علل الحديث لابن أبي حاتم
الرازي، ابن أبي حاتم
مقدمة التحقيق
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ *} {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ *} [الأنعَام: 1] {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ *} . والحمدُ لله الذي لا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمة من نِعَمه إلا بنعمةٍ منه تُوجِبُ على مؤدِّي ماضي نِعَمِهِ بأدائها: نعمةً حادثةً يجبُ عليه شكرُهُ بها! ولا يَبْلُغُ الواصفون كُنْهَ عظمته. الذي هو كما وَصَفَ نفسَهُ، وفوق ما يصفه به خلقُهُ. نَحْمَدُهُ سبحانه حمدًا كما ينبغي لِكَرَمِ وجهه وعِزِّ جلاله، ونستعينُهُ استعانةَ مَنْ لا حولَ له ولا قوةَ إلا به، ونستهديه بهداه الذي لا يَضِلُّ مَنْ أنعَمَ به عليه، ونستغفرُهُ لِمَا أَزْلَفْنَا وأَخَّرْنَا استغفارَ مَنْ يُقِرُّ بعبوديته، ويعلمُ أنه لا يغفر ذنبَهُ ولا يُنَجِّيهِ منه إلا هو. ونَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسوله، بعثَهُ اللهُ على حينِ فَتْرةٍ من الرسلِ، فكان خِيرَتَهُ المصطفَى لوحيه، المنتَخَبَ لرسالته، المُفضَّلَ على جميع خلقِه: بفتحِ رحمتِهِ وختمِ نبوتِهِ، وأعمِّ ما أُرْسِلَ به مُرْسَلٌ قبله، المرفوعَ ذِكْرُهُ مع ذِكْرِهِ في الأُولى، والشافعَ المشفَّعَ في الأخرى، أفضلَ خلقِهِ نَفْسًا، وأجمعَهُمْ لكلِّ خُلُقٍ رَضِيَهُ في دينٍ ودنيا، وخيرَهم نسبًا ودارًا.
فصلَّى الله على نبيِّنا كلَّما ذكره الذاكرون، وغفَلَ عن ذِكْره الغافلون، وصلَّى عليه في الأوَّلين والآخِرِين، أفضلَ وأكثَرَ وأزكى ما صلَّى على أحدٍ مِنْ خَلْقِه، وزكَّانا - وإياكم - بالصلاةِ عليه أفضلَ ما زكَّى أحدًا من أمته بصلاتِهِ عليه، وجزاه اللهُ عنا أفضَلَ ما جزى مُرْسَلاً عَمَّنْ أُرْسِلَ إليه، فلم تُمْسِ بنا نعمةٌ ظهرَتْ ولا بطنَتْ، نلنا بها حَظًّا في دينٍ ودنيا، أو دُفِعَ بها عنا مكروهٌ فيهما أو في واحدٍ منهما - إلا ومحمَّدٌ صلى الله عليه سَبَبُهَا، القائدُ إلى خَيْرِها، والهادي إلى رُشْدِها (¬1) . أما بعد: فإنَّ عِلْمَ عِلَلِ الحديثِ مِنْ أَجَلِّ العلومِ (¬2) التي لم تَتَهَيَّأْ معرفتُهَا إلا لنَزْرٍ يَسِيرٍ مِنْ أهلِ العلمِ؛ وقد صُنِّفَتْ فيه مصنَّفاتٌ عديدةٌ (¬3) ، من أَهَمِّهَا "كِتَابُ الْعِلَلِ" لأبي محمَّدٍ عبدِ الرحمنِ ابنِ أبي حاتمٍ الرازيِّ (ت327هـ) ، الذي جَمَعَ فيه كلامَ أبيه وأبي زُرْعَةَ في تعليلِ الأحاديثِ، معَ زيادةِ كلامِ بعضِ الأئمَّةِ الآخَرِينَ - على قِلَّتِهِ - وربَّما أَدْلَى هو بِدَلْوِهِ في الكلامِ في هذه العِلَلِ أحيانًا. وقد طُبِعَ هذا الكتابُ أَوَّلَ مَرَّةٍ سنةَ (1343هـ) بتحقيقِ الأستاذِ مُحِبِّ الدِّينِ الخَطِيبِ _ح؛ في المطبعةِ السَّلَفيَّةِ التي كان أنشأَهَا، ¬
مُعْتَمِدًا في تحقيقِه على نُسْخَتَيْنِ، لكنَّ إحداهما منقولةٌ عن الأخرى كما سيأتي بيانُهُ (¬1) ، وفيهما أسقاطٌ وتصحيفاتٌ، لكنَّهُ وَفَّى بإثباتِ النَّصِّ على حَسَبِ استطاعتِهِ. ثم عَمَدَ الأخُ نَشْأَتُ بنُ كمالٍ الْمِصْرِيُّ، فحَقَّقَ الكتابَ اعتمادًا على النُّسَخِ الخَطِّيَّةِ الأخرى، وطُبِعَ الكتابُ بتحقيقِهِ في (4) مجلَّداتٍ، غيرَ أنَّه وقَعَ في أخطاءٍ نَبَّهَ عليها الأخُ محمَّدُ بنُ صالحٍ الدباسِيُّ الذي قام بتحقيقِ الكتابِ وإخراجِهِ في (3) مجلَّدات، على وجهٍ أَفْضَلَ مِنْ سابقَيْهِ؛ فجزى اللهُ الجميعَ خيرَ الجزاءِ. وقد مَنَّ اللهُ تعالى عَلَيْنَا بالفَرَاغِ مِنْ تحقيقِ هذا الكتابِ، الذي ابتدأْنَا العمَلَ فيه قبل أكثَرَ من خمس سنين، وما كنا نتوقَّع أننا سنلاقي ما لاقيناه من عَنَتٍ ومَشَقَّةٍ في إخراجه على وجهٍ نرجو أن يكونَ الأقرَبَ إلى الصوابِ إنْ شاء الله تعالى. وكانت الرغبةُ في أولِ الأَمْرِ متجهةً إلى إخراجِهِ اعتمادًا على نسخةِ مكتبة أحمد الثالث وحدها؛ دون تخريجٍ أو تعليقٍ إلا على ما لابُدَّ منه، لكنْ واجهَنَا كثيرٌ من الإشكالاتِ التي تَطَلَّبَتِ الرجوعَ إلى نُسَخٍ أخرى، فجمعنا ما وَقَفْنَا عليه منها، ومع هذا كلِّه لم يَزَلْ في الكتابِ مواضعُ أخرى مُشْكِلَةٌ، فرأينا ضرورةَ تقصِّي المراجعِ التي تأخذُ عن ابن أبي حاتم بطريق الرواية أو النقل، كما رأينا ضرورةَ ¬
تخريجِ الرواياتِ والطرقِ لإتمامِ العمل، فساعَدَنَا هذان الأمران كثيرًا على إزالةِ كثيرٍ من تلك الإشكالاتِ كما سيأتي تفصيلُهُ في خُطَّةِ العملِ إن شاء الله. وقد قدَّمنا للكتاب بمقدمةٍ تناولنا فيها ما يلي: 1 - أهميَّة عِلْمِ عِلَلِ الحديث، والمصنَّفات فيه، وتعريف العِلَّة في اللغة والاصطلاح، وذِكْر أسباب العلة. وكنا نرغب في ذكر قرائن الترجيح والتعليل وأجناس العلة، لكن رأينا الاكتفاء برسالة أخينا الدكتور عادل الزُّرَقي في «قرائن العلة» (¬1) ، وبما ذكره أبو عبد الله الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص113-118) عن أجناس العلَّة، ولخَّصه وهذَّبه السُّيُوطي في «تدريب الراوي» (1/422-427) وبلَغَنَا أنَّ الأخ أبا سفيان مصطفى باحو جَمَعَ ذلك وزاد عليه في بحثٍ بعنوان "العِلَّة وأجناسها عند المحدِّثين" لم يُطْبَعْ بعدُ. أجزل الله الأجر والثواب للجميع. 2 - دراسة مُطَوَّلة للمُصَنِّف عبد الرحمن بن أبي حاتم _ح. 3 - ترجمة موجزة لأبي حاتم، وأبي زرعة، رحمة الله عليهما. 4 - التعريف بـ"كتابِ العِلَلِ" لابن أبي حاتم، وفيه: أ) تمهيدٌ يتضمَّنُ أَهَمِّيَّةَ الكتابِ، وبَعْضَ مميِّزاتِهِ، ومَنْهَجَ مصنِّفِهِ فيه. ¬
ب) رواياتُ الكتاب. جـ) ترجمة لرواة الكتاب. د) وصف النُّسَخِ الخَطِّيَّةِ المعتمدة. هـ) تحقيق اسمِ الكتابِ، وصِحَّةِ نِسْبَتِهِ إلى مصنِّفِهِ. و) خُطَّة العَمَلِ ومنهجنا في تحقيق الكتاب، مع بعضِ التنبيهات. ز) نماذج من النُّسَخِ الخَطِّيَّةِ للكتاب. وها هو الكتابُ بين يدَيْكَ - أخي القارئ الكريم - لك غُنْمُهُ، وعلينا غُرْمُهُ، ولا نستطيعُ أنْ نَصِفَ لك ما بُذِلَ فيه من جُهْد، نسألُ اللهَ تعالى أَلاَّ يَحْرِمنا أَجْرَهُ، وحسبنا أنَّا بَذَلْنَا وُسْعَنَا ولا نَدَّعي الكمال، فإنْ أصبنا فَمِنَ الله، وإنْ أخطأنا فَمِنْ أنفسنا ومِنَ الشيطان، مع دعائنا لِمَنْ أتحفَنَا بشيءٍ من الملحوظاتِ حتى نَتَلاَفاها ونَتَدَارَكَهَا في طبعةٍ لاحقة إنْ شاء الله. ولا يفوتنا في الختامِ أنْ نَتقدَّمَ بالشُّكْرِ الجزيلِ لفضيلة الدكتور الشيخ محمد بن تُرْكي التُّرْكي الذي أَتْحَفنا ببعضِ النسخ الخطية لهذا الكتاب. والشُّكْرُ موصولٌ للمحرِّك الإداري للعمل الشيخ أبي أسامة محمد ابن سالم بن علي بن جابر؛ على بَذْلِ وُسْعِهِ وطاقتِهِ، وحُنْكتِهِ في الإدارة على وجه ظهرت ثماره بحمد الله.
كما نشكُرُ فَرِيقَ التحقيقِ في هذا الكتابِ الذين لولا تيسيرُ الله سبحانه، ثم تضافُرُ جهودهم؛ لَمَا أمكَنَ إنجازُ هذا العمل الضخم، مع هذه الصعوبات، وهم الإخوة الأساتذة: 1) د. حيدر بن عيدروس علي أحمد. 2) عيسى بن كُوكُوني صُوك. 3) عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الضاحي. 4) حسني بن أحمد بن حَسَانين الجُهَني. 5) حسام بن محمد القَطَّان. 6) علي بن أحمد بن عبد الباقي الخُولي. 7) أيمن بن أحمد ذو الغِنى. 8) محمد بن خالد الوَبَارنه. 9) محمد بن رجب بن محمد الخُولي. كما نَشْكُرُ كلًّا من مُنَضِّد الكتاب الأستاذ يسري بن حسين محمد سعد، وفريق المقابلة: الأستاذ إبراهيم بن عبد الجليل رضوان، والأستاذ حسان بن عبد الكريم العثمان. وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ د/ سعد بن عبد الله بن عبد العزيز الحميِّد د/ خالد بن عبد الرحمن بن علي الجريسي
أَهَمِّيَّةُ عِلْمِ عِلَلِ الحَدِيثِ لقد مَنَّ اللهُ على الأُمَّةِ المحمَّديةِ أنْ جعلها خيرَ الأمم، ودينَها خاتَمَ الأديانِ وأكملَهَا، ونبيَّها خاتَمَ الأنبياءِ وأفضلَهم. وتكفَّل اللهُ لهذه الأُمَّةِ بِحِفْظِ وَحْيها من التحريف والتبديل؛ فقال سبحانه: [الحِجر: 9] ، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *} والذِّكْرُ هنا يَعُمُّ الكتابَ والسُّنَّة؛ لأنَّ السنَّةَ وحيٌ منزَّلٌ من الله سبحانه؛ قال تعالى: [النّجْم: 3] {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *} ، وهي المبيِّنة للقرآن، وسمَّاها الله ذكرًا؛ قال تعالى: [النّحل: 44] {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} ، فلا يمكن العملُ بالقرآن بمَعْزِل عن السنة؛ كعدد الصَّلوات في اليوم والليلة، وعدد ركعات الصَّلاة، وصفة أدائها، وهكذا الزكاة، والحَجُّ، والصَّوم، وغير ذلك، وهذا الذي جَعَلَ مكحولاً _ح يقول: القرآنُ أحوَجُ إلى السُّنَّة من السنَّة إلى القُرآن (¬1) . وقال يحيى بن أبي كثير: السُّنَّة قاضيةٌ على الكتاب، وليس الكتابُ بقاضٍ على السنَّة (¬2) . ¬
وقال الفَضْل بن زياد: سمعتُ أحمدَ بن حنبل وسُئل عن هذا الحديث الذي رُوي: أنَّ السُّنَّةَ قاضيةٌ على الكتاب؟ فقال: ما أجسُرُ على هذا أنْ أقولَهُ، ولكنَّ السنَّةَ تفسِّر الكتاب، وتعرِّفُ الكتابَ وتبيِّنه (¬1) . وقال حَسَّان بن عَطيَّة: كان جبريلُ _ج يَنْزِلُ على رسول الله (ص) بالسُّنَّة كما ينزل عليه بالقرآن، يعلِّمه إياها كما يعلِّمه القرآن (¬2) . وقال إسماعيل بن عُبَيدالله: ينبغي لنا أن نَحْفَظَ حديثَ رسول الله (ص) كما نحفَظُ القرآنَ؛ لأن الله تعالى يقول: [الحَشر: 7] {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (¬3) . وهذا هو الذي فهمه الصحابيُّ الجليلُ عبد الله بن مسعود ح حين قال: «لَعَنَ اللهُ الواشمَاتِ والمُسْتَوْشِمَاتِ، والنَّامِصَاتِ والمُتَنمِّصَاتِ، والمُتَفلِّجَاتِ للحُسْنِ، المُغيِّراتِ خَلْقَ اللهِ» ، فبلغ ذلك امرأةً من بني أَسَدٍ يقال لها: أُمُّ يعقوب، وكانتْ تَقْرَأُ القرآنَ، فأتتْهُ فقالت: ما حديثٌ بلغني عنك؛ أنك لعنتَ الواشمات والمُسْتَوشمات، ¬
والمُتَنمِّصات، والمُتَفلِّجات للحُسْن، المغيِّراتِ خَلْقَ الله؟ فقال عبد الله: وما لي لا ألعَنُ مَنْ لَعَنَ رسولُ الله (ص) ، وهو في كتاب الله؟! فقالت المرأة: لقد قرأتُ ما بين لَوْحَيِ المصحفِ فما وجدتُّهُ، فقال: لئنْ كنتِ قرأتِيهِ لقد وجَدتِّيهِ (¬1) ؛ قال الله عزَّ وجلَّ: [الحَشر: 7] {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} . فقالتِ المرأةُ: فإني أرى شيئًا مِنْ هذا على امرأتِكَ الآنَ، قال: اذهبي فانظُري، فدخلَتْ على امرأةِ عبد الله، فلم تَرَ شيئًا، فجاءتْ إليه فقالتْ: ما رأيتُ شيئًا، فقال: أَمَا لو كان ذلك لم نُجامِعْها (¬2) . وكما أنَّ اللهَ سبحانه ابتَلَى آدَمَ وذريَّتَهُ بالإهباطِ إلى الأرض، وبِمَكْرِ الشيطانِ وكَيْدِهِ لهم لِيَعْلَمَ مَنْ يُطِيعه ممَّن يَعْصيه، وهو القادر سبحانه على أن يجعلَهُمْ كلَّهم عاملين بطاعته؛ كما قال تعالى: [السَّجدَة: 13] {وَلَوْ شِئْنَا لآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَِمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ *} ؛ فإنه كذلك ابتلى الأمَّةَ المحمَّديةَ بطريقةِ نقل السُّنَّة النبوية وروايتها، فمِنَ المعلوم أنَّ السُّنَّة لم ¬
