آداب الزفاف في السنة المطهرة

ناصر الدين الألباني

مقدمة

مقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله القائل في محكم كتابه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] . والصلاة والسلام على نبيه محمد الذي ورد عنه فيما ثبت من حديثه: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة" 1. وبعد فإن لمن تزوج وأراد الدخول بأهله آدابا في الإسلام قد ذهل عنها أو جهلها أكثر الناس حتى المتعبدين منهم فأحببت أن أضع في بيانها هذه الرسالة المفيدة بمناسبة زفاف أحد الأحبة إعانة له ولغيره من الإخوة المؤمنين على القيام بما شرعه سيد المرسلين

_ 1 رواه أحمد والطبراني بسند حسن وصححه ابن حبان عن أنس وله شواهد سيأتي ذكرها في المسألة 19.

عن رب العالمين وعقبتها بالتنبيه على بعض الأمور التي تهم كل متزوج وقد ابتلي بها كثير من الزوجات. أسأل الله تعالى أن ينفع بها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم إنه هو البر الرحيم. وليعلم أن آداب الزفاف كثيرة وإنما يعنيني منها في هذه العجالة ما ثبت منها في السنة المحمدية مما لا مجال لإنكارها من حيث إسنادها أو محاولة التشكيك فيها من جهة مبناها حتى يكون القائم بها على بصيرة من دينه وثقة من أمره وإني لأرجو أن يختم الله له بالسعادة جزاء افتتاحه حياته الزوجة بمتابعة السنة وأن يجعله من عباده الذين وصفهم بأن من قولهم: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} . [الفرقان: 74] . والعاقبة للمتقين كما قال رب العالمين: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ،وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [المرسلات: 41 - 44] . وهاك تلك الآداب:

ملاطفة الزوجة عند البناء بها

1- ملاطفة الزوجة عند البناء بها: يستحب له إذا دخل على زوجته أن يلاطفها كأن يقدم إليها شيئا من الشراب ونحوه لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: إني قينت1 عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئته فدعوته لجلوتها2 فجاء فجلس إلى جنبها فأتي بعس3 لبن فشرب ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم فخفضت رأسها واستحيت قالت أسماء: فانتهرتها وقلت لها: خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم قالت: فأخذت فشربت شيئا ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أعطي تربك" 4 قالت أسماء: فقلت: يا رسول الله! بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه من يدك فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه قالت: فجلست ثم وضعته على ركبتي ثم طفقت أديره وأتبعه بشفتي

_ 1 أي: زينت. 2 أي: للنظر إليها مجلوة مكشوفة. 3 هو القدح الكبير. 4 أي: صديقتك.

لأصيب منه شرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لنسوة عندي: "ناوليهن" فقلن: لا نشتهيه! فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تجمعن جوعا وكذبا" 1.

_ 1 أخرجه أحمد 6/438 و 452 و 453 و 458 مطولا ومختصرا بإسنادين يقوي أحدهما الآخر. وأشار المنذري 4/29 إلى تقويته والحميدي أيضا في مسنده 61/2. وله شاهد في الطبراني في " الصغير " و " الكبير " و " تاريخ أصبهان " لأبي الشيخ 282- 283 وكتاب " الصمت " لابن الدنيا 26/2.

وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها

2- وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها: وينبغي أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك وأن يسمي الله تبارك وتعالى ويدعو بالبركة ويقول ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما [فليأخذ بناصيتها] 2 [وليسم الله عز وجل] [وليدع بالبركة] وليقل:

_ 2 الناصية: منبت الشعر في مقدم الرأس كما في "اللسان".

اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه" 1. [وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروه سنامه وليقل مثل ذلك] " 2.

_ 1 أي: خلقتها وطبعتها عليه. "نهاية". قلت: وفي الحديث دليل على أن الله خالق الخير والشر خلافا لمن يقول - من المعتزلة وغيرهم - بأن الشر ليس من خلقه تبارك وتعالى وليس في كون الله خالقا للشر ما ينافي كماله تعالى بل هو من كماله تبارك وتعالى. وتفصيل ذلك في المطولات ومن أحسنها كتاب "شفاء العليل في القضاء والقدر والتعليل "لابن القيم فليراجعه من شاء. وهل يشرع هذا الدعاء في شراء مثل السيارة؟ وجوابي: نعم لما يرجى من خيرها ويخشى من شرها 2 أخرجه البخاري في "أفعال العباد" ص 77وأبو داود 1/336 وابن ماجه 1/592 والحاكم 2/185 والبيهقي 7/148 وأبو يعلى في "مسنده" ق 308/2 بإسناد حسن وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء" 1/298: " إسناده جيد". وأشار لصحته عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الكبرى" 42/2 بسكوته عليه كما نص في المقدمة وكذا ابن دقيق العيد في "الإلمام"127/2.

صلاة الزوجين معا

3- صلاة الزوجين معا: ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معا لأنه منقول عن السلف. وفيه أثران: الأول: عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: "تزوجت وأنا مملوك فدعوت نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة قال: وأقيمت الصلاة قال: فذهب أبو ذر ليتقدم فقالوا: إليك! قال: أو كذلك؟ قالوا: نعم1 قال: فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك وعلموني فقالوا: "إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين ثم سل الله من خير ما دخل عليك وتعوذ به من شره ثم شأنك وشأن أهلك"2.

_ 1 قلت: يشيرون بذلك إلى أن الزائر لا يؤم المزور في بيته إلا أن يأذن له لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه". أخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما" وهو في "صحيح أبي داود "رقم 594. 2 أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف" ج 7 ورقة 50 =.

الثاني: عن شقيق قال: "جاء رجل يقال له: أبو حريز1 فقال: إني تزوجت جارية شابة [بكرا] وإني أخاف أن تفركني2 فقال عبد الله يعني ابن مسعود:

_ = وجه 1 وج 12 ورقة 43 وجه 2 وعبد الرزاق أيضا 6/191 - 192 وسنده صحيح إلى أبي سعيد وهو مستور لم أجد من ذكره سوى أن الحافظ أورده في "الإصابة" فيمن روى عن مولاه أبي أسيد مالك بن ربيعة الأنصاري ثم رأيته في ثقات ابن حبان قال 5/588 هندية: " يروي عن جماعة من الصحابة روى عنه أبو نضرة". ثم ساق هذه القصة دون قوله: فقالوا: ... إلخ وهو رواية لابن أبي شيبة 2/23/1. 1 بحاء مفتوحة والأصل " حرير " بدون إعجام وقد أورده الذهبي في "المشتبه" بالحاء وقال: " له صحبة". ثم تناقض فذكره في " التجريد " بالجيم والراء المكسورة كما حكاه عنه ابن ناصر الدين في " التوضيح " وقد حكى الوجهين عن غير واحد من المتقدمين. والله أعلم. 2 أي: تبغضني وفي " النهاية ": " فركت المرأة زوجها تفركه فركا بالكسر وفركا وفروكا فهي فروك".

إن الإلف من الله والفرك من الشيطان يريد أن يكره إليكم ما أحل الله لكم فإذا أتتك فأمرها أن تصلي وراءك ركعتين". زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود: "وقل: اللهم بارك لي في أهلي وبارك لهم في اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير" 1.

_ 1 أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصدر السابق وكذا عبد الرزاق في "مصنفه" 6/191/10460- 10461 وسنده صحيح وأخرجه الطبراني 3/21/2 بسندين صحيحين والزيادة مع الرواية الأخرى له ورواه في "الأوسط" كما في الجمع بينه وبين "الصغير" 166/2 من طريق الحسين بن واقد عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخلت المرأة على زوجها يقوم الرجل فتقوم من خلفه فيصليان ركعتين ويقول: اللهم بارك لي في أهلي وبارك لأهلي في اللهم ارزقهم مني وارزقني منهم اللهم اجمع بيننا ما جمعت في خير وفرق بيننا إذا فرقت في خير". وقال: "لم يروه عن عطاء إلا الحسين". قلت: يعني مرفوعا وعطاء بن السائب كان اختلط وقد رواه =

_ = عنه حماد بن زيد به نحوه موقوفا عليه وهو الصواب لأن حماد بن زيد روى عن عطاء قبل أن يختلط ولذلك أوردناه في المتن وهي الرواية الأخرى عن ابن مسعود. ثم رأيته من طريق آخر عن ابن مسعود عند الثقفي فانظر: "إذا تزوج أحدكم. .." من "المعجم". وله شاهد مرفوع عن سلمان أخرجه ابن عدي 71/2 وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/56 والبزار في "مسنده" بسند ضعيف تكلمت عليه في "معجم الحديث" بلفظ: "إذا تزوج أحدكم. .." ورواه ابن عساكر 7/2091 - 2 عنه وعن ابن عباس. وروى عبد الزراق 6/192 عن ابن جريج قال: حدثت أن سلمان الفارسي تزوج امرأة فلما دخل عليها وقف على بابها فإذا هو بالبيت مستور فقال: ما أدري أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة إلى كندة؟! والله لا أدخله حتى تهتك أستاره. فلما هتكوها ... دخل ... ثم عمد إلى أهله فوضع يده على رأسها ... فقال: هل أنت مطيعتي رحمك الله؟ قالت: قد جلست مجلس من يطاع قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: "إن تزوجت يوما فليكن أول ما تلتقيان عليه من طاعة الله"

ما يقول حين يجامعها

4- ما يقول حين يجامعها: وينبغي أن يقول حين يأتي أهله: "بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا". قال صلى الله عليه وسلم: "فإن قضى الله بينما ولدا لم يضره الشيطان أبدا" 1.

_ فقومي فلتصل ركعتين فما سمعتني أدعو فأمني فصليا ركعتين وأمنت فبات عندها فلما أصبح جاءه أصحابه فانتحاه رجل من القوم فقال: كيف وجدت أهلك؟ فأعرض عنه ثم الثاني ثم الثالث فلما رأى ذلك صرف وجهه إلى القوم وقال: رحمكم الله فيما المسألة عما غيبت الجدران والحجب والأستار؟ بحسب امرئ أن يسأل عما ظهر إن أخبر أو لم يخبر وفي إسناده انقطاع كما هو ظاهر 1 أخرجه البخاري في صحيحه 9/187 وبقية أصحاب السنن إلا النسائي ففي "العشرة 79/1 وعبد الرزاق 6/193 والطبراني 3/151/2 عن ابن عباس. وهو مخرج في الإرواء 2012 بأتم مما هنا.

كيف يأتيها

5- كيف يأتيها: ويجوز له أن يأتيها في قبلها من أي جهة شاء من خلفها أو من أمامها لقول الله تبارك وتعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي: كيف شئتم مقبلة ومدبرة وفي ذلك أحاديث أكتفي باثنين منها: الأول: عن جابر رضي الله عنه قال: "كانت اليهود تقولك إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول! فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج] " 1.

_ 1 رواه البخاري 8/154 ومسلم 4/156 ومسلم والنسائي عشرة النساء 76/1 - 2 وابن أبي حاتم ق 39/1 - محمودية والزيادة له والبغوي في "حديث علي بن الجعد 8/79/1 والجرجاني 293/440 وكذا البيهقي 7/195 وابن عساكر 8/93/2 والواحدي ص 53 وقال: "قال الشيخ أبو حامد ابن الشرقي: هذا حديث جليل يساوي مائة حديث".

الثاني: عن ابن عباس قال: "كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف1 وذلك أستر ما تكون المرأة فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني حتى شري2 أمرها فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني بذلك موضع

_ 1 أي: على جانب. "نهاية". 2 أي: عظم وتفاقم.

الولد"1.

_ 1 أخرجه أبو داود 1/377 والحاكم 2/195, 279 والبيهقي 7/195 والواحدي في "الأسباب" ص 52 والخطابي في "غريب الحديث" 73/2 وسنده حسن وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي! وله عند الطبراني طريق آخر مختصر. وله شاهد من حديث ابن عمر نحوه. أخرجه النسائي في "العشرة" 76/2 بسند صحيح ثم روى هو والقاسم السرقسطي في "الغريب" 2/93/2 وغيرهما عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر: إنا نشتري الجواري فنحمض لهن قال: وما التحميض؟ قلت: نأتيهن في أدبارهن قال: أف أو يفعل ذلك مسلم؟! قلت: وسنده صحيح وهو نص صريح من ابن عمر في إنكاره أشد الإنكار إتيان النساء في الدبر فما أورده السيوطي في "أسباب النزول" وغيره في غيره مما ينافي هذا النص خطأ عليه قطعا فلا يلتفت إليه.

تحريم الدبر

6- تحريم الدبر: ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم الآية السابقة: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}

والأحاديث المتقدمة وفيه أحاديث أخرى: الأول: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم وكان المهاجرون1 يجبون2 وكانت الأنصار3 لا تجبي4 فأراد رجل من المهاجرين امرأته على ذلك فأبت عليه حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فأتته فاستحيت أن تسأله فسألته أم سلمة فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} وقال: "لا إلا في صمام 5 واحد" 6.

_ 1 يعني نساء المهاجرين والأنصار. 2 من التجبية وهو الانكباب على الأرض وفي القاموس: " جبى تجبية وضع يديه على ركبتيه وانكب على وجهه". 3 أي: مسلك واحد وفي "النهاية": " الصمام: ما تسد به الفرجة فسمي الفرج به". 4 أخرجه أحمد 6/305, 310 - 318 والسياق له = = والترمذي 3/75 وصححه وأبو يعلى 329/1 وابن أبي حاتم في "تفسيره" 39/1 محمودية والبيهقي 7/195 وإسناده صحيح على شرط مسلم.

الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هلكت. قال: "وما الذي أهلكك؟ " قال: حولت رحلي الليلة1 فلم يرد عليه شيئا فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يقول: "أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة" 2.

_ 1 كنى برحله عن زوجته أراد بها غشيانها في قبلها من جهة ظهرها لأن المجماع يعلو المرأة ويركبها مما يلي وجهها فحيث ركبها من جهة ظهرها كنا عنه بتحويل رحله إما أن يريد به المنزل والمأوى وإما أن يريد به الرحل الذي تركب عليه الإبل وهو الكور. "نهاية" 2 رواه النسائي في "العشرة" 76/2 والترمذي 2/162- بولاق وابن أبي حاتم 39/1 والطبراني 3/156/2 والواحدي ص 53 بسند حسن. وحسنه الترمذي.

الثالث: عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه: "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن أو إتيان الرجل امرأته في دبرها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حلال". فلما ولى الرجل دعاه أو أمر به فدعي فقال: "كيف قلت؟ في أي الخربتين أوفي الخرزتين أو في أي الخصفتين1؟ أمن دبرها في قبلها؟ فنعم أم من دبرها في دبرها؟ فلا فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن" 2.

_ 1 يعني: في أي الثقبين والألفاظ الثلاثة بمعنى واحد كما في "النهاية". 2 رواه الشافعي 2/260 وقواه وعنه البيهقي 7/196 والدارمي 1/145 والطحاوي2/25 والخطابي في "غريب الحديث"73/2 وسنده صحيح كما قال ابن الملقن في "الخلاصة" وعله عن النسائي في "العشرة"2/76- 77/2 والطحاوي والبيهقي وابن عساكر 8/46/1 طرق أخر أحدها جيد كما قال المنذري 3/200 وصححه ابن حبان 1299- 1300 وابن حزم 10/70 ووافقهما الحافظ في "الفتح" 8/154.

الرابع: "لا ينظر الله إلى رجل يأتي امرأته في دبرها" 1. الخامس: "ملعون من يأتي النساء في محاشهن. يعني: أدبارهن" 2. السادس: "من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" 3.

_ 1 أخرجه النسائي في "العشرة" والترمذي وابن حبانمن حديث ابن عباس وسنده حسن وحسنه الترمذي وصححه ابن راهويه كما في "مسائل المروزي" وله طريق آخر عند ابن الجارود بسند جيد وقواه ابن دقيق العيد والنسائي وابن عساكر وأحمد من حديث أبي هريرة. 2 أخرجه ابن عدي 211/1 من حديث عقبة بن عامر بسند حسن وهو من رواية ابن وهب عن ابن لهيعة وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه أبو داود رقم 2162 وأحمد 2/444 و 479. 3 أخرجه أصحاب "السنن" الأربعة إلا النسائي فرواه في =

_ = "العشرة" 78 والدارمي وأحمد 2/408 و 476 واللفظ له والضياء في "المختارة" 10/105/2 من حديث أبي أبي هريرة وسنده صحيح كما بينته في "نقد التاج" رقم 64. وروى النسائي ق 77/2 وابن بطة في "الإبانة" 6/56/2 عن طاوس قال: سئل ابن عباس عن الذي يأتي امرأته في دبرها؟ فقال: هذا يسألني عن الكفر؟ وسنده صحيح وعن أبي هريرة نحوه بسند فيه ضعف وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" 9/171/1: " قد تيقنا بطرق لا محيد عنها نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أدبار النساء وجزمنا بتحريمه ولي في ذلك مصنف كبير". قلت: فلا تغتر بعد هذا بقول الشيخ جمال الدين القاسمي في "تفسيره" 3/572: "إنها ضعيفة"! لأنها دعوى من غير مختص بهذا العلم أولا وخلاف ما يقتضيه البحث العلمي وشهادة الأئمة بصحة بعضها وحسن بعضها وجم الإمام الذهبي بالتحريم الذي اجتمعت عليه مفردات أحاديث الباب. وفي مقدمة المصححين الإمام إسحاق بن راهويه ثم تتابعت أقوال الأئمة من بعده من المتقدمين والمتأخرين=

الوضوء بين الجماعين

7- الوضوء بين الجماعين: وإذا أتاها في المحل المشروع ثم أراد أن يعود إليها توضأ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ [بينهما وضوءا] وفي رواية: وضوءه للصلاة [فإنه أنشط في العود] " 1.

_ = كالترمذي وابن حبان وابن حزم والضياء والمنذري وابن الملقن وابن دقيق العيد وابن حجر وغيرهم ممن ذكروا في غير هذا الموضع فانظر مثلا "الإرواء" 7/65 - 70. 1 أخرجه مسلم 1/171 وابن أبي شيبة في "المصنف" 1/51/2 وأحمد 3/28 وأبو نعيم في "الطب" 2/12/1 والزيادة له وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري وقد خرجناه في "صحيح سنن أبي داود" برقم216.

الغسل أفضل

8- الغسل أفضل: لكن الغسل أفضل من الوضوء لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه قال: فقلت له: يا رسول الله! ألا تجعله

غسلا واحدا؟ قال: "هذا أزكى وأطيب وأطهر" 1.

_ 1 رواه أبو داود والنسائي في "عشرة النساء" 79/1 والطبراني 6/96/1 وأبو نعيم في "الطب" 2/12/1 بسند حسن وقواه الحافظ وقد تكلمت عليه في "صحيح السنن" رقم 215.

اغتسال الزوجين معا

9- اغتسال الزوجين معا: ويجوز لهما أن يغتسلا معا في مكان واحد ولو رأى منه ورأت منه وفيه أحاديث: الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد [تختلف أيدينا فيه] فيبادرني حتى أقول: دع لي دع لي قالت: وهما جنبان"2.

_ 2 رواه البخاري ومسلم وأبو عوانة في "صحاحهم" والسياق لمسلم والزيادة له وللبخاي في رواية وترجم له ب "باب غسل الرجل مع امرأته "قال الحافظ في "الفتح" 1/290: "استدل به الداودي على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته=

_ = وعكسه ويؤيده مارواه ابن حبان من طريق سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته؟ فقال: سألت عطاء فقال سألت عائشة فذكرت هذا الحديث بمعناه وهو نص في المسألة". قلت: وهذا يدل على بطلان ماروي عنها قالت: "ما رأيت عورة رسول الله صلى الله عليه وسلم قط". أخرجه الطبراني الصغير ص 27 ومن طريقه أبو نعيم 8/147 والخطيب 1/225 وفي سنده بركة بن محمد الحلبي ولا بركة فيه! فإنه كذاب وضاع وقد ذكر اه الحافظ ابن حجر في اللسان هذا الحديث من أباطيله. وله طريق أخرى عن ابن ماجه 1/226 و 593 وابن سعد 8/136 وفيه مولاة لعائشة وهي مجهولة ولذلك ضعف سند البوصيري في الزوائد. وله طريق ثالث عند أبي الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ص 251 وفيه أبو صالح وهو باذام ضعيف ومجمد بن القاسم الأسدي وهو كذاب. ونحوه حديث: "إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجردا تجرد العيرين". أخرجه ابن ماجه 1/592 عن عتبة بن عبد السلمي وفي سنده الأحوص بنحكيم وهو ضعف الراوي عنه الوليد بن القاسم الهمداني=

_ = ضعفه ابن معين وغيره وقال ابن حبان: "انفرد عن الثقات بما لا يشبه حديثهم فخرج عن حد الاحتجاج به". ولهذا جزم العراقي في تخريج الأحياء 2/46 بضعف سنده وأخرجه النسائي في عشرة النساء 1/79/1 والمخلص في الفوائد المنتقاة 10/13/1 وابن عدي 149/2 و 201/2 عن عبد الله بن سرجس وقال النسائي: "حديث منكر وصدقة بن عبد الله يعني أحد رواته ضعيف". ورواه ابن أبي شيبة 7/70/1 وعبد الرزاق 6/194/10467 عن أبي قلابة مرفوعا وهو مرسل وأخرجه الطبراني 3/178/1 وأحمد ابن مسعود في أحاديثه 39/1 – 2 والعقيلي في الضعفاء 433 والباطرقاني في حديثه 156/1 والبيهقي في سننه 7/193 عن ابن مسعود وضعفه البيهقي بقوله: "تفرد به مندل بن علي وليس بالقوي". ثم ذكره بنحوه من حديث أنس وقال: "إنه منكر". =

الثاني: عن معاوية بن حيدة قال: قلت: يا رسول الله! عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" 1. قال:

_ = ورواه عبد الرزاق أيضا 6/194/10469 و 10470. وأما حديث: "إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها فإن ذلك يورث العمى" فهو موضوع كما قال الإمام أبو حاتم الرازي وابن حبان وتبعهما ابن الجوزي وعبد الحق في أحكامه 143/1 وابن دقيق العيد كما في الخلاصة 118/2 وقد بينت علته في الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة برقم 195. 1 قال ابن عروة الحنبلي في الكواكب 575/29/1: "ومباح لكل واحد من الزوجين النظر إلى جميع بدن صاحبه ولمسه حتى الفرج لهذا الحديث ولأن الفرج يحل له الاستمتاع به فجاز النظر إليه ولمسه كبقية البدن". وهذا مذهب مالك وغيره فقد روى ابن سعد عن الواقدي أنه قال: رأيت مالك بن أنس وابن أبي ذئب لا يريان بأسا يراه منها وتراه=

قلت: يا رسول الله! إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: "إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها". قال: فقلت: يا رسول الله! إذا كان أحدنا خاليا؟ قال: "الله أحق أن يستحيى منه من الناس" 1.

_ = منه. ثم قال عروة: ويكره النظر إلى الفرج فإن عائشة قالت: ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم". قلت: وخفي عليه ضعف سنده الذي سبق بيانه. 1 رواه أصحاب "السنن" إلا النسائي ففي "العشرة" 76/1 والروياني في "المسند" 17/169/1 1- 2, 171/1, 2 وكذا أحمد 5/3- 4 والبيهقي 1/199 واللفظ لأبي داود 2/171 وسنده حسن وصححه الحاكم ووافقه الذبي وقواه ابن دقيق العيد في "الإلمام" 126/2. والحديث ترجم له النسائي ب "نظر المرأة إلى عورة زوجها" وعلقه البخاري في "صحيحه" في "باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ومن تستر فالستر افضل" ثم ساق حديث أبي هريرة في اغتسال كل من موسى وأيوب عليهما السلام في الخلاء عريانين=

توضؤ الجنب قبل النوم

10- توضؤ الجنب قبل النوم: ولا ينامان جنبين إلا إذا توضآ وفيه أحاديث: الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن [يأكل أو] ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة"1. الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن عمر قال: يا رسول الله! أينام أحدنا وهو

_ = فأشار في إلى أن قوله في الحديث: "الله أحق أن يستحيى منه" محمول على ما هو الأفضل والأكمل وليس على ظاهره المفيد للوجوب قال المناوي: "وقد حمله الشافعية على الندب وممن وافقهم ابن جريج فأول الخبر في "الآثار" على الندب قال: لأن الله تعالى لا يغيب عنه شيء من خلقه عراة أو غير عراة" وذكر الحافظ في "الفتح" نحوه فراجعه إن شئت 1/307. 1 أخرجه البخاري ومسلم وأبو عوانة في "صحاحهم "وخرجناه في كتابنا "صحيح سنن أبي داود 218.

جنب؟ قال: "نعم إذا توضأ" وفي رواية: "توضأ واغسل ذكرك ثم نم". وفي رواية: "نعم ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء". وفي أخرى: "نعم ويتوضأ إن شاء" 1. الثالث: عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر والمتضمخ 2

_ 1 أخرجه الثلاثة في "صحاحهم" وابن عساكر 13/223/2 والرواية الثانية لأبي داود بسند صحيح كما بينته في "صحيح أبي داود" برقم 217 والرواية الثالثة لمسلم وأبو عوانة والبيهقي 1/210 والأخيرة لابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" كما في "التلخيص" 2/156 وهي تدل على عدم وجوب هذا الوضوء وهو مذهب جمهور العلماء وسيأتي لهذا زيادة بيان في المسألة التالية. وإذا كان كذلك فبالأولى أن لا يجب هذا على الوضوء على غير الجنب. فتنبه! 2 أي: المنكر التلطخ ب "الخلوق" وهو بفتح المعجمة قال ابن الأثير=

بالخلوق والجنب إلا أن يتوضأ" 1.

_ = "وهو طيب معروف مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وإنما نهي عنه لأنه من طيب النساء " 1 حديث حسن أخرجه أبو داود في "سننه" 2/192- 193 من طريقين وأحمد والطحاوي والبيهقي من أحدهما وصححه الترمذي وغيره وفيه نظر بينته في كتابي "ضعيف سنن أبي داود" برقم 29 لكن متن الطريق الأولى وهو هذا له شاهدان أوردهما الهيثمي في "المجمع" 5/156 ولهذا حسنته وأحدهما عند الطبراني في "الكبير" 3/143/2 من حديث ابن عباس.

حكم هذا الوضوء

11- حكم هذا الوضوء: وليس ذلك على الوجوب وإنما للاستحباب المؤكد لحديث عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ فقال: "نعم ويتوضأ إن شاء" 2.

_ 2 رواه ابن حبان في "صحيحه" 232- موارد عن شيخه ابن خزيمة وإلى "صحيحه" عزاه الحافظ في "التلخيص" كما تقدم قريبا ثم قال الحافظ:=

ويؤيده حديث عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء [حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل"1.

