نهر الذهب فى تاريخ حلب

كامِل الغَزِّي

الجزء الاول

[الجزء الاول] كلمة الناشر تتابع «دار القلم العربي» خطّتها التي انتهجتها لنفسها، وهي نشر التراث الحلبي الثمين، وتعريف الناس به، وتيسير وصوله إلى القراء عامة، والعلماء والباحثين خاصة، من مخطوطات قديمة، أو مطبوعات أصبحت نادرة الوجود. وها هي ذي تعيد طباعة كتاب «نهر الذهب في تاريخ حلب» بمجلداته الثلاثة، للمؤرخ العلامة كامل الغزي، بحلّة قشيبة، وتحقيق جديد قام به الدكتور شوقي شعث، والأستاذ محمود فاخوري، بعد أن قامت الدار بطباعة «إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء» بمجلداته السبعة للعلامة الطباخ. وكلا الكتابين متمم للآخر، وبهما معا تكتمل صورة حلب في مختلف جوانبها، ومع أن هذين الكتابين هما لرجلين صديقين ومتعاصرين، وأنهما طبعا أول مرة في وقت واحد تقريبا، فلن يغني أحدهما عن الآخر، لأن كلا من المؤلفين كان يعمل في كتابه مستقلا عن الآخر، وهنا تكمن الفائدة للباحث والدارس. وسوف تواصل دار القلم العربي خطواتها هذه في خدمة التاريخ والأدب والثقافة. والله من وراء القصد. حلب: 4 من ذي الحجة 1411 هـ 16/6/1991 م الناشر علاء الدين الرفاعي

مقدمة

مقدمة حلب، ونهر الذهب «حلب مدينة عظيمة واسعة، كثيرة الخيرات، طيبة الهواء، صحيحة الأديم والماء ... وشاهدت من حلب وأعمالها ما استدللت به على أن الله تعالى خصّها بالبركة، وفضّلها على جميع البلاد.. وأما قلعتها فبها يضرب المثل في الحسن والحصانة.. وما زال فيها على قديم الزمان وحديثه أدباء وشعراء.. وقد أكثر الشعراء من ذكرها ووصفها والحنين إليها» . ذلك مجمل ما قاله ياقوت الحموي عن حلب في كتابه «معجم البلدان» ، وقد زارها وأقام فيها غير مرّة. وليس هو الوحيد الذي أشاد بهذه المدينة ونوّه بفضلها، فهناك أقوال كثيرة مماثلة للرحالة والجغرافيين العرب والغربيّين الذين زاروها، أو أقاموا فيها، وقد أجمعوا كافة على أن حلب من أقدم المدن العامرة في العالم، ولا تزال حتى اليوم زاخرة بالحياة، مزدهرة بالحضارة والعمران، بعد أن مرّت بأحقاب متلاحقة منذ القرن العشرين قبل الميلاد، وعرفت أمما شتّى تعاقبت عليها، كما عرفت الأمجاد التليدة، من جهة، والكوارث والزلازل من جهة أخرى، وهي بعد ملتقى الطرق التجارية الكبرى لقوافل الشرق والغرب، ثم إنها مدينة الآثار والأسوار، والأبراج والأبواب، وقد بقيت محافظة على تراثها الثمين، وكنوزها الأوابد، وجلال أبنيتها القديمة، وهذا ما جعل المؤرخين يهتمون بها، حتى إن ما ألّف فيها وحدها من كتب تاريخية يسترعي الانتباه بكثرته وتنوعه، منذ أن كتب حمدان الأثاربي (- 520 هـ) كتابه «القوت» في تاريخ حلب، حتى ألّف الغزي (- 1351 هـ- 1933 م) كتابه «نهر الذهب» ، وبينهما كتب كثيرة منها المطبوع، ومنها المفقود، ومنها الذي لا يزال مخطوطا. ونكتفي- فيما يلي- بذكر ما طبع حتى اليوم من تلك الكتب عن حلب: 1- تاريخ حلب: لمحمد بن علي العظيمي (- 556 هـ) . طبع في دمشق 1984 م بتحقيق إبراهيم زعرور.

2- بغية الطلب في تاريخ حلب: لابن العديم (- 660 هـ) . طبع في دمشق في 11 مجلدا سنة 1408 هـ/ 1988 م بتحقيق: د. سهيل زكار. 3- زبدة الحلب في تاريخ حلب: لابن العديم أيضا. اختصر به كتابه السابق «بغية الطلب» ، وقد نشره المعهد الفرنسي بدمشق سنة 1951 م في ثلاثة أجزاء بتحقيق د. سامي الدهان. 4- الدرّ المنتخب في تاريخ مملكة حلب: ينسب إلى ابن الشحنة (- 890 هـ) . طبع في بيروت سنة 1909 م بعناية يوسف سركيس، ثم نشرته مصورا دار الكتاب العربي بحلب سنة 1984 م. وربما كان أصل هذا الكتاب لابن الشحنة، ثم تعاقب على التصرف فيه عدة مؤلفين، وكل منهم زاد فيه ما وصل إليه علمه. 5- الزّبد والضّرب في تاريخ حلب: لابن الحنبلي (- 971 هـ) اختصر به كتاب «زبدة الحلب» لابن العديم، وأضاف إليه بعض الزيادات. طبع في الكويت سنة 1409 هـ بتحقيق د. محمد التونجي. 6- درّ الحبب في تاريخ أعيان حلب: لابن الحنبلي أيضا. طبع بدمشق سنة 1972- 1973 م بتحقيق محمود الفاخوري ويحيى عبارة. ويقع في جزءين ضخمين، وكل منهما يتألف من قسمين. 7- معادن الذهب في الأعيان المشرّفة بهم حلب: لأبي الوفاء العرضي الحلبي (- 1071 هـ) . طبع في دمشق 1987 بتحقيق د. محمد ألتونجي، ولم يعثر إلا على قطعة منه تضم 69 ترجمة. 8- اليواقيت والضرب في تاريخ حلب: نسب إلى «إسماعيل أبي الفداء» ، ولا يعرف شيء عن مؤلفه. والمكنّون بأبي الفداء ممن يسمّون «إسماعيل» كثر. نشرته دار القلم العربي بحلب، بتحقيق محمد كمال وفالح البكور. 9- التاريخ الطبيعي لحلب: ألفه بالإنكليزية الطبيب البريطاني «باتريك راسل» (- 1768 م) ، وعاونه فيه أخوه «إسكندر» . طبع في جزءين بلندن سنة 1794 م. 10- تحف الأنباء في تاريخ حلب الشهباء: جمعه الطبيب الجرماني «بيشوف» من «زبدة

الحلب» لابن العديم، ومن كتب أخرى، ونسبه لنفسه وطبعه في بيروت سنة 1880 م. 11- نهر الذهب في تاريخ حلب: للشيخ كامل الغزي (- 1351 هـ/ 1933 م) وسوف نخصه بكلمة مفردة. 12- إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء: للشيخ محمد راغب الطباخ (- 1370 هـ) . طبع في حلب سنة 1926 م في سبعة أجزاء، ثم نشرته دار القلم العربي بحلب سنة 1409 هـ/ 1989 م وقام بتصحيحه محمد كمال. 13- حلبيات: ألفه عبد الله يوركي حلاق، صاحب مجلة «الضاد» ، ونشره في حلب سنة 1983 م. يضاف إلى هذه الكتب الثلاثة عشر، كتب أخرى تناول كل منها بعض الجوانب من تاريخ حلب أو أدبائها، أو آثارها. وهي كثيرة نذكر منها على سبيل المثال، مما ورد في عنوانه اسم «حلب» : 1- أدباء حلب ذوو الأثر في القرن التاسع عشر: لقسطاكي الحمصي الحلبي (- 1941 م) ترجم فيه لخمسين علما من أعلام حلب. طبع سنة 1925 م بحلب، ثم أعيد طبعه فيها سنة 1967 م. 2- محاضرات عن الحركة الأدبية في حلب (1800- 1950) : لسامي الكيالي. طبع في القاهرة سنة 1957 م ضمن منشورات معهد الدراسات العربية العالية. 3- الآثار الإسلامية والتاريخية في حلب: ألّفه بالفرنسية المستشرق «جان سوفاجيه» ، ثم عرّبه محمد أسعد طلس وعلّق عليه تعاليق مفيدة، وأضاف إليه معلومات جديدة، وأصلح أخطاء وقع فيها المؤلف. طبع في دمشق سنة 1375 هـ- 1956 م. 4- الحركة الفكرية في حلب (في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين) : لعائشة الدباغ، طبع في بيروت سنة 1392 هـ- 1972 م. 5- أحياء حلب وأسواقها: لخير الدين الأسدي، حققه وزاد عليه وقدّم له: عبد الفتاح رواس قلعه جي. وطبع في دمشق سنة 1984 م، ضمن منشورات وزارة الثقافة.

6- موسوعة حلب المقارنة: لخير الدين الأسدي. نشرها معهد التراث بجامعة حلب في سبعة مجلدات سنة 1984- 1985 م وأعدّها للطباعة محمد كمال. 7- بنو مرداس الكلابيون في حلب وشمال الشام: د. محمد أحمد عبد المولى. طبع في الإسكندرية سنة 1985 م. 8- أخبار حلب كما كتبها نعوم بخاش في دفاتر الجمعية: نشر منه جزءان بحلب سنة 1985- 1986 م بتحقيق وتعليق الأب يوسف قوشاقجي. 9- الحركة الشعرية زمن المماليك في حلب الشهباء: د. أحمد فوزي الهيب. طبع في بيروت سنة 1406 هـ- 1986 م. 10- الحركة الشعرية زمن الأيوبيين في حلب الشهباء: د. أحمد فوزي الهيب. طبع في الكويت سنة 1407 هـ- 1987 م. 11- الحياة الفكرية في حلب (في القرن التاسع عشر) : لفريد جحا. طبع في دمشق سنة 1988 م. 12- إمارة حلب في ظل الحكم السلجوقي: لمحمد ضامن، رسالة ماجستير نشرتها دار أسامة (دمشق- بيروت) سنة 1990 م.

نهر الذهب

نهر الذهب أما كتاب «نهر الذهب في تاريخ حلب» الذي ألّفه الشيخ كامل الغزي «1» ، فقد طبع منه في حياته ثلاثة أجزاء بين سنتي 1922- 1926 م ثم نفدت هذه الطبعة حتى أصبحت نادرة جدا، ندرة المخطوطات، وطال انتظار الناس لطبعة ثانية تيسّر تداوله بين أيديهم وإفادتهم منه. قسم الغزي كتابه هذا إلى مقدمة ضخمة، وأربعة أبواب كبيرة، وزعها على أجزاء الكتاب. 1- فالجزء الأول: يشتمل على المقدمة وحدها، كما فعل ابن خلدون في (مقدمة) تاريخه الكبير. وتكلم الغزي فيها على عدة أمور لا يتمكن القارئ دونها من الوقوف على ما انطوى عليه المكان الذي يؤرّخ له، ومن حقائق وأوصاف وأحوال. ومن ثم فإنه ذكر بعض من ألّف في تاريخ حلب، ثم انتقل إلى الكلام على أسماء حلب وجغرافيتها بالتفصيل، وما مدحت به من الشعر والنثر، وتحدث عن الأوزان والمقاييس المستعملة فيها، وعن صناعاتها ونباتاتها وحيواناتها وتجاراتها ومدارسها، وما يقوم على أرضها من مختلف الملل والنحل، والعادات والتقاليد، والنظم الإدارية والمالية، وما يتبع (حلب) من الأقضية والنواحي والألوية. 2- والجزء الثاني: يشتمل على الباب الأول برمّته. وقد خصّصه للكلام على أحياء حلب ومعالمها التاريخية وأوابدها الأثرية، بعد أن بدأه بالكلام على أسوار المدينة وأبوابها وقلعتها. وهو يسجل كل ما وقعت عليه عيناه من تراث معماري وعمراني وآثاري في مدينة حلب. ولا يفوته أن يتحدث عن الأوقاف التي كان ينفق منها على الجوامع والمساجد، والتكايا والمدارس، وكذلك نفقات الفرش والترميم والبناء. وقد استفاد في كل ذلك من عمله الذي كان يزاوله في المحكمة الشرعية بحلب، والذي سهّل له الرجوع إلى سجلات تلك المحكمة، وكلها مخطوطة قد حوت الكثير من المعلومات القيّمة المفيدة.

ولا شك أن الأحوال قد تغيّرت اليوم عما كانت عليه في عصر الغزي قبل سبعين سنة تقريبا، حيث اتّسع البناء في حلب وما زال يتسع، وأقيمت أحياء سكنية جديدة كحيّ السبيل، والمحافظة، والشهباء، وحلب الجديدة، والحمدانية، وصلاح الدين.. إلخ. وهذا ما سبب تغييرا جذريا في طبقات الناس، وأعدادهم، وفي بعض عاداتهم وتقاليدهم، حتى أصبح الأمر يحتاج إلى كتاب آخر يكون ذيلا لنهر الذهب. 3- والجزء الثالث: يشتمل على الباب الثاني من أبواب الكتاب، وفيه يتقصى تاريخ حلب منذ أقدم العصور حتى عصر المؤلف في الربع الأول من القرن العشرين. ويدخل في ذلك ذكر الأمم التي سكنت حلب والدول التي حكمتها، وكذلك فتح المدينة في صدر الإسلام والحوادث التي طرأت عليها بعد ذلك وما أصابها من زلازل وكوارث.. نتيجة لتنقل الدول وتبدل الحكام، وتعاقب الحروب والأوبئة، والفتن والمجاعات. وقد سار في ذلك كله على ترتيب السنين الهجرية، سنة سنة، حتى عصره، حين حلّ الانتداب الفرنسي في سورية، ويفصل في الكلام على أحوال حلب في ظلّ هذا الانتداب. ويختم هذا الجزء بخلاصة مركزه عدّد فيها الأماكن القديمة التي يقصدها السيّاح في مدينة حلب وضواحيها، وكذلك الأماكن التي هي مظنّة لوجود العاديات والذخائر النفيسة. وبذلك ينتهي الجزء الثالث، حيث قال في آخره ما نصّه: «انتهى الجزء الثالث من كتاب نهر الذهب في تاريخ حلب، ويليه الجزء الرابع: المشتمل على الباب الثالث المفتتح بقولي: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده» . لكن هذا الجزء لم يطبع حتى اليوم، ولا ندري أكان معدّا للطباعة في حياة المؤلف نفسه، أم إنه كان ينوي تأليفه بعد أن ينتهي من طبع الأجزاء الثلاثة؟ لكن الدلائل تشير إلى أن مسوّدته- على الأقل- كانت موجودة ثم انتقلت إلى الورثة، يدل على ذلك العبارة التي ختم بها الجزء الثالث، من جهة، وما في الأجزاء الثلاثة من بعض الإحالات- في تراجم الرجال- على الجزء الرابع من جهة أخرى، حتى إن الطباخ يذكر في «إعلام النبلاء» «1» أن كتاب نهر الذهب في أربعة مجلدات، تصفح منها ثلاثة، ونقل منها ترجمتين اثنتين.

ونحن نزيد على ذلك أنه ربما كان في نيّة الغزي أن يؤلف جزءا خامسا يشتمل على الباب الرابع من الكتاب، بحسب تقسيمه هو لأبواب كتابه. ومهما يكن من أمر فقد بذلت مساع كثيرة للحصول على الجزء الرابع المفقود أو للعثور عليه، ولكن تلك الجهود ذهبت أدراج الرياح، وتبددت الآمال المنشودة. ولا بد من الإشارة إلى أن الغزي قد اعتمد في تأليف كتابه على مصادر كثيرة، مطبوعة ومخطوطة. في التاريخ والاجتماع، والأدب واللغة، ذكر بعضها في مواضع من كتابه، وأغفل بعضها الآخر. ويعد كتابه «نهر الذهب» - إلى جانب كونه في تاريخ حلب- موسوعة ثقافية واجتماعية وعمرانية تتلاقى فيها صور الماضي الغابر بالحاضر الراهن في زمن الغزي، وكثيرا ما كان يستطرد إلى ذكر موضوعات جانبية مفيدة في أثناء تناوله لبعض الظواهر، كحديثه عن التصوير في الإسلام، وعن قهوة البنّ واكتشاف حبّه أول مرة ... وقد أنفق الغزي في سبيل جمع كتابه. وتأليفه سنوات طويلة من عمره، فقال في مقدمته: «وبعد، فإني منذ زمن بعيد أعاني جمع هذا الكتاب، وأصرف على تأليفه من نقد عمري وجوهر مالي ما يستكثر مثله من أمثالي. وقد تتبعت من أجله العدد الكثير من الكتب التاريخية وغيرها، وتصفحت زهاء مائة مجلّد من السجلات المحفوظة في المحكمة الشرعية، وتكبدّت عناء زائدا في الاطلاع على دفاتر الدوائر الرسمية، وعلى ما هو مدّخر في المكتبات الخيرية والأهلية من المجاميع والرّقاع.. وكنت في أثناء استقصائي أخبار الآثار أضطرّ في بعضها إلى تحمل مشاقّ الأسفار، لأتمكن من الاطلاع على حقيقة حالها، وأكتب عنها كتابة تحقيق، لا كتابة تقليد وتلفيق» . يقول الدكتور سامي الدهان «1» : «والواقع أن الذي يميز هذا الكتاب من سواه، أن صاحبه أعمل فيه الرويّة والعقل، والنقد والتمحيص، والتثبت والتبويب، أكثر مما يعمل النقل والتقليد والرواية على علاتها، فكان تاريخا على الطريقة الحديثة سبق به زمانه، وكفى المؤلفين بعد زمانه مؤونة التأليف في مثله، فقد نظر في المصادر العربية القديمة، واستطاع أن يعرف ما في المصادر الأجنبية عن سبيل أصدقائه من الفرنجة المقيمين بحلب، أو المسيحيين المطّلعين على

خزائن الغرب في هذا الموضوع. وكان الرجل متسامحا أشد التسامح، يأخذ عن المصادر المختلفة، من أي جهة كانت» . أما أسلوب المؤلف في كتابه فإنه سهل واضح، وبعيد عن الصنعة والتأنق، وتلك سمات النثر التأليفي الذي يتناول به صاحبه موضوعات اجتماعية وتاريخية وعمرانية وما إليها، وربما وجدنا في الكتاب أحيانا فقرات تبدو عليها مسحة فنية من التأنق، وغلالة رقيقة من الصنعة، وهذا ظاهر في مقدمات أجزاء الكتاب، أو في نصوص وقفية طلب من الغزي إنشاؤها في مناسبات خاصة، فيأتي أسلوبه فيها على طريقة كتاب عصره آنذاك. وظاهرة أخرى نجدها في كتاب الغزي، تلك أنه يترخّص في بعض التعابير أحيانا، وقد يتساهل في الالتزام بقواعد اللغة والرسم (الإملاء) ولا سيما كتابة الهمزة في وسط الكلمة، وربما تصرّف في بعض النصوص التي ينقلها. عرفنا ذلك من مقابلة تلك النصوص بأصولها القديمة التي لم يكن لها في عصره إلا طبعة وحيدة. وهو تساهل مألوف لدى كثير من المؤلفين، ولا سيما المتأخرين منهم. والحق أن كتاب «نهر الذهب» ذو قيمة كبيرة، ويتجلّى فيه الجهد الوافر، والعمل الشخصي، والابتكار الظاهر، مع تخير وانتقاء، ونقد وتمحيص، دون أن يكتفي صاحبه بالجمع من المصادر وحدها، ولا غنى عنه لكل باحث أو دارس في تاريخ حلب خاصة، وسورية الشمالية عامة، ولا يغني عنه غيره، على الرغم من كثرة ما ألف عن حلب، كتبه عالم جليل سعى جهده ليكون كتابه شاملا لأحوال حلب في شتى المجالات والعصور، فجاء مرجعا مهما لكل من يريد الإحاطة بتاريخ حلب السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والفكري، وما فيها من الآثار والأوابد، وما طرأ عليها من تطور حتى الربع الأول من القرن العشرين. ولا شك أن مدينة حلب ومختلف مرافق الحياة فيها قد تبدلت اليوم وتطورت كثيرا عما كانت عليه في زمن الغزي، بعد مرور سبعة عقود من السنين، وهذا كله يقتضي تأليف كتاب آخر ينهض بما استجدّ من ألوان الحياة والعادات والعمران والثقافة والاقتصاد والزراعة وما إلى ذلك. وكان بودنا أن نضيف ذلك في تعليقاتنا على الكتاب، ولكننا وجدنا في ذلك إثقالا وإملالا للقارىء، وتضخيما لحجم الكتاب بما لا مسوّغ له. فاكتفينا بما هو ضروري من تلك

التعليقات «1» - والكتاب خال منها تماما- إذ كانت النية في أول الأمر طبع الكتاب بطريقة التصوير، ثم وجدت «دار القلم العربي» أن إخراج الكتاب بحلة طباعية جديدة، وتحقيق جديد، فيه نفع كبير للقرّاء والباحثين، بدلا من أن تبقى أجزاء الكتاب كما كانت عليه قبل سبعين عاما، وقبل ظهور الطباعة التقنية الحديثة. وعندئذ كان لا بد من تصحيح ما وقع في الطبعة الأولى من أخطاء مطبعية، وسهو في الالتزام بقواعد الرسم والإملاء، أو وقوع في أغلاط عارضة، فضلا عن القيام بشرح العبارات والألفاظ التي تحتاج إلى ذلك، وتوضيح بعض الجوانب التاريخية والآثارية في المواضع التي تقتضي هذا التوضيح، مع توخي الإيجاز والاختصار. كما عدنا إلى ما استطعنا الوصول إليه من مصادر المؤلف لمقارنة النصوص الشعرية والنثرية التي أوردها، وتدارك ما وقع فيها من تحريف أو خلل أو نقص، وأشرنا في حواشي الكتاب إلى ما هو مهم وضروري، من ذلك، وأغفلنا الإشارة إلى ما هو ثانوي ولا يخفى تصويبه أصلا على القارئ. ذلك مبلغ الجهد الصادق في خدمة كتاب «نهر الذهب» ، نشرا وطباعة، وتصحيحا وتحقيقا، وضبطا وتعليقا، ونرجو أن نكون عند حسن ظن القراء والباحثين. والله الهادي إلى الإخلاص في القصد، والسداد في القول. حلب في: 4 من ذي الحجة 1411 هـ 16 من حزيران 1991 م المحققان الدكتور شوقي شعث الأستاذ محمود فاخوري

كتاب نهر الذّهب في تاريخ حلب تأليف كامل البالي الحلبي الشّهير بالغزّي الجزء الأوّل

مقدمة المؤلف

[مقدمة المؤلف] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الأول والآخر، والظاهر والباطن، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، وهو الذي يمنح السراء، ويدفع الضرّاء، ويحقق الرجاء، ويجزل العطاء. يغفر الذنب، ويقبل التوب، ويمحو الحوب «1» ، ويستر العيوب، ويكشف المكروب. وينعم بالراحة بعد اللّغوب «2» . لا راد لما قضاه، ولا معاند لما ارتضاه. فليس بالإمكان، أبدع مما كان. جعل لكل نبأ مستقرا. ولكل شيء في حكمته البالغة مظهرا ومستسرا. وزّع على عباده السعادة والشقاء، والراحة والعناء، والعسر واليسر، والنفع والضر، والخذلان والنصر. وشاء في قدره المحتوم، وعلمه المكتوم، أن يكون منهم الظالم والمظلوم، والحاكم والمحكوم. ثم أورد الكل مورد الفناء والعدم، وتفرد سبحانه بالبقاء والقدم. وصلى الله وسلم على محمد بن عبد الله، حبيبه ومجتباه. نبي قص علينا ما فيه عبرة لنا فبلّغ وصدق، كما قص الله عليه من أنباء ما قد سبق. بشّر من اتبعه ووالاه، وأنذر من خالفه وناواه. وعلى آله وأصحابه الأطهار، رواة الأخبار، وحملة الآثار. وسلم تسليما كثيرا. وبعد فإني منذ زمن بعيد أعاني جمع هذا الكتاب، وأصرف على تأليفه من نقد عمري، وجوهر مالي، ما يستكثر مثله من أمثالي. وقد تتبعت من أجله العدد الكثير من الكتب التاريخية وغيرها، وتصفحت زهاء مائة مجلد من السجلّات المحفوظة في المحكمة الشرعية وتكبدت عناء زائدا في الاطلاع على دفاتر الدوائر الرسمية. وعلى ما هو مدخر في المكتبات الخيرية والأهلية من المجاميع والرقاع الخصوصية التي سطرها

ذووها في بعض شؤن تاريخية، ذات أهمية عظيمة في وقتها. فكنت لا أصل إلى ما يهمّني أمره من بعض هذه المواد، إلا بعد عناء شديد ونفقة باهظة. وكنت في أثناء استقصائي أخبار الآثار، أضطر في بعضها إلى تحمل مشاقّ الأسفار. لأتمكن من الاطلاع على حقيقة حالها، وأكتب عنها كتابة تحقيق، لا كتابة تقليد وتلفيق. لم أزل مثابرا على هذا العمل، لا يعوقني عنه عائق، ولا يصرف همتي عنه صارف حتى يسرّ المولى لي إتمام هذا الكتاب اللابس من المحاسن أجمل جلباب فجاء بحمد الله تعالى تاريخا مفردا في بابه، فائقا جميع أترابه، من الكتب التاريخية الحلبية، جامعا أشتات ما تفرق فيها على اختلاف نزعاتها وأساليبها. فإنه جمع بين ذكر أخبار حلب وملحقات ولايتها وبين ذكر أخيارها وآثارها غير مقتصر على ذكر واحد منها، كأكثر التواريخ الحلبية السابقة. وكنت كلما هممت بطبع هذا الكتاب وتدوينه إجابة لإلحاح الكثيرين المتشوقين إليه، عارضني بذلك سوء الظن باستحساني إياه، كمن قيل فيه: ويسيء بالإحسان ظنا لا كمن ... هو بابنه وبشعره مفتون وناجاني وحي الضمير بقوله: لا تعجل بذلك، فعسى أن يكون استحسانك هذا من باب افتتان الرجل بشعره، وإعجاب المرء ببضاعته، أو هو من قبيل المثل: (القرنبى في عين أمها حسنة) «1» وحينئذ أضرب الصفح عن طبعه وتدوينه. وآخذ بالبحث عن طريقة أصل بواسطتها إلى معرفة حقيقة هذا الاستحسان: أهو حقيقي أم هو نوع من ذلك الافتتان. فلم أر في الوصول إلى هذا الغرض بعد البحث الطويل عنه- سوى طريقة واحدة، ألا وهي عرض الكتاب على كل من رغب بالاطلاع عليه، فكنت لا أضنّ بعرضه على كل وارد وصادر أتوسّم فيه سلامة الذوق، وصحة الانتقاد، وسجية الإنصاف، حتى عرضته على الجمّ الغفير من الذين عرفوا بممارسة التاريخ والوقوف على دقائقه، وكشف غوامضه. فكنت لا أسمع من كل من وقف عليه. وقرأ منه فصولا في

مواضيع مختلفة- سوى عبارات التقريظ والإطراء وإسداء الشكر والثناء. واستنهاض همتي لطبع هذا الكتاب وتدوينه بكل سرعة، حرصا على ثمالة «1» ما بقي من حياتي قبل نضوبها، كيلا يؤول أمر مسودة هذا الكتاب إلى الإهمال والضياع. على أن لي الأمل الوطيد، أن يتلقى عشاق التاريخ، كتابي هذا برحب صدر، ويقبل عليه نصراء العلم وأعوان أهله إقبالا يذكر فيشكر، ولا سيما منهم أبناء الوطن العزيز. فهم أولى من جميع الناس بالإقبال عليه. لأنه يخدم وطنهم المحبوب الذي حبّه بلا ريب من أقدس واجباتهم. كما نوه بذلك الخبر المأثور «حب الوطن من الإيمان» ، وكما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لولا محبة الأوطان لخربت) . وحكمة ذلك أن محبة الشيء تبعث على حفظه. وصيانته وجرّ النفع إليه ودفع الضرر عنه، وهي مقاصد لا تكون إلا بعد معرفته والاطلاع على محاسنه، إذ محبة المجهول غير معقولة، بل قد يكون الجهل بالشيء مدعاة إلى بغضه وكراهيته، على حد قول القائل: (المرء عدوّ لما جهل) . وإني لأعجب من طلاب العلوم العمرانية العصرية. من أهل بلادنا إذا سألت أحدهم عن شأن من شؤون الممالك الغربية أجابك عن سؤالك بما يبلّ الغليل ويشفي العليل. وإذا سألته عن أقل شأن من شؤون وطنه أجابك عن سؤالك بالسكوت أو بقوله: لا علم لي بما تسألني عنه. ومعلوم أن الواجب على ساكن الدار أن يعلم أولا حقيقة داره وما اشتملت عليه من المحاسن والمساوي، ليعدّ لكل معنى عدّته. ويأخذ لكل شأن من شؤونها أهبته. ثم يتوسع بالعلم فيعلم حقيقة دار جاره، وما حوته من المحاسن والمساوي، استعدادا لطارىء يحوجه إلى أن يكون بها عالما وبشؤونها عارفا. كنت شرعت بتأليف هذا الكتاب على صفة مفصلة مطولة، فجاءت مقدمته فقط في مجلد ضخم يستوعب نحو ألف صحيفة. فرأيت أنني إذا سرت بتأليفه على ذلك المنهج جاءت جملة الكتاب في نحو خمسة مجلدات ضخمة، مما يفضي إلى ملل القارئ. فعمدت إلى الاختصار ونحوت في تأليفه هذا المنحى وسميته «نهر الذهب في تاريخ حلب» ورتبته على مقدمة وأربعة أبواب: فالمقدمة في الكلام على عدة أمور لا يتمكن القارئ دونها من الوقوف على ما انطوى

عليه المكان المؤرخ من حقائق صفاته الحسية والمعنوية التي اعتبر معرفتها مؤرخو هذا العصر من أهم الأمور التاريخية. على أن عامة المتقدمين ممن ألف في تاريخ حلب لم يتعرضوا إلا إلى القليل مما تضمنته هذه المقدمة. كما ستقف عليه قريبا. وسنتكلم على موضوع كل باب من بقية الأبواب في مقدمته إن شاء الله تعالى. تنبيه: حيث ذكرت السنة مجردة عن الوصف فمرادي بها السنة الهجرية. ومتى أطلقت اسم الشهر الشمسي فمرادي به أحد شهور السنة الرومية الشرقية التي كانت معتبرة عند الدولة العثمانية في ماليتها وهي: (آدار أو مارت) وهو أول السنة، (نيسان) ، (هيار أو أيار أو مايس) ، (حزيران) ، (تموز) ، (آب أو أغستوس) ، (أيلول) ، (تشرين الأول) ، (تشرين الثاني) ، (كانون الأول) ، (كانون الثاني) ، (شباط) . ومتى أطلقت اسم كيل أو وزن أو مقياس، فمرادي به ما هو مستعمل في أيامنا في حلب، الذي سنتكلم عليه في فصل الأوزان والكيول والمقاييس، كما أن مرادي من القرش واللّيرا أو الذهب العثماني ما سأذكره عنها في الذيل الذي أثبتّه آخر الفصل المذكور. وإذا أطلقت اسم الميل فمرادي به المقياس الفرنجي المعروف باسم (كيلو متر) ، كما أن مرادي من الذراع هو الذراع المعماري المنوّه عنه في جدول الأوزان والكيول الآتي ذكره. هذا وإن الدولة العثمانية كانت، قبل سنة 1279 هجرية، مقتصرة في سجلاتها ومعاملاتها المالية على اعتبار التاريخ الهجري. ثم لما رأت لزوما لأن تضع لها موازنة مالية لضبط دخل الدولة وخرجها، اضطرها تبدل الفصول واختلاف أوقات المحاصيل إلى اعتبار تاريخ شمسي تستورد فيه مرتباتها العشرية وغيرها في أوقات معلومة مضبوطة فعولت على استعمال التاريخ الشمسي الشرقي المذكور. وصادف ابتداء استعماله سنة 1279 هجرية. فصارت تؤرخ به المعاملات المالية من ذلك الحين. أعلام الرجال الموضوعة بين قوسين، لهم تراجم في باب تراجم الأخيار، فلتراجع هناك.

تواريخ حلب

تواريخ حلب عقدنا هذا الفصل قصد إعلام القارئ ببعض الكتب التي أخذنا منها قضايا تاريخنا هذا، فنستغني بذلك عن عزو المسائل إلى مآخذها، فنقول: أول من صنف تاريخا خاصا بحلب، ابن أبي طي (يحيى بن أبي حميدة) الحلبي، وسماه معادن الذهب، وهو تاريخ كبير، وله ذيل عليه كما حكاه بعض المؤرخين. ثم تبعه كمال الدين أبو حفص (عمر بن أبي جرادة) العقيلي المعروف بابن العديم الحلبي، فألف تاريخا جمع فيه تراجم أعيان حلب على ترتيب الأسماء وسماه «بغية الطلب في تاريخ حلب» وهو يبلغ نحو أربعين جزءا «1» وقد اخترمته المنية قبل إكمال تبييضه وكان انتزعه من كتابه الذي سماه «زبدة الحلب في تاريخ حلب» أحضرت منه قطعة طبعت في باريس، سطرت فيها بعض حوادث حلب من يوم فتوحها عن يد المسلمين إلى سنة 336 وهي زبدة مشوبة بعدة أغلاط. قال في كشف الظنون: وقد ذيل على بغية الطلب اليونيني اه. وذيله أيضا القاضي علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن سعيد الجبريني الشافعي الشهير بابن خطيب الناصرية المتوفى سنة 843، وسمى الذيل: «الدر المنتخب» وهو معجم في تراجم الرجال في مجلدين ضخمين، ظفرت بهما. قال في در الحبب ما ملخصه: ولما طالعه الحافظ أبو الفضل أحمد بن محمد المعروف بابن حجر العسقلاني حين قدومه إلى حلب سنة 836 ألحق فيه أشياء كثيرة كما ذكره في ديباجة كتابه المشهور «بإنباء الغمر بأبناء العمر» وأثنى على صاحبه اه. قلت وما زاده العسقلاني على الدر المنتخب سماه الكواكب المضيّة، ذيل تاريخ ابن خطيب الناصرية. وقد ظفرت به تماما وهو جزء صغير. وذيل الدر المنتخب أيضا موفق الدين أبو ذر (أحمد بن إبراهيم) الشهير بسبط العجمي

تنبيه

الحلبي، وسمى ذيله «كنوز الذهب» ضمنه ذكر الأعيان والحوادث والآثار، ظفرت به مخطوطا بخط مشوّه جدا، هو خط المؤلف، وقد ذيل عليه رضي الدين (محمد بن إبراهيم المعروف بابن الحنبلي) ، وسمى ذيله «در الحبب» وضمنه ذكر الأعيان مرتبا أسماءهم على الحروف، وهو في مجلد وسط «1» ، ظفرت به. وقد اقتصر فيه على ذكر أعيان سبعين سنة فقط وهي من سنة 900 إلى سنة 970. ومن تواريخ حلب كتاب حضرة النديم من تاريخ ابن العديم. انتزعه من بغية الطلب (الحسن ابن حبيب الحلبي) . ومنها معادن الذهب في الأعيان الذي تشرفت بهم حلب (لأبي الوفاء بن عمر العرضي) وقد تكلمنا عليه في ترجمة مؤلفه. وهو مجلد صغير ظفرت بقسم منه. ومنها تاريخ باللغة الإنكليزية خاص بالكلام على طبيعة تربة حلب ونباتاتها وحيواناتها وغير ذلك، وهو في مجلدين أولهما تأليف باترك روسل، وثانيهما تأليف أخيه اسكندر، قدم حلب بعد وفاة أخيه المذكور ليخلفه فيها بوظيفة طب أبناء جنسهما، وكان نجاز كتابهما المذكور سنة 1753 م 1167 هجرية. وقد ظفرت بهذا الكتاب وطالعت معظمه بواسطة ترجمان. ومنها تاريخ أبي عبد الله محمد بن علي العظيمي، على ما ذكره في كشف الظنون. ومنها تاريخ (بيشوف الطبيب الألماني) وسماه (تحفة الأنباء) في تاريخ حلب الشهباء، وسنتكلم عليه في الكلام على ترجمة مؤلفه. ومنها تاريخ محمد بن أحمد ابن محمد المعروف بابن المنلا، تعرض فيه لمن حكم حلب من زمن فتوحها إلى زمن الحاج إبراهيم باشا وذلك إلى سنة 1080 وقد وقفت منه على كراريس متخرمة. ومنها تاريخ لرضي الدين، المعروف بابن الحنبلي المتقدم ذكره، انتزعه من بغية الطلب وسماه الزبد والضرب. ومنها بعض كراريس في تراجم الأعيان تنسب (لأبي المواهب أفندي ابن ميرو) وقد وقفت على مسودته. تنبيه المشهور بين الناس عندنا أن تاريخ حلب هو لابن الشحنة، فكلما حكى أحدهم خبرا عن أثر أو حادثة تتعلق بحلب نسبها إلى التاريخ المذكور، مع أننا لم نقف على تاريخ خاص بحلب مؤلف من قبل أحد بني الشحنة، والذي رأيناه منسوبا إليهم من التواريخ في تراجمهم

وفي كتاب كشف الظنون هو روضة المناظر أو الناظر أو النواظر في أخبار الأوائل والأواخر لمحمد بن محمد بن محمد بن محب الدين أبي الوليد ابن الشحنة، وهو المطبوع على الجزء الحادي عشر والثاني عشر من التاريخ الكامل لابن الأثير. ثم جاء بعده ولده محب الدين أبو الفضل، وصنف تاريخا سماه نزهة الناظر في روض المناظر، جعله كالشرح لتاريخ والده، وضمنه مصراعين، قسم بابهما إلى تسع طبقات، بعدد القرون التسعة، ذكر في كل طبقة منها حوادثها المشهورة على السنين ووفيات أعيانها المشهورين، على حروف المعجم، من غير تفريق بين الحلبيين وغيرهم. كما قسم أولاهما إلى ثلاثة فصول: الأول: في خلق آدم وما اتفق له ولأولاده. الثاني: في طبقات الأمم. الثالث: في الأمور المبشرة بظهور نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم. وألّف ذيلا آخر على روضة الناظر سماه اقتطاف الأزاهر. ويوجد متداولا بين أيدي الناس كتاب مشهور عندهم بتاريخ ابن الشحنة «1» معظمه خاص في الكلام على حلب، وباقيه على بعض البلدان القريبة منها والداخلة في أعمالها. وفيه أغلاط كثيرة مصدّر بخطبة أولها: «الحمد لله القديم الأزلي، الرحيم الأبدي، مكوّر الليل على النهار عبرة لأولي الأبصار» ... إلخ. وهي خطبة كتاب الدر المنتخب لابن خطيب الناصرية مع تحريف قليل وزيادة ونقص. وبعد هذه الخطبة يفتتح صاحبه بالبسملة، ثم يقول: وبعد فهذه نبذة انتخبتها من كتاب نزهة النواظر في روض الناظر إلخ. ثم يفتتح بالمقصود نقلا عن ابن الشحنة. ورأيت بعض النسخ من هذا الكتاب مصدرا بقوله: أما بعد فهذه نبذة انتخبتها مما انتخبه العلامة زين الدين أحمد بن علي بن الحسين ابن علي المعروف بالشغيفي، من تاريخ أقضى القضاة محب الدين إلخ. وعلى هذا فالكتاب المتداول المذكور منتخب من كتاب الشغيفي المنتخب من نزهة النواظر. ولعل منتخبه أبو اليمن البتروني، بدليل أنه يوجد في عدة مواضع من نسخة كانت عندي حواش ينسبها أبو اليمن المذكور إلى نفسه. ورأيت نسخة أخرى قد ذهب أولها ونقص منها مقدار عظيم. وهي تختلف عن نسخة الشغيفي زيادة ونقصا، ظهر لي أنها مما انتخبه أحمد بن محمد المعروف

تاريخان لحلب لمعاصرين فاضلين

بابن الملا من كتاب نزهة الناظر وهي فيما أظن من مسودة بخط المؤلف، لأنه يوجد على هامشها كثير من التعاليق مختتمة بقول محررها: اه إبراهيم ابن أحمد بن محمد منتخب هذا التاريخ وكاتبه. خلاصة ما ظهر لي في الكتاب الذي ينسبه الناس إلى ابن الشحنة ويزعمون أنه خاص بحلب: أن عددا غير قليل من الأدباء والعلماء أخذ كل واحد منهم خلاصة من ابن شداد وابن الشحنة وابن المنلا وأضافها «1» شيئا من عنده وعملها كتابا على حدته. ولذا لا ترى نسختين من هذا التاريخ مطابقتين لبعضهما مع كثرة عدد نسخ هذا التاريخ. أما كتاب محمد بن إبراهيم ابن شداد فكثيرا ما يظنه الناس أنه تايخ خاص بحلب مع أننا لم نقف على تاريخ منسوب لابن شداد سوى سيرة السلطان صلاح الدين وكتاب الأعلاق الخطيرة في تاريخ الشام والجزيرة «2» . ومن التواريخ التي يتوهمها بعض الناس أنها خاصة بحلب: كتاب درة الأسلاك في دولة الأتراك، للحسن بن عمر المعروف بابن حبيب الحلبي مع أنه خاص بدولة الأتراك كما يعلم من تسميته. على أننا لا ننكر أن الحلبيين الذين ألفوا في التاريخ تكلموا في تواريخهم على ما يتعلق بحلب أكثر مما تكلموا على ما يتعلق بغيرها عناية منهم بها لأنها وطنهم. هذا ما أمكنني تحريره من الكلام على تواريخ حلب. والله سبحانه وتعالى أعلم. تاريخان لحلب لمعاصرين فاضلين أحدهما اعتنى بجمعه وشرع بطبعه صديقنا الفاضل (محمد راغب بن محمود) الشهير بالطباخ سماه (إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء) . والآخر يعتني بجمعه صديقنا الآخر الشاعر الأديب (ميخائيل بن أنطون) الشهير بالصقال. وقد تكلمنا على كل واحد من هذين التاريخين في ترجمة صاحبه التي نوردها في باب التراجم، فاكتفينا هنا بالتلميح إليهما.

أسماء مدينة حلب ووجه تسميتها باسمها الحالي

أسماء مدينة حلب ووجه تسميتها باسمها الحالي يقال إن هذه المدينة سميت باسم بانيها الأول وهو حلب بن مهر بن خاب «1» . قلت: هذا الاسم لم نعثر عليه في كتاب معتبر، ولا سمعنا بمن تسمى به. وقيل: إنها سميت بقول العرب (إبراهيم حلب الشهباء) حينما كان مقيما في تل القلعة يحلب كل يوم بقرة له شهباء، ويوزع لبنها على العرب المخيّمين في جواره. وهذا الوجه في تسميتها هو المشهور عند أكثر الحلبيين. على أنه قد يكون له نصيب من الصحة إذا اعتقدنا أن العرب كانوا يترددون على هذا الصقع للميرة والكلأ كجري عادتهم، أو أنهم كانوا يقطنونه مع إخوانهم الآراميين فقد صرح هيرودت واسترابون وغيرهما من قدماء المؤرخين وبعض علماء هذا العصر أن قبائل عديدة من بلاد العرب أو من جانب خليج العجم ارتحلوا إلى سورية منذ قديم الأيام، فمن الجائز أن يكون هذا الصقع عرف عندهم بهذا الاسم أخذا من فعل الخليل عليه السلام، وإن كان له أسماء أخرى عند بقية الأمم، فإن اليهود يسمّون حلب في صكوكهم (أرام صوبا) . هذا الاسم مذكور في القسم الستين «2» من مزامير داود، وصوبا مذكورة في القسم الثامن من كتاب الملوك «3» وفي القسم الثامن عشر من أخبار الأيام الأول وفي غيرهما. ويقول بعض العلماء الإسرائيليين: إن كلمة صوبا محرفة عن صهوبه، ومعناها: البياض المشوب بحمرة وإن حلب وضواحيها تتراءى للمقبل عليها بيضاء حمراء لأن بناءها بالحوّار، ولوجود سباخ كثيرة في براريها فسميت بهذا الاسم. اه. قلت: سيأتي لنا في الكلام على قنّسرين أنها هي التي كانت تسمى صوبا. ويقال إن اليهود نقلوا اسمها القديم بعد خرابها إلى حلب. ويحتمل أن تكون كلمة صوبا آرامية ومعناها الناحية أو الطرف أو الموعد أو

المجتمع أو المنتهى. وهذه معان يوافق بعضها معاني الصوب في اللغة العربية. وعلى كل حال فإن أول من سكن صقع حلب هم الآراميون. وأما الكتابة الهيروكليفية في ظاهر الحجر الأسود في جدار جامع القيقان فهي لا تصلح أن تكون دليلا على أن أول من سكن حلب هم المصريون «1» إنما يستدل بها على مجيئهم إليها لا غير. وقد سماهم في «تحفة الأنباء» : العمالقة. وهو غلط. ولا شاهد على أنها كانت تسمى بلغتهم هلبون وهلبة إذ لم نسمعه ممن يعتدّ به. كما لا صحة لقول من قال: إن اليونان كانت تسميتها «خلبة» بالخاء المعجمة لعدم وجود الحاء المهملة بلغتهم إلا أن تكون كلمة «خلبة» تحريف حلب. ولا يجوز أن يكون اليونان أخذوا هذا الاسم عن المصريين الذين كانوا يسمونها هلبة على رأي القائل به، فإن اليونان كانوا يسمونها بغير هذا الاسم، قيل هو برويا ومعناه البرّ يرى، وذلك لأن من كان في قلعة حلب يرى البرّ منها. لكن هذا إنما يصحّ فيما إذا كان هذا الاسم مركبا من كلمتين عربيتين وهو بعيد. وفي معجم ياقوت أن اسم حلب بالسريانية «باروّا» . وقرأت في وريقات تاريخية مطبوعة تنسب إلى حضرة البطريرك أفرام رحماني الثاني أن المقدونيين لما استولوا على بلاد سوريا أطلقوا على مدينة حلب اسم بروّا اقتداء باسم إحدى المدن اليونانية في بلاد «تراقي» غير أن الأهالي حافظوا على اسمها القديم اه. فالمفهوم من هذا أن كلمة بارّوا أو بروّا يونانية لا سريانية، كما قال ياقوت. وأطلق كزانفون اليوناني تلميذ سقراط الحكيم كلمة «حلب» على جميع الصقع الممتد من أذنه إلى الفرات. ويقال إن الصابئية كانت تسميها مابرغ «2» . والصواب أن هذا أحد اسمي منبج. كما ستقف عليه في الكلام على منبج. إن الأستاذ منكه الفرنسوي الجغرافي الشهير سماها في أطلسه التاريخي في خارتة آشور «يره بوليس» . (والصواب أن يره بوليس هو أشهر اسمي منبج القديمة في الدولة اليونانية) وفي خارطة بني إسرائيل حلب وأطلق لفظ أرام صوبا على كورة بين حلب وحماة. قلت: الأقرب إلى الصواب أن يطلق هذا الاسم على كورة حلب نفسها، كما هو

المفهوم من أخبار الحروب التي أقامها داود مع ملوك صوبا، وكانت الكورة تضاف إلى قنّسرين التي كانت تسمى صوبا عند الإسرائيليين. وأطلق الأستاذ منكه كلمة آرام نهرايم على كورة بين حلب والعراق. وهي الجزيرة وآرام دمسقو على كورة بين حماة ودمشق وسماها في خارتة الفرس في عهد دارا خلب بالخاء المعجمة. وأطلق لفظ برويا في خارتة انطاكية في عهد بانيها الأول أنطيكوس على الطريق المتوسطة بين حلب وانطاكية، وسماها في خارتة بوتينانوس حلب. ولم يزل يسميها بهذا الاسم إلى البعثة المحمدية. قال بعضهم إن لفظة «حلب» محرّكة بلد بالشام، معرّبة عن «ألبّ» ، بكسر اللام وتشديد الباء. منقولة عن اسم مجددها «ألبيوس» الشهير من وزراء بوليانوس العاصي واسمها القديم بيريا. قلت: لا صحة لهذا لأن «ألبيوس» المذكور كان بعد المسيح عليه السلام وقد علمت أنها كانت تسمى بهذا الاسم في عهد بني إسرائيل. والذي أراه في هذه الكلمة وتطمئن إليه نفسي أنها سريانية محرفة عن «حلبا» بالألف ومعناها البيضاء، ثم حذفت ألفها بالاستعمال جريا على قاعدة المتكلمين باللغة السريانية من أنهم يحذفون هذه الألف في كلامهم، وأن إتباع حلب بكلمة الشهباء، التي معناها البيضاء، مما وضعه العرب كالتفسير لكلمة حلب، وأن السريانيين كانوا يسمونها بهذا الاسم لما كان يشاهد من بياض تربتها لكثرة سباخها ومادة حوّارها، ولأن عمائرها كانت تبنى بالحوار الأبيض المأخوذ من مغائرها القريبة منها كمغارة المعادي وباقي المغائر المعروفة فكانت مناظرها بيضاء كمناظر مدينة عينتاب والرها وغيرهما من البلاد التي ما زالت تبنى عمائرها من هذه المادة حتى الآن. يؤيد أن لفظة حلب سريانية وجود محلات في نفس مدينة حلب لم تزل حتى الآن تسمى بأسماء سريانية، وهي: بنقوسا، وبحسيتا، اللتان «1» سنتكلم عليهما في الباب الأول بعد المقدمة. كما أن كثيرا من القرى التابعة حلب لم تزل أسماؤها حتى الآن سريانية. كما سيرد عليك في محله والله أعلم.

جغرافية مدينة حلب

جغرافية مدينة حلب اعلم أن مدينة حلب جديرة أن تعد في مقدمة المدن العظيمة لحسن منظرها وحصانتها وتموّل أهلها وكثر تجارتها وعمرانها. وكانت ولم تزل محطّ رحال قوافل دمشق والبصرة وأصبهان وإسلامبول. وهي من أمهات مدن بر الشام وإحدى المدن الأصلية في أواسط آسيا. وولاية حلب تأخذ القسم الأعظم من سوريا. والقسم الذي هي فيه يسمى عند القدماء سوريا كوماجان. أي سوريا ذات الهضاب. ثم إن مدينة حلب يحدّها قبلة أراضي قرية الشيخ سعيد وصقلاية، وشرقا أراضي قرية النيرب، وغربا جبل الجوشن «1» ، وأراضي الحلبة وراء نهر قويق، وشمالا بساتين بابلي وبعاذين التي تنتهي إلى أراضي قرية حيلان. وهي واقعة في صعيد ينتهي طرفه الشمالي إلى جبال الشيخ زيات، والغربي إلى جبل الجوشن، والجنوبي إلى جبل الحوشن، والجنوبي إلى جبال الأحص «2» ، وتبعد نهاية طرفه الشرقي. والبقعة التي قامت فيها أبنية مدينة حلب من هذا الصعيد يوجد فيها بعض ارتفاع وانخفاض من جهات متعددة ويصح أن يطلق على ما نشز «3» منها اسم ربوة. ويمكن حصره في سبع ربوات وهي: قلعة الشريف، وعقبة بني المنذر، عقيبة الياسمين، وغربي حارة الجلّوم، ومحلّة أوغل بك المعروفة أيضا باسم باب الأحمر، والكلتاوية، وبندرة اليهود. على أن الجهة الجنوبية والشمالية من هذه البقعة متوازيتان بالارتفاع، ولربما زادت جهتهما الشمالية على جهتهما الجنوبية ارتفاعا. وهاتان الجهتان تأخذان بالانحطاط حتى يستقر قرارهما في محلة الجلّوم وما قاربها من المحلات الداخلة في السور، سيّما الجامع الأموي، فإنه في مطمئن عظيم، كما هو مشاهد. وادعى بعض الناس أن رأس منارة الأموي يوازي عتبة باب محلة أوغل بك.

ساحات حلب وخراباتها

ثم إن محيط سور هذه المدينة يبلغ نحو ثمانية أميال «1» ، وأما محيطها خارج السور فربما زاد على خمسة عشر ميلا. ونهرها المعروف بنهر قويق وافد عليها من جهة شمالها آخذ إلى جنوبها وغربيّها ساقيا ما على حافتيه من البساتين التي تستوعب مسافة أربع ساعات طولا من قرية حيلان إلى منتهى أراضي قرية الوضيحي. وإذا نظرت إلى المدينة وأنت مقبل عليها من أي جهة كانت، تراءت لك عروسا من عرائس البلدان، قد حفّتها البساتين من غربيها وبعض شماليّها. وكروم العنب وبساتين التين والفستق والزيتون من بقية جهاتها. وقام في وسطها قلعتها المشهورة كملك عظيم، حفت به الجواري الحسان التي هي منارات المدينة البديعة المنظر، خصوصا في ليالي المواسم الدينية، فإنها تكون فيها منوّرة بالمصابيح التي تحاكي النجوم الزواهر. وربما تتراءى القلعة المذكورة وبعض المنارات من بعد ثلاث ساعات من أكثر الجهات التي تقبل منها على حلب. وقد تشاهد منارة القلعة وقت الغروب من جبل الزاوية الواقع على سفحه قصبة ريحا. ساحات حلب وخراباتها يوجد في مدينة حلب عدة ساحات، أعظمها «ساحة برية المسلخ» خارج باب النيرب، شرقّي الخندق الرومي الذي كان محيطا بسور البلدة. وقد عمر الآن في بعض جوانبها بيوت ودكاكين وفرن ومسجد وميدان. وهذه الساحة هي سوق تجار الغنم والجمال. ومن الساحات المشهورة: «ساحة الملح» وكانت تسمى الميدان الأسود. وهي داخل باب النيرب تجاه جامع ألتون بغا. «وساحة بزّي» داخل باب المقام وقد عمر أكثرها دورا وحوانيت متنوعة. «وساحة التّنانير» خارج باب النصر في قرب حارة الجديدة إلى شرقيها وغربي قسط المشط. وهذه أيضا عمر أكثرها ولم يبق منها إلا القليل. ويوجد بمدينة حلب عدة خرابات فسيحة خربت من مرور الحوادث كالزلازل والحرائق، وأعظمها خرابة تحت القلعة تبلغ مساحتها زهاء خمسين ألف ذراع شطرنجي. وكانت مزدحمة بالأبنية العظيمة كالحمامات والخانات والمدارس والمساجد. كما ستقف عليه في باب الآثار إن شاء

حدود ولاية حلب

الله تعالى. ومن الخرابات التي هي داخل حلب أيضا خرابة تتصل بالخرابة المتقدم ذكرها من درب الحزيزاتي، وتعرف بخرابة إسماعيل باشا. وتبلغ نحو عشرة آلاف ذراع شطرنجي. وقد عمرت في هذه الأيام دورا وحوانيت، ولم يبق منها سوى القليل، ويوجد منها جانب عظيم جار في أوقاف جامع منكلي بغا المعروف بجامع الرومي، وبقيتها مملوكة لبعض الناس. حدود ولاية حلب ولاية حلب باعتبار ما يتبعها من المدن والقصبات والقرى، التي ترجع حكامها إلى أوامر حكام حلب أيام الحكومة العثمانية، يحدّها من جهة الجنوب لواء حماة من ولاية سورية التي مركز واليها مدينة دمشق الشام. ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط، ثم ولاية أذنة. ومن الشمال ولاية سيواس. ومن الشرق ولاية ديار بكر، وولاية معمورة العزيز ولواء الزور، الذي سنتكلم عليه في الباب الذي عقدناه في الكلام على البلدان التابعة ولاية حلب، فولاية حلب تستوعب مسافة طولها من الشرق إلى الغرب خمس وثمانون ساعة وعرضها من الجنوب إلى الشمال تسعون ساعة. وهذه المسافة كان يحكمها من قبل الدولة العثمانية وال مركزه حلب، وتنفذ أوامره إلى متصرّفين اثنين وثلاثة عشر وكيلا يعرف بالقائمقام. أما المتصرفان فمركز أحدهما مدينة الرّها وأوامره تنفذ إلى ثلاثة وكلاء، ومراكزهم: سروج وقلعة الروم والبيرة. وفي سنة 1328 قرر مجلس النواب فصل هذه المتصرفية عن ولاية حلب واستقلالها بالمخابرة توا مع استانبول. ومركز المتصرف الثاني مرعش وأوامره تنفذ إلى أربعة وكلاء مركزهم: الزيتون والبستان وأندرين وبازارجق. وأما الثلاثة عشر وكيلا فتتبع لواء حلب ومراكزهم: قصبة إدلب وبيلان ومنبج ومعرّة النعمان وعينتاب وإسكندرونة والباب وحارم وانطاكية وجسر الشغر، وكلّز ودارة عزة وتعرف بقضاء جبل سمعان، وقد رتب لها وكيل جديد. والمركز الثالث عشر الرقة وكانت تابعة متصرفية الزور، ثم ألحقت بلواء حلب. وسنثبت في عدد سكان كل لواء وقضاء جداول يعلم منها حدود الولاية على وجه الضبط والتحقيق. ثم إن كل واحد من هؤلاء الوكلاء تنفذ أوامره إلى عدة مديرين مراكزهم في نواحي الإقليم الحاكم عليه ذلك الوكيل، وكل واحد من هؤلاء المديرين تنفذ أوامره إلى عدة من مختاري القرى التي في ناحيته. وجميع مديري نواحي الولاية نحو سبعة عشر مديرا وجميع

حدود دولة حلب

القرى التابعة مراكز حكامها نحو ثلاثة آلاف وثلاثمائة وأربع وسبعين قرية. وسنتكلم في الباب الثالث إن شاء الله تعالى على بعض مراكز المتصرفين والقوّام وبعض المديرين. أما حدود حلب باعتبار ما كان يتبعها من المدن والقصبات والقرى، التي ترجع حكامها إلى أوامر حكام حلب في الأزمان السالفة فذلك شيء يعسر ضبطه جدا. فإن أعمال حلب في تلك الأزمان كانت تتغير زيادة ونقصا كلما تغير عمالها غالبا، ولربما تغيرت زيادة ونقصا في أيام عامل واحد فقط كما يعلم ذلك من تتبع أخبارها في هاتيك الأيام. ونقل ابن الشحنة عن ابن شداد ما ملخصه أن أعمال حلب كانت تنتهي من جهة الجنوب إلى قرب حمص وكانت حماة من أعمالها. قال: وأما الآن فانفردت حماة عنها وصار بين حدود حلب وحماة بعض أميال، وحدها شرقا الفرات وشمالا دروب الروم وغربا البحر الأبيض. قال: وكانت قبلا تنتهي إلى حدود حمص، ثم إلى جبلة واللاذقية وإلى قرية بقربهما تعرف بالقرشية. وفي معجم البلدان لياقوت أن ما بيد ملكها في أيامه مسيرة خمسة أيام من المشرق إلى المغرب، ومثل ذلك من الجنوب إلى الشمال، وملكها في تلك الأيام هو الملك العزيز. حدود دولة حلب ولاية حلب صارت تدعى منذ سنة 1920 م دولة. قال في كتاب المجموعة السنوية لغرفة تجارة حلب ما مؤداه مع المحافظة على لفظه: بناء على مرسوم رئيس الجمهورية بتاريخ 8 تشرين الأول سنة 1919 ومرسوم أول أيلول سنة 1920 تقرر أن تكون تخوم ولاية حلب: شمالا: التخوم الشمالية لسنجق إسكندرونة المستقل، كما كان محددا من المنطقة الغربية من الأراضي المحتلة ثم التخوم الشمالية للمنطقة الغربية القديمة، آخر نقطة منها تلتقي بالخط الحديدي شرقي محطة هلمن. ثم خط الحديد، وهو داخل التخوم حتى تل أبيض، ثم خط يجمع بين تل أبيض وخابور. شرقا: نهر الخابور حتى انصبابه في الفرات ثم نهر الفرات حتى أبو كمال. جنوبا: الخط المعروف بأبو كمال إلى تدمر ثم الحدود الغربية الشمالية لولاية الشام العثمانية

كيف تألفت دولة حلب

القديمة. وتبقى كذلك إلى أن تحدد بدقة تعديات القبائل والرحالة المجاورة لجانبي هذا الخط. ثم الحدود الشمالية للأراضي العلوية المعينة بموجب القرار عدد 319 في 31 آب سنة 1920 وابتداء من النقطة حيث تلتقي بتخوم ولاية دمشق. غربا: البحر المتوسط. كيف تألفت دولة حلب تألفت هذه الدولة من ثلاثة ألوية: وهي لواء حلب، ولواء اسكندرونة المستقل، ولواء دير الزور. يتألف لواء حلب من عشرة أقضية. هي: قضاء جبل سمعان وعزاز والباب ومنبج وجرابلس والمعرة وإدلب وحارم وجسر الشغر وكردطاغ. ولواء إسكندرونة من قضاء انطاكية وبيلان. ولواء دير الزور من قضاء أبو كمال وميادين والحسيجة والحميدي والرقة. بحيرات ولاية حلب بحيرة قلعة المضيق في ولاية حلب بحيرات كثيرة أعظمها بحيرتان: إحداهما بحيرة كانت تعرف قديما ببحيرة أفامية وتعرف الآن ببحيرة قلعة المضيق، ومحلها قريب من جسر الشغر، بينهما مرحلة وماؤها حلو يأتي إليها من نهر العاصي، وهي عدة بطائح تفوق الحصر بين غابات من الأقصاب، وماء العاصي يدخل إليها من جنوبها ويخرج من شمالها وأرضها موحلة وقعرها قريب من قامة الإنسان، يحيط بها القصب والصفصاف. وفي وسطها كثير من جمم القصب «1» والبردي. وفي أيام الربيع ينبت فيها النيلوفر الأصفر حتى يغطي جميعها، وتبقى المراكب سائرة بينه، ويأتي إليها من طيور الماء ما لم يكن مثله في شيء من البحيرات.

بحيرة أنطاكية

ومساحة هذه البحيرة نحو ميلين في مثلهما، ويصاد منها من سمك الحياة والسّلور، وهو السمك الأسود الأملس ما لم يصد مثله من غيرها كثرة ويكون أوان صيده في فصل الشتاء. بحيرة أنطاكية والبحيرة الأخرى بحيرة أنطاكية منبسطة على أراض تعرف بالعمق، على بعد يومين من حلب في غربيّها محاطة بأطراف جبل طوروس وجبل أومانوس والجبل الأعلى وجبل سمعان، وطولها عشرون ميلا وعرضها تسعة أميال، يصب إليها من شماليها ماء نهر عفرين والنهر الأسود ونهر يغرا. ويخرج من جنوبها نهر واحد يتصل بالعاصي تحت جسر الحديد على بعد ميل من أنطاكية. وقرب هذا النهر مصائد للسمك يعرف واحدها باسم (داليان) جارية في تصرّف جماعة معلومين، وفي أواسط هذه البحيرة جزيرة عظيمة يسكن فيها عدد كبير من الأعراب الذين يعانون تربية الجاموس، ويقال لهم جمامسة. والظاهر أن هذه الجزيرة صناعية بدليل سياج قصير حجري عظيم يطيف بها من أسفلها. في هذه البحيرة من الطيور والأسماك مثل ما في بحيرة قلعة المضيق، غير أن سمك السلور في هذه البحيرة يكون أكبر وأكثر. كلتا البحيرتين يضمنهما الناس من الحكومة مسانهة «1» بمبالغ لا تقل عن ألف ذهب عثماني، وينقل منها السمك إلى حلب وغيرها مملوحا وغير مملوح. جبال الولاية جبل الثلج وجبل لبنان وجبل اللكام جميعها متصلة ببعضها. وقد يطلق جبل اللكام على السلسلة الجبلية الممتدة من جبال أومانوس من الشمال إلى الجنوب، حتى تجاوز صهيون والشغر والقصير، وتنتهي إلى أنطاكية وهناك تنقطع، ويمر بالعاصي بين منتهى هذه السلسلة وبين جبل موسى المشتمل على قرى الأرمن التابعة قضاء أنطاكية. وإذا كانت هذه السلسلة عند أفامية قابلها جبل آخر يسمى هناك جبل شحشبو «2» نسبة إلى قرية في طرفه الجنوبي

أنهر الولاية

في قضاء المعرة. ويمتد جبل شحشبو من الجنوب إلى الشمال فيمر على غربي المعرة وسرمين ثم يأخذ غربا ويتصل بجبال الأناضول. هذه السلسلة الجبلية هي الفاصل بين الأناضول وسورية غير بر الشام، وأكثرها مستور بأنواع الأشجار الجبلية. والجبل المعترض بين لبنان من هذه السلسلة «1» هو المعروف باسم كاورطاغ يرتفع عن سطح البحر ألفي ذراع. وكان يسمى قديما جبل أومانوس. ومن هذه السلسلة قسم يعرف بجبل بيلان وجبل بيلان وجبال القصير متصلة به، ويتصل به أيضا الجبل الأقرع، وكان يسمى جبل كاسيوس نسبة إلى كاسيوس اليوناني فاتح سوريا واسمه بالعبرانية جبل حالاق. لخلوّ قمته من النبات. وهذا الجبل وجبل أومانوس يظهران من حلب في وقت الصحو. ويتصل بسلسلة جبل طوروس في ولاية حلب جبل آخور المؤلّف من جبال زيتون ومرعش وجبل الأكراد وجبل قره بيقلي المعترض في بطائح عنتاب وجبل الزاوية في قضاء إدلب، والجبل الأعلى في قضاء حارم، ويعرف قديما بجبل السّماق. والجبل الأسود في لواء أورفه. أنهر الولاية أعظم الأنهر التي تخترق ولاية حلب: نهر الفرات، أوله من سفوح جبال أرزنجان المعروفة قديما بجبال قاليقلا، على مقربة من ديامين في لواء بايزيد من ولاية الأرزن، وبعد أن يجري إلى قرب كيان معدني ينصب إليه نهر آخر يعرف في محله بنهر مراد، رأسه من مكان يعرف هناك باسم (بيك كول) أي ألف بحيرة. وبعد اقتران هذين النهرين ببعضهما يكون نهر عظيم يطلق عليه اسم الفرات فيأخذ إلى قرب ملاطية ثم إلى سميساط ثم يدخل إلى ولاية حلب في أيام الحكومة العثمانية من تجاه قلعة المسلمين المعروفة باسم روم قلعة، من جهة شماليها وغربيها، ثم يجري إلى البيرة من شماليها، وهناك يصل عرضه في الشتاء إلى ألف وستمائة ذراع، ثم يشرّق حتى يمر ببالس «مسكنة» وقلعة جعبر ثم الرقة فالرحبة فعانة فهيت، ثم يخرج إلى قضاء العراق وراء بغداد إلى الشرق ويلتقي مع دجلة في البطائح ويخرج منه أنهر كثيرة يطول ذكرها.

طول جريان الفرات من منبعه إلى انصبابه في شط العرب ستمائة وثلاثة وعشرون فرسخا. ويصب فيه بهذه المسافة زهاء ثلاثة ألف نهر وعين ما بين كبيرة وصغيرة. وعرضه يتراوح بين 200 و 1600. وعمقه ما بين 15 مترا إلى متر واحد باعتبار الفصول والمواسم. ولهذا النهر في بعض السنين طغيان عظيم فيفيض على مسافة فراسخ في السهول المجاورة له. وقد يزرع أهل مسكنة والرقة وما والاهما غبّ هبوطه الذرة البيضاء فتخصب جدا. وروى بعض المؤرخين أن ملوك نينوى منذ أربعة آلاف سنة كانت توزع مياه الفرات إلى عدة جداول تصرفها إلى زروعها حتى انقطع زمنا طويلا عن شط العرب. ولم يزل سكان شطوط الفرات، من مسكنة وما والاها، يسافرون فيه إلى بغداد وما والاها على ألواح خشبية يشدونها إلى بعضها بالحبال ويربطون في أسفلها مما يلي الماء ظروفا منفوخة. والأتراك يسمون ذلك كلكا ويسمى واحدها في اللغة العربية طوفا أو رمثا. وفي حدود سنة 1295 سيّرت سفينة بخارية في نهر الفرات فلم تسلك فيه إلا في أيام فيضانه زمن الربيع، وكان سلوكها من البصرة إلى مسكنة فإذا رجع الفرات إلى حاله بطلت حركتها فيه لانكشاف الماء عن صخور تعارض السفينة المذكورة. كان لا يوجد على هذا النهر في ولاية حلب جسر ولا قنطرة. إنما يجتاز منه إلى الجزيرة على الزوارق يضمن الناس ريعها من الحكومة. وقد خطر للحكومة التركية عدة مرات أن تجعل على هذا النهر عند البيرة جسرا من حديد، وكثيرا ما تفاوضت أيضا بفتح قناة من عند مسكنة إلى حلب فلم يتم لها ذلك. ثم في سنة 1333 انتهى عمل الجسر الحديدي على هذا النهر عند جرابلس، كما ستقف عليه في أخبار السنة المذكورة من باب الحوادث من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. السقاية من هذا النهر لا تكون بغير الكرد والدولاب، والغرّاف يجر الماء إليهما بواسطة ساقية ثم يرفع بواسطة هذه الأدوات.

نهر العاصي

نهر العاصي ويقال له نهر حماة، ونهر الأرند، والنهر «1» المقلوب لجريه إلى الشمال. وأصل منبعه اللبوة ومغارة الراهب. فيكون نهرا صغيرا في قرية قرب بعلبك تسمى الرأس شمالي بعلبك في جبل لبنان. ثم يصب في بحيرة قدس. وبعد أن يخرج منها يسمى الميماس، وعند حماة يسمى العاصي. وبعد أن يجري مسافة واسعة ويعظم بما ينصبّ إليه من العيون والأنهار يجتاز بجسر الشغر من جهة شرقيها ثم لا يزال يجري حتى يمر على دير كوش إلى جسر الحديد، وذلك جميعه في شرقي جبل اللكام. فإذا وصل إلى جسر الحديد ينقطع الجبل المذكور هناك ويستدير النهر ويرجع ويسير جنوبا وغربا، ويمر على أنطاكية حتى يصب في البحر الأبيض المتوسط عند السويدية. وفي أنطاكية يسمى الأرند، وهناك يوجد منه مسافة طويلة من ضفتيه تتراءى فيهما ذرّات ذهبية كثيرة مما يدل على أن تلك البقاع من هذا النهر لا تخلو من معدن ذهبي غني. النهر الأسود النهر الأسود رأسه من جبل بركة. وبعد أن يسقي جانبا عظيما من مزارع الأرز أمام الجبل المذكور، ويسقي سهولا واسعة من العمق ينصب إلى بحيرة أنطاكية المتقدم ذكرها وهذا عليه عدة طواحين للتركمان وغيرهم. نهر عفرين نهر عفرين رأسه في شرقي جبل اللكام ويمر على الراوندان إلى الجومة إلى العمق ويختلط بالنهر الأسود. نهر يغرا نهر يغرا رأسه قريب من يغرا يمر عليها ثم يصب في النهر الأسود. وفي حدود سنة 850 عقد أحد أعيان حلب على نهر يغرا جسرا عظيما هو الآن متوهّن جدا وباني هذا الجسر (سعد الله الملطي) وهو باني المدرسة السعدية بحلب.

ثم إن نهر عفرين قد يتسع في أيام الشتاء اتساعا عظيما حتى يعسر المرور منه، مع أنه قد يجف في أيام الصيف أو يقارب الجفاف. وفي سنة 1300 انعقد عليه قرب قرية الزيادية في ناحية الجومة من أعمال كلّيس جسر حجري عظيم غاية في الإتقان والزخرفة. وحين انتهاء عمله أولم المجلس البلدي عنده وليمة حافلة دعا إليها جميع وجهاء الولاية من أمراء الحكومة والعسكرية والعلماء والأعيان، فصار يوما مشهودا بلغت نفقته أربعمائة وثمانين ذهبا عثمانيا أخذت من صندوق بلدية حلب وكلّيس وأنطاكية واسكندرونة ثم إن هذا الجسر لم يلبث إلا ريثما أتى عليه الشتاء، وهطلت السماء بالسيول الجارفة وتدفقت على عفرين ظهور الجبال وبطون الأودية، وساقت إليه ألوفا من الأخشاب والأشجار الجبلية، فما كان إلا أن تعاظم هذا النّهر وطغى وحمل على الجسر حملة شديدة دكّت منه قنطرتين وساقت أحجارهما إلى مكان بعيد، فأصبح كأن لم يغن «1» بالأمس. ولما كان وجوده مما لا بد منه، لأنه معبر لطريق المركبات الذي تم أيضا في السنة المذكورة، فقد قضت الحال بإعادته. ولضيق الصندوق البلدي عما يعيده حجرا أعيد من الخشب فاستحضرت الأخشاب العظيمة وربطت ببعضها بالحديد ونصبت كالباب العظيم على أطراف القنطرتين الباقيتين، ورجع الانتفاع به كما كان، غير أنه لم يلبث أيضا أن أتى عليه الصيف وعلقت به النار ولم يجتمع الناس لإطفائه إلا وقد استحال رمادا كأن لم يكن، ثم بعد مدة أعيد خشبا على الصفة المذكورة وقد مسحت هذا الجسر بقدمي فبلغ طوله 259 قدما وعرضه 32 وقرأت ما نقش على حجرة في شمالي رأسه الغربي ما صورته: «أنشئ هذا الجسر المتين في عهد خلافة سلطان السلاطين الخليفة الأعظم صاحب الشوكة السلطان الغازي عبد الحميد خان الثاني، وكان إنشاؤه ثمرة الهمة التي بذلها حضرة جميل باشا والي ولاية حلب وأثر مهارة رئيس مهندسي الولاية قسطنطين مادريديس أفندي، وضع أساسه بحضور حضرة الوالي المشار إليه في اليوم الثاني من عيد الأضحى سنة 1298 هجرية. وثم إنشاؤه في ظرف سنة واحدة، وصادف فتحه كذلك في اليوم الثاني من عيد الأضحى سنة 1299 بحضور الوالي المشار إليه ودعي اسمه المجيد جسر السلطان عبد الحميد، وبلغت نفقة تعميره أربعة آلاف وأربعمائة وثمانية عشر ذهبا عثمانيا.

سواحل الولاية

سواحل الولاية لولاية حلب عدة سواحل أعظمها اسكندرونة القائمة على سيف البحر «1» الأبيض، بعدها عن حلب على خط مستقيم ستة وسبعون ميلا تقريبا. وأما بعدها عن طريق أنطاكية الذي يسافر عليه الكروان «2» فمائة وتسعون ميلا ومسافة هذا الطريق على سير البغل أربع وعشرون ساعة تقطع على ثلاث مراحل. وميناء اسكندرونة من أحسن مواني حلب لأن جبل اللكام يرسل هناك بعض شعابه فتنعطف ويتكون منها شكل حوض كأنه من عمل الصناعة. ومن مواني حلب أيضا ميناء السويدية من عمل أنطاكية ثم ميناء قاب آو من عمل اسكندرونة ثم قره طوران من مضافات جسر الشغر. حرّ حلب يشتد حر حلب من تاسع يوم من حزيران ويستمر إلى اليوم الحادي عشر من أيلول، وحينئذ يأخذ بالاعتدال. وأشد ما يكون في شهري تموز وآب لأن فيهما تهب ريح السموم وترتفع الزّوابع في ضواحي حلب وتقوى الهوامّ والحشرات وتخرس بلابلة الرياض وتشحّ مياه العيون والآبار وربما جف بعضها ويلذّ الماء البارد ويعلو الزئبق في هذا البحران «3» إلى بضع وثلاثين درجة في الظل الشمالي بمقياس السنتكراد وقد يصل في بعض السنين إلى الدرجة الحادية والأربعين. وذلك نادرا جدا وحينئذ يشتد ضرره على الأطفال، فإنه قد يسبب لهم الإسهال الأسناني ويوعك أجسامهم. والنوء يضطرب من ابتداء شهر أيلول فلا يكاد يستقيم على حالة واحدة ساعة واحدة فينبغي التحفظ بالثياب والتدثّر وقت النوم. قال بعضهم شعرا: خذ في التدثّر في الخريف فإنه ... مستوبل ونسيمه خطّاف يجري مع الأجسام في غسق الدّجى ... بلطافة ومن اللطيف يخاف والنوم على السطح في غير شهر تموز لا يخلو من ضرر.

برد حلب

برد حلب يشتد برد حلب من تاسع كانون الأول ويمتد إلى ثامن يوم من آذار وعند ذلك يأخذ باضمحلال ويعتدل الوقت. وفي الكانونين تهب ريح الشمال وينجرد الشجر وكثيرا ما يجمد الماء وتصول الضواري في الصحاري وتختفي الهوامّ وتكثر الأمطار ويقع الصقيع ويهبط الزئبق في الظل الشمالي عن الصفر نحو خمس درجات، وربما هبط في بعض السنين إلى ما هو أدنى من ذلك ففي سنة 1329 هجرية المصادفة 1326 رومية هبط الزئبق في شهر كانون الثاني إلى الدرجة السابعة والعشرين تحت الصفر مستمرا ذلك نحو ثلاثين يوما، الأمر الذي لم يسمع وقوع نظيره في حلب، كما نوّهنا عن ذلك في حوادث السنة المذكورة. على أن البرد في بقية السنين مهما كان عظيما فإنه لا يزيد فيه هبوط الزئبق إلى ما دون الدرجة العاشرة تحت الصفر، وهو إذا بلغ هذه الغاية أو ما قاربها يتألم منه النحفاء والشيوخ ألما زائدا وينشأ عنه أمراض صدرية وعلل ريحية ومفاصلية، وتعظم نكايته في الأطفال، ويكثر فيه النقف والقمطلس «1» والزكام والحادر حتى يكاد لا ينجو من ذلك أحد، وأضرّ ما يكون في الشتاء خلواته الحارّة التي يجتمع فيها الناس للسهر والسمر، فيوقدون ضمنها النار حتى تصير كأنها بيت من بيوت الحمام ثم يتنازلون الماء البارد الذي قارب الانجماد أو يخرجون إلى الهواء وقد انفتحت مسامهم، واستعدّت لقبول البرد أجسامهم. تحول العوارض الجوية في حلب ذكر صاحب طبقات الأطباء في ترجمة الطبيب الشهير المختار بن الحسن عبدون المعروف بابن بطلان، المتوفى سنة 458. أنه كان يعتقد أن العوارض الجوية في أصقاع حلب كانت باردة ثم تحولت إلى حرارة، مستدلا على صحة دعواه هذه بما حكاه له أشياخ أهل حلب من أن شجرة الأترجّ ما كانت تنبت في حلب لشدة بردها وأن الدور القديمة في حلب لم تكن تستطاع السكنى في طبقتها السفلى. وأن الباذهنجات (ملاقف الهواء) حدثت في حلب منذ زمان قريب حتى إنه لا دار إلا وفيها باذهنج بعد عدم وجودها مطلقا.

أقول: إننا بحثنا في هذه المسألة بحثا دقيقا فظهر لنا فيها عكس ما ادعاه المختار أي أن العوارض الجوية في أصقاع حلب كانت حارة ثم أخذت تتحول إلى البرد. ومن ثمة اضطررنا أن ننتقد أدلة المختار التي نقلها في هذه المسألة عن أشياخ أهل حلب، فنقول إن عدم نبت شجر الأترجّ في حلب في هاتيك الأيام لا لشدة برد حلب بل لأن هذه الفصيلة من الشجر كانت قبل سنة 300 غير موجودة ولا معروفة في حلب وجميع بلاد سوريا والعراق ومصر وغيرها من الممالك الكائنة في المناطق المعتدلة. قال المسعودي في كتابه مروج الذهب ما خلاصته: إن هذه الشجرة يعني شجرة الأترجّ لم تكن موجودة في البلاد قبل الثلاثمائة، وإنما حملت من أرض الهند إلى غيرها بعد هذا التاريخ، فزرعت في عمان، ثم نقلت إلى البصرة والعراق والشام، حتى كثرت في دور الناس في طرسوس وغيرها من الثغور الشامية وأنطاكية وسواحل الشام وفلسطين ومصر، وما كانت تعهد ولا تعرف إلخ. وهناك دليل آخر على أن عدم نبت هذه الشجرة في ذلك التاريخ لعدم وجودها لا لشدة البرد، هو أنه كان يوجد في حلب شجر النخيل الذي هو أقل تحملا للبرد من شجر الأترج، كما يأتي بيانه قريبا. وأما عدم استطاعة السكنى في الطبقة السفلى من بيوت حلب فهو دليل قد يؤيد عكس المدعي به إذ البلاد الباردة كالأناضول، يفضل أهلها السكنى في أيام الشتاء في الطبقة السفلى على العليا، لأنها أقل تعرضا للبرد من العليا. نعم قد يكون عدم استطاعة سكنى أهل حلب في الطبقة السفلى لكثرة رطوبات البلدة في ذلك التاريخ، لعدم انتظام مجاري قاذوراتها وامتلاء خنادقها من المياه تحصينا لها مع ضيق أزقتها وكثرة أهلها المحصورين داخل سورها الذي كان يقدر بنحو النصف من مساحته الآن. ولهذا كانت الأوبئة والطواعين لا تكاد تفارق حلب. وأما عدم وجود الباذهنجات «1» فيها أولا ثم وجودها أخيرا فإن المفهوم من هذا أن البرد بينما كان في مدينة حلب شديدا، إذ تحول بغتة إلى الحرّ، ومسّت الحاجة إلى عمل الباذهنجات، وهذا مما لا يتصوره عاقل إذ أن سير التحول الجوي بطيء جدا لا يدرك حصوله بأقل من ألف سنة وأكثر، فالأولى أن يحمل تسرّع أهل حلب إلى عمل الباذهنجات على التفنن وتحسين المباني والاقتداء ببغداد عاصمة الممالك الإسلامية في الشرق بعمل الباذهنجات تلطيفا للجوّ، وتخفيفا للرطوبات.

أدلة تحول العوارض الجوية في أصقاع حلب من الحر إلى البرد

أدلة تحول العوارض الجوية في أصقاع حلب من الحر إلى البرد الدليل الأول: وجود شجر النخيل في حلب في قديم الأزمان فإن الشاعر الصنوبري المتوفى سنة 334 نظم قصيدة بديعة طويلة مدح بها حلب وذكر منتزهاتها وأزهارها، ثم قال: أيّ حسن ما حوته ... حلب أو ما حواها سروها الداني كما تدنو ... فتاة من فتاها آسها الثاني قدود ... الهيف لمّا أن ثناها نخلها زيتونها أولا ... فأرطاها غضاها «1» فالمفهوم من البيت الأخير أن شجر النخيل من جملة أنواع الشجر التي كانت في مدينة حلب وهو كما قلنا سابقا أقل تحملا للبرد من شجر الأترجّ، على أنه الآن لا أثر له في حلب البتة ولا يمكن أن يعيش في أرضها ولا فيما قرب منها. الدليل الثاني: استقصينا كثيرا من الدور العظام القديمة في حلب فوجدنا أكثرها قد خلت جهتها المتجهة إلى الجنوب من الغرف والخلوات، وأن أكثر هذه الدور كان يعتني أهلها الأقدمون بجهتها المتجهة إلى الشمال، لأنهم يبنون فيها الأواوين والغرف سفلا وعلوا، فعدم اعتنائهم في الجهة المتجهة إلى الجنوب لم يكن له من سبب في تلك الأزمنة سوى شدة حرارتها بسبب إشراق الشمس عليها. واعتناؤهم بالجهة المتجهة إلى الشمال لم يكن ناشئا إذ ذاك إلا عن اعتدال حالتي الحر والبرد في فصل الشتاء، أما في هذه الأيام، وفيما أدركناه من الأعوام قبلها، فإن الجهة المتجهة إلى الجنوب من الدور في حلب هي التي تبذل العناية في بنائها خلوات وغرفا سفلا وعلوا وهي تعتبر عندنا من أشرف جميع المساكن التي تكون في باقي جهات الدار. وإن الدار التي تخلو جهتها هذه من البيوت والغرف تعد عندنا مشوهة. والمثل المشهور عند الحلبيين الآن قولهم: بيت يسكن صيفا وشتاء، وهو المتجه إلى الجنوب والغرب، وبيت لا يسكن لا صيفا ولا شتاء، وهو المتجه إلى الشرق.

الدليل الثالث: وجود كثير من شجر الأترجّ في بساتين حلب، في الزمن القديم. فقد ذكر دار فيو الذي كان قنصل دولة فرنسة في حلب سنة 1040 في كتابه الذي سماه (تذكرة أسفاري) أنه شاهد بساتين حلب مملوءة من شجر الأترجّ فهذا دليل صريح على أن العارض الجوي في حلب كان منذ ثلاثمائة سنة معتدلا يمكن أن يعيش فيه هذا النوع من الشجر مع أننا الآن لا نعرف بستانا خارج حلب يشتمل على شيء من هذا الشجر أما في حدائق البيوت فيوجد منه القليل إلا أنه لا تكاد شجرته تبلغ حد الإثمار إلا ويدهمها الصقيع فتيبس. وهكذا قد استمر شأن هذه الشجرة منذ أربعين سنة حتى أصبحنا في يأس من نجاحها في حلب، وصار الناس عندنا يسمونها شجرة الهمّ لما يتكبدونه من الزحمة في حمايتها وحفظها من البرد. الدليل الرابع: يوجد الآن في جبل ليلون كثير من أصول شجر الزيتون الذي له فروع ضئيلة لا يزيد ارتفاعها على قدر قامة الإنسان، وهي غير مثمرة وفي هذا الجبل أيضا أطلال معاصر لعصر زيت الزيتون، وأحواض منقورة في الصخر لإحراز الزيت، مما يدل على أن هذا الجبل كان وطنا للزيتون مدة عصور طويلة، أما الآن فإنه إذا غرس فيه شيء من هذا الشجر، نبت وطالت فروعه لكنه لا يكاد يبلغ حد الإثمار إلا وتطرقه آفة البرد فيصقع وييبس. الدليل الخامس: كنا نعهد في ضواحي حلب وبعض البلدان المضافة إليها عددا غير قليل من مغارس الزيتون الناجح المثمر الذي يوجد فيه كثير من الأشجار المعمّرة التي مضى على غرسها مئات من السنين، بل بعض المسترزقين بالزيتون يبالغون في قدم هذه الأشجار ويقولون إنها قائمة في مغارسها منذ زمن السيد المسيح صلوات الله عليه. على أن أكثر هذه المغارس قد دب العطب فيها منذ عشرات السنين وانتهى عطبها عن آخرها بما فيها من الأشجار المعمرة في سنة 1329 وبهذا يستدل على أن البرد الذي عطبت به هذه الأشجار لم يمر عليها نظيره منذ نشأت وإلا لما سلمت كل هذه المدة. الدليل السادس: أن القطن كان يوجد في جهات حلب أشجار خالدة تبقى الشجرة منه عدة أعوام، على ما حكاه ابن البيطار في تذكرته، مع أن القطن لا يكون أشجارا خالدة إلا في الأصقاع المعتدلة في الحر والبرد، وهو الآن ما لا وجود له في حلب ولا في جهتها

اعتدال مناخ حلب

مطلقا وإنما يزرع مجددا في كل سنة. هذا ما أدى إليه اجتهادي ودلني عليه البحث والاستقصاء والله أعلم. اعتدال مناخ حلب ينبغي أن تعد حلب من البلاد المعتدلة المناخ، لأنها في وسط معتدل من الأقاليم الرابع، لكن لما كانت حجارة مبانيها ذات مسام تحفظ الحر والبرد زمنا طويلا ثم تعكسهما، كان لحرها وبردها تأثير شديد في موسم الشتاء والصيف وهي تستمد البرد أيضا من جبل أومانوس المتوج بالثلوج في أكثر الأوقات وليس بين أصله وبين حلب سوى مسافة ثلاثين ميلا. ليس لوقوع الثلج في حلب ضابط بعد دخول الكوانين، إذ ربما وقع في أواخر نيسان. وأكثر وقوعه في كانون الثاني، وإذا وقع فالغالب أن لا يبقى أكثر من ثلاثة أيام، وقليلا ما يبقى أكثر من هذه المدة. وأما البرد فالغالب أن يكون وقوعه قليلا في فصل الربيع. وأما الضباب فيكثر انتشاره في الكانونين. وإذا انتشر مساء. دل غالبا على المطر ليلا، أو صباحا دل غالبا على الصحو نهارا. ومن الأمثال السائرة بين أهل حلب قولهم في الضباب: (إذا وقع عشيّه حوّش مغارة دفّيه، وإذا وقع باكر خذ العصا وسافر) . ماء حلب أما ماؤها فينقسم إلى ثلاثة أقسام: ماء مطر وماء قناة وماء ينبوع. أما ماء المطر فإنه يجمع مما يسقط منه على أسطحة البيوت، ويحرز في الآبار المعروفة بالصهاريج، ويترك حتى يرقد فيعود نقيا باردا لطيفا مدرا خفيفا. لكنه كثيرا ما يتكون فيه جراثيم حيوانية للحوقه بعض مواد زفرة. أو يكتسب من طول مكثه رائحة عفنية وطعما نباتيا إذا كانت البئر سحيقة وليس لها نافذة توصل إليها الهواء. وفي هاتين الحالتين يجب اجتنابه. وأما ماء القناة فإن استعمل قبل صفائه في الآبار وغيرها فهو السمّ الناقع يورث الحمى والإسهال وأمراض المعدة وغير ذلك من العلل الفتاكة. وإن استعمل بعد الصفاء والبرودة قل ضرره على شرط خلوه من الجراثيم الحيوية وعدم مكثه في الصهاريج أكثر من ستة أشهر وإلا كان

مضرا. وأما ماء الينبوع فهو ما كان من عين التل أو العين البيضاء، أو غيرهما من العيون القريبة من حلب. كعين اشمونيث وعين العصافير قبلي الصالحين (وعين اشمونيث) هذه في ظاهر حلب من قبليّها تسقي بستانا يقال له الجوهري، وإن فضل منها شيء صب في قويق. وقد ذكرها في شعره منصور «1» بن مسلم بن أبي الخرجين بتشوق إلى حلب فقال: أيا سائق الأظعان من سفح جوشن ... سلمت ونلت الخصب حيث ترود أبن لي عنها تشف ما بي من الجوى ... فلم يشف ما بي عالج وزرود هل العوجان الغمر صاف لمورد ... وهل خضّبته بالخلوق مدود وهل عين أشمونيث تجري كمقلتي ... عليها وهل ظلّ الجنان مديد فهو، أي ماء هذه العيون، الجامع الصفات المطلوبة في الماء: من الصفاء والخفة والإدرار، ولا سيما ماء العين البيضاء أو عين التل في شمالي حلب على بعد ساعة منها، فإن ماءهما الغاية فيما ذكر لولا كثرة كلسيّته. أما آبار النبع في المدينة فإن ماءها يختلف في طعمه ونفعه وضره باختلاف محالّه فماء آبار قلعة الشريف أو ما قاربها من المحلات مالح آجن يقارب ماء البحر في طعمه وريحه، والبعض منه لا يمكن أن يطبخ به ولا أن تغسل منه الثياب حتى ولا النحاس لأنه يحيل بياضه إلى السواد بل قد يسود الحجر إذا كثر صبه عليه، وهو مع هذه الصفات الذميمة عميق سحيق لا يصعد على وجه الأرض إلا بحبل طوله نحو عشرين باعا. وأما بقية الآبار في غير هذه المحلة فمنها ما هو قليل الملوحة جدا حتى لا تكاد تدرك ملوحته إلا بإمعان الذوق، وذلك كغالب آبار المحلات الخارجة عن باب النصر وآبار محلة الجلّوم وما جاورها. وأكثر الناس يستعمل ماءها شربا وغسلا، وهي تصعد على وجه الأرض بحبل طوله أربع باعات إلى اثني عشر على حسب اختلاف مواقعها. ومنها ما هو ظاهر الملوحة كآبار بقية محلات حلب كالعقبة وأكثر المحلات المرتفعة. وهذا النوع أكثر الأنواع وقلّ من يستعمله للشرب وغسل الثياب. والخلاصة أن ماء حلب الجاري قليل غير كاف لها وهو كدر قذر لما ينصب إليه من مجاري المياه القذرة قبل جريانه في القناة ودخوله إلى حلب، ثم لما يلحقه من التلويث في الحياض والقساطل

هواء حلب

التي تجري إليها المياه، ومنها تفيض إلى الآبار والبرك فيتناولها بعض الناس قبل أن ترقد وتصفو فتكثر فيهم الحميات وأمراض المعدة وتكثر في الأطفال الديدان. هواء حلب الغالب على هواء حلب الاعتدال بين الحرارة والبرودة. ولجفاف جهات مهابّه، لقلة المياه الراكدة والجارية فيها؛ كان الغالب عليه اليبس غير مصحوب برطوبة. وقد تصحبه في بعض الآونات «1» من الفصول الثلاثة التي هي، الشتاء والربيع والخريف. وهو في حالة اعتداله ويبسه على غاية ما يكون من الموافقة للصحة العامة. ومعظم هيجان الرياح عندنا في شهر تموز، والغالب أن يكون غربيا، والعامة تقول: تموز الهاوي. وبعد مضي هذا الشهر تضعف العواصف ويقل خطرها حتى أواسط شباط، فتهيج ريح شديدة نحو يوم أو يومين. والعامة تسميها نفّاخ الشجر أي إنها تنفخ الشجر وتهيّئه لانبثاق «2» النور والورق. ثم تأخذ هذه الريح بالضعف إلى نحو اليوم الخامس والعشرين من شباط فيعظم هيجانها ويشتد هبوبها وتدوم هكذا إلى نحو اليوم الخامس من آذار، والعامة تسميها في هذه المدة ريح الأعجاز. وفي بعض السنين تكون هذه الريح مضرة ضررا فاحشا بالأشجار، فتنثر زهرها وتسقط ما انعقد من ثمرها. ثم في الحادي عشر من نيسان أو قبله أو بعده بقليل، تهبّ ريح شديدة شمالية تنقطع تارة وتعود أخرى إلى الحادي والعشرين منه. وهذه الأيام تسمى العوّاء ويقال: لا نوء بعد العوّاء. وهذه العواصف يخشى منها على الشجر، إذ قد لا يبقى فيها ثمرة واحدة، ولذا اعتاد كثير من مستأجري البساتين ألا يعقدوا مساقاة أو آجارا مع صاحب البستان إلا بعد مضي هذه الأيام الهاوية. ومعظم الهواء عندنا هو الغربي وبه لقاح الزرع وامتلاء الضرع وسوق الغمام وصحة الأجسام. ويكون في جميع الفصول والمواسم. وقد تهب ريح الشمال، فإن كان الأوان صيفا فليست بضارة، وإن كان شتاء اشتد بهبوبها البرد وخيف على الزرع والشجر، وربما هبت في أوائل الربيع مصحوبة بشيء من الصقيع. فتهلك الحرث «3» والنسل، وتتلف الزروع الأرضية

تراب حلب

والشجرية، وقليلا ما يحصل ضرر من الريح الشرقية، وقد تضر بعض الزروع إذا هبّت شتاء وتزداد نكاية الحر بهبوبها صيفا، ولربما حشرت الجراد من الشرق. وأما الريح الجنوبية فهي نادرة عندنا جدا ولا خطر لها إذا هبّت شتاء، وإذا هبت صيفا زادت قوة الحر وجلبت معها السموم. تراب حلب وأما ترابها فهو من أحسن أتربة البلاد، تنجب فيه جميع الزروع والغروس التي تنجب بالأقاليم المعتدلة. والغالب على لون أتربة حلب البياض والحمرة والخلو من المادة الرملية وكثرة الصلصالية. ويوجد في حلب كثير من البساتين التي تزرع في السنة أربع مرات. ومع هذا فلا تقصر عن غيرها. والسّرجين العام لتربة حلب فضلات الإنسان والحيوان والنبات ونحو ذلك قال ياقوت في معجم البلدان: وشاهدت من حلب أعمالها ما استدللت به على أن الله تعالى خصها بالبركة وفضّلها على جميع البلاد. فمن ذلك أنه يزرع في أراضيها القطن والسمسم والبطيخ والخيار والدّخن والكروم والذرة والمشمش والتين والتفاح عذيا «1» لا يسقى إلا بماء المطر، ويجيء مع ذلك رخصا غضا ربما يفوق ما يسمى بالمياه والسّيح «2» في جميع البلاد. وهذا لم أره فيما طوفت من البلاد في غير أرضها. أقول: ليس ما ذكره ياقوت من أنواع الشجر والنبات فقط يعيش عذيا في حلب، بل هناك أنواع كثيرة من الشجر والنبات الذي لا يعيش في غير تربة حلب إلا سقيا، ويعيش وينجب فيها بعلا «3» لا يسقى بغير ماء المطر، وذلك كالجوز واللوز والرمان والتوت والفستق والبندق والكرز والكمّثرى، وكاللوبياء والفاولة والبامية والطماطم والباذنجان، وأنواع اليقطين والخروع «4» والتبغ، وبالإجمال جميع أنواع النباتات الربيعية والصيفية، وكلها تجود وتخصب عذية بقدر جودة فلاحة الأرض وتسميدها وعمقها. ومن جملة أنواع النبات الذي ينبت بنفسه دون استنبات، ويجود وينبج دون أقل عناية،

عرض حلب وطولها وارتفاعها عن سطح البحر

عرق السوس، الذي ينبت في جميع أرجاء ولاية حلب فيقلع وينقع ويستخرج منه مشروب حلو لذيذ نافع مسهل قليلا. وقد بلغ ما أرسل من هذا العرق إلى أميركا في سنة واحدة ما قدرت قيمته بمائة وخمسين ألف ليرة عثمانية. عرض حلب وطولها وارتفاعها عن سطح البحر عرض حلب ست وثلاثون درجة وطولها ثلاث وستون درجة. وترتفع عن سطح البحر خمسمائة متر. وعرض البلد عبارة عن بعدها عن خط الاستواء إلى جهة القطب الجنوبي أو الشمالي، والمعروف قديما أن جميع المعمورة شمالية وطول البلد الذي نعتبره: عبارة عن بعدها عن الجزائر الخالدات في ساحل البحر الغربي. وغاية طول النهار عندنا من مطلع الشمس إلى غروبها أربع عشر «1» ساعة وأربعون دقيقة. وغاية قصر الليل من غروب الشمس إلى طلوعها تسع ساعات وعشرون دقيقة. وغاية قصر النهار من طلوع الشمس إلى غروبها تسع ساعات وخمسون دقيقة، وغاية طول الليل أربع عشر «2» ساعة وعشر دقائق. وابتداء فصل الربيع كما هو عامّ في جميع البلاد الشمالية من حلول الشمس في رأس الحمل، وذلك في اليوم الثامن من آذار، ويمتد إلى حلوها في أول السرطان، وذلك في اليوم التاسع من حزيران وهو ابتداء فصل الصيف ويمتد إلى حلول الشمس في أوائل الميزان حادي عشر أيلول، وهو ابتداء الخريف، ويبقى إلى حلولها في أول الجدي تاسع كانون الأول، وهو أوّل الشتاء واستواء الليل والنهار يكون في رابع آذار، وهو الاستواء الأول الربيعي وفي الرابع عشر من أيلول وهو الاستواء الثاني الخريفي. معادن ولاية حلب أراضي ولاية حلب لم تزل كباقي أراضي الولايات العثمانية الآسيوية بكرا قد اختبأ فيها كثير من أنواع الفلزات والمعادن الغنية القليلة النظير. ومما يوجد في ولاية حلب معدن النحاس غربي حلب على مسافة ربع ساعة منها، وهو في ذيل جبل الجوشن. حكى لي صديق من الصاغة أنه استخرج منه نحاسا في غاية الجودة، لكنه لم يربح به لكثرة النفقة

الحمامات المعدنية في ولاية حلب

في استخراجه. قال: ولو فتح معمل لاستخراجه لربح. ومن المعادن أيضا معدن شبيه بالفحم الحجري في محل يقال له أبو فياض شرقي حلب، في بعد عشرين ساعة عنها، يستعمل الأعراب ترابه ومدره «1» وقودا للطبخ وغيره. ومنها معدن مرمر أصفر في جوار حلب من شماليها في جهة البساتين المعروفة بناحية بعاذين، ومعادن زجاج في قضاء حارم، ومعدن غاز سائل في قضاء اسكندرونة اكتشفته الحكومة قبل ثلاثين سنة وأحالت امتيازه إلى أحد المثرين «2» فباشر تعدينه فلم يفلح، ومعدن ذهب في ضفاف نهر العاصي فيما يلي أنطاكية، ومعدن رصاص فضي، ومعدن أنتيمون، وحجر الكحل، ومعدن فحم حجري، ومعدن الطفال المعروف بالبيلون في قضاء كلّز وأنطاكية. وفي جبال قره مرط إحدى نواحي أنطاكية عدة معادن تستعمل للصبغ. وفي جبل بارسال من أعمال قضاء كلّيس معدن مرمر أصفر ومعدن مرمر وسمّاقي في قرية «جاربين» من أعمال قضاء عينتاب. ومعدن فضة وحديد ومرمر سماقي وأسود في قضاء مرعش، ومعدن حديد في قضاء الزيتون، ومعدن كبريت في رأس العين من أعمال لواء الزور. وكانت منذ عهد قريب تابعة حلب كما أشرنا إليه سابقا. وفي جبل البشري من أعمال دير الزور أربعة معادن وهي معدن القار والمغرة «3» والطين الذي يعمل بواتق «4» يسبك فيها الحديد، والرمل الذي يعمل منه الزجاج وهو رمل أبيض كالإسفيداج. الحمّامات المعدنية في ولاية حلب منها حمّامان في قضاء جسر الشغر وماؤهما كبريتي ينفع من الأمراض الجلدية. ومنها حمّام على جانب الفرات في قضاء بيره جك. وثلاث حمامات في قضاء مرعش والزيتون وقضاء البستان. وحمّام حديدي في القصير من أعمال أنطاكية وهو معروف في زماننا بحمام الشيخ عيسى. قال ابن الشحنة نقلا عن ابن شداد: ويوجد بكورة الجومة «5» من

مملحة الجبول

أعمال قنّسرين عيون كثيرة كبريتية تجري إلى الحمام بقرية يقال لها جندراس «1» ، لها بنيان عظيم معقود بالحجارة يقصده الناس من كل طرف، فيسبحون به للعلل. قلت: وهو مشهور في زماننا. ثم قال: وبالسخنة من أعمال قنسرين خمس حمامات ماؤها في غاية الحسن والحرارة ينتفعون بها من البلغم والريح والجرب. قلت: وهي غير مشهورة في زماننا. وقال ابن الشحنة: وبناحية العمق حمّام دخلته مرارا. قلت: وأنا دخلته مرارا وهو كبريتي وحرارته تبلغ اثنتين وأربعين درجة، وهو من أشهر حمّامات الولاية في زماننا ينبع ماؤها في حوض مربع مصنوع مساحته خمس أذرع في مثلها وفي أعلاه ثقب سعته ثمانية سانتيمتر في مثلها، يفيض منه الماء إلى أراضي العمق، وعلى هذا الحوض قبو معقود بالحجارة. وفي أطراف هذا الحمام عدة عيون كبريتية حارة لو جمعت إلى حوض لكانت حماما عظيما. وفي سنة 1300 بنت بلدية حلب على بعض هذه العيون خلوة وصارت تؤجرها بعض الناس. ثم إن جميع هذه الحمامات في زماننا مباح للعامّ لم توضع عليها يد سوى حمام البلدية المذكورة. مملحة الجبول قال ابن الشحنة ما ملخصه: إن نهر الذهب يجري من ناحية باب بزاعا البلدة المعروفة شرقي حلب، حتى ينتهي إلى سبخة الجبول، فيجتمع في مساكب يعملها أهل الجبول والقرى المجاورة لها، فيجمد ويصير ملحا أبيض في مثل بياض الثلج معتدلا في الطعم لا مرارة فيه وهو في إقطاع نيابة حلب وعليه مرتبات من صدقات لأناس كثيرة بمراسم مرعية قال: وسمي هذا النهر بنهر الذهب لأن أوله بالقبان وآخره بالكيل. يعني أنه يزرع عليه في أوله الحبوب المأكولة وبعض العقاقير وهي تباع بالقبان، وآخره يصير ملحا وهو يباع بالكيل.