تُدَوَّنْ في عصر النبوَّة والخلفاءِ الراشدين كما دُوِّن القرآن؛ لأسبابٍ يطولُ ذِكْرُها (¬1) ؛ من أهمِّها: طولُ الفترة التي يلزمُهُمْ فيها تدوينُ كُلِّ ما يَصْدُرُ عنه (ص) مِنْ أقوالٍ، وأفعال، وتقريرات، وهي ثلاثٌ وعشرون سنة، مع قِلَّةِ الكَتَبة، ونُدْرَةِ أدواتِ الكتابة، على نحوٍ يَصْعُبُ معه - بل يستحيلُ - كتابةُ كُلِّ ما يَصْدُرُ عنه (ص) طيلةَ هذه الفترة على أكتافِ الإبل، والألواح، وعُسُبِ النخل، والحجارةِ؛ فهذه هي الأدواتُ التي كانوا يَكْتُبون عليها، أما الجُلود فنادرةٌ، وأما الوَرَقُ فمعدومٌ. وكما أنَّ الصِّراعَ بين الشيطان وبني آدم قائمٌ منذ أنْ أُهْبِطَ آدَمُ إلى الأرض، فالصِّراعُ كذلك موجودٌ بين علماء الحديث وأعداء السُّنَّة، وقد تمخَّض هذا الصِّراع عن تلك الجُهُود التي بذلها العلماءُ لحمايةِ جَنَابِ السُّنَّة، وذَبِّ الكذبِ عنها والدَّخيلِ عليها، وتتمثَّلُ في أمور عديدة، من أهمِّها: نَشْأَةُ الإسناد، وعِلْمُ الجرح والتعديل والكلامُ في الرواةِ جَرْحًا وتعديلاً، ومعرفةُ التاريخِ الذي يَسْتبِينُ به صدقُ الرواةِ وكذبُهم، واتصالُ الأسانيدِ وانقطاعُهَا، وعِلْمُ مصطلح الحديث، والمصنَّفاتُ في صحيحِ السُّنَّة وضعيفها، وغيرُ ذلك كثير؛ ومن أشهره: معرفةُ عِلَلِ الحديثِ الذي هو موضوعُ كتابنا هذا. ¬
ومع أنَّ مدارَ معرفةِ الصحيح من السَّقيم من الحديثِ: على الإسناد الذي قالوا عنه: إنه مِنَ الدِّين (¬1) ، والنظرُ في الإسنادِ يكونُ في اتصالِهِ وثِقَةِ رجاله؛ إلا أنَّ المحدِّثين وضعوا نُصْبَ أعينهم أمرًا آخَرَ، وهو أنَّ الثقةَ قد يَهِمُ، وربَّما دَخَلَ في دِينِ الله ما ليس منه بسببِ أوهامِ الثقاتِ الذين يُظَنُّ بهم الظَّنُّ الحسن؛ فَمِنْ هنا نشأ عِلْمُ عِلَلِ ¬
الحديث الذي يُعْنَى أولَ ما يُعْنَى بأوهامِ الثقات. قال شيخ الإسلام ابن تيمية (¬1) : «والمقصودُ هنا أنَّ تَعَدُّدَ الطُّرُق - مع عدمِ التشاعرِ أو الاتفاقِ في العادة - يُوجِبُ العلمَ بمضمون المنقول، لكنَّ هذا يُنتفَعُ به كثيرًا في عِلْمِ أحوال الناقلين، وفى مثل هذا يُنتفَعُ برواية المجهول، والسيِّئ الحفظ، وبالحديثِ المُرْسَل، ونحوِ ذلك. ولهذا كان أهلُ العلم يَكْتُبون مثلَ هذه الأحاديث ويقولون: إنه يَصْلُحُ للشواهدِ والاعتبارِ ما لا يَصْلُحُ لغيره؛ قال أحمد: قد أكتُبُ حديثَ الرجلِ لأعتبرَهُ.... وكما أنهم يَسْتَشهدونَ ويَعْتبرونَ بحديثِ الذي فيه سوءُ حفظ، فإنهم أيضًا يضعِّفون مِنْ حديثِ الثقة الصدوقِ الضابطِ أشياءَ تبيَّن لهم أنه غَلِطَ فيها، بأمورٍ يستدلُّون بها، ويسمُّون هذا: «عِلْمَ عِلَلِ الحديث» ، وهو مِنْ أشرفِ علومهم، بحيثُ يكونُ الحديثُ قد رواه ثقةٌ ضابطٌ وغَلِطَ فيه، وغَلَطُهُ فيه عُرِفَ إما بسببٍ ظاهرٍ [أو خفيٍّ] (¬2) ؛ كما عَرَفُوا أنَّ النبيَّ (ص) تزوَّج ميمونةَ وهو حلال، وأنه صلَّى في البيت ركعتين، وجعلوا روايةَ ابنِ عباس- لتزوُّجِها حرامًا، ولكونِهِ لم يُصَلِّ - مما وقَعَ فيه الغَلَطُ ... . والناسُ في هذا الباب طرفانِ: طَرَفٌ مِنْ أهلِ الكلام ونحوهم ممَّن هو بعيدٌ عن معرفةِ الحديثِ وأهله، لا يُميِّز بين الصحيحِ والضعيف، فيَشُكُّ في صحةِ أحاديثَ، أو في القَطْعِ بها، مع كونها معلومةً مقطوعًا بها عند أهلِ العِلْمِ به. وطَرَفٌ ممن يدَّعي اتباعَ الحديثِ والعَمَلَ به؛ كلَّما وجَدَ لفظًا في حديثٍ قد رواه ثقةٌ، أو رأى حديثًا بإسنادٍ ظاهرُهُ الصحةُ، يريدُ أن يَجْعَلَ ذلك مِنْ جنسِ ما جزَمَ أهلُ العلم بصحَّته، حتى إذا عارَضَ الصحيحَ المعروفَ، أخَذَ يتكلَّفُ له التأويلاتِ الباردةَ، أو يجعلُهُ دليلاً له في مسائلِ العلم، مع أنَّ أهلَ العلم بالحديثِ يَعْرِفون أنَّ مثلَ هذا غَلَطٌ» . اهـ. وقال ابن القيِّم (¬3) - في كلامه على حديث: «قَضى باليَمِينِ مع الشَّاهد» ، والرَّدِّ على من أعلَّه -: «وهذه العللُ وأمثالها تَعَنُّتٌ لا تُتْرَكُ لها الأحاديثُ الثابتةُ، ولو تُرِكَتِ السننُ بمثلها لَوُجِدَ السبيلُ إلى تَرْكِ ¬
عامَّةِ الأحاديثِ الصحيحةِ الثابتة بمثلِ هذه الخَيَالات. وهذه الطريقُ في مقابلها طريقُ الأصوليين وأكثرِ الفقهاء: أنهم لا يَلْتَفتون إلى علَّةٍ للحديثِ إذا سَلِمَتْ طريقٌ من الطرق منها، فإذا وَصَله ثقةٌ أو رَفَعه لا يبالون بخلافِ مَنْ خالفه ولو كَثُروا. والصوابُ في ذلك: طريقةُ أئمة هذا الشأن، العالمين به وبِعِلَلِهِ؛ وهو النَّظَرُ والتَّمَهُّر في العلل، والنظر في الواقفين والرافعين، والمُرْسِلين والواصلين: أنهم أَكْثَرُ، وأوثقُ، وأَخَصُّ بالشيخ، وأعرَفُ بحديثه،،، إلى غيرِ ذلك من الأمور التي يَجْزِمون معها بالعِلَّةِ المؤثِّرة في موضعٍ، وبانتفائها في موضعٍ آخَرَ؛ لا يرتضون طريقَ هؤلاء، ولا طريقَ هؤلاء» . وقال أبو شَامَةَ المَقْدِسي (¬1) : «وأئمةُ الحديثِ هم المعتبَرون القُدْوةُ في فنِّهم؛ فوجَبَ الرجوعُ إليهم في ذلك، وعَرْضُ آراءِ الفقهاءِ على السننِ والآثارِ الصَّحيحة؛ فما ساعَدَهُ الأَثَرُ فهو المعتبَرُ، وإلا فلا نُبْطِلُ الخَبَرَ بالرأي، ولا نضَعِّفه إنْ كان على خلافِ وُجُوهِ الضَّعْفِ من علل الحديثِ المعروفةِ عند أهله، أو بإجماعِ الكافَّةِ على خلافه؛ فقد يَظْهَرُ ضَعْفُ الحديثِ وقد يخفى. وأقربُ ما يُؤْمَرُ به في ذلك: أنك إذا رأيتَ حديثًا خارجًا عن دواوينِ الإسلام - كالموطَّأ، ومسند أحمد، والصَّحيحَيْنِ، وسنن أبي داود، والترمذي، والنَّسَائي، ونحوها مما تقدَّم ذكرُه ومما لم نذكُرْهُ - فانظُرْ فيه: فإنْ كان له نظيرٌ في الصحاح ¬
والحسان قَرُبَ أَمْرُهُ، وإنْ رأيتَهُ يُبَايِنُ الأصولَ وارتَبْتَ به فتأمَّلْ رجالَ إسناده، واعتبِرْ أحوالَهُمْ مِنَ الكُتُبِ المصنَّفَة في ذلك. وأصعبُ الأحوال: أن يكونَ رجالُ الإسنادِ كلُّهم ثقات، ويكونَ متنُ الحديثِ موضوعًا عليهم، أو مقلوبًا، أو قد جرى فيه تدليسٌ، ولا يَعْرِفُ هذا إلا النُّقَّادُ من علماء الحديث؛ فإنْ كنتَ مِنْ أهله فَبِهِ، وإلا فاسألْ عنه أهلَهُ» . وقال ابن رجب (¬1) : «أَمَّا أهلُ العلمِ والمعرفة، والسُّنَّةِ والجماعة، فإنَّما يَذْكُرون عِلَلَ الحديثِ نصيحةً لِلدِّين، وحفظًا لسنَّة النبيِّ (ص) ، وصيانةً لها، وتمييزًا مما يَدْخُلُ على رواتها من الغَلَطِ والسَّهْوِ والوَهَمِ، ولا يوجبُ ذلك عندهم طَعْنًا في غير الأحاديث المُعَلَّة، بل تَقْوَى بذلك الأحاديثُ السليمةُ عندهم؛ لبراءتها من العلل، وسلامتها من الآفات، فهؤلاءِ هم العارفونَ بِسُنَّةِ رسول الله حَقًّا، وهم النقَّاد الجَهابذةُ الذين ينتقدون انتقادَ الصيرفيِّ الحاذقِ للنَّقْدِ البَهْرَجِ (¬2) من الخالص، وانتقادَ الجوهريِّ الحاذق للجوهر مما دُلِّسَ به» . وذكر ابن رجب أيضًا (¬3) روايةَ أَبِي إسحاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عائشة؛ قالت: كانَ النبيُّ (ص) يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ، وَلا يَمَسُّ ماءً، ثم قال: ¬
«وهذا الحديثُ مما اتفَقَ أئمةُ الحديث مِن السَّلَفِ على إنكارِهِ على أبي إسحاق ... وقال أحمدُ بن صالحٍ المِصْريُّ الحافظ: لا يَحِلُّ أن يُروى هَذا الحديثُ؛ يعني: أنَّهُ خطأٌ مقطوعٌ بهِ، فلا تحلُّ روايته مِنْ دونِ بيانِ علَّته. وأما الفقهاءُ المتأخِّرون، فكثيرٌ مِنهُم نظَرَ إلى ثقة رجاله، فظنَّ صِحَّتَهُ، وهؤلاءِ يظنُّون أنَّ كلَّ حديث رواه ثقةٌ فهو صحيحٌ، ولا يتفطَّنون لدقائق علم علل الحديث. ووافقَهم طائفةٌ من المحدِّثين المتأخِّرين؛ كالطَّحَاويِّ، والحاكم، والبيهقي» . اهـ. وفي هذا دَلاَلةٌ على أهميَّةِ عِلْمِ العلل الذي يقولُ عنه عبد الرحمن ابن مَهْدي: «لَأَنْ أَعْرِفَ عِلَّةَ حديثٍ هُوَ عِنْدِي، أَحَبُّ إليَّ من أن أكتبَ عشرين حديثًا لَيْسَ عِنْدِي» (¬1) . وقال محمد بن عبد الله بن نُمَيْر: قال عبد الرحمن بْن مَهْدي: «معرفةُ الحديثِ إلهامٌ» . قَالَ ابْنُ نُمَيْر: «وصَدَقَ! لو قلتَ لَهُ: مِنْ أينَ قلتَ؟ لم يكنْ له جوابٌ» (*) . وقال أبو حاتِم الرازي: قال عبد الرحمن بْن مَهْدي: «إنكارُنا الحديثَ عِنْد الجهَّالِ كِهَانةٌ» (*) . وقال نُعَيم بن حمَّاد: قلت لعبد الرحمن بن مَهْدي: كيف تَعْرِفُ صحيحَ الحديثِ مِنْ خطئه؟ قال: «كما يَعْرِفُ الطبيبُ المجنونَ» (¬2) . ¬
وقال أبو غالبٍ عليُّ بن أحمدَ بن النَّضْر: سمعتُ عليَّ بن المَدِيني يقول: أخَذَ عبد الرحمن بن مَهْدي على رجلٍ مِنْ أهلِ البَصْرة - لا أسمِّيه - حديثًا؛ قال: فغَضِبَ له جماعةٌ؛ قال: فَأَتَوْهُ فقالوا: يا أبا سعيد، مِنْ أَيْنَ قلتَ هذا في صاحبنا؟ قال: فغَضِبَ عبدُالرحمنِ ابنُ مَهْدي، وقال: «أرأيتَ لو أنَّ رجلاً أتى بدينار إلى صَيْرَفِيٍّ، فقال: انتَقِدْ لي هذا، فقال: هو بَهْرَجٌ، يقولُ له: مِنْ أين قلتَ لي: إنه بَهْرَج؟! اِلزَمْ عملي هذا عِشْرين سَنَةً حتى تَعْلَمَ منه ما أَعْلَمُ» (¬1) . وروى هذه الحكايةَ البخاريُّ عن شيخه عليِّ بن المَديني باختلافٍ يَسِير (¬2) . وقد رُوِيَ أيضًا نحوُ هذا المعنى عن الإمام أحمد (¬3) . وقال الخطيبُ البغدادي (¬4) : «فمِنَ الأحاديثِ ما تَخْفَى عِلَّتُه فلا يوقَفُ عليها إلا بعد النظرِ الشديد، ومُضِيِّ الزمانِ البعيد» . وقال صالحُ بن محمد البغدادي - المعروفُ بصالحِ جَزَرة -: سمعتُ عليَّ بن المَدِيني يقول: «رُبَّمَا أدركتُ عِلَّةَ حديثٍ بعد أربعين سنةً» (¬5) . ¬
وقال الربيع بن خُثَيْم: «إنَّ مِنَ الحديثِ حديثًا له ضَوْءٌ كضوء النهار تعرفُهُ، وإنَّ مِنَ الحديثِ حديثًا له ظُلمةٌ كظُلْمة الليلِ تُنْكِرُهُ» (¬1) . وقال الشافعي (¬2) : «ولا يُستدلُّ على أكثرِ صِدْقِ الحديثِ وكَذِبِهِ إلا بصدقِ المُخْبِرِ وكذبه، إلا في الخاصِّ القليلِ من الحديث» . وأوضَحَ البيهقيُّ عبارةَ الشافعيِّ هذه بقوله (¬3) : «وهذا الذي استثناه الشافعيُّ لا يقف عليه إلا الحُذَّاقُ مِنْ أهل الحِفْظ؛ فقد يَزِلُّ الصدوقُ فيما يكتبُهُ، فيَدْخُلُ له حديثٌ في حديث، فيصيرُ حديثٌ رُوِيَ بإسناد ضعيفٍ مُرَكَّبًا على إسنادٍ صحيحٍ. وقد يَزِلُّ القَلَمُ، ويُخْطئ السمع، ويَخُونُ الحِفْظ؛ فيروي الشاذَّ من الحديث عن غير قَصْدٍ، فَيَعْرِفُهُ أهلُ الصَّنْعة الذين قيَّضَهُمُ اللهُ تعالى لحفظِ سُنَنِ رسولِ الله (ص) على عباده؛ بِكَثْرة سماعه، وطُولِ مُجالستِهِ أهلَ العِلْمِ به ومُذاكَرتِهِ إيَّاهم» . اهـ. ولذا كان أهلُ الحديث لا يُسلِّمون بكل ما يُرْوَى وإنْ كان صحيحَ السَّنَدِ، حتى يَعْرِضوه على أهل الاختصاص: قال الأعمش: «كان إبراهيمُ (¬4) صَيْرَفِيَّ الحديث، فكنتُ إذا ¬
