدقة وغيرها، ولو أذن شريكه لم يوثق باستمراره، فإن شارك جاز واستحب أن يقتصر على دون حقه. وأما اجتماع الرفقة على طعام يجمعونه يوماً فيوماً فحسن، ولا بأس بأكل بعضهم أكثر من بعض إذا وثق بأن أصحابه لا يكرهون ذلك، فإن لم يثق لم يزد على قدر حصته، وقد صحت الأحاديث في خلط الصحابة رضي الله عنهم أزوادهم، وعن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: (يا رسول الله! إنا نأكل ولا نشبع، قال فلعلكم تفترقون؟ قالوا: نعم. قال: فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه) رواه أبو داود وغيره. وإذا أراد سفر حج أو غزو لزمه تعلم كيفيتهما، ولا تصح العبادة ممن لا يعرفها، ويستحب لمريد الحج أو العمرة أن يستصحب معه كتاباً واضحاً في المناسك جامعاً لمقاصدها، ويديم مطالعته ويكررها في جميع طريقه لتصير محققة عنده، ومن أخل بهذا من العوام يخاف ألا يصح منه نسكه، ويستحب له أن يطلب رفيقاً موافقاً راغباً في الخير كارهاً للشر، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإن تيسر له مع هذا كونه عالماً فليتمسك به، فإنه يمنعه بعلمه وعمله من سوء ما يقع على المسافر ومن مساوئ الأخلاق والضجر، ويعينه على مكارم الأخلاق ويحثه عليها، والمختار أن القريب والصديق الموثوق به أولى من غيره، ثم ينبغي له أن يحرص على إرضاء رفيقه في جميع طريقه، ويحتمل كل واحد منهما صاحبه، ويرى لصاحبه عليه فضلاً وحرمة، ويصبر على ما يقع منه في بعض الأوقات. ويستحب لمن سافر أو حج أو غزا أن تكون يده فارغة من مال التجارة ذاهباً وراجعاً؛ لأن ذلك يشغل القلب ويفوت بعض المطلوبات، ويجب عليه تصحيح النية في حجه وغزوه ونحوهما، وهو أن يريد به وجه الله تعالى؛ لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، ويستحب أن يكون سفره يوم الخميس، فإن فاته فيوم الإثنين، ويستحب أن يكون باكراً، ودليل الخميس: حديث كعب بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم: قرب يوم الخميس لغزوة تبوك وكان يحب أن يخرج يوم الخميس) رواه البخاري، ودليل يوم الإثنين: أن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة يوم الإثنين، ودليل التبكير: حديث صخر الغامدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم بارك لأمتي في بكورها، وكان إذا بعث جيشاً أو سرية بعثه في أول النهار) ويستحب إذا أراد الخروج من منزله أن يصلي ركعتين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا خرجت من منزلك فصل ركعتين يمنعانك من مخرج السوء، وإذا دخلت إلى منزلك فصل ركعتين يمنعانك من مدخل السوء). ويستحب أن يودع أهله وجيرانه وأصدقاءه وسائر أحبابه، وأن يودعوه، ويقول كل واحد لصاحبه: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، زودك الله التقوى وغفر ذنبك ويسر لك الخير حيثما كنت؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان يقول لرجل إذا أراد السفر: ادنُ مني أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا، فيقول: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك)، وعن أنس رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أجيد السفر فزودني، فقال: زودك الله التقوى، فقال: زدني، فقال: وغفر ذنبك، قال: زدني، قال: ويسر لك الخير حيثما كنت)، وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله إذا استودع شيئاً حفظه). والسنة أن يدعو بما صح عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: اللهم إني أعوذ بك أن أظِل أو أُظل، أو أذل أو أُذَل، أو أَظَلِم أو أُظلَم، أو أجهل أو يُجهل عليّ)، ويدعو بما في حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج الرجل من بيته فقال: باسم الله توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، قال: يقال حينئذٍ: هديت وكفيت ووقيت، فتتنحى له الشياطين، فيقول شيطان لآخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟)، والسنة إذا خرج من بيته أو أراد ركوب دابته أن يقول: باسم الله، فإذا استوى عليها قال: الحمد لله، ثم يأتي بالتسبيح والذكر والدعاء الذي ثبت في الأحاديث، منها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون)، وعن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال)، وجاءت رواية بلفظ: (الكون)، ورواية بلفظ: (الكور) ومعناهما: الرجوع من الاستقامة، أي: الزيادة إلى نقصان. وعن علي بن ربيعة قال: (شهدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه أُتِيَ بدابة يركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: باسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، الحمد لله الحمد لله الحمد لله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقيل: يا أمير المؤمنين! من أي شيء ضحكت؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله! من أي شيء ضحكت؟ قال: إن ربك سبحانه يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري). ويستحب أن يرافق في سفره جماعة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده) رواه البخاري، ويستحب أن يؤمر الرفقة على أنفسهم أفضلهم وأجودهم رأياً ويطيعوه؛ لحديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم) رواه أبو داود، ويستحب السير في آخر الليل؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل) رواه أبو داود، ويسن مساعدة الرفيق وإعانته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) رواه مسلم، وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: (بينما نحن مع رسول الله صلى الله

صفة الإحرام وما يحرم على المحرم

شرح آداب العمرة وأحكامها - صفة الإحرام وما يحرم على المحرم من فضائل الأعمال التي حث عليها الشرع العمرة إلى بيت الله الحرام، وينبغي للمرء للمسلم الذي يريد العمرة أن يتعلم أحكامها حتى يؤديها على الوجه المطلوب، فعليه أن يتعلم ما يجب على المعتمر وما يستحب له، كما أن عليه أن يتعلم ما يجتنبه المحرم مما قد يفسد عليه عمرته أو ينقص من أجرها.