نهر حلب

قلت: هذا في زمانه أما الآن فيباع الملح في القبان أيضا. وقال: وماء هذا النهر في غاية من الصفاء والعذوبة. قلت: المشاهد في زماننا أن هذه المملحة تجتمع مياهها من نهر الذهب، ومن أمطار الشتاء التي تنصب إليها من الأراضي المجاورة المتشبعة من مادة الملح فتصير رقراقا متسعا محيطه ثمان عشر «1» ساعة. فإذا جاء عليه شهر تموز جف الماء ورسب الملح، وهو في غاية الجودة صادق الملوحة سريع الذوب بالماء يصلح للهدايا إلى استانبول وغيرها. وقد يبلغ الملح الذي يستخرج منه سنويا بضعا «2» وعشرين ألف قنطار حلبي أو أكثر. وهذه المملحة الآن خاصة بنظارة الديون العمومية العثمانية. وقد بلغت مداخيلها سنة 1301 رومية ألفي ألف وخمسمائة ألف قرش. وذكر ابن الشحنة في جدول تعديل مداخيل حلب سنة 609، وذلك في أيام الملك الظاهر صلاح الدين، أنّ دخل الملح في السنة المذكورة ثلاث مائة ألف درهم وعشرون ألف درهم. وبحيرة الجبول هذه لا يوجد فيها شيء من الحيوانات المائية سوى أنه عشية كل ليلة من فصل الربيع يرحل إليها للمبيت أسراب عديدة من الإوز والبط تمضي سحابة نهارها في بحيرات العمق لتقتات من حيواناتها، فتقبل إليها صباحا وترحل عنها إلى بحيرة الجبول عشية فترقد فيها، لا ينغّصها فيها شيء من الهوامّ التي توجد في البحيرات العذبة كالبعوض والقمل، إذ لا وجود لهما فيها بسبب ملوحة مائها. نهر حلب قال ابن خطيب الناصرية ما ملخصه: إن نهر حلب اسمه قويق، وكان يجري في الشتاء والربيع وينقطع في الصيف، ومنبعه من بلاد عينتاب، وغوره في المطخ حتى ساق إليه الساجور الأمير أرغون نائب حلب فدام جريانه. وإذا جاء قبليّ حلب تمده العين المباركة فيغور الجميع بالمطخ. وعن ابن شداد أن «قويق» تصغير قاق. وأنه شاهد لهذا النهر مخرجين بينهما وبين حلب أربعة وعشرون ميلا، أحدهما في قرية الحسينية بالقرب من عزاز، يجري ماؤها بين جبلين، حتى يقع في الوطاة قبلي الجبل الممتد من بلد عزاز شرقا وغربا، والآخر عيون من عينتاب وبعض قراها، تجري إلى نهر خارج من فم فج عينتاب، فيقع

في الوطاة المذكورة، ويجتمع النهران ويصيران نهرا واحدا يجري إلى دابق ويمر بحلب وقبل وصوله إليها يمدّه عدة عيون فيعظم وتدور به الأرحاء، وأولها بقرية مالد شمالي حلب. وبعد أن يجتاز بحلب تمدّه أيضا عيون أخرى منها العين المباركة، فيزيد بها ويسقي مواضع كثيرة في طريقه حتى يمر على قنسرين، ثم يغور في المطخ، ويخرج من بحيرة أفامية. ودليل ذلك احمرار ماء هذه البحيرة إذا احمر قويق في الشتاء لطغيانه. قلت: هذا من ابن شداد وهم غير معقول، ودليل ليس بمقبول. قال: والمسافة بين مفيضه وأفامية نحو أربعة عشر ميلا. قال ياقوت في معجم البلدان اسم نهر قويق الذي بحلب مقابل جبل الجوشن «العوجان» بالتحريك. وأنشد لابن أبي الخرجين شعرا: هل العوجان الغمر صاف لوارد ... وهل خضبّته بالخلوق مدود؟ «1» وعن بعضهم أن مخرج هذا النهر اسمه قويق. وأهل الخلاعة تكنيه أبا الحسن. وذكر بعضهم أن مخرج هذا النهر من قرية تسمى سيناب «2» على سبعة أميال من دابق، يمر إلى حلب بثمانية عشر ميلا، ثم إلى قنّسرين اثني عشر ميلا، ثم إلى المرج الأحمر المعروف بتل السلطان ألب أرسلان السلجوقي خيم به مدة فنسب إليه. ثم قال: جاء عن بعض المفسرين في قوله تعالى: إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ كان ذلك على نهر حلب ويقال له قويق. قال ابن الشحنة: ورأيت لهذا النهر منبعا في قرية يقال لها ارقيق بين حلب وعينتاب. ثم قال: قال ابن شداد ومن أحسن ما مدح به نهر حلب قول أبي بكر أحمد بن محمد الصنوبري الحلبي، وهو: قويق له عهد لدينا وميثاق ... وهذي العهود والمواثيق أذواق ففي الخوف، إنا لا غريق نرى له، ... فنحن على أمن وذا الأمن أرزاق ومنها:

وفاضت عيون من نواحيه ذرّف ... ولمّا تعاونها جفون وآماق «1» ومنها: هو الماء إن يوصف «2» بكنه صفاته ... فللماء إغضاء لديه وإطراق ففي اللون بلّور وفي اللمع لؤلؤ ... وفي الطعم قنديد «3» وفي النفع درياق إذا عبثت أيدي النسيم بوجهه ... وقد لاح وجه منه أبيض برّاق فطورا عليه منه زرق حقيقة ... وطورا عليه جوشن منه رقراق وكم عنده نيلوفر متشوّف ... رؤوس كتبر والزبردج أعناق وقد عابه قوم، وكلّهم له ... على ما تعاطوه من العيب عشّاق يهاب قويق أن يملّ فإنما ... يقيم زمانا ثم يمضي فيشتاق وقالوا أليس الصيف يبلي لباسه ... فقلت: الفتى في الصيف يقنعه طاق وما الصبح إلا آئب ثم غائب ... تواريه آفاق وتبديه آفاق وله فيه أيضا: قويق على الصفراء ركّب جسمه ... فما لهب القيظ الأليم يطابقه إذا جدّ جدّ الصيف غادر جسمه ... ضئيلا، ولكنّ الشتاء يوافقه قال ابن الشحنة: يريد أن أصحاب الأمزجة الصفراوية تنتحل أجسامهم في الصيف ويوافقهم الشتاء وأن قويقا يقل ماؤه في الصيف حتى يصير حول المدينة كالساقية. قال: وقد فهمت من هذا أمرا بديعا وراء ما ذكره ابن شداد، وهو أن قويقا تصغير قاق الطائر المعروف، وهو يخالف طبعه الحرّ، فيكون في غاية الضعف صيفا وفي غاية النشاط شتاء. ثم قال: عن ابن شداد عن أبي النصر محمد بن إبراهيم الخضر الحلبي «4» :

ما بردى عندي ولا دجلة ... ولا مجاري النيل من مصر أحسن مرأى من قويق إذا ... أقبل في المدّ وفي الجزر يا لهفتا منه على نغبة ... تبلّ منّي غلّة الصدر وأنشد بعضهم: لله يوم مدّ في صدره ... قويق مقصور جناحيه معتدلا يلثم ماء الحيا ... منه بمخضرّ عذاريه «1» وقد وصفه كثير من الشعراء وفي هذا القدر كفاية. والذي أراه أن هذا النهر من جملة الأنهار الطبيعية قديم جدا لا يعرف من جرّه من أصله، خلافا لمن زعم أن الذي جرّه هو الشيخ قويق المدفون بالتربة جنوبي حمام اللبابيدية وهذه التربة لا نعلم أحدا دفن بها غير أرغون نائب حلب، الذي ساق إلى نهرها الساجور كما تقدم وكما تعرفه بعد. ولعل «قويق» أضيف إليه أرغون لمزيد عنايته به فقيل عنه شيخ قويق فحرفته العامة إلى الشيخ قويق. وعندي أن لفظة قويق تحريف قواق لا تصغير قاق، وهي أي قواق يجوز أن تكون من الكلمات التي يستعملها الآن عرب البادية مما لم تحط به معاجم اللغة. وذلك أن عرب البادية يسمون مجرى ماء المطر في المطر «قواق» يلفظون قافها كافا مفخمة. ولما كان نهر حلب معظم مائه من المطر سمي بهذا الاسم، فهو على هذا التقدير لفظ عربي. ويجوز أن تكون هذه الكلمة وهي قواق لفظة تستعمل الآن بالتركية بمعنى الحور، وهو الشجر المعروف وذلك أن هذا النهر كان ولم يزل يزرع على شطوطه في مبدئه من بلاد عينتاب شجر الحور فينمو وينجب ويباع منه مقادير عظيمة. فعرف النهر به لكثرة زرعه عليه. والذي يؤيد هذا أن إطلاق هذه اللفظة على هذا النهر لم يكن إلا في أيام دولة بني طولون إذ أنهم أول قوم من الأتراك حكموا حلب بعد فتحها. ويؤيد ذلك أن هذا الاسم للنهر المذكور لم نره في شيء من النظم والنثر أقدم من كلام الشاعر البحتري الذي استغرقت حياته جميع أيام الدولة المذكورة. كان هذا النهر يسمى قديما شالوس. وقال دارفيو إن هذا النهر يقال له سيغا أو سيكويم وإنه كان يسمى قديما بيلوس. وسماه كزانفون اليوناني

خالس. قال: وهو نهر صغير فيه أنواع من السمك والسوريون يحسبونه إلهة ولا يسمحون لأحد أن يصيده وكذلك الحمام كانوا يعبدونه ولا يرضون على من يؤذيه. اه. قلت: المعروف عندنا الآن أن مبدأ هذا النهر من عينتاب. وبعد أن يتصرف أهل عينتاب بمائه كما شاؤوا تجري منه بقية إلى حلب فتمر على قريتي ساسغين وجاغدغين في قضاء عينتاب فتمده عيونهما فيعظم. وعند وصوله إلى قرية حيلان على بعد ثلاث ساعات من حلب يدخل نحو ثلثه في معبر إلى قناة حلب، والثلثان يجريان لسقاية البساتين في حافتيه. ثم في قرب حلب تمده العين البيضاء وعين التل. وبعد أن يجاوز قرية الشيخ سعيد بنحو ساعتين تنصب إليه العين المباركة ويسقي بساتين قرية الوضيحي، وقرية الحاضر، ثم لا يزال يجري حتى يغور في أجمة المطخ. وفي الصيف يفنى ماؤه في سقاية الأراضي بقرية خان طومان لقلة مائه حينئذ. ولو اعتنت الحكومة به صيفا ومنعت القرى المجاورة له قبل حلب من سقي أراضيهم منه لقام بكفاية حلب وبساتينها أتم قيام بدون مضايقة ولا تقسيط، فإن أصحاب البساتين كثيرا ما يقسطون ماءه صيفا، فيأخذه الشماليون أسبوعا والقبليون أسبوعا. ورأيت في سجلات المحكمة الشرعية بحلب إعلاما تاريخه 1159 يتضمن منع أهل قرية ساسغين وجاغدين من أخذ ماء تلك العيون لسقي أراضيهم. وقد اعتادت الحكومة أو دائرة البلدية أن تجمع في كل سنة من مستحقي مائه مالا تسميه مال النهر، تصرفه على تصليح حوافيه وكري «1» الوحول الراسبة فيه. ولهذا النهر في بعض السنين طغيان عظيم من كثرة الأمطار فينبسط ماؤه إلى مسافة ميل من جانبيه ويحطم ما عليه من النواعير، ويعطل بعض الأرحاء، ويقلع كثيرا من الأشجار، ويتلف الزروع الشتوية في البساتين ويهدم بيوتا كثيرة من محلة الوراقة على حافته الغربية. لكن هذا الطغيان لا يدوم فوق عشرين يوما ثم يأخذ بالتناقص حتى يعود إلى حالته الأولى. وقد طغى في زمن سيف الدولة الحمداني حتى أحاط بداره على سفح جبل الجوشن وفي ذلك يقول أبو الطيب المتنبي «2» : حجّب ذا البحر بحار دونه ... يذمّها الناس ويحمدونه! يا ماء هل حسدتنا معينه ... أم اشتهيت أن ترى قرينه؟

أم انتجعت للغنى يمينه ... أمن زرته مكثّرا قطينه؟ أم جئته مخندقا حصونه ... إنّ الجياد والقنا يكفينه يا ربّ لجّ جعلت سفينه ... وعازب الروض توفّت عونه إلى أن قال في سيف الدولة: بحر يكون كل بحر دونه ... شمس تمنّى الشمس أن تكونه وقد طغى هذا النهر الصغير على الصليبيين وهم يحاصرون حلب فأغرق خيامهم وشتت شملهم، وتمكن آق سنقر من حلب بعد طغيانه بيوم واحد. أما الحيوانات المائية في هذا النهر فهي نوع من السمك يعرف عندنا بالإنكليزي، لذيذ جدا وهو يشبه سمك الحيات المعروف باسم ما رماه. وزعم بعض مؤرخي الفرنج أن الملكة هيلانة هي التي جلبت جرثومة «1» هذا السمك من جهات رومة إلى برك الخليل قرب قرية هيلانة المذكورة. والله أعلم. ومما يوجد في هذا النهر أيضا سمك صغير الحجم جدا يعرف بالقبوضي، وسمك كبار مفلس يشبه الفراتي أي سمك نهر الفرات، يسمونه البنّي، وأهل حلب يحبون هذا النوع من السمك ويقولون فيه من أمثالهم: (إن شفت أطيب منّي لا تأكلني) . ويوجد في هذا النهر أيضا كثير من الحيات المائية والسرطانات والسلاحف حتى إن بعض الناس يدعونه بنهر السلاحف. قال ابن الشحنة: عاف قوم ماء قويق لكثرة السلاحف فيه. ولهذا اشتهر منه المكان المعروف «2» بجسر السلاحف. وغاب عنهم أن في وجودها نفعا كبيرا فإن دم السلحفاة ينفع المصروع وكذا مرارتها والتلطخ بدمها ينفع من وجع المفاصل. انتهى. ومما يكثر فيه أيضا الضفادع التي تصدع بنقيقها من كان قريبا منها، خصوصا إذا قل ماؤه، وتكتبت كتائب في غدرانه المترقرقة فإنها يزداد نقيقها ولا تكاد تسكت. وإلى ذلك أشار بعضهم بقوله «3» : قويق إذا شمّ ريح الشتا ... ء أظهر تيها وكبرا عجيبا

جر الساجور إلى قويق

وماثل دجلة والنيل وال ... فرات بهاء وحسنا وطيبا «1» وإن أقبل الصيف أبصرته ... ذليلا حقيرا حزينا كئيبا إذا ما الضفادع نادينه ... قويق قويق أبى أن يجيبا وتمشي الجرادة فيه فلا ... تكاد قوائمها أن تغيبا والاستقاء من هذا النهر في زماننا على ثلاثة أنحاء: الأول: خليج يعرف بالعدّان، يؤخذ منه ويجرّ عن مأخذه مسافة حتى تنخفض له الأرض ويتمكن من سقايتها. الثاني: الدولاب المعروف بالغرّاف، يدور بالبقر والبغال والبراذين، وهذا أعم الوسائط. والثالث: النواعير تدور بنفسها على الماء، وهي أقل الوسائط إذ لا يوجد عليه أكثر من خمس نواعير. وفي سنة ثلاثة وثلاثمائة وألف أحضرت البلدية من بعض معامل أوروبا مضخة يديرها محرك في قوة ستة حصن، يتحرك بالبخار، نصبتها على النهر في بستان إبراهيم آغا أمام الكتاب، وسلطت ماءها إلى جنينة الناقوس قرب العبارة الجارية في أملاك البلدية، فلم تنجح هذه الآلة لكثرة نفقتها وقلة مائها. هذا وإن الانتفاع بماء هذا النهر شربا وغسلا لا يزال ممكنا حتى يصل إلى الدبّاغة جنوبي جسر باب أنطاكية على غلوة «2» منه وهناك يفسد ماؤه فيحمر لونه من الأصبغة وينتن ريحه ويتغير طعمه من روث الجلود التي تغسل فيه. جر الساجور إلى قويق في سنة 713 اجتهد بجر نهر الساجور إلى قويق الأمير سيف الدين سودون النّاصري نائب حلب، فصغّر غدرانه وفتح له جدولا طوله أربعون ذراعا صرف عليه ثلاثماية ألف درهم أكثرها من ماله، فاخترمته المنية قبل إتمامه سنة 714 ودفن بتربته خارج باب المقام.

ولما أتى إلى حلب الأمير سيف الدين أرغون دوادار الناصري سنة 730 نائبا، وبنى مدرسته وتربته التي هي عند باب الحديث تجاه حمام سوق الخيل المعروفة الآن بالشيخ قويق، احتاج إلى ماء عذب يجري إلى مدرسته المذكورة فهندم قناة عظيمة تجري من الساجور وتصبّ في نهر قويق، واستلم ماءها من عند قرية هيلانة من نهر قويق وحرفها إلى قناة حلب، ثم أخذ منها مقدار كفاية مدرسته المذكورة. وقد حفر نهر الساجور ووسع مضيقه وجمع الناس على ذلك بحيث كمل العمل في قرب ستة أشهر بعد تعب زائد وإنفاق مال كثير. وكان وصول الماء إلى حلب سنة 731 وكان يوم وصوله مشهودا. خرج النائب والأمراء والأعيان لتلقّيه مشيا إلى ظاهر البلد بالتكبير والتهليل، فرحين مسرورين. وفي ذلك يقول القاضي الفاضل شرف الدين الحسيني ابن الريان: لما أتى نهر الساجور قلت له: ... ماذا التأخّر من حين إلى حين؟ فقال: أخّرني ربي ليجعلني ... من بعض معروف سيف الدين أرغون وقال القاضي الفاضل بدر الدين الحسن بن حبيب الحلبي: قد أصبحت شهباؤنا تثني على ... أرغون في صبح وديجور من نهر الساجور أجرى لها ... للناس بحرا غير مسجور والمفهوم من هذا وما أجريته من الاستقصاء أن قناة حلب قبل أرغون هذا كانت تجري من ماء برك الخليل فقط وأن جريان ثلث نهر قويق إليها كان في أيام أرغون لا قبلها أخذه عوضا عن ماء الساجور الذي أجراه إلى قويق ثم انقطع الساجور وبقي جريان هذا الثلث مستمرا. على أن الساجور بعد أن ساقه أرغون على الصفة المتقدم ذكرها استمر يجري إلى نهر حلب حتى حدث بها زلزلة شديدة سنة 940 فتهدمت الجسور التي بناها أرغون وأجرى الماء من فوقها وانقطع الماء. وكان أرغون قد وقف على هذه الجسور لتعميرها وترميمها وقفا عظيما، لكن هذا الوقف قد تداولته أيدي الغصب، وبقي الساجور منقطعا عن نهر حلب. كان مكتوبا على إحدى عضادات الجامع الكبير ما صورته: لما كان بتاريخ رابع جمادى الآخرة سنة 901 ورد المرسوم الكريم العالي المولوي الملكي المخدومي الكافلي السيفي الأشرفي مولانا الملك الناصر كافل المملكة الحلبية بأن لا يسقى من ماء الساجور الواصل

إلى حلب زرع حاسين وفافين وملعون من يزرع على ماء الساجور زرعا. قلت: قرية حاسين وفافين في شمالي حلب على بعد نصف مرحلة منها، ونهر قويق يجري من فافين، وقسم منه يجري إلى حاسين بواسطة قود طاحون فيها. ومكتوبا على عضادة أخرى في الجامع الكبير ما صورته: لما كان بتاريخ سبعة وعشرين جمادى الآخرة سنة 902 ورد المرسوم العالي المولوي المخدومي كافل المملكة الحلبية المحروسة الملك الناصر بإبطال ما كان يؤخذ من وقف نهر الساجور الواصل إلى حلب، وملعون ابن ملعون من يأخذ على جباية الوقف المذكور بارة الفرد، ويجدد هذه المظلمة أو يعين على إعادتها أو يأمر بإعادتها. انتهى. قلت: ولم يزل الساجور منقطعا عن حلب إلى سنة 1040 فاجتهد هذه السنة بجرّه مرة ثانية رجل من أغنياء الحلبيين يقال له نعسان آغا ووقفت عليه وقفا جيدا من خانات ودكاكين وأفران ودور وغير ذلك مما يقوم بوظيفة عمله إذا توهن، فقال بعضهم يمدحه: لما أتى حلب الساجور قلت له: ... كيف اهتديت وما ساقتك أعوان؟ فقال: كانوا نياما عن مساعدتي ... حتى تيقّظ طرفا وهو نعسان ولم يزل يجري الساجور إلى حلب حتى امتدت إلى أوقافه أيدي المتغلبين وأخذت جسوره بالخراب شيئا فشيئا حتى تعطلت عن آخرها، وذلك في حدود سنة 1135 وبقي مقطوعا إلى سنة 1150 وفيها اهتمت الحكومة بإعادته فجمعت مالا عظيما من الحلبيين وصرفته على تصليح مجراه القديم فعاد يجري إلى نهر قويق مقدار ربعه في الزمن السابق ولم يلبث غير سنيّات حتى تعطلت مجاريه وانقطع بالكلية كأن لم يكن. وفي سنة 1287 قل الماء في حلب. ويبست المشاجر فاهتمت الحكومة بجر الساجور إلى حلب وجمعت من الناس نحو مائتي ألف وأحد عشر ألف قرش، وعملت له مجرى غير مجراه القديم حتى استقام العمل على زعم بعض المهندسين. وفي يوم جرّه إلى قويق خرج الناس إلى الملتقى بالطبول والزمور ووقفوا هناك ينتظرون مجيء الماء إلى أن حان المساء فجاءهم مخبر يقول لهم إن العمل لم يكمل بعد فرجعوا بالخيبة. ثم شاع أن نهر الساجور

قناة حلب

لا يمكن جرّ مائه إلى قويق لانخفاض مجراه عن نهر حلب كذا أذرع «1» . فيئس الناس من مجيئه بعد طول أملهم به. وفي ذلك يقول بعض أصحابنا مماجنا: قالوا أتى الساجور، قلت مجاوبا: ... ما جاء ساجور ولا خابور قالوا: جرى في الماء محمرّا وقد ... ملأ الحياض، فقلت: ذا يغمور يغمور كلمة تركية معناها المطر. وقال بعض المعاصرين في ذلك أيضا: من قال إن المستحيل ثلاثة ... لم يدر رابعها فخذه بلا تعب الغول والعنقاء والخلّ الوفي ... ومياه ساجور تجيء إلى حلب قناة حلب قناة حلب قديمة قبل الإسلام وسائقها من محلها غير معلوم إلا أنها كانت على صفة جدول يفيض من برك الخليل قرب قرية حيلان. ويجري ماؤه إلى جهة حلب فيسقي البساتين وينتهي إلى بانقوسا وما جاورها من المحلات التي كانت إذ ذاك بساتين فيفنى ماؤها فيها. ثم إن الملكة هيلانة عملت مجراها على ما هو عليه الآن وساقت ماءها إلى مباني مدينة حلب فنسبت إليها. وعلى كل حال فقد اتفق مؤرخو حلب أن ماءها في أيامهم من عيون إبراهيم الخليل بالقرب من قرية حيلان التي سبق ذكرها. قلت: هذه العيون عبارة عن ثلاث حفائر مختلفة المساحة. تعرف إحداها في زماننا ببركة الشيخ خليل والثانية ببركة العبد أو ببركة النيلوفر، والثالثة ببركة هيلانة أو بركة الرشح. وهذه البركة أعظم الحفر، وكل واحدة من هذه الحفائر ينبع ماؤها من عيون ضمنها. وفي كل واحدة منها أسربة «2» مطبقة مهندمة تحت الأرض قد سدت بالوحول لتقادم الزمن، والظاهر أنها أقنية مياه تجري إلى البرك من عيون فيها على نسق الأقنية السريانية أو الرومانية فلو نظفت هذه الأسربة واستقصي مصدرها لكثر الماء وكفى حلب. ثم إن

اعتناء الملك الظاهر بقناة حلب

لكل بركة من هذه البرك مفيض «1» في أعلاها يجري منه الماء قدر غلوة، ثم يختلط بماء القناة الوافدة من مقسم النهر كما سبقت الإشارة إليه وباجتماع هذه المياه في القناة يعظم ماؤها وتجري في بناء محكم نحو حلب فتمر على ناحيتي بعاذين وبابلي وتسقي بساتينهما. وفي هذه المسافة تظهر تارة وتختفي أخرى إلى أن ينخفض مجراها في قرب حلب وتنزل في جباب حفرت لها ثم لا تزال تجري حتى تدخل حلب من باب القناة وكانت تظهر عنده قديما أما الآن فلا. ثم تمر من هناك ويتفرع منها أقنية صغار حتى تصل إلى المفيض القبلي عند جامع مستدام بك فيجري ما فاض منها فوق الحجر الأسود الذي هو في ارتفاع 27 سانتيمترا عن أرض القناة وطوله شرقا لغرب 80 سانتيمترا ويجري هذا الفائض إلى الحارات القبلية والباقي يجري إلى بقية حارات حلب. ويتشعب منه فروع عديدة تخترق شوارع تلك الجهات وتنفذ في مساجدها وحماماتها وقساطلها. ويذكر أن هذه القناة كانت قد دثرت وجددها عبد الملك بن مروان في ولايته. وكانت حلب توصف بذات الآبار لأن جميع مياهها قبل القناة كانت من الآبار المعينة. وفي أيام حاكمها محمود زنكي أخذ منها قطعة من المطهرة التي هي غربي الجامع بسوق السلاح وعمل قسطلا إلى رأس الشعيبين وأخرج قطعة أخرى إلى الخشابين وساق منها فرعا إلى الرحبة الكبرى داخل باب قنسرين ثم انقطع ذلك بعد وفاته. اعتناء الملك الظاهر بقناة حلب قال ابن الشحنة ما ملخصه: إن قناة حلب في سنة 605 سدت طرقها لطول المدة ونقصت ينابيعها. فاستحضر الملك الظاهر غياث الدين غازي صناعا من دمشق وخرج معهم بنفسه وأطلعهم على أصلها وأمرهم بتعديل ما يخرج من ينبوعها وما يصل إلى حلب فتبين لهم أن ما يخرج من الينبوع مائة وستون أصبعا وما يصل إلى حلب عشرون، فضمنوا له أن يكفوا بها جميع سكك حلب وشوارعها ودورها ومعابدها ويفضل منها ماء وافر يصرف إلى بساتينها وأراضيها. فأمر الملك الظاهر أن تذرع مسافتها من حيلان إلى حلب حلب فكانت خمسة وثلاثين ألف ذراع نجاري فقسم الملك الظاهر هذه المسافة قطعا وعين على كل قطعة منها أميرا معه صناع وفعلة وحمل إليهم الكلس والزيت والحجارة والآجر،

تقسيم القناة أيام الملك الظاهر

فأصلحت جميعها وطبقت إلا مواضع جعلها برسم تنقيتها وشرب الماء منها وأجراها إلى حلب في ثمانية وخمسين يوما. تقسيم القناة أيام الملك الظاهر قال ابن شداد: وأمر الملك الظاهر ببناء القساطل. وأول ما بنى منها قسطل على باب الأربعين (لا أثر له الآن) طوله من الشرق إلى الغرب عشرون ذراعا وعلى رأسيه قبتان وفيه أنبوبان مقدار الأصبع. ثم ساق هذه القناة إلى باب النصر وعمل حوضا كبيرا. ومنه إلى بحسيتا وعمل فيها قسطلين. وهناك ينتهي إلى المعقلية ثم ساق من أصل القناة من باب الأربعين إلى الطريق الآخذ إلى العصرونية قسما يأخذ إلى السويقة وقسما إلى البلد وما يليه وهذا الطريق الآخذ إلى البلاط فيه قسطل في رأس العقبة قدّام درب الملك الزاهر. ثم يسير إلى رأس درب الديلم وهناك قسطل ثم إلى الدرب المعروف بالبازيار، ثم إلى رأس درب بني الزهرة والطيوريين وهناك قسطل ثم إلى درب شراحيل. والقسم الآخر يأخذ إلى حمام أوران وهناك قسطل ثم إلى وسط جب أسد الله وهناك قسطل، ثم إلى باب الجنان إلى حضرة مسجد القصر وهناك قسطل، ثم يعود إلى الطريق الآخذ إلى سويقة اليهود ثم إلى باب النصر، وهناك حوض كبير يفيض ثم إلى السويقة عند دار الصبغ وهناك قسطل، وهناك بني المسجد المعلق وبه ينتهي القسم. ثم سيق من أصل الماء من القسم الذي تحت القلعة ثم إلى الأسواق وقصبة البلد مصنعة في الأرض يجتمع إليها جميع ماء القناة. ثم جعل فيها تقاسيم يخرج الماء منها على السوية فيتفرق في حلب على السواء فيخرج منها طريق إلى الجامع الكبير وما يضاف إليه وطريق إلى كتاب الأسود وما يليه، وطريق إلى باب العراق وما يليه، وطريق إلى القطيعة وما يليها. وأما طريق الجامع فبني عليه في رأس دار العدل قسطل. ثم في رأس الصاغة تحت المسجد المعلق وامتد منه إلى حمام العفيف التي عند حبس الدلبة. ثم أخذ من قسطل رأس الصاغة إلى رأس سوق النطاعين، ثم إلى شرقي الجامع وبني هناك قسطل، وفيه ينقسم الماء إلى ثلاثة أقسام، قسم منه فوارة الجامع، وقسم يسقى وسط الجامع ويصير إلى المطهرة الغربية وما يتصل بها، وقسم يأخذ إلى باب قنسرين وما يليه، فإنه يخرج إلى رأس سوق

العطارين العتيق ورأس المربعة وينقسم هناك قسمين؛ ثم يأخذ إلى الخشابين، وقسم إلى الدركاه فيصير إلى المطهرة الصغيرة المعروفة بتل فيروز ورأس سوق العطر. وأما قسم باب قنسرين فينقسم إلى الزجاجين فيصير إلى رأس درب أسد الدين الآخذ شمالي الأساكفة والبز وهناك قسطل. ثم يصير إلى حضرة مسجد المنحني ثم إلى درب البيمارستان. وهناك يفيض منه ثلاث أنابيب ليلا ونهارا. وأما طريق باب قنسرين فيصير إلى رأس ابن أبي الأسود، وهناك قسطل. ثم يصير إلى حضرة المسجد المعروف بابن الإسكافي وهناك قسطل. ثم يصير إلى الرحبة التي عند المسجد المحصب وهناك قسطل. ثم ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يأخذ إلى الطيرة قدام المسجد المعروف بالرئيس صفي الدين طارو في رأس درب المسالخ وهناك قسطل، وهو آخر هذا الطريق، وقسم يأخذ إلى باب قنسرين، وقسم يأخذ إلى الجرن الأصغر عند المسجد وهناك قسطل. فأما القسم الذي يأخذ إلى باب قنسرين، فيصير إلى قسطل يفيض منه الماء ثلاث أنابيب، ثم يخرج منه إلى ظاهر البلد تحت برج الغنم، ثم يدخل إلى درب البنات وهناك قسطل، وهذا آخر هذا الطريق. وبالجملة فقد كثرت المياه واتّخذت البرك في الدور. ووصل الماء إلى مواضع من البلد لم يسمع بوصوله إليها قبل، حتى شرب من القناة الحاضر السليماني. اه. قال ابن الخطيب، بعد أن لخص معظم ما ذكرناه: إن الملك الظاهر وقف للقناة أوقافا لعمارتها وإصلاحها، لكن هذا الوقف اليوم لا نعرفه، وسيق الماء منها في زمن ابن الخطيب إلى قرب الجمالية خارج باب المقام. ثم انقطع بعد فتنة تيمور أو قبلها بقليل، قلت: وفي حدود سنة 1286 قلّ ماء القناة أيضا وتسلط عليها أصحاب البساتين في ناحية بعاذين وبابلي، وصاروا يأخذون منها فوق استحقاقهم، وبقي أهل حلب يتناولون ماءها بالنوبة أسبوعا للقبليين وآخر للغربيين. ومع هذا فإن الماء كان قليلا جدا بحيث كان لا يصل إلى غالب المحلات القبلية إلا بمشقة عظيمة. فاهتم المرحوم ناشد باشا والي حلب إذ ذاك بشأن القناة وأمر بجمع المال من مستحقي القناة، فاجتمع له مبلغ عظيم، فعيّن نظّارا أو عين لكل واحد منهم فعلة

الاستحقاقات المسجلة في سجلات المحكمة الشرعية

وقسما من القناة. فشرعوا بتصليحها من حيلان إلى حلب. وفي برهة نحو ثلاثة أشهر تم عملها وسد خللها ورفع ما كان فيها من الوحول والأحجار. ثم أخرج الوالي مقدّرين للبساتين التي تشرب منها لكي ينظروا في مقدار ما يكفيها من الماء، فقدروا لكل بستان كفايته منها وحصروه بأنبوب من الحديد مرصوف بأسفل القناة. ثم عين قواما يحرسونها دائما من تطاول البساتنة وتهدم شيء منها. فغزر ماؤها وملأ الحياض والسبلان القديمة والحديثة، ووصل إلى محلة الفردوس خارج باب المقام. ثم بعد أن عزل الوالي المشار إليه عن حلب، أخذ ماؤها بالنقص حتى صار يصعب وصوله إلى محلة الفردوس. وتغلب على مائها كثير من أصحاب البساتين، ممن ليس له فيه حق، وقد اعتادت دائرة البلدية أن تجمع في شهر نيسان غالبا من مستحقي ماء القناة مالا تسميه مال القناة، تصرفه على تنظيفها وترميم ما خرب من جدرانها، وفي مدة تصليحها يصرف ماؤها إلى النهر وتخلو البلدة من الماء الجاري، فيستعمل أهلها الماء المدخر في الصهاريج من القناة أو المطر، والبساتين التي تشرب منها تستقي بهذه المدة من الدواليب المالحة ولا تطول مدة تصليحها أكثر من شهر غالبا. الاستحقاقات المسجلة في سجلات المحكمة الشرعية قرأت في أحد سجلات المحكمة الشرعية في حلب- بيانا فيما تستحقه الجوامع والحمامات والآبار والقساطل ومحلات حلب من ماء قناتها المذكورة. على أن العمل الآن جار على خلافه فلم أر لزوما لإثباته وإنما ألمعت به هنا ليسهل الاطلاع عليه في سجلات المحكمة على من أحب أن يراه. حرر في اليوم العاشر من شوال سنة 1133. قناة الكلّاسة والمغاير يجري إلى هاتين المحلتين قناة رأسها من نهر قويق في بستان إبراهيم آغا أمام الكتاب، فتمر هذه القناة بطابق تحت الأرض إلى أن تظهر في قناة محمولة على جدار في بستان ناصر الدين، وتختفي قليلا، ثم تظهر وتجوز جسر بستان العجمي، وهناك يسمونها بالجران، ثم لا تزال تختفي تارة وتظهر أخرى حتى تصل إلى المحلتين المذكورتين، فتوزع في شوارعهما وتنصرف إلى مصانع مستحقيها. ومنشئ هذه القناة هو (الحاج موسى الأميري) .

قناة أخرى

قناة أخرى كثيرا ما سمعت من الناس أنه كان يجري إلى حلب قناة منبعها في جبل الجوشن. ولم أر من ذكر هذا من المؤرخين لحلب، سوى أني رأيت في درّ الحبب في ترجمة (إبراهيم ابن يوسف الشهير بالحنبلي) ما ملخصه أن إبراهيم هذا كان في سنة 936 بذل مالا كثيرا في طلب زيادة ماء العين الكائنة في سفح جبل الجوشن بالقرب من مشهد محسن، حتى ازداد ماؤها واتسعت أرجاؤها وأغنت مجاوريها عن نقل الماء من النهر. واتفق لحجّار، طلبه إبراهيم المذكور يعمل بها، أنه قال: بلغني أنه من عمل بها مات سريعا، ولكني أعمل بها ولا أبالي. فعمل بها فمات سريعا إلى رحمة الله تعالى. قلت: وقد رأيت هذه العين وليس بها من الماء سوى رشح قليل، وهي في شمالي مشهد محسن، في الجبل، بينها وبينه مرمى حجر داخل مغار مهندمة أرضه بالحجارة. والذي يظهر أنها كان لها قوة الجريان فينصب ماؤها إلى حويض معدّ لها تجاه باب المشهد المذكور. وهذا الحويض باق أثره إلى الآن، وهو غير الحوض الملاصق هذا المشهد من شماليه الذي تجتمع إليه المياه من المطر. قناة من الفرات كثيرا ما نقل إلينا الشيوخ عن آبائهم أنه كان يدخل من باب قنّسرين إلى حلب قناة مأخوذة من الفرات، رأسها من بالس المعروفة الآن باسم مسكنة. وقد بحثت عن هذا فلم أظفر له بأصل، سوى أني اطلعت على حاشية لأبي اليمن البتروني ذكرها في خلاصة تاريخ ابن الشحنة قال: فيها كان يدخل إلى حلب قناة من جهة باب قنسرين، وإنه لما عمل الشيخ منتخب الدين ابن الإسكافي المصنع الذي في المسجد شمالي مسجد المحصب. رأيت هذا الطريق وقد نسيت فاستدللت بذلك على صحة ما قيل. في سنة 1341 ادعى جماعة متعددون أنهم مطلعون على قناة مدفونة قرب جبل الجوشن، ومنهم من ادعى أنه مطلع على قناة مدفونة في جهات بساتين الفستق في شرقي حلب. وتعهد كل مدع منهم بأنه يكفي حلب مؤونة الماء من القناة التي اطلع عليها إذا أعطته البلدية امتيازا بها. غير أنهم لم يثابروا على طلبهم الامتياز.

خاتمة

أقول: على فرض وجود هكذا أقنية في حلب وضواحيها، فهي مما لا يمكن تناول مائه إلا بواسطة دولاب أو مضخة لانخفاض أرضها عن أرض حلب. على أن هذه الأقنية وأمثالها من الأقنية الرومانية أو الكلدانية التي توجد في كثير من قرى حلب كالسفيرة وعسان والله أعلم. خاتمة اطلعت في السجل المدون المحفوظ في المحكمة الشرعية بحلب على صورة حجة شرعية سطرت بها مقادير استحقاقات البساتين من قناة حلب، تاريخها 17 صفر سنة 1151 فليراجعها هناك من أراد الوقوف عليها. فصل نذكر فيه طرفا مما مدحت به حلب فما جاء بفضلها: ما نقل عن ابن شداد أنها مهاجر إبراهيم عليه السلام. وقد أقام بها مدة طويلة بعد هجرته من حرّان، ثم بيت المقدس، حتى قيل إنما سميت حلب بفعله، ومن ذلك أن نبينا محمدا صلّى الله عليه وسلم خيّر في الهجرة إلى قنسرين. وهي قصبتها، ففي الجامع الصغير عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «أوحي إلي: أيّ الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك: المدينة أو البحرين أو قنسرين» أخرجه الترمذي والطبري- قلت: في هذا الحديث دلالة كادت تكون صريحة على أن أهل قنسرين أو ما جاورها من الصحراء هم عرب، تحملهم جامعة الجنس واللغة على حماية النبي ونصرته، كما هو الحال والشأن في أهل المدينة الأنصار، الأوس والخزرج. ويبعد أن يكون النبي خيّر بالهجرة إلى قوم يبعدون عن مكة تلك المسافة الشاسعة، وهم غير عرب لا تجمعه وإياهم جامعة الجنس واللغة. ونقل عن ابن شداد أيضا أنه ذكر في تاريخه ما يقتضي إطلاق قنسرين على حلب نفسها. وقال ابن خطيب الناصرية: ومن ذلك حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض إلى آخر الحديث. فذكر ابن الخطيب أن وجه الاستدلال بهذا الحديث على فضل حلب كونه لا يصح إطلاق اسم المدينة في تلك الناحية إلا على

حلب، لأنها أقرب المدن إلى دابق. فصحّ أن أهل حلب من خيار أهل الأرض، ولا شك في ذلك لأن حلب هي من الأرض المقدسة التي هي خيار أهل الأرض. وعن كعب الأحبار قال: بارك الله في الشام من الفرات إلى العريش. وعن ابن شداد عن النبي صلّى الله عليه وسلم أن الرعد والبرق يهاجران إلى مهاجر إبراهيم عليه السلام، حتى لا يبقى قطرة إلا فيما بين العريش إلى الفرات. قال: وحلب واسطة عقد الشام وقلب صدوره والأعيان. وقال ابن الخطيب في الكلام على قناة حلب: كان جماعة من بني أمية اختاروا المقام بناحية حلب وآثروها على دمشق مع طيب دمشق وحسنها وكونها وطنهم، ولا يرغب الإنسان عن وطنه إلا إلى ما هو أفضل منه. فمنهم هشام بن عبد الملك انتقل إلى الرصافة وسكنها واتخذها منزلا لصحة تربتها. ومنهم عمر بن عبد العزيز أقام بخناصرة. ومنهم مسلمة بن عبد الملك سكن بالناعورة وابتنى بها قصرا بالحجر الصلد الأسود. وكان صالح بن علي بن عبد الله بن عباس قد ولي الشام جميعه فاختار أن يكون مقامه بحلب، وابتنى بظاهرها قصرا ببطياس «وهي شرقي حلب غربي النيرب وشمالها» . وولد له بها عامة أولاده. كل ذلك لما اختصت به هذه البلاد من الصحة والاعتدال والحصانة. قلت: بطياس كانت قرية على باب حلب بين النيرب وبابلي، وقد ذكرها البحتري وغيره بأشعاره. وقال أبو بكر الصنوبري يتشوق إليها وهو بالصالحية: إني طربت إلى زيتون بطياس ... بالصالحية، بين الورد والآس ثم قال ابن الخطيب: وهرقل على سعة ممالكه اختار الإقامة بأنطاكية ولما فتحت قنّسرين وسار نحو القسطنطينية التفت وقال: سلام عليك يا سوريا سلام لا اجتماع بعده. وكان سيف الدولة يفتخر بها فيقول: حلب معقلي وشاعري المتنبي. وكان سليمان بن حيدر يقول للسلطان صلاح الدين: حلب أمّ البلاد. هذا ما استدلّ به على فضل حلب وامتيازها عن غيرها. وأما ما مدحت به نظما ونثرا فهو كثير يعسر استقصاؤه، فمن ذلك ما نقل عن ابن شداد حيث قال: إن حلب أعظم البلاد جمالا، وأفخرها زينة وجلالا، مشهورة الفخار، علية البناء والمنار، ظلها ضاف، وماؤها صاف، وسعدها واف، ووردها لغليل النفوس شاف،

وأنوارها مشرقة، وأزهارها مونقة، وأشجارها مثمرة مورقة، نشرها أضوع من نشر العبير، وبهجتها أبهج منظرا من الروض في الزمن النضير، خصبة الأوراق، جامعة من أشتات الفضائل ما يعجز عنه الآفاق، لم تزل منهلا لكل وارد، وملجأ لكل قاصد، يستظل بظلها العقاب، وإليها العفاة «1» من كل حدب تنساب، لم تر العين أجمل من بهائها، ولا أطيب من هوائها، ولا أظرف من أبنائها. قلت: قد مدحها جماعة من مشاهير الأدباء والفضلاء كالبحتري والمتنبي والصنوبري وكشاجم والمعرّي والخفاجي وابن حيّوس «2» ، والوزير المغربي وابن العباس الصفري وأبي فراس، والحلوي وابن سعدان، وابن حرب الحلبي، وابن النحاس وابن أبي حصينة وابن أبي الحداد وابن العجمي والملك الناصر. فمما قاله البحتري وأجاد: أقام كلّ ملثّ الودق رجّاس ... على ديار بعلو الشام أدراس فيها لعلوة مصطاف ومرتبع ... من بانقوسا وبابلّى وبطياس منازل أنكرتنا بعد معرفة ... وأوحشت من هوانا بعد إيناس يا علو لو شئت أبدلت الصدود لنا ... وصلا ولان لصبّ قلبك القاسي هل لي سبيل إلى الظّهران من حلب ... ونشوة بين ذاك الورد والآس؟ وله أيضا: يا برق أسفر عن قويق ومل إلى ... حلب وأعلى القصر من بطياس عن منبت الورد المعصفر صبغة ... في كل ضاحية ومجنى الآس أرض إذا استوحشت ثم أتيتها ... حشدت عليّ وكثّرت أنفاسي ولأبي العباس الصفري أحد شعراء سيف الدولة بن حمدان في بعاذين قوله: يا لأيامنا بمرج بعاذين ... وقد أضحك الرّبى نواره وحكى الوشي بل أبّر على ... الوشي بها منثوره وبهاره

وكأن الشقيق، والريح تنفي الظ ... لّ عنه «1» جمر يطير شراره أذكرتني عناق من بان عني ... شخصه، باعتناقها، أشجاره وفي بابلّا يقول الوزير أبو القاسم المغربي: حنّ قلبي إلى معالم بابلّا ... حنين المولّه المشغوف مطلب اللهو والهوى وكناس ... الخرّد الغيد والظباء الهيف حيث شطّا قويق مسرح طرفي، ... وسواقيه مؤنسي وأليفي ليس من يكثر الحنين إلى الأوطان ... إن شتّت «2» النوى، بظريف ذاك من شيمة الكرام ومن عهد ... الوفاء المحبّب الموصوف وللمتنبي من قصيدة يشكر بها سيف الدولة وكتبها إليه من الكوفة: كلما رحّبت بنا الروض قلنا ... حلب قصدنا وأنت السبيل فيك مرعى جيادنا والمطايا ... وإليها وجيفنا والذّميل «3» ولأبي بكر أحمد الصنوبري من قصيدة مطلعها: احبسا العيس احبساها ... وسلا الدار سلاها اسألا أين ظباء الدا ... ر أم أين مهاها سدت يا شهباء كلّ المدن ... مقدارا وجاها فإذا ما كانت المدن ... رخاخا كنت شاها «4» وهذه القصيدة طويلة جدا يذكر فيها جميع منتزهات حلب في تلك الأيام، وقد ذكرتها على طولها في ترجمة المذكور فراجعها. وقال كشاجم من قصيدة: وما منعت جارها بلدة ... كما منعت حلب جارها

هي الخلد تجمع ما تشتهي ... فزرها فطوبى لمن زارها وللهو فيها، شهور الربيع، ... أريج يعطّر أزهارها إذا ما استمدّ قويق السماء ... بها فأمدّته أمطارها وأقبل ينظم أنجادها ... بفيض المياه وأغوارها وأرضع جنّاتها درّة ... ينسّي الأوائل تذكارها وقال عبد الله أبو محمد بن محمد بن سنان الخفاجي الحلبي وهو بديار بكر: سقى الهضبة الأدماء من ركن جوشن ... سحاب يروّي نوره وينير وحلّ عقود المزن في حجراته ... نسيم بأدواء القلوب خبير فما ذكرته النفس إلا تبادرت ... مدامع لا يخفى لهن ضمير وقال أبو النصر محمد بن محمد الخضري الحلبي «1» : يا حلبا حيّيت من مصر ... وجاد مغناك حيا «2» القطر أصبحت في جلّق حرّان من ... وجد إلى مربعك النضر والعين من شوق إلى العين ... والفيض غدت فائضة تجري ما بردى عندي ولا دجلة ... ولا مجاري النيل من مصر أحسن مرأى من قويق إذا ... أقبل في المد وفي الجزر يا لهفتا منه على نغبة ... تبلّ مني غلّة الصدر ومنها: كم فيك من يوم ومن ليلة ... مرّا لنا من غرر الدهر ما بين بطياس وحيلان والمي ... دان والجوشن والجسر وروض ذاك الجوهريّ الذي ... أرواحه أذكي من العطر وزهره الأحمر من ناظر ... الياقوت، والأصفر كالتبر والنور في أجياد أغصانه ... منتظم أبهى من الدرّ

منازل لا زال خلف الحيا ... على رباها دائم الدرّ تالله لا زلت لها ذاكرا ... ما عشت في سرّي وفي جهري وكيف ينساها فتى صيغ من ... تربتها الطيبة النشر وكلّ يوم مرّ في غيرها ... فغير محسوب من العمر إن حلّ قلبي إليها فلا ... غرو حنين الطير للوكر يا ليت شعري هل أراها وهل ... يسمح بالقرب لها دهري وقال أبو العلاء المعري: يا شاكي النوب انهض طالبا حلبا ... نهوض مضنى لحسم الداء ملتمس واخلع حذاك إذا حاذيتها ورعا ... كفعل موسى كليم الله في القدس وقال عبد الله بن عباس الصفري متشوقا وهو بدمشق: من مبلغ حلب السلام مضاعفا ... من مغرم في ذاك أعظم حاجه أضحى مقيما في دمشق يرى بها ... عذب الشراب من الأسى كأجاجه وقال أبو فراس الحمداني: وأبيت مرتهن الفؤاد بمنبج م ... السوداء، لا بالرقّة البيضاء الشام، لا بلد الجزيرة، لذّتي ... وقويق، لا ماء الفرت، مناثي وقال الشيخ سعد الدين محمد ابن الشيخ محيي الدين بن العربي: حلب تفوق بمائها وهوائها ... وبنائها والزّهر من أبنائها ظلّت نجوم النصر من أبراجها ... فبروجها تحكي بروج سمائها والسّور، باطنه ففيه رحمة ... وعذاب ظاهره على أعدائها بلد يظلّ بها الغريب كأنه ... في أهله فاسمع جميل ثنائها وقال شمس الدين محمد بن العفيف من قصيدة: أقول والبارق العلويّ مبتسم ... والريح مقبلة والغيث ينسكب إذا سقى حلب من مزن غادية ... أرضا فخصّت بأوفى قطره حلب

أرض متى قلت من سكّان أربعها؟ ... أجابك الأشرفان الجود والحسب قوم إذا زرتهم أصفوك ودّهم ... كأنما لك أمّ منهم وأب ولعيسى بن سعدان الحلبي متشوقا: يا لبرق كلما لاح على ... حلب مثّلها نصب عياني بات كالمذبوب في شاطي قويق ... ناشر الطرّة مسحوب الجران كلما مرّت به ناسمة ... موهنا جنّ على باب الجنان ليت شعري من ترى أرسله ... أنسيم البان أم رفع الدخان وقال أبو سعيد ابن العزّي من قصيدة: أيا ساكني الشهباء عندي لعهدكم ... قديم ولاء لم يشب بملال أياديكم عندي أياد عميمة ... توالت، وما شكري لها متوال أقوم بشكر أرتضيه لمثلكم ... لقد كلّفت نفسي إذا بمحال أيا راحلا يزجي الركائب ظلّعا ... رويدك من أين لها وكلال إذا حلب يممت ساحة أرضها ... فحيّ قياما بالمقام غوال وعرّج بباب الأربعين مبلّغا ... سلامي أحبابا به وموال وطارحهم عني قديم مودة ... أغار عليها أن تمرّ ببالي إذا ما ذكرت الفيض فاضت مدامع ... توالى عليها وبلها المتتالي ولم آل عن باب الجنان تسليا ... لسلسال ماء كالحياة زلال سقى المشهد الأعلى فأعلام جوشن ... بواكر داني الهيدبين سجال وروّى مقرّ الأنبياء سحائب ... يؤلّفها ريحا صبا وشمال بذلت لروض الجوهريّ جواهرا ... من الدمع هنّ اليوم غير غوال أقامت بقلبي للمقام لواعج ... لمرأى أنيق عنده وجمال يذكّرني الفردوس طيب نعيمه ... فيا حسنه لو لم يثب بزوال مغان عهدت الأنس فيهن دائما ... فما بالها ولّت كطيف خيال وقضّيت أياما بها ولياليا ... فيا طيب أيامي بها وليال وما حلب إلا مقرّ مكارم ... ومعدن أفضال وكنز معال

إذا ظفرت كفّاك منها بصاحب ... فقل في خليل حاز حسن خلال تقصّر عن شهبائنا الشهب رفعة ... فقد جمعت وصفي علا وجلال وقال ابن عبد العزيز العجمي في قصيدة يمدح بها السلطان صلاح الدين: منازلنا حيث المزار قريب ... وداعي الهوى يدعو الهوى فيجيب سقى حلبا جفني ربوعك باكرا ... من المزن مجرور الذيول سكوب ومنها: فيا جيرة الشهباء إن طال نأينا ... وحالت حزون بيننا وسهوب صفوت لكم حبا على القرب والنّوى ... فسيّان منكم مشهد ومغيب وأخلصكم مني ودادا تصادقت ... بحسن الصفا منّا عليه قلوب وكلّ الذي يأتيه من حسناته ... زماني مع «1» هذا البعاد ذنوب فخلّوا نسيم الريح من سفح جوشن ... يوافيه منه نسمة وهبوب أحملها شوقا سلامي إليكم ... فيعبق منها للجنوب جيوب فيا ليت شعري والأماني تعلّة ... أيضحي بعيد الدار وهو قريب فيسرح طرفي في ثنيّات جوشن ... بروض رعاه العزّ وهو خصيب ويكرع من صافي قويق بمزود ... هو الدهر لي دون المياه حبيب وقال الناصر يوسف بن عبد العزيز بن الظاهر الغازي: يا برق أنش «2» من الغمام سحابة ... وطفاؤها منه على بطياس وأدم على تلك الربوع وأهلها ... غيثا يروّيها مع الأنفاس وعلى ليال بالصفاء قطعتها ... مع كل غانية وظبي كناس وقال الملك الناصر: سقى حلب الشهباء في كل أزمة ... سحابة غيث نوءها ليس يقلع فتلك دياري لا العقيق ولا الغضى ... وتلك ربوعي لا زرود ولعلع

وله أيضا: لك الله إن شارفت أعلام جوشن ... ولاحت لك الشهبا وتلك المعالم فبلّغ سلامي من محبّ متيم ... ينوح اشتياقا حين تشدو الحمائم ولبعضهم من قصيدة: حيّا الحيا تربة شهباء من حلب ... بما تدرّ به الأنواء من حلب وصاب أرجاءها صوب العهاد ولا ... زال السحاب عليها خدّ منسحب ومنها: من لي بها ورداء الوصل يجمعنا ... ونحن نرفل في موشّيها القشب آها على طيب أيام لنا سلفت ... لو كان ينفع تأويه لمكتثب ما إن تذكرت أوقات السرور بها ... إلّا ورحت حليف الهم والكرب ومات طرفي بماء الدمع في غرق ... ومهجتي بزناد الشوق في لهب لأن بكيت على داري ونحت بها ... فلست أول محزون ومنتحب ولشرف الدين بن سليمان الحلبي مجاوبا لأخيه بدر الدين: أيا ساكني الشهباء جادت ربوعكم ... دموعي إذا ما الغيث ضنّ غمامه «1» لئن «2» لاح برق في حمى الحيّ موهنا ... فمن نار وجدي يستمدّ ضرامه وإن هب معتلّ النسيم على الرّبى ... فمن سقم جسمي يستعير سقامه أتاني كتاب منكم ففضضته «3» ... كما شقّ عن ثوب الرياض كمامه وقبّلته حتى محوت سطوره ... ولذّ لقلبي في البعاد التثامه فمنّي عليكم طيّب النشر عاطر ... يفضّ لديكم كلّ وقت ختامه

ولمحمد بن إسماعيل الآمدي: سقى حلبا ومن فيها سحاب ... كدمعي حين يهمي بانسجام فإنّ بها، وإن شطّت، مغاني ... أحباء على قلبي كرام سلام كلما هبّت قبول ... عليهم من محبّ ذي ذمام سلام متيّم صبّ كئيب ... معنّى مدنف حلف السقام وله: سقى الله وادي بانقوسا من الحيا ... سماء «1» يروّي تربه ويصيب وحيّا به قوما كراما أعزّة ... عليّ وذكراهم إليّ حبيب صحبتهم والشعر أسود حالك ... وغصن التصابي والشباب رطيب إذ العيش غضّ والزمان مساعد ... وقد غاب عنا حاسد ورقيب وقال تقي الدين بن حجة: غدت حلب تقول دمشق حفّت ... بأنواع من الورد الغريب فبالجوريّ إن هي كاثرتني ... قنعت أنا ببستان النصيبي وللصنوبري: وللظهر من حلب منزل ... تثاب العيون على حجّه أعد نحو جوشنه نظرة ... إلى سمته وإلى برجه إلى بانقوسا وتلك التي ... حكت راكبا لاح من فجّه لترتاض نفسك من روضه ... ويمرح طرفك في مرجه ولابن سنان الخفاجي: قل للنسيم: إذا حملت تحية ... فاهد السلام لجوشن وهضابه واسأله هل سحب الربيع رداءه ... فيها وجرّ الفضل من أهدابه وتبسمت عنه الرياض وأفصحت ... بثناء بارقه ومدح سحابه فلقد نحلت وعادني من نحوه ... شجن بخلت به على خطّابه

وقال منصور النحوي: عسى مورد من سفح جوشن نافع ... فإني إلى تلك الموارد ظمآن وما كل ظنّ ظنّه المرء كائن ... يقوم عليه للحقيقة برهان ولابن سنان الخفاجي: يا برق طالع من ثنيّة جوشن ... حلبا وحيّ كريمة من أهلها واسأله هل حمل النسيم تحية ... منها فإن هبوبها من سبلها ولقد رأيت فهل رأيت كوقفة ... للعين يشفع «1» هجرها في وصلها ولابن الوردي: عليك بصهوة الشهباء تكفي ... بجوشنها محاربة الزمان فللغرفات في طيب شميم ... يضوع شذاه من باب الجنان ولعمر اللبقي: يمّم حمى حلب تلق السرور على ... جبين أبنائها النيّر «2» البهج فعج ولج وتأمل بلدة شملت ... باب الجنان وباب النصر والفرج وليوسف الدمشقي نقيب أشراف حلب: قال لمن رام النّوى عن بلدة ... ضاق فيها ذرعه من حرج علّل القلب بسكنى حلب ... إنّ في الشهباء باب الفرج انتهى ما أوردته في مدح حلب نظما ونثرا. ولو أطلقت في ذلك عنان القلم لا تسع المجال وأفضى الحال إلى الملال. وفي هذا القدر كفاية. قال أبو ذر، سبط ابن العجمي: ولم يهج حلب إلا من نزح منها إما لقهر «3» . وكان هذا في وقت ما، ولا يضرها هذا في كثرة ما مدحت به كما قال ابن الوردي:

ذكر قصيدة الفراسة

بالجهل والجاه لا بالعلم والأدب ... تنال ما شئت ممن شئت في حلب وأجازه ابنه فقال: ولا تقل شاع بين الناس حسن ثنا ... عن أهلها فلكم قد شاع من كذب أقول: لم نسمع لابن الوردي في مذّمة حلب غير هذا البيت. وأما في مدائحها فله فيها أشعار مشهورة ومقالات في كتبه مدونة مسطورة لم نورد منها هنا شيئا استغناء بشهرتها. وقال من قصيدة الفراسة: وحلب خزانة الذكاء ... وموطن العفّة والحياء طالعها للغرباء سعد ... وهي لمن فيها شقا وكدّ لكنها تعطي دقيق العلم ... لأهلها من بعد لطف الفهم لكنها نتيجة التلاحي ... وموطن المراء والكفاح والعصبيات لديهم وافره ... وعلقة الحذق عليهم ظاهره ذكر قصيدة الفراسة هذه أرجوزة تعد 238 بيتا. وقد تضمنت ذكر فضائل الأجناس وما خص كل جنس من جميل الطبع وقبيح الخلق، وأثر كل بلدة «1» بأهله على سبيل الاختصار، وهي من النوادر العزيزة الوجود بحيث لم أطلع عليها في غير مسودة تاريخ كنوز الذهب. وكان المرحوم الأستاذ الشيخ طاهر الجزائري رآها عندي في إحدى زياراته منزلي وطلب مني أن أسمح له بنقلها فاعتذرت له ولم أجبه على طلبه حرصا عليها. وأخبرني أنه لم يرها مدة حياته سوى مرتين هذه المرة إحداهما، مع كثرة اطلاعه وولعه بالبحث والتنقيب عن الكتب المخطوطة النادرة. والذي ظهر لي أن قلة وجودها ناشئ عما تشتمل عليه بعض فصولها من بيان عيوب الأمم والبلدان وذكر مساويهما. وهذا هو السبب الذي منعني عن تحريرها في هذه المقدمة. وإن كانت مما له علاقة قوية بالتاريخ. والغالب على الظن- استدلالا

فصل ملحق بما مدحت به حلب

من أسلوبها واستنباطا من تسميتها البلدان والأقاليم وأجناس الناس بأسمائها المذكورة فيها- أنها مما نظم في القرن الرابع أو الخامس. وإليك عناوين فصولها التي تكلم في كل فصل منها عن محاسن ومساوي أمة أو بلدة. وهي بعد خطبتها: (ذكر العرب) (ذكر الفرس) (ذكر أجناس الترك) (ذكر الديلم) (ذكر الأكراد) (ذكر الروم) (ذكر الأرمن) (ذكر الفرنج) (ذكر اللان) (ذكر الهند) (ذكر السند) (ذكر البربر) (ذكر الزرنج) (ذكر أجناس السودان) (ذكر صقع سرنديب) (ذكر خراسان) (ذكر نيسابور) (ذكر أصفهان) (ذكر الري) (ذكر مرو) (ذكر طوس) (ذكر هراة) (ذكر همذان) (ذكر الأهواز) (ذكر مازندران) (ذكر البصرة) (ذكر الكوفة) (ذكر بغداد) (ذكر بابل) (ذكر الموصل) (ذكر الجزيرة) (ذكر نصيبين) (ذكر سنجار) (ذكر حرّان) (ذكر الرّها وماردين وآمد) (ذكر الرافقة) (ذكر الشام) (ذكر منبج) (ذكر حلب) (ذكر حماة) (ذكر شيزر والمعرة) (ذكر حمص) (ذكر دمشق) (ذكر فلسطين) (ذكر مصر) (ذكر المغرب) (ذكر الحجاز) (ذكر اليمن) . فصل ملحق بما مدحت به حلب لا يخفى أن البلد إنما يفوق غيره ويفضل عليه بجودة هوائه ومائه، وجمال بنائه وأبنائه، وطيب تربته وحسن بضائعه ورخص أسعاره، وسعة تجارته وعظمه وشرف موقعه وكثرة منتزهاته ومبانيه العلمية والخيرية. فأما جودة هواء حلب وصحة مناخها فذلك أمر مستفيض اعترف به الأغراب، وأخبر عنه السواح «1» . وفضّلها كثير منهم على هواء أكثر مشاهير البلاد العثمانية. وناهيك دليلا على ذلك نضارة وجوه أهلها، واعتدال أجسامهم ولطف ألوانهم وقلة العاهات والأمراض فيهم، مع تهاونهم بحفظ صحتهم. فلو عددت من فيهم من العمي والصمّ والحدبان والعرج والمقعدين والمجانين والمعتوهين والمصروعين، وغيرهم من ذوي الآفات والزمانات لما زادوا جميعا على واحد في الألف. ومن محاسن حلب أن فتك الأمراض الوبائية فيها أقل منه في

غيرها. والظاهر أن العدوى من حيث هي ضعيفة النكاية في حلب، فقد شاهدنا فيها كثيرا من الناس الذين يلامسون المصابين بأمراض تنتقل بالعدوى ويأكلون ويشربون من آنيتهم ولا يصابون بمرضهم. وأما ماؤها المركّز في صهاريجها فهو من أعذب المياه وأصفاها وألطفها. ونقل ابن الشحنة عن بعض العلماء أنه فضّل ماء صهاريجها المملوء من قناتها على ماء النيل والفرات. وفي ماء حلب يقول أبو فراس: لقد طفت في الآفاق شرقا ومغربا ... وقلّبت طرفي فيهما متقلبا فلم أر كالشهباء في الأرض منزلا ... ولا كقويق في المشارب مشربا ومن فضل صهاريج حلب أن الغني والفقير في مائها على السواء. وذلك أن الفقير يمكنه أن يشرب في أوقات القيظ كل شربة، ماء عذبا باردا نقيا يتناوله من صهريج بيته أو صهريج محلته المباح للعموم، بخلاف بقية البلاد الكبيرة فإن فقيرها لا يمكنه أن يشرب في إبّان القيظ كل مرة من الماء المذكور، لأنه يحتاج إلى ثمنه أو ثمن الثلج الذي لا يخلو شربه عن الضرر أيضا أو التحليل على تبريده بغير واسطة. وأما بناؤها فقد جمع بين حسن الظاهر والباطن، فترى الجدار من جهتيه كأنه سبيكة فضة، والقادم على حلب يشاهد صعيدها كأنه مليء بقصور من فضة مموهة بالذهب، وهذا مع إتقانه ومتانته وقلة كلفته. فأما إتقانه فإن كل دار في حلب تصلح أن تكون حصنا في غيرها. وأما قلة كلفته فحسبك أن من يملك نحو ثلاثمائة ذهب تركي، يمكنه أن يعمّر بها دارا كاملة المنافع والمرافق يسكنها ذو أسرة يبلغ عددها سبعة أشخاص. ويتمتع بها هو وأعقابه من بعده مئات من السنين. وكثيرا ما يوجد عندنا دور مضى عليها خمسمائة سنة وهي عامرة آهلة، ربما بقيت خمسمائة سنة أخرى. والحكمة في إتقان بناء حلب هي لزوجة ترابها المعدّ للبناء وقوة كلسها ومهارة بنائيها وجودة حجارتها. فإنه يوجد في مقاطعها من الحجر الصلد الصلب الذي لا تكاد تعمل فيه المعاول، إلى الحجارة التي يمكن حتّها ونحتها بأدنى كلفة. فما بين هذين النوعين زهاء عشرة أنواع، لكل نوع منها لون ومحل من البناء، كالنحيت المائل للصلابة، والنحيت الهشّ، ولونهما أبيض، واللبن والرخام الأبيض والأصفر والأسود والسماقي والمرمري

وحجر القوف الذي تعمل منه الأرحاء، ولكل نوع منها مقطع خاص به في ضاحية حلب. والغالب أن تكون الدار المعتبرة عند أكثر قدماء الحلبيين رحبة يسمونها صحنا مفروشة بالرخام الملون، مساحتها عشرون ذراعا في مثلها أو أكثر. في جهتها الجنوبية المتجهة للشمال إيوان، في كل من جانبيه وصدره بيت يعرف بالقبة. وقد يكون فوقه غرفة تعرف بالمربع. وتحته قبو يعرف بالمغارة يهبط إليها بدركات. وتجاه الإيوان حوض يجري إليه الماء من القناة أو من حاصل يملأ من بئر الدار. ووراء الحوض دكة يسمونها مصطبة. وراءها أو في كل من جانبيها حديقة فيها أشجار من الفصيلة العالية الدائمة النضارة والاخضرار، وفوق هذه الدكة عريش جميل الصناعة، عرش عليه الياسمين أو ما هو من فصيلته، وفي كل جهة من بقية جهات الصحن بيوت قائمة على مغاير معدة لحفظ المؤونات. أما الدور العظيمة القديمة، فالغالب أن تكون جهتها الموجهة إلى الجنوب خالية من الغرف والخلوات، كأنهم كانوا يتحاشون من البناء في هذه الجهة فرارا من حرها في فصل الصيف لأن الشمس تتسلط عليها أكثر من تسلطها على غيرها من بقية الجهات. ثم إن الدار العظيمة قد يكون فوق كل مسكن منها غرفة عالية تعرف بالمربع، سوى البيت القائم في الجهة الغربية الموجهة شرقا، فالغالب خلوّ سطحه عن الغرفة دفعا لمعارضة الهواء الغربي. وفي الدور العظام القديمة قد تكون الجهة الموجهة جنوبا معمورة بقاعة ذات أواوين وغرف فسيحة الرحاب عالية القباب واسعة العتبة، فيها حويض يعرف بالفسقيّة «1» . وقد يكون في مثل هذه الدار حمام مختص بسكانها، والبعض من هذه الدور يكون فوق إحدى جهاتها عدة غرف. تجاهها مصيف سماوي أو مسقوف يعرف ذلك بالديوانخانة. وفيها ما يكون فيه بيت سقفه قبة مستطيلة معقودة بالقرميد أو الحجر، فيها نحو مائة نافذة صغيرة مسدودة بطاسات من الزجاج الكثيف الملون، يعرف هذا البيت بالثكنة وفيها ما له دار صغيرة تعرف بدار المطبخ معدة للطبخ وسكنى الطباخ والخدم. وهذه الدار كلها يقال لها الحرم. ويتصل بها غالبا دار دونها في العظم وعدد المساكن لها مدخل مختص بها، يقال لها القناق أو الأوطة، معدّة لنزل المسافرين ومجالسة الأحباب وأصحاب المصالح، فترى الرجل عندنا ممتّعا من داره بجنّة دائمة يتنقل فيها في كل فصل إلى ما يلائمه من المساكن. والمرأة المحتجبة تنال

النزهة والنشاط، وهي في دارها الحصينة التي لا تصل إليها عين أجنبي منتفعة منها بأرضها وأسطحتها التي تستعملها حين الحاجة لنشر الحبوب والثياب المغسولة. وأحسن جهات الدار عندنا هي الجهة الشمالية المفتوحة نوافذها إلى جهة الجنوب، فإن مساكن هذه الجهة تامة المنفعة، تستعمل في جميع فصول السنة، بخلاف الجهة الجنوبية المفتوحة نوافذها للشمال، فإنها غالبا لا تستعمل إلا في فصل الصيف. على أننا لا ننكر محاسن الدور التي تعمر الآن عندنا في ظاهر المدينة على النسق الجديد، إذ تكون كل دار منها قصرا مستقلا ذا طبقات ليس لها سماوي سوى ربض «1» صغير يعرف بالجنينة. يحيط به حائط قصير أو مشبّك من الحديد، كل قصر منها مشرف على جادة عريضة طويلة مستقيمة، قد روعي في بناء كل قصر منها مشاكلة القصر الذي يليه من جهة هندسته ونقوش حجارته، حتى كأن جميع هذه القصور مفرغة في قالب واحد. والمحلات التي بيوتها على هذا النسق، هي مخلة العزيزية ومحلة الجميلية، ومحلة التلل وغيرها من المحلات التي كلها خارج سور البلدة من شماليها وغربيها. اعتاد الحلبيون قديما أن يجعلوا البيت من الدار مستطيلا يبلغ طوله إلى بضعة عشر ذراعا. وعرضه إلى بضعة أذرع. وبقدر عرضه يكون ارتفاع سقفه. وفي جداره الذي يلي صحن الدار عدة نوافذ تعرف بالشبابيك، فوق كل شباك منها نافذة أصغر منه تعرف بالطاقة. ومن محاسن مباني حلب خاناتها الشهيرة الكثيرة التي ترى كل خان منها يضاهي محلة كبيرة بسعته، وعدد مخادعه ومرافقه ومسجده وحوضه. وهو بحصانته ومنعته يضاهي حصنا منيعا. وكل مخدع من علوه وسفله كأنه دار مستقلة قد اشتمل داخله على مخازن معدة لاحتكار البضائع، وخارجه على حجر معدة لوضع نموذج البضائع وجلوس التّاجر وكتابته ونومه وسكنى خادمه وطبخه واستقبال زبونه وأحبابه. فهو فيه على غاية الراحة والأمن والاطمئنان على ماله ونفسه ودوابه. ومن محاسن حلب أزقتها وشوارعها فهي وإن لم تكن كلها عريضة مستوية إلا أن جميعها مفروش بالبلاط فرشا مسطحا لطيفا. فتراها في كل فصل من فصول السنة نظيفة بيضاء لا ينغض المارة فيها غبار الصيف ولا وحل الشتاء. على أنها منذ سنة 1300 بدأ

فيها افتتاح جوادّ «1» عظيمة، حتى انفردت الآن بجادّة الخندق التي رأسها من باب حديد بانقوسا وآخرها محطة الشام، وهي جادة مستقيمة تبلغ مسافتها أربعة أميال، قد ازدحم طرفاها بالمباني العظيمة كالدور والفنادق والقهاوي والحوانيت والخانات والمنتزهات مما لا يضاهيها في عمرانها وحسن مناظرها جادة غيرها في بقية الممالك العثمانية. ومن محاسنها أيضا كثرة أسواقها وإتقان عمارتها وحسن ترتيبها فترى سوقها الكبير المشتمل على زهاء خمسة عشر ألف دكان قد سقف معظمه بالأقبية الحجرية التي لكل مسافة بضعة أذرع منها نافذة للنور والهواء، فهو بارد في الصيف دافىء في الشتاء، ليس للشمس والمطر والعواصف إليه من سبيل، قد اشتمل هذا السوق العظيم على ثنايا ومنعطفات كل ثنية ومنعطف منها تباع فيه بضاعة معلومة. فترى لباعة الجوخ مثلا سوقا، ولباعة الحرير سوقا، ولباعة مال القبان سوقا، ولباعة مال الشام سوقا ولباعة مال استانبول سوقا، وهكذا بقية البضائع المأكولة كاللّحم، والخضر، والبقول، لكل نوع منها سوق أو خان يخصه. يوجد في مدينة حلب عدد عظيم من الشوارع والأسواق الضيقة التي تغص بأدنى ازدحام. وسبب ذلك ضيق البلد داخل السور عن سكانه في الأيام القديمة. إذ لا يسعهم أن يعمروا خارج السور لاستيلاء الخوف والجزع عليهم إلا أنه مع هذا كان يوجد عدد عظيم من الساحات والفسحات في أكثر أنحاء البلدة وأرجائها، فالظاهر أنهم كانوا يتركونها عمدا لتكون لهم ملجأ ومعتصما إذا دهمهم حادث أرضي أو سماوي كالزلزال والحريق، أو كانوا يتخذونها معتركا في ثوراتهم، أو يجتمعون فيها لسماع أوامر الحكومة وتنبيهاتها، أو ليباع فيها بضاعة معلومة، كالملح، والحطب، أو ليقام فيها أسواق يومية، كسوق يوم الجمعة، وسوق يوم الأحد أو لغير ذلك من الأغراض والشؤون. والله أعلم بحقيقة الحال. وأما تربتها فحسبك في مدحها ما سبق لنا بيانه في الكلام عليها فلا نعيده هنا. ولمهارة البساتنة عندنا ترى في البستان الواحد عدة طوائف من الغروس والنباتات، لكل طائفة منها محل خاص به. فترى أطراف البستان محفوفة بالأشجار التي يعظم حجمها، كالجوز

والتوت والدلب والصفصاف. والغرض من ذلك كسر سورة الهواء وتنقيته وجذب ما ينبث فيه من الغبار وقاية لبقية الطوائف. ثم ترى أمام هذا السياج صفا من فصيلة الورد، ثم تراه مقسما لعدة حقول، في كل حقل منها نوع من الشجر والنبات، قد رتب على نسق جميل لا يمنع غراسه الشمس والهواء عن غراس بقية الحقول مفروشة أرض الحقل الشجري منها بالبنفسج، إذا بقيت فيه عامة نهارك لا تراك الشمس ولا تصدك كثرة الريح ولا تضرك قلته. ومن خصائص تربة حلب العنب والتين والبطيخ بنوعيه. وسنتكلم على هذه الأنواع في الفصل الذي تكلمنا فيه على نباتات حلب. وبالحقيقة أن جميع فواكه حلب وبقولها وخضرها في منتهى طبقات الجودة سوى قليل منها. وأما جمال أبنائها فكثيرا ما سمعت من بعض أولي الأنظار النقادة من السّواح «1» والأغراب وسكان القسطنطينية أن جمال حلب أكثر من جمال الروم المشهورة بالجمال. وقال الدكتور فنديك في كتابه المرآة الوضية في الكرة الأرضية: إن أهل حلب أجمل من جميع سكان البلاد العربية. وترى النساء مع هذه المحاسن البديعة على غاية من العفة والأدب والصيانة والطاعة لأزواجهن، والرضاء باليسير والقناعة بمعايشهن والقيام بخدمة أزواجهن وأولادهن ومنزلهن. ولذلك ربما مضى الشهر ولم يرفع للمحكمة الشرعية دعوى بالطلاق، ومع قلته فإنه لا يصدر إلا من رعاع الناس وغوغائهم. وأما مكارم أخلاق رجالها فحسبك دليلا عليها ما اشتهر عنهم من الميل إلى الغريب والولع بأولي الفضائل. ومن مزاياهم الحسنة تودّد أهل الملل الثلاث إلى بعضهم، وتبادلهم الصداقة والمحبة وحسن التعامل والمعاشرة مع التزام الحشمة والأدب، وتناصرهم في الغربة ومزيد ألفتهم وحنينهم إلى بعضهم، غير ناظرين إلى اختلاف مللهم ومذاهبهم، وهم في إنفاق المال على أهلهم في حالة متوسطة بين الإسراف والتقتير بحكم آية وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ . أما إنفاقهم في الولائم والصدقات فلربما اصطنع أحدهم وليمة دعا إليها عشرة أشخاص مثلا لكنه هيأ من الطعام ما يقوم بكفاية مائة شخص. وهم أهل تدبير في معائشهم يحتكر الرجل منهم مؤونة عامه في بيته. فيرفع كل نوع منها في وقته المعين، فلا يبقى محتاجا إلا إلى اللحم الغريض «2» والخضرة والفاكهة الغضّة.

وأما دينهم ومروءتهم فيكفيك بالاستدلال عليهما أن حلب مهما كثرت فيها أسباب الفساد أخيرا، فهي بذلك لم تزل دون بقية البلاد التي تضاهيها بالسعة والثروة. وأهل حلب لأولياء الأمور من أطوع خلق الله تعالى وألينهم عريكة وأقلهم معارضة. حتى قال دارفيو في تذكرته السابق ذكرها: لا يبعد عندي أن تكون هذه المدينة سميت بحلب أخذا من ملاءمة أخلاق أهلها. فكأن شمائلهم الحلب الذي يساغ في الخلق بأدنى كلفة. قلت: ومن حسن شمائل أهل حلب إقبالهم على أعمالهم وقناعتهم بالارتزاق من تجارتهم وقلة تهافتهم على وظائف الحكومة. والغالب عليهم حسن الخلق وسلامة الصدر من المكر والخديعة وصفاء الألوان وجودة الأفكار ودقة الأنظار، واستعمال الروية وترك العجلة والتهور فيما يبهم أمره وتجهل عاقبته عليهم. وأما رخص أسعار بضائعها من المأكولات وغيرها قبل الحرب العامة فيغنينا عن إطالة الكلام فيه إيراد نموذج يعرف منه أيضا سعر ما لم نذكره من بقية بضائعها فنقول: إذا كانت السنة متوسطة أي كانت حالتها دون الخصب وفوق الجدب بيع فيها الشنبل من أعلى أنواع القمح بخمسة وسبعين قرشا. ومن الشعير كذلك بأربعين. ومن العدس بخمسة وستين. وبيع القنطار من الفحم الجيد بمائة وخمسة وعشرين قرشا، ومن الحطب السنديان بسبعين، وبيع الرطل من لحم الضأن المسمّن الجيد الخالص من العظم بخمسة عشر قرشا، ومن زيت الزيتون العذب الصافي والعسل المصفى الأبيض والصابون الحلبي الجيد باثني عشر قرشا. ومن السمن الحديدي الذي لا نظير له في غير حلب بخمسة وثلاثين قرشا، ومن الدبس العينتابي الجيد بثمانية قروش، ومن أعلى أنواع العنب بثلاثة قروش، ومن البطيخ والخيار والمشمش والفاولة والتوت والجانرك والرمان والتفاح والقرع السلاحي والبصل والعجور والبرقوق والإجّاص والخوخ والدرّاقن والسفرجل بقرش ونصف القرش. وأما منسوجاتها فإن الرجل الفقير كان قبل الحرب العامة يمكنه أن يعمل منها في السنة أربعة أثواب من نسيج حلب، بطانتها من البزّ الفرنجي يصرف عليها ثمانين قرشا تكفيه عامة عامه. أما أجور البيوت والمنازل في حلب فقد كانت في حلب رخيصة جدا لأن الدار المشتملة على أربعة مساكن مع بقية المرافق والمنافع تؤجر عن سنة كاملة في متوسط

الأوزان والمقاييس والكيول المستعملة في حلب

محلات حلب بألف ومائتي قرش. ومثل هذه الدار في بعض محلاتها المتطرفة ربما كانت لا تزيد أجرتها في السنة على خمسمائة قرش. هذا كله كان قبل حدوث الحرب العامة بقليل، حينما كان الذهب العثماني يعتبر بمائة وسبعة وعشرين قرشا. أما الآن فإن أسعار البضائع المذكورة قد تضاعفت، أي صارت مثلين إذا اعتبرنا الذهب المذكور بمائة وسبعة وعشرين، وإلى أربعة أمثال إذا اعتبرناه بمائتين وثمانين قرشا كما هو معتبر الآن. على أن بعض البضائع ينقص عن هذا المعدل قليلا، وبعضها يزيد قليلا سوى أجور المنازل والحوانيت فإنها تزيد زيادة منكرة لم يسبق لها نظير فإن الدار التي كانت أجرتها السنوية اثني عشر ذهبا عثمانيا تبلغ أجرتها الآن ستين أو سبعين ذهبا. وسبب ذلك كثرة وجود المهاجرين الأرمن وغيرهم المقدّر عددهم بستين ألف نسمة. أما عظمة حلب واتساعها فحسبنا ما قاله في ذلك باترك روسل: إن مدينة حلب تستحق أن تعد في المملكة العثمانية بعد استانبول ومصر بعظمتهما وإن كانت فوقهما بإتقان البناء والنظافة وحسن المنظر. وأما منتزهاتها فحسبنا منها ما ذكره الصنوبري في قصيدته التي أثبتناها في ترجمته. وزد عليها الآن جادة الجسر الجديد وغيره. وأما مبانيها العلمية والخيرية فهي مما لا يضاهيها بذلك مدينة لأنه يوجد فيها من هذه المباني في محلة واحدة ما لا يوجد في غيرها من المدن التي تعد في السعة من مرتبتها. وسيرد عليك في باب الآثار ما تعلم منه صحة قولنا، فقد عددنا في محلة الجلوم فقط نيّفا وثلاثين أثرا، ما بين مسجد وجامع ومدرسة وبيمارستان وتكيّة ومكتب وسبيل ماء. الأوزان والمقاييس والكيول المستعملة في حلب الرطل الذي كان مستعملا في حلب منذ خمسمائة سنة أو أكثر يزن (720) درهما ويقسم إلى (12) وقية، كل وقية (60) درهما، كل درهم (16) قيراطا، كل قيراط (4) قمحات. وكان ولم يزل يسمى كل مائة رطل قنطارا. ثم لمّا استولى المرحوم إبراهيم باشا المصري على حلب، ألزم أهلها بأن يستعملوا الحقّة التي تزن أربعمائة درهم، وهي المعروفة في زماننا بالأقّة العتيقة. ونحن نصطلح تسميتها بالحقّة، لكن دراهمها كانت تنقص عن دراهم الرطل الحلبي القديم أربعة في المائة. وبعد انجلاء إبراهيم باشا عن هذه البلاد،

عاد الحلبيون لاستعمال الرطل القديم. حتى حضر إلى حلب من قبل الدولة العثمانية رجل عرف بوقته بالمبايعجي لشراء النقود الذهبية والفضية وتعديل الأوزان، فزاد الرطل الحلبي درهمين في كل مائة درهم منه. وبقي اعتباره سبعمائة وعشرين درهما. وفي سنة 1264 تقريبا أمر الوالي أن يرجع الناس إلى استعمال الحقّة لتتساوى أوزانهم مع أوزان استانبول. ثم أشار عليه بعض خلصائه أن يرخص للناس باستعمال الرطل لكنه يزيد فيه ثمانين درهما. فيساوي نصفه حقّة فعمل بما أشار به إليه وجعل الرطل ثمانمائة درهم. وقسمه إلى 12 وقية كل وقية 66 درهما وثلثا الدرهم. واستمر الحال على هذا المنوال إلى حدود سنة 1277 وفيها تصاعدت أسعار النقود في حلب حتى بلغ الذهب العثماني مائة وأربعة وثلاثين قرشا وثلث القرش، والمجيدي ستة وعشرين قرشا وثلاثة أرباع القرش. وعلى هذه النسبة ارتفعت أسعار بقية النقود فأضرت هذه الحالة بالتجارة والصناعة والأجورات، واجتمع التجار وطلبوا من الوالي إرجاع النقود إلى ما كانت عليه وكان سعر الذهب العثماني قبلا مائة قرش، والمجيدي عشرين قرشا. فامتنع الوالي من إجابتهم زاعما أن رجوع أسعار النقود إلى أصلها مع بقاء أسعار البضائع على حالتها الراهنة مما يوجب ضرر الفقراء، قائلا: إن الرأي عندي إذا كان ولا بد من إرجاع النقود إلى أصلها أن يزاد في الأوزان حتى يكسب الفقير من البضائع قدر ما يخسره من النقود. ثم أمر أن يزاد في الرطل مائتا درهم حتى يكون ألف درهم من دراهم أوزان المبايعجي المذكورة آنفا، وأن يقسم هذا الرطل إلى عشرة «1» أواق، كل أوقية مائة درهم من الدراهم المذكورة. غير أن الحداد الذي عدل هذا الرطل لم يكن ماهرا. ولذا ظهر الخلل في الأوزان مع بعضها وفي القبان بالنسبة إليها. ودام ذلك إلى زمن تنظيم حالة الولاية في أيام المرحوم جودت باشا. حيث أسس المجلس البلدي الذي يعد تصليح الأوزان من أجل وظائفه. فعيّن حدادا ماهرا وأمره أن يعدل الأوزان على الدراهم التي يزان بها الذهب والحرير وهي تزيد على دراهم المبايعجي درهمين في المائة تقريبا. وعليه بلغ الرطل ألفا وسبعة عشر درهما ونصف الدرهم من دراهم المبايعجي، مع أنه لم يزد على ألف درهم من دراهم الحرير والذهب. وحينئذ استقام الرطل

واستوى درهم الحرير والذهب بدرهم سائر البضائع وعدّل القبان على هذه النسبة واستمر هذا الحال إلى يومنا هذا. وقد جرت العادة أن يتخذوا الأوزان من الحديد والصّفر. وبعض باعة الفحم والحطب وغيرهما من الموزونات الكبيرة الحجم يتخذونها من الحجارة. وقد اصطلح الحلبيون على أن يسموا كل مائة رطل من هذه الأرطال المعروف واحدها بالرطل الجديد قنطارا جديدا، وكل مائتي حقّة تزن 400 درهم من دراهم استانبول قنطارا عتيقا. وأكثر من يستعمله التجار في أجور نقل البضائع وغيرها. أما المقاييس المستعملة في حلب، فهي على أربعة أضرب: الأول: ذراع المعمار أو النجار وهو خاص بالبنائين والنجارين، يستعينون به على أعمالهم، وباعتباره يتقبلون الأعمال مع الناس في فرش الأرض بالبلاط وتعمير الجدران ومجاري المياه وغير ذلك. وهو ينقسم إلى أربعة وعشرين قيراطا ويستعملونه من الخشب ويجعلونه ذا أربعة أضلاع، عرض كل ضلع قيراط منه غالبا. الثاني: ذراع القماش. وهو دون ذراع المعمار بقيراطين ونصف من قراريطه. وينقسم إلى نصف، وثلث، وربع، وسدس، وثمن، ونصف الثمن، ويسمى شاهية. والأتراك يسمونه كراخا. وهذا الذراع ليس من الضبط على شيء إذ قلما يتفق ذراعات ولا يوجد بينهما فرق. الثالث: ذراع الجوخ وهو خاص بكيل الجوخ. وهو أقصر من ذراع القماش بقليل كما ستعرفه. الرابع: الهنداسة، وهي خاصة ببعض الخياطين يستعملونها بتفاصيل الثياب وتنقص عن ذراع القماش شاهية، وهي والذراعان اللذان قبلهما يكونان من الحديد. وكل هذه الأذرع قديمة لم نعلم بها تغييرا منذ القدم. أما الكيول: فإنها كانت قبل سنة 1277 أصغر مما هي عليه الآن إذ كان يبلغ الشنبل ثمانيا وأربعين حقّة، تزن أربعة وعشرين رطلا من أرطال تلك الأيام. فلما زادت الأوزان بعد التاريخ المذكور كما قدمناه، أضيف للشنبل اثنتا عشرة حقّة، فصار يبلغ ستين حقة، تزن أربعة وعشرين رطلا من الأرطال الجديدة. ثم لما تنظمت الولاية وأسس المجلس

نسبة مقادير الأوزان والكيول والمقاييس إلى المتر

البلدي. صار يزيد فيه وينقص منه حسب رأيه. وتكرر منه هذا العمل عدة مرات حتى استقر الآن 34- 35 رطلا جديدا من الحنطة النقية الجيدة التي لا يعلو عليها حنطة. ثم إن الشنبل ينقسم إلى جزءين. كل جزء منهما يقال له قلبة في اصطلاح الكيالين. والقلبة هي الكيل الخشبي الذي يكال به الحب، والناس يسمونه نصف شنبل. وإلى أربعة أجزاء، كل جزء يسمى كيلا. وإلى ثمانية أجزاء كل جزء يسمى ثمنيّة. وإلى ستة عشر جزءا، كل جزء يسمى قيراطة. ولا يوجد كيل يكال به الشنبل دفعة واحدة إنما يكال بالقلبة على مرتين أو بما هو أصغر منه على حسب اللزوم. نسبة مقادير الأوزان والكيول والمقاييس إلى المتر لما كانت معرفة مقادير الأوزان والمقاييس والكيول على وجه الضبط والتدقيق لا تتم إلا بتطبيقها على أشهر مقياس في العالم؛ فقد رأينا أن نحرر الأوزان الحلبية ومقاييسها وكيولها على المتر الفرنسوي الذي هو غاية بالضبط والتحرير. وهو كلمة يونانية معناها المقياس، قالوا إنه يساوي جزءا من عشرة ملايين جزء من ربع محيط دائرة الأرض الذي هو ما بين القطب إلى خط الاستواء. وقد قسموه إلى عشرة أجزاء، سموا كل جزء منها (ديسي متر) أي عشر المتر. وقسموا كل ديسي متر إلى عشرة أجزاء، سموا كل جزء منها (سنتيمتر) أي عشر عشر. وقسموا كل سنتيمتر إلى عشرة أجزاء سموا كل جزء منها (ميللي متر) أي عشر عشر عشر المتر، أي جزءا من ألف جزء من المتر. وسموا كل عشرة أمتار (ديكا متر) . وكل عشرة ديكا متر (إيكتو متر) . وكل عشرة إيكتو متر (كيلو متر) . وكل عشرة كيلو متر (ميريا متر) . وقد اصطلحت الدولة العثمانية على تسمية ديسي متر بعشر الذراع. وعلى تسمية السانتيمتر بعشير الذراع. وتسمية الميللي متر بمعشار الذراع. وتسمية الكيلومتر بالميل الإعشاري. وتسمية الميريا متر بالفرسخ الإعشاري. وقد حرر الأوروبيون على هذا المتر الكيلو الذي هو الوزن العام أيضا. وذلك أنهم اعتبروا الكيلو ألف جزء، ويعرف أيضا بالأفّة الجديدة. وسموا كل واحد من أجزائه غراما. واعتبروا الغرام وزنا يساوي ملء مكعب سانتيمتر من الماء المقطر البالغة حرارته أربع درجات. وقسموا الغرام إلى مائة جزء سموا كل واحد منها سانتيغراما، وإلى ألف

أوزان البلدان التابعة ولاية حلب

جزء سموا كل واحد منها ميلغراما. وكانت الحكومة العثمانية تستعمل مقياسا ذراعيا تسميه دونما، وهو جديد مساحته 1600 أو عتيق مساحته 900 ذراع معماري مربع. وهاك بيانا في نسبة الأوزان المعتبرة عندنا اليوم إلى الكيلو وأقسامه: وهي الرطل الحلبي الجديد يساوي 3 كيلو و 207 غرامات و 4 سانتيغرام. والوقيّة وهي قسم من عشرة أقسام من الرطل المذكور تساوي 320 غراما و 7 سانتيغرام. والدرهم الذي هو جزء من مائة جزء من الوقية يساوي 3 غرامات و 207 ميلغرام. والقيراط يساوي 20 سانتيغرام. والقمحة تساوي 5 سانتيغرام. وهناك بيانا آخر في نسبة المقاييس والكيول المعتبرة اليوم عندنا إلى المتر وأقسامه وهي: ذراع القماش يساوي 69 سنتيمتر و 5 مليمتر. والشاهية منه تساوي 42 مليمتر. وذراع الجوخ يساوي 98 سنتيمتر. والشاهية منه تساوي 42 مليمتر. وذراع المعمار أو النجار يساوي 76 سنتيمتر و 5 مليمتر. والقيراط منه يساوي 32 مليمتر. والهنداسة تساوي 65 سنتيمتر و 2 مليمتر. والقلبة التي هي نصف شنبل، عمق فراغها 33 سنتيمتر وقطره 49 سنتيمتر. أوزان البلدان التابعة ولاية حلب أوزان البلدان التابعة ولاية حلب المخالفة لأوزانها أيام الحكومة العثمانية هي: أورفة: قنطارها 30 رطلا، كل رطل ست حقق، كل حقة 400 درهم من دراهم إستانبول، ويسمى هذا الرطل خندكاري، أي سلطاني، وبيره جك، وهي البيرة وسروج رطلهما 12 وقية، والوقية 67 درهما، وروم قلعة، رطلها 30 حقة، كل حقة 400 درهم، ومرعش، رطلها الخندكاري كرطل أورفة والوطني حقتان، وأندرين، رطلها 12 وقية، كل وقية 200 درهم، ومثلها البستان، والزيتون، رطلها 12 وقية، كل وقية 84 درهما، وأنطاكية، شنبلها 16 علبة، كل علبة 22 حقة، وجسر الشغر، كيلتها 22 علبة، كل علبة 16 حقة، وناحية الأردو، كيلتها 16 علبة، كل علبة 16 حقة، والمعرة، كيلتها 4 قراريط، كل قيراط أقة، كل أقة 500 درهم، وأورفة، كيلتها 8 أثمان، الثمن 10 حقق، الحقة 400 درهم، وروم قلعة، كيلتها شنبلان، الشنبل أربعة أثمان، كل

السلع التي توزن بغير الرطل الجديد

ثمن حقة، وسروج، كيلتها 8 أثمان، الثمن 15 حقة، ومرعش وزيتون وبازرجق، كيلتها 16 قيراط، القيراط 16 حقة، والبستان، كيلتها اسمه سلمه، 6 حقق ونصف، وأندرين، كيلها اسمه طاس 6 حقق، وناحية كوكسون كيلها اسمه سلمه 6 حقق وبيلان علبتها 20 حقة. السلع التي توزن بغير الرطل الجديد يوجد عندنا كثير من السلع والبضائع التي توزن برطل قديم زنته 600 درهم. وربما استدل من هذا على أنه هو الرطل الذي كان معتبرا قبل الرطل الذي دراهمه 720 درهما، والبضائع التي لم تزل توزن به، هي الكافور الهندي والبخور الجاوري ودرهمه مساو درهم الرطل المذكور، ومن ذلك الحرير فإنه يوزن بالدرهم المساوي درهم الرطل الجديد الحالي، وكل ألف درهم منه يسمونه وزنة، والذهب واللؤلؤ والمسك والعنبر وعطر الورد توزن بالمثقال المساوي أربعة وعشرين قيراطا، كل قيراط يزن خمس قمحات، والفضة توزن بالدرهم، وكل ألف وثمانمائة درهم منها يسمونها رشقا، والقرمز يوزن بالأقة التي استعملها الناس في أيام المرحوم إبراهيم باشا المصري، والنيل لم يزل يوزن بالرطل القديم الذي زنته 720 درهما، وجميع البضائع الافرنجية، وكالسكاكر والبهار والقصدير، يبتاعها تاجر السوق بالرطل الذي هو 800 درهم، ثم يبيعها على حساب الرطل الحالي، والرطل المذكور الذي هو 800 درهم هو المعتبر أيضا عند المكارية في أحمالهم، والمستعمل عند الأطباء هو الكيلو والغرام وأقسامهما. والله سبحانه وتعالى أعلم. الكلام على النقود كل من عرف اختلاف الناس بتقدير أسعار النقود القديمة التي ذكرها الواقفون في كتبهم- كالأقجة والشاهية والعثماني والأسدي وزر محبوب- يرى من الواجب أن نتكلم على النقود المستعملة في زماننا والذي قبله بقليل، وأن نسلك في بيان أسعارها طريقة تحفظ معرفتها إذا استبدلت بغيرها وفقدت من عالم الوجود حفظا على المقادير التي أرادها منها الواقفون فيما شرطوه لذراريهم، أو للوظائف الدينية والنفقات الخيرية، حيث اعتبروا النقد المعروف في زمانهم المسمى بالقرش. فنقول على أوجه الاختصار:

النقود القديمة

إن عمدة النقود المستعملة في زماننا وما قبله بقليل بل المستعملة في سائر البلاد العثمانية هي الذهب العثماني المعروف بالليرة والريال المعروف بالمجيدي. فأما الذهب المذكور فعياره من أربعة وعشرين، واحد وعشرون قيراطا وقمحة ووزنه درهمان وربع درهم أو مثقال ونصف مثقال أو سبع كرامات وتسعة عشر سانتيما. وأما المجيدي فهو من فضة وعياره من مائة: سبعة وسبعون ونصف قيراط ووزنه سبعة دراهم وثلث الدرهم من دراهم حلب وسبعة ونصف من دراهم إستانبول، أو أربعة وعشرون غراما وثمان سانتيمات. وقد اعتبرت الحكومة الليرة مائة قرش والمجيدي تسعة عشر قرشا واعتبرت كل قرش أربعين جزءا سمته بارة بدون نقص ولا زيادة أخذا وإعطاء وأما التجار والباعة وبقية الناس فهم يتداولون بينهم الليرة والمجيدي المذكورين بحسب أسعار الذهب والفضة فهم فيما فوق سعرهما المعتبر عند الحكومة الذي ذكرناه هنا يزيدون فيهما وينقصون. النقود القديمة قرأت في بعض صحف الأخبار أن الأقجة كانت قبل القرن الثاني عشر تزن ثلث الدرهم وكان كل 60 منها يساوي عملة تدعى قزل قروشي، أي القرش الأحمر، أو فلوري وهو ذهب النجمة. فلو فرضنا أن درهم الفضة يباع باثنتين وسبعين بارة، كانت قيمة هذا الذهب 36 قرشا من قروش أيامنا المقدّر كل واحد منها بأربعين بارة. ثم في عهد السلطان محمد الثالث تدنت قيمة الأقجة فصار كل ست منها يساوي درهم فضة. ثم اختل أمر السكة وكثر غشّها فضربت سكة جديدة على الترتيب الموجود في زماننا إذ جعل القرش أربعين بارة والبارة ثلاث أقجات. قلت: الأقجة كلمة تركية معناها القطعة، كالبارة. الصنائع في حلب أما الصنائع القديمة التي كانت في حلب ثم انقرضت وفقد أهلها فسأنبه على ما علمته منها. وأما الصنائع الحاضرة الموجودة في حلب فكثيرة، وأعظمها بل هي التي عليها مدار تعيّش السواد الأعظم من أهل حلب، هي صنعة نسج الأقمشة فقد كان يوجد لها في حلب نحو خمسة عشر ألف منوال. ثم أخذ هذا العدد بالتناقص حتى انحط في هذه الأيام إلى نحو ألفي منوال يحاك عليها القطنية والغزلية المعروفة بآلاجه، والحريرية المعروفة

بالجتارة، والمقصبة المعروفة بالمسيخ والدوناطو وشغل الليل والدامسقو الدمشقي وتقليد الشال العجمي والأزر الحريرية المقصبة، والملاحف المتنوعة الحريرية المقصبة والغزلية الموشاة والمناديل الحريرية والمقصبة المعروفة بالبوشية التي يعتمّ بها بعض الشبان من المحلات المتطرفة وأنواع العباءات الحريرية والصوفية والغزلية مقصبة وغيرها. وهذه الصنعة لم أقف على ابتداء دخولها إلى حلب، وهي الآن منحطة جدا عما كانت عليه قبلا. فقد كان يوجد لها في حلب من نحو خمسين سنة تقريبا زهاء خمسة عشر ألف منوال كما أسلفنا ذكره ولا يخفى ما كان ينتج عن ذلك للحلبيين من المنافع والفوائد إذ كان يلزم لتشغيل كل منوال منها لا أقل من أربعة أشخاص من الصناع والعملة، ما بين حائك ومسدّ وصبّاغ وفتال ودقّاق وشطاف وقصار وصقّال، لا جرم أنه كان ينتفع منها ستون ألف نسمة ما بين غني وفقير وكبير وصغير وذكر وأنثى. وكانت هذه الأقمشة تنتقل من حلب إلى سائر البلاد شرقا وغربا وتربح أرباحا عظيمة تستحق الذكر وما ذلك إلا لحسنها وإتقانها. وأما أسباب انحطاطها فكثيرة منها التفات الناس إلى استعمال الأقمشة الافرنجية لزخرفتها ورخصها، وإن كانت سريعة التلف وعديمة الاحتمال ومنها تجدد هذه الصنعة في غير حلب من البلاد كعينتاب ومرعش وحمص وديار بكر وخربوط وبعض بلاد الرّوم إيلي التي كان جل رواج أقمشة حلب عليها، فاستغنت الآن بما عندها بل صارت ترسل أقمشتها إلى غيرها من البلاد وتزاحم بها الحلبيين. ومنها طمع أهلها في إعطائها حقها من الصبغ الثابت ومادة النسج من الجنس الجيد، وهذا بالحقيقة من أعظم أسباب انحطاطها. ومنها كثرة الضرائب التي وضعتها عليها دولة روسية فقد كان يروج في كثير من ولاياتها جملة وافرة من أقمشة حلب. هذا مجمل الكلام على هذه الصنعة. وأما بقية الصنائع الموجودة في حلب: فمنها صنعة عمل التيل الفضي الذي يصرف منه مبالغ وافرة في الشرق والغرب كمصر وبغداد وحمص وديار بكر والحجاز واليمن وغيرها، وبسبب هذه الصنعة في حلب يروج في تجارتها مبلغ وافر من سبائك الفضة ولا يوجد أثر لهذه الصنعة إلا في حلب واستانبول إلا أن أهل حلب أكثر إتقانا لها. ومنها صنعة التطريز والزركشة وهما مختصتان عندنا بالنساء، ويدخل في الصنعة الأولى منها تطريز العمم المعروفة بتقليد الزنار الهندي، وهذا النوع ينفذ منه مقدار وافر إلى فلسطين والشام والبلاد الرومية وجزيرة العرب وبعض بلاد الغرب وكثير من الممالك الأوروبية والأميركانية. ومنها

صنعة القزّ وتعرف بالعقادة وهي عبارة عن تنويع السلوك الحريرية والغزلية إلى أنواع شتى كالسفائف والبنود والقيطان والأزرار والعرى، وأكثر من يشتغل في هذه الصنعة النساء. ومنها صنعة صبغ المناديل التي تستعملها العرب تحت العقال ويعتمّ بها كثير من القرويين والأكراد. وهذه الصنعة كانت في نجاح عظيم ذات أرباح وافرة وكان يخرج منها إلى جزيرة العرب وأرمينية وجبال الأكراد ما لا يدخل تحت إحصاء. ثم في السنين الأخيرة أدركها الانحطاط بسبب تقليد الافرنج لها بما هو أحسن منها زخرفة وأرخص ثمنا. وكان يوجد في حلب نحو خمسين محلا تشغل فيه، ويعرف محلها بالكرخانة وهي صنعة مركبة ينتفع منها خلق كثير ما بين تاجر بالقماش وأنواع الأصبغة، وطابع وصبّاغ وشطاف، ولم يبق الآن لتشغيلها سوى بضع كرخانات. ومنها صنعة الصياغة وتركيب الماس والياقوت وبقية الأحجار الكريمة ويوجد لها نحو خمسين دكانا. وأكثر من يشتغل بها النصارى. ومنها صناعة الحدادة وهي على نوعين: قديمة وجديدة، فالقديمة مختصة يعمل المسامير وأزرار الأبواب وشبكات النوافذ. والجديدة منها مختصة بعمل الطرابزونات والموازين والقبّان وتصليح الأقفال وإصلاح بعض أدوات المعامل المتحركة بالبخار والبترول وغيرها. ومنها نوع يشتغل أهلها بتصليح الأسلحة كالبنادق والسيوف والخناجر. ومنها صنعة النجارة وهي على أنواع: فمنها ما هو مختص بعمل الدواليب والغرافات المائية. ومنها ما هو مختص بعمل آلة الحراثة ومحل ذويها سوق قبو المسلاتية في القرب من باب بانقوسا، وفي سوق باب النيرب وسوق باب الجنان. ومنها ما هو مختص بتنجير تدفيف البيوت وخزنها وأبوابها وما شاكل ذلك. ومنها ما هو مختص بعمل الأشياء الدقيقة كالصناديق الافرنجية. ومنها ما هو مختص بعمل الأعواد المطربة. وهذا النوع حادث في مدينتنا منذ أربعين سنة. ومنها صنعة الدباغة ومحلها على نهر قويق في ظاهر باب أنطاكية، ويدبغ فيها الجلد الأبيض المعروف عندنا بالحور والجلد الأحمر والقرمزي والأصفر. وكان أحد التجار النصارى أحضر من أوروبة مدبغة تدور بالبخار يدبغ فيها الجلد الافرنجي المستعمل للقندرات، والجلد الذي كان يدبغ فيها لا يربح كثيرا ولا يرغبه الصناع، فأفلس صاحبها وعطلت مدبغته.

ومنها صنعة النعال وهي أنواع: فمنها ما يستعمله الفلاحون وعرب البادية وهو الجزمة الصفراء ذات الساق والخف والبسطار، وحذاء كلها غليظ جدا. ويقال لصنّاعها الأساكفة وهم مسلمون. ومنها ما يستعمله بعض قدماء النصارى، وهو أسود على نسق القارب له حذاء غليظ وصنّاعها نصارى. ومنها ما كان يستعمله بعض شيوخ الملل الثلاث وهو البابوج الأصفر، وقد بطل الآن استعماله. ومنها المست الذي هو خف ساتر لرجل المرأة حتى ركبتها، كانت تلبسه ضمن البابوج المذكور. ومنها ما يستعمله بعض الناس من الملل الثلاث في فصل الشتاء ضمن النعل الظاهري، وهو جرموق أسود لطيف يستر الكعب ونصف القدم ويعرف بالقلجين، أو يستر الكعب والقدم ويزرّ على الرجل بواسطة سلوك ويعرف باللبجين. وصناع هذه الأنواع من الملل الثلاث، وقد كاد الآن يبطل استعماله. ومنها النعل القرمزي الذي تختلف أنواعه لطافة وكثافة وشكلا وصورة ويعرف بالصرماية، ومنها ما يستعمله بعض سكان الأطراف والفلاحين ومن يعاني السفر، وهو الجزمة الحمراء والقرمزية وصناعها مسلمون. وهذه الأنواع كلها يوجد لبيعها زهاء مائة دكان، وأجمع محل لها السوق المعروف بالقوافخانة وراء قبلية الشافعية من الجامع الكبير. ومن العجب أن هذه الحرفة لم يؤثر في نجاحها ظهور القندرة بل هي لم تزل على ما كانت عليه، مع أن كثيرا من الناس عندنا اعتاضوا عنها بالقندرة. ومنها صنعة الحذاء المعروف بالقندرة، صناعها من الملل الثلاث وهم يحسنونها إتقانا وزخرفة. ومنها صنعة النحاس الأحمر والأصفر يعرف أهلها بالجانجية وهي متقنة عندنا ولأهلها قدرة على عمل جميع الظروف والأواني ولها نحو خمسين دكانا. وأجلّ سوق جامع لها سوق النحاسين بالقرب من مسجد العريان خارج باب النصر وأكثر صناعها نصارى. ومنها صنعة الخبازة وأهلها متقنون لها فيصنعون أنواع الأخباز اليابسة كالبقسماد والكعك المحمر المعروف عندنا بكعك السخانة وغيرهما من الأخباز التي يتزودها المسافرون وأنواع الأخباز الطرية كالمعروف بالصمون. وهذه الأنواع منها ما يخبز في التنور ومنها ما يخبز في الفرن وهو القسم الأعظم. وصناع الأول مسلمون والثاني من الملل الثلاث. وكثيرون من سكان الأطراف من يستغني عن الخبز بالأجرة ويخبز في تنّور بيته أو على صفحة الحديد المعروفة بالصاج المستعمل عند العرب والأكراد غالبا. ومنها صنعة الحلوى وهي على نوعين: الأولى: يعرف محلها بالمعصرة، وعرفت بهذا

الاسم لأن فيها يكون اعتصار السيرج من السمسم واستخراج نقيع الزبيب الذي يعقد ويضاف إليه رغاء الجذور المعروفة بعرق الحلاوة ليبيضّ ويكون ناطفا ثم يضاف إليه مقدار معلوم من طحينة السمسم فيصير حلوى تعرف بالحلاوة الطحينية، ويكثر الناس من أكلها شتاء يأتدمون بها عوضا عن الفواكه. وقد بطل الآن عملها من نقيع الزبيب واعتيض عنه بالسكر وهذه المعاصر قد يباع فيها أيضا نوع من الحلوى المعروفة بالمامونية المركبة من خاص الدقيق والسمن والسكر، ونوع آخر يعرف بالكرابيج وهي كتل في حجم البيضة أو أصغر تتركب من خاص الدقيق المعروفة بالسميد ومن السمن وتحشى غالبا لبّ الفستق أو اللوز أو الجوز وتقلى بالسيرج أو السمن أو تخبز ثم تغمس بالناطف وتؤكل. والنوع الثاني من صنعة الحلوى: هي التي يعرف صنّاعها بالشراباتية لأنهم هم الذين يصنعون أنواع الأشربة الحلوة وأنواع الربوب والحلوى التي تؤكل في المواسم والأعياد كالمعروفة بالمعمول والغريبة وأنواع الملبّسات وأعظم محل لمبيعها سوق العطارين يوجد لها فيه نحو ثلاثين دكانا ذووها من المسلمين واليهود فقط. ويوجد في حلب من أنواع الحلوي العجينية شيء كثير يطول شرحه، أشهرها الحلوى المعروفة في كل البلاد باسم باقلاوة وهذه لفظة مركبة من بامك أي نظيفة، وهي فارسية، وحلاوة وهي عربية. ومنها صنعة الصابون: لها في حلب نحو خمس عشرة مصبنة تشتغل بطبخ الصابون من كانون الأول إلى غاية هيار «1» . وصناعها من الملل الثلاث. ويطبخ فيها في سنة الخير زهاء أربعمائة طبخة ومعدل وزن الطبخة الواحدة أربعة عشر قنطارا وستة وخمسون رطلا بالوزن الحلبي وقد تزيد على ذلك. والحلبيون ما زالوا محافظين في هذه الصنعة على إتقانها واجتناب الغش فيها، ولذلك كان صابونها رائجا في التجارة أكثر من صابون غيرها. ومنها صنعة الشعيرية المعكرونة ويوجد لعملها آلة تدور بالدوابّ، يخرج منها أنواع وأشكال من المعكرونة. والمعكرونة قليلة الاستعمال عند الحلبيين وأكثر من يستعملها الأغراب من الفرنج وغيرهم. ومنها صنعة العرق والخمر وهي مختصة بالنصارى واليهود ويجلب منها مقدار وافر

من زحلة وعينتاب ومرعش وأنطاكية وجزيرة سقس. وهذا كله عدا الأنواع الكثيرة التي تستحضر من بلاد الفرنج وتستهلك وأعظمها الكونياك والجعة. ومنها صنعة غزل القطن والصوف وهي مختصة بنساء الفلاحين وسكان الأطراف وينسج من غزلهما الخام البلدي والعباءات والجرابات التي تعمل باليد ولا يصلح لغير ذلك. وكان يوجد لغزل القطن معمل كبير يدور على الماء في سيف العاصي مما يلي مدينة أنطاكية وهو معمل عظيم يشتمل على آلات الحلج والغزل والنسج والطي. وكان يخرج منه في كل يوم من الغزل حمل بغل. وكان ابتداء تأسيسه عن يد تجار من اليهود في حدود سنة 1290 فصرفوا عليه نفقات باهظة وأحضروه من أوروبا ونفدت ثروتهم ولم يكمل. وكان أكثر ما يصرف غزله في حلب ويباع بثمن دون ثمن الغزل الافرنجي. ثم في سنة 1308 أقفل وقد تحطمت أدواته وبيع منها القدر الكثير في حلب وغيرها. ومنها صنعة حلج القطن وهي مختصة بسكان الأطراف من المسلمين يباشرونها في دواليب بسيطة تدار بأيديهم أو بأرجلهم. وكان وجد لها آلة افرنجية تدور على ماء نهر قويق قد نصبت في أحد الطواحين واشتغلت مدة ثم تعطلت. ثم وجد بعدها كثير من المحالج الافرنجية التي تتحرك بقوة النار ولم تزل حتى الآن. ومنها صنعة فتل حبال القنّب وهي متقنة عندنا جدا وأهلها مسلمون، ومحل بيعها سوق الحبّالين وراء قبلية الحنفية من الجامع الكبير فيوجد لها بهذا السوق نحو أربعين دكانا. ومنها صنعة تجليد الكتب وهي غير متقنة وصناعها بضعة أشخاص من الملل الثلاث. ومنها صنعة الخزف الذي تعمل منه الخوابي وشربات الماء والقرميد والجرار الخضر والمناقل والزّبادي والكيزان «1» وهي من الصنائع الباقية على حالتها من قديم الزمان. ومنها صنعة الخياطة باليد أو بالآلة المعروفة التي تدار باليد أو بالرجلين وصناعها من الملل الثلاث. ومنها صنعة نسج الحواشي التي توضع بأطراف ثياب النسوة المعروفة بالتنتة وصنعة

المنسج وهي التطريز بالحرير والقصب باليد أو بالآلة، وصناع كلها نساء. وكان يوجد من النوع الثاني مناديل مطرزة على غاية من الحسن والحذق صناعها وبراعتهم كان لا يمتاز وجه المنديل من قفاها «1» . ومنها صنعة تطريز الطرابيش بالقصب ويستعملها عرائس الأكراد وصنّاعها مسلمون. ومنها صنعة تصليح الساعات، وصناعها من الملل الثلاث. ومنها صنعة البناء والعمارة وهي من الصنائع المتقنة عندنا قديما وحديثا، ولإتقانها كان يؤخذ كثير من صناعها إلى الأماكن البعيدة ويستخدمون في بناء الحصون والمعاقل وحسن آثار صناعها الظاهرة تغني عن إطالة الكلام في وصفهم وهم مسلمون ونصارى، ومساكن المسلمين منهم محلة الكلاسة غالبا والنصارى محلة الحميدية على الأكثر. ومنها صنعة الخراطة، وهي تكوير الأخشاب وتركيبها في بعضها لمقاصد شتى وهذه الصنعة غير ناجحة عندنا ويجلب من مصنوعاتها شيء كثير من دمشق والحجاز والهند. وصناعها عندنا مسلمون. ومنها صنعة التنك وهي عمل ألواح الصفيح والتوتيا أواني وظروفا، وصناعها من الملل الثلاث. ومنها صنعة الحلاقين وصنّاعها من الملل الثلاث، وأكثرهم يشتغل بالآلة المعروفة بمنكمة القص ويوجد بعض حلاقين أغراب يتقنون هذه الصنعة أكثر من الحلبيين. ومنها صنعة القصابة وهي فرم اللحم وتنويعه إلى خشن وناعم حسبما يقتضيه الطعام المطبوخ وهذه الصنعة متقنة عندنا غاية الإتقان وصناعها مسلمون إلا أن أكثر من يقوم بوظيفة الذبح هم جماعة من اليهود. ومنها صنعة كيّ الثياب والطرابيش بالمكاوي النارية المعروفة وصناع كيّ الثياب نساء من الملل الثلاث وصناع كيّ الطرابيش نصارى ويهود.