سمعتُ الحديثَ مِنْ بعضِ أصحابنا، أتيتُهُ فعرضتُهُ عليه» (¬1) . وقال جريرُ بن عبد الحميد: «كنتُ إذا سمعتُ الحديثَ جِئْتُ به إلى المغيرة، فعرضْتُهُ عليه؛ فما قال لي: أَلْقِهِ، أَلْقَيْتُهُ» (¬2) . وقال قَبِيصة بن عُقْبة: «رأيتُ زائدةَ يَعْرِضُ كُتُبَهُ على سُفْيان الثَّوْري، ثم التفَتَ إلى رجل في المَجْلِس فقال: ما لك لا تَعْرِضُ كتبَك على الجَهابِذَةِ كما نَعْرِض؟!» (¬3) . وقال زائدة: «كنا نأتي الأعمشَ، فيحدِّثنا، فَيُكْثِرُ، ونأتي سُفْيانَ الثوريَّ فنذكُرُ تلك الأحاديثَ له، فيقولُ: ليس هذا مِنْ حديثِ الأعمش. فنقول: هو حدَّثنا به الساعةَ! فيقول: اذهَبُوا فقولوا له إنْ شئتم. فنأتي الأعمشَ، فَنُخْبِره بذلك، فيقول: صَدَقَ سفيان؛ ليس هذا مِنْ حديثنا» (¬4) . وقال الأوزاعيُّ: «إنْ كنا لَنَسْمَعُ الحديثَ فَنَعْرِضُهُ على أصحابنا كما نَعْرِضُ الدرهمَ الزائفَ على الصَّيارفةِ؛ فما عَرَفُوا أَخَذْنا، وما أَنْكَروا تَرَكْنا» (¬5) . ¬
وقال عمرو بن قيس: «ينبغي لصاحبِ الحديثِ أنْ يكونَ مِثْلَ الصيرفيِّ الذي يَنْقُدُ الدرهمَ الزائفَ والبَهْرَجَ، وكذا الحديثُ» (¬1) . وروى أبو حاتِمٍ (¬2) ، عن محمود بن إبراهيم ابن سُمَيْع؛ قَالَ: سمعتُ أَحْمَد بْن صَالِحٍ يَقُولُ: معرفةُ الحديثِ بمنزلةِ معرفة الذَّهَبِ والشَّبَه؛ فإنَّ الجَوْهَرَ إِنَّمَا يَعْرِفُهُ أهلُهُ، وَلَيْسَ للبصير فِيهِ حُجَّةٌ إِذَا قِيلَ لَهُ: كيف قلتَ: «إنّ هَذَا بائنٌ» ؟ يعني: الجيِّدَ أو الرديءَ. اهـ. وقال محمد بن عمرو بن العَلاَء الجُرْجاني: حدَّثنا يحيى بن مَعِين؛ قال: «لولا الجَهابذةُ لَكَثُرَتِ السَّتُّوقَةُ (¬3) والزُّيوفُ في روايةِ الشريعة، فمتى أحبَبْتَ فهَلُمَّ ما سَمِعْتَ حتى أَعْزِلَ لك منه نقدَ بيت المال، أَمَا تَحْفَظُ قولَ شُرَيْح: «إنَّ للأثرِ جَهابذةً كجَهابِذَة الوَرِق» ؟! (¬4) . وقال محمد بن صالح الكِيلِيني (¬5) : سمعتُ أبا زرعة وقال له رجلٌ: ما الحُجَّةُ في تعليلكم الحديث؟ قال: «الحُجَّةُ أَنْ تسألَني عن حديثٍ له عِلَّةٌ، فأذكُرَ علَّته، ثم تَقْصِدَ ابنَ وارَة - يعني: مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن وارَة - وتسألَهُ عنه، ولا تُخْبِرُهُ بأنك قد سألتَني عنه، فيذكُرَ علَّته، ثم تَقْصِدَ أبا حاتِم فيعلِّله، ثم تُمَيِّزَ كلامَ كلٍّ منَّا على ذلك ¬
الحديث؛ فإنْ وجدتَّ بيننا خلافًا في علَّته فاعلَمْ أنَّ كلًّا منَّا تكلَّم على مُراده، وإنْ وجدتَّ الكلمةَ متفقةً فاعلَمْ حقيقةَ هذا العلم» . قال: ففعَلَ الرجلُ، فاتفقَتْ كلمتُهم عليه، فقال: أشهَدُ أنَّ هذا العلمَ إِلْهَام (¬1) . وقال أبو حاتِم الرازي: «مَثَلُ معرفةِ الحديثِ كمَثَلِ فَصٍّ ثَمَنُهُ مئةُ دينار، وآخَرَ مِثْلِهِ عَلَى لونه ثَمَنُهُ عَشَرَةُ دراهم» (¬2) . وقال عبد الرحمن بن أبي حاتِم الرازي (¬3) : سمعتُ أبي _ح يقول: «جاءني رجلٌ من جِلَّةِ أصحابِ الرأي - مِنْ أهلِ الفَهْمِ منهم - ومعه دَفْتَرٌ، فعرَضَهُ عليَّ، فقلتُ في بعضها: هذا حديثٌ خطأٌ؛ قد دخَلَ لصاحبِهِ حديثٌ في حديث، وقلتُ في بعضه: هذا حديثٌ باطلٌ، وقلتُ في بعضه: هذا حديثٌ منكر، وقلتُ في بعضه: هذا حديثٌ كَذِبٌ، وسائرُ ذلك أحاديثُ صحاحٌ، فقال: مِنْ أين عَلِمْتَ أنَّ هذا خطأٌ، وأنَّ هذا باطلٌ، وأن هذا كذبٌ؛ أخبرَكَ راوي هذا الكتابِ بأني غَلِطْتُ، وأنِّي كَذَبْتُ في حديثِ كذا؟! فقلتُ: لا، ما أدري هذا الجُزْءُ مِنْ روايةِ مَنْ هو؟ غيرَ أني أَعْلَمُ أنَّ هذا خطأٌ، وأنَّ هذا الحديثَ باطلٌ، وأنَّ هذا الحديثَ كَذِبٌ، فقال: تدَّعي الغيبَ؟ قال: قلتُ: ما هذا ادعاءُ الغَيْبِ، قال: فما الدليلُ على ما تقول؟ قلتُ: سَلْ عما قلتُ مَنْ يُحْسِنُ مِثْلَ ¬
ما أُحْسِنُ، فإنِ اتفقنا عَلِمْتَ أنَّا لم نُجَازِفْ، ولم نقله إلا بفَهْم، قال: مَنْ هو الذي يُحْسِنُ مِثْلَ ما تُحْسِن؟ قلتُ: أبو زُرْعة، قال: ويقولُ أبو زرعة مثلَ ما قلتَ؟ قلتُ: نعم، قال: هذا عَجَبٌ! فأخذ فكتَبَ في كاغَذٍ (¬1) ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم رجَعَ إليَّ وقد كتَبَ ألفاظَ ما تكلَّم به أبو زرعة في تلك الأحاديث: فما قلتُ: إنه باطلٌ، قال أبو زرعة: هو كَذِبٌ، قلتُ: الكَذِبُ والباطلُ واحدٌ، وما قلتُ: إنه كذبٌ، قال أبو زرعة: هو باطلٌ، وما قلتُ: إنه منكرٌ، قال: هو منكرٌ، كما قلتُ، وما قلتُ: إنه صَحَاحٌ، قال أبو زرعة: هو صَحَاحٌ (¬2) . فقال: ما أعجَبَ هذا؛ تَتَّفِقان مِنْ غيرِ مواطأةٍ فيما بينكما!! فقلتُ: فقد بان لك أنَّا لم نُجازف، وإنما قلناه بِعِلْمٍ ومعرفةٍ قد أُوتِينَا، والدليلُ على صحَّة ما نقوله: أنَّ دينارًا نَبَهْرَجًا (¬3) يُحمَلُ إلى الناقدِ، فيقول: هذا دينار نَبَهْرَجٌ، ويقول لدينار: هو جيِّدٌ، فإنْ قيل له: مِنْ أين قلتَ: إنَّ هذا نَبَهْرَجٌ، هل كنتَ حاضرًا حين بُهْرِجَ هذا الدينارُ؟ قال: لا، فإنْ قيل له: فأَخْبَرَكَ الرجلُ الذي بَهْرَجَهُ: إنِّي بَهْرَجْتُ هذا الدينارَ؟ قال: لا، قيل: ¬
فَمِنْ أين قلتَ: إنَّ هذا نَبَهْرَجٌ؟ قال: عِلْمًا رُزِقْتُ. وكذلك نحن رُزِقْنَا معرفةَ ذلك. قلتُ له: فتَحْمِلُ فَصَّ ياقوتٍ إلى واحد من البُصَراء من الجَوهَرِيِّين، فيقولُ: هذا زُجَاجٌ، ويقولُ لمثله: هذا ياقوتٌ. فإنْ قيل له: مِنْ أين عَلِمْتَ أنَّ هذا زجاجٌ، وأنَّ هذا ياقوتٌ؟ هل حَضَرْتَ الموضعَ الذي صُنِعَ فيه هذا الزجاجُ؟ قال: لا، قيل له: فهل أعلمَكَ الذي صاغَهُ بأنه صاغ هذا زجاجًا؟ قال: لا، قال: فمِنْ أين علمتَ؟ قال: هذا عِلْمٌ رُزِقْتُ، وكذلك نحن رُزِقْنَا علمًا لا يتهيَّأُ لنا أن نُخْبِرَكَ كيف علمنا بأنَّ هذا الحديثَ كذب، وهذا حديثٌ منكر، إلا بما نَعْرِفُهُ» . ثم قال ابن أبي حاتِم: «تُعْرَفُ جَودةُ الدينار بالقياس إلى غيره؛ فإنْ تخلَّف عنه في الحُمْرَةِ والصَّفَاءِ، عُلِمَ أنه مَغْشوش. ويُعْلَمُ جنسُ الجَوْهَرِ بالقياس إلى غيره؛ فإنْ خالفه بالماء والصَّلابة، عُلِمَ أنه زجاج. ويُقاس صِحَّةُ الحديثِ بعدالة ناقليه، وأنْ يكونَ كلامًا يَصْلُحُ أنْ يكونَ مِنْ كلامِ النُّبُوَّةِ. ويُعْلَمُ سقمُهُ وإنكاره بتفرُّدِ مَنْ لم تَصِحَّ عدالتُهُ بروايته، والله أعلم» . اهـ. وذكر أبو عبد الله الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (¬1) : معرفةَ ¬
علل الحديث، فقال: «وهو عِلْمٌ برأسه، غيرُ الصحيح والسقيم والجَرْحِ والتعديل ... وإنما يعلَّل الحديثُ مِنْ أوجُهٍ ليس للجَرْح فيها مَدْخَل؛ فإنَّ حديثَ المجروح ساقطٌ واهٍ، وعلَّةُ الحديثِ تَكثُرُ في أحاديث الثقات؛ أن يحدِّثوا بحديثٍ له علَّة، فيَخْفَى عليهم علمُهُ، فيصيرُ الحديثُ معلولاً، والحُجَّةُ فيه عندنا: الحفظُ والفَهْم والمعرفةُ لا غير» . وفي موضعٍ آخَرَ (¬1) ذكَرَ معرفةَ الصَّحيح والسقيم، فقال: «وهذا النوعُ مِنْ هذه العلومِ غيرُ الجَرْحِ والتعديل الذي قدَّمنا ذِكْرَه، فرُبَّ إسنادٍ يَسْلَمُ من المجروحين غيرُ مُخَرَّجٍ في الصحيح، فمِنْ ذلك ... » ، ثم ذكر ثلاثةَ أحاديثَ معلولةً، وتكلَّم على عللها، ثم قال: «ففي هذه الأحاديثِ الثلاثةِ قياسٌ على ثلاثِ مِئَةٍ، أو ثلاثةِ آلاف، أو أكثَرَ من ذلك: أنَّ الصَّحيح لا يُعْرَفُ بروايته فقطْ، وإنما يُعْرَفُ بالفَهْمِ والحفظِ وكثرةِ السَّمَاع، وليس لهذا النوع من العلم عَوْنٌ أكثَرُ مِنْ مذاكرةِ أهلِ الفَهْم والمعرفة؛ لِيَظْهَرَ ما يخفى من عِلَّةِ الحديث، فإذا وُجِدَ مِثْلُ هذه الأحاديثِ بالأسانيد الصَّحيحة غَيْرَ مخرَّجة في كتابَيِ الإمامَيْنِ البخاري ومسلم؛ لَزِمَ صاحبَ الحديثِ التنقيرُ عن علَّته، ومذاكرةُ أهلِ المعرفةِ به لِتَظْهَرَ عِلَّته» . اهـ. وبوَّب الخطيبُ البغداديُّ (¬2) بابًا ذكَرَ فيه أنَّ المعرفةَ بالحديثِ ¬
ليستْ تلقينًا وإنما هو عِلْمٌ يُحْدِثُهُ اللهُ في القلب، ثم قال: «أَشْبَهُ الأشياءِ بعلمِ الحديث: معرفةُ الصَّرْفِ ونقدُ الدنانيرِ والدراهم؛ فإنه لا يُعْرَفُ جَودةُ الدينارِ والدراهم بلونٍ، ولا مَسٍّ، ولا طَرَاوةٍ، ولا دَنَسٍ، ولا نَقْشٍ، ولا صفةٍ تعودُ إلى صِغَرٍ أو كِبَرٍ، ولا إلى ضِيقٍ أو سَعَة، وإنما يَعْرِفه الناقدُ عند المُعاينة، فَيَعْرِفُ البَهْرَجَ والزائفَ، والخالصَ والمغشوشَ، وكذلك تمييزُ الحديث؛ فإنَّه عِلْمٌ يخلقُهُ اللهُ تعالى في القلوبِ بعد طولِ المُمارسة له والاعتناءِ به» . وقال ابنُ رجب (¬1) بعد ذِكْرِ بعض الأحاديث المعلولة: «وإنما تُحْمَلُ مِثْلُ هذه الأحاديثِ - على تقدير صحَّتها - على معرفةِ أئمَّةِ الحديثِ الجَهَابذةِ النُّقَّادِ الذين كَثُرَتْ ممارستُهُمْ لكلامِ النبيِّ (ص) وكلامِ غيره، ولحالِ رواةِ الأحاديث ونَقَلَةِ الأخبار، ومعرفَتِهِمْ بِصِدْقهم وكذبهم، وحِفْظهم وضَبْطهم؛ فإنَّ هؤلاءِ لهم نَقْدٌ خاصٌّ في الحديث يَخْتَصُّون بمعرفته، كما يَخْتَصُّ الصيرفيُّ الحاذقُ بمعرفة النقود؛ جَيِّدها ورديئها، وخالِصِهَا ومَشُوبها، والجَوهريُّ الحاذقُ في معرفةِ الجَوْهر بانتقادِ الجَوَاهر، وكلٌّ مِنْ هؤلاءِ لا يمكنُ أن يعبِّر عن سببِ معرفته، ولا يقيمُ عليه دليلاً لغيره، وآيةُ ذلك: أنه يُعْرَضُ الحديثُ الواحدُ على جماعةٍ ممَّن يَعْلَمُ هذا العلم، فَيَتَّفِقون على الجَوَابِ فيه من غير مُواطأة، وقد امتُحِنَ هذا منهم غَيْرَ مَرَّة في زَمَنِ أبي زُرْعة وأبي حاتم، ¬
فوُجِدَ الأَمْرُ على ذلك، فقال السائل: أَشْهَدُ أنَّ هذا العلمَ إلهامٌ.... وبكلِّ حالٍ: فالجَهابذةُ النُّقَّاد العارفون بعللِ الحديثِ أفرادٌ قليلٌ من أهل الحديث جِدًّا، وأولُ مَنِ اشتُهِرَ في الكلام في نقد الحديث: ابنُ سِيرين، ثم خلَفَهُ أيوبُ السَّخْتِياني، وأخَذَ ذلك عنه شُعْبةُ، وأخَذَ عن شُعْبةَ يحيى القَطَّانُ وابنُ مَهْدي، وأخَذَ عنهما أحمدُ وعليُّ بنُ المَديني وابنُ مَعِين، وأخَذَ عنهم مثلُ البخاريِّ وأبي داود وأبي زرعة وأبي حاتِم، وكان أبو زرعة في زمانه يقول: قلَّ مَنْ يَفْهَمُ هذا، ما أعزَّهُ! إذا رَفَعْتَ هذا عن واحدٍ واثنين، فما أقلَّ ما تَجِدُ مَن يُحْسِنُ هذا! ولمَّا مات أبو زرعة قال أبو حاتِم: ذهَبَ الذي كان يُحْسِنُ هذا المعنى - يعني: أبا زرعة - ما بقي بِمِصْرَ ولا بالعراقِ واحدٌ يُحْسِنُ هذا. وقيل له بعد موت أبي زرعة: يُعْرَفُ اليومَ واحدٌ يَعْرِفُ هذا؟ قال: لا. وجاء بعد هؤلاءِ جماعةٌ، منهم: النَّسَائيُّ، والعُقَيْلي، وابنُ عَدِيٍّ، والدَّارَقُطْني، وقَلَّ مَنْ جاء بعدهم مَنْ هو بارعٌ في معرفة ذلك، حتى قال أبو الفَرَجِ ابنُ الجَوْزي في أول كتابه "الموضوعات" (¬1) : قَلَّ من يَفْهَمُ هذا، بل عُدِمَ، والله أعلم» . اهـ. وذكر الحافظُ ابن حجر (¬2) عن العَلاَئي أنه قال: «وهذا الفَنُّ أغمضُ أنواعِ الحديث، وأَدَقُّها مَسْلَكًا، ولا يقومُ به إلا مَنْ منحَهُ اللهُ ¬
فَهْمًا غائصًا، واطِّلاَعًا حاويًا، وإدراكًا لمراتبِ الرواة، ومعرفةً ثاقبة؛ ولهذا لم يَتَكَلَّمْ فيه إلا أفرادُ أئمَّةِ هذا الشأنِ وحذاقُهم؛ كابنِ المَدِينيِّ، والبخاري، وأبي زُرْعة، وأبي حاتِم، وأمثالهم، وإليهم المَرْجِعُ في ذلك؛ لِمَا جعَلَ اللهُ فيهم مِنْ معرفةِ ذلك والاطِّلاعِ على غَوامضه، دون غيرهم مِمَّنْ لم يُمارِسْ ذلك. وقد تَقْصُرُ عبارةُ المعلِّل منهم، فلا يُفْصِحُ بما استقرَّ في نفسه مِنْ تَرجيحِ إحدى الروايتَيْن على الأُخْرى، كما في نَقْدِ الصَّيرفي سواء، فمتى وَجَدْنَا حديثًا قد حكَمَ إمامٌ من الأئمَّة المَرجوعِ إليهم بتعليله، فالأَوْلَى اتِّباعُهُ في ذلك كما نتَّبِعُهُ في تصحيح الحديثِ إذا صَحَّحَهُ» .