مواقيت الحج والعمرة وأحكام الإحرام وصفته

مواقيت الحج والعمرة وأحكام الإحرام وصفته الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين. جميع السنة وقت للعمرة، فيجوز الإحرام بها في كل وقت من السنة، ولا يكره في وقت من الأوقات وسواء أشهر الحج وغيرها في جوازها من غير كراهة، وبهذا قال مالك وأحمد وأبو داود والجمهور، ولا يكره عمرتان وثلاث وأكثر في السنة الواحدة، بل يستحب الإكثار منها. روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن) وقال ابن عمر: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يهل أهل اليمن من يلملم)، وروى مسلم عن جابر وسئل عن المهل فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مهل أهل العراق من ذات عرق).

الإحرام من الميقات

الإحرام من الميقات والإحرام من الميقات أفضل؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من ذي الحليفة ولم يحرم من المدينة، وإذا كان المسلم بمكة مستوطناً أو عابر سبيل وأراد العمرة، فميقاته أدنى الحل، فيكفيه أن يذهب إلى الحل من أي جهة من الجهات، وأما المستحب فمن الجعرانة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر منها، أو من التنعيم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعمر عائشة منها، وهي أقرب الحل إلى البيت. روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: (اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر كلهن في ذي القعدة، إلا التي كانت مع حجته: عمرة من الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته). وروي عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعمرها من التنعيم).

استحباب الغسل عند الإحرام

استحباب الغسل عند الإحرام ويستحب الغسل عن إرادة الإحرام بحج أو عمرة أو بهما، سواء كان إحرامه من الميقات الشرعي أو غيره، ولا يجب هذا الغسل، وإنما هو سنة متأكدة؛ لما روى زيد بن ثابت رضي الله عنه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل) رواه الترمذي.

ما يلبس المحرم من الثياب

ما يلبس المحرم من الثياب قال ابن المنذر: أجمع أعيان أهل العلم على أن الإحرام بغير غسل جائز. روى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رجلاً نادى فقال: يا رسول الله! ما يجتنب المحرم من الثياب؟ قال: لا يلبس السراويل ولا القميص ولا البرنس ولا العمامة، ولا ثوباً مسه زعفران ولا ورس، ويحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين، فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين، وليقطعهما حتى يكون أسفل من العقبين)، وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (انطلق النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعدما ترجل وادهن، ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه، ولم ينه عن شيء من الأزر والأردية يلبس إلا المزعفرة التي تردع الجلد، حتى أصبح بذي الحليفة ركب راحلته حتى استوت على البيداء، أهل هو وأصحابه) صلى الله عليه وسلم. وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كأنما أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم). فالسنة أن يحرم في إزار ورداء ونعلين، وفي أي شيء أحرم جاز إلا الخف ونحوه والمخيط، والمخيط: الثوب الذي يلبس، وقد فصل على الموضع الذي جعل له، حتى ولو كان في بعض البدن، كالسراويل والقميص والقفاز ونحو ذلك، سواء خيط بخيط أو ألصق بشيء كالصمغ والدبابيس والمسامير ونحو ذلك، أما إذا خيط حزاماً لحفظ نقود فلا يدخل في النهي. ويستحب أن يكون الإزار والرداء أبيضين، والثوب الجديد في هذا أفضل من المغسول.

استحباب الطيب عند الإحرام

استحباب الطيب عند الإحرام ويستحب أن يتطيب في بدنه عند إرادة الإحرام، سواء بالطيب الذي يبقى له جرم بعد الإحرام والذي لا يبقى؛ لما روت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالمسك المطيب عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها) رواه أبو داود. وهذا الحكم في تطيب النساء إذا كان طوافهن وسعيهن في غير ازدحام واختلاط بالرجال، وإلا فلا يجوز لهن أن يختلطن متطيبات حتى لا يفتن الرجال. فإذا تطيب المحرم فله استدامته بعد الإحرام، ولو انتقل الطيب من موضع إلى موضع بالعرق فلا شيء عليه، ولو مسه بيده عمداً فعليه الفدية، ولا يستحب تطييب ثوب المحرم، فإن طيبه ولبسه ثم أحرم واستدام لبسه جاز، فإن نزع الثوب الذي عليه الطيب فينبغي ألا يلبسه حتى يزيل ما به من طيب. ويستحب أن يتأهب للإحرام بحلق العانة ونتف الإبط وقص الشارب وتقليم الأظافر؛ لأنه أمر يسن له الاغتسال والطيب، فسن له ذلك كالجمعة؛ ولأن الإحرام يمنع قطع الشعر وقلم الأظفار، فاستحب فعله قبل الإحرام لئلا يحتاج إليه في إحرامه، ويستحب أن يحرم عقيب صلاة إما فرض وإما تطوع إن كان وقت تطوع، فإن كان في الميقات استحب أن يصلي في المسجد، فإن كان إحرامه في وقت من الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها فالأولى انتظار زوال وقت الكراهية ثم يصليهما، ويجوز ألا ينتظر. ويستحب إحرامه عند ابتداء السير وانبعاث الراحلة.

التلبية

التلبية وينبغي لمريد الإحرام أن ينويه بقلبه ويلبي بلسانه، فيقول: لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وينبغي أن يرفع صوته بالتلبية؛ لحديث خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال، أو قال: التلبية)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الحج العج والثج)، ومعنى (لبيك): اتجاهي وقصدي إليك، أو محبتي لك أو إخلاصي لك، أو أنا مقيم على طاعتك وإجابتك، وهذه الإجابة والتلبية إجابة لأمر الله عز وجل لإبراهيم {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج:27].