الصنائع المفقودة

ومنها صنعة عمل أنابيب النارجيل المعروفة عندنا بالقمجات أو بحيات النرجيلة. وصناعها مسلمون ونصارى. ومنها صنعة السروج والأكف «1» وجميع الأنواع المستعملة للخيل والبغال والحمير والجمال وصناع جميعها مسلمون. ومنها صنعة الرقم وهي تجليد الطبول أو وضع رقمها. وصناعها جماعة القرباط المقيمين في ظاهر باب النيرب الذين اختصت بهم صنعة شدّ المناخل والغرابيل من شعور الجيف وجلودها. هذا جلّ الصنائع الموجودة الآن عندنا ولم أترك منها إلا ما لا يعبأ به أو ما هو داخل في غيرهما ذكرته ونبهت عليه. الصنائع المفقودة وأما الصنائع التي فقدت من حلب وفقد صناعها: فمنها صنعة القاشاني الذي كان يجعل ظهارة لجدران بعض المباني العظيمة كالمساجد والبيوت الكبار وقد نفد منه إلى الممالك الأوروبية وغيرها مما لا يدخل تحت إحصاء. ولم يزل التجار الأوروبيون يرسلون منه مبالغ في كل سنة. ومع هذا فإنه لم يزل يوجد عندنا منه شيء كثير في جدران المساجد والبيوت. على أنني لم أظفر بقول ينبئ بأن القاشاني كان يشغل في حلب، إنما ذكرته في صناعتها القديمة اعتمادا على ما سمعته من الشيوخ تواترا عن أسلافهم وعلى ما يظهر من توقيعه على المرافق والعضادات توقيعا يبعد أن يكون عمل في غير حلب ثم نقل إليها. وقد أخبرني بعض الثقات أنه وجد قطعة من القاشاني حرر فيها نقشا في ظاهرها ما يأتي: (شغل المعلم ميخائيل) وأن هذه القطعة كانت عند المستر هاندرسون قنصل دولة الإنكليز الذي كان في حلب في حدود سنة 1300. ومنها صنعة تدهين البيوت بدهان اللّازورد والحل الذهبي على ضروب وأشكال من النقوش وصور الأزهار. وكانت هذه الصنعة على غاية الإتقان وناهيك دليلا على إتقانها ما نراه في بعض البيوت التي مضى على دهنها نحو مائتي سنة أو أكثر فيتخيل للرائي أنها

لم يمض عليها سوى سنيّات قليلة لما يشاهد من رونقها وبهجتها. أما الآن فإنه يوجد لهذه الصنعة صناع يعرفونها على نسق بسيط لا يستحقّ الذكر وقد ذهب مؤخرا بعض الشبان من المسيحيين إلى أميركا وتعلم هذه الصنعة على الأصول الحديثة وأتقنها واشتغل بها في حلب فكان عمله غاية في الرونق والإتقان. والمنتظر تعميم هذه الصنعة على هذا المنوال. ومنها صنعة القمريات وهي عمل أغلاق للنوافذ العليا من البيوت. وكيفية عملها أن يسقط الزجاج الملون على مقدار الحجم المطلوب ويصبّ فوقه الجبسين المائع، فإذا جمد صار الزجاج قطعة واحدة فينحتون عنه الجبسين إلا ما لصق بين الزجاجات ثم يحيطونها بإطار من الخشب ويضعونها في محلها. وكانت هذه الصنعة متقنة جدا كما يظهر من طيقان قبليّة جامع العدلية. ولم يبق لها الآن سوى دكان واحدة تشتغل بها على صفة بسيطة وصانعها مسلم. ومنها صنعة الترّاس «1» ، وكانت حلب مشهورة بها كما أفاده الحاج خليفة المعروف بكاتب جلبي في كتابه الذي سماه جهاننما. ولم يبق الآن من أهلها أحد. ومنها صنعة عمل السيوف فقد فقدت ومات صناعها. ويحكى أنه كان يوجد لها في حلب صناع ماهرون أسر أكثرهم تيمور لنك حين استيلائه على حلب وكانوا يصنعون هذه السيوف من الفولاذ الخالص الذي يحمل إلى حلب من الهند. ومنها صنعة الشمع الشحمي والعسلي. وكانت صنعة كبيرة جدا، واشتهر بها عدة بيوت في حلب. وقد بطلت بظهور الشمع الافرنجي لم يبق بها الآن سوى دكان واحدة يباع فيها الشمع العسلي يوقدونه في بعض المساجد. وأكثر الكنائس وبعض النصارى يصنعونه في بيوتهم. ومنها صنعة الكبريت من عود الشهدانج «2» المطلي من طرفيه بالكبريت. ومنها صنعة الظروف الخزفية التي تستعمل للتبغ: كالبواتق والسبلان ورؤوس النارجيلة ولم يبق لها الآن سوى دكان واحدة.

النباتات في حلب وولايتها

ومنها صنعة قصبات التدخين المعروفة بالغلايين. ولم يبق لها الآن سوى دكان واحدة. ومنها صنعة عمل الزجاج ظروفا وأواني على أشكال شتى وضروب متنوعة. وكان لها في مدينة حلب عدة معامل في محلة منها تعرف بالزجاجية أو الزجاجين. وكانت هذه الصنعة راقية جدا ولها شهرة في البلاد وللحلبيين بها اختصاص ومهارة. وكانت مادة المعدن التي تعمل منه الأواني الزجاجية تؤخذ من جبل البشري في جهات دير القائم الأقصى، على ما حكاه ياقوت في معجمه. وقد تقدمت الإشارة إليه في الكلام على جبال الولاية. ومما يستدل به على أن هذه الصنعة كانت راقية في حلب قول التاجر لسعدي صاحب كتاب كلّستان: (قد عزمت على سفرة أخرى لأجل حمل الكبريت الفارسي إلى الصين والخزف الصيني إلى الروم والبز الرومي إلى الهند والفولاذ الهندي إلى حلب والزجاج الحلبي إلى اليمن) . ومن ذلك أيضا ما حكاه صاحب كتاب ثمرات الأوراق عن صفي الدين عبد المؤمن بن يوسف بن ناجز الموسيقي في كلامه عن قائد هولاكو حين نزل عنده: (عملت له مجلسا ملوكيا وأحضرت له الأطعمة الفاخرة في الأواني المذهبة من الزجاج الحلبي وأواني الفضة) . على أنه لم يبق الآن في حلب أثر لهذه الصنعة إنما يوجد لها في مدينة أرمناز معمل واحد تعمل فيه بعض الظروف على صفة بسيطة ليست من الحسن والإتقان على شيء. ومنها صنعة نسج القطائف المعروفة بالطنافس، كما أفاده دارفيو حيث قال: والحلبيون يفرشون بيوتهم بالطنافس التي ينسجونها عندهم: وقد فقدت هذه الصنعة من حلب مدة طويلة ثم في حدود سنة 315 تجددت وكثر صناعها وأحرزوا بها مهارة تامة. النباتات في حلب وولايتها الحبوب ولنبدأ منها بالحبوب التي هي أشرف أنواعها لأن الحاجة إليها في الأقتيات أشد من الحاجة إلى غيرها. فأقول: أعظم الحبوب التي تستنبت في حلب وأعمالها هي الحنطة التي بها معاش أهلها ولأنها من أعظم بضائعهم التجارية. يمتد بذرها من تشرين الأول إلى أواسط شباط سقيا وبعلا وهو الأكثر والذي يبذر منها في تشرين الأول يقال له غباري. وإذا

كان الموسم جيدا تجيء غاية في الخصب وقلما يجود المبذور منه في شباط. وكلها تدرك في هيار وفيه تحصد. ويقال: في هيار بالمنجل يغار. وهذا يكون في ضواحي حلب وقراها الشرقية والجنوبية. أما في أعمالها الشمالية فإن إدراكها يتأخر إلى أواخر حزيران لبرودة مواقعها. وهكذا جميع الحبوب والبقول والفواكه والخضر فإنها تدرك في ضواحي حلب وبساتينها وقراها المذكورة قبل إدراكها في أعمالها الشمالية. وأما أعمالها الغربية فمنها ما تدرك فيها النباتات قبل حلب كاسكندرونة، ومنها ما يتأخر عنها كبيلان. ومنها ما يساويها كبقية الجهات. ثم إن الحنطة أنواع لا تكاد تدخل تحت حصر وليس في تعدادها كبير فائدة. ومثلها الشعير وربما أدرك قبلها بأيام قليلة والعدس والجلبان وما هو من فصيلته كالخرقى والبيقة والقصاص المعروف بالكرسنّة والبسلة والماش والباقلاء المعروف بالفول والحمص، كلها يتأخر بذرها عن الحنطة وتزرع عذية وتدرك في أواخر نيسان. والذرة البيضاء والصفراء المعروفة عندنا بالذرة المصرية يمتد بذرهما من آذار إلى أواسط نيسان وتدركان في أيلول ويزرعان سقيا وبعلا. وقد تقطف الصفراء طرية من أوائل الصيف إلى أيلول وتشوى وتؤكل. ويوجد في أعمال حلب شمالا حب شبيه بحب الشهدانج حجما أبيض أملس ينساب كالرمل إذا قبض عليه، يقال له في بر الترك كلكل وهو نوع من الدّخن يستعمله فقراء تلك البلاد خبزا وربما استعمله أغنياؤها في سنين القحط والمجاعة. وأوان بذره وإدراكه كالذرة البيضاء. ويوجد في أنطاكية وقراها حب أشبه بالشعير إلا أن حبته أرق من حبة الشمار يزرعه أهل تلك الجهات علفا لدوابهم ويرون أنه أنفع لها من الشعير ولا سيما في الأيام الحارة ويسمونه الشوفان. ومن الحبوب الكثيرة الفائدة في ولايتنا الأرز وهو أنواع عديدة ويزرع منه مقدار عظيم على السيح في سهول العمق وجهات مرعش، وأوان زرعه اليوم الرابع عشر من آذار ويدرك في أيلول. ومن الحبوب الكثيرة الاستعمال اللوبيا وتزرع في بساتين حلب وبلادها وعلى شطوط نهر الفرات، وأوان زرعها نيسان وتدرك في حزيران. ومما هو من فصيلتها نوع يقال له الفاولة، والبعض يسميه فاصولية، وتزرع سقيا في البساتين فقط في الربيع وتدرك بعد مدة قليلة ويتوالى قطافها إلى أواسط الخريف، وهي واللوبيا يطبخان بغلافهما أخضر ويطبخ حبهما فقط يابسا وربما جففتا بغلافهما في حال غضاضتهما ثم استعملتا طبخا. ومما هو

الخضر والبقول والفواكه وغيرها

شبيه بالحبوب حب الخروع يزرع في بساتين حلب وأكثر قرى ولايتها عذيا. وأوان زرعه في حلب وقراها من آذار إلى أواسط نيسان ويدرك في حزيران. والسمسم والقطن يزرعان في نيسان عذيين. الخضر والبقول والفواكه وغيرها ومنذ سنيّات قليلة شاع في بعض بساتين حلب وقراها زرع البطاطة ونجح سقيا وعذيا. وشاع في بعض بساتين حلب زرع توت الأرض المعروف عند الأتراك باسم جلك وهو ثمر يضارع الفرصاد بشكله لطيف يعمل منه مشروب لذيذ وينفع من داء النقرس حتى قيل إنه هو الدواء الوحيد لهذا المرض، وهو مما حدث زرعه في حلب وبعض قراها سنة 1290 ويزرع في حلب وقراها الشونيز المعروف بالحبة السوداء أو بحبة البركة والشمرة والكسفرة والأنيسون والخشخاش البستاني والعصفر، تزرع في نيسان سقيا وعذية وكلها تدرك في حزيران. وفي مفردات ابن البيطار عن بعض أعراب حلب أن القطن يعظم عندهم شجره حتى يكون مثل شجر المشمش ويبقى عشرين سنة. قلت: هذا النوع من القطن لا يوجد الآن عندنا. والشهدانج المعروف عندنا بالقنبز وهو حب القنّب يزرع على السّيح في جهات الرّها والعمق والباب، وأوان زرعه آذار ويدرك في تشرين الأول والبطيخ الأخضر، ويعرف عندنا بالجبس، وأظن أن هذه اللفظة محرفة عن (الدبسي) وهي اسمه عند سكان جهات الزور وأعرابها وسمّوه بهذا الاسم لأنهم يعملون منه الدبس المعروف. والجبس يكثر في ضواحي حلب ونواحيها جدا حتى يباع رطله بعشرين بارة وهو كبير الحجم قد تبلغ زنة الواحدة منه أربعة أرطال حلبية وهو حلو الطعم لذيذ جدا لا نظير له في أكثر بلاد سوريا، وهكذا كان في حلب من قديم الزمان، وقد ذكره ابن الشحنة في عداد الأمور المختصة بحلب حيث قال: ومنها البطيخ الأخضر وهو الذي تسميه الأطباء الري وربما سموه كما يسميه أهل حلب: الزبش، وهو شديد الحلاوة رقيق الجلد ينسبونه في حلب إلى الشوش فيقولون الشوشي، وهو من المفردات المفقودة في غير حلب من البلاد ويجلب بزره إلى غزّة من البلاد الشامية في كل سنة ويزرع فيخرج في سنته على تلك الخاصة صادق الحلاوة ثم يزرع بزره في السنة الثانية فلا يجيء مثل السنة الأولى. وناهيك دليلا على جودة

بطيخ حلب ما أجاب به شهاب الدين السهروردي المقتول وقد قيل له وهو يقيم بحلب: إنهم يريدون قتلك فاخرج منها. فقال: حتى آكل بطيخها وأخرج. والبطيخ الأصفر أنواع كثيرة معظمها نوعان: يعرف أحدهما بالسلطاني والآخر بالعنداني. والأول هو الأطيب والأحلى وهو المعتبر في أنواع البطيخ التي تزرع من بذرتها في كل سنة. والثاني أكثر ماء من الأول لكنه دونه في الحلاوة وطيب الرائحة. وهذان النوعان يبتدئ نضجهما من أول تموز فيتوالى قطافهما إلى أوائل الخريف وربما امتد السلطاني إلى ما بعد العنداني. وأما بقية أنواع البطيخ الأصفر فمنها ما يؤكل في الخريف، ومن هذا النوع بطيخ يجلب إلى حلب من البيرة لذيذ جدا ومنها ما يؤكل في الشتاء وهو أنواع كثيرة ومنها ما تستجلب بذرته من أزمير وغيرها وتزرع في بلاد حلب. وجميع أنواع البطيخ التي تستنبت في قرى حلب سواء كان أخضر أم أصفر تزرع في عاشر نيسان سقيا وبعلا، وهو الأكثر والأجود، وتدرك في تموز ويتوالى قطافها إلى أواخر الخريف عدا السلطاني والعنداني المتقدم ذكرهما فإن قطافهما ينتهي في أوائل الخريف. والمفهوم من كلام ابن الشحنة أنه كان يخرج في بلاد حلب بطيخ أصفر يعرف بالسمرقندي والكمالي، قال: وهو عديم النظير في الشام. وقد زرع بزر السمرقندي ببعض قرى دمشق فجاء طيبا للغاية لكن غالبه مشوّش ثم نقل إلى القاهرة فجاء في غاية الحلاوة لكنه رخو جدا كثير الماء. قال: وبحلب نوع آخر من البطيخ يسمى البابي. قلت: الأنواع التي ذكرها ابن الشحنة لم تزل توجد عندنا حتى الآن غير أن أسماءها قد تبدلت. ومن المحاصيل الأرضية أيضا الخيار وبذره يجلب في كل سنة من جهات مرعش لأنه إذا زرع من بذر الحلبي أثمر خيارا طوالا غليظا، ومنها العجور وهو شبيه بالخيار إلا أنه مزغّب مخطّط بلون يميل إلى البياض ويستعمل نيئا ومطبوخا. قيل: وهو من خصائص حلب وقراها. ومنها القثّاء وهي أنواع شتى طويلة مخططة بيضاء قد يبلغ طول الواحدة منها ثمانين سنتيمترا في غلظ عشرين سنتيمترا أو قصيرة مخططة خضراء دون الأولى وكلها تؤكل نيئة ومخللة كالخيار. وأوان زرع هذه الأنواع الثلاثة وإدراكها وقطافها كالبطيخ والخيار يزرع مرة ثانية في آب ويدرك في أيلول وكلها برية وبستانية. ومنها القلقاس يزرع في تشرين الأول في سويدية أنطاكية ويدرك بعد سنة، وقد استنبت بحلب مدة فلم يصادف رواجا. ومنها أنواع اليقطين كالقرع السلاحي الطويل الأملس والشتوي المكبكب الذي

قد يبلغ محيط الواحدة منه مائة وعشرين سنتيمترا. والكوسه وهو على هيئة الخيار الأبيض، وأوان زرعها وإدراكها وقطافها كالبطيخ وتكون سقيا وعذية ولا تستعمل إلا مطبوخة. ومنها قصب السكر ومحل زرعه جهات عينتاب وأنطاكية ويزرع في الربيع سقيا ويدرك في الخريف ويستعمل مصا ولا يستخرج منه سكر لقلته وعدم وجود آلة لاعتصاره. ومنها القصب الفارسي وهو من النباتات الخالدة ويوجد في جميع بساتين حلب وجهات ولايتها، ويجمّ في أواخر الشتاء وأوائل الربيع وتتخذ منه مظلات لليهود في عيد المظالّ، وعرائش لشجر الكرم المستنبت في البيوت والبساتين ولنحو النباتات الخالدة الزهرية كالياسمين والنسرين وتصنع منه مشاط النسج وفواصل الحياكة وغير ذلك. ومنها التبغ المعروف بالتوتون وهو المستعمل بالسيغارة والغليون ويزرع في حلب وجميع جهات ولايتها سقيا وعذيا وأجوده المستنبت في ناحية باريشا في قضاء حارم، وقد قل زرعه في هذه الأيام لكثرة الضرائب الموضوعة عليه من قبل إدارة انحصار الدخان المعروفة بشركة رجي، ويزرع في الربيع ويحول بعد أن ينبت ويدرك في تموز ويتوالى قطافه إلى تشرين الأول. ومنها الباذنجان الأسود في بساتين حلب وجهات ولايتها والأبيض الكبار في تادف والباب، وكلا النوعين يزرعان سقيا وينوعان مطبوخين إلى عدة أنواع والأسود يبذر في حلب في أواخر شباط فينبت بعد أربعين يوما ثم يفرق ويحول وبعد أربعة أشهر من زرعه يثمر ويتوالى قطافه أربعة أشهر. ويقال عنه في المثل أربعة في الجراب، وأربعة في التراب، وأربعة على ظهور الدواب، أي أن بذره يبقى مخبوءا في الأجربة أربعة أشهر ثم يزرع فيبقى أربعة أخرى ثم يثمر فيدوم ثمره على ظهور الدواب أربعة أشهر. ومنها الباذنجان الأحمر المكبكب المعروف بالبندورة والطماطم يزرع سقيا مع الأسود ويثمر قبله بقليل ويتوالى قطافه إلى أوائل الشتاء، واستنباته حادث في حلب وأعمالها استجلب إليها من مصر سنة 1268 وكان الناس يعافون أكله ثم ألفوه أشد ألفة وكثرت زراعته حتى صار يباع رطله الحلبي بعشرين بارة، وكثيرا ما يستجلب إلى حلب من البلاد الساحلية قبل إدراكه في حلب. ومنها الفلافلة الحمراء القرنية الهيئة وتقطف في أولها خضراء تستعمل مخللا ثم تقطف حمراء وتدّخر لتفويه بعض الأطعمة ويوجد منها نوع حلو غير حريف أخضر وأحمر يستعملونه مخللا. وكلها تزرع سقيا في أوان زرع الباذنجان. ومنها أنواع الكرنب كالذي له ورق كالساق ملتف على بعضه ويعرف عندنا باللّخنا. والذي له ورق كالسلق ملتف

قليلا على زهره ويعرف عندنا بالقرنبيط. والذي ليس له إلا ورق قليل والمستعمل منه جذعه ويعرف عندنا بالكرنب. وكلها تزرع سقيا في آذار وتحول شتلا في حزيران وتدرك في كانون الأول. ومنها عود المكنس يزرع سقيا في آذار ويقطف متى احمرّ بزره. ومنها البامية تزرع سقيا وعذية في آذار وتدرك في تموز ويتوالى قطافها إلى غاية تشرين الأول. ومنها البصل والثوم والكرّاث ويعرف عندنا بالبراصة. وتزرع سقيا في آذار وتدرك بعد شهر. وقد تزرع مرة ثانية في تشرين الأول وتدرك في أواخر الشتاء. ومنها السلق والإسفاناخ ويزرعان سقيا في نصف آب ويدركان في تشرين الأول ويتوالى قطافهما إلى هيار. ومنها المقدونس والكرفس والرشاد وحشيشة الوادي تؤكل نيئة بالحمض والزيت وتعرف عندنا باسم دره أوتي وهو اسمها التركي وهي نوع من الشمرة والخس ونوع منه يقال له الكبّوس يستعمل كحشيشة الوادي والهندبا وكلها تزرع سقيا في أيلول وتدرك في شباط وتقطف إلى غاية نيسان. ومنها الرجلة المعروفة عندنا بالبقلة تزرع سقيا في نصف آذار وتقطف من أواخر نيسان إلى أواخر الصيف وربما زرعت مرة ثانية في تموز وقد تنبت بنفسها في بعض جهات ولاية حلب. ومنها الملوخيا تزرع سقيا في أول آذار وتدرك بعد شهرين وتقطف إلى تشرين الثاني. ومنها الخرشوف المعروف عندنا بأرضي شوكي ويزرع سقيا وعذيا ورقا منه في تشرين الأول أو في شباط ويثمر في العاشر من نيسان ويصير من النباتات الخالدة. ومنها الجزر والشوندر يزرعان سقيا في تموز، وتعلف الدواب من ورق الجزر والشلجم المعروف عندنا باللفت والفجل ويزرعان سقيا في أيلول وكلها تدرك في تشرين الثاني وتؤكل إلى أوائل نيسان. ومنها الحلبة والفصّة ويزرعان سقيا في أيلول ويدركان في الربيع علفا للدواب، وتصير الفصّة خالدة كلما قطفت نبتت. هذا ما تيسر استقصاؤه من المحاصيل الأرضية المستنبتة في بساتين حلب وبعض قراها وبلادها.

النباتات الشجرية

النباتات الشجرية الأشجار التي توجد في بساتين حلب وأعمالها وجبالها منها شجر الكرم الذي لا تكاد أنواعه تدخل تحت الحصر ويزرع سقيا وعذيا أقلاما في أواسط شباط ويثمر عنبا بعد ثلاثة أعوام في تموز ويقطف إلى أوائل الشتاء متعاقبا على اختلاف أنواعه. ويعمل من الأبيض منه، في عينتاب ومرعش وبيلان، العرق المسكر وأنواع الحلاويّ كالدبس والبصطيق (جلد الفرس) ومن الأسود منه الخمر والخل. ويوجد منه نوع أسود حالك في جهات القصير يعرف بالبكّاري يتغالى شرّاب الخمر في خمره ويباع منه كل سنة في حلب قناطير مقنطرة لأجل اعتصاره خمرا. وكلها تيبس زبيبا أما العنب الموجود في برية حلب وجهة تادف والباب فلا يستعمل لغير الأكل. وقد أدركنا حلب وليس في بريتها شيء من هذا الشجر. ثم في سنة 1276 التفت الناس لغرسه فنجح وكثر حتى عم برية حلب. وأكثر أنواع هذا الشجر موجود في البيوت والبساتين من حلب وأعمالها، وتعظم شجرته وتحمل على عريشة وينتفع الناس من حصرمها وورقها كثيرا وعنبها قليلا. وربما ظلت الدالية في بيوت حلب مسافة عشرين ذراعا في مثلها وقد يبلغ حملها من الحصرم إذا كانت سباعية قنطارين بالوزن الحلبي، والسباعية هي التي تحمل في كل عام سبع مرات متوالية. ومنها شجر الزيتون وهو نوعان زيتي للزيت وخلاخلي يحلى بالماء أو بالقلا والكلس ويؤكل فقط. وأكثر زيتون بساتين حلب من الخلاخلي وقلما يسلم من الصقيع. ومعظم النوع الأول في كلّيس وهو أجود أنواعه ثم في القصير ثم في سلقين ثم في إدلب فأرمناز وكفر تخاريم ومرعش ويزرع قطعة من أصول جذعه في أربعينية الشتاء ويثمر مع الخدمة والاعتناء بعد سبعة أعوام ويدرك في أيلول. ومنها الفستق ويكون أنواعا عديدا وهو من خصائص مدينة حلب في سوريا ومحله الآخر جبال قلعة الروم وفيها معظمه ثم في جهات برية حلب فقط. وكيفية زرعه أن ترمي منه حبة في الأرض في أول الأربعينية وتتعهد بالسقي مدة سنتين وتكون قد نبتت بعد ثلاثة أشهر من رميها ثم بعد السنتين تحول نبتة (شتلة) إلى حفرة لها وتتعهد بالسقي مدة سنة ثم تترك حتى يتم على تحويلها أربعة أعوام وحينئذ تصير شجرة في ارتفاع قامة الإنسان فيطعمونها من النوع المطلوب ببراعمه ويعرف عندنا بطعم السمسمة فتثمر من ذلك النوع.

ويقطف الفستق من تموز إلى أواسط آب وشجرته لا تثمر من غير تطعيم وربما أثمرت بطما أو فستقا فارغا صغارا يعرف بالشرقي. ومنها التين وهو أنواع كثيرة أيضا. وكان كثيرا في برية حلب وجميع جهات ولايتها. قال ابن الشحنة: وبها التين الذي لا يوجد نظيره في بلد من البلاد، لا في شكله ولا في مقداره ولا في طعمه ولا في كثرته، فقد بيع منه والملك الأشرف ابن سيباي بحلب عشرة أرطال حلبية بدرهم فضة. ومنه نوع يقال له الماسوني تبلغ الحبة منه ستين درهما أو أكثر، والسلطاني وهو أجوده والورداني وهو أسود. قلت: والذي أدركنا عليه حلب أنه لم يكن فيها من هذا الشجر إلا القليل النادر وكان يجلب إليها التين من قرية الأنصاري وبلد الحلقة كترمانين وتقاد. ثم في حدود سنة 1276 غرس منه بستان في جبل الشيخ محمود في شمالي حلب على غلوة منها ثم تتابع غرسه في أطراف حلب حتى كثر وأثمر بمدة وجيزة وصار يباع الرطل الأخضر منه بقرش وهو غاية في الجودة ومع هذا فإنه يوجد منه مقدار كثير في جميع جهات الولاية ويباع منه في التجارة يابسا مبالغ كلية. وكيفية زرعه أن يغرس منه قضيب في أوائل شباط عذبا فيثمر بعد ثلاثة أعوام ويقطف في عشرين تموز إلى أوائل أيلول. ويوجد منه نوع لا ينضج إلا في الشتاء. وقد يحتالون على تعجيل نضج التين بوضع قطرة من الزيت في ثقب الثمرة. ومنها شجر التين الذكر ويعرف عندنا بالتوب والمراد من هذا الشجر ثمرته الشبيهة بالتين الفجّ لأن بها تكون مادة التلقيح التي لا يصلح التين إلا بها. وهذا الشجر يزرع قرب شجر التين فيتم به التلقيح المطلوب. وكيفية زرعه كشجر التين على السواء. ومنها شجر اللوز الحلو والمرّ، ويجنيان في بساتين حلب في هيار أخضرين ويعرفان بالعقابية ويكثران في جبل الزاوية وجبال القصير وبقية جبال الولاية ويقطفان فيها يابسين في تشرين الأول ويزرعان حبة في الشتاء تبقى من سبع سنوات إلى عشر وتثمر. ومنها الصنوبر وهو كثير منتشر في أكثر جبال الولاية لكنه يعرف بالأرز لعدم ثمره ولا يثمر منه إلا قليل في لبنان وجبال مرعش. ومنها العفص والجهرة وينبتان بنفسهما في جبال مرعش ويقطفان في آب. ومنها السّماق ويوجد في بساتين حلب وجميع جهات الولاية ويعيش عذيا ويزرع شتلة أي فسيلا من فروعه وينمو ويثمر بعد سنتين ويقطف

في عاشر تموز. وهذه الشجرة إذا انتشرت في أرض صعب استئصالها. ومنها الزعرور ويوجد في بساتين حلب وجميع جهات الولاية وينبت بنفسه ويقطف في تشرين الأول. ومنه نوع كبار لذيذ الطعم يعرف بتفاح الجبل لاختصاصه به وهو يبشر بالشتاء كما أن عجّور الجبل يبشر بالربيع وفي المثل العامي (اللي يبشر بالعجور بدّه عباية واللي يبشّر بالزعرور بدّه ألف عصاية) . ومنها التفاح والموجود منه في حلب وبساتينها على تسعة أنواع: الأول منه ما يقال له عرب كرلي ويزرع فسيلا في صناديق صغار في البيوت ويثمر من سنته، وشجرته دون قامة الإنسان ووجود هذا النوع حادث في حلب. الثاني يقال له المسكي ويزرع في البساتين كبقية الأنواع الآتية وحبته تكون في حجم الجوزة الكبيرة وطعمه حلو ولونه أحمر قاتم ويشم منه ريح المسك. الثالث يقال له الحديدي وهو نوع من المسكي إلا أن في طعمه حرافة وقبض «1» ولهذا يستعمل غالبا للاستقطار. الرابع يقال له خيامي نسبة إلى قرية من قرى عينتاب تبلغ حبته إلى خمسين درهما رحويّ الشكل أبيض أحمر مزّ الطعم. الخامس يقال له الفلكي وهو دون الخيامي حجما أصفر اللون ظاهرا وباطنا. السادس يعرف بالليموني لشبهه بالليمون الحامض شكلا، أبيض أصفر يميل طعمه إلى الحموضة. السابع يعرف بالقصيري البلدي شبيه بالمسكي حجما أخضر أبيض حامض الطعم. الثامن يعرف بالخشخاشي لشبهه بالخشخاش حجما أبيض أخضر حلو الطعم. التاسع يعرف بالأبلق كأنه سفرجلة صغيرة حلو الطعم. فهذه الأنواع هي التي توجد في حلب وبساتينها، ويجلب إليها من القصير ودير كوش نوع شبيه بالقصيري البلدي يعيش هناك عذيا. وكلّها تزرع فسيلا في الكانونين وتدرك بعد أربعة أعوام وتقطف ثمرتها من هيار إلى أواخر حزيران، سوى الأبلق فإنه يدرك في أيلول. ويجلب إلى حلب من دمشق والزبداني أنواع من التفاح. ويجلب شتاء من عينتاب وملطية وغيرهما أنواع كثيرة منه. ومنها الكمّثرى ويعرف عندنا بالعرموط، وهو ثلاثة أنواع: أحدها يعرف بقوجه حمزة تبلغ حبته 100 درهم. وثانيها البستاني نسبة إلى البستان أصغر من الأول بقليل، وكلاهما يوجدان في بساتين حلب. وثالثها الريحاوي أصغر من الثاني ومحله جبل الزاوية.

وكل هذه الأنواع تزرع كالتفاح وتقطف من آب إلى تشرين الأول. ويجلب من ملطية إلى حلب شتاء نوع من الكمّثرى كبار حلو لذيذ جدا. ومنها السفرجل ويوجد في بساتين حلب وأكثر جهات ولايتها وهو نوعان شتوي كبير الحجم كأنه الرمان يميل لونه إلى الخضرة يقطف من أيلول إلى تشرين الأول وصيفي كالأول حجما وطعما وقطافا سوى أن لونه أصفر ويزرع فسيلا في الشتاء ويثمر بعد خمسة أعوام ويوجد منه نوع آخر يقال له الصيني كبار مستطيل لا يؤكل نيئا لشدة حرافته وقبضه ويستعمل للتربية أو يوضع في البيوت لشم ريحه. ومنها نوع شبيه بالبرقوق يعرف عندنا بالجان ارك وهو سبعة أنواع: الأول أخضر كبار مكبكب في حجم بيضة الطير حلو الطعم يعرف بالإفرنجي. الثاني صغار كالزيتون لونا وحجما حامض جدا يعرف بالخلاخلي. الرابع «1» المشبه أي الشبيه بالافرنجي أي أن طعمه حامض. الخامس المعروف بالشحمي لميله إلى البياض حلو الطعم في حجم الإفرنجي. السادس أبو سرّة حامض. السابع الأبلق أحد وجهيه يميل للبياض والآخر أحمر قاتم. وكلها تلقح على القراصية والإجّاص وقلب الطير والخوخ سمسمة ونشابا، وتدرك في هيار وتدوم إلى حزيران إلا الأبلق فإنه يدرك في تموز ويدوم لآخر آب. ومنها المشمش وهو خمسة أنواع: الأول العجمي أصفر وبرتقالي أو يميل إلى الخضار في حجم بيضة الدجاجة الصغيرة حلو طيب الرائحة كثير الماء. وهو عندنا أقل الأنواع وأندرها. الثاني الحموي في حجم العجمي حلو له رائحة عنبرية أبيض أحمر وهو نادر أيضا. الثالث الشحمي أبيض ناصع دون الأولين حجما حلو الطعم. الرابع سندياني دون الشحمي حجما أبيض أحمر. الخامس الكلابي وهو أصغر الأنواع حجما وأكثرها. وكلمة كلابي فارسية مركبة من كول وهو الورد وآب وهو الماء ومعناها الماوردي. وسمي هذا النوع من المشمش بهذا الاسم لطيب نكهته التي لا يوجد نظيرها في بقية أنواعه. وجميع أنواع المشمش التي ذكرناها تزرع عجوا ينبت بعد أربعة أشهر ويبقى سنتين ثم يحوّل وبعد مضي سنتين من تحويله يلقح من النوع المطلوب سمسمة أو نشابا فيثمر بعد سنتين ويقطف في أواسط حزيران الشرقي ويدوم نحو شهر. واللوزي من هذه الأنواع قد يلقح على شجر اللوز فينجب.

ومنها الصبّار المعروف عندنا بتين الصبّار ولا يوجد منه في حلب إلا شجيرات لا تثمر ويوجد في إسكندرونة كثيرا. ومنها الدرّاقن المعروف بمصر بالخوخ وهي أنواع ستة، كبيرة الحبة يميل لونها للحمرة لوزية العجوة ومخملية الملمس وبرتقالية اللون ومخضرته إلى بياض يقال لها اللزيق وكلابية أي ماوردية وعينتابية وكلها تزرع عجوة تحوّل بعد سنة فتدرك بعد سنتين وتلقح من بعضها وتقطف من أول آب إلى غاية أيلول. ومنها القراصية وهي نوعان بلدية وافرنجية والأولى حلوة وحامضة والثانية حلوة جدا مصفرة اللون إلى الخضرة وهي عندنا نادرة قليلة. ومنها نوع يقال له قلب الطير لشبهه به. ومنها الإجّاص وهو كقلب الطير لولا انعطاف قليل من رأس حبته. ومنها الخوخ وهو كالإجّاص إلا أن حبته أكبر منه بكثير، وهو أنواع قيصري وزجاجي وغيرهما وكلها لذيذ يندر وجودها في غير حلب. وهو وما قبله يزرع فسيلا من شجرته ويدرك بعد خمسة أعوام وتقطف ثمرته في أيلول وتدوم إلى نحو شهر. ومنها الرمان وهو خمسة أنواع: الأول يقال له مليسي أصفر باهت رقيق القشر لا تزيد الواحدة منه على خمسين درهما، حبه أبيض مضمحلّ العجم جدا وهو عندنا أرفع أنواع الرمان وأندرها، ويوجد في بساتين حلب قليلا وبالرها كثيرا. الثاني يقال له صهيوني أخضر أصفر، قد تبلغ الواحدة منه أربعمائة درهم أبيض الحب محمره قليلا صلب العجم يوجد منه في بساتين حلب وتادف والباب ودير كوش وغيرها. الثالث يقال له المصري قد تبلغ الواحدة منه مائتي درهم ياقوتي القشر والحب صلب العجم. الرابع صفروني أصفر القشر إلى البياض أبيض الحب قد تبلغ واحدته مئة درهم صلب العجم. الخامس يعرف بالأسود لسواد لون قشره رديء الحب لا يؤكل غالبا إنما يستعمل هو وقشره في قوابض المعدة. ولجميع قشر الرمان رواج عظيم في الصبغ والدباغة ويوجد في كل نوع منها الحلو والحامض والمز ويزرع وتدا أو فسيلا يحوّل ويدرك بعد ثلاثة أعوام ويقطف في آب إلى آخر أيلول. ومنها الآس ويوجد في بيوت حلب قليلا وبساتين أنطاكية وجبالها كثيرا ويستعمل ثمره للأكل ومسحوق ورقه مع الزيت شدودا للأطفال الرضّع، وأعواده الدقيقة مكانس ويزرع في البيوت حبّة وفي الجبال ينبت بنفسه ويثمر في الخريف. ومنها الجوز ويكثر في حلب وعينتاب ويزرع حبة منه في الشتاء وتنبت في آذار وتحوّل بعد ثلاث سنين ويدرك

بعد ثمان إلى عشر سنين وحينئذ يدهن جذعها في كل عام يوم أربعة الزوبعة منطقة بصبغة تراب المورة المعروفة عندنا بالمغرة زعما أن هذا يخلصها من الدود وتقطف في ثاني عشر أيلول وقد يبلغ حمل الشجرة إلى خمس «1» وعشرين ألف حبة. ومنها الكرز ولا أعرف اسمه الحقيقي، وهو أربعة أنواع: استانبولي أبيض أحمر حلو الطعم. وعجمي أحمر قاتم حلو. وافرنجي أحمر قان حامض. ووشنه أسود كميت مزّ وحبّته مكبكبة «2» عنبيّة النضج في عجم حبة العنب. وأنواعه الثلاثة تلقح على الوشنة وشجر المحلب وتدرك بعد سنة والوشنة تزرع فسيلا وتدرك بعد أربع سنوات وكلها تقطف من هيار إلى أوائل حزيران ويصنع من الوشنة المربّى الذي لا نظير له في المربيات في اللذة. ومنها التّوت وهو شامي وهزّيز فالأول هو الفرصاد أسود عند استوائه، أحمر قبله، كبير الحبة مزّ الطعم إذا استوى حامضه قبل ذلك. والثاني يكون أسود وأحمر وأبيض، حلو إذا استوى، ويقطف بهز شجرته ولهذا عرف بالهزّيز أو بضرب أغصانه بهراوة بعد أن يفتح تحت الغصن ملاءة كبيرة تعرف بالقلع. والشامي يقطف باليد حبة حبة. ويوجد من النوع الثاني مقدار عظيم في أنطاكية والسويدية. وتلك الجهات يعانون زرعه بقصد ورقه لتربية دودة القز فينجب هناك جدا ويحصل منه قناطير مقنطرة من الحرير الجيد وربما ربّوا الدودة المذكورة على ورق التوت في بساتين حلب لكنها لا تنجب عليها كتوت أنطاكية، والسبب في ذلك خشونة ورقه لقدم شجره بخلاف ورق توت أنطاكية وما والاها فإنه غضّ رخص لحداثة شجره وعنايتهم به. ويوجد في بساتين حلب نوع من التوت لا عجم له أبيض حلو يعرف بالعجمي أو بالعرب كيرلي، وهو حادث منذ سنة 1285 وكل أنواع التوت تزرع فسيلا وتلقح من بعضها وتدرك بعد سنة وتقطف بهيار وتدوم نحو شهر. والشامي يقطف من حزيران إلى أواخر آب. ومنها شجر العنّاب وهو قليل في حلب وجهاتها عدا أنطاكية فإنه كثير بها. ومنها الجلّوز ويعرف عندنا بالبندق يزرع حبّة ويثمر بعد خمسة أعوام ويقطف أخضر من تموز إلى آخر آب. ومنها البرتقال وما هو من فصيلته كالليمون الحلو والحامض والكبّاد والأترجّ والنارنج وبرتقال الدم والمالطي المعروف عندنا بيوسف أفندي والليمون الهندي المعروف

بالأنان. وكلها مخصوصة بالبيوت في حلب. ولأهل حلب عناية عظيمة بهذا الشجر بحيث لا يكاد يوجد منه نوع إلا وهو موجود في بيوتهم ومع هذا فهو لا ينجب إلا بمشقة عظيمة من السقي والتسميد ومحافظته من البرد ولا يوجد منه الآن شيء في البساتين كما يفهم من كلام دارفيو على ما قدمناه في الكلام على تربة حلب، وهو كثير جدا في أنطاكية وجهاتها الغربية وينقل منها إلى حلب، وقد استجدّ منه جانب عظيم في جهات اسكندرونة المعروفة بالجايات، وصار ينقل منها إلى حلب ألوف من الأحمال ويباع فيها الرطل الحلبي الصالح للعصير بستين بارة ويجلب منه مقدار عظيم من طرابلس الشام وجهاتها، ويستخرج من زهره في جميع الجهات ماء الزهر ويباع منه في حلب مبلغ عظيم وهو يزرع في حلب بزرا يثمر بعد سبعة أعوام على الغالب أو يزرع فرعا منه بعد استنبات جذوره بواسطة إدخاله في إناء مملوء ترابا وتعهده بالسقي مدة أشهر. وهذه الواسطة تعرف عندنا بالداروخ ويطعم من بعضه سمسمة كثيرا ونشابا قليلا. وكل أنواع البرتقال تزهر في نيسان وتقطف في كانون الأول وتدوم إلى السنة الثانية بحيث يجتمع في الشجرة الأصفر والأخضر والزهر. والمفهوم من كلام المسعودي في مروج الذهب أن أنواع البرتقال لم تكن موجودة في بلادنا قبل الثلاثمائة، وإنما حمل من أرض الهند إلى غيرها بعد التاريخ المذكور فزرع بعمان ثم نقل إلى البصرة والعراق والشام حتى كثر في دور الناس في طرسوس وغيرها من الثغور الشامية وأنطاكية وسواحل الشام وفلسطين ومصر وما كان يعهد ولا يعرف، وبنقله من الهند عدمت منه الرائحة الخمرية الطيبة واللون الحسن الذي يوجد فيه بأرض الهند لعدم ذلك الهواء والتربة والماء وخاصية البلد. اه. ومنها الانكي دنيا الشبيهة بالمشمش إذا نضجت، المشتملة حبتها على عدة عجوات كبار وتقل في بيوت حلب وتكثر في جهات أنطاكية وتزرع حبّة تثمر بعد سبعة أعوام إذا خدمت جيدا ويجلب منها من أنطاكية إلى حلب مقدار عظيم وتقطف في نيسان وتدوم إلى تموز. ومنها النخل وهو مما لا أثر له في حلب بعد أن كان يوجد فيها كما يفهم من كلام أحمد الصنوبري في قصيدة أثبتناها في ترجمته ولا يوجد منه في بلاد حلب سوى القليل في برية اسكندرونة. هذا معظم الأشجار المطلوبة لثمرتها. وأما الأشجار التي يطلب منها منفعة أخرى فهي كثيرة جدا، منها ما يوجد في بيوت حلب وبساتينها وبساتين بلادها، ومنها ما هو خاص بجبال ولايتها. فالأول أنواع كثيرة

منها شجر السرو بنوعيه الهرمي والصيواني وقد أدركنا منه القليل في مدينة حلب ثم فقد عن آخره وكان يوجد فيها بكثرة ويقال إن مدينة حلب كانت من أحسن البلاد منظرا للقادم عليها حيث يشاهد مناراتها البيض القائمة بين شجر السرو المحيطات بقلعتها إحاطة الجند بالملك العظيم وهو يزرع حبّة منه ويعمّر مئات من السنين. ومنها شجر الغار ويوجد في حلب قليلا وأنطاكية كثيرا وقد يعمل من دهنه الصابون فيرغبه الناس ليطيب رائحته. ومنها الحور القطراني الذي تبلغ شجرته عشرين قنطارا حلبية ويعرف بالدّلب ويستعمل خشبه في الظروف المكوّرة الخشبية وغيرها. ومنه نوع له ثمر شبيه بالكرز الصغير حريف قابض يعرف بالموز. والحور السلطاني يكون أبيض طويلا أملس يستعمل جذوعا لسقوف البيوت ويثمر في حلب ظروفا فيها ثقوب يخرج منها البعوض المعروف عندنا بالبق وهو كثير في عينتاب. ومنها الصفصاف وهو نوعان: أحدهما مستقيم الأغصان عظيم الشجرة يستعمل خشبة آلة للتجارة وعروقه ينسج منها سلّات وأطباقا جماعة يقدمون من بلاد وان إلى حلب في كل سنة ويلتزمون شجره من أصحابها ويستعملون عروقه فيما ذكر ويقال لهم عندنا سلات مكبات. وثانيهما منحني الأغصان إلى الأسفل ويعرف عندنا بالمستحي، ويراد منه حسن منظره. ومنها شجر الزيزفون ويوجد في الخنادق وأنطاكية كثيرا وفي غيرها قليلا. ومنها الدردار وهو شجر عظيم صلب الخشب يستعمل في آلات الفلاحة والزراعة وثمره لسان العصفور المستعمل في الطب ويكثر وجوده في بساتين حلب. ومنها الزنزلخت وهو لفظ فارسي أصله اللازادخت «1» واسمه العربي القيقب ومعناها بالفارسية الشجرة الحرة لأنها تحمي نفسها بثمرها. وهو شجر يشبه ورقه ورق الدردار يثمر حبا كالزعرور ولا يؤكل لسمّ فيه ويستعمل عجوه مسابح ويزرع في أطراف بساتين حلب وبعض بيوتها فسيلا ويزهر في الربيع. ومنها شجر شائك لا يطول أكثر من قامتين بل يفتح صيوانا ويرسل عروقا وفروعا تحتبك ببعضها وتتصل بالشجرة التي بجانبها فتكون كالسياج العظيم محيطا بالبستان عوضا عن الجدار ويسمونها الغبيرة وتثمر شبه اللوز الصغير بلا فرق بينهما لولا مرارة قليلة

نباتاتها المعدود بعضها من العقاقير الطبية

في لبها، وكثيرا ما يؤخذ لبها ويستخرج مراره ويلبّس بالسكر، وهي تزرع عجوة في الشتاء وتثمر بعد ثلاثة أعوام. ومنها شجر البان والمقصود زهره لحسن منظره كأنه أصابع ملبّسة بالفراء ويزرع قلما ويثمر من سنته. ومنها العوسج ينبت في برية حلب ويجعل حطبه وقودا ويدخل ورقه في الأكحال. ومنها الغرقد «1» وهو كبار العوسج ينبت في أطراف القرى الشمالية ويستعمله الفلاحون طبقا لسقوفهم. هذا معظم الأشجار والنباتات التي توجد في بساتين حلب وبريتها وجهاتها. وأما الأشجار والنباتات التي توجد في جبالها المعشبة فهي كثيرة لا تكاد تدخل تحت حصر. وبالجملة فإنه يوجد فيها جميع ما يوجد في جبال سورية فلا حاجة إلى إطالة الكلام بعده. نباتاتها المعدود بعضها من العقاقير الطبية لم أذكر في هذا الفصل من هذه النباتات إلا ما وقفت له على اسم مشهور في المفردات الطبية القديمة. ولذا لم أذكر منها سوى القليل فأقول: من النباتات المعدودة من العقاقير الطبية الموجودة في برية حلب وبعض جبالها هي الحزنبل والقسط والدرونج العقاربي والغافث والهليون والقنطريون، وهو أنواع، والحاشا والبادروج والعرطنيسا وهو يعرف عندنا بالمهدة والشيطرج وهو الخامشة والماميثا والبابونج وهو أنواع، والبرشاوشان وهو كزبرة البئر والسذاب وشيبة العجوز والبنج وعنب الثعلب ولسان الثور ولسان العصفور والأسطوخودس والبسفايج والسقمونيا وهي المحمودة ومنابتها في قضاء أنطاكية وجهات جسر الشغر واليبروح والأفتيمون والغاريقون والنجيل وهو من أنواع النجم وإكليل الملك والخزامى والحمّاض والخبّازى والخيري والنرجس والزنبق، وهذه الثلاث: أنواع عديدة. والسوكران والراسن والغبيرا والسبستان والنسرين، ويوجد في البيوت أيضا، والسعد والعكوب وهو السلبين والسوسن والخطمي وتوجد في البيوت أيضا والكشوث وعرق السوس وهو كثير في جميع جهات الولاية ولا سيما في العمق وجهات أنطاكية وينقل منه

النباتات المشهورة عند الحلبيين

إلى أوروبا وأميركا مبالغ وافرة. والسيسبان ويوجد في البيوت أيضا، والشبث والعلّيق والحلفاء التي تعمل منها الحصر وحبال الآبار وتكثر في السويدية والعمق وشقائق النعمان والنيلوفر والأشنان والحرمل ويكثران في جهات تدمر ويعمل منهما القلي الكثير وقثّاء الحمار والسدر والخنثى والغاغاليس وهو فساء الكلاب، والفاغية ويختص وجودها في البيوت وقرة العين والفوة والزراوند وهو أنواع والقردمانا والطباق والخربق ورجل الحمامة والعذبة والأقحوان وهو أنواع. واللاعية والفوتنج وهو أنواع. والإبهل واللوفا وهو الحي عالم، ويوجد في البيوت أيضا والعرعر وآذان الجدي وآذان الأرنب وأسد العدس والعنصل ويكثر في جهات أنطاكية والسّنبل والشّيح والقيصوم والعبيثران والدفلى ويوجد منها في البيوت أيضا، وأنواع النعنع البري والبستاني والحرف وهو حبّ الرشاد والزوفا والحسك والأفسنتين والأنجرة والهندبا والجرجير وهو أنواع، والبان والبنفسج ويوجدان في البيوت والبساتين والجبال والشقاقل وجوز ماثل وحشيشة الزجاج والريباس وذنب الخيل ورعي الإبل والصعتر ويزرع في البساتين أيضا والكمأة وهي تكون في برية حلب والصحراء الجنوبية والشرقية في سنة الخصب والنقل على أنواعه. النباتات المشهورة عند الحلبيين من تلك النباتات الجيجان الشبيه ظاهره بالعرطنيسا وهو من أجود مراعي النحل. والسحلب وهو كثير في جهات مرعش ويباع منه في التجارة مبالغ كثيرة. والبلسان شجر يرتفع كشجر الرمان له ورق كورق الملوخيا وأغصان ملس ويزهر جماجم بيضاء تدخل الطب كثيرا وهو يوجد في البيوت كثيرا وغيرها قليلا والجاي المعروف بالجاي الصيني، يوجد في الجهات الجنوبية لكنه خفيف الطعم قليل جدا. ومن الزهور التي يعتني الحلبيون بتربيتها في البيوت والبساتين: شجر الورد بأنواعه كالحوجم والجوري والوتيرة والقحابي ونوع يقطف سبعة أدوار يعرف بالسباعي وآخر ظاهر ورق زهرته أسود وباطنها أصفر، والسباعي والجوري يكثر في البيوت والبساتين وجهات إدلب والقصير ويستقطر منهما الماء الطيب الرائحة ويباع منه في التجارة مقدار عظيم. والجوري يعمل منه الحلبيون المربّى اللذيذ المعروف (كولبشكر) . ومنها الياسمين الذي يعظم شجره ويعرش في البيوت كالدالية وهو أنواع كثيرة، ومنها

حيوانات حلب وتوابعها

الياسمين البحري البصلي والزنبق وأنواع النمام والمنثور والفلّ المفرد والمضاعف والفاغية وزهر المسك والنرجس بأنواعه، وكثير من النباتات التي عددناها من العقاقير. وأغرب ما يعتنى به في البيوت نبات غض له ورق كورق الصعتر تقريبا يقوم على ساق واحد ولا يرتفع أكثر من شبر إذا لمس بأصبع أو نحوه أدنى لمس انكمش على بعضه كأنه في غاية الحس والشعور، ثم بعد برهة ينبسط ورقه ويعود إلى ما كان عليه وهو يعرف عندنا بالغنّاجة وأظنه هو المعروف بالسنط الحسّاس أو العشبة المستحية. إن الزهور في بيوت حلب كثيرة الأنواع لا تكاد تحصى وفي كل وقت يتجدد منها شيء كثير يستجلب بزره من غير جهة وتسميه العامة باسم يلائم ذوقها فيه فلا نطيل بذكرها وفي هذا القدر كفاية. حيوانات حلب وتوابعها ولنبدأ منها بالطيور الأهلية المقيمة دائما: فمنها الحمام الأزرق المطوق الموجود نظيره في الحرم المكي وبعض جوامع القسطنطينية وغيرها ويعرف عندنا بالبرّي وأوكاره في الأبنية الخربة وربما ألف العمار فكثر. وله أبراج خصوصية تبنى على شكل هندسي معلوم تعرف بالأبراج، أكثر ما توجد في القرى المشهورة بجودة البطيخ الأصفر، لأن زرقه يجعل سرجينا لحقول البطيخ. وهذا الحمام يصاد بكثرة في كل مكان من حلب وجهاتها. ومنها حمام أحمر اللون مطوق دون الحمام الأزرق بيسير، أو كاره في الغالب كوّات البيوت ويسمى اليمام أو الفاخت، والعوام يتحرجون في صيده كأنهم يعدّونه مستأمنا أو محتميا بهم. ومنه نوع أبيض اللون يقتنى في الأقفاص لحسن هديره ينقل إلى حلب من بلاد الرها وأنطاكية ويعرف عندنا بدايم كريم. ومنها حمام أبيض ناصع أو أحمر متوّج يؤلف في البيوت ويعرف بالقوّال والعامة تزعم أن وجوده يمنع القرينة أي الجن. ومنها حمام أبيض أو أصفر أحمر ملون وأرقش وموشّى منسدل الريش أو منقوشه. وغير ذلك من الأنواع التي لا تكاد تدخل تحت حصر، ولكل منها اسم يخصه ولها جماعة من الناس يعتنون باقتنائها يثيرونها في طرفي النهار فتختلط مع بعضها في الهواء ويعود كل سرب منها إلى مكانه فيربح صاحبه الزيادة أو يخسر النقص. وهؤلاء الجماعة يعرفون عندنا بالحماماتية أكثرهم أوباش ممقوتون عند العموم لما يتصفون به غالبا من قلة الدين

والإشراف على حريم الناس لصعودهم الأسطحة وكسر زجاجات البيوت بسبب رميهم ما يقف من الطيور على الأسطحة بالحجارة. وكانت حلب مشهورة بحمام الزاجل من قديم الزمان وسنتكلم عليه. ومنها العصفور وهو أنواع منه ما يعرف عندنا بالدوري رمادي اللون موشّى بسواد وأوكاره في جدران البيوت في حلب وغيرها وهو كثير جدا ويصاد بقلّة. ومنه نوع متوج ونوع آخر يعرف عند العرب بالمطواق أكبر من الأولين ونوع يقارب حجمه الزرزور ويقال له الدلدل وكلها توجد في برية ولاية حلب ولا توجد في مدنها. ومنها الزرزور الأسود أو المرقش ببياض وهو أكبر حجما من الدوري وأقل منه وأوكاره في جدران البيوت وصيده قليل. ومنها نوع من القنبرى في حجم العصفور طويل الذنب يرقصه إذا وقف، أصفر موشى بسواد يعرف عندنا بالقنبرى جعصو أي قمري الجعص، ويوجد في أطراف الحياض في البيوت وفي شطوط البحيرات والمستنقعات ونهر قويق ولا أعرف أين تكون أوكاره. ومن هذا النوع ما هو أصغر منه وأقصر ذنبا لا يرقصه إذا وقف ويعرف عندنا بالسقيقية، وتصاد فتجعل في الأقفاص لحسن صوتها وتطعم حب الشهدانج. ومنها الغراب الأبقع ويعرف عندنا بالقاق وأوكاره في رؤوس الأشجار العالية في البيوت والبساتين، وكثيرا ما يوجد في أوكاره ذهب مسكوك وألواح من الصابون يختطف الذهب مع قلانس صغار وهي منشورة على الأسطحة للتجفيف بعد الغسل وقد غفل أهلها عن حراستها. ومنها الصقر الذهبي اللون المرقش بالسواد الذي يقف في الهواء برهة فاتحا جناحيه وهو في حجم الغراب، وأوكاره في جدران البيوت صيفا وفي الجبال شتاء. ومنها طير الباشق ويعرف عندنا بالشوحة أكبر حجما من الغراب بقليل، أقتم اللون أوكاره في الجبال. ومنها أنواع البوم يأوي الخراب ومنه نوع يظهر في الصيف فقط ويقف على بعض الأشجار ليلا ويتدلى منكوسا قيل لزعمه أن السماء ستقع عليه ويصيح كأنه يقول توب توب ولذا عرف عندنا بطير التوب واسمه الحقيقي التهبط أو الهديل. ومن أنواع البوم أيضا نوع في حجم الدجاجة الأهلية أبيض الريض يظهر صيفا ويقف على بعض الأبنية العالية أو في المقابر ويسمع منه صوت مكرب كأنه صوت مصدور. وبقية الأنواع تظهر في جميع الفصول وكلها تظهر ليلا.

ومنها طير الخفاش في حجم العصفور ومساكنه الأماكن المهجورة المظلمة. ومنها نوع من البلبل في حجم العصفور رمادي اللون يأوي إلى البساتين ويختفي صوته من تموز إلى أوائل آذار وصوته مطرب وأوكاره في أشجار البساتين. ومنها الحجل، وهو القبج، ويوجد في جبال الولاية ويصاد. ومنها الشقراق يوجد في برية حلب غالبا وأوكاره في الجبال والأبنية الخربة خارج البلد. ومنها الهدهد ويختفي شتاء. ومنها طير يقال له الوروار دون الزرزور بقليل، أسود أخضر يوجد حيث وجد النحل لأنه غذاؤه ويصاد ويؤكل والعرب تتشاءم من أكله، والنحل عندنا كثير في المدن والقرى. ويوجد غير ذلك من الطيور الأهلية المقيمة مما لا طائل بذكره. وأما الطيور الوافدة وهي الطيور القواطع فمنها أنواع التدرج كالذي يسمونه دجاج القنبيط دون الحمام الأزرق بقليل ويقدم على بساتين حلب في أواخر الخريف ويبقى ما دام القنّبيط باقيا ويصاد بكثرة والذي يسمونه الدج أصغر من الثاني. وقدوم هذين في الأوان المذكور ويصادان بكثرة. ومنها الإوز والبط يقدمان من ابتداء كانون ويصادان من أطراف البحيرات وشطوط الأنهار ويستمرّان إلى آخر الشتاء. ومنها السمان وهو نوع من التدرج ويقدم في أوائل آذار ويصاد من المزارع ويغيب في الصيف ثم يرجع إلى الخريف ويبقى في الشتاء. ومنها طير دون الحمام الأزرق بقليل ويعرف عندنا بالترغل، واسمه الصحيح الأطرغلّات، وهو من نوع الدباسي ويقدم في نيسان ويبقى لأيام الحصاد ويغيب ثم يرجع في تشرين الأول ويصاد من بين الزرع والقيعان المتسعة في البرية. ومنها القطا يجيء في أواخر الخريف ويصاد بكثرة. ومنها عصفور صغير من بغاث «1» الطير يقدم في أيام نضج التين ويغيب في نفاده ويصاد من شجره ولذا سمي بعصفور التين. ومنها الكركي والحبارى واللّقلق توجد في شرقي برية حلب واللقلق يقدم إلى الرّها صيفا ويتخذ أوكاره في رؤوس المنارات المتوّجه من قبل الناس بأطباق من العود عناية به لأنه يصيد الحيّات، وهو في بعض السنين يتسلط على الجراد فيفنيه. ومنها طير شبيه بطير السقاء يوجد في شطوط الفرات ويعرف بنعاج الماء ويصاد. ومنها طير أسود كبير تسميه العرب النواق يوجد في جهات الزور. ويوجد فيها أيضا طير تسميه العرب العناق الأصغر يصاد.

وطير تسميه الدلم كأنه حمامة زرقاء لكنه قدرها ضعفين ويصاد. وفي هذه الجهة وجهة العمق يوجد الإوز والدرّاج في كل وقت ويوجد في صحرائها طير طويل الرجلين والمنقار وتسميه العرب بالرعاف. ويوجد في بحيراتها طير السقاء وفي جبالها النسر الأسود والعقاب والشاهين وفي جبال العلاء طير أسود كالدجاج له بين عينيه عرف أبيض كاللوزة يستدلون بكبره على سمنه ويصاد ويؤكل. ومنها الغراب الزرعي ويعرف عندنا بالزاغ يصاد من بين الزرع والبساتين شتاء وفيه قدومه. ومنها السنونو المطوق بحمرة والخطّاف ويقدمان إلى حلب وما يتبعها من البلدان والقرى في آذار. والأول يبني بيوته من الطين تحت سقوف البيوت والأسواق ويفرخ فيها. والثاني يسكن في ثقوب الجدران. وكلاهما يبقيان إلى اشتداد الحر. ومنها طير مائي أبيض في حجم الحمامة كان يقدم إلى حلب في أيام الربيع ويستمر إلى اشتداد الحر ويعرف عندنا بالتاعية وكان الأولاد يصعدون إلى الأسطحة ويقذفون له قطع الخبز فيتلقفها بالهواء وربما احتالوا عليه وصادوه وقصّروا أجنحته وتركوه يدرج في الدار ويلتقط من هوامّها وقد انقطع هذا الطائر عن حلب منذ بضعة أعوام. ومنها طير السمرمر يجيء في ظهور الجراد أحيانا ويهلك من الجراد قسما كبيرا ويترك له في بساتين حلب ثمر التوت ليتفكه به وإذا قلّ الجراد على هذا الطائر تسلط على ما يكون في بساتين حلب من الفواكه الغضة المائية كالكرز والإجّاص. ومنها طير مائي كبير يقدم إلى البيرة في أوائل الصيف ويسكن في كهوف جبلها ويستبشر أهلها بقدومه وهو أسود اللون. ويوجد من الطيور الوافدة غير ذلك ومعظمها ما ذكرته. وأما الدواجن في البيوت فمنها أنواع الدجاج الأهلي والهندي ودجاج فرعون على قلة والإوز والبط والطّاوس المجلوب من الهند وهو قليل، والببغاء ويعرف بالدرّة، تجلب من جهات مصر والهند وتوضع في الأقفاص والقمري ويعرف بالقناري يجلب من الممالك الغربية والشحرور والنعار ويجلبان من دمشق وأنطاكية. وأما ذوات الأربع فمنها أهلية وهي الهر والكلب وكلاب الصيد والغنم ذات الألية والماعز الأسود والمرقّش وقلّ أن يوجد فيه أبيض، والخيل الأصائل والبراذين والبغال والحمير وأنواع البقر والجاموس ويوجد في جهات العمق على كثرة والجمال العربية والبختية ومنها

وحشية كأنواع الغزال وتصاد ويوجد الأسد قليلا والذئب والضبع كثيرا في الجهات الشرقية غالبا والوعل في جنوبي السخنة شرقا بين أشجار البطم وقد يصاد والنمر والأريل في غربي جبل اللكام المعروف بكاور طاغ وفي جهة الزور غالبا والخنزير وحمار الوحش وبقر الوحش وتصاد. ويباع الخنزير للفرنج والنصارى وأوان صيده فصل الشتاء ويوجد في أكثر جهات الولاية الأرنب الأحمر وفي جبالها ابن آوى ويعرف بالجقال، وهو اسمه التركي. وفي جبال العلاء الفهد والنمر وحيوان دون الكلب سمين أغرّ يعرف عندنا بالغرير أو نباش القبور ويوجد حيوان السمّور الأسود الجيد الفروة. وفي أطراف حلب الهر الوحشي وحيوان ضارّ شبيه بالذئب يعرف عندنا بالشيب ويزعمون أنه متولد بين الكلب والذئب. وأظن أنه السمع المتولد بين الذئب والضبع. ويوجد في مدينة حلب نوع من القنفذ الصغار يأوي البالوعات والأماكن القذرة وفي جبالها الدلادل الكبار المعروفة بالنيص الذي تضاهي واحدته الجدي ويصاد. ويوجد في أكثر سهول الولاية الخلد ويعرف بأبي عمايا والثعلب الأحمر والأملح وتعمل منه الفراء وكلب الماء الجيد الفروة في الفرات وشطوطه. ويوجد في صحرائها الظرباء ويعرف بأبي فسيّ والحرباء ويعرف بالبربختي. وفي خرابها وبساتينها الحردون وفي بيوتها السامّ أبرص. ويوجد عند جماعة من سكان محلة المشارقة بحلب أنواع القردة والدب الأملح يجلبون الأول من جهات اليمن والمغرب والثاني من جهات جبل اللكام ويعلمونها بعض اللعب ويسترزقون بها. ومنهم جماعة يعلمون الحمار والماعز بعض اللعب ويسترزقون بها. فهذا معظم الحيوانات ذوات الأربع. وأما الحشرات فمنها الحية البيضاء والرقشاء وتوجد في جميع الولاية ويزعمون أنّها لا تلسع داخل سور حلب وإن لسعت لا تقتل. ويوجد في بساتين حلب وخربها نوع من الثعبان أسود وثاب ويعرف عندنا بالحنش، ونوع من الحيّات رمادي اللون قصير غليظ، لسعته تميت من وقتها ويعرف عندنا بالدرفيل. وفي جهات المطخ نوع من الحيات الحبشية اللون وتعرف هناك بالعرابيد وهي كثيرة جدا، ولسعتها تميت لوقتها. ويوجد في البيوت العقرب والشبث والحريش ويعرف بأم أربع وأربعين ويقل وجودهما في البساتين والصحارى وتوجد الرثيلاء والعنكبوت في كل مكان. ومن الهوام الفار في البيوت وفي بعض بلدان حلب فأرة المسك. وتوجد الجرذان في المراحيض وفأر الأرض فيفسد الزروع

وفي البيوت الخنفساء والجعلان والنمل الأسود والأحمر والذر والصرصر الصيّاح في الصيف والقرنبى وتعرف عندنا (بأم علي) . والبقّ ويعرف بالفسفس. ويقال إنه دخل حلب مع عساكر إبراهيم باشا المصري. والنموس ويعرف عندنا بالبق والبرغش وهو الحرقص ويعرف بالشيخ ساكت. ويوجد البرغوث ويتسلطن في الربيع، والقمل ويقوى بالبرد والطبوع قليلا والقراد وأنواع الذباب. ومنه نوع لسّاع ونوع آخر شبيه بالنحل يلسع الدواب فيخرج دمها ويكثر هذا النوع في العمق والمطخ وأنواع الزنابير وتتسلطن صيفا. ويوجد في الصيف الحباحب ويعرف عندنا بسراج الفعالة.

تجارة حلب

تجارة حلب لا يخفى أن موقع حلب من أهم المواقع التجارية كما عرفت ذلك من الكلام على جغرافيتها. ولهذا كانت حلب بعد خراب قنّسرين هي المركز التجاري المتوسط بين الشرق والغرب ومنه تخرج القوافل إلى العراق المتصلة ببلاد فارس ثم بالهند ثم بالصين ثم باليابان وإلى الشام والحجاز واليمن وعمان والبحرين وإلى مصر وما وليها من أفريقية وغيرها من الممالك الغربية. ولعظم تجارتها في الزمن السابق كان يلقبها الفرنج بتدمر الجديدة وكنت تجد فيها أنفس بضائع هذه البلاد والممالك. ولم تزل حلب على هذه الثروة التجارية والدرجة المهمة إلى أن اكتشف البرتقاليّون سنة 1497 م/ 903 هـ طريقا للهند من جهة رأس الرجاء وبسببه انصرفت الموارد التجارية عن حلب وتقهقر حالها ولكنها لم تفقد ثروتها بالكلية إنما بقي فيها من التجارة جانب عظيم لا يوجد مثله في كثير من الممالك غيرها. قال ابن الشحنة: ومن خصائص حلب نفاق ما يجلب إليها من البضائع كالحرير والصوف والبردي والقماش وأنواع الفرو من السمور والوشق والفنك والسنجاب والثعلب وسائر الوبر والبضائع الهندية وأجناس الرقيق فإنه قد يباع فيها في يوم واحد ويقبض ثمنه ما لو حضر إلى القاهرة التي هي أم البلاد لما بيع بعشرة أيام. وقال جاك سواري دي تروسلون في الصحيفة ال 1018 من الجزء الأول من قاموسه التجاري العام المطبوع سنة 1723 م/ 1136 هـ إن حلب لا تضاهيها بلدة بتجّارها الذين يقصدونها من أقطار الدنيا فإن خاناتها التي لا تقل عن أربعين خانا لا تزال غاصة بالهنود والفرس والترك والفرنج وغيرهم بحيث لا تقوم بكفايتهم. قال: ومن خصائصها التجارية وجود الحمام الذي يأتي تجارها بالأخبار من إسكندرونة بثلاث ساعات بسبب تربيته بحلب وحمله إلى اسكندرونة بأقفاص فإذا طرأ خبر علقت البطاقة في رقبة الطير وسرح فيطير إلى حلب طلبا لفراخه شأن كل حيوان يطلب أولاده، على الأخص نوع الحمام الذي يمتاز بعض أجناسها بشفقته على بقيتها. قال: ولحلب خاصة ثانية في تجارتها وهي أن القادمين عليها من اسكندرونة لا يجوز لهم أن يحضروا إليها إلا ركوبا مع القافلة وسبب ذلك أن المركب حينما كان يصل إلى اسكندرونة كان يتوجه بعض من فيه إلى حلب مشيا

على الأقدام طلبا للتجارة فيسبق بقية رفقائه ويشتري البضائع من حلب قبلهم فتقل عليهم أو تغلو أثمانها إلى حين وصولهم وبسبب ذلك صارت أجرة الدابة ذهابا وإيابا ستة قروش فكانت جملة النفقات التي تلحق المسافر في ذهابه وإيابه وبقائه بحلب ثلاثين قرشا. اه. وذكر في معجم البلدان أن من عجائب حلب أن في قيسارية البزّ عشرين دكانا للوكلاء يبيعون فيها كل يوم متاعا قدره عشرون ألف دينار، مستمر ذلك منذ عشرين سنة وإلى الآن. اه. وما زالت تجارة حلب جارية على هذا المنوال بعد اكتشاف رأس الرجاء حتى ظهرت سفن البخار التي قربت المسافات البحرية لسرعة سيرها وقلة خطرها. ثم لما مدت السكة الحديدية من الاسكندرية إلى السويس هبطت عدة درجات ولم يبق فيها من تجارتها سوى الربع تقريبا وذلك لأن طريق الهند قربت جدا وسهل نقل البضائع من المراكب إلى عجلات الحديد ثم تفرغ منها على فرضة «1» السويس التي هي على البحر الأحمر وتشحن بالمراكب المذكورة. ولما فتحت قناة السويس المعروفة بالترعة واتصل بسببها البحر الأحمر بالبحر المتوسط هبطت تجارة حلب هبوطا فاحشا فلم يبق بها سوى عشر تجارتها السابقة. ثم مما زادها اضمحلالا وانحطاطا حتى بقيت دون العشر عما كانت عليه، هو سير البواخر الصغار من البصرة إلى بغداد وابتذال البواخر الكبار التي تنقل السلع من كل جهة إلى كل جهة. ومع هذا كله فإن تجارة حلب لم تزل واسعة بالنسبة إلى كثير من الممالك العثمانية. أما ما يدخل إلى حلب من غيرها من البضائع والسلع في هذه الأزمان فهو جميع بضائع أوروبا والهند والصين واليمن والحجاز والعراقين والروم والأناضول وأفريقية والسودان والحبش وغير ذلك من بقية الممالك. وأما ما يخرج منها إلى غيرها فكثير أيضا منه الحنطة وبقية الحبوب والحرير والصوف والقطن والكتان والقنّب والزيت والسمن والتين والزبيب والجوز واللوز والجلود والفستق والدبس والعسل، وغالب أنواع الحيوان كالغنم والبقر والخيول وأنواع الأقمشة والمنسوجات الحريرية المعروفة بالجتارة التي تضاهي جتارة الهند ونوع منها منقوش بالحرير والقصب على أنواع وأشكال بديعة يعرف الآن بالدوناتو نسبة إلى أسرة دوناتو التي اشتهرت بهذه الصنعة أكثر من سواها، وأنواع الغزلية المعروفة بالآلاجة

والشال الذي هو تقليد العجمي والبسط الكردية والخام البلدي، والنعال الحلبية المشهورة بحسنها ورشاقتها وإتقانها وجلود الحيوانات كالمعز والغنم والبقر والجواميس وأنواع الأصبغة كالجهرة والعفص، وأنواع العقاقير كالسحلب والأفيون والسقمونيا والخشخاش والشونيز والكسفرة والآنسون والسمسم والصابون والملح والعصفر والصنوبر والمناديل المطبوعة المعروفة بالبصمة والشريط الفضي المعروف بالتيل. وغير ذلك مما يطول شرحه. وأما بيع الرقيق بحلب في هذه الأزمان فلم يسبق له أثر بعد اتّفاق الدول على منع بيع الرقيق، وكان يباع في حلب السود والحبش والكرج والجركس. والناس الآن يستأجرون في حلب وغيرها البنات النصيريات والمسلمات من الجبل الأعلى وجبال صهيون وما جاورها، يستأجرون البنت البالغة من نفسها، والقاصرة من وليها مدة ثلاثين سنة في الغالب بأجرة قدرها ما بين ألف قرش إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة قرش على حسب حسن صورتها وخدمتها بناء تقوم «1» بخدمة منزل مستأجرها في المدة المذكورة. ثم إن مقادير ما يدخل من البضائع وما يخرج منها غير ممكن تعيينه على وجه الحصر. وهاك بيانا في أثمان ما يدخل إلى ميناء اسكندرونة وأثمان ما يخرج منها تعرف منهما درجة تجارة حلب تقريبا حينما كانت اسكندرونة هي الميناء المختصة بولاية حلب: بيان قيمة الأموال الواردة إلى الميناء المذكورة في سنة 1889 م/ 1307 هـ ملخصا من جدول كبير مفصل ظفرنا به من (أجنتة) السفن، أي شركة السفن في اسكندرونة على اعتبار الليرة العثمانية (100) قرش وهو: قروش 12344800/من أوستريا 02409975/من روسيا 03825900/من إيطاليا 25804237/من فرنسة 100086525/من إنكلترة 043396312/من البلاد العثمانية 187957749

الأموال الواردة التي بينا قيمتها هنا هي (مال الفاتورة) (أنواع الجوخ) (حرير) (أنواع الأقمشة الحريرية) (السكر) (قهوة البن) (رز) (صبغة القرمز) (مسكرات) (سختيان وكوسلة) (بهارات) (مأكولات) (ورق) (نحاس) (رصاص وتوتيا وفولاذ) (حديد وآلات حديد) (نيل) (بترول) (بلور وأواني خزفية) (منسوجات متنوعة) (صرر نقدية ومجوهرات) . وهذا بيان قيمة الأموال الصادرة من الميناء المذكورة ملخصا من الجدول المذكور وهو: قروش 4833000/إلى أميركا 0043312/إلى اليونان 0063000/إلى أوستريا 0084825/إلى إيتاليا 0642600/إلى فرانسه 0534375/إلى إنكلترة 13467942/إلى الممالك العثمانية 19669054 الأموال الصادرة التي بينا قيمتها هنا هي (مال الفاتورة) (شرانق الحرير) (قطن) (صوف) (عفص وجهرة) (شمع عسلي) (سمسم) (حنطة ذرة شعير وغيرها) (صابون تين وتنباك فستق وجوز وزبيب وأنواع من المأكولات) (جلود وسختيان غنم ومعزا وغيرها) (صرر نقدية) . هذه الأموال هي غير الأموال الوطنية الصادرة من حلب عن طريق البر إلى بر الأناضول والجزيرة والعراقين وبقية سوريا وفلسطين والحجاز واليمن وغير الأموال المستهلكة في حلب وبرها الواردة برا من الجهات المذكورة مما يعجز القلم عن إحصائه.

الحركة البحرية في ميناء اسكندرونة في السنة المذكورة

الحركة البحرية في ميناء اسكندرونة في السنة المذكورة طرد/ سفينة هوائية/ سفينة بخارية/ دولة السفينة 1008/0/2/إيتاليا 4862/10/0/إيتاليا 42401/0/70/إنكلترة 674/1/0/إنكلترة 88733/0/65/فرانسه 43744/0/23/روسيا 50838/0/51/الممالك العثمانية 4494/157/0/الممالك العثمانية 2576/0/3/اليونان 4939/17/0/اليونان 1425/0/2/أوستريا 0830/01/أوستريا 1989/0/3/إسبانيا 49247/0/52/مصر 197760/186/281/المجموع خلاصة أخرى هذه خلاصة استخلصناها من جدول كانت رسمته غرفة التجارة بحلب بعد سنة 1310 أثناء وجود المرحوم عبد الرحمن أفندي الكواكبي في رياستها. وقد قدمته إلى مطبعة الولاية لينشر في صحيفة الفرات فعربته من التركي ونشرته في القسم العربي حينما كنت موظفا بتحرير هذا القسم وقد اعتبر في هذا الجدول مقادير الأشياء في سنة معتدلة بين الخصب والجدب مع طرح كسور الأرقام واعتبار الكيل الاستانبولي والحقة القديمة. والخلاصة هي:

مقادير غلات ولاية حلب: من الحنطة (7200000) والشعير (3000000) والذرة البيضاء (500000) والجلبان (400000) والذرة الصفراء (225000) كيلة ومن القطن (750000) والقنب (500000) والسمسم (350000) والرز (250000) حقة: وبعد تسديد الاحتياجات المحلية من هذه المحاصيل يخرج منها إلى لواء الزور والعشائر العربية المتجولة في ضواحي الولاية وإلى بقية الجهات: من الحنطة (600000) والشعير (50000) والذرة (100000) والسمسم (60000) كيلة. وتبلغ قيمة ذلك (138000) ليرة. وأما ما يصدر من المحاصيل الزراعية إلى خارج الولاية فهو من القطن (500000) وشرانق الحرير (125000) والزبيب (150000) والتبغ (100000) والقنب (150000) والزيت والصابون (1600000) والفستق (175000) والجوز (42000) والجهرة (25000) ومثلها العفص وورق السماق (30000) وحب الخروع (80000) والكثيرا (7000) والأصول الصباغية (10000) وعرق السوس (4000000) وقشر الرمان (300000) ومواد الوقود (3000000) ولحاء شجر الأرز (500000) والخرق البالية (245000) حقة. وتبلغ قيمة هذه السلع (142000) ليرة. ويخرج من الولاية من الدواب (15000) بعير و (5000) رأس كبش غنم و (40000) خروف و (2500) فرس و (2000) عجل و (500) جاموس. وتبلغ قيمتها (189000) ليرة. هذه الدواب تنتج في ولاية حلب فقط. فأما الدواب التي تمر منها آتية إليها من جهات الموصل وأزروم والأناضول وبقية الجهات فتقدر بأكثر من مليون حيوان وهي تسافر من مواني حلب إلى بيروت ولبنان والبلاد الساحلية واسكندرية ومصر وبعض بلاد أوروبا. ثم إن الصادر من المواد الحيوانية من ولاية حلب هو من الصوف (1800000) والسمن (1200000) وزلال البيض ومحّه (180000) والعسل (15000) والشمع العسلي (10000) وجلود الحملان (140000) وجلود الغنم والمعز (45000) والعظام والقرون (550000) حقّة. أما مصنوعات الولاية التي تصدر إلى خارجها فأشهرها المنسوجات الحريرية والقطنية والعباءات واللبابيد والعقادة والجوارب والمناديل والأصبغة والصابون والحلي والقصب والميس والمدبوغات والنعال وأواني النحاس الأصفر والأحمر والحصر وما شاكل ذلك مما

مساحة ولاية حلب

لم نقدر على إحصائه. ويقدر ربح ما يخرج من هذه المصنوعات بمبلغ لا تزيد جملته على (140000) ليرة تقريبا. منها (70000) ليرة من حلب و (25000) ليرة من عينتاب و (5000) ليرة من أورفة وبيره جك و (12000) ليرة من أنطاكية و (8000) ليرة من إدلب و (10000) ليرة من مرعش و (10000) ليرة من منسوجات الصوف التي تنسجها العشائر. ويربح أهل الولاية من نقل الصادرات الجاري إخراجها بواسطة دواب الولاية وعتاليها مبلغا قدره (150000) ليرة ويقدر ربح تجار الولاية من الواردات والصادرات بمبلغ قدره (300000) ليرة على تقدير العمولة خمسة في المائة. ويقدر صافي الربح المتروك من المسافرين وعابري السبل وأصحاب الأشغال الواردين على الولاية من غيرها بمبلغ (450000) ليرة باعتبار أن عدد الواردين المذكورين يبلغ (150000) شخص ومجموع هذه الأرباح (1586000) ليرة. أما ميزانية الواردات فهي: الواردات الداخلية إلى ولاية حلب بواسطة اسكندرونة يختص منها بالولايات الداخلية عشرون في المائة وباعتبار ما يقابل الواردات الحاصلة من هذه الولايات تبلغ واردات الولاية (1440000) ليرة فلدى مقابلة الواردات بالصادرات تزيد الثانية على الأولى مبلغا قدره (146000) ليرة مع الإدخالات النقدية وهو مبلغ لا يوازي الإرساليات النقدية الصادرة إلى خارج الولاية. فيظهر من هذا أن الثروة المالية في الولاية آخذة بالتقدم العظيم وإن كانت الإرساليات النقدية العمومية ناقصة وثروة الولاية العمومية مديونة من جهة النقد فقط. أما نمو خلق الولاية فمواليدها تزيد على وفياتها سنويا أربعة في المائة من أهل الولاية وواحدا في المائة من المهاجرين. مساحة ولاية حلب قال: ومساحة ولاية حلب هي (78600) ميل مربع (كيلو متر) أي (86460000) دونم عتيق، من ذلك (34600) ميل مربع جبال وغابات وبحيرات وسباخ غير قابلة للزراعة و (44000) ميل مربع سهول وجبال قابلة للزراعة. لكن المستخدم منها الآن للزراعة الدورية السنوية (4200000) دونم و (50000) دونم منابت أشجار وكروم وزيتون وتوت وغير ذلك فالمجموع (4700000) دونم فيتحصل

من ذلك أن زراعة الولاية الآن تشغل عشر أراضيها القابلة للزراعة. وهذا المقدار من الزراعة يقوم بمعاش مليون من الناس تقريبا وهم القاطنون في ولاية حلب مع مائتين وخمسين ألف حيوان أهلي يقدم له العلف. وقيمة ما يستهلك في ذلك باعتبار أسعار الصادرات مقدر بمبلغ (3500000) ليرة ويبقى فضلة لأجل الصادرات ما قيمته (280000) ليرة. وإذا تحسنت زراعة الولاية كزراعة أضنه ومعمورة العزيز وبذلت العناية في زرع المحاصيل الخفيفة الجرم الغالية الثمن كالقطن والسمسم والقلب والكتّان والرز والمواد السكرية والعطارية والعنب والتين والزيتون والفستق والجوز والتوت تبلغ الصادرات الزراعية (4060000) ليرة بدل (280000) ليرة المتقدم ذكرها. وإذا حصلت الولاية على خط حديدي يوصل الساحل بنهر الفرات تتقدم زراعة الأموال الفقيرة كالحنطة والشعير والذرة والعنب فتصير ضعف ما هي عليه الآن فتبلغ قيمة صادراتها (618000) ليرة بدل أن تكون (118000) ليرة وحينئذ تبلغ قيمة الصادرات الزراعية (8678000) ليرة. أما فائدة الأراضي المعطلة عن الزراعة فهي: أولا: المواد الحيوانية الحاصلة من (2200000) من الغنم والمعز ومن (200000) من الإبل السوائم و (250000) رأس بقر، ومن بقية الحيوانات الأهلية فيصرف من ذلك على الاحتياجات المحلية ما قيمته (750000) ليرة ويحصل صادرات قيمتها (266000) . ثانيا: النباتات الطبيعة التي هي عرق السوس والعفص ونحوهما مما لا يقبل الترقي وتقدر قيمته بمبلغ قدره (24000) ليرة ومجموع هذه الصادرات (290000) ليرة. على أن هذه الأراضي المعطلة من جهة أخرى لا تكاد تكفي العدد المتقدم ذكره من الحيوانات مع أن (1500000) رأس غنم تعيش مدة أربعة أشهر من كل سنة في المراعي الشتائية الخارجة عن الولاية وذلك لأنه يصيب كل غنمة أربعة عشر دونما من المراعي الطبيعية وهي لا يكفيها إلا بالجهد. وهذا هو السبب الداعي لذبح (180000) خروف في الولاية في كل سنة وبيعها بضعف قيمة جلودها فإن المراعي تضيق عن تربيتها. فلو ربّي نصف هذه الكمية من الحيوانات بعلف يزرع سقيا أو يزرع لكل غنمة أربع دونمات بعلا لزاد النماء والربح من هذه الحيوانات ضعفا ونصف ضعف على الحاصل منها الآن وحينئذ تبلغ قيمة الصادرات منها (1811000) ليرة بدل أن تكون (29000) ليرة.

التجارة في حلب منذ ثلاثين سنة

التجارة في حلب منذ ثلاثين سنة التجارة في حلب آخذة بالتقدم والرقي منذ ثلاثين سنة وأكثر ولذا زاد عدد التجار زيادة عظيمة بحيث بلغ ثلاثة أضعاف ما كانوا عليه قبل هذه المدة. وكان معظم هذه الزيادة في أيام الحرب العالمية المنقضية فإن أرباح التجارة التي كانت في غضونها جرت العدد الكبير من ذوي الصنائع اليدوية من صنائعهم إلى الاسترزاق بالتجارة فنجحوا وربحوا أرباحا طائلة ونشأ من بينهم أصحاب ثروات تستحق الذكر بعد أن كان أحدهم لا يملك من المال غير القدر الذي يسد به رمقه. ولزيادة عدد متعاطي التجارة وتضخم الثروة العامة غلت قيمة المنازل والحوانيت وأجورهما فارتفعتا إلى أربعة أضعاف ما كانتا عليه رغما عن العدد الكبير الذي تجدد إيجاده من هذين النوعين. ومما يعد من أسباب غلاء قيم المنازل والحوانيت وأجورها وجود العدد العظيم من مهاجرة الأرمن وغيرهم اللاجئين إلى حلب من الممالك التركية، فإن عددهم في حلب لا يقل عن الستين ألف نسمة وهو عدد لا يسعه فراغ المباني في حلب إلا بالمزاحمة والتغالي بالأجور. وترى من جهة أخرى غلاء أجور ذوي الأعمال اليدوية كالنجّار والمعمار والحجار، فقد ارتفعت أجرة أحدهم ثمانين في المائة ومنهم من زادت على هذا القدر وسبب ذلك انحياز العدد الكبير منهم إلى تعاطي التجارة والإضراب عن أعمالهم كما أسلفناه. على أن وجود العدد الكثير من عملة المهاجرين قد خفض قليلا من غلواء الوطنيين ولولا ذلك لكانت تصعد أجرة أحدهم إلى مائة في المائة «1» . تجارة حلب في الحالة الحاضرة منذ سنة 1341 بدأ دولاب التجارة والأعمال يدور ببطء إلى أن كانت هذه السنة وهي سنة 1342 أدركه الكلال فكاد يقف عن دورانه بتاتا ولذا أخذت الثروة العامة في حلب بالانحطاط وقد ضرب الكساد أطنابه في حلب وأصبح التاجر والعامل يتشكيان من وقوف الحال وكثرة الخسار ويتألمان من غلاء أجور الحوانيت والمنازل.

المعارف في حلب

لهذا البحران أسباب عديدة منها إغلاق الأناضول أبوابه في وجه تجارة البضائع المعدودة من الكماليات. ومنها غلاء أجور النقل بالسكة الحديدية فإن بعض البضائع قد تساوي أجرة نقلها قيمتها. ومنها تلاعب الصيارفة والمحتكرين بالأوراق النقية والنقود الذهبية. إلى غير ذلك من الأسباب التي يطول شرحها. حول الله الحال إلى أحسن حال. المعارف في حلب لم تلبث حلب بعد الفتح غير قليل من الزمن حتى نشأ فيها الجم الغفير من العلماء والمحدّثين الذين يقصدهم طلاب العلم من البلاد القاصية. ففي كنوز الذهب ما خلاصته أن حلب بلدة العلماء والمحدثين والنحاة وقد دخلها العلماء قديما وسمعوا بها. فمنهم سليمان ابن أحمد الطبراني أبو القاسم، قدم حلب سنة 278 وسمع بها أحمد بن الخليل الحلبي وأحمد ابن المسيب وعبد الله بن إسحاق الصفري. ومنهم شيخ الإسلام أبو داود سمع فيها مؤمل الرملي وابن بويه الربيع بن نافع. ومنهم سعيد بن عثمان بن السكن سمع بحلب عبد الرحمن ابن عبد الله وجماعة. ولو أخذنا في تعداد محدثيها لطال علينا. وقال قبل ذلك ببضعة أسطر: ودخلها أحمد بن حنبل وخلف بن سالم. اه. وكان العالم يقرئ الطلبة في المساجد والبيوت لأنه لا يوجد فيها مدارس في تلك الأيام وقد وجد في حلب أيام سيف الدولة فحول من العلماء الأغراب والحلبيين والشعراء المبرزين لأنه كان شديد الميل إلى العلم والأدب وافر العطايا والإكرام لذويهما. يضاف إلى ذلك تحسين موقع حلب من البلاد بسبب اتساع الفتوحات في جهتها الشمالية مع كثرة خيراتها ورخص أسعارها. ولهذه المحسنات العظيمة صارت منتجع جهابذة العلم والأدب وإليها ينسابون من كل فج وحدب فاجتمع فيها زمن سيف الدولة عدة أفراد من أساطين الشعراء وجهابذة العلماء كالمتنبي وكشاجم وابن خالويه وأبي علي الفارسي وكثير ممن هو في طبقتهم كما ستراه مسطورا في باب تراجم الأخيار إن شاء الله تعالى. ومن تلك الأيام كان ابتداء شهرتها بالعلم، فلما جاءت دولة بني مرداس واقتدت بالدولة الحمدانية من جهة التفاتها إلى العلم وأهله زاد إليها تردد العلماء من الأقطار وعلا شأنها وارتفع بالعلم منارها، وصار البعض من أهلها يشتغلون بالعلوم العربية والحديث

والفقه وليس فيها مدرسة بل كانوا يقرءون علومهم في المساجد والبيوت كما قلنا واستمروا هكذا إلى سنة 516 وفيها بني بباطن حلب المدرسة الزجاجية أنشأها بدر الدين أبو الربيع سليمان بن عبد الجبار بن أرتق صاحب حلب. وهي أول مدرسة بنيت فيها ثم بني بعدها بضع مدارس إلى أن كانت سنة 591 وفيها ولي قضاءها أبو المحاسن يوسف بن رافع المعروف بابن شداد وكان من فحول العلماء وكانت حلب في ذلك التاريخ قليلة المدارس فاعتنى أبو المحاسن في ترتيب أمورها كما حكى عنه ذلك في وفيات الأعيان، وجمع إليها الفقهاء وعمر فيها المدارس الكثيرة. ومن ذلك الوقت أخذت تنفرد بالشهرة وتتقدم بالعلوم والفنون وقصدها العلماء والطلبة من الشرق والغرب وجعلوها محط رحالهم. قال شمس الدين بن خلكان في وفيات الأعيان في ترجمة يعيش بن علي: (ولما وصلت إلى حلب لأجل الاشتغال بالعلم الشريف وكان دخولي إليها يوم الثلاثاء مستهل ذي القعدة سنة 626 وهي إذ ذاك أم البلاد مشحونة بالعلم والعلماء والمشتغلين) . فناهيك شاهدا على تفردها بالعلم في تلك الأعصار ما أخبر به هذا الرجل الموثوق بفضله. وحسبك دليلا على علو شأنها وبلوغها من العلوم مرتبة لم يبلغها غيرها في الأعصار المذكورة أن الطلبة كانت تقصدها من أقاصي البلاد الشمالية فضلا عمّن كان يقصدها من المغرب والهند وفارس. حكى ياقوت في معجم البلدان في باب الباء قال: وجدت بمدينة حلب طائفة كثيرة يقال لهم الباشقردية شقر الوجوه والشعور جدا يتفقهون على مذهب أبي حنيفة فسألت رجلا منهم استعقلته عن بلادهم وحالهم فقال: أما بلادنا فمن وراء القسطنطينية في مملكة أمة من الفرنج يقال لهم الهنكر ونحن مسلمون، رعيّة لملكهم، متوطنون في طرف بلادهم في نحو ثلاثين قرية كل واحدة منها تكاد تكون بليدة إلا أن ملك الهنكر لا يمكننا أن نعمل على شيء منها سورا خوفا من أن نعصى عليه، ونحن في وسط النصرانية فشمالينا بلاد الصقالبة وقبلينا بلاد البابا وفي غربينا الأندلس وفي شرقينا بلاد الروم قسطنطينية وأعمالها ولساننا لسان الفرنج وزيّنا زيّهم ونخدم معهم في الجندية ونغزو معهم كل طائفة غير الإسلام. قال: فسألته عن سبب إسلامهم مع كونهم في وسط البلاد النصرانية. فقال: سمعت جماعة من أسلافنا يتحدثون أنه قدم إلى بلادنا منذ دهر طويل سبعة نفر من المسلمين من

مصيبة مدينة حلب بحادثة تيمور لنك وغيرها

بلاد البلغار وسكنوا بيننا وتلطفوا في تعريفنا وما نحن عليه فأسلمنا جميعا، ونحن نقدم هذه البلاد ونتفقه فإذا رجعنا إلى بلادنا أكرمنا أهلها منا اه. أقول: الباشقردية هم من أجناس الترك وكلمة باشقرد محرفة عن كلمة بوزقير كما أفاده صاحب كتاب تلفيق الأخبار. وزعم أيضا أن الهنكر هم أيضا من جملة أجناس الترك يقال لهم الهون اه. قلت: الهنكر هم الذين يطلق الآن على اقليمهم كلمة هنكاريا. هذا وإن مدينة حلب لم تزل تبنى فيها المدارس حتى بلغت نحو ثلاثمائة مدرسة عدا المساجد ودور الحديث وغيرها من الأماكن التي كانت تتفجر من خلالها ينابيع العلوم من منطوق ومفهوم. مصيبة مدينة حلب بحادثة تيمور لنك وغيرها ما زالت حلب على تلك الثروة العلمية حتى دهمتها حادثة تيمور لنك فصدمتها صدمة كادت تذهب بكيانها فخربت مدارسها وأبادت علماءها لأنهم أصبحوا ما بين قتيل وأسير ومشرد عن وطنه. ثم بعد مضي نحو من قرن على هذه الحادثة الكارثة بينما كانت حلب تستجمع قواها وتحاول أن تسترد شيئا من ثروتها العلمية إذ دهمها سوء أحوال الحكام وتغاضيهم عن مناقشة المتولّين الحساب، والضرب على أيديهم القابضة على الأوقاف التي يتصرفون بها وبغلّتها كما شاؤوا وشاء لهم الهوى. وبسبب ذلك تقلص ظل العلم من حلب وعادت مدارسها القديمة إلى ما كانت عليه من الخراب. المدارس العلمية الإسلامية المجددة في حلب ثم إن بعض محبي العلم أنشؤوا في حلب عدة مدارس كانت هي السبب الأقوى لاتصال سلسلة العلم والعلماء في مدينة حلب. فقد أدركنا تلك المدارس مفتوحة الأبواب للعلماء والمتعلمين معمورة الحجر بالمجاورين وهي (المدرسة العثمانية) و (الشعبانية) و (القرناصية) . وهذه الثلاث تعد في مقدمة المدارس. وبعدها المدرسة (السيافية) و (الإسماعيلية) و (المنصورية) و (البهائية) . على أن المجاورة في جميع هذه المدارس كانت قليلة الجدوى لأن المجاور في إحداها لم

النهضة العلمية في حلب

يكن لمدة مجاورته حدّ وكان يتقاضى من غلة وقف مدرسته راتبا شهريا زهيدا لا يسدّ له عوزا ولا يغني عن كفافه فتيلا وليس عليه رقيب ولا مسيطر وربما جاور مدة حياته ولم يحصل من العلم على طائل. ولذا لم ندرك مدة حياتنا نابغة من مجاوريها نبغ بالعلوم والفنون سوى نفر قليلين لم يحملهم على الانقطاع إلى العلم حامل سوى نفوس شريفة أدركت فضيلة العلم فتخلّت للاشتغال به عن كل لذة وقنعت لأجله من المعاش باليسير. فترت الهمم في طلب العلم لأن ثمراته الدنيوية أصبحت قاصرة عن النهوض بالعالم إلى مستوى ينال فيه عيشة راضية. على أن قليلا من الناس كانوا يقبلون على طلب العلم ليتخلصوا بالامتحان من القرعة العسكرية لأن قانونها العثماني كان يستثني الطالب من القرعة إذا أدى امتحان سنته فلما كانت أيام دولة السلطان عبد الحميد خان الثاني العثماني أصدر أمره بأن يكتفى ممن يدعي طلب العلم بمجرد كونه مجاورا في مدرسة ما فيستثنى من القرعة دون أن يؤدي امتحانا فزاد هذا الأمر همة الطلبة تثبيطا وأعطاهم من غائلة الجهل أمانا وضمانا لأن الراغب في طلب العلم للتملص من القرعة صار غير محتاج إلى العلم بل حسبه أن يكون اسمه مسجلا في سجل المجاورين المحسوبين على حجرة المدرسة التي قد يكون سجل على حسابها بضعة أشخاص كل واحد منهم يباشر عمله وتجارته دون أن يصرف لحظة واحدة من وقته في طلب العلم إذ لا يحوجه في سبيل التملص من القرعة سوى تصديق مدرّس المدرسة على أنه مجاور في مدرسته فيفلت من شرك القرعة بلا امتحان ولا أقل سؤال ويبقى جاهلا بل قد يكون أميا صارفا من نقد عمره نحو ثلاثين سنة باسم طالب علم وهو عنه بمعزل. هذا الاستثناء كاد يمحو معاهد العلم من حلب ويطمس آثاره وذلك أن البقية الصالحة من الرّغبة في العلم التي حفظت نفسها مدة طويلة فرارا من القرعة قد زالت حينئذ بتمامها ولم يبق لها من لزوم. النهضة العلمية في حلب ولما انقضى ذلك العصر الحميدي وتقلبت الأيام والليالي وآلت مديرية أوقاف حلب إلى عهدة السيد يحيى الكيالي نظر إلى حالة المدارس والمجاورين وانحطاطهما بعين التبصر والاهتمام وأحب أن يبقي له ذكرا جميلا وأجرا جزيلا فألّف تحت رئاسة السيد الفاضل

المكاتب الأهلية في حلب

الشيخ عبد الحميد الكيالي مفتي حلب لجنة من رجال العلم والفضل للبحث في حالة المدارس والمجاورين ومداواة أمراضهما، وأن ترسم اللجنة «1» برنامجا لإصلاح كل من المدرسة الخسروية التي كانت محتجبة في زوايا الإهمال والنسيان رغما عن عظمة بنائها وسعة أرجائها والمدرسة العثمانية والشعبانية والقرناصية والإسماعيلية، على أن يكون سير مجاوري هذه المدارس على منهاج البرنامج الذي ترسمه اللجنة المشار إليها. وبعد التفكير مليا رسمت اللجنة البرنامج المذكور فجعلت فيه مدة المجاورة اثنتي عشرة سنة على عدد أصناف المجاورين وعينت لكل صنف منهم في العلوم الدينية والآلية كتبا تليق به وخصصت لكل مجاور راتبا شهريا على قدر صنفه يتقاضاه من غلة وقف مدرسته وفرضت عليه أداء امتحان خاصّ في غضون السنة وعامّ في نهايتها، وعينت لكل صنف من يقوم بتعليمه وتدريسه من المعلمين الذين فرضت لكل واحد منهم راتبا شهريا يناسب درجته. وأقامت لكل مدرسة مديرا يراقب المجاورين ويحدو بهم إلى الطريقة المثلى والمنهج القويم. إلى غير ذلك من الأمور المستحسنة التي تتكفل بحفظ نظام المدرسة وانتظام أحوار مجاوريها. وبذلك عاش ميت الأمل بالنهضة العلمية في حلب التي يقوم بها مائة وخمسون طالبا يشملهم هذا البرنامج وتجري عليهم أحكامه. هذا وإن علامات النهضة العلمية أخذت تبدو في أحوال هؤلاء المجاورين وتدل على اجتهادهم وانصبابهم على الاشتغال بالعلوم والفنون، مما يحمل على اليقين بأنه بعد بضع سنوات لا بد وأن يظهر في عدد كبير من أولئك الطلبة نبغاء لما يتلألأ في نواصيهم من نور النّباهة والذكاء والجد في الطلب. حقق الله ذلك. المكاتب الأهلية في حلب المكاتب الأهلية في حلب كثيرة توجد في كل محلة، منها ما هو مختص بالذكور ومنها ما هو مختص بالإناث وهي تعلم القرآن العظيم وبعضها يعلم معه الخط ومبادئ الحساب ومعلموها رجال ونساء وهي تأخذ على التعليم أجرة زهيدة تعرف بالخميسية، لأن الولد

المدارس الإسلامية الأهلية الحديثة الطرز في حلب

يقدمها إلى معلمه في يوم الخميس. وبعض هذه المكاتب وقف يدخلها الولد مجانا لأن أستاذها يأخذ عنها راتبا شهريا من جهة الوقف. المدارس الإسلامية الأهلية الحديثة الطرز في حلب يوجد في حلب من هذا النوع أربع مدارس ابتدائية، ثلاث منها مختصة بالذكور وهي المدرسة الفاروقية والشرقية وقد أسستا في أواخر أيام الحكومة العثمانية والأولى أقدم من الثانية والمدرسة الثالثة المدرسة الإسلامية العربية أسست بعد انقضاء الحرب العامة. وكلها تتلقى فيها مبادئ العلوم القديمة والحديثة حسب أصول التعليم الحديثة وهي على أتم ما يكون من النجاح وفي كل واحدة منها مزية لا توجد في الأخرى وتأخذ من التلميذ أجرة معلومة. والمدرسة الرابعة مختصة بالإناث وتسمى مكتب الصنائع النسائية وهي على جانب عظيم من النجاح تتقاضى من التلميذة أجرة معلومة وكان تأسيسها بعد انقضاء الحرب العامة. هذه المدارس الأربع تضم إليها 700 تلميد وتلميذة. للمسيحيين والموسويين عدة مدارس حديثة الطرز تكلمنا على كل مدرسة منها أثناء الكلام على كنيسة الطائفة في باب الآثار. المدارس والمكاتب الأميرية في حلب في حدود سنة 1278 فتحت الحكومة في المدرسة المنصورية مكتبا دعي مكتب الرشدية وكانت نفقاته من الجهة الأميرية وهو أول مكتب أميري فتح في مدينة حلب. وكانت تعلم فيه اللغة التركية والفارسية ومبادئ العلوم الدينية. وقد أقبل عليه الناس إقبالا زائدا وانتفع منه شبان كثيرون من جهة إتقان اللغة التركية. ثم في حدود 1300 فتحت الحكومة أيضا غرفة في دار الحكومة سمتها دائرة المعارف ألفت فيها لجنة باسم لجنة المعارف تحت رياسة المرحوم (الحاج عطاء الله أفندي ابن الحاج عبد الرحمن أفندي المدرس) جعلت وظيفة هذه اللجنة البحث عن الأوقاف المندرسة أي الأوقاف التي ليس لها كتاب وقف معمول به على أن تنتزعه من يد المتغلب عليه ويصرف ريعه في نفقات مدارس ومكاتب تفتح جديدا باسم مكاتب المعارف. فاستولت هذه اللجنة

مكاتب المعارف في مدينة حلب

على عدة أوقاف من هذا النوع وفتحت عدة مكاتب استفاد الناس منها فائدة حسنة. ثم في سنة 1303 قدم على حلب (كمال بك ابن الحاج موسى) مديرا لمعارف حلب وهو أول مدير للمعارف في حلب من غير أهلها ففتح عدة مكاتب في محلات مختلفة من حلب وأوجد للمعارف صندوقا خاصا بها تجمع فيه غلات الأوقاف المندرسة وتصرف على المكاتب وبقية نفقات الدائرة وأنشأت هذه المديرية عدة أملاك خاصة بها واتسع نطاق المعارف في حلب اتساعا ما عليه من مزيد مستمرا ذلك إلى أيام حدوث الحرب العامة فأغلق في أثنائها عدة مكاتب واختل نظام المعارف. وبعد انقضاء الحرب المذكورة قررت الحكومة استدخال واردات المعارف إلى صندوق المال وابطال صندوق المعارف وأن يكون دفع نفقات المكاتب وغيرها من جهة صندوق المال. وخصص في سنة 1342 لدائرة المعارف مبلغ من المال يتراوح قدره بين 25 و 30 ألف ذهب عثماني ليصرف على مكاتب المعارف وبقية شؤونها. مكاتب المعارف في مدينة حلب مكاتب المعارف في محلات مختلفة من مدينة حلب تحت أسماء مختلفة تقسم إلى مكاتب ذكور ومكاتب إناث. عدد القسم الأول اثنا عشر مكتبا تضم إليها نحو 1550 تلميذا وعدد معلميها 64 معلما وعدد مكاتب القسم الثاني أي مكاتب الإناث أربعة تضم إليها نحو 700 تلميذة. من المكاتب نوع ثالث يدعى مكاتب الحضانة تربى فيها الأطفال ذكورا وإناثا على أن تكون أعمارهم دون السادسة وهي خمسة مكاتب تضم إليها نحوا من 400 طفل. جملة معلمات مكاتب الإناث ومكاتب الحضانة 27 معلمة. هذه المكاتب لم يدخل في عددها المكتب السلطاني الذي سنتكلم عليه في باب الآثار في الكلام على المحلة الجميلية. مكاتب المعارف في الأقضية التابعة دولة حلب هي مكتب للذكور وآخر للإناث في كل من مدينة الباب وادلب وريحا والمعرة والجسر وحارم وتادف ومنبج. ومكتب للذكور في كل من بزاعة وقباسين ومعرّ تمصرين وسرمين

مكتب الصنائع في حلب

وبنّش والبارة وبو قلقل وخان شيخون ونبّل ودركوش وتلّ ارفاد ومارع وسلقين وأرمناز وسرمدا وترمانين وقورقانيا وميدانكي وعنادان والأثارب ودارة عزّة وجبرين وتل عران والسفيرة وبنان وخناصرة وجرابلس. ورشدية للذكور في إدلب. هذه المكاتب تضم إليها نحوا من 2500 تلميذ ما بين ذكر وأنثى. والمكاتب التي في لواء دير الزور هي: مدرسة رشدية ومكتب ابتدائي للذكور وآخر للإناث في مدينة الدير «1» . ومكتب ذكور في كل من الرقة وميادين وبوكمال. هذه المكاتب تضم إليها نحوا من 700 تلميذ وعدد معلميها 18 شخصا ما بين ذكر وأنثى. مكتب الصنائع في حلب في سنة 1319 أسس في مدينة حلب مكتب للصنائع تكلمنا عليه في حوادث هذه السنة من باب الأخبار. وهو الآن مقتصر على صنعة الحدادة والنجارة ويضم إليه نحوا من 100 تلميذ يدخلونه مجانا ويقدم لهم الطعام والكسوة والمفارش للنوم وغيرها من اللوازم والنفقة عليه من جهة المالية. وقد بدأت طلائع النجاح والرقي تشرف عليه. المكتبات في حلب معلوم أن النهضة العلمية في مدينة حلب بدأت في أيام سيف الدولة الحمداني ومن ذلك الوقت أخذت تكثر الكتب والأسفار العلمية في حلب على قدر الحاجة إليها إلى أن كانت دولة نور الدين محمود بن زنكي ازدادت النهضة العلمية فازداد عدد الكتب في حلب إلى أن جاءت دولة السلطان صلاح الدين الأيوبي. ثم خلفه أولاده وأحفاده وأقرباؤه ومماليكه فاقتدوا به فكثرت المدارس في حلب وتمت تلك النهضة العظمى في العلوم والفنون حتى أصبحت حلب تعد في معارفها من أمهات الممالك الإسلامية.