المُصَنَّفاتُ فِي عِلَلِ الحَدِيثِ تقدَّمتِ الإشارةُ إلى أنَّ عِلْمَ عِلَلِ الحديثِ من أجلِّ العلومِ التي لم تَتهيَّأْ معرفتُهَا إلاَّ لِنَزْرٍ يسيرٍ من أهلِ العلمِ. وقد صُنِّفَتْ فيه مصنَّفاتٌ عديدةٌ، ذَكَرَ بعضَهَا الحافظُ السَّخَاويُّ في "فتحِ المغيثِ" (¬1) ، والدكتورُ همَّام سعيد في مقدِّمةِ تحقيقِه لـ"شرحِ عللِ الترمذيِّ" لابنِ رجبٍ الحنبليِّ (¬2) ، والدكتور محفوظ زين الله في مقدِّمة تحقيقِهِ لـ"عِلَلِ الدَّارَقُطْنِيِّ" (¬3) ، والدكتور وَصِيّ الله عَبَّاس في مقدِّمة تحقيقه لـ"العِلَلِ" للإمامِ أحمد بروايةِ عبد الله (¬4) ، والدكتورُ عبدُ الكريمِ الوريكاتُ في كتابِه "الوَهَمُ في رواياتِ مُخْتَلِفِي الأمصارِ" (¬5) ، والأستاذُ إبراهيمُ بنُ الصِّدِّيقِ في كتابِهِ "عِلْمُ عِلَلِ الحديثِ، مِنْ خلالِ كتابِ بيانِ الوَهَمِ والإيهامِ" (¬6) ، وقد أَتَى على ذلك كُلِّهِ وزاد عليه زياداتٍ مفيدةً، ونبَّه على بعضِ الأوهامِ فيه- الشيخُ الدكتورُ عليُّ بنُ عبدِ اللهِ الصَّيَّاحُ في رسالةٍ له بعنوانِ "جُهُودُ الْمُحَدِّثِينَ في بيانِ عِلَلِ الأحاديثِ"، غيرَ أنَّه لم يُفْرِدِ المصنَّفاتِ في العِلَلِ، وإنما ذَكَرها تَبَعًا لذكرِه لمؤلِّفيها في غَمْرَةِ الأئمَّةِ العارفينَ بالعِلَلِ. وفيما يلي ذِكْرُ بعضِ ما وقَفْنَا عليه مِنْ هذه المصنَّفاتِ حتى وفاةِ الخَطِيبِ البغداديِّ: 1) "العِلَلُ" لعليِّ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الْمَدِينيِّ (ت 234هـ) ، وهي ¬
كتبٌ متعدِّدةٌ، لكنْ لم يَصِلْ إلينا منها إلا قِطْعَةٌ صغيرةٌ من روايةِ محمَّد ابنِ أحمدَ بنِ البَرَاء، عنه (¬1) . وقد سَمَّى أبو عبدِ اللهِ الحاكمُ (¬2) بعضَ هذه الكُتُبِ، ومنها: أ - "كتابُ عِلَلِ الْمُسْنَدِ" ثلاثون جُزْءًا. ب - "كتابُ العِلَلِ" لإسماعيلَ القاضي (¬3) ، أربعةَ عَشَرَ جُزْءًا. ج - "كتابُ عِلَلِ حديثِ ابنِ عُيَيْنَةَ" ثلاثةَ عَشَرَ جزءًا (¬4) . د - "كتابُ الوَهَمِ والخطأِ" خمسةُ أجزاءٍ. هـ - "العِلَلُ المتفرِّقةُ" ثلاثونَ جزءًا. وذكر الخَطِيبُ البغداديُّ (¬5) أنّ إسماعيلَ ابنَ الصَّلْتِ بنِ أبي مريمَ، سَمِعَ من عليِّ بنِ المدينيِّ، وعندَهُ عنه كتابٌ صغيرٌ في عللِ الحديثِ. 2) "العِلَلُ" للإمامِ أحمدَ (ت241هـ) (¬6) ، وهو أيضًا روايات متعددة، منها: ¬
أ- روايةُ عبد الله ابنِ الإمام أحمد (¬1) . ب- رواية أبي بَكْر الْْمَرُّوذِيِّ، وعبد الملك المَيْمُوني، وصالحٍ ابنِ الإمامِ أحمد (¬2) . ج- رواية الخَلاَّل، ولم يصلنا منها سوى قِطْعةٍ من انتخابِ ابنِ قُدَامة منها (¬3) . 3) "العِلَلُ" لمحمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ المَوْصِليِّ (ت242هـ) . 4) "العِلَلُ" لأبي حَفْصٍ عَمْرِو بنِ عليٍّ الفَلاَّسِ (ت249هـ) . 5) "عِلَلُ حديثِ الزهريِّ" لمحمدِ بنِ يحيى الذُّهْلِيِّ (ت258هـ) . 6) "العِلَلُ"، و"التمييزُ"، كلاهما لمسلمِ ابنِ الحَجَّاجِ النَّيْسَابوريِّ (ت261هـ) ، وهما كتابان مختلفانِ، ذَكَرَهُمَا السَّخَاويُّ في الموضعِ السابقِ بما يَدُلُّ على المغايرةِ بينهما، وقد نَصَّ حاجي خَليفة (¬4) على أنَّ مسلمَ بنَ الحَجَّاجِ ممَّن صنَّف في عِلَلِ الحديثِ. 7) العِلَلُ" لأبي بكرٍ الأَثْرَمِ أحمدَ بنِ محمدِ بنِ هانئٍ (ت قريبًا من سنةِ 260هـ) . 8) "المُسْنَدُ الكبيرُ المُعَلَّلُ" ليعقوبَ بنِ شَيْبَةَ السَّدُوسيِّ (ت262هـ) . ¬
9) "عِلَلُ أبي زُرْعةَ الرازيِّ" لِعُبَيْدِالله بن عبد الكريم أبي زُرْعة الرازي (ت264هـ) ؛ ذَكَرَ محمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ محمَّدٍ المالكيُّ الأندلسيُّ (¬1) أنه من الكُتُبِ التي ورَدَ بها الخطيبُ البغداديُّ دِمَشْقَ. 10) "العِلَلُ" لأبي بِشْرٍ إسماعيلَ بنِ عبدِاللهِ، المعروفِ بـ"سَمُّوْيَهْ" (ت267هـ) . 11) "العِلَلُ" لأبي داود سليمان بن الأشعث السِّجِسْتاني (ت275هـ) (¬2) . 12) "العِلَلُ" لأبي حاتمٍ محمَّدِ بنِ إدريسَ الحَنْظَلِيِّ الرازيِّ (ت277هـ) ، ذَكَرَهُ ونقَلَ منه الحافظُ ابنُ ناصرِ الدِّينِ الدِّمَشْقيُّ (¬3) ، وذَكَرَ أنَّه مِنْ روايةِ محمدِ بنِ إبراهيمَ الكَتَّانيِّ عنه، والكَتَّانيُّ هذا - بالتاءِ - تَرْجَمَ له الذَّهَبِيُّ (¬4) اعتمادًا على يحيى بنِ مَنْدَهْ في "تاريخِ أَصْبَهَانَ"، وذَكَرَ أنه لم يَعْثُرْ له على تاريخِ وفاةٍ، وصوابُهُ: "الكِنَاني" بالنونِ، وفي كُتُبِ الرجالِ نَقْلٌ كثيرٌ لسؤالاتِهِ لأبي حاتمٍ الرازيِّ في الرجالِ والعِلَلِ؛ فالظاهرُ أنَّ الكتابَ مِنْ جَمْعِهِ وتصنيفِهِ، كما صنَعَ عبدُ الرحمنِ بنُ أَبِي حاتمٍ في "العِلَلِ" و"الجَرْحِ والتعديلِ"، وليسَ مِنْ تصنيفِ أبي حاتمٍ، ¬
وإلاَّ لاشتَهَرَ، ولَذَكَرَهُ ابنُهُ عبدُ الرحمنِ ونَقَلَ َمنه، واللهُ أعلمُ. 13) "العِلَلُ الكبيرُ" و"العِلَلُ الصغيرُ" كلاهما لأبي عيسى التِّرْمِذِيِّ محمدِ بنِ عيسى ابْنِ سَوْرَةَ (ت279هـ) . 14) "العِلَلُ في الحديث" لأبي زُرْعة عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله النَّصْري (ت281هـ) (¬1) . 15) "عِلَلُ حديثِ الزُّهْريِّ" لأبي بكرٍ أحمدَ بنِ عمرِو بنِ أَبِي عاصمٍ (ت287هـ) ؛ كذا سَمَّاه هو في بعضِ المواضعِ من كتابِه "الآحاد والمثاني" (¬2) ، وسَمَّاه في موضعٍ آخَرَ: "عِلَلَ الحديثِ" (¬3) ، وسَمَّاه في أكثرِ المواضعِ: "العِلَلَ" (¬4) ، وهو كتابٌ واحدٌ فيما يَظْهَرُ؛ بدليلِ أنَّ أكثرَ المواضعِ يكونُ الحديثُ المذكورُ فيها مِنْ روايةِ الزُّهْريِّ، واللهُ أعلمُ. 16) "الْمُسْنَدُ الكبيرُ الْمُعَلَّلُ" لأبي بكرٍ أحمدَ بنِ عَمْرِو بنِ عبدِالخالقِ البَزَّارِ (ت292هـ) (¬5) . 17) "العِلَلُ" لأبي عليٍّ الْبَلْخيِّ عبدِ اللهِ ابنِ محمَّدٍ (ت294هـ) . 18) "العِلَلُ" لأبي إسحاقَ إبراهيمَ بنِ أبي طالبٍ النَّيْسَابُوريِّ (ت295هـ) . 19) "مُسْنَدُ حديثِ الزُّهْرِيِّ بِعِلَلِهِ، والكلامُ عليه" تأليفُ أبي ¬
عبدِالرحمنِ أحمدَ بنِ شُعَيْبٍ النَّسَائيِّ (ت303هـ) (¬1) . 20) "العِلَلُ" لزكريَّا بنِ يحيى السَّاجِيِّ (ت307هـ) . 21) "الْمُسْنَدُ الْمُعَلَّلُ" لأبي العباسِ الوليدِ ابنِ أَبَانَ بنِ بُوْنَةَ الأَصْبَهَانيِّ (ت310هـ، وقيل: 308هـ) (¬2) . 22) "العِلَلُ" للخَلاَّلِ أحمدَ بنِ محمدِ بنِ هارونَ (ت311هـ) . 23) "عِلَلُ الأحاديثِ في صحيحِ مسلمٍ" لابنِ عَمَّارٍ الشَّهِيدِ محمدِ بنِ أبي الحُسَيْنِ الجَارُودِيِّ، أبي الفضلِ الهَرَوِيِّ (ت317هـ) . 24) "العِلَلُ" لعبدِ الرحمنِ بنِ أبي حاتمٍ الرازيِّ (ت327هـ) ، وهو كتابُنَا هذا. 25) "العِلَلُ" لأبي عليٍّ الحُسَيْنِ بنِ عليٍّ النَّيْسَابُوريِّ (ت349هـ) . 26) مصنَّفاتُ ابنِ حِبَّانَ محمَّدِ بنِ حِبَّانَ أبي حاتمٍ البُسْتيِّ (ت354هـ) في العِلَلِ، وهي كثيرةٌ، وقد انتقى الخطيبُ البَغْدَاديُّ منها جُمْلَةً فذَكَرَهَا، مع أنه لم يَرَهَا، وإنما اعتمَدَ على ذِكْرِ مسعودٍ السِّجْزيِّ لها؛ قال في "الجامع، لأخلاقِ الراوي وآدابِ السامع" (¬3) : «ومِنَ ¬
الكُتُبِ التي تَكْثُرُ منافعُهَا- إنْ كانتْ على قَدْرِ ما تَرْجَمَهَا به واضعُهَا- مصنَّفاتُ أبي حاتمٍ محمدِ بنِ حِبَّانَ البُسْتيِّ التي ذَكَرَهَا لي مسعودُ ابنُ ناصرٍ السِّجْزِيُّ، وأوقَفَنِي على تَذْكِرَةٍ بِأَسَامِيهَا، ولم يُقَدَّرْ ليَ الوصولُ إلى النَّظَرِ فيها؛ لأنَّها غيرُ موجودةٍ بيننا، ولا معروفةٍ عندنا، وأنا أَذْكُرُ منها ما استحسنتُهُ، سوى ما عَدَلْتُ عنه واطَّرَحْتُهُ؛ فمِنْ ذلك: ... كتابُ "عِلَلِ أوهامِ أصحابِ التواريخِ" عَشَرَةُ أجزاءٍ، كتابُ "عِلَلِ حديثِ الزُّهْرِيِّ" عشرون جُزْءًا، كتابُ "عِلَلِ حديثِ مالكِ بنِ أنسٍ" عَشَرَةُ أجزاءٍ، كتابُ "عِلَلِ مناقبِ أبي حَنِيفةَ ومَثَالبِهِ" عَشَرَةُ أجزاءٍ، كتابُ "عِلَلِ ما أَسْنَدَ أبو حنيفةُ" عَشَرةُ أجزاءٍ، كتابُ "ما خالَفَ الثَّوْرِيُّ شُعْبةَ" ثلاثةُ أجزاءٍ، كتابُ "ما خالَفَ شُعْبةُ الثَّوْرِيَّ" جزءان ... » . قال الخطيبُ: «سألتُ مسعودَ بنَ ناصرٍ فقلتُ له: أَكُلُّ هذه الكُتُبِ موجودةٌ عِنْدَكُمْ ومقدورٌ عليها ببلادِكم؟ فقال: لا؛ إنما يُوجَدُ منها الشيءُ اليسير، والنَّزْرُ الحقير، قال: وقد كان أبو حاتمِ بنُ حِبَّانَ سَبَّلَ كُتُبَهُ ووَقَفَهَا وجَمَعَهَا في دارٍ رَسَمَهَا بها، فكان السَّبَبَ في ذَهَابِهَا- مع تطاولِ الزمانِ - ضَعْفُ أمرِ السلطانِ، واستيلاءُ ذوي العَبَثِ والفَسَادِ، على أهلِ تلك البِلاَدِ. قال أبو بكر (¬1) : مِثْلُ هذه الكُتُبِ الجليلةِ كان يَجِبُ أن يَكْثُرَ لها النَّسْخُ، ويَتنافَسَ فيها أهلُ العِلْمِ، ويَكْتبوها لأنفسِهِمْ، ويُخْلِدُوهَا ¬
أحرازَهُمْ، ولا أَحْسَبُ المانعَ مِنْ ذلك إلا قِلَّةَ معرفةِ أَهْلِ تلك البلادِ لِمَحَلِّ العِلْمِ وفضلِهِ، وزُهْدَهُمْ فيه، ورَغْبَتَهُمْ عنه، وعَدَمَ بصيرتِهِمْ به، واللهُ أعلمُ» . اهـ. 27) "الْمُسْنَدُ الكبيرُ الْمُعَلَّلُ" لأبي عليٍّ النَّيْسَابوريِّ الحُسَيْنِ بنِ محمَّدٍ الماسَرْجِسيِّ (ت365هـ) . 28) "العِلَلُ" لأبي الحُسَيْنِ محمدِ بنِ محمدِ بنِ يَعْقُوبَ النَّيْسَابوريِّ، الْمُقْرئ، الْحَجَّاجِيِّ (ت368هـ) . 29) "العِلَلُ" لأبي أحمدَ الحاكمِ محمدِ ابنِ محمدِ بنِ إسحاقَ النَّيْسَابوريِّ (ت378هـ) . 30) "العِلَلُ" لأبي الْحَسَنِ عليِّ بنِ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيِّ (ت385هـ) . 31) "الأجوبةُ" لأبي مسعودٍ الدِّمَشْقِيِّ إبراهيمَ بنِ محمدِ بنِ عُبَيْدٍ (ت401هـ) . 32) "العِلَلُ" لأبي عبدِ اللهِ الحاكمِ محمدِ ابنِ عبدِ اللهِ النيسابوريِّ (ت405هـ) . 33) "الفَصْلُ لِلوَصْل، الْمُدْرَجِ في النَّقْل"، و"تمييزُ الْمَزِيدِ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ" كلاهما للخطيبِ البغداديِّ أحمدَ بنِ عليِّ بنِ ثابتٍ (ت463هـ) .