حكم حلق الرأس وتقليم الأظافر للمحرم

حكم حلق الرأس وتقليم الأظافر للمحرم وأما العج فهو رفع الصوت، والثج: الدماء من الهدي ونحوه. واتفق العلماء على استحباب التلبية، ويستحب الإكثار منها في دوام الإحرام، ويستحب أن يلبي قائماً وقاعداً وراكباً وماشياً وجنباً وحائضاً، ويتأكد استحبابها في كل صعود وهبوط وحدوث أمر من ركوب أو نزول أو اجتماع رفقة أو فراغ من صلاة، وعند إقبال الليل والنهار ووقت السحر وغير ذلك من تغاير الأحوال. ويستحب للرجل رفع صوته بالتلبية بدون مبالغة؛ حتى لا يضر نفسه، ولا تجهر امرأة، بل تقتصر على سماع نفسها، فإن رفعت صوتها لم يحرم، ويستحب ألا يزاد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأكثر أهل العلم على أن المعتمر لا يقطع التلبية حتى يستلم الحجر، ومن لا يحسن التلبية بالعربية لبى بلسانه كتكبيرة الإحرام وغيرها.

ما يحرم على المحرم من اللباس

ما يحرم على المحرم من اللباس الحرام على الرجل من اللباس في الإحرام قسمان: الأول: يتعلق بالرأس، فلا يجوز لرجل ستر رأسه لا بمخيط كالقلنسوة والطاقية، ولا بغيره كالعمامة والإزار والخرقة والغترة، وكل ما يعد ساتراً، فإن ستر رأسه لزمته الفدية، وفي غير الرأس فيجوز للرجل المحرم ستر ما عدا الرأس من بدنه في الجملة، وإنما يحرم عليه لبس المخيط وما هو في معناه مما هو على قدر عضو من البدن، فمما يحرم عليه: لبس القميص والسراويل والتبان -وهو كالشرت- والخف وهو الحذاء ذو الرقبة ونحوها، فإن لبس شيئاً من ذلك مختاراً عامداً أثم، ولزمه المبادرة إلى إزالته، ولزمته الفدية سواء قصر الزمان أم طال، ولو التحف بالقميص أو بعباءته أو إزار ونحوها فلا فدية، وسواءَ فعل ذلك في النوم أو اليقظة، وله أن يعلق المصحف وحافظة نقوده وأوراقه وحقيبته بحمالة في رقبته أو على كتفه، وأن يشد الحزام في وسطه ويلبس الخاتم والساعة، ولا يتوقف التحريم والفدية على المخيط، بل سواء المخيط وما في معناه. ويجوز أن يعقد الإزار ويشد عليه خيطاً، وأن يجعل له مثل الحجزة، ويدخل فيها السكة ونحو ذلك، وله غرز ردائه في طرف إزاره، ولا يحرم حل الرداء وشكه بدبوس ونحوه، كما لا يحرم عقد الإزار والأولى عدمه، وإذا شق الإزار نصفين وجعل له ذيلين ولف على كل ساق نصفاً وشده، وجبت عليه الفدية؛ لأنه صار كالسراويل. ويحرم على الرجل لبس القفازين، ولبس الخف حرام أيضاً، وأما لبس المداس والخف المقطوع أسفل من الكعبين فالراجح أنه يجوز ولو مع وجود النعلين. ويحرم على المرأة أن تنتقب في إحرامها، وأن تلبس القفازين، والنقاب: هو الخرقة المشدودة تحت محجر العين تستر أسفل العينين إلى أسفل الذقن. وللمرأة أن تستر رأسها وسائر بدنها بالمخيط وغيره كالقميص والسراويل، ونهى أن تسدل على وجهها ثوباً إلا لحاجة كحر أو برد أو خوف فتنة ونحوها، ويحرم عليها لبس القفازين. ويكره للرجل المحرم ستر وجهه. ويحرم على الرجل والمرأة استعمال الطيب بعد الإحرام؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران)، واستعمال الطيب هو أن يلصق الطيب ببدنه أو ملبوسه على الوجه المعتاد في ذلك، فلو طيب جزءاً من بدنه بعطر أو بمسك مسحوق أو ماء ورد لزمته الفدية، ولو جلس على فراش مطيب أو أرض مطيبة أو نام عليه مفضياً إليها ببدنه أو ملبوسه لزمته الفدية. وصل اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حكم النكاح والخطبة للمحرم

حكم النكاح والخطبة للمحرم روى مسلم عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَنكح المحرم، ولا يُنكح، ولا يخطب). فيحرم على المحرم أن يزوج بالولاية الخاصة، ويحرم على المحرم أن يتزوج، فإن كان الزوج أو الزوجة أو الولي أو وكيل الزوج أو وكيل الولي محرماً فالنكاح باطل بلا خلاف، ويجوز أن يراجع المحرم والمحل المحرمة سواء أطلقها في الإحرام أو قبله، ويحرم عليه الجماع؛ لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الرفث: الجماع. وتجب به الكفارة؛ لما روي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر وابن عمرو رضي الله عنهم أنهم أوجبوا فيه الكفارة. وأجمعت الأمة على تحريم الجماع في الإحرام، سواء كان الإحرام صحيحاً أم فاسداً، وتجب به الكفارة والقضاء إذا كان قبل التحلل. ويحرم على المحرم المباشرة بشهوة، كالقبلة واللمس باليد بشهوة، ومتى باشر عمداً بشهوة لزمته الفدية، وهي شاة أو بدلها من الإطعام أو الصيام، ولا يفسد نسكه بالمباشرة بشهوة بلا خلاف، سواء أنزل أم لا، هذا كله إذا باشر عالماً بالإحرام ذاكراً، فإن كان ناسياً فلا فدية عليه بلا خلاف. وأما اللمس بغير شهوة فليس بحرام بلا خلاف.