_ = "وأصله في "الصحيحين" دون قوله: إن شاء". قلت: بل هو في " صحيح مسلم " أيضا بهذه الزيادة كما سبق تخريجه آنفا ص 114 وهي دليل صريح على عدم وجوب الوضوء قبل النوم على الجنب خلافا للظاهرية. 1 رواه ابن أبي شيبة 1/45/1 وأصحاب "السنن" إلا النسائي ففي "العشرة" 79- 80 والطحاوي والطيالسي وأحمد والبغوي في "حديث علي بن الجعد" 9/85/1 و 11/114/2 وأبو يعلى في "مسنده" 224/2 والبيهقي والحاكم وصححاه وهو كما قالا كما بينته في "صحيح أبي داود" برقم 223 ورواه عفيف الدين أبو المعالي في "ستين حديثا" برقم 6 بلفظ: " فإن استيقظ من آخر الليل فإن كان له في أهله حاجة عاودهم ثم اغتسل". وفي سنده أبو حنيفة رحمه الله. وروى ابن أبي شيبة بسند حسن عن ابن عباس قال: "إذا جامع الرجل ثم أراد أن يعود فلا بأس أن يؤخر الغسل".=

وفي رواية عنها: "كان يبيت جنبا فيأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة فيقوم فيغتسل فأنظر إلى تحدر الماء من رأسه ثم يخرج فأسمع صوته في صلاة الفجر ثم يظل صائما. قال مطرف: فقلت لعامر: في رمضان؟ قال: نعم سواء رمضان أو غيره"1.

_ = وعن سعيد بن المسيب قال: "إن شاء الجنب نام قبل أن يتوضأ". وسنده صحيح وهو مذهب الجمهور. 1 رواه ابن أبي شيبة 2/173/2 من رواية الشعبي عن مسروق عنها. وسنده صحيح وهو شاهد قوي للذي قبله وكذا رواه أحمد 6/101 و 254 وأبو يعلى في "مسنده" 224/1 وله عندي طريق أخرى.

تيمم الجنب بدل الوضوء

12- تيمم الجنب بدل الوضوء: ويجوز لهما التيمم بدل الوضوء أحيانا لحديث عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ

أو تيمم"1.

_ 1 رواه البيهقي 1/200 من طريق عثام بن علي عن هشام عن أبيه عنها. قال الحافظ في "الفتح" 1/313: "إسناده حسن". قلت: رواه ابن أبي شيبة 1/48/1 عن عثام به موقوفا عليها في الرجل يصيبه جنابة من الليل فيريد أن ينام قالت: يتوضأ أو يتيمم. وسنده صحيح. وقد تابعه إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة به مرفوعا ولفظه: "كان إذا واقع بعض أهله فكسل أن يقوم ضرب يده على الحائط فتيمم". رواه الطبراني في "الأوسط" 9/1 من زوائده عن بقية بن الوليد عنه وقال: "لم يروه عن هشام إلا إسماعيل". قلت: وإسماعيل ضعيف في روايته عن الحجازيين وهذه= = منها لكنه قد تابعه عثام بن علي - وهو ثقة كما سبق - ففي متابعته رد على الطبراني كما لا يخفى.

اغتساله قبل النوم أفضل

13- اغتساله قبل النوم أفضل: واغتسالهما أفضل لحديث عبد الله بن قيس قال:

"سألت عائشة قلت: كيف كان صلى الله عليه وسلم يصنع في الجنابة؟ أكان يغتسل قبل أن ينام أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل ربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة"1.

_ 1 رواه مسلم 1/171 وأبو عوانة 1/278 وأحمد 6/73 و 149.

تحريم إتيان الحائض

14- تحريم إتيان الحائض: ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها2 لقوله تبارك وتعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً3 فَاعْتَزِلُوا

_ 2 قال الشوكاني في "فتح القدير": "ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض وهو معلوم من ضرورة الدين". 3 أي: هو شيء تتأذى به المرأة. وفسره القرطبي 3/85 =

النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ1 فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} . وفيه أحاديث: الأول: من قوله صلى الله عليه وسلم: "من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا

_ = وغيره برائحة دم الحيض. قال السيد رشيد رضا رحمه الله 2/362: "أخذه على ظاهره مقرر في الطب فلا حاجة إلى العدول عنه " ويعني به الضرر الجسماني قال: "لأن غشيانهن سبب للأذى والضرر وإذا سلم الرجل من هذا الأذى فلا تكاد تسلم منه المرأة لأن الغشيان يزعج أعضاء النسل فيها إلى ما ليست مستعدة له ولا قادرة عليه لاشتغالها بوظيفة طبيعية أخرى وهي إفراز الدم المعروف". 1 هو انقطاع دم الحيض وهو ما لا يكون بفعل النساء بخلاف التطهر في قوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} فإنه من عملهن وهو استعمال الماء منهن وسيأتي بيان المراد منه في المسألة 17.

فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" 1. الثاني: عن أنس بن مالك قال: "إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها2 في البيت فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى ذكره {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح" فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل ألا يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر3 وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد4

_ 1 حديث صحيح. رواه أصحاب "السنن" وغيرهم كما سبق في المسألة 6 ص 105 - 106. 2 أي: لم يخالطوها. 3 أي: تغير. 4 أخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما"

عليهما فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهما فسقاهما فظننا أنه لم يجد عليهما"1.

_ 1 أخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحهما" وأبو داود رقم 250 من "صحيحه" وهذا لفظه.

كفارة من جامع الحائض

15- كفارة من جامع الحائض: من غلبته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها فعليه أن يتصدق بنصف جنيه ذهب إنكليزي تقريبا أو ربعها لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: "يتصدق بدينار أو نصف دينار" 2.

_ 2 أخرجه أصحاب "السنن" والطبراني في "المعجم الكبير" 3/14/1 و 146/1 و 148/2 وابن الأعرابي في "معجمه" 15/1 و 49/1 والدارمي والحاكم والبيهقي بإسناد صحيح على شرط البخاري وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وابن دقيق العيد وابن التركماني وابن القيم وابن حجر العسقلاني كما بينته في "صحيح سنن أبي داود" 256 وكذا وافقه ابن الملقن في =

ما يحل له من الحائض

16- ما يحل له من الحائض: ويجوز له أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض وفيه أحاديث: الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: " ... اصنعوا كل شيء إلا النكاح" 1.

_ = "خلاصة البدر المنير" وقواه الإمام أحمد قبل هؤلاء وجعله من مذهبه فقال أبو داود في "المسائل" 26: "سمعت أحمد سئل عن الرجل يأتي امرأته وهي حائض؟ قال: ما أحسن حديث عبد الحميد فيه! قلت: يعني هذا قلت: وتذهب إليه؟ قال: نعم إنما هو كفارة. [قلت] : فدينار أو نصف دينار: قال: كيف شاء" وذهب على العمل بالحديث جماعة آخرون من السلف ذكر أسماءهم الشوكاني في "النيل" 1/244 وقواه. 1 أي: الجماع. قال الأزهري: =

الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يضاجعها زوجها وقالت مرة: يباشرها"1.

_ = "أصل النكاح في كلام العرب الوطء وقيل للتزوج: نكاح لأنه سبب للوطء المباح". "العرب". والحديث قطعة من حديث أنس المتقدم في المسألة 14. 1 في "النهاية": "أراد بالمباشرة الملامسة وأصله من لمس بشرة المرأة وقد ترد بمعنى الوطء في الفرج وخارجا منه". قلت: والثاني هو المراد منه هنا كما لا يخفى وبه قالت السيدة عائشة رضي الله عنها. قالت الصهباء بنت كريم: قلت لعائشة: ما للرجل من امرأته إن كانت حائضا؟ قالت: كل شيء إلى الجماع. رواه ابن سعد 8/485. وقد صح عنها مثله في الصائم أيضا وبيانه في "الأحاديث الصحيحة" المجلد الأول – رقم 220 و 221. والحديث أخرجه الشيخان وأبو عوانة في صحاحهم وأبو داود وهذا لفظه رقم 260 من صحيحه.

الثالث: عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا [ثم صنع ما أراد] "1.

_ 1 أخرجه أبو داود رقم 262 من صحيحه والسياق له وسنده صحيح على شرط مسلم وصححه ابن عبد الهادي وقواه ابن حجر والبيهقي 1/314 والزيادة له.

متى يجوز إتيانها إذا طهرت

17- متى يجوز إتيانها إذا طهرت: فإذا طهرت من حيضها وانقطع الدم عنها جاز له وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم منها فقط أو تتوضأ أو تغتسل أي ذلك فعلت جاز له إتيانها2 لقوله تبارك

_ 1 أخرجه أبو داود رقم 262 من صحيحه والسياق له وسنده صحيح على شرط مسلم وصححه ابن عبد الهادي وقواه ابن حجر والبيهقي 1/314 والزيادة له. 2 وهو مذهب ابن حزم 10/81 ورواه عطاء وقتادة قالا في الحائض إذا رأت الطهر: أنها تغسل فرجها ويصيبها زوجها وهو مذهب الأوزاعي أيضا كما في "بداية المجتهد" 1/44. قال ابن حزم: "وروينا عن عطاء أنها إذا رأت الطهر فتوضأت حل وطؤها لزوجها وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا". =

وتعالى في الآية السابقة:

_ = وما ذكره عن عطاء رواه ابن أبي شيبة في المصنف 1/66. وروى ابن المنذر عن مجاهد وعطاء قالا: "إذا أردت الطهر فلا بأس أن تستطيب بالماء ويأتيها قبل أن تغتسل". ذكره الشوكاني 1/202. وقال الحافظ ابن كثير 1/260: "وقد اتفق العلماء على أن المرأة إذا انقطع حيضها لا تحل حتى تغتسل بالماء أو تتيمم إن تعذر عليها بشرطه إلا أن أبا حنيفة رحمه الله يقول فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده أنها تحل بمجرد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسل". أقول: فهذا الاتفاق المذكور غير صحيح بعد أن علمت أن ثلاثة من كبار علماء التابعين مجاهد وقتادة وعطاء قالوا بجواز إتيانها ولو لم تغتسل فكيف يصح اتفاق وهؤلاء على خلافه؟! وإن في ذلك لعبرة للعاقل أن لا يتسرع في دعوى الاتفاق على شيء لصعوبة التحقق منه وأن لا يبادر إلى تصديقها ولا سيما إذا كانت مخالفة للسنة أو الدليل الشرعي. ثم إن ما حكاه ابن كثير عن أبي حنيفة فد حكاه غيره أيضا =

{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ

_ = متعقبين له رادين عليه فقد وصفه ابن جزم بأنه: "لا قول أسقط منه لأنه تحكم بالباطل بلا دليل أصلا ولا نعلم أحدا قاله قبل أبي حنيفة ولا بعده إلا من قلده". وقال القرطبي 3/79: "وهذا تحكم لا وجه له". ولهذا قال السيد رشيد رضا: "وهو تفصيل غريب". ووجه ذلك أن الله تبارك وتعالى اشترط لحل إتياهن أن يتطهرن وهو استعنال الماء وهو أمر زائد على طهرهن من الحيض كما سبق فلا يجوز إلغاء هذا الشرط أو تخصيصه بما إذا انقطع قبل العشرة وإنما هو رأي لأبي حنيفة رحمه الله بدا له لا يجوز لنا الأخذ به لمخالفته إطلاق الآية وهو رحمه الله قد قال فيما صح عنه: "لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا"*. فكيف يجوز لنا الأخذ بقوله وقد علمنا مخالفته للدليل؟! =

يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

_ = ثم اعلم أننا إنما خيرنا بين "أن تغسل الدم أو تتوضأ أو تغتسل لأن اسم "التطهر" يقع على كل من هذه الأمور الثلاثة قال ابن حزم: "الوضوء تطهر بلا خلاف وغسل الفرج بالماء تطهر كذلك وغسل جميع الجسد تطهر فبأي هذه الوجوه تطهرت التي رأت الطهر من الحيض فقد حل به لنا إتيانها وبالله التوفيق". وفي مثل المعنى الثاني وهو غسل الفرج بالماء نزل قوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} فإن النراد المتطهرين من الغائط فقد صح أنه لما أنزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم لأهل قباء: "إن الله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الذي تطهورن به؟ " قالوا: والله يا رسول الله مانعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود وكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا. قال: "هو ذاك فعليكم به" *. وقد استعمل التطهر بنفس هذا المعنى في حديث عائشة =

..............................................................................

_ = رضي الله عنها أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض؟ فأمرها كيف تغتسل قال: "خذي فرصة من مسك فتطهري بها". قالت: كيف أتطهر؟ قل: "تطهري بها"! قالت: كيف؟ قال: "سبحان الله تطهري"! فاجتذبتها إلي فقلت: تتبعي بها أثر الدم. رواه البخاري 1/229 – 330 ومسلم 1/179 وغيرهما. وبالجملة فليس في الدليل ما يحصر معنى قوله عز وجل: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} بالغسل فقط فالآية مطلقة تشمل المعاني الثلاثة السابق فبأيها أخذت الطاهر حلت لزوجها ولا أعلم في السنة ما يتعلق بهذه المسألة سلبا أو إيجابا غير حديث ابن بعاس مرفوعا: "إذا أتى أحدكم امرأته في الدم فليتصدق بدينار وإذا وطئها وقد رأت الطهر ولم تغتسل فليتصدق بنصف دينار" ولكنه حديث ضعيف فيه عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية وهو مجمع على ضعفه ومن ظنه عبد الكريم الجرزي أبا سعيد الحراني الثقة فقد وهم كما حققته في صحيح سند أبي داود رقم 258 ثم إن في متنه اضطرابا يمنع من الاحتجاج به لو صح سنده فكيف وهو ضعيف؟!

جواز العزل

18- جواز العزل: ويجوز له أن يعزل عنها ماءه وفيه أحاديث: الأول: عن جابر رضي الله عنه قال: "كنا نعزل1 والقرآن ينزل" وفي رواية: "كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا"2. الثاني: عن أبي سعيد الخدري قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي وليدة3 وأنا أعزل عنها وأنا أريد ما يريد الرجل وإن

_ 1 في "الفتح": "العزل: النزع بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج". 2 رواه البخاري 9/250 ومسلم 4/160 والرواية الثانية له والنسائي في "العشرة" 82/1 والترمذي 2/193 وصححه والبغوي في "حديث علي بن الجعد" 8/76/2. 3 يعني: جارية.

اليهود زعموا: "أن الموءودة الصغرى العزل" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبت يهود [كذبت يهود] لو أراد الله أن يخلقه لم تستطع أن تصرفه" 1. الثالث: عن جابر أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا2 وأنا أطوف عليها3 وأنا أكره أن تحمل فقال: "اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها" فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت! فقال:

_ 1 رواه النسائي في "العشرة" 81/1 - 2 وكذا أبو داود 1/238 والطحاوي في "المشكل" 2/371 والترمذي 2/193 وأحمد 3/33 و 51 و 53 بسند صحيح. وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أبو يعلى 284/1 والبيهقي 7/230 بسند حسن. 2 أي: التي تسقي لنا النخل كأنها كانت تسقي لهم عوض البعير. "نهاية". 3 أي: أجامعها وأكره حملها مني بولد.

"قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها" 1.

_ 1 رواه مسلم 4/160 وأبو داود 1/339 والبيهقي 7/229 وأحمد 3/312, 386.

الأولى ترك العزل

19- الأولى ترك العزل: ولكن تركه أولى لأمور: الأول: أن فيه إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها2 فإن وافقت عليه ففيه ما يأتي وهو: الثاني: أنه يفوت بعض مقاصد النكاح وهو تكثير نسل أمة نبينا صلى الله عليه وسلم وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر3 بكم الأمم" 4.

_ 1 رواه مسلم 4/160 وأبو داود 1/339 والبيهقي 7/229 وأحمد 3/312, 386. 2 ذكره الحافظ في "الفتح". 3 أي: أغالب بكم الأمم السابقة في الكثرة وهو تعليل للأمر بتزوج الولود الودود وإنما أتى بقيدين لأن الودود إذا لم تكن ولودا لا يرغب الرجل فيها والولود غير الودود لا تحصل المقصود. كذا في "فيض القدير" 4 حديث صحيح رواه أبو داود 1/320 والنسائي 2 =

ولذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالوأد الخفي حين سألوه عن العزل فقال: "ذلك الوأد الخفي" 1.

_ = والمحاملي في "الأمالي" رقم 21- نسختي من حديث معقل بن يسار وصححه الحاكم 2/162 ووافقه الذهبي ورواه أحمد 3/158 وسعيد بن منصور والطبراني في "الأوسط" كما في "زوائده" 162/1 والبيهقي 7/81 من حديث أنس وصححه ابن حبان 1228 وقال الهيثمي 4/258: "إسناده حسن" وفيه نظر كما بينته في "إرواء الغليل" 1811 وتقدم لفظه ص 16. ورواه ابو محمد بن معروف في "جزئه" 131/2 والخطيب في "تاريخه" 12/377 من حديث ابن عمر وسنده جيد كما قال السيوطي في "الجامع الكبير" 3/351/1 ولأحمد رقم 6598 نحوه من حديث ابن عمر وسنده حسن في الشواهد. 1 أخرجه مسلم 4/161 والطحاوي في "المشكل" 2/370 - 371 وأحمد 6/361 و 434 والبيهقي 7/231 عن سعيد بن أبي أيوب: حدثني أبو الأسود عن عروة عن عائشة عن جذامة بنت وهب. واعلم أن قول الشوكاني 6/169: إن هذا الحديث تفرد =

ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الأولى تركه في حديث أبي

_ = به سعيد ان أبي أيوب وهم فاحش فقد تابعه حيوة بن شريح ويحيى بن أيوب عند الطحاوي وابن لهيعة عند أحمد ثلاثتهم عن أبي الأسود ولهذا قال الحافظ في الفتح 6/254: "والحديث صحيح لا ريب فيه". وقد توهم بعضهم أنه معارض لحديث أبي سعيد المتقدم ص 52 بلفظ: وأن اليهود زعموا أن الموءودة الصغرى العزل فقال صلى الله عليه وسلم: "كذبت يهود لو أراد الله أن يخلقه لم تستطع أن تصرفه". ولا معارضة بينهما كما بينه المحققون من العلماء وأحسن ما قيل في الجمع بينهما قول الحافظ ابن حجر 9/254: "وجمعوا بين تكذيب اليهود في قولهم: "الموءودة الصغرى" وبين إثبات كونه وأدا خفيا في حديث جذامة بأن قولهم: "الموءودة الصغرى" يقتضي أنها وأد ظاهر لكنه صغير بالنسبة إلى دفن المولود بعد وضعه حيا فلا يعارض قوله: "إن العزل وأد خفي" فإنه يدل على أنه ليس في حكم الظاهر أصلا فلا يترتب عليه حكم وإنما جعله وأدا من جهة اشتراكهما في قطع الولادة قال بعضهم قوله الوأد الخفي ورد على طريق التشبيه لأنه قطع طريق الولادة قبل مجيئه فأشبه قتل الولد بعد مجيئه". =

سعيد الخدري أيضا قال: "ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ولم يفعل ذلك أحدكم؟! " - ولم يقل: فلا يفعل ذلك أحدكم - "فإنه ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها". وفي رواية فقال: "وإنكم لتفعلون وإنكم لتفعلون وإنكم لتفعلون؟ ما

_ = وقال ابن القيم في التهذيب 3/85: "فاليهود ظنت أن العزل بمنزلة الوأد في إعدام ما انعقد بسبب خلقه فكذبهم في ذلك وأخبر أنه لو أراد الله خلقه ماصرفه أحد وأما تسميته وأدا خفيا فلأن الرجل إنما يعزل عن امرأته هربا من الولد وحرصا على أن لايكون فجرى قصده ونيته وحرصه على ذلك مجرى من أعدم الولد بوأده لكن ذلك ظاهر من العبد فعلا وقصدا وهذ وأد خفي منه وإنما أراده ونواه عزما ونية فكان خفيا". فأفاد التشبيه المذكور في الحديث كراهة العزل وأما الاستدلال به على التحريم كما فعل ابن حزم فقد تعقبوه بأنه ليس صريحا في المعنى إذا لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون حراما كما في الفتح أيضا وقد روى ابن خزيمة في حديث علي بن حجر ج 3 رقم 33 – بترقيمي عن العلاء عن أبيه أنه قال: سألت ابن عباس عن العزل فلم ير به بأسا. وسنده صحيح.

ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة" 1.

_ 1 رواه مسلم 4/158 بالروايتين والنسائي العشرة 82/1 وابن منده في التوحيد 60/2 بالأولى. والبخاري 9/251 - 252 بالأخرى. قال الحافظ في الفتح في شرح الرواية الأولى: "أشار إلى أنه لم يصرح لهم بالنهي وإنما أشار إلى الأولى ترك ذلك لأن العزل إنما كان خشية حصول الولد فلا فائدة في ذلك لأن الله إن كان قدر خلق الولد لم يمنع العزل ذلك فقد يسبق الماء ولا يشعر العازل فيحصل العلوق ويلحقه الولد ولا راد لما قضى الله". قلت: وهذه الإشارة إنما هي بالنظر إلى العزل المعروف يومئذ وأما في هذا العصر فقد وجدت وسائل يستطيع الرجل بها أن يمنع الماء عن زوجته منعا باتا مثل ما يسمى اليوم بربط المواسير وكيس الكاوتشوك الذي يوضع على العضو عند الجماع ونحوه فلا يرد عليه حينئذ هذا الحديث وما في معناه بل يرد ما ذكر في الأمرين الأولين وخاصة الثاني منهما فتأمل. وعلى كل حال فالكراهة عندي فيما إذا لم يقترن مع الأمرين أو أحدهما شيء آخر هو من مقاصد أهل الكفر في العزل مثل خوف الفقر من كثرة الأولاد وتكلف الإنفاق عليهم وتربيتهم ففي هذه =

ما ينويان بالنكاح

20- ما ينويان بالنكاح: وينبغي لهما أن ينويا بنكاحمها إعفاف نفسيهما وإحصانهما من الوقوع فيما حرم الله عليهما فإنه تكتب مباضعتهما صدقة لهما لحديث أبي ذر رضي الله عنه: "أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: "أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة [وبكل تكبير صدقة وبكل تهليلة صدقة وبكل تحميدة صدقة] وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة! " قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟!

_ = الحالة ترتفع الكراهية إلى درجة التحريم لالتقاء العازل في نيته مع الكفار الذين كانوا يقتلون أولا دهم خشية الإملاق والفقر كما هو معروف. بخلاف ما إذا كانت المرأة مريضة يخشى الطبيب أن يزداد مرضها بسبب الحمل فيجوز لها أن تتخذ المانع مؤقتا أما إذا كان مرضها خطيرا يخشى عليها الموت ففي هذه الحالة فقط يجوز بل يجب ربط المواسير منها محافظ على حياتها. والله أعلم.

قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليها فيها وزر؟ " [قالوا: بلى قال:] "فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له [فيها] أجر" [وذكر أشياء: صدقة صدقة ثم قال: "ويجزئ من هذا كله ركعتا الضحى"] " 1.

_ 1 رواه مسلم 3/82 والسياق له والنسائي 78/2 من "عشرة النساء" وأحمد 5/167 و 168 و 178 والزيادات كلها له وإسنادها صحيح على شرط مسلم وللنسائي الزيادة الأخيرة. قال السيوطي في "إذكار الأذكار": "وظاهر الحديث أن الوطء صدقة وإن لم ينو شيئا". قلت: لعل هذا عند كل وقاع وإلا فالذي أراه أنه لا بد من النية عند عقده عليها وهو ما ذكرناه في الأعلى. والله أعلم.

ما يفعل صبيحة بنائه

21- ما يفعل صبيحة بنائه: ويستحب له صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه الذين أتوه في داره ويسلم عليهم ويدعو لهم وأن يقابلوه بالمثل لحديث أنس رضي الله عنه قال: "أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بنى بزينب فأشبع

المسلمين خبزا ولحما ثم خرج إلى أمهات المؤمنين فسلم عليهن ودعا لهن وسلمن عليه ودعون له فكان يفعل ذلك صبيحة بنائه"1.

_ 1 رواه ابن سعد 8/107 والنسائي في "الوليمة" 66/2 بسند صحيح.

وجوب اتخاذ الحمام في الدار

22- وجوب اتخاذ الحمام في الدار: ويجب عليهما أن يتخذا حماما في دارهما ولا يسمح لها أن تدخل حمام السوق فإن ذلك حرام وفيه أحاديث: الأول: عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر" 2.

_ 2 أخرجه الحاكم 4/288 واللفظ له والترمذي والنسائي بعضه وأحمد 3/339 والجرجاني 150 من طرق =

الثاني: عن أم الدرداء قالت: خرجت من الحمام فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من أين يا أم الدرداء؟ " قالت: من الحمام فقال: "والذي نفسي بيده ما من أمرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن" 1.

_ = عن أبي الزبير عن جابر وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم". ووافقه الذهبي وقال الترمذي:" "حديث حسن" وله شواهد كثيرة تراها في الترغيب والترهيب 1/89- 91 ورواه الطبراني في "الأوسط" 10 - 11 من زوائده والباغندي في مسند عمر ص 13 والطبراني أيضا عن أبي أيوب وأبي سعيد وابن عمر وابن عساكر "4/303/2 عن أبي هريرة. 1 أخرجه أحمد 6/361 - 362 والدولابي 2/134 بإسنادين عنها أحدهما صحيح وقواه المنذري. وفي هذا الحديث دليل على أن الحمام كان معروفا في الحجاز وما جاء في بعض الأحاديث: "إنها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتا يقال = = لها: الحمام ... ". فإنه لا يصح إسناده كما في تخريج الحلال والحرام رقم 192 على أنه ليس صريحا في النفي فتأمل.

الثالث: عن أبي المليح قال: دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها فقالت: ممن أنتن؟ قلن: من أهل الشام قالت: لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمام؟ قلن: نعم قالت: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى" 1.

_ 1 أخرجه أصحاب "السنن" إلا النسائي والدارمي والطيالسي وأحمد وابن الأعرابي في "معجمه" 71/1 والحاكم 4/288 والبغوي في "شرح السنة" 3/216/2 وحسنه هو والترمذي وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين" ووافقه الذهبي فأصاب واللفظ لأبي داود 2/170. وفي هذه الأحاديث رد على من قال: "لا يصح في الحمام حديث" كابن القيم في "زاد" 1/62 وما وقعوا في ذلك إلا = = بسبب الاعتماد على بعض طرق وعدم استقصاء البحث عن طرقه الأخرى.

تحريم نشر أسرار الاستمتاع

23- تحريم نشر أسرار الاستمتاع: ويحرم على كل منهما أن ينشر الأسرار المتعلقة بالوقاع وفيه حديثان: الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي1 إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها" 2.

_ 1 أي: يصل إليها بالمباشرة والمجامعة ومنه قوله تعالى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} . 2 رواه ابن أبي شيبة 7/67/1 ومن طريقه مسلم 4/157 وأحمد 3/69 وأبو نعيم 10/236- 237 وابن السني رقم 608 والبيهقي 7/193- 194 من حديث أبي سعيد الخدري. ثم استدركت فقلت: إن هذا الحديث مع كونه في "صحيح مسلم" فإنه ضعيف من قبل سنده لأن فيه عمر بن حمزة العمري وهو ضعيف كما قال في "التقريب" وقال الذهبي في "الميزان": "ضعفه يحيى بن معين والنسائي وقال أحمد: أحاديثه =

الثاني: عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود فقال: "لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؟ " فأرم1 القوم فقلت: إي والله يا رسول الله إنهن ليفعلن وإنهم ليفعلون. قال: "فلا تفعلوا فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة

_ = مناكير". ثم ساق له الذهبي هذا الحديث وقال: "فهذا مما استنكر لعمر". قلت: ويسنتنج من هذه الأقوال لهؤلاء الأئمة أن الحديث ضعيف وليس بصحيح وتوسط ابن القطان فقال كما في "الفيض": "وعمر ضعفه ابن معين وقال أحمد: أحاديثه مناكير فالحديث به حسن لا صحيح". قلت: ولا أدري كيف حكم بحسنه مع التضعيف الذي حكاه هو نفسه فلعله أخذ بهيبة "الصحيح"! ولم أجد حتى الآن ما أشد به عضد هذا الحديث بخلاف الحديث الآتي بعده والله أعلم. 1 أي: سكتوا ولم يجيبوا.