تَعْرِيفُ العِلَّةِ لُغَةً العِلَّةُ في لُغَةِ العَرَبِ: المَرَضُ؛ ويقال لمن أَعَلَّهُ اللهُ بِمَرَض: مُعَلٌّ، وعَلِيلٌ (¬1) . قال ابن منظور (¬2) : «وقد اعْتَلَّ العَليلُ عِلَّةً صَعْبةً، والعِلَّةُ: المَرَضُ، عَلَّ يَعِلُّ، واعْتَلَّ، أي: مَرِضَ، فهو عَليلٌ، وأَعَلَّهُ اللهُ، ولا أعَلَّكَ الله، أي: لا أصابَكَ بعِلَّة» . واختُلِفَ في جواز إطلاق «مَعْلول» على الحديثِ الذي فيه عِلَّةٌ: فالمُحَدِّثون يُسَمُّون كلَّ ما يَقْدَحُ في الحديث عِلَّةً؛ أَخْذًا من المعنى اللغويِّ، ويقولون عن الحديثِ الذي فيه عِلَّةٌ: «مَعْلولٌ» ، ومثلهم الفقهاء والأصوليون؛ يقولون في باب القياسِ وغيرِهِ: «العِلَّةُ، والمَعْلول» (¬3) . وأنكَرَ هذا عليهم بعضُ علماء اللغة، وتَبِعهم متأخِّرو أهل ¬
الحديث؛ كابنِ الصلاحِ ومَنْ جاء بعده. فأوَّلُ مَنْ وَقَفنا على إنكاره قولَهُمْ: «مَعْلولٌ» : هو الحريريُّ (ت516هـ) في كتابه "دُرَّة الغوَّاص، في أوهام الخَوَاصّ" (¬1) ؛ حين قال: «ويقولون للعليل: هو مَعْلولٌ، فَيُخْطِئون فيه؛ لأنَّ المَعْلول: هو الذي سُقِيَ الْعَلَلَ، وهو الشُّرْبُ الثاني، والفعلُ منه: عَلَلْتُهُ. فأمَّا المفعولُ من العِلَّة: فهو مُعَلٌّ، وقد أَعَلَّه اللهُ تعالى» . وقال ابنُ مَكِّيٍّ الصِّقِلِّيُّ (¬2) : «ويقولون: رجلٌ مَعْلولٌ، وكلامٌ مَعْلولٌ، والصوابُ: مُعَلٌّ» . ثم جاء ابن الصلاح فجعله مَرْذولاً، فقال (¬3) : «ويُسَمِّيه أهلُ الحديث: المَعْلولَ؛ وذلك منهم - ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس: «العِلَّة، والمَعْلول» - مَرْذولٌ عند أهل العربية واللغة» . ثم جاء النوويُّ فعدَّه لَحْنًا، فقال (¬4) : «ويُسَمُّونه: المَعْلولَ؛ وهو لحنٌ» . وأقرَّه السُّيُوطي في "شرحه" (¬5) ، ودلَّل على ذلك بقوله: «لأنَّ اسمَ المفعولِ مِنْ «أَعَلَّ» الرباعيِّ لا يأتي على «مفعول» » . اهـ. وكذا ¬
قال! وقد استعملَهُ هو في كثير من كتبه (¬1) ، ومنها: "هَمْعُ الهوامع" (¬2) . وقال الفيروز آبادي (¬3) : «والعِلَّةُ - بالكسر -: المَرَضُ، عَلَّ يَعِلُّ واعْتَلَّ وأَعَلَّهُ اللهُ تعالى؛ فهو مُعَلٌّ وعَلِيلٌ، ولا تقل: مَعْلولٌ، والمتكلِّمون يقولونها، ولستُ منه على ثَلَج» . اهـ. فكأنه متوقِّف فيها، مائلٌ إلى تخطئتها. والفيروز آبادي في هذا متابع لابن سِيده الذي نقلَ (¬4) استعمالَ الزَّجَّاجِ لها في بحر المتقارِبِ من العَروض، ثم قال: «وأَرَى هذا إنما هو على طَرْحِ الزائد؛ كأنه جاء على «عُلَّ» ، وإنْ لم يُلْفَظْ به، وإلا فلا وجه له، والمتكلِّمون يَسْتعملون لفظةَ «المَعْلول» في هذا كثيرًا، وبالجملةِ فلستُ منها على ثقةٍ ولا ثَلَجٍ؛ لأنَّ المعروف إنما هو: أَعَلَّهُ اللهُ، فهو مُعَلٌّ، اللهمَّ إلا أنْ يكونَ على ما ذهَبَ إليه سيبَوَيْهِ مِنْ قولهم: «مَجْنونٌ ومَسْلولٌ» ؛ مِنْ أنه جاء على جَنَنْتُهُ وسَلَلْتُهُ، وإنْ لم يُستعملا في الكلامِ؛ استُغني عنهما بـ «أَفْعَلْتُ» . اهـ. وخلاصةُ ما تقدَّم من كلامِ هؤلاء الأَئمَّة: أنَّ المَرَضَ يقالُ من ¬
الرباعي فقط: «أَعَلَّهُ» ، فهو «مُعَلٌّ» ، ولا يقالُ من الثلاثي: «عُلَّ» أو «عَلَّهُ» ، فهو «مَعْلول» إلا في الشُّرْبِ فقطْ؛ كما في قولِ كعب بن زُهَيْر ح في قصيدتِهِ المشهورة «بانت سعاد» (¬1) : تَجْلُو عوارضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابتسَمَتْ كأنَّه مُنْهَلٌ بِالرَّاحِ مَعْلولُ (¬2) وما ذكره هؤلاءِ الأَئمَّةُ مُتَعَقَّبٌ بأنه وقَعَ في كلامِ كثيرٍ ممَّن يُوثَقُ به مِنْ أهلِ العلم والعربية: فهذا الخليلُ بنُ أحمد الفَراهِيدي شيخُ سِيبوَيْهِ استعمَلَ لفظَ «المَعْلول» من العِلَّة في علم العَروض الذي اخترعَهُ، وهذا معروفٌ ومشهورٌ في كتب العَروضيين في بابِ الزِّحافات والعلل، ونقله أيضًا ابنُ سيِّد الناسِ في "سيرته" (¬3) . وهذا أبو إسحاقَ الزَّجَّاجُ استعمَلَ لفظَ «المَعْلول» في المتقارب ¬
من بحور العَروض، وهو مِنَ العِلَّة؛ كما تقدَّم نقله عن ابن سِيدَه. وهذا ابنُ القُوطِيَّة يقول (¬1) : «عُلَّ الإنسانُ عِلَّةً: مَرِضَ، وعَلَلْتُهُ بالشَّرَابِ عَلًّا وعَلَلاً: سقيتُهُ بعد نَهَلٍ» . وكذلك ذكَرَ «عُلَّ» من العِلَّة كُلٌّ من السَّرَقُسْطي (¬2) ، وابن القَطَّاع (¬3) . وإذا صَحَّ مجيءُ الثلاثيِّ بمعنى العِلَّة والمرض، صَحَّ اشتقاق «مَعْلول» منه قياسًا بلا خلاف عند الصرفيين؛ تقول: قُتِلَ زيدٌ، فهو مقتولٌ، وضُرِبَ، فهو مضروبٌ، وعُلِمَ الأَمرُ، فهو معلوم، وهكذا. وكلٌّ من ابن القُوطِية والسَّرَقُسْطي وابن القَطَّاع ذكَرَ الفعلَ الثلاثيَّ في المَرَضِ والشُّرْب، فيكونُ «مَعْلولٌ» بمعنى: مريض به عِلَّة، وبمعنى: مَنْ شَرِبَ مرَّة بعد مرَّة. وذكَرَ ذلك أيضًا محمَّد بن المستنير المعروفُ بقُطْرُب تلميذُ سيبوَيْهِ في كتابه "فَعَلْتُ وأَفْعَلْتُ"، واللَّبْلي؛ على ما نقله الزركشي (¬4) عنهما. وكذلك الجَوْهَري (¬5) حين قال: «عُلَّ الشَّيْءُ، فهو مَعْلولٌ» : ¬
فقولُهُ: «الشيء» : دليلٌ على أنه يريدُ العِلَّةَ بمعنى المَرَض، لا بمعنى الشُّرْب، وإلا لقال: «عُلَّ الإنسانُ أو الحَيَوان» ، والله أعلم. وقد ذكَرَ الزركشيُّ (¬1) كلامَ ابنِ الصلاح، والحَرِيري، وابنِ سِيدَه، ثم تعقَّبَهم بقوله: «الصوابُ أنه يجوز أنْ يقال: «عَلَّهُ» فهو «مَعْلول» ؛ من العِلَّة والاعتلال، إلا أنه قليلٌ، ومنهم مَنْ نَصَّ على أنه فِعْلٌ ثلاثي» ، ثم ذكر كلام ابن القوطية وغيره. وإلى الجوازِ أيضًا ذهَبَ ابنُ هِشَام في شَرْحه لقصيدة «بانتْ سُعَاد» (¬2) . وقال الفَيُّومي (¬3) : «عُلَّ الإنسانُ - بالبناء للمفعول -: مَرِضَ، ومنهم من يبنيه للفاعل، من بابِ ضَرَبَ؛ فيكونُ المتعدِّي مِنْ بابِ قتَلَ، فهو «عليلٌ» ، و «العِلَّةُ» : المَرَضُ الشاغلُ، والجمع: «عِلَل» ، مثلُ: سِدْرةٍ، وسِدَرٍ، و «أَعَلَّه اللهُ» ، فهو «مَعْلول» ، قيل: من النوادر التي جاءتْ على غير قياس، وليس كذلك؛ فإنه من تداخُل اللغتَين (¬4) ، والأصل: «أَعَلَّه اللهُ» ، فـ «عُلَّ» ، فهو «مَعْلول» ، أو مِنْ «عَلَّهُ» فيكون على القياس. وجاء «مُعَلٌّ» على القياس، لكنَّه قليل الاستعمال، و «اعْتَلّ» : إذا مَرِضَ» . ¬
وتعقَّب الشهابُ الخَفَاجيُّ (¬1) الحَرِيريَّ في إنكاره قولهم: «مَعْلول» بقوله: «هذا هو المعروفُ في اللغة، لكنَّ ما أنكره وقَعَ في كلام كثير ممَّن يوثق به من العلماء؛ كالمحدِّثين، والعَروضيين، والأصوليين» ، ثم ذكر كلام ابنِ سِيدَه المتقدِّم، ونَقْلَهُ عن أبي إسحاق الزَّجَّاج، كما أورَدَ كلامَ ابن الصلاح والنووي، ثم قال: «وقال ابنُ سيِّد الناس في "سيرته": إنه يُستعمَل «مَعْلول» من الإعلال أيضًا؛ كما يقول الخليلُ في العَروض، وقد حكاه ابن القُوطِيَّة، ولم يعرفْهُ ابن سِيدَه ... وحكى السَّرَقُسْطي: أَبْرَزْتُهُ بمعنى أَظْهَرْتُهُ، فهو مَبْروز، ولا يقال: بَرَزْتُهُ، وأَعَلَّهُ اللهُ، فهو عَليل، وربما جاء مَعْلولٌ ومَسْقُومٌ قليلاً» . اهـ. وقد استعمَلَ لفظَ «مَعْلول» بمعنى المَرِيض وضدّ الصحيح: كثيرٌ ممَّن يوثق بهم في اللغة - سوى مَنْ تقدَّم ذكره منهم - كالإمام الشافعي (¬2) ، وابنِ جِنِّيْ (¬3) ، وابنِ السَّرَّاج (¬4) ، والرُّمَّاني (¬5) ، والْمُطَرِّزي (¬6) ، وابنِ هشام (¬7) ، والزَّبِيدي (¬8) ، وغيرهم. ¬
تَعْرِيفُ العِلَّةِ اصْطِلاَحًا يُعَرِّفُ علماءُ الحديث العِلَّةَ: بأنها أسبابٌ غامضةٌ خَفيَّةٌ قادحةٌ في صِحَّةِ الحديث، مع أنَّ الظاهرَ السلامةُ منها. ويعرِّفون الحديثَ المعلول: بأنه الذي اطُّلِعَ فيه على عِلَّةٍ تَقْدَحُ في صِحَّته، مع أنَّ الظاهرَ السلامةُ منها (¬1) . وعرَّفه الحافظُ العراقي (¬2) مَرَّةً بنحو هذا التعريف، ونقَلَ البِقَاعي (¬3) عن الحافظ ابن حجر أنه عرَّفه بقوله: «هو خبرٌ ظاهرُهُ السلامةُ، اطُّلِعَ فيه بعد التفتيش على قادحٍ» ، وهذا التعريفُ اختاره الحافظ السخاوي (¬4) ، ولم يَنْسُبه إلى أحد، وهو الذي رجَّحه الدكتور همام سعيد (¬5) ؛ لأنه تعريف جامعٌ مانع كما قال. ولِكَيْ تَتَحقَّقَ العِلَّةُ - على كلا التعريفين - لابُدَّ فيها من شرطين: أ - الغُمُوض والخَفَاء. ¬
ب - القَدْحُ في صحَّة الحديث. أما الغُمُوضُ والخَفَاء: فإنَّ مَنْ ينظُرُ في طعونِ أهلِ العلم بالحديثِ في الأحاديثِ التي يضعِّفونها، يجدُ أنهم يُعِلُّونَ الحديث بأحد سببين: 1) إما سَقْط في الإسناد. 2) أو طعن في الراوي (¬1) . وربَّما كان السقطُ أو الطعنُ في الراوي واضحًا جليًّا يدركه كلُّ أحد (¬2) ، وربَّما كان خفيًّا لا يدركُهُ إلا الجهابذةُ (¬3) ، وقد يُدْرِكه غيرهم ¬