حكم الصيد للمحرم

حكم الصيد للمحرم ويحرم عليه الصيد المأكول من الوحش والطير، فلا يجوز له أخذه؛ لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة:96]، والعامد والمخطئ والناسي والجاهل في ضمان الصيد سواء، فيضمنه كل واحد منهم بالجزاء، ولكن يأثم العامد دون الناسي والجاهل والمخطئ.

حكم قتل المحرم للمؤذيات

حكم قتل المحرم للمؤذيات ويستحب قتل المؤذيات، كالحية والفأرة والعقرب والخنزير والكلب العقور والغراب والحدأة والذئب والأسد والنمر والدب والنسر والعقاب والبرغوث والبق والقراد وأشباهها. فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور) متفق عليه. وعن أم شريك رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ) متفق عليه. ويجوز قتل الخنافس والدود والجعلان والأبراص والذباب والبعوض.

حكم إزالة المحرم للشعر أو الظفر المؤذي

حكم إزالة المحرم للشعر أو الظفر المؤذي وإذا نبت في عينه شعرة أو شعرات داخل الجفن وتأذى بها جاز قلعها، ولو انكسر بعض ظفر فتأذى به قطع المنكسر وحده ولا فدية، ولو صال عليه صيد وهو محرم أو في الحرم ولم يمكن دفعه إلا بقتله فقتله للدفع فلا جزاء عليه.

حكم من ارتكب محظورا وهو محرم

حكم من ارتكب محظوراً وهو محرم روى البخاري ومسلم عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل بالجعرانة وعليه جبة وهو مصفر رأسه ولحيته، فقال: يا رسول الله! أحرمت بعمرة وأنا كما ترى، فقال: اغسل عنك الصفرة، وانزع عنك الجبة، وما كنت صانعاً في حجك فاصنع في عمرتك). فإذا تطيب المحرم أو لبس أو دهن رأسه أو لحيته جاهلاً بتحريم ذلك أو ناسياً الإحرام فلا فدية عليه، فإن ذكر ما فعله ناسياً أو علم ما فعله جاهلاً لزمه المبادرة بإزالة الطيب واللباس. فإن شرع في الإزالة وطال زمانها من غير تفريط فلا فدية عليه؛ لأنه معذور، وإن أخر الإزالة مع إمكانها لزمته الفدية، سواء طال الزمان أم لا؛ لأنه متطيب في ذلك الزمان بلا عذر، ولو علم تحريم الطيب وجهل كون الممسوس طيباً فلا فدية عليه. وإذا حلق الشعر أو قلم الظفر ناسياً لإحرامه أو جاهلاً تحريمه فلا فدية عليه على الأرجح؛ لحديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجة. والمغمى عليه والمجنون والصبي الذي لا يميز إذا أزالوا في إحرامهم شعراً أو ظفراً فلا فدية، وله أن يحك بدنه إذا حكه، ويحتجم في رأسه وغير رأسه، وإن احتاج أن يحلق شعراً لذلك جاز؛ فإنه قد ثبت في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في وسط رأسه وهو محرم). كذلك إذا اغتسل وسقط شيء من شعره بذلك لم يضر وإن تيقن أنه قطع بالغسل. روى مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه قالت: سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسأل عن المحرم: أيحك جسده؟ فقالت: (نعم، فليحكك وليشدد، ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجلي لحككته). ويحرم الاكتحال بكحل فيه طيب، وأما الاكتحال بما لا طيب فيه فلا يحرم. وللمحرم أن يغتسل في الحمام وغيره، وله إزالة الوسخ عن نفسه، وله غسل رأسه بالصابون. وللمحرم أن يحتجم ويتداوى ولا فدية عليه في شيء من ذلك. وله أن يستظل سائراً ونازلاً؛ لما روى مسلم عن جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقبة من شعر أن تضرب له بنمرة). وعن أم الحصين الصحابية رضي الله عنها قالت: (حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة) رواه مسلم.

اجتناب المحرم لسيئ الكلام

اجتناب المحرم لسيئ الكلام وينبغي أن ينزه إحرامه من الشتم والكلام القبيح والخصومة والمراء والجدال، ومخاطبة النساء فيما يتعلق بالجماع والقبلة ونحوها من أنواع الاستمتاع، ويستحب أن يكون كلامه وكلام الحلال بذكر الله تعالى وما في معناه من الكلام المندوب، كتعليم وتعلم وغير ذلك؛ لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: الفسوق: المنابزة بالألقاب، تقول لأخيك: يا ظالم يا فاسق، والجدال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه. وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كهيئته يوم ولدته أمه). وروى البخاري ومسلم عن أبي شريح الخزاعي وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت). ولا بأس للمحرم بالكلام المباح من شعر وغيره؛ لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الشعر لحكمة). وعن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشعر كلام حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيحه). ولا بأس بنظر المحرم في المرآة ولا كراهة في ذلك.

ذكر ما تخالف المرأة فيه الرجل في الإحرام

ذكر ما تخالف المرأة فيه الرجل في الإحرام والمرأة تخالف الرجل في أشياء: أحدها: أنها مأمورة بلبس المخيط، كالقميص والجلباب والسراويل والخفين وما هو أستر لها؛ لأن عليها ستر جميع بدنها غير وجهها وكفيها إلا في حضرة الرجال الأجانب فتستر، والرجل منهي عن المخيط وتلزمه إذا لبسه الفدية. الثاني: أنها مأمورة بخفض صوتها بالتلبية، والرجل مأمور برفعه. الثالث: أن إحرامها في وجهها، فلا تغطيه إلا أمام الرجال الأجانب فتسدله، فإن سترته لغير ذلك لزمتها الفدية. الرابع: يستحب لها أن تختضب لإحرامها بحناء، والرجل منهي عن ذلك. وتخالف المرأة الرجل في أشياء من هيئات الطواف والسعي: منها: الرمل والاضطباع، فيشرعان للرجل دونها، أما هي فتمشي على هينتها، وتستر جميع بدنها، غير أنها لا تنتقب ولا تلبس القفازين. ومنها: أنها يستحب لها أن تطوف ليلاً؛ لأنه أستر لها، والرجل يطوف ليلاً ونهاراً. ويستحب لها ألا تدنو من الكعبة في الطواف إن كان هناك رجال، وإنما تطوف في حاشية الناس، والرجل بخلافها. وتمشي المرأة جميع المسافة بين الصفا والمروة ولا تسعى في شيء منها، بخلاف الرجل. والحلق في حق الرجل أفضل من التقصير، وأما المرأة فالواجب عليها التقصير.