ولع الحلبيين باقتناء الكتب

ولع الحلبيين باقتناء الكتب إن ولع الحلبيين باقتناء الكتب كان ولم يزل غريزة فيهم. فقد أدركنا الكثيرين من علما حلب وأغنيائها وهو شديد العناية باقتناء الكتب المخطوطة النادرة حتى إنهم كانوا يتسابقون إلى اقتنائها ويبذلون الأموال الطائلة في استنساخها. أدركنا منهم من استكتب كتاب «رد المحتار حاشية الدرّ المختار» في الفقه الحنفي فصرف على استنساخه نحوا من مائة ذهب عثماني. ومنهم من استكتب كتاب تاج العروس لمرتضى الدين الزبيدي شرح قاموس الفيروزبادي فصرف عليه نحوا من مائتي ذهب عثماني. إلى غير ذلك من الكتب الكبيرة التي كانت أغنياء الحلبيين يتسابقون إلى اقتنائها. حرفة نسخ الكتب وحسن الخط في حلب كان نسخ الكتب في حلب حرفة ناجحة يسترزق بها عدد كبير من الخطاطين الماهرين وكان لهم عند العلماء والوجهاء منزلة مقبولة. وكان أكثر طلاب العلوم الفقراء المجاورين في المدارس الإسلامية يستعينون على طلب العلم بالاسترزاق من نسخ الكتب والمصاحف. ولشرف هذه الحرفة كان الناس يقبلون على تعليم الكتابة ويجتهدون بتحسين الخط. ولذا اشتهر أهل حلب بحسن الخط كما اشتهروا بفن الموسيقى وحسن الصوت. وكان الناس في الشهباء يعتبرون حسن الخط مزية كبيرة وبابا عظيما من أبواب الغنى حتى اشتهر بين الحلبيين قولهم الجاري مجرى المثل عندهم: (حسن الخط سوار من ذهب) . والحلبيون بعد الجيل الثالث برعوا بالخط العربي وتفننوا في تنويعه على أشكال مختلفة وضروب شتى. يدلك على ذلك ما تراه من الخطوط المنقوشة في الألواح الحجرية التي تطرز بها المباني العظيمة والأضرحة الضخمة كطراز عمارة ضيفة خاتون في محلة الفردوس وأضرحة بعض العظماء في مقبرة الخليل ومناطق منارة الجامع الكبير، وغير ذلك من الكتابات المنقوشة على الحجارة المرصوفة في المباني التي يراد منها بيان التاريخ واسم صاحب البناء أو يراد منها حكمة أو موعظة. فإنك تجد كتابة بعضها مخطوطة بقلم نسخي وبعضها الآخر بقلم فارسي ومنها ما هو من نوع الكتابة المعروفة بالكوفية أو ما هو من النوع المعروف بالريحاني أو المشجّر أو المزهّر أو بالديواني أو ما هو شبيه بالأحرف السريانية إلى غير ذلك من أنواع الخطوط العربية التي قلما تجد لها نظيرا في غير الشهباء.

أسباب عناية الحلبيين باقتناء الكتب

أسباب عناية الحلبيين باقتناء الكتب يعتني أهل اليسار من الحلبيين باقتناء الكتب وتحسين جلودها وعمل خزانات جميلة لحفظها لأسباب: أهمها أمل استفادة المقتني من بعضها الذي يكون موضوعه علما بسيطا كالتاريخ والأدبيات. ومنها جعل مكتبته زينة لبيته. ومنها، وهو أعظمها، الاعتقاد السائد بين كثير من الناس حتى في غير حلب أن اقتناء الكتب يورث الغنى. ومنها جعلها وسيلة احترام ووجاهة عند أهل العلم الذين يستعيرون منهم الكتب الفنية التي تمس إليها حاجتهم وتقصر أيديهم عن شرائها. المكتبات القديمة المفقودة أدركنا في مدينة حلب حدة مكتبات غنية بالكتب المخطوطة النادرة قد تسلط عليها لصوص الكتب فسلبوها كل ما حوته من الظرف والتحف. واننا منذ زمن الصبا حتى الآن نرى تجار الكتب المخطوطة يترددون إلى حلب ويملؤون من مكتباتها الصناديق الكثيرة، عدا ما نراه من سواح الغرب وسماسرة المستشرقين الذين يختطفون الكتب النفيسة الخطية من أيدي طائفة من البسطاء لا يفرقون بين الطين والعجين فيشترونها منهم بأبخس الأثمان. وإني على يقين من أن مدينة حلب ما زال يوجد فيها العدد العظيم من الكتب الخطية النادرة التي إذا بحثت عنها وجدتها في زوايا الإهمال والنسيان في بيوت جماعة من جهة العامة قد هبطوا من أصلاب رجال كانوا يعدون من نبغاء العلم والأدب فخلف من بعدهم خلف أهملوا العلم وركبوا متن الجهل وباعوا ما كان في خزائن أسلافهم من الكتب والأسفار وبقي عندهم منها بقية عدّوها من سقط المتاع حتى إذا ألفتتهم إليها الصدف حملها واحد من أطفالهم أو واحدة من عجائزهم وقصد بها باعة الكتب أو السوق العامة المعروفة بسوق الجمعة حيث تباع السلع الرخيصة فيبيعون منها ما قيمته ألف قرش مثلا بنصف قرش. من الصدف الغريبة التي صادفتها أنني بقيت مدة طويلة أبحث عن كتاب كنوز الذهب فلم أظفر به. ومضى على ذلك أعوام وقد يئست من الظفر به إلى أن كنت يوما من الأيام مارا في سوق من أسواق حلب إذ بصرت بامرأة عجوز يدل إزارها على فقرها وفي يدها

ذكر شجرة الإفادة

كتاب يلوح عليه القدم فاستوقفتها وقلت لها ما هذا الكتاب؟ أجابتني بقولها: (قصة حلب) فتناولته من يدها وسرعان ما فتحته وقرأت من خطبته سطورا فإذا هو ضالتي المنشودة (هو كتاب كنوز الذهب) بخط مؤلفه فقلت لها بكم تبيعينه قالت: دفع إليّ به بائع الكتب خمسة قروش وأنا لا أبيعه إلا بعشرة قروش فنقدتها عشرة القروش وأخذت منها الكتاب ولو أنها طلبت مني ثمنه ألف قرش لما استكثرتها. أما المكتبات المفقودة في حلب، وكانت على جانب عظيم من الغنى، فهي مكتبة بني الشحنة ومكتبة بني العديم ومكتبة بني الخشاب وغيرهم من الأسر العلمية التي كانت تعد من أجل بيوتات العلم في حلب. ومن تلك المكتبات مكتبة الجامع الكبير ومكتبات المدارس الكبرى كالمدرسة السلطانية والعصرونية والحلوية والشرفية والرواحية فإن جميع هذه المكتبات فقدت برمتها في حادثة تيمور لنك؛ منها ما استأثر به تيمور لنك وابتاعه ومنها ما انتهبته العامة أثناء تلك الحادثة وطرحوه في زوايا بيوتهم ثم باعوه بأبخس ثمن. ذكر شجرة الإفادة ومما يناسب إيراده هنا أن من جملة ما كان في الجامع الكبير من الذخائر الفنية العلمية شجرة دعيت في وقتها شجرة الإفادة. فقد ذكر رضي الدين الحنبلي في كتابه (درّ الحبب) في ترجمة (خليل بن أحمد غرس الدين) أنه هو الذي غرس شجرة الإفادة في شرقي الجامع الكبير اه. وقد وقع إلي كتاب مخطوط جمع بين دفتيه عدة رسائل في علم الفلك والميقات قرأت في حاشية منه أن هذه الشجرة كانت عظيمة الرواء مصنوعة من حجر ونحاس وحديد، ذات خطوط وجداول في أصول العلوم الرياضية شبيهة بشجرة ذات جذع ضخم وأغصان وأوراق عظيمة في كل ورقة منها أصل من أصول تلك العلوم. قال صاحب الحاشية: وكان الطلبة يقدمون إلى حلب من البلاد القاصية للاشتغال بالعلوم الرياضية المرسومة في هذه الشجرة.

المكتبات الإسلامية الموجودة الآن في حلب

المكتبات الإسلامية الموجودة الآن في حلب المكتبة الأولى مكتبة المدرسة الأحمدية كانت تجمع في خزانتها زهاء ثلاثة آلاف مجلد مخطوط في علوم شتى. وقد لعبت أيدي الضياع في كثير من محتوياتها النفيسة. ومع ذلك فقد بقي فيها من الكتب النادرة: التفسير المهمل للفيض الهندي، ودرّ الحبب في تاريخ حلب لابن خطيب الناصرية «1» في مجلدين ضخمين ثانيهما مختل- وتاريخ ابن كثير في ثلاثة مجلدات وتاريخ الذهبي في سبعة مجلدات، وهو ناقص، ومرآة الزمان منه مجلد واحد ومختصر تاريخ الذهبي المسمى بالعيار ومثير الغرام لزيارة القدس والشام. هذه المكتبة تفتح أبوابها للقراء يومي الاثنين والخميس. المكتبة الثانية مكتبة المدرسة الرضائية المعروفة بالعثمانية تشتمل على نحو 1500 مجلد مخطوط في فنون شتى. أندر ما فيها كتاب عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ للحلبي السمين، والمقدمة السنية للصفدي والدر الثمين في أسماء البنات والبنين، والحدائق الأنسية في الحقائق الأندلسية وغير ذلك. وهي مباحة للعموم يوم الخميس من كل أسبوع. المكتبة الثالثة مكتبة الجامع الكبير المعروفة بمكتبة محمود أفندي الجزار وهو الذي وقفها وهي تشتمل على نحو 1000 مجلد مخطوط ومطبوع. وأندر ما فيها كتب فلكية مخطوطة وآلات فلكية متنوعة كالربع المجيّب والمقنطر وأنواع الاصطرلابات والكرات «2» . المكتبة الرابعة مكتبة الخسروية وهي مجددة في هذه الأيام لم تزل قيد الترتيب وستجعل مكتبة عامة. والأمل أن تكون معدودة في مقدمات المكاتب الإسلامية لأن الهمة مصروفة إلى رقيها وجعل ثروتها في الدرجة الأولى. وقد نقلت إليها مكتبة الجامع الكبير وبدأ محبّو العلوم يقدّمون إليها نفائس ما عندهم من الكتب. وأول من تبرع عليها بعدد وافر من الكتب السيد محمد مرعي باشا الملاح الذي هو الآن حاكم دولة حلب العام» .

ومن المكتبات الأهلية الغنية التي ضمت إلى خزانتها كل نادرة: مكتبة الأديب الفاضل السيد أسعد الحلبيّ المولد والمنشأ، نجل ناجي أفندي العينتابي المعروف بإمام زاده. هذه المكتبة تشتمل على زهاء ألفي مجلد بينها عدد كبير من نوادر الكتب المخطوطة والمطبوعة. ومن ذلك مجلد مخطوط من كتاب الفتوحات المكية، حررت في آخره هذه العبارة (سمعت هذه المجلّدة عليّ أهلي مريم بنت محمد بن عبدون البجائيّة «1» وفقها الله وأذنت لها أن تحدّث بها عني وتجمع تواليفي «2» ورواياتي. وكتبه محمد علي محيي الدين العربي مؤلف هذا الكتاب بخطه عند فراغ سماعها مني هذه المجلّدة وذلك يوم الجمعة الحادي أحد عشر من شهر ربيع الآخر سنة ست وعشرين وستمائة، والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى) . ومن نوادر الكتب الموجودة في هذه المكتبة الجزء الثالث من تفسير القرآن العظيم للإمام الماوردي، وفي ظهر أول صحيفة منه عبارة مفهومها أنه مما وقفته إحدى بنات عبد الله بن المستعصم بالله العباسي على مدرسة في ظاهر شارع ابن رزق الله بالجانب الغربي من مدينة السلام وذلك في سنة 652 والظاهر أن هذا المجلد واحد من ستة. وفي هذه المكتبة غير ذلك من الكتب المخطوطة النادرة التي يرجع عهد كتابتها إلى القرن الرابع. ومن مزايا السيد أسعد صاحب هذه المكتبة ولعه أيضا في أوراق الحوادث المعروفة بصحف الأخبار فهو لا يكاد يظهر منها صحيفة بلغة شرقية إلا وتراه حصل منها على العدد الأول أو غيره من أوائل أعدادها وقد ألف من هذه الصحف مجموعا ضم بين دفتيه زهاء ألفين وخمسمائة صحيفة بينها عدة صحف محررة بلغة جغطاي ولغة الأفغان. ومن المكتبات الشهيرة مكتبة التكية المولوية، وأكثر ما فيها من الكتب مطبوع ويوجد غير ذلك من المكاتب عند جماعة من الأهلين مما يعسر ضبطه ويطول شرحه. أما المكتبات المسيحية فقد تكلمنا عليها عند الكلام على كنائس الطوائف المسيحية في باب الآثار الذي يلي هذه المقدمة فراجعه.

الأطباء في حلب

الأطباء في حلب عهدنا أن الأطباء في حلب كانوا يداوون المرضى على قوانين الطب القديم. ثم في حدود سنة 1270 بدأ الأطباء الغربيون يحضرون إلى حلب ويداوون المرضى على قوانين الطب الحديث التي تلقوها في مدارس أوروبا وقد أخذ عن بعضهم جماعة من الحلبيين مبادئ الطب الجديد وشرعوا يطببون الناس بما أخذوه عن أساتذتهم. أما الآن فإن الأطباء هم من المتخرجين في المكاتب الطبية الرسمية وليس لأحد أن يعاني حرفة الطب إلا بإجازة من تلك المدارس. ويوجد الآن في حلب أطباء ماهرون ومنهم المتخصصون بنوع من الطب كالجراحة وأمراض العيون وأمراض الأذن والأمراض الجلدية وغيرها. على أنه ما زال يوجد في الحلبيين بعض أطباء متخصصين بجبر الكسر ومداواة بعض القروح التي ربما يعسر برؤها على حذاق الأطباء الغربيين فتبرأ عن يد الحلبيين المذكورين الذين تلقوا حرفتهم هذه عن أسلافهم تلقيا دون قراءة ولا كتابة. استطراد مفيد في معارف المسلمين ومدنيتهم طلب العلم في الشريعة الإسلامية فرض عين وفرض كفاية. فالأول هو تعلم كلمتي الشهادة وفهم معناهما وكل ما يجب اعتقاده ثم تعلم أحكام الطهارة والصلاة والصوم والحج والزكاة حين وجوب كل فريضة منها على المكلف بها ثم تعلم ما يجب عليه تركه من النواهي كالزّنى وشرب الخمر والسرقة وقتل النفس وما يجب عليه إتيانه من بر الوالدين وانجاز الوعد ووفاء العهد وأداء الأمانة وغير ذلك من الأمور المستحسنة. والثاني هو فرض كفاية ينقسم إلى شرعي وغير شرعي. فالأول هو علم الأصول والفروع والعلوم الآلية: كالنحو واللغة وعلوم القرآن. والثاني هو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا وذلك كالطب والحساب والهندسة والفلاحة والحياكة والسياسة والخياطة وكل ما له دخل في هذه الأمور وما يتوقف عليه إتمامها كاستخراج المعادن وعملها أواني وأوائل للجهاد والصنائع ونحو ذلك، فإن البلد إذا خلا عمن يعرف هذه الحرف أو علما من تلك العلوم يأثم أهله كلهم. فشريعة الإسلام كما أرشدت الخلق إلى ما به صلاح آخرتهم جعلت لهم نصيبا وافرا مما يكون به صلاح دنياهم فحثّت على العلم وبينت فضائله ورغبت فيه. فمن ذلك قوله

تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) . فثلّث بذكر أهل العلم لشرفهم وفضلهم. وقوله (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ، وقوله (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) وقوله (قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) . وقوله عليه السلام (الحكمة تزيد الشريف شرفا وترفع المملوك حتى يدرك مدارك الملوك) ، فنبّه بهذا على ثمرة العلم في الدنيا. وقوله (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) . وقوله (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) . وقوله (اطلبوا العلم ولو بالصين) . وقوله (العلم خزائن مفاتيحها السؤال ألا فاسألوا فإنه يؤجر فيه أربعة: السائل والعالم والمستمع والمحبّ لهم) وقوله (لا ينبغي للجاهل أن يسكت على جهله ولا للعالم أن يسكت على علمه) . وقوله: (من علم علما فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من النار) . وقوله: (إن الله سبحانه وملائكته وأهل سمواته وأرضه، حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر، ليصلّون على معلم الناس الخير) . وقوله: (الدالّ على الخير كفاعله) وقوله: (ناصحوا في العلم فإن خيانة أحدكم في علمه أشد من خيانته في ماله وإن الله سائلكم يوم القيامة) . وقوله (اغد عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا ولا تكن الخامسة فتهلك) أي لا تكن مبغضا للعلم وأهله فتهلك) . وقوله (الكلمة الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها) . وكان عمر رضي الله عنه يأمر المسلمين في وقت السلم باتباع إحدى الحرف الثلاث: الزراعة والتجارة والصناعة، عملا بقوله عليه السلام: (إن الله يكره العبد البطّال ويحب العبد المحترف) ، وبقوله عليه السلام (ما أكل أحد طعاما قطّ خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده) . إلى غير ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين والحكماء الموحدين الناطقة بفضيلة العلم والتعليم والتعلم والانصباب على العلوم والانقطاع إليها والرحيل في طلبها وعدم الاستنكاف في أخذها والنهي عن كتمانها مما لو أوردنا استقصاءه واستيعابه لملأنا منه مجلدا على حدته وفيما أوردناه الكفاية. واعلم أن الصدر الأول من المسلمين بعد أن فرغوا من توسيع نطاقهم السياسي وافتتحوا المدن والأمصار الكثيرة شرعوا يشتغلون بتوسيع نطاقهم العلمي فاخترعوا علم اللغة والصرف والنحو والاشتقاق والعروض والمعاني والبيان والبديع والاستعارات والتاريخ

والقوافي وقرض الشعر والإنشاء والمحاضرة والدواوين ووقائع الأمم والأمثال وشروط السجلات وعلم قوانين الكتابة ورسم المصحف وعلم مخارج الحروف، وغير ذلك من العلوم والفنون. وقد بحث المفسرون بالقرآن أبحاثا عميقة هي غير تفسير المعاني فاشتغلوا بتحرير سوره المختلف في موضع نزولها، ومعرفة مواضع نزول الآيات مكة أم المدينة أو غيرهما ومعرفة ما كان نزوله في الليل أو في النهار والصيف أو الشتاء، ومعرفة أول ما نزل من القرآن وآخر ما نزل منه وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغير ذلك من الفنون التي تتعلق بالقرآن، حتى عدّوا كلماته وضبطوا حروفه وأحصوا نقطه وحركاته وسكناته على ما هو محرر مسطور في كتاب الإتقان للإمام السيوطي، ولما فرغوا من ذلك ورأوا أن الشريعة المحمدية قد بلغت الغاية القصوى من الضبط والتحرير وأن الفتوحات قد اتسعت والنفوذ السياسي قد أرهبت سطوته عالم المسكونة ثنوا عنان عزمهم واهتمامهم إلى ما يزيدهم ارتقاء في معارج الكمالات الإنسانية وتقدما في ميادين الحضارة والمدنية. وقد صادف ميلهم هذا وتفرغهم إليه أوائل الدولة العباسية فقام أمير المؤمنين هارون الرشيد وشرع بمساعدة العلماء وترويج مقاصدهم وأخذ يمهد الطريق لذلك ببث التمدن ونشر العلوم وحماية الصنائع إلى أن آلت الخلافة إلى ولده عبد الله المأمون ورسخ قدمه في الإمرة أشرقت أنوار العلم وتجلت سماء المعارف بنجوم العلماء والعظماء لما فطر عليه هذا الخليفة من حب العلم وأهله حتى إنه كان في عهد والده لا تطيب نفسه إلا بمصاحبة العلماء من المسلمين والكلدان والسريان والفرس وغيرهم. وقد جعل بغداد مقر المعارف وانتشرت فيها محبة العلم والانصباب إليه حتى صار لا يسمر فيها سامر إلا بالكلام على الدرس والمدارس والكتب والعلوم. وقد استحضر المأمون العلماء من سائر جهات العالم على اختلاف مللهم ونحلهم ولغاتهم معاملا جميعهم بالحفاوة والكرامة متقربا إليهم بأنواع العطايا الوافرة والإقطاعات العامرة وكان يدخل إلى بغداد في كل يوم مئات من الجمال الموقرة بالكتب المجهزة من أقطار العالم وكانت العلماء يترجمون أحسنها إلى اللغة العربية وكانت دار الحكم «1» مؤلفة من معلمين

ومدرسين ومترجمين وبلغاء وخطباء ونحوهم. وكان لشدة ولعه بالمعارف وحرصه على العلوم والفنون لا يعقد صلحا مع سلطان رومي أو فارسي أو هندي إلا ويجعل من جملة شروطه تقديم أنفس ما عند ذلك السلطان من الكتب العلمية والأسفار الصناعية. ثم جاء الخلفاء من بعده وحذوا حذوه في هذا السبيل، فما مضى غير قليل حتى ابتزّوا خزائن كتب الرومان واليونان وفارس واستحوذوا على كنوزها وظهر في الإسلام علم المنطق وفروعه كالفلسفة والمناظرة وشاعت العلوم الرياضية كالحساب والهندسة والمساحة والهيئة وأقسام العلوم الفلكية كالميقات والتنجيم والعلوم الطبيعية والطب والبيطرة والبزدرة «1» والنبات والحيوان والفلاحة والمعادن والجواهر (وكانت صنعتهما في القرون المتوسطة مختصتين بالشرقيين ومن ذلك امتازت الأسلحة الدمشقية عما سواها خصوصا السيوف منها وصار يضرب بها المثل) . وعلم الكون والفساد وعلم التشريح والكحالة والصيدلة والهندسة البنائية التي لم تزل المساجد الإسلامية دالة على تقدمها في تلك الأعصار وعلم المرايا المحرقة وعلم صناعة الزجاج وتنويعه فإن المسلمين هم الذين علموا شرف هذا الفن وعنهم أخذته أوروبا وعلم مراكز الأثقال وعلم جر الأثقال وعلم إنباط المياه وفنون الحرب وعمل آلاته وعلم الجغرافيا ومسالك البلدان وعلم الجبر والمقابلة وهو علم عظيم من مخترعات العرب ولا بد من استحضاره في أكثر العلوم الرياضية وعلم الموسيقى، وعلم عمل آلاتها وعلم الأخلاق وعلم تدبير المنزل وعلم السياسة وعلم قود الجنود وفن التصوير والنقوش، على ما وصفه المقريزي في كتابه «الخطط المصرية» على أن بعض الأحجار والأواني النحاسية الموجودة حتى الآن التي هي من صنع المسلمين يدلّنا ما عليها من النقوش والصور التي لم تزل موضوع أبحاث أهل الصناعة من الأوروبيّين. على أن المسلمين بلغوا في صناعة النقش والتصوير غاية قصوى حتى إن كثيرا من النقوش التي زيّنوا بها النقود الذهبية والفضية حملت أمراء النصارى في سيسليا (صقلية) والأندلس على أن يقلدوها ويجعلوا نقودهم على شاكلتها بل قال جامعو المسكوكات العربية إن عدة نقود ذهبية أدخلها ماري لويس في المسكوكات الفرنسية نقلا عن النقود الإسلامية. وحكى

فن التصوير في الإسلام

المقريزي عن الوزير البازوي أنه كان مولعا بالتصاوير وكان يشتري الصور التي هي من صنع المصورين الشرقيين بأثمان باهظة. وأورد بهذا الموضوع حكاية غريبة تدل على أن مصوري الإسلام اشتهروا في فن تصوير المناظر التي تخدع الناظر وذكر أنّ من جملة من كان بارعا في هذا الفن: ابن العزيز والقصير وأبو بكر «1» وأحمد بن يوسف المصور ومحمد بن محمد المصور وغيرهم. فن التصوير في الإسلام ومما يدلنا على أن فن التصوير كان شائعا متداولا في الدول الإسلامية ما حكاه صاحب كتاب المستطرف نقلا عن أحمد بن حمدون النديم قال: عملت أم المستعين بساطا على صورة كل حيوان من جميع الأجناس وصورة كل طائر من ذهب وأعينها يواقيت وجواهر أنفقت عليه مائة ألف ألف دينار وثلاثين ألف دينار. إلى آخر ما حكاه. وذكر أبو الفداء أن رسل ملك الروم لما قدموا على بغداد كان من جملة ما أعده الخليفة المقتدر في موكب استقبالهم من الزينة شجرة من ذهب وفضة تشتمل على ثمانية عشر غصنا وعلى الأغصان والقضبان الطيور والعصافير من الذهب والفضة والأغصان تتمايل بحركات مصنوعة والطيور تصفر بحركات مرتبة اه. وخلاصة الكلام أن الأمة الإسلامية بلغت من أكثر العلوم والفنون التي ذكرناها غاية لم يكن ليباريها بها في وقتها أوروبي ولا هندي ولا قبطي. وقد ألفت «2» في كل فن من هذه الفنون ما لا يحصى من الكتب والرسائل وهي وإن كان يوجد فيها الكثير مما ترجمت أصوله عن اللغات الأعجمية إلا أن العرب زادوا في متونها من المسائل الكلية المهمة ما لم يخطر قط على فكر واضعيها الأولين وقد خرج من بغداد والكوفة والبصرة وأصفهان وسمرقند وغيرها فحول من العلماء والصناع والأطباء والحكماء والشعراء والخطباء مما لا يكاد يقع عليه قلم الإحصاء.

وكما راجت أسواق هذه العلوم في الشرق فقد بلغت الذروة العليا في الغرب أيضا، فإن الحكومة الإسلامية المغربية أرادت مضاهاة الخلافة الشرقية فأطلقت الحرية بالأديان ونشرت العلوم والصنائع والتجارة وبلغت إسبانيا في تلك القرون منتهى طبقات السعادة حتى إن من بقي فيها من المسيحيين قد تألفت قلوبهم مع المسلمين وأصبحت قرطبة مقر العلوم والآداب والبلاغة والفصاحة والتجارة والصناعة وبلغ فيها عدد المدارس والمكتبات الغاية القصوى فإن مكتبة قرطبة وحدها كانت تشتمل على أكثر من ستمائة ألف مجلد من الكتب المختارة ولانتظام أمر التجارة والزراعة والصناعة في المغرب زادت مداخيله زيادة باهظة حتى كانت حكومة إفريقية وحدها تستورد كل سنة اثني عشر مليونا وخمسة وأربعين ألف دينار، ما عدا الجبايات وأموال الفتوحات وغيرها مما لا يحدّ ولا يعدّ وكان هذا المبلغ في ذلك العصر أعظم من سائر مداخيل أوروبا. وكان يوجد في قرطبة وحدها وهي قاعدة ملك الأندلس ست مائة جامع وتسعمائة حمام ومائتا ألف بيت وكان تحتها ثمانون مدينة من الرتبة الأولى وثلاث مائة مدينة من الرتبة الثانية والثالثة واثنا عشر ألف قرية. وكان هذا النمو العظيم من نتائج العلوم والمعارف وثمرات حرية الشريعة الإسلامية. أما الاسكندرية فقد بلغت من المدارس والمباني العلمية غاية لم تصل إليها قط لا في عهد القياصرة الرومانيين ولا في عهد غيرهم. قال بنيامين السائح الطوليدي إنه بمروره من تلك المدينة وجد فيها للفلسفة فقط عشرين مدرسة تتوارد عليها طلاب الفلسفة من جهات العالم. ونقل ليون الإفريقي أنه كان يوجد في القاهرة مدارس كثيرة أعظمها واحدة كانت أشبه بمدينة صغيرة تكفي لأن يعصى بها عسكر صغير وأما مدارس فاس ومراكش ولاراق فقد شاع ذكرها وملأت البسيطة أخبارها ومن مكتبة فاس ولاراق اغتنت مكتبات أوروبا وأخذ منها الأوروبيون فوائد يكل اليراع بعدها.

الملل والنحل في حلب وجهاتها قبل الفتح الإسلامي

الملل والنحل في حلب وجهاتها قبل الفتح الإسلامي الوثن نبو قال ابن خطيب الناصرية في كتابه الدر المنتخب أثناء كلامه عن البابليين ما خلاصته: إنهم كان لهم بجبل نبو (المعروف الآن بجبل سمعان) صنم يعبدونه في موضع يعرف بكفر نبو. والعمائر الموجودة اليوم في هذا الجبل هي آثار الذين كانوا مقيمين في جواره من تلك الأمة. وقد جاء ذكر هذا الصنم في كتب بني إسرائيل «وأمر الله بعض أنبيائه بكسره» اه. قلت: قد وقفت على بناء في محل هذا الصنم وهو بناء ضخم مبني بالحجارة العظيمة وأظنه كان كنيسة رومانية وذلك في قرية كفر نابو من جبل سمعان المعروف أيضا بجبل ليلون. ومعنى نابو بلغة البابليين إله فيكون معنى كفر نابو قرية الإله. والذي يرى هذه القرية ويتأمل في ضخامة أطلالها وموقعها المتوسط من الجبل لا يصعب عليه أن يصدق أنها كانت في أيام البابليين مكانا مقدسا عندهم يحجّون إليه من جميع جهات هذا الجبل. الوثن عشتاروت في تاريخ سوريا الكبير للمطران دبس في سنة 1869 م/ 1268 هـ اكتشفت صحيفة عرفت بصحيفة ميشاع ملك موآب فحفظت في متحف اللوفر في باريس بين الآثار اليهودية وإن من جملة ما قاله ميشاع في هذه الصحيفة هذه الكلمات (وقال لي كاموش- أبوه- امض إلى نابو على إسرائيل فمضيت ليلا وأقمت الحرب عليها من الفجر إلى الظهر فأخذتها وقتلت كل رجالها سبعة آلاف ونساءهم واستحييت البنات والعبيد لأني قدمتهم إلى عشتاروت كاموش وأخذت من هناك آنية يهوه (إله العبرانيين) وطرحتها على الأرض أمام كاموش هـ.

الوثن رمن

وفي المجلد العاشر من مجلة الجامعة الإمريكية التي تصدر في بيروت ما ملخصه أن الدكتور (كلاي) أستاذ اللغة الآشورية في جامعة بابل الإمريكية قال في أثناء خطاب ألقاه في الجامعة المذكورة- إن شمالي سوريا وما يجاورها من بلاد ما بين النهرين هو من أقدم مدنية في الشرق الأدنى وإن هذه المدنية هي أقدم من حضارة مصر ومن تمدن بابل أيضا. وإن الدكتور (كلاي) يعتقد أيضا أن أقدم التفاصيل عن عبادة عشتروت وأقدم الروايات الخرافية عن آلهة بابل وآشور تشير إلى موطن أصلي في شمالي سورية- في حلب وضواحيها، قالت المجلة المذكورة بعد أن كتبت ما كتبناه عنها: ولا يخفى ما في هذا القول من المناقضة لأقوال المتخصصين في تاريخ مصر القديم فإن أجمع على صحة هذا الرأي مؤرخو هذا العصر وجب على علماء التاريخ القديم أن يعيدوا كتابة تواريخهم مبتدئين في تاريخ سورية من سنة 5000 لا من سنة 3000 قبل المسيح كما جروا عليه لحد الآن اه. الوثن رمّن في كتاب بابيلونيا وشيريا لمؤلفه فينكلار الألماني أشهر علماء التاريخ المطبوع باللغة الألمانية سنة 1892 م/ 1310 هـ ما خلاصته أن سلمناصر خرج من نينوى سنة 854 ق. م وبعد أن استولى في مسيره هذا على عدة بلاد وممالك (ذكرناها في الكلام على من تملك حلب قبل الإسلام في الجزء الثالث) : قصد خلمن (حلب) ودخلها وقرب فيها الذبائح إلى الوثن (رمّن) وهو على رأي فينكلار معبود الحلبيين إذ ذاك. وقد استدل بعض علماء التاريخ من الآثار على أن الوثن رمّن كان إله العواصف في سورية اه. الوثن حداد أو هداد وذكر بعض الأثريين أن سلمناصر الثاني دخل إلى حلب سنة 854 ق. م وضحّى فيها للوثن حداد وعلى هذا يكون قد وجد في حلب وثنان في وقت واحد. عبادة الحلبيين الحمام وأسماك قويق ذكرنا في الكلام على نهر قويق أن كزانفون اليونان تلميذ سقراط الحكيم قال في رحلته إلى قورش إن نهر حلب صغير فيه أنواع من السمك، والسوريون يحسبونه آلهة لا يسمحون لأحد أن يصيده وكذلك الحمام كانوا يعبدونه ولا يرضون على من يؤذيه.

الوثن أبولون

الوثن أبولون سيأتي لنا في الكلام على أنطاكية أنه كان يوجد فيها هيكل يقال له أبولون معبود السلوقيين وكان معمولا من السرو الجبلي وهو عند اليونانيين إله الصنائع والأدبيات والطب وضياء الشمس. وكان على مثال شاب جميل الصورة وقد استرسل شعره إلى الأرض وحمل في يده قوسا. وقد بقي يعبد (1178) سنة وذلك من مبدأ عمله إلى عام احتراقه. الصابئية منذ نصف قرن تقريبا ظهر ضمن ناووس في قرية النيرب حجر على هيئة القمر قد يستدل منه على أن نحلة الصابئية كانت موجودة في حلب. أما وجودها في مدينة حران والرها فهو أمر محقق لا مرية فيه. قال المسعودي في مروج الذهب: وللصابئية من الحرانيين هياكل على اسم الجواهر العقلية والكواكب فمن ذلك هيكل العلة الأولى وهيكل العقل وهيكل السنبلة وهيكل الصورة وهيكل النفس، وهذه مدورات الشكل. وهيكل زحل مسدس وهيكل المشتري مثلث وهيكل المريخ مستطيل وهيكل الشمش مربع وهيكل عطارد مثلث الشكل في جوف مربع مستطيل وهيكل الزهرة مثلث في جوف مربع وهيكل القمر مثمن إلى آخر ما قال. وقد تكلمنا على هذه النحلة بإسهاب في الفصل الذي عقدناه بالكلام على الرها وحرّان فراجعه «1» . عبادة النار في حلب المفهوم من الكلام على منارة الجامع الأموي الكبير أن حجارتها كانت من بناء معبد للنار قديم. فيلزم أن يكون المجوس توطنوا حلب في وقت ما. أما وجود اليهود والنصارى في حلب قبل الفتح وبعده فسنتكلم عليهما في الفصل التالي.

الملل والنحل في حلب وجهاتها بعد الفتح الإسلامي

الملل والنحل في حلب وجهاتها بعد الفتح الإسلامي المسلمون السنيون هذه الفرقة أعظم فرقة إسلامية وجدت في حلب قديما وحديثا. وكانت بعد عصر الصحابة على مذهب أبي حنيفة النعمان لارتباط حلب ببغداد مقر أبي حنيفة الذي اختار مذهبه المنصور العباسي ومن بعده من الخلفاء إلى أن كانت أواخر أيام سيف الدولة بن حمدان وفد من حران إلى حلب رجل يقال له أبو إبراهيم محمد الممدوح المتصل نسبه بعلي ابن أبي طالب كرم الله وجهه وهو جد بني الزهراء الذين كانوا نقباء حلب وسراة رجالها فظهر حينئذ التشيع في حلب وفشا مذهب الإمام الشافعي وفي تلك الأيام حدثت بدعة الزيادة في الأذان كما ستعرفه. ثم في حدود الستين والثلاثمائة دخل مذهب الإمام مالك إلى حلب مع جماعة قدموا عليها من المغرب بواسطة استيلاء المعز العلوي على مصر. وأما المذهب الحنبلي فالظاهر أنه دخل حلب في حدود الخمسمائة تقريبا ولم يزل هذان المذهبان في فشوّ وشيوع إلى سنة 748 وفيها عيّن لكل واحد منهما قاض مستقل كمذهب الحنفي والشافعي وكان لكل مذهب منهما قبل ذلك نائب غير مستقل وحينئذ اجتمع في حلب أربعة قضاة لكل مذهب قاض. وكان أول قاض حنبلي موسى أبا الجود فياضا بن عبد العزيز بن فياض المقدسي النابلسي، وأول قاض مالكي أحمد بن ياسين بن محمد بن شهاب الدين أبا العباس الرياحي المالكي. ولم يزل لكل مذهب قاض مستقل إلى أن استولت الدولة العثمانية على حلب فأفردت القضاء في قاض واحد حنفي. ومن ذلك الوقت أخذ المذهب المالكي والحنبلي بالاضمحلال إلى سنة 948 وبها توفي علي بن محمد بن عثمان علاء الدين البابي المعروف بابن دغيم، وهو آخر العلماء الحنابلة وآخر حنبلي من أهل حلب.

الطرائق العلية في حلب

وأما المذهب المالكي فلم أقف على نص بانقراضه من حلب. ويمكن أن يقال إنه انقرض في عصر انقراض المذهب الحنبلي تقريبا. أما الآن فمعظم أهل حلب على مذهب أبي حنيفة ثم على المذهب الشافعي. وأكثرهم من سكان المحلات المتطرفة والقرى ويوجد بها بعض حنابلة من عشيرة عقيل في أطراف بغداد يقدمون إلى حلب تجارا أو جمالين. كما أنه يوجد بها بعض مالكية يقدمونها للتجارة من المغرب. الطرائق العلية في حلب والطرائق العلية في حلب كثيرة جدا كالطريقة القادرية والرفاعية والدسوقية والنقشبندية والبدوية والأردبيلية وغير ذلك من الطرائق التي يطول ذكرها غير أن معظم ذوي الطرائق قادرية خلوتية ثم رفاعية خلوتية. ومن نحو 57 سنة دخل حلب الطريقة الشاذلية وكان أهلها على غاية من النسك والصلاح لا يرتاب أحد في استقامة طريقتهم. وكان في حدود سنة 1285 قدم إلى حلب رجل يدعو إلى اتباع شيخ مشهور بالصلاح مقيم في ترشيحه مما يلي عكا ويرغب في طريقته الشاذلية فتبعه خلق كثير وصار لهم في حلب ظهور وشأن وشرعوا يمشون في الأسواق مجاهرين بذكر الله تعالى. وربما سافر بعضهم إلى الشيخ في ترشيحه وعاد على أسمى درجة من الصلاح والتقوى كما أنه ربما عاد على ما لا يحب. الشيعة في حلب قديما وحديثا قد علمت مما تقدم أن التشيع ظهر في أهل حلب أيام سيف الدولة، غير أن أولئك الشيعة كانوا مفضّلين فقط حتى دخل الإسماعيلية إلى حلب فاشتد تشيعهم وتبع بعضهم الإسماعيلية بأمور منحرفة عن الدين كما سيرد عليك في حوادث سنة 570 ولم تزل الشيعة في تصلبهم حتى حل عصبتهم وأبطل أعمالهم نور الدين الشهيد سنة 543 ومن ذلك الوقت ضعف أمر الشيعة غير أنهم ما برحوا يتجاهرون بمعتقداتهم إلى انقراض الإسماعيلية في حدود الستمائة فأخفوا حينئذ معتقداتهم وربما ظفر أهل السنة بواحد منهم تظاهر بما يخالف السنة فعاقبوه ونكّلوا به.

حكى ابن خطيب الناصرية في تاريخه درّ الحبب «1» أنه حضر إلى حلب رجل يقال له يحيى بن أحمد الهزلي أحد أكابر الشيعة واتصل بنقيب أشرافها عز الدين المرتضى وحظي عنده إلا أنه استرسل معه في الحديث في يوم من الأيام وذكر الصديق رضي الله عنه بما يخلّ بمقامه فغضب عليه وشهره على جمل وطاف به الشوارع وهو يضرب بالدرّة وعظم قدر المرتضى عند الناس وتحققوا حبه للصحابة. وكان ذلك بعد الخمسين والستمائة. ثم في حدود الألف وما بعدها أخذ أهل التشيع يتنكرون وبأفعال أهل السنة يتظاهرون فصار يتسنى لهم أن يتزلفوا إلى الحكومة ويحرزوا من قبلها المناصب العالية ويبطشوا بأهل السنة باطنا إلى أن كان من أمرهم ما سنورده في ترجمة مصطفى بن يحيى بن قاسم الحلبي الشهير بطه زاده. وبعد أن فتك بهم المذكور أخفوا أمرهم. وربما كان أهل السنة في أواسط القرن الثالث عشر يظفرون بشيعي فعل منكرا فشهروه بإحراق خشبة يطاف بها في شوارع حلب وينادي حاملها هذه خشبة فلان الرافضي. ثم انقطع هذا العمل لانقراض الشيعة وتلاشيهم بالمرة غير أنه لم يزل يوجد في حلب عدة بيوت معلومة يقذفهم بعض الناس بالرفض والتشيع ويتحامون الزواج معهم مع أن ظاهرهم على كمال الاستقامة وموافقة أهل السنة والجماعة والله أعلم بحقيقة عباده. أقول: لم يزل يوجد في قضاء إدلب وقضاء جبل سمعان عدة قرى مختصة بسكنى الشيعة كقرية الفوعة والنغاولة ونبّل. والغالب على أهل هذه القرى الثروة والغنى لطيب تربة أراضيهم وجودة معرفتهم بالفلاحة والزراعة إلا أنهم ليسوا بأصحاب نفوذ وهم إمامية اثنا عشرية يدينون بالتقيّة ويقولون إن جعفرا الصادق كان يدين بها ويقول (التقية ديني ودين آبائي وأجدادي ومن لا تقية له لا دين له) . وفيهم علماء يسافرون في طلب العلم إلى بغداد ومشهد الحسين. والفوعة قرية عظيمة تضاهي قصبة. وأهلها معروفون بالتشيع من قديم الزمان وفيهم أولو أنساب علوية عالية. وكان يرسل إلى هذه القرية قاض مستقل في دولة الأتراك والجراكسة وأوائل الدولة العثمانية أما الآن فهي تابعة قضاء إدلب.

النصارى في حلب قبل الفتح الإسلامي

النصارى في حلب قبل الفتح الإسلامي قيل إن مدينة حلب لم يدخلها مطران أو أسقف إلا بعد سنة 314 م. وإن ممن اشتهر من أساقفتها الأولين أوسطاثيوس الذي نقل إلى كرسي أنطاكية سنة 324 ومنهم أقاق الذي حضر المجمع القسطنطيني الأول سنة 381 م والمجمع الأفسسيّ سنة 424 م. وقد طالت مدة أسقفيته نحوا من 58 سنة. النصارى في حلب بعد الفتح الإسلامي سيأتي لنا في الكلام على فتوح حلب أن قائد الخليفة فتح مدينة حلب صلحا وفتح قلعتها عنوة وإنه أقر المسيحيين على معابدهم القديمة سوى شيء منها. والذي ظهر لي مما أجريته من البحث والتنقيب أن المسيحيين في حلب كانوا بعد الفتح الإسلامي على أحسن حال وأنعم بال ممتزجين مع مواطنيهم المسلمين امتزاج الراح بالماء راتعين في بحبوحة ناضرة من الفلاح والنجاح آمنين على أنفسهم وأموالهم ومعتقداتهم، ينظر إليهم المسلم بعين اللطف والعطف متحاشيا عن مسهم بأدنى أذية فرارا من دخوله في منطوق «من آذى ذميا كنت خصمه ومن كنت خصمه كان الله خصمه» «1» . ناهيك دليلا على ما كان يسديه المسلم إلى المسيحي من الرفق والمواساة وحسن المعاملة: ما حكاه ياقوت في معجم البلدان حيث قال في باب الدال «دير مارت مروثا» هذا دير كان في سفح جبل الجوشن مطل على مدينة حلب وعلى العوجان وهو صغير وفيه مسكنان أحدهما للرجال والآخر للنساء ولذلك سمي بالبيعتين وقلّ ما مر به سيف الدولة

إلا نزل به وكان يقول كانت والدتي محسنة إلى أهله وتوصيني به خيرا وفيه بساتين وزعفران وفيه يقول الحسن بن علي التميمي: يا دير مارت مروثا ... سقيت غيثا مغيثا فأنت جنة حسن ... قد حزت روضا أثيثا «1» وكانت الحكومات الإسلامية في تلك الأزمان تثق بأمانة المسيحيين وتعتمد عليهم في مهماتها وتستخدمهم في أجل وظائفها. فقد ذكر ياقوت في كتابه المذكور أيضا أن صاعد ابن شمامة الحلبي النصراني كان مستخدما عند بني مرداس في كتابة الدولة. قال: وهو القائل في الخمرة: خافت صوارم أيدي المازجين لها ... فألبست رأسها درعا من الزرد واستخدم الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين في جباية أموال مملكته، أي في نظارة ماليته، كريم الدولة بن شرارة النصراني. على أن تشريفه بعنوان (كريم الدولة) كاف في الاستدلال على الاحترام الذي كان يوجهه إلى المسيحيين أعاظم ملوك الإسلام. وكان المسيحيون في حلب يساكنون إخوانهم المسلمين في محلاتهم غير منفردين عنهم. وكانت بعض معابد الأمتين متجاورة. ومنها ما هو مقبل ببابه على باب معبد الطائفة الأخرى. قال ابن شداد: فكان يقف على باب الجامع كذا وكذا بغلة لرؤساء المسلمين من الكتّاب والمتصرفين. وعلى باب البيعة كذا وكذا بغلة لرؤساء النصارى من الكتاب والمتصرفين. هكذا كانت حالة الوفاق والمواساة سائدة بين هاتين الأمتين المغتبطتين بحسن الجوار ومكنة الجامعة الوطنية.

زحف التتر على مدينة حلب وتشتت شمل أهلها

زحف التتر على مدينة حلب وتشتت شمل أهلها ثار من الشرق الأقصى عاصفة التتر المغول الكفرة أتباع جنكزخان رأس الكفر والطغيان فزعزعت الرواسي وقلبت العروش وشوهت وجه العمران والتهمت نيرانها الأخضر واليابس من الأقطار والبلدان وأهلك تيارها الجارف من نفوس المسلمين فقط ثمانية عشر مليونا على ما رواه بعض المؤرخين. حادثة لم يحدث مثلها فيما مضى ولن يحدث نظيرها فيما يأتي على ما يظنه بعض علماء التاريخ وقد كان لمدينة حلب أوفر نصيب من شرها ومستطير شررها فقد هاجمتها جنود ذلك الطاغية عدة مرات في كل مرة منها تدك حصونها وتهدم منازلها وتحرق معابدها ومعاهدها العلمية وتزهق أرواح أهلها وتفعل فيها من الفظائع والعظائم ما يرتعد القلم لذكره. إلى أن كانت الهجمة الأخيرة وذلك في حدود سنة 700 هـ/ 1300 م فقضت على هذه البلدة العظيمة القديمة بأن تكون خرابا يبابا وأن تقفر من أهلها الذين أصبحوا ما بين قتيل وأسير ومشرّد وهائم على وجهه لا يعرف إلى أين انتهى ولا في أي هاوية كان مقره ومصيره؟. قال ابن العبري الملطي في تاريخه المدني السرياني ما خلاصته: إن أهل بعلبك خربوا سقف كنيسة السريان الحلبية وكان هو مطرانها سنة 1260 م/ 659 هـ فاستحوذ عليه الجنون فذهب إلى هولاكو ملك الملوك فزجوه في السجن في قلعة نجم. وهكذا ظلت طائفته الحلبية دون راع ولكنهم كانوا يجتمعون في بيعة الملكيين فهجم عليهم التتر وقتلوهم وسبوهم اه وقال صاحب كتاب عناية الرحمن ما خلاصته: وبعد أواسط القرن الثالث عشر لم يرد في الآثار السريانية ذكر لأساقفة حلب حتى أواخر القرن الخامس عشر. قال: ولعل سبب ذلك هو أن هولاكو وخلفاءه أبادوا المسيحيين قاطبة من حلب ونواحيها ومن سوريا. قلت: إن هولاكو وخلفاءه الطغاة الطغام لم يبيدوا في هجمتهم الأخيرة التي كانت في التاريخ المذكور المسيحيين فقط بل أبادوا فيها جميع سكان حلب من المسلمين والمسيحيين وغيرهم كما أسلفنا بيانه فالمسلمون والمسيحيون في هذا البلاء شركاء على السواء.

المذهب الأرتودكسي والمذهب الكاثوليكي في حلب

هذا وإن الجفّال «1» من أهل حلب بعد انجلاء التتر عن هذه البلاد بدأ من بقي منهم حيا يعودون إلى حلب ويشتغلون بتعمير مساكنهم وقد عادوا إلى أحسن ما كانوا عليه من حسن الجوار ومكنة الجامعة الوطنية مستمرين على ذلك إلى سنة 801 هـ/ 1398 م وفيها تواردت الأخبار على حلب بتحرك جيوش التتر المنسوبين إلى الطاغية تيمور لنك فاستولى الذعر على أهل حلب وأجفلوا عنها ومن بقي منهم فيها أصبح بعد أن دخل إليها تيمور في السنة التالية حصيد سيوف جنوده إلا من سلم الله وقليل ما هم. وبعد انتهاء هذه الحادثة عاد إلى حلب أولئك الجفّال واستأنفوا العمل بلّم شعثهم ورمّ منازلهم وخططت الحكومة الجركسية المحلة الجديدة لسكنى المسيحيين خاصة فبنوا فيها منازلهم ومعابدهم وساد الأمن والسلام بين الأنام. ولما دخل السلطان سليم خان الثاني إلى حلب ورأى قلة من فيها من التجار نقل إليها من البلاد المجاورة أربعين أسرة من التجار المسلمين ومثلها من التجار المسيحيين، أسكنهم في زقاق الأربعين المنسوب إليهم. المذهب الأرتودكسي والمذهب الكاثوليكي في حلب الطوائف المسيحية منذ وجدت في حلب، أي قبل الفتح الإسلامي وبعده، كانت تدين بالمذهب الأرتودكسي. وكانت رؤساء الطوائف يتحامون الكثلكة وينفرون منها كما أن الحكومات الإسلامية كانت لا تحب أن ينتشر هذا المذهب في مسيحييّ بلادها لاعتقادها به أنه مذهب أهل الحرب من الفرنج وغيرهم. ولذا بقي المذهب الكاثوليكي غير معروف في الشرق ولا متّبع فيه. حتى قامت الحروب الصليبية واستولى الصليبيون على بيت المقدس. ومن ذلك الوقت بدأ هذا المذهب ينبث في الشرق وعلى تمادي الأيام انتشر بين جميع الطوائف المسيحية فلم يبق منها طائفة إلا انقسمت إلى قسمين أرتودكسية وكاثوليكية. قال في كتاب عناية الرحمن في هداية السريان ما خلاصته: إن البابا غريغوريوس أرسل إلى الأمم الشرقية في أيام استيلاء الفرنج على القدس سنة 1327 م/ 635 هـ رهبانا دومنكيين. وفي ذلك الحين حج إلى أورشليم (أغناطيوس داود) بطريرك السريان اليعاقبة

الكثلكة في حلب

فبلغها في الشعانين فجاهر بالاتفاق مع الكنيسة الرومانية. وقيل إنما فعل ذلك تخلصا من التتار. وهذا القول غير صحيح. الكثلكة في حلب قال صاحب كتاب عناية الرحمن ما حاصله: ثم في سنة 1626 م/ 1036 هـ افتتح رسالة الكثلكة في حلب الرهبان الكبوشيون. ثم في سنة 1667 م/ 1078 هـ حضر إلى حلب الرهبان الكرمليون ثم اليسوعيون. وكان المسيحيون في حلب على قول بعضهم 20 ألفا وقيل 40 ألفا. وهم أربع طوائف: الروم والأرمن والسريان والموارنة. فلاقى أولئك المرسلون مصاعب جمة لجهلهم اللغة ولتمسك رؤساء تلك الشيع بعوائدهم ومذاهبهم ونفورهم من المرسلين بل إشهارهم الحرب على رعاياهم إذا انتموا إليهم. غير أن أولئك المرسلين لم تكن تلك المصاعب تثني عزمهم فقد كانوا يذهبون خفية إلى البيوت ويتفنّنون باتخاذ أساليب لاستمالة أهلها إلى الكثلكة اه. قلت: ومن ذلك الحين بدأت الكثلكة تنتشر في مسيحيّي حلب، وكثر المنحازون إليها وأخذ الشرّ يتفاقم بين الشعبين إلى أن كان ختامه المقتلة التي حدثت سنة 1818 م 1234 هـ كما ألمعنا إلى ذلك في حوادث السنة المذكورة من باب الحوادث. الطوائف المسيحية في حلب الطوائف المسيحية الآن في حلب سبع طوائف: الأولى الروم، وكانت منقسمة إلى فئتين إحداهما تدين بالكثلكة. وفي حدود سنة 1710 م/ 1122 هـ انفصلتا عن بعضهما فصارتا طائفتين تدعى إحداهما بالروم الكاثوليك أو بالملكيين، والأخرى بالأرتودكسيين أو الروم العتق. الطائفة الثانية الأرمن. وكانوا أيضا فرقتين إحداهما تميل إلى الكثلكة وفي حدود التاريخ المذكور انفصلتا عن بعضهما فصارتا طائفتين إحداهما تدعى بالأرمن الكاثوليك والأخرى تدعى بالأرمن العتق. الطائفة الثالثة السريان وكانوا يعرفون باليعاقبة فانحازوا إلى الكثلكة في التاريخ المذكور تقريبا. ولم يبق منهم على المذهب اليعقوبي سوى بضعة بيوت، ثم صار يقدم منهم من بلاد الجزيرة وما والاها بعض بيوت كبار واتخذوا لهم قسيسا وبيتا يقيمون فيه شعائر دينهم. الطائفة الرابعة الموارنة وكلهم من الكاثوليك.

اليهود في حلب

وقد ألمعنا بتاريخ وجودهم في حلب في الكلام على كنيستهم في باب الآثار. الطائفة الخامسة طائفة اللاتين وهم من الكاثوليك المرتبطين ببطريرك اللاتين المقيم بالقدس. الطائفة السادسة طائفة الكلدان وأكثرهم غرباء من الموصل وغيرها وهم كاثوليك أيضا. الطائفة السابعة بروتستان وتوطّنهم في حلب حادث منذ 40- 50 سنة. اليهود في حلب سيأتي لنا نبذة في أخبار حلب قبل الإسلام نقلا عن تحفة الأبناء أن داود عليه السلام استولى على حلب قبل الهجرة بنحو 1665 سنة تقريبا وأنها بقيت بأيدي الإسرائيليين حتى أخرجهم منها ملوك بابل قبل الهجرة بنحو 1303 سنة تقريبا. ثم أن سليكس نيكادور أحد الملوك الرومانيين الذي استولى على أنطاكية قبل الهجرة بنحو 965 سنة هو الذي أمر اليهود أن يترددوا للتجارة إلى حلب ويقيموا فيها. ورتب عليهم بعض ضرائب فسكنوها وكثر عددهم فيها حتى بلغت مساحة دورهم نصف ساعة طولا. قلت: حكى الحاخام إبراهيم بن شعيا الديان في كتابه المسمى بالعبرانية، بوعيل صيديق، أي فاعل الصدق، الذي فرغ من تأليفه سنة 5610 للخليقة أي سنة 1266 هجرية ما تعريبه ملخصا أنه كان يوجد في حلب ثمان عشرة كنيسة مختصة بالإسرائيليين غير أن المعروف لنا أربعة: الأولى هي الكنيسة العظمى الكائنة في بحسيتا وكان يقال لها الكنيسة الصفراء. الثانية هي الكائنة في باب الكروم بتغليظ الكاف، لعله أراد باب الكروم الذي هو باب الملك خارج باب النيرب. قال: وكانت تسمى بالعبرانية كنيسة الببليم ومعناها كنيسة البابليين. والثالثة جامع الحيات وفيها حجر مكتوب عليه بقلم الآشورية واللفظ العربي ما نصه (تاريخ هذا الحائط سنة 553 لشطاروت بناه الأمان (أستاذ الفعلة) هليل هكوهين (الكاهن بر ابن) ناتان اه. فعلى هذا يكون مضى على بنائها 1683 سنة إلى عامنا هذا وهو سنة 1342 هـ أي أنها بنيت قبل الهجرة النبوية ب 377 سنة وزعم أنها مدفون فيها كتاب مقدس يقال له بالعبرانية كيتر. الكنيسة الرابعة كانت في بستان الشاهبندر قرب جسر الناعورة وهي دائرة لا أثر لها. قلت سيأتي لنا في باب الأخيار في ترجمة محمد بن علي بن عبد الواحد الزملكاني أن

الرياسة الدينية على اليهود في حلب

الكنيسة الثالثة كانت تدعى بكنيسة مثقال وأن صاحب الترجمة في أيام قضائه بحلب وذلك من سنة 724 إلى سنة 727 انتزعها من يد اليهود وجعلها مسجدا للمسلمين وأنه لم يفعل هذا الفعل إلا بعد أن ثبت لديه أنها محدثة في دار الإسلام وكان ثقة في دينه لا يظن في مثله ظلم، ولو لم يثبت لديه كفلق الصبح أنها محدثة لما جعلها مسجدا ولو كان في عزمه أن يظلم اليهود لما قنع منهم بأخذ هذه الكنيسة الصغيرة بل في قدرته أن يأخذ منهم كنيستهم الصفراء دون أن يعارضه أحد في وقته لما كان عليه اليهود وغيرهم من ضعف الشوكة وما كان عليه المسلمون من قوتها. فالظاهر أن الحجر المذكور مأخوذ من غير عمارة ومبني بها أو هو مزور حادث ليس بقديم يؤيد ذلك كونه مرصوفا في موضع لا يستدعي التفات الناظر، أي إنه مبني بعرض الجدار لا فوق باب ولا نافذة كما جرت العادة في وضع الحجارة المنقوشة التي يقصد منها بيان التاريخ أو غيره. على أن نفس الحجرة والجدار التي بنيت فيه ليسا بقديمين بل هما من عمارة المسلمين. يظهر ذلك بأدنى تأمل. ثم أي داع يدعو إلى كتابته باللفظ العربي في التاريخ الذي دل عليه مع أن العرب لم يكونوا موجودين في حلب في ذلك التاريخ، وهل يوجد في الكتابات الموجودة في بقية آثارهم القديمة كتابة لفظها عربي غير هذا. الرياسة الدينية على اليهود في حلب الرياسة الدينية على يهود حلب كانت منوطة بأرشد واحد من الطائفة المعروفة في أيامنا بطائفة ديان الذين يدعون اتصال نسبهم بنبي الله داود عليه السلام. فكان لا يعقد نكاح إلا بمعرفته ولا يعتبر صك شرعي عندهم إلا بتصديقه حتى هاجر إلى حلب جم غفير من يهود بلاد الأندلس سنة 898، فكان فيهم الغني وذو المعرفة والسياسي والفلكي. ولذا قام أحد وجهائهم المشهور عندهم باسم (ربي شلومولنيادو باعيل هكيليم) أي مؤلف الظروف وقام معه جملة من زمرته الغرباء ورفضوا رياسة ابن ديان وولوا ربي شلومو مكانه وأناطوا به فصل الدعاوي بين المتخاصمين وعقود الأنكحة وتصديق الصكوك وغير ذلك إلا أن الإسرائيليين الحلبيين لم يزالوا يراعون حقوق طائفة الديان ويخصونها بعقد الاتفاق بين الخطيب ومخطوبته وتصديق سند المهر المؤخر للزوجة وإجراء الختان وقراءة استغفار معلوم عندهم ليلة العيد المسمى بالعبرانية كبور أي عيد الغفران يقرؤه أحد أفراد هذه الطائفة

طوائف اليهود في حلب

وأمامه سبع نسخ من التوراة يحملها سبعة أشخاص يدفعون في مقابلة حملها مبلغا معلوما للكنيسة. وفي ذلك الوقت يقوم رجل موظف بالترحيم ويدعو لحملة التوراة ويترحم على رجل من بيت شنفاخ لأنه كان تبرع بدفع ضريبة أميرية ثقلت على اليهود وأغلقت من أجلها كنيستهم. هذا وبعد وفاة ربي شلومو صاروا ينتخبون لهم حاخاما بعد حاخام بشرط أن يكون من أتقى حاخاميهم دينا وذمة. وهكذا استمر الحال عندهم إلى زماننا هذا. وفي سنة 1116 قدم إلى حلب رجل من فرنج اليهود يقال له السنيور صموئيل بيجوتو وكان من كبار التجار مرعيّ الخاطر عند الدولة العثمانية فامتنع هو وأولاده من بعده من الاعتراف برياسة الحاخام ولم يعملوا بتنبيهاته التي أوجب اتباعها على بقية اليهود في أيامه: منها عدم جواز زيارة الخطيب مخطوبته والاختلاء معها، وعدم جواز خروج النساء للبرية والبساتين بوجود الرجال، وعدم جواز زيارة النساء في أول أيام الأعياد وغير ذلك. ثم لما انتخب شلومولينادو حاخاما لم يتحمل نشوز هذه الأسرة عنه «1» فطلب منها أن تساوي بقية اليهود في طاعته بكل ما يأمرها به مستندا في طلبه هذا على بعض مقالات دينية وعلى أن كل إسرائيلي في حلب تجب عليه متابعة أهل البلد. أما الأسرة المذكورة فإنها لم تصغ إلى مقالته تمسكا بصك استخرجه لها من الكتب الدينية أحد الحاخامين المعروف بيهودا قاصين الكفيف وغيره ومآله أن هذه الأسرة لما كانت منذ مدة مديدة خالصة من سائر التكاليف التي يكلف بها بقية اليهود فليس عليها أن تساويهم بها حديثا وقد ذيل هذا الصك عدة من حاخامي القدس والشام حتى صار كتابا طبع على نفقة الأسرة المذكورة بعنوان (ماحانيه يهودا) أي معسكر يهودا. وحفظته هذه الأسرة عندها وكان انتهاء هذه المنازعة سنة 1198 تقريبا. طوائف اليهود في حلب جميع طوائف اليهود في حلب على اتباع التلمود وليس فيهم سامرية ولا قراؤون إلا وهو غريب عن حلب. وهم على ثلاثة أنواع: كوهن ينتسبون إلى نبي الله هارون عليه

النصيرية

السلام. ولاوي وإسرائيلي وهم العموم. هذا والغالب على اليهود في حلب تمسكهم بتقاليدهم الدينية واعتزالهم معاشرة غير أبناء دينهم خصوصا المسيحيين وانهماكهم في مشاغلهم، وفيهم الغنى المفرط والفقر المدقع وفي تجارهم المهارة في الاقتصاد وأصول التجارة وفنون الحساب وتعدد اللغات الغربية. النصيرية هم طائفة يتكلمون بالعربية وينتسبون إلى محمد بن نصير أحد كبراء الشيعة وحزب الإسماعيلية. مسكن هذه الطائفة من ايالة حلب السويدية وجبال القصير وجبل السماق والجبل الأقرع. وكان الغالب عليهم الفاقة والجهل. ثم في هذه الأيام بدأت في بعضهم سمات الغنى والعلم. وكان يوجد فيهم بعض أفراد يدعون معرفة الرمل أو النجوم وهم أصحاب كد وتعب ومعرفة في الفلاحة والزراعة وتربية دود الحرير. قال في كتاب الملل والنحل ما ملخصه: إن النصيرية من غلاة الشيعة يطلقون اسم الإلهية على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لاعتقادهم أن فيه جزءا آلهيا. قلت: في كتاب الباكورة السليمانية ما فيه كفاية لبيان نحلتهم فليراجعه من أراد الوقوف عليها. على أنني مما لم أره في هذا الكتاب رسالة وقعت إلى مؤلفها أحد أكابر النصيرية، عليها رد من أحد أكابر الدروز فأوردت منها بعضها ضاربا صفحا عن بقيتها تمسكا بالأدب وتحاشيا عما قد يكون مكذوبا ومختلقا. فأقول: من جملة ما في هذه الرسالة قوله: (جميع ما حرموه من القتل والسرقة والكذب والبهتان والزنا والفاحشة فهو مطلق للعارف والعارفة بمولانا) (يعني به الحاكم بأمر الله أحد الملوك العبيديين في مصر) . ومنها: والحرام على من تكلم لغير المستحق فهو الزنا. ومن عرف الباطن فقد رفع عنه الظاهر وقد كشف لكم المحجوب وان أرواح النواصب والأضداد ترجع في الكلاب والقردة والخنازير وبعضهم في الطير والبوم وبعضهم ترجع إلى الامرأة التي تثكل ولدها وإن المشركين هم النواصب الذين يشركون بين أبي بكر وعمر وعثمان.

اليزيدية

اليزيدية هم طائفة مساكنهم من ايالة حلب جبل ليلون والجومة وبعض جبال مرعش. وهم من شيع الخوارج من فرق الإباضية ينتسبون إلى يزيد بن أنيسة الخارجي بعد حرب الأزارقة الخارجين بالبصرة على علي بن أبي طالب بعد وقعة صفين المنتسبين إلى أبي راشد نافع بن الأزرق وهم يتبرؤون من علي وعثمان ويقولون بكفر من خالف اعتقادهم فيحلون قتله. وكان يزيد المذكور إباضيا نسبة إلى عبد الله بن إباض الخارج في أيام مروان وكان من غلاة الحكماء ثم خالف يزيد المذكور بمسألة واحدة وهي أنه لا بد وأن يبعث نبيّ أعجمي ينزل عليه من السماء كتاب جملة واحدة ينسخ به شريعة محمد صلّى الله عليه وسلم. قال في إحدى الصحف الإخبارية ما ملخصه: إن الطائفة اليزيدية الآن قوم يعبدون الشيطان ويتكلمون بالكردية، يلبسون الصوف الخشن ويفترشون الثرى ويتوسدون الحجر والمدر ويدّعون أن عددهم ثلاثة ملايين من الأنفس مع أنهم لا يتجاوزون عشرين ألف نسمة، ولا يجوز لهم السكنى في المدن ولا مخالطة المسلمين والنصارى وسائر المخلوقات وذلك لاعتقادهم أنهم ليسوا من نسل آدم بل هم من نسل رجل يقال له ابن حجار، ولدته حورية من الجنان فرباه آدم منفردا عن أولاده ولذلك لا يجوز لهم الاختلاط بأولاد آدم وحواء، ولا يتعلمون القراءة والكتابة مخافة الخروج عن دينهم والدخول في الدين الإسلامي. ومن نحلتهم أن من تعلم القراءة والكتابة فجزاؤه القتل في الدنيا والعقاب في الآخرة ولا يجوز لأحدهم أن يتعلم العربية ولا أن يطلع أحد على أسرار ديانتهم سوى واحد يزعمون أنه من سلالة الشيخ عدي ابن مسافر فإنه يجوز له أن يسلم نفسه لنصراني يعلمه القرآن الكريم دون سواه من الكتب العربية، ولكن يجب عليه أن يمحو أسماء الشيطان من النسخة التي يتعلم منها لأنه لا يجوز لأحد منهم أن يتلفظ باسم الشيطان احتراما له. ويزعمون أن الله تعالى لما خلق الملائكة تعاظم عليه كبيرهم- وهو الشيطان- فزجّه في جهنم سبع «1» آلاف سنة باكيا منتحبا حتى ملأ من دموعه سبع جرار كبار فعفا عنه

ورده إلى الفردوس. والجرار السبع محفوظة لتطفأ بها نار جهنم يوم القيامة. فهذا هو السبب عندهم في تحريم التلفظ باسم الشيطان فإذا لعنه أحد بحضرتهم اغتاظوا منه وحللوا قتله. وهم لا يأكلون من ذبيحة غيرهم ولا يشربون في آنية سواهم وإذا اضطر أحد وخالط مسلما فعليه أن يسجد للشمس ثلاث سجدات: واحدة عند شروقها والثانية عند استوائها والثالثة عند غروبها، يفعل ذلك على عشرة أيام متوالية أما إذا خالط مسيحيا فعليه أن يفعل ما ذكر للقمر. ومن خرافاتهم أنه إذا كان أحدهم واقفا وأتى آخر ورسم حوله دائرة لا يخرج منها ما لم يأت آخر ويمحو منها محلا يخرج منه وذلك لاعتقادهم أن الدائرة هي رسم الشمس والقمر وسائر الكواكب فلا يجوز خرق حرمتها بالخطو من فوقها. ولهم أمير في نواحي بلاد العجم عنده طواويس من نحاس لها آلات تحركها ومن عادته أن يرسلها في كل سنة لهم مع أحد أتباعه فيطلبون رضاها فإذا لم تتحرك وضعوا أمامها الحبوب فلا يحركها حتى يرى القدر الكافي من الحبوب. ولهم معبد يحجون إليه فيه قبر في واد كثير الأشجار والرياحين يجري فيه نهر اسمه نهر الشمس يعتقدون أنه آت من القدس تحت الأرض. ومن فروضهم الختان فلا يسوغ لأحد أن يتزوج ما لم يكن مختونا. وعندهم العماد أيضا فإنهم يتعمدون في نهر الشمس ويغسلون أكفانهم فيه زاعمين أن الموتى لا تدخل الفردوس ما لم تغسل أكفانها في هذا النهر. وغسل الأكفان عندهم كناية عن غسل أدران الذنوب. وهم لا يقتلون الحية السوداء لزعمهم أنها أخفت الملك طاوس وهو الشيطان وأدخلته إلى الجنة. ومن اعتقاداتهم أن سفينة نوح عليه السلام التطمت بصخرة فانثقبت فأتت الحية وأدخلت ذنبها في الثقب فمنعت دخول الماء إلى الفلك فبارك الله في نسل تلك الحية، ولما كثرت أضرارها على الناس قبض سيدنا نوح على واحدة منها وطرحها في النار فصارت رمادا تكونت منه البراغيث. ومن خرافاتهم أيضا أن نفوسهم بعد الموت تذهب إلى الفردوس وأن نفوس العصاة منهم تتناسخ وتدخل في أجساد الكلاب والحمير والبغال وسائر الحيوانات فإذا كان لأحدهم ولد شقي أخفى عنه أمواله لاعتقاده أن ابنه سيصير بعد موته حمارا أو بغلا ثم يموت ويتقمص من الموت إلى هذه الدنيا فيستولي على ما خبأه هو في الأرض. وذكر في معجم التاريخ

الإسماعيلية

والجغرافية أنهم أكراد منتشرون بين الموصل والخابور في جبل سنجار ومنهم من يسكن في أريوان التابعة لروسية يحلّ عندهم قتل المسلمين. وعندهم أن الملك طاوس سيأتي في آخر الزمان ويبيد جميع المخلوقات وينشر ديانتهم في الدنيا كلها. الإسماعيلية كان ابتداء قدوم الإسماعيلية إلى حلب تحت اسم القرامطة سنة 289 كما سيأتي لنا في باب الأخبار في حوادث السنة المذكورة. قال في دائرة المعارف للبستاني ما ملخصه أن الإسماعيلية فرقة من غلاة الشيعة سرية سياسية وديانتهم مؤلفة من الوثنية واليهودية والمسيحية والإسلامية وهم منسوبون إلى إسماعيل بن جعفر الصادق لأنهم قالوا بإمامته. وذلك أن عدد الأئمة الذين وقع الاتفاق عليهم عندهم قبل انقسام الإمامية ستة وهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ثم ابنه الحسن بالوصية ثم أخوه الحسين ثم ابنه زين العابدين ثم ابنه محمد الباقر ثم ابنه جعفر الصادق. ومن هناك افترقت شيعتهم إلى فرقتين فرقة ساقوا الإمامة من موسى الكاظم بن جعفر الصادق لأنه مات بعد إسماعيل ويسمون بالاثني عشرية أو الإمامية لوقوفهم عند الثاني عشر من الأيمة وقولهم بغيبته إلى آخر الزمان. وفرقة ساقوها من إسماعيل بن جعفر فقالوا بإمامته بالنص من أبيه جعفر وإن كان قد مات قبل أبيه، كما أوصى موسى لأخيه هارون. وفائدة النص بقاء الإمامة في عقبه وهم الإسماعيلية. ثم قالوا انتقلت الإمامة من إسماعيل إلى ابنه محمد المكتوم وهو أول الأيمة المستورين لأن الإمام عندهم قد لا يكون له شوكة بل يكفي أن يكون ظهر وأظهر دعوته فقط وإذا كانوا يعتقدون بقاء الإمامة في العلويين سموا الأيمة الذين لم يظهروا بعد إسماعيل بالمستورين أو المكتومين وهم ثلاثة محمد المكتوم ثم ابنه جعفر المصدق ثم ابنه محمد الحبيب وبعده ظهر ابنه عبد الله المهدي الذي أظهر دعوته أبو عبد الله الشيعي في المغرب فهو من الأيمة الظاهرين. ولا تخلو الأرض عندهم من إمام إما ظاهر بذاته أو مستور لا بد له من ظهور حجة ودعاة. ويدور عدد الأيمة عندهم على سبعة عدد الأسبوع والسماوات والكواكب ولذلك سموا بالسبعية، أو لزعمهم أن النطقاء بالشريعة أي الرسل سبعة: آدم ونوح وإبراهيم وموسى

وعيسى ومحمد وإسماعيل بن جعفر وهو السابع من النطقاء. وبين كل اثنين من النطقاء سبعة أيمة يتممون شريعته فكل ناطق بغير شريعة من قبله فيتمم شريعته سبعة أيمة بعده يسمون بالمستورين. ولا بد في كل شريعة من سبعة يقتدى بهم وهم الإمام وهو يؤدي عن الله، والحجة وهو يؤدي عن الإمام ويحمل عليه، وذو المصّة وهو يمصّ أي يأخذ العلم عن الحجة، والأبواب وهم الدعاة فمنهم داع أكبر ليرفع درجات المؤمنين وداع مأذون يأخذ العهود على الطالبين من أهل الظاهر فيدخلهم في ذمة الإمام ويفتح لهم باب العلم والمعرفة، والمكلب وهو الذي تقدم في الدين لكن لم يؤذن له في الدعوة بل في الاحتجاج على الناس والترغيب بالداعي ومؤمن يتبع الداعي وقد أخذ عليه العهد وآمن ودخل في ذمته وحزبه فمدار كل ذلك على سبعة وهو عدد السماوات والأرضين والسيارات وغير ذلك. وأما أصل دعوتهم فكان على يد رجل يقال له ابن ديصان ثم انتشرت قليلا ببلاد فارس على يد عبد الله بن ميمون القداح وولده وتظاهروا بالعقائد الزائغة ثم أرسلوا رجلين مهدا لهم الدعوة في افريقية ثم أرسلوا إليها أبا عبد الله الشيعي فأقام دعوة عبيد الله المهدي فابتدأت من هناك الدولة العبيدية المعروفة أيضا بالفاطمية. ثم ظهر رئيس آخر بقرية قرمط فنشأت هناك دولة القرامطة، ولما رسخ قدم الدولة العبيدية بافريقية أنشأ الحاكم بأمر الله مدرسة على نفقة الحكومة مباحة لكل إنسان وكان موضوعها التعليم بقلب الدولة العباسية بالمشرق ثم دراسة المقدمات الدينية التي أخذت من مبادئ عبد الله القداح المذكور. إن لطالب الدخول في نحلتهم تسع مراتب يختبرون بها مبلغ علمه فلا يبيحون له بمنتهى تعاليمهم إلا بعد أن يبلغ الرتبة الثامنة، وحينئذ يعرفونه بسمو جميع الأنبياء والرسل وتساويهم في المنزلة وأنه لا جنة ولا نار وأن جميع الأعمال الدينية باطل ليس عليها ثواب ولا عقاب لا عاجلا ولا آجلا. ثم يدخل في الرتبة التاسعة التي ينقاد بها لراعيه كالأعمى لقائده. هذا ما كان من أمرهم في افريقية وأما ما كان منهم في المشرق فإنه بعد ظهور هذا المذهب سنة 226 قام بدعوته في البحرين رجل يقال له حمدان قرمط وكان داعيته رجل يقال له ذكرويه بن مهرويه فأخذ يبث دعوته ويجمع الجموع حتى كثرت أتباعه ونشأت عنها دولة القرامطة التي اضطربت بها الدولة العباسية. ثم في سنة 294 قتل ذكرويه المذكور فضعف أمرهم قليلا ولكن بقي مذهبهم منبثا في الأقطار يتناوله أهله ويدعون إليه ويكتمونه حتى فشت أذيتهم وقويت شوكتهم وصاروا يستبيحون الدماء ويفسدون في البلاد ولا سيما في

أيام بابك الخرّمي حين سموا بالبابكية والخرّمية مع اسم القرامطة وسادوا إلى أواخر القرن الرابع حتى تلاشى أمرهم على يد بني الأصفر بن تغلب فبقوا في ضعف حال إلى أن استقر الملك للعجم من الديلم والسلجوقية وعجز الخلفاء العباسيون عن تحصين إمامتهم وضبط خلافتهم انتشر الإسماعيلية في تلك العصور واستولوا على القلاع وصاروا يخطفون الناس من السابلة وعظم ضررهم في نواحي العراق وبلاد فارس وغيرها وصاروا كدولة من أقوى الدول في أيام السلطان ملك شاه السلجوقي، وكان ذلك في أواسط القرن الخامس. وكان مقدّمهم الكبير إذ ذاك الحسن بن الصبّاح سافر إلى افريقية وتعلم في المدرسة المار ذكرها ورجع إلى المشرق فبث دعوته في حلب وبغداد وفارس فكثرت أتباعه في تلك الأقطار واستولى بالحيل والقوة على قلعة ألموت في ولاية جيلان من بلاد فارس وهي من أمنع القلاع وجعلها مركزا للدولة الإسماعيلية وتلقب بالسيد أو الرئيس أو شيخ الجيل وهو أعم ألقابه ولقب خلفائه وقويت شوكته جدا واستولى على هوى أتباعه حتى لو أنه أمر واحدا منهم بقتل نفسه لفعل. وكان يبلغ عددهم سبعين ألفا منهم الفداوية وهم الذين يستعملهم وهو والملوك في قتل أعدائهم غيلة فيأخذون على ذلك فدية أنفسهم على الاستماتة في مقاصد من يستعملهم ومن ذلك سموا بالفداوية. وقد أنشأ ابن الصباح لمن أطاعه حدائق مستورة قد جمعت كل ما تلذ به النفوس من مأكول ومشروب ومنكوح يحمل إليها مطيعه وهو سكران بالحشيش فإذا صحا وجد نفسه في أجمل جنة متمتعا بأنواع لذاته وشهواته ثم يسقونه ذلك الشراب ويرجعون به إلى مجلس الرئيس، فإذا زال تأثير الحشيشة عنه كان يعتقد أنه ذاق لذة النعيم الموعود به وهو الجنة على زعمهم. وكانت أفراد هذه الطائفة يكثرون من استعمال الحشيشة ولذا سموا بالحشاشين فأفسدها الصليبيون وقالوا أسّاسين. وقيل إن كلمة أساسين محرفة عن عسّاسين أطلقها الفرنج على الإسماعيلية لأنهم كانوا يعسّون البلدان في الليل. أقول: قد تكلم صاحب دائرة المعارف على هذه الفرقة كلاما مسهبا فليراجعه من أراد الوقوف عليه. وكانوا يسمون بالباطنية لقولهم بالإمام الباطن أي المستور. وقيل: لقولهم بباطن القرآن دون ظاهره. وقيل: لأنهم كانوا يبثون دعوتهم سرا. ويسمون أيضا بالقرامطة نسبة إلى

الدروز

أول داعيتهم بالبحرين وهو حمدان قرمط، وبالسبعية لقولهم بالأئمة السبعة، والنطقاء السبعة كما علمت، وبالملاحدة لإلحادهم وبالخرّمية لاخترامهم المحارم أو نسبة إلى بابك الخرّمي الخارج بأذربيجان ولذلك يقال لهم أيضا بابكية، وبالنزارية نسبة إلى نزار بن المستضيء العبيدي. وكان ابتداء ظهور هذه الطائفة من بلاد فارس سنة 226 كما تقدم ثم أطلق عليهم الملوك في كل أقطار آسيا وجعلوا يقتلونهم حيثما وجدوا حتى أبادوهم وخلت الأرض منهم وذلك سنة 650 وكان ملكهم ممتدا من سواحل البحر المتوسط إلى داخل تركستان وذلك من حدود خراسان إلى جبال سورية ومن بحر قزوين إلى الشواطىء الجنوبية من البحر المتوسط وكانت مدة ملكهم «150» سنة. على أنه لم يزل لهم بقايا حتى الآن في بلاد فارس وعلى سواحل نهر السند والكنك وفي غير ذلك من المحلات. ويبلغ عددهم في ناحية القدموس من جبل النصيرية وفي جبل السماق نحو ألفي نفس وهم الآن يتظاهرون بأفعال أهل السنة ويقيمون الفروض الإسلامية. قلت: والناس في هذه النواحي لا يفرقون بينهم وبين طائفة النصيرية التي هي فرع من فروعهم. الدروز هم طائفة منتشرة في لبنان وحوران ووادي تيم الأعلى والأسفل وبلاد صفد ومرجعيون ودمشق وبعض ضواحي ولاية حلب. ويبلغ عددهم سبعمائة ألف نفس تقريبا وهم يتكلمون بالعربية وينسبهم الناس إلى أبي عبد الله محمد بن إسماعيل الدرزي مع أنهم يكرهونه لقوله بما ينافي اعتقادهم ويقولون إنهم ينسبون في الأصل إلى طيروز إحدى بلاد فارس. أما مساكنهم من ولاية حلب فهي بضع قرى في الجبل الأعلى المعروف بجبل السماق من أعمال قضاء حارم وهي قرية بنابل وقلب لوزة وبشندلاية وجدعين وعبريتا وككو ووحله وكفر مالس وتل تيته. جميع سكان هذه القرى من طائفة الدروز ومنهم جماعة يسكنون مع المسلمين في قرية كفر كيله وبشندلنتة ودير سلونة وعددهم في هذه القرى على وجه التقريب لا يزيد على خمسمائة نفس ما بين ذكر وأنثى، وهم أهل جدّ وكد

واقتصاد بالمعيشة ومعرفة بالزراعة وسياسة المواشي إلا أنهم متأخرون في الفنون والمعارف ضعفاء النفوذ في تلك الناحية. وهم يسمون حلب تل الخمر ويكرهون أهلها لإيقاعهم بالإسماعيلية حينما قدموا عليها أول مرة ويزعمون أنه سيأتي زمان تجف فيه جميع آبار الدنيا سوى بئر أسد الله المعروف بجب الزلة قرب العقبة في مدينة حلب. والمشهور عنهم محبة الضيف وإطعام الطعام وحفظ اللسان وأحسن ما يرى منهم التزام الحرمة والوقار والأدب لا سيما مع ساداتهم وأشرافهم حتى إنهم جرت عادتهم على أن أحدهم إذا نزل عنده ضيف أن يقدم له كل واحد من أهل حيه صحنا من طعام عشائه وآخر من طعام غدائه على حسب حاله، فيضع صاحب المنزل هذه الصحون للضيف واحدا بعد واحد مراعيا في وضعها شرف صاحبها، فيقدم منها صحن الأشرف فالأشرف غير ملتفت إلى فقره أو غناه ولا إلى ما في الصحن من خسة الطعام ونفاسته. وهم يقسمون إلى رؤساء في الدين ويسمونهم عقّالا أو أجاويد، وإلى عامة ويسمونهم جهّالا. وإن العقّال تتفاوت مراتبهم علما وعملا وربما كان في جملتهم بعض النساء ولا يقبل انتظام الجاهل في سلك العقّال إلا بعد الإلحاح في الطلب وتحقق عقّل القرية أنه جدير بذلك. وأرفع العقّال مرتبة أقدرهم على فهم أسفارهم المعتبرة. ويجتمعون في كل ليلة جمعة في خلواتهم لاستماع كتبهم الدينية ويطيل أحدهم جلوسه للاستماع على حسب مرتبته في العلم. ومجالسهم هذه يصونونها عن الجهال إلا في عيد ويشترط أن يكون العاقل وقورا متأنيا عفيفا طاهر اللسان متقشفا في المأكل والملبس متحاشيا عن التدخين وتعاطي المسكرات، وأكل المال الحرام الذي هو عندهم كل مال أخذ بالظلم أو التحيل أو الكذب. ومن أحكام شريعتهم تحريم تعدد الزوجات وعدم جواز ردّ المطلقة لعصمة نكاح مطلّقها. ومن خصائصهم المنفردين بها بين بقية الأمم شدة خضوعهم وانقيادهم إلى رؤساء دينهم وأمراء قومهم. أما وظيفة العقّل عندهم فهي خدمة الدين والقيام بإدارة أمور أوقاف المعابد والندوات فإنهم لهم معابد يجتمعون فيها للصلاة كل ليلة جمعة، كما أن لهم ندوات يجتمعون فيها للمفاوضة في الدين وإدارة شؤون الأوقاف، ولهم خانقاهات معدة لإقامة المتصوفة منهم يتناولون من ريع وقوفها كفاف معيشتهم. وكانت طائفة الدروز تنقسم في الأصل إلى فئتين قيسية ويمانية ثم صارت تقسم إلى جانبلاطية ويزبكية.

ويحكون في أصل طائفتهم حكاية طويلة خلاصتها أن أصلهم من آل تنوخ نزحوا حين خروج بني إسرائيل من مصر فتفرقوا إلى اليمن والعراق والشام وكانت منهم ملوك العرب الذين أولهم يعرب بن قحطان وملوك الحيرة وغيرهم من رؤساء العرب، وأن فريقا منهم رحل إلى معرة حلب وصاهر النعمان أمير المعرة وكان اسمهم في ذلك الحين أمراء بني هاشم التنوخي وبني الأمير فوارس وبني عبد الله وبني مطوّع وبني خالد وأنهم حين ظهور الإسلام كانوا نصارى ثم لما جاءت الصحابة لفتح البلاد الشامية ظاهروهم ونصروهم حمية لهم إذ كانوا مثلهم عربا ثم أسلموا ثم صاروا من حزب الحاكم بأمر الله وتقربوا منه ثم قتلوا عامله عليهم الدرزي لمخالفته اعتقادهم وأنهم بعد ذلك نالوا حظوة عند جميع ملوك الإسلام حتى ملوك آل عثمان. وخلاصة الكلام في نحلتهم أنهم يؤمنون بوجود الباري تعالى ونبوة أنبيائه العظام الذين منهم المسيح عليه السلام إلا أنهم يعتقدون أن الآلهية حلت في ناسوت الحاكم بأمر الله وأن المشروعات الإسلامية كالصوم والصلاة مفروضة عليهم تقية لا تدينا وهم يقرون بالحشر والنشر ومجازاة النفوس على أعمالها من قبيل ناسوت الحاكم، ويؤمنون بالقرآن العظيم والتوراة والإنجيل إلا أنهم يفسرون معانيها على مقاصدهم. والمشهور عنهم في الكتب الإسلامية أنهم كانوا في الأصل اسماعيلية ثم جاءهم حمزة بن علي الداعي إلى الحاكم بأمر الله فزين لهم الاعتقاد بربوبية الحاكم ووضع لهم دينا من عنده يخالف دين الإسماعيلية بكثير من المسائل فحملهم على اتباعه فأجابوه وانشقوا عن الإسماعيلية. وفسر البعض منهم قوله تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) بهذا الانشقاق. ولحمزة هذا كتب ورسائل دينية محفوظة في مكتبات أوروبا تكلم عليها صاحب دائرة المعارف العربية بإسهاب فراجعها إذا شئت. وقد وقعت إلي قطعة من بعض كتبهم المخطوطة لخصت منها هذه النبذة وهي: على كل درزي أن يعرف أربعا وخمسين فريضة عشرة منها مقامات ربانية وهي العلي والبارّ وأبو زكريا والعلي الأعلى والمعلّ القائم والمنصور والمعزّ والعزيز والحاكم. وكلهم آله واحد ظهر بهيئة واسم ونطق وفعل. فالهيئة الصورة كصورتنا والاسم الحاكم والنطق المجالس والسجلات والفعل المعجزات. ومنها عشرة هي الفروض التوحيدية وهي معرفة الباري وتنزيهه ومعرفة الإمام وتمييزه ومعرفة الحدود بأسمائها ومراتبها وألقابها وصدق اللسان وحفظ الاخوان وترك ما كنتم عليه من عبادة العدم والبهتان والبراءة من الأبالسة والطغيان وتوحيد

نبذة أخرى مهمة عندهم ننقلها بحروفها

الحاكم في كل آن والرضا بفعله كيفما كان والتسليم لأمره في السر والإعلان. ومنها عشرة هي مواجب دينية وهي قولهم كلهم في نفاسهم وأعراسهم وجنائزهم على السنة التي رسمت لهم وأجيبوا دعواهم واقضوا حاجاتهم واقبلوا معذرتهم وعادوا من ضامهم وبرّوا ضعفاءهم وانصروهم ولا تخذلوهم. ومنها عشرون إمامية منها خمسة روحانية أولها علة العلل. ثانيها السابق الحقيقي. ثالثها الأمر. رابعها ذو معة. خامسها الإرادة. وخمس منها طبائع جوهرية وهي حرارة العقل. وقوة النور، وسكون التواضع، وبرودة الحلم، ولينة الهيولة. وخمس منها خصائص نورانية وهي (الحمد لمن أبدعني من نوره وأيدني بروح قدسه وخصّني بعلمه وفوض إلى أمره وأطلعني على مكنون سره) (هذه العبارة من كلام حمزة في حق نفسه) . وخمس منها منازل كلية وهي حد الجسمانيين وحد الجرمانيين وحد الروحانيين وحد النفسانيين وحد النورانيين. ولهم فرائض يقولون إنها مذكورة في ميثاق ولي الزمان وهي ست وعشرون فريضة يجب حفظها على كل قوي وضعيف، منها ستة شروط أنه قد تبرأ، وأنه لا يعرف وأنه لا يشرك وأنه قد سلم وأنه قد رضي وأنه متى رجع كان بريا وجواز الأمر بأربعة: كونه صحيح العفل وصحيح الجسم وحرا وبالغا ورضي بجميع أحكامه بأربعة عجز ومعجز وظهور واستتار واحترام الإفادة من جميع الحدود بستة ثلاثة في الدنيا وثلاثة في الآخرة فأما الثلاثة التي في الدنيا: تعليمهم وهدايتهم وارشادهم وأما ثلاث الآخرة رضاهم وشفاعتهم وثوابهم واستحقاق العقوبة من البارّ العلي بستة ثلاث في الدنيا وهي احتجاب الرب عنهم وانقطاع فيض الحدود عليهم وعمى قلب وقلة معيشة في دينه ودنياه وثلاث في الآخرة وهي اليأس الكلي من رضاء الله وضاء حدوده والحسرة التي لا تفارقه طرفة عين وعدم مشاهدته الجلالة بلذة وغبطة لأن مشاهدته لذة اللذات وأقصى غاية الغايات للنفوس الزاكيات. نبذة أخرى مهمة عندهم ننقلها بحروفها مراتب الحدود: العقل الكلي النفس الكلية سفير القدرة الجناح الأيمن الجناح الأيسر. أسماؤهم روحاني السابق تالي الجد الفتح الخيال، درجاتهم الإرادة المشيئة الكلمة السابق

التالي. منازلهم الإمام الحجة الداعي المأذون المكاسر. ألقابهم قائم الزمان المجتبى الرضى المصطفى المقتنى. صفاتهم هادي المستجيبين صفوة المستجيبين فخر الموحدين نظام المستجيبين لسان المؤمنين. كناهم: أبو الفضل أبو إبراهيم أبو عبد الله أبو الخير أبو الحسن. أنسابهم: ابن علي ابن أحمد ابن محمد ابن حامد ابن وهب القرشي ابن عبد الوهاب السامري ابن أحمد الطائي السموقي. أشباههم: الشمس البدر النجم السراج البها. أمثالهم: نور نار شمع قطن حسكة. وهذه النبذة تسمى عندهم بالعدة السعيدة. نبذة أخرى استنبطها علماء الدروز من الكتب الستة المنسوبة إلى حمزة ابن علي وإسماعيل أبي إبراهيم وبهاء الدين والحاكم يكفرون من اعتقدها ويكون مرتدا عندهم وقد نقلتها بحروفها وهي: نبت الحكمة عن اثنتين وسبعين خصلة تخرج عن دين التوحيد. وهي من يعتقد أن الحاكم ما هو الإله وأنه بشر أو أن له زوجة أو أبا أو أما أو أنه لا يعلم الغيب أو أنه ظالم أو عاجز أو غائب أو أن ألوهيته انتقلت إلى علي الظاهر أو أنه يحس أو يدرك أو يلحقه شيء من الصفات أو أن الناسوت غير اللاهوت أو أن له روحا أو نفسا أو أن الإمام ما هو الرسول الحقيقي أو أنه لا يعلم الغيب أو أنه ما هو معصوم أو أنه ما هو صاحب الكشف والقيامة والثواب والعقاب وأن الحدود الأربعة ما هم الوسائط أو أنهم ما هم معصومون أو أنهم ما هم شهداء على أعمال العباد أو أن الخمسة أرواح مجردة أو أن المائة والتسع والخمسين ما هم تبعهم أو لا يعرف يميز بعضهم عن بعض أو أن الرب فوق السماء أو في الأرض بشر أو أن ألوهيته حلّت في صنم أو غيره أو أن الناطق ما هو إبليس أو الأساس ما هو زوجته أو الأربعة والعشرين ما هم من أحرف الكذب أو أن الدنيا ما مضت أو أن في الشرائع حقيقة أو أن في أهلها أحد مذموم أو أن دور القيامة ما بدا أو أن ليس هناك قيامة أو لا ثواب أو لا عقاب أو لا رب أو أن النفس ما تنتقل من كثيف إلى كثيف أو أن مقرها ليس في القلب أو أنها تفارق الجسم طرفة عين أو أن النجوم، أو شيء من الجسمانيات، له فيها تأثيرا ويحكم عليها ثم إهمال الحكمة المفيد ثم إهمال الإخوان ثم محبة أحد من أهل الشر ثم نصيحته ثم استحلاله ثم تبجيله ثم الشفقة عليه ثم مناصرته بحال من الأحوال ثم الإحسان إليه ثم مرافقته ومسارته ومخالطته والركون إليه ثم بغض أحد من أهل الخير أو غشه أو سماجته أو التبهلل بواجبه أو محله أو القساوة عليه

الحزب الماسوني في حلب

ثم إهمال مناصرته ومعاونته ومعاضدته ومساعدته في جميع أحواله أو الإساءة إليه أو مفارقته أو مباعدته أو سوء الظن به وقلة الوثوق به أو يقال عليه ما ليس فيه أو نقص الكلام وتحريفه وتبديله الذي هو النفاق والشرك بعينه أو المفاتحة بالحكمة مع غير أهلها الذي هو الزنى الحقيقي والفساد الكلي أو زواج الزوجة بغير رضاها ثم السعي والشّور والحضور في الخطبة ثم العرس والطلبة ثم المقاهرة لها على نفسها بعد الزواج ثم الرغبة في الدنيا والميل إلى زينتها وزخرفها والانهماك بشهواتها ثم العجب ثم الكبر ثم انكشاف العورة وقلة الحياء أو زواج الموحد لغير موحدة والموحدة لغير الموحد اه. أقول: هذه النبذة والتي قبلها ظفرت لهما بشرح للشيخ علي هلال الدرزي لم يزدهما جلاء عما هما عليه من ظلمة المقاصد وغرابة التركيب ولذا لم أنقل منه شيئا. ومن أراد الوقوف على نحلة هذه الطائفة فليراجع كتاب دائرة المعارف الكبرى للأستاذ البستاني في حرف الحاء، وكتاب (النقط والدوائر) المطبوع في مطبعة شمرسو في كرخهاين من مدن نوساصيا السفلى سنة 1902 م/ 1319 هـ وهو كتاب حافل مستوفى في بابه مذيل بعدة رسائل يندر وجودها في غيره. الحزب الماسوني في حلب ابتداء وجود هذا الحزب في حلب غير معلوم على وجه التحقيق وأخبرني من أثق به أنه رأى في حلب سنة 1848 م/ 1265 هـ ختما مكتوبا عليه (هذا ختم جمعية الماسون في حلب) . فالظاهر أنهم كانوا موجودين فيها قبلا خفية ولم يثبت وجودهم فيها علنا إلا في سنة 1885 م/ 1303 هـ فقد وفد عليها في هذه السنة مقدّم منهم ونزل في محلة العزيزية ودعا إليه بعض الناس علنا فتبعه عدد عظيم من شبان الملل الثلاث وصاروا يجتمعون عند بعضهم تارة جهرا وتارة سرا. على أن عددهم لم يزل آخذا بالازدياد يوما فيوما. يقول بعض غلاتهم إن حزبهم هذا مما أسسه سليمان بن داود. والمعتدلون منهم ينكرون ذلك ويقولون إن تأسيس ابتداء حزبهم كان في حدود القرن الخامس عشر.

طائفة كيز وكيز

طائفة كيز وكيز قال دارفيو في تذكرته: يوجد في زماننا طائفة من الأرمن يسكنون عينتاب يقال لهم كيز وكيز أي نصف ونصف، سموا بذلك لأن ديانتهم مركبة من الإسلامية والمسيحية فهم يقرءون القرآن العظيم ويعلمونه أولادهم ويعلقونه عليهم كالتمائم ويدخلون المساجد ويصلون فيها مع الجماعة ويفعلون غير ذلك من الأمور التي تدل على إسلاميتهم. كما أنهم يعمّدون أولادهم ويحترمون الصليب ويحتفلون بالمواسم المسيحية ويعترفون عن جرائمهم ويفعلون غير ذلك من الأمور التي تدل على نصرانيتهم. قلت: عهدنا أنه كان قبل الحرب العامة يوجد بعض أسر من هذه الطائفة في مدينة عينتاب وقرية الجبن في قضاء قلعة الروم. أما بعد الحرب المذكورة فلا ندري ما فعل الله بهذه الأسر اه. الكلام على الملل والنحل. نبذة من حقوق الجوار للجوار حقوق خاصة هي غير حقوق الإسلام وغير حقوق القرابة فقد جاء بالحث على الإحسان للجار مسلما كان أم غير مسلم قوله تعالى: «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ» وقال عليه السلام: أحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما. وقال: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيوّرثه. وقال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره. وقال: لا يؤمن عبد حتى يأمن جاره بوائقه. وقال: وقال: أول الخصمين يوم القيامة جاران. وقال: إذا أنت رميت كلب جارك فقد آذيته. وروى الزهري أن رجلا أتى النبي عليه السلام فجعل يشكو جاره فأمر النبي أن ينادى على باب المسجد: ألا إن أربعين جارا. قال الزهري: أربعون هكذا وأربعون هكذا وأربعون هكذا وأومأ إلى الجهات الأربع. وجملة حق الجار ما بينه عليه السلام بقوله: أتدرون ما حق الجار؟ إن استعان بك أعنته وإن استنصرك نصرته وان استقرضك أقرضته وإن افتقر عدت عليه، وإن مرض عدته وإن مات تبعت جنازته وإن أصابه خير هنأته

وإن أصابته مصيبة عزّيته ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ولا تؤذه وإن اشتريت فاكهة فأهد له فإن لم تفعل فأدخلها سرا ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده ولا تؤذه بقتار قدرك «1» إلا أن تغرف له منها. ثم قال: أتدرون ما حق الجار؟ والذي نفسي بيده لا يبلغ حق الجار إلا من رحمه الله. هكذا رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي عليه السلام. قال مجاهد: كنت عند عبد الله بن عمر وغلام له يسلخ شاة فقال: يا غلام إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي حتى قال ذلك مرارا فقال له: كم تقول هذا. فقال: إن رسول الله لم يزل يوصينا بالجار حتى خشيت أنه سيورثه. وقال هشام كان الحسن لا يرى بأسا أن تطعم الجار الكتابي من أضحيتك. وقال أبو ذر رضي الله عنه: أوصاني خليلي عليه السلام وقال إذا طبخت قدرا فأكثر ماءها ثم انظر بعض أهل بيت في جيرانك فاغرف لهم منها. وقالت عائشة رضي الله عنها قلت يا رسول الله إن لي جارين أحدهما مقبل عليّ ببابه والآخر ناء ببابه عني وربما كان الذي عندي لا يسعهما فأيهما أعظم حقا فقال: المقبل عليك ببابه. وقال عبد الله: قال رجل يا رسول الله كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أو أسأت قال إذا سمعت جيرانك يقولون قد أحسنت فقد أحسنت وإذا سمعتهم يقولون قد أسأت فقد أسأت. وقال عليه السلام من أراد الله به خيرا عسّله. قيل: وما عسّله؟ قال يحبّبه إلى جيرانه. وعن أبي هريرة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من يأخذ مني هذه الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن. فقلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي فعقد خمسا فقال: اتق المحارم تكن أعبد الناس وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب. وعنه عليه السلام أنه قال: إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من أحب فمن أعطاه الدين فقد أحبه، والذي نفسي بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه. قيل: وما بوائقه؟ قال: غشه وظلمه ولا يكسب مالا من حرام فينفق

منه فيبارك فيه ولا يتصدق به فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار إن الله لا يمحو السيّئ بالسيّئ ولكن يمحو السيّئ بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث. وقال عليه السلام: من آذى جاره فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن حارب جاره فقد حاربني ومن حاربني فقد حارب الله عز وجل. وقال عليه السلام لأصحابه: ما تقولون في الزّنى قالوا حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة فقال عليه السلام لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره. قال: فما تقولون في السرقة قالوا حرمها الله ورسوله فهي حرام إلى يوم القيامة قال: لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره. إلى غير ذلك من الأخبار والأحاديث الحاثة على الإحسان للجار وتكريمه ومؤاساته والرفق به مسلما كان أم غير مسلم. قال حجة الإسلام الغزالي في كتاب الإحياء ما خلاصته: إنه ليس حق الجوار كف الأذى عنه فقط بل احتمال الأذى منه. فإن الجار أيضا قد كف أذاه عنك فليس في ذلك قضاء حقّ الجوار، ولا يكفي احتمال الأذى أيضا بل لا بد من الرفق وإسداء المعروف إذ يقال إن الجار الفقير يتعلق بجاره الغني يوم القيام فيقول: يا رب سل هذا لم منعني معروفه وسدّ بابه دوني. وبلغ ابن المقفع أن جارا له يبيع داره في دين ركبه، وكان ابن المقفع يجلس في ظل داره فقال: ما قمت إذا بحرمة ظل داره إن باعها معدما. فدفع إليه ثمن الدار وقال لا تبعها. وشكا بعضهم كثرة الفار في داره فقيل له لو اقتنيت هرا فقال: أخشى أن يسمع الفار صوت الهر فيهرب إلى دور الجيران فأكون أحببت لهم ما لا أحب لنفسي. وحكي عن سهل التّستري أنه كان له جار مجوسيّ انفتح من خلائه محل لدار سهل يتساقط منه القذر، فأقام سهل مدة ينحّي ليلا ما يجمع منه في بيته نهارا فلما مرض سهل أحضر جاره المجوسي وأخبره واعتذر بأنه خشي من ورثته أنهم لا يحملون ذلك فيخاصموه، فعجب المجوسي من صبره على هذا الإيذاء العظيم ثم قال له: تعاملني بذلك منذ هذا الزمان الطويل وأنا مقيم على كفري؟ مدّ يدك لأسلم. فمد يده فأسلم. ثم مات سهل رحمه الله. فتأمل نتيجة صبره.

معاملة أهل الذمة بالبر والقسط

معاملة أهل الذمة بالبر والقسط في القرآن العظيم لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ المعنى أن الله تعالى قد رخص لكم أن تكرموا هؤلاء وتحسنوا إليهم قولا وفعلا وتقضوا إليهم بالعدل والقسط. إن الله يحب المقسطين أي العادلين ومعلوم أن البرّ اسم جامع لكل الطاعات وأعمال الخير المقربة إلى الله تعالى ولا يخفى أن الذين يقاتلون المسلمين ويخرجونهم من ديارهم هم أهل الحرب فأما أهل الذمة فليسوا كذلك بل هم من جملة المقصودين بالبر في هذه الآية فللمسلم أن يعاملهم بكل خير ومعروف يطلق عليه اسم البر. التصدق على الذمّي وأما التصديق على فقراء أهل الذمة فقد ورد فيه في القرآن العظيم: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ قال في تفسير الخازن: قيل سبب نزول هذه الآية إن أناسا من المسلمين كان لهم قرابات وأصهار في اليهود وكانوا ينفعونهم وينفقون عليهم قبل أن يسلموا فلما أسلموا أبوا أن ينفعوهم وأرادوا بذلك أن يسلموا. وقيل كانوا يتصدقون على فقراء أهل المدينة فلما كثر المسلمون نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن التصدق على المشركين كي تحملهم الحاجة إلى الدخول في الإسلام لحرصه على ذلك فأعلمه الله بهذه الآية إنه إنما بعث بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه فأما كونهم مهتدين فليس ذلك إليه. ومعنى الآية: لا يجب عليك التوفيق على الهدى أو خلق الهدى وإنما ذلك لله وما تنفقونه من مال فهو لأنفسكم لا ينتفع به غيركم فلا تمنوا به على الناس ولا تؤذوهم بالتطاول عليهم وإن إنفاقكم المال على المشركين لا تقصدون به غير رضاء الله فأنفقوا عليهم إذا كنتم تبتغون بذلك وجه الله في صلة الرحم وسد خلة مضطر. قال بعض العلماء: لو أنفقت على شر خلق الله لكان لك ثواب نفقتك. وقد استدل الأئمة من هذه الآية على إباحة صرف صدقة التطوع إلى فقراء المسلمين

عيادة الذمي وتعزيته وضيافته

وفقراء أهل الذمة. وأجاز أبو حنيفة وحده صرف صدقة الفطر إلى أهل الذمة أيضا وقد فرض سيدنا عمر رضي الله عنه لذمي عطاء في بيت المال فإنه رأى ذميا يسأل الناس الصدقة وهو شيخ فإن فقال عمر حين رآه: لقد ظلمناه، أخذنا منه الجزية وهو شاب وتركناه يسأل الناس وهو شيخ. وأمر أن يفرض له كفافه من بيت المال ما دام حيا. قلت ولما كانت الخيرات المشروطة للفقراء في أوقاف المسلمين معدودة كلها من صدقة التطوع فقد أطلق كثير من الواقفين لفظة الفقراء ولم يقيدوها بمسلمين ولا غيرهم لتصرف تلك الخيرات إلى فقراء الملل الثلاث. حتى إني اطلعت على كتاب وقف اشترط فيه صاحبه منزلا للمسافرين وأنواعا من الأطعمة تقدم لهم في الصباح وفي المساء واشترط صراحة أن يرخص فيه بالنزول لمسافري الملل الثلاث الإسلام والنصارى واليهود أغنياء كانوا أم فقراء وأن يقدم لكل مسافر منهم طعام يناسب مقامه ويلائم منزلته فيقدم للأمير مثلا طعام الأمراء وللتاجر طعام التجار. عيادة الذمي وتعزيته وضيافته قال الزيلعي إن العيادة نوع من البر وفي القرآن: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ إلى آخر الآية. وأما التعزية فقد قال الحموي نقلا عن النوادر: له جار يهودي أو نصراني مات ابنه يقول له أخلف الله عليك خيرا منه. وأما ضيافته فإنها جائزة لا كراهة فيها. ونقل الحموي عن فتاوي شيخ الإسلام أبي الحسن السعدي أن واحدا من المجوس كان كثير المال حسن التعهد للفقراء المسلمين يطعم جائعهم ويكسو عاريهم وينفق على مساجدهم ويعطي دهان سرجها ويقرض محاويج المسلمين فدعا الناس مرة إلى دعوة اتخذها لجز ناصية ولده فشهدها كثير من أهل الإسلام وأهدى إليه بعضهم هدايا فاشتد ذلك على مفتيهم فكتب إلى أستاذه شيخ الإسلام أن أدرك أهل بلدك فقد ارتدوا بأسرهم. فذكر شيخ الإسلام إن إجابة دعوة أهل الذمة مطلقة في الشريعة ومجازاة المحسن بإحسانه من باب الكرم والمروءة وحلق الرأس ليس من شعار أهل الذمة والحكم بردّة أهل الإسلام بهذا القدر غير ممكن. كذا في الظهيرية من النوع السادس من الفصل السابع من كتاب السير.