بجمعِ طرقِ الحديث (¬1) ، وتتبُّعِ الاختلاف، ومعرفةِ طريقةِ أهلِ الحديث بالترجيحِ وقرائنه، لكنَّ هذا لا يُخْرِجُهُ عن كونه خفيًّا. ويبدو أنَّ العلماء الذين عرَّفوا العِلَّةَ بالتعريف السابق حرَّروه - كما قال الحافظ ابن حجر (¬2) - من كلام الحاكم (¬3) ؛ فإنه قال: «وإنَّما يعلَّل الحديثُ مِنْ أوجُهٍ ليس للجَرْح فيها مَدْخَل، فإنَّ حديثَ المجروحِ ساقطٌ واهٍ، وعلَّةُ الحديث تكثُرُ في أحاديثِ الثِّقات، أنْ يحدِّثوا بحديثٍ له علة، فيخفَى عليهم عِلْمُهُ، فيصيرَ الحديثُ معلولاً، والحُجَّةُ فيه عندنا الحفظُ والفَهْمُ والمعرفةُ لا غير» . قال ابن حَجَرٍ عَقِبَ ذكره لكلام الحاكم هذا: «فعلى هذا لا يسمَّى الحديثُ المنقطعُ - مثلاً - معلولاً، ولا الحديثُ الذي راويه مجهولٌ أو مُضَعَّفٌ معلولاً، وإنما يسمى معلولاً إذا آل أمره إلى شيء مِنْ ذلك، مع كونِهِ ظاهرَ السَّلاَمةِ مِنْ ذلك، وفي هذا رَدٌّ على مَنْ زعَمَ أنَّ المعلولَ يَشْمَلُ كلَّ مردود» . ¬
وكان ابنُ الصلاح قد قال (¬1) : «ثم اعلَمْ أنه قد يُطْلَقُ اسمُ العِلَّةِ على غيرِ ما ذكرناه من باقي الأسبابِ القادحةِ في الحديث، المُخْرِجةِ له مِنْ حال الصحَّة إلى حال الضعف، المانعةِ مِنَ العمل به على ما هو مقتضى لفظِ العِلَّةِ في الأصل؛ ولذلك نَجِدُ في كتب عللِ الحديثِ الكثيرَ من الجَرْح بالكذب والغفلة وسوء الحفظ، ونحوِ ذلك من أنواع الجرح، وسمَّى الترمذي النَّسْخَ عِلَّةً من عِلَلِ الحديثِ (¬2) . ثُمَّ إنَّ بعضَهم أطلَقَ اسم العِلَّة على ما ليس بقادح مِنْ وجوه الخلاف؛ نحو ¬
إرسالِ مَنْ أرسَلَ الحديثَ الذي أسنده الثقةُ الضابط ... » . وحاول الحافظُ ابن حجر التوفيقَ بين ما يقعُ في كلامِ بعض أهل العلم، وبين ما حقَّقه ابن الصلاح، فقال (¬1) : «مرادُه بذلك: أنَّ ما حقَّقه مِنْ تعريفِ المعلول قد يقع في كلامهم ما يخالفُهُ، وطريقُ التوفيق بين ما حقَّقه المصنِّف وبين ما يقعُ في كلامهم: أنَّ اسم العِلَّة إذا أُطْلِقَ على ¬
حديثٍ لا يلزَمُ منه أن يُسَمَّى الحديثُ معلولاً اصطلاحًا؛ إذِ المعلولُ ما علَّته قادحةٌ خفيَّة، والعِلَّةُ أَعَمُّ من أن تكون قادحةً أو غير قادحة، خفيَّةً أو واضحة؛ ولهذا قال الحاكم: وإنما يُعَلُّ الحديثُ مِنْ أوجهٍ ليس فيها للجَرْحِ مَدْخَل. وأما قوله: «وسمَّى الترمذيُّ النسخَ عِلَّةً» : هو من تتمَّة هذا التنبيه؛ وذلك أنَّ مرادَ الترمذي: أنَّ الحديثَ المنسوخَ - مع صحَّته إسنادًا ومتنًا - طرَأَ عليه ما أوجَبَ عدمَ العملِ به (¬1) - وهو الناسخُ - ولا يلزم مِنْ ذلك أنْ يُسَمَّى المنسوخُ معلولاً اصطلاحًا كما قرَّرته، والله أعلم» . وما ذكره الحافظ ابن حجر _ح - من أنَّ اسمَ العِلَّة إذا أُطلِقَ على حديثٍ لا يلزم منه أن يُسَمَّى الحديثُ معلولاً اصطلاحًا؛ إذِ المعلولُ ما علَّته قادحةٌ خفيَّة، والعِلَّةُ أَعَمُّ من أن تكون قادحةً أو غير قادحة، خفيَّةً أو واضحة -: اجتهادٌ منه مخالِفٌ لما عليه عملُ أئمَّة الحديث، فكتُبُ العللِ التي صنَّفها الأئمَّة فيها توسُّعٌ في ذِكْرِ كلِّ ما يُعَلُّ به الحديثُ، وجَعْلِ ذلك في أبوابِ العِلَلِ التي يُرَدُّ بها الحديث (¬2) ، حتى سمَّى ابن الجوزي كتابه: "العلل المتناهية"، وهي عللٌ ظاهرة كما لا يخفى على كل مَنْ طالعه، ولم نَجِدْ أحدًا منهم ذكر هذا الذي قاله الحافظ ابن حجر. وعليه: فالذي يظهر جوازُ إطلاق اسمِ العِلَّةِ على كلِّ قادحٍ في الحديث، سواءٌ كان ظاهرًا أو خَفِيًّا، في السند أو في المتن، وجوازُ تسمية الحديث الذي وجدت فيه العِلَّة: مَعْلولاً، أو مُعَلًّا، غيرَ أنَّ استعمالها في العِلَّةِ الخفيَّة أجودُ بعد أنِ استقرَّ الاصطلاحُ على ذلك عند كثير من أهلِ الحديث بعد ابن الصلاح، والله أعلم. وأما القدحُ في صحَّة الحديث: فَيُفْهَمُ منه أنَّ مِنَ العلل ما لا ¬
يقدح في صحَّة الحديث، ويَعْنُونَ به متنَ الحديث، وأمَّا قَدْحُهَا في ذلك الإسنادِ خاصَّةً فلا اعتراضَ عليه. قال ابن الصلاح (¬1) : «ثم قد تقع العِلَّةُ في إسنادِ الحديث وهو الأكثر، وقد تقع في متنه. ثم ما يَقَعُ في الإسنادِ قد يَقْدَحُ في صِحَّةِ الإسنادِ والمتن جميعًا؛ كما في التعليلِ بالإرسال والوقف، وقد يقدَحُ في صحَّة الإسناد خاصَّةً من غير قدحٍ في صحَّة المتن. فمن أمثلة ما وقعتِ العِلَّةُ في إسناده من غير قدحٍ في المتن: ما رواه الثقة يَعْلَى بْنُ عُبَيد، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْري، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ (ص) قال: «البَيِّعَانِ بالخِيَار ... » ، الحديث (¬2) . فهذا إسناد متصلٌ بنقل العدل عن العدل، وهو معلَّل غير صحيح، والمَتْنُ على كلِّ حالٍ صحيحٌ. والعِلَّةُ في قوله: «عن عمرو بن دينار» ، إنما هو: «عن عبد الله بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ» ، هكذا رواه الأئمَّة مِنْ أصحاب سفيان عنه، فوَهِمَ يعلى بن عبيد، وعَدَلَ عن عبد الله بن دينار إلى عمرو بن دينار، وكلاهما ثقة» . ¬
وللحافظ ابن حجر رأيٌ في العِلَّة الإسنادية، ذكر فيه أنها لا تَقْدَحُ - أحيانًا - حتى في الإسناد نفسه: قال _ح (¬1) : «إذا وقعتِ العِلَّةُ في الإسناد قد تَقْدَحُ، وقد لا تقدَحُ، وإذا قدَحَتْ فقد تخصُّهُ، وقد تستلزمُ القدحَ في المتن، وكذا القولُ في المَتْنِ سواء. فالأقسام على هذا ستة (¬2) : 1 - فمثال ما وقعت العِلَّة في الإسناد ولم تقدح مطلقًا: ما يوجد مثلاً من حديثِ مُدَلِّسٍ بالعنعنة؛ فإنَّ ذلك عِلَّةٌ توجبُ التوقُّفَ عن قَبوله، فإذا وُجد من طريق أخرى قد صُرِّح فيها بالسماع؛ تبيَّن أنَّ العِلَّة غيرُ قادحة. وكذا إذا اختُلِفَ في الإسنادِ على بعضِ رواته؛ فإنَّ ظاهرَ ذلك يوجب التوقُّف عنه، فإنْ أمكنَ الجمعُ بينها على طريقِ أهلِ الحديث بالقرائنِ التي تَحُفُّ الإسنادَ، تبيَّنَ أنَّ تلك العِلَّةَ غيرُ قادحة (¬3) . 2 - ومثالُ ما وقعَتِ العِلَّةُ فيه في الإسنادِ وتقدَحُ فيه دون المتن: ما مثَّلَ به المصنِّفُ من إبدالِ رَاوٍ ثقةٍ براوٍ ثقة، وهو بِقِسْمِ المقلوبِ أليقُ؛ فإنْ أُبْدِلَ راوٍ ضعيفٌ براوٍ ثقة، وتبيَّن الوَهَمُ فيه، استلزَمَ القَدْحَ ¬
في المتن أيضًا، إنْ لم يكنْ له طريقٌ أخرى صحيحة. ومِنْ أغمضِ ذلك أنْ يكونَ الضعيفُ موافقًا للثقةِ في نعته. ومثالُ ذلك ما وقَعَ لأبي أسامةَ حَمَّادِ بنِ أُسَامةَ الكُوفيِّ أحدِ الثقاتِ، عن عبد الرحمنِ ابنِ يَزِيدَ بنِ جابر، وهو مِنْ ثقاتِ الشاميِّين، قَدِمَ الكوفةَ، فكتَبَ عنه أهلُهَا، ولم يَسْمَعْ منه أبو أسامة، ثم قَدِمَ بعد ذلك الكوفةَ عبدُالرحمنِ بنُ يزيدَ بنِ تَمِيم، وهو مِنْ ضعفاء الشاميِّين، فَسَمِعَ منه أبو أسامة، وسأله عَنِ اسمه فقال: عبد الرحمن بن يزيد، فظَنَّ أبو أسامة أنه ابنُ جابر، فصار يحدِّث عنه وينسُبُهُ مِنْ قِبَلِ نفسه، فيقولُ: حدَّثنا عبدُالرحمنِ بنُ يَزِيدَ بنِ جابر، فوَقَعَتِ المناكيرُ في روايةِ أبي أسامة، عن ابن جابر، وهما ثقتان؛ فلم يَفْطَنْ لذلك إلا أهلُ النقد، فميَّزوا ذلك، ونَصُّوا عليه؛ كالبخاريِّ وأبي حاتمٍ وغيرِ واحد. 3 - ومثالُ ما وقعَتِ العِلَّة في المتنِ دون الإِسناد، ولا تَقْدَحُ فيهما: ما وقَعَ من اختلافِ ألفاظٍ كثيرةٍ من أحاديثِ الصحيحَيْنِ إذا أمكَنَ رَدُّ الجميعِ إلى معنًى واحدٍ؛ فإنَّ القَدْحَ ينتفي عنها ... 4 - ومثالُ ما وقعَتِ العِلَّةُ فيه في المَتْن، واستلْزَمَتِ القَدْحَ في الإِسناد: ما يرويه راوٍ بالمعنى الذي ظنَّه (¬1) ، يكونُ خطأً (¬2) ، والمرادُ ¬
بلفظِ الحديثِ غيرُ ذلك؛ فإنَّ ذلك يَسْتلزِمُ القَدْحَ في الراوي، فيعلِّلُ الإِسنادَ. 5 - ومثالُ ما وقَعَتِ العِلَّةُ في المتنِ دون الإِسناد: ما ذَكَرَهُ المصنِّفُ من أحدِ الألفاظِ الواردةِ في حديث أنس ح، وهي قوله: «لا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللهِ الرحمنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلاَ فِي آخِرِهَا» ؛ فإنَّ أصلَ الحديثِ في الصحيحَيْنِ؛ فلفظُ البخاريِّ: «كانوا يَفْتَتِحون بالحمدُ للهِ رَبِّ العالمين» . ولفظُ مسلم في روايةٍ له: نَفْيُ الجهرِ، وفي روايةٍ أخرى نفيُ القراءةِ، وقد تكلَّم شيخُنَا (¬1) على هذا الموضعِ بما لا مَزِيدَ في الحُسْنِ عليه، إلا أنَّ فيه مواضعَ تحتاجُ إلى التنبيهِ عليها ... » إلى آخِرِ كلامِ الحافظِ ابنِ حَجَرٍ. ¬
أَسْبَابُ الْعِلَّةِ في الحَدِيثِ تقدَّم أنَّ العِلَّة تطلق على الأسبابِ الظاهرة والخَفِيَّةِ التي تقدَحُ في صحةِ الحديث، وأنها في مُجْمَلِها تعود إلى سببين: أ - السَّقْط في الإسناد. ب - الطَّعْن في الراوي. فكلُّ عِلَّة يُعَلُّ بها الحديثُ داخلةٌ في أحد هذين السببَيْنِ ولا بُدَّ، غيرَ أنَّ السبَبَ قد يكون ظاهرًا يدركه كلُّ أحد، وقد يكون خفيًّا لا يدركه إلا الجهابذة، وقد يدركه غيرهم بجمعِ طرقِ الحديث، وتتبُّعِ الاختلافِ، ومعرفةِ طريقةِ أهل الحديث بالترجيحِ وقرائنِهِ؛ كما تقدَّم بيانه. وليس من مقصودنا هنا ذِكْرُ هذه العلل، سواءٌ كانتْ ظاهرةً أو خَفِيَّة، ولكنْ محاولةُ جَمْعِ الأسبابِ التي نشأَتْ عنها هذه العلل. ولم نَجِدْ أحدًا من الأئمَّة جمَعَ هذه الأسباب، أو تحدَّث عنها مجتمعةً، سوى أقوالٍ منثورة في كتب الرجال، وبعضِ كتبِ علوم الحديثِ، وأمثلةٍ في كتب العلل؛ يمكنُ جمعها منها. وكان قَصَبُ السَّبْقِ في هذا للدكتور همام سعيد في مقدمة تحقيقه لـ"شرح علل الترمذي" لابن رجب. وتتميَّزُ دراستُنَا لأسباب العلة هنا، من دراسته، بتهذيب وزيادات،