الفدية اللازمة لمن حلق شعره أو قلم أظفاره

الفدية اللازمة لمن حلق شعره أو قلم أظفاره إذا حلق المحرم رأسه أو قلم أظفاره لزمته الفدية، وهي: ذبح شاة، أو إطعام ثلاثة آصع لستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صوم ثلاثة أيام، وهو مخير بين الثلاثة؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196]. وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن معقل قال: (جلست إلى كعب بن عجرة رضي الله عنه فسألته عن الفدية، فقال: نزلت في خاصة وهي لكم عامة، حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى، أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى، تجد شاة؟ فقلت: لا، فقال: فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع). وإذا تصدق بالطعام وجب أن يعطي كل مسكين نصف صاع، فإذا حلق شعرة واحدة أو شعرتين فيجب في شعرة مد، أي: ربع صاع، وفي شعرتين مدان، وفي ثلاث دم، وفي الظفر كالشعرة، فإذا حلق شعر رأسه وبدنه فتجب فدية واحدة.

صفة العمرة والأحكام المتعلقة بها

شرح آداب العمرة وأحكامها - صفة العمرة والأحكام المتعلقة بها لكل عبادة من العبادات التي افترضها الله سبحانه وتعالى علينا أركان وواجبات ومستحبات ومكروهات ومبطلات، ومن أعظم العبادات وأكثرها عوداً على المسلم بالأجر: الحج والعمرة، فيجب على المسلم أن يعرف أحكامهما وأركانهما وشروطهما، حتى يعبد الله على بصيرة، ولا يقع في المحذورات عند قيامه بهذه العبادات.

دخول مكة والمسجد الحرام وما يستحب في ذلك

دخول مكة والمسجد الحرام وما يستحب في ذلك الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين. عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل مكة من الثنية العليا، ويخرج من الثنية السفلى) متفق عليه. وقال نافع: كان ابن عمر إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية، ثم يبيت بذي طوى، ثم يصلي به الصبح ويغتسل، ويحدث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك). ويستحب الغسل لدخول المحرم مكة، فإن عجز عن الغسل تيمم. ويستحب إذا وصل الحرم أن يستحضر في قلبه ما أمكنه من الخشوع والخضوع بظاهره وباطنه، ويتذكر جلالة الحرم ومزيته على غيره. وله دخول مكة ليلاً ونهاراً، ولا كراهة في واحد منهما، ودخولها نهاراً أفضل؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (بات النبي صلى الله عليه وسلم بذي طوى حتى أصبح، ثم دخل مكة) وكان ابن عمر يفعله. وينبغي أن يتحفظ في دخوله من إيذاء الناس في الزحمة، ويتلطف بمن يزاحمه، ويلحظ بقلبه جلالة البقعة التي هو فيها، والكعبة التي هو متوجه إليها، ويمهد عذر من زاحمه. فإذا رأى البيت استحب أن يرفع يديه ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام؛ لما روي: أن عمر كان إذا نظر إلى البيت قال ذلك. رواه البيهقي بسند حسن. ويدعو بما أحب من مهمات الدين والدنيا والآخرة، وأهمها سؤال المغفرة، وإن شاء قال: (اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتكريماً وتعظيماً، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبراً)، ولم يثبت ذلك مرفوعاًَ عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويستحب للمحرم أن يدخل المسجد الحرام من باب بني شيبة، ولا فرق بين أن يكون في صوب طريقه أم لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عدل إلى باب بني شيبة ولم يكن على طريقه. ويقول الأذكار المشروعة، فمنها أنه عند توجهه إلى المسجد يقول: (اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي لساني نوراً، واجعل في سمعي نوراً، واجعل في بصري نوراً، واجعل من خلفي نوراً ومن أمامي نوراً، واجعل من فوقي نوراً ومن تحتي نوراً، اللهم أعطني نوراً). فإذا أراد الدخول فيستحب أن يقدم في دخوله المسجد رجله اليمنى ويقول: (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك). وعند خروجه يستحب أن يقدم في خروجه رجله اليسرى ويقول: (باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك، اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم). فإذا دخل المسجد فلا يشتغل بصلاة تحية المسجد ولا غيرها، بل يبدأ بالطواف؛ لحديث عائشة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت) متفق عليه. وينبغي له أن يستحضر عند رؤية الكعبة ما أمكنه من الخشوع والتذلل والخضوع والمهابة والإجلال، فهذه عادة الصالحين وعباد الله العارفين؛ لأن رؤية البيت تشوق إلى رب البيت.

صفة العمرة

صفة العمرة ثم يقصد الحجر الأسود، ويبدأ بطواف العمرة، والابتداء بالطواف مستحب لكل داخل، سواء كان محرماًً أو غير محرم، إلا إذا خاف فوت الصلاة المكتوبة أو سنة راتبة أو مؤكدة أو فوت الجماعة في المكتوبة أو كان عليه فائتة مكتوبة، فإنه يقدم كل هذا على الطواف ثم يطوف، ولو دخل وقد منع الناس من الطواف صلى تحية المسجد. واعلم أن العمرة ليس فيها طواف قدوم، وإنما فيها طواف واحد يقال له: طواف الفرض أو طواف الركن، والمحرم بالعمرة لا يتصور في حقه طواف القدوم، بل إذا طاف للعمرة أجزأه عنهما، ويتضمن القدوم، كما تجزئ الصلاة المفروضة عن الفرض وتحية المسجد.