حل طعام الكتابي لنا، أي ما حل له من طعامه، وحل طعامنا له

حلّ طعام الكتابي لنا، أي ما حلّ له «1» من طعامه، وحلّ طعامنا له في القرآن العظيم الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ أي أحل لكم معاشر المسلمين الذبائح وغيرها من طعام أهل الكتاب اليهود والنصارى وكما أحل لكم طعامهم فقد أحل لهم طعامكم فلا عليكم أن تطعموها وتبيعوا طعامكم منهم. التزام العدل في الحكم والشهادة على المسلم وغيره في القرآن العظيم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ أي يا مؤمنين قوموا بحق الله واشهدوا بالعدل ولا تحابوا في شهاداتكم أهل ودكم وقرابتكم، ولا تمنعوا شهادتكم أهل بغضكم وأعداءكم «2» أقيموا شهادتكم لهم وعليهم بالصدق والعدل ولا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل بل اعدلوا في كل أحد، القريب والبعيد والصديق والعدو فالعدل أقرب للتقوى واتقوا الله فهو خبير بأعمالكم. وفيه أيضا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ* إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا* وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً أي يا مؤمنين كونوا مواظبين على العدل مجتهدين في إقامته جاعلين شهادتكم لوجه الله ولو كانت على أنفسكم بأن تقروا أو كانت على والديكم وأقاربكم سواء كان المشهود عليه غنيا أو فقيرا فلا تمتنعوا عن إقامة الشهادة عليهما ولا تجوروا فيها فالله أولى بالغني والفقير فلا تتبعوا هوى أنفسكم وتعدلوا عن الحق وتحرفوا الشهادة أو تعرضوا عن أدائها فإن الله يعلم ذلك منكم فيجازيكم عليه.

قصة زيد السمين اليهودي

وأما التزام العدل بالحكم على الذميّ وإنقاذه من غدر خصمه وإنصافه ممن ظلمه فقد ورد فيه من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأخبار الصحابة ما تضيق هذه الصفحات عن استيعابه. قصة زيد السمين اليهودي وحسبنا من ذلك ما حكاه القرآن العزيز من قصة رجل من الأنصار يقال له طعمة ابن أبيرق من بني ظفر بن الحرث وكان منافقا سرق درع جار له يقال له قتادة بن النعمان وكانت الدرع موضوعة في جراب فيه دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق الجراب حتى انتهى إلى داره. فلما شعر بذلك خاف من التهمة ومال بالجراب إلى دار رجل من اليهود يقال له زيد السمين فخبأها عنده. ثم التمس صاحب الدرع درعه وتبع الدقيق فأداه إلى دار طعمة فطلب منه الدرع فحلف بالله ما أخذها وما له بها من علم. فأمعن صاحب الدرع نظره بالأثر فرآه قد دخل منزل اليهودي فأخذه منه فقال اليهودي: دفعها إليّ طعمة ابن أبيرق وشهد له على ذلك جماعة من اليهود عند النبي عليه السلام. وكان بنو ظفر قوم طعمة قد بيتوا أمرهم ورتبوا منهم بينة تشهد أن اليهودي هو السارق، ثم جاؤوا إلى النبي عليه السلام وقدموا بينتهم وقد سأله بنو ظفر أن يجادل عن صاحبهم ويبرئه من عار السرقة فهمّ النبي بذلك وكاد يحكم بعقاب اليهودي فتقطع يده. ثم ظهر له الحق وأطلعه الله على حقيقة الحال فعدل عن أن يجادل عن طعمة واتهمه بالسرقة وحكم عليه بقطع اليد وبرأ ساحة اليهودي من السرقة وأنزل الله عليه في كتابه إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ - طعمة وقومه- خَصِيماً وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ - مما هممت به من معاقبة اليهودي- إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً* وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ - بالسرقة- إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً. يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ - وهو التزوير- وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً* ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا* وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ - وهو طعمة- ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً - وهو اليهودي- فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً* وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ - من بني ظفر- أَنْ يُضِلُّوكَ وَما

فصل في معاملة أهل الذمة

يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً. فانظر كيف كان خطاب الله نبيه عظيما لمجرد ما هم به من الحكم على يهودي وكيف امتنّ الله عليه بهدايته إلى الحق وعدم إيقاعه باليهودي وعرفه أن ذلك من فضله عليه وكيف أكبر الله فعل طعمة وتهمته لليهودي وكيف وبخه ووبخ قومه ووعدهم جميعا بعقابه وسماهم خائنين آثمين وسمى اليهودي بريئا ونفى عنه التهمة ووجهها على طعمة. فما بالك بعدله مع النصارى الذين لم يشتهروا بعداوته بل منهم النجاشي الذي آمن به على بعد وحمى أصحابه من عدوهم حينما هاجروا إليه. ولذلك أخبر القرآن عن قرب مودة النصارى للإسلام فقال: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. فصل في معاملة أهل الذمة مما جاء من الأحاديث الحاثّة على التزام الحدود مع أهل الذمة وصونهم من التعدي والإيذاء ما أورده أبو داود في سننه عن العرباض بن سارية قال: نزلنا مع النبي عليه السلام خيبر ومعه من معه من أصحابه، وكان صاحب خيبر رجلا ماردا منكرا، فأقبل إلى النبي عليه السلام فقال: يا محمد لكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمرنا وتعذبوا نساءنا، فغضب النبي عليه السلام وقال يا ابن عوف اركب فرسك ثم ناد أن الجنة لا تحل إلا لمؤمن وأن اجتمعوا للصلاة، فاجتمعوا ثم صلى بهم عليه السلام ثم قام فقال: أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن. ألا إني والله لقد وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر وإنه لا يحل لكم ضرب أهل الكتاب إلا بإذن ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم إذا أعطوا الذي عليهم. انتهى. قوله «إلا بإذن» أي بإذن الإمام فيما إذا وجب على أحدهم حد شرعي فيأذن الإمام بحده كما يأمر بحد المسلم إذا وجب عليه. ولأبي داود عن رجل من جهينة رفعه: «لعلكم تقاتلون قوما فتظهرون عليهم فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وذراريهم فيصالحونكم على صلح فلا تصيبوا منهم فوق ذلك فإنه

لا يصلح لكم» . ولأبي داود والترمذي عن سليم بن عامر أنه كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم ليقرب حتى إذا انقضى العهد غزاهم فجاءه رجل على دابة أو فرس وهو يقول الله أكبر وفاء لا غدر. فإذا هو عمرو بن عسبة فأرسل إليه معاوية فسأله فقال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء. فرجع معاوية. ولأبي داود عن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء الصحابة عن آبائهم رفعوه: «من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» . قوله انتقصه: معناها أو آذاه بشيء ما. وفي الترمذي وصححه: ألا من قتل نفسا معاهدة لها ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر ذمة الله ولا يريح رائحة الجنة وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفا. وفي النسائي: من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما. ورواه البخاري: من قتل معاهدا. ولأبي داود عن مالك قال بلغني أن العباس قال: ما ختر قوم بالعهد إلا سلّط عليهم العدو. ومعنى ما ختر: ما غدر. وفي البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي عن ابن عمر رفعه: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال هذه غدرة فلان. وفي ابن ماجه: ثلاث «1» أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته: رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يؤده حقه. وعنه عليه السلام: إن الله يعذب الذين يعذبون الناس. وفي رواية: الذين يقذفون الناس. وروي: ولا يقفنّ أحدكم موقفا يضرب فيه رجل ظلما فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه. قال ابن حجر في زواجره تبعا للعلماء ما معناه أنه لا فرق في هذا بين أن يكون المضروب مسلما أو ذميا قال عليه السلام: من ظلم ذميا فأنا خصمه يوم القيامة.

في ثبوت الأمانة لأهل الكتاب

في ثبوت الأمانة لأهل الكتاب قال الزيلعي في الكلام على خبر أهل الكتاب ما خلاصته: إن القرآن العظيم أثبت الأمانة لأهل الكتاب بقوله: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً فخرجت الآية مخرج الوصف لهم بالأمانة. اه. قال المفسرون: هذه الآية نزلت في اليهود خاصة فأخبر الله عنهم أن فيهم أمانة وخيانة وقسمهم إلى قسمين. والقنطار عبارة عن المال الكثير والدينار عبارة عن المال القليل. يقول الله: منهم من يؤدّي الأمانة وإن كثرت ومنهم من لا يؤديها وإن قلّت. وقال ابن عباس في هذه الآية: أودع رجل من قريش عبد الله ابن سلام ألفا ومائتي أوقية من الذهب فأداها إليه فذلك قوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ . واستودع رجل من قريش فنحاص بن عازوراء دينار فخانه وجحده ولم يؤدّه فذلك قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً . اه. لهجة أهل حلب في التكلم نورد هنا نبذة وجيزة في الكلام على لهجة الحلبيين في كلامهم كالنموذج لعلها تروق لدى من يعتني بالعلم الحديث المعروف باسم فلسفة اللغة فنقول: الحلبي يلفظ الحرف من مخرجه الحقيقي فيلفظ الجيم جيما لا كيما عبرانية ولا شينا ولا زايا، والشين شينا لا سينا، والقاف قافا لا كافا ولا همزة وهكذا بقية الحروف. غير أن النصارى واليهود يخرجون القاف همزة مرققة في الغالب فيقولون في قارىء مثالا آري. كما أن بعض النصارى ربما أخرجوا التاء طاء فقالوا في ترى مثلا طرى. أو أخرجوا السين صادا فقالوا في ساعة مثلا صاعة. لكن هذا قليل. وقد يخرج اليهود الضاد والطاء بين التاء والدال فقالوا في مثل فضله وأعطني فدله وأعتني. ويوجد بعض من المسلمين الذين يعاملون عرب البادية من يخرج القاف كافا مفخمة فيقولون في قال مثلا: كال. والإعراب في كلامنا لا وجود له البتة وتوجد فيه الإمالة بكثرة جائزة وممتنعة كقولهم سريج لحيف قيعد نييم، في: سراج لحاف قاعد نائم.

وحرف المضارعة في كلامنا هو الباء نحو بضرب بشرب في أضرب أشرب وهذا البدل ربما أدى إلى هجنة في بعض الكلمات كقول بعضهم أنا بهيم إذا رأيت جميلا وأنا بصل للأكل وأنا بريد السفر يريد أنا أهيم وأصل وأريد. وإذا أسند المضارع للمتكلمين أبدلت الباء ميما وزيدت قبله ألف فقيل امناكل امنشرب امنلبس. والفعل المبنى للمجهول في الثلاثي يطّرد عندنا على وزن انفعل كانضرب وانكرم ولا يوجد في الرباعي مجردا أو مزيدا فيه. والمفعول به يقترن باللام غالبا فيقال ضرب زيد لعمر. ويوجد المفعول المطلق قليلا والمفعول فيه كثيرا. والمفعول معه غير موجود بل هم يلفظون معه بمع يقولون مثلا أمشينا مع الجبل. وقلّ أن يوجد المفعول من أجله بل يعتاضون عنه بأداة تعليل فيقولون مثلا قمنا إمشان تعظيم المعلّم أي لأجل. والحال قليل في كلامهم والأكثر أن يعتاضوا عنه بكلمة عمال يقولون مثلا إجا فلان عمّال بضحك. وهذه الكلمة يستعملونها أيضا في المضارع المراد منه الحال يقولون مثلا فتنا على فلان شفناه عمّال بكتب. والتمييز موجود في كلامهم ومثله الاستثناء ويعتاضون عن نفي الجنس بحدا أو بما في معناها فيقولون مثلا ما في حدا في الجميع أي لا أحد في الجامع. أو يقولون مكان حدا الدومري ولا يستعملون من حروف النداء سوى يا. ويلحقون الفعل ضمير الفاعل، تقدّم عليه أو تأخر، فيقولون اجو الرجيل علينا، جاء الرجال علينا وهذا على حد أكلوني البراغيث. وليس عندهم من الأسماء الموصولة شيء سوى أنهم يستعلمون كلمة اللي للذكر والمؤنث مفردا أو غيره ويميزون المراد منها بالصلة بعدها فيقولون مثلا اللّي قام اللي قاموا اللي قامت. وهذه الكلمة تدور في كلامهم على كثرة لأنهم كثيرا ما يعتاضون بها عن التلفظ باسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وهم يعدّون الفعل القاصر بالتضعيف غالبا كقولهم فلان روّح مصاريه أي صرف دراهمه. ولا وجود للذال في كلامهم بل يقلبونها دالا أو يلفظون بها زايا وتاء التأنيث في الأسماء يقلبونها ياء كقولهم فاطمي عاقلي أي فاطمة عاقلة والثاء تاء كقولهم تيني تليت أي ثاني ثالث وربما لفظوها سينا كقولهم في ثم سم ويخرجون الظاء زايا مفخمة كقولهم في ظاهر زاهر أو يقلبونها ضادا كقولهم أدّن الظهر في أذّن الظهر. وكثير من المتطرفين الذين يعانون اللغة التركية من يلفظ الضاد زايا مفخمة فيقول في مريض مثلا مريز. كما أن بعض المتفرنجين يلفظون القاف كافا فيقول في قرش مثلا كرش حتى إنهم كثيرا ما يخلطون في كلامهم العربي بعض كلمات افرنجية لا عجزا منهم عن أن يأتوا

أمراض حلب

بنظائرها من اللغة العربية بل ليفهموا أن معرفتهم باللغة العربية قليلة كأنهم يفتخرون بذلك. وبالجملة فإن لكل محلة عندنا لهجة مخصوصة بأهلها غلب عليهم ذلك باعتبار خلطائهم. فسكان محلة باب النيرب يغلب على لهجتهم ألفاظ أهل الصوف والوبر. وسكان محلة الكلاسة يغلب عليهم ألفاظ أهل الحرث. وسكان محلة الفرافرة يوجد في كلامهم كثير من الألفاظ التركية والفارسية إذ كان أكثر المستخدمين في أيام الحكومة العثمانية منهم. والنصارى واليهود يغلب عليهم في تراكيب كلامهم أساليب اللغات الافرنجية لكثرة معاناتهم إياها. وهكذا بقية المحلات، كل يضارع خليطه. الألفاظ الدخيلة في لغة الحلبيين عموما كثيرة جدا منها جميع الألفاظ الافرنجية التي ذكرت في قوانين الدولة العثمانية كالكمبيالة والبريتستو والقونطوراتو. وكأسماء الآلات والأدوات كشمندوفر وأوتوموبيل وتلغراف وإستاسيون مما يكاد استعماله يكون عاما في جميع البلاد العربية. ومن الألفاظ الدخيلة في لغة الحلبيين كلمات تركية وفارسية وسريانية وعبرانية محرفة أو مصحفة يطول الكلام عليها بحيث يحتاج إلى وضع معجم على حدته. أمراض حلب الأمراض التي يكثر وقوعها في حلب: مرض التّسنين الذي يعتري الطفل حين بلوغه الشهر الخامس أو السادس من عمره. ومن أمثال الحلبيين (طلعت أسنانه حضّروا أكفانه) وذلك أن أشد وقت يخشى فيه على حياة الطفل هذا الوقت الذي تخرج فيه أسنانه اللبنية التي يبدّلها بعد فتختلّ جميع وظائفه الطبيعية وتنحرف صحته وترم لثته «1» ويسيل لعابه ويحمرّ غشاء فمه ويكثر بكاؤه وتضجره ويصحب ذلك إسهال دائم مادته خضراء أو مخاطية بيضاء. وهذا عرض شديد الوطأة على صحة الطفل وقد يوجد غيره من الأعراض الشديدة أو الخفيفة على حسب الاستعداد الطبيعي في الطفل ومساعدة الشّئون والأحوال. وقد يصحب المرض تقرّح اللثة أو الفم جميعه أو تهور بنية المريض وهبوطها سريعا أو وقوعه في سل الأطفال أو انتقال المرض إلى درجة الإزمان. وعلى كل فهو مرض رديء النوع

حبة حلب

سيّىء الإنذار على أنه قد يكون في بعض الأطفال بسيطا جدا بحيث لا تكاد تظهر فيهم أعراضه. حبة حلب وفي هذا السن أو أقل منه بشهرين يعتري الطفل بثرة يقال لها حبة السنة والبعض يسميها حبة حلب زاعما أنها من خواصها مع أنها غير قاصرة عليها بل هي تظهر في عدة بلاد كالموصل وبغداد وأكثر البلاد التي تشرب من نهري دجلة والفرات وبعض قرى كسروان التي يدعي أهلها أنها انبثّت إليهم من حلب وأنهم يعهدون ابتداء زمن ظهورها فيهم. أما ابتداء زمن ظهورها في حلب فهو غير معلوم ولم أر من صرح به في صفحات التاريخ. هذه الحبة بثرة جلدية تظهر أولا على هيئة نقطة حمراء كالحة تقرب من الاستدارة شبيهة بلسعة البرغوث. ثم تأخذ بالنتوء والارتفاع حتى تصير على هيئة ثؤلولة ملساء داكنة اللون تنمو رويدا رويدا وقد يختلف نموها من بعض أيام إلى بعض أشهر حتى تزداد خشونة وتقشر أجزاء دقيقة من بشرتها وحينئذ تقل صلابتها ويزيد احتقانها ثم تتقرح ويسيل منها صديد يختلف قواما وطبيعة مع اختلاف اتساعها وغورها «1» إلى أن تؤخذ بالجفاف فيتكون عليها خشكريشة «2» تسقط ثم يتكون غيرها إلى أن تبرأ وتبقي أثرا لا يزال مدة الحياة. والغالب أن يكون ظهورها في الشهر الرابع من العمر كما ذكرنا آنفا. وقد تتأخر إلى تمام السنة الأولى أو الثانية وأحيانا إلى سن البلوغ وهي لا تقتصر على الحلبيين فقط بل لا بد من ظهورها في الوافدين جديدا على حلب فتسمهم غالبا في الشهر الأول من قدومهم وقد تتأخر للسنة الثانية كما أنها قد تظهر في بعضهم بعد خروجهم من حلب. أما مدة سيرها فهي لا تكون أقل من ثلاثة أشهر ويكثر إلى سنتين وبقاؤها أكثر من ذلك نادر جدا. وأما أسبابها فقد تأكدت بالملاحظة المدققة أنها غير موروثة ولا معدية بالملامسة إذ أنها قد تعتري الوالدين دون أولادهما وبالعكس. وإذا انتقل الوالدان إلى بلد غير معرض لهذه الحبة فإنها لا تعتري نسلهما في ذلك البلد ولو كانت اعترتهما من قبل. وقد لا تعتري الغرباء

المستوطنين الذين يخالطون الحلبيين ويتقلدون جميع عاداتهم والناس يعتقدون أنها مسببة عن الماء، ولذا يتحامى بعض الغرباء تناول ماء نهر حلب وقناتها شربا ويعتاضون عنه بماء العين البيضاء أو عين التل فيتخلصون من هذه البثرة غالبا. أكثر ما يكون ظهور هذه الحبة من جسم الإنسان في الأعضاء المكشوفة المعرضة للنور فيكثر ظهورها بالوجه والأنف والأذنين والجفون والساعدين وظهر الكتفين. ويقل ظهورها في الأخمص والساقين. ويندر في مقدّم العنق والصدر والبطن. وأندر من ذلك أن تظهر في باطن الكف والظهر والعجيزتين. وهي تعتري غير الإنسان من الحيوانات كالكلاب والسّنانير «1» وتكون في الأقوياء والضعفاء والمترفهين والفقراء والذكور والإناث على حد سواء. وفي الغالب تكون مفردة وقد تتعدد وربما بلغت ثلاثين حبة متفرقة في جهات مختلفة من البدن يتوالى خروجها فلا يكون ما بين خروج الأولى وما يليها إلا مدة وجيزة وقد تبرأ الأخيرة مع الأولى. والعوام يسمون المفردة منها ذكرا والمتعددة أنثى. وقد ظهرت هذه الحبة في بعض الخدم والمأمورين الذين رافقوا الملك غليوم إمبراطور ألمانيا في سياحته إلى فلسطين. وبعد أن شاهدهم البروفسور (لابسار) أستاذ الأمراض الجلدية في دار الفنون الطبية في برلين قال: حبة حلب ليست من الأمراض الّتي تستحق الاهتمام وهي تظهر في سكان المناطق الحارة ولا سيما سكان شطوط الفرات ودجلة والعاصي. وشوهدت أيضا في سكان بيسقرا في منتهى جنوب الجزائر وتسمى هناك حبة بيسقرا. وتظهر في سكان السند وتسمى حبة دلهي وهو يرى أنها تتأتى عن لسع نوع من الذباب السيوري. اه. أقول إن إنذار هذه الحبة جيد لأنها من نوع الحبوب القابلة للبرء. غير أنها تبقي في محلها أثرا مشوها يعظم كلما قربت من الأنف والعين والشفتين. وإذا ظهرت على بعض سلاميات الأصابع فالغالب أن تبطل حركة مفصلها. وهي تستعصي غالبا في ذوي الأمزجة الليمفاوية المستعدين للمزاج الخنازيري والمصابين ببعض الأمراض الجلدية الصعبة كالمرض الزهري والمولدين من أبوين مصابين به.

أما ما تعالج به هذه الحبة فأحسنه أن يبادر إلى مسها بقلم نيترات الفضة متى تأكد ظهورها مسا لطيفا في كل عشرة أيام مرة إلى أن تتقرح وحينئذ تغسل مرتين في النهار بماء زهر البلسان وتنشف وتطلى بزيت الزيتون أو دهن اللوز إلى أن تبرأ. ويوجد لمعالجتها بعض أدهنة مركبة مذكورة في الكتب الطبية فراجعها وبلغنا أن بعض أطباء بلدتنا عول على عملية التلقيح لهذه البثرة كالجدري ومارس هذه العملية مدة فظهر له منها تأثير في بعض الأطفال دون بعض. ومن الأمراض الكثيرة الوقوع عندنا أمراض الجهاز التنفسي كالحادر والنزلة الحنجرية والتشعّب الرئوي والأزمة، وتكثر في الشتاء وتبدل الفصول وأسبابها كثيرة جدا منها يبس الهواء وقحولته «1» والإقامة في الأماكن الرطبة والإفراط من استعمال التدخين بالتتن والتنبك وكثرة تناول الحوامض وغير ذلك من الأسباب. والله أعلم.

العادات المستعملة عند المسلمين في أفراحهم وأتراحهم

العادات المستعملة عند المسلمين في أفراحهم وأتراحهم استعمال جميع ما سنذكره من العادات في الأفراح والأتراح والفصول والمواسم إنما هو أمر أغلبي، وإلا فكثير من الناس ولا سيما الخواص أو المتصلبين في الدين يقتصرون منها على أشرفها وأبعدها عن المفاسد الدينية. العادات المستعملة في الحمل والولادة وما بعدهما متى علمت المرأة بالحمل أخذت بالتحرز على نفسها وتجنبت حمل الثقيل والركوب على الدوابّ والصعود السريع على الأدراج والمشي الكثير وتناول المسهلات الشديدة إلى دخول الشهر التاسع. وعندها تكثر من الدخول إلى الحمام وقد تتردد من بيتها إلى باب الفرج تفاؤلا وتكون قد استحضرت لوازم المولود من الكسوة والقماط واللفائف، ويعرف ذلك بالديارة فإذا ابتدأ معها الطلق تحضر القابلة وتعرف بالداية وتصحب معها كرسيا من الخشب قد قوّر مقعده نصف دائرة فكلما جاء المتمخضة طلقة شديدة جلست على هذا الكرسي وإذا تعسر معها المخاض سقوها شيئا من السمن المذاب وبعضهم يحضر لها حربة مركوزة عند أضرحة بعض الصالحين فتتوكأ عليها تبركا وهي على الكرسي إلى أن تضع. قلت ولادة المرأة جالسة على هذا الكرسي مضرّة برحمها فالأولى أن تستولد مسلنقية «1» نصف الاسلنقاء مستندة إلى وسادة وحينما يولد الطفل تلمسه القابلة فإن كان غلاما صلّت على النبي وإن كان جارية ترضّت عن فاطمة الزهراء. فيتباشر القوم وتبتدىء النساء بالزراغيت. ثم إن القابلة تشتغل بدهن ظهر الولد بالزيت لإزالة الشحم منه وبقطع سرّه وتلبيسه. ويشتغل من حضر من النسوة برفع أمه إلى المرتبة المعدة لها ثم يجيء أحد أقارب المولود ويؤذن في أذنيه.

ثم يسمى من قبل أبيه أو جده أو أمه أو جدته ويدفع لأمه فتعرض عليه ثديها. وبعضهم يلعقه من شراب الزوفا ليسرع خروج العقي «1» من بطنه. وقلّ من يستعمل له العقيقة المسنونة. والغالب أن تقتصر الأم في مأكولها ومشروبها على الأغذية اللطيفة والأمراق وتطبخ لها حلوى بالشّونيز «2» والجوز ليكثر لبنها وتشرب من ماء الحمام المنقوع فيه أصول البنفسج. وتستمر على ذلك مدة أسبوع. وفي ثاني أو ثالث يوم من الولادة يرسل أحد أصدقاء البيت إليه فرشا من الزلابية ومعه أباليج السكر «3» قد وشي بالألوان. ثم في مساء اليوم السابع يولم أهل المولود وليمة حافلة يدعون إليها أقاربهم وخواصّ معارفهم. وقد يوجد من جملة الألوان طعام حلو مطبوخ مؤلف من الدبس والشمرة ويعرف بالمغلي وقد يحضرون في تلك الليلة القينات فيغّنين ويطربن من حضر. وقد يقمن إذا رضي صاحب الوليمة فيجمعن من النسوة دراهم تعرف بالنقوط فتعطي كل امرأة بحسبها من ثلاثة قروش فصاعدا. وربما جمع من ذلك مبلغ وافر يعطى بعضه القابلة وقيمة الحمام والقينات ويبقى فضلة لصاحب الدعوة. ثم في صباح تلك الليلة تنصرف كل امرأة إلى بيتها. وقد اعتادت النسوة أن يتهادين في الأفراح بأنواع الحلوى أو الأقمشة أو بعض النقود الذهبية القديمة فكل من كان عندها في فرح سبق لها الهدية من قبل الوالدة أو من ذوي قرابتها تأتي وتهنئتها بمثل هديتها. فإن كانت حلوى وضعتها في ظرف من البلور مصفوفة منضدة وقدمته إليها وإن كانت نقدا من الذهب المذكور علّقته في قلنسوة المولود. ثم بعد أربعين يوما من يوم الولادة تؤخذ النفساء إلى الحمّام مع أقاربها من النسوة. وربما أفردت لها الحمام خاصة بها وبمن معها فبعد دخولها إليه تطلى جميعها بعسل فيه زنجبيل «4» ويوضع منه مقدار تحتها ويكبس جسمها بالمرزنوش «5» القبرص والخزامى المغربية. وتجلس على هذه الحالة نحو ساعة في طرف سطح بيت النار ثم تغسل وتخرج وهذا الكبوس والطلي يعرفان بالشدود وقد تركه كثير من الناس ولا سيما في الصيف.

وضع الولد في المكتب أو غيره وحفلة الختم إلى أن يبلغ حد الزواج

وأما تربية الولد فإنه يرضع في الغالب حولين كاملين من أمه أو مرضعة مستأجرة. وفي أوائل هاتين السنتين يشدّ بقماط يستوعبه إلى رأسه وهذا غير جيد إذ ربما تلتوي بعض أعضائه من شد القماط ويوضع تحت مقعده تراب يعرف بتراب الهلّك كي يتشرب الرطوبة التي تخرج منه. وهذا غير جيد أيضا إذ ربما تضرّر الطفل من رطوبته على نحو ما يتضرر الإنسان من رطوبة الأرض فالأولى حذفه وتغيير لفائف الطفل كلما أحدث. وقد يؤانس منه وجع في بطنه فتمضغ له أمه لب عجو الدرّاقن وتعتصره في فمه أو يدهن بطنه من دهن البابونج فيسكن الوجع وقلما يغسلونه في غير الحمام. والأولى غسله بالماء الفاتر في أكثر الأيام مع الاحتراز عليه من البرد. ومما اعتادوه من يوم ولادته إلى أن يمضي عليه بضعة أشهر أن يكحلوه في كل أسبوع تقريبا بكحل أسود مركب من هباب الزيت ويدهنوا مراقّه «1» بالزيت الطيب ويذرّوا فوقها مسحوق ورق الآس كأن ذلك دباغا «2» لجسمه. وقد اعتادوا إذا خرجت أسنان الطفل أن يسلقوا له قمحا ويخلطوا معه سكرا ورمانا وجوزا ولوزا وفستقا ويطعموه من هذا الخليط ويفرقوا باقيه. وضع الولد في المكتب أو غيره وحفلة الختم إلى أن يبلغ حد الزواج وحينما يبلغ الطفل الرابعة أو الخامسة من عمره يضعونه في المكتب وإن كان أنثى وضعوها عند الشيخة أو معلمة الخياطة أو التطريز وكلما بلغ الولد نحو الربع من القرآن أرسلوا لشيخه هدية تعرف بالبخشيش إلى أن يكمله فترسل له هدية وافرة على حسب حال ثروة أهل الولد. وعندها يعمل له فرح يعرف بالنشيدة وهي وليمة لأولاد المكتب يدعون مع شيخهم صباحا إلى بيت الولد الذي أكمل القرآن ويدعى معهم بعض الأحباب والأصدقاء فيحضرون وقد سبقهم المطربون الذين يضربون بالدفوف وجماعة العازفين بالناي وربما

ختان الولد

أوجدوا زمرة من دراويش الطريقة المولوية ويعملون نوبة سماح فيطرب من حضر. ثم يدعى الجمع للطعام فيأكلون ثم تصطف الأولاد عدة صفوف، أهل الصف الأول منهم يحملون أعلاما صغارا ويمشي أمامهم بضعة أولاد متفوقين ينشدون أبياتا من بردة البوصيري وبقية الأولاد يعيدون قوله (مولاي صلّي وسلم إلخ) وقد ينشدون غير ذلك. وأولاد الصف الثاني يحملون أعلاما أكبر من الأعلام التي حملها الصف الأول ويتقدمه واحد ينشد مدائح نبوية والأولاد يعيدون لازمتها. وأولاد الصف الثالث يقفون فرقتين متقابلتين إلى جانبي الذي ختم ويفتح بين كل ولدين من الصفين درج مكتوب فيه بعض الأدعية. وقد قام بين الصفين ناشد «1» يشدو بمدائح نبوية والأولاد يعيدون لازمتها وقد مشى أمامهم رجل يحمل كرسيا على رأسه فوقه المصحف، وأمام هذا الصف جماعة المغنين وبأيديهم الدفوف وهم ينشدون مدائح خصوصية ووراءه جماعة الدراويش ومن يحمل المبخرة التي يحرق فيها العود وفي جانبه إنسان ينثر على الناس شعيرا زعما أنه يدفع العين عن الولد. وهكذا يطوفون في الشوارع إلى أن يرجعوا إلى بيت الولد الذي ختم وفيه يقوم بضعة أولاد ممتازين يقرأ كل واحد منهم دعاء يدعو فيه للسلطان ولشيخه وللأولاد بالفتوح والبقية يؤمّنون على دعائه ثم ينصرفون وعند خروجهم من الباب يملأ جيب كل ولد منهم نقلا مركبا من الفستق والزبيب وغيرهما. وفيه مقدار من الدراهم وهكذا تكون خاتمة النشيدة. ختان الولد ثم إن الولد إن كان غير مختون فإنه قد يختن في هذا اليوم بعد رجوعه من الطواف المذكور. على أن كثيرا من الناس اعتادوا أن يختنوا الولد في اليوم السابع من ولادته، كما اعتادوا ثقب أذن البنت للقراط في أثناء ذلك الأسبوع، فيختنونه دون أن يقيموا له حفلة ومنهم من يفرد احتفالا خاصا لسنة الختان بعد أن يترعرع الولد فيولم صباحا ويحضر المغنين والمطربين وتقدم له الهدايا من أفراد أصحابه فيرسل له أحدهم أرزا أو سكرا أو غنما أو بعض أقمشة حريرية، كلّ بحسب حاله، وبعد أن يفطر المدعوون ويطربوا يفتتح شيخ

صيام الطفل في رمضان

بقراءة قصة المولد النبوي وفي ختامها يجاء بالولد ويختن وينصرف الناس وتحضر المغنيات وتقبل النسوة فيبقين ذلك النهار كله ويجمع منهن النقوط على نحو ما تقدم. وبعض الغرباء يجعل حفلة الختان مساء فيأكل المدعوون ويتغنى المطربون ثم تحرق الملاعب النارية وفي ثاني يوم تتلى قصة المولد بحضور نفر قليلين وفي ختامها يختن الولد. أما سكان الأطراف فقد اعتادوا غالبا أن يحتفلوا بالختان على غير هذه الصورة وهي أنهم يولمون صباح اليوم الذي يريدون أن يختنوا الولد فيه ثم يركبون الولد بالحلى والحلل على برذون ويركبون خلفه رديفا ويطوفون به في شوارع البلد وأمامه أحد شيوخ الطرايق مكللا بغطاء وردي وفي يده عقّافة راكبا على برذون يقوده أحد مريديه وأمامه جماعة يضربون طبول البدوي ويحملون أعلام الطريق إلى أن يطوفوا هكذا في أكثر الشوارع ثم يرجعوا إلى بيت المختون وتتلى قصة المولد النبوي ويختن الولد في ختامها. ومن الناس من يجعل في مكان نوبة الطريق هذه عراضة وهي عبارة عن جماعة يطوفون بالشوارع وهم يلعبون بالعصيّ ومنهم من يلعب بالسيوف والتراس، ومنهم مدرعون مشاة وفرسان معتقلون رماحا ووراءهم رجل يقود بعيرا على ظهره منصّة مهندمة يقوم فيها رجل قد ألبس كسوة نسوة العرب وفي يده صنوج فيرقص ويتخلع حتى يصل هذا الموكب إلى البيت. وهذا الرجل الرقاص يسمونه عبلة وكثيرا ما يجرون هذا الموكب في غير حفلة الختان. صيام الطفل في رمضان ثم إن الولد متى بلغ سن المراهقة صام من رمضان فيعمل له في أول يوم صيامه فرش مملوء من أنواع الحلوى يفطر عليه مساء ذلك اليوم. الزواج وتوابعه فإذا بلغ مبلغ الرجال رغب أبواه بتزويجه فتبتدىء أمّه ومن يقربه من النسوة بالخطبة له، ويبحثن في بيوت البلدة على البنات وربما استغرقن في ذلك أشهرا بل سنة أو سنتين. فإذا اتفق رأيهن على بنت لحسنها وأصلها وأدبها تقدم أقرب رجل إلى الزوج ومعه وجهاء

أهل بيته وخطبوها من أقرب رجل إليها وعينوا معه المهر الذي قد يكون ألف ذهب، وهذا عند المفرطين بالغنى والثروة. وأما المهر عند غيرهم فلا حد لأقله وقد اعتادوا أن يجعلوا ثلثي المهر معجلا يدفع إلى الزوجة أو وكيلها قبل العقد وثلثة مؤجلا يدفع للزوجة بعد الموت أو التطليق. والمهر المعجل الذي تأخذه الزوجة ربما أضافت إليه قدره وجهزت بذلك كله نفسها فاشترت به حليا وفرشا ونمارق وأواني صينية وغيرها وحمل ذلك جميعه إلى بيت الزوج. هذا إذا كانت الزوجة غنية أما إذا كانت متوسطة الحال فتضيف إلى المهر قدر نصفه أو ثلثه أو ربعه على حسب سعة حالها. والفقيرة لا تضيف إليه شيئا مطلقا. وبعد أن تتم الخطبة يجتمع نفر من ذوي قرابة العروسين ويأخذون العهد على وليها بالإعطاء ويقرءون على ذلك الفاتحة. وهذا الاجتماع يسمونه بالفاتحة أو بالملاك. وقلّ من يجريه. وفيه يرسل الخطيب إلى مخطوبته هدية من الحلي كالخاتم والقرط وغيرهما. ثم بعد أن يدفع المهر المشروط تعجيله يباشرون عقد النكاح فيهيّا» من قبل الزوجة دار فسيحة جميلة وترسل رقاع الدعوة من قبل وليّ العروسين ويدعو كل منهما من أراد من معارفه وأصحابه إلى الدار المذكورة في وقت معين، والأكثر أن يكون صباحا فيجتمعون في تلك الدار وقد سبقهم المغنون والمطربون فيستمعون الألحان والأغاني وآلات الطرق نحو ساعة ويطعمون شيئا من الحلوى كالراحة وربّ الكبّاد، ويتبعون ذلك بقهوة البنّ والدخان. ويكون الشيخ قد كتب اسم الزوجين ووكيليهما وشهوديهما وجملة المهر معجلا ومؤجلا وأكثر أسماء الحاضرين. ثم ترفع أدوات الدخان ويسكت المغنون والحاضرون ويتلو الشيخ خطبة يذكر فيها فضل الزواج ويدعو الزوجين، ثم يجلس أمامه وكيلاهما فيلقنهما الإيجاب والقبول وإذا انتهى من عمله افتتح أحد الحفظة بتلاوة شيء من القرآن العظيم وأعقبه أحد من حضر من الشيوخ بالدعاء للزوجين بالرفاء والبنين. ومتى أتم الدعاء ابتدر جماعة المطربين ينقرون بالدفوف وإنشاد بعض المدائح النبوية ثم ينتقلون منها إلى الأغاني المطربة ويحركون آلات الطرب وتدور

كؤوس الشراب الطّهور على الحاضرين ثم قهوة البنّ، فيشربون وينهضون إلى الانصراف ويقولون لأقرب من يكون للزوج وهم منصرفون: جعله الله مباركا. هذا ما يكون عند الرجال، وأما ما يكون عند النساء فإنهن بعد ذهاب الرجال يجتمعن إلى الدار المذكورة ويجلسن العروس بحليها وحللها على كرسي خصوصي، وتبتدر القينات بالأغاني والعزف بالآلات ويطعم الجميع من الحلوى المتقدم ذكرها ويدار عليهن كؤوس المرطبات ويجمع النقوط للقينات فقط إن سمح رب الدعوة بذلك وإن كان شرط عليهن أن يكتفين بما يعطيهن من الأجرة فلا يجمعن شيئا وإن جمعن فلا يأخذن منه شيئا بل هو لصاحب الدعوة إذا كان ضعيف الحال. ثم إن النسوة يبقين إلى مساء ذلك اليوم وفيه يرجعن إلى بيوتهن وفيها يتعشين. وأما حفلة الزفاف فهي أنه بعد مضي برهة من الزمن يجهز أهل الزوجة ما يلزمها من الملبوس والمفروش والأواني، ينفقون على ذلك المهر الذي أخذوه من الزوج ويضيفونه «1» شيئا على حسب حالهم كما بيناه آنفا، ثم في يوم معين ينقلونه إلى بيت الزوج إما على ظهور الدواب المجمّلة سروجها بالخرز والودع المعصّبة رؤوسها بالمناديل الملونة وإما على ظهور الحمالين، وهذا أكثر عند الأكابر وقد اعتاد سكان الأطراف غالبا أن يقدموا أمام الدواب جماعة يلعبون بالسيوف والتراس والعصيّ، وآخرين معهم طبل وزمر وأمامهم واحد ينشد أدوارا من الزجل وهم يرددون اللازمة ويصفقون ويضجّون ويطولون ويقصرون حتى يصلوا إلى بيت الزوج فيوضع فيه الجهاز. ثم في ثاني أو ثالث يوم يأتي أهل الزوجة ويفرشونه في البيت المعدّ له ويصنع لهم أهل الزوج في ذلك اليوم غداء. ومن جملة العادات المستعملة عند هؤلاء وأمثالهم أن يجتمعوا عدة ليال قبل ليلة القران في دار ذات ساحة فسيحة ويحضرون فيها طبّالا وزمّارا ويفتحون باب الدار لكل وارد فيجتمع إليها جم غفير من أخلاط الناس ويضرب الطبل وينعر الزمر ويقوم اثنان ويتلاعبان بالسيوف كالمتنازلين في الحرب إلى أن يغلب أحدهما فيقوم آخر وهكذا إلى آخر الليل. وربما داخل أحدهما الحنق على صاحبه فضربه مجدا وأثرا فيه. وقد يقوم اثنان يتلاعبان بالعصي على نسق المتلاعبين بالسيوف. وهذه الليالي تسمى بالتعاليل وفي كل ليلة منها يقوم

واحد من قبل صاحب الحفلة ويقف أمام كل رجل ويتملقه ويمدح بيته وأهل محلته فيعطيه شيئا من الدراهم حتى يستوعب جميع الحاضرين. وهذا العمل يقال له الجبوة ثم إن هذه التعاليل قد تكون عند جماعة الأكابر على صفة جميلة بأن يحضروا فيها جماعة الموسيقى والمغنين والمطربين ويحرقون فيها الألعاب النارية دون عمل الجبوة. وبعد إجراء هذه التعاليل يباشرون حفلة ليلة القران وتكون العروس قد أخذت على الحمام عدة مرات وفي كل مرة منها تغسل عند خروجها منه بماء الورد. وقبل ليلة أو ليلتين يدعو أهل الزوجة إليهم أقاربهم وأحبابهم من النسوة ويفرقون عليهم نقش الحنّاء وتسمى تلك الليلة ليلة النقش ويكون المدعوون قد أرسلوا هداياهم على حسب أقدارهم إما أرزا أو سكرا أو شاة أو ثوبا هنديا أو غير ذلك. ثم في صباح اليوم الذي في مسائه يكون القران، يحضر المدعوون إلى بيت الزوج للفطور على السماط وقد سبقهم المطربون فيأكلون ويطربون وينصرفون. واعتاد بعض الأكابر أن يجعل هذه الوليمة عامة فلا يدعو إليها أحدا بل يحضر إليها أحباب هذا البيت وأصحابه دون دعوة ولا تقدمة من الهدايا المتقدم ذكرها، ويكون وقتها غالبا بعد العصر. أما النساء في هذا اليوم فإنهن يأتين في ظهيرته إلى منزل الزوج ثم يتوجه من أقاربه عدة «1» نسوة إلى منزل العروس فتلبس ثيابها ويأتين بها لمنزل زوجها راكبات معها في عجلات مجملة تسير بكل سكون ووقار. أما سكان الأطراف فإنهم ما برحوا مثابرين في ذلك على العادة القديمة وهي إتيان النساء بالزوجة إلى بيت زوجها ماشيات وهن في الطريق يزرغتن وينشدن التهاني ولا يمررن بها على حمّام زعما بأن جنّ الحمام تتخطفها. فإن وصلن بها إلى منزل زوجها استقبلتها القينات بالدفوف والأغاني التي تناسب مقامها ثم أجلست على كرسي معدّ لها واشتغلت القينات بالغناء وتحريك آلات الطرب إلى المساء وفيه تبسط الموائد وتتعشى النسوة ثم يرجعن إلى ما كن عليه من السماع والطرب. ويكون الزوج قد أخذ إلى منزل أحد الأصدقاء بعد مضي بضع من الليل وقد اجتمع فيه الناس والمغنون والمطربون فيلبس ثيابه في هذه البرهة ويخرج إلى الطواف في الشوارع هو ومن معه من الجموع ويقف إلى جانبه من يشبهه ويسمى سخدوجا «2» ويصطف إلى

جانبيه صفان متقابلان في يد كل واحد من أفرادهما شمعة موقدة أو فانوس مسرج. وعلى كل واحد منهم غالبا أن يغني مواليا وعند إتمامه ينضمون إلى بعضهم مثنى وثلاث ورباع ويقولون بصوت عال: الله يساور جوز جوز جيز. وأظن أن هذه العبارة محرفة عن (الله يصور الزوج زوج جهاز) . وقد تقدم أمام هذين الصفين كبكبة من الناس فيهم طبال وزمار أو ذو طبيلات وكمنجا وأمامهم كبكبة أخرى يصفقون ويصيحون ويطولون ويقصرون، وقد مشى أمامهم القهقرى رجل ينشدهم زجلات ركيكة وهم يعيدون لازمتها والمشاعل توقد أمامهم والأولاد الصغار يتقاذفون بجمرها. وربما وجد مع هؤلاء الجماعات رجل يرمي بالشهب النارية المعروفة بالفتّاش. كما أنه ربما وجد معهم جوق الموسيقى الكبير المعروف بالعسكري. ولا يزالون هكذا حتى يصلوا إلى باب منزل الزوج فيقفوا عنده مليا وهم يصيحون ويضجون بتلك الزجلات ثم يقف الحاضرون حلقة ويغني من كان منهم صيّتا مواليا معروفا لا يتغنى به إلا في ذلك الموقف وفي آخره يصيح بقوله الفاتحة فيقرؤها الناس ويدعو أعلم الجماعة دعاء البركة للعروسين. ثم يدخل الزوج إلى الدار ويصيح واحد من القوم بتعيين الحمّام الذي ينزله الزوج في غده وينصرفون وتكون القينات قد خرجن إلى قرب الباب واستقبلن الزوج بالأغاني المناسبة لمقامه ومشين أمامه إلى قرب البيت الذي فيه الزوجة، وتكون هي قد نهضت لاستقباله ومعها أقرب من يكون إليها من النسوة وحينما يلتقيان يتقدم أقرب رجل إلى زوجها فيأخذ منه يدا ومنها أخرى ويضعهما في بعضهما فيتصافحان ويدخلان إلى البيت المعدّ لهما ويوضع فوقهما غطاء وردي اللون وتأتي القينات فيتغنين أمامهما ويحركن آلات الطرب برهة والشموع موقدة بين أيديهما. ثم ينصرف الجمع ويبقى العروسان وحدهما وتستمر القينات والنسوة على ما هن عليه من الصفو والطرب. وفي أواسط الليل يوضع للقينات مائدة تشتمل على أنواع الحلوى والنقل فيأكلن ويطعمن منها من شئن ثم يرجعن إلى التغني والطرب والرقص إلى الصباح فينصرف الكل إلى بيوتهن والزوج يقدم إلى زوجته هدية تسمى بالصبحية وهي تقابله بمثلها، ثم يتوجه إلى الحمام المعين للقوم فيدخل معه طائفة من أحبابه وأصحابه فيمرحون فيه ويختضبون بالحناء ثم يغتسلون ويخرجون وفي هذا اليوم يصنع أحد أصحاب الزوج وليمة باسمه يقال لها الصبحية فيدعوه إليها مع أقاربه وأصحابه وتكون في الغالب مشتملة على جماعة المطربين

عاداتهم في أتراحهم

والمغنين وإذا كان الأوان غير الشتاء تعمل في البستان. وبعد أن يتعشى المدعوون يؤخذ الزوج إلى بيت صاحب الدعوة فيلبس ثيابه ويخرج إلى بيته في الموكب الذي عمل له في الليلة الأولى التي هي ليلة القران وهذه الصبحية قد تكرّر من أصحاب الزوج وأحبابه عدة أيام وفي كل مرة تكون على النسق المتقدم ذكره ثم بعد مضي خمسة عشر يوما من ليلة القران يولم الزوج وليمة حافلة يدعو إليها أهل زوجته ويقال لهذه الوليمة عزيمة الخامس عشر. عاداتهم في أتراحهم متى احتضر المريض أحروا له أحد حفظة القرآن الكريم فيجلس في جانبه ويتلو ما ألهمه الله تعالى من القرآن. والغالب أن تكون التلاوة سورة الرعد يرددها حتى يقضي المريض نحبه وعندها يهيأ له المغتسل والنعش من الجامع. وإذا كان غنيا عمل له نعش جديد وبني له قبر جديد. ثم إن النسوة يأخذن بالنواح ولبس السواد. وبعض نساء سكان الأطراف المتعاملين مع البدو ربما أحضرن نائحات بالأجرة ونثرن على رؤوسهن الحناء وشددن المآزر وسوّدن وجوههن بسخام القدر وخدشن خدودهن وفعلن من هذه الأمور ما لا يليق إلا بالجاهلية. ثم إن كان يمكن دفن الميت قبل دخول الليل غسلوه ودفنوه وإلا أبقوه إلى الغد. ومن عاداتهم أنهم يغسلونه بالماء الفاتر مع الأشنان والصابون ثم بعد الوضوء والاغتسال ينثرون فوقه الكافور والعبيثران ويشدون عليه أكفانه ويضعونه في النعش. وربما ضرب أحدهم صفحة قنطرة باب الدار بإناء خزفي عندما يخرج منه النعش زاعمين أن ذلك يمنع من أن يلحق بالميت غيره من أهل الدار. ثم يحملونه إلى المصلى ثم إلى التربة ويجهرون بكلمة التوحيد وهم سائرون معه وربما كان في مقدمة موكب الجنازة من يؤذن أذان الجوق أو ينشدون بعض مدائح نبوية كبردة البوصيري أو جماعة من دراويش الطرايق العلية يحملون أعلاما وطبيلات يضربون بها. وربما كان الميت منتسبا إلى الطريق فتتقدم جماعته ويحملون النعش ويتجاذبونه ويتماسكون به كأنه يريد الطيران وهم يمنعونه عنه، الأمر الذي ينكره الشرع فإذا وصلوا بالجنازة إلى القبر أنزلوها إلى الأرض وافتتح واحد بالأذان الشرعي ثم أخرجوا الميت من

التابوت وأنزلوه في حفرته وابتدروا تلاوة سورة ياسين ثم تبارك ثم النبأ ثم سورة الإخلاص والمعوذتين والفاتحة وأوائل البقرة وأواخرها والتربّي في هذه البرهة يلحده ويحلّ ربط أكفانه فإذا انتهى خرج من القبر وطبقه وأهال عليه شيئا من التراب ثم صاح المؤذن في الناس: غفر الله لعبد جلس. فيجلس الجميع القرفصاء ويصمتون، ويتقدم أحد الشيوخ ويلقن الميت سؤال الملكين وكلمة التوحيد ثم يقوم هو ومن حضر فيصطفون حلقة يقوم في وسطها ناشد ويذكرون الله تعالى برهة. وفي ختامها يتقدم واحد من قبل وصي الميت ويفرّق على الفقراء والمحتاجين شيئا من الدراهم وينصرفون ويصطف أهل الميت في جهة من المقبرة ويمر عليهم الناس ويعزّونهم وفي مساء هذا اليوم يرسل أحد أصدقاء الميت طعاما يتعشى منه أهل الميت ومن يكون في بيته، ويقال لهذا الطعام حمول. وفي هذه الليلة أيضا يدعى جماعة من حفظة القرآن الكريم إما إلى البيت الذي مات فيه الميت وإما إلى قبره إذا ساعد الأوان، وقد تضرب عليه خيمة، وإما للمحلين معا فيشتغلون بتلاوة القرآن إلى مضيّ طائفة من الليل. ومنهم من يشتغل بالتلاوة إلى الصباح. ويستمرون على ذلك ثلاث ليال إلى سبع. وفي آخر كل ليلة يوضع لهم مائدة تشتمل على حلاوات وبعض أطعمة فيأكلون ومن حضر معهم لسماع التلاوة، ويشربون قهوة البنّ ويدخنون وينصرفون. وفي كل ليلة من هذه الليالي أيضا يجتمع نفر من الرجال والأولاد بين العشاءين في مسجد المحلة ويكررون كلمة التوحيد وفي أيديهم سبحة كبيرة تبلغ نحو خمسمائة حبة فإذا دارت دورا سكتوا وتلا إمام الجامع أو غيره شيئا من القرآن الكريم. وبعد فراغه يعودون إلى التسبيح فيديرونها دورا آخر ويختمون الذكر وتفرق عليهم الحلوى المعروفة بالغريبة. وفي صبيحة اليوم الثالث من الوفاة يجتمع جمّ غفير من أقرباء الميت وأحبابه وأترابه والفقراء والمساكين إما في مسجد المحلة وإما على قبره إذا ساعد الفصل، فتخرج البسط والسجادات وتمد على الأرض في طراف القبر ويوضع عليه قماقم «1» ماء الورد وتنثر فوقه الزهور ويفرق على القارئين أجزاء الربعات التي يستخرجها إمام مسجد المحلة. وبعد إتمام قراءتها يجهر الجميع بتلاوة صيغة الختم. وفي ختامها يقوم الناس ويصطفون حلقة على القبر يقوم في وسطها أحد شيوخ الطرائق العلية وناشده فيذكرون الله تعالى وربما ضرب النشاد بطبلات

بعض عادات يستعملها النصارى في أفراحهم وأتراحهم

استحضروها معهم بإذن أهل الميت فإذا قرب فراغهم من الذكر قام واحد من قبل وصيّ الميت وفرق على الفقراء شيئا من الدراهم وتبعه آخر يرش عليهم ماء الورد ثم يدعو الشيخ للميت بالرحمة والمغفرة وينفضّ الجمع ويقف قرابة الميت صفا يمرّ بهم من حضر ويعزّيهم بالفقيد. وهذا اليوم يعرف بالثالث. ثم في اليوم السابع من الوفاة يدعى جماعة من حفظة القرآن إلى بيت أهل الميت فيختمون في ذلك النهار ختما شريفا. وفي مسائه تبسط الموائد ويفتح باب الدار للفقراء والمساكين فيدخلون أفواجا أفواجا ويأكلون ويخرجون. وهذا اليوم يسمونه الأسبوع. ومثل ما يكون فيه يكون في يوم الأربعين ويوم تمام السنة من الوفاة ويعرف بالسنويّة. بعض عادات يستعملها النصارى في أفراحهم وأتراحهم فمنها ما اعتادوه في الخطبة والزواج، وذلك أن بعض الشبان متى أراد الزواج أخذ يتصفح وجوه البنات عند خروجهن من الكنيسة ومجامع الناس. فإذا أعجبته بنت من جهة حسنها ومالها وكفاءتها له شرع يتعاطى الوسائل للتوصل إلى مكالمتها واستمالتها نحوه فإذا تم له ذلك عرّفها تصريحا أو تلويحا بأنه يريد أن يكون بعلها. وهذه هي الخطبة الأولى التي تكون سرا بين الزوجين ولا يقع بينهما اجتماع في بيت إلا بطريق المصادفة، كأن يكون في المكان وليمة زفاف أو اجتماع خاص، فإذا ظهر له منها الرضا باشر الخطبة الثانية، ويقال لها الخطبة الرسمية، فيرسل من قبله إلى ولي المخطوبة كاهنا ومعه وليه وبعض أقاربه فيتلقاهم ولي الزوجة بالترحاب ويقدم لهم الحلوى وقهوة البن ثم يتقدم الكاهن إلى ولي الزوجة ويقول له: هل تخطب كريمتك أو قريبتك فلانة إلى فلان؟ فيقابله بالإيجاب، فيلتفت إلى ولي الزوج ويسأله مثل هذا السؤال فيقابله بالإيجاب وعندها يضع أيديهما في بعضهما علامة على الرضا المتبادل منهما، ويشهد عليهما هو ومن معه. وبعض الكهنة يسأل المخطوبة هذا السؤال بحضور والدتها فتطأطىء رأسها بالإيجاب فيعطيها الحلي الذي أهداها إياه زوجها. وبعد هذا العمل يتوجه الجميع إلى دار

الزوج فيدعون له باليمن والإقبال فيجاوبهم بالشكر منهم ويقبل يد أبيه وأمه ويد الكاهن وينصر الجمع. وبعد مضي نحو أسبوع من الزمن يشرع الخطيب بزيارة مخطوبته فيتردد إليها في اليوم مرة أو في الأسبوع أو في الشهر. وكثيرا ما نهى الكهنة عن كثرة هذه الزيارة فذهب نهيهم سدى وبعد أن يبلو الخطيب أخلاق مخطوبته وتكمل له أسباب الزواج يرسل الكاهن إلى أهل خطيبته ليحدد لهم ميعاد الزواج على حسب ما يرغب الزوج. وهذا العمل يقال له المشورة ويكون الزوج قد حمّل الكاهن بعض الحلي والحلل، فيتوجه بها إلى بيت مخطوبته ويعطيها إياها ويعين مع أهلها يوم الزفاف. وكثيرا ما ينكث أهل المخطوبة ويفسخ عقد الخطبة فيرجع الكاهن ومعه الحلي والحلل إلى بيت الزوج ويبين لهم السبب الذي حملهم على إبطال الزواج، فإن رضي الزوج بهذا السبب كان بها وإلا أقام الحجة على أهل الزوجة عند الرئيس الروحاني المنسوب إليه أهل المخطوبة (هذا إن لم يكونا من طائفة واحدة) وللرئيس حينئذ أن يحكم على المتسبب بالضرر وينقض ويبرم على نحو ما يتضح له. وهذه المشورة قد بطلت الآن وصار الزوج يرسل الهدية لزوجته مع بعض أقاربه أو أصدقائه ومعه يكون تعيين يوم الزفاف. وقبل ثمانية أيام أو خمسة عشر يوما من هذا اليوم توزع رقاع الدعوة إلى حفلة العرس على الأقارب والخلّان من قبل وليي العروسين، ثم في اليوم المعين يقبل المدعوون إلى دار الزوج بلباسهم الرسمي فيستقبلون بالترحاب وتدور عليهم كؤوس المرطبات وقهوة البن ثم يتوجهون مع ولي الزوج إلى بيت الزوجة فيستقبلون بالترحاب ويسقون الشراب والقهوة المذورين ويستريحون قليلا ثم يطلبون إزار الزوجة وخمارها فيضعونها عليها ويسيرون معها إلى بيت زوجها ومعهم جميع المدعوين من قبل أهلها فيمشون بها في الطريق مشي الهوينى ويسيرونها بين امرأتين وربما كان ذلك ليلا أو قبيل الغروب ويحمل أمامها عدة فوانيس ومتى اقتربت من بيت الزوج خرج لاستقبالها المطربون ومعهم الزوج فيستقبلها أيضا وينتظم شمل المدعوين ويرسل الزوج شخصا كبيرا يدعو ولي زوجته، فمتى حضر يبتدر المطران مع جمهور الكهنة وهم باللباس الكنائسي بتلاوة آيات الإنجيل التي هي عقد النكاح وتستغرق نحو ساعة من الزمن. وفي ختامها يدعو لهما بالرّفاء والبنين ويحذو حذوه الحاضرون ثم تحرك آلات الطرب وتدور الخمرة

بعض عادات النصارى في أتراحهم

على القوم فيرقصون ويمرحون إلى نحو الساعة الثالثة من الليل وفيها يقدم لهم طعام العشاء ويسمونه سفرة الدخلة وهو قطع من لحم الدجاج الهندي والقديد والمخلّل والخبز السّميذ وغير ذلك فإذا أكلوا عادوا إلى السماع والطرب. وبعد مضي طائفة من الليل تقدم لهم الأشربة وبعض الحلاوات. وفي منتصف الليل ربما يقوم أحد الأدباء وينشد قصيدة تتضمن تهنئة العروسين والتبريك لهما. فإذا أتمها صاحوا استحسانا وصفقوا واستمروا في عملهم من الطرب والشرب والرقص حتى الصباح وفيه يقدم لهم الفطور الذي هو عبارة عن الجيكولاتا أو بعض الحلاوي اللطيفة مع الخبز السميذ والقديد فإذا أكملوا أكلهم باشروا جلوة العروسين وذلك بأن ينتظموا معهما حلقة ويرقصوا جميعا على نسق رقص العرب أو الأكراد. فإذا فعلوا ذلك انصرفوا مثنين على العروسين. وفي صبيحة هذا اليوم يهدى إلى الزوجة من قبل أحد أبوي الزوج هدية من الحلي يسمونها الصبحية. ثم في ثالث يوم أو سابع يوم يقبل من كان مدعوا ليلة الزفاف ويهنئ العروسين. وفي اليوم الثامن يزور العروسان أصحابهما فيحتفلون لهما بإحياء ليلة طرب ورقص. وفي اليوم الثاني عشر أو قبله يولم الزوج إلى المطران ولفيف الكهنة فيأكلون وينصرفون داعين لهما باليمن والإقبال وبعد مضي ثلاثين يوما من ليلة الزفاف يشرع العروسان برد الزيارة لمن كان مدعوا لزفافهما فيقابلان بالإعزاز والإكرام وتولم لهما الولائم. فهذه هي معظم العادات المستعملة في الخطبة والزواج. بعض عادات النصارى في أتراحهم فمن ذلك العادات المستعملة في الوفاة. وهي أنه متى قضى المريض نحبه يوضع على منصة. وبعضهم يضعه في صندوق من صفيح التوتياء كيلا يتغير ريحه لأنه لا بدّ وأن يبقى بضع ساعات من غير دفن، ولا سيما إذا كان شابا عزيزا على قومه فإنه يبقى أربعا وعشرين ساعة خوفا من أن يكون اعتراه سكتة القلب. وفي هذه البرهة يرسلون رقاع نعيه إلى أحبابه ومعارفه فيحررونها من لسان جميع من يلوذ بالميت، ذاكرين كل فرد باسمه معينين فيها ساعة تشييع جنازته إلى التربة، ويطلبون منهم الدعاء له بقولهم في آخر المكتوب صلّوا لأجله.

ثم في الساعة المعينة يقبل المدعوون للحضور في احتفال جنازته الذين أرسلت إليهم الرقاع المذكورة ويقبل لفيف الكهنة ثم يضعونه في صندوق عمل له جديدا ليدفن فيه. وبعضهم يكتب على صندوق الميت بعض الأشعار في رثائه وربما كتبوا عليه تاريخ ولادته ووفاته وزينوه بالزهور والنقوش. ثم يأتي الحمالون فيحملونه على كواهلهم إلى الكنيسة ويتبعهم الجمهور. وهناك يصلي عليه المطران مع القسيسين وبعدها يصطف من حضر على نسق معلوم يكون فيه العسكر (إن كان الميت عزيزا ووجد عسكر) سائرين صفّين على مقدمة الموكب ويليهم خفر «1» قناصل الدول الأجنبية ثم تلامذة المدرسة ثم حملة الصليب والشموع ثم جماعة القسيسين والمطارنة يترنمون بآيات من الإنجيل ثم النعش وقد اكتنفه أربعة رجال من كبار القوم وأعزاء الميت يمسكون من أربعة أطراف النعش أربعة سفايف من الحرير الأسود فإذا وصلوا به إلى اللحد صلّوا عليه. فإن كان عزيزا في قومه قام أحد أدبائهم ورثاه نظما أو نثرا وبعد أن يواروه في ترابه يصطف أهله للتعزية، فأول من يمر من أمامهم ويعزّيهم هو المطران أو الأسقفّ ثم يتبعه بقية الكهنة والناس. وهكذا ينصرف الجمع. ثم في اليوم الثالث يعملون له في الكنيسة صلاة يسمونها الجنّاز ويحسنون فيه إلى الفقراء ببعض المأكولات أو بنقود وهذه الصلاة يعيدها بعضهم في اليوم التاسع وفي اليوم الأربعين وفي نصف السنة وتمام السنة. وحزن الولد على أبيه أو أمه مدة ثلاث سنوات والأخ على أخيه والأب على ولده سنتين. وهكذا الزوجان على بعضهما. وقد تزيد مدة الحزن وتنقص باعتبار عظم المصيبة بالفقيد. وفي مدة الحزن يلبسون السواد ويفرشون منه بيوتهم ويمتنعون عن الحمّام وسماع الغناء وآلات الطرب ومحافل الفرح. هذا ما تيسر لي استقصاؤه من عاداتهم في أفراحهم وأتراحهم. وأما عاداتهم في أعيادهم ومواسمهم فليس لي بها حق المعرفة فلذا لم أتعرض إليها بالذكر.

بعض عادات يستعملها اليهود في أفراحهم وأتراحهم

بعض عادات يستعملها اليهود في أفراحهم وأتراحهم فمنها أن يختنوا الطفل بعد ولادته بيومين إن كان قوي البنية. ثم إن كان من سبط «1» إسرائيل وكان بكر والدته التي هي من سبط إسرائيل أيضا ولم تكن أسقطت قبله وجب على أبيه أن يفتديه من رئيس روحاني يكون من سبط هارون ويعرف عندهم بالكاهن. وكيفية هذا الفداء هو أن يدعى الكاهن إلى البيت الذي ولد فيه الطفل فيضع الطفل في حجره ويلتفت إلى أمه قائلا لها: هل هذا أول ولد ولد لك ولم تكوني أسقطت قبله فتجيبه بقولها نعم فيلتفت إلى أبيه ويقول له إن هذا المولود حقّ سبط الكهنة فيتضرع أبوه إليه ليستوهبه منه ويعوضه عنه قدرا معلوما من الدراهم الفضية. قلت: هذا الفداء عندهم مأخوذ من الإصحاح الثالث عشر من سفر الخروج. ثم إن الطفل متى بلغ عمره السنة وجب على أبويه أن يأخذاه في كل سنة إلى قدّوس أي وليمة زفاف بشرط أن يكون في اليوم الذي قبل عيد الفصح وهو عيد الفطير. فيطعمانه من طعام المائدة المعروفة بالسيعوداه التي توضع في تلك الوليمة ويستمرون على هذا العمل إلى أن يبلغ عمره اثنتي عشرة سنة فيعتاضون عنه بصيام الولد ذلك اليوم. وإذا بلغ الثالثة عشرة وجب على أبيه أن يلبسه كنفوت، وهو صدرية مرتبطة أطرافها الأربع بفتائل من الغزل وأن يلبسه تيفلين، وهو سير من الجلد يشده على عضده الأيسر ورأسه قد اشتمل على الكلمات العشر والإصحاح الأول من سفر الوصايا فمتى تقلد الولد ذلك عدّ رجلا وجاز أن يكون متمما صلاة الجماعة التي لا تتم إلا بعشرة رجال، ويرث سهمين من تركة أبيه الحاضرة. وهذا كله إذا كان من سبط إسرائيل على ما تقدم فإن كان كاهنيا أو من سبط لاوي «2» فليس على أبيه أن يفتديه ولا أن يأخذ سهمين من تركة أبيه.

وإذا بلغ عمره الثامنة عشرة يجب عليه الزواج فيباشر الخطبة ومتى أعجبته أنثى وأعجبها جرى بينهما قنيان أي تحالف على الرضا ببعضهما وحررا فيه صكا يسمونه شيطارا يذكران فيه مقدار المهر الذي يوضع من الطرفين ويعينون مدة للزفاف وعند حلولها تنعقد جميعة يسمونها كتبة فيها يكون استلام الزوج الأمتعة التي اشترطها على الزوجة كالحلي والملابس. وفي هذا اليوم يشربون ويطربون ويكون حاضرا فيه جملة من رؤساء دينهم. ثم بعد ثلاثة أيام تكون حفلة الزفاف المعروفة بالقدوس فيحضر رؤساء الدين وجم غفير من أحباب العروسين وأصحابهما ويبتدئ احتفالهم من العصر إلى وقت الغروب، فيقوم رؤساء الدين ويجرون العقد المشتمل على الإيجاب والقبول، ويقرأ أحدهم قداسين فمدة قراءة الأول يوقفون الزوج أمام الزوجة والثاني يوقفونهما بجانب بعضهما ويفتحون على رأسهما ملاءة من صوف يسمونها طليطة أي طيلسان. وفي هذه البرهة يعطيها الزوج مقدارا من الفضة فتأخذه ويشهد بذلك رجلان ليس لهما قرابة لأحد الطرفين وعند ما يسلم الزوج زوجته الفضة المذكورة يقول لها بالعبرانية [هاري آت ميقديشت لي بي طباعت زكيدات موشى وإسرائيل] معناها أنت مقدسة لي بهذه القطعة الفضية مثل دين موسى وإسرائيل. وبعد هذا يتقدم الحاخام الأكبر وبيده كأس من الخمر فيبارك عليه بدعاء طويل باللغة العبرانية ويشرب منه جرعة ويدار على كل من حضر فيشرب منه جرعة أيضا ثم يرميه إلى الأرض فينكسر. وبعد ذلك يدخل الزوجان البيت المعد لخلوتهما فإن تزوج الزوج في تلك الليلة وجب عليه أن لا يمس زوجته مدة خمسة عشر يوما وأن يذهب إلى الحمّام وينطبل أي ينغمس في الحوض الخصوصي. ويجب على الزوج أن يدعو في ثاني يوم من زواجه عشرة من رؤساء الدين ويعمل لهم وليمة. ويجب على رئيسهم قبل تناول الطعام أن يبارك على المائدة سبع مرات كما بارك على كأس الخمر يوم الزفاف فإذا فعل ذلك أكلوا وانصرفوا. هذا جل ما يستعملونه من العادات في أفراحهم.

بعض ما يستعملونه في أتراحهم

بعض ما يستعملونه في أتراحهم وأما ما يستعملونه في أتراحهم، فهو متى احتضر المريض جلس عند رجليه رجلان متدينان يذكرانه بقولهما [شيماع إسرائيل أدوناي إيلو أدوناي أحاد] أي اسمع يا إسرائيل الديان إلهنا الديان واحد. فإذا مات وضعوه على المغتسل المعروف عندهم باللوحوت فيغسلونه بالماء الفاتر ويدرجونه في ثوب من الكتان ويضعونه في التابوت ويسمونه [أروت] ثم يحضر أحد أولاده وأقاربه ويقرأ عليه قديشا أي يصلي عليه صلاة الميت فإذا تم ذلك حمل التابوت بين ثلاثة أشخاص. ويجب على كل من مرت به الجنازة أن يمشي معها لا أقل من أربعة أذرع ويطلب من الميت السماح. فإذا وصلوا به إلى الكنيسة أدخلوه إليها وقرأ عليه أحد أقاربه قديشا آخر. ثم حملوه كذلك حتى وصلوا به إلى مدفنه ودفنوه وعندها يقوم أحد الحاضرين ويبارك عليه بقوله [با روخ ديان ها ايميت] أي تبارك من شرع الحق. ثم يقرأ ولده قديشا ثالثا ويعود هو ومن معه من الأقارب والأحباب إلى بيت الميت وفي أثناء الطريق يغسل يديه كل من حضر في الجنازة ويقول عند غسله إياها [عينينو لو رأو ويادينو لوشا فيخو بيدام هزه] أي أعيننا ما رأيت ويدينا «1» ما سفكت هذا الدم. فإذا وصلوا إلى بيت الميت قام أحد الحاضرين إلى كل وارث للميت وخرق ثوبه من طوقه سواء كان أنثى أم ذكرا ويقول لأولاده [يا روخ ديان ها ايميت] . ثم تحضر مائدة فيها أنواع الأطعمة يرسلها أحد الحاضرين ويطعمون ورثة الميت بشرط ألا يتناولوا منها ما لم يضعوا الطعام بأيديهم ويباركوا لهم بقولهم [يا روخ ميناحيم إبيليم] يعني تبارك الذي يسلي الحزين. ثم إن ورثة الميت يجلسون في بيوتهم مدة سبعة أيام لا يشتغلون فيها مطلقا ويسمونها التأبيل أي الحداد، وفي اليوم السابع يصنعون لروح الميت طعاما للفقراء. وهكذا في اليوم الثلاثين وبمرور تسعة أشهر وبمرور السنة.

عادات الحلبيين المسلمين في الأشهر القمرية

عادات الحلبيين المسلمين في الأشهر القمرية فمما اعتادوه في أول يوم من شهر محرم أن يتناولوا فيه طعاما حلوا ويخرج فيه جماعة من العجزة والفقراء ينضمون إلى بعضهم رباع وخماس وسداس ويدورن على أبواب البيوت وينشدون شيئا من المديح فيتصدق عليهم الناس بشيء من البرغل وهؤلاء الجماعة يقال لهم فاز من صلّى، سموا بلازمة الزجل الذي ينشدونه وهي (فاز من صلى على تاج العلى طه النبي المصطفى جد الحسين) . وبعض الناس يسمونهم الحسينية وفي يوم عاشوراء يوسع الناس على عيالهم المآكل ويطبخون الطعام المعروف بالحبوب. وكان الناس يخرجون في هذا اليوم إلى المشهد حيث تكون فيه وليمة حافلة يحضرها الوالي ومن دونه فيتلى شيء من القرآن العظيم وصحيح البخاري وقصة المولد وتنشد مرثية ابن معتوق في سيدنا الحسين التي أولها (هلّ المحرّم فاستهلّ مكبّرا) ثم يأكل الجميع وينصرفون. والنفقة في ذلك من أوقاف المحل المذكور. وكانت النفقة على ذلك تصرف بواسطة الخزينة السلطانية الخاصة التي تجبي غلات القرى الموقوفة عليه وهي أبو الرويل وكفر هداد ودلامة ولما صارت هذه القرى مضبوطة للخزينة المالية كانت النفقة المذكورة تصرف من بيت المال. وفي آخر أربعاء من صفر يشتغلون بالذكر والتسبيح وتعطل فيه الحكومة. وفي اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول تعطل الحكومة ويقبل الناس إلى الجامع الكبير لسماع قصة المولد النبوي فيسقون الشراب الطهور وينثر عليهم اللوز والملبس وتستمر هذه القصة تتلى في المساجد والجوامع نهارا وفي البيوت ليلا إلى آخر هذا الشهر. وكثيرا ما تتلى في الأماكن المذكورة في غير الشهر المذكور أيضا وتصنع لأجلها الولائم الحافلة. وأكثر قصص المولد استعمالا البرزنجي، ثم مختصرها للشيخ مصطفى الأصيل، ثم مولد نظم ينسب للشيخ وفا الرفاعي أوله (بعد حمد الله رب العالمين خالق الإنسان من ماء وطين) ، تم مولد السمان

ثم ابن حجر. وربما تليت قصة الإسراء والمعراج للبرزنجي التي أولها (افتتح تحبير أبراد ايراد.) وقد يتلى غيرها. واعلم أن أول ما عمل المولد الشريف النبوي أيام الفاطميين بالقاهرة. قال المقريزي: واعلم أنه لم يعرف في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولا في مدة الخلفاء الراشدين ولا في أيام بني أمية ولا في بعض خلافة العباسيين أن أحدا اتخذ يوم المولد موسما يخصه بشيء من العادات بل كان أول من أحدث في الإسلام عمل المولد مظفر الدين كوكبري ابن زين الدين علي متولي إربل بعد وفاة أخيه زين الدين يوسف سنة 586 واحتفل لعمله وأكثر فيه من الصدقات وإظهار الزينة والسرور. انتهى ملخصا. رجعنا إلى ما نحن في صدده: وفي اليوم السابع والعشرين من شهر رجب يخرج الناس للمشهد المتقدم ذكره ويخرج الوالي ومن دونه وتعطل الحكومة فيسمعون فيه قصة الإسراء والمعراج ويسقون الشراب ويطعمون الحلوى وينصرفون. وقد بطلت هذه العادة منذ حدوث الحرب العالمية وخرب المشهد بالحادثة التي ذكرناها في الباب الأول في الكلام على المشهد. وفي ليلة النصف من شعبان يجتمع الناس في المساجد والجوامع بين العشاءين ويتلون دعاء يسمونه دعاء ليلة النصف من شعبان فيلقنهم الشيخ إياه كلمة كلمة ويعيدونها ويكررونه ثلاث مرات يقدمون على كل مرة منها تلاوة سورة ياسين. وأكثر الناس مواظبون على قراءة هذا الدعاء في تلك الليلة حتى كأنه من الفروض الدينية مع أنه مما لم يثبت به أثر نبوي. وبعد الانتهاء من هذا الدعاء يصلي الحاضرون صلاة العشاء ويتصرفون إلى بيوتهم. وفي بعض المساجد يصلون صلاة التسابيح بعد صلاة العشاء، ثم يجلس الشيخ ويعظ القوم ويذكر لهم فضل هذه الليلة وربما تلا قصة المولد وتفسير سورة الدخان وكثير من يحيي «1» هذه الليلة بالذكر والعبادة في المسجد أو في بيته ويصوم يومه. ثم متى أطلقت مدافع إثبات رمضان ابتدر الناس الجوامع لصلاة التراويح فإذا أتموها خرج بعضهم إلى بيوت القهاوي لسماع المطربين والتفرج على المشعوذين أو اللاعبين مع بعضهم

بالصراع. ومن الناس من يخرج من المسجد إلى بيته ويشتغل بتلاوة القرآن إلى السحر. ومنهم من ينام إلى الوقت المذكور. وعلى كل حال: فمتى أطلق المدفع الأول وذلك قبل الفجر بنحو ساعة ونصف هب الناس من منامهم أو رجعوا إلى بيوتهم، وتناولوا شيئا من الطعام والقهوة والدخان فإذا أطلق المدفع الثاني وذلك قبل الفجر بنحو ثلثي ساعة تركوا الطعام والشراب وابتدروا الطهارة والوضوء وتوجهوا إلى المساجد فيتلون بها الورد البكري وبعض تسابيح وتهاليل أو يسمعون فيها تلاوة القرآن من قبل أحد الحفاظ الموظفين، ثم صلوا الصبح ورجعوا إلى بيوتهم. ومنهم من ينتظر طلوع الشمس ويصلي صلاة الضحى ويرجع إلى بيته فينام. فإذا كان قرب الظهر هبوا من مضاجعهم وتهيئوا لصلاة الظهر فإذا صلّوها أخذ كل رجل يهيّئ طعام بيته للمساء ثم جلس في حانوته إلى وقت العصر ومنهم من يستغني عن الاسترزاق في هذا الشهر فيلازم المسجد في أكثر نهاره. وفي كل ليلة من العشر الأخير منه سحرا يصعد إلى أكثر منارات المساجد زمرة من المؤذنين ويتغنون بالزجلات المشتملة على وداع رمضان والتأسف عليه وربما أخرجوا معهم طبيلات يضربون بها على الإيقاع. وفي سحر الليلة السابعة والعشرين يجتمع جم غفير من الناس في الجامع الكبير لسماع القرآن وإنشاد المدائح من بعض ذوي الأصوات الحسنة ودعاء مؤثر يتلوه أحد الموظفين في الجامع وليتفرجوا على الجامع لأنه يوقد فيه بتلك الليلة عدد وافر من الشموع والمصابيح فإذا صلوا الصبح عادوا إلى بيوتهم كجري عادتهم. وهكذا يستمرون إلى ليلة العيد. ثم إن الناس في خلال هذه الأشهر الثلاثة يهجرون المعاصي ويقبلون على العبادة ويكثرون من الصدقات ويتوجه بعض الحجاج إلى بيت الله الحرام ويخرج سحرا في كثير من المنارات جماعة أصواتهم حسنة يوحدون الله تعالى ويقدسونه ويهللون وينشدون بعض المدائح النبوية. ويعتكف بعض أفراد من المتعبدين في المساجد والجوامع فتقل المعاصي في خلال الأشهر الثلاثة ولا سيما في رمضان وقبله بأيام قلائل. ومما جرت به العادة في رمضان أن يخرج في كل ليلة منه قبل المدفع الأول بنحو ساعتين رجل طبال يدور في المحلة المختصة به ويقف عند كل باب ويضرب بطبلته وينشد شيئا من المديح ثم يحيي كل واحد من رجال أهل البيت ويذكر اسمه وينصرف. ومن العادات في

هذا الشهر أيضا تلاوة القرآن واستئجار الحفظة للتلاوة في الجوامع نهارا وفي البيوت ليلا. ومما اعتادوه أيضا أن يصعد إلى كل منارة في كل ليلة قبل المدفع الأول بنحو ساعة رجل ينشد شيئا من المديح حتى إذا أطلق المدفع الأول أذن الأذان المعتاد ثم سكت وصار في كل برهة يصيح بكلمة من الأذان ويمطط صوته فيها بحيث تضيع صورتها ولا يفهمها السامع إلا بإمعان السمع ويستمر على ذلك إلى إطلاق المدفع الثاني. وهذا العمل يعرف بالأصوات والغرض منه أن يعرف المستيقظ من منامه في أي وقت هو. ومما اعتادوه في هذا الشهر كثرة ترددهم على الجامع الكبير في النهار ولا سيما بعد العصر لكن كثير من الناس من يجعل مجيئه إليه في مقام النزهة وإضاعة الوقت. هذه أكثر العادات المستعملة في رمضان. فإذا أطلقت مدافع العيد ابتدر الناس تهيئة طعام الفطور وتفتح الأسواق في تلك الليلة فيشتري الناس اللحم والبقول والحبوب والتوابل والحلوى وغير ذلك. ثم يرجعون إلى بيوتهم فينامون إلى الغلس «1» ثم يقومون ويغتسلون ويلبسون أحسن ثيابهم ويصلون الصبح وصلاة العيد ويخرجون إلى المقابر فيزورون أمواتهم ويرجعون إلى بيوتهم فيفطرون فيها ويحملون فرشا من جميع أنواع أطعمة الفطور إلى كل من الطبال والحارس وقيّمة الحمّام ويعطون كل واحد منهم جائزة من الدراهم تسمى العيدية. ثم ينطلقون لزيارة بعضهم للمعايدة فمنهم من يجلس في بيته في اليومين الأولين من العيد ويدور في الباقي ومنهم من يعكس وكلما أقبل زائر قدم له المزار شيئا من رب الكباد والراحة وغيرهما مما هو على نسقهما أو سقاه قدحا من أحد الأشربة الحلوة إن كان الأوان صيفا ثم أتبعه بقهوة البن. وكان يخرج قبل العيد بيومين رجل في رأسه قلنسوة طويلة في أعلاها ذنب ثعلب وفي يده دف يضرب فيه وأمامه بغل مدرع بالخرز والودع معصب رأسه بالمناديل الملونة فيدور على هذه الهيئة بالأزقة والشوارع ويقف على كل ذي دكان ويمدحه ويرقص له فيعطيه شيئا من النقود وينصرف. ويقال لهذا الرجل جحش العيد. وكان يخرج في كل يوم من أيام العيد صبيان قد صبغوا أجسامهم بالسواد ولبسوا ثيابا قصيرة وفي رؤوسهم قلانس طويلة وفي أيديهم دفوف يضربون بها يدورون على منازل الأكابر

ما يستعملونه في الأشهر الشمسية

ويمدحون ذويها ويرقصون لهم ويتخلعون فيعطونهم شيئا من النقود وينصرفون. وهؤلاء الجماعة يقال لهم بيضا بيضا وقد قل ظهورهم في هذه الأيام كالذي قبلهم. ومما اعتاده الأولاد وبعض الشبان في كل أيام العيد أن يتمرجحوا في المرجحونة ويجلسوا في نوع من الدواليب يقال لها القلابة وأن يلعب بعضهم بالميسر المعروف بيانصيب فيخسرون دراهمهم. ومما اعتادوه في المحلات المتطرفة من البلدة أن يضعوا لكل زائر يزورهم في العيد مائدة فيها من طعام الفطور الذي هو عدة أنواع دسمة وحلوة وحامضة. فربما دار الزائر في يومه عشرة بيوت، وفي كل بيت يتناول شيئا من هذه المائدة فيفضي به الحال إلى الكظّة «1» والتخمة وهذا من أقبح العادات. وقد قل استعمال هذه العادة. ثم بعد فراغ العيد يأخذ الحجّاج أهبتهم ويسافرون ويخرج لكل حاجّ من يودعه فمن المودعين من يرجع من أرض الحلبة «2» ومنهم من يرجع من أرض السبيل المبلّط ومنهم من يرجع من قرية كفر داعل وهكذا حتى إنهم يوجد منهم من يرجع من الاسكندرونة. هذا قبل وجود السكة الحديدية في حلب أما بعد وجودها فالمودعون غالبا لا يتجاوزون بوداعهم المحطة وقليل منهم يتجاوزها إلى غيرها من المحطات فيما بين حلب وطرابلس أو بيروت. وقبل بضعة أيام من عيد النحر يقبل تجار الغنم من كل جانب فيبتاع منها من حقّت عليه الأضحية فإذا كان صباح أول يوم من هذا العيد ابتدأ الناس بالتضحية وتفريق لحمها على المستحقين إلى انتهاء أيام النحر، وبقية العادات في هذا العيد كالذي قبله. هذا ما يستعمل من العادات باعتبار الأشهر القمرية. ما يستعملونه في الأشهر الشمسية وأما ما يستعمل منها باعتبار الأشهر الشمسية فهي أنه كان في اليوم التاسع من آذار يخرج كثير من الناس إلى الجهة الغربية من ظاهر حلب كأرض الحلبة وجبل النحاس وجبل الجوشن «3» وذلك ليستنشقوا نسيم الصبا التي تهب وقت حلول الشمس في برج الحمل

كما يزعم بعض المنجمين. وفي الغالب يكون خروج الناس لذلك في الوقت الذي يعينه لهبوب هذا النسيم ميقاتي حلب أو غيره من المنجمين. ومما اعتادوه في هذا الشهر أيضا كثرة خروجهم إلى الجهات المذكورة للنزهة أو إلى بعض البساتين إذ يكون الشجر أخذ بالنور «1» . وفي شهر نيسان تهجر الجهات المذكورة ويقتصر الناس على البساتين طلبا للظل. وكان يخرج في أوائل هذا الشهر رجل من دراويش إحدى الطرائق ويدور في البلد وهو يضرب بطبلة في يده ويحمل راية صغيرة وينادي باقتراب أوان سفر الزائرين إلى ولي الله الزاهد إبراهيم بن الأدهم ويعين محلا لاجتماعهم في يوم معلوم للمفاوضة في هذا السفر ويذكر الشيخ الذي يترأس عليهم. وكان لبعض العامة اعتناء عظيم في هذه الزيارة إذ يعتقد أنه إذا زار سبع مرات يسقط عنه فرض الحج. وهذا جهل عظيم. وقد بطلت هذه البدعة منذ ثلاثين سنة أو أكثر. ومما جرت به العادة في هذا الشهر أن يرفع الناس مؤنة سنتهم من الفحم والجبن والسمن وربما أخروا الأخير إلى حزيران. وكان مما اعتاده بعض الناس أن يسافر في الربيع لزيارة الشيخ ريح زاعما أنه يشفى من ريحه. ثم هجرت هذه العادة. ومن العادات التي كانت جارية في نيسان أن يخرج في يوم الأربعاء والخميس كثير من النساء والشبان إلى بساتين جهة الدباغة كبستان قيصر وبربر ويخرجون معهم أنواع المأكولات فيبقون هناك ذلك النهار. وهذان اليومان يقال لأحدهما أربعاء الزوبعة ولثانيهما خميس البيض. ويكونان قبل الأحد الذي هو أول يوم من عيد الفصح. ويعمل في يوم الاثنين بعده ما يعمل في اليومين المذكورين ويقال له اثنين الباعود. ويزعمون أن من لم يخرج إلى النزهة في هذه الأيام الثلاثة لا يأمن سنته من الصداع ووجع الرأس. وقد أهملت هذه العادة أيضا لاستغناء الناس عنها بالخروج إلى المنتزهات في أكثر الأيام. ومما اعتادوه في شهر هيار إلى أواخر الصيف أن يزور كثير من الناس في البساتين بالأهل والعيال ثلاثة أيام فأكثر وأن ينام معظم من يبقى في حلب تحت السماء وأن يخرج كثير من الأصحاب والأحباب مع بعضهم إلى أحد البساتين فيبقون بها من الصباح إلى المساء

فيفطرون فيها ويتغدون ويتعشون. والنفقة في ذلك إما تبرعا من أحدهم وإما موزعة على كل واحد منهم وتسمى بشماريّة وإما أن يقوم بمثلها في غير يوم كل واحد منهم وتسمى دوريّة. وهذا اليوم يسمونه سيبانة. ومما اعتادوه أيضا في هذه المدة أن يخرج من الناس عدد كثير للنزهة في جادة باب الفرج أو إلى ظهر القناة في جهة بعاذين أو إلى عين التل والعين البيضاء أو إلى جبل الشيخ فارس أو الشيخ مقصود أو إلى الميدان الأخضر. وكثير من يبقى فيه إلى الليل إذا كانت الليلة مقمرة. وفي هذا الشهر أعني شهر هيار يقع في حلب كساد عظيم على التجار لاشتغال ذوي الزراعة بالحصاد وجمع الزرع ويسمون هذه الأيام أيام عصّة المنجل. ومن أوائل أيلول إلى أواخر تشرين الأول يشتغل الناس باحتكار مؤنة سنتهم من الحنطة والعدس وبقية الحبوب فيسلقون شيئا من الحنطة للبرغل ويشتغلون بدقها وتنقيتها وطحنها وغربلتها ويرفعونها في مخازنها ويحتكرون بقية ما يحتاجونه في شتائهم من البقول والفواكه التي يحفظونها إما بالتيبيس وإما بالماء الموضوع فيه ملح مع رادّة تطفو البيضة على سطحه. قيل إن الحلبيين عرفوا البرغل من التتر المنسوبين إلى جنكزخان حينما استولوا على حلب فإن البرغل كان زادهم في أسفارهم والله أعلم. ثم إذا دخل تشرين الثاني أخذ الناس أهبتهم للشتاء وشرعوا يسهرون عند بعضهم ليلا، فزمرة منهم يقتصرون في سهرتهم على الحديث المباح كذكر الأكل والشرب والبيع والشراء وأخرى تقتصر على مطالعة بعض كتب الأخبار والتواريخ والفتوحات أو على مطالعة قصة عنتر أو كتاب ألف ليلة وليلة أو القصص الموضوعة المعروفة بالروايات أو كتب الحديث والسير أو أحد التفاسير. وربما اقتصر بعضهم على تلاوة القرآن أو غير ذلك من كتب الأخبار والتواريخ. وقد اعتادوا غالبا أن يجعلوا سهرتهم دورية عند كل واحد منهم أسبوعا مثلا. وفي الليلة الأخيرة منه يعمل صاحب البيت وليمة لهم ويحضر في الليل من يطربهم بصوته أو عوده أو كمنجته أو قانونه أو نايه. وربما أحضر جميع هذه الآلات ويعرف بالنوبة أو أحضر اللاعب بالخيالات ويعرف بالخيالاتي وهو مما لا بأس به لو لم يشتمل كلامه على فحش القول الذي يخل بالآداب ويسيء أخلاق الصغار. والظاهر أن اللعب بالخيال قديم لا كما يحكيه الخيالاتية أنه من اختراع بعض وزراء الدولة العثمانية فقد حكى ابن حجة في كتابه ثمرات الأوراق ما خلاصته أن السلطان الملك الناصر

ما لا يستحسن من عادات بعض الحلبيين

صلاح الدين أخرج للفاضل من القصر من يعاني الخيال أعني خيال الظل ليفرجه عليه فقام الفاضل عند الشروع في عمله فقال له الناصر: إن كان حراما فما نحضره. وكان حديث العهد بخدمته قبل أن يلي السلطنة. فما أراد أن يكدر عليه فقعد إلى آخره. فلما انقضى ذلك قال له الملك الناصر: كيف رأيت ذلك. قال: رأيت موعظة عظيمة. رأيت دولا تمضي ودولا تأتي ولما طوي الإزار إذا المحرّك واحد. اه. ثم إن هؤلاء المطربين يشتغلون بآلاتهم إلى مضي بضع ساعات من الليل وحينئذ يضع صاحب البيت مائدة تشتمل على الفواكه والجبن والكعك والزيتون ولب الفستق واللوز والزبيب والبرتقال مع السكر المذاب بالماء. ويعرف هذا بالخشاف تحريف خوش آب كلمة فارسية معناها الماء اللذيذ. وإذا لم يولم مساء فإن مائدته يكون فيها علاوة ما ذكر أنواع الحلوى المعروفة بالكنافة والشوربة المطبوخة بالأرز ولحم الدجاج أو الضأن. فإذا أكل القوم ثم المطربون رجعوا إلى ما كانوا عليه من الطرب إلى ذهاب أكثر الليل ثم انصرفوا إلى بيوتهم. وكثير من يحذف النوبة المذكورة ويقتصر على شيخ يقرأ قصة المولد النبوي أو قصة المعراج ويحضر معه ذا صوت حسن ينشد القصائد النبوية في خلال تلاوة إحدى القصتين. ثم إن النوبة المذكورة والخيالاتي يشتغلون في بعض بيوت القهاوي في أكثر مواسم السنة التي يساعد ليلها على السهر. وكثير من الناس من لا يدخل في سهرة دوريّة بل يلازم بيته أو بيت القهوة أو يسهر عند أحد ذوي البيوتات التي أعدوها لمجالسة الأحباب ومسامرتهم. وهذه السهرة الدورية تكون عند النصارى واليهود وينتقلون فيها كل ليلة إلى بيت. وجلّ ما يمضون عليه سهرتهم هو اللعب بالورق. وأكثر ما يكون في الليالي التي يحتفلون فيها السماع والشرب والرقص على النسق العربي والافرنجي. ثم في الأيام الأخيرة طمى بحر الملاهي في أماكن متعددة أوجدت لذلك خاصة كمراسح الرقص والتمثيل والشرب والغناء والشعوذة وأنواع الخلاعة على صفة يحمر لذكرها وجه الأدب. ما لا يستحسن من عادات بعض الحلبيين إن ما أذكره هنا من العادات لا يستعمله من الناس إلا من لا يعبأ به. أما خواص الناس فإنهم يدركون بعقولهم المليح فيأتونه والقبيح فيجتنبونه. ولذا ترى الخواص من كل

ملة في كل صقع وإقليم قد اتحدت مشاربهم وعاداتهم وأفكارهم حتى كأنهم نشؤوا في بيت واحد: فالعقل فنّ واحد وطريقه ... أحرى وأجدر، والجنون فنون فمما لا يستحسن من عادات بعض الناس طول مكثهم في الحمّام. وقبح هذه العادة من حيث ضررها بالصحة. والنساء في ذلك أحق باللوم إذ أن إحداهن تدخل إليه من الظهر ولا تخرج منه إلى قرب العشاء. ومن تلك العادات أيضا استلقاء البعض وانكبابه على وجهه في الحمام وتفريك القيّم بالكيس ظهره وبطنه وأعلاه وأسفله. وهكذا يفعل معه عندما يغسله بالصابون. ولا يخفى ما يكون في ذلك من انكشاف العورة وعبث القيّم بها. وقد نص الفقهاء على كراهة ذلك في كتاب الحظر والإباحة. ومنها إفراط استعمال النسوة في الحمام طين الطفال المعروف بالبيلون، فهو وإن كان ينعم البشرة ويزيل ما يحدث فيها الصابون من الخشونة إلا أن الإفراط من استعماله قد يحصل منه سد الآذان سيما آذان النساء. ومنها ما اعتاده بعض الناس من نوم نسائهم عدة ليال عند من يزرنهم من الأهل والأحباب ولا سيما حينما يولد ولد لأحدهم فإنهم يبقين في منزل أبي المولود سبعة أيام متوالية يتكبد فيها مشقة عظيمة ونفقات باهظة عدا ما يلحق النفساء وطفلها من السآمة والملل من ضجيجهن وغواشهن «1» ليلا ونهارا. على أن الواجب الصحي يقضي أن تكون النفساء وطفلها منفردين في خلوتهما مصانة أسماعهما عن اللغط. أما رجالهن فإما أن يناموا في بيوتهم وإما أن يناموا في بيت الزيارة. ولا يخفى ما في نوم الرجل وحده في بيته من الزحمة والمشقة وأما نومه في بيت الزيارة فهو يوجب المشقة الزائدة على صاحبه لأنه يضطر حينئذ أن يستحضر مفروشا للرجال ومفروشا للنساء ويفرد لكل نوع منهما بيتا على حدته. هذا مع ما يكابده من الزحمة في مغايرة الموائد وعند خروج أحد الفريقين إلى الطهارة والوضوء.

ومنها خروج النساء في الحارات المتطرفة مع الجنازة وهن لابسات أثواب الحداد قد خمشن وجوههن وسودنها بالسّخام باكيات مولولات منتحبات وهي من عادات الجاهلية التي يأباها الإسلام. ومنها وهي أقبحها اغتيال «1» كثير من ذوي المطامع أطفالا صغارا وبهائم كالحمير والبغال فيخبئونها عندهم طعما في أن يأخذوا عليها من ذويها شيئا من الدراهم فلا يمضي عليك بضعة أيام إلا وتسمع مناديا ينشد ضالة ويعين لمن ردها عليه حلوانا. فكم من والدة تبيت طول ليلتها باكية منتحبة ترجم في ولدها الظنون أو تحسب أن قد أنشبت فيه مخالبها المنون. وكم من فقير ضاع حماره وتعطل عن عمله مدة أيام وخسر الحلوان ونال من القلق والاضطراب ما لا يخفى، ومنها أخذ النسوة العروس من بيت أبيها إلى بيت زوجها وهن يزرغتن في الشوارع مع أن ذلك غير جائز عندنا شرعا وهذه العادة مستعملة عند أهل الحارات المتطرفة فقط أما أهل الحارات الداخلية فقد هجرت عندهم هذه العادة وصاروا يأخذون العروس إلى بيت زوجها بعربات مستورة على وجه مقرون بالأدب والوقار كما قدمنا بيانه. ومنها استبراء بعض جهلة من المسلمين في الجدران وقد نبه الفقهاء على كراهة هذا العمل نظرا لما ينشأ عنه من انكشاف العورة وتلويث الجدار بالنجاسة مع عدم نقاء المستبرئ لأن الحجر ليس من الجواهر الهشة التي تمتص البول كالفخار والورق الهش وهذه المحاظير كلها إذا كان استبراؤه في جدار يملكه وإلا فعليه مع هذه المحاظير إثم التصرف بمال الغير أو يستأذن من صاحبه فإن كان الجدار وقفا تعذر الإذن. ومنها تواجد بعض الجهلة في الأذكار ولا سيما في النوبة البدوية فتراهم بعد أن يحضروا ببرهة يهيمون ويصيحون ويضجون ثم يتغامون ويقذفون أنفسهم في حلقة الذكر ويرتجفون وتتشنج أعضاؤهم ويسيل لعابهم فيأتي إليهم قيّم النوبة ويعالجهم على صفة معروفة فيؤوب إليهم رشدهم ويستقيم جسمهم وهذا هيام لم نسمع به في كتب القوم ولا رأينا صدوره من كامل الحشمة والوقار. ومنها، وهي قبيحة جدا: ليالي الطرب التي يحييها بعض جهلة النصارى فإنهم يجتمعون

زمرة ويبتدئون فيها قبل غروب الشمس بالشرب والدق والغناء لا يفترون ساعة واحدة إلى ضحوة النهار من الغد. وهم في كل هذه المدة يشربون ويتواجدون فيضجون أفرادا وجملة ويصيحون وتعلو أصواتهم ويكثر تصفيقهم ورقصهم ودبدبتهم حتى يقلق أبعد من جاورهم فضلا عمن كان قريبا منهم فيحرمونه لذة الرقاد وببيت طول ليله متقلبا على جمر السهاد. وإذا نهوا عن ذلك قالوا: هي الحرية. ولم يعلموا أن للحرية حدا يجب على المرء أن يقف عنده كيلا يسلب حرية غيره. على أننا لا ننكر أن بعض جهلة المسلمين يفعلون هذه الأفعال الفظيعة في لياليهم إلا أنهم يبتدئون فيها بعد العشاء الأخيرة ويختمونها في أواسط الليل فيتركون لمن كان قلقا بفعلهم مدة طويلة تكفيه للنوم والراحة. ومنها جمع النقوط والجبوة «1» التي يستعملها بعض المسلمين في مواسم الفرح كما سبقت الإشارة إليهما في الكلام على العادات المستعملة في الأفراح والأتراح. ومنها اغتسال بعض ضعفاء العقول من النسوة في قصطل علي بك خارج باب النيرب قرب الفجر، من السبت الأول والثاني والثالث من تموز وذلك أنهن يزعمن أن خاصة هذا العمل خلاصهن من المرض في بقية عامهن. ومن العادات التي لا توازيها عادة بالقبح والإخلال بالصحة استعمال القنواتية الخرق المطروحة في الأزقة وبين القمامات سدادا لكيزان «2» أقنية الماء إذ لا يخفى أن هذه الخرق لا يطرحها أهلها في الأزقة إلا لقذارتها ونجاستها وتلوثها بما تعافه النفس وحينما تستعمل سدادا للماء ينحل ما فيها من جراثيم الأمراض في الماء المشروب فتتفشى بواسطته الأمراض الوبائية كالسل وحمى التيفوئيد. ومنها تلاعب الأولاد في الطيارات أيام الصيف فيصعدون على الأسطحة ويشخصون بأبصارهم إليها وهي طائرة في الجو فيقع بهم خطر عظيم من سقوطهم إلى الأرض إما لغفلتهم واستغراق أفكارهم وإما بجذب الطيارة إياهم. ومنها ما يفعله جهلة النسوة في يوم عرفات إذ يجيئون بصبيانهم الصغار إلى الجامع الكبير

صفات الحلبيين الحسية

ويحنّونهم زاعمات أن هذا طلسم به يجد الولد كثيرا من اللقطات فلا تسل عما يحصل في الجامع من الأقذار ونجاسة الأولاد. ومنها تغالي أغنياء المسلمين بمهر النساء فلا يقدر أن يتزوج منهم إلا من كان غنيا مثلهم وإن لم يكن ذا نبل وفضل. ومنها تزويج كثير من المسلمين أبناءهم وبناتهم وهم في سن المراهقة فيجيء الولد بين هذين الزوجين نحيفا لأنه يخلق قبل تمام نمائهما فتتوزع القوة بين الجنين وأمه ويقع كل منهما بالضعف وقلما يعيش الولد المولود من أم صغيرة وإن عاش فيكون ظاهر الضعف صغير الجسم قصير القامة. على أن شيوع هذه العادة عند اليهود أكثر من شيوعها عند المسلمين ولهذا تشاهد فيهم النحافة وصغر الأجسام أكثر من غيرهم. صفات الحلبيين الحسيّة أما صفاتهم الحسية فالغالب عليهم درّية «1» اللون ثم البياض المشرب بالحمرة وسواد العيون وشهلتها وتقل فيهم العيون الزرق. والغالب عليهم أيضا صغر الأنف والفم والاعتدال بين الطول والقصر والسمن والهزال وصغر الأطراف وسواد الشعر ويوجد فيهم الجمال المفرط. والغالب على المسلمين صلابة الجسم وفعومة «2» الساعد والساق وعلى النصارى الترافة ورقة البضاضة وعلى اليهود النحول ورقة الأعضاء وصغر الجسم. ونساء الملل الثلاث يضعن في وجههن البياض (المسمى بودرا) وبعض نساء المسلمين واليهود يزدن عليه شيئا من الحمرة إلا أن نساء اليهود أشد غلوا في ذلك. وكان بعضهن يزجّجن الحواجب «3» وبعض نساء المسلمين واليهود يصبغنها بالسّخام وقد بطل ذلك. ونساء اليهود يستعملن الكحل الأسود استعمالا فاحشا يخرجه عن مشابهة الكحل المطلوبة لهن. أما المسلمات فقد هجرن هذه العادة بتاتا سوى بعض نساء الفلاحين وسكان أطراف

صفات الحلبيين المعنوية

البلدة والمسلمات خاصة ينقشن أكفهن كثيرا وأرجلهن قليلا بالحنّاء على ضروب متنوعة من النقوش. وكلهن يضفرن غدائرهن المسلمات إلى ثلاث والنصرانيات إلى ثنتين، واليهوديات إلى ما فوق الثلاث. وجميعهن يربطن رأس الضفيرة بريبانة حمراء أو زرقاء. وربما وجد منهن من تسدل شعرها من غير ضفر ومنهن من تضفر شعرها ببند مبروم من الحرير الأسود أو توصله بشعر آدمي أو بشعر مصنوع من الصوف المصبوغ زاعمة أن ذلك يطوّل شعرها. وكانت البنات اليهوديات يراعين هذه العادات في شعورهن حتى يتزوجن وعندها تجزّ شعرها مهما كان جميلا وتعتاض عنه بقبع «1» مصنوع من الصوف له من جهة وجهها سالفتان وغرة ومن جهة ظهرها عدة ضفائر. وقد هجرن الآن هذه العادة وجميعهن قد يعقصن شعورهن ويجمعنها في قمة رؤوسهن على صورة التاج ولا يتخذن فوقها شيئا من كساوي الرأس إذا كن في بيوتهن. فإن كنّ في محفل فرح فمنهن من تضع على رأسها شيئا من النسيج الرقيق المعروف بالغربول تحشيه بورق وتجعله على شكل إطار تغرز فيه المجوهرات والحلي ومنهن من تغرز الحلي بالشعر المعقوص دون الإطار أما عجائز النسوة من الملل الثلاث والمتعصبة في دينها فإنها لا تترك رأسها مكشوفا ولو في بيتها بل لا بد من أن تضع عليه منديلا ولو صفيقا وقد اعتدن جميعا أن يثقبن شحمة آذانهن من الصغر ليعلّقن بها القرط. صفات الحلبيين المعنوية وأما صفاتهم المعنوية فهي كما قال دارفيو في تذكرته إن الأمر الخارق للعادة هو امتياز الحلبيين وسموهم على باقي شعوب الممالك العثمانية كلها فإنهم أحسنهم طباعا وأقلهم شرا وألينهم جانبا وأشدهم تمسكا بمكارم الأخلاق من جميع شعوب هذا الملك العظيم. ثم أطنب في تصوّن نسائهم وعدم دخول الذكور إلى الحريم متى بلغوا السابعة وأنهم يتحاشون الحريم عن كل تبذل حتى إنه لا يمكن لخادم الحكومة أن يدخل عليهن وإن وجب عليهن الحبس حتى تخرج المرأة بطوعها. وكأن كلمة الحريم عندهم مشتقة من الاحترام.

ملابسهم وأزياؤهم

قلت: والغالب عليهم التجلد والشجاعة والتعصب في الدين والاعتقاد بالطريق وأهله وبمن يتظاهرون بالدين ولا سيما إذا كان غريبا وإعظام الغرباء والولوع بغرائب الأخبار وميل عوامهم إلى الخرافات والخوف من الجن والمردة والشياطين واعتقادهم بالسحرة والرمّالين والمنجمين وأصحاب العزائم ولا سيما النساء. والغالب عليهم أيضا كراهة الفحشاء والسكر (إلا ما شذّ من شبانهم وجهالهم) وفرط الطاعة لأولياء الأمور والتسامح بالبيع والشراء ولا سيما المسلمين والقناعة بالربح والعيش الكفاف ولا سيما اليهود. ملابسهم وأزياؤهم أما الرجال فإنهم يلبسون برءوسهم أنواع العمم والكساوي وما رأيت أهل بلد من البلاد التي دخلتها مثل أهل حلب من جهة تنوع ما يستعملونه برءوسهم فمنهم من يلبس السربوش «1» ذو الطرة الحرير أو الكتان أو الغزل ويعتم فوقه بالشاش المطرز بالحرير الهندي المعروف بالأغاباني أو الزبتّاية فيلوثه دورين أو ثلاثة وهم التجار وأواسط الناس، أو أكثر من ذلك وهم الأصناف والبساتنة وبعض الفلاحين ومن هؤلاء من يلف تحت الأغاباني شاشا أبيض أو منديلا ملونا لتكبر عمّته ومنهم من يعتم فوق السربوش بالشاش الأبيض الخالص الرقيق وهم الطلبة والعلماء وبعض المستخدمين في الحكومة وقليل منهم من يبدله بالأخضر أيام الشتاء. وكانت بقايا الانكشارية يعتمّون فوق السربوش بقماش حريري أسود مطرز بالحرير الأخضر أو الأصفر ويحزمه من أعلاه بخيط خشية الانحلال لعظمه وهذه العمة تعرف بالشد وقد بطل استعمالها. وكان بعض قدماء النصارى يعتمون فوق السربوش بما يشبه الشد المذكور دون أن يحزمه بخيط وقد بطل ذلك. ومنهم من يعتم فوق السربوش بمناديل سود أو مرقشة بنقط حمر وهم بعض اليهود.

ومنهم من يعتم فوق السربوش بمنديل أو عدة مناديل ملونة موشاة وهم شبان العامة من المسلمين والنصارى وقد تستعمل هذه العمم كلها إلا ما ندر منها فوق قبّاعة «1» من صوف عوضا عن السربوش. ومنهم من يقتصر على السربوش فقط كما هو زي الدولة العثمانية وهم القسم الأعظم من الملل الثلاث ولا سيما النصارى واليهود ومن استخدم منهم ومن المسلمين في الحكومة. ومنهم من يعتم فوق القبّاعة بشفّ «2» صوف وأكثرهم ينسبون إلى الطريق. ومنهم من يلبس في رأسه نوعا يعرف بالدنبكية «3» وهي قبع مضلع بالخياطة محشو قطنا ملفوف فوقه على شكل كتلة شاش رقيق مطوي طيا ضيقا. وهذه العمة مختصة بخلفاء الطريق ويوجد على غير هيئة هذه العمة عدة أنواع يستعملها أصحاب الطرائق لكل طريقة عمة خاصة بها. وكهنة اليهود يعتمّون فوق السربوش بنسيج أسود يطوونه طيا ضيقا ويلفونه متراكما على بعضه دورا فوق دور ويرسلون وراءه الطرة. وبالجملة فإن أشكال العمم وهيئتها عندنا لا تكاد تدخل تحت الحصر. أما ملابسهم فأعمها أن يلبس الرجل قميصا إلى ركبتيه وفوقه ثوب يعرف عندنا بالقنباز إما أن يكون له زوائد ترد على صدر لابسه ويعرف بالرد وهو زيّ التجار وبعض الخواص غالبا، وإما أن يكون مفتوح الصدر ويعرف بزي الياقة وهو زي شبان العامة وهذا يلبس تحته صدري مزرور من وسطه مما يلي العنق حتى بطن اللابس، ثم يشد فوقه زنار من الشال العجمي أو الهندي أو غيرهما ويلبس تحت هذا القنباز بنوعيه سراويل من القماش الأبيض غالبا أو المصبوغ بالنيل ويستعمله الفقراء أو أصحاب الحرف الوسخة. وعلى كل حال فإن هذا السراويل يشد من وسطه لابسه إلى قرب قدميه عند المسلمين أو إلى ركبتيه عند النصارى واليهود ويستران سوقهما بالجوارب وقنباز العوام إلى ما تحت الركب بقليل والممتازين إلى قرب القدمين وأكثر الممتازين يلبسون فوق القنباز دثارا يعرف بالكبّود ويصنع غالبا من الجوخ ويبلغ طوله إلى ما فوق الزنار ويلبس فوقه جبة من الجوخ أو الشال تبلغ ظهر القدم. والعامة تجعل الكبّود عريضا واسعا يصل إلى ما تحت الزنار.