مع الشرح والتمثيل، والفرقُ بيِّن واضح لكلِّ من يوازن بينهما. وتقدَّم أنَّ عِلْمَ العللِ مبنيٌّ على أوهام الثقات، وذكرنا (¬1) قولَ شيخ الإسلام ابن تيميّة _ح: «وكما أنهم يَسْتشهدون ويَعْتبرون بحديثِ الذي فيه سوءُ حفظ، فإنَّهم أيضًا يضعِّفون مِنْ حديثِ الثقةِ الصدوقِ الضابطِ أشياءَ تبيَّن لهم أنه غَلِطَ فيها، بأمورٍ يَسْتدلُّون بها، ويُسَمُّون هذا: "عِلْمَ علل الحديث"، وهو مِنْ أشرف علومهم؛ بحيثُ يكون الحديثُ قد رواه ثقةٌ ضابطٌ وغَلِطَ فيه، وغَلَطُهُ فيه عُرِفَ إمَّا بسببٍ ظاهرٍ أو خفيٍّ» . ولذا ستكونُ هذه الأسبابُ مشمولةً بهذا السبب الأساس، وهو «أوهام الثقات» ، ومندرجةً تحته، ومآلها إليه؛ لأنه السبب الذي تكون به العِلَّةُ غامضةً خَفِيَّة - في الغالب - وإنْ شئتَ فقل: إنها صُوَرٌ لهذا السبب الرئيس، أو أسبابٌ لوقوعه. أما الأسبابُ التي تكون بها العِلَّة ظاهرة جلِيَّة فليستْ من مقصودنا هنا؛ كما ذكرنا سابقًا. والثقاتُ يتفاوتون في الحفظ والإتقان، بالإضافةِ للأسباب المُعِينة لهم على بلوغِ الدرجاتِ العُلْيا من استقامةِ الحديث: فمنهم ثقاتٌ ضابطون، جبالٌ في الحفظ والإتقان، هيَّأ اللهُ لهم من الأسبابِ ما جعلهم أئمَّةً في هذا الفن، يَشْهَدُ لهم به القاصي والداني. ¬
ومنهم ثقاتٌ لهم مشاركةٌ في الحفظ والإتقان، لكنَّهم لم يبلغوا مكانةَ الطبقة السابقة. ومنهم ثقاتٌ لهم أوهامٌ وأخطاءٌ عَرَفها الأئمَّةُ وميَّزوها، فهم يقصِّرون في الحفظ عن الطبقة السابقة. وبين أفراد كُلِّ طبقةٍ تفاضُلٌ وتَمايُزٌ، وذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء. يقولُ الإمام مسلم بن الحجَّاج (¬1) وهو يتحدَّث عن الحفاظ، ووقوعِ الوَهَمِ منهم: «فمنهم الحافظُ المتقنُ الحِفْظِ المتوقِّي لما يلزمُ توقِّيه فيه، ومنهم المتساهِلُ الْمُشِيبُ حفظَهُ بتوهُّمٍ يتوهَّمه، أو تلقينٍ يُلَقَّنه مِنْ غيره، فيخلطُهُ بحفظه ثم لا يميِّزُهُ عن أدائه إلى غيره، ومنهم مَنْ هَمُّهُ حفظُ متونِ الأحاديث دون أسانيدها، فيتهاوَنُ بحفظِ الأثر؛ يتخرَّصُها مِنْ بُعْدٍ، فيحيلُهَا بالتوهُّمِ على قومٍ غير الذين أُدِّيَ إليه عنهم، وكلُّ ما قلنا مِنْ هذا في رواة الحديثِ ونُقَّالِ الأخبار فهو موجودٌ مستفيضٌ. ومما ذكَرْتُ لك مِنْ منازلهم في الحفظ ومراتبهم فيه، فليس من ناقلِ خبرٍ وحاملِ أثرٍ من السلف الماضين إلى زماننا - وإنْ كان مِنْ أحفَظِ الناسِ وأشدِّهم توقِّيًا وإتقانًا لِمَا يَحْفَظُ ويَنْقُلُ - إلا الغلَطُ والسَّهْوُ ممكنٌ في حفظه ونقله، فكيف بِمَنْ وصفتُ لك؟!» . اهـ. ¬
وهذه الأوهامُ التي تقع مِنْ هؤلاءِ الثقاتِ تقعُ بأسباب؛ ستكونُ هي موضوعَ بحثنا هنا؛ لأنها هي أسبابُ وقوعِ العِلَّة، وهي على الإجمال: 1- الخَطَأُ والزَّلَلُ. 2- النِّسْيَانُ. 3- التَّوَقِّي والاِحْتِرَازُ. 4- أَخْذُ الحَدِيثِ حَالَ المُذَاكَرَةِ. 5- كَسَلُ الرَّاوِي. 6- التَّصْحِيفُ. 7- انْتِقَالُ البَصَرِ. 8- التَّفَرُّدُ. 9- التَّدْلِيسُ. 10- سُلُوكُ الْجَادَّةِ. 11- التَّلْقِينُ. 12- الإِدْخَالُ عَلَى الشُّيُوخِ. 13- اخْتِصَارُ الْحَدِيثِ، وَالرِّوَايَةُ بِالْمَعْنَى. 14- جَمْعُ حَدِيثِ الشُّيُوخِ بِسِيَاقٍ وَاحِدٍ. 15- مَنْ حَدَّثَ عَنْ ضَعِيفٍ، فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِثِقَةٍ.
وإليك تفصيلَ ما أُجْمِلَ من الأسبابِالتي هي موضوعُ حديثنا: 1) الخَطَأُ والزَّلَلُ: الثقاتُ جميعُهُمْ بَشَرٌ يُخْطِئون ويُصِيبون، وقد وقع الخطأُ مِنْ كبار الطبقة الأولى، فمِنْ باب أولى أن يَقَعَ ممَّن دونهم، فهذا سببٌ لا ينفكُّ عنه بشر، وقد عقَدَ له ابنُ مُفْلِحٍ فصلاً في "الآداب الشرعية" (¬1) بعنوان: «فَصْلٌ في خطأ الثقات، وكونِهِ لا يَسْلَمُ منه بشر» ، ثم أورد تحته بعض أقوال الأئمَّة الآتية. وذكَرَ الحافظُ ابن عبد البر (¬2) حديث سهو النَّبيّ (ص) في الصلاة، ثم قال: «وفي هذا الحديثِ بيانُ أنَّ أحدًا لا يَسْلَمُ من الوَهَمِ والنِّسْيان؛ لأنه إذا اعتَرَى ذلك الأنبياءَ، فغيرُهُمْ بذلك أحرى» (¬3) . وقال الإمام مالك: «ومَنْ ذا الذي لا يُخْطِئ؟!» (¬4) . وقال عبد الله بن المبارك: «مَنْ ذا يَسْلَمُ من الوَهَمِ؟!» (¬5) . وقال عبد الرحمن بن مهدي: «من يُبَرِّئْ نفسَهُ من الخطأ فهو مجنون» (¬6) . ¬
وقال البُوَيْطي: سمعتُ الشافعيَّ يقول: «قد أَلَّفْتُ هذه الكتبَ، ولم آلُ فيها، ولا بُدَّ أنْ يوجدَ فيها الخطأُ؛ إنَّ الله تعالى يقول: [النِّسَاء: 82] {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} ، فما وَجَدتُّمْ في كتبي هذه مما يخالفُ الكتابَ والسُّنَّة، فقد رجَعْتُ عنه» (¬1) . وقال مُهَنَّا للإمام أحمد: كان غُنْدَرٌ يغلطُ؟ قال: «أليس هو من الناس؟!» (¬2) . وقال حنبل: سمعتُ أبا عبد الله (¬3) يقول: «ما رأيتُ أحدًا أَقَلَّ خطأ من يحيى بن سعيد - يعني القطان - ولقد أخطأ في أحاديث» . قال أبو عبد الله: «ومَنْ يَعْرَى من الخطأ والتصحيف؟!» (¬4) . وذكَرَ عَبَّاس الدُّوري (¬5) ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ؛ أَنَّهُ قال: «مَنْ لا يخطئ في الحديث، فهو كذَّاب» . وذُكِرَ عنه أيضًا (¬6) أنه قال: «لستُ أعجَبُ ممَّن يحدِّث فيخطئ، إنما العَجَبُ ممَّن يحدِّث فيصيب» . ¬
وقال التِّرْمِذي (¬1) : «وإنما تفاضَلَ أهلُ العلم بالحِفْظِ والإتقانِ والتثبيتِ عند السماع، مع أنه لم يَسْلَمْ من الخطأ والغلط كبيرُ أحدٍ من الأئمَّة، مع حفظهم» . وذكَرَ الذهبيُّ (¬2) خطأً وقع لعبد الله بن عثمان الملقَّب بعَبْدان، ثم قال: «قلت: عَبْدَانُ حافظٌ صدوق، ومَنِ الذي يَسْلَمُ من الوَهَمِ؟!» . وذكَرَ في موضعٍ آخَرَ (¬3) وَهَمًا وقع للدَّارَقُطْني، وعبد الغني بن سعيد، والخطيب البغدادي، وابن ماكولا، ثم قال: «فبَعْدَ هؤلاءِ الأعلامِ من يَسْلَمُ من الوَهَمِ؟!» . ومِنَ المتفق عليه بين أهل الحديث: أنَّ ابن شهاب الزُّهْري، وسفيانَ الثَّوْري، وشعبةَ ابنَ الحجَّاج، والإمامَ مالك بن أنس: من أشهرِ كبارِ الحفَّاظ، فإذا وقع الوَهَمُ منهم، فَمِنْ غيرهم أولى، وفيما يأتي ذكرُ بعض الأحاديث التي وَهِمَ فيها هؤلاءِ الحفاظُ: أولاً: ابنُ شهاب الزُّهْري: روى الزُّهْريُّ حديثَ أبي هريرة ح في السَّهْو في الصلاة من طريقِ أشياخه: سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمة بن عبد الرحمن، وأبي بَكْر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هِشَام، وعُبَيْد الله بن عبد الله بن ¬
عُتْبة، وأبي بَكْر بن سُلَيْمان بن أبي حَثْمَة، كلُّهم عن أبي هريرة ح، وفيه ألفاظٌ مُسْتَنْكَرة، جعلَتْ أهلَ العلم بالحديثِ يُعِلُّونه مِنْ طريقِ الزُّهْري، ولم يُخْرِجه الشيخان، وأخرجه النسائي (¬1) مبيِّنًا عِلَّته، وأخرجَهُ ابنُ خُزَيْمة في "صحيحه" (¬2) ، وأطال في بيان عِلَّته ومناقشتها، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (¬3) . وممَّن كشَفَ عِلَّةَ الحديثِ وأوضَحَهَا: الحافظُ ابنُ عبد البَرِّ حين قال (¬4) : «وأمَّا قولُ الزُّهْري في هذا الحديث: إنه ذو الشِّمَالَيْن: فلم يُتابَعْ عليه، وحمَلَهُ الزُّهْري على أنه المقتولُ يوم بَدْر، وقد اضطُرِبَ على الزُّهْري في حديث ذي اليدَيْن اضطرابًا أوجبَ عند أهل العلم بالنقل تَرْكَهُ مِنْ روايته خاصَّة؛ لأنه مَرَّةً يرويه عن أبي بَكْر بن سليمان بن أبي حَثْمَة؛ قَالَ: بلغني أنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) ركَعَ ركعتين، هكذا حدَّث به عنه مالكٌ. وحدَّث به مالكٌ أيضًا عنه، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمة بِمِثْلِ حديثِهِ عن أبي بكر ابن سُلَيْمان بن أبي حَثْمة. ¬
ورواه صالح بن كَيْسان عنه: أنَّ أبا بَكْر بن سليمان بن أبي حَثْمة أخبره: أَنَّهُ بَلَغَهُ: أنَّ رسولَ اللَّهِ (ص) صلَّى ركعتَيْن، ثم سلَّم، وذكَرَ الحديث، وقال فيه: فأَتَمَّ ما بَقِيَ مِنْ صلاتِهِ، ولم يَسْجُدِ السجدتَيْنِ اللتَيْنِ تُسْجَدان إذا شَكَّ الرجلُ في صلاتِهِ حين لقَّنه الرجل. قال صالح: قال ابن شهاب: فأخبرني هذا الخَبَرَ سعيدُ بنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هريرة، قال: وأخبرني به أبو سَلَمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وعُبَيْدالله بن عبد الله. ورواه ابن إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وعُرْوة بْنِ الزُّبَيْر، وأبي بكر ابن سليمان بن أبي حَثْمة؛ قال: كُلٌّ قد حدَّثني بذلك؛ قالوا: صلَّى رسولُ اللهِ بالناسِ الظهر، فسلَّم من ركعتين ... وذكر الحديث، وقال فيه الزُّهْري: ولم يُخْبِرني رجلٌ منهم أنَّ رسولَ اللهِ (ص) سجَدَ سجدتي السَّهْو، فكان ابنُ شهاب يقول: إذا عَرَفَ الرجلُ ما يبني مِنْ صلاته فأتمَّها، فليس عليه سجدتا السَّهْوِ؛ لهذا الحديثِ. وقال ابن جريج: حدَّثني ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْر بن سُلَيْمان بن أبي حَثْمة، وأبي سَلَمة ابن عبد الرحمن عمَّن يَقْنَعان بحديثه: أنَّ النَّبيَّ _ج صلَّى ركعتَيْنِ في صلاة الظهر - أو العصر - فقال له ذو الشمالين ابن عبد عمرو: يارسولَ الله، أَقَصُرَتِ الصلاةُ، أم نَسِيتَ؟ ... وذكر الحديث.