في طريق فغشيها والناس ينظرون" 1.

_ 1 أخرجه أحمد وله شاهد من حديث أبي هريرة عند ابن أبي شيبة وأبي داود 1/339 والبيهقي وابن السني رقم 609. وشاهد ثان رواه البزار عن أبي سعيد رقم 1450 - كشف الأستار. وشاهد ثالث عن سلمان في "الحلية" 1/186. فالحديث بهذه الشواهد صحيح أو حسن على الأقل.

وجوب الوليمة

24- وجوب الوليمة: ولا بد له من عمل وليمة بعد الدخول لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف بها كما يأتي ولحديث بريدة ابن الحصيب قال: لما خطب علي فاطمة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه لا بد للعرس وفي رواية للعروس من وليمة" 2.

_ 2 رواه أحمد 5/359 والطبراني 1/112/1 =

قال: فقال سعد علي كبش وقال فلان: علي كذا وكذا من ذرة. وفي الرواية الأخرى: "وجمع له رهط من الأنصار أصوعا ذرة".

_ = والطحاوي في "المشكل" 4/144 - 145 وابن عساكر 12/88/ 2 و 15/124/2 وسيأتي بأتم منه ص 173 - 174 وإسناده كما قال الحافظ في "الفتح" 9/188: "لا بأس به". ورجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الكريم بن سليط وقد روى عنه جماعة من الثقات وأورده ابن حبان في "الثقات" 2/183 وقال الحافظ في "التقريب: "مقبول".

السنة في الوليمة

25- السنة في الوليمة: وينبغي أن يلاحظ فيها أمورا: الأول: أن تكون ثلاثة أيام عقب الدخول لأنه هو المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم فعن أنس رضي الله عنه قال: "بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة فأرسلني فدعوت

_ = والطحاوي في "المشكل" 4/144 - 145 وابن عساكر 12/88/ 2 و 15/124/2 وسيأتي بأتم منه ص 173 - 174 وإسناده كما قال الحافظ في "الفتح" 9/188: "لا بأس به". ورجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الكريم بن سليط وقد روى عنه جماعة من الثقات وأورده ابن حبان في "الثقات" 2/183 وقال الحافظ في "التقريب: "مقبول".

رجالا على الطعام"1. وعنه قال: "تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية وجعل عتقها صداقها وجعل الوليمة ثلاثة أيام"2. الثاني: أن يدعو الصالحين إليها فقراء كانوا أو أغنياء لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي" 3. الثالث: أن يولم بشاة أو أكثر إن وجد سعة

_ 1 أخرجه البخاري 9/189 - 194 والبيهقي 7/260 واللفظ له وغيرهما. 2 أخرجه أبو يعلى بسند حسن كما في "الفتح" 9/199 وهو في "صحيح البخاري" 7/387 بمعناه. ويأتي لفظه قريبا في المسألة 26. 3 رواه أبو داود والترمذي والحاكم 4/128 وأحمد 3/38؛ وقال الحاكم: "صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي.

لحديث أنس رضي الله عنه قال: "إن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري [فانطلق به سعد إلى منزله فدعا بطعام فأكلا] فقال له سعد: أي أخي أنا أكثر أهل المدينة وفي رواية: أكثر الأنصار مالا فانظر شطر مالي فخذه وفي رواية: هلم إلى حديقتي أشاطركها وتحتي امرأتان [وأنت أخي في الله لا امرأة لك] فانظر أيهما أعجب إليك [فسمها لي] حتى أطلقها [لك] [فإذا انقضت عدتها فتزوجها] فقال عبد الرحمن: [لا والله] بارك الله لك في أهلك ومالك دلوني على السوق فدلوه على السوق فذهب فاشترى وباع وربح [ثم تابع الغدو] فجاء بشيء من أقط1 وسمن [قد أفضله] [فأتى به أهل منزله] ثم لبث ما شاء الله أن يلبث فجاء وعليه ردع2 زعفران وفي رواية: وضر2 من خلوق فقال رسول الله

_ 1 لبن مجفف يابس مستحجر يطبخ به. "نهاية". 2" ," هما بمعنى واحد أي: لطخ من خلوق وذلك من = = فعل العروس. كما في "النهاية". والخلوق طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة.

صلى الله عليه وسلم: "مهيم؟ " 1 فقال: يا رسول الله تزوجت امرأة [من الأنصار] فقال: "ما أصدقتها؟ " قال: وزن نواة2 من

_ 1 أي: ما شأنك؟ أو ما هذا؟ وهي كلمة استفهام مبنية على السكون "فتح". 2 قال ابن الأثير في " النهاية": "النواة اسم لخمسة دراهم قال الأزهري: لفظ الحديث يدل على أنه تزوج المرأة على ذهب قيمته خمسة دراهم لأنه قال: نواة من ذهب" وهذا القول حكى مثله الحافظ في "الفتح" 9/192 عن أكثر العلماء. "تنبيه": جاء في بعض طرق الحديث عن أنس في "تفسير النواة" قال: "حزرناها ربع دينار". رواه الطبراني في "الأوسط" 1/131/2 من زوائده وفي سنده معمر بن سهل ولم أجد له ترجمة وأما قول الهيثمي 4/52: =

ذهب قال: " [فبارك الله لك] أولم ولو بشاة" [فأجاز ذلك] . قال عبد الرحمن: فلقد رأيتني ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب [تحته] [ذهبا أو فضة] [قال أنس: لقد رأيته قسم لكل امرأة من نسائه بعد موته مائة ألف دينار] "1.

_ = "وفيه القاسم بن معن ولم أجد من ترجمه" فسبق قلم منه فإن القاسم هذا ثقة فاضل من رجال أبي داود والنسائي ولعله أراد أن يكتب: "معمر بن سهل" فكتب سهوا: "القاسم بن معن" والله أعلم. ثم وجدت لمعمر بن سهل ترجمة حسنة في كتاب "الثقات" لابن حبان "9/196 - الهند قال: "معمر بن سهل بن معمر الأهوازي شيخ متقن يغرب". لكن الراوي عنه محمد بن محمويه الجوهري - شيوخه المشهورين المكثرين لأنه روى له قرابة عشرين حديثا "7325- 7343- بترقيمي". 1 رواه البخاري 4/232 و 7/89 و 9/95 و 190 - 192 والنسائي 2/93 وابن سعد 3/2/77 والبيهقي 7/258 وأحمد 3/165 و 190 و 204 و 226 و 271=

وعن أنس أيضا: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب فإن ذبح شاة [قال: "أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه] " 1.

_ = وأبو الحسن الطوسي في "المختصر" 1/110/1 والسياق لهما وإسنادهما صحيح على شرط مسلم وبعض الزيادات لهما وسائرها مع الروايات الأخرى للبخاري وأحمد والنسائي وابن سعد والحديث في مسلم 4/144 - 145 وأبي داود 3/104 و 143 والترمذي2/172 - 173 وصححه والدارمي 3/104 و 143 وابن ماجه 1/589 - 590 وكذا مالك 2/76 - 77 والطحاوي في "المشكل" 4/145 وابن الجارود في "المنتقى" 715 والطيالسي 1/306 مختصرا دون قصة سعد مع عبد الرحمن. وقد خرجت الحديث من طرق عن أنس وذكرت له شاهدا من حديث عبد الرحمن نفسه في كتابي "إرواء الغليل" رقم 198. 1 رواه البخاري 7/192 ومسلم 4/149 واللفظ مع الزيادة له وأبو داود 2/137 وابن كاجه 1/590 وأحمد 3/98 و 99 و 105 و 163 و 172 و 195 و 200 و 227 و 236 و 241 و 246 و 263 والزيادة له أيضا في رواية.

جواز الوليمة بغير لحم

26- جواز الوليمة بغير لحم: ويجوز أن تؤدى الوليمة بأي طعام تيسر ولم لم يكن فيه لحم لحديث أنس رضي الله عنه قال: "أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني عليه بصفية فدعوت المسلمين إلى وليمته وما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع1 فبسطت وفي رواية: فحصت الأرض أفاحيص2 وجيء بالأنطاع فوضعت فيها فألقي عليها التمر والأقط والسمن [فشبع الناس] "3.

_ 1 جمع نطع بساط متخذ من الأديم وهو الجلد المدبوغ. 2 جمع أفحوص القطاة وهو موضعها الذي تجثم فيه وتبيض كأنها تفحص عنه التراب أي: تكشفه والفحص: البحث والكشف. "نهاية". 3 أخرجه البخاري 7/387 والسياق له ومسلم 4/147 والرواية الأخرى مع الزيادة له والنسائي 2/93 والبيهقي 7/259 وأحمد 3/259/ و 264 وعنده الرواية الأخرى مع الزيادة.

مشاركة الأغنياء بمالهم في الوليمة

27- مشاركة الأغنياء بمالهم في الوليمة: ويستحب أن يشارك ذوو الفضل والسعة في إعدادها لحديث أنس في قصة زواجه صلى الله عليه وسلم بصفية قال: "حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم فأهدتها له من الليل فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروسا1 فقال: من كان عنده شيء فليجئ به وفي رواية: من كان عنده فضل زاد فليأتنا به قال: وبسط نطعا فجعل الرجل يجئ بالأقط وجعل الرجل يجيء بالتمر وجعل الرجل يجيء بالسمن فحاسوا حيسا2 [فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من حياض إلى جنبهم من ماء السماء] فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم"3.

_ 1 يقال للرجل: عروس كما يقال للمرأة وهو اسم لهما عند دخول أحدهما بالآخر " نهاية". 2 هو الطعام المتخذ من الأشياء المذكورة في الحديث. 3 أخرجه الشيخان وأحمد 3/102 و 195 والرواية الأخرى له وابن سعد 8/122/123 والبيهقي 7/259 والسياق له والزيادة لمسلم 4/148.

تحريم تخصيص الأغنياء بالدعوة

28- تحريم تخصيص الأغنياء بالدعوة: ولا يجوز أن يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء لقوله صلى الله عليه وسلم: "شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويمنعها المساكين ومن لم يجب الدعوة فقط عصى الله ورسوله" 1.

_ 1 رواه مسلم 4/154 والبيهقي 7/262 من حديث أبي هريرة مرفوعا وهو عند البخاري 9/201 موقوفا عليه. وهو في حكم المرفوع كما بينه الحافظ في شرح قوله: "يدعى لها الأغنياء": "والجملة في موضع الحال لطعام الوليمة فلو دعا الداعي عاما لم يكن طعامه شر الطعام". ثم خرجت الحديث في "الإرواء" وذكرت له فيه طرقا وشواهد 1947.

وجوب إجابة الدعوة

29- وجوب إجابة الدعوة: ويجب على من دعي إليها أن يحضرها وفيها حديثان:

الأول: "فكوا العاني1 وأجيبوا الداعي وعودوا المريض" 2. الثاني: "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها [عرسا كان أو نحوه] [ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله] " 3.

_ 1 أي: الأسير أي: أعتقوه من أيدي العدو بمال أو غيره. 2 رواه البخاري 9/198 وعبد بن حميد في "المنتخب من مسنده" 65/1 من حديث أبي موسى الأشعري. 3 رواه البخاري 9/198 ومسلم 4/152 وأحمد رقم 6337 والبيهقي 7/262 من حديث ابن عمر ورواه أبو يعلى والزيادة الثانية له وسندها صحيح كما قال الحافظ في "التلخيص" وهي عند أحمد أيضا في رواية رقم 5263 مفصولة عن الحديث من طريق آخر وكذلك رواه أبو عوانة في "صحيحه" كما في "الفتح" 9/201 ولها شاهد من حديث أبي هريرة تقدم قريبا. وفيه دليل على وجوب الإجابة لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب كما قال الحافظ.

الإجابة ولو كان صائما

30- الإجابة ولو كان صائما: وينبغي أن يجيب ولو كان صائما لقوله صلى الله عليه وسلم:

"إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليصل" 1. يعني: الدعاء"2.

_ 1 أي: فليدع كما هو مفسر في آخر الحديث من بعض الرواة. 2 رواه مسلم 4/153 والنسائي في "الكبرى" 62/2 وأحمد 2/507 والبيهقي 7/263 واللفظ له من حديث أبي هريرة مرفوعا.

الإفطار من أجل الداعي

31- الإفطار من أجل الداعي: وله أن يفطر إذا كان متطوعا في صيامه ولا سيما إذا ألح عليه الداعي وفيه أحاديث: الأول: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك" 3.

_ 3 رواه مسلم وأحمد 3/392 وعبد بن حميد في المنتخب 116/1 والطحاوي في المشكل 4/148 قال النووي: "إن كان صومه نفلا وشق على صاحب الطعام صومه فالأفضل الفطر". ونحوه في الفتاوى 4/143 لابن تيمية.

الثاني: "الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر" 1.

_ 1 رواه النسائي في الكبرى 64/2 والحاكم 1/439 والبيهقي 4/276 من طريق سماك بن حرب عن أبي صالح عن أم هانئ مرفوعا. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي. وهو كما قالا فإن سماكا لم يتفرد به فقد رواه شعبة حدثني جعدة عن أم هانئ به قال شعبة فقلت لجعدة أسمعته من أم هانئ؟ قال أخبرني أهلنا وأبو صالح مولى أم هانئ عن أم هانئ. رواه الدارقطني في الأفراد ج 2 رقم 30 و 31 من نسختي والبيهقي وأحمد 6/341 وابن عدي في الكامل 59/2 فهذه طريق أخرى تقوي الأولى. وله طريق ثالث أخرجه أبو داود عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن أم نحوه. وهذا إسناد قوي في المتابعات وقد قال الحافظ العراقي في

.....................................................................................................

_ = تخريج الأحياء 2/331: "إسناده حسن". "تنبيه": كتب الشيخ شعيب الأرناؤوط تعليقا على هذا الحديث في شرح السنة 6/371 وفي تهذيب الكمال 4/569 تعقيب فيه تصحيح الحاكم له بأن باذام مولى أم هانئ ضعيف ومدلس. قال: وقد التبس أمره على الشيخ ناصر في آداب الزفاف فظنه أبا صالح السمان الثقة فوافق الحاكم والذهبي على تصحيحه فأخطأ. ثم أطال في تخريج الحديث دون فائدة تذكر وتمسك في تضعيف الحديث بالاختلاف على سماك في سنده وغلطه في ذكره يوم الفتح فيه وبالجهالة والضعف. وجوابا عليه وبيانا للحق أقول: أولا: إن مانسبه إلي من الظن إنما هو من سوء ظنه بأخيه ومحاولاته المعروفة في الكشف عن عثرة من عثراته وإلا ففي سياق كلامي أنه أبو صالح مولى أم هانئ على أنه لو لم يكن ذلك مذكورا فالمبتدئون في هذا العلم يعلمون ذلك لاشتهاره بين العلماء فهل يتصور منصف أن يخفى ذلك على من قضى فيه أكثر من نصف قرن من الزمان والشيخ شعيب يعلم ذلك ولكن.. وإنما وافقت الحاكم على تصحيحه للطرق التي ذكرتها بعد وقلت في الثانية منها:

الثالث: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: "هل عندكم شيء؟ " فقلت: لا. قال: "فإني صائم". ثم مر بي بعد ذلك اليوم وقد أهدي إلي حيس فخبأت له منه وكان يحب الحيس قالت: يا رسول الله! إنه أهدي لنا حيس

_ فهذه تقوي الأولى. فهذا صريح أو كالصريح في أن الطريق الأولى ليست قوية وقد كنت شرحت ضعفها قديما في صحيح أبو داود 2120. ثانيا: أما تضعيفه إياه من الطرق الثلاث: أبو صالح جعدة يزيد بن أبي زياد فهو مسلم من حيث مفرداتها ولكن لماذا أعرض الشيخ عن قاعدة تقوية الحديث الضعيف كما هنا ولا سيما وقد حسن الحافظ العراقي أحد مفرداتها؟ أهو الانتصار للمذهب؟ أم هو حب الظهور بالمخالفة لكي لا يشاع عنه ما يقوله بعض عارفيه ويدل عليه أكثر تعليقاته: إن أكثر أحكامه يستقيها من كتب الألباني؟! ثم إذا لم يكف ماذكرته في بيان خطئه في تضعيفه للحديث فإنا قد ذكرنا عقبه في المتن شاهدا قويا من حديث عائشة ونحوه حديث أبي سعيد الخدري الآتي بعده فلعل فيه ما يقنعه ويرده إلى الصواب إن شاء الله.

فخبأت لك منه. قال: "أدنيه أما إني قد أصبحت وأنا صائم". فأكل منه ثم قال: "إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها" 1.

_ 1 أخرجه النسائي بإسناد صحيح. كما هو مبين في " الإرواء "4/135/636.

لا يجب قضاء يوم النفل

32- لا يجب قضاء يوم النفل: ولا يجب عليه قضاء ذلك اليوم وفيه حديثان: الأول: عن أبي سعيد الخدري قال: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فأتاني هو وأصحابه فلما وضع الطعام قال رجل من القوم: إني صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعاكم أخوكم وتكلف لكم! " ثم قال له: "أفطر وصم مكانه يوما إن شئت" 2.

_ 2 رواه البيهقي 4/279 بإسناد حسن كما قال الحافظ في " الفتح" 4/170. قلت: رواه أيضا الطبراني في "الأوسط" 1/132/1 ثم خرجته في الإرواء 1952 تخريجا يؤكد ثبوته.

الثاني: عن أبي جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء قال: فجاءه سلمان يزوره فإذا أم الدرداء متبذلة1 فقال: ما شأنك يا أم الدرداء؟ قالت: إن أخاك أبا الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار وليس له في شيء من الدنيا حاجة! فجاء أبو الدرداء فرحب به وقرب إليه طعاما فقال له سلمان: اطعم قال: إني صائم قال: أقسمت عليك لتفطرنه ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل معه ثم بات عنده فلما كان من الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم فمنه سلمان وقال له: يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا ولربك عليك حقا [ولضيفك عليك حقا] ولأهلك عليك حقا صم وأفطر وصل وائت أهلك وأعط كل ذي حق حقه فلما كان في وجه الصبح قال: قم الآن إن شئت قال: فقاما فتوضآ ثم ركعا ثم خرجا إلى الصلاة فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أمره سلمان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا الدرداء! إن لجسدك عليك حقا ,

_ 1 أي: لابسة البذلة وهي المهنة وزنا ومعنى والمراد أنها تاركة للبس ثياب الزينة.

مثل ما قال سلمان" وفي رواية: "صدق سلمان" 1.

_ 1 رواه البخاري 4/170 - 171 والترمذي 3/290 والبيهقي 4/276 والسياق له وقال الترمذي: "حديث صحيح". والزيادة والرواية الأخيرة للأولين.

ترك حضور الدعوة التي فيها معصية

33- ترك حضور الدعوة التي فيها معصية: ولا يجوز حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية إلا أن يقصد إنكارها ومحاولة إزالتها فإن أزيلت وإلا وجب الرجوع وفيه أحاديث: الأول: عن علي قال: صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع [قال: فقلت: يا رسول الله! ما أرجعك بأبي أنت وأمي؟ قال: "إن في البيت سترا فيه تصاوير وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير"] 2.

_ 2 رواه ابن ماجه 2/323 وأبو يعلى في "مسنده" ق31/1 و 37/1 و 39/2 والزيادة له بسند صحيح.

الثاني: عن عائشة أنها اشترت نمرقة1 فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية فقلت: يا رسول الله! أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "ما بال هذه النمرقة؟ " فقلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها فقال صلى الله عليه وسلم: "إن أصحاب هذه الصور وفي رواية: "إن الذين يعملون هذه التصاوير يعذبون يوم القيامة"2 ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم وإن البيت الذي فيه [مثل هذه] الصور لا تدخله الملائكة" [قالت: فما دخل حتى

_ 1 هي الوسادة كما في "النهاية" و "لسان العرب" 2 قال الحافظ تحت هذه الجملة من الحديث: "وفيه أن الملائكة لا تدخل بيتا في الصور وهذه الجملة هي المطابقة لامتناعه من الدخول وإنما قدم الجملة الأولى يعني: إن أصحاب هذه الصور. .. عليها اهتماما بالزجر عن اتخاذ الصور لأن الوعيد إذا حصل لصانعها فهو حاصل لمستعملها لأنها لا تصنع إلا لتستعمل فالصانع متسبب والمستعمل مباشر فيكون أولى بالوعيد".

أخرجتها] 1. الثالث: قال: صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم

_ 1 أخرجه البخاري 9/204 و 10/319 - 320 ومسلم 61/160 والطيالسي في مسنده 1/358 – 359 وأبو بكر الشافعي في الفوائد 61/2 و 67 – 68 والبيهقي 7/267 والبغوي في 3/23/2 وقال: "فيه دليل على أن من دعي إلى وليمة فيها شيء من المناكير والملاهي فإن الواجب ألا يجيب إلا أن يكون ممن لو حضر يترك أو يرفع بحضوره ونهيه". قلت: وظاهر هذا الحديث مخالف لحديث عائشة الآتي في المسألة 38 فإن فيه ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم استعمل الستر الذي فيه الصور بعد أن قطع وعمل به وسادتان أما هذا فإنه يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك وقد حكى الحافظ في الفتح 10/320 في الجمع بين الحديثين أقولا عن العلماء وذكر هو من عنده وجها آخر وهو أن عائشة لما قطعت الستر وقع القطع في وسط الصورة مثلا فخرجت عن هيئتها فلهذا صار يرتفق بها قال: "ويؤيد هذا الجمع الحديث في الباب قبله في نقض الصور وما سيأتي في حديث أبي هريرة". والله أعلم. قلت: وهذا الجمع لا بد منه للزيادة الأخيرة فإنها صريحة

الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها بالخمر" 1. وعلى ما ذكرنا جرى عليه عمل السلف الصالح رضي الله عنهم والأمثلة على ذلك كثيرة جدا فأقتصر على ما يحضرني الآن منها: أ - عن أسلم - مولى عمر - أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قدم الشام فصنع له2 رجل من النصارى فقال لعمر: إني أحب أن تجيئني وتكرمني أنت وأصحابك - وهو رجل من عظماء الشام - فقال له عمر رضي الله عنه: إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي

_ في المنع من استعمال الوسادة المصورة ولو كانت ممتهنة إلا إذا لم يكن تغييرها إلا بإتلاف الثوب أو المتاع فقد يغتفر ذلك محافظة على المال. 1 أخرجه أحمد عن عمر والترمذي وحسنه الحاكم وصححه عن جابر ووافقه الذهبي. وهو مخرج في "الإرواء" 1949. 2 يعني: طعاما.

فيها"1. ب -عن أبي مسعود - عقبة بن عمرو - أن رجلا صنع له طعاما فدعاه فقال: أفي البيت صورة؟ قال: نعم فأبى أن يدخل حتى كسر الصورة ثم دخل2. ج - قال الإمام الأوزاعي:

_ 1 رواه البيهقي بسند صحيح. واعلم أن في قول عمر دليلا واضحا على خطأ ما يفعله بعض المشايخ من الحضور في الكنائس الممتلئة بالصور والتماثيل استجابة منهم لرغبة بعض المسؤولين أو غيرهم وليت الأمر وقف عند هذا الحد ولكنهم مع الأسف الشديد يسمعون كلمة الكفر والضلال من بعض المتكلمين فيها – وقد يكون مسلما – ثم ينصتون ولا ينطقون! ولا يظهرون حكم الشرع في ذلك وهم يعلمون! إنه لا فرق بين مسلم ومسيحي! الدين لله والوطن للجميع وحكم آخرين بالشهادة لمن ليس مسلما مع علمهم أن المسلم نفسه لا يحكم له بالشهادة إلا بشروط معروفة لديهم وغير ذلك من المخالفات فإنا لله وإليه راجعون. 2 رواه البيهقي أيضا وسنده صحيح. كما قال الحافظ في "الفتح" 9/204 وعلقه أبو بكر المروذي في كتاب الورع 20/1.

لا ندخل وليمة فيها طبل ولا معزاف1.

_ 1 رواه أبو الحسن الحربي في "الفوائد المنتقاة" 4/3/1 بسند صحيح عنه.

ما يستحب لمن حضر الدعوة

34- ما يستحب لمن حضر الدعوة: ويستحب لمن حضر الدعوة أمران: الأول: أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم وهو أنواع: أ - عن عبد الله بن بسر أن أباه صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فدعاه فأجابه فلما فرغ من طعامه قال: "اللهم اغفر لهم وارحمهم وبارك لهم فيما رزقتهم" 2.

_ 2 رواه ابن أبي شيبة 12/158/1 - 2 ومسلم 6/122 وأبو داود 2/135 والنسائي في الوليمة 66/3 والترمذي 4/281 وصححه والبيهقي 7/274 وأحمد 4/178 – 188 و 190 واللفظ له وابن السني رقم 470 والطبراني 1/116/1 وعنه ابن عساكر 8/171 و 2/9 و 3/1 – 2.

ب - عن المقداد بن الأسود قال: قدمت أنا وصاحبان لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأصابنا جوع شديد فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد فانطلق بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله وعنده أربع أعنز فقال لي: "يا مقداد جزئ ألبانها بيننا أرباعا" فكنت أجزئه بيننا أرباعا [فيشرب كل إنسان نصيبه ونرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبه] فاحتبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فحدثت نفسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتى بعض الأنصار فأكل حتى شبع وشرب حتى روي فلو شربت نصيبه "! " فلم أزل كذلك حتى قمت إلى نصيبه فشربته "! " ثم غطيت القدح فلما فرغت أخذني ما قدم وما حدث فقلت: يجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم جائعا ولا يجد شيئا فتسجيت1 [قال: وعلي شملة من صوف كلما رفعت على رأسي خرجت قدماي وإذا أرسلت على قدمي خرج رأسي قال:] [وجعل لا يجيئني النوم] وجعلت أحدث نفسي [قال: وأما صاحباي فناما] فبينا أنا

_ 1 أي: تغطيت يعني: يريد أن ينام.

كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم تسليمة يسمع اليقظان ولا يوقظ النائم [ثم أتى المسجد فصلى] ثم أتى القدح فكشفه فلم ير شيئا فقال: "اللهم أطعم من أطعمني واسق من سقاني" , واغتنمت الدعوة [فعمدت إلى الشملة فشددتها علي] فقمت إلى الشفرة1 1 فأخذتها ثم أتيت الأعنز فجعلت أجتسها2 أيها اسمن [فأذبح لرسول الله صلى الله عليه وسلم] فلا تمر يدي على ضرع واحدة إلا وجدتها حافلا3 [فعمدت إلى إناء لآل محمد ما كانوا يطمعون أن يحلبوا فيه] فحلبت حتى ملأت القدح ثم أتيت [به] رسول الله صلى الله عليه وسلم [فقال: "أما شربتم شرابكم الليلة يا مقداد؟ " قال:] فقلت: اشرب يا رسول الله! فرفع رأسه إلي فقال: "بعض سوآتك يا مقداد ما الخبر؟ " قلت: اشرب ثم الخبر فشرب حتى روي ثم ناولني فشربت فلما

_ 1 هي السكين العظيمة العريضة. 2 أي: أمسها بيدي. 3 أي: ممتلئا لبنا.

عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد روي وأصابتني دعوته ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض فقال: "ما الخبر؟ " فأخبرته فقال: "هذه بركة نزلت من السماء فهلا أعلمتني حتى نسقي صاحبينا؟ " فقلت: [والذي بعثك بالحق] إذا أصابتني وإياك البركة فما أبالي من أخطأت1. الثاني: عن أنس أو غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [كان يزور الأنصار فإذا جاء إلى دور الأنصار جاء صبيان الأنصار يدورون حوله فيدعوا لهم ويمسح رؤوسهم ويسلم عليهم فأتى إلى باب سعد بن عبادة فـ] استأذن على سعد فقال: "السلام عليكم ورحمة الله" فقال سعد: وعليك السلام ورحمة الله ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثا ورد عليه سعد ثلاثا ولم يسمعه [وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد فوق ثلاث تسليمات فإن أذن له

_ 1 رواه مسلم 6/128 - 129 وأحمد 6/2 و 3 و 4 – 5 والسياق له وابن سعد 1/183 – 184 وروى وبعضه الترمذي 3/394 وصححه والحربي في "الغريب" 5/189/1.

وإلا انصرف] فرجع النبي صلى الله عليه وسلم واتبعه سعد فقال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني ولقد رددت عليك ولم أسمعك أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة [فادخل يا رسول الله] ثم أدخله البيت فقرب له زبيبا فأكل نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغ قال: "أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون" 1.

_ 1 رواه أحمد 3/138 وأبو علي الصفار في حديثه والطحاوي في المشكل 1/498 – 499 والزيادات له والبيهقي 7/287 وابن عساكر 7/59 - 60 وإسنادهم صحيح ولأبي داود منه 2/150 وكذا ابن السني رقم 476 الدعاء فقط وصححه العراقي في التخريج 2/12 وابن الملقن في الخلاصة ومن قبلهما عبد الحق في أحكامه 194/2 وعندهما جملة: "أفطر ... " في أول الحديث وكذا رواه ابن ماجه 1/531 والطبراني 69/204/2 والخطيب في الموضح 2/72 من حديث مصعب بن ثابت عن عبد الله بن الزبير قال: أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد بن معاذ فقال: فذكره. لكن مصعب هذا ضعيف كما قال البوصيري في الزوائد.

..............................................................................................

_ "تنبيه": عزا الذهبي في العلو ص 63 – طبع الأنصار هذا الحديث لـ "الصحيحين" بزيادة في آخره":وذكركم الله فيمن عنده" وكل ذلك وهم فليس هو في الصحيحين ولا فيه هذه الزيادة في شيء من طرقه التي وقفت عليها. واعلم أن هذا الذكر ليس مقيدا بالصائم بعد إفطاره بل هو دعاء لصاحب الطعام بالتوفيق حتى يفطر الصائمون عنده وينال أجر إفطارهم فهو كالجملتين الأخريين: "أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة" وهو بالنسبة إلينا لا يمكن أن يكون إلا دعاء كما لا يخفى وليس في الحديث التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم كان صائما فلا يجوز تخصيصه بالصائم وقوله في حديث ابن الزبير: "أفطر رسول الله ... " لا يحتج به لضعف السند إليه كما سبق وإن كان روي ذلك عن أنس أيضا أخرجه ابن أبي شيبة 2/181/2 وأحمد والنسائي في تاب الوليمة 66/2 وابن الأعرابي في المعجم 39/3 وأبو نعيم 3/72 عن يحيى بن أبي كثير عن أنس. وقال النسائي: "يحيى بن أبي كثير لم يسمعه من أنس". ثم ساقه هو وابن المبارك في الزهد 221/2 من طرق أخرى عنه قال: حدثت عن أنس فهذا منقطع.

الأمر الثاني: الدعاء له ولزوجه بالخير والبركة وفيه أحاديث: الأول: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات فتزوجت امرأة ثيبا فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تزوجت يا جابر؟ " فقلت: نعم فقال: "أبكرا أم ثيبا" قلت: بل ثيبا قال: "فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك؟ " فقلت له: إن عبد الله هلك وترك [تسع أو سبع] بنات وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن فقال: "بارك الله لك" أو قال لي خيرا1.

_ وله طريق آخر عن أنس رواه أبو نعيم في أخبار أصبهان 2/280 عن عبد الحكيم بن زياد عنه به مرفوعا وزاد في آخره: "اللهم اجعل صلواتك على آل سعد بن عبادة". وسنده ضعيف فيه من لا يعرف وعيسى بن شعيب وهو متروك وعبد الحكيم بن زياد لم أعرفه. 1 رواه البخاري 9/423 والسياق له ومسلم 4/176 والزيادة له وفي الباب عن أنس وقد مضى في المسألة 16.

الثاني: عن بريدة رضي الله عنه قال: قال نفر من الأنصار لعلي: عندك فاطمة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فقال: "ما حاجة ابن أبي طالب؟ " فقال: يا رسول الله! ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مرحبا وأهلا" لم يزد عليهما فخرج علي بن أبي طالب على أولئك الرهط من الأنصار ينتظرونه قالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنه قال لي: مرحبا وأهلا فقالوا: يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما أعطاك الأهل والمرحب فلما كان بعد ذلك بعدما زوجه قال: يا علي إنه لا بد للعروس1 من وليمة فقال سعد: عندي كبش وجمع له رهط من الأنصار أصوعا من ذرة فلما كانت ليلة البناء قال: لا تحدث شيئا حتى تلقاني فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فتوضأ فيه ثم أفرغه على علي فقال:

_ 1 وفي رواية: "للعرس" وهي رواية أحمد وقد تقدمت بتمامها في المسألة رقم 24.

"اللهم بارك فيهما وبارك لهما في بنائهما" 1. الثالث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم فأتتني أمي فأدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن: "على الخير والبركة وعلى خير طائر"2. الخامس: عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ3 الإنسان إذا تزوج قال:

_ 1 رواه ابن سعد 8/20 - 21 والطبراني في "الكبير" 1/112/1 بسند حسن. وابن عساكر 12/88/2 وقد سبق الكلام عليه في المسألة المشار إليها آنفا. 2 أي: على أفضل حظ ونصيب وطائر الإنسان: نصيبه. والحديث رواه البخاري 9/182 ومسلم 4/141 والبيهقي 7/149. 3 بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز معناه دعا له في موضع قولهم: "بالرفاه والبنين" وكانت كلمة تقولها أهل الجاهلية فورد النهي عنها. كذا في "الفتح" 9/182 ثم ذكر أحاديث في النهي عنها منها حديث الحسن الآتي بعده

"بارك الله لك وبارك الله عليك وجمع بينكما في وفي رواية: على خير" 1.

_ 1 رواه سعيد بن منصور في سننه 522 وكذا أبو داود 1/332 والترمذي 2/171 وكذا أبو علي الطوسي المختصر 1/110 وصححاه والدارمي 2/134 وابن ماجه 1/289 وأحمد 2/38 والحاكم 2/183 والبيهقي 7/148 والخطابي في غريب الحديث 60/ 1 - 2. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وأشار الحافظ عبد الحق الأزدي لصحنه في الأحكام الكبرى 142/2 واللفظ الآخر هو رواية لأحمد.

بالرفاء والبنين تهنئة الجاهلية

35- بالرفاء والبنين تهنئة الجاهلية: ولا يقول: "بالرفاء والبنين" كما يفعل الذين لا يعلمون فإنه من عمل الجاهلية وقد نهي عنه في أحاديث منها: عن الحسن أن عقيل بن أبي طالب تزوج امرأة من جشم فدخل عليه القوم فقالوا: بالرفاء والبنين فقال: لا تفعلوا ذلك [فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك] قالوا: فما نقول يا أبا زيد؟ قال: قولوا: بارك الله

لكم وبارك عليكم إنا كذلك كنا نؤمر1.

_ 1 رواه ابن أبي شيبة 7/52/2 وعبد الرزاق في "مصنفه" أيضا 6/189/10457 والنسائي 2/91 وابن ماجه 1/589 والدارمي 2/134 وابن أبي عاصم في الآحاد ق 37/2 وأبو بكر الشافعي في الفوائد 73/250/1 رواية أبي بكر النرسي وابن السني رقم 596 وابن الأعرابي في معجمه 2/27 والبيهقي 7/148 وأحمد رقم 739 3/451 وابن عساكر 11/363/1 والزيادة للدارمي وابن السني والبيهقي. وقال الحافظ: "رجاله ثقات إلا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال". قال بعض المحققين المعاصرين: "وهذه دعوى لا دليل عليها فالحسن سمع من صحابة أقدم من عقيل". قلت: ولكن الحسن – وهو البصري – مدلس معروف بذلك وهو لم يصرح بسماعه هاهنا من عقيل فهذا في حكم المنقطع لكن رواه أحمد من طريق أخرى عن عقيل فهو قوي بمجموع الطريقين. والله أعلم. ثم وجدت له طريقا ثالثا في الموضح للخطيب البغدادي 2/255 وابن عساكر.

قيام العروس على خدمة الرجال

36- قيام العروس على خدمة الرجال: ولا بأس من أن تقوم على خدمة المدعوين

العروس نفسها إذا كانت متسترة1 وأمنت الفتنة لحديث سهل بن سعد قال:

_ 1 أعني السترة المشروعة ويشترط فيها ثمانية أشياء: 1 - استيعاب جميع البدن إلا الوجه والكفين 2- أن لا يكون زينة في نفسه 3- أن يكون صفيقا لا يشف 4- وأن لا يصف شيئا من جسمها لضيقه 5- ولا يكون مطيبا 6- ولا يشبه لباس الرجال 7- ولا لباس الكافرات 8- ولا يكون لباس شهرة وقد وضعت كتابا خاصا لبيان الأدلة من الكتاب والسنة على صحة هذه الشروط وقد طبع في المطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1374 تحت اسم: "حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة" ثم طبع في المكتب الإسلامي عدة طبعات وقد أعطيت حق طبعه أخيرا للمكتبة الإسلامية في عمان فليراجعه من شاء.

لما عرس1 أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فما صنع لهم طعاما ولا قدمه إليهم إلا امرأته أم أسيد بلت وفي رواية: أنقعت تمرات في تور2 من حجارة من الليل فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته3 له فسقته تتحفه بذلك [فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس] 4.

_ 1 أي: دخل بزوجته قال في "اللسان": "وقد عرس وأعرس: اتخذها عرسا ودخل بها وكذلك عرس بها وأعرس" 2 إناء يكون من نحاس وغيره وقد بين هنا أنه كان من الحجارة. 3 أي: مرسته بيدها يقال: ماثته وأماثته ثلاثيا ورباعيا. 4 رواه البخاري 9/200 و 205 و 206 وفي الأدب المفرد رقم 746 ومسلم 6/103 وأبو عوانة في "صحيحه" 8/131/1 – 2 وابن ماجة 590 – 591 والروياني في مسنده 28/189/1 – 190/1 والطبراني في الأوسط 1/132/1 والبغوي في شرح السنة 3/197/1 قال الحافظ:

الغناء والضرب بالدف

37- الغناء والضرب بالدف1: ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلان النكاح بالضرب على الدف فقط وبالغناء المباح الذي

_ "وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الفتنة ومراعاة يجب عليها من الستر وجواز استخدام الرجل امرأته في مثل ذلك وشرب ما لا يسكر في الوليمة وفيه جواز إيثار كبير القوم في الوليمة بشيء دون منمعه". قلت: ودعوى أن هذه الحادثة كانت قبل نزول الحجاب مما لا دليل عليها وليس في الحديث ما يشير أدنى إشارة إلى أن المرأة كانت غير متجلببة حتى يصار إلى دعوى النسخ ونحن لا نزال نرى اليوم الفلاحات المتجلببات يقمن بخدمة الضيوف أحسن قيام وهن متحفظات بسترهن وحشمتهن فالحق أن الحديث محكم ليس هناك ماينسخه وقد أشار لهذا البخاري حيث ترجم الحديث بعدة تراجم منها قوله: "باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس" ولكن يجب أن لاننسى الشروط التي ذكرناها في صدر البحث التي من التمسك بها جعل هذه الإباحة نظرية غير عملية في كثير من المدن اليوم لخروج أكثر نسائها عن آداب الشريعة في ألبستهن وحشمتهن. 1 بضم الدال وقد تفتح وهو الذي لا جلاجل فيه فإن كانت فيه فهو المزهر "فتح".

ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور وفي ذلك أحاديث: الأول: عن الربيع بنت معوذ قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بني علي فجلس على فراشي مجلسك مني الخطاب للراوي عنها فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال: "دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين" 1. الثاني: عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو؟ " 2.

_ 1 رواه البخاري 2/352, 9/166 - 167 والبيهقي 7/288 - 289 وأحمد 6/359 - 360 والمحاملي في صلاة العيدين رقم 139 وغيرهم. 2 أخرجه البخاري 9/184 - 185 والحاكم 2/184 وعنه البيهقي 7/288.

وفي رواية بلفظ: "فقال: فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ " قلت: ماذا تقول؟ قال: تقول: أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم لولا الذهب الأحم ... ر ما حلت بواديكم لولا الحنطة السمرا ... ء ما سمنت عذاريكم"1 الثالث: عنها أيضا: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع ناسا يغنون في عرس وهم يقولون: وأهدي لها أكبش ... يبحبحن في المربد وحبك في النادي ... ويعلم ما في غد وفي رواية:

_ 1 رواه الطبراني كما في "زوائده" 1/167/1 وسكت عليه في "الفتح" وفيه ضعف! ثم وجدت له طريقا أخرى عن عائشة يتقوى بها كما بينته في "الإرواء "1995. وفي الباب عن عائشة أيضا في "المسند" 6/269 ورجاله ثقات غير إسحاق بن سهل بن أبي حنتمة أورده في "الجرح" ولم يذكر فيه شيئا.

وزوجك في النادي ... ويعلم ما في غد قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يعلم ما في غد إلا الله سبحانه" 1. الرابع: عن عامر بن سعد البجلي قال: دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود وذكر ثالثا - ذهب علي - وجواري يضربن بالدف ويغنين فقلت: تقرون على هذا وأنتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: إنه قد رخص لنا في العرسات والنياحة عند المصيبة وفي رواية:

_ 1 أخرجه الطبراني في الصغير ص 69 ورقم 830 - بترتيبي والحاكم 2/184 - 185 البيهقي 7/289 وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وعزاه الحافظ 9/167 للطبراني في الأوسط بإسناد حسن.

وفي البكاء على الميت في غير نياحة1. الخامس: عن أبي بلج يحيى بن سليم قال: قلت لمحمد بن حاطب: تزوجت امرأتين ما كان في واحدة منهما صوت يعني دفا فقال محمد رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فصل ما بين الحلال والحرام الصوت بالدف" 2. السادس: "أعلنوا النكاح" 3.

_ 1 أخرجه الحاكم والبيهقي والسياق والرواية الأخرى له والنسائي 2/93 والطيالسي رقم 1221. 2 أخرجه النسائي 2/91 والترمذي 2/170 وقال: حديث حسن وابن ماجه. وغيرهم. والحاكم والسياق له والبيهقي 7/289 وأحمد 3/418 وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام 1/109 – 110 وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وهو عندي حسن الإسناد وقد بينته في الإرواء 1994. 3 رواه ابن حبان 1285 والطبراني 69/1/1.

الامتناع من مخالفة الشرع

38- الامتناع من مخالفة الشرع: ويجب عليه أن يمتنع من كل ما فيه مخالفة للشرع وخاصة ما اعتاده الناس في مثل هذه المناسبة حتى ظن كثير منهم - بسبب سكوت العلماء - أن لا بأس فيها وأنا أنبه هنا على أمور هامة منها:

_ وفي الأوسط 1/167/2 من زوائده والمخلص في "المنتقى من حديثه" والضياء المقدسي في "المختارة" 150/1 عن عبد الله بن الأسود عن عامر عن عبد الله بن الزبير عن أبيه مرفوعا. وسنده حسن رجاله ثقات معروفون غير ابن الأسود فقال أبو حاتم: "شيخ" وذكره ابن حبان في الثقات 2/145 وصححه الحاكم وكذا ابن دقيق العيد بإيراده إياه في "الإلمام بأحاديث الأحكام" 122/1 وقد اشترط في المقدمة أن لا يورد فيه إلا ما كان صحيحا.

1- تعليق الصور: الأول: تعليق الصور على الجدران سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة لها ظل أو لا ظل لها يدوية أو فوتوغرافية فإن ذلك كله لا يجوز ويجب على المستطيع نزعها إن لم يستطع تمزيقها وفيه أحاديث: 1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوة1 لي بقرام2 فيه تماثيل وفي رواية: فيه الخيل ذوات الأجنحة فلما رآه هتكه وتلون وجهه وقال: "يا عائشة! أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين

_ 1 هو بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع والخزانة كذا قاله ابن الأثير في "النهاية". 2 القرام بكسر القاف: الستر الرقيق وقيل: الصفيق من صوف ذي ألوان وقيل: هو الستر الرقيق وراء الستر الغليظ. "نهاية". وقال السرقسطي في " غريب الحديث ":2/77/2: "هو ثوب من صوف فيه ألوان من العهون وهي شفق تتخذ سترا ويغطى به هودج أو كلة والجمع قرم".

يضاهون بخلق الله" وفي رواية: "إن أصحاب هذه الصور يعذبون" ويقال لهم: "أحيوا ما خلقتم" ثم قال: "إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة" قالت: عائشة: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين [فقد رأيته متكئا على إحداهما وفيها صورة] 1.

_ 1 أخرجه البخاري 10/317 - 318 ومسلم 6/158 - 160 والسياق له والبيهقي 7/269 والبغوي في شرح السنة 3/217/1 والثقفي رقم 11 وكذا عبد الرزاق في الجامع ج 2 رقم 64 – منسوختي وأحمد 6/229 و 281 والزيادة الأخيرة له وسندها على شرط مسلم. قلت: وفي هذا الحديث فائدتان: الأولى: تحريم تعليق الصور أو مافيه صورة. والثانية: تحريم تصويرها سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة وبعبارة أخرى: لها ظل أو لا ظل لها وهذا مذهب الجمهور قال النووي: "وذهب بعض السلف إلى أن الممنوع ماكان له ظل وما لا ظل له فلا بأس باتخاذه مطلقا وهو مذهب باطل فإن الستر الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم كانت الصورة فيه بلا ظل ومع ذلك أمر بنزعه".

..............................................................................................

_ وأجاب بعض من كتب في هذه المسألة من المعاصرين حديث عائشة هذا بـ "أن هذه الصورة تخالف الواقع وتصف الكذب إذ ليس في الوجود خيل ذات أجنحة ومن أجل ذلك كره رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرسم"! قلت: وهذا الجواب باطل من وجوه: أولا: أنه ليس في الحديث ما يشير أدنى إشارة إلى أن سبب الإنكار إنما هو مخالفة الصورة للواقع! بل فيه ما هو كالصريح على أن العلة غير ذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم. "إن البيت الذي فيه صور لا تدخله الملائكة" فأطلق الصور ولم يخضعها بنوع معين فهذا هتك صلى الله عليه وسلم الستر وأمر بنزعه منعا للسبب المانع من دخول الملائكة إلى البيت وهذا واضح جدا. ثانيا: لو كان سبب الإنكار هو المخالفة التي ذكرها حضرة الكاتب المشار إليه لما أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة على اتخاذها في جملة لعبها فرسا له جناحان في قصة أخرى كما سيأتي في الحديث الخامس من المسألة 40. فسقط بهذا كلام حضرة الكاتب وظل الحديث محكما ليس له معارض. وأما حديث أبي طلحة: "إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة,

..............................................................................................

_ إلا رقما في ثوب" فمعناه: "في ثوب ممتهن غير معلق" كما أفاده حديث عائشة هذا فإنه صريح في أن الملائكة لا تدخل البيت ما دام فيه صورة معلقة بخلاف ما إذا كانت ممتهنة كما أفاده قولها: "فقد رأيته متكئا على إحداهما وفيه صورة" فهذه الصورة هي التي لاتمنع من دخول الملائكة فحديث عهائشة مفصل فهو يخصص حديث أبي طلحة فلا يجوز الأخذ بعمومه كما فعل حضرة الكاتب. على أنه قد أخطأ فيه مرة أخرى فإنه استدل به على جواز تصوير الرقم في الثوب وبنى عليه جواز التصوير على الورق! وهذه مغالطة فالحديث لا يجيز إلا الاستعمال على ما فصلنا وأما تصوير الصورة نفسها فهذا مما لم يتعرض الحديث لبيانه وإنما تعرض له حديث عائشة وهو صريح في تحريم التصوير على الثوب بقوله فيه: "إن أصحاب هذه الصور يعذبون ... " فلا يجوز ترك هذا النص لحديث أبي طلحة الذي لم يتعرض لهذه المسألة وهذا بين لكل منصف إن شاء الله. ويتفرع مما ذكرنا أنه لا يجوز لمسلم عارف بحكم التصوير أن يشتري ثوبا مصورا – ولو للامتهان – لما فيه من التعاون على المنكر فمن اشتراه ولا علم له بالمنع جاز لع استعماله ممتهنا كما يدل عليه حديث عائشة هذا والله الموفق. هذا ولعل الصورة المذكورة في آخر الحديث: "فقد رأيته

2- وعنها قالت: حشوت وسادة للنبي صلى الله عليه وسلم فيها تماثيل كأنها نمرقة فقام بين البابين وجعل يتغير وجهه فقلت: ما لنا يا رسول الله؟ [أتوب إلى الله مما أذنبت] قال: "ما بال هذه الوسادة؟ " قالت: قلت: وسادة جعلتها لك لتضطجع عليها قال: "أما علمت أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة وأن من صنع الصور يعذب يوم القيامة فيقال: أحيوا ما خلقتم؟ " وفي رواية: "إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة" [قالت: فما دخل حتى أخرجتها] 1.

_ متكئا على إحداهن وفيها صورة" وكان وقع القطع في وسطها بحيث أنها خرجت عن هيئتها وبهذا جمع الحافظ بين الحديثين وبين حديث النمرقة المتقدم في المسألة 33 ص 162 – 163 فراجعه. ثم وجدت ما يؤيده من رواية أبي هريرة في حديث جبريل الآتي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن في البيت سترا في الحائط فيه تماثيل فاقطعوا رؤوسها فاجعلوها بسائط أو وسائد فأوطئوه فإنا لا ندخل بيتا فيه تماثيل. ورجاله رجال الصحيح كما بينته في سلسلة الأحاديث الصحيحة. 1 أخرجه البخاري 2/11 و 4/105 وأبو بكر

3- قوله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل عليه السلام فقال لي: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تمثال1 [الرجال] وكان في البيت قرام2 ستر فيه

_ الشافعي في "الفوائد" 6/68 والزيادة له وإسناده صحيح. والحديث أخرجه الشيخان وغيرهما بنحوه وهو مخرج في تخريجنا لكتاب الحلال والحرام للأستاذ يوسف القرضاوي رقم 121 وقد مضى في الكتاب ص 161 – 162. وهو صريح الدلالة على أن الصورة الظاهرة تمنع دخول الملائكة ولو كانت ممتهنة لأنه صلى الله عليه وسلم امتنع من الدخول حتى أخرجت وفيها قال كلمته: "إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة". 1 بكسر التاء وهي الصورة كما في "القاموس" وغيره فالتمثال يطلق على الصورة المجسمة وغير المجسمة خلافا لما يتوهم البعض وقد استعمل في الحديثين بالمعنيين فهنا أراد المعنى الأول بدليل الأمر بقطع الرأس وفي المحل الآتي أراد المعنى الثاني. 2 هو الستر الرقيق كما سبق والإضافة فيه كقولك: ثوب قميص وقيل: القرام: الستر الرقيق وراء الستر الغليظ ولذلك أضاف. كذا في " النهاية".

تماثيل وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة1 ومر بالستر

_ 1 هذا نص صريح في أن التغيير الذي يحل به استعمال الصورة إنما هو الذي يأتي على معالم الصورة فيغيرها بحيث إنه يجعلها في هيئة أخرى وقد عبر بعض الفقهاء عن هذا التعبير بقوله: "إذا كانت بحيث لا تعيش جاز استعمالها" وهذا تعبير قاصر كما لا يخفى ولهذا كان عمدة لبعض المحتالين على النصوص الذين يحاولون الخلاص منها بتاويلها أو بتحكيم آراء الرجال فيها وأصدق مثال على ذلك مثال طويل لأحدهم كنت قرأته منذ سنين في "مجلة نور الإسلام" التي سميت فيما بعد مجلة الأزهر خلاصته أنه يجوز للمسلم الفنان! أن ينحت صنما كاملا على أن يحفر حفرة في الرأس تصل إلى الدماغ بحيث أنه لا يعيش لو كان حيا! ثم تفنن حضرة الشيخ فذكر أنه لكي لا يظهر عيب الصنم من الناحية الفنية للناظرين فإنه بإمكان الفنان أن يضع الشعر المستعار على الرأس المحفور وبذلك تنستر الفجوة ويبدو تمثالا كاملا لا عيب فيه يرضي الفنانين! وفي الوقت نفسه قد يكون أرضى الشارع بزعمه! فهل رأيت أيها المسلم تلاعبا بالشريعة ونصوصها ما يشبه هذا التحريف المنشور في مجلة محترمة! تالله إن هذا لأشبه شيء بعمل من ضربت عليهم الذة والمسكنة وقال الله

..................................................................

_ فيهم: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه أي ذوبوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه". متفق عليه ولهذا حذرنا من اتباع سننهم فقال: "لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل" رواه ابن بطة في جزء إبطال الحيل ص 24 بسند جيد كما قال ابن تيمية وابن كثير ولكن ذلك كله ما أغنى شيئا بعض هؤلاء المتشبهين بهم لهوى في نفوسهم أعاذنا الله منه وانظر العاية 11. وقريب من هذا تفريق بعضهم بين الرسم باليد وبين التصوير الشمسي بزعم أنه ليس من عمل الإنسان! ولي من عمله فيه إلا إمساك الظل فقط! كذا زعموا أما ذلك الجهد الجبار الذي صرفه المخترع لهذه الآلة حتى استطاع أن يصور في لحظة ما لا يستطيعه في ساعات فلي من عمل الإنسان عند هؤلاء! وكذلك توجيه المصور للآلة وتسديدها نحو الهدف المراد تصويره وقيبل ذلك تركيب ما يسمونه بالفلم ثم بعد ذلك تحميضه وغير ذلك مما لا أعرفه فهذا أيضا ليس من عمل الإنسان عند أولئك أيضا! وقد تولى

.....................................................................