ملابس النساء وأزياؤهم

وشيوخ الإسلام وكهنة النصارى واليهود وبعض المتقدمين في السن يلبسون فوق ثيابهم جبة واسعة عريضة الأكمام منتفخة الآباط. والبساتنة والفلاحون والمكاريون «1» وأصحاب الحرف الشاقة يلبسون فوق القنباز عباءة زوقية أو حلبية ضيقة قصيرة الأكمام يبلغ طولها إلى ما دون الركب. وأكثر الممتازين والخاصة يتبعون في ملابسهم الزي الغربي فيلبسون السترة والبنطلون ويستعملون جميع ما يستعمله الفرنج في ملابسهم سوى القبعة فإنهم يعتاضون عنها بالطربوش. ومنهم من يعتم فوق الطربوش بالشاش الأبيض ويتزيا بالزي الغربي ويلبس فوق ثيابه جبة تضرب ظهر قدميه تعرف باللاطة وهم القضاة وبعض العلماء. ومنهم من يلبس غير ذلك مما يطول شرحه وهذا كله في الأيام الدافئة أما في الأيام الباردة فيتدثرون بفرى السمّور والثعلب وغيرهما ويلبسون أقمصة الفانيلا والأثواب الصوفية والعامة والفقراء يلبسون تحت القنباز مقطّنات مدربة وفوقه فراء الغنم. هذا أكثر ما يستعملونه من الثياب وأما ما يستعملونه في أرجلهم فقد ذكرناه في صنعة النعال في الكلام على صنائع حلب. ملابس النساء وأزياؤهم «2» أما ملابس النساء فإنهن يستعملن في كل مدة زيا وشكلا من الملبوس الذي يتجدد ظهوره عند نساء الفرنج حتى إن امرأة الغني هي الفائقة غيرها إذا سبقت بقية أقرانها باستعمال الملابس الجديد زيها ومع هذا فإنك كنت تجد المسلمة في غاية من التحجب والتصون قد أسدلت عليها عند خروجها إلى مهامها إزارا يسترها من فرقها إلى قدمها وعلى وجهها منديل رقيق يشف لها عن طريقها ولا يشف عن وجهها. وفي رجليها على الأكثر قندرة تستر كعبها أو خفّ من جلد أسود يعرف باللبجين أو أصفر له ساق إلى الركبة يعرف بالمست قد لبست فوقه نعلا معمولا من الجلد الأصفر يقال له البابوج وكان هذا أقل استعمالا

من القندرة أو تلبس نعلا من الجلد المذكور له ساق قريب من ركبتها يقال له الجزمة وهذا أقل استعمالا من القندرة والبابوج وهو مخصوص بنساء الفلاحين وسكان الحارات المتطرفة. والبابوج مخصوص بنساء بعض الأصناف والمتورعات والقندرة هي النعل العام. وكانت المسلمة قبل ذلك العصر تأتزر بملاءة سوداء غزلية كثيفة تضعها على رأسها وتسدلها مرسلة من غير أن تشدها على وسطها ثم صارت تستعمل في بعض الأحيان ملاءة بيضاء تشدها من وسطها سرى استعمال ذلك إليها على هذا النمط من نساء أمراء الدولة العثمانية وموظفيها الوافدين على حلب ثم ظهرت الملاءات السود الحريرية أو المقلّمة باللون الأحمر أو غيره ثم المقلمة بالقصب الفضي ثم الحريرية الوردية وغيرها مقلمة وغير مقلمة على ضروب وأشكال في الاستعمال ربما كان بعضها أضرّ وأدعى للافتتان من خروج المرأة متبرجة. ثم إن الملاءات السود الغزلية لم تزل مستعملة عند نساء بعض الورعين أو نساء الفلاحين وسكان الأطراف. وكانت نساء النصارى واليهود يستعملن الإزار والنعل كالمسلمات إلا أن الإزار فيهن كان أقصر منه في المسلمات ولم يبق فيهن من تستعمل الأزر القديمة ولا من تستعمل في رجلها غير نوع القندرة وليس من عاداتهن وضع المناديل على وجوههن. ثم في الأيام الأخيرة ترك أكثرهن الإزار وصرن يبرزن متبرجات بزينتهن باديات السواعد والنحور وأعالي الصدور قد لبسن أثوابا قصيرة تبلغ ركبتهنّ وسترن سوقهن بجوارب صفيقة تشف عنها وانتعلن بأحذية لها كعب طويل يضطر المرأة أن تمشي منكسة الرجل كأنها تمشي على رؤوس أصابعها. على أن كثيرات من المسلمات يجعلن الإزار قصيرا ويسترن سوقهن بهذه الجوارب وينتعلن بالأحذية المذكورة. وحكى دارفيو في تذكرته أن الحلبيات في زمانه كن يلبسن قلنسوة مصنوعة من الورق المقوى متساوية الأطراف لها بطانة من قماش رقيق مصبوغ بلون من الألوان ولها ظهارة من قماش حريري أو قطني مقلّم بعمل التطريز وكانت هذه القلنسوة تعرف عندهم بالكبنكاية قال وليست العجازة «1» مستعملة عندهن فكنت تراهن مع اعتدال قدودهن سلتا غير مكفلات «2» .

قلت: هذه العجازة معروفة عند العرب وهم يذمون من يستعملها من النسوة ويسمونها منطيقا قال شاعرهم: والتغلبيون بئس الفحل فحلهم ... فحلا وأمّهم زلّاء منطيق وكان النساء يضعن في رقابهن أطواقا من ذهب تعرف بالضفدعة وفي أرجلهن حلقا من فضة لها شناشن تعرف بالخلاخيل. وقد بطل استعمالها الآن واعتاض أهل الثروة عن الضفدعة بقلادة من اللؤلؤ مكونة من عدة حبال يسمونها البغمة. وأما نساء الفقراء فلم يزلن على ضفادعهن وليس لبس القفاز في أيديهن معتادا إلا عند المتفرنجات منهن. وبالجملة فأكثر زي النساء الغنيات في حليهن وملبوسهن كزي نساء الفرنج على السواء.

القضاء في حلب

القضاء في حلب لم نظفر بأسماء القضاة الذين تولوا قضاء حلب في أيام الخلفاء الراشدين ولا في أيام الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية وقد بدأنا بذكر قضاة حلب الذين حكموا فيها على المذهب الشافعي وإن كان بعضهم متمذهبا بغيره ذاكرين أسماءهم على النسق والترتيب واحدا بعد واحد إلى سنة 823 ثم أتبعنا ذلك بذكر قضاة حلب الذين حكموا فيها على المذهب الحنفي وإن كان بعضهم متمذهبا بغيره. ثم تنقطع سلسلة القضاة على المذهب من سنة 823 وسنة 855 لأننا لم نظفر بأسمائهم. ثم في سنة 922 تتصل هذه السلسلة بقضاة الدولة العثمانية الذين هم على المذهب الحنفي فقط. فأما القضاة الذين حكموا حلب على المذهب المالكي والمذهب الحنبلي فقد أضربنا الصفح عن ذكر أسمائهم في هذه النبذة اكتفاء بذكر بعضهم في معجم التراجم وباب الحوادث المرتبة على السنين ولأننا لم نستطع استقصاءهم. واعلم أن قضاة حلب كانوا قضاة قضاة قد أطلق لهم الحكم في جميع المسائل التي هي من نوع العبادات والمعاملات الحقوقية والجزائية بمقتضى الأحكام الشرعية وأذن لهم بأن يستنيبوا بإجراء هذه الأحكام من شاءوا على أي مذهب كان. وكثيرا «1» منهم من كان يستنيب من أراد ويبقى في العاصمة دون أن يحضر إلى حلب إلى أن كان تشكيل الولاية سنة 1283 (أي ترتيب هيئة حكومتها) انحصرت وظيفة قضاة القضاة في مشايخ الإسلام الذين هم في الآستانة وصارت قضاة ولاية حلب وغيرها من باقي الولايات العثمانية نوابا عن مشايخ الإسلام غير مأذون لهم إلا بإجراء بعض الأحكام دون البعض. وقد لخصنا هذه النبذة إلى سنة 855 من كتاب كنوز الذهب من تاريخ حلب لأبي ذر المحدث وما ننقله عن غير هذا الكتاب نعزوه إلى مرجعه.

ذكر القضاة الشافعية

ذكر القضاة الشافعية ممن ولي قضاء حلب في أيام الدولة العباسية عبد الله محمد ناصر الدين بن محمد بن إدريس الشافعي، وهو أكبر ولد الشافعي. ولي قضاء حلب وقضاء الجزيرة مضافا إلى حلب وكانت الجزيرة تضاف إليها في الولايات. وفي سنة 215 ولي قضاء حلب عبيد ابن جناد بن أعين مولى بني كلاب. وفي سنة 264 ولي قضاءها عبيد الله بن عبد العزيز العمري. وفي سنة 286 وليه مع قضاء قنسرين أبو زرعة محمد بن عثمان الدمشقي. وفي سنة 290 ولي قضاء حلب محمد به محمد الجدوعي. وفي سنة 297 كان القاضي بحلب وقنّسرين محمد بن أبي موسى عيسى الضرير الفقيه ثم صرف عنها سنة 300 بأبي حفص عمر بن الحسن بن نصر الحلبي القاضي. ورأيت في كتاب مروج الذهب للمسعودي كلاما صريحا في أن قاضي حلب سنة 309 كان إبراهيم بن جابر القاضي، وخلاصة كلامه» أنه كان يعهد المذكور وهو في بغداد يعالج الفقر ويتلقاه من خالقه بالرضا ناصرا الفقر على الغنى فما مضت أيام حتى لقيه في حلب من بلاد قنسرين والعواصم من أرض الشام وذلك سنة 309 وإذا هو بالضد عما عهده متوليا القضاء على ما وصفه ناصرا ومشرفا للغنى على الفقر. فقال له: أيها القاضي أين تلك الحكاية التي كنت تحكيها عن الوالي الذي كان بالري وأنه قال لك إن الخواطر اعترضتني بين منازل الفقراء والأغنياء فرأيت في النوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال لي: يا فلان ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء شكرا لله تعالى وأحسن من ذلك تعزيز «2» الفقراء على الأغنياء ثقة بالله تعالى. فقال لي: إن الخلق تحت التدبير لا ينفكون عن أحكامه في جميع متصرفاتهم. قال المسعودي: وكنت كثيرا ما أسمعه فيما وصفنا من حال فقره يذم ذوي الحرص على الدنيا ويذكر في ذلك خبرا عن علي كرم الله وجهه «3» كان يقول: ابن آدم لا تتحمل

همّ يومك الذي لم يأت ليومك الذي أنت فيه فإنه إن يكن من أجلك يأت الله فيه برزقك واعلم أنك لم تكتسب شيئا فوق قوتك إلا كنت خازنا فيه لغيرك. قال المسعودي: فركب بعد ذلك الهماليج «1» من الخيل ولقد أخبرت أنه قطع لزوجته أربعين ثوبا تستريّا «2» وقصبا وأشباه ذلك من الثياب على مقراض واحد وخلف مالا عظيما لغيره. اه. ما قاله المسعودي. وفي سنة 333 كان قاضي حلب أحمد بن ماثل فعزله سيف الدولة بن حمدان وولي عوضه أبا حفص علي بن عبد الملك بن بدر الرومي وولي قضاءها في أيام سيف الدولة أيضا سلامة بن بحر وأحمد بن إسحاق بن أحمد الإصطخري. وفي سنة 404 وليه محمد ابن أحمد بن محمود نبهان وكان عالما فاضلا متكلما على مذهب الأشعري. وفي هذه السنة أيضا وليه أبو يحيى أحمد بن يحيى من بني العديم وهو أول من ولي قضاء حلب من أهل هذا البيت وتلاه أحمد بن محمد بن أبي أسامة الذي دفنه في قلعة حلب حيا صالح بن مرداس. وفي سنة 438 وليه أبو يعلى عبد المنعم بن عبد الكريم المعروف بالأسود ثم في سنة 439 وليه أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب المالكي الأندلسي. وفي سنة 445 وليه بشير بن عبد الكريم ومات قاضيا سنة 473 وولي بعده صهره زوج ابنته أبو الفضل هبة الله بن العديم وبقي قاضيا ستا وعشرين سنة فكانت ولايته في أوائل دولة مسلم بن قريش وكان السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان كتب توقيعا بقضاء حلب سنة 473 للقاضي أبي القاسم علي السمناني وخرج الأمر منه إلى مسلم بن قريش فلم يتم له هذا الأمر وحرر مراسلات في تولية القاضي أبي الفضل إلى أن كتب توقيع من بغداد بأمر المقتدر واستمر إلى أن مات عنه سنة 488 فولي بعده أبو غانم محمد بن العديم ولم يزل قاضيا بحلب إلى أن خطب الملك رضوان للمصريين فعزل عن القضاء والخطابة وولى عوضه فضل الله قاضي أنطاكية الزوزني في سننة 490 وسار رسولا إلى مصر واستناب في موضعه ابن أبي أسامة ثم في يوم الاثنين 18 ذي القعدة سنة 495 بعد أن عاد الزوزني إلى حلب اغتالته الإسماعيلية لأنه كان يندد بمذهبهم فأعاد رضوان القضاء إلى أبي غانم محمد بن العديم بعد أن خطب للعباسيين وكتب له توقيع بالقضاء والحسبة من بغداد من قاضي القضاة علي بن محمد

الدامغاني بأمر المستظهر بالله في صفر سنة 496 وفي سنة 534 توفي أبو غانم وولي بعده ولده أبو الفضل هبة الله وكتب له التوقيع من أتابك نور الدين زنكي في أواخر جمادى الأولى سنة 534 وورد له توقيع من بغداد عن الزيني بأمر المقتفي. ثم تعكر خاطر نور الدين علي أبي الفضل وكتب له أن يتولى قضاء حلب نيابة عن جمال الدين محمد بن الشهرزوري فامتنع ولم يجبه فقال مجد الدين قاضي حلب ينبغي أن يكون القاضي حنفيا فقال يقام فقيه حنفي يحكم بين الناس معه. ثم استقر الرأي على القاضي جمال الدين أبي الفضل محمد بن عبد الله بن أبي أحمد القاسم الشهرزوري الشافعي سنة 557 واستناب ولده محيي الدين. وقال ابن خلكان في وفياته إن محيي الدين المذكور حكم نيابة عن أبيه بحلب في رمضان سنة 555 وبه عزل ابن العديم. اه. وفي سنة 575 بعد أن توفي محيي الدين قاضي حلب عرض قضاؤها على جمال الدين أبي غانم العديمي فامتنع فتقلد القضاء أحمد بن هبة الله العديمي ولم يزل قاضيا فيها في دولة الصالح ومن بعده ثم عزل ثم أعيد وفي سنة 578 ولي قضاء حلب محيي الدين علي بن الزكي قاضي دمشق كما في وفيات ابن خلكان فاستناب بها زين الدين أبا الفضل البانياسي. وفي سنة 591 ولي قضاء حلب العالم الزاهد بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم الأسدي المعروف بابن شداد. وفي سنة 635 وليه جمال الدين أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأستادار. وبعد مدة وليه محيي الدين محمد بن يعقوب النحاس وكان عالما فاضلا وكان يقول أنا في الفروع على مذهب أبي حنيفة وفي الأصول على مذهب أحمد. وفي سنة 676 ولي قضاء حلب شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خليل ثم في سنة 678 وليه نجم الدين أبو بكر بن أحمد بن يحيى وفي سنة 679 وليه تاج الدين أبو المعالي عبد القادر الأنصاري السنجاري الحنفي وكان إماما جليلا. وفي سنة 680 وليه نجم الدين أبو حفص عمر بن عفيف الدين أبي المظفر الأنصاري الشافعي عوضا عن السنجاري. ثم في سنة 682 رجع إلى دمشق وكتب خطه بالرغبة عن حلب فوليها عوضه أبو الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن المارديني الحنفي ثم عزل عنها وتوفي في دمشق سنة 683 وفي سنة 684 ولي قضاء حلب شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن محمد بهرام الكوراني الشافعي ثم في سنة 701 عزل عن قضاء حلب وبقي في خطبة

جامعها وولي القضاء عوضا عنه زين الدين أبو محمد عبد الله ابن محمد الأنصاري الخزرجي الشافعي واستمر في القضاء ثلاثا وعشرين سنة وتوفي سنة 724 ودفن بالمقام وبنيت له تربة من ماله ولم يعقب وارثا. وفي هذه السنة ولي قضاء حلب جمال الدين أبو المعالي محمد بن علي بن أبي محمد عبد الواحد الأنصاري الشهير بابن الزملكاني الشافعي. وفي سنة 727 وليه فخر الدين أبو عمر عثمان بن محمد بن نجم الدين عبد الرحمن البازري الشافعي وتوفي في حلب سنة 730 فولي قضاءها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن بدر الدين الشهير بابن النقيب الشافعي. وفي سنة 736 ولي قضاء حلب فخر الدين أبو عمر عثمان ابن الخطيب الطائي الشافعي الحلبي الشهير بابن خطيب جبرين. ولما ولي قضاء حلب كتب إليه بعض أصحابه: وكم سأل الحكم الإله تقدما ... إلى بابك العالي زمانا فأخّرا وفي سنة 738 ولي قضاء حلب زين الدين محمد بن أحمد بن عبد الحليم البلاباني الشافعي. وبعد خمسة أشهر نقل إلى دمشق وكان عالما كبيرا توفي في دمشق سنة 776 وولي قضاء حلب بعده أبو الحسن إبراهيم بن أحمد بن مجد الدين عيسى المخزومي الشافعي الشهير بابن الخشاب وأقام فيها نحو سنة ثم رجع إلى وطنه في القاهرة. وولي قضاء حلب سنة 744 نور الدين محمد بن محمد المعروف بابن الصائغ. ثم في سنة 749 توفي ابن الصائغ وخلفه في قضاء حلب نجم الدين عبد القادر بن السفاح الشافعي وبعد عشرة أشهر صرف عن قضاء حلب بنجم الدين محمد بن أبي عمرو عثمان بن أحمد الزرعي وذلك سنة 750 واستمر إلى سنة 752 فعزل بكمال الدين المعري فاستمر قاضيا بحلب مدة أربع عشرة سنة ثم نقل إلى قضاء دمشق سنة 771 وخلفه في حلب نجم الدين الزرعي ثم في سنة 775 ولي قضاء حلب المعري وفي سنة 776 عزل وأعيد نجم الدين الزرعي وفي سنة 778 توفي الزرعي بحلب عن نيف وخمسين من عمره وولي قضاء حلب جلال الدين محمد بن محمد الزرعي ابن نجم الزرعي فاستمر قاضيا بحلب إلى أن توفي فيها سنة 779 فولي مكانه كمال الدين المعري. وفي سنة 780 ولي قضاء حلب جمال الدين شمر نوح ثم وليه المعري واستمر إلى سنة 783 فتوفي ودفن في داره في درب البنات قرب بيمارستان أرغون. وتولى بعده قضاء

حلب أحمد بن محمد أبي الرضا الشافعي العالم الفاضل واستمر إلى سنة 785 فعزل بشرف الدين أبي عبد الله مسعود ابن أبي البركات شعبان بن إسماعيل الطائي وأصله من قرية يقال لها دير خشان من حلقة سرمدا وكان جاء إلى ابن أبي الرضا وطلب منه أن يوليه القضاء في ناحية من نواحي حلب وهي ريحا فامتنع من ذلك فذهب إلى القاهرة يسعى بقضاء ريحا فأشار عليه كمال الدين بن العديم بالإعراض عن قصده وأن يسعى بقضاء حلب. فذهب إلى شيخ الإسلام البلقيني واجتمع به وأهدى إليه شيئا وأخذ بالسعي فأرسل السلطان إلى البلقيني يسأله عنه هل هو أهل لذلك فأجاب البلقيني بما يوهم أنه أهل لقضاء مصر فولاه السلطان قضاء حلب فاستمر بها دون خمسة أشهر. وفي سنة 786 عاد ابن أبي الرضا إلى قضاء حلب ثم عزل في رمضان وولي مكانه مسعود المذكور. وفي سنة 790 ولي قضاء حلب شمس الدين محمد بن أحمد عبد الله المهاجر فاستمر إلى سنة 794 وقد أساء السيرة فعزل عن القضاء وخلفه شرف الدين موسى أبو البركات ابن محمد بن حزم الأنصاري الشافعي وفي سنة 796 عزل الأنصاري بابن خطيب تيزين واستمر إلى سنة 797 فعزل بالأنصاري. وفي سنة 803 عزل الأنصاري بجمال الدين يوسف بن خالد الخسفاني ثم عزل هذا بالأنصاري فاستمر إلى محنة تيمور. وفي هذه السنة مات الأنصاري وخلفه ناصر الدين محمد بن كمال الدين المعري. ثم عزل بجمال الدين الخسفاني ثم عزل هذا بالقاضي شهاب الدين أحمد بن يحيى العثماني وذلك في مستهل شوال سنة 805 وسار سيرة حسنة وسكن بدرب الديلم بالقرب من المدرسة الشرفية. وفي ليلة الأربعاء ثاني عشر هذا الشهر دخل على الفاضل رجل من الشيعة من أهل معرة مصرين وضربه بسكين فمات القاضي شهيدا وقتل القاتل. وولي قضاء حلب ولد القاضي شمس الدين، ثم في ربيع الأول سنة 806 عزل بالقاضي شهاب الدين محمد بن أحمد بن محمد الحريري الحلبي وفي سنة 811 عزل بالخسفاني ثم عزل الخسفاني بقاضي القضاة شهاب الدين بن العجمي الشافعي. وبعد أربعة أشهر عزله دمرداش بالقاضي تاج الدين عبد الرحمن ابن العلاء زين الدين أبي حفص عمر بن محمد الكوفي فاستمر إلى سنة 813 وتولى القضاء ناصر الدين محمد بن محمد البارزي الحموي إلى سنة 823 وفيها توفي وخلفه ولده كمال الدين محمد. اه. الكلام على القضاة الشافعية.

أسماء القضاة الحنفية

أسماء القضاة الحنفية ولنشرع في ذكر أسماء القضاة الحنفية. قال ابن حبيب الحلبي: وفي سنة 710 ولي قضاء حلب كمال الدين أبو حفص عمر بن العديم رفيقنا القاضي الشافعي الأنصاري ولم نعهد في حلب سوى قاض واحد من قديم الزمان وإلى الآن. وفي سنة 731 ولي قضاء حلب ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن كمال الدين عمر المشار إليه عوضا عن والده المذكور ونقل إلينا من القضاء بحماة وولي بعده ولده جمال الدين أبو إسحاق إبراهيم في سنة 752 وكان حاكما عادلا فاضلا واستمر إلى سنة 778 وفيها عزل بالقاضي محب الدين أبي الوليد ابن العلاء كمال الدين محمد بن محمد الشحنة العالم الشهير والعلامة النحرير وباشر الحكم أياما قليلة ثم عاد المعزول جمال الدين المذكور واستمر إلى سنة 787 فعزل بالقاضي محب الدين ووصل خبر عزله وهو مريض فما علم بذلك وتوفي ليلة الخميس 26 محرم سنة 787 ودفن بمقبرة أهله خارج باب المقام بالقرب من مقام الخليل واستمر محب الدين قاضيا بحلب إلى سنة 788 وفيها عزل بالمؤنسي الياس بن سعيد بن علي القراشهري. وبعد سنتين عزل هذا بالقاضي محب الدين ثم عزل هذا بجمال الدين أبي الثناء محمود بن محمد بن إبراهيم بن الحافظ العينتابي وذلك سنة 793 وباشر الحكم مدة يسيرة وكان قاضي عسكر. وفي هذه السنة ولي كمال الدين بن العديم قضاء عسكر حلب ثم صرف العينتابي ومدة ولايته أربعون يوما وولي قضاء حلب القاضي محب الدين المذكور وفي العينتابي يقول ابن الزاهد: ارجع إلى ما كنت قاضي العسكر ... ودع القضاء لأهله لا تفتري ثم عزل القاضي محب الدين بالعينتابي فلم تطل مدته ومات سنة 794 وقال في ذلك ابن الزاهد: هب السلطان قد أعطاك حكما ... أيقدر أنه يعطيك عمرا فاستقر جمال الدين بن العديم قاضيا عوضا عن العينتابي واستمر إلى محنة تيمور. ثم سافر إلى القاهرة ولم يخرج قضاء حلب عنه واستناب القاضي شمس الدين محمد بن عمر

أسماء قضاة حلب في أيام الدولة العثمانية

ابن أمين الدولة وأخاه شهاب الدين أحمد بن العديم. ثم في سنة 807 أرسل تقليدا بقضاء حلب إلى أخيه كمال الدين أبي الفداء إسماعيل واستمر قاضيا إلى أيام جكم فعزله بالقاضي محب الدين الشحنة. ثم في سنة 811 ولي قضاء حلب عز الدين الحاضري واستمر إلى سنة 815 فعزل بمحب الدين فلم تطل مدة محب الدين ومات. ولما كان مريضا عاده الشيخ عز الدين الحاضري فأنشده محب الدين قول المتنبي «1» : بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قوم عند قوم فوائد وبعد وفاة محب الدين تولى قضاء حلب عز الدين المذكور. فلما كان في أوائل سنة 823 سأل الإعفاء وأن يكون ولده محمد عوضه وذلك لفالج أصابه فأجيب إلى ذلك فلما توفي استقر ولده محمد في مكانه قاضيا إلى أن مات فخلفه شمس الدين محمد بن معين الدولة وكان نائبا له ولأبيه من قبله. وفي سنة 828 عزل بجمال الدين يوسف الكوفي. وفي أواخر هذه السنة توفي الكوفي وعاد شمس الدين إلى قضاء حلب. وفي سنة 833 عزل بأبي بكر بن إسحاق بن خالد المعروف بباكير واستمر قاضيا إلى سنة 836 فطلب إلى القاهرة وشغرت وظيفة قضاء حلب حتى حضر إليها الأشرف برسباي فولاها أبا الفضل بن الشحنة وذلك في رمضان هذه السنة واستمر قاضيا في حلب إلى سنة 855 فولي قضاء حلب تاج الدين الركني. وفي سنة 862 وليه جلال الدين محمد الشحنة ولا أدري بعد ذلك من ولي قضاء حلب إلى سنة 922 وهي السنة التي فيها دخلت حلب تحت حكم الدولة العثمانية. أسماء قضاة حلب في أيام الدولة العثمانية وجدت في أحد سجلات المحكمة الشرعية بحلب جدولا يتضمن ذكر قضاة حلب منذ دخول الدولة العثمانية إلى حلب وذلك في سنة 922 إلى حدود سنة 1385 وقد حرر في ذيل هذا الجدول هذه العبارة: (وهذا الجدول محرر بموجب قيودات شيخ الإسلام أحمد عطا الله عرب زاده) . ولما بحثت في هذا الجدول وجدت فيه من أوله إلى حدود سنة 1005 غلطا فاحشا من جهة تحريف أسماء القضاة وذكر من لم يتول قضاء حلب

وعدم ذكر كثيرين منهم تولوا قضاءها فصححت منه ما أمكن تصحيحه اعتمادا على ما رأيته في كتاب الشقائق النعمانية وغيرها من الكتب التاريخية التركية. وأثبتّ في الجدول المذكور أسماء القضاة الذين تولوا حلب ولم تذكر أسماؤهم فيه وهو هذا: السنة 922 جوملكجي زاده كمال الدين أفندي بن الحاج الياس 925 زين الدين أفندي الفناري 926 ولي الدين زاده محمد أفندي الشهير بابن فرفور 928 قره حيدر أفندي 928 محمود بن عبد الله كوله بدر الدين ... محمد أفندي 929 عبيد الله أفندي بن يعقوب الفناري 929 محمد بن المعمار 934 محمد بن عبد الله كوله بدر الدين 935 محمد بن المعمار 939 قطب الدين زاده محمد أفندي 940 عبد العزيز أفندي أم ولد 943 مصطفى مصلح الدين أفندي 944 أبو الليث أفندي بن إدريس ... جعفر أفندي ... سري أحمد أفندي 946 محمد أفندي بن عبد الوهاب بن عبد الكريم 947 يوسف بن حسين المشهور بسنان جلبي 949 محمد أفندي بن عبد الأول ... صاجلي أسر أفندي 951 صالح أفندي بن جلال الروشني تاريخه (قاضي حلب) السنة 952 عبد الباقي أفندي بن علاء الدين العربي الحلبي 953 عبد الرحمن أفندي بن علي محيي الدين ... سرويز أفندي ... خواجه فاني محمد أفندي ... أمير حسين صاده زاده 960 إمام زاده محمد أفندي 961 معلم زاده مصلح الدين أفندي 962 قاضي زاده أحمد أفندي 964 أخي زاده أحمد أفندي 964 محمد أفندي بن أبي السعود أفندي 965 فضل أفندي 966 جعفر أفندي 967 أحمد أفندي بن محمود حامد أفندي ... زمرم زاده ... أفندي ... معلول زاده ... أفندي ... سنان زاده أحمد أفندي 970 بوستان زاده مصطفى أفندي ... صاري قدري زاده محمد أفندي 973 أحمد بن محمد بن حسن السامسوني ... بوستان زاده مصطفى أفندي 973 عبد الرحمن أفندي بالدار زاده ... سيف الله أفندي ... كمال زاده محمد أفندي ... حسين زاده محمد أفندي

.. أميري زاده ... خاني زاده مصطفى أفندي ... سعد زاده محمد أفندي ... كتخدا محمد «1» 980 علي بن عبد العزيز أم ولد ... مناوي حسين ... طاشكبري كمال ... طورسون عبد الباقي ... بيقلي سليمان 1005 زكريا كمال 1005 طاشكبري كمال ثانية 1006 إياس أحمد 1007 مصطفى 1010 حيدر 1010 اسكندر عبد الرحمن 1010 قره جلبي محمد 1012 سنان يحيى 1013 نابي مصطفى 1014 شرواني محمد 1015 وحيى عبد الله 1019 إياسي أحمد 1020 قره سيفي 1021 نشانجي سيد محمد 1022 عشاقي مصطفى 1023 قره كولله حمد الله 1024 طلومجي حسان 1024 صدر الدين محمد 1025 عشاق مصطفى ثانية 1026 عبد الكريم 1027 نوال سعد الدين 1028 محمد رياضي 1029 محمود عبد الله 1030 حسن مصطفى 1031 قاسم 1032 نائب محمد 1033 ناجي عبد الرحمن 1035 حسام مصطفى 1036 فناري محمد 1036 سيد محمد 1037 سيفي عبد الرحمن 1038 مصطفى 1039 بوستان محمد 1040 عشاق عبد العزيز 1042 خواجه مسعود 1043 غريب محمد 1044 مصطفى أحمد 1045 قاضي محمد 1047 كسرى محمد 1048 محمد 1048 كتخدا حسن 1049 أسعد 1049 مصلح الدين عبد الله 1050 حسام عبد الرحمن كامي 1051 شيخ محمد سنان

1052 مصطفى 1054 رحمة الله 1055 حاتم حسن 1056 صفي محمد أمين 1057 سعدي سيف الله 1057 بوستان أحمد 1058 عشاق عبد الرحيم 1058 صدر الدين روح الله 1059 أوزون أحمد 1060 أبو السعود 1061 عجم محمد 1062 سيد أحمد 1063 سراد 1064 عبد العزيز أحمد 1065 عبد الباقي 1066 حسني باشا مصطفى 1067 مصطفى 1068 ولي عمر 1068 مصطفى 1069 ولي أحمد 1070 خير الدين مصطفى 1071 مطلوب عبد الله 1072 جشمي محمد صالح 1073 قباقولاق محمد 1075 عثمان فيض الله 1076 كمال أحمد 1076 عبد الحليم 1077 بياضي أحمد 1079 كواكبي محمد 1080 أعرج عمر 1081 آق محمد 1083 قره علي 1083 طوس محمد 1084 سعد أبو السعود 1085 معيد 1086 ملا حسن 1087 خوجه السيد عثمان 1089 نورحي محمود 1090 توفيق محمد 1091 صدر الدين محمد صادق 1092 رفقي محمد 1093 محرم محمد 1096 إمام عبد الله 1098 جوهرجي محمد 1099 بياضي دامادي أحمد 1100 كوجك خواجه لطف الله 1101 أبو بكر 1102 إدريس 1103 تاتار عبد الحليم 1104 قره إسماعيل 1105 حن الله 1106 فتوى أميني محمد 1107 سيد يعقوب 1108 محمد شمس الدين 1109 جشمي عبد الكريم 1112 إمام شيخ الإسلام محمد 1113 أمر الله 1114 عبد الحليم محمد صالح

1115 كواكبي ولي الدين 1116 دري محمد 1117 قره عبد الله 1119 شيخ محمد 1120 كسرى عبد الرحمن 1121 خليل إبراهيم 1122 إمام صالح 1123 يحيى فيض الله 1124 خرخر حسن 1125 زلالي حسن 1126 عبد الباقي 1127 يحيى عبد الله 1128 معبر إسماعيل 1129 عثمان أحمد 1130 صدر الدين محمود 1131 منصور مصطفى 1133 علمي أحمد 1134 عطا كتخداسي حسين 1134 لعلي سيد عبد الله 1136 محمد راشد 1137 عشاقي سيد صدر الدين 1138 مفتي محمود عبد الله 1139 يحيى حسين ملا 1141 محمد صالح 1142 جار الله ولي الدين 1142 سيفي دامادي سيد أحمد 1144 نفسي السيد محمد سيد 1145 فيض الله السيد عثمان 1147 السيد حسين وسيم 1148 جشمى محمد سعيد 1149 أسعد السيد يحيى واقف 1150 باقي ملازمي محمد 1151 جراحي محمد عالم 1154 مضروب محمد واثق 1154 فتوى أميني محمود عبد الله ... زاهد 1155 حسين شاكر 1155 كوسج ولي الدين 1157 عيسى حفيدي عبد الله 1158 سمرجي زاده حفيدي مصطفى 1159 عباس بن مصطفى 1160 إبراهيم باشا إمامي مصطفى 1161 حمامي محمد أمين 1162 كتخدا محمد أسعد 1163 كسرى مصطفى 1164 واردواني شيخ زاده عبد الرحيم 1165 محمد سيد 1166 جلبي درويش 1167 حسين 1168 باشا دامادي يحيى 1169 كواكبي عبد الله 1170 قره مصطفى محمد أمين 1170 قره موسى 1172 مدحي عبد الرحيم 1173 على زاده يكن علي 1174 إسكداري مصطفى 1175 كريدي أحمد 1176 عبد الرحمن أحمد عطا

1177 السيد أحمد مصطفى 1178 سوردامادي يحيى 1179 راشد إبراهيم 1179 شريف محمد 1180 يشمقجي نعمان 1181 كتخدا مصطفى صادق 1182 عبد الرحيم محمد أمين 1183 صره أميني إبراهيم 1184 فاضل محمد 1185 نفسي السيد محمد سعد 1186 رجب محمد عارف 1186 زيرك إمامي فيض الله 1189 قوشو اطه لي مصطفى 1190 طاغستاني إبراهيم 1191 مفتي عبد الله 1192 إمام محمد صادق 1193 بازار جقلي حسين 1194 كشاف عمر 1195 بكري عبد الله 1196 نافذ محمد أمين 1197 بكري عبد الرحمن 1198 خرقه شريف شيخي سيد عثمان 1199 يحيى ملا إبراهيم عارف 1200 علي محمد زين الدين 1201 يحيى عبد الرحمن 1202 إسماعيل باشا إبراهيم عصمت 1203 بايبوردي حافظ محمود 1204 كورك حسن 1205 كلاهي محمد أمين 1206 جزيه دار أحمد بهاء الدين 1207 طوسيه لي علي 1207 إمام ثاني سابق محمد نوري 1209 ترشيحي عبد الرحيم 1210 حمامي محمد راشد 1211 زعفران بورلي عثمان 1212 اصقه لي خليل 1213 بروسه لي حافظ حسن 1215 عثمان محمود 1216 حفيد محمد أمين 1217 كرنايلي محمد 1218 ختواني السيد عبد الله تقي الدين 1219 درويش باشا أمامي 1220 حفيد سعيد أمامي 1221 محصل عمر أمامي 1222 موصلي محمد 1223 زره لي عبد الرحمن 1224 غليوني مجيد 1225 بروسه لي سليم 1226 بربر أمين 1227 عزت أمين 1228 زعفران بورلي عثمان محمد 1229 إسكداري حفيدي حمد الله رأفت 1230 أماسيه لي محمد حفيدي 1231 طيفوربك 1232 سلطان أحمد أمامي مصطفى نوراه 1233 بالطه جي محمد أمين مصطفى 1234 بارطينلي خليل محمد 1235 جيار سليمان عبد الفتاح

1236 عثمان محمد سعيد 1237 كتخدا محمد عارف 1238 يكلي محمد أسعد 1239 عاشر محمد بهاء الدين 1240 محمد نور الله بهاء الدين 1241 مظفر باشا عثمان بك 1242 يكلي مصطفى شمس الدين 1243 جلبي مصطفى باشا أحمد بك 1244 قنوي إمام سيد مصطفى شريف 1246 عريان محمد وحيد شريف 1247 قنوي السيد حسن محمد 1248 صوان محمد أمين مصطفى نوري 1249 أبو بكر صدقي باشا عبد الله عزت 1250 خطاط السيد محمد عزت 1251 فتوى أميني عرياني محمد سعيد 1252 إسماعيل حفيدي نور الدين 1254 صدر الدين حفيدي عبد الله 1255 محبي محمد علي أشرف 1256 منكلي مصطفى 1257 خربوتي السيد إسماعيل 1258 شكر الله حفيدي السيد محمد نافع 1260 فتوى مسودي إسماعيل فهيم 1261 أديب السيد محمد شمس الدين 1262 حمامي حفيدي علي رضا 1263 إبراهيم بك إمامي حافظ إسماعيل 1264 سلطان أحمد إمامي محمد سعيد 1265 مدرس أحمد خير الدين 1266 حافظ الحاج محمد أمين 1267 عبد المولى السيد أحمد شاكر 1268 نواره حفيدي السيد محمد داية 1269 السيد محمد سعيد زبور بك 1270 السيد سليمان 1271 مرحوم أكنلي محمد 1272 علي آغا إمامي السيد حافظ أحمد 1272 السيد محمد علي فتحي بن عثمان بن أحمد ابن مصلح الدين 1273 شيخ السيد محمد توفيق 1274 أرنيه مفتيسي مصطفى 1275 السيد حافظ حسن 1276 عبداه ملا رشيد حفيدي محمد كامل 1277 بكلي السيد محمد محيي الدين 1278 عطا الله السيد محمد غالب 1279 واصف السيد أحمد وصاف 1280 أسبق فتري أميني محمد غالب 1281 عثمان وهبي 1282 حسين السيد محمد توفيق 1284 زكي نائب ومفتش حكام 1285 كلنبه وي محمود عزيز نائب 1286 بغدادي عبد الرحيم 1287 بالجقلي على حفيدي محمد سعيد 1288 كواكبي السيد عطا الله 1289 حسين السيد محمد توفيق 1291 منير السيد محمد راغب 1292 عبد الله السيد عمر بهجت 1294 أدرنه مفتيسي حاجي محمد فوزي 1296 سيف الدين 1296 عرب السيد محمد نور الله نشأت 1297 أحمد شكري

1300 الحاج حسين توفيق حمدي 1304 السيد مصطفى رشدي خلوصي 1305 كامل بك حسن تحسين 1307 عثمان باشا برادري شريف حمدي 1309 محمد مكي 1311 محمد وجيه 1314 كمال الدين 1316 محمد زهدي زعفر أنبورلي 1316 حسن صدقي 1317 حفيد مير رائف أحمد عاصم 1318 فؤاد 1319 جهار شنبه وي سعيد نعيم 1320 عصمت 1323 عبد الرحمن نسيب 1324 راقعي عبد الحميد 1325 نقيه جي توفيق 1327 السيد رجب حلمي 1330 ألوسي السيد مصطفى زين الدين 1331 السيد رجب حلمي ثانية 1331 علي همت 1333 السيد محمد خالد حفظي 1334 سليمان سري (آخر قضاة تركيا) 1337 الشيخ محمد الزرقا (حلبي) 1337 الشيخ بشير الشهير بالغزي (حلبي) 1339 الشيخ علي العالم (حلبي)

أحوال ولاة حلب

أحوال ولاة حلب لم أطلع في التواريخ الحلبية على ذكر أحوال عمال حلب ونوّابها وكفّالها وولاتها وذكر عاداتهم ومواكبهم سوى أني رأيت في «درّ الحبب» لرضي الدين الحنبلي نبذة في موكب خيري بك فأثبتّها في ترجمته في الباب الثاني. أحوال الكفّال في أيام الدولة الجركسية ذكر ابن الشحنة محب الدين أبو الفضل في كتابه نزهة النواظر في روض المناظر نبذة من أحوال كفّال حلب في الدولة الجركسية فأحببت إيرادها هنا ملخصة فأقول: قال: إن نائب حلب يكون من أعيان مقدمي الألوف بالقاهرة وتارة ينتقل من نيابة طرابلس وربما نقل من حماة. وقد نقل آشق تمر وغيره من دمشق وقد يتناوبان. لكن أكبر نواب المملكة نائب دمشق ثم نائب حلب ثم طرابلس فحماة فصفد. وقد اعتاد النائب إذا قدم حلب أن ينزل على العين المباركة بعد أن يكون خرج إلى لقائه القضاة والمقدمون إلى خان طومان والمباشرون ويتلقونه غالبا إلى حماة ثم يصبح فيركب من العين المباركة لا بسا تشريفه وتخرج إليه القضاة وجميع الجيش وأرباب المناصب وطوائف المشايخ وأهل الحارات فإذا وصل إلى القلعة نزل عن فرسه ونزل لنزوله حاجب الحجاب وبقية الحجاب الأربعة وتقدم إليه نائب القلعة ومتولي الحجر والنقيب ونزعوا سيفه وحلّوا حياصته «1» فيصلي ركعتين وهو محلول الوسط وحياصته في عنقه وسيفه بيد والي الحجر. ثم يتقدم إليه العلم السلطاني فيقبله ويقبل الأرض ثم يركب ويدخل إلى دار النيابة فيقرأ تقليده بحضرة القضاة والمباشرين وهو واقف على قدميه. وكلما ذكر الاسم الشريف السلطاني أو ذكر ثناء السلطان عليه في التقليد يأمره حاجب الحجاب بتقبيل الأرض ثم يفيض على أرباب المناصب خلعا سنية بحسب مراتبهم «2» وقارىء التقليد هو كاتب السر ويكون على كرسي منصوب له واقفا عليه.

ثم في كل يوم اثنين وخميس يركب بالكلفته والقبا «1» ويركب معه المقدمون وأرباب المناصب من الترك والجند ويسير إلى قبة المارداني ومعه الجاويشية يزعقون بين يديه ثم يعود فيقف تحت القلعة راكبا وتعرض عليه الخيول والأملاك ويجهر النداء بالأمان للرعية وإظهار العدل. ثم يتقدم كتبة الأمراء من هناك إلى باب دار العدل وهو مدى طويل والأمراء المتقدمون ثمانية، لكل واحد منهم مماليك عبرتهم «2» أن يكونوا مئة فإن موضوع هؤلاء الأمراء أن يكون كل منهم أمير مئة فارس ومقدّم ألف وقد صار مدة طويلة دوادار «3» من قبل السلطان يكون قائما في خدمة النائب لكنه عينا «4» عليه وكان في الغالب من أمراء الطبلخانات وقد يكون من المقدمين. وأما نائب القلعة فكان قديما من أصاغر الأمراء. ثم من فتنة الناصري قرر أمير مئة مقدم ألف واستمر كذلك إلى يومنا هذا وليس في نواب قلاع القاهرة ودمشق وغيرهما مقدم ألف إلا نائب قلعة حلب خاصة ولم يكن له عادة بحضور الموكب ثم صار بعضهم يحضر أحيانا فيجلس دون أمير الميسرة وأمير الميسرة يجلس إلى جانب حاجب الحجاب (عود إلى إتمام كيفية الحال في يوم الموكب) فإذا وصل النائب إلى تجاه القلعة اصطفت البحرية وقوفا له حتى يسلم عليهم ثم يدخل عليهم فيقوم حاجب الحجاب وعصاه في يده ويمشي في خدمته إلى قرب الإيوان الذي يجلس عليه وهو تجاه الباب الكبير وليس بين الباب وبين الإيوان حجاب ولا سترة ويكون قد سبقه إليه قاضي القضاة فيجلسون سطرا واحدا عن يساره وتبقى يمينه خلا، ثم يجلس إلى جانب قاضي القضاة قاضيا العسكر ومفتيا دار العدل وتجاههم كاتب السر وناظر الجيش ثم إلى جانب ناظر الجيش الموقعون فتدور الحلقة ويقف الدوادار الكبير وراء كاتب السر وناظر الجيش خارج الحلقة فإن كان الوزير متعمما جلس معهم وإن كان تركيا جلس بين يدي الترك فيسلم عن يساره على القضاة ثم عن يمينه على الأمراء ثم تجاهه على بقية الجماعة ثم يجلس على مكان مرتفع نحو نصف ذراع معدّ لجلوسه ويجلس حاجب الحجاب على درجة أسفل من ذلك المكان بحيث يكون رأسه

مسامتا تخت النائب «1» الذي جلس عليه والمتقدمون يجلسون على مساطب باب دار العدل ويأخذ القصص «2» نقباء الجيش ثم الحاجب الصغير فيوصلونها إلى حاجب الحجاب فيتناولها لكاتب السر فيعطي ما يتعلق بالجيش لناظره ويرمي بالبقية للموقعين ثم تقرأ بعض القصص الشرعية ثم يقوم الحاجب فيأذن للقضاة بالانصراف وقد يجلس النائب بعدهم لفصل الأمور. وهذا اليوم يقال له يوم الموكب ويجلس يوم الجمعة بعد الصلاة في هذا المكان ويحضره المقدمون الثمانية فيجلس الأمير الكبير عن يمينه وحاجب الحجاب عن شماله ولا يجلس فوق المقدمين إلا قضاة القضاة والعلماء إن اتفق حضور واحد منهم ويجلس كاتب السر وناظر الجيش دون المقدمين فوق أربعينات. وكانت العادة القديمة أن يصلي النائب الجمعة والعيدين بالجامع الأعظم بالشاش والقماش ثم صار يصلي بجامع ألطنبغا ثم لما عصى يلبغا الناصري بنى له جامعا بدار العدل وصار يصلي فيه والآن أكثر ما يصلي النائب هناك. وفي بعض الأوقات ربما صلى بالجامع الأعظم وبجامع دمرداش وفيه يصلي العيدين وقد جرت عادة النائب أنه إذا لم يركب للموكب لا تحضر عنده القضاة إلا بطلب. وكان بحلب وزير له جهات معلومة من المكس وغيره وعليه نفقات الخاصكية والبريدية ومرتبات معروفة ثم أضيفت تلك الجهات إلى ديوان النيابة وبطل الوزير ثم أعيد ذلك في الأيام المؤيدية ثم بطل. وإقطاع النيابة له أستادار يتكلم فيه مقتصرا عليه لا يتعداه وناظر ديوان ومباشرون في أيام الظلم خاصة وربما تكلم الأستادار في غيره. اه. ما أورده ابن الشحنة. (حاشية) لفظة حاجب الحجاب والكلفته والقبا والدوادار والشاش والقماش وما شاكل هذه الألفاظ قد تكلم على أكثرها علي مبارك باشا في كتابه خطط مصر الجديدة في الجزء الثاني عشر منها عند كلامه على سرياقوس فراجعها هناك. اه.

أحوال الولاة في أيام الدولة العثمانية

أحوال الولاة في أيام الدولة العثمانية وأما أحوال ولاة الدولة العثمانية في القرون السالفة فلم أطلع فيها إلا على نبذة يسيرة أوردها دارفيو في ولاة زمانه مفرقة في تذكرته فعربتها وأوردتها مجموعة وأضفت إليها جملة استخرجتها من رقعة قديمة مخطوطة باللغة التركية ذكر فيها بعض عادات الولاة وجوائزهم لخدمة الحكومة وجماعة دائرتهم والموظفين بالجامع الكبير وغيرهم فأقول: قال دارفيو: إن حلب كان يحكمها وال ذو ثلاثة أطواخ ومسكنه القلعة وإذا غاب سكن بها متسلمه. والطوخ ذنب حصان أبيض معقود على صعدة يعلوها أكرة من نحاس مذهب وكانت العادة عند الدولة العثمانية أن يحمل من هذه الأطواخ أمام السلطان سبعة وأمام الصدر الأعظم أربعة وأمام الوزير الذي يكون من الصنف الأول ثلاثة وأمام الوزراء الذين هم دون الصنف الأول اثنان وأمام الرؤساء والموظفين وذوي الأخطار واحد. وكان المتسلم يعمل جميع أعمال الوالي غير أنه ليس له راتب مثله والنفقات المرتبة على الوالي باهظة جدا لأنه هو المطلوب منه مرتبات جميع المستخدمين في ولايته أما رزق الوالي من حلب سنويا فقد قدره بعضهم بثمانين ألف قرش ينفق منها على عساكره الذين هم ما بين خمسمائة إلى ستمائة شخص، من ثلاثين ألفا إلى خمسين ألف قرش والبقية له. أما القرى التي يتسلمها من الدولة ليقوم بكفالتها فعددها ألف ومائتا قرية منها نحو ثلاثمائة قرية غامرة والبقية عامرة. وأما بقية الأملاك والقرى فمنها ما هو أملاك الأعيان ومنها ما هو تمارات للإباهية. ثم إن رزق الوالي من حلب على ما ذكرناه هو غير المرتبات المضروبة له على أهلها فإنهم ملزومون أن يقدموا له كل ما يحتاجه من اللحم والخبز والشعير والسمن والحطب والفحم والتبن والطحين وغيرها من بقية لوازمه. وكان يضرب بحلب سكة عثمانية بأمر الوالي وليس يضرب منها الآن سوى الشاهية والأقجة والفلس والشاهية والأقجة من الفضة والفلس من النحاس. والشاهية جزء من أربعة وعشرين جزءا من القرش. وكل ست أقجيات شاهية فالأقجة هي سدس الشاهية وكل اثني عشر فلسا أقجه. وهذه الأنواع الثلاث هي النقود الدارجة بين الناس لكن الحساب في التجارة جار باعتبار الريال الافرنجي الإسبانيولي المكسكالي. اه. ما ذكره دارفيو في أحوال الولاة.

موكب الوالي في يومي العيد

موكب الوالي في يومي العيد قال في الرقعة المتقدم ذكرها: إن الوالي في يومي العيد يتوجه إلى الجامع الكبير بموكب حافل يمشي معه جماعة التفنكجية والشطر، وهم خدمة أصحاب المناصب وتقاد بين يديه الجنائب ويسير في ركابه التّراسة «1» ومحصل الأموال والسردار وكتخدا الجاويشية وعدة من ضباط القلعة المعروفين بالجوربجية، ومعهم بضعة أشخاص من جماعة القلعة فيأتي إلى الجامع ويدخل إليه من باب سوق الطيبية ويصلي في المقصورة التي على يمنة المنبر ثم يقوم ويقبل عليه أصحاب الخلع الآتي ذكرهم فيلبسهم إياها ويفرق الصرر النقدية على ذويها الآتي بيانهم ثم ينهض من الجامع متوجها إلى القلعة فيمر من طريق قاضي الحاجات إلى خان الوزير إلى العجيمي إلى العصرونية إلى جامع الحيات فإذا وصل إلى أمام سوق الضرب صدحت الموسيقى من القلعة وأطلقت منها المدفاع فيتقدم إليها حتى يدخلها من الباب الكائن في جنوبها إلى الشرق. وقد اعتاد بعض الولاة أن يذبح في عيد الأضحى أربعين رأس غنم يفرق لحمانها على التكايا والزوايا. منح الولاة إلى حفظة دار الحكومة ومما جرت به عادة ولاة الدولة العثمانية ومتسلميهم في حلب أن يمنحوا كل بواب من بوابي دار الحكومة يومية مع راتب شهري قدره ستون بارة ويعطوا خدمة الزيارة نفقة يومية. ولدار الحكومة عدة بوابين ليس يمنح منهم يومية من قبل الولاة المشار إليهم سوى أربعة فقط. وكانوا يمنحون أوراق الجزية جماعة مخصوصين يعانون تحصيلها ويأخذونها لأنفسهم ثم استعفوا من هذه العطية. وكان يمنح يومية من قبل الولاة أيضا جماعة كثيرة من حفظة دار الحكومة وقد اقتصروا الآن على إعطاء أربعة منهم فقط مع إعطاء كل واحد منهم أيضا خمسين بارة ولرئيسهم ستين بارة راتبا شهريا.

منح الولاة إلى خدمهم

منح الولاة إلى خدمهم ومما اعتاد عليه ولاة حلب حين دخولهم إليها أن يحسنوا إلى كل واحد من جماعة دائرتهم المعروفين بأغوات الكادك بدراهم معلومة يأخذونها لهم من أصحاب الحرف والصنائع فيحسنون لحامل قصبات التدخين المعروف بجو بوقجي باشى بخمس ذهبات وثلاثة أرباع الذهب تؤخذ من أصحاب هذه الحرفة بحلب، ولحافظ التبغ المعروف بتوتنجي باشى بأربعين ذهبا وربع الذهب تؤخذ من باعة التبغ والخرّاطين وكان عبدي باشا يأخذ من باعة التبغ فقط أربعين ذهبا ولحافظ بيت المؤنة المعروف بكلرجي باشي بمائتين وخمسين ذهبا تؤخذ من باعة الفستق ويؤخذ منهم علاوة على ذلك في كل شهر ذهبان عن يد رئيس السوق المعروف بالبازرباشي ولمرتب المائدة المعروف بصفرجي باشي بست ذهبات منها ذهبان يؤخذان من الطحّانين وأربع من الخبازين. ويؤخذ منهم علاوة ذهبان في كل شهر ولحافظ ثيابه المعروف بالجماشرجي آغا بخمسة وسبعين ذهبا تؤخذ من أصحاب حرفة الحمام ولمحافظ «1» عدة خيوله ودوابه المعروف برختوان آغا وعشرون من العقادين وعشرون من الصيارفة ولمناظر إصطبله المعروف بأمير آخور آغا بألف وخمسين ذهبا تؤخذ من جماعة البساتنة منها أربعمائة وخمسون تؤخذ منهم في أيام قطاف حشيش الشعير المعروف بالقصيل والبقية تؤخذ منهم بعد ذلك وكان عبدي باشا يأخذها منهم ثمانمائة ذهب وعثمان باشا بعده يأخذها خمسمائة ذهب. فهذا ما اعتادوا عليه من المنح والعطايا إلى جماعة دائرتهم حين دخولهم إلى حلب. منح الولاة إلى خدمة الجوامع وغيرهم وأما ما اعتادوا عليه من الخلع والجوائز لجماعة الموظفين في الجامع الكبير وغيره في يومي العيدين فهو أن يحسنوا إلى متولي الجامع بفروة من نوع القاقوم وإلى خطيبه بفرجية صوف وألف ومائتي عثماني منها ستمائة عثماني زادها الحاج إبراهيم باشا قطار اغاسي في عيد الفطر سنة 1217 ولإمام الأوقات بفرجية وألف ومائتي عثماني نصفها من زيادة المذكور

أحوال ولاة الدولة العثمانية في أيامنا

وللمؤذن الأول بفرجية صوف وللمؤذن الثاني بفرجية شال ولبقية المؤذنين بألف ومائتي عثماني نصفها من زيادة المذكور ولخادم حضرة زكريا عليه السلام بفرجية صوف وألف ومائتي عثماني منها 800 من زيادة المذكور وللفراشين بألف ومائتي عثماني منها 800 من زيادة المذكور وللبوابين بألف ومائتي عثماني منها 800 من زيادة المذكور. وللداعين المعروفين بدعاكوي بثلاثمائة عثماني ولدراويش تكية بابا بيرم بمائة عثماني ولأفراد القلعة بأربعمائة عثماني ولكبراء القلعة المعروفين بمهتران بأربعمائة ولمدفعية القلعة المعروفين بالطوبجية بأربعمائة وبمثلها لأفراد اليكيجرية ولبقية الخدمة بمائة ولرئيس الخدمة بثلاثمائة ولمحاضرة المحكمة الشرعية بمائتين وبمثلها ليسقيّة المحكمة ولكتخدا الجاويشية بستمائة ولكاتب العربي بأربعمائة وبمثلها لترجمان الديوان وبمثلها لأمين الجاويشية ولجاويشية الديوان بستمائة. فهذا آخر ما وجدته في الرقعة الآنفة الذكر. أحوال ولاة الدولة العثمانية في أيامنا وأما أحوال الولاية في زماننا فإن والي حلب يكون وزيرا أو مشيرا أو باشا. وكان يندر قبل الانقلاب الدستوري أن يكون بيكا أو أفنديا أما بعده فأكثرهم يكون بيكا وأفنديا، وينتقل إليها من جميع ولايات الدولة العثمانية كبغداد والحجاز ودمشق وغيرها. وكثير من الولاة الذين تولوا حلب انتقلوا منها إلى الصدارة العظمى أو من الصدارة إليها وولاية حلب في تلك الأيام بالنسبة إلى بقية الولايات العثمانية تعد من الصنف الأول. كيف يكون استقبال الوالي وكانت العادة جارية عندنا قبل وجود القطار الناري أن الوالي حينما يجيء إلى حلب يخرج لاستقباله جماعة من وجهاء البلدة وأعيانها وأمراء حكومتها. فمنهم من كان يصل إلى الإسكندرونة ومنهم من ينتظره في جهات العمق ومنهم من يستقبله إلى بعض القرى القريبة من حلب ومنهم من يستقبله إلى بعد ساعة أو ساعتين. وربما وجد بين من يستقبلونه إلى الإسكندرونة واحد يفتح له ولمن معه مطبخا سيّارا حتى يصل إلى حلب فإذا لم يوجد

هذا قام بضيافته أكابر القصبات «1» والقرى الموجودة على طريقه وبعض الولاة لا يقبل أن يكون في ضيافة أحد فينفق من ماله كل ما يحتاجه في الطريق المذكور. وعلى كل حال فإنه قبل أن يصل إلى حلب بنحو ساعتين يخرج لاستقباله قائد العسكرية المعروف بالفريق وبقية أمرائها ومعهم الأجناد السلطانية مشاة وفرسانا وفيهم الموسيقى العسكرية فإذا وصلوا إلى أرض الحلبة نزل الوالي ومن معه من الأمراء والأعيان إلى خيم معدّة لهم فجلسوا فيها برهة وشربوا المرطبات وقهوة البن. ثم قام الوالي وركب هو ومن معه وتقدمه أصحاب الرتب والمناصب على حسب مراتبهم بحيث يكون الأقرب إليه أعظمهم رتبة وقد تقدمهم عساكر الجندرمة «2» ومشى حول الوالي جماعة من فرسان العسكر ووراءه جم غفير من فرسان العسكر ماشين بالصف والترتيب ثم من ورائهم العساكر المشاة على الصف والترتيب أيضا وفي الغالب أن يكون عددهم ثمانمائة عسكري وفي مقدمتهم الموسيقى العسكرية تعزف بالألحان المطربة فيسيرون هكذا حتى يصلوا إلى دار الحكومة وحينئذ تطلق المدافع من القلعة وعددها واحد وعشرون مدفعا وينزل الوالي ومن معه من الأكابر والأمراء ويصعد الدرج إلى الصالون وأمامه ياوره أي حاجبه ويتبعه إلى أن يدخل حجرته فيجلس على كرسيه ويجلس معه عن يمينه القاضي، ثم أصحاب الرتب والمناصب مرتبين عن يمينه ويساره على حسب رتبهم ويقبل عليه قناصل الدول ومن لم يكن في استقباله من الأعيان والكبراء والموظفين والأمراء فيوفونه حق السلام وينئونه بسلامته ويدار عليهم الشراب الطهور وقهوة البن ثم ينهض لمكانه الذي هو محل سكناه مع عائلته. وقد عهدنا الولاة أنهم كانوا يسكنون في دار بني الجلبي السفلى التي هي الآن محل دوائر العدلية ثم لما أسست العدلية واستعملت الدار في دوائرها صار الولاة يسكنون دورا بالأجرة إلى أن اشترت البلدية جنينة بيت الناقوس غربي الكتّاب وعمرت فيها مكانا باشارة والي حلب إذ ذاك جميل باشا فسكن فيها المذكور ومن بعده من الولاة بأجرة معينة يدفعونها للبلدية.

موكب الولاة في صلاة الجمعة

موكب الولاة في صلاة الجمعة ومما كانت جارية عليه عادة ولاة زماننا أن يصلّوا أول جمعة في الأموي الكبير في المقصورة التي كانت على يمنة المنبر. وبعد الصلاة يخلعون على خطيبه جبّة من الجوخ. وبقية الجمع يصلّونها في أي جامع أرادوا. وفي يومي العيدين يصلّون صلاتهما في الأموي المذكور ويخلعون على الخطيب جبة جوخ كأول جمعة ثم ينهض الوالي ومن معه من الأعيان والأمراء والموظفين وكلهم بالألبسة الرسمية المختصة يرتبهم. ومن كان عنده وسام علّقه على صدره ويخرج من باب سوق الطيبية مارا على الجردكية ثم على خان الوزير ثم على العصرونية فجامع الحيات ثم ينعطف إلى جهة دار الحكومة وهناك تكون العساكر السلطانية مصطفة إلى قرب باب دار الحكومة لتلقّي سلامه وقد مشى أمامه أصحاب الرتب والمناصب على الترتيب المتقدم في موكب استقباله إلى أن يصل إلى دار الحكومة فتطلق المدافع من القلعة وينزل هو ومن معه ويصعد إلى درج الصالون ويدخل في حجرته وبقية الاحتفال كبقية احتفال يوم مجيئه من السفر على ما قدمناه ثم ينهض ويتوجه إلى داره وهناك يقبل لمعايدته أحبابه وأصدقاؤه على صفة غير رسمية. موكب قراءة التقليد ومما جرت به عادة الولاة أيضا أنهم بعد مجيئهم حلب بثلاثة أيام يقرءون تقليدهم المعروف بالفرمان فينزل الوالي في ذلك اليوم إلى دار الحكومة بالموكب المذكور ويخرج التقليد من خريطة معه ويقبله ويدفعه لمن اختاره من كبار الكتبة فيتناوله الكاتب ويقبله ويفتتح بقراءته بصوت مرتفع واقفا في جانب الوالي على قرص درج الصالون الموجه إلى الجنوب وفي جانبه القاضي والمفتي وأصحاب الرتب والمناصب والموظفون والرؤساء الروحانيون ورئيس الحاخامين ويكون الناس والعساكر وجماعة الموسيقى وقوفا في ساحة دار الحكومة وحينما يشرع المكاتب بقراءة التقليد تطلق المدافع من القلعة فإذا فرغ من قراءته بدر الوالي إلى خطبة من كلامه تشتمل على الدعاء للسلطان وعلى ذكر نواياه الجميلة في الولاية والامتنان من سكانها. وبعد أن يتم كلامه يفتتح المفتي بدعاء للسلطان ويتلوه المطران

ذكر ما كان في باطن حلب وظاهرها من الحمامات

ثم الحاخام. وبعد الفراغ من هذه الأدعية تعزف الموسيقى العسكرية بألحانها عدة فصول ثم يصبح العساكر بلسان وصوت واحد قائلين باديشاهم جوق يشا «1» . ثم ينفض الجمع ويباشر الوالي وظيفته. ثم إنه لا بد وأن يجري في كل سنة موكبان أحدهما يكون احتفالا بميلاد الحضرة السلطانية وثانيهما احتفالا بالجلوس وفي كل منهما تزين ليلا أبواب الدوائر الرسمية ومنازل الموظفين وجادة باب الفرج وتنور بالقناديل وتحرق الألعاب النارية وتعزف الموسيقى العسكرية وآلات الطرب إما في ميدان الجادة المذكورة وإما في جنينة البلدية التي هي محل سكنى الوالي. ويخرج ألوف من الناس للتفرج وتكون ليلة حظ وطرف ثم بعد الانقلاب الدستوري بطل في هذين الاحتفالين إحراق الألعاب النارية وقل تنوير الأبواب. هذا وإننا لم نرسم هنا جدولا في أسماء عمال حلب وكفّالها وولاتها، نظير جدول قضاتها، استغناء عنه بذكر أسمائهم في سني تعيينهم كما ستراه في باب الحوادث إن شاء الله تعالى. ذكر ما كان في باطن حلب وظاهرها من الحمّامات نذكر هنا ما كان في باطن حلب وظاهرها وبساتينها ودورها من الحمامات في القرن السابع حسبما صرح به أبو ذر صاحب كتاب كنوز الذهب نقلا عن ابن شداد: قصدنا من ذكر هذه النبذة التمهيد للكلام على عدد سكان مدينة حلب في القرون السالفة التي هي قبل القرن العاشر فإننا لم يمكننا الوقوف على عدد سكان مدينة حلب في تلك القرون إلا بطريق الاستنباط من عدد ما كان في حلب من الحمامات وغيرها كما ستقف عليه. على أن ذكرنا هنا الحمامات التي كانت في تلك القرون لا يخلو من فوائد تاريخية أقلها معرفة اسم بعض ما يظهر من أطلالها في الأسس ونسبة طلل الحمام إلى صاحبه فإن كثيرا من العمائر يظهر في أسسها أطلال حمامات وآثارها كالأبازن «2» ومجاري المياه والأقاليم ولا يعرف لها اسم ولا من هو صاحبها.

الحمامات التي كانت في باطن مدينة حلب

قال أبو ذر ما خلاصته: اعلم أن حلب كانت كثيرة الخلق والدليل على ذلك كثرة مساجدها وحماماتها. فقد ذكر ابن شداد الحمامات التي أدركها في زمانه في باطن حلب وظاهرها ودورها وبساتينها فقال: الحمامات التي كانت في باطن مدينة حلب (1) الحمام الجديد (2) السلطان على حافة الخندق (3 و 4) بالمعقلية أحدهما حمام ازدمر (5 و 6) لمحيي الدين (7 و 8) ابن العديم داخل باب النصر ويعرفان بالنجاشي كافل حلب- قلت يعرف أحدهما الآن بحمام القاضي- (9 و 10) للناصح (11 و 12) الفوقاني (13 و 14) القاضي جمال الدين (15) حسام الدين بباب الأربعين (16) الواساني (17 و 18) علي بالمدبغة (19 و 20) الست (21) الحدادين (22) القبة (23) الزجاجين (24 و 25) السباعي (26) بدرب أتابك (27) العفيف برأس الدلبة (28) الشريف (29) حمام الوزير (30) الشماس (31) الوالي بالجلوم (32) الصفي بالعقبة (33) الحاجب (34) القاضي بهاء الدين بباب العراق (35) الذهب وقف على الفقراء (36) شمس الدين لولو من أوقاف السفاحية (37 و 38) ابن عصرون في سويقة حاتم يعرف أحدهما بالأبارين (39) العوافي بباب الجنان وقف المدرسة الشرفية (40) حمام هناك صار محلا لدق الرز (41 و 42) السرور (43) الكاملية (44 و 45) «1» ابن الخشاب (46) ابن العجمي في بحسيتا وقف المدرسة الشرفية (47) ابن الملك المعظم (48) الشريف عز الدين بدرب الخراف (49) ابن نصر الله (50) الفسيتقة بالقرب من خندق القلعة في جهة الغرب (51) الفصيصي (52) ابن الأثير (53 و 54) السابق (55) برأس التل أيضا (56) العرائس (57 و 58) بالفرايين (59 و 60) بالقلعة صار أحدهما دار الضرب. الحمامات التي في الدور (62) بدار المعظم (62) بدار جمال الدولة (63) بدار شمس الدين لولو (64) بدار علاء الدين طاي بغا (65) بدار الأمير سعد الدين ابن الدرويش (66) في دور بني الخشاب (67) بدار الشريف في قلعته (68) بدار طغر بباب الأربعين (69) بدار علاء الدين ابن

الحمامات في ظاهر حلب

الناصح بالتنانيرين (70) بدار سيف الدين الناصح برأس درب الخراف (71) بدار سيف الدين علي بن قليج (72) بدار عماد الدين أخيه (73) بدار بدر الدين الوالي (74) بدار الشريف الزجاج بقلعة الشريف (75) بدار نظام الدين الوزير في باب النصر (76) بدار أتابك (77) بدار جمال الدول إقبال الظاهري (78) بدار صارم الدين أزبك الظاهري (79) بدار حسام الدين علي بن بهاء الدين أيوب (80) بدار الصاحب جمال الدين الأكرم (81) بدار الرئيس صفي الدين طارق (82) بدار شهاب الدين بن علم الدين (83) بدار الملك رشيد (84) بدار الأمير سيف الدين بكتوت العزيزي (85) بدار صاحب شيزر (86) بدار نجم الدين الجوهري (87) بدار ابن تقا (88 و 89) بدار عماد الدين عبد الرحيم بن العجمي (90) بدار الجمال عثمان بن العجمي (91) عون الدين الحموي (92) بدار قيصر في درب العدول. الحمامات في ظاهر حلب حمامات الحاضر وهي (93) السوق (94) الركن (95) الكاملية (96) «1» الإدريسي (97) ابن الدرويش (98 و 99) القاضي (100 و 101) أسد الدين (102 و 103) بني عصرون (104) ابن الدرويش بحارة الحوارنة (105) الخان (106) الشهاب داود (107) العسقلاني (108) البدوية (109) بلدق (110) سلاح دار (111) الجوهري إنشاء سعد الدين ابن الدرويش (112) قرب دار حبيب الكردي (113 و 114) سوق التبن بالرابية (115) الظاهرية (116) طمان بالظاهرية (117) البغراصي بالظاهرية (118) جسر الأنصاري. الحمامات التي كانت بالمقام «في الصالحين» (119) شبل الدولة (120) النقيب (121) أمير جاندار (122) الخادم (123) الملك المعظم (124) فخر الدين الوالي (125) أمير حاجب (126) القصر (127) حسام الدين (128) طرنطاي الوزير (129) العميد يوسف (130) وقف الظاهرية.

الحمامات التي كانت في الياروقية «قرية الأنصاري»

الحمامات التي كانت في الياروقية «قرية الأنصاري» (131) الملك الظافر (132) عز الدين ميكائيل (133) ابن سنغري. الحمامات التي كانت في أرض الحلبة «محل حارة الجميلية» (134) شهاب الدين العجمي (135) فخر الدين إياس. الحمامات التي كانت في البساتين (136) ببستان تحت مشهد الدكة (137) ببستان ابن تليل الذهب (138) ببستان مشهد الحسين (139) ببستان شمس الدين خضر الوالي (140) ببستان الوزير ابن حرب (141) ببستان المضيق يعرف بابن حسون (142) ببستان النقيب محمد بن صدقة بالخناقية (143) ببستان الملك (144) بالخناقية أيضا (145) ببستان ابن عبد الرحيم (146) بستان الأزرق (147) ببستان تاج الملوك المعروف بالناصح (148) ببستان الرئيس صفي الدين طارق (149) ببستان ابن حرب المنتقل إلى قرطاي (150) ببستان الوالي (151) ببستان جمال الدولة (152) ببستان شمس الدين لولو (153) ببستان الشريف (154) ببستان بكتاش والي القلعة (155) ببستان فخر الدين الخشاب (156) بستان كافي اليهود بالهزازة (157 و 158 و 159) في بساتين السلطان. الحمامات التي كانت خارج باب أنطاكية (160) الجسر تجاه مدرسة الحاج أبي بكر (161) قيصر (162) الحافظي (163) عريف الصاغة. الحمامات التي كانت بالرمادة «قرب مسجد البختي» (164) الملاح (165 و 166) فخر الدين الوالي (167 و 168) جمال الدولة (169) بدر الدين بن أبي الهيجاء (170) بهاء الدين بن أبي الهيجاء (171) فخر الدين أخي شمس الدين لولو (172 و 173) بيانقوسا أحدهما لابن أبي الحصين والآخر يعرف بالمغارة.

ما يستنبط من كلام ابن شداد

انتهى ذكر الحمامات التي نقل أسماءها أبو ذر عن ابن شداد ولم نهمل منها سوى القليل وربما يبلغ عددها 175 حماما. ثم قال ابن شداد: وهذه الحمامات التي ذكرتها بحسب ما وصل إليه علمي وفارقت عليه بلدي في سنة 657 وهي على هذه الكثرة لا تكفي أهل حلب ولقد بلغني أنها في العصر الذي وضعت فيه هذا الكتاب دون العشرة. إن في ذلك لعبرة لمن يتفكر أو يخشى وتذكرة يتحقق بها القدرة على الفناء بعد المنشأ. اه. كلام ابن شداد. ما يستنبط من كلام ابن شداد ابن شداد هذا هو محمد بن إبراهيم بن علي الحلبي. ولد ففي حلب سنة 613 وسافر إلى القاهرة سنة 657 وفيها كانت وفاته سنة 684. ولا شك أن سفره إلى القاهرة كان هربا من التتار الجنكزية الذين زحفوا على حلب في أواخر هذه السنة. والذي يمكن استنباطه من عبارته السابقة أن هؤلاء التتار قد خربوا حلب على آخرها وأنه لم يبق من مبانيها سوى القليل الذي من جملته عشر حمامات. على أن بقاء القليل من هذه المباني ربما كان عن غفلة من التتار لا عن قصد. وإنّ أهل حلب قد عمهم الفناء وأقفرت منهم المنازل كما ألمعنا إلى ذلك في الفصل الذي عقدناه تحت عنوان (زحف التتار على مدينة حلب وتشتت شمل أهلها) ، في الكلام على (النصارى في حلب بعد الفتح الإسلامي) . عدد سكان مدينة حلب في أواسط القرن السادس ومما يستنبط من عدد الحمامات التي ذكرها ابن شداد أن عدد سكان مدينة حلب في أواسط القرن السادس أي قبل زحف التتار عليها لا يقل عن 650000 نسمة أي ستمائة وخمسين ألفا. بيان ذلك أن الحمامات الموجودة الآن في حلب اثنان وأربعون حماما. فإذا فرضنا أن عدد سكان حلب في أيامنا هذه يبلغ نحوا من مائتي ألف نسمة وقسمنا هذا العدد على اثنين وأربعين حماما لحق كل حمام منها نحو من 4762 نسمة تقريبا فإذا اعتبرنا الحمامات التي عدها ابن شداد في باطن حلب وظاهرها فقط (أي عدا حمامات الدور) 140 حماما

عدد سكان حلب في أواخر القرن العاشر

وخصصنا بكل حمام 4762 إنسانا لظهر لنا أن عدد سكان حلب في ذلك التاريخ كان 666680 نسمة عدا الأسر التي كانت تقتصر على حمامات دورها. على أن حمامات حلب الآن التي هي 42 حماما تزيد على كفاية سكان حلب فضلا عن كونها غير كافية لهم فإن الكثير منها يشكو أصحابها الكساد وقلة الوارد مع أنه لا يستعمل منها سوى خمسة أو ستة أبازن «1» وذلك أقل من نصف ما فيها من الأبازن فإن كل حمام يشتمل على اثني عشر أبزنا ومن الضروري أن تكون أبازن الحمامات التي عدها ابن شداد كانت تستعمل كلها ولا تفي بحاجة أهل حلب كما هو صريح عبارة ابن شداد. عدد سكان حلب في أواخر القرن العاشر لم أظفر بقول صريح أستبين منه عدد سكان مدينة حلب فيما مضى من القرون السابقة على القرن العاشر، سوى أني قرأت في تذكرة دارفيو كلاما يستفاد منه أن عدد سكان حلب في أواخر القرن العاشر يتراوح بين 285 و 295 [ألف] «2» نسمة من كل جنس وملة من ذلك (40) ألفا نصارى و (20) ألفا يهودا. والباقي مسلمون. وقال دارفيو في موضع آخر من تذكرته في أثناء كلامه على ما يستهلك في أيامه في حلب من المآكل كاللحوم والبقول التي حملته كثرتها على الاستغراب: لا جرم أن تستهلك هذه المقادير العظيمة من المأكولات في مثل هذا البلد العظيم الذي هلك من أهله في الطاعون الذي دهمه سنة 1080 مائة ألف نسمة، ثم شوهدت أزقّته بعد ثمانية أيام من انقضاء الطاعون غاصة بالناس كما كانت قبلا بحيث لم يظهر فيها هذا النقص العظيم. عدد سكان حلب سنة 1237 ذكر في كتاب اللغات التاريخية والجغرافية التركي العبارة في باب الحاء في الكلام على حلب، أن عدد أهلها قبل زلزال سنة 1237 كان نحوا من أربعمائة ألف. أما الآن يعني سنة 1298 فهو نحو من 120 ألف نسمة.

إحصاء عدد سكان حلب في أيام الحكومة العثمانية

إحصاء عدد سكان حلب في أيام الحكومة العثمانية في سنة 1264 أمرت الحكومة العثمانية نامق باشا بالسفر إلى حلب لأجل إحصاء عدد سكانها فحضر إليها وأحصى سكانها الذكور دون الإناث. ونحن لم نطلع قبل هذا الإحصاء على غيره في أيام الحكومة المذكورة. والظاهر أن الناس كانوا في تلك الأيام يمتنعون عن تسجيل أسمائهم في سجلات الحكومة فرارا من الجندية وتخلصا من الضرائب التي كانوا يتخوفون من طرحها. ولذا كان إحصاء النفوس في تلك الأيام أمرا يحق له الاهتمام وأن يندب إليه أحد أعاظم الرجال. وكان الناس بعد رضائهم بتسجيل أسمائهم يرون من العار تسجيل أسماء نسائهم فكان يصعب على الرجل جدا أن يصرح باسم زوجته أو ابنته أو أخته ولهذا لم تتمكن الحكومة إلا من إحصاء عدد الرجال فقط في هذا الإحصاء والإحصاء الذي كان بعده سنة 1278. ثم في سنة 1299 تمكنت من إحصاء عدد النوعين وكانت أفكار الناس قد تنورت قليلا وأدركوا أن لا عيب ولا حيف في تسجيل أسماء نسائهم في سجلات الحكومة. وفي سنة 1310 وقع إحصاء آخر. ثم في سنة 1320 وقع إحصاء خامس وهو آخر إحصاء كان في أيام الحكومة العثمانية. على أن نتيجة جميع هذه الإحصائيات قريبة من بعضها فإن عدد سكان حلب في جميعها كان يتراوح بين 100 و 128 ألف نسمة ما بين ذكر وأنثى. وهذا بيان في عدد سكان مدينة حلب وسكان ملحقاتها حسب الإحصاء الواقع في سنة 1310 وهو: مدينة حلب (101031) قضاء كلز (72066) قضاء إسكندرون (11755) قضاء أنطاكية (61193) قضاء الشغر (25507) قضاء المعرة (4577) قضاء عينتاب (80938) قضاء بيلان (8588) قضاء جبل سمعان (21131) قضاء الرقة (4802) قضاء حارم (25261) قضاء الباب (22030) قضاء منبج (6466) قضاء إدلب (47029) قضاء أورفه (57108) قضاء البيرة (21859) قضاء قلعة الروم (22836) قضاء سروج (17308) قضاء مرعش (52292) قضاء البستان (39746) قضاء الزيتون (16518) قضاء بازارجق (18051) قضاء أندرين (16600) .

فمجموع سكان ولاية حلب بمقتضى هذا الإحصاء (764702) الذكور منهم (391479) والإناث (373223) نسمة. وهذا العدد دون حقيقته بكثير، فإن العدد المكتوم لا يقل عن ثلثه حاشا الأعراب والتركمان والرحل النزل الذين يتجولون في ولاية حلب ومفاوزها فإنهم لم يسجل من أسمائهم خمسة في المائة. لا جرم أن التسجيل لو كان عاما مستوعبا جميع سكان حلب وملحقاتها لما كان يقل مجموعه عن مليون وزيادة. وهذا جدول في إحصاء سكان دولة حلب سنة 1922 م/ 1340 هـ: مدينة حلب الذكور 46238 3586 1747 1178 612 1396 237 912 343 394 239 3150 9300 1810 4102 الإناث 51362 3895 1875 1199 614 1408 336 985 370 459 242 330 10707 842 3690 الأمة «1» إسلام روم كاثوليك أرمن كاثوليك سريان كاثوليك روم أرثودكس أرمن أرثودكس سريان أرثودكس موارنة كلدان لاتين بروتستانت موسوي غرباء أجانب غائبون الجمع قضاء جبل سمعان الذكور 21766 801 85 الإناث 25571 700 70 الأمة إسلام غرباء غائبون الجمع قضاء إدلب الذكور 20102 294 80 148 الإناث 21654 305 73 2 الأمة إسلام روم كاثوليك غرباء غائبون الجمع

قضاء المعرة الذكور 8801 63 1 8865 الإناث 9649 56 0 9705 الأمة إسلام روم أرتودكس غرباء الجمع قضاء حارم الذكور 10774 9 201 10984 الإناث 10782 6 101 10889 الأمة إسلام غرباء غائبون الجمع قضاء جسر الشغر الذكور 6976 471 17 403 78 236 8181 الإناث 7473 474 17 407 72 8443 الأمة إسلام روم أرتودكس أرمن أرتودكس لاتين غرباء غائبون الجمع قضاء عزاز الذكور 9998 411 4 10413 الإناث 11418 500 0 11918 الأمة إسلام غرباء غائبون الجمع قضاء كرد طاغ الذكور 10345 87 2 10434 الإناث 11319 70 0 11389 الأمة إسلام غرباء غائبون الجمع قضاء الباب الذكور 9995 3 37 1 1 57 235 10329 الإناث 12358 3 36 0 3 48 258 12706 الأمة إسلام روم أرثودكس أرمن أرثودكس سرسان أرثودكس كلدان موسوي غرباء الجمع

قضاء منبج الذكور 8167 524 156 8847 الإناث 9729 457 128 13014 الأمة إسلام رغباء غائبون الجمع قضاء جرابلس الذكور 8025 5 18 10 2 319 5 1 8 5 1 8 8407 الإناث 8275 3 20 3 0 191 2 0 1 6 0 5 8506 الأمة إسلام روم كاثوليك أرمن كاثوليك سريان كاثوليك روم أرتودكس أرمن أرتودكس سريان أرتودكس موارنة كلدان لاتين بورتستانت موسوي الجمع لواء دير الزور 5614 38 73 27 38 5790 5930 44 72 19 33 إسلام أرمن كاثوليك سريان كاثوليك أرمن أرثودكس غرباء الجمع قضاء بوكمال الذكور 495 الإناث 492 الأمة إسلام قضاء الميادين الذكور 1343 الإناث 1409 الأمة إسلام قضاء الرقة الذكور 761 الإناث 822 الأمة إسلام تنبيه: لم يحص من لواء الزور في هذا الجدول سوى سكان مركز اللواء أي مدينة الدير، وسوى سكان مراكز الأقضية التي هي بوكمال والميادين والرقة. وأما بقية سكان هذه الأقضية فإن إحصاءهم يكاد يكون متعذرا لأنهم أعراب رحّل نزّل.

موظفو الحكومة في مدينة حلب وولايتها أيام الدولة العثمانية

والأقضية الثلاثة وهي قضاء أنطاكية وقضاء إسكندرون وقضاء بيلان لم يباشر إحصاء سكانها حتى الآن فهي غير داخلة في هذا الجدول. وينبغي أن يعول في إحصاء سكانها على البيان السابق ريثما تحصى من جديد. ثم إن عدد الغرباء في حلب المبين في الجدول هو دون حقيقته فقد علمنا عن يقين أن عدد مهاجري الأرمن الآن في حلب يبلغ نحو ستين ألفا وعدد المهاجرين من بقية الأمم كالسريان القادمين من ماردين وأطرافها والأتراك المهاجرين عن بعض بلاد الأناضول فرارا من الجندية يزيد على عشرة آلاف نسمة. لا جرم أن الإحصاء الأخير لو كان مدققا لبلغ عدد سكان حلب نحو مائتي ألف وزيادة. موظفو الحكومة في مدينة حلب وولايتها أيام الدولة العثمانية الحكومة في الولايات أيام الدولة العثمانية تطلق على مجموع من المستخدمين يتألف من جندية سيأتي الكلام عليها، ومن ملكية هي: مجلس الإدارة في مركز كل من الولاية واللواء المعروف بالسنجق والقضاء المعروف بالقائمقامية، مجلس كان يعرف بالمجلس الكبير وكان قبل أن تشكل العدلية يتطفل على وظيفة القاضي فيتعرض في بعض الأحيان لفصل الخصومات وينظر في مسائل الحقوق والجنايات. ثم لما شكلت العدلية سمي مجلس الإدارة واقتصر على النظر في الأمور العمومية المتعلقة بأحوال المأمورين ومصالح الولاية واللواء والقضاء وجباية الأموال العشرية والمرتبات الأميرية والنظارة العامة على جميع الدوائر الملكية فيما ليس له تعلق وارتباط بالحقوق والجنايات المختصة بمحاكم العدلية والمحكمة الشرعية. رئيس هذا المجلس في مركز الولاية هو الوالي وأعضاؤه الطبيعية (وهم الذين لا تكون عضويتهم بالانتخاب كل سنة) . النائب أي القاضي. والدفتر دار أي ناظر مال الولاية، والمكتوبي، والمفتي، ومأمور الدفتر الخاقاني أي مأمور تسجيل الأملاك ومدير الأوقاف وهو والمأمور المذكور قبله يحضران المجلس حين المذاكرة بما يتعلق بدوائرهما فقط.

محاسبة الولاية

والأعضاء المنتخبة لهذا المجلس ستة ثلاثة مسلمون ونصرانيان ويهودي. ويتناوب الترداد على المجلس رئيس كل طائفة من الطوائف المسيحية، والغالب أن يكون مطران الطائفة وهو من جملة الأعضاء الطبيعية. ولهذا المجلس جمعية لمحاكمة المأمورين الصغار الذين يكون تعيينهم دون إرادة سنية أي غير مقرون بأمر سلطاني. وتسمى هذه الجمعية الهيئة الاتهامية رئيسها القاضي والمدعي العام فيها أحد أعضاء المجلس المنتخبة ولها من أعضائه أيضا عضوان مسلم ونصراني ولها مستنطق وكاتب ضبط. وهذا إحصاء في بيان عدد المواد التي قام بها هذا المجلس سنة 1318 رومية 1321 هجرية: عدد المواد 2375 الأوراق المحولة إلى مجلس الإدارة 2153 الأوراق الصادرة من المجلس تحت قرار 846 المضابط المحررة من المجلس إلى الدوائر العليا وغيرها 5 الإعلامات المحررة من دائرة محاكمات المجلس 30 المضابط المحررة في دخول العساكر المتطوعة 5409 محاسبة الولاية وظيفة هذه الدائرة ضبط الدخل والخرج ورئيسها الدفتردار. ولها مميّز دون الدفتر دار وكاتب واردات ومعاون له وكاتب المعاملة الجارية ومقيد واردات اللواء ورفيق له وكاتب يومية ورفيقان ومقيد نفقات ومعاونان له ومسجل قيودات ومقيد نفقات اللواء ومعاون له ومقيد نفقات المركز. ومعاونان. وكاتب حساب العدلية وكاتب المصالح الجارية ومعاونان ومقيد أوراق ومعاونان وصاحب دفتر ورفيق له وأمين صندوق. وهاك الميزانية المالية المتعلقة بهذه الدائرة وتعرف بالبودجة «1» وهي ميزانية سنة خمس وثلاثمائة وألف رومية «2» :

رسم الأملاك والعقارات/ رسم التمتّع/ أسماء الأقضية غروش/ غروش 1842195/558627/حلب 477359/401050/أنطاكية 537624/557646/عينتاب 628495/249800/كلس 442000/151000/إدلب 244269/28169/الباب 259000/100000/جسر الشغر 294500/135000/حارم 326245/45750/المعرة 65050/74735/بيلان 97352/101470/إسكندرون 88676/000/منبج 230003/000/الرقة 256345/000/جبل سمعان 177500/450000/مرعش 175000/367000/البستان 45000/20000/زيتون 77000/63000/أندرين 150000/288001/بازارجق 358159/546173/أورفه 200849/61667/البيرة 179319/117474/قلعة الروم 245185/124754/سروج

أعشار السنة المذكورة الأعشار التي تلزم مقطوعا/ الأعشار التي تجبى أمانة/ أسماء الأقضية غروش/ غروش 140000/100000/حلب 1577241/235540/أنطاكية 1800133/عينتاب 2200000// كلّس 1520071// إدلب 1130345// الباب 830000// جسر الشغر 1200000// حارم 956522// المعرة 210000// بيلان 427459// إسكندرون 225000/75000/منبج 230003// الرقة 1087000// جبل سمعان 915000// مرعش 790000// البستان 210001// زيتون 325000// أندرين 360000// بازارجق 1550368// أورفه 563071/43478/البيرة 609719// قلعة الروم 586912// سروج

الجزية/ رسوم الأغنام/ أسماء الأقضية غروش/ غروش 508756/125000/حلب 139589/174266/أنطاكية 299895/273024/عينتاب 60640/600000/كلّس 12300/200000/إدلب / 700000/الباب 64000/170000/جسر الشغر / 240000/حارم 638/470000/المعرة 24436/123000/بيلان 30585/57555/إسكندرون / 340000/منبج / 450000/الرقة / 750001/جبل سمعان 310000/255000/مرعش 30000/370000/البستان 190000/180000/زيتون 57003/220000/أندرين / 265000/بازارجق 227148/1129258/أورفه 23111/142198/بيره جك 12259/237487/قلعة الروم 703/766280/سروج

رسم الجمال سنة 1304 غروش 740000 عشائر أورفة 4770 التجار 18040 مسلخ حلب غروش 5580 المعرة 15650 منبج 48690 أورفة الرسومات المتنوعة عن سنة 1305 رومية غروش 577200 رسوم القبان 152884 الذبحية مع صيدية سمك 65970 رسم الكيل 602 بدل القوجانات الضائعة 192275 بقية الرسومات 200503 ثمن تذكرة الأملاك التي لها قوجان 500 الجزاء النقدي 3380 أسكونطو نقدية غروش 2135 محاصيل اللقطة 58045 محاصيل النفوس 3122421 حصة المعارف والمنافع من الأعشار 32426 فوائض الأعشار 39932 الاستردادات 7076 عشر المعاش 189465 عوائد تقاعد الصندوق 25134 بقية المحاصيل بيان جمع الجموع غروش 7425125/جمع رسم الأملاك والعقارات 44399589/جمع رسم التمتع 1943843/جمع الأعشار المقطوعة 454018/جمع الأعشار التي جبيت أمانة 1991063/جمع الجزية عن حلب وتوابعها من الأقضية والألوية 19463069/جمع رسم الأغنام 832730/جمع رسم الجمال عن سنة 1304 4559908/جمع الرسومات المتنوعة 58320349/الجمع

ارتفاع مدينة حلب أيام الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين يوسف الأيوبي

هذا جميع دخل الولاية الذي أخذ بواسطة قلم المحاسبة عن سنة 1305 إلا رسوم الجمال فإنها عن سنة 1304 وأما خرج الولاية النافذ بواسطة الدائرة المذكورة فقد بلغ في هذه السنة أعني سنة 1304 هذا المبلغ وهو 114161852 قرشا. «قلم المحاسبة هذا هو الذي كان يطلق عليه في أيام الحكومة العثمانية لفظة المالية وصندوقه هو الذي كان يطلق عليه اسم الخزينة الجليلة» . ارتفاع مدينة حلب «1» أيام الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين يوسف الأيوبي قال ابن شداد: ذكر منتخب الدين أبو زكريا يحيى بن أبي طي النجار الحلبي في الكتاب الذي وضعه في تاريخ حلب وسماه عقود الجواهر في سيرة الملك الظاهر: حدثني كريم الدولة بن شرارة النصراني، وكان مستوفي حلب، أن ارتفاع عمل حلب سنة تسع وستمائة في أيام الملك الظاهر- دون البلاد الخارجة عنها والضياع والأعمال- يبلغ ستة آلاف ألف وتسعمائة ألف وأربعا وثمانين ألفا وخمسمائة درهم. قال: ومما أحطت به علما في أيام الملك الناصر أن ارتفاعها على القاعدة في الارتفاع في آخر دولته مع حلوله بدمشق وخلو حلب منه، يقبص «2» له على ما يفصّل: دار كورة (ألف ألف ومائتا ألف) العشر (ستمائة ألف) الوكالة (مائتا ألف) سوق الخيل والجمال والبقر (ثلثمائة ألف وثمانون ألفا) دار كورة الجوانية (ثلثمائة ألف وخمسون ألفا) البطيخ (مائة ألف) دار كورة البرانية (ثمانون ألفا) العنب (كذا) الحصر (خمسون ألفا) المدبغة (مائة ألف وخمسون ألفا) دكة الرقيق (مائة ألف) صبغ الحرير (ثمانون ألفا) سوق الغنم (أربعمائة ألف وخمسون ألفا) سوق التركمان للغنم (ثلثمائة ألف) عرصة الخشب (خمسون ألفا) ضمان الأوتار (أربعون ألفا) المسابك (خمسة آلاف) البيلونة (عشرون ألفا) سمسرة الخضر (عشرون ألفا) البساتين (خمسون ألفا) دار الضرب (مائة ألف) الدباغ (أربعمائة ألف) الحكورة (مائة ألف) ذخيرة الحطب

قلم المكتوبي

والفحم (عشرون ألفا) المصابن (عشرة آلاف) عداد العرب (مائة ألف) الملح المجلوب (ثلثمائة ألف وخمسون ألفا) المسالخ (مائة ألف) الاختبار بخان السلطان (مائة ألف) القلي (عشرون ألفا) الساسة (مائة ألف) عداد التركمان (مائة ألف وخمسون ألفا) وغنم ثلاثون ألفا قيمتها (ستمائة ألف) الخوابي (مائة ألف) الفرح واللطف (ستمائة ألف) خان السلطان (ثمانون ألفا) السجون (ستون ألفا) تجزية الذمة (عشرون ألفا) النيل (عشرون ألفا) الصابون (خمسون ألفا) الحديد (خمسون ألفا) القنب (خمسون ألفا) الحرير (ثمانون ألفا) الحراج (ثلاثون ألفا) ضمان المزابل (عشرة آلاف) المواريث الحشرية تقديرا لا تحريرا (ثلثمائة ألف) درهم. قلم المكتوبي وظيفته كتابة ما يأمر به الوالي من الكتب والرسائل إلى العاصمة وملحقات الولاية. وقد ينوب رئيسه المعروف بالمكتوبي عن الوالي بالتوقيع على القصص المعروفة باسم عروض الحال «1» واحدها عرضحال. رئيس هذا القلم المكتوبي وكان يسمى سردارا وله معاون، ورئيس مسودين وهم ستة ونحو خمسة عشر مبيضا. قلم مجلس الإدارة وظيفته كتابة ما يقرره المجلس المذكور وتقييد ما ينفذ إليه من الأوامر والمراسلات. وله كاتب أول وثان ومقيد وأربعة كتاب. قلم الأوراق وظيفته حفظ الأوراق التي تقدم لبعض دوائر الملكية وتوزيعها على محالّها وله مدير وستة كتاب. وهذا إحصاء في بيان عدد المخابرات الواردة بواسطة هذا القلم إلى مقام الولاية والصادرة منه سنة 1318 رومية الموافقة سنة 1321 هـ.

عدد الوارد/ عدد الصادر 12/13/مقام الصدارة 597/344/نظارة الداخلية 108/116/نظارة المالية 78/82/نظارة الأوقاف 794/823/بقية الدوائر العالية 307/318/الولايات ومشيريات الفيالق 1168/209/مشيرية الفيلق الخامس 3706/1132/قيادة فوق العادة والنظامية وباقي المحلات 40/47/متصرفية الزور 587/607/متصرفية مرعش 582/744/متصرفية أورفة 429/543/قضاء عينتاب 456/629/قضاء كلّس 327/470/قضاء إسكندرونة 331/445/قضاء إدلب 290/347/قضاء حارم 720/269/قضاء بيلان 251/277/قضاء المعرة 333/768/قضاء الباب 260/200/قضاء الرقة 363/540/قضاء جبل سمعان 364/513/قضاء منبج 000/431/أوامر عمومية إلى ملحقات الولاية 81/41/نظارة الديون العمومية بحلب 81/21/نظارة الريجي بحلب 2526/4567/مخابرات الولايات الشاهانية بالتلغراف والملحقات 7889/000/عروض حال 28236/15971/الجمع

أوضة الترجمة

أوضة الترجمة وظيفتها تبليغ أوامر الوالي قناصل الدول، وتقديم رسائل القناصل إلى الوالي وحفظ أسماء التبعة الأجنبية ولها ترجمان وكاتب وملازمان. إدارة الأملاك وظيفتها تسجيل كل ملك على صاحبه بعد أن يسجل عليه في دائرة الدفتر الخاقاني المعروف باسم (طابو) وأن تقدر قيمة الملك ليؤخذ عليه الرسم المعلوم المعروف باسم (ويركو) ولها مدير وكاتب ميزان وكاتب لكل دائرة من دوائرها الأربع وثلاثة رفقاء وملازمان وصاحب دفتر ولها مخمنان من البلدة يخدمان نصف السنة مجانا، وفرقة سيارة مؤلفة من محرر أول وثان ومقيدين ومسّاحين. إدارة البرق والبريد هي الدائرة التي كانت في أيام الحكومة العثمانية تعرف بدائرة البوستة والتلغراف. لها مدير أول ومفتش ومعاونان وكاتب أول للمدير الأول ورفيق له وكاتب محررات ومدير مركز ورفيق له ورئيس مخابرات وعشرة مخابرين باللغة التركية وثلاثة تلامذة، وأربعة مخابرين باللغة الفرنسية ومصلح آلة ومدير بريد في المركز وكاتب ومقيّد. وإليك ميزانية هذه الدائرة عن سنة 1305 رومية ويدخل فيها ميزانية ولاية آدنة لأن إدارتها منوطة بالمدير الأول الذي مركزه في حلب، وهي: الدخل 3176580 والخرج 1363649 والفضلة 1812931 قرشا. أما عدد المراكز التلغرافية في ولاية حلب فهي: حلب واسكندرونة، وكل منهما يخابر باللغة التركية والعربية والفرنسية واللغات الأجنبية. وإدلب والمعرة وأنطاكية وجسر الشغر وقرية عمر آغا في العمق قرب الحمام وكلّز وعينتاب ومرعش والبستان والبيره وأورفه وجوبان بك، وكلها تقتصر على المخابرة باللغة التركية والعربية.

إدارة الأوقاف

إدارة الأوقاف سنتكلم على وظيفة هذه الإدارة في الفصل الذي عقدناه تحت عنوان (الأوقاف وإدارتها) في الجزء الثاني. ونقول هنا: لهذه الدائرة رئيس يعرف باسم محاسب أو مدير وكاتب محاسبة وكاتبان وأمين صندوق، وهذه ميزانيتها عن سنة 1304 رومية: الدخل في حلب 490816 وفي الملحقات 355833 والخرج في حلب 144626 وفي الملحقات 80035 قرشا. نظارة النفوس وظيفتها تسجيل أسماء المواليد والوفيات وإعطاء تذاكر السفر وتقديم دفاتر إلى جهة العسكرية بأسماء الشبان الذين تبلغ أعمارهم حد الأخذ إلى الجندية. ولها ناظر وكاتب أول ومعاون. ودخل هذه الدائرة يسير يجمع من ثمن تذاكر النفوس الذي هو قرش واحد عن كل تذكرة. ومن ثم نتذاكر الطريق الذي هو عشرة قروش عن كل تذكرة ورواتب موظفيها تؤخذ من صندوق المال. إدارة الدفتر الخاقاني وتعرف باسم إدارة الطابو. وسميت في هذه الأيام بإدارة التمليك. وظيفتها تسجيل الأملاك المسقّفات والمستغلات على أسماء مالكيها والمتصرفين بها. وهي تأخذ على ذلك مقدارا معلوما من الرسوم وتسلمها لصندوق المال وتأخذ منه مرتباتها كالدائرة التي ذكرت قبلها والمستخدمون في هذه الدائرة هم مأمور وكاتب أول ومعاون له وكاتب أملاك وطابو. ولها لجنة مؤلفة من ثلاثة أعضاء تحت رئاسة القاضي وظيفتها استماع الإيجاب والقبول من المتبايعين وتدقيق معاملات انتقال الملك والعقار من المورث إلى الوارث. وهذه ميزانيتها عن سنة 1305 رومية باعتبار جميع الولاية: الدخل 486814 والخرج 436145.

المصرف الزراعي المعروف باسم بنك الزراعة

المصرف الزراعي المعروف باسم بنك الزراعة وظيفته النظر فيما ينفع الزراعة والفلاحة وإقراض المعوزين من الزراع نقودا لها فائض معلوم. وله مأمور وكاتب أول وأربعة كتاب وله مجلس إدارة له رئيس وكاتب وثمانية أعضاء مسلمون ونصارى ومن جملتهم مأمور المصرف ومفتش الزراعة. إدارة الغابات المعروفة باسم الأرمان وظيفتها النظر في الغابات الجبلية التي يقطع منها الخشب والحطب لتأخذ رسوما معلومة على المقطوع وتتداول فيما هو الأنفع للغابات. ولها مفتش وكاتب ومأمور يقال له أوندلق، وشحنتان يقال لهما قولجية. وهذه الإدارة والمصرف الزراعي الذي ذكر قبلها حادثان. قومسيون الجفتلك الهمايوني وظيفته النظر والبحث فيما ينفع الجفتلك والأملاك السلطانية الخاصة بالسلطان عبد الحميد. رئيس هذا القومسيون، أي اللجنة، الوالي. وأعضاؤه القاضي والدفتر دار ومدير الأملاك السنية. وقد تكلمنا على الجفتلك الهمايوني في حوادث سنة 1326 من الجزء الثالث فأغنى ذلك عن الكلام عليه هنا. لجنة النافعة «1» وظيفتها المذاكرة في إصلاح الطرق والمعابر ورئيسها الأول الوالي ولها رئيس ثان وكاتب وسبعة أعضاء مسلمون ونصارى وستة مهندسين أحدهم رئيس عليهم. لجنة تحصيل البقايا وظيفتها جباية مطاليب الدولة من ذويها. ورئيسها الوالي، ولها كاتبان وأربعة أعضاء: الدفتر دار ومدير الويركو ومدير الدفتر الخاقاني وأحد أعضاء مجلس الإدارة.

لجنة التحصيل العمومي

لجنة التحصيل العمومي وظيفتها جباية مطاليب الدولة في حين استحقاقها في ذمة ذويها رئيسها أمير اللواء العسكري ولها كاتب وأربعة أعضاء: قائد الجندرمة ومدير الويركو وعضوان من أعضاء مجلس الإدارة. لجنة تسجيل الأحوال وظيفتها تدقيق تراجم أحوال المستخدمين: ولها رئيس هو المكتوبي، وأعضاء وهم مميز المحاسبة ومميز المكتوبي ومدير الأوقاف. لجنة الأوقاف وظيفتها المذاكرة في الوظائف والجهات التي يأخذ أصحابها رواتبهم عليها من إدارة الأوقاف والنظر في دفاتر الحساب التي يقدمها المتولّون في دخل أوقافهم وخرجها والإشراف على الجوامع والمعابد التي هي تحت إدارة الأوقاف وتدقيق نفقاتها وما يصرف على تعميرها وتنويرها وفرشها وغير ذلك. رئيس هذه اللجنة هو المفتي وأعضاؤها ثلاثة منتخبون. دائرة البلدية وظيفتها النظر في أحوال البلدة خاصة من جهة تنظيف الأزقة والشوارع ورشّها وتنويرها في الليل، وترميم ما خرب من البالوعات، وفرش الأزقة بالبلاط ومراقبة باعة المأكولات وإعطاء الرّخص بالتعمير بعد مراعاة عرض الطريق واستقامته وتعهد إصلاح قناة حلب وبقية مجاري المياه المستعملة وغير ذلك. ولها مجلس يتألف من رئيس وثمانية أعضاء: أحدهم مسيحي والآخر يهودي وباقيهم مسلمون. والكل يعينون بالانتخاب وليس للأعضاء راتب بل هم يستخدمون مجانا سوى الرئيس وسوى أحدهم إذا عينه المجلس للكشف على عمل، له أن يأخذ أجرة قدرها نصف ذهب عثماني من صاحب العمل أو من صندوق البلدية إذا كان العمل مختصا بها. ولها من المستخدمين: كاتب أول ومعاون له وكاتب كشف وكاتب تنظيفات وأمين صندوق وطبيب وجراح وصيدلي ومفتش وصاحب مضخة لإطفاء ما يحدث من الحريق

ونحو عشرين مباشرا يعرف باسم جاويش. وممن له علاقة بهذه الدائرة طبيب الحجر الصحي المعروف باسم طبيب الكورنتينا. ومداخيل هذه الدائرة تجمع من رسوم وضرائب على الدواب المباعة «1» وعلى الدواب المذبوحة وعلى كيول الغلات ودلالة سوق البدستان «2» وعلى صناديق البترول وعلى القبّان. ولها أملاك خاصة تجبي أجورها وتصرفها في شؤونها. هذا المجلس كان تشكيله سنة 1283 وهي السنة التي شكلت فيها ولاية حلب وكانت البلدة قبل ذلك تطمي الأقذار والأوساخ في أزقّتها لأن قضية الكنس والتنظيف كانت موكولة إلى ذوق أصحاب المنازل والبيوت والحوانيت. وقليل منهم من يبالي من الأوساخ ويحب النظافة وكان الكثير من مجاري المياه القذرة مكشوفا تنبعث منه الروائح الخبيثة وتنتشر منه جراثيم الأمراض فكانت الصحة العامة في حلب غير جيدة. وكانت الأوبئة الجارفة والأمراض القتالة في توال وتعاقب كما ستقف عليه في الباب الثالث. وكان المستبدون وأصحاب الوجاهة والكلمة النافذة يزحفون بمبانيهم وعمائرهم على الطرقات بقدر ما تسمح لهم قوة تسلطهم، فكان الكثير من المسالك والشوارع العامة ضيقا حرجا يعسر المرور منه على الناس بله الجمال والدواب الموقرة بالبضاعة الضخمة كالحطب والفحم. كان دخل البلدية قبل الحرب العامة يتراوح بين سبعة آلاف وعشرة آلاف ذهب عثماني. ثم بعد انتهاء الحرب زاد زيادة عظيمة فصار يتراوح بين 35 ألفا و 40 ألف ذهب عثماني. جدول إجمالي في عدد جماعة الدرك المسمى عند الأتراك بالضابطة أو الجندرمة وذلك سنة 1307 رومية وهو: قائد مشاة (1) : أمير لاي (2) أحدهما للمشاة والآخر للفرسان. بينباشي (4) أحدهم للمشاة والثلاثة للفرسان. كاتب طابو (4) أحدهم للمشاة والثلاثة للفرسان. يوزباشي (23) تسعة منهم للمشاة و 14 للفرسان. ملازم أول (23) تسعة منهم للمشاة و 14

محكمة البداية

للفرسان. ملازم ثان (23) كذلك. جاويشيه (92) منهم 36 للمشاة والباقون للفرسان. أمناء البلوك (23) تسعة منهم للمشاة والباقون للفرسان. أو نباشيه (143) منهم 73 للمشاة والباقون للفرسان. أجناد المعروفون باسم أنفار (962) منهم 475 مشاة والباقون فرسان. جباة، المعروفون باسم تحصيلدارية (101) منهم 46 مشاة والباقون فرسان فجملة المستخدمين بالدرك (2402) شخصا. هذا العدد يقسم إلى أربع كتائب جمع كتيبة يسميها الأتراك طابور وتقسم إلى تسع زمر يسميها الأتراك بلوكا موزعة في حلب وجميع ملحقاتها في كل محل منها القدر الكافي. وقد بلغت نفقات هذه الطائفة سنة 1307 رومية 4191191 قرشا الذي هو جزء من مئة جزء من الذهب العثماني. محكمة البداية شكلت هذه المحكمة سنة 1295 بدلا عن مجلس التمييز. ولها معاون ومدع عام. وتقسم إلى دائرة حقوق ودائرة جزاء، ولكل منها رئيس وعضوان مسلم وغير مسلم ولكل منهما أيضا عضو ملازم، له راتب من صندوق المال وهو ينوب عن أحد جماعة المحكمة إذا غاب عنها. ولكل دائرة كاتب أول يعرف باسم باش كاتب وأربعة كتاب لضبط الدعاوي. وظيفة هذه المحكمة فصل الخصومات في مدينة حلب ابتداء، وإعادة المحاكمات التي تصدر من الأقضية التابعة ولاية حلب فتنقض الحكم الأول أو تبرمه. وهذه الإعادة يسميها الأتراك استئنافا. ويشترط في هذه الدعاوي أن يكون المبلغ المدعى به غير زائد على خمسة آلاف قرش فإذا زاد على هذا المبلغ فللمدعي الخيار إن رضي أن تعاد الدعوى في هذه المحكمة فبها وإلّا أعيدت في محكمة التمييز الكائنة في استانبول. لدائرة بداية الجزاء طائفة يسميها الأتراك هيئة اتهامية تتهم المدعى عليه بالجرائم المنقسمة إلى نوعين: أحدهما يسمى جناية وهي الجريمة العظيمة، والأخرى جنحة وهو ما يعد من صغار الذنوب. ومما يلحق بمحكمة البداية مأمور تنفيذ الأحكام المسمى عند الأتراك بمأمور الإجراء

محكمة التجارة

ومقرر أول وثان يعرف كل منهما باسم مستنطق ومسجل صكوك يعرف باسم نوتير «1» أو بمأمور المقاولات ويسمى الآن كاتب عدل أخذا من الآية القرآنية وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ له معاون ومباشر. لمحكمة البداية وأقسامها وملحقاتها مداخيل زهيدة تؤديها إلى صندوق المال وتأخذ منه نفقاتها وما عيّن لمستخدميها من الرواتب سواء كانت مداخيلها موفية بذلك أم كانت غير موفية، سوى كاتب العدل فإنه يأخذ نفقات دائرته ومرتبات مستخدميه على نسبة معلومة في المئة من مداخيل دائرته وما زاد عن ذلك يسلم بعضه إلى صندوق المال وبعضه الآخر إلى نظارة العدلية لتسلمه إلى مكتب الحقوق في استانبول. وهذا بيان مداخيل هذه الدائرة عن سنة 1305 رومية في حلب: نفقات الدائرة (4345) حصة المأمور (11668) المرسل نقدا أوراقا مالية إلى نظارة العدلية في استانبول (1828) حصة صندوق المال في حلب (24052) قرشا. أما المواد التي باشرتها المستنطقية الأولى في محكمة بداية حلب سنة 1318 رومية فهي (8306) منها ما هو معدود من المواد الجنائية ومنها ما هو معدود من مواد الجنحة وبعضها من بقايا مواد السنة 1317 وبعضها نقل إلى سنة 1319 رومية. محكمة التجارة لها رئيس وستة أعضاء ثلاثة مسلمون وثلاثة غير مسلمين. ولها ديوان له كاتب أول ومعاون وكاتب ثان وكاتبا ضبط. وقد قدم إلى هذه المحكمة سنة 1305 رومية 720 دعوى فنظرت منها المحكمة في 643 دعوى وأبرمت 1012 قرارا في دعاو نظرت فيها باقية من السنة 1297 رومية. وبلغت مداخيل المحكمة في سنة 96262 ونفقاتها مع رواتب مستخدميها 77201 فالفضلة 19061 قرشا وهي المحكمة الوحيدة التي تفي مداخيلها بنفقاتها أو تزيد عنها. وأما بقية محاكم العدلية والمحكمة الشرعية فإن مداخيلها دون نفقاتها بكثير.