شروط العمرة وواجباتها وسننها

شروط العمرة وواجباتها وسننها

الطهارة وستر العورة والنية من شروط الطواف

الطهارة وستر العورة والنية من شروط الطواف يشترط لصحة الطواف الطهارة من الحدث والنجس في الثوب والبدن والمكان الذي يطؤه في طوافه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله تعالى أباح فيه الكلام)، فإن كان محدثاً أو مباشراً لنجاسة غير معفو عنها لم يصح طوافه. ومما تعم به البلوى في الطواف ملامسة النساء بسبب الزحمة، فينبغي للرجل ألا يزاحمهن، وينبغي لهن ألا يزاحمن، بل يطفن من وراء الرجال. وستر العورة شرط لصحة الطواف؛ لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذن في الناس يوم النحر: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)، فمتى انكشف جزء من عورة أحدهما بتفريطه بطل ما يأتي بعد ذلك من الطواف، وإن كشف بلا تفريط وستر في الحال لم يبطل طوافه، كما لا تبطل صلاته. أما نية الطواف: فإن كان الطواف في غير حج ولا عمرة لم يصح بغير نية بلا خلاف، كسائر العبادات من الصلاة والصوم ونحو ذلك، وإن كان في حج أو عمرة فينبغي أن ينوي الطواف، فإن طاف بلا نية صح؛ لأن نية الحج ونية العمرة تأتي على ذلك، كما تأتي على الوقوف بعرفة.

استحباب الاضطباع في الطواف

استحباب الاضطباع في الطواف الاضطباع: مشتق من الضبع وهو العضد، واضطباع المحرم: هو التوشح والتأبط، فيدخل الرداء من تحت إبطه الأيمن ويرد طرفه على يساره، ويبدي منكبه الأيمن ويغطي الأيسر، وسمي بذلك لإبداء أحد الضبعين، والاضطباع مستحب في الطواف، ولا يسن في غير طواف القدوم في الحج وطواف العمرة. وفيه أحاديث، منها: ما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت، فجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى). وروى أبو داود أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقد وهنتهم حمى يثرب، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى ولقوا منها شراً، وأطلع الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوه، فأمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين ركنين، فلما رأوهم رملوا قالوا: هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد منا). قال ابن عباس: (ولم يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا إبقاءً عليهم). وعنه أيضاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اضطبع فاستلم وكبر، ثم رمل ثلاثة أطواف، وكانوا إذا بلغوا الركن اليماني وتغيبوا من قريش مشوا، ثم يطلعون عليهم يرملون، تقول قريش: كأنهم الغزلان، قال ابن عباس: فكانت سنة). وعن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعاً ببرد أخضر). ويسن الاضطباع للرجل والصبي في طواف العمرة، وفي طواف القدوم بالحج، سواء سعى بعده أم لا، ويسن معه الرمل، لكن يفترق الرمل والاضطباع في شيء واحد، وهو: أن الاضطباع مسنون في جميع الطوفات السبع، وأما الرمل فإنما يسن في الثلاث الأول ويمشي في الأربع الأواخر. ولا يسن الاضطباع في السعي ولا في ركعتي الطواف؛ لأن صورة الاضطباع مكروهة في الصلاة؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه شيء) متفق عليه. ورواه النسائي بلفظ: (لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء). ولو ترك الاضطباع في بعض الطواف أتى به فيما بقي.

شرط الطواف حول الكعبة في العمرة والحج

شرط الطواف حول الكعبة في العمرة والحج وشرط الطواف: أن يكون سبع طوفات كل مرة من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود؛ لما روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف). وروى مسلم عن جابر قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم نفر إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]). ولو بقي من السبع شيء لزمه أن يأتي به، ولو شك في عدد الطواف أو السعي لزمه الأخذ بالأقل.

صفة الطواف الكامل

صفة الطواف الكامل وإذا دخل المسجد فليقصد الحجر الأسود وهو الركن الذي يلي باب البيت، ويسمى الركن الأسود، ويقال له وللركن اليماني: الركنان اليمانيان. ويستحب أن يستقبل الحجر الأسود بوجهه ويدنو منه، بشرط ألا يؤذي أحداً بالمزاحمة، فيستلمه، ثم يقبله من غير صوت، ويسجد عليه، ثم يبتدئ الطواف، ويقطع التلبية في الطواف، ويضطبع مع دخوله في الطواف، فإن اضطبع قبله بقليل فلا بأس. والاضطباع: أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن عند إبطه، ويطرح طرفيه على منكبه الأيسر، ويكون منكبه الأيمن مكشوفاً، فيستقبل الحجر الأسود وينوي الطواف لله تعالى، ثم يمشي إلى جهة يمينه حتى يجاوز الحجر، فإذا جاوزه جعل يساره إلى البيت ويمينه إلى خارج، ولو فعل هذا من الأول وترك استقبال الحجر جاز، لكنه فاتته الفضيلة، ثم يمشي هكذا تلقاء وجهه طائفاً حول البيت كله، فيمر على الملتزم، وهو ما بين الركن الذي فيه الحجر الأسود والباب، ثم يمر إلى الركن الثاني بعد الأسود، ثم يمر وراء الحجر وهو في صوب الشام والمغرب فيمشي حوله حتى ينتهي إلى الركن الثالث، ويقال لهذا الركن مع الذي قبله: الركنان الشاميان، ثم يدور حول الكعبة حتى ينتهي إلى الركن الرابع المسمى بالركن اليماني فيمسحه بيده، ثم يمر منه إلى الحجر الأسود ويصل إلى الموضع الذي بدأ منه، فيكمل له حينئذٍ طوفة واحدة، ثم يطوف كذلك ثانية وثالثة حتى يكمل سبع طوفات، فكل مرة من الحجر الأسود إليه طوفة، والسبع طواف كامل. فجب ابتداء الطواف من الحجر الأسود؛ لما روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف يخب -أي: يسرع- ثلاثة أطواف من السبع)، فإن ابتدأ من غير الحجر الأسود لم يعتد بما فعل حتى يصل الحجر الأسود، فإذا وصل كان ذلك أول طوافه. ويستحب أن يستقبل الحجر الأسود في أول طوافه بوجهه ويدنو منه، بشرط: ألا يؤذي أحداً، ثم يمشي مستقبل الحجر الأسود ماراً إلى جهة يمينه حتى يجاوز الحجر، كما مضى. وينبغي له في طوافه أن يجعل البيت على يساره.