_ بيان كيف يتم التصوير الشمسي الأستاذ أبو الوفاء درويش في رده على فضيلة الشيخ محمد إبراهيم مفتي الديار السعودية ص 43 – 45 وخلاصته أنه لا بد للمصور من أن يأتي بأحد عشرا نوعا من الأفعال حتى تخلق الصورة ومع هذا كله فالأستاذ المذكور العليم بهذه الأنواع يقول دون أي تردد: "إن هذه الصورة ليست من عمل الإنسان". وثمرة هذا التفريق عندهم أنه يجوز تعليق صورة رجلا مثلا في البيت إذا كانت مصورة بالتصوير الشمسي ولا يجوز ذلك إذا كانت مصورة باليد! ولو أن مصورا صور هذه الصور اليدوية بالآلة جاز تعليقها أيضا عندهم فهل رأيت أيها القارئ جمودا على ظواهر النصوص مثل هذا الجحود؟ أما أنا فم أر له مثلا إلا جمود بعض أهل الظاهر قديما مثل قول أحدهم في حديث: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم البول في الماء الراكد". قال: فالمنهي عنه هو البول في الماء مباشرة أما لو بال في إناء ثم أراقه في الماء فهذا ليس منهيا عنه! يقول هذا مع أن تلويث الماء حاصل بالطريقين ولكن جموده على النص منعه من فهم الغاية من النص. وكذلك هؤلاء المبيحون للتصوير الشمسي جمدوا على طريقة التصوير التي كانت معروفة في عهد النهي عنه ولم يلحقوا بها

..............................................................................................

_ هذه الطريقة الجديدة من التصوير الشمسي مع أنها تصوير لغة وشرعا وأثرا وضررا كما يتبين ذلك بالتأمل في ثمرة التفريق المذكور آنفا. لقد قلت لأحدهم منذ سنين: يلزمكم على هذا أن تبيحوا الأصنام التي لاتنحت نحتا وإنما بالضغط على الزر الكهرباي الموصول بآلة خاصة تصدر عشرات الأصنام في دقائق كما هو معروف بالنسبة للعب الأطفال ونحوها من تماثيل الحيوانات فما تقول في هذا؟ فبهت. ومن الغريب أن هؤلاء الظهريين المحدثين في غفلة من ظاهريتهم إلى درجة أن بعضهم وصفهم بقوله: "وأولئك هم الذين فهموا النص على حقيقته"! وقد آن للقارئ اللبيب أن يتبين من هم أولئك؟ فاعتبروا يا أولي الأبصار. وقبل أن أنهي هذه الكلمة لا يفوتني أن ألفت النظر إلى أننا وإن كنا نذهب إلى تحريم التصوير بنوعيه جازمين بذلك فإننا لا نرى مانعا من تصوير ما فيه فائدة محققة دون أن يقترن بها ضرر ما ولا تتيسر هذه الفائدة بطريق أصله مباح مثل التصوير الذي يحتاج إليه في الطب وفي الجغرافيا وفي الاستعانة على اصطياد المجرمين والتحذير منهم ونحو ذلك فإنه جائز بل قد يكون بعضه واجبا في بعض الأحيان والدليل على ذلك حديثان: الأول: عن عائشة أنها كانت تلعب بالبنات فكان النبي صلى الله عليه وسلم

..............................................................................................

_ يأتي لي بصواحبي يلعبن معي. أخرجه البخاري 10/433 ومسلم 7/135 وأحمد 6/166 و 233 و 234 واللفظ له وابن سعد 8/66 وفي رواية عنها أنه كان لها بنات – تعني اللعب – فكان إذا دخل النبي صلى الله عليه وسلم استتر بثوبه منها. قال أبو عوانة: لكي لا تمتنع. أخرجه ابن سعد 8/56 وسنده صحيح. وسيأتي حديث آخر لها في اتخاذها فرسا له جناحان من رقاع". قال الحافظ: "واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن". الثاني: عن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأمصار [التي حول المدينة] "من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم" قالت: فكنا نصوم ونصوم صبياننا [الصغار منهم إن شاء الله ونذهب إلى المسجد] ونجعل لهم اللعبة من العهن [فنذهب به معنا] فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون الإفطار وفي رواية: فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى

فليقطع فليجعل منه وسادتين توطآن ومر بالكلب فليخرج [فإنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب] وإذا الكلب [جرو] لحسن أو حسين كانت تحت نضد1 لهم وفي رواية: تحت سريره [فقال: "يا عائشة! متى دخل هذا الكلب؟ " فقالت: والله ما دريت] فأمر به فأخرج [ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه] 2.

_ 1 بفتح النون والضاد المعجمة: هو السرير الذي تنضد عليه الثياب أي: يجعل بعضها فوق بعض. كما في "غريب الحديث" لابن قتيبة و "النهاية" لابن الأثير. 2 حديث صحيح وهو مجموع من رواية خمسة من

2- ستر الجدران بالسجاد: الأمر الثاني مما ينبغي اجتنابه: ستر الجدار بالسجاد ونحوه ولو من غير الحرير لأنه سرف وزينة غير

_ الصحابة: أبو هريرة والسياق له رواه أبو داود 2/189 والنسائي 2/302 والترمذي 4/21 وصححه ابن حبان 1487 وأحمد 2/305 – 308 و 478 وعبد الرزاق في الجامع رقم 68 وابن قتيبة في غريب الحديث 1/100/1 والبغوي في شرح السنة 3/218/1 والضياء المختارة 10/107/1 وسندهم صحيح. الثاني والثالث: وعائشة وميمونة عند مسلم 6/156 وأبي عوانة في "صحيحه" 8/249 – 250 – 253/2 وأحمد 6/142 – 143, 330 والبغوي 3/217/1 وكذا الطحاوي في المشكل 1/376 – 377 وأبي يعلى 333/2 و 335/2. الرابع: وأبو رافع رواه الروياني 25/139/2 وعنده الزيادة الثانية والزيادة الأخيرة لميمونة والتي قبلها مع الرواية الأخرى لعائشة وسائرها لأبي هريرة عند أحمد وغيره. الخامس: عن أسامة بن زيد عند الطحاوي بسند حسن.

مشروعة لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غائبا في غزاة غزاها فلما تحينت قفوله أخذت نمطا1 [فيه صورة] كانت لي فسترت به على العرض2 فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقيته في الحجرة فقلت: السلام عليك يا رسول ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي أعز [ك] فنصرك

_ 1 في "القاموس": " النمط محركة: ظهارة فراش ما أو ضرب من البسط". 2 أي: الجانب في "النهاية": "العرض بالضم الجانب والناحية من كل شيء" قلت: ولم يورد هذا الحديث في هذه المادة والظاهر انه منها بقرينة حديث عائشة الآخر قال أنس: كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها. الحديث. رواه البخاري 10/321. والله أعلم ثم رأيت الخطابي روى الحديث في كتابه "غريب الحديث" بلفظ: "العرض" ثم قال: "وهو غلط والصواب: "العرص" يعني بالصاد المهملة والعين المفتوحة وهو خشبة توضع على البيت عرضا إذا أرادوا تسقيفه ثم يلقى عليه أطراف الخشب القصار". والله أعلم

وأقر عينيك وأكرمك قالت: فلم يكلمني! وعرفت في وجهه الغضب ودخل البيت مسرعا وأخذ النمط بيده فجبذه1 حتى هتكه ثم قال: " [أتسترين الجدار؟!] [بستر فيه تصاوير؟!] إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة [والطين"2 قالت: فقطعنا منه وسادتين

_ 1 أي: جذبه. في "النهاية": "الجبذ لغة في الجذب وقيل: هو مقلوب" 2 قال البيهقي: "وهذه اللفظة تدل على كراهة كسوة الجدران وإنكان سبب اللفظ فيما روينا من طرق الحديث يدل على أن الكراهية كانت لما فيه من التماثيل". قلت: بل الكراهية للأمرين معا هذا الذي ذكره البيهقي ولستر الجدار كما هو صريح الزيادتين اللتين وردتا في بعض طرق الحديث الأولى: "فيه صورة" والأخرى: "أتسترين الجدار" فقد جمعت هذه الرواية ذكر السببين لكن عذر البيهقي أنها لم تقع له. والله أعلم. وقد ذهب إلى القول بما أفاده الحديث من كراهية ستر الجدار الشافعية ومنهم البغوي في شرح السنة 3/218/2 وصرح الشيخ أبو نصر المقدسي منهم بالتحريم واحتج بهذا الحديث كما في

وحشوتهما ليفا فلم يعب ذلك علي] [قالت: فكان صلى الله عليه وسلم يرتفق عليهما] 1. ولهذا كان بعض السلف يتمنع من دخول البيوت

_ الفتح 9/25. وهذا الاختلاف إنما هو إذا لم تكن الستائر حريرا أو ذهبا قال شيخ الإسلام في الاختيارات 144: "فأما الحرير والذهب فيحرم كما تحرم سيور الحرير والذهب على الرجال والحيطان والأثواب التي إذ ليس هو من اللباس. قال: ويكره تعليق الستور على الأبواب من غير حاجة لوجود أغلاق وغيرها من أبواب ونحوها وكذلك الستور في الدهليز لغير حاجة فإن زاد على الحاجة فهو سرف وهل يرتقي إلى التحريم؟ فيه نظر". 1 رواه مسلم 6/158 وأبو عوانة 8/253/1 و 261/1 والسياق مع الزيادتين الأولى والثالثة وأحمد 6/247 وأبو بكر الشافعي في الفوائد 67/2والزيادة الأخيرة له وأبو يعلى في مسنده 225/1 وله ماقبلها والهيثم بن كليب 124/2 والزيادة الثانية له والروياني 28/181/1 والزيادة قبل الأخيرة لمسلم وأبي عوانة. وعلقه أبو بكر المروذي في الورع 20/2 – 21/1.

المستورة جدرها قال سالم بن عبد الله: "أعرست في عهد أبي فآذن أبي الناس وكان أبو أيوب فيمن آذنا وقد ستروا بيتي بنجاد1 أخضر فأقبل أبو أيوب فدخل فرآني قائما واطلع فرأى البيت مستترا بنجاد أخضر فقال: يا عبد الله أتسترون الجدر؟ قال: أبي: - واستحيى - غلبنا النساء أبا أيوب! فقال: من [كنت] أخشى [عليه] أن تغلبنه النساء فلم [أكن] أخشى [عليك] أن تغلبنك! ثم قال: لا أطعم لكم طعاما ولا أدخل لكم بيتا. ثم خرج رحمه الله"2. 3- نتف الحواجب وغيرها! الثالث: ما تفعله بعض النسوة من نتفهن حواجبهن حتى تكون كالقوس أو الهلال يفعلن ذلك تجملا

_ 1 بكسر النون جمع "النجد" وهو ما يزين به البيت من البسط والوسائد والفرش. "اللسان". 2 أخرجه الطبراني 1/192/2 وابن عساكر 5/218/2 عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم. وهذا سند جيد. وذكره أبو بكر المروذي في الورع 20/1 تعليقا وكذا البغوي في شرح السنة 3/24 والزيادات منه وذكر المروذي 19/2 أن الإمام أحمد احتج به.

بزعمهن! وهذا مما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعن فاعله بقوله: "لعن الله الواشمات1 والمستوشمات2 [[والواصلات3] والنامصات4 [والمتنمصات,

_ 1 جمع واشمة اسم فاعل من "الوشم": وهو غرز الإبرة ونحوها في الجلد حتى يسيل الدم ثم حشوه بالكحل أو ما شابه فيخضر. 2 جمع مستوشمة وهي التي تطلب الوشم. 3 رواه البخاري وأبو داود انظر "الصحيحة" 2797. 4 جمع نامصة وهي التي تفعل النماص والمتنمصات: جمع متنمصة وهي التي تطلبه. و "النماص": إزالة شعر الوجه بالمنقاش كما في "النهاية" وغيره وذكر الوجه للغالب لا للتقييد فما قيل: "ويقال إن النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترفيعهما أو تسويتهما" فمما لا يخفى في التعليق على هذا الحديث في تخريج الحلال رقم 97. قال الطبري لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي

والمتفلجات للحسن1 المغيرات خلق الله" 2.

_ خلقها الله عليها بزيادة أو نقصان التماس الحسن لا زوج ولا لغيره كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج أو عكسه ومن يكون شعرها قصيرا أو حقيرا فتطوله أو تغرزه بشعر غيرها فكل داخل في النهي هو من تغيير خلق الله ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر والأذية. اهـ مختصرا "من الفتح". 1 أي: لأجل الحسن و "المتفلجات": جمع متفلجة: وهي التي تطلب الفلج وهو فرجة ما بين الثنايا والرباعيات والتفلج أن يفرج بين المتلاصقين بالمبرد ونحوه. 2 صفة للمذكورات جميعا وهو كالتعليل لوجوب اللعن المستدل به على الحرمة. والحديث أخرجه البخاري 10/306 و 310 و 311 و 312 ومسلم 6/166 - 167 وأبو داود 2/191 والترمذي 3/16 وصححه والدارمي 2/279 وأحمد رقم 4129 وابن بطة في الإبانة 1/136/2 – 137/1 وأبو يعلى 246/2 والهروي في ذم الكلام 2/33/1 وابن عساكر 11/298/1 – 2 من حديث ابن مسعود وله في مسند أحمد طرق كثيرة بألفاظ مختلفة وكذا رواه الطبراني 3/35 – 36 وابن عساكر والهيثم بن كليب في مسنده 49/1 و 98/2 و 99/1 وفي رواية له عن قبيصة بن جابر قال:

4- تدميم الأظفار وإطالتها: الرابع: هذه العادة القبيحة الأخرى التي تسربت من فاجرات أوربا إلى كثير من المسلمات وهي

_ كنا نشارك المرأة في سورة القرآن نتعلمها فانطلقت مع عجوز من بني أسد إلى ابن مسعود [في بيته] في ثلاثة نفر فرأى جبينها يبرق فقال أتحلقينه؟! فغضبت وقالت التي تحلق جبينها امرأتك! قال فادخلي عليها فإن كانت ماتفعله فهي مني بريئة فانطلقت ثم جاءت فقالت لا والله ما رأيتها تفعله فقال عبد الله ابن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وسنده حسن. وفيه أن النتف يشمل غير الحاجب وأن الحلق مثله. فتنبه. وأما ما روى ابن سعد 8/86 – 87 في قصة بنائه صلى الله عليه وسلم على صفية أنه قال لأم سليم: "عليكن صاحبتكن فامشطنها" وفيها: "وما شعرنا حتى قيل رسول الله يدخل على أهله وقد نماصناها". فالظاهر أنها تقصد: مشطناها بدليل السياق وإنما عبرت بالنمص عن المشط لما يخرج من الشعر مع التمشيط عادة على انه لا يمكن الحكم بصحة هذه الجملة في القصة لأنها رويت بعدة أسانيد دخل حديث بعضهم في بعض ومدار طريق إحداها على الواقدي الكذاب.

تدميمهن لأظفارهن بالصمغ الأحمر المعروف اليوم بـ مينيكور وإطالتهن لبعضها - وقد يفعلها بعض الشباب أيضا - فإن هذا مع ما فيه من تغير لخلق الله المستلزم لعن فاعله كما علمت آنفا ومن التشبه بالكافرات المنهي عنه في أحاديث كثيرة1 التي منها قوله صلى الله عليه وسلم: " ... ومن تشبه بقوم فهو منهم" 2 فإنه أيضا مخالف للفطرة {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الفطرة3 خمس: الاختتان والاستحداد4,

_ 1 قد ذكرت هذه الأحاديث باستقصاء في كتابي "حجاب المرأة المسلمة" ص 53 – 81 فمن شاء فليراجعها. 2 رواه أبو داود وأحمد وكذا عبد بن حميد في "المنتخب" 92 / 2 والطحاوي في "المشكل" بسند حسن كما بينته في المصدر الآنف الذكر ص 80 – 81. 3 أي: السنة يعني: سنن الأنبياء عليهم السلام التي أمرنا أن نقتدي بهم. كذا في النهاية. 4 استفعال من الحديد والمراد به استعمال الموسى في حلق الشعر من مكان مخصوص من الجسد والرواية الأخرى تعين

وفي رواية: حلق العانة وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط". وقال أنس رضي الله عنه: "وقت1 لنا وفي رواية: وقت لنا رسول الله في

_ ذلك المكان ويعجبني بهذه المناسبة قول أبي بكر بن العربي المعرف لا ابن عربي النكرة!: "عندي أن الخصال الخمس المذكورة في هذا الحديث كلها واجبة فإن المرء لو تركها لم تبق صورته على صورة الآدميين فكيف من جملة المسلمين". نقلته من الفتح 10/279 وهذا منه فقه دقيق ومن تعقبه فلم يصبه التوفيق. والحديث أخرجه البخاري 10/276 - 378 ومسلم 1/153 وأبو داود 2/194 والنسائي 1/7 والرواية الأخرى له أحمد 2/229 و 239 و 283 و 410 و 489 من حديث أبي هريرة. 1 بالبناء للمجهول وهو في حكم المرفوع على الراجح عند العلماء ولا سيما وقد صرح في الرواية الأخرى بأن المؤقت هو النبي صلى الله عليه وسلم وإعلال الشوكاني 1/96 إياها بأن فيها صدفة من موسى ذهول عن أن النسائي رواها من غير طريقه بسند صحيح وكذلك رواها من غير طريقه أبو العباس الأصم في " حديثه " رقم 34 من نسختي وابن عساكر 3/275/2.

قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة"1. 5- حلق اللحى: الخامس: ومثلها في القبح - إن لم تكن أقبح منها عند ذوي الفطر السليمة - ما ابتلي به أكثر الرجال من التزين بحلق اللحية بحكم تقليدهم للأوربيين الكفار حتى صار من العار عندهم أن يدخل العروس2 على عروسه وهو غير حليق! 3 وفي ذلك عدة مخالفات:

_ 1 رواه مسلم 1/153 وأبو عوانة 1/190 وأبو داود 2/195 والنسائي 1/7 والترمذي 4/7 وأحمد 3/122 و 203 و 355 وابن الأعرابي في المعجم 41/1 وابن عدي 201/2 وابن عساكر 8/142/1 والرواية الأخرى لهم جميعا إلا الأولين. 2 يقال للرجل: عروس كما يقال للمرأة كما سبق. 3 وزاد بعضهم في الضلال فجعلوا إعفاء اللحية بمناسبة وفاة قريب لهم من الكمال! {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} .

أ- تغيير خلق الله قال تعالى في حق الشيطان: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً} . فهذا نص صريح في أن تغيير خلق الله دون إذن منه تعالى إطاعة لأمر الشيطان وعصيان للرحمن جل جلاله فلا جرم أن لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرات خلق الله للحسن كما سبق قريبا ولا شك في دخول اللحية للحسن! في اللعن المذكور بجامع الاشتراك في العلة كما لا يخفى وإنما قلت: "دون إذن من الله تعالى" لكي لا يتوهم أنه يدخل في التغيير المذكور مثل حلق العانة ونحوها مما أذن فيه الشارع بل استحبه أو أوجبه. ب- مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم وهو قوله:

"أنهكوا1 الشوارب وأعفوا اللحى2". ومن المعلوم أن الأمر يفيد الوجوب إلا لقرينة والقرينة هنا مؤكدة للوجوب وهو: ج- التشبه بالكفار قال صلى الله عليه وسلم: "جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا

_ 1 أي: بالغوا في القص ومثله "جزوا" والمراد المبالغة في قص ما طال على الشفة لا حلق الشارب كله فإنه خلاف السنة العملية الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم ولهذا لما سئل مالك عمن يحفي شاربه؟ قال: أرى أن يوجع ضربا وقال لمن يحلق شاربه: هذه بدعة ظهرت في الناس رواه البيهقي 1/151 وانظر "فتح الباري" 10 / 285 - 286 ولهذا كان مالك وافر الشارب ولما سئل عن ذلك قال: حدثني زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير أن عمر رضي الله عنه كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ رواه الطبراني في "المعجم الكبير" 1/4/1 بسنتد صحيح وروى هو 1/329/2 وأبو زرعة في "تاريخه" 46/1 والبيهقي: أن خمسة من الصحابة كانوا يقمون أي يستأصلون شواربهم يقمون مع طرف الشفة". وسنده حسن 2 رواه البخاري 10/289 واللفظ له. ومسلم 1/153 وأبو عوانة 1/189 وغيرهم عن ابن عمر.

المجوس" 1. ويؤيد الوجوب أيضا: د- التشبه بالنساء فقد: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال"2.

_ 1 مسلم وأبو عوانة في صحيحيهما عن أبي هريرة. 2 رواه البخاري 10/274 والترمذي 2/129 – طبع بولاق وصححه والبغوي في حديث علي بن الجعد 5/145/2 وابن حبان في الثقات 2/89 وأبو نعيم في أخبار أصبهان 1/120 وابن عساكر في تحريم الأبنة 166/1 وكذا أبو العباس الأصم في الثاني من حديثه رقم 99 – نسختي والدولابي 1/105 عن ابن عباس. وله شواهد من حديث أبي سعيد الخدري عند الهيثم الدوري في "ذم اللواط" 157/1. وآخر من حديث أبي هريرة عند ابن عساكر 166/1 وكذا ابن ماجه 1903. وثالث في حديث ابن عمر في جزء الشموخي رقم 16. ومما لا ريب فيه – عند من سلمت فطرته وحسنت طويته – أن

..............................................................................................

_ كل دليل من هذه الأدلة الأربعة كاف لإثبات وجوب إعفاء اللحية وحرمة حلقها فكيف بها مجتمعة؟! ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمة: ويحرم حلق لحيته. كذا في الكواكب الدراري 1/101/2 وروى ابن عساكر 13/101/2 عن عمر بن عبد العزيز أن حلق اللحية مثلة وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة. وقد كنت فصلت القول في هذه المسألة في مقال تولت نشره مجلة الشهاب في العدد 41 من السنة الأولى ثم قام بعض المخلصين من المحبين للسنة والمجاهدين في سبيلها على نشرها في رسالة لطيفة للطباعة والنشر في بغداد وقد ذكرت فيها نصوص العلماء في تحريم الحلق نقلا عن الأئمة الأربعة فمن شاء الوقوف على ذلك فليرجع إليها. ولا تغتر أيها الأخ بكثرة المبتلين بهذه المخالفة وإن كان فيهم بعض من ينسبون إلى العلم فإن العمل بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهدى والنور فالجهل خير منه ولا سيما إذا استغل هذا العلم في سبيل تأويل النصوص الصريحة وردها تبعا للهوى وجريا مع التيار بمثل قول بعضهم: إن إعفاء اللحية ليس من أمور الدين بل من شؤون الدنيا

ولا يخفى أن في حلق الرجل لحيته - التي ميزه الله بها على المرأة - أكبر تشبه بها فلعل فيما أوردنا من الأدلة ما يقنع المبتلين بهذه المخالفة عافانا الله وإياهم من كل ما لا يحبه ولا يرضاه 6- خاتم الخطبة: السادس: لبس بعض الرجال خاتم الذهب الذي يسمونه بـ "خاتم الخطبة" فهذا مع ما فيه من تقليد الكفار أيضا - لأن هذه العادة سرت إليهم من النصارى1

_ التي يخير فيها المسلم! يقولون هذا وهم يعلمون أن إعفاء اللحية من الفطرة كما قال صلى الله عليه وسلم على ما رواه مسلم وغيره والفطرة لا تقبل التغيير شرعا كما قال عز وجل: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} فاللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. 1 ويرجع ذلك إلى عادة قديمة لهم عندما كان العروس يضع الخاتم على رأس إبهام العروس اليسرى ويقول: باسم الأب. ثم ينقله واضعا له على رأس السبابة ويقول: وباسم الابن. ثم يضعه على رأس الوسطى ويقول: وباسم الروح القدس وعندما يقول آمين

..............................................................................................

_ يضعه أخيرا حيث يستقر. وقد وجه سؤال إلى مجلة "المرأة WOMAN" التي تصدر في لندن في عدد 19 آذار 1960 ص 8. وأجابت عنه "أنجيلا تلبوت Angela Talbot" محررة قسم الأسئلة. والسؤال هو: "لماذا يوضع خاتم الزواج في بنصر اليد اليسرى؟ " Why is the wedding ring placed on the third finger of the left hand? والجواب: "يقال: إنه يوجد عرق في هذه الإصبع يتصل مباشرة بالقلب. وهناك أيضا الأصل القديم عندما كان يضع العروس الخاتم على رأس إبهام العروسة اليسرى ويقول: باسم الأب فعلى رأس السبابة ويقول: باسم الابن فعلى رأس الوسطى ويقول: وباسم روح القدس وأخيرا يضعه في البنصر – حيث يستقر – ويقول: "أمين". It is said there is a vein that runs directly from the finger to the heart. Also, there is the ancient origin whereby the bridegroom placed the ring on the tip of brides left thumb, saying: "in the name of father" on the

- ففيه مخالفة صريحة لنصوص صحيحة تحرم خاتم الذهب على الرجال وعلى النساء أيضا كما ستعلمه وإليك بعض هذه النصوص: أولا: "نهى صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب"1. ثانيا: عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال:

_ first finger, saying: "in the name of the son" on the second finger, saying: = And of the Holy Ghost", on the word "Amen" the ring was finally placed on the third finger where is remained. الترجمة الحرفية لهذه العبارة الأخيرة: وعندما يقول: آمين. يضعه أخيرا في البنصر حيث يستقر. وقد تولى نقل هذا وترجمته الكاتبة الفاضلة ملك هنانو فجزاها الله خيرا. 1 رواه البخاري 10/259 ومسلم 6/135 وأحمد 4/287 عن البراء بن عازب والبخاري 10/260 ومسلم 6/149 والنسائي 2/288 وأحمد 2/468 وابن سعد 1/2/161 عن أبي هريرة وفي الباب عن علي وعمران وغيرهما.

"يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده؟ " 1. فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك وانتفع به قال: لا والله لا آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم1. ثالثا: عن أبي ثعلبة الخشني أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر في يده خاتما من ذهب فجعل يقرعه بقضيب معه فلما غفل النبي صلى الله عليه وسلم ألقاه [فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يره في يده فـ]

_ 1 رواه مسلم 6/149 وابن حبان في "صحيحه" 1/150 والطبراني 3/150/1 – 2 وابن الديباجي في "الفوائد المنتقاة" 2/80/1 – 2. والحديث نص في تحريم خاتم الذهب فما سيأتي عن أحمد رحمه الله أنه يكره فمحمول على كراهة التحريم. انظر كلامه في ذلك التعليق على الحديث الرابع في هذا الفصل "ص 219". وقد روي عن أبي هريرة مرفوعا: "لعن الله لابسه" رواه الثقفي في "الثقفيات" ج 6 رقم 36 – منسوختي لكن في سنده سيف بن مسكين وهو متهم.

قال: "ما أرانا إلا قد أوجعناك وأغرمناك" 1.

_ 1 رواه النسائي 2/288 وأحمد 4/195 وابن سعد 7/416 وأبو نعيم في أصبهان 1/400 عن النعمان بن راشد عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي ثعلبة. ورجاله ثقات رجال مسلم لكن النعمان سيء الحفظ وتابعه عبد الرحمن بن راشد عند المحاملي في الأمالي ج 9 رقم 18. وقد خالفهما يونس فرواه عن الزهري عن أبي إدريس مرسلا أخرجه النسائي وقال: "إنه أولى بالصواب". قلت: هو صحيح الإسناد مرسلا لكن ذكره الحافظ في الفتح 10/261 موصولا فقال: "رواه يونس عن الزهري عن أبي إدريس عن رجل له صحبة ... " فذكره بنحوه ولم يذكر يخرجه. ثم رأيته في جامع بن وهب ص 99: أخبرني يونس بن يزيد به. فإذا ثبت هذا فالحديث صحيح لأن جهالة الصحابي لا تضر. وقد سماه الأوزاعي في روايته عن الزهري أبا ذر أخرجه ابن عساكر 14/173/1 لكن فيه القاسم بن عمر الربعي ولم أجد من ترجمه وفي الباب عن رجل من أشجع عند أحمد 4/260 و 5/272 وسنده صحيح أيضا.