المحكمة الشرعية

المحكمة الشرعية هي المحكمة الجارية تحت استقلال الحاكم الشرعي المعروف بالقاضي أو بالنائب أي نائب شيخ الإسلام. وكانت قبل تشكيل العدلية تسمع فيها جميع أنواع الدعاوي المتعلقة بالحقوق المالية والجنايات. وبعد تشكيل العدلية منعت عن سماع الدعاوي المتعلقة بالجنايات ثم منعت عن سماع الدعاوي المتعلقة بالحقوق المالية وقصرت على سماع الدعاوي المتعلقة بالوقف والتركات والزوجيات والطلاق والنفقة وتوجيه الجهات التي هي التولية والوظائف الدينية على شرط أن يجري امتحان صاحب الجهة بواسطة لجنة مؤلفة من بعض العلماء تحت رياسة المفتى تجتمع في دائرة الأوقاف. رئيس هذه المحكمة القاضي ولها كاتب أول ومعاون وكاتب ضبط وورقة الإذن بعقود الأنكحة وكاتب ضبط وإحضارية وقسّام تركات ومسجل وكاتب ضبط ومحضر أول وعدة محاضرة. إدارة الأملاك السلطانية وتعرف بإدارة الجفتلك وظيفتها النظر في أمور الأملاك الخاصة بالسلطان عبد الحميد خان الثاني. ولها مدير وحاسب وكاتب تحريرات أول ومفتش ومهندس. ولها لجنة رئيسها المدير وأعضاؤها الحاسب ومن بعده ولها ديوان محاسبة له كاتب أول وثان ومقيد ومبيضان ولها ديوان تحريرات ومسوّد أول وثان ومقيد ومبيّض وأمين صندوق. ولها شعبة ملحقة بها في كل من منبج وجبل العيس وجبل الأحصّ. ولكل شعبة منها مأمور وكاتب وقولجي أي متجول. وقد بلغت مداخيلها عن حلب وشعبها سنة 1304 رومية 616977 ونفقاتها 355257 فالفضلة 4261724. إدارة الديون العمومية وظيفتها أخذ الرسوم عن المسكرات والحرير والأفيون وصيد السمك من البحيرات والأنهر وأخذ قيمة الطوابع المعروفة باسم بول وأخذ قيمة الملح المستخرج من سبخة الجبول. وصرف هذه الأموال والرسوم في وفاء ديون الدولة. ولها مدير ومفتش أول

إدارة انحصار الدخان المعروفة بشركة ريجي

وملازم وكاتب أول للمحاسبة ورفيق له ومقيد وكاتب تذكرة ومأمور على البول وهو أمين الصندوق وكاتب تحريرات ورفيق له ومقيد ومبيّض ويلحق بهذه الإدارة إدارة مملحة الجبول. ولها مدير ومعاون ومفتش وكاتب أول وثان وكاتب إجمال وأمين صندوق وقد بلغ دخلها في سنة 1305 رومية 4289100 وخرجها 910200 فالفضلة 3378900 قرشا. إدارة انحصار الدخان المعروفة بشركة ريجي وظيفتها ضبط التبغ المعروف بالتوتون. ولها ناظر ومحاسب له رفيق أول وثان وكاتب التحريرات التركية ورفيق ومأمور مستودع وكاتب محاسبة المستودع ومعاون لمأموره وأمين صندوق ومأمور معمل وكاتب محافظة. وهذه موازنتها الإجمالية عن سنة 1305 رومية: الدخل 11687905 الخرج 11308525 الفضلة 780380. عسكرية ولاية حلب مرجعها الجند الخامس المعروف باسم (بشنجي أوردي همايون) الذي مركزه في دمشق الشام «1» وهي نظامية ورديف. فالنظامية لها فريق تحته رئيس أركان حرب وأمير لواء وأمير ألاي فرسان ومشاة وخمسة بيكباشيه اثنان فرسان واثنان مشاة وواحد مدفعي وقائمقام فارس ومدفعي وأربعة أمناء ألاي: واحد فارس وثلاثة مشاة، وكاتبا ألاي فارس وماش. وكلهم في حلب، وأمير لواء وقائمقام ماش وبيكباشي ماش وكلهم في مرعش. وبيكباشي ماش في زيتون. وأما الرديف فله في حلب وكيل قائد عام وأمير لواء وأمير ألاي وقائمقام وبيباشيان وله في كل من مرعش وأنطاكية وكلّس والمعرة وعينتاب والبيرة وطرسوس وجبلة واسكندرونة وقوزان بيكباشيان ومثلهما في كل من إدلب والبستان بزيادة قائمقام. وله في كل من أورفة وأطنه واللاذقية أمير لواء وأمير ألاي وقائمقام وبيكباشيان. ومما يتعلق بعسكرية حلب: المستشفى العسكري، وجماعته طبيب أول وطبيب ميمنة وطبيب ميسرة ومدير وكاتب وإمام وجراح أول وثان وثالث وصيدلي أول وثان وثالث.

المكتب الرشدي العسكري

المكتب الرشدي العسكري أسس هذا المكتب في حدود 1300 وقد ألمعنا إلى ذلك في الكلام على محلة ساحة بزّة في الباب الأول بعد المقدمة. لهذا المكتب مدير وعشرة معلمين: معلم الرياضيات ومعلما العربية ليسوا من العسكرية ومعلم الفارسي والقواعد العثمانية والرسم والخط التركي وإملائه واللغة التركية وجغرافيتها. وله من الضباط يوزباشي وملازمان أولان. وقد بطل هذا المكتب منذ نشوب الحرب العامة. وبعدها صار محله مكتبا للصنائع. المكتب الرشدي الملكي ذكرنا تأسيس هذا المكتب في الكلام على معارف حلب من هذه المقدمة. وذكرنا في الكلام على المنصورية من الباب الأول أنه ألغي سنة 1309. كان له معلم أول وثان وثالث ومعلم اللغة الفرنسية ومعلم خط وإملاء ومعلم خط الثلث ومعلم رسم وبوّاب. الأجانب الموظفون في حلب كان يوجد فيها قنصل لدولة أوستريا والمجر وهولاندا. وقنصل لكل من دولة إنكلترة وجمهورية فرانسه ودولة روسية ودولة إيطاليا ودولة إيران ودولة إسبانيا ودولة البورتكيز. وقنصل واحد لحكومة أميركا ودولة بلجيكا ووكيل قنسل لدولة إسوج ونروج. ووكيل قنسل لدولة اليونان. ولأكثر هؤلاء القناسل وكلاء في البلاد العظيمة الملحقة بحلب كأنطاكية وعينتاب وأورفة ومرعش واسكندرونة. الرؤساء الروحانيون في حلب كان من رؤساء الملة المسيحية في حلب بطريرك للسريان الكاثوليك ومطران لكل من الروم الكاثوليك والأرمن الكاثوليك ورئيس ملة لكل من الروم الأرثودكس والكلدان. ويوجد لليهود رئيس ديني واحد يعرف بالحاخام باشي. الهيئة الحاكمة في اللواء كان يوجد في قصبة مركز اللواء متصرف وأركان لواء ومجلس إدارة وديوان محاسبة

الهيئة الحاكمة في الأقضية

وديوان تحريرات وإدارة ويركو ودفتر خاقاني ونفوس وتلغراف وبوسته وإدارة أوقاف ومجلس بلدية وشعبة بنك زراعة وإدارة غابات وإدارة ديون عمومية وإدارة ريجي ودائرة عدلية فيها دائرة حقوق محكمة البداية ودائرة الجزاء ومحكمة شرعية وشعبة معارف ومكتب رشدي. الهيئة الحاكمة في الأقضية كان يوجد في مركز القضاء قائمقام ومجلس إدارة ومحكمة بداية ولجنة أوقاف وشعبة معارف ومكتب رشدي ومجلس بنك زراعة ومجلس بلدية. انتهى الكلام على الهيئة الحاكمة في حلب وملحقاتها. ولنختم هذا الجزء بالكلام على الأقضية التي كانت تابعة لواء حلب ثم على الألوية وأقضيتها التي كانت تابعة ولاية حلب في أيام الحكومة العثمانية مصدرا الكلام على كل قضاء بجدول يبين عدد أهل كل محلة من مركزه وكل قرية من قراه مشيرا إلى ملة الأهلين بالحروف الآتي بيانها مثبتا الحرف المشار به بعد اسم المحلة والقرية ثم أتبع الجدول بالكلام على مركز القضاء ثم على الأماكن الشهيرة فيه. وهذه هي الحروف المشار بها إلى الملة سوى الإسلام وهي: ر أرمن، س سريان، ك كاثوليك، ل لاتين، وبروتستان، اروم، ج أجانب، د يهود. مدينة كلّز وأسماء المحلات الموجودة فيها جديدة 429 شيخ عبد الله 959 شيخ عبد الله ر 5 بلوك 1163 تكية 1059 تكية ر 19 تكية د 126 نور الدين 263 نور الدين د 46 شيخلر 929 أبو العلاء 512 بيوك كتاه 756 بيوك كتاه ك 8 حق ويردى 206 حق ويردى ر 290 حق ويردى ك 3 حاج إلياس 257 حاج إلياس ر 37 تيمورجيان 411 تيمورجيان ر 38 أوقجيان 260 حلواجي أوغلي 175 قره علي 555 قره علي ر 122 قره علي و 31 عبدي أويماغي 371 عبدي أويماغي ا 274 عبدي أويماغي ر 31 عبدي أويماغي د 28 مبخ عاب 502

قرى كلز وأسماء ملحقاتها

ميخ علي ا 30 كتانجيان 364 كتانجيان ر 3 كتانجيان و 15 جيلاق 393 جيلاق د 33 دباغ خانه 264 دباغ خانه ك 24 دباع خانه د 186 دباغ خانه و 6 عنابلي كتاه 791 عنابلى كتاه ر 7 عنابلى كتاه د 48 دوه جيان 560 دوه جيان ر 166 دوه جيان ك 1 دوه جيان و 13 طريقلى 445 طريقلى ر 116 طريقلى و 12 آشبط 402 آشبط ر 705 آشبط ك 281 آشبط و 46 واعظ 435 واعظ ر 528 واعظ ك 28 واعظ و 117 سعتر 239 سعتر ر 253 سعتر و 46 أرسلان 504 أرسلان ر 240 أرسلان و 50 قلايجيان 177 قلايجيان ك 3 مشهد لك 457 مشهد لك د 165 هندى أوغلي 248 هندى أوغلي د 16 منلا حمود 280 نجار أوغلي 302 حاجي كموش 250 حاجي كموش د 14. قرى كلّز وأسماء ملحقاتها عشيرة بسنجيان 185 أكرى قنا 44 تخته لي 40 كفر رحيم 32 شميرين 47 حلبيان 68 قره طاش 11 عرب قرب كلز 91. ناحية أعزاز تركمان أويلوم 160 أويلوم ر 1 عناز 103 عجار 274 قره جه ويران 15 تل حبش 56 تل حبش ر 2 قنطرة 34 كوكداش 79 ظبران 69 دولك 51 قسطونة 22 ترشكين 27 ترشكين ر 2 وحوين 18 وحوين ر 2 مزرعة شاهين 30 مزرعة شاهين ر 4 طاطحموحى 18 طاطحموحى ر 1 تل عمار 85 تل عمار ك 5 كدريج 59 تل شعير 52 صمان دره 31 صمان دره 1 قره كوز 7 قصه جق 5 جكه 59 شوبرين 109 دويبق 108 دويبق ر 2 راعل 118 مرغيل 30 بني بيان 32 قره كوبرى 73 دودات 110 خلفتى 3 مغيدين 12 حرجله 68 حبسه 25 قره مزرعة 18 سيوه 45 حوار 63 دلمه 48 براغتى 130 قزل مزرعة 85 إيكده 140 أولبل 75 يل بابا 52 كفر غنى 252 تل حسين 53 جارز 77 فيضية 23 يحمول 28 نكاره 106 كفر كلبين 211 سجو 131 شبل 174 أربه كسمز 43 بيقير 16 قره قيو 33 ترشام 52 شماريق 46 طاطيه 19 كفر بارجه 27 كفر جوش 42 جوار شميرين 28 عرموتجه 38 يازي باغ 66 دكمه

ناحية أعزاز فلاح

طاش 76 زعره لي 123 معرين 110 حميلي 35 عويلين 11 طوغلي 151 عرب كفر رحيم 6. ناحية أعزاز فلاح قطمة 215 معرسته 11 مزرعة الخطيب 20 مريمين 320 أناب 166 شوارغت الأرز 65 مالكية 71 مرعناز 47 سيجواز 44 أعزاز 1321 وا 1 عزاز ر 7 كفر حاشر 27 منق 312 تلالين 206 تل رفات 1028 مزرعة العلا 17 كل جبرين 374 الشيخ باعو 280 الدفتردار 1098 كفر أنطون 36 كفرة 82 عين دقنه 117 طاطمراش 87 كشتعار 56 تل عجار 50 العلقمية 39 تنب 78 دير الجمال 489 كفر نايا 352 كفر ناصح 89 الأحرص 133 طاشلي حربل 196 صوران 446 حتملات 288 دابق 266 أرشاف 187 تركمان بارح 319 الزياديه 85 الكعيبية 52 البليقة 16 قعر كلبين 71 آق برهان 35 أخترين 366 واش 27 دير الهوى 30 تلتانه 30 بازوره 118 غوز 70 كسار 11 قراميل 41 حاسين 37 قافين 117 معراثه 55 جفتلك 72 قول سروج 120 تويس 14 سنبل 183 غبطون 39 بحوارته 127 حوار النهر 150. ناحية منبج الفوقاني يايجي 124 يصديجه 142 جراز 115 قوشجي 62 حاجي كوى 61 تل إبراهيم 52 قره يواش 61 كروم 358 جور كلك 59 جمجه 245 قرغيل 68 ملك 175 كهريز 125 قره صقال 46 عمر أوغلي 47 مغاره جق 46 إسبناق 214 بلانقوز 23 بللوك 110 أكلان 120 جقاللي بناري 62 صبار 85 زلحه 56 منادر 7 إيكى طام 92 جنكين 364 الراوندان 191 قربنى 169 قربنى ر 43 عقبه 29 بكره 49 دير صوان 99 ويره كان 103 عرب ويران 73 طنبوره لي 66 باش مغاره 44 قوزينه 85 يلانجه 67 تل حسين 24 قره ينار 58 مسرجك 89 كورتونجك 72 مشاتل 27 بلاليه 29 قره ميلك 113 جورتان 20 عراقيه 13 عرب هيوكى 40 أوزنلي 89 جرجك 125 كفير 158 قوصقونقران 134 جقوراوبه 137 تلميز 21 عمرجك 5 عشائر 773.

ناحية موسى بكلي

ناحية موسى بكلي شيخ خوروز 105 سعتلى 96 مغاره جق 75 جوشو 38 عليانلي 78 مزرعة شير 16 مردانلي 158 خاي أوغلي 33 باويق 110 طاط كوى 40 مزرعة مراد آغا 55 قار بياض 45 شماتر 101 بكولر 24 أرزاب 114 أوج بنار 43 جاوش كوى 36 مراد هيوكى 261 مراد هيوكى ر 3 أسبى أوغلي 29 أسبى أوغلي ر 2 دوحين أرن 84 دوستانلي 91 حاجيلر 52 شنكجه 33 بوغاز كريم 39 زنكول 43 باكلي 135 ورقلر 44 أشك قيو فوقاني 67 قزل كند 130 كوكجه لي 67 تخته لي قره طول 74 حسين أوغلي 118 ظبولر 23 جنار 179 إسماعيلك 23 قوجه لر 35 تيغان 22 قلعة جك فوقاني 66 كور أحمد هيوكى 117 فزكه 211 قره توت 119 مزرعة خاتون 52 قمان 40 جنبك 74 أغجه كند 98 أشك قيو تحتاني 42 خرج أوغلي 28 بيوك قردم 92 كجوك قردم 54 كورتونجي 81 خسكانلي 98 سبطورز 197 طوقاج كمريكى 133 قره إسماعيل 44 طاطر كمريكى 56 قسطالي 89 فريجك 111 فريسه 38 قوزجغاز 94 قلعه جك تحتاني 67 كوك موسى 121 حرسيك 63 شلكين 136 شاه ولي 200 دونبلي 108 سكوتلي 252 بكتاش أوغلي 33 ور 2 شلتاح 17 مرسوى 54 عشائر عرب 1356. ناحية شقاغي زيتونك 54 سعد تجك 134 آليجي 90 طوراقلي 40 ور 1 بلورسك 65 علي بزانلي 137 جمانلي 94 عمرانلي 72 ميدانكي 263 ور 1 نازاوشاغي 80 دوديرلي 85 كمرك 207 حلوبى 97 كوبه لك 31 كفر روم 40 قورت قولاغي 189 قره قورت قولاغي 37 قره تبه 43 كفر ميز 24 مشعله 112 ور 6 ضعنلي 78 كورتك 32 شرانلي 277 سلكانلي 227 قسطال 98. ناحية عميكي كشك 27 عين حجر 39 عمارلي 42 إبراز 173 طور مشكانلي 159 ستاره 161 أنقله 69 شيخ الحديد 591 قرمتلك 375 شيخ جقاللو 157 أرنك 99 حاجي بلال 80 خليل كوللو 189 جتال قيو 70 رزكانلي 57 كلانلي 65 كورزيل 90 علندر 27

ناحية أوقجي عز الدين

قاش أوشاغي 52 صاغراوبه 215 قوطانلي 141 خلو أوشاغي 94 قورى كول 141 قورد أوشاغي 84 كوتانلي 107 بلان كوى 163 حسن ويرلي 99 شوربه أوغلي 179 بيوك قارقين 57 كوجك قارقين 51 عرب تل طويل 14. ناحية أوقجي عز الدين بركش 157 بلبل 287 بلبل ر 2 عوكانلي 112 خياملي 107 جارجلي 222 عليكارلي 16 شنكلي 50 قوجانلي 109 حصار 118 حسنجلي 377 وجلي 102 كول كان 141 سابقانلي 30 بولامجلي 141 برتكلي 106 بالي أوبه سي 96 قورنه 104 جميلية أو سوريه 85 شرقيانلي 130 خضر يانلي 157 بربند 63 أو كسنرلي 205 مابطلي 726 قنطره 144 قنطره ر 21 حاجي قاسملي 159 معصره جك 135 عرب أوشاغي 186 صشلك 145 صولاقلي 328 بغجه صغير 44 زعرى 74 بكوأوبه 181. ناحية شيخلر جالقمه 81 جرختلي 32 كولانلي 47 شيخ بلانلي 48 كوركانلي فوقاني 146 كور كانلي تحتاني 93 صاري أوشاغي 109 صاط أوشاغي 88 سعولجك 84 كوميت 246 أنجرلي 213 شاديانلي 232 قلعه 32 كمراش 78 خليل عمر أوشاغي 23 حسن كلكاوي 71 قودا كوى 122 عمر أوشاغي 112 معمول أوشاغي 427 دونللي 205 موسكو 216 عثمانلي 73 بعدنلي 421 هولكالي 38 رجواوبه 113 كورانلي 50 حاجي خليل 250 مسكانلي 62 مامالي 118 جقماقلي 224 جنجلي 185 بوللي 39 قره بابا 44 فرفك 49 علطانلي 25 جعنكانلي 55 اله ويران 12 بلاليكوى 62 تبه 73 كاونده 94 والكلي 46 ضوضو 121 سمالكي 104 كوسيانلي 93 بندر كلي 33. ناحية جوم عرش قبار 116 طورنده 88 كورزيل 98 باسوط 198 برج 113 كفير 65 غزاويه 116 شادر 81 اسكان 108 جملان 205 تل سلوره 45 ديوانه 37 حاجيار 25 فريرى 57 تل قراق 19 حميلك 15 رماديه 28 تل حمو 35 رأس العين 29 كفر زيد 55 تلف 35 كفر بطره 23 عندريه 20 كفر دلي تحتاني 9 كفر دلي فوقاني 126 كوركان 115

الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة

قره بيشار 119 جولقان 152 أبو كعبه 15 خرزان 65 قوجمان 49 جويق 290 كوكان 65 صاطيان 101 أشكان شرقي 103 كموش برج 53 جقاللي 54 مشكه 24 كوران 70 متمته 14 خلطان 91 كوردان 92 كفر صفره 118 بلانقوز 69 ياقللور 26 زندكان 55 إيكى آخور 166 حاجي حسنلي ورمضانلي 136 روطانلي 133 خزيانلي 127 ميركانلي وشيركانلي 124 مروان 111 يريمجه 154 دار كير 254 بيوك أوبه 111 تبه 51 معرته 246 خلنير وكفرشيل 72 بابليت 51 كوكبه 29 بتيه 9 كرسان طاش 21 الجديدة 26 الزيادية 13 عمر آغا قشله سي 355 هيكجه 72 أشكان غرب 86 نسريه 102 سفريه 48 حاجي إسكندر 122 جندرس 171 صدايا 87 محمديه 12 قربيه 56 جول بور 141 شيخ سيدي وجوم 43 بطليميان 93 دير مشمش 41 بلينا 178 جتال زياره 79 عقيبه 92 خالديه والأعراب 43. انتهى إحصاء سكان قضاء كلّز وقد بلغ مجموعهم (120645) ذكورا وإناثا مسلمين وغير مسلمين، وهو الإحصاء الذي كان سنة 1310 رومية في أيام الحكومة العثمانية. ويجب أن يضاف إليه ثلاثون في المئة من السكان الذين أخفوا نفوسهم فرارا من الجندية أسوة بسكان بقية الأقضية. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة هذا القضاء في شمالي حلب ويبعد مركزه عنها وهو مدينة كلّز 60 ميلا يقطعها الجمال في مدة خمسة عشر «1» ساعة وقطعتها مرارا عديدة بالسيارة بثمانين دقيقة. والأتراك يسمون كلز (كليس) . وفي القاموس كلّز بوزن جلّق. والكلز هو الجمع. وفي معجم البلدان لياقوت كلز بكسر أوله وثانيه وقد جاء ذكرها في حروب الصليبيين كلجيس. وقضاء كلّز لا يوجد في الأقضية التابعة ولاية حلب أيام الحكومة العثمانية ما يضاهيه بكثرة القرى ووفور الغلات. ومدينة كلز غير قديمة، إنما كانت قرية صغيرة من جملة قرى كورة عزاز فلما خربت عزاز بحادثة التتر الأولى وذلك سنة 658 انتقل أكثر ما بقي من أهلها إلى كلّز فأخذت من ذلك التاريخ بالاتساع والعمران. وهي واقعة على سفح

جبل آخور المعروف هناك بجبل بيوقلي ممتدة إلى الوادي الذي في جنوبه. ولها للمقبل عليها من ناحية عزاز منظر بهيج فيراها مدينة منبسطة في الجبل والسهل قد حفتها من جهاتها الأربع البساتين والزيتون والكروم وارتفعت مناراتها في العلاء وقامت مبانيها بين الأشجار الباسقة والحياض المتدفقة. وأهل كلز متعصبون بالدين وفيهم أولو أدب وظرف وأخلاق كريمة وجود وسخاء. وفي سنة 950 بنى فيها علي آغا متسلم البلدية تكية للطريقة المولوية. ثم في سنة 961 عمر فيها علي باشا جانبولاد بك جامعه الشهير الشبيه بجامع العدلية في حلب. هذا القضاء مشهور في جهاتنا بكثرة الزيت وجودته وكثير من الناس من يفضله على زيت جزيرة كريد. ويخرج منه مقادير عظيمة من الرز. ويطبخ في كلز الصابون الجيد ويباع في البلاد الشمالية ويعمل فيها الجلد المعروف باسم كوسله وتنسج فيها الأقمشة القطنية والصوفية. ويجلب من العزية التي كانت إحدى نواحيها إلى حلب وغيرها من الفحم الجيد ما يكلّ عنه قلم الواصف. وقبل وجود إدارة انحصار الدخان المعروفة باسم (ريجي) كان يخرج من ناحية الجوم تبغ هو على غاية ما يكون من اللذة والجودة. وفي مدينة كلّز (27) جامعا و (12) مسجدا و (4) مدارس و (4) زوايا و (3) كنائس و (5) حمامات و (740) دكانا و (3) أسواق لبيع البزّ. منها سوق كبير من آثار جانبولاد بك و (10) حياض و (7) خانات للتجار ونزول القوافل و (11) فرنا و (120) منوالا و (15) بيت قهوة و (3) حانات و (55) معصرة للزيت وصيدلية ومستودع لإعتاد الجند، ونحو ألفي بستان للزيتون والكروم ونحو مئة بستان للثمار المتنوعة. وهي رخيصة أسعار المأكولات كثيرة الخيرات صحيحة التربة جيدة الهواء غزيرة المياه تنصب إليها من عيون في جبل آخور المتقدم ذكره. غير أنها شديدة البرد صعبة الشتاء يكثر فيها الثلج وكان يحمل منه إلى حلب قبل وجود معامل الجليد فيها قناطير مقنطرة في فصل الصيف. وفي سنة 1328 عمرت فيها الحكومة في شرقيها بين البساتين مكتبا ابتدائيا إعداديا جميلا له بستان عظيم فيه حوض يفيض ماؤه ليلا ونهارا. أهل كلّز يتكلمون بالتركية. وفيهم العربي والكردي والأرمني. وكنائس الملل المسيحية فيها مغلقة الآن إذ لا يوجد في المدينة أحد من المسيحيين سوى قليل من الأغراب.

الأسر الشهيرة في كلز

في هذا القضاء من المزارات الشهيرة مقام شمعون في محلة نور الدين في مدينة كلز ومقام أوريا في قرية زيتوتلك في ناحية شقاغي. وذكر الهروي في كتاب الإشارات أن قبر أوريا في قورص وقال: وفي جبل برصايا من أعمال عزاز قبر برصيصا العابد وقبر شيخه برصايا. اه. ومن المزارات المشهورة في قضاء كلّز مقام داود في قرية دويبق في ناحية عزاز تركمان ومرقد عبد الرحمن بن عوف في قرية قريبة بناحية الجوم. ومرقد الشيخ محمد الأنصاري في المحلة الجديدة بكلّز. ومرقد شرحبيل ابن حسنة خارج مدينة كلّز على بعد ربع ساعة منها. وغير ذلك من المقامات المحترمة. ومن المزارات في هذا القضاء المقصودة من الجهات: مزار الشيخ ريح في قرية يل بابا في ناحية عزاز تركمان. والناس يقصدونه من أماكن بعيدة يشربون من ماء ينبع في جانب قبره فيبرؤون من علة الريح. ولزيارته موسم معلوم من السنة وذلك من حزيران إلى أيلول. يمر من هذا القضاء نهر حلب ونهر عفرين ونهر ثالث يقال له الصافي. المعارف في كلز متأخرة غير أنه يوجد فيها عدة مكاتب للإناث هنّ في نجاح عظيم من جهة الصنائع النسائية اليدوية. وكانت كلّز قبل قرن مشحونة بالعلماء والمتعلمين. الأسر الشهيرة في كلّز من الأسر الشهيرة في هذه البلدة أسرة صالح أفندي. ومن وجهائها الحاج عصمت أفندي ومصطفى أفندي والمرحوم محمد أفندي الذي سعى بافتتاح عدة مكاتب للإناث وكان سخيا وفيا رحمه الله. وأسرة الحاج حافظ أفندي ومن وجهائها مسعود أفندي ومحمود أفندي وأسرة خواجه زاده. ومن وجهائها خالد فخري أفندي وأحمد جودت أفندي وعبد الرحمن لامع أفندي. ومن هذه الأسرة عبد الله أفندي صاحب التآليف الشهيرة في علم المنطق وغيره وطاهر أفندي أحد علماء عصره. وأسرة خلفه ومن وجهائها محمد منير الذي كان مدير مدرسة القضاء في استانبول. وأسرة سليم آغا ووجيهها سعيد أفندي. وأسرة يوسف آغا ووجيهها عثمان أفندي. وأسرة طوبال ووجيهها نشأت «1» أفندي وأسرة يواشجي ووجيهها أحمد مختار أفندي وأسرة صاغر زاده ووجيهها محرم أفندي المفتي.

الأماكن التي لها شهرة في التاريخ من هذا القضاء

وأسرة أمين جلبي ووجيهها الدكتور محمود بك. وأسرة بيطار زاده ووجيهها محمود أفندي وأسرة موسى خواجه ووجيهها موسى كاظم أفندي وأسرة جانبولاد ووجيهها سليم بك وهي من الأسر القديمة التي كان لها شأن في التاريخ وأسرة خطاط ووجيهها عبد الله أفندي. وأسرة أحمد خاكي أفندي ووجيهها محمود أفندي. ومن مشاهير رجالها الحاج مصطفى أفندي الذي كان من جملة نواب مجلس المبعوثين في الحكومة العثمانية وهو على غاية ما يكون من الذكاء وحدة الخاطر. الأماكن التي لها شهرة في التاريخ من هذا القضاء قورص أو قورس بلدة شهيرة في التاريخ طولها 64 درجة وعرضها 35 دقيقة داخلة في الإقليم الرابع بخمس وأربعين دقيقة. وكان فتحها صلحا عن يد عياض بن غنم تحت إمرة أبي عبيدة ابن الجراح سنة 15 ثم إن عياضا بث خيله فغلب على جميع أرض قورس وفتح عزازا. وكان سليمان بن ربيعة الباهلي في جيش أبي عبيدة فنزل في حصن قورس فنسب إليه وعرف بحصن سليمان. أقول: لعل كلمة قورس محرفة عن قورش وهو اسم ابن لدارا ملك الفرس فلعل هذه البلدة سميت باسمه لاستيلائه عليها. ويذكر أن القديس مارون متبوع الطائفة المارونية المتوفى في أوائل القرن الخامس م كان في هذه البلدة. وكنت سئلت عن موقعها من قبل مستشرق في باريس فلم أقدر أن أجيبه عن ذلك بغير ما ذكره المؤرخون عنها بأنها كانت كمسلحة لأنطاكية وقلت: لعلها قرب أنطاكية. ثم سافرت إلى أنطاكية لأجل البحث عنها فلم أحصل من بحثي على طائل وسافرت إلى مدينة كلّز وبعد البحث الطويل عنها وتكبدي مشقة زائدة في السفر إلى تلك النواحي ظفرت بالمطلوب فإذا هي المدعوة الآن باسم قرية (الشيخ خوروز) في ذيل قلعة الشيخ خوروز في الغرب الشمالي من كلّز على بعد ثلاث ساعات منها. ورأيت في هذه القرية آثارا باقية ومسجدا معمور الشعائر وفيها مزار أوريا يقصده الناس للزيارة ويسمونه الشيخ خوروز أي (الشيخ ديك) وما هو إلا تحريف الشيخ قورص أي شيخ مدينة قورص.

مدينة عزاز

مدينة عزاز عزاز بلا همزة في أوله «1» . تبعد عن حلب 45 ميلا كانت بلدة مشهورة ظاهرة المحاسن واسعة الفناء تعرف قديما بتل اعزاز. وكانت قلعتها مبنية باللّبن والمدر «2» . وقد بقيت بأيدي المسلمين إلى سنة (351) فاستولى عليها الروم مع جملة الحصون التي استولوا عليها. ثم استعادها سعد الدولة أبو المعالي بن سيف الدولة. وفي سنة (363) حدثت زلزلة دمرت قلعتها. ثم ملكها الفرنج الصليبيون واستردها منهم نور الدين محمود بن زنكي سنة (546) ثم في سنة (658) خربها التتار الجنكزيون ودكوا قلعتها وكان الملك الظاهر بناها بالكلس والحجارة وشيدها وحصنها. ولما خربها التتار نزح أهلها عنها إلى كلّز وغيرها من البلاد. ومن ذلك اليوم أخذت بالاضمحلال حتى أصبحت قرية. قال ياقوت في معجم البلدان: والعزاز الأرض الصلبة. وهي بلدة فيها قلعة ولها رستاق شمالي حلب بينهما يوم واحد وهي طيبة الهواء عذبة الماء لا يوجد بها عقرب وإذا أخذ ترابها وترك على عقرب قتله فيما يحكى. وليس بها شيء من الهوام. ولإسحاق الموصلي: إن قلبي بالتلّ تلّ عزاز ... عند ظبي من الظباء الجوازي «3» شادن يسكن الشآم وفيه ... مع ظرف العراق نطق الحجاز «4» قلت: هذه المدينة لا يوجد فيها عقرب كما حكاه ياقوت ولا يعرف أهلها العقرب أما هوامّها فكثيرة وهواؤها صحيح ما لم يجر فيها مسيل معلوم وتكثر في ضواحيها المستنقعات في بعض السنين فتكثر فيها الأمراض القتالة وهي غزيرة المياه وليست كلها طيبة. وفيها جامع قديم يعرف عند أهلها بالجامع الكبير وهو صحن واسع فسيح في شماليه رواق وفيه مئذنة ضخمة وفي وسطه حوض يهبط إليه بدركات تجري فيه قناة جرها إليه

(إسماعيل بن عبد الله العزازي) المتوفى سنة 748 وفي جنوبي صحن الجامع قبلية طولها نحو 50 في عرض 15 ذراعا سقفها قباب محمولة على أعمدة ضخمة. مكتوب على باب الجامع المتجه إلى الغرب: (بسم الله الرحمن الرحيم في سنة 644) [أمر بعمله مولانا السلطان العالم العادل الملك الناصر صلاح الدنيا والدين يوسف بن الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي بن أيوب ناصر أمير المؤمنين خلد الله ملكه] . وبقيت عزاز بعد خرابها شبه قرية لا يتجاوز عدد أهلها 1500 نسمة إلى سنة 1340 وفيها فك ارتباطها عن كلّز وألحق بها عدة قرى من قضاءي كلز وجبل سمعان وجعلت مركز قضاء يتولى شؤونها قائمقام ملحق بدولة حلب تمتد حدوده إلى ضاحية مدينة كلّز. وفي سنة 1341 سعى قائمقامها سعاد بك ابن فهيم باشا بفتح جادة عظيمة تتصل بطريق العربات وتنتهي إلى سوقها ووسّع السوق. وجوّد فيه عدة حوانيت على الطرز الحديث وأنشأ فيها للحكومة دارا فخمة جميلة لا عيب فيها سوى خلوها من بهو تمس الحاجة إليه حين إلقاء خطبة أو اجتماع حافل لمذاكرة. وشرع بتعمير دار لسكنى القائممقام في غربي تلّها جميلة جدا ألحقها بأملاك بلديتها على أن تدفع أجرتها إليها وهو عازم على أن يعمر فيها مستشفى ومكتبا ابتدائيا جميلا وينشئ فيها منتزها عاما وأن ينورها بالكهرباء. وقد غرس في جهة تلّها عددا كبيرا من شجر الزيتون ووطد نفسه على إحداث وجوه كثيرة من الإصلاح والتحسين بحيث تعود بعد بضع سنوات إلى أحسن ما كانت عليه قبل سبعمائة سنة. وقد كثر سكانها بعد أن صارت مركز قضاء. وقصدها السوقة والتجار من حلب وغيرها، واتسعت فيها حركة الأخذ والإعطاء وقدم عليها عدد كبير من مهاجرة الأرمن فبنوا في غربيها بيوتا من اللّبن واتخذوها مساكن لهم وقد عظم سوقها. وربما بلغ عدد الدكاكين فيه نحو مئة دكان. وعدد سكانها نحو 4 آلاف نسمة وفيها الآن مطحنة تتحرك بقوة الغاز الفقير. فيها معمل صغير للجليد. لهذه البلدة منظر أنيق يراها القادم عليها من أي جهة كانت محفوفة بالبساتين وشجر الزيتون وهي رخيصة أسعار المأكولات كثير الفواكه والبقول.

قلعة الراوندان

قلعة الراوندان ومن الأماكن التي لها ذكر في التاريخ في قضاء كلّز (قلعة الراوندان) في ناحية منبج الفوقاني. وكانت قلعة صغيرة على رأس جبل منفرد في مكان لا يحكم عليه منجنيق ولا يصل إليه نبل وكان لها ربض صغير في لحف «1» جبلها ويطيف بالقلعة واد من جهة الشمال والغرب كالخندق لها وفيه نهر جار. جندرس من الأماكن الشهيرة في التاريخ في هذا القضاء (جندرس) وهي الآن قرية في ناحية الجوم. وكانت بلدة مشهورة آثارها باقية حتى الآن. دابق ومن تلك الأماكن (دابق) في ناحية عزاز الفلاح فقد اشتهرت بحادثة تيمورلنك ثم بحادثة السلطان سليم خان مع السلطان قانصوه الغوري فإن محاربتهما كانت في مرج القرية المذكورة. وتقدم الكلام عليها في باب الحوادث. ومحل هذه القرية بين حلب وكلّز تبعد عن حلب ست ساعات وعن كلّز أربع ساعات وعند هذه القرية مرج معشب نزه كان ينزله بنو مروان. وكان سليمان بن عبد الملك قد عسكر بدابق وعزم ألا يرجع حتى يفتح القسطنطينية أو تؤدى إليه الجزية. فشتّى بدابق شتاء بعد شتاء إذ ركب ذات يوم عشية من يوم الجمعة فمر بالتل الذي يقال له تل سليمان فرأى عليه قبرا فقال: من صاحب هذا القبر قالوا: هذا قبر عبد الله بن مسامع «2» بن عبد الله الأكبر فقال سليمان يا ويحه لقد أمسى قبره بدار غربة. قال: ومرض سليمان في أثر ذلك ومات ودفن إلى جانب قبر عبد الله المذكور. وقيل في وفاته إنه شهد جنازة بدابق قد دفنت في حقل فجعل سليمان يأخذ من تلك التربة ويقول ما أحسن هذه التربة وأطيبها فما أتى عليه جمعة حتى دفن إلى جنب القبر. وكان مشهورا

قبر أخي داود

بالنهم وكثرة الأكل إلا أنه كان فصيحا بليغا جميل المنظر. لبس يوما عمامة خضراء وحلة خضراء ونظر في المرآة فقال: أنا الملك الفتى. فما عاش بعد ذلك جمعة. ونظرت إليه جارية فقال ما تنظرين؟ فقالت: أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان ليس فيما علمته فيك عيب ... كان في الناس غير أنك فان وكان الناس يقولون: سليمان مفتاح الخير، ذهب عنهم الحجاج وولي سليمان فأطلق الأسرى وأخلى السجون وأحسن إلى الناس واستخلف عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. ولسليمان أخبار جميلة وخطب بليغة ذكر بعضها المسعودي في مروج الذهب وابن عبد ربه في العقد الفريد فراجعها. ودابق هذه ورد ذكرها في عدة أشعار منها قول عيسى بن سعدان الحلبي: ناجوك من أقصى الحجاز وليتهم ... ناجوك ما بين الأحصّ ودابق أمفارقي حلب وطيب نسيمها ... يهنيكم أن الرقاد مفارقي والله ما خفق النسيم بأرضكم ... إلا طربت إلى النسيم الخافق وإذا الجنوب تخطرت أنفاسها ... من سفح جوشن كنت أول ناشق وأنشد أعرابي: لقد خاب قوم قلّدوك أمورهم ... بدابق إذا قيل العدوّ قريب رأوا رجلا ضخما فقالوا: مقاتل ... ولم يعلموا أن الفؤاد نجيب قبر أخي داود قال في كتاب الإشارات للهروي: إنه يوجد في قرية شحلا من عزاز قبر أخي داود عليه السلام. تلّ ارفاد ومما جاء ذكره في حروب ملوك بابل الأقدمين مع ملوك سوريا الحثيين تل ارفاد فقد ذكر أن سلمناصر ملك بابل انتصر على بيزرين ملك سوريا عند مدينة أرباد (تل أرفاد)

قضاء اسكندرونة

محل يبعد ست ساعات نحو الغرب الشمالي عن مدينة حلب وفيها استدعى سلمناصر جميع ملوك سوريا فأتوه صاغرين. وكان انتصاره في هذه الحرب بعد حصار تل أرفاد مدة سنتين. قلت: تل أرفاد هذه هي الآن قرية. وفي سنة 1338 جعلت مركز قضاء. ثم في سنة 1340 نقل المركز إلى عزاز. والأتراك سموها تل رفعت. وقد جعل عندها محطة لسكة الحديد بغداد. وهذه القرية طيبة المناخ عذبة المياه تربتها حمراء مشهورة بجودة البطيخ الأخضر. وفيها كروم وبساتين. وقبل بضع سنوات وضع فيها مطحنتان تتحرّكان بالكاز الفقير. انتهى الكلام على قضاء كلّز. قضاء اسكندرونة مدينة الاسكندرونة وأسماء المحلات الموجودة فيها الكنيسة 44 الكنيسة ا 376 القسطل 251 وا 191 ور 157 وك 68 ود 13 جاكي 313 وا 128 ايكي شهر ر 120 وا 47 وك 75 وج 61. قرى اسكندرونة قره أغاج 1135 نركزلك 198 قره حسينلي 411 وا 27 ور 22 برنجلك 105 ور 58 عشقر بكلي 89 عباجلي أوغرلي 677 عباجلي كوزللي 402 آق جاي 36 جرطمان 140 حبكه 133 ساقط 368. ناحية أرسوز جنكان 269 أكبر 231 بك كوي 176 قره كوز وكردباغي 210 حاجي أحمدلي 294 هيوك 232 عرب كديكي 168 كسريك خيمه 224 كسريك 779 قاب أو 77 وا 248 جفتلك 330 الهوب 469 جتلك 154 أغجه لي 846 كوميدان 152 كنيسة أوكي 245.

فجملة سكان هذا القضاء 14944 نسمة ما بين ذكر وأنثى. هذا القضاء غربي حلب ومركزه وهو اسكندرونة يبعد عن حلب 70 ميلا على خط مستقيم وعن أنطاكية عشرين ميلا، وعرضها درجة و 35 دقيقة شمالا وطولها 36 درجة شرقا. وهي فرضة في آسيا على ساحل بحر الروم على الجانب الشرقي من جنوبها. واسمها في الفرنسية ألكسندرت وبالإنكليزية ألكسندريا. وكان القدماء يسمونها ألكسندريا وكانت تعد من سواحل فينيقية. واسمها الفينيقي غير معلوم إلا أن اليونانيين كانوا يسمونها في الأعصار القديمة (ميل أندروس) أي ألف بيت. قيل: وكانت تسمى (ألكساندر ياجتور) أو (ألكسندريا أدسوم) وكان موضعها قديما فوق القلعة الكائنة عند رأس عينها فإن حلقات الحديد التي كانت تربط بها السفن لم تزل باقية حتى الآن وآثار البناء في القلعة دليل على أن البلدة كانت فوقها. ونهر هذه البلدة كان يعرف عند اليونان باسم كرسوس. وكان في جنوب هذه البلدة مدينة تعرف باسم جرباندوس وهي مدينة فينيقية على البحر ذات تجارة وملاحة وسفن كثيرة ولم تزل هذه المدينة تسمى بميل أندروس بعد أن انضمت إلى مملكة فارس مع باقي المملكة الفينيقية إلى أن انتصر إسكندر المقدوني في المحاربة العظيمة التي كانت بينه وبين دارا الثاني الفارسي سنة 333 قبل المسيح فجددها إسكندر ونسبها إليه تذكارا لانتصاره واسكندرون تصغير اسكندرية وكان انتصاره المذكور في شمالي سهل أسوس وهي بلدة لا وجود لها الآن وقد تسمى بها الخليج الواقعة عليه اسكندرونة فيقال له خليج سينوس أسيكوس. وقد عاثت بها الأيام حتى أتت عليها. وحين دخول المسلمين إليها لم يكن لها ذكر في الفتوحات إلى أن كانت دولة هارون الرشيد بنتها زبيدة زوجته حصنا. ثم في خلافة الواثق جدده أحمد بن أبي داود ولم تزل ممرا لعدة فاتحين يجتازون منها فيما بين الشرق والغرب ومحطا للتجارة الواسعة إلى أن كانت حروب الصليبيين واستولى عليها منهم تنكريد وفقد الأمان من تلك الجهات بسبب تعدي المحاربين من الصليبيين بحرا فتحولت تجارتها إلى لاذقية العرب وطرابلس وعادت خرابا بلقعا إلى حدود الألف. وفي تلك الأيام رفع الفرنج المتوطنون بحلب معروضا للدولة العثمانية واحتالوا ببذل

الأموال إلى أن عملوها ميناء حلب وصارت تأتي بضائعهم إليها وتجلب منها. وكان الباعث لهم على ذلك أمران أحدهما ظلم حكام طرابلس الذين كانوا يتعدون على تلك البضائع. وثانيهما قربها لحلب وحسن موقع مينائها الطبيعي. وفي سنة (1238) حدث بها زلزلة دمرت معظمها فرممت وجعلت مخزنا عاما لجماعة من تجار الإنكليز لتكون محطة للهند وعمر بها خان لم تزل آثاره باقية حتى الآن. وفي سنة (1246) نقل إليها إبراهيم باشا المصري مهماته الحربية التي احتاج إليها في هذه الجهات وقطع من الغابات المجاورة لها الأخشاب العظيمة لينشئ فيها دار صناعة. فعلا شأنها واتسعت تجارتها وصارت شبه قرية مكونة من عدة عشش يسكنها جماعة من سكان قرى قضاء بيلان. ثم صارت محط تجارة ولاية حلب وديار بكر وبغداد والموصل والأناضول. وحينما شكلت الحكومة ولاية حلب جعلتها مركز مأمور من قبل الضابطة ثم لما رأت أن قناصل الدول والسفن والتجار تزداد عليها تواردا يوما فيوما جعلتها مديرية وذلك في سنة 1282 وفي سنة 1295 رومية ألحقت بها ناحيتي أرسوز وعباجلي، وكانت من أعمال قضاء بيلان وجعلتها مركز قائمقامية قضاء. وفي سنة 1294 حدث بها حريق كبير أضرّ بها ضررا عظيما. وبالجملة فإن لهذه المدينة شأن عظيم «1» بالتجارة لأن ميناءها منها تخرج محاصيل حلب والموصل والقسم الشمالي من سوريا وقسم كبير من ولايات الأناضول. وفي سنة 1303 ثم افتتاح طريق المركبات منها إلى حلب كما حكيناه في باب الحوادث وقد خطر لأهل الثروة من الإنكليز أن يمدوا منها إلى وادي الفرات سكة حديد ومنه تتصل بخليج العجم وأن يمدوا بعد ذلك خطا من السكة المذكورة إلى الشمال الغربي لتصلها بالقسطنطينية فسبقهم إلى ذلك الألمان. والخلاصة أن هذه المدينة لو كانت جيدة المناخ لبلغت أضعاف ما هي عليه الآن. وماء عينها الكائنة على بعد نصف ساعة جيد جدا. وفي حدود سنة 1307 رخصت الحكومة لبعض الشركات أن تجر في هذه العين قناة توزعها في البلدة. فجرّتها بكيزان «2» من الحديد وأعطت منها المنازل التي رغب أصحابها

بأجرة سنوية معلومة وقد اشتملت اسكندرونة الآن على عدد وافر من المقاهي والخانات والدكاكين والفنادق المعروفة بالأوتيلات وزهاء ثلاثمائة دكان ومكان واسع للكمرك ودار حكومة جميلة وعدة كنائس وعدد وافر من الحانات. ومعظم محاصيل قضائها في هذه الأيام البرتقال والليمون والحرير. ويزرع فيه القمح والشعير ويخرج من بحرها سمك لذيذ يعرف بالمرجاني. وكانت في أيام الدولة العباسية تشتمل على مقدار عظيم من النخيل. وأكثر سكان اسكندرونة أغراب من الفرنج. والمتوطنون أكثرهم نصيرية ثم أروام ثم إسلام وكلهم يتكلمون بالعربي والتركي والرومي. لم تزل هذه المدينة وخيمة الهواء رديئة المناخ قلما يخلو سكانها من الحميات، وسبب ذلك هو الأجمات الموجودة في قربها ومنشؤها عارض لا أصلي وهو أن البحر كان ممتدا إلى القلعة السابق ذكرها ثم لما جزر عنها شيئا فشيئا أخذت تنسحب وراءه الرمال بكثرة تموجه ثم تراكمت بالقرب من ضفته فانسدت المجاري النافذة إليه وترقرقت المياه وراء ضفته في الأرض التي بقيت مسامتة له فإذا هطلت الأمطار في فصل الشتاء اجتمعت تلك المياه إلى ذلك الرقراق وصارت مستنقعا عظيما تتصاعد منه الأبخرة الفاسدة وتخلّ بمناخ البلدة. وقد فتحت عدة منافذ وخنادق لجريان ماء هذا المستنقع إلى البحر فلم يحصل منها فائدة بسبب مسامتة أرضه سطح البحر كما ذكرنا. وكثيرا ما ينعكس البحر إلى تلك المجاري في أوقات هيجانه فيرجع ماؤه القهقرى ويضاف إلى تلك المياه ويزيد الضرر ويعظم الخطر. ولما رأت الحكومة التركية أن لا سبيل إلى استئصال تلك الأجمات وإزالتها بالكلية إلا بتعبئتها وردمها بالتراب أصدرت بذلك أمرها سنة (1305) رومية فأخذت حكومة إسكندرونة منذ تلك السنة تهتم بهذه المسألة وشرعت تستحضر من أوروبا الأوائل «1» اللازمة لحفر التراب ونقله، كالمساحي والعجلات. وباشرت ردم هاتيك الأجمات فأزالت منها مساحة عظيمة ولم تزل دائبة في العمل كما تمكنت منه حسب مساعدة الفصل. وقد اطلعت على دفتر مرسوم في بيان النفقات التي تصرف على ردم هذه الأجمات مقدرة تلك النفقات على سبيل الظن والتخمين فآثرت إيراده لعدم خلوه عن فائدة. وهذه صورته:

الأسر الشهيرة في الاسكندرونة

مجموع القروش/ نفقة كل دونم مساحة الأجمة بالدونم/ مساحتها بالذراع المكعب/ موقعها ونوع تربتها 400000/200/000/3200000/أرض موجية بأطراف الاسكندرونة 37500000/250/1500/1800000/أرض رملية بيضاء بأطراف الاسكندرونة 300000/300/1000/1200000/أرض رملية معرضة للبحر في أطراف الاسكندرونة 2500/هذا المبلغ علاوة بنسبة عشرة في المئة لما عساه أن يظهر من النفقات 1127500/جمع الجموع على أن يومية العامل قد اعتبرت أربعة قروش من 100 جزء التي هي أجزاء الذهب العثماني. ولذلك كانت النفقات غير باهظة بالنسبة إلى غير بلاد. وفي سنة 1296 رومية ضرب على كل دابة تمر من بيلان عشرون بارة أميرية ليصرف ما يتحصل من هذه الضريبة على ردم الأجمات المذكورة فلم يمض إحدى عشرة سنة إلا واجتمع من هذه الضريبة 1261248 قرشا. وهو المبلغ الذي يتكفل بردم الأجمات وزيادة، على حسب ما قدر لها من النفقات كما تقدم بيانه. الأسر الشهيرة في الاسكندرونة أسرة آل عبد الباقي ووجيهها ثريّى بك ابن حسني بك أول من اتخذ اسكندرونة وطنا. وهو حلبي الوطن من أعيان الأسرة المعروفة باسم باقي زاده. وأسرة بيازيد ووجيهها أحمد أفندي بيازيد الحلبي الأصل وهو أول من اتخذ اسكندرونة وطنا. انتهى الكلام على قضاء اسكندرونة.

قضاء أنطاكية

قضاء أنطاكية مدينة أنطاكية وأسماء محلاتها جمالية 318 قنوات إسلام 388 سكاكين 177 آغبابا 256 عمران 319 دبوس 209 خوجه عبدي 632 درت أياق إسلام 842 شيخ علي 455 ميدان 578 تابع صوفيلر إسلام 555 دقيق 284 ركابية 312 جامع كبير 521 شنبك 493 جنجي بلوكي 405 مقبل 192 وآ 112 صاري محمود 100 وآ 226 شرنجة 533 أورج بلوكي 344 كونك عرب 251 وآ 122 كونجان 251 قسطل 87 محسن عرب 491 وآ 241 تابع محسن عرب 172 قيوبلوكي 241 قنطرة 740 وآ 126 ساحة 159 تابع صوفيلر عرب 239 قره علي بلوكي 285 توت ديبي 474 ود 221 تابع ركابيه 128 جديد 770 قنوات عرب 665 درت إياق عرب 813 و 50 ور 233 صالحية إسلام 65 وآ 85 صوفيلر عرب 403 محسن إسلام 56 وقف ر 203 جنينه آ 118 ورد آ 46 أغراب 103. ناحية القصير بازليجه 170 المنصورية 89 كوكجه كوز 194 تلحبش 131 آق جرن 313 تبرين 110 صبوحيه 241 بوزهيوك 80 بدنبه 230 عبيدية د 7 جسر الحديد 104 تليل الشرقي 50 بخشين 197 عفصيه 393 كورد مزرعة 145 طبراق حصار 348 فرزله 178 بتاتين 200 الزيارة 213 قلانس 282 مغدله 472 عنصو 206 كشكند 590 بقانوس 416 قبب 35 الدير 374 بابطرون 366 قارصو 587 تركمان مزرعة 179 ذومع برديه 117 بايره 156 الأكندا 209 بيوك برج 306 ميراث 98 طانشمه 272 قورليجه 43 بابتره 282 بصليقه 414 أرمنجو 433 فنك 315 قلبزان 13 مسخانو 668 قلعة القصير 127 قنابريه 345 صوفيلر 345 أوقجيلر 476 شيخ 1042 قرصبول 219 جداليه 458 طرفينده 375 جفتلك إسماعيل أفندي 48 خانيو 371 مارصو 149 سلقينه 178 أوسقياط 186 فرفرى 203 زرزور 259 قربياز 482 هتيه 445 عين ثلاث 36 باشرب 259

ناحية الحربية

باسب 93 عين فوار 259 جوم 232 مقابر ص 779 السفريه 387 كفر عايد 126 فلينجار 343 الفاتكيه 490 قوريه 109 إيلجه 35 تل عمار 135 جنيدو آ 269 صورى آ 342. ناحية الحربية العامورية 79 بين الخراب 46 عين الجاموس 296 الدرويشية 84 جبرائيل 123 داليان 102 الإسماعيلية 130 الحربية 376 البغدادية 234 قربه 449 المعشوقية 196 دار الماشطا 357 السنانية 96 العبارة 229 علوان 134 بستان الراس 123 الجرداقية 144 الخالصية 187 الدوير 759 فليت 51 الدرسونية 532 الدرعوزية 265 يقطو 562 بدوي 113. ناحية قره مورط بدركه 20 دير السعدان 78 قره قبه 399 جفتلك بركات زاده 76 عرب محله 122 ميدانجق 38 تليل حب الآس 97 وليلرد 49 حميدية جركسي قبه 118 حوقاق 155 منكوليه 363 عاقلية 205 زلفكنلي 46 سلطانية جركسي 26 علاء الدين 136 كالديران 112 طوله 88 طراشيه 70 اللذي 38 جامورلي جركسي 17 عرب خان 135 داليان مظلوم باشا 39 يارم تبه 102 الشيخ حسن 42 عايدي تحتاني 197 ديكمجه 113 جانجغاز 67 يايلاجق 148 سونبري 186 جاي تلى جركسي 108 جاتلجه 373 كليسه جك 142 سردانيه تابعة الأخان 110 عواقيه 139 تليل حب الآس 436 حسن 158 طاوقلي 101 جكمجه 349 بربرونه 77 كوزل برج 110 سرايجق 19 سوسيه صغيرة 43 أورخانيه 157 سوسيه كبيرة 63 قواسيه 152 طورنجلي 131 المهاجرين في المجيدية 64 عايدي فوقاني 264 سلديران 680 النهر الصغير 890 كمورجقوري 538 عواقيه جركسي 55 كولباشي 315 مرعش بوغازي 76 تليل قزح 89. ناحية السويدية زيتونة 366 وآ 1053 وك 12 قورت دره 264 قباقلي 146 جديدة 804 مغارجق 266 لوشيه 1166 وآ 239 وادي جرب 659 مغيرون 1010 زيزانا 91 النهر الكبير

الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة

1238 نعير 589 بتباس ر 151 وو 137 يغون آق ر 386 و 70 خضر بك ر 329 كبوسيه ر 242 حاجي حببلو 516 عدد الأغراب 26. فجملة سكان قضاء أنطاكية 122952 نسمة ما بين ذكر وأنثى. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة هو قضاء في غربي حلب ويبعد مركزه عنها وهو أنطاكية أربعا وعشرين ساعة وهو قضاء واسع معمور كثير الخيرات وافر البركات غزير المياه عظيم المنتزهات متعدد الجهات فيه السهل والوعر وفي كل منهما من الخصب والغلّات ما لا يوجد في غيرهما. والغالب على أهله الثروة لأن لهم من حقوله عدة مواسم من الحبوب والحرير والزيتون والبرتقال والرمان والتين والعنب والتفاح وبقية الفواكه اللذيذة وكلها تنتقل إلى البلاد شرقا وغربا وتباع بأثمان عظيمة. وأهل أنطاكية اليوم أهل رقة وذكاء وكرم وعلم وسياسة ورياسة. وهي الآن تشتمل على دار للحكومة وثكنة سلطانية و (24) جامعا و (28) مسجدا و (5) مدارس وتكيتان أحدها «1» لأهل الطريقة المولوية على طرف العاصي أحدثها الأستاذ الشيخ عبد الغني البوشي سنة 1261 و (3) كنائس وكنيسة لليهود و (117) حوضا للماء و (3) سبلان و (5) حمامات و (1451) دكانا و (35) مخزنا و (20) خانا و (5) طواحين على الماء و (25) فرنا و (14) منوالا لنسج الأقمشة و (6) دباغات للجلود و (14) حانة و (15) مصبنة و (41) معصرة للزيت و (4) بيوت لشرب الخمر ولعب القمار تعرف بالكازينو و (3) للطعام تعرف باللوكانطه و (11) صيدلية و (15) بيت قهوة ومطبعة قماش. واللغة العامة في قضاء أنطاكية التركية ثم العربية ثم الكردية ثم الأرمنية والرومية ويوجد في كل أمة منهم من يعرف لغة مواطنيه. وهواء أنطاكية جيد لولا ما فيه من الرطوبة وذلك لأن مهبه من الجهة الغربية فيمر على البحر أولا ثم على السويدية وعلى ما فيها من العيون والمياه ثم على نهر العاصي. ولهذه الأسباب يكتسب رطوبة ظاهرة الأثر على الثياب وقلما يبيت الطعام المطبوخ في أنطاكية وهي كثيرة الأمطار والرعود والبروق والصواعق وربما

حصل ذلك في الصيف أيضا وكثيرا ما تتلبد سماؤها بالغيوم في إبان الحر ليلا أو نهارا فيحبس الريح ويشتد الحر وينتشر البعوض ويبقى الإنسان في اضطراب عظيم. وشرب سكان أنطاكية من العاصي أو من العيون المنحدرة إليها من جبل حبيب النجار. وكان لمدينة أنطاكية خمسة أبواب مشهورة هي باب بولس وباب الكلب وباب دوكه وباب العاصي وباب الحديد وسورها العظيم باق حتى الآن لكنه في غاية التوهن ويبلغ محيطه 12 ميلا وذلك مسيرة ثلاث ساعات تقريبا وهو محيط بها من جهة الشرق والجنوب والعاصي من شمالها وغربيها. ومما ورد في فضل أنطاكية ما نقله ابن الشحنة عن ابن العديم أنه قال: قرأت بخط القاضي أبي عمرو عثمان بن إبراهيم الطرسوسي وذكر سندا إلى ابن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالوا: سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «ليلة أسري بي إلى السماء رأيت قبة بيضاء لم أر أحسن منها وحولها قباب بيض كبيرة فقلت: ما هذه القباب يا جبريل؟ قال: هذه ثغور أمتك، فقلت ما هذه القبة البيضاء فإني ما رأيت أحسن منها. قال هي أنطاكية، هي أمّ الثغور وفضلها على الثغور كفضل الفردوس على سائر الجنان. الساكن فيها كالساكن في البيت المعمور يحشر إليها خيار أمتك وهي سجن عالم من أمتك وهي معقل ورباط وعبادة يوم فيها كعبادة سنة ومن مات فيها من أمتك كتب الله له يوم القيامة أجر المرابطين» «1» . قلت: هذا الحديث غريب وإن كان لا يخلو من الدلالة على فضل هذه المدينة. وفي مسودة تاريخ ابن الملا عن ابن عباس أن الكنز الذي جاء ذكره في القرآن كان بأنطاكية وهو لوح من ذهب مكتوب في أحد جانبيه: لا إله إلا الله الواحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. وكان في الجانب الآخر: عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح وعجبا لمن أيقن بالنار كيف يضحك وعجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها وعجبا لمن أيقن بالحساب غدا كيف لا يعمل. اه. فأما الكلام على تاريخ أنطاكية فقد جعلناه نبذتين الأولى فيما قاله فيها الفرنج والثانية فيما قاله فيها العرب.

وخلاصة ما قاله فيها الفرنج أنها مدينة من مدن سوريا على (36) درجة و (48) ثانية من الطول الجنوبي على الضفة الجنوبية من نهر العاصي تبعد 25 ميلا عن البحر من وادي النهر و (55) ميلا عن حلب وهي في غربيها وأول من أسسها سلقوس نيكاتور الذي استولى على سوريا من بعد تقسيم مملكة المكدوني سنة (300) قبل المسيح وكان ذلك في العصر الذي تسابق به الناس إلى بناء مدن جديدة على طرز مدينة الاسكندرية فاقتدى سلقوس بمعاصريه وعوضا عن أن يسكن في أنتيغوني عاصمته مزاحما أنتيغون الذي غلبه في إيبوس فقد اختار بقعة أخرى بقصد محو اسمه أو لأنه فضل هذه البقعة على أنتيغوني أو اتباعا لما حصل معه من الأوهام، فقد نقل عنه أنه بينما كان يقرب للتمثال جوبيتر سيرونيان قربانا انقضّ عليه نسر واختطف أحشاء القربان وطار بها إلى جبل سيليبوس الذي أمر سلقوس أن يبنى عليه حصن (وصورة هذا النسر مرسومة على بعض أوسمة أنطاكية) . ثم بنى سلقوس بأسفله هذه المدينة الجديدة غير ممتدة لضفة النهر تماما خشية عليها من طغيانه وجعل مهندس العمل رجلا اسمه كسينوس وسماها أنطيوخية أو أنطاكية تشريفا لاسم أبيه أنطيوخوس. وكان إقبال السكان عليها من مدينة أنتيغوني التي دمرها الحرب أو من بعض القرى التي على ضفة العاصي حيث كان الاسكندر شيد هيكلا للوثن جوبيتر بونيوس. وكان الغرباء القادمون إلى تلك المدينة حتى اليهود يعاملون أحسن معاملة والأغراب المكدونيون واليونانيون اختصوا منها بعدة محلات وكان إنشاء المدينة ابتداء على ثلاثة شوارع. ثم أخذت تعظم وتتزايد حتى فاقت جميع البلدان سوى رومة والقسطنطينية. وبلغت سكانها في عهد السلوقيين (700) ألف نسمة وانتهت للغاية القصوى من الجمال وحسن الموقع وعظمة التاريخ وكثرة التماثيل والآثار وانفردت بغزارة المياه. وأما سورها فهو مما تحيرت به العقول إذ كان من الصخر الذي له رؤوس. وهو حصن قوي متين مبني بحسب الهندسة الحربية بدور على ما هبط وما ارتفع من الجبل من أسفله إلى قمته. وهناك أي في قمة الجبل يتألف منه إكليل بديع الشكل غريب المنظر. ويقال إن هذه المدينة كانت في أقدم تاريخها تسمى إيبغانيه باسم إيبغان الذي حكمها منذ سنة 175 إلى سنة 164 ق. م وسميت أيضا أنطاكية العاصي لتميزها عن خمس عشرة مدينة من بناء سلوقوس نيكاتور كانت تسمى بأنطاكية.

وسميت أيضا أنطاكية دفنة أنطاكية دفنة نسبة إلى غابة قديمة العهد شهيرة عند الأقدمين مختصة بعبادة الوثن أبولون ولقبها بلينسيوس مملكة الشرق. وكانت تحسب عاصمة ثالثة للمملكة الرومانية. وكان داخل سور أنطاكية صخور بارتفاع 700 قدم وصخور رملية وشلالات ومجار للمياه. وفي وسط ذلك كله بساتين بديعة ورياض أنيقة كأن من نفحات أزهارها طابت قرائح أولئك المشاهير الذين نشؤوا في أنطاكية كيوحنا فم الذهب وليباتيوس وجلياتوس. ووراء الضفة اليمنى من العاصي سهول واسعة محاطة في إحدى جهاتها بجبل اللكام وبقية الجبال المتفرعة من جبال البياري. ومن الجهة الأخرى محاطة بآكام سلسلة جبال النصيرية. وكان سلقوس حينما شاد المدينة بنى في غابة دفنة المعروفة الآن بطواحين بيت الماء هيكلا لأبولون التمثال المحبوب عند السلوقيين. ثم رفع ابنه سوتر في وسط المدينة قوسا عظيما كان منصوبا فوقها «1» تمثال جسيم لأبولون. ولم تزل أنطاكية في عهد السلوقيين والرومانيين تعظم وتزداد حسنا وجمالا وحضارة وعمرانا وتكثر فيها الهياكل والشوارع والبساتين والتماثيل والحمامات حتى بلغت غاية يكلّ عنها قلم الوصف. وبعد خراب كنائس اليهود وظهور الديانة المسيحية أخذت تعمر فيها الكنائس المسيحية. وهي أول مدينة أسست فيها كنيسة مسيحية. وأول كنيسة بنيت فيها كانت في أيام قسطنطين وقد بني فيها هذا القيصر عدة بنايات عجيبة. وآخر القياصرة الذي «2» اعتنوا بتجميلها كان القيصر بالاتس. وقد توالت على هذه المدينة الجميلة العظيمة نكبات الدهر وانصبت إليها طوارق الحدثان واستولت الزلازل عليها استيلاء لا ينقطع أمده ولا يتناهى مدده واحترقت مرات. وأول زلزال عراها كان قبل المسيح عليه السلام بمائة وثمان وأربعين سنة. ثم في سنة (115) قبل المسيح في عهد القيصر تراجان تعاقبت عليها الزلازل المهولة حتى حولت مجاري أنهارها وهلك بها خلق كثير. ثم لم تزل تعاودها الزلازل إلى أن كانت سنة 526 وسنة 527 مسيحية فدهمتها زلزلة دمرت معظمها وأهلكت من سكانها (250) ألف إنسان فغيروا

أسسها وسموها تيوبوليس أي مدينة الله أملا أن يصرف عنها البلاء. ثم في سنة 587 و 588 مسيحية عاودها الزلزال فأهلك من عالمها 60 ألف نسمة. وفي سنة (1115) مسيحية وسنة 509 هـ عاودها أيضا فدمرها عن آخرها. ثم في سنة 1237 هـ وسنة 1821 م حدث بها زلزال آخر فلم يكن أقل وبالا مما سبق وآخر زلزال أصابها سنة 1287 هـ وسنة 1870 م فدمر نصفها. وكانت هذه الزلازل العظيمة لم تكن وحدها سببا لدمارها بل كان يحدث فيها ثورات وفتن وحروب تأتي على بقية ما يدمره الزلزال. منها ثورة حدثت بها سنة (145) قبل المسيح فقد ذبح فيها اليهود مائة ألف من السوريين ونهبوا أنطاكية وسنة (83) قبل المسيح استولى عليها ديكرانوس الأرمني. وبقيت في أيدي الأرمن إلى سنة 69 قبل المسيح فعادت إلى السلوقيين. وفي سنة 64 قبل المسيح استولى عليها الرومانيون وأحرقوها. وفي سنة (250) مسيحية بغتها سابور وأوقع بسكانها على حين غفلة ثم نهبها وأحرقها ورحل عنها. وبالجملة فإن مدينة أنطاكية هي مدينة بولس أحد رسل المسيح صلوات الله عليه وأساقفتها ارتقوا إلى رتب البطاركة وصار لهم حق الجلوس بجانب أساقفة الإسكندرية ورومة والقسطنطينية. وفيها تسمت أتباع المسيح بالمسيحيين. وعلى عهد هرقيليوس استولى عليها المسلمون ولم تكن حينئذ إلا بلدة في حالة الإدبار والقهقرى أو عاصمة مملكة خربت. هذا خلاصة ما قاله مؤرخو الفرنج في مدينة أنطاكية. وأما خلاصة ما قاله فيها مؤرخو العرب فهو أن أول من بني هذه المدينة أنطيخس وهو الملك الثالث بعد الاسكندر. وقيل بناها بعد السنة السادسة من موت اسكندر ولم يتمها فأتمها بعده سلوقوس وهو الذي بنى اللاذقية وحلب والرها وأفامية وبنى أنطاكية على نهر أورنطس وسماها أنطيسوخيا. ثم كملها سلوقوس وزخرفها. وطولها 69 درجة وعرضها 35 دقيقة لا تحت اثنتي عشرة درجة من السرطان وثلاثين دقيقة يقابلها مثلها من الجدي. وهي في الإقليم الرابع. وقيل أول من بناها وسكنها بنت الروم ابن اليقن ابن سام أخت أنطالية. باللام، وهي من أعيان البلاد ومهماتها موصوفة بالنزاهة والحسن وطيب الهواء وعذوبة الماء وكثرة الفواكه وسعة الخيرات.

وقال ابن بطلان في بعض رسائله: وخرجنا من حلب لأنطاكية وبينهما يوم وليلة مسافة عامرة لا خراب فيها أصلا وهي أراض تزرع حنطة وشعيرا تحت شجر الزيتون. قراها متصلة ورياضها مزهرة ومياهها متفجرة يقطعها المسافر بال رخي وأمن وسكون. ولأنطاكية سور وفصيل وللسور 360 برجا يطوف عليها بالنوبة أربعة آلاف حارس ينفذون من القسطنطينية من حضرة الملك يضمنون حراسة البلدة سنة ويستبدل بهم. وشكل البلدة كنصف دائرة قطرها يتصل بالجبل والسور يصعد من الجبل إلى قلّته فتتم دائرة. وفي رأس الجبل داخل السور قلعة تبين لبعدها عن البلد صغيرة. وهذا الجبل يستر عنها الشمس فلا تطلع عليها إلا في الساعة الثانية. وللسور المحيط بها دون الجبل خمسة أبواب وفي وسطها بيعة القسيان، وكانت دار قسيان الملك الذي أحيا ولده بطرس رئيس الحواريين وهو هيكل طوله 100 خطوة وعرضه ثمانون وعليه كنيسة على أساطين. وكان يدور على الهيكل أروقة يجلس عليها القضاة للحكومة «1» ومتعلمو النحو واللغة. وعلى أحد أبواب هذه الكنيسة فنجان للساعات يعمل ليلا ونهارا دائما اثنتي عشرة ساعة وهو من عجائب الدنيا وفي أعلاه خمس طبقات في الخامسة منها حمامات وبساتين ومناظر حسنة تخرج منها المياه. وعلة ذلك أن الماء ينزل عليها من الجبل المطل على المدينة وهناك من الكنائس ما لا يحدّ، كلها معمولة بالذهب والفضة والزجاج الملون والبلاط المجزّع «2» . وفي البلد بيمارستان يراعي البطريك المرضى فيه بنفسه ويدخل المجذومين الحمام في كل سنة فيغسل شعورهم بيده ومثل ذلك يفعل الملك بالضعفاء كل سنة. ويعينه على خدمتهم الأجلاء من الرؤساء والبطارقة التماس التواضع. وفي المدينة من الحمامات ما لا يوجد مثله في مدينة أخرى لذاذة وطيبة لأن وقودها الآس ومياهها تسعى سيحا بلا كلفة. وفي بيعة القسيان من الخدم المسترزقة ما لا يحصى ولها ديوان لدخل الكنيسة وخرجها فيه بضعة عشر كاتبا. وبين أنطاكية والبحر نحو فرسخين ولها مرسى في بليد يقال له السويدية ترسي «3» فيه مراكب الفرنج ويرفعون أمتعتهم إلى أنطاكية على الدواب وكان الرشيد العباسي قد دخل

أنطاكية في بعض غزواته فاستطابها جدا وعزم على المقام بها فقال له شيخ من أهلها: ليست هذه من بلدانك يا أمير المؤمنين. قال: وكيف؟ قال: لأن الطيب الفاخر فيها يتغير حتى لا ينتفع به والسلاح يصدى «1» فيها ولو كان من قلعي الهند. فصدق ذلك وتركها ودفع عنها. وقال المسعودي في كتابه مروج الذهب في الكلام على بطليموس «2» : (وكان ملك الشام يومئذ أنطيخس وهو الذي بنى مدينة أنطاكية وكانت دار ملكه وجعل بناء سورها أحد عجائب العالم في البناء على السهل والجبل. ومسافة السور اثنا عشر ميلا وعدة الأبراج فيه 136 برجا وجعل عدد شرفاته 24 ألف شرفة. وجعل كل برج من الأبراج بتولية بطريق أسكنه إياه برجاله وخيله، وجعل كل برج منها طبقات والبطريق في أعلاه وجعل كل برج منها كالحصن عليها أبواب حديد وأظهر فيها مباها من أعين وغيرها لا سبيل إلى قطعها من خارجها وجر إليها مياها في قنيّ منخرقة إلى شوارعها ودورها. قال: ورأيت فيها في هذه المياه ما يتحجر «3» في مجاريها المعمولة من الخزف فيتراكم الماء المتحجر طبقات ويمنع الماء من الجري بانسداده فلا يعمل في كسره الحديد. وهو مما يولد في أجساد أهلها وأجوافهم وما يحدث في معدهم «4» من الرياح السوداوية الباردة. اه. قلت: هذه المياه التي ذكرها المسعودي غير معروفة الآن. وأما فتحها فإن أبا عبيدة بن الجراح سار إليها من حلب وقد تحصن بها خلق كثير من جند قنسرين فلما صار بمهرويه على فرسخين من أنطاكية لقيه جمع من العدو ففضهم وألجأهم إلى المدينة وحاصر أهلها من جميع نواحيها وكان معظم الجيش على باب فارس والباب الذي يدعى بباب البحر. ثم إنهم صالحوه على الجزية والجلاء فجلا بعضهم وأقام بعض منهم فآمنهم ووضع على كل حالم دينارا وجريبا ثم نقضوا العهد فوجه إليهم أبو عبيدة عياض بن غنم وحبيب بن مسلمة ففتحاها على الصلح الأول.

ويقال بل نقضوا بعد رجوع أبي عبيدة إلى فلسطين فوجه إليها عمرو بن العاصي من إيليا ففتحها ورجع ومكث يسيرا حتى طلب أهل إيليا الأمان والصلح. ثم انتقل إليها قوم من أهل حمص وبعلبك مرابطة، منهم مسلم بن عبد الله جدّ عبد الله بن حبيب بن النعمان بن مسلم الأنطاكي. وكان مسلم قتل على باب من أبوابها فهو يعرف بباب مسلم إلى حدود سنة 600 وذلك أن الروم خرجت من البحر فأناخت على أنطاكية وكان مسلم على السور فرماه روميّ بحجر فقتله. ثم إن الوليد بن عبد الملك بن مروان أقطع جند أنطاكية أرض سلوقية عند الساحل وصيّر لهم الفلز بدينار ومدي قمح «1» فعمروها وجرى ذلك لهم وبنى حصن سلوقية. والفلز مقدار من الأرض معلوم كفدّان وجريب. ثم لم تزل بعد ذلك أنطاكية في أيدي المسلمين وثغرا من ثغورهم إلى أن ملكها الروم سنة (353) بعد أن ملكوا الثغور: المصيصية وطرطوس وآذنه. واستمرت في أيديهم إلى أن استنقذها منهم سليمان بن قتلمش السلجوقي سنة 477 وكتب سليمان إلى السلطان جلال الدولة ملكشاه بن الب ارسلان بخبر فتحها فسرّ به وأمر بضرب البشائر فقال الأبيوردي يخاطب ملكشاه: لمعت كناصية الحصان الأشقر ... نار بمعتلج الكثيب الأحمر وفتحت أنطاكيّة الروم التي ... نشزت معاقلها على الإسكندر وطئت مناكبها جيادك فانثنت ... تلقي أجنّتها بنات الأصفر «2» فاستقام أمرها وبقيت بأيدي المسلمين إلى أن ملكها الفرنج الصليبيون من واليها بغى سنان التركي كما ذكرناه في حوادث سنة 491 واستمرت في أيدي الصليبيين إلى أن استردها منهم الملك الظاهر بيبرس البندقداري سنة 666 على ما حكيناه في حوادث هذه السنة. وبقيت في أيدي المسلمين إلى يومنا هذا تتداولها الدول الإسلامية دولة بعد دولة. مقتطفات في أنطاكية: قال ابن الشحنة: وأنطاكية في شعر المتنبي مشددة الياء في قصيدته التي مدح بها محمد بن زريق:

وحجبتها عن أهل أنطاكيّة ... وجلوتها لك فاجتليت عروسا «1» وأنكر عليه ذلك بعض العلماء. قلت: وكذا الأبيوردي شدد الياء في شعره المتقدم ذكره. والظاهر جواز ذلك لما علمت أن هذه اللفظة معربة عن أنطوخية ومعلوم أن العرب إذا عربت كلمة تصرفت بها كيفما شاءت. ونسب إلى أنطاكية جماعة كثيرة من أهل العلم وغيرهم منهم عمر بن علي بن الحسن العتكي الأنطاكي الخطيب صاحب كتاب المقبول، سمع عدة محدثين بدمشق وقدم مرة أخرى في سنة 359 مستنفرا فحدّث بها وبحمص عن جماعة كثيرة وروى عنه عدة محدثين من الأفراد الكبار، مات في أنطاكية سنة (382) . ومنهم إبراهيم بن عبد الرزاق أبو يحيى الأزدي ويقال العجلي الأنطاكي الفقيه المقرئ. له كتاب في القراءات الثمان وحدث عن جماعة ومات بأنطاكية سنة (338) . ذكر المسعودي في مروج الذهب في الكلام على البيوت المعظمة عند اليونانيين أن البيوت المضاف بناؤها إلى من سلف من اليونانيين ثلاثة بيوت، فبيت منها كان بأنطاكية من أرض الشام على جبل بها داخل المدينة والسور محيط بها وقد جعل المسلمون في موضعه مرقبا لينذرهم من قد رتّب فيه من الرجال بالروم إذا وردوا من البر والبحر، وكانوا يعظمونه ويقربون فيه القرابين فخرب عند مجيء الإسلام. وقد قيل إن قسطنطين الأكبر ابن الملكة هيلانة المظهرة لدين النصرانية هو المخرب لهذا البيت وكانت فيه الأصنام والتماثيل من الذهب والفضة وأنواع الجواهر. وقد قيل إن هذا البيت هو بيت في مدينة أنطاكية على يسرة الجامع إلى «2» اليوم سنة (332) وكان هيكلا عظميا والصابئة تزعم أن الذي بناه سقالانيوس وهو في هذا الوقت سنة (332) يعرف بسوق الجزارين. وقد كان ثابت بن قرّة بن كرايا الصابئي الحرّاني، حين وافى المعتضد في سنة 289 في طلب وصيف الخادم، ابن ثابت «3» ، أتى هذا الهيكل وعظمه وأخبر من شأنه ما وصفنا.

في مروج الذهب أيضا في الكلام على الهياكل أن في أنطاكية هيكل يعرف بالديماس على يمين مسجدها الجامع مبني» بالآجر العادي والحجر عظيم البنيان. وفي كل سنة يدخل القمر عند طلوعه من باب من أبوابه من أعاليه في بعض الأهلة الصيفية. وقد ذكر أن هذا الديماس من بناء الفرس حين ملكت أنطاكية وأنه بيت نار لها. اه. والنصارى يسمون أنطاكية مدينة الله ومدينة الملك وأم المدن لأن بها كان مبدأ ظهور النصرانية وبها كان كرسي البطريرك الأعظم وكان بأنطاكية كنيسة بربارة وبها كنيسة أخرى تدعى شمونيت ولها عيد معظم عند المسيحيين. وكذلك كان بها كنيسة لبولس تعرف بدير البراغيث وهو مما يلي باب فارس وكان بها كنيسة لمريم العذراء صلوات الله عليها وهي مدورة وبنيانها من إحدى عجائب الدنيا في التشييد والرفعة اقتلع منها الوليد أعمدة عجيبة من المرمر والرخام إلى مسجد دمشق حملت في البحر إلى ساحل دمشق وبقيت فيه وكان قسطنطين ابتنى بأنطاكية هيكلا ذا ثمان زوايا على اسم السيد مريم، وابتنى في مدينة بعلبك بيعة أخرى. وهو الذي ابتنى كنيسة القسيان في أنطاكية أيضا. وكان يرسل إليها في كل سنة ستة وثلاثين ألف مدّ «2» من القمح ولما زلزلت أنطاكية سنة 526 وسنة 527 مسيحية هلك تحت الردم أربعة آلاف وثمانمائة وسبعون رجلا وكل الذين تبقوا من هذا الردم هربوا ومضوا إلى أماكن أخرى. ثم أشار على أهل المدينة رجل عابد بأن يكتبوا على أبواب بيوتهم بلغتهم ما معناه (المسيح معنا) وأن يسموا المدينة مدينة الله. ولما فتحها سابور الفارسي أمر فصورت له على ما هي عليه من الشوارع والبيوت ومواقعها ومناظرها وعدد منازلها وعلوها وسفلها وبعث بالصورة إلى خليفته بالمدائن وأمره أن يبني له مدينة على صورتها ووصفها حتى لا يكون بينها وبين أنطاكية في منظر العين فرق. فبنيت المدينة وسماها أنطاكية ونقل إليها أهل أنطاكية حتى يسكنوها فلما صاروا إليها ودخلوا من باب المدينة مضى كل أهل بيت منهم إلى شبه منزله كأنهم خربوا من أنطاكية وعادوا إليها.

وفي أنطاكية عدة مقامات عالية منها قبر حبيب النجار المذكور في سورة ياسين على قول. وقبر عون بن أرميا النبي. وفي الحديث مرفوعا أن فيها التوراة وعصا «1» موسى ورضراض الألواح من مائدة سليمان بن داود عليهما السلام ومحبرة إدريس ومنطفة شعيب وبرد نوح. ويقال إنه كان في كنيسة القسيان منها كف يحيى عليه السلام. ولمدينة أنطاكية أخبار طوال في الحروب وأحاديث عن رجالها يطول شرحها وقد أضربنا «2» الصفح عنها اكتفاء بما لخصناه منها في باب الحوادث وخشية من التطويل الممل. وهنا نورد حكاية عن صاعقة حكاها ياقوت عن ابن بطلان ذكر أنها سقطت على أنطاكية وفعلت أمورا غريبة. وقد اخترنا إثباتها ليطلع القارئ على ما في عجائب القدرة وما أودعه الله من القوة الغريبة في الصاعقة. قال في آخر سنة 1363 للاسكندر الواقعة في سنة 442 للهجرة تكاثرت الأمطار وتواصلت أكثر أيام نيسان وحدث في الليلة التي صبيحتها يوم السبت الثالث عشر من نيسان رعد وبرق أكثر مما ألف وعهد وسمع في جملة «3» أصوات رعد كثيرة مهولة أزعجت النفوس ووقعت في الحال صاعقة على صدفة مخبأة «4» في المذبح الذي للقسيان ففلقت من وجه النسرانية قطعة تشاكل ما قد نحت بالفاس والحديد الذي تنحت به الحجارة وسقط صليب حديد كان منصوبا على علو هذه الصدفة وبقي في المكان الذي سقط فيه وانقطع من الصدفة أيضا قطعة يسيرة ونزلت الصاعقة من منفذ في الصدفة وتنزل فيه «5» إلى سلسلة فضة غليظة يعلق فيها الثميوطون وسعة هذا المنفذ أصبعان فتقطعت السلسلة قطعا كثيرة وانسبك بعضها ووجد ما انسبك منها ملقى على وجه الأرض وسقط تاج فضة كان معلقا بين يدي مائدة المذبح. وكان من وراء المائدة في غربيها ثلاثة كراس خشبية مربعة مرتفعة ينصب عليها ثلاثة صلبان كبار فضة مذهبة مرصعة، وقلع قبل تلك الليلة الصليبان «6» الطرفيّان ورفعا إلى

خزانة الكنيسة وترك الوسطاني على حاله فانكسر الكرسيان الطرفيان وتشظيا وتطايرت الشظايا إلى داخل المذبح وخارجه من غير أن يظهر فيها أثر حريق كما ظهر في السلسلة، ولم ينل الكرسي الوسطاني ولا الصليب الذي عليه شيء. وكان على كل واحد من الأعمدة الأربعة الرخام التي تحمل القبّة الفضية التي تغطي مائدة المذبح ثوب من ديباج ملفوف على كل عمود فتقطّع كل واحد منها قطعا كبارا وصغارا وكانت هذه القطع بمنزلة ما قد عفن وتهرأ ولا يشبه ما قد لامسته نار ولا ما احترق ولم يلحق المائدة ولا شيئا من هذه الملابس التي عليها ضرر ولا بان فيها أثر. وانقطع بعض الرخام الذي بين يدي مائدة المذبح مع ما تحته من الكلس والنورة كقطع الفاس ومن جملته لوح رخام كبير طفر من موضعه فتكسر وطارت قطعه «1» إلى علو تربيع القبة الفضة التي تغطي المائدة وبقيت هناك على حالته «2» وتطافر بقية الرخام إلى ما قرب من المواضع وبعد. وكان في المجنّبة التي للمذبح بكرة خشب فبها حبل قنّب مجاور للسلسلة الفضة التي تقطعت وانسكب «3» بعضها معلّق فيها طبق فضة كبير عليه فراخ قناديل زجاج بقي على حاله ولم ينطف شيء من قناديله ولا غيرها ولا شمعة كانت قريبة من الكرسيين الخشب ولا زال منها شيء. وكان جملة هذا الحادث مما يعجب منه وشاهد غير واحد في داخل أنطاكية وخارجها في ليلة الاثنين الخامس من شهر آب من السنة المتقدم ذكرها في السماء شبة كوّة ينور منها نور ساطع لامع ثم طفىء وأصبح الناس يتحدثون بذلك. وتوالت الأخبار بعد ذلك بأنه كان في أول نهار يوم الاثنين في مدينة غنجرة «4» وهي داخل بلاد الروم على تسعة عشر يوما من أنطاكية زلزلة مهولة تتابعت في ذلك اليوم وسقط منها أبنية كثيرة وخسف موضع في ظاهرها. وكان هناك كنيسة كبيرة وحصن لطيف غابا حتى لم يبق لهما أثر ونبع من ذلك الخسف ماء حار شديد الحرارة كثير النبع المتدافق «5» ،

وغرق منه سبعون ضيعة وتهارب خلق كثير من تلك الضياع إلى رؤوس الجبال والمواضع المرتفعة العالية فسلموا وبقي ذلك الماء على وجه الأرض سبعة أيام وانبسط حول هذه المدينة مسافة يومين ثم نضب وصار موضعه وحلا. وحضر جماعة ممن شاهد هذه الحالة فحدثوا بها أهل أنطاكية وحكوا أن الناس كانوا يصعدون أمتهتهم إلى رأس الجبل فيضطرب من عظم الزلزلة فيتدحرج المتاع إلى الأرض «1» . ومن الأماكن التي لها شهرة في التاريخ القديم مكان يقال له (دفنة) في غربي أنطاكية على بعد نصف ساعة منها ويعرف الآن ببيت الماء أو بطواحين بيت الماء وبعضهم يقول بيت المال وهو في شرقي العاصي. يقال بناها سلقوس نيكاتور منتزها له والصحيح أنها أقدم من سلقوس باني أنطاكية وأن الذي بناها اسمه أبيدفن. غير أن سلقوس حسنها كثيرا ففتح شوارعها وعمر فيها مسارح للتياترو وعمل بها عدة مناظر ومنتزهات. وكان في هذه المدينة هيكل يقال له أبولون معبود السلوقيين، وكان معمولا من السرو الجبلي. وعلى بعد غلوة «2» من دفنة بين البساتين كان يوجد مسرح شائق لتمثيل الروايات المعروف بالتياترو. وأبولون المذكور كان عند اليونانيين إله الصنائع والأدبيات والطب وضياء الشمس. وكان على مثال شاب جميل الصورة قد استرسل شعره إلى الأرض وحمل في يده قوسا. وقد بقي هذا الوثن يعبد على وجه الأرض (1178) سنة وذلك من مبدأ عمله إلى عام احتراقه. والخلاصة أن موقع دفنة على غاية من جودة الهواء وعذوبة الماء ولطافة المناظر حتى إن سكان أنطاكية ولا سيما الأغنياء منهم لا يستغنون عن التريّض بهذا الموضع ولا يصبرون فيه عن دواعي تعاطي الطرب كالغناء والشرب والملاهي. ولما قدم الملك بونيانوس إمبراطور استانبول في الجيل الثالث بعد الميلاد لزيارة هذا الهيكل رأى أن المسيحيين لا يوجبون احترامه فغضب عليهم وهدم سائر كنائسهم الموجودة في دفنة وأخرج منها عظام بعض مقدسيهم وأحرقها. وفي ذلك الأثناء قامت فتنة بين أهل

أنطاكية لاستيلاء القحط عليهم وأحرقوا هذا الهيكل. وفي سنة 625 مسيحية زلزلت تلك الجهات وانهدمت دفنة عن آخرها. ومحلها الآن ظاهر للعيان وهو واد بين جبلين فسيح موجه غربا تنبع المياه من قمة هذين الجبلين وتسيح على أباطحها فيرى لها منظر بديع جدا كأنها سلاسل فضة مدلّاة من علو وهي في غاية العذوبة والصفاء وقد نصب على شلالاتها وهي في الجبل نحو عشرة أرحاء «1» تدور بقوة المياه وبعد نزولها إلى وادي دفنة تجري إلى عدة بساتين فترويها ثم تصب إلى نهر العاصي. وبالجملة فإن دفنة لم يبق لها الآن أثر ولا يدل عليها طلل فسبحان الدائم بعد فناء البلاد والعباد. ومن الأماكن المشهورة في قضاء أنطاكية ناحية (السويدية) في شمالي سورية وغربي أنطاكية على بعد ستة أميال منها في موضع صخري مقبل على البحر المتوسط في لحف جبل بيروس، ويقال له أيضا جبل موسى. وهي من أنزه نواحي أنطاكية وأعمرها قد اشتملت على ما لا يحصى كثرة من العيون العذبة والبساتين الحاوية من كل ثمرة وفاكهة. وقد زعم بعض المؤرخين أنها كانت بلدة فينيقية يقال لها (أولبياهيريا) وأنها كانت محط تجارة بعض الفينيقيين في زمن إقبالهم كاسكندرونة. والصحيح أن الذي اختطها سليقوس نيكاتور جعلها فرضة «2» لأنطاكية وكانت تسمى في عهد السلوقيين سلوقية. وتمتاز عن غيرها بإضافتها إلى بيروس وكان يسمى باسمها تسعة بلدان. ويروى أن بانيها مدفون في موضع منها. وقد استمرت في أيدي خلفاء سلوقوس إلى أن انتزعها منهم بطليموس الثالث ثم استعادها أنطيوخوس الكبير ثم استولى عليها تكران ملك الأرمن ولم تلبث معه غير قليل حتى ملكها منه الرومان فانحطت للغاية. وأما ميناؤها فقيل إن الذي حفرها هو القيصر طيباريوس وقيل بل هي قديمة وإنما هذا القيصر أصلحها بعد خللها. واستمرت مدينة السويدية عامرة بعد انحطاطها إلى سنة (526) وفيها زلزلت الأرض هناك وانهدم معظم المدينة. ثم في سنة (528) زلزلت مرة أخرى فأتت على بقية مبانيها

علاوة نذكر فيها ما علمناه في أنطاكية وبعض نواحيها

وهدمتها بالكلية. وأما ميناؤها فكانت من أحسن المواني على البحر المتوسط وهي من عمل الصناعة. تبلغ مساحتها ميلا في مثله بعيدة عن البحر مقدار غلوة كانت تدخل إليها السفن من البحر بمعبر عظيم وتبقى فيها آمنة من كل غائلة. وقد استمرت مستعملة إلى أيام السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري الذي استرد أنطاكية وما جاورها من البلاد من أيدي الفرنج الصليبيين. ودفعا لغائلة عودهم إلى تلك الجهات من الميناء المذكورة أمر بإبطالها فأبطلت وردمت بالتراب وزال الانتفاع منها. والآن يقدم على البحر تجاهها بعض سفن تجارية شراعية وقليل من البواخر فلا تتمكن هذه السفن والبواخر من الأخذ والعطاء إلا بمشقة زائدة. قال ياقوت: وقد أقطع الوليد الوليد بن عبد الملك جند أنطاكية أرض سلوقية عند الساحل وصير عليهم الفلز (وهو بسيط من الأرض معلوم كالفدّان والجريب) بدينار ومدي قمح فعمروها وجرى ذلك لهم وبنى حصن سلوقية. ولعل السيوف السلوقية والكلاب السلوقية منسوبة إليها. وفي بعض الكتب: كان في جبال الشغر الجارح والكلاب السلوقية الموصوفة من بلاد السلوقية فنسبا إليها، وهو صحيح. والكلب السلوقي يعرف بدقة الرأس وطول الأنف والرقبة وضمور الصدر وطول القوائم ودقتها «1» وصغر الأذنين وتدليهما عند طرفيهما فقط وطول الذنب ودقته كثيرا. وهو يسبق الخيل بعدوه ويصيد بالشّمّ لا بالنظر. علاوة نذكر فيها ما علمناه في أنطاكية وبعض نواحيها زرت مدينة أنطاكية مرات عديدة وعرفت شيئا من أخلاق أهلها ومحاسن بلدهم ومساويها وجلت في نواحيها وقراها وجبالها وسهولها وأحطت خبرا بما اشتملت عليه من العمران وبما تدرّ على قطانها من الخيرات والبركات فلم أر مدينة ولا صقعا من الأصقاع يضارع أنطاكية وأصقاعها في خيراته ومنتزهاته وطيب مائه وجودة هوائه. أول ما يتراءى للمقبل على مدينة أنطاكية من جهة حلب سفح جبل حبيب النجار

فيرى منحدرا فسيحا قامت فيه المنازل والعمائر ذات القصور الباسقة والمباني الشاهقة المنبثة بين الحدائق والبساتين. ثم لا يلبث القادم عليها حتى يسمع من جهتها نعر «1» النواعير الدائرة بقوة مياه العاصي الشبيهة بنواعير حماة. وقد يستقبل النسيم القادم إليها في إبان فصل الخريف بأرج الآس الذي غرسته يد القدرة في جبالها وهضابها القريبة منها والبعيدة عنها. وبعد أن يجتاز إليها ذلك الجسر القديم يرى بلدا عظيما معمورا حسن المباني بعضها من الأخشاب وبعضها الآخر- هو الأكثر- من الحجارة المنهدمة قد تعلق في كثير من جدرانها سواق خشبية يجري فيها ماء النواعير إلى أماكن لكل منها قسطل معلوم. إذا صعدت إلى بعض مرتفعات جبل حبيب النجار تراءت لك البلدة كنصف دائرة استدار عليها العاصي من شرقيها وشماليها وغربيها واعترضها الجبل من جنوبيها فصار قطرا لها. وترى هذا الجبل على عظمته وطول مسافته قد تمشّى في وديانه وقممه ذلك السور العظيم الذي أوله من قرب المكان المعروف بباب بولس وآخره قرب دفنة «2» . أهل أنطاكية متعصبون بالدين. والجمال غالب في نسائهم وقد اشتدت في وجهائهم وأعيانهم محبة الجاه والتقرب إلى الحكومة. وهم ميالون إلى العلوم والآداب والمعارف. وفي طباعهم السخاء والإحسان إلى الضيف والتسابق إلى إكرامه. التجارة في أنطاكية قليلة الجدوى، ولذا كان معظم الثروة التي لا يمكن للإنسان أن يملكها في أنطاكية يحرزها من قراها وبساتينها فأرباب الثراء من هذه الجهة هم الذين يزاحمون بعضهم بالتقرب إلى الحكومة ليتمكنوا من إخضاع مزارعيهم ويصونوا حقولهم وغلّاتهم منه ومن غيره أرباب الصيال والسطوة في البر. وهذا هو السبب الذي جعلهم في أكثر الأوقات منقسمين إلى فئتين كل منهما ينضم إليها فريق من أهل البلدة والأكثر أن تكون إحدى الفئتين غالبة والأخرى مغلوبة مبتعدة عن الحكومة عاجزة عن حفظ أرزاقها في البر. مدينة أنطاكية تتصل بساتينها من جهة الغرب بناحية السويدية المشتملة على عدة نواح كالحسينية والزيتونية والميناء.

وناحية السويدية هذه مما لا نظير له في البلاد من جهة حسن مناظرها وغزارة مياهها ووفور غلاتها التي هي أنواع البرتقال والفواكه والزيتون والتين والرمان والحرير والحنطة والشعير والشوفان. ترى لكل أسرة من الأسر المقيمة في هذه الناحية لمعاناة الفلح والزرع والغراس قصرا مشيدا جميلا قائما بين الغابات من الأشجار المثمرة ينبع في طرف عنها عين خرّارة ماؤها على غاية ما يكون من الصفاء والعذوبة والبرودة. والسويدية في أكثر مناحيها منحدرات من الشرق إلى الغرب وهي تستوعب مسافة طولها نجوا «1» من ثلاث ساعات في عرض مثلها. تنتهي من جهة الغرب وقسم من جهة الجنوب بالبحر. فإذا وقفت في أي بقعة من بقاعها تجلت لك مناظر مدهشة لأنك بعد أن تطل منها على مسافة بعيدة مشحونة بجنات تجري من تحتها الأنهار، ينتهي بصرك بذلك البحر العظيم الذي يتراءى لك فيه شبح جزيرة قبرص وما قاربها من الجزائر. ناحية السويدية كلها مقاصف ومنتزهات غير أنه يوجد فيها بعض منتزهات تمتاز عن غيرها من جهة حسن مناظرها وجودة هوائها ومائها: من ذلك منتزه يعرف باسم (جوليك) ذلك المنتزه الوحيد الذي لا نظير له حتى في جزر الأرخبيل ولذا يقصده في كثير من السنين المصطافون من البلاد والغربية من الفرنسيس والإنكليز وغيرهم يقيمون عنده في مضارب يحضرونها معهم إذ لا توجد فيه مبان تصلح للإقامة. ومن أحاسن منتزهات السويدية العديمة النظير جبل موسى المشتمل على قرى يسكنها الأرمن كقرية كبوسية وقرية خضر بك وقرية حاج حببلو فإن كل قرية من هذه القرى واقعة من هذا الجبل في سفح سترته المشاجر والغابات وجرت من قممه مياه العيون المتفجرة المنحدرة إلى وديان اتخذت حقولا لزرع الخضر والبقول كالطماطم والبطاطة التي يستغل منها ذووها مبالغ تسد عوزهم وتكمل لهم من أمر معاشهم ما ينقصهم من صنائعهم التي هي استخراج الحرير والحياكة والصياغة وطرق النحاس ظروفا وأواني وغير ذلك من الصنائع التي اتخذوها وهم في رؤوس تلك الجبال الشاهقة. ومن نواحي أنطاكية العديمة النظير ناحية القصير المشتملة على سهول وجبال كلها مملوء بالغراس والحقول المستعدة لزرع الحبوب قد تدفقت مياهها وطاب نسيمها. تتوالى

على قطّانها مواسم غلاتها موسما تلو موسم: غلة الزيتون ثم غلة التين والعنب ثم غلة البطيخ وأنواع اليقطين ثم غلة الحبوب كالحنطة والشعير. ومن نواحي أنطاكي «1» العامرة أيضا جبال قره مورط وهي شعاب من جبل اللكام غلب عليها غابات الأرز والسنديان والسرو الجبلي وغيرها ويزرع فيها التبغ فينجم منه ما هو الغاية باللذة. وفيها وديان لزرع الخضر والبقول والحبوب. وفي بعض جهات هذه الجبال أنواع من الأتربة التي تستعمل للصبغ. يصاد من نهر العاصي أنواع من الأسماك تباع في أنطاكية بأرخص سعر. والغريب أن أهل أنطاكية يكرهون سمك السّلور المعروف في حلب باسم السمك الأسود فلا يأكله في أنطاكية غير الغرباء وهو يباع بأبخس ثمن. من جملة منتزهات أنطاكية المنفردة بالمحاسن والعمائر منتزه ناحية الجربية الكائنة على مقربة من مدينة أنطاكية وهي ممتدة على سفح جبل تحدرت فيه مياه من عيون خرارة تسقي ما في الناحية من البساتين المتنوعة الثمار. في كل بستان منها على الغالب قصر منيف يسكنه في فصل الصيف صاحبه ويخال لمن كان فيه كأنه في جنة عالية قطوفها دانية تجري المياه من تحت القصر. وللساكن فيه من المناظر ما وصفناه من المناظر في ناحية السويدية ناهيك بمنتزه لم يرض عمرو بن العاص أن يبات فيه خشية افتتان الجند بمحاسنه إذا أصبحوا. هذه المنتزهات هي غير منتزهات كثيرة قريبة من مدينة أنطاكية كالمنتزه المعروف باسم العين الطويلة أضربنا الصفح عن ذكرها «2» إيجازا للكلام. مدينة أنطاكية قد تقدمت في الأيام الأخيرة بالعمران وتجدد فيها على الضفة الشمالية من نهر العاصي مبان عظيمة آخذة نحو الطريق المؤدية إلى ناحية السويدية «3» . مما انفردت به مدينة أنطاكية من الفواكه المشمش العجمي المعروف عند أهلها باسم (شكر باره) والدرّاقن والسفرجل والأنكي دنيا وقصب السكّر والبرتقال والليمون وأنواع البطيخ الأصفر والعنب والرمان وحب الآس والعنّاب. وانفردت أيضا بلبن الجاموس وما

مساوىء أنطاكية

يعمل منه كالزبدة والجبن فهما مما لا نظير له في غير أنطاكية. وانفردت أيضا بالتبغ المعروف بالتتون والفلافل الحمراء التي يكثر الأنطاكيون من أكلها وينقل منها إلى حلب وغيرها قناطير مقنطرة طرية ومسحوقة. وانفردت أيضا بكثرة ما يعمل في مصابنها من الصابون وربما كان معادلا صابون حلب بالجودة والكثرة. مساوىء أنطاكية من مساوىء مدينة أنطاكية في الشتاء كثرة الأمطار والرعود والصواعق والزلازل. وهي بالحقيقة في موقع جبلي بركاني يدلّك عليه موقع بيت المال ونبع المياه فيه من قمم الجبال، الأمر الذي يبرهن لك على أن هذه المياه الغزيرة لم يدفعها إلى تلك القمم صعدا سوى حركة بركانية أعقبت انفجار بركان عظيم. ومن مساوئها أيضا انحباس النسيم عنها في بعض ليالي الصيف وكثرة الرطوبة وقد تقدم الكلام عليهما. وأحسن ما تكون أنطاكية في أيام الخريف. إذ يكون هواؤها في هذا الفصل لطيفا منعشا يحمل إليها من الجبال الكائنة في جوارها أريج الآس والمرسين «1» . وتطيب فيها الأثمار ويلذ السهر والسمر في المنتزهات المشادة على أطراف نهر العاصي كالفنادق والمطاعم. الأسر الشهيرة في هذه المدينة من الأسر الشهيرة في مدينة أنطاكية أسرة آل بركة وهي تعرف في أنطاكية باسم بركة زاده. جدها الأعلى من مدينة حمص من عشيرة بني خالد بن الوليد وهو أول من قدم إلى أنطاكية واتخذها وطنا. وجيه هذه الأسرة فقيد الوطن المرحوم الحاج رفعت آغا أحد رجال عصره المعروفين بالوجاهة والذكاء والجاه والقبول لدى الحكام والعلوم والمعارف وكرم السجايا وطلاقة

المحيا وسخاء اليد وإقراء «1» الضيوف. وقد تقلب في عدة خدم مهمة في الحكومة العثمانية. وفي أيامه الأخيرة انتخب عضوا لمجلس المبعوثين. كان يقرأ ويكتب باللغة التركية والعربية والفارسية والفرنسية، ويحسن من كل لغة من هذه اللغات أدبياتها وهو حسن اللهجة جميل المحاضرة. أقمت في منزله زهاء ثمانية أشهر يجدد لي كل يوم منها إكراما واحتراما ولم أر في جميع هذه المدة الضيوف التي تجلس على مائدته يقل عددهم عن ثلاثين ضيفا يقدم إليهم في طعام العشاء وطعام الغداء أنفس المآكل والأطعمة يجلس معهم ويسامرهم بلطائفه وينظر إلى كل واحد منهم بوجه كله بشر وطلاقة مما يدل على سخائه ورحب صدره وعلو جنابه، وكان يستقضيه الناس مصالحهم ومهماتهم فلا يرد أحدا منهم إلا شاكرا له مثنيا عليه. وكان الحكام يحبونه ويهابونه سيما حكام أنطاكية فإنهم كانوا لا يخرجون عن إرادته رحمه الله. أما وجيه هذه الأسرة الآن وعين أعيان أنطاكية بل هو من أجل أعيان سوريا حضرة صاحب الفخامة صبحي بك نجل المرحوم الحاج رفعت آغا السالف الذكر وهو رئيس اتحاد دولة سورية المنفرد بمزاياه الكرائم والمشار إليه بالبنان لما اتصف به من المحاسن والمكارم. ومن رجال هذه الأسر المولى العالم الفاضل الأستاذ صفوت أفندي مفتي القضاء. ومن الأسر الكريمة في أنطاكية أسرة آل خلف المعروفة باسم خلف زاده لر وهي أسرة عريقة بالمجد وجد منها عدة رجال أجلاء يستحقون المدح والثناء. ومن الأسر الشهيرة في أنطاكية أسرة آل المفتي نسبة إلى السيد العالم العلامة الحاج يحيى أفندي مفتي أنطاكية الأسبق، كان من كبار علماء عصره وأفاضل أدبائهم، ينظم الشعر التركي والعربي والفارسي ويتكلم باللغات الثلاث. وحينما كنا معه في الحجاز تلقى صحيح البخاري بالرواية على العلامة المحدث الشيخ أحمد الدحلاني شيخ الإسلام في الديار الحجازية وصاحب كتاب الفتوحات الإسلامية. وكنت أقابل معه النسخة التي يتلقى بها الحديث عن الأستاذ المشار إليه. وبعد أن عاد من الحجاز إلى بلدته أنطاكية اختاره والي حلب وحاكمها الشرعي لأن يكون رئيس كتاب المحكمة الشرعية في حلب ونائب غيبة

الحاكم الشرعي فحضر إلى حلب وقام بالوظيفة نحو سنة أحسن قيام ثم بدا له أن يعود إلى وطنه فاستقال من وظيفته وعاد إلى أنطاكية رحمه الله. ومن وجهاء أسرته في هذه الأيام نجله العالي محمد أفندي وهو صاحب منزل لإقراء «1» الضيوف وإكرامهم، ذو وجاهة وإقبال وكلمة نافذة عند الحكومة معروف بالوفاء والصدق والسخاء وكرم الأخلاق. ومنها أسرة القصيري وهي مما تفرع من سلالة الأسرة الجندية التي لها فروع في حمص وحماة وإدلب ومعرة النعمان. وقد ذكرنا في الكلام على البلدة الأخيرة أنهم ينسبون إلى الأسرة العباسية. ومنها أسرة المعصراني التي وجد منهم عدة أماثل يعانون التجارة ويعرفون بالأمانة والاستقامة. ومنها أسرة آل المسكي وهي أسرة معروفة بالوداعة يرتزق أفرادها من التجارة ويعاملون الناس بالمعروف والحسنى ويحرزون ثناء من يعاملهم. ووجيه هذه الأسرة الآن عزت أفندي من خيرة الرجال الموصوفين بالأدب والكمال. وفي أنطاكية غير ذلك من الأسر الكريمة يطول الكلام عليها وبهذا القدر كفاية. انتهى الكلام على قضاء أنطاكية.