ركعتا الطواف

ركعتا الطواف وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الطواف (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، ثم يرجع إلى الركن فيستلمه، ثم يخرج من الباب إلى الصفا، وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعة، ثم صلى خلف المقام ركعتين وطاف بين الصفا والمروة)، ويستحب للمعتمر أن يصليهما خلف المقام، فإن لم يفعل ففي الحجر تحت الميزاب، وإلا ففي المسجد وإلا ففي الحرم، وإذا أراد أن يطوف في الحال طوافين أو أكثر فيستحب له أن يصلي عقب كل طواف ركعتين، فإن طاف طوافين أو أكثر بلا صلاة ثم صلى لكل طواف ركعتين جاز بلا كراهة، لكن ترك الأفضل. وإذا كان الصغير محرماً؛ فإن كان مميزاً طاف بنفسه وصلى ركعتين، وإن كان غير مميز طاف به وليه وصلى الولي ركعتي الطواف، ويستحب أن يدعو عقب صلاته هذه خلف المقام بما أحب من أمور الدنيا والآخرة، وإذا فرغ من الصلاة استحب أن يعود إلى الحجر الأسود فيستلمه، ثم يخرج من باب الصفا للسعي.

حكم الطواف وصلاة ركعتي الطواف في أوقات النهي

حكم الطواف وصلاة ركعتي الطواف في أوقات النهي وأجمع العلماء على أن الطواف في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها جائز، أما صلاة الطواف فتصلى في كل الأوقات والأولى أن يجتنب أوقات النهي الثلاثة: وقت طلوع الشمس إلى أن ترتفع، وعند اصفرار الشمس قبيل الغروب؛ لأن الشمس تطلع وتغرب بين قرني شيطان فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة حينئذ، وقبل صلاة الظهر بقدر صلاة ركعة أو نحوها؛ وهو وقت تسجر فيه جهنم، وله أن يصلي في سائر الأوقات؛ فقد روى مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب). وجاء عن ابن عمر، وابن عباس، والحسن والحسين ابني علي، وابن الزبير، وطاوس، وعطاء، والقاسم بن محمد، وعروة، ومجاهد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور رضي الله عن الجميع، جاء عنهم جوازها -أي: ركعتي الطواف- في جميع الأوقات بلا كراهية، وحجتهم في ذلك: ما رواه الترمذي عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار). قال الترمذي: وقد اختلف أهل العلم في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح بمكة، فقال بعضهم: لا بأس بالصلاة والطواف بعد العصر وبعد الصبح، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقال بعضهم: إذا طاف بعد العصر فلا يصلي حتى تغرب الشمس، وإن طاف بعد صلاة الصبح فلا يصلي حتى تطلع الشمس، واحتجوا بحديث عمر: أنه طاف بعد صلاة الصبح فلم يصل، وخرج من مكة حتى نزل بذي طوى فصلى بعدما طلعت الشمس، وهو قول سفيان الثوري، ومالك بن أنس.

السعي بين الصفا والمروة

السعي بين الصفا والمروة السعي ركن من أركان العمرة، ومن أركان الحج، لا يتم واحد منهما إلا به؛ لما روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيها الناس! اسعوا فإن السعي قد كتب عليكم). فبعد أن يفرغ المعتمر من ركعتي الطواف فالسنة أن يرجع إلى الحجر الأسود فيستلمه، ثم يخرج من باب الصفا إلى المسعى، حتى إذا دنا من الصفا قرأ قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158]، فيبدأ بالصفا فيرقى عليه، حتى إذا رأى البيت كبر الله وهلله وحمده، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو بما أحب من أمر الدين والدنيا والآخرة، لنفسه ولمن شاء، واستحبوا أن يقول ما قاله ابن عمر على الصفا: اللهم إنك قلت: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]، وإنك لا تخلف الميعاد، وإني أسألك كما هديتني إلى الإسلام ألا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم، وكان يقول: اللهم اعصمنا بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك صلى الله عليه وسلم، وجنبنا حدودك، اللهم اجعلنا نحبك، ونحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك ونحب عبادك الصالحين، اللهم حببنا إليك وإلى ملائكتك وإلى أنبيائك ورسلك وإلى عبادك الصالحين، اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى، واجعلنا من أئمة المتقين. ولا يلبي على الصفا، ثم يعيد هذا الذكر ثانياً: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو، ثم يعيد الذكر ثالثاً، ثم يدعو. فإذا فرغ من الذكر والدعاء نزل من الصفا متوجهاً إلى المروة فيمشي على سجية مشيه المعتاد حتى يبقى بينه وبين الميل الأخضر -المعلق بركن المسجد على يساره- قدر ستة أذرع، ثم يسعى سعياً سريعاً حتى يتوسط بين الميلين الأخضرين والذي أحدهما في ركن المسجد والآخر متصل بدار العباس رضي الله عنه، ثم يترك السعي بسرعة ويمشي على عادته حتى يأتي المروة فيصعد عليها حتى يظهر له البيت إن ظهر، فيأتي بالذكر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو ويفعل كما فعل على الصفا، وهكذا يعود إلى الصفا ويرجع إلى المروة حتى يكمل سبع مرات؛ يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، ويستحب أن يدعو بين الصفا والمروة في مشيه وسعيه، ويستحب قراءة القرآن فيه، وهذه هي صفة السعي.