رابعا: عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على بعض أصحابه خاتما من ذهب فأعرض عنه فألقاه واتخذ خاتما من حديد فقال: "هذا شر هذا حلية أهل النار" فألقاه فاتخذ خاتما من ورق1 فسكت عنه2.

_ 1 أي: فضة. 2 رواه أحمد رقم 6518 و 6680 والبخاري في الأدب المفرد رقم 1021 عن عمرو بن شعيب عن أبيه وهذا سند حسن وسكت عليه ابن رجب في شرح الترمذي 90/2. والحديث صحيح فإن له في "المسند" رقم 6977 طريقا أخرى عن ابن عمرو وفيه ضعف. وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب رواه أحمد في "المسند" رقم 132 والعقيلي ص 416 ورجاله ثقات على انقطاع فيه ووصله العقيلي بسند فيه ضعف رواه ابن سعد 4/281 عنه موقوفا. وله شاهد ثان من حديث بريدة أخرجه أصحاب السنن والدولابي 2/16 وصححه ابن حبان لكن ضعفه الحافظ في الفتح 10/256 لأن فيه أبا طيبة عبد الله بن مسلم المروزي,

..............................................................................................

_ قال أبو حاتم الرازي: "يكتب حديثه ولا يحتج به". وقال ابن حبان في الثقات: يخطئ ويخالف". قلت: فهو ضعيف من قبل حفظه غير متهم في نفسه ولهذا قال الحافظ في التقريب: "صدوق يهم". فمثله يحتج بحديثه عند المتابعة وعدم التفرد وهذا الحديث من هذا القبيل فهو شاهد قوي إن شاء الله تعالى. وله شاهد ثالث من حديث جابر أخرجه أبو الحسن بن الصلت المجبر في جزء أمالي أبي عبد الله المحاملي وإسماعيل الصفار 58/1. "تنبيه": أفاد الحديث تحريم خاتم الحديد لأنه جعله شرا من خاتم الذهب فلا يغتر بإفتاء بعض أفاضل المفتين بإباحته اعتمادا منه على حديث الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل خطب امرأة ليس عنده مهر لها: "التمس ولو خاتما من حديد". وقد خرجته في الإرواء 1983 فإن هذا ليس نصا في إباحة الحديد ولهذا قال الحافظ في الفتح 10/266:

..............................................................................................

_ "واستدل به على جواز لبس الخاتم الحديد ولا حجة فيه لأنه لا يلزم من جواز الاتخاذ جواز اللبس فيحتمل أنه أراد وجوده لتنتفع المرأة بقيمته". قلت: ولو فرض أنه نص في الإباحة فينبغي أن يحمل على ماقبل التحريم جمعا بينه وبين هذا الحديث المحرم كما هو الشأن في الجمع بين الأحاديث المبيحة لتحلي الرجال بالذهب والأحاديث المحرمة لها وهذا بين لا يخفى إن شاء الله تعالى. وقد ذهب إلى ما أفاده هذا الحديث أحمد وابن راهويه رحمهما الله فقال إسحاق بن منصور المروزي لأحمد: الخاتم من ذهب أو حديدي يكره؟ فقال: إي والله قال إسحاق كما قال كما في مسائل المروزي ص 224. وانظر تعليقنا على الحديث المتقدم ص 215. وبه قال مالك كما رواه ابن وهب في الجامع غنه 101 وهو قول عمر رضي الله عنه كما في طبقات ابن سعد 4/114 وجامع بن وهب 100 ورواه عبد الرزاق والبيهقي في الشعب كما في الجامع الكبير 13/191/1. ولا مخالفة أيضا بين الحديث وبين مارواه معيقيب رضي الله عنه قال: "كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم حديدا ملويا عليه فضة قال: وربما كان في يدي فكان معيقيب على خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم".

..............................................................................................

_ رواه أبو داود 2/198 والنسائي 2/290 بسند صحيح وله شواهد ثلاثة مرسلة في طبقات ابن سعد 1/2/163 – 164 أوردها الحافظ في الفتح 10/265 وشاهد رابع في الطبراني 1/206/2. أقول: لا مخالفة بينها وبين الحديث لأنه يمكن الجمع بحمل المنع على ماكان صرفا كما قال الحافظ على أن القول مقدم على الفعل كما سبق فالأخذ به أولى من الأخذ بحديث معيقيب عند تعذر الجمع. والله أعلم. وأما مارواه النسائي 2/290 من طريق داود بن منصور قال: ثنا ليث بن سعد عن عمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري قال: أقبل رجل من البحرين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم فلم يرد عليه وكان في يده خاتم من ذهب.. فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه كان في يده جمرة من نار!.." قال فماذا أتختم: قال: "حلقة من حديد أو ورق أو صفر". فهو حديث ضعيف وقد تكلم عليه الحافظ ابن رجب الحنبلي في شرح الترمذي 90/1 فلم يشف وله عندي علة دقيقة سببها – فيما أرى – داود بن منصور هذا فإنه وإن كان صدوقا فإن في حفظه ضعفا كما أشار الحافظ إلى ذلك بقوله في التقريب: "صدوق يهم".

......................................................................................

_ وقد خافه في إسناده من هو مثله فقال البخاري في الأدب المفرد رقم 1022 حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث به إلا أنه قال بدل أبي البختري أبي النجيب. وهكذا رواه الطبراني كما في المجمع 5/154. ويرجح في رةواية ابن صالح أن ابن وهب رواه كذلك فقال في الجامع 99: أخبرني عمرو بن الحارث به ومن طريق ابن وهب رواه أحمد 3/14. وهارون ثقة من رجال مسلم ولكن خالفه من هو مثله فقال النسائي أيضا 2/288: أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: أنبأنا ابن وهب إلا أنه قال: أبي البختري. فإذا كان هذا محفوظا فالحديث مضطرب فإذا قلنا بترجيح أبي البختري فالحديث منقطع لأن أبا البختري واسمه سعيد بنفيروز لم يسمع من أبي سعيد كما قال أبو داود وأبو حاتم وإن رجحنا أنه أبو النجيب فهو مجهول الحال لم يوثقه غير ابن حبان ولم يرو عنه غير بكر بن سوادة والراجح عندي أنه هذا لأن أحمد دفي رواية: "عن بكر بن سوادة أن أبا النجيب مولى عبد الله بن سعد حدثه أن أبا سعيد الخدري حدثه ... " فقد صرح بسماعه من أبي سعيد كما سبق وتعين أنه أبو النجيب وهو علة الحديث عندي فلا يجوز أن يعارض به الحديث الصحيح ولا سيما ليس في رواية أحمد قوله في آخر الحديث: "قال: فماذا أتختم؟ قال: حلقة من حديد ... "

خامسا: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس حريرا ولا ذهبا" 1. سادسا: "من لبس الذهب من أمتي فمات وهو يلبسه حرم الله عليه ذهب الجنة" 2.

_ هذا وفي الحديث أيضا جواز اتخاذ خاتم الفضة وإطلاقه يقتضي إباحته ولو كان أكثر من مثقال وأما حديث: " ... ولا تتمه مثقالا" فضعيف كما بينته في الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة وقد نشر منها حتى الآن ألفا حديث في أربع مجلدات ولدي أضعافها. 1 رواه أحمد 5/261 عن أبي أمامة مرفوعا بسند حسن. 2 رواه أحمد رقم 6556 و 6947 عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بسند صحيح وقد تكلم عليه فضيلة الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على "المسند" فأجاد.

تحريم خاتم الذهب ونحوه على النساء

39- تحريم خاتم الذهب ونحوه على النساء: واعلم أن النساء يشتركن مع الرجال في تحريم خاتم الذهب عليهن ومثله السوار والطوق من الذهب؛

لأحاديث خاصة وردت فيهن1 فيدخلن لذلك في بعض النصوص المطلقة التي لم تقيد بالرجال مثل الحديث الأول المتقدم آنفا وإليك الآن ما صح من الأحاديث المشار إليها: الأول: "من أحب أن يحلق حبيبه2 بحلقة من نار فليحلقه حلقة3 من ذهب ومن أحب أن يطوق حبيبه طوقا من نار فليطوقه طوقا من ذهب ومن أحب أن يسور حبيبه سوارا من نار فليطوقه طوقا وفي رواية: فليسوره سوارا من ذهب ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها

_ 1 ويأتي بيان ما يباح لهن من الذهب ص 234. 2 فعيل بمعنى مفعول وهو يشمل الرجل والمرأة كما يقال: رجل قتيل وامرأة قتيل وهذا معلوم في اللغة وقد جاء في رواية: "حبيبته" بصيغة التأنيث في حديث أبي موسى الآتي الإشارة إليه قريبا إن شاء الله. 3 هو الخاتم لا فص له كذا في "النهاية". قلت: وقد توضع الحلقة في الأذن وتسمى حينئذ قرطا كما يأتي فالظاهر أن الحديث لا يشمله لكن رويت أحاديث تقتضي التحريم فيها ضعف فانظر ما يأتي ص 236.

[العبوا بها العبوا بها] " 1.

_ 1 أخرجه أبو داود 2/199 وأحمد 2/378 من طريق عبد العزيز بن محمد عن أسيد بن أبي أسيد البراد عن نافع بن عباس عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا سند جيد رجاله ثقات رجال مسلم غير أسيد هذا فوثقه ابن حبان وروى عنه جماعة من الثقات وحسن له الترمذي في الجنائز 1003 وصحح له الجماعة ولذا قال الذهبي والحفظ: "صدوق". وقد ثبته الشوكاني في نيل الأوطار 2/70 وهو ظاهر صنيع ابن حزم 10/83 – 84 وقال المنذري في الترغيب 1/273: "إسناده صحيح". قلت: وقد تابعه عن اسيد زهير بن محمد التميمي عند أحمد 2/233 والرواية الأخرى مع الزيادة له. وتابعه أيضا ابن أبي ذئب رواه أبو الحسن الإخميمي في أحاديثه 2/9/2. ورواه في المسند 4/414 من طريق أخرى عن أسيد إلا أنه قال: أبي موسى أو أبي قتادة هكذا على الشك وأخرجه ابن عدي أيضا 233/1 ورواه أبو نعيم في أخبار أصبهان 1/104 – 105 مختصرا عن أبي قتادة دون شك.

..............................................................................

_ ثم وقفت على كتاب دراسات تطبيقة في الحديث النبوي لأحد متعصبة الحنفية من مدرسي مادة الحديث في جامعة دمشق أظهر فيه تعصبه لمذهبه ضد المذاهب الأخرى في غير ما مسألة وتكلف فيها تأويل النصوص وردها ليسلم له مذهبه وقد تجاهل في سبيل ذلك كثيرا من الأحاديث الصحيحة لأنها عليه وسكت عن ضعف بعض آخر منها لأنها له ولسنا في صدد تعقبه في ذلك وإنما يهمنا منه هنا ما يتعلق بالمسألة من الناحية الحديثية والفقهية خشية أن يغتر بكلامه بعض طلابه ممن لا علم عنده بما فيه من البعد عن العلم وإنصافه فقد انتصر في هذه المسألة لرأي الجمهور وأجاب عن بعض أدلتنا التي في هذه الرسالة المباركة إن شاء الله تعالى دون أن يصرح بها فذكر حديث أبي هريرة هذا في آخر كتابه وقال: "فينتقد بأنه من رواية أسيد بن أسيد البراد قال فيه الحافظ: "صدوق" وكل من قيل فيه هذا لا يكون حديثه صحيحا لأنه لم يوصف بالضبط". وجوابا عليه أقول: أولا: هذا يدل على مبلغ علم المؤلف – وهو دكتور في الحديث! – بهذا العلم وقواعده فإن المبتدئ في هذا العلم يعلم أن الحديث من حيث درجاته ثلاثة أقسام: صحيح وحسن

.........................................................................

_ وضعيف. فإذا كان من قيل فيه صدوق لا يكون حديثه صحيحا فهل يلزم منه أن يكون حديثه ضعيفا منتقدا كما زعم الدكتور؟! وبين المرتبتين مرتبة وسطى هي مرتبة الحسن؟! طبعا لا يلزم وإذا كان كذلك فيجب أن نعلم ماهي مرتبة حديث من قيل فيه: "صدوق" حتى لا نظلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم فنضعفه وهو ثابت عنه! وليس لنا طريق إلى ذلك إلا بالرجوع إلى أقوال العلماء ذوي الاختصاص في هذا العلم الشريف فأذكر الآن نصين عن إمامين مشهورين: الأول الحافظ النقاد شمس الدين الذهبي والآخر: الحافظ أبو الفضل بن حجر العسقلاني. فقال الأول في مقدمة كتابه "ميزان الاعتدال في نقد الرجال": "فأعلى العبارات في الرواة المقبولين: أ – ثبت حجة وثبت حافظ وثقة متقن وثقة ثقة. ب – ثم ثقة. ج – ثم صدوق ولا بأس به وليس به بأس ثم محله الصدق وجيد الحديث وصالح الحديث وشيخ وسد وشيخ حسن الحديث وصدوق إن شاء الله وصويلح ونحو ذلك". وقال الحافظ الآخر في كتابه "تقريب التهذيب" الذي منه نقل الدكتور قوله في أسيد: "صدوق" قال في صدد بيان مراتب الرواة: "الثالثة: من أفرد بصفة كثقة أو متقن أو ثبت.

.......................................................................

_ الرابعة: من قصر عن درجة الثالثة قليلا وإليه الإشارة بـ "صدوق" أو "لا بأس به" أو "ليس به بأس". فأنت ترى أن الذهبي جعل من قيل فيه: "صدوق" في مرتبة من قيل فيه: "جيد الحديث حسن الحديث". وكلام الحافظ ابن حجر لا يخرج عنه فإن كان من عنده من المرتبة الثالثة لا شك في أن حديثه صحيح فمن كان عنده من المرتبة الرابعة فحديثه حسن بداهة وذلك ما صرح به المحقق احمد شاكر في الباعث الحثيث ص 118 ولولا ضيق المقام لنقلت كلامه فأكتفي بالإشارة إليه. فليت شعري هل كان الدكتور على علم بهذه الحقيقة فكتمها عن طلابه ليوهمهم ضعف الحديث الذي هو حجة عليه ولعى كل مخالف له؟ أم أن المدة التي درس فيها حتى ينال شهادة الدكتوراة لم تساعده على الاطلاع عليها؟ فإن كنت لا تدري ... وإن كنت تدري ... ! ثانيا: هب أن إسناد الحديث ضعيف ولمنه ضعف ليس بالشديد فمثله ينجبر بمجيئه من طريق أخرى أو بشاهد يشهد له كما هو مقرر في مصطلح الحديث والدكتور على علم بهذا فإنه أشار إلى نحو هذا المعنى عند كلامه في حديث أبي موسى: " ... حل لإناثها" وقد وجد هذا الشاهد وهو حديث ثوبان الآتي في

......................................................................

_ المتن وإسناده صحيح عند جماعة كما تراه ثم فإنه صريح تحريم سلسلة الذهب ولكن ماذا كان موقف الدكتور منه؟ لقد تجاهله فلم يورده ولا اشار إليه أدنى إشارة وإنما أورد حديث ربعي بن خراش الذي ضعفته فيما يأتي ص 258 – 259 وحديث أسماء بنت يزيد الذي قدمته شاهدا ص 237 فضعفه بالجهالة وذلك غير ضار في الشواهد ثم عقب على ذلك بقوله: "فلم يخل حديث من الأحاديث التي استدل بها المخالفون من النقد والتضعيف فلا تصلح دليلا لإثبات ما ادعوه". فماذا يعني الدكتور بهذا؟ هما أمران لا ثالث لهما إما أنه لا علم عنده بحديث ثوبان هذا وهو ما أستبعده وإما أنه على علم بع وأنه يعنيه في جملة ماعناه بهذا القول وحينئذ أين يذهب الدكتور بتصحيح الحاكم والمنذري والذهبي والعراقي إياه؟ أهم مخطئون عندك حتى ضعف ما صححوا؟ وما أظنك بهذه الجرأة في هذا العلم لأنه لا يقدم على ذلك إلا من كان متمكنا فيه. أم أنت تضعف الحديث لمجرد مخالفته لمذهبك ورأيك؟ فإن كان كذلك فهذا ليس من صنيع أهل العلم وإن كنت ضعفته لأنه الذي تقتضيه القواعد العلمية في هذا الفن فلماذا تبين علته القادحة في صحته التي أثبتها أولئك الأعلام وصرفت وقتك في بيان ضعف الحديثين الآخرين وضعفهما ظاهر؟!

......................................................................

_ أهكذا يكون التحقيق من الدكتور وفي جامعة دمشق بل في كلية الشريعة؟! فإلى الله المشتكى وبه وحده المستعان لا بسواه! ولنا عودة إلى مناقشة الدكتور حول فقه هذا الحديث. هذا وقد يظن الناس أن الحديث وارد في الذكور دون الإناث والجواب من وجوه: الأول: ماتقدم أن ما كان على وزن فعيل يدخل فيه النساء أيضا وقد أشار لهذا ابن حزم في المحلى 10/84 إلا أنه خص الحديث بالرجال لحديث حل الذهب للنساء ويرد عليه الوجهان الآخران الآتي ذكرهما وحديث الحل هو المخصص عندنا من الحديثين الآتيين فإنهما أخص منه ولو صح عند ابن حزم لما خالفنا وسيأتي بيان خطئه فيهما. الثاني: أن فيه ذكر الطوق والسوار من الذهب والمعروف أن هذا من زينة النساء لا الرجال – في ذلك الزمان! – فيكون المراد بالحديث النساء أيضا والرجال من باب أولى. الثالث: أن فيه إباحة المذكورات إذا كانت من الفضة وهذا ما لا يقول به الجمهور الذين يبيحون الذهب مطلقا للنساء لأنهم يحرمون استعمال الفضة على الرجال كتحريم الذهب عليهم فتعين أن المراد بالحديث النساء وثبت المراد.

الثاني: عن ثوبان رضي الله عنه قال: جاءت بنت هبيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ [من ذهب] [أي خواتيم كبار] فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يضرب يدها [بعصية معه يقول لها: "أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار؟! "] فأتت فاطمة تشكو إليها قال ثوبان: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة وأنا معه وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب فقالت: هذا أهدى لي أبو حسن تعني زوجها عليا رضي الله عنه - وفي يدها السلسلة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا فاطمة! أيسرك أن يقول الناس: فاطمة بنت محمد في يدها سلسلة من نار؟ " [ثم عذمها1 عذما شديدا] فخرج ولم يقعد فعمدت فاطمة إلى السلسلة فباعتها فاشترت بها نسمة فأعتقتها فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "الحمد لله الذي نجى فاطمة

_ وأما ادعاء نسخ الحديث فسيأتي الجواب عنه مفصلا إن شاء الله تعالى. 1 أي: لامها وعنفها والعذم: الأخذ باللسان واللوم كذا في "اللسان".

من النار" 1.

_ 1 أخرجه النسائي 2/284 و 284 - 285 والطيالسي 1/354 ومن طريقه الحاكم 3/152 - 153 والطبراني في "الكبير" رقم 1448 وابن راهويه في مسنده 4/237/1 - 2 وكذا أحمد 5/278 وإسناده صحيح موصول وكذلك صححه ابن حزم 10/84 وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين". ووافقه الذهبي. وقال الحافظ المنذري 1/237: "رواه النسائي بإسناد صحيح". وقال العراقي 4/205: " ... بإسناد جيد". والزيادة الأولى عندهم جميعا إلا في رواية للنسائي والزيادة الثانية عنده وكذا الطيالسي وغيره وسائرها عند أحمد والحربي في الغريب 5/184/2 مختصرا والطبراني ولم يسق لفظه. وله طريق آخر عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان. رواه الروياني في مسنده 14/126/1 وليس عنده: "أيسرك ... " وسنده صحيح أيضا. واعلم أن ابن حزم 10/84 هذا الحديث من طريق النسائي فقط التي ليس فيها زيادة: "من ذهب" ولا قوله صلى الله عليه وسلم لبنت هبيرة: "أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار؟! " ولذلك أجاب عن الحديث بقوله:

الثالث: عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في يد عائشة قلبين ملويين من ذهب فقال: "ألقيهما عنك واجعلي قلبين من فضة وصفريها بزعفران" 1.

_ "أما ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم يدي بنت هبيرة فليس فيه أنه عليه الصلاة والسلام إنما ضربها من أجل الخواتيم ولا فيه أيضا أن تلك الخواتيم كانت من ذهب". قلت: وهذا كلام ساقط لا قيمة له فالحديث بالزيادتين المذكورتين نص قاطع على أن الضرب كان من أجل الخواتيم بدليل تعقبه صلى الله عليه وسلم الضرب بهذا التهديد الشديد: "أيسرك أن يجعل اله في يدك خواتيم من نار؟! ". وأنا أقطع بأن ابن حزم رحمه الله لو وقف على هاتين الزيادتين لما تردد مطلقا في تحريم الخاتم على النساء ولجعله مستثنى من حديث حل الذهب لهن لأنه أخص منه كما هو مذهبه وهو الحق. وهذه المسألة مثال من جملة الأمثلة الكثيرة على أهمية هذه الطريقة التي تفردنا بها في هذا العصر – فيما أعلم – من تتبع الزيادات من مختلف الروايات وجمع شملها وضمها إلى أصل الحديث مع تحري الثابت منها فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. 1 رواه القاسم السرقسطي في "غريب الحديث" 2/76

الرابع: عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: جعلت شعائر1 من ذهب في رقبتها فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنها فقلت: ألا تنظر إلى زينتها فقال: "عن زينتك أعرض" [قالت: فقطعتها فأقبل علي بوجهه] . قال2: زعموا أنه قال: "ما ضر إحداكن لو

_ بسند صحيح والنسائي 2/285 والخطيب 8/459 وكذا البزار 3007 نحوه وله طريق آخر عند الطبراني 23/282/641. و"القلبين": السوارين. "ملويين": مفتولين. 1 جمع " شعيرة " وهي ضرب من الحلي على شكل الشعيرة. 2 يعني: الراوي وهو عطاء بن أبي رباح فإنه راوي الحديث عن أم سلمة وعليه فهذا القدر من الحديث مرسل لأنه لم يسنده إلى أم سلمة فهو ضعيف نعم أسنده ليث بن أبي سليم فقال: عن عطاء عن أم سلمة به نحه أخرجه أحمد 6/322 والطبراني في "الكبير" 23/281 غير أن ليثا فيه ضعف من قبل حفظه وعطاء لم يسمع منها لكن هذا القدر من الحديث صحيح أيضا لأنه مرسل صحيح الإسناد وقد روي موصولا كما علمت وله شاهدان موصولان من حديث أسماء وأبي هريرة كما يأتي

جعلت خرصا1 من ورق ثم جعلته بزعفران" 2.

_ 1 الخرص بالضم والكسر: الحلقة الصغيرة من الحلي. وهو من حلي الأذن. "نهاية". 2 أي: صفرته بزعفران. والحديث رواه أحمد 6/315 بسند صحيح على شرط الشيخين لولا الانقطاع المشار إليه آنفا وكذلك رواه الحربيفي غريب الحديث 5/30/1 – 2 مقتصرا على أوله وقال الهيثمي 5/148: "رواه أحمد والطبراني وسياقه أحسن ورجال الصحيح". قلت: والزيادة للطبراني 23/404/968. وقد وصله الطبراني في الكبير 23/403/967 من طريق أبي حمزة عن أبي صالح عن أم سلمة به إلى قوله: "فأعرض عني فنزعتها". وسنده ضعيف أبو حمزة اسمه ميمون وهو ضعيف. وله شاهد مرسل صحيح عن الزهري في مصنف عبد الرزاق 11/71. وفي هذا الحديث وما قبله دلالة واضحة على تحريم السوار والطوق والحلقة من الذهب على النساء وأنهن في هذه المذكورات كالرجال في التحريم وإنما يباح لهن ماسوى ذلك من الذهب المقطع كالأزرار والأمشاط ونحو ذلك من زينة النساء ولعل

..............................................................................................

_ هذا هو المراد بحديث النسائي 2/585 وأحمد 4/92 و 95 و 99: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الذهب إلا مقطعا" وسنده صحيح وعليه فهو خاص بالنساء. وكلام ابن الأثير عليه يشعر بأنه عام للنساء والرجال فيجوز لهم جميعا عنده الذهب المقطع فإنه قال: "أراد الشيء اليسير منه كالحلقة والشنف من حلي الأذن وغير ذلك وكره الكثير الذي هو عادة أهل السرف والخيلاء والكبر واليسير هو ما لا تجب فيه الزكاة". ولي على هذا التفسير ملاحظتان: الأولى: إدخاله في المقطع الحلقة ينافي أصل اشتقاق هذه الكلمة وهو القطع الذي هو ضد الوصل كما ينافي الأحاديث المتقدمة المحرمة للحلقة حتى على النساء فضلا عن الرجال وقد فسر الإمام أحمد المقطع بالشيء اليسير أيضا ولكنه لم يضرب عليه مثلا الحلقة وغيره بل لما قال ابنه عبد الله: فالخاتم؟ قال روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن خاتم الذهب. انظر المسائل لابنه ص 398 وكأن العلامة أبا الحسن السندي رحمه الله تنبه لهذا فقال: "قوله إلا مقطعا أي مكسرا مقطوعا والمراد الشيء اليسير مثل السن والألف. والله أعلم".

وفي حديث أسماء بنت يزيد في قصة أخرى نحوه: " ... وتتخذ لها جمانتين من فضة فتدرجه بين أناملها بشيء من زعفران فإذا هو كالذهب يبرق" 1.

_ فهذا هو الصواب الأقرب إلى لفظ الحديث إذا كان المراد به العموم والتقييد باليسير خاص حينئذ بالرجال دون النساء. الثانية: تقييده باليسير بما لاتجب فيه الزكاة مما لادليل عليه فلا يلتفت إليه فالواجب على الرجال اجتناب الذهب كله كثيره وقليله إلا ما اقتضته الضرورة لعموم الأحاديث والله أعلم. 1 أخرجه أحمد 6/454 وأبو نعيم في الحلية 2/76 وابن عساكر في تاريخ دمشق 19/198/1. وفي إسناده شهر بن حوشب وهو ضعيف يكتب حديثه كما في "مجمع الهيثمي" 5/149 فهو شاهد حسن لما قبله بل قاله المنذري 1/273 في حديث آخر نحوه: إسناده حسن. "الجمانة": حب يصاغ من الفضة على شكل اللؤلؤ. ويشهد له أيضا حديث أبي هريرة أن امرأة قالت: سوارين من ذهب؟ فقال: "سوارين من نار". قالت: طوق من ذهب. قال: "طوق من نار". قالت: قرطين من ذهب؟ قال: "قرطين من نار". قال وكان عليها سواران من ذهب فرمت بهما قالت: يا رسول الله! إن المرأة إذا لم تتزين لزوجها ... الحديث نحوه.