قضاء المعرة

قضاء المعرّة مدينة معرة النعمان وأسماء محلاتها الشمالية 2175 القبلية 3046. قرى القضاء كفر رمان 439 حاس 477 كفر نبل 1018 كفر عويد 106 حزارين 275 معرة حرمة 385 جبالا 69 معر تماتر 163 معر زيتا 152 بسقلا 165 حيش 350 هبيطة 377 خان شيخون 1575 كفر سنجة 471 تمانعة 156 كفر ياسين 229 الدير الغربي 101 الدير الشرقي 146 تح 108 معر تشمارين 112 معر شمشا 189 تل نمس 601 جرجناز 550 معر شورين 630 معصران 211 دانه 403 فطيرة 82 فركيا 660 أشنان 165 دير سنبل 46. فجملة عدد سكان هذا القضاء (23285) نسمة ما بين ذكر وأنثى. على أن عددا كبيرا من القرى والمزارع في هذا القضاء لم يجر عليه قلم الإحصاء في هذا الجدول لخلوه من البناء وعدم تمكن الحكومة من عد سكانه لأنهم من عشائر الأعراب الموالي وغيرهم الرحّل النّزل الذين يقيمون في قراهم ومزارعهم أيام الزرع واستحصال الغلة فقط ثم يرحلون بماشيتهم إلى الصحراء يتتبعون الكلأ ومواقع القطر. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة قال ياقوت في معجمه: المعرة تأتي بمعان مختلفة وهي الشدة وكوكب في السماء دون المجرّة وتلون الوجه من الغضب. والمعرة في الآية معناها جناية كجناية العرّ وهو الجرب. وقيل المعرة العزم. اه.

قلت يحتمل أن تكون لفظة المعرة هنا سريانية معناها المغارة سميت بذلك لأن هذه المدينة مشتملة على كثير من المغاير وأن أصلها في السريانية معرتا فتصرّف بها العرب وقالوا معرة وتاؤها في اللغتين للتأنيث. والنعمان هو النعمان بن بشير صحابي اجتاز بها فمات له ولد فدفنه فيها وأقام عليه أياما فسميت به وقال ابن خلكان في تاريخه إن النعمان بن بشير تديّر المعرّة «1» فنسبت إليه وكان يقال لها قبله معرة حمص. اه. وفي جانب سورها من قبل البلد قبر يوشع بن نون وقد جدد عمارته الملك الظاهر الغازي والحقّ أن قبر يوشع بأرض نابلس. وبالمعرة أيضا قبر محمد بن عبد الله بن عمار ابن ياسر قال ياقوت: وأظن أنها سميت بالنعمان الملقب بالساطع بن عدي بن غطفان ابن عمر بن بريج بن خذيمة بن تيم الله. وهو تنوخ بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان ابن عمران بن لحاف بن قضاعة. وهو مخالف لما قلناه ونقلناه عن ابن خلكان وربما كان هو الصواب لأن التنوخيين كانوا يقطنون هذه النواحي. وكانت المعرة مدينة كبيرة من أعمال حمص بين حلب وحماة. ماء أهلها من الآبار وعندهم الزيتون الكثير والتين الوافر. ومنها أبو العلاء المعري العالم المشهور القائل: فيا برق ليس الكرخ داري وإنما ... رماني إليها الدهر منذ ليال فهل فيك من ماء المعرّة قطرة ... تغيث بها ظمآن ليس بسال وقبر أبي العلاء المعري بهذه المدينة. وللناس فيه اعتقاد عظيم يبيتون على قبره شربة ماء ويستعملونها للبرء من الحمى. والمشهور أنه كان مكتوبا على قبره بوصية منه: هذا جناه أبي عليّ م ... وما جنيت على أحد وهذا البيت ليس له الآن وجود وإنما المكتوب على قبره هذان البيتان: قد كان صاحب هذا القبر جوهرة ... نفيسة صاغها الرحمن من شرف عزّت فلم تعرف الأيام قيمتها ... فردّها غيرة منه إلى الصدف

وزعم مؤرخو حلب أن في معرة النعمان عمودا فيه طلسم للبق تحته مغارة فيها صورة بقة نزل إليها رجل فبطلت خاصتها، وأن فيها عمودا هو طلسم الحيات يميل مع الريح القوية فيوضع تحته الجوز واللوز فيكسر. قلت: والمشهور عند أهل المعرة أن الشيخ زين الدين عمر بن الودي مدفون في المعرة. والذي ذكره ابن خطيب الناصرية أنه مدفون في حلب وعلى ذلك جرينا في ترجمته. وينسب إلى المعرة كثير من العلماء والمحدّثين وهذا القضاء في جنوبي حلب ويبعد مركزه عن حلب 22 ساعة وقصبة المعرة الآن تشتمل على دار حكومة ومستودع رديف وقلعة متهدمة وستة عشر جامعا وخمسة عشر مسجدا ومدرستين وأربع حمامات وما يقرب من 500 دكان وأربعة وعشرين مدارا «1» وخان واحد وأربعة أفران وعشرة «2» معاصر زيت وعشرة بيوت قهاوي ومسلخ واحد. وجامعها الأعظم عمري قديم له من الأوقاف ما فيه كفايته يضاف إليها الفاضل من غلة خان مراد جلبي وخان أسعد باشا. وفيها جامع آخر فيه مقام لسيدنا يوشع له منارة جميلة وأوقاف جليلة لعبت بها أيدي المتغلبين. وجامع آخر فيه غار يشتمل على قبر عطاء الله بن أبي رباح حامل لواء النبي صلّى الله عليه وسلم وعشر مسابغ «3» . واللغة في هذا القضاء العربية وهو قضاء واسع كثير الأراضي جيد التربة والهواء إلا أن أكثر أراضيه موات للخوف من الأعراب الرحّل. وكان قديما من أعمال حماة ثم ألحق بلواء حلب منذ عهد غير بعيد وكانت المعرة معروفة عند العرب بذات القصور إلى أن سميت بمعرة النعمان للسبب الذي تقدم ذكره. وذكر ابن بطوطة في رحلته أنه كان يوجد في ضواحي المعرة مقدار عظيم من شجر الفستق أما الآن فلا أثر له هناك إنما يوجد فيها قليل من الكرم وماء أهلها من الصهاريج المطريّة وقد مر على المعرة عدة حوادث ذكرناها في باب الأخبار مرتبة على سنيها فأغنى عن ذكرها هنا.

كانت المعرة بلدة عظيمة تدل أطلال سورها على أن طولها ساعة في عرض مثلها. وكان لها من جهة القبلة باب يسمى باب نصرة عنده تل كبير يذكر أن فيه كنزا. ومن جهة الغرب باب يدعى باسم السيد شيث يبعد عن قلعتها نحو عشر دقائق وكانت القلعة في وسط البلدة. ومن جهة الشمال باب يدعى باب ايلة عنده بناء ضخم يدل على أنه من بناء السريان. ومن جهة الشرق باب يدعى باب منّس لأنه يخرج منه إلى تل منس وهي الآن قرية معروفة كان ظهر فيها عاديات زجاجية وأسس ضخمة. في شمالي المعرة أطلال عمران يدعى محلها رويحة. يظهر أنها كانت بلدة عظيمة فيها أبنية ضخمة من جملتها أربعة أقواس عالية جدا يذكر أن أحد الرعاة ضرب حلقة قوس منها فأطارها فإذا هي من ذهب. وفي غربي المعرة إلى الشمال على بعد ساعة عنها ثلاثة أطلال، أحدها يدعى حندوثين والآخر يدعى فركيا، عندها بناء ضخم يعرف بدار الملك والثالث يدعى أشنان، فيه قناة كلدانية تنفذ إلى البساتين. وعلى مقربة من هذه الأماكن أطلال تعرف باسم دير سنبل أو دار صمبل. وفي غربي المعرة قرية تدعى حاث. في شماليها إلى الغرب أطلال مدينة كبيرة تدعى حاث. وفي هذه القرية آثار أبنية قديمة من جملتها بناء تام تحت الأرض يقال إنه كان وجد فيه مائدة من الرخام. وفي غربي المعرة أيضا قرية تدعى سفوهن «1» في قمة جبل عندها ميدان فسيح يليه تل كبير فيه آثار تدل على أنه كان قلعة. وفي الغرب من سفوهن» قرية تدعى الفطيرة ذكر في بعض التواريخ أن أهلها مشهورون بالشر وشراسة الأخلاق وهم معروفون بذلك حتى الآن. كان اكتشف في اسفوهن على «3» صندوق حجري فيه منطقة «4» من ذهب على عقودها بعض رسوم عادية بيع الواحد منها بخمسين ذهبا. وفي غربي سفوهن قرية تدعى فليفل على رأس تل، فيها آثار اكتشف فيها على «5» على أعمدة حجرية ضخمة. ويوجد في تلك

النواحي غير ذلك من الآثار القديمة الحثية والكلدانية والرومانية مما يدل على أن تلك الجهات كانت من أجلّ البلدان عمرانا وأكثرها سكانا. وفي هذا القضاء عدة آثار قديمة لها ذكر في التاريخ منها قرية خان شيخون وكان اسمها القديم خالس وهي من أعظم قرى هذا القضاء. ومنها كفر طاب وربما قيل لها كفر طوب وفيها يقول محمد بن سنان الخفاجي: بالله يا حادي المطايا ... بين جبالي «1» وأرّضايا عرّج على أرض كفر طاب «2» ... وحيّها أحسن التحايا وأهدها «3» الماء فهي ممن ... يفرح بالماء في الهدايا وقال عبد الرحمن بن محسن المعري: أقسمت بالرب والبيت الحرام ومن ... أهلّ معتمرا من حوله وسعى إن الألى بنواحي الغوطتين، وإن ... شطّ المزار بهم يوما وإن شعسا أشهى إلى ناظري من كل ما نظرت ... عيني، وفي مسمعي من كل ما سمعا ولا كفر طاب عندي بالحمى عوضا ... نعم سقى الله سكان الحمى ورعى وهي الآن خالية من السكان ومحلها بين المعرة وخان شيخون في برية معطشة وليس لها شرب إلا ما يجمعونه من الأمطار. قال ياقوت: وبلغني أنهم حفروا نحو ثلاثمائة ذراع فلم ينبط «4» لهم. قلت: وسيأتي لنا في الكلام على «بالس» وهي «مسكنة» أن الفرات أعجز أهلها بحفرة أراضيها عكس كفر طاب فإن أهلها أعياهم الحفر على الماء فلم يجدوه. وإلى هذا أشار أبو العلاء في قصيدة له من اللزوميات حيث يقول «5» : أرى كفر طاب أعجز الماء أهلها ... وبالس أعياها الفرات من الحفر

خناصرة

كذلك مجرى الرزق واد بلا ندى ... وواد به فيض، وآخر ذو جفر خبرت البرايا والتصعلك والغنى ... وخفض الحشايا والوجيف مع السفر فأطيب أرض الله ما قلّ أهله ... ولم ينأ فيه القوت عن يدك الصفر يعاني مقيم بالعراق وفارس ... وبالشام ما لم يلقه ساكن القفر فمل عن بني حواء من نسل آدم ... لتنزل بين الحوّاء والأدم والعفر «1» ولا بدّ في دنياك من نصب لها ... وهل وضع الأثقال دهرك عن شفر أليس هزبر الغاب وهو مملّك ... على الوحش يبغي الصيد بالناب والظفر وأنت إذا استعملت أكواب عسجد ... أسأت ويجزيك الإناء من الصفر لقد سكنت نفسي على الكره جسمها ... فألفيتها لا تستقرّ من النّفر فإن لم تنل وفرا من المال فاستعر ... وفارة عقل فهي أزكى من الوفر وإن لم يكن لبّ الفتى مع شخصه ... وليدا فما يفري لنفع ولا يفري يسمّي غويّ من يخالف كافرا ... لك الويل «2» أي الناس خال من الكفر حصلنا على التمويه وارتاب بعضنا ... ببعض فعند العين ريب من الشفر وقد اخترنا إثبات هذه الأبيات لما اشتملت عليه من الحكم البالغة والأمثال السائرة التي تهشّ لها نفس كل أديب. وفي شحشبو فيما زعموا قبر الاسكندر. قيل إنه مات بها ونزع ما في جوفه ودفن وصبّر جسده وجهّز إلى أمه وقد مات بحمص. قال ابن الشحنة: ولا يبعد فإن كفر طاب كانت من أعمال أفامية. خناصرة ومما كان في حكم هذا القضاء خناصره. وتعرف الآن بخناصر. وكانت خرابا يبابا لا سكان فيها. وفي حدود سنة 1320 قدم على حلب قبيلة من قبائل الجركس مهاجرة من قافقاس تعرف باسم (قباضاي) «3» فأسكنتهم الحكومة خناصر. ومن تلك الأيام

نبذة في أخبار عمر بن عبد العزيز

أخذت بالعمران وصارت قرية كبيرة. وكانت بلدة قديمة لها حصن بناؤه بالحجر الأسود الصلد على سيف «1» البرّية. وكانت من كورة حمص وبلاد بني أسد وسميت باسم بانيها خناصرة بن عمر خليفة الأشرم صاحب الفيل. وفي خناصرة يقول عدي بن الرقاع العاملي وقد نزل بها الوليد بن عبد الملك ووفد عليه: وإذا الربيع تتابعت أنواؤه ... فسقى خناصرة الأحصّ وزادها «2» نزل الوليد بها فكان لأهلها ... غيثا أغاث أنيسها وبلادها نبذة في أخبار عمر بن عبد العزيز وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه تديّر خناصرة «3» ، وتوفي سنة (101) في دير سمعان ودفن به. روي أن صاحب الدير دخل على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في مرضه الذي مات فيه بفاكهة أهداها له فأعطاه ثمنها فأبى الديراني أخذه. فلم يزل به عمر حتى قبض ثمنها ثم قال له عمر: يا ديراني بلغني أن هذا الموضع ملككم. فقال: نعم. فقال: إني أحب أن تبيعني منه موضع قبر مدة سنة فإذا حال الحول فانتفع به. فبكى الديراني وحزن وباعه موضع قبر بأربعين درهما فدفن به. ثم إن المسلمين اشتروا جميع الدير وأبقوه مدفنا لعمر رضي الله عنه وقال فيه بعض الشعراء يرثيه: قد قلت إذ أودعوه الترب وانصرفوا: ... لا يبعدنّ قوام العدل والدين قد غيّبوا في ضريح الترب منفردا ... بدير سمعان قسطاس الموازين من لم يكن همّه عينا يفجّرها ... ولا النخيل ولا ركض البراذين وقال كثيّر «4» : سقى ربّنا من دير سمعان حفرة ... بها عمر الخيرات رهن، دفينها صوابح من مزن ثقالا غواديا ... دوالح دهما ما خضات دجونها

وقال جرير الخطفى: ينعى النعاة «1» أمير المؤمنين لنا ... يا خير من حجّ بيت الله واعتمرا حمّلت أمرا عظيما فاصطبرت له ... وسرت فينا بحكم الله يا عمرا فالشمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا وقال الشريف الرضي «2» : دير سمعان لا عدتك الغوادي ... خير ميت من آل مروان ميتك يا بن عبد العزيز لو بكت العين م ... فتى من أمية لبكيتك أنت طهّرتنا من السبّ والشتم م ... فلو أمكن الجزاء جزيتك ولعمري لقد زكوت وقد طبت م ... وإن لم يطب ولم يزك بيتك هكذا ساقها ابن الوردي وقد رأيت لها زيادة وهي: ولو أني رأيت قبرك لاستحييت م ... من أن أرى وما حيّيتك دير سمعان فيك مأوى ابن حفص ... فبودّي لو أنني قد أويتك «3» أنت بالذكر بين عيني وقلبي ... إن تدانيت منك أو إن نأيتك «4» وعجيب أني قليت بني مروان م ... طرا وأنني ما قليتك قد نما العدل منك لما نأى الجور م ... بهم فاجتويتهم واجتبيتك فلو انّي «5» ملكت دفعا لما نابك م ... من طارق الردى لافتديتك ورثى الرضي هذا أبا إسحاق الصابي بقصيدة طنانة أولها: أعلمت من حملوا على الأعواد ... أرأيت كيف خبا ضياء الوادي فقال ابن الوردي يعترض عليه ويندد به:

أقسمت ما قول الرضيّ بمرتضى ... في الموضعين وقد يزلّ العاقل أبمثل ذا يرثى كفور صابىء ... وبمثل ذا يرثى الإمام العادل قلت: ولو اطّلع ابن الوردي على ما أوردناه من الزيادة لما اعترض على الرضي. قيل إن بني أمية خافوا إن امتدت أيام عمر بن عبد العزيز أن يخرج الأمر عنهم إلى من يصلح فسمّوه. وكان عمر متحريا سنة الخلفاء الراشدين حتى عده الإمام الشافعي وغيره منهم. ولما ولي الخلافة أبطل سب علي رضي الله عنه على المنابر وكتب إلى نوابه بإبطاله. ولما خطب يوم الجمعة أبدل السب في الخطبة بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ... إلى آخر الآية. فاستمر الخطباء على قراءتها إلى يومنا هذا. وفي ذلك يقول كثير: وليت فلم تشتم عليا ولم تخف ... بريا ولم تتبع سجيّة مجرم وصدّقت بالفعل المقال مع الذي ... أتيت فأمسى راضيا كلّ مسلم هذان البيتان من قصيدة لها قصة لطيفة نوردها على طريق الفكاهة، وهي أن حماد الرواية «1» قال: قال لي كثير عزة ألا أخبرك عما دعاني إلى ترك الشعر. قلت: نعم. قال: شخصت أنا والأحوص ونصيب إلى عمر بن عبد العزيز وكل واحد منا يدل عليه بسابقة وإخاء قديم ونحن لا نشك أنا سيشركنا في خلافته فلما رفعت لنا أعلام خناصرة لقينا مسلمة بن عبد الملك وهو يومئذ فتى العرب فسلّمنا فردّ ثم قال: أما بلغكم أن إمامكم لا يقبل الشعر. قلنا ما توضّح لنا خبر حتى انتهينا إليك. ووجمنا وجمة عرف ذلك فينا فوعدنا خيرا وقال متى رجعت إليكم منحتكم ما أنتم أهله. فلما قدم كانت رحالنا عنده بأكرم منزل فأقمنا عنده أربعة أشهر يطلب لنا الإذن هو وغيره فلا يؤذن لنا. إلى أن قلت في جمعة من تلك الجمع: لو أني دنوت من عمر فسمعت كلامه فحفظته كان ذلك رأيا. ففعلت فكان مما حفظت من كلامه: (لكل سفر زاد لا محالة فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة بالتقوى وكونوا كمن عاين ما أعد الله له من ثوابه أو عقابه فترغبوا أو ترهبوا ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو «2» قلوبكم

وتنقادوا لعدوّكم) . في كلام كثير لا أحفظه. ثم قال أعوذ بالله أن آمركم بما أنهى عنه نفسي فتخسر صفقتي وتظهر عيلتي وتبدو مسكنتي في يوم لا ينتفع فيه إلا الحق والصدق. ثم بكى حتى ظننت أنه قاص نحبه. وارتجّ المسجد وما حوله بالبكاء. وانصرفت إلى صاحبيّ فقلت لهما: خذا في شرح من الشعر «1» غير ما كنا نقول لعمر وآبائه فإن الرجل آخريّ وليس بدنيوي. إلى أن استأذن لنا مسلمة في يوم جمعة بعد ما أذن للعامة فلما دخلت سلمت ثم قلت يا أمير المؤمنين طال الثواء وقلّت الفائدة وتحدّث بجفائك إيانا وفود العرب. قال: يا كثيّر إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل. أفي واحد من هؤلاء أنت. قلت: بلى ابن سبيل منقطع به وأنا صاحبك. قال: ألست صاحب أبي سعيد. قلت: بلى. قال: ما أرى ضيف أبي سعيد منقطعا به. قلت: يا أمير المؤمنين أتأذن لي في الإنشاد. قال: نعم، ولا تقل إلا حقا. فقلت: وليت فلم تشتم عليا ولم تخف ... بريا ولم تقبل إشارة مجرم وصدّقت بالفعل المقال مع الذي ... أتيت فأمسى راضيا كل مسلم ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه ... من الأود الباقي ثقاف المقوّم وقد لبست لبس الهلوك ثيابها ... تراءى لك الدنيا بكف ومعصم «2» وتومض أحيانا «3» بعين مريضة ... وتبسم عن مثل الجمان المنظّم فأعرضت عنها مشمئزا كأنما ... سقتك مدوفا من سمام وعلقم وقد كنت في أجبالها في ممنّع ... ومن بحرها من مزبد الموج مفعم وما زلت توّاقا إلى كل غاية ... بلغت بها أعلى البناء المقوم فلما أتاك الملك عفوا ولم يكن ... لطالب دنيا بعده من تقدّم ومالك إذ كنت الخليفة مانع ... سوى الله من مال رعيت ودرهم تركت الذي يفنى وإن كان رونقا ... وآثرت ما يبقى برأي مصمّم «4»

وأضررت بالفاني وشمّرت للذي ... أمامك في يوم من الشرّ مظلم سما لك همّ في الفؤاد مؤرّق ... بلغت به أعلى المعالي بسلّم فما بين شرق الأرض والغرب كلّها ... مناد ينادي من فصيح وأعجم يقول: أمير المؤمنين ظلمتني ... لأخذ لدينار ولا أخذ درهم ولا بسط كف لامرىء غير مسلم ... ولا السفك منه ظالما ملء محجم ولو يستطيع المسلمون لقسّموا ... لك الشطر من أعمارهم غير ندّم فأربح بها من صفقة لمبايع «1» ... وأعظم بها واعظم «2» بها ثم أعظم قال: فأقبل عليّ وقال إنك مسئول عما قلت. ثم تقدم الأحوص فاستأذنه في الإنشاد فقال: قل ولا تقل إلا حقا. فأنشده القصيدة التي مطلعها: وما الشعر إلا حكمة من مؤلّف ... لمنطق حق أو لمنطق باطل ولا تقبلن إلا الذي وافق الرضا ... ولا ترجعنا كالنساء الأرامل فلما أتمها قال له إنك مسئول عما قلت. ثم تقدم نصيب فاستأذنه في الإنشاد فلم يأذن له وأمره بالغزو إلى دابق فخرج إليها وهو محموم وأمر لي بثلاثمائة وللأحوص بمثلها ولنصيب بمائة وخمسين. اه. قلت: ومما يورد له في هذا الباب أنه لما استخلف وفدت إليه الشعراء كما كانت تفد إلى الخلفاء قبله فأقاموا ببابه أياما لا يأذن لهم بالدخول حتى قدم عدي بن أرطاة على عمر بن عبد العزيز وكانت له منه مكانة فقال جرير: يا أيها الرجل المزجي مطيّته ... هذا زمانك إني قد مضى زمني أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... أني لدى الباب كالمصفود في قرن وحش المكانة من أهلي ومن ولدي ... نائي المحلّة عن داري وعن وطني قال نعم يا أبا حزرة ونعمى عين. فلما دخل على عمر قال: يا أمير المؤمنين إن الشعراء ببابك وأقوالهم باقية وسنانهم مشهورة. قال: يا عدي مالي وللشعراء. قال: يا أمير

المؤمنين إن النبي صلّى الله عليه وسلم قد مدح وأعطى وفيه أسوة لكل مسلم. قال: ومن مدحه؟ قال: عباس بن مرداس، فكساه حلّة وقطع بها لسانه. قال: وتروي قوله؟ قال نعم: رأيتك يا خير البرية كلّها ... نشرت كتابا جاء بالحق معلما ونوّرت بالبرهان أمرا مدمّسا ... وأطفأت «1» بالبرهان نارا مضرّما فمن مبلغ عني النبيّ محمدا ... وكل امرئ «2» يجزى بما قد تكلما تعالى علوا فوق عرش إلهنا ... وكان مكان الله أعلى وأعظما قال: صدقت فمن بالباب قال ابن عمك عمر بن ربيعة «3» قال لا قرّب الله قرابته ولا حيّا «4» وجهه أليس هو القائل: ألا ليت أني يوم حانت منيّتي ... شممت الذي ما بين عينيك والفم وليت طهوري كان ريقك كله ... وليت حنوطي من مشاشك والدم ويا ليت سلمى في القبور ضجيعتي ... هنالك، أو في جنة، أو جهنم فليت والله تمنى لقائلها في الدنيا وعمل صالحا والله لا يدخل علي أبدا، فمن بالباب غير من ذكرت. قلت: جميل بن معمر العذري قال هو الذي يقول: ألا ليتنا نحيا جميعا وإن نمت ... يوافي لدى الموتى ضريحي ضريحها فما أنا في طول الحياة براغب ... إذا قيل قد سوّي عليها صفيحها أظلّ نهاري لا أراها ويلتقي ... مع الليل روحي في المنام وروحها اعزب به فو الله لا دخل علي أبدا فمن بالباب غير من ذكرت. قال: كثيّر عزة. قال: هو الذي يقول: الله بيني وبين سيّدها ... يفرّ عني بها وأتبع

اعزب به فمن بالباب غير من ذكرت. قال: همام بن غالب الفرزدق قال: أليس هو القائل يفخر بالزنى: هما دلّتاني «1» من ثمانين قامة ... كما انقضّ باز أقتم الريش كاسره فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا ... أحيّ يرجّى أم قتيل نحاذره وأصبحت في القوم الجلوس وأصبحت ... مغلّقة «2» دوني عليها دساكره فقلت ارفعوا الأحراس لا يشعروا بنا ... وولّيت في أعقاب ليل أبادره اعزب به فو الله لا دخلي علي أبدا فمن بالباب غير من ذكرت. قلت: الأخطل التغلبي. قال: أليس هو القائل: فلست بصائم رمضان عمري ... ولست بآكل لحم الأضاحي ولست بزاجر عنا بكورا ... إلى بطحاء مكة للنجاح ولست بقائم كالعير أدعو ... قبيل الصبح حيّ على الفلاح ولكني سأشربها شمولا ... وأسجد عند منبلج الصباح اعزب به فو الله لا وطئ لي بساطا أبدا، فمن بالباب غير من ذكرت؟ قلت: جرير ابن الخطفى قال: أليس هو القائل: لولا مراقبة العيون أريننا ... مقل المها وسوالف الآرام هل ينهينّك أن قتلن مرقشا ... أو ما فعلن بعروة بن حزام ذمّ المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأقوام طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيارة فارجعي بسلام فإن كان ولا بد فهذا فأذن له فخرجت إليه فقلت: ادخل أبا حزرة فدخل وهو يقول: إن الذي بعث النبيّ محمدا ... جعل الخلافة في إمام عادل وسع الخلائق عدله ووفاؤه ... حتى ارعوى وأقام ميل المائل والله أنزل في القران فضيلة ... لابن السبيل وللفقير العائل

إني لأرجو منك خيرا عاجلا ... والنفس مولعة بحب العاجل فلما مثل بين يديه قال: اتق الله يا جرير ولا تقل إلا حقا فأنشأ يقول: كم باليمامة من شعثاء أرملة ... ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر ممّن يعدّك تكفي فقد والده ... كالفرخ في العشّ لم ينهض ولم يطر يدعوك دعوة ملهوف كأنّ به ... خبلا من الجن أو مسّا من البشر خليفة الله ماذا تأمرنّ بنا ... لسنا إليكم ولا في دار منتظر ما زات بعدك في همّ يؤرّقني ... قد طال في الحيّ إصعادي ومنحدري لا ينفع الحاضر المجهود بادينا ... ولا يعود لنا باد على حضر إنّا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر أتى الخلافة أو كانت له قدرا ... كما أتى ربّه موسى على قدر هذي الأرامل قد قضّيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر قال: يا جرير والله لقد وليت هذا الأمر وما أملك إلا ثلاثمائة: فمائة أخذها عبد الله ومائة أخذتها أم عبد الله. يا غلام أعطه المائة الباقية. فقال والله يا أمير المؤمنين إنها لأحبّ مال كسبته إليّ. ثم خرج فقالوا له: ما وراءك قال: ما يسوءكم خرجت من عند أمير المؤمنين يعطي الفقراء ويمنع الشعراء وإني عنه لراض. ثم أنشأ يقول: رأت رقى الشيطان لا تستفزّه «1» ... وقد كان شيطاني من الجن راقيا وكان مولد عمر رضي الله عنه بحلوان لما كان أبوه واليا على مصر سنة (60) وجده مروان بن الحكم. وكان عمر أبيض رقيق الوجه جيده نحيف الجسم حسن اللحية غائر العينين بجبهته أثر حافر دابة ولذلك سمي أشجّ بني أمية وخطه الشيب. وكان قبل أن يلي الخلافة يبالغ في التنعم ويفرط في الاختيال في المشية وكان لعمر غلام يقال له درهم يحتطب له فقال له يوما ما يقول الناس يا درهم. قال: ما يقولون، الناس كلهم بخير وأنا وأنت بشرّ. قال وكيف ذلك قال عهدتك قبل الخلافة عطرا لباسا فاره

المركب طيب الطعام فلما وليت رجوت أن أستريح وأتخلص فزاد عملي شدة وصرت أنت في بلاء. قال: فأنت حر فاذهب عني ودعني وما أنا فيه حتى يجعل الله لي منه مخرجا. قال أنس رضي الله عنه ما صليت خلف إمام أشبه برسول الله صلّى الله عليه وسلم من هذا الفتى عمر بن عبد العزيز. وسئل عنه محمد بن علي بن الحسين فقال: إنه نجيب بني أمية يبعث يوم القيامة أمة وحده. وقال بعض أهل العلم كانت العلماء معه تلامذة وقد عمل له ابن الجوزي سيرة في مجلد كبير بقي عند قبره زمنا طويلا. ولما مرض مرض وفاته قيل له لو تداويت. قال لو كان دوائي في مسح أذني ما مسحتها. نعم المذهوب إليه ربي. وكان سائرا على سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وقد بلغ من الزهد والميل عن الدنيا مبلغهما وكان قبل خلافته إذا اشتري له ثوب بخمسمائة يستخشنه فلما صار خليفة اشتري له ثوب بثمانية فاستلانه. قال مسلمة ابن عبد الملك دخلت على عمر في مرض موته أعوده فإذا عليه قميص وسخ فقلت لامرأته فاطمة وكانت أخت مسلمة اغسلوا ثياب أمير المؤمنين فقالت نفعل ثم عدت فإذا القميص على حاله فقلت ألم آمركم أن تغسلوا قميصه. فقالت والله ما له غيره. قيل: وكانت نفقته كل يوم درهمين من ماله. ولما ولي الخلافة أتاه أصحاب مراكب الخلافة يطلبون علفها فأمر بها فبيعت وجعل ثمنها في بيت المال وقال تكفيني بغلتي. قالت فاطمة زوجته: دخلت عليه وهو في مصلاه ودموعه تجري على لحيته فقلت أحدث شيء فقال إني تقلدت أمر أمة محمد فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والغازي والمظلوم المقهور والغريب الأسير والشيخ الكبير وذي العيال الكثيرة والمال القليل وأشباههم في أقطار الأرض فعلمت أن ربي سيسألني عنهم يوم القيامة وخصمي دونهم محمد صلّى الله عليه وسلم إلى الله فخشيت أن لا تثبت حجتي عند الخصومة فرحمت نفسي فبكيت. ولما رد إقطاعه الذي ورثه من آبائه لأربابه قيل له: فكيف تصنع بولدك. فجرت دموعه وقال: أكلهم إلى الله. ومن العجيب أن ابنه عبد الملك بن عمر كان على سيرته في الزهد وجب العدل. ولما مرض ابنه هذا مرض الموت دخل عليه أبوه عمر فقال له يا بني كيف تجدك. قال: أجدني في الحق. قال: يا بني إن تكن في ميزاني أحب إلي أن أكون في ميزانك فقال له ابنه يا أباه لأن يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب. فمات في مرضه وله سبع

الأسر الشهيرة في معرة النعمان

عشرة سنة. قيل وقال عبد الملك لأبيه يوما: يا أمير المؤمنين ما تقول لربك إذا أتيته وقد تركت حقا لم تحيه وباطلا لم تمته. فقال يا بني إن أجدادك قد دعوا الناس عن الحق فانتهت الأمور إليّ وقد أقبل شرها وأدبر خيرها ولكن أليس حسنا وجميلا أن لا تطلع الشمس علي في يوم إلا أحييت حقا وأمتّ فيه باطلا حتى يأتيني الموت فأنا على ذلك. وبالجملة فإن أخباره كلها جميلة ولو أخذنا باستقصائها لضاق عنها هذا الكتاب وقد ذكرت له في كتب السير خطب ومواعظ وأفعال تدل على علو منزلته في مراتب أهل الله والصفوة الملأ «1» . وفي هذا القدر كفاية للتنبيه على فضله وعدله رضي الله عنه. الأسر الشهيرة في معرة النعمان أشهر أسرة في هذه البلدة وأقدمها: أسرة آل الحراكي يتصل نسبها بالحسين رضي الله عنه. تولى نقابة أشراف هذه البلدة أبو بكر أفندي ثم ولده طاهر أفندي ثم ولده نورس باشا الشهير المتحلي برتبة مير ميران «2» وهو أعظم رجل وجد في هذا القضاء لما اتصف به من فرط الذكاء والسخاء والوجاهة ونفوذ الكلمة لدى الخاص والعام والقريب والبعيد وكان منزله كدار للضيوف يجد فيها الضيف من حسن القرى والكرامة ما لا يجده في منزل غيره وكان الضيف يقيم عنده الأشهر العديدة بل ربما أقام عنده بعض الأغراب المستخدمين في حكومة المعرة مدة خدمتهم فلا يجدون في طول هذه المدة سوى ما يتجدد لهم من البر والإكرام كل يوم. وكان ينزل عنده بعض سوّاح «3» من كبار رجال الغرب فيتجلى لهم كرم الشرقيين وحسن أذواقهم وذكاء فطرتهم لما يجدونه لديه من الحفاوة والإكرام والنظافة في المأكل والمشرب وجمال الظروف والأواني وأثاث المنزل ولطف المعاملة. وجيه هذه الأسرة الآن حكمت بك نجل المرحوم نورس باشا فهو جار على سنن والده بالسخاء وإقراء «4» الضيوف وكرم الأخلاق والوجاهة عند الحكومة ولطف المعاشرة.

الكلام على دير سمعان وتفسير الدير وما يتعلق به

ومن الأسر الكريمة في مدينة المعرة أسرة آل الجندي المنسوبين إلى الأسرة العباسية. جدهم الأعلى الشيخ ياسين قدم إلى هذه البلاد من بغداد بعد حادثة التتار الجنكزيين فأقام في قرية بكفالون وفيها كانت وفاته وتفرق أولاده بعده في حماة وحمص وإدلب وحلب وقرية الشيخ في القصير. ومنهم امتدت سلسلة هذه الأسرة في البلاد المذكورة. وممن عرفناه من أفرادهم في المعرة الأستاذ السيد الشيخ صالح أفندي مفتي هذا القضاء المتوفى في حلب سنة 1311 المدفون في مقبرة الشيخ جاكير كان رحمه الله على جانب عظيم من العلم والعمل واللطف والظرف والسخاء وكرم الأخلاق. وقد خلفه بفتوى بلده نجله المرحوم الشيخ أحمد أفندي ثم ولده الشيخ سعدي أفندي ثم أخوه الأستاذ الشيخ أسعد أفندي حفظه الله. ومن الأسر الشهيرة في المعرة أسرة آل يوسف وهو الجد الأعلى لهذه الأسرة وكان ذا ثروة طائلة يقال إن مبدأها كان من كنز ظفر به في خان أسعد باشا في المعرة حينما جعل ناظرا على عمارته لأنه كان معروفا بالأمانة والاستقامة وقد وقف على المعرة وقفا عظيما. وله طاحون في حماة. وأهل هذه الأسرة عندهم نسب يتصل بالعباسيين. وجيه هذه الأسرة الآن السيد الماجد عمر آغا أحد أعيان هذا القضان. ومن الأسر الشهيرة في هذه البلدة أسرة يقول أفرادها إن نسبهم يتصل بنسب بني الشحنة الذين كان منهم عدة علماء وقضاة في حلب وغيرها. على أن لدى هذه الأسرة مكتبة فيها عدة كتب مخطوطة قد تقرّب صحة دعواهم. انتهى الكلام على قضاء المعرة. الكلام على دير سمعان وتفسير الدير وما يتعلق به دير سمعان المتقدم ذكره يقال له أيضا دير النقير وكان في موضع نزه والبساتين محدقة به وعنده قصور وهو الآن من أعمال المعرة على مقربة منها إلا أنه خرب وقبر عمر بن عبد العزيز لم يزل معروفا به يقصده الزوار إلا أن القبر مهمل غير معتنى بشأنه. وقد مر أبو فراس بن أبي الفرج البزاعي على هذا الدير فرآه خرابا فقال «1» : يا دير سمعان قل لي أين سمعان ... وأين بانوك خبّرني متى بانوا وأين سكانك اليوم الألى سلفوا ... قد أصبحوا وهم في الترب سكّان

أصبحت قفرا خرابا مثل ما خربوا ... بالموت ثم انقضى عمر وعمران وقفت أسأله جهلا ليخبرني ... هيهات من صامت بالنطق تبيان أجابني بلسان الحال إنهمو ... كانوا ويكفيك قولي إنهم كانوا وأهل حمص يقولون إن دير سمعان في ناحيتهم وإن قبر عمر بن عبد العزيز فيه والصحيح أن قبر عمر في دير المعرة. وفي معجم البلدان في الكلام على دير مرّان أنه دير مشرف على كفر طاب قرب المعرة يزعمون أن فيه قبر عمر بن عبد العزيز وهو مشهور بذلك يزار إلى الآن. وسمعان هذا هو أحد مقدسي النصارى ويقولون إنه شمعون الصفا وله عدة أديرة بنيت على اسمه منها هذا المقدم ذكره وآخر بنواحي أنطاكية على البحر. وعن ابن بطلان أن بظاهر أنطاكية دير سمعان وهو مثل دار الخلافة ببغداد يضاف به المجتازون وله من الارتفاع كل سنة عدة قناطير من الذهب والفضة وقيل إن دخله سنة أربعمائة كان ألف دينار ومنه يصعد على جبل اللكام. ودير سمعان أيضا بنواحي حلب بين جبل بني عليم والجبل الأعلى وهو في جبل سمعان الآتي ذكره. والدير معناه في اللغة بيت يتعبد فيه الرهبان ولا يكون في المصر الأعظم إنما يكون في الصحاري ورؤوس الجبال فإن كان في المصر كان كنيسة. والديراني صاحب الدير. قلت: وكان الدير لا يعمر إلا في محال منفردة ثم أجيز بناؤه خارج أسوار المدن. وبعد القرن الخامس عشر للمسيح أخذوا يعمرونها في المدن ومنشأ وجود الزهد والرهبانية في دين النصارى ما كان عند الطائفة الغنوستكية ومتأخري الأفلاطونيين من الترهب والزهد فكان عند اليهود زهاد يسمونهم إيسينية وترابونية يعتزلون الناس ويكلفون أنفسهم الأمور الشاقة ولا يشربون خمرا ولا يأكلون لحما ولا يتزوجون ويسكنون الأماكن المهجورة. ولما كانت القرون الوسطى من رفع عيسى عليه السلام أخذت مذاهب فيثاغور تمتزج بالديانة النصرانية ومال إليها كثير من عباد النصارى وزهادهم فمن ذلك الوقت أخذوا يعتزلون الناس ويسكنون الخلاء ليتفرغوا للاشتغال بالأمور الإلهية وسموا أنفسهم بالرهبانية. وأول من سن ذلك ماري بولص سنة 250 مسيحية ومن ذلك الوقت أخذت الأديرة تنتشر في عالم النصرانية حتى بلغت عددا عظيما. ثم إن بعض تلامذة ماري بولص

وضع للرهبان قانونا بناه على أربع قواعد أصلية كما كانت عند قدماء الرهبان وهي الخلوة وشغل اليد والصلاة والصوم. وكان رهبان المشرق منقسمين إلى أربع طوائف إحداها السنوبيتية كانوا جميعا مشتركين في المسكن والمطعم والعمل. والثانية الأرمنية كانت تسكن الأخصاص والمغاير «1» المتفرقة والثالثة الأنخورية كانت تنتقل من صحراء إلى أخرى ويأكلون وينامون في أي محل أدركهم الليل أو لحقهم الجوع. والرابعة السياحة وهي شبيهة بقدماء عباد آلهة الشام من جهة أنهم كانوا يسبحون من قطر إلى آخر ويتجرون بآثار يقولون إنها من آثار القديسين ويتعيشون مما يأتي إليهم من معتقديهم. وما زالت الأديرة في ازدياد وانتظام حتى صارت من أعظم أسباب اتساع التنصر وإحياء الغابات المقفرة والأراضي العقيمة التي عادت أريافا خصبة. وتقدمت الفلاحة واستوطنت في البلاد المقفرة قبائل عديدة حول أديار «2» وكان الرهبان ينسخون كتب الرومان واليونان المتعلقة بالأزمنة القديمة ويشتغلون في ترجمتها فانتشرت بذلك العلوم عند الأمة النصرانية والتفتت الأفكار إلى احترام الرهبان الذين كانوا مع هذه الفوائد يعيشون من الصدقات التي توضع على الهياكل. ثم في سنة 313 مسيحية صدر أمر قسطنطين بأن يؤذن للكنائس والطوائف الرهبانية أن تتملك الأراضي والعقارات ووقف على كنيسة الحواريين وقفا عظيما. ثم في سنة 221 مسيحية رخص للنصارى بأن يوصوا بأملاكهم للكنائس ففي أقرب وقت اتسعت مداخيل معابدهم حتى جاوزت الحد وحمل البطر والترف الأساقفة على أن يشتغلوا بإدارتها عن أمورهم الدينية وقد عظمت سلطتهم حتى إنهم كانوا يتصرفون بالأرض والقرية الموقوفة عليهم مع أرقّائها أي خدامها. ثم فرضوا العشر على النصارى مستندين في ذلك إلى الشريعة الإسرائيلية لأنها فرضت على بني إسرائيل أن يأتوا إلى الهياكل بعشر ثمارهم. وما زالوا يتمادون بالتسلط حتى بلغوا منه الغاية. ثم أزيلت الأسباب وصلح شأنهم بعد مشقات يطول شرحها.

قضاء جسر الشغر

قضاء جسر الشغر سكان مدينة جسر الشغر 2181 إسلام و 147 نصارى. قرى القضاء شاتوريه 294 أدار 120 الزوف 385 كاور كوي 197 ملند 515 كترين 72 جانوديه 904 بكفلا 80 قيقون 168 الإسحاقية 4 الشغر القديم الفوقاني 409 الشغر القديم التحتاني 408 شندريش 145 كفر دبين 466 بشلامون 395 كستانه 65 كنيسة النخلة 45 مشمشان 136 العامود 218 خربة العامود 255 دير كوش 890 عزمارين 199 بتيه 55 مزرعة حجي باشا 448 الجقصونية 705 مزرعة بهبون 233 خربة الجوز 222 قلاوس 33 كوجي 19 أرملا 308 عين الشيباني 14 عين عيسى 5 عين الحور 20 بكسريه 574 مزرعة الزغينية 20 بلتكوز 49 عين البندق 17 بطيبان 117 كفر قطار 172 بدامه 693 كفرنجي 396 أوبين 175 تفاحيه 76 إستبرق 197 غاني 68 دير سمان 33 فرى 72 خومات 32 حسينيه 25 دويسات 18 قنيه 329 اليعقوبية 290 الجديدة 283 أنكزيك ا 223 مشنه ر 23. ناحية قلعة المضيق قلعة المضيق 361 تحتاني 13 توينه 48. ناحية أوردو أردو 1431 مزرعة يبرون 22 ينيجه كوي 179 قرق تبه حق 260 مزرعة مجيد 51 شفشاق 105 ضفور 173 شمره جك 167 بندكه 732 جندر 103 مرسلك 117 إيرجى 167 كره كوس 326 جاقى 161 طرمبه 330 مزرعة إغزي قره 40 ميادون 268 جليه 887 قشلاق حصار جق 497 قندونه 494 تشرين 44 خان ضومه 376

الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن المشهورة

تنزبزى التحتاني 349 تنزبزى الفوقاني 36 طمطم 94 الروم في ناحية أردو 329 كسب و 684 كسب ر 740 كسب ك 215 قره طوران ر 240 أرفه لي ر 21 أغراب القضاء 105. فجملة سكان هذا القضاء (27951) نسمة ما بين ذكر وأنثى. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن المشهورة هذا قضاء في جنوبي حلب ويبعد مركزه عنها وهو جسر الشغر مسافة إحدى وعشرين ساعة وقد اشتملت هذه المدينة على دار الحكومة وثلاثة جوامع وخمسة مساجد وتكية واحدة وحمام واحد وثلاثة أفران وثمانية مقاهي ومائتي دكان وخان واحد وطاحون على العاصي وقلعة وجسر كبير معقود فوق العاصي على أربع عشرة قنطرة كأنه قلعة منيعة يقال إنه من آثار المرحوم محمد باشا الوزير الأعظم المعروف بالكوبرلي وكذا قيل في جامعها الأعظم إنه من آثاره. والصحيح أن الجسر قديم ولعل محمد باشا رمّه «1» أو جدده فنسب إليه. وكلمة الشغر إذا كانت عربية الأصل فهي مأخوذة من شغر البلد إذا خلا من الناس، ويقال بلد شاغر إذا لم تمتنع «2» من غارة وبلاد شغّر. والأقرب أن تكون هذه الكلمة سريانية معناها الثغور وذلك أن هذه البلدة أول ثغور سوريا والأتراك يلفظونها الشغور. وكان الشغر قلعة حصينة مقابلها أخرى يقال لها بكاس على رأس جبلين بينهما واد كالخندق كل واحدة تناوح الأخرى، والجسر كان يعبر فوقه من إحداهما إلى الأخرى وقد استولى عليهما الفرنج الصليبيون واستمرتا بأيديهم مدة إلى أن انتزعهما منهم السلطان الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي. ثم عاثت فيهما يد الأيام والليالي ولعبت بعمارتهما مكايد التتار فخربتا عن آخرهما. وهواء هذا القضاء رديء إلا قليلا منه وسبب وخامته نهر العاصي الذي يدور في معظمه وينبسط في بعض أماكن منه فيصير كأنه أجمة مملوءة من قش البردي بحيث يتغير لون الماء

وطعمه وريحه. وقد اشتهرت قصبة الجسر عندنا بعمل الملاءات المطبوعة التي تستعمل عند سكان القرى وأطراف حلب سفرا ووجوها للّحف والوسائد والفرش. وعلى بعد ثلاث ساعات من الجسر قرية اسمها كفر دبين عندها عين معدنية ينفع الاستحمام بها من الأمراض الجلدية كالقوبي والحزاز وبقية البثور. ومن أشهر المحاصيل الطبيعية في هذا القضاء بزر الخردل وجزور المحمودة المعروفة بالكتب الطبية باسم سقمونيا وفيه أيضا كثير من الزيتون والتتون وتوت الحرير والحنطة والشعير وبقية الحبوب. والثروة في سكانه ضعيفة كما أن المعارف فيه مفقودة. ومن الأماكن التي كان لها ذكر في التاريخ في هذا القضاء: (أفامية) وكانت قاعدة سورية الأبامية من أعمال شيزر وهي في جنوبي أنطاكية وكان اسمها القديم فرنكه. ثم في دولة الطوائف اتخذها سلوكس نيكاتر مقرا لجنوده وحظيرة لخيوله وفيلته فاتسعت وعظمت فسماها حينئذ باسم زوجته أباما وبعد المسيح عليه السلام اشتهرت بامس فاميه وعلى هذا الاسم فتحت سنة (17) عن يد أبي عبيدة صلحا على الجزية والخراج وقد جرى عليها ما جرى على بقية جيرانها من البلاد التي عاثت بها أيدي الفرنج ثم التتار فخربت وجلا أهلها عنها. ويقال لها أيضا فامية بغير ألف، قيل: الأصل ثانية. وذلك أنها ثاني مدينة بنيت على الأرض بعد الطوفان. وقد ذكرت في شعر أبي العلاء بالألف «1» حيث قال:- ولولاك لم تسلم أفامية الردى «2» - ومجيئها في الشعر بغير ألف كثير من ذلك ورودها في شعر لعيسى بن سعدان الحلبي: يا دار علوة ما جيدي بمنعطف ... إلى سواك ولا قلبي بمنجذب ويا قرى الشام من ليلون لا بخلت ... على بلادكم هطّالة السحب ما مرّ برقك مجتازا على بصري ... إلا وذكّرني الدارين من حلب ليت العواصم من شرقيّ فامية ... أهدت إليّ نسيم البان والغرب «3» ما كان أطيب أيامي بقربهم ... حتى رمتني عوادي الدهر من كثب

الأسر الشهيرة في مدينة جسر الشغر

قال العزيزي: وكورة أفامية مدينة عظيمة قديمة على نشز «1» من الأرض لها بحيرة حلوة يسقيها النهر المقلوب وهو العاصي. قلت هي الآن خراب قرب قلعة المضيق تبعد عن العاصي (90) مترا ويظهر لسورها بعض أطلال وفيها طريق محفوف بالأعمدة المرمرية في وسطه آثار هيكل لباكوس وهو تمثال الطرب قيل وصاحبه أول من اكتشف خواص العنب وعمل منه النبيذ. أما قلعة المضيق فقد كانت حصنا لأفامية وهي الآن خراب فيها آثار قليلة. وبحيرة أفامية مشهورة من قديم الزمن وحديثه. وقد سبق ذكرها في الكلام على بحيرات الولاية. ومن الأماكن التي لها ذكر في التاريخ من هذا القضاء (دير كوش) وكانت معتصما فلما ابتنت الفرنج حارم بنوه حصنا وصار له ربض. ولما ملكه المسلمون من الفرنج مع ما ملكوه منهم بنوا في ربضها جامعا فاتسعت وعظمت حتى صارت بليدة لها معاملات وفيها قاض ووال ثم اضمحلت وعادت الآن كقرية كبيرة وهي على شط العاصي وفيها حمام وسوق وهي كثيرة الخيرات وافرة البساتين يجلب منها إلى حلب وغيرها الرمان والتفاح وغيرهما من الفواكه اللذيذة الطيبة. في هذا القضاء أيضا قرية (قسطون) ومحلها في الروج وكانت حصنا وفي سنة 448 نزل عليه أبو علي الحسن بن علي بن ملهم العقيلي فقاتله وقل الماء على أهله فأنزلهم على الأمان وكان فيه قوم من أولاد طلحة ومحمد بن عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فوجد فيه ألفا من البقر والغنم وغيرها كلها ميتة فخربه وانصرف عنه. الأسر الشهيرة في مدينة جسر الشغر منها أسرة محمد آغا اليونسو المتوفى في العقد الثامن من القرن الثاني عشر وكان ذا بأس ودهاء ومن أحفاده الآن محمد آغا وصادق آغا. ومنها أسرة النجّاري منها نعسان آغا وسليم آغا وقد خلفهما أولادهما. ومنها أسرة القاسم منها نعسان آغا وكان ذا أخلاق فاضلة ومدارك سامية. انتهى الكلام على هذا القضاء.

قضاء عينتاب

قضاء عينتاب مدينة عينتاب وأسماء محلاتها ترلاي عتيق 585 ترلاق عتيق ر 611 ك 7 د 120 و 267 جقور 332 جقور ر 1150 ك 67 د 24 و 430 قرب قوزانلي 931 قرب قوزانلي ر 293 و 335 قرب منلا أحمد 305 قرب منلا أحمد ر 71 و 66 قوزانلي 378 قوزانلي ر 1028 ك 14 و 238 موصللي 467 موصللي ر 72 ك 21 د 6 و 26 قرب زنجرلى 557 قرب زنجرلى ر 902 ك 17 د 5 و 255 أهل جفا 799 أعل جفا ر 309 و 61 قرب ترلاي جديد 87 قرب ترلاي جديد ر 82 ك 17 د 52 سنك طويل 211 سنك طويل ر 348 د 34 و 71 سنك خوش قدم 221 سنك خوش قدم ر 55 د 96 سنك نقاش 215 سنك نقاش ر 130 بستانجي 582 بستانجي ر 296 ك 8 و 13 طاشقلي 245 طاشقلي ر 104 د 14 و 16 ترلاي الجديد 584 دليسى 379 قلبخ أوغلي 308 قيازوقاغى 230 طراجق زقاق 223 عرب 260 شرقيان 445 مزلف 153 قرب شرقيان 119 ققار خانه 190 إمام بلوكى 315 قباصقال 365 قوجه أوغلان 454 أمروكلى 120 كيانك 584 حمامجي 264 حاجي وهاب 115 خضر جاويش 314 تركس 185 كلشن 360 نساحجي 149 قره جه لي 250 د 23 كرجكين 148 بجاوره 102 بجاوره د 13 قزاز 248 قزاز د 132 دوكمه جي 182 دوكمه جي ك 12 د 40 شيخ جان 145 شيخ جان ر 37 ك 18 د 50 فاره 175 فاره ر 175 د 83 و 11 ابن كور 200 ابن كور ر 263 263 ك 10 و 79 قره صقال 198 قره صقال ر 6 قرب بستانجي 394 قسطل 203 قسطل ر 50 قزلجه مسجد 595 جابى 535 قيصيرية 335 ابن شكر 680 ابن شكر ر 56 قرب ابن شكر 145 قرب ابن شكر ر 77 د 12 و 14 كورنتجيان 710 قان الجى 282 كوركان 1081 بوياجي 415 يخنى 705 مغاره باشى 287 يالكز خانه 185 يالكز خانه ر 73 و 30 حايك بابا 155 حايك بابا ر 106 و 94 أقيول 990 أقيول

ناحية قزل حصار

ر 573 ك 6 و 146 ابن أيوب 390 ابن أيوب ك 36 ر 1005 و 374 حايك زميان 17 حايك زميان ر 387 و 112 أبلهان 38 أبلهان ر 777 ك 18 و 114 حايك مسلمان 99 حايك مسلمان ر 1189 ك 37 و 232 قباجق 9 قباجق ر 319 ك 21 و 262 قرب قياجق 147 قرب قباجق ر 101 ك 20 و 52 قرب بك 105 قرب بك ر 45 و 38 بك 171 بك ر 261 و 86 جوزليجه 670 حاجي خليل خانه 235 قرب جوزليجه 139 صويه بطمز 309 توبه 662 قرب علي النجار 257 كبكب 464 حاجي باقي 355 يبراق 399 جقماق 242 قره مرعش 183 صفر باشا 71 أمين ده ده 76 شيخ سلمان 391. ناحية قزل حصار قزل حصار كبير 1689 كور كبين 568 تفاح 20 كوك دوز 6 نوارنه 256 بابلكى 398 كليسه جك 255 جقور يقين 393 حجار 478 سازغين 272 دير كلي 30 ظراتى 110 هلمان 61 مزمخور 56. ناحية أورل ورشي كفر جبل 292 بطال 471 أديل 921 تخته مور 331 رومانلي 82 روم أولك 233 سنان 110 كللى 395 كفر بستان 115 كفر بستان ر 49 أورل 619 أورل ر 228 تل غار 627 جيدر 449 كزان 837 إبراهيم شهر 192 كوره تز 718 محمدو 179 أغجه كند 656 قزلجه كند 269 خيام 812 بناملي 99 طورلى 451 كرتيشه 550 جناقجي 242 جاعود 606 كشتام 245 مغاره دره سي 65 دربيل 116. ناحية هزك بيلان كوي 174 نارليجه 151 يايلاجق 308 برج 956 كليسه جك 233 قره قيو 335 فباكند 97 قره دينك 306 قره هزك 359 قره هزك ر 9 يورطى 117 صاحب أرسلان 43 ينى يبان 318 سيكر 94 دوستانلي 137 بكيشلي 160 كوجك قره حصار 468 زمكى 353 كلبين 389 أوفاجق 156 باورك 76 شكر 258 لوهان 471 مورجه

ناحية جاربين

لي 150 كليجة 58 كرجكين 288 تخنتان 221 جارطل 165 آقبنار 130 دوكر 182 مهرمان 103. ناحية جاربين إبراهيملي 538 أسبطرين 550 أسبطرين مزرعة سى 209 حسام مزرعة سى 243 بيوك عربلر 290 بيوك أوبه 77 شهمه 266 أمرلو 22 طورنالق 141 جاربين 546 ديمشقلي 197 كواجحه 221 ذا الفقار 111 جقلى 127 سمادين 43 أبو مسكون 327. ناحية جكده بكربكي 569 دولك 473 قره هيوك 144 أتابك 423 بدرمةى 463 بلا نقوز 190 صوبغاز 327 كونكرله 318 قره جه ويران 122 كوكسنجك 352 قره جه برج 316 خمير كسان 162 أغجه برج 200 جبا 94 جباكر 430 سلوكي 63 مترنمكي 290 كرى إليجى 182 تل هيوك 100 يوقارى عربلر 63 أشاغى عربلر 384 إينجه صو 167 جكده 315 كوجكه 756 صام 489. ناحية قزيق ماوزيه 67 قوزي يازي 93 قره دينك 128 قره جقلي 58 جاي قيو 82 أوغريجه 225 عجم هيوكى 34 أوج كليسا 108 مره كوز 123 دوندارى 69 قوجلى 181 حجوكلي 113 طوى عيسى 95. ناحية تل بشار توتليجه 48 بلدين 80 أورش 91 روم أولك 54 تل سوار 46 ديكمه طاش 8 كنيسة 7 قناب 15 قلاغوز 34 واجلى 10 حزار 38 أغجه هيوك 10 زنبور 7 كوجك معصره 46 قره جوماق 31 هكرمن 4 بشده لي 16 قره جه ويران 30 تنب 282 ملك 16 عرقيق 193 كمراك 38 أولو معصر 299 بوستانجق 81 قباجاعز 79 كله جك 35 قازقلي 83 كمنون 93 قيلجيان 9 باقيره 111 بش كوز 15 كوجيكي 8 قمري 59 بركه 6 قمري وحاجي حسين 29 كوده دير 7 بواغر 7 المالو 27 جبالو 44 طقوزجم

الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة

10 قوزليجه 17 مزمز 168 صاريت 287 كنايك 307 زاغيه 2 سمادين 13 تل بشار 198 تل بشار مزرعه سى 44 شفدين 158 كورت عثمان 26 قره بردون 27. فجملة سكان قضاء عينتاب (82842) نسمة ما بين ذكر وأنثى. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة موضع هذا القضاء في شمالي حلب وتبعد قاعدته عنها وهي مدينة عينتاب 104 أميال وهو قضاء واسع ذو خيرات عظيمة ومياه غزيرة. وموقع عينتاب في سوريا الشمالية وهي مدينة كبيرة عامرة كانت تعد ثاني بلدة من ولاية حلب متقدمة في المعارف. وكان فيها عدة مدارس ومكاتب وبيت خاص لتربية الأيتام ومدرسة كبيرة اسمها كولّيج، القائم على أمرها رهبان إمريكيون من طائفة البروتستان، وعينتاب مركز لهم وفي هذه المدرسة تتلى جميع العلوم والفنون حتى علم الطب. وكان يوجد فيها زهاء ستمائة تلميذ أكثرهم من الأرمن. وهذه المدينة تعرف منذ اتسعت وعظمت بعروس عربستان لعذوبة مائها وجودة هوائها وحسن بنائها وجمال أبنائها وكثرة خيراتها ورخص أقواتها. وكلمة عينتاب مركبة من كلمتين وهما عين وتاب ولعل أصل الثانية منهما كلدانية محرفة عن طاب أي العين الطيبة. وقد اشتهرت عينتاب في جهاتنا بصبغة القطن والحرير وعمل الجلد المعروف بالسختيان القرمزي وعمل الحلاوات التي تستخرج من عصير العنب كالدبس وجلد الفرس المعروف بالبصطيق فيخرج منها مقدار وافر من هذين النوعين. ومما يخرج منها بكثرة أيضا الصابون والفستق والجوز ويحاك فيها القماش المعروف بالألاجه وتنسج فيها العباءات وتجارتهما رائجة في جهات كلّز وبهسني ونحوهما ويباع فيها كل سنة قناطير من الزبيب والخمر والعرق وترسل إلى سائر البلاد العربية وكثير منها ما يؤخذ إلى أوروبا ويجلب من عنبها وتفاحها إلى حلب في أيام إدراكهما ما لا يدخل تحت إحصاء وهما غاية بحسب المنظر والمخبر. وموقع مدينة عينتاب متوسط تأتي إليها القوافل من ملطية ومرعش وغيرهما ويحمل

إليها من تلك النواحي مقادير وافرة من الفواكه والعسل والأفيون وأنواع الأصبغة والأخشاب وقد اشتملت مدينة عينتاب على ستة وثلاثين جامعا وسبعة وخمسين مسجدا وإحدى وعشرين مدرسة ومكتبة واحدة ومستشفى واحد وأربع تكايا وخمس كنائس وكنيسة لليهود وقلعة ومستودع ومسلخ وستة أحواض وسبعة وثلاثين مكتبا وثلاثة عشر حماما ونحو ألفين ومائتين دكانا وأربعة محلات لبيع البضائع بالمزايدة وتعرف باسم بدستان وواحد وعشرين خانا وخمسة عشر طاحونا على الماء ونحو ثلاثين فرنا ومحل للدباغة يعرف باسم دباغ خانه ومحل لتحميص قهوة البن ونحو أربعين مقهى وخمس عشرة حانة ونحو خمسين مصبغة واثنتي عشرة معصرة وزهاء خمسة آلاف بستان ونحو ثلاثة آلاف نول. ومادة البناء في عينتاب الحوار الصلب ويقل الحجر في مبانيها، ومثل ذلك مدينة كلّز. وفي مدينة عينتاب من الآثار القديمة قلعة دون قلعة حلب لكنها تشبهها. وفي جنوبي عينتاب على بعد مرحلة منها قلعتان إحداهما تعرف ببرج الرصاص والأخرى تعرف بتل بشار فأما برج الرصاص فقد كان قلعة حصينة منيعة مبنية بالرصاص وكانت قديما برجا واحدا من بناء الروم مضافة إلى دلوك وكانت بيعة ولم تزل بأيدي المسلمين إلى أن استولى الروم على دلوك فأخذوها معها ثم استعادها منهم المسلمون مع دلوك ثم أخذها جوسلين الفرنجي سنة (551) فهدمها وبناها حصنا مشيدا بالرصاص. ثم فتحه نور الدين زنكي وزاده حصانة وأضاف إليه قرى وضياعا وصيرها له كورة. وأما تل بشار- وتعرف بتل باشر أيضا- فقد كانت بلدة مشهورة ولها قلعة معمورة وبساتينها كثيرة ومياهها غزيرة. وشرب أهلها جميعا من نهر الساجور وقد جرى عليها ما جرى على برج الرصاص من استيلاء الروم عليها وعودها للمسلمين. كانت مدينة عينتاب خاملة الذكر قبل الإسلام حتى إنها لم يكن لها ذكر في تاريخ الفتوحات الإسلامية وكانت حصنا منيعا مضافة إلى دلوك فلما خربت دلوك سنة (800) انتقل أهلها إلى عينتاب وأخذت بالتقدم والعمران من ذلك اليوم. ودلوك هذه كانت مدينة قديمة لها ذكر في التاريخ. وكانت عامرة ولها قلعة من بناء الروم عالية مبنية بالحجارة. وكان لها قناة قد ركبت على قناطر يصعد الماء فيها إلى القلعة وحولها أبنية عظيمة حسنة وحولها مياه وبساتين كثيرة الفواكه ويقال إن مقام داود عليه

السلام كان بها وأنه منها جهز الجيش إلى قورس فقتل بها أوريا بن حنا وكان فتحها صلحا على يد عياض بن غنم على الجزية والجلاء وشرط على أهلها أن يبحثوا عن أخبار الروم ويكاتبوا بها المسلمين. وهي الآن معروفة بدولك كما تراه مسطورا في الجدول. ومن الآثار القديمة في هذا القضاء كثير من تلال الحوّار المشتملة على عدد عظيم من المغاير وفيه من المعادن: المرمر السماقي، يوجد في تل قرب قرية جاربين غربي عينتاب على بعد أربع ساعات منها. وفي جنوبي عينتاب على بعد ساعة منها موضع اسمه قره طاش يوجد فيه حجر أسود ترخّم به رحبات الدور وتعمل منه الحياض وغيرها. والأنهار التي تسقي هذا القضاء نهر الساجور ونهر عين الجوز وينصبان إلى الفرات ونهر عين اللبن وهو يأتي إلى حلب. ويسقيها غير ذلك من العيون. وعلى شطوط هذه الأنهار والعيون يزرع شجر الحور فينمو وينجب بسرعة غريبة وتحصل منه جذوع عظيمة يجلب منها إلى حلب مقادير وافرة. كل دار من دور عينتاب تشتمل على بئر ماء معين يمتاح برشاء «1» لا يزيد طوله على خمسة أذرع في الغالب، وهو غاية بالصفاء والعذوبة والبرودة. والغالب على عينتاب شدة البرد في فصل الشتاء وتكثر فيه الثلوج وكانت تعمل المثالج في عينتاب وتحمل إلى حلب في فصل الصيف ثم بطل ذلك بعد وجود معامل الجليد الصناعي. في أخلاق الطبقة السفلى من سكان عينتاب غلظة وشحّ، وشرب العرق يكاد يكون عاما بأهلها. اللغة العامة في هذا القضاء هي اللغة التركية فالأرمنية فالكردية فالعربية. واللغة التركية التي يتكلم بها أهل هذا القضاء حوشية غير فصيحة يسميها أهل استانبول (قباترك) .

الأسر المشهورة في عينتاب

الأسر المشهورة في عينتاب منها آل الكتخدا: من وجهائها مختار بك وعبد الرحمن أفندي. وآل علي أفندي: من وجهائها إسحاق بك وحقي بك. وآل المفتي: من وجهائها خيري أفندي والحاج محمود أفندي. وآل اضطراب: من وجهائها شفيق بك ومجيد بك. وآل جناتي: من وجهائها علي بك ورضا بك. وآل المصري: من وجهائها عارف بك والحاج عمر أفندي. وآل شيخ أفندي: من وجهائها مصطفى أفندي وهو أستاذ التكية المولوية، وفيض الله أفندي. وآل الحاج خليل آغا: من وجهائها أحمد آغا وذكي أفندي. انتهى الكلام على قضاء عينتاب.

قضاء بيلان

قضاء بيلان مدينة بيلان وأسماء محلاتها مخلس علي 467 بقراص 1275 شمبوك 658 كنيسة ر 745 و 100 خمار 473. قرى بيلان آق قيو 300 قره مغاره 41 جيلانلي 316 ألاي بكلي 179 بكداش أوشاغى 96 ايلق بناري 83 دكرمان أوجاغى 129 أشاغي قيونجي هيوكى 127 أط طوطان 59 دلى بكري 250 قورتلو صارى ماضي 187 قورتلو فنك 162 صوق صو 58 طوب بوغازي 123 قره مروط خاني بكداشلي 47 شمبك 151 بقراص 236 قره لى 370 جقاللو 183 بالديران 34 صمانلي 73 أوزون كيلي 48 قزلقيا 55 قسطل قزلقيا 54 قزلقيا مراد باشا 67 خرسزنباري 97 كولباشه قيرلي 153 قسطل قره مغارة 60 كوك تبه 56 أبقرلي كوى 77 خرقوبجي 39 يسطي بورط 31 خليل آغا هيوكى 63 قوندوز هيوك 86 طرون عنابلي 190 جبل أوغلان هيوكي 68 حمام غربي 110 أربه لي 50 قره جاغل 38 جتال تبه 17 أغراب قصبة بيلان إسلام وغيرهم 197. فجملة سكان قضاء بيلان (8480) نسمة ما بين ذكر وأنثى. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن المشهورة هذا القضاء صغير في غربي حلب موقعه على جبل اللكام ويقال له في زماننا جبل بيلان وهي مركزه وتبعد عن حلب ستا وعشرين ساعة ومحاصيل هذا القضاء قليلة لا تكاد تقوم بكفاية سكانه لخلوه من حقول تصلح لزرع الحبوب لأن الجبل المجاور لبيلان كله غابات

طولها ثلاث ساعات وعرضها ساعة ويتصل بها جبل آخر طوله ثمان ساعات وعرضه ثلاث ساعات وكل من الجبلين مكسوان بشجر الأرز والبلوط وغيرهما من الأشجار الجبلية. وفواكه هذا القضاء كثيرة لذيذة ومياهه غزيرة عذبة وهواؤه جيد جدا ويخرج منه مبلغ من الحرير يباع في حلب وبعد سنة 1300 اتسعت بيلان اتساعا ظاهرا وانتظمت فيها المباني العمومية انتظاما لا مزيد عليه، وحسن حال أهلها وتوفرت ثروتهم بالنسبة إلى ما كانوا عليه. مدينة بيلان واقعة على سفحي جبلين شامخين بينهما واد سحيق قد اشتملت على دار حكومة وجامع وخمسة مساجد ومدرسة واحدة وكنيسة واحدة وسبع عشرة عين ماء تنحدر إلى البلد من رؤوس الجبال ومائة وثلاثين دكانا وبضعة مخازن وخانين وأربعة طواحين وخمسة أفران وخمس دباغات وخمس مقاهي وخمس حانات وثلاث كازينات وفندق واحد وصيدلية ومستودع للرديف وحمامين ومكتب رشدي وخمسة مكاتب لتربية الأطفال. وكان تدوير «1» هذه المدينة عام 959 وذلك أن محلها كان مضيقا يعرف بمضيق بغراس، وباب الاسكندرونة كان يلجأ إليه اللصوص وقطاع الطريق الذين يتعرضون لأبناء السبيل ويسلبون راحتهم وينهبون أموالهم. فلما اتصل خبرهم بمسامع السلطان سليمان خان العثماني أمر أن يعمر في هذا المضيق بليدة يسكنها مائتان وخمسون شخصا من حراس الجبال وأن يعمر في جملة مبانيها جامع وحمام وتكية وخان ينزله المسافرون مجانا وأن تقطع الغابات من حولها على بعد ساعة من جهاتها الأربع لتستعمل أرضها حقولا زراعية تسامح غلاتها من العشر وأن يعمر فيها عمارة يطبخ بها للحرس المذكورين طعام الحساء (الشوربة) في كل صباح ومساء وفي ليلتي الجمعة والاثنين يطبخ لهم رز بلحم ورز بعسل (زردة) فأنفذ جميع ما أمر به وسمى جميع تلك المباني دربند جبل بغراس واستمرت على هذا الاسم طويلا ومعنى دربند مخفر. ثم سميت باسمها الحالي وهو بيلان وهو لفظ تركي معناه وهدة بين جبلين. وقال بعضهم بيلان مثنى «بل» معناه بالتركية الهضبة بين خفضين. وذلك أن هذه المدينة مبنية على جبل بين خفضين وهي سهل إسكندرونة وسهل الريحانية أو لأنها على هضبة بين مضيق بغراس وبين عين التل.

قلت ولفظة «بل» في اللغة التركية تطلق أيضا على الخصر وعلى ما انصرم بين ارتفاعين فلا تبعد أن تكون لفظة بيلان تثنية هذه اللفظة باعتبار هذا المعنى وذلك لأنها واقعة في منصرم بين جبلين عظيمين. على أنها وإن كانت سميت بهذا الاسم منذ مائة سنة أو أكثر إلا أنها استمرت تسمى في الصكوك الشرعية والدفاتر الخاقانية باسمها القديم وهو دربند جبل بغراس إلى حين تشكل الولاية ومن ذلك الوقت صارت تكتب في الصكوك والدفتر المذكور بيلان. وفي كتاب رحلة قورش اليوناني لمؤلفه كزانفون أحد تلامذة سقراط الحكيم أن قورش الصغير ابن دارا ملك الفرس رحل من إيسوس إلى أبواب سوريا أي ثغور سوريا ويسميها اليونان (بيلاسيريا) . اه. فلعل لفظة بيلان مأخوذة من هذه اللفظة. وقرأت في تاريخ كبير ألف باللغة الأرمنية أن بيلان يلفظها الأتراك هكذا (بيل ان) يلفظون الألف «1» والنون كافا مخرجا من أعلى الأنف يسمونها كافا صاغرة ويكتبونها بالعربي ك هكذا. أما أعشار محاصيل جوارها فبقيت مسموحا عنها حتى دخل هذه البلاد إبراهيم باشا المصري وامتد حكمه إلى مضيق البحيرة وحينئذ اعتبرها أرضا خراجية ووضع على كل فدان مقدارا معلوما من القمح والشعير يؤخذ في كل سنة أخصبت الزروع أم أجدبت. ولما رجعت إلى الدولة العثمانية سامحتها من العشر رعاية لما اشترطه السلطان سليمان إلا أنها بعد مدة وجيزة أبطلت هذه المسامحة واعتبرتها كبقية البلاد. الطريق الذي كان يأخذ من الاسكندرونة إلى حلب من جهة بيلان هو غير الطريق الحالي فقد كان قبل عمار بيلان يبتدئ من قرية اسمها أشقر بكلي ويمر من الموضع المعروف الآن باسم عتيق بويني أي المظهر القديم إلا أن هذا الطريق كان يقاسي فيه المسافر مشقات زائدة حينما كان يصل إلى فرضة قرية جقاللو فلذلك أمر السلطان بتركه وتحويله إلى الطريق الحالي منذ عمرت بيلان. على أن ذلك الطريق المهجور لم تزل آثاره باقية بين الغابات وحجارة أرضه التي كان مفروشا بها لم تبرح بموضعها حتى الآن وهي حجارة تستحق أن تعد من الآثار القديمة.

سكان بيلان مسلمون وأرمن يتكلمون باللغتين الأرمنية والتركية والثروة فيها ضعيفة وقد خرج من بيلان عدة رجال اشتهروا بخدمات الدولة العثمانية مثل داود آغا والحاج يوسف آغا وعبد الرحمن باشا ومصطفى باشا الذي يعرف به حمامه بمحلة الفرافرة تجاه مزار التميمي بحلب. ونبغ من أهلها عدة علماء ومعتقدين كالحاج أحمد أفندي ابن سويله مز ومصطفى أفندي ابن المؤذن والحاج أحمد أفندي ابن الواعظ وعارف أفندي ومحمد أفندي وغيرهما. وكان فيها رجل معتقد محبوب يدعى الشيخ إبراهيم أفندي من مشايخ الطريقة النقشبندية يحب الخمول والانزواء عن الناس. من الآثار القديمة في هذا القضاء بناء عظيم يقال له الكنيسة في شمالي بيلان على بعد ساعة منها في موضع يقال له عتيق تدل الجهة الشرقية منه على أنه كان كنيسة وعلى بعد ثلاث ساعات من بيلان قرية تدعى ألاي بكلي فيها آثار قلعتين تدل هيئتهما على أنهما من بناء الملك الظاهر ابن صلاح الدين الأيوبي وفي قرية الآي بكلي مقام لأبي يزيد البسطامي وقيل هو مرقده وعلى هذه الرواية بنى عليه الحاج مصطفى باشا ابن مرسل مسجدا وثلاث حجرات. والقلعتان المذكورتان لم يزل قائما منهما بعض جدران يقصدها السواح «1» للتفرج. لموقع مدينة بيلان وما قاربها من الجبال مناظر بديعة جيدة المناخ غزيرة المياه لو جالت بها يد الصناعة لسعى نحوها المصطافون أكثر مما يسعون إلى جهات لبنان. ومن الآثار القديمة التي لها ذكر في التاريخ من هذا القضاء (بغراس) أو (بغراز) وهي الآن قرية من قرى هذا القضاء وكانت مدينة في لحف «2» جبل اللّكام بينها وبين أنطاكية أربعة فراسخ وكذلك بينها وبين إسكندرونة وبينها وبين دربساك نحو مرحلة إلى الجنوب وكانت مدينة حصينة ذات قلعة مرتفعة ولها أعين وبساتين وكان بها دار ضيافة لزبيدة زوجة الرشيد ولم يكن في الشام دار ضيافة غيرها. قال البلاذري: وكانت أرض بغراس لمسلمة بن عبد الملك ووقفها على سبيل البر.

وفي منتصف القرن الرابع ملكها الدمستق فيما ملك من أعمال أنطاكية. وفي سنة 584 سار إليها صلاح الدين بعد فتح دربساك وحصرها ونصب عليها المجانيق فلم يفز منها بطائل لعلوها وحصانتها وقلّ الماء على المسلمين فشق عليهم ذلك ويئسوا «1» من فتحها فنصب صلاح الدين حياضا وأمر بحمل الماء إليها. فبينما هم على ذلك إذ فتح باب القلعة وخرج إليهم إنسان يطلب الأمان حتى يسلموا الحصن على أن لا يخرج من أهله أحد إلا بثيابه بلا مال ولا سلاح ولا متاع ولا دابة فأجابهم صلاح الدين وتسلم القلعة واستولى على ما فيها من الذخائر والأموال وأمر بهدمها فهدمت ورحل عنها. ثم إن ابن ليون الأرمني جدد عمارتها وجعل فيها عسكرا يغير على البلاد الإسلامية المجاورة لها إلى سنة 635 فحصرها توران شاه عم الملك العزيز بعسكر حلب ثم رحل عنها لهدنة مع صاحب أنطاكية ثم تغلب عليها المسلمون واستمروا بها إلى أن أخذت بالخراب. وقد ذكرها البحتري في شعر مدح به أحمد بن طولون حيث يقول: سيوف لها في كل دار عدا «2» ردى ... وخيل لها في كل دار عدا «3» نهب علت فوق بغراس فضاقت بما جنت ... صدور رجال حين ضاق بها الدرب وإلى بغراس هذه ينسب أبو عثمان سعيد بن حرب البغراسي ومحمد بن إبراهيم بن قاسم البغراسي الخضري دخل دمشق وحدث بها سنة 414 وفي هذا القضاء أيضا دير بساك أو دربساك كان حصنا وليس بدير وكان من أعمال حلب وليس له الآن أثر يعرف وكان موضعه قاطع النهر الأسود المعروف الآن بنهر قره صو على لحف شعبة من جبل اللكام قرب جسر مراد باشا وليس له ذكر في الفتوح الإسلامي وإنما جدد في دولة الأرمن لما ملكوا الثغور. انتهى الكلام على قضاء بيلان.

قضاء جبل سمعان

قضاء جبل سمعان أسماء قرى القضاء الأنصاري 398 شيخ سعيد 89 نيرب حلب 333 الشيخ نجار 92 جبرين 423 الشيخ زيات 55 بلليرمون 322 حيلان 35 كفر صغير 118 مسلمية 41 سيغان 23 المعبدية 34 المقبلة 50 دوير الزيتون 12 ديرنته 4 الشيخ كيف 10 طعانا 87 تل سوسين 27 تل جبين 281 تل أفراح 48 حرتدنين 57 زيتان 7 مسقان 46 حندرات 30 باش كوي 41 عندان 1076 كفر حمره 267 معارت الأثارب 443 يافت العدس 173 باشمره 37 الذوق الكبير 72 برج القاظ 24 فافرتين 36 الشيخ عقيل 8 باسوفان 80 برج حيدر 15 كفر نابو 12 براد 33 الصوغانة 38 المياسه 17 الطامورة 24 نبل 1391 التفاوله 830 تل نصيبين 37 زتيان 56 بلانه 25 حيان 299 بيانون 190 ماير 264 معرسة الخان 163 تل شعير 24 الوحشية 29 شامر 47 التياره 83 مير الحصين 36 حريتان 511 معارت المسلمية 27 الحاضر 331 كفر داعل 28 بشطره 181 الحور 214 قبتان الجبل 38 بابيص 308 عين جاره 682 عاجل 79 أورم الصغرى 76 أورم الكبرى 116 سحاره 343 إرحاب 77 تقات 391 التوامه 261 أبزمو 623 الأثارب 1075 باتبو 328 كفر كرمين 240 دارت عزه 2043 تديل 254 كفر تعال 121 بصرتون 132 الزربه 62 قناطر 14 كفر حلب 228 خان طومان 131 معارت خان طومان 35 القلعجية 57 الذهبية 45 القراصة 59 صقلاية 16 الحويز 46 حدادين 97 برنه 96 عسان 659 الوضيحي 257 حريبل 34 فجدان 83 أبو جرين 121 خيم أبي جرين 102 إحميره 6 عناز 42 بكوره 9 عامر 21 أصماد 37 أم عامود 51 حكله 139 جنيد 30 جلغوم 27 قبتين 99 أبو دريخه 73 عقر بوز 51 خراب رشى 27 خيم هذانو 28 بويضة الكبيرة 14 بويضة المشيرفه 7 عين الغرف وعين التينة 20 بلوزي 21 منطار 75 مدوره 11 دير صليب 47 صغيره 74 ديمان 136 كفراكار 40 باش كوى 13 أم جرى 39 زراعه

قرى العشائر

75 زيتان 20 مصيده 16 حبشيه 43 طاط 38 جفره 15 عميرية 20 عقربات 45 أبو عبيدة وتوابعه 44 برج السامي 24 جب أنطاش 15 خيم كفر حوت 14 المدرسة 27 الطيبة 33 مغران 23 الجديدة 29 برج محمد الفرج 27 جعاره 71 المشيرقه 12 جفر منصور 57 أرجل 52 رجم العميرات 33 سرجه 41 سميرية 99 قنيطيرات 108 بنان 231. قرى العشائر تل جبين 16 دلامه 32 تل علوش 30 أم العراقل 16 العثمانية 19 العزيزية 17 براغيدني 16 اليارة 13 الشيخ فارس 12 تل فخار 19 تل سلمون 17 تل السلطان 16 مشرفه 6 زمار 64 تل حطابات 40 مرحميه 35 هوبر 66 تل ماسح 27 عوينات 72 أبو أرويل 136 بويضة الصغيرة 61 تويم 17 ماسح 78 برده 84 بطرانات 41 طويحنه 15 سلامين 27 أبو الحوض 14 آباد 57 أرصافه 34 أبو الطهور 31 تل كلبه 57 تل عقارب 48 كوجك عثمانية 34 عشطانة الشرقية 44 عشطانة الغربية 11 كفر حداد 35 جزارية 65 مغارة الشوحه 17 تل الطوقان 210 طلافح 79 حب الآسه 18 خواري 18 الذهبية 21 محريمه 30 مكحله 13 تل حلو 8 جميجمه 33 مرتقيص 31 بلاس 84 جميمه 39 مريمين 57 تل دادين 31 حميدي 25 قديحه 57 كفر عبيد 79 المريج 44 شغيدله 34 ضعبيه 51 كشيه 45 واسط جزاريه 18 الحوير 63 باقصى 20 الشيخ أحمد 20 العيس 65 الرسم 43 تل باجر 44. فجملة سكان قضاء جبل سمعان (21540) نسمة ما بين ذكر وأنثى. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة هذا القضاء معروف من القدم باسم (قضاء جبل سمعان) وربما عدّت مدينة حلب من جملة أعماله. وهو كثير الجهات وافر الخيرات والبركات جيد التربة حمراؤها معظم أراضيه مسطح يبطئ انحدار ماء المطر عنها فتشربه في أوان سقوطه وتكتنزه إلى فصل الصيف

لتروى به الزروع فتخصب وتنجب. وهذا القضاء هو الجبل الآخذ إلى شمالي قرية الدانا من أعمال حارم شرقي أنطاكية قد جردته يد الإنسان من المشاجر والغابات بعد أن كان كثيرها كما يدل عليها ما هو باق من أصولها في كثير من بقاع هذا الجبل. في هذا الجبل كثير من الخرابات الرومانية والكلدانية والآشورية من ذلك خرابة قرية كفر تابو التي أشرنا إليها في الكلام على الوثن نبو والوثن عشتاروت. ويذكر أن الوثن نبو كان من ذهب وأنه مدفون في موضع من هذه القرية أكثر أهل هذه القرية أكراد من الطائفة اليزيدية. هذا الجبل ربما عرف بجبل ليلون وقد جاء ذكره في شعر عيسى بن سعدان الحلبي السالف الذكر. كان مركز هذا القضاء في حلب ثم نقل إلى دارة عزة ثم إلى عنادان ثم أعيد إلى حلب. في هذا القضاء كثير من القرى التي يشرب أهلها من نهر قويق والعين المباركة وغيرها من العيون الصغار غير أن معظم أهله يشربون من ماء الآبار والصهاريج الذي يحرز فيها ماء المطر. كان العدد الكثير من قرى هذا القضاء تجيء غلاته إلى الخزانة الخاصة بالسلطان عبد الحميد وكان يطلق على تلك القرى اسم العمار الجديد لأنها كانت مواتا ثم بعد الانقلاب العثماني صارت تجبى غلاتها إلى خزانة الدولة. في هذا القضاء عدة قرى ومزارع لم نذكرها في الجدول لخلوها من السكان إنما تزرع أراضيها من قبل سكان القرى الآهلة القريبة منها وهكذا يوجد في كل قضاء عدد عظيم من المزارع الخالية من السكان لم نتعرض لذكرها أما هذه المزارع في قضاء جبل سمعان فلا بأس بذكرها اعتناء بشأنه إذ كان أقرب الأقضية إلينا وهي شلع «1» مزرعة لبيانون وكفر قارص وكفرناها والهوته وبانطوما لمعارة المسلمية ومزرعة العين المباركة والسعدي والخالدي للشيخ سعيد ومزرعة الجوبة والمضيق لطعانا ومزرعة الذهبية لبرنه ومزرعة النهرية وكفر حشيم والقنطرة والزيادية وباطمس لنبل ومزرعة مغارة الجرن وكشاره لكفر حمره

ومزرعة سمع الفوقاني للنغاولة ومزرعة حزبر للراموسة ومزرعة أبو شليم وبريعة ووادي العسل لكفر داعل، ومزرعة أقديمة للقراصة، ومزرعة عين سالم والقادميه والحسينية وأبو حمصة وتل ساب لعسان ومزرعة بحفيز لكفر تعال وقرية قيله وكفر جوم والويبدة والسابقية وعبر الفيل وأقدار للوضيحي وقرية العطارية لباشطره ومزرعة أم مبسور لكفر كرمين وقرية كفر بسين وكبيشن ومزرعة وادي خي وقبارين لنيرب حلب وقرية عبطين وبصرتون وصدوه وسربايه ومزرعة نعمان والديرون وبوشله وبراصطون لجبرين وقرية باشانه لعندان ومزرعة كفتان لحريتان وقرية بقيدين للشيخ كيف ومزرعة بكرتونا وكفر حوار لابزمو وقرية بقاسون لحيان وقرية كفر حاب لمعرست الخان وبقطوره وباتومه وخريبة العامود لدارة عزة. وهذا معظم القرى والمزارع الخالية من السكان ولم تترك منها إلا القليل. واللغة العامة في هذا القضاء: العربية ثم الكردية ومعظم الأكراد يزيدية. سمعان- الذي يضاف إليه جبل هذا القضاء- هو القديس سمعان العامودي المولود سنة 392 م في قرية من إقليم كليكيا اسمها سيسان وكان أبواه من رعاة الغنم. ولما بلغ سمعان الثالثة عشرة من عمره ترهب ولازم أحد الأديرة مدة ثم انتقل منه إلى غيره من الأديرة التي يعيش فيها رهبانها على أشد ما يكون من التقشف والشظف من العيش. وقد اشتهر سمعان برقي المرضى «1» فكثر عليه واردهم حتى ضجر وأحب الاعتزال عن الناس ليتخلى إلى العبادة فأتى إلى هذا الجبل واختار منه بقعة تبعد عن مدينة أنطاكية نحوا من أربعين ميلا فبنى فيها عمودا يعلو عن الأرض 12 هنداسة «2» وعرض سطحه ثلاثة أقدام وله دائر قليل من الارتفاع ثم صعد على ذلك العمود واشتغل يجاهد نفسه بالتعبد حتى أدركته الوفاة سنة (461) فلقب بالعمودي وبني في الجبل على اسمه كنيسة عظيمة لم تزل أطلالها باقية حتى الآن.

الكلام على الأماكن الشهيرة في هذا القضاء

الكلام على الأماكن الشهيرة في هذا القضاء فمن ذلك: قنسرين وهي اليوم خالية من السكان خاوية من البنيان ومحلها غربي حلب إلى الجنوب في بعد مرحلة عنها تقدر بأربعة فراسخ وكانت مدينة كلدانية ثم رومية قديمة يقال لها شالس وقيل سوريا. وأما سبب تسميتها بقنسرين فهو أن ميسرة بن مسروق مر بها يوما فقال ما هذه فسميت له بالرومية فقال والله لكأنها قنسرين. قال ياقوت: وهذا يدل على أن قنسرين اسم لمكان آخر. قال الزمخشري: وقنسرين نقل من القنسر بمعنى القنسري وهو الشيخ المسن. اه. أقول: الذي أراه أن لفظة قنسرين سريانية أصلها قنشرين بالشين المعجمة ومعناها قن النسور لأن الياء والنون في أواخر الكلمات السريانية علامة على الجمع كتل نشين وكفر جبين أي تل النساء وكفر الجباب وقد جرت عادة العرب في الكلمات السريانية على أن تقلب الشين سينا فصارت باستعمالهم قنسرين. وكانت هذه المدينة قاعدة كورة عظيمة بالشام وطولها 39 درجة و 20 دقيقة وعرضها 35 درجة و 20 دقيقة وكانت حلب من بعض أعمالها وكان بها قلعة لها سور متصل بسور المدينة وكانت هي وحمص شيئا واحدا وفتحت صلحا على يد أبي عبيدة بن الجراح سنة (17) وقد روي في الخبر عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «أوحى الله إليّ أيّ هؤلاء الثلاث نزلت فهي دار هجرتك: المدينة أو البحرين أو قنّسرين» . ويقال إن في جبلها مشهدا فيه قبر صالح النبي وفيه آثار أقدام الناقة والصحيح أن قبره باليمن بشيوه وقيل بمكة. ولعل المشهد المذكور من بناء صالح بن علي بن عبد الله بن العباس وربما نسب إلى العيص بن إسحاق. ولم تزل قنسرين عامرة آهلة إلى سنة 351 وفيها غلبت الروم على مدينة حلب وقتلت جميع من كان بربضها فخاف أهل قنسرين وتفرقوا في البلاد فطائفة عبروا الفرات وطائفة

نقلها سيف الدولة إلى حلب كثّر بهم من بقي من أهلها وأخذت قنسرين بالخراب حتى لم يبق بها سوى خان تنزله القوافل وعشار السلطان. ثم عمرت مرة أخرى وتراجع سكانها إليها واستمرت إلى سنة 389 فغزاها الروم وخربوها ورحلوا عنها فجاء إليها بنو البصيص التنوخيون من أمراء جبل لبنان وعمروها ثم خربها الروم أيضا عند قصدهم حلب سنة 422 ثم عمرها سليمان بن قتلمش وتحصن بها سنة 479 ثم خربها تاج الدولة تتشق السلجوقي لما قتل سليمان المذكور وفي سنة 564 نقل نور الدين أعمدة سورها إلى جامع حلب وبناها به كما أشرنا إلى ذلك في الكلام على الجامع. ولمحمد بن علي العشائري المتوفى سنة 789 تاريخ سماه تاج النسرين في تاريخ قنسرين بحثنا عنه كثيرا فلم نظفر به. وكان لقنسرين حاضر له قلعة تشبه قلعة قنسرين جرى بين أهلها وبين أهل حلب قتال فغلبهم أهل حلب وأجلوهم عنها وأخذت بالخراب حتى عادت تلا يزرعه الفلاحون. وهي على فرسخ من قنسرين وينسب إليها جماعة من أهل الحديث منهم الحافظ أبو بكر محمد بن بركة بن الحكيم المعروف ببرداعس سكن حلب وقدم دمشق وحدث بها وتوفي سنة 328 وكان هذا الحاضر قبل الفتح لتنوخ منذ أول ما تنخوا بالشام «1» ونزلوه وهم في خيم الشعر ثم ابتنوا به المنازل. ولما فتح أبو عبيدة قنسرين دعا أهل حاضرها إلى الإسلام فأسلم بعضهم وأقام بعضهم على النصرانية فصالحهم على الجزية. وكان أكثر من أقام على النصرانية من سليح بن حلوان بن عمران ابن الحاف بن قضاعة وأسلم من أهل ذلك الحاضر جماعة في خلافة المهدي فكتب على أيديهم بالحضرة قنسرين. وقال عكرشة العبسي يرثي بنيه «2» : سقى الله أجداثا ورائي تركتها ... بحاضر قنّسرين من سبل القطر مضوا لا يريدون الرّواح وغالهم ... من الدهر أسباب جرين على قدر ولو يستطيعون الرواح تروّحوا ... معي وغدوا في المضجعين «3» على ظهر

الأثارب

قلت: وحاضر قنسرين هي الآن قرية الحاضر وقد ذكرت في الجدول وكانت قبور بني أمية بقنسرين على ما حكاه المسعودي في مروج الذهب. الأثارب قال ياقوت: هي جمع أثرب وهو الشحم الذي قد غشى الكرش. وتبعد عن حلب ثلاثة فراسخ وينسب إليها أبو المعالي محمد بن هياج الأثاربي وفيها يقول محمد القيسراني: عرّجا بالأثارب ... كي أقضّي مآربي واسرقا نوم مقلتي ... من جفون الكواعب وا عجبا من ضلالتي ... بين عين وحاجب ومنهم حمدان بن عبد الرحيم الأثاربي طبيب يتأدب وله شعر وأدب وصنف تاريخا وكان حيا بعد الخمسمائة. وكانت الأثارب حصنا منيعا معدودا من جملة العواصم واستمرت كذلك إلى سنة 504 وفيها قصد صاحب أنطاكية حصن الأثارب ومعه جند عظيم من فارس وراجل فحصر الحصن وضيق على أهله حتى فنيت أقواتهم فنقبوا من القلعة نقبا قصدوا أن يخرجوا منه إلى خيمة صاحب أنطاكية فيقتلوه فلما فعلوا وقربوا من خيمته استأمن إليه صبي أرمني فعرفه الحال فاحتاط واحترز وجدّ في قتالهم حتى ملك الحصن عنوة وقتل من أهله ألف رجل وقصد حصن زردنا وفعل بأهله مثل الأثارب. ثم في سنة (513) قصد هذا الحصن أيلغازي وأخذه منهم عنوة وقهرا ثم في سنة (517) ملكه الفرنج في صفرها وسبب ذلك على ما حكاه ابن الأثير أن الفرنج كانوا قد أكثروا قصد حلب وأعمالها بالإغارة والتخريب والتحريق وكان حينئذ بحلب بدر الدولة سليمان ابن عبد الجبار بن أرتق وهو صاحبها ولم يكن له بالفرنج قوة وخافهم فهادنهم على أن يسلم الأثارب ويكفوا عن بلاده فأجابهم إلى ذلك وتسلموا الحصن وتمت الهدنة واستقام أمر الرعية بأعمال حلب ثم اشتد ضرره على المسلمين حتى إن من كان به من الفرنج صاروا يقاسمون حلب على جميع أعمالها الغربية حتى على رحى لأهل حلب بظاهر باب الجنان بينها وبين البلد عرض الطريق وهي رحى عربية.

فلما رأى ذلك عماد الدين زنكي قصده فلما علم الفرنج بذلك جمعوا فارسهم وراجلهم ولم يتركوا من طاقتهم شيئا واستشار عماد الدين أصحابه فيما يفعل فكل أشار بالعودة عن الحصن لقوة الفرنج فقال لا بد من لقائهم لئلا يطمعوا فترك الحصن وتقدم نحوهم فالتقوا واصطفوا للقتال وصبر كل فريق منهم لخصمه واشتد الأمر بينهم ثم نصر الله المسلمين فظفروا وانهزم الفرنج أقبح هزيمة ووقع كثير من فرسانهم بالأسر وقد أخذ منهم السيف كل مأخذ حتى إن عظام القتلى بقيت زمنا طويلا في ذلك الموضع. ولما فرغ المسلمون من ظفرهم عادوا وتسلموا الحصن عنوة وقتلوا وأسروا كل من فيه وأخربه عماد الدين وجعله دكا. في سنة 532 وصل الروم بزاعة وحاصروها وضيقوا على أهلها وملكوها بالأمان ثم غدروا بهم ورحلوا عنها إلى أثارب وملكوها وتركوا فيها سبايا بزاعة وتركوا عندهم من الروم من يحفظهم وساروا إلى شيزر فخرج أسوار نائب زنكي بحلب بمن معه وأوقع بمن في أثارب من الروم فقتلهم وفك أسرى بزاعة وسباياها وبقيت الأثارب بيد المسلمين ولم تعد للفرنج أبدا. ومما ذكر في التاريخ قرية عين جارة وقرية الهوتة. زعم من تكلم على طلاسم حلب أنه كان يوجد بين هاتين القريتين حجر قائم كالتخم بينهما، فربما وقع بين أهلهما شرّ فيكيدهم أهل الهوتة بأن يطرحوا هذا الحجر فتخرج نساء أهل القرية الأخرى متبرجات طالبات للرجال إلى أن يعاد الحجر إلى حالته فيعاودهن التمييز ويعدن إلى بيوتهن. ومن الجهات التي لها ذكر في التاريخ أيضا (شبيث والأحصّ) قال ياقوت بعد كلام طويل: الأحص كورة كبيرة مشهورة ذات قلاع ومزارع بين القبلة وبين الشمال من مدينة حلب قصبتها خناصرة. قلت: والأحصّ يسميه قوم الخص بالخاء المعجمة وآخرون بالحاء المهملة والجراكسة يقولون إن هذه اللفظة حثية ومعناها المزرعة كما هو معناها باللغة الجركسية ومن هنا يزعمون أنهم هم الحثيون الذين كانوا يملكون هذه الأصقاع. وأما شبيث فجبل في هذه الكورة أسود في رأسه فضاء فيه أربع قرى وقد خربت

جميعها. ومن هذا الجبل يقطع أهل حلب وجميع نواحيها حجارة رحيّهم «1» وهي سود خشنة. وفي كتاب ابن الملا أن سوريا تطلق على الشام الأولى وهي حلب وأعمالها قال: وبناحية الأحص من بلد حلب مدينة خربة تسمى سوريا وإليها ينسب اللسان السورياني والقلم السورياني. اه. وهذا الأحص هو الذي عناه عدي بن الرقاع بقوله: وإذا الربيع تتابعت أنواؤه ... فسقى خناصرة الأحصّ وزادها «2» فأضاف خناصرة إلى هذا الموضع. وإياه عنى جرير بقوله: عادت همومي بالأحصّ وسادي ... هيهات من بلد الأحصّ بلادي لي خمس عشرة من جمادى ليلة ... ما أستطيع على الفراش رقادي ونعود سيّدنا وسيّد غيرنا ... ليت التشكي كان بالعوّاد وأنشد الأصمعي: ولا آب ركب من دمشق وأهله ... ولا حمص إن لم يأت في الركب زافر «3» ولا من شبيث والأحصّ ومنتهى م ... المطايا بقنّسرين أو بخناصر وإياه عنى ابن حصينة بقوله: لجّ برق الأحصّ في لمعانه ... فتذكّرت من وراء رعانه فسقى الغيث حيث ينقطع الأو ... عس من رنده ومنبت بانه أو ترى النور مثل ما نشر البر ... د حوالي هضابه وقنانه

تجلب الريح منه أزكى من المسك م ... إذا مرّت الصبا من مكانه «1» وينسب إلى الأحصّ شاعر حلبي يعرف بالناشي الأحصي كان في أيام سيف الدولة ابن حمدان فمدحه بقصيدة فاعتذر إليه سيف الدولة بضيق اليد يومئذ وقال له اعذر ومتى بلغك أنه حمل إلينا مال فأتنا نضاعف لك الجائزة فخرج من عنده فوجد على باب سيف الدولة كلابا تذبح لها السخال «2» وتطعم لحومها فعاد إلى سيف الدولة وأنشده: رأيت بباب داركم كلابا ... تغذّيها وتطعمها السخالا وما في الأرض أدبر من أديب ... يكون الكلب أحسن منه حالا ثم اتفق أن حمل إلى سيف الدولة أموال من بعض الجهات على بغال ضاع منها بغل بما عليه وهو عشرة آلاف دينار وجاء هذا البغل ووقف على باب الناشي بالأحصّ فسمع حسّه فظنه لصا فخرج إليه بالسلاح فوجده بغلا موقرا بالمال فأخذ ما عليه وأطلقه ثم دخل على سيف الدولة وأنشده: ومن ظنّ أن الرزق يأتي بحيلة ... فقد كذّبته نفسه وهو آثم يفوت الغنى من لا ينام عن السّرى ... وآخر يأتي رزقه وهو نائم فقال له سيف الدولة: بحياتي وصل إليك المال الذي كان على البغل فقال نعم فقال خذه بجائزتك مباركا لك فيه فقيل لسيف الدولة كيف عرفت ذلك فقال عرفته من قوله «وآخر يأتي رزقه وهو نائم» بعد قوله «يكون الكلب أحسن منه حالا» . ومن البلاد التي لها ذكر في التاريخ (عين زربة) هي الآن قرية صغيرة وكانت مدينة عظيمة على سفح جبل مشرف عليها وفي سنة (108) أمر الرشيد ببنائها وتحصينها لأنها كانت قلّت سكانها ووهن عمرانها وبعد أن عمرت بأمر الرشيد ندب إليها جماعة من أهل خراسان وأقطعهم بها المنازل ثم نقل إليها المعتصم جماعة من الظّط «3» الذين كانوا تغلبوا على البطائح وهي أرض واسعة بين واسط والبصرة والزط «4» قوم من الهند. وفي سنة

(351) استولت عليها الروم وفعلوا بها وأهلها أفعالا فظيعة كما حكيناه في أخبار هذه السنة في باب الحوادث. ومن الأماكن التي لها ذكر في التاريخ (أورم) قال ياقوت: هي أربعة قرى أورم الكبرى وأورم الصغرى وأورم الجوز وأورم البرامكة. قلت: وكلها معروفة الآن إلا أورم البرامكة. قال: ويحكى عن أورم أعجوبة وهي أن فيها أبنية كانت من قديم الزمن معبدا فيرى المجاورون لها من أهل القرية ضوء نار ساطعا فإذا جاؤوها لا يرون شيئا وكان على هذه البنية ثلاثة ألواح من حجارة مكتوب على اللوح القبلي منها بالخط القديم ما تعريبه (الإله الواحد كملت هذه البنية في تاريخ 328 سنة لظهور المسيح) وعلى اللوح المضروب على وجه الباب (سلام على من كمل هذه البنية) وعلى اللوح الشمالي (هذا الضوء المشرق الموهوب لنا من الله في أيام البربر في الدور الغالب المتجدد في أيام الملك إيناوس وإيناس البحريين المنقولين إلى هذه البنية وقلاسس وجسنسا وقاسورس وبلابيا في شهر أيلول في ثاني عشر من التاريخ المتقدم والسلام على شعوب العالم والوقت الصالح) . ومن هذه الأماكن أيضا (تل السلطان) كان اسمه الفنيدق بينه وبين حلب خمسة فراسخ وبه كانت وقعات الفنيدق بين ناصر الدولة بن حمدان وبني كلاب من بني مرداس في سنة 452 وفي سنة 486 كانت في قربه وقعة بين أقسنقر وبين تتش فعرف التل من ذلك اليوم بتل السلطان نسبة إلى السلطان ملك شاه. ومن تلك الأماكن أيضا (جبرين الفستق) قرية على باب حلب بينهما نحو ميلين وهي لم تزل كبيرة عامرة و (جبرين قورسطايا) من قرى حلب من ناحية عزاز وتعرف أيضا بجبرين الشمالي وينسب إليها أبو القاسم أحمد بن هبة الله النحوي المقرئ الفاضل إمام شاعر وكان له حلقة بجامع حلب وله ثروة وهو من أعيان القرن السابع ومن شعره: ملك إذا ما السّلم شتّت ماله ... جمع الهياج عليه ما قد فرّقا وأكفّه تكف الندى فبنانه ... لو لامس الصخر الأصمّ لأورقا وإلى جانب قبتان الجبل المحررة في الجدول بين حور وبابيص جب الكلب الذي كان على ما قاله بعض مؤرخي حلب ينفع المكلوب من عضة الكلب فيؤمر المعضوض بأن ينظر إلى تلك البئر ويشرب من مائها فيبرأ من مرضه ويقال إن امرأة ألقت فيه خرقة حيض

فبطلت خاصيته وذلك في حدود سنة خمسمائة وكان إحدى عجائب حلب الثلاث. ومن الأماكن المذكورة قنسرين الثانية وهي «1» حيار بني القعقاع بن خليد بن الحارث العبسي وهم أخوال الوليد وسليمان بن عبد الملك بن مروان وتعرف أيضا بحيار بني عبس وموضعها الآن قرب قنسرين وهي داثرة يزرعها الفلاحون. وفي آرل جوار عنادان مشهد الرجم على جبل مشرف على الأرتيق. ومن الأماكن القديمة الشهيرة في هذا القضاء: قلعة سمعان أو سراي سمعان أو كنيسة سمعان وهي بناء ضخم ذو أساطين عظيمة على كثير من حجارته خطوط رومانية يقصده السواح «2» . انتهى الكلام على هذا القضاء.

قضاء الرقة

قضاء الرقة كديران عشيرة عجل 96 عشيرة بو جابر 129 السويدية 121 جعبر 122 الحوائج الصغيرة 58 الحفرة 47 الواسطة 81 الحوائج الكبيرة 108 دبس فرج السلامة 33 غزالة 55 عائد 16 كريك 27 مريبط 85 حويش 35 دبس غضبان العلي 84 طاوى 162 شمس الدين 161 رميله 14 الرقة تابع شلاش العلي 185 فخذ كريم 69 فخذ غول الحمود الجرن 131 فخذ علوش أفندي 145 حليسات عشيرة المعامرة 67 حليسات عشيرة عبد الله 53 فرقة الجدارسة 35 عبد الله الموصلي 9 عشيرة غانم الظاهر 116 قرية السمرة 59 مرابيع السيد الشيخ 41 قرية السبعة 54 قرية كمسره 217 قرية رطله 57 سلجية 69 حلو 179 حمرة مدلج فخذ فياض بلاسم 88 حمرة الجماسة 122 حمرة مدلج عشيرة الغنام 94 حمرة مدلج عشيرة ناصر 196 حمرة الجماسة 153 فخذ مرابيع عبد الستار 86 مدلج بلاسم فخذ إسماعيل العبد 125 حسن علي الحمار 87 حسن العلي فخذ خابور الصالح 91 بريج عشيرة عليان 53 فاطمة بريج عشيرة موسى الراشد 160 فاطمة بريج عشيرة الراشد 63 فاطمة بريج عشيرة موسى الراشد 47 خسى صابل فخذ الخضر 105 خسى عجيل فخذ الحملة 167 حمرة وشيخ دندل عشيرة الخلف 48 قرية تل سمن عشيرة المجادلة 44. فجملة ما وقع عليه قلم الإحصاء في هذا القضاء (4589) نسمة ما بين ذكر وأنثى. على أن هذا العدد هو الذي أمكن إحصاؤه من أهل هذا القضاء الأعراب الرّحل النّزل الذين يقيمون في المضارب أكثر عامهم ولا يأوون إلى العمران إلا قليلا. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن المشهورة هذا القضاء في شرقي حلب يبعد مركزه عنها، وهو قصبة الرقة البيضاء، ستا وثلاثين ساعة وهو قضاء واسع الأراضي كثير السهول طيب التربة إلا أنه غير معمور لبعده وكثرة بدوه وقراه التي ذكرناها في الجدول لا يبلغ عددها ربع قراه وإنما لم نذكرها كلها لعدم

وقوفنا على عدد سكانها لأنهم لم يجر عليهم قلم الإحصاء إذ كانوا أعرابا رحّل