واجبات السعي

واجبات السعي أما واجبات السعي فأربعة: أحدها: أن يقطع جميع المسافة بين الصفا والمروة، فلو بقي منها بعض خطوة لم يصح سعيه، هذا كله إذا لم يصعد على الصفا والمروة، فإن صعد فهو الأكمل، وقد زاد خيراً، وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. والواجب الثاني: الترتيب، وهو أن يبدأ من الصفا، فإن بدأ بالمروة لم يحسب مروره منها إلى الصفا. الواجب الثالث: إكمال سبع مرات؛ يحسب الذهاب من الصفا إلى المروة مرة، والرجوع من المروة إلى الصفا مرة ثانية وهكذا، ولو سعى أو طاف وشك في العدد قبل الفراغ لزمه الأخذ بالأقل. والواجب الرابع: كون السعي بعد طواف صحيح لمن يذكره، وأما من لم يشعر فبدأ بالسعي فلا حرج عليه، ولو سعى ثم تيقن أنه ترك شيئاً من الطواف لزمه أن يأتي ببقية الطواف. والموالاة بين مراتب السعي سنة، فلو تخلل فصل يسير أو طويل بينهن لم يضر، وكذلك الموالاة بين الطواف والسعي سنة، فلو فرق بينهما تفريقاً قليلاً أو كثيراً صح سعيه.

سنن السعي

سنن السعي وسنن السعي: الأولى: يستحب أن يكون السعي عقب الطواف وأن يواليه. الثانية: يستحب أن يسعى على طهارة من الحدث والنجس ساتراً عورته. الثالثة: الأفضل أن يتحرى زمان الخلوة بسعيه وطوافه، وإذا كثرت الزحمة فينبغي أن يتجنب إيذاء الناس وأن يترك أي هيئة من الهيئات التي قد تؤدي إلى إيذاء مسلم، أو تعريض نفسه للأذى، وإذا عجز عن السعي في موضعه للزحمة؛ تشبه في حركته بالساعي. الرابعة: أن يكون سعيه بنفسه إن لم يكن صغيراً ولا معذوراً بمرض ونحوه، ولو سُعي به غير محمول جاز. الخامسة: أن يكون الخروج إلى السعي من باب الصفا. السادسة: أن يرقى على الصفا وعلى المروة ولو قليلاً. السابعة: الذكر والدعاء على الصفا والمروة -كما سبق بيانه- ويستحب أن يقول في مروره بينهما: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم، فقد ثبت ذلك موقوفاً على ابن مسعود وابن عمر من قولهما رضي الله عنهما، ويقول: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)، ويستحب أن يقرأ القرآن. الثامنة: يستحب أن يكون سعيه في موضع السعي الذي سبق بيانه سعياً شديداً فوق الرمل، والسعي مستحب في كل مرة من السبع، بخلاف الرمل في الطواف فإنه مختص بالثلاث الأول، وكما أن السعي الشديد في موضعه سنة فكذلك المشي على عادته في باقي المسافة سنة، فلو سعى في جميع المسافة أو مشى في جميعها صح، وفاتته الفضيلة. وأما المرأة فتمشي جميع المسافة -سواء كان ذلك نهاراً أو ليلاً- في الخلوة؛ لأنها عورة وأمرها مبني على الستر، ولهذا لا ترمل في الطواف ولا يسن لها الإسراع في السعي.

الحلق والتقصير

الحلق والتقصير إذا فرغ المعتمر من السعي فليحلق رأسه أو ليقصر، والحلق والتقصير ثابتان بالكتاب والسنة والإجماع، وكل منهما يجزئ بالإجماع، والحلق في حق الرجل أفضل لظاهر القرآن في قوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح:27]، وفي الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله! قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله! قال: والمقصرين)، وفي رواية: قال في الرابعة: (والمقصرين). والسنة أن يحلق جميع الرأس، فإن لم يكن على رأسه شعر بأن كان محلوقاً أو كان أصلع فلا يلزمه فدية؛ لأنه قربة تتعلق بمحل فسقطت بفواته، ويستحب إمرار الموس على رأسه ولا يجب، نقل ابن المنذر إجماع العلماء على أن الأصلع يمرر الموس على رأسه، ولو نبت شعره بعد ذلك لم يلزمه حلق ولا تقصير بلا خلاف؛ لأنه ما وجد وقتاً. أما المرأة فتقصر ولا تحلق؛ لما روى أبو داود عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير)، وأجمع العلماء على ذلك، والحلق بدعة في حقهن، بل وفيه مثلة كذلك، وأما قدر ما تقصره فقال ابن عمر والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور: تقصر من كل قرن مثل الأنملة، أي: رأس الإصبع، وقال مالك: تأخذ من جميع قرونها أقل جزء، ولا يجوز من بعض القرون. ويستحب في الحلق أن يبدأ بالشق الأيمن من رأس المحلوق له وإن كان على يسار الحالق.

حكم طواف الوداع للعمرة

حكم طواف الوداع للعمرة ولا يجب للعمرة طواف وداع، وإنما طواف الوداع من واجبات الحج، وأما العمرة فلا يجب فيها طواف وداع عند جماهير العلماء، وإنما فيها طواف واحد يقال له: طواف الفرض أو طواف الركن.

§1/1