شبهات حول تحريم الذهب المحلق وجوابها واعلم أن كثيرا من علماء أعرضوا عن العمل بهذه الأحاديث لشبهات قامت لديهم ظنوها أدلة ولا يزال

_ أخرجه النسائي 2/285 وأحمد 2/440 وفيه أبو زيد وهو مجهول كما في التقريب وقد تفرد بذكر القرطين فهو منكر ولو صح لكان نصا في تحريم أقراط الذهب أيضا. نعم! فيما اتفقت عليه الروايات من قوله صلى الله عليه وسلم: "ماضر إحداكن لو جعلت خرصا من ورق ... " إشارة إلى التحريم أو على الأقل إلى الحض على اتخاذه من الفضة. وقد صرح بالتحريم في حديث لأسماء بنت يزيد بلفظ: "أيما امرأة تحلت يعني بقلادة من ذهب جعل الله في عنقها مثلها من النار وأيما امرأة جعلت في أذنها خرصا من ذهب جعل الله عز وجل في أذنها مثله خرصا من النار يوم القيامة". أخرجه أبو داود 2/199 والنسائي 2/284 والبيهقي 4/141 وابن راهويه في مسنده 4/262/1 من طريق محمود بن عمرو عنها. لكن محمودا هذا فيه جهالة كما قال الذهبي فإن وجد له متابع قامت الحجة به وبخاصة أن الحافظ المنذري قد صرح في الترغيب 1/273 بأن إسناده جيد.

كثيرون منهم يتمسكون بها على أنها حجج تسوغ لهم ترك هذه الأحاديث ولذلك رأيت أنه لا بد من حكاية تلك الشبهات والرد عليها كي لا يغتر بها من لا علم عنده بطرق الجمع بين الأحاديث فيقع في مخالفة الأحاديث الصحيحة المحكمة بدون حجة أو بينة فأقول: دعوى الإجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء وردها 1- ادعى بعضهم الإجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء وهذا مردود من وجوه: الإجماع الصحيح: الأول: أنه لا يمكن إثبات صحة الإجماع في هذه المسألة وإن نقله البيهقي في "سننه" 4 / 124 وغيره مثل الحافظ ابن حجر في "الفتح" ولكن هذا كأنه أشار لعدم ثبوته حين قال: 10 / 260 في بحث خاتم الذهب: "فقد نقل الإجماع على إباحته للنساء" ويأتي قريبا ما يبطل هذا الإجماع وذلك لأنه لا يستطيع أحد

أن يدعي أنه إجماع معلوم من الدين بالضرورة وغير هذا الإجماع مما لا يمكن تصوره فضلا عن وقوعه ولهذا قال الإمام أحمد رضي الله عنه: "من ادعى الإجماع فهو كاذب [وما يدريه؟] لعل الناس اختلفوا". رواه ابنه عبد الله في "مسائله" ص 390. وتفصيل القول في هذا الموضوع الخطير ليس هذا موضعه فليراجع من شاء التحقيق بعض كتب علم أصول الفقه التي لا يقلد مؤلفوها من قبلهم! مثل: "أصول الأحكام" لابن حزم 4 / 128 - 144 و "إرشاد الفحول" للشوكاني ونحوهما. استحالة وجود إجماع صحيح على خلاف حديث صحيح دون وجود ناسخ صحيح الثاني: لو كان يمكن إثبات الإجماع في الجملة لكان ادعاؤه في خصوص هذه المسألة غير صحيح لأنه مناقض للسنة الصحيحة وهذا مما لا يمكن تصوره أيضا لأنه يلزم منه اجتماع الأمة على ضلال وهذا

مستحيل لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" ومثل هذا الإجماع لا وجود له إلا في الذهن والخيال ولا أصل له في الوجود والواقع قال أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى في "أصول الأحكام" 2 / 71 - 72: "وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكون الإجماع على خلافه قال: وذلك دليل على أنه منسوخ. وهذا عندنا خطأ فاحش متيقن لوجهين برهانيين ضروريين: أحدهما: أن ورود حديث صحيح يكون الإجماع على خلافه معدوم لم يكن قط ولا هو في العالم فمن ادعى أنه موجود فليذكره لنا ولا سبيل له - والله - إلى وجوده أبدا. والثاني: أن الله تعالى قد قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فمضمون عند كل من يؤمن بالله واليوم الآخر أن ما تكفل الله عز وجل بحفظه فهو غير ضائع أبدا لا يشك في ذلك مسلم وكلام النبي صلى الله عليه وسلم كله وحي بقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} والوحي ذكر بإجماع الأمة كلها

والذكر محفوظ بالنص فكلامه عليه السلام محفوظ بحفظ الله تعالى عز وجل ضرورة منقول كله إلينا لا بد من ذلك فلو كان هذا الحديث الذي ادعى هذا القائل أنه مجمع على تركه وأنه منسوخ كما ذكر لكان ناسخه الذي اتفقوا عليه قد ضاع ولم يحفظ وهذا تكذيب لله عز وجل في أنه حافظ للذكر كله ولو كان ذلك لسقط كثير مما بلغ عليه السلام عن ربه وقد أبطل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله في حجة الوداع: "اللهم هل بلغت؟ " قال: "ولسنا ننكر أن يكون حديث صحيح وآية صحيحة التلاوة منسوخين إما بحديث آخر صحيح وإما بآية متلوة ويكون الاتفاق على النسخ المذكور قد ثبت بل هو موجود عندنا إلا أننا نقول: لا بد أن يكون الناسخ لهما موجودا أيضا عندنا منقولا إلينا محفوظا عندنا مبلغا نحونا بلفظه قائم النص لدينا لا بد من ذلك وإنما الذي منعنا منه فهو أن يكون المنسوخ محفوظا منقولا مبلغا إلينا ويكون الناسخ له قد سقط ولم ينقل إلينا لفظه فهذا باطل عندنا لا سبيل إلى وجوده في العالم أبد الأبد لأنه معدوم البتة قد دخل - بأنه غير

كائن - في باب المحال والممتنع عندنا وبالله تعالى التوفيق". تقديم السنة على الإجماع الذي ليس معه كتاب أو سنة وقال العلامة المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: "ولم يزل أئمة الإسلام على تقديم الكتاب على السنة والسنة على الإجماع وجعل الإجماع في المرتبة الثالثة. قال الشافعي: الحجة كتاب الله وسنة رسوله واتفاق الأئمة وقال في [كتاب اختلافه مع مالك": "والعلم طبقات: الأولى الكتاب والسنة الثابتة ثم الإجماع فيما ليس كتابا ولا سنة ... ". وقال ابن القيم أيضا في صدد بيان أصول فتاوى الإمام أحمد: "ولم يكن يعني الإمام أحمد يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا ويقدمونه على الحديث الصحيح! وقد كذب أحمد من

ادعى هذا الإجماع ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت وكذلك الشافعي ... ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف ولو ساغ لتعطلت النصوص وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص"1. قلت: وهذا ما فعله البعض هنا فقدموا ما زعموه إجماعا على النصوص المتقدمة مع أنه لا إجماع في ذلك وبيانه في الوجه التالي: الثالث: أنه قد ثبت ما ينقض بالإجماع المزعوم وهو ما روى عبد الرزاق في "المصنف" 11 / 70 / 19935 وابن صاعد في "حديثه" 35 / 1 - وهو بخط الحافظ ابن عساكر وابن حزم 10 / 82 بسند صحيح عن محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول لابنته:

_ 1 الأعلام: 1 / 32 - 33.

"لا تلبسي الذهب إني أخشى عليك اللهب". وروى ابن عساكر 19 / 124 / 2 من طريقين آخرين أن ابنة لأبي هريرة قالت له: إن الجواري يعيرني يقلن: إن أباك لا يحليك الذهب! فقال: قولي لهن: إني أبي لا يحليني الذهب يخشى علي من اللهب. ورواه عبد الرزاق 19938 نحوه وعلقه البغوي في شرح السنة 3 / 210 / 82 وحكى الخلاف في هذه المسألة فإنه بعد أن ذكر إباحة خاتم الذهب للنساء وتحليهن به عند الأكثرين قال: "وكره ذلك قوم". ثم ساق حديث أسماء بنت يزيد المتقدم بعضه في المتن ص 236 وتمامه في التعليق 237. وما حكاه البغوي رحمه الله من الكراهة عن أولئك الذين أشار إليهم من العلماء فهي الكراهة التحريمية لأنه المعروف في اصطلاح السلف تبعا للأسلوب القرآني في عديد من الآيات الكريمة كقوله تعالى:

{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} . وقد كنت شرحت هذه المسألة الهامة في كتابي: "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" ص 48 - 55 وذكرت هناك بعض الأمثلة فلتراجع. وبين أيدينا مثال آخر قريب المنال وهو ما تقدم في بحث خاتم الخطبة أن الإمام أحمد والإمام إسحاق بن راهويه كرها خاتم الذهب للرجال فهذه الكراهة للتحريم أيضا لتصريح الأحاديث المتقدمة هناك به وكذلك الأمر في تحريم خاتم الذهب على النساء لأن الأدلة صريحة أيضا فمن أطلق كراهته عليهن فإنما يعني الكراهة الشرعية وهي التحريم فتأمل منصفا. وذكر ابن عبد الحكم في سيرة عمر بن عبد العزيز ص 163 أن ابنة عمر بعثت إليه بلؤلؤة وقالت له: إن رأيت أن تبعث لي بأخت لها حتى أجعلها في أذني فأرسل إليها ثم قال لها: إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك بعثت لك بأخت لها!

ومن الظاهر أن اللؤلؤة كانت محلاة بالذهب لأنها لا تقوم بنفسها ولا تحلى عادة إلا بها ويؤيد ذلك لفظة: "الجمرتين" فإنها مستوحاة من بعض أحاديث التحريم المتقدمة كحديث بنت هبيرة فثبت بطلان دعوى الإجماع في هذه المسألة. دعوى نسخ الأحاديث المتقدمة وإبطالها 2- وادعى آخرون نسخ هذه الأحاديث المحرمة بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: "أحل الذهب والحرير لإناث أمتي ... " وهو حديث صحيح بمجموع طرقه وقد ذكرها الزيعلي في نصب الراية 4 / 222 - 225 ثم حققته في تخريج كتاب الحلال والحرام للأستاذ القرضاوي رقم 78 وهو ادعاء باطل لأن للنسخ شروطا كثيرة معروفة عند العلماء1 منها أن يكون الخطاب الناسخ متراخيا عن المنسوخ ومنها أن لا يمكن الجمع بينهما وهذان الشرطان منفيان هنا أما الأول فلأنه لا يعلم تأخر هذا الحديث المبيح عن

_ 1 انظر مقدمة الاعتبار.

أحاديث التحريم وأما الثاني فلأن الجمع ممكن بسهولة بين الحديث المذكور وما في معناه وبين الأحاديث المتقدمة ذلك لأن الحديث مطلق وتلك مقيدة بالذهب الذي هو طوق أو سوار أو حلقة فهذا هو المحرم عليهن وما سوى ذلك من الذهب المقطع فهو المباح لهن وهو المراد بحديث حل الذهب لهن فهو مطلق مقيد بالأحاديث المشار إليها فلا تعارض وبالتالي فلا نسخ. ولذلك لم نر أحدا ممن ألف في الناسخ والمنسوخ أورد الأحاديث المذكورة فيما هو منسوخ كالحافظ أبي الفرج ابن الجوزي في رسالة إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ في الحديث والحافظ أبي بكر الحازمي في كتابه الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار وغيرهما بل قد أشار ابن الجوزي رحمه الله في مقدمة رسالته المشارة إليها إلى رد دعوى نسخ هذه الأحاديث فقال: "أفردت في هذا الكتاب قدر ما صح نسخه أو احتمل وأعرضت عما لا وجه لنسخه ولا احتمال فمن

سمع بخبر يدعى عليه النسخ وليس في هذا الكتاب فليعلم وهاء تلك الدعوى وقد تدبرته فإذا فيه أحد وعشرون حديثا". بل قال المحقق ابن القيم في الأعلام 3/ 458: إن النسخ الواقع في الأحاديث الذي أجمعت عليه الأمة لا يبلغ عشرة أحاديث البتة ولا شطرها"! قلت: ثم ساقها وليس فيها شيء من هذه الأحاديث السابقة فثبت ضعف ادعاء احتمال نسخها فكيف الجزم بنسخها؟ وقد أشار لضعف دعوى النسخ ابن الأثير في النهاية بقوله تعليقا على حديث أسماء المشار إليه آنفا: "قيل: كان هذا قبل النسخ فإنه قد ثبت إباحة الذهب للنساء". فإن لفظة: "قيل" للتمريض كما هو معروف. وقال العلامة صدر الدين علي بن علاء الحنفي بعد أن حكى كلام ابن الجوزي الآنف الذكر: "وهذا هو الذي يشهد العقل بصدقه إذا سلم من

الهوى وقد ادعى كثير من الفقهاء في كثير من السنة أنها منسوخة وذلك إما لعجزه عن الجمع بينها وبين ما يظن أنه يعارضها وإما لعدم علمه ببطلان ذلك المعارض وإما لتصحيح مذهبه ودفع ما يرد عليه من جهة مخالفة ولكن نجد غيره قد بين الصواب في ذلك لأن هذا الدين محفوظ ولا تجتمع هذه الأمة على ضلالة"1. ولقد صدق رحمه الله في كل ما ذكره فأنت ترى أن هذه الأحاديث المحرمة لا تتعارض مطلقا مع حديث حل الذهب للنساء لأنه عام وتلك خاصة والخاص مقدم على العام كما هو مقرر في علم الأصول ولهذه القاعدة رجح الإمام النووي رضي الله عنه في شرح مسلم والمجموع وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل مع أنه مخالف لمذهبه بل ومذهب الجمهور حتى ظن بعض المتعالمين في هذا العصر أنه لا يقول بالوضوء منه عالم من علماء المسلمين! كما نشر ذلك في

_ 1 كذا في رده على رسالة الشيخ أكمل الدين في انتصاره لمذهب أبي حنيفة 103 / 1.

بعض الجرائد الدمشقية سنة 1386 هـ تقريبا. ولما ذكرنا قال ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة 2 / 190 بعد أن ذكر أحاديث التحريم وحديث الحل: "معناه الحل في الجملة وهذا ما يوجبه مفهوم هذه الأحاديث ولم أجد لها معارضا". وأقره صديق حسن خان في الروضة الندية 2 / 217 – 218. قلت: ومما يدلك على ضعف دعوى النسخ هذه أن بعض متعصبة الحنفية - وقد سبقت الإشارة إليه - لم ينظر إليها بعين الرضا مع أنه حكاها عن الجمهور الذين يقلدهم في هذه المسألة واحتج على ذلك بقوله - وقد وفق فيه -: "إن النسخ لا يلجأ إلى القول به ما دام التوفيق بين الأحاديث ممكنا بحيث لا يرد شيء من الأدلة" وهذا حق لا ريب فيه وهو من المقرر في علم الأصول. ولكنه مع الأسف لم يستقر عليه الدكتور بل رجع

إلى ادعاء النسخ معارضا بذلك الأخذ بأحاديث التحريم فقال: "إن الفريقين لما تجاذبا دعوى النسخ احتجنا إلى النظر في التاريخ للترجيح بين المذهبين وتعيين الناسخ والمنسوخ والتاريخ يؤيد نظر الجمهور "! ". فإنه لا شك في أن الصحابة في ابتداء الإسلام كانوا في أمس الحاجة للمال ... ولقد قسم الأنصار أموالهم مناصفة بينهم وبين المهاجرين فكان التختم بالذهب في تلك الفترة بطرا وترفا فلما مضت الأيام وفتحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتوحات صار الناس في رخاء العيش فأباح النبي صلى الله عليه وسلم لبس الذهب لزوال المانع "! قلت: وجوابي عليه من وجوه: الأول: أنه لم يذكر نصا تاريخيا يؤيد تأخر المبيح عن الحاظر يرجح به نظر الجمهور وإنما هو مجرد الدعوى أن الإباحة كانت بعد رخاء العيش فأين الدليل عليها؟!.

الثاني: هذه الدعوى لو صحت لزم منها أن يكون تحريم الذهب على الرجال قد شرع في الوقت الذي حرم على النساء إن لم يكن تقدم عليه وكل عاقل يفهم من قوله: في ابتداء الإسلام أنه يعني في مكة أو في أول الهجرة على أبعد تقدير وإذا كان كذلك فنحن نقطع ببطلان هذه الدعوى لأن تحريم الذهب على الرجال إنما كان في أواخر الأمر كما نص على ذلك الحافظ الذهبي في تلخيص المستدرك 3 / 231 ومما يشهد له ما أخرجه البخاري في اللباس وأحمد في المسند 4 / 328 عن المسور بن مخرمة: "أن أباه مخرمة قال له: يا بني! إنه بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قدمت عليه أقبية فهو يقسمها فاذهب بنا إليه فذهبنا إليه ... فخرج وعليه قباء من الديباج مزرر بالذهب فقال: "يا مخرمة هذا خبأته لك" فأعطاه إياه. وإنما أسلم مخرمة عام الفتح وذلك بعد ثمان سنين ونصف من الهجرة فهذا نص على أن الذهب كان مباحا إلى ما قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بسنة ونصف تقريبا ولولا ذلك

لم يلبس صلى الله عليه وسلم القباء المزرر بالذهب ولا وزعه على أصحابه كما هو ظاهر. الثالث: أنه لو صح قوله: "فأباح النبي صلى الله عليه وسلم لبس الذهب لزوال المانع" لزم منه إباحة الذهب للرجال أيضا لزوال المانع أيضا وهذا باطل لا يقوله عالم وما لزم منه باطل فهو باطل. فإن قال: هذا غير لازم لأن علة تحريم الذهب على الرجال غير علة تحريمه على النساء. قلنا: ما هيه؟ ولا سبيل له إلى إثباتها أبدا إلا بمثل هذه الدعوى التي أثبت بها أختها! وليست هي إلا مجرد رأي تفرد به الدكتور في آخر الزمان! وما يلجئ بعض الناس إلى مثل هذه المضايق والآراء إلا محاولتهم التخلص من معارضة النص الشرعي لمخالفته لمذهبهم وتقليدهم وعاداتهم فيقعون فيما هو أعظم منه! ولو أنهم استسلموا لحكم الله ورسوله - كما هو المفروض في المسلم - لكان خيرا لهم ولم يقعوا في مثل ذلك.

وخلاصة البحث: أن القول بنسخ الأحاديث المحرمة للذهب على النساء مما لا دليل عليه بل هو مخالف لعلم الأصول والواجب الجمع بينها وبين الأحاديث المبيحة للذهب عليهن وذلك بحمل المطلق على المقيد أو العام على الخاص كما شرحنا وينتج منه أن الذهب كله حلال على النساء إلا المحلق منه كما يحرم عليهن استعمال أواني الذهب والفضة اتفاقا فلا نسخ عندنا خلافا لما فهمه الدكتور وأدار كل بحثه في كتابه عليه كما ينبئك به كلامه السابق في المعارضة المزعومة. والله الهادي لا رب سواه. رد الأحاديث المتقدمة بأحاديث مبيحة والجواب عنها 3- وقد يرد بعضهم هذه الأحاديث بأحاديث أخرى فيها إباحة المحلق من الذهب على النساء والجواب أن هذا كان قبل التحريم حتما وبيانه: أن من المعلوم بداهة أن النهي عن الشيء مما يحتمل التحليل والتحريم لا يكون إلا بعد أن يكون مسبوقا بالإباحة فالتمسك بها حينئذ فيه مخالفة صريحة

لمنطوق الأحاديث المحرمة ومما يقرب هذا إلى المنصفين إن شاء الله تعالى أن هناك أحاديث يستفاد منها إباحة الذهب على الرجال أيضا ومع ذلك فلم يأخذ بها أحد من العلماء لمجيء النصوص المحرمة وقد سبق ذكر بعضها بل ذهبوا إلى أنها كانت قبل التحريم1 وكذلك نقول نحن في الأحاديث المبيحة للذهب المحلق للنساء ولا فرق أنها كانت قبل التحريم ومن فرق بين هذه وتلك فهو متناقض أو متلاعب! تقييد الأحاديث المتقدمة بمن لم يؤد الزكاة ورده 4- وأجاب بعضهم2 بأن الوعيد الوارد في الأحاديث المتقدمة إنما هو في حق من لا يؤدي زكاة تلك الحلي دون من أداها واستدل عليه بحديث عمرو بن

_ 1 انظر "فتح الباري" 10 / 258 – 259. 2 هو المنذري في "الترغيب" 1/274 وقلده بعض المدرسين في "كلية الشريعة" في جامعة دمشق الذي سبق بيان خطئه في تضعيف حديث أبي هريرة المتقدم ولم يتعرض البتة للجواب عن جوابنا هذا الأمر الذي زادنا ثقة بقوته وإيمانا بصوابه.

شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان أي سواران غليظتان من ذهب فقال لها: "أتعطين زكاة هذا؟ " قالت: لا قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟! " قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله عز ولرسوله. أخرجه أبو داود 1 / 244 والنسائي 1 / 343 وأبو عبيد في الأموال رقم 1260 وإسناده حسن وصححه ابن الملقن 65 / 1 وتضعيف ابن الجوزي له في التحقيق 6 / 197 / 1 مردود عليه. ورواه النسائي في السنن الكبرى ق 5 / 1 عن عمرو بن شعيب به موصولا ثم رواه عنه مرسلا وقا: "الموصول أولى بالصواب". والجواب: إن هذا استدلال ضعيف جدا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر في هذه القصة لبس السوارين

وإنما أنكر عدم إخراج زكاتهما بخلاف الأحاديث المتقدمة فإنه أنكر اللبس ولم يتعرض لإيجاب الزكاة عليها والظاهر أن هذه القصة كانت في وقت الإباحة فكأنه صلى الله عليه وسلم تدرج لتحريمها فأوجب الزكاة عليها أولا ثم حرمها كما هو صريح الأحاديث السابقة ولا سيما الحديث الأول من رواية أبي هريرة مرفوعا: "من أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب ... " إلخ فإنه لا يدل دلالة قاطعة أن التحريم لنفس التحليق وما قرن معه لا لعدم إخراج زكاتها. والحق أن هذه القصة أفادت وجوب الزكاة على الحلي ومثلها قصة عائشة الآتية في زكاة خواتيم الفضة فهذه وتلك لا تدل على تحريم الاستعمال بل على وجوب زكاة المستعمل فالتحريم وعكسه يؤخذ من أدلة أخرى فأخذنا تحريم الذهب المحلق عليهن الأحاديث المتقدمة وأخذنا إباحة الفضة من حديث أبي هريرة المتقدم ومن حديث عائشة المشار إليها وغيرها.

وجملة القول أن هذا الحديث لا حجة فيه على ما ذكره المنذري لأنه لم ينص فيه على تحريم السوار إنما كان لأنه لم يؤد زكاته حتى يمكن أن يقال: إنه مفصل وتلك الأحاديث مجملة فيحمل المجمل على المفصل وإنما هي واقعة عين أفادت وجوب زكاة الحلي فلا يعارض ما أفادته الأحاديث السابقة من التحريم. تقييد آخر للأحاديث والجواب عنه 5- وأجاب هذا البعض أيضا بجواب آخر1 فقال: إن الوعيد المذكور إنما هو في حق من تزينت به وأظهرته واستدل بما رواه النسائي وأبو داود عن ربعي بن حراش عن امرأته عن أخت لحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 1 وقلده أيضا من أشرنا إليه في التعليق السابق دون أن يتعرض للجواب عن ردنا هذا عليه بل إنه أوهم طلابه أن هذا التقييد الوارد في حديث النسائي ثابت يحتج به مع أنه قد ضعفه قبل أسطر بالجهالة الآتي ذكرها ولكنه لم يسق لفظ الحديث ليعلم الطالب أنه هو الذي ورد فيه هذا التقييد فيعلم عدم ثبوته! ولعل الدكتور وقع منه ذلك اتفاقا ولم يتعمده!

قال: "يا معشر النساء! أما لكن في الفضة ما تحلين به؟ أما إنه ليس منكن امرأة تتحلى ذهبا تظهره إلا عذبت به". والجواب من وجهين: الأول: رد الحديث من أصله لعدم ثبوته فإن في سنده امرأة ربعي وهي مجهولة كما قال ابن حزم 10 / 83 ولذلك ضعفته في المشكاة 4403. ثانيا: لو كانت العلة هي الإظهار لكان لا فرق في ذلك بين الذهب والفضة لاشتراكهما في العلة مع أن الحديث صريح في التفريق بينهما ولا قائل بحرمة خاتم الفضة على المرأة مع ظهوره فثبت بطلان التمسك بعلة الإظهار. ولهذا قال أبو الحسن السندي: "تظهره يحتمل أن تكون الكراهة إذا ظهرت وافتخرت به لكن الفضة مثل الذهب في ذلك فالظاهر أن هذا لزيادة التقبيح والتوبيخ والكلام لإفادة حرمة الذهب يعني: المحلق على النساء مع قطع النظر عن الإظهار والافتخار".

وهذا كله يقال على افتراض صحة الحديث وإلا فقد عرفت ضعفه فسقط الاستدلال به أصلا. رد الأحاديث بفعل عائشة والجواب عنه 6- ومن أعجب ما ردت به هذه الأحاديث الصحيحة قول بعض متعصبة الحنفية: "إن عائشة رضي الله عنها كانت تلبس الخواتيم من الذهب كما رآها ابن أختها القاسم بن محمد وحدث بذلك وهذا الخبر عن عائشة رواه البخاري في صحيحه". وأقول: إطلاق عزو هذا الأثر للبخاري فيه نظر لأن المعروف عند العلماء أن العزو إلى البخاري مطلقا معناه أنه في صحيحه مسند وليس كذلك أمر هذا الأثر فإنه إنما ذكره معلقا بدون إسناد وذكر الحافظ في الفتح 10 / 271 أنه وصله ابن سعد في الطبقات. وسكت عن سنده وهو عندي حسن فقال ابن سعد 8 / 48: أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي

عمرو قال: سألت القاسم بن محمد قلت: إن ناسا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأحمرين: المعصفر والذهب فقال: كذبوا والله لقد رأيت عائشة تلبس المعصفرات وتلبس خواتم الذهب. لكن رواه غير عبد العزيز بلفظ: "كانت تلبس الأحمرين: المذهب1 والمعصفر". أخرجه ابن سعد أيضا: وأخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس عن سلميان بن بلال عن عمرو به وهذا الإسناد أصح لأن سليمان هذا أحفظ من عبد العزيز. فإن ثبت ذكر الخاتم في هذا الأثر عن عائشة فالجواب ما سيأتي وإلا فلا حجة فيه مطلقا لأن الرواية الأخرى - وهي الأصح - لا ذكر للخاتم فيها فهو على هذا مثل حديثها الآخر من طريق القاسم أيضا أن عائشة كانت تحلي بنات أختها الذهب ثم لا تزكيه. رواه أحمد في مسائل عبد الله ص 145 وسنده صحيح فهذا محمول على الذهب

_ 1 أي: المموه بالذهب بمعنى المطلي به و "المعصفر" هو الثوب المصبوغ بالعصفر.

المقطع وهو جائز لهن اتفاقا ثم قال ذاك المذكور: "لا يتصور أن تلبس عائشة رضي الله عنها الذهب الملحق ورسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم معها وفي بيتها ثم لا ينهاها عنه". قلت: هذه مغالطة ظاهرة - ولعلها غير مقصودة - إذ ليس في الأثر المتقدم أن عائشة لبسته على علم منه صلى الله عليه وسلم بل فيه أن القاسم بن محمد رآها تلبسه فمعنى ذلك أن لبسها إياه إنما كان بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لأن القاسم لم يدركه صلى الله عليه وسلم. ثم قال عطفا على ما سبق: "أو ينهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يبلغها؟ فهذا مستحيل قطعا". قلت: لا استحالة في ذلك إلا نظرا وهذا ليس يهمنا لأن الواقع خلافه فكم من سنن فعلية وأقوال نبوية خفيت على كبار الصحابة رضي الله عنهم ولولا صحة السند بذلك عنهم لقلنا كما قال المومأ إليه

هاهنا ولا يتحمل هذا التعليق الإكثار من أمثلة ذلك فلنقتصر على مثالين منها: 1- أن عائشة ترى أن الأقراء إنما هي الأطهار كما قال أحمد في المسائل 185 وروى مالك في الموطأ 2 / 96 بسند صحيح جدا عنها أنها قالت: "تدرون ما الأقراء؟ إنما الأقراء الأطهار". ونحوه في مسائل الإمام أحمد لابنه عبد الله ص 231. أقول: وقد ثبت في السنة أن القرء إنما هو الحيض وبه قال الحنفية والرجل منهم فهل يرد حضرته مذهبه ولا سيما أنه موافق للسنة من أجل قول عائشة هذا؟ أم يجعل قولها دليلا على نسخ ذلك كما فعل في مسألتنا هذه؟! 2- قالت عائشة رضي الله عنها: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: "ما هذا يا عائشة؟ " فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله! قال: "أتؤدين زكاتهن؟ " قلت: لا أو ما شاء الله قال: "هو

حسبك من النار". أخرجه أبو داود 1 / 244 وغيره وإسناده على شرط الصحيح كما قال الحافظ في التخليص 6 / 19 ومحمد بن عطاء الذي في إسناده هو محمد بن عمرو بن عطاء ثقة محتج به في الصحيحين كما في الترغيب وظنه ابن الجوزي في التحقيق 1 / 198 / 1 رجلا آخر فجهله وضعف الحديث من أجل ذلك فلا يلتفت إليه. فهذا الحديث صريح في إيجاب الزكاة على الحلي وهو حجة الذين ذهبوا إلى إيجابه ومنهم الحنفية. ثم إنه قد ورد عن عائشة نفسها ما يعارض هذا الحديث وهو ما أخرجه مالك 1 / 245 عن القاسم ابن محمد "راوي حديث الخاتم! " أن عائشة كانت تل بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة. سنده صحيح جدا وتقدم نحوه من رواية أحمد.

فهذه مخالفة صريحة عن عائشة رضي الله عنها لحديثها1 فإذا جاز في حقها ذلك فبالأحرى أن تخالف حديث غيرها لم تروه هي وهي على كل حال مأجورة فماذا يقول المشار إليه في هذه المخالفة؟ أيدع الحديث والمذهب لقولها أم يتمسك بالحديث ويدع قولها معتذرا عنها بأي عذر مقبول كما هو الواجب؟ وعلى كل حال فقد ظهر لكل من له قلب أن ما كان يظنه مما لا يتصور أو أنه مستحيل قطعا قد أثبتناه بالأسانيد الصحيحة ولازم ذلك أن لا يتلفت المسلم إلى أي قول يخالف ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم مهما كان شأن قائله فضلا وعلما وصلاحا لانتفاء العصمة وهذا من الأسباب التي تشجعنا على الاستمرار في خطتنا من التمسك بالكتاب والسنة وعدم الاعتداد بما سواهما

_ 1 وألفت النظر إلى أن من مذهبها إخراج الزكاة عن مال الأيتام انظر "الموطأ" و "الأموال" و "مسائل الإمام أحمد" لابنه عبد الله. وروى ابن أبي شيبة في "المصنف" عن القاسم قال: كان مالنا عند عائشة فكانت تزكيه إلا الحلي وسنده صحيح أيضا.

كما صنعنا في هذه المسألة التي أسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين للعمل بها وبكل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم. ترك الأحاديث لعدم العلم بها بمن عمل بها وجوابه 6- هذا ولعل فيمن ينصر السنة ويعمل بها ويدعو إليها من يتوقف عن العمل بهذه الأحاديث بعذر أنه لا يعلم أحدا من السلف قال بها فليعلم هؤلاء الأحبة أن هذا العذر قد يكون مقبولا في بعض المسائل التي يكون طريق تقريرها إنما هو الاستنباط والاجتهاد فحسب لأن النفس حينئذ لا تطمئن لها خشية أن يكون الاستنباط خطأ ولا سيما إذا كان المستنبط من هؤلاء المتأخرين الذين يقررون أمورا لم يقل بها أحد من المسلمين بدعوى أن المصلحة تقتضي تشريعها دون أن ينظروا إلى موافقتها لنصوص الشرع أولا مثل إباحة بعضهم للربا الذي سماه ب الربا الاستهلاكي واليانصيب الخيري - زعموا – ونحوهما! أما ومسألتنا ليست من هذا القبيل فإن فيها نصوصا صريحة محكمة لم يأت ما ينسخها - كما سبق بيانه - فلا يجوز ترك العمل بها للعذر المذكور ولا سيما أننا قد ذكرنا من قال بها مثل

أبي هريرة رضي الله عنه وولي الله الدهلوي وغيرهما كما تقدم ولا بد أن يكون هناك غير هؤلاء ممن عمل بهذه الأحاديث لم نعرفهم لأن الله تعالى لم يتعهد لنا بحفظ أسماء كل من عمل بنص ما من كتاب أو سنة وإنما تعهد بحفظهما فقط كما قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فوجب العمل بالنص سوءا علمنا من قال به أو لم نعلم ما دام لم يثبت نسخه كما هو الشأن في مسألتنا هذه. وأختم هذا البحث بكلمة طيبة للعلامة المحقق ابن القيم رحمه الله تعالى لها مساس كبير بما نحن فيه قال: في إعلام الموقعين 3 / 464 – 465: "وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنا من كان ويهجرون فاعل ذلك وينكرون على من يضرب له الأمثال ولا يسوغون غير الانقياد له صلى الله عليه وسلم والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس أو يوافق قول فلان وفلان

بل كانوا عاملين بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} وبقوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} وبقوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} وأمثالها فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا يقول: من قال هذا؟ دفعا في صدر الحديث ويجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجهل وأقبح من ذلك عذره في جهله إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة. والله المستعان".

وجوب إحسان عشرة الزوجة

40- وجوب إحسان عشرة الزوجة: ويجب عليه أن يحسن عشرتها ويسايرها فيما أحل الله لها - لا فيما حرم - ولا سيما إذا كانت حديثة السن وفي ذلك أحاديث: الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" 1. الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع:

_ 1 رواه الطحاوي في "المشكل" 3/211 من حديث ابن عباس وروى منه الشطر الأول الحاكم 4/173 وقال: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وله شاهد من حديث عائشة أخرجه أبو نعيم في "الحلية" 7/138 وهو عند الدارمي 2/159 إلا انه قال: "وإذا مات صاحبكم فدعوه" بدل قوله: "وأنا خيركم لأهلي" وسنده صحيح على شرط البخاري. وله شاهد آخر رواه الخطيب في "التاريخ" 7/13 من حديث أبي هريرة وللترمذي وأحمد 2/250 و 472 الشطر الأول منه نحوه وسنده حسن

" ... ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة1 فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. إلا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكروهن ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن" 2.

_ 1 أي: ظاهرة وفي "النهاية": "وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من الأقوال والأفعال". ولذا قال السندي في حاشيته: " والمراد: النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج وأهله باللسان واليد لا الزنا إذ لا يناسب قوله ضربا غير مبرح وهذا هو الملائم لقوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} الآية فالحديث على هذا كالتفسير لها فإن المراد بالضرب فيها هو الضرب المتوسط لا الشديد". 2 أخرجه الترمذي 2/204 وقال: "حديث حسن صحيح" وابن ماجه 1/568 - 569 من حديث عمرو بن

الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك أي لا يبغض مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر" 1. الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخيارهم خيارهم لنسائهم" 2.

_ الأحوص رضي الله عنه وصححه ابن القيم في "الزاد" 4/64. وله شاهد من حديث عم أبي حرة الرقاشي أخرجه أحمد في "المسند" 5/72 - 73 وقد خرجته في "الإرواء" 2090. 1 أخرجه مسلم 4/178 و 179 وغيره من حديث أبي هريرة. 2 أخرجه الترمذي 2/204 وأحمد 250 و 472 وأبو الحسن الطوسي في "مختصره" 1/218 وحسنه وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". قلت: وهو حسن الإسناد عن أبي هريرة وشطره الأول صحيح جاء من طرق صحيحة عنه صلى الله عليه وسلم وقد خرجته في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" 284.

الخامس: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم [والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد] [في يوم عيد] فقال لي: ["يا حميراء! 1 أتحبين أن تنظري إليهم؟ " فقلت: نعم] 2.فأقامني

_ 1 تصغير الحمراء يريد البياض كذا في "النهاية". 2 هذه الزيادة رواها النسائي في "عشرة النساء" 75/1 وقال الحافظ في "الفتح" 2/355: " إسناده صحيح ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا". قلت: ومنه تعلم أن قول ابن القيم في المنار ص 34: "وكل حديث فيه "ياحميراء" أو ذكر الحميراء فهو كذب مختلق". ليس صوابا على إطلاقه فلا تغتر به. ثم رأيت الزركشي قال في المعتبر 19/20" "وذكر شيخنا ابن كثير عن شيخه أبي الحجاج المزي أنه يقول: "كل حديث فيه ذكر الحميراء باطل إلا حديثا في الصوم في سنن النسائي".

وراءه] فطأطأ لي منكبيه لأنظر إليهم [فوضعت ذقني على عاتقه وأسندت وجهي إلى خده] فنظرت من فوق منكبيه وفي رواية: من بين أذنه وعاتقه [وهو يقول:

_ قلت: وحديث آخر في النسائي: دخل الحبشة المسجد يلعبون فقال لي: "ياحميراء! أتحبين أن تنظري إليهم". وإسناده صحيح. انتهى كلام الزركشي وقد استدرك الشيخ أبو غدة في تعليقه على المنار حديثا ثالثا رواه الحاكم في المستدرك 3/119 وقال: "قال الحكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". وقال الذهبي: "عبد الجبار لم يخرجا له". انتهى بزيادة وتصويب". قلت: وفيما أشار إليه من التصرف نظر لا مجال الآن لبيانه. لكن هذا الاستدراك على الحافظين ليس مقبولا من مثل أبي غدة لأنه ليس من رجال هذا الميدان أولا ولأن في إسناد الحديث محمد بن عبد الله الحفيد شيخ الحاكم قال الحكم نفسه في "التاريخ": "كان فيه جهالة وكان حنفيا يشرب المسكر على مذهبه ولا يستره"!.

"دونكم يا بني أرفدة"] فجعل يقول: "يا عائشة! ما شبعت"؟ فأقول: لا لأنظر منزلتي عنده] حتى شبعت. قالت: ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيبا] وفي رواية: [حتى إذا مللت قال: "حسبك؟ " قلت نعم قال: "فاذهبي" وفي أخرى: [قلت: لا تعجل فقام لي ثم قال: "حسبك؟ " قلت: لا تعجل [ولقد رأيته يرواح بين قدميه] قالت: ما بي حب النظر إليهم ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه [وأنا جارية] [فاقدروا قدر الجارية [العربة] الحديثة السن الحريصة على اللهو] [قالت: فطلع عمر فتفرق الناس عنها والصبيان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت شياطين الإنس والجن فروا من عمر"] [قالت عائشة: قال صلى الله عليه وسلم يومئذ: "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة"] 1.

_ 1 أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأحمد والمحاملي في صلاة العيدين رقم 134 – من نسختي والطحاوي في المشكل 1/116 وأبو يعلى 229/1 من طرق أربعة عنها يزيد بعضهم على بعض وإلى زياداتهم أشرنا بالقوسين [] وقد خرجناهما في كتابنا الثمر المستطاب وعزوان كل

السادس: عنها أيضا قالت: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب فقال: "ما هذا عائشة؟ " قالت: بناتي ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع فقال: "ما هذا الذي أرى وسطهن؟ " قالت: فرس قال: "وما هذا الذي عليه؟ " قالت: جناحان قال: "فرس له جناحان؟ " قالت: "أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ " قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه"1.

_ واحدة منها إلى مخرجها فأغنى ذلك عن الإعادة إلا الزيادة الأخيرة فقد استدركتها هنا وهي في المسند لأحمد وللحميدي أيضا 254 – طبع الهند من طريقين عنها وغير زيادة تفرق الناس والمراوحة بين القدمين وغير زيادة: "لأنظر منزلتي عنده" فهي في الكامل لابن عدي ق 121/1 بسند حسن. وله شاهد من مرسل الشعبي أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث والحارث بن أبي أسامة في مسنده 212 – من زوائده وكذا الخرائطي في اعتلال القلوب كما في الجامع الصغير. 1 رواه أبو داود في "سننه" 2/305 والنسائي في عشرة النساء 75/1 بسند صحيح وابن عدي 182/1 مختصرا.

السابع: عنها أيضا: أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره وهي جارية [قالت: لم أحمل اللحم ولم أبدن1] فقال لأصحابه: "تقدموا" [فتقدموا] ثم قال: "تعالي أسابقك فسابقته فسبقته على رجلي" فلما كان بعد خرجت معه في سفر فقال لأصحابه: "تقدموا" ثم قال: "تعالي أسابقك ونسيت الذي كان وقد حملت اللحم" [وبدنت] فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على هذه الحال؟ فقال: "لتفعلن" فسابقته فسبقني فـ[جعل يضحك و] قال: "هذه بتلك السبقة" 2.

_ 1 بدن وبدن فبالتشديد بمعنى كبر وأسن وبالتخفيف من البدانة وهي كثرة اللحم والسمنة وهذا المعنى هو الأليق بالسياق انظر "النهاية" 1/107. 2 أخرجه الحميدي في مسنده 261 وأبو داود 1/403 والنسائي في عشرة النساء 74/2 والسياق له وأحمد 6/264 والطبراني 23/47 وابن ماجه 1/610 مختصرا وسنده صحيح كما قال العراقي في " تخريج الإحياء" 2/40. ثم خرجت الحديث في ‘رواء الغليل وذكرت طرقه وبعض ألفاظه فيراجعه من شاء 1497.

الثامن: عنها أيضا قالت: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤتى بالإناء فأشرب منه وأنا حائض ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في وإن كنت لآخذ العرق فآكل منه ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في"1. التاسع: عن جابر بن عبد الله وجابر بن عمير قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل شيء ليس فيه ذكر الله فهو [لغو] وسهو ولعب إلا أربع [خصال] : ملاعبة الرجل امرأته وتأديب الرجل فرسه ومشيه بين الغرضين2 وتعليم الرجل السباحة" 3.

_ 1 أخرجه مسلم 1/168 – 169 وأحمد 6/62 وغيرهما. 2 تثنية "غرض" وهو الهدف. 3 أخرجه النسائي في عشرة النساء ق 74/2,

وصايا إلى الزوجين

41- وصايا إلى الزوجين: وختاما أوصي الزوجين: أولا: أن يتطاوعا ويتناصحا بطاعة الله تبارك وتعالى واتباع أحكامه الثابتة في الكتاب والسنة ولا يقدما عليها تقليدا أو عادة غلبت على الناس أو مذهبا فقد قال عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب: 36] . ثانيا: أن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض الله عليه من الواجبات والحقوق تجاه الآخر فلا تطلب الزوجة - مثلا - أن تساوي الرجل في جميع حقوقه ولا يستغل الرجل ما فضله الله تعالى به عليها من السيادة

_ والطبراني المعجم الكبير 1/89/2 وأبو نعيم في أحاديث أبي القاسم الأصم 17 - 18 بإسناد صحيح وقواه المنذري والهيثمي. وشرحت القول في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" رقم 309.

والرياسة فيظلمها ويضربها بدون حق فقد قال الله عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 228] وقال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ1 فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً2 إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} [النساء: 34] .

_ 1 أي: خروجهن عن الطاعنة قال ابن كثير: "والنشوز هو الارتفاع فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها التاركة لأمره المعرضة عنه". 2 أي: إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله له منها فلا سبيل له عليها بعد ذلك وليس له ضربها ولا هجرانها وقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن. كذا في "تفسير ابن كثير".

وقد قال معاوية بن حيدة رضي الله عنه: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح الوجه1 ولا تضرب [ولا تهجر إلا في البيت2 كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض3 إلا بما حل عليهن] " 4. وقال صلى الله عليه وسلم: "المسقطون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن - وكلتا يديه يمين - الذين يعدلون في

_ 1 أي: لا تقل: قبح الله وجهك. وقوله: "ولا تضرب" يعني: الوجه وإنما يضرب عند اللزوم في غير الوجه. 2 أي: لا تهجرها إلا في المضجع ولا تتحول عنها أو تحولها إلى دار أخرى كذا في "شرح السنة" 3/26/1. 3 يعني الجماع. وقوله: "إلا بما هو حل عليهن" يعني من الضرب والهجر بسبب نشوزهن كما هو صريح الآية المتقدمة. 4 رواه أبو داود 1/334 والحاكم 2/178 - 188 وأحمد 5/3 و 5 والزيادة له بسند حسن. وقال الحاكم: " صحيح ". ووافقه الذهبي. ورواه البغوي أيضا في شرح السنة.

حكمهم وأهليهم وما ولوا" 1. فإذا هما عرفا ذلك وعملا به أحياهما الله تبارك وتعالى حياة طيبة وعاشا - ما عاشا معا - في هناء وسعادة فقد قال عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97] . ثالثا: وعلى المرأة بصورة خاصة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود استطاعتها فإن هذا مما فضل الله به الرجال على النساء كما في الآيتين السابقتين: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة مؤكدة لهذا المعنى ومبينة بوضوح ما للمرأة وما عليها إذا هي أطاعت زوجها أو عصته فلا بد من إيراد بعضها لعل

_ 1 رواه مسلم 6/7 والحسين المروزي في زوائد الزهد لابن المبارك 120/2 من الكواكب لابن عروة الحنبلي مجلد رقم 575 وابن منده في التوحيد 94/1 وقال: "حديث صحيح".

فيها تذكيرا لنساء زماننا فقد قال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} . الحديث الأول: "لا يحل لأمرأة أن تصوم وفي رواية: لا تصم المرأة وزوجها شاهد1 إلا بإذنه [غير رمضان] ولا تأذن في بيته إلا بإذنه" 2.

_ 1 أي: حاضر مقيم في البلد قال النووي في "شرح مسلم" 7/115 تحت الرواية الثانية: "وهذا النهي للتحريم صرح به أصحابنا". قلت: وهو قول الجمهور كما في " الفتح " ويؤيده الرواية الأولى ثم قال النووي: "وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي". قلت: فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها فبالأولى أن يجب عليها إطاعته فيما هو أهم من ذلك مما فيه تربية أولادها وصلاح أسرتهما ونحو ذلك من الحقوق والواجبات وقال الحافظ في "الفتح": "وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير لأن حقه واجب والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع". 2 أخرجه البخاري 4/42 – 243 بالرواية الأولى

الثاني: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه1 فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح" وفي رواية: "أو حتى ترجع" وفي أخرى: "حتى يرضى عنها" 2. الثالث: "والذي نفسي محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي

_ ومسلم 3/91 بالرواية الثانية وأبو داود 1/385 والنسائي في الكبرى 63/2 ولهما الزيادة وسنده صحيح على شرط الشيخين وأحمد 2/316, 444, 464, 500 والطحاوي في المشكل 2/425 وأبو الشيخ في أحاديث أبي الزبير رقم 126 من طرق عن أبي هريرة ولأحمد في رواية معنى الزيادة. 1 كناية عن الجماع ويقويه قوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش" أي: لمن يطأ في الفراش والكناية عن الأشياء التي يستحيى منها كثيرة في القرآن والسنة. قاله ابن أبي جمرة كما في "الفتح". 2 رواه البخاري 4/241 ومسلم 4/157 والرواية الأخرى له في رواية وأبو داود 1/334 والدارمي 2/149 و 50 وأحمد 2/255 و 348 و 386 و 439 و 468 و 480 و 519 و 538 والرواية الثانية له كذا والدارمي.

على قتب1 لم تمنعه من [نفسها] " 2. الرابع: "لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل3 يوشك أن يفارقك إلينا" 4.

_ 1 أي: رحل في "اللسان": "القتب" و "القتب": إكاف البعير. وفي "الصحاح": رحل صغير على قدر السنام وفي "النهاية": "القتب للجمل كالإكاف لغيره ومعناه الحث لهن على مطاوعة أزواجهن وأنه لا يسعهن الامتناع في هذه الحال فكيف في غيرها؟ ". 2 حديث صحيح. رواه ابن ماجه 1/570 وأحمد 4/381 عن عبد الله ابن أبي أوفى وابن حبان في صحيحه والحاكم كما في الترغيب 3/76 وذكر شاهدا عن زيد بن أرقم وقال 3/77: "رواه الطبراني بإسناد جيد". وقد خرجته في الصحيحة 173. 3 في "النهاية": "الدخيل: الضيف والنزيل". 4 رواه الترمذي 2/208 وابن ماجه 1/621 والهيثم بن كليب في مسنده 5/167/1 وأبو الحسن الطوسي

الخامس: عن حصين بن محصن قال: حدثتني عمتي قالت: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة فقال: "أي هذه أذات بعل؟ " قلت: نعم قال: "كيف أنت له؟ " قالت: ما آلوه1: إلا ما عجزت عنه قال: " [فانظري] أين أنت منه؟ فإنما هو جنتك ونارك" 2.

_ في مختصره 1/119/2 وأبو العباس الأصم في مجلسين من الأمالي 3/1 وأبو عبد الله القطان في حديثه عن الحسن بن عرفة 145/1 كلهم عن إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعد الكلاعي عن خالد بن عمدان عن كثير بن مرة الحضرمي عن معاذ بن جبل مرفوعا. وقال الطوسي: "هذا حديث غريب حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه ورواية إسماعيل عن الشاميين صالحة". قلت: ويعني أن هذه منها. 1 أي: لا أقصر في طاعته وخدمته. 2 رواه ابن أبي شيبة 7/47/1 وابن سعد 8/459 والنسائي في "عشرة النساء" وأحمد 4/341والطبراني في "الأوسط" 170/1 من "زوائده" والحاكم 2/189 وعنه

السادس: "إذا صلت المرأة خمسها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت" 1. وجوب خدمة المرأة لزوجها: قلت: وبعض الأحاديث المذكورة آنفا ظاهرة الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها وخدمتها إياه في حدود استطاعتها ومما لا شك فيها أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله وما يتعلق به من تربية أولاده ونحو ذلك وقد اختلف العلماء في هذا فقال شيخ

_ البيهقي 7/291 والواحدي في الوسيط 1/161/2 وابن عساكر 16/31/1 وإسناده صحيح كما قال الحاكم ووافقه الذهبي وقال المنذري 3/74: "رواه أحمد والنسائي بإسنادين جيدين". 1 حديث حسن أو صحيح له طرق فرواه الطبراني في الأوسط 169/2 – من ترتيبه وكذا ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة كما في الترغيب 3/73 وأحمد رقم 1661 عن عبد الرحمن بن عوف وأبو نعيم 6/308 والجرجاني 291 عن أنس بن مالك.

الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 2 / 234 – 235: "وتنازع العلماء هل عليها أن تخدمه في مثل فراش المنزل ومناولة الطعام والشراب والخبز والطحن والطعام لممالكيه وبهائمه مثل علف دابته ونحو ذلك؟ فمنهم من قال: لا تجب الخدمة. وهذا القول ضعيف كضعف قول من قال: لا تجب عليه العشرة والوطء فإن هذا ليس معاشرة له بالمعروف بل الصاحب في السفر الذي هو نظير الإنسان وصاحبه في المسكن إن لم يعاونه على مصلحته لم يكن قد عاشره بالمعروف. وقيل - وهو الصواب -: وجوب الخدمة فإن الزوج سيدها في كتاب الله وهي عانية عنده بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم ص 270 وعلى العاني والعبد الخدمة ولأن ذلك هو المعروف. ثم من هؤلاء من قال: تجب الخدمة اليسيرة ومنهم من قال: تجب الخدمة بالمعروف. وهذا هو الصواب فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها

لمثله ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال فخدمة البدوية ليست كخدمة القوية وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة". قلت: وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى أنه يجب على المرأة خدمة البيت وهو قول مالك وأصبغ كما في الفتح 9 / 418 وأبي بكر بن أبي شيبة وكذا الجوزجاني من الحنابلة كما في الاختيارات ص 145 وطائفة من السلف والخلف كما في الزاد 4 / 46 ولم نجد لمن قال بعدم الوجوب دليلا صالحا. وقول بعضهم: "إن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام" مردود بأن الاستمتاع حاصل للمرأة أيضا بزوجها فهما متساويان في هذه الناحية ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أوجب على الزوج شيئا آخر لزوجته ألا وهو نفقتها وكسوتها ومسكنها فالعدل يقتضي أن يجب عليها مقابل ذلك شيء آخر أيضا لزوجها وما هو إلا خدمتها إياه ولا سيما أنه القوام عليها بنص القرآن الكريم كما سبق وإذا لم تقم هي

بالخدمة فسيضطر هو إلى خدمتها في بيتها وهذا يجعلها هي القوامة عليه وهو عكس للآية القرآنية كما لا يخفى فثبت أنه لا بد لها من خدمته وهذا هو المراد. وأيضا فإن قيام الرجل بالخدمة يؤدي إلى أمرين متباينين تمام التباين أن ينشغل الرجل بالخدمة عن السعي وراء الرزق وغير ذلك من المصالح وتبقى المرأة في بيتها عطلا عن أي عمل يجب عليها القيام به ولا يخفى فساد هذا في الشريعة التي سوت بين الزوجين في الحقوق بل وفضلت الرجل عليها درجة ولهذا لم يزل الرسول صلى الله عليه وسلم شكوى ابنته فاطمة عليها السلام حينما: أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى وبلغها أنه جاءه رقيق فلم تصادفه فذكرت لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة قال علي رضي الله عنه: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال: "على مكانكما" فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال: "ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا,

وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين فهو خير لكما من خادم" [قال علي: فما تركتها بعد قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين!] . رواه البخاري 9 / 417 - 418. فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لعلي: لا خدمة عليها وإنما هي عليك وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحدا كما قال ابن القيم رضي الله عنه ومن شاء زيادة البحث في هذه المسألة فليرجع إلى كتابه القيم زاد المعاد 4 / 45 – 46. هذا وليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في ذلك إذا وجد الفراغ والوقت بل هذا من حسن المعاشرة بين الزوجين ولذلك قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: كان صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله يعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. رواه البخاري 2 / 129 و9 / 418 والترمذي 3 / 314 وصححه والمخلص من الثالث من

السادس من المخلصيات 66 / 1 وابن سعد 1 / 366. ورواه في الشمائل 2 / 185 من طريق أخرى عنها بلفظ: "كان بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه". ورجاله رجال الصحيح وفي بعضهم ضعف1. لكن رواه أحمد وأبو بكر الشافعي بسند قوي كما حققته في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" رقم 670 والله ولي التوفيق.

_ 1 قلت: ولذلك ضعفه المعلق على شرح السنة 13 / 243 / 3676 وفاته الوقوف على الطريق القوية التي يأتي الإشارة إليها قريبا. وراجع إن شئت كتابي "مختصر الشمائل" رقم 293 للمؤلف.

وهذا آخر ما وفقنا الله تبارك وتعالى لذكره من آداب الزفاف في هذه الرسالة. و"سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".

§1/1