ورواه معمر، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمة ابن عبد الرحمن، وأبي بَكْر بن سُلَيْمان بْنِ أَبِي حَثْمة، عَنْ أَبِي هريرة، وهذا اضطرابٌ عظيمٌ من ابن شهاب في حديث ذي اليدَيْنِ. وقال مسلم بن الحجَّاج في كتابه "التمييز" (¬1) : قولُ ابن شهاب: إنَّ رسولَ الله لم يَسْجُدْ يومَ ذي اليدَيْنِ سجدتَيِ السَّهْوِ خطأٌ وغلَطٌ، وقد ثبَتَ عن النَّبيّ _ج أنه سجَدَ سجدتَيِ السَّهْوِ ذلك اليومَ من أحاديثِ الثقاتِ؛ ابنِ سِيرِينَ وغيره. قال أبو عمر: لا أعلَمُ أحدًا مِنْ أهل العلمِ والحديث المصنِّفين فيه عَوَّلَ على حديث ابن شهاب في قِصَّةِ ذي اليدين؛ لاضطرابِهِ فيه، وأنه لم يُتِمَّ له إسنادًا ولا متنًا، وإنْ كان إمامًا عظيمًا في هذا الشأن، فالغلَطُ لا يَسْلَمُ منه أحدٌ، والكمالُ ليس لمخلوق، وكلُّ أحدٍ يؤخذُ مِنْ قولِهِ ويُتْرَك، إلا النَّبيَّ (ص) ، فليس قولُ ابن شهاب: إنه المقتولُ يومَ بَدْرٍ، حجَّةً؛ لأنه قد تبيَّن غلطُه في ذلك» . ثانيًا: سُفْيان الثَّوْري: ذكر ابن أبي حاتم (¬2) أنه سأل أباه وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ سُفْيان الثَّوْري، عَنْ أَبِي الزِّناد، عَنِ الْمُرَقِّع بْنِ صَيْفِي، عَنْ حَنْظلة الْكَاتِبِ؛ قَالَ: لمَّا خرَجَ رسولُ الله (ص) فِي بعضِ مَغَازِيهِ نظَرَ إِلَى ¬
امرأةٍ مقتولةٍ، فَقَالَ: «مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ!» ، فَنَهَى عَنْ قَتْلِ النساء والوِلْدان؟ قال: «قَالَ أَبِي وأَبُو زُرْعَةَ: هَذَا خطَأٌ؛ يُقَالُ: إنَّ هَذَا مِنْ وَهَمِ الثَّوْرِي؛ إِنَّمَا هُوَ الْمُرَقِّعُ بن صَيْفي، عن جَدِّهِ رِيَاح بْنِ الرَّبِيع أَخِي حَنْظَلَةَ، عَنِ النَّبيّ (ص) . كذا يرويه مغيرة ابن عبد الرحمن، وزياد بن سعد، وعبد الرحمن ابن أَبِي الزِّنَاد. قَالَ أَبِي: وَالصَّحِيحُ هذا» . ونقل ابن ماجه (¬1) عن ابن أبي شيبة قولَهُ: «يخطئ فيه الثَّوْري» . وقال البخاري (¬2) -بعد ذكره للاختلاف-: «وقال الثَّوْري: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ مرقِّع، عن حنظلة، وهذا وَهَمٌ» . وقال أبو عيسى الترمذي (¬3) : «حديثُ سُفْيان هَذَا خطأٌ؛ إِنَّمَا هُوَ: عَنْ المرقِّع، عن رَبَاح بْنِ الرَّبِيعِ أَخِي حَنْظَلَةَ الكاتب، هكذا رواه غير واحد عن أبي الزناد. وسألتُ محمَّدًا (¬4) عن هذا الحديث؟ فقال: رباح بن الربيع، ومن قال: رياح بن الربيع هو وَهَمٌ. ¬
قال أبو عيسى: رَبَاح بن الربيع أَصَحُّ، وقد روى بعضُ ولد رَبَاح غيرَ هذا عن جده، وقال: رِيَاح بن الربيع، وهكذا قال عليُّ بن المديني: رِيَاح» . وقال الطحاوي (¬1) : «ولا نَعْلَمُ أحدًا تابَعَ الثوريَّ على روايته كذلك» . ثالثًا: شُعْبة بن الحَجَّاج: أخرج مسلم (¬2) حديثًا من طريق شُعْبة، عن غَيْلان بن جَرِير؛ سمع عبد الله بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّاني، عَنْ أَبِي قتادة الأنصاري ح: أنَّ رسول الله (ص) سُئِلَ عن صومه؟ قال: فغَضِبَ رسولُ الله (ص) ، فقال عمر ح: رضينا بِاللَّهِ رَبًّا، وبالإسلامِ دِينًا، وبمحمَّدٍ رَسُولاً ... الحديثَ، وفيه أنه (ص) سُئِلَ عن صومِ يوم الإثنين؟ قال: «ذَاكَ يومٌ وُلِدتُّ فِيهِ، ويومٌ بُعِثْتُ - أو أُنزِلَ عليَّ - فيه» ، وسُئِل عن صومِ يومِ عَرَفَةَ؟ فقال: «يكفِّر السَّنَةَ الماضيةَ والباقية» ، قال: وسُئِلَ عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضية» . قال مسلم: «وفي هذا الحديثِ مِنْ رواية شُعْبة: قال: وسُئِلَ عن صوم يومِ الإثنين والخميس؟ فسكتنا عن ذكر الخميس؛ لما نراه وَهَمًا» . ¬
ثم أخرجه مسلم من طُرُقٍ أخرى غير طريق شُعْبة، ليس فيها ذِكْرُ الخميس. مثال آخر: أخرَجَ الترمذي (¬1) حديثًا من طريق شُعْبة؛ قال: أخبرنا عبدُ رَبِّهِ بنُ سَعِيدٍ؛ قَالَ: سمعتُ أنس بن أبي أنس يحدِّث، عن عبد الله بْنِ نَافعِ بْنِ العَمْياء، عَنْ عبد الله بن الحارث، عن المطَّلِب: أنَّ رسولَ الله (ص) قال: «الصَّلاَةُ مَثْنَى مَثْنَى، تَشَهَّدُ في ركعتين، وتَباءَسُ، وتَمَسْكَنُ، وَتُقْنِعُ، وتقولُ: اللَّهُمَّ اللَّهُمَّ، فمَنْ لَمْ يفعَلْ ذَلِكَ فَهِيَ خِداج» . ثم قال الترمذي: «وقال اللَّيْثُ: أنا عبدُ ربِّه بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عِمْران بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عبد الله بْنِ نَافعِ بْنِ العَمْياء، عَنْ رَبِيعة بْن الْحَارِثِ، عَنِ الْفَضْلِ بن عباس» . قال الترمذي: «سمعتُ محمَّد بن إسماعيل (¬2) يقول: روايةُ اللَّيْث ابن سعد أَصَحُّ من حديث شُعْبة، وشُعْبةُ أخطأَ في هذا الحديث في مواضع: فقال: عَنْ أَنَسِ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، وإنما هو: عِمْران بْنِ أَبِي أَنَسٍ، وَقَالَ: عن عبد الله بن الحارث، وإنما هو: عن عبد الله ابن نافع، عن ربيعةَ بن الحارث، وربيعةُ بنُ الحارث هو: ابنُ المطَّلِب، فقال هو: عن المطَّلِب، ولم يذكُرْ فيه: عن الفضل بن العباس» . ¬
وذكر ابن أبي حاتم (¬1) أنه سأل أباه عن اختلاف شُعْبة والليث في هذا الحديث؟ ثم قال: «قَالَ أَبِي: حديثُ اللَّيْثِ أَصَحُّ؛ لأنَّ أَنَسَ بْنَ أَبِي أنسٍ لا يُعْرَفُ، وعبدُاللهِ بنُ الْحَارِثِ لَيْسَ لَهُ مَعْنَى؛ إِنَّمَا هُوَ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ» . وقال في موضع آخر (¬2) : «قال أَبِي: مَا يقولُ اللَّيْثُ أَصَحُّ؛ لأَنَّهُ قَدْ تابَعَ اللَّيْثَ عمرُو ابنُ الْحَارِثِ وابنُ لَهِيْعَة، وعمرٌو واللَّيْثُ كَانَا يَكْتُبان، وشعبةُ صاحبُ حِفْظٍ» . رابعًا: الإمام مالك: قال أبو محمَّد ابن أبي حاتم (¬3) : «وسُئِل أَبُو زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثِ مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عُمَر بْنِ عُثْمان بْنِ عَفَّان، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ؛ أنَّ رسولَ اللَّهِ (ص) قَالَ: «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» ؟ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: الرواةُ يَقُولُونَ: عَمْرٌو، وَمَالِكُ يَقُولُ: عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ. قَالَ أَبُو محمَّد: أمَّا الرواةُ الَّذِينَ قَالُوا: عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ: فسفيانُ بنُ عُيَيْنَة، ويونسُ بن يزيد، عن الزُّهْري» . ¬
وذكر ابن أبي حاتم أيضًا (¬1) عن عليِّ بن المَدِيني أنه قال: «سمعتُ يَحْيَى بنَ سَعِيد يَقُولُ: قال مالكٌ في حديث ابْنِ شِهَاب، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْن: عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ، يعني: عَنْ أسامةَ بنِ زَيْدٍ، عَنْ النَّبيِّ (ص) : «لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكافرَ» . قَالَ يحيى بن سعيد: فقلتُ لمالك: عمرو بن عثمان، فأبى أن يَرْجِعَ، وقال: قد كان لعثمانَ ابنٌ يقال له: عُمَر، هذه داره» . وذكر ابن عبد البر (¬2) أنَّ الشافعي ويحيى القطان كانا يراجعانِهِ في هذا الحديث، فأبى أن يَرْجِعَ، وقال كما قال ليحيى بن سعيد. ثم قال ابن عبد البر: «ومالكٌ لا يكاد يُقَاسُ به غيرُهُ حفظًا وإتقانًا، لكنَّ الغَلَطَ لا يَسْلَمُ منه أحدٌ، وأهلُ الحديث يَأْبَوْنَ أن يكونَ في هذا الإسنادِ إلا عمرو - بالواو - وقال علي بن المَدِيني، عن سفيان بن عيينة: إنه قيل له: إنَّ مالكًا يقول - في حديث: «لا يَرِثُ المسلمُ الكافرَ» -: عمر بن عثمان، فقال سفيان: لقد سمعتُهُ من الزُّهْري كذا وكذا مَرَّةً، وتفقَّدته منه، فما قال إلا: عمرو بن عثمان» . ثم قال ابن عبد البر: «وممَّن تابَعَ ابنَ عيينة على قوله: عمرو بن عثمان: مَعْمَرٌ، وابنُ جريج، وعُقَيْلٌ، ويونس بْنُ يَزِيدَ، وشُعَيْب بْنُ أَبِي حمزة، والأوزاعيّ، والجماعةُ أولى أن يُسَلَّمَ لها» . ¬
2) النِّسْيَانُ: وهو من الأمور التي تعتري جميعَ الناس، وتقدَّم قولُ ابن عبد البر - في حديث سَهْوِ النَّبيّ (ص) -: «وفي هذا الحديثِ بيانٌ أنَّ أحدًا لا يَسْلَمُ من الوَهَمِ والنِّسْيان؛ لأنَّه إذا اعترَى ذلك الأنبياءَ، فغيْرُهُمْ بذلك أحرى» . وقال الأعمش (¬1) : «سمعتُ مِنْ أبي صالح (¬2) أَلْفَ حديثٍ، ثم مَرِضْتُ فنسيتُ بعضَها» . وقال أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ المثنَّى (¬3) : «سمعتُ رِيَاحَ بنَ خالد يقول لِسُفْيان بن عُيَيْنة في مسجدِ الحرامِ (¬4) سنة إحدى وتسعين: يا أبا محمَّد، أبو معاوية (¬5) يحدِّث عنك بشيءٍ ليس تحفَظُهُ، ووكيعٌ يحدِّثُ عنك بشيءٍ ليس تحفظُهُ! فقال: صَدِّقهم؛ فإنِّي كنتُ قبل اليومِ أحفَظَ مني اليومَ» . وكان بعضُ المحدِّثين ربَّما حدَّث بالحديث، ثم نسيه، وأنكَرَ أنْ يكونَ حدَّث به: فمن ذلك: ما أخرجه مسلم (¬6) ، من طريق سُفْيان بن عُيَيْنة، عن ¬
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي مَعْبَد (¬1) مولى ابن عباس: أنه سمعه يُخْبِرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: مَا كُنَّا نعرفُ انقضاءَ صلاةِ رسولِ الله (ص) إلا بالتكبير. قال عمرو: فذكرتُ ذلك لأبي معبد، فأنكره، وقال: لم أحدِّثْكَ بهذا. قال عمرو: وقد أخبَرَنِيهِ قبل ذلك. وربَّما صاحَبَ إنكارَ الشيخِ خشونةُ لفظِ الراوي عنه في مقابل إنكارِ شيخه؛ كما حصَلَ من الأعمش مع حصين بن عبد الرحمن السُّلَمي: فقد أخرَجَ الخَطِيب (¬2) ، من طريق أبي بَكْر ابن عَيَّاش، عن الأعمش، عن حُصَيْن بن عبد الرحمن، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة ابن مسعود؛ قال: استدانَتْ ميمونةُ زَوْجُ النَّبيِّ (ص) ثلاثَ مِئَةِ درهمٍ ليس عندها وفاؤها، فنهيتُها عن ذلك! فقالتْ: إني سمعتُ رسولَ الله (ص) يقول: «مَنِ ادَّانَ دَيْنًا يريدُ أداءَهُ؛ أعانَهُ اللهُ عليه» . قال أبو بكر: «أتيتُ حُصَيْنًا أسمَعُ هذا منه، فقال: أنا لم أحدِّثِ الأعمشَ بهذا، فرجعتُ إلى الأعمشِ فأخبرتُهُ، فقال: كَذَبَ (¬3) واللهِ! لقد حدَّثني» . ¬
وربَّما نَسِيَ الشيخُ الحديثَ، ثم ذهَبَ يحدِّث به عن الراوي عنه، كما حصَلَ من سُهَيْل بن أبي صالح: قال الإمام الشافعي (¬1) : أخبرنا عبد العزيز ابن محمَّد الدَّرَاوَرْدي، عن رَبِيعة بن أبي عبد الرحمن، عَن سُهَيْل بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أنَّ رسول الله (ص) قضَى باليمين مع الشاهد. قال عبد العزيز: فذكَرْتُ ذلك لسهيل، فقال: أخبَرَنِي ربيعةُ، عنِّي - وهو ثقة - أني حدَّثتُهُ إيَّاه، ولا أحفظه. قال عبد العزيز: وكان أصابَ سُهَيْلاً عِلَّةٌ أذهبَتْ بعضَ عَقْله، ونَسِيَ بعضَ حديثه، وكان سُهَيْلٌ يحدِّثه عن ربيعة، عنه، عن أبيه. وأخرجه أبو داود (¬2) ، من طريق سُلَيْمان بن بِلاَل التَّيْمي، عن ربيعة، وفيه يقولُ سليمان: فَلَقِيتُ سهيلاً، فسألتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: مَا أعرفُهُ، فقلتُ له: إنَّ ربيعة أخبرني به عنك! قال: فإنْ كان ربيعةُ أخبرَكَ عني، فحدِّثْ به عن ربيعة، عنِّي. وقال ابن أبي حاتم (¬3) : «قِيلَ لأَبِي: يَصِحُّ حديثُ أَبِي هريرة، عن النَّبيّ (ص) فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ؟ فوقَفَ وَقْفَةً، فَقَالَ: تَرَى الدَّرَاوَرْدِيَّ مَا يَقُولُ؟ يَعْنِي: قَوْلَهُ: قلتُ لسهيلٍ، فلم يعرفه. ¬
قلت: فليس نِسْيَانُ سُهَيْلٍ دافعً (¬1) لِمَا حَكَى عنه ربيعةُ، وربيعةُ ثِقَةٌ، والرجلُ يُحَدِّث بالحديثِ وَيَنْسَى. قَالَ: أجلْ هَكَذَا هُوَ، ولكنْ لَمْ نَرَ أنْ يَتْبَعَهُ متابعٌ عَلَى رِوَايَتِهِ، وَقَدْ رَوَى عَنْ سُهَيْل جماعةٌ كَثِيرَةٌ، لَيْسَ عِنْدَ أحدٍ مِنْهُمْ هَذَا الحديثُ» . وأعجبُ منه: أن ينسى الشيخُ والتلميذُ، فيعودُ الشيخُ فيذكِّرُ التلميذَ بالحديث؛ كما حصَلَ لمعتمر بن سليمان مع شيخه منقذ: قال عَبَّاس الدُّوري (¬2) : حدَّثنا يحيى (¬3) ؛ قال: حدَّثنا معتمر بن سليمان؛ قال: حدَّثني مُنْقِذٌ؛ قال: حدَّثْتَنِي أنتَ، عنِّي، عن أيوب، عن الحسن؛ قال: «وَيْحٌ كلمةُ رحمةٍ» !!. 3) التَّوَقِّي وَالاِحْتِيَاطُ وَالاحْتِرَازُ: عُرِفَ عن بعض الأئمَّة - رحمهم الله - شِدَّةُ التوقِّي والاحتراز في الرواية؛ فإذا ما شكَّ في شيء تَرَكَهُ، فإنْ شَكَّ في رفع الحديثِ وقَفَهُ، ¬
وإنْ شَكَّ في وصلِهِ أرسلَهُ، وهكذا. وربَّما كان هذا الشَّكُّ مرجوحًا، والظَّنُّ الغالبُ رَفْعَ الحديث ووَصْلَهُ، ولكنْ هكذا صنَعَ هؤلاءِ الذين ذُكِروا بهذا، وأكثرُهُمْ من أهل البَصْرة؛ مثل محمَّد بن سِيرين، وأيوب السَّخْتِياني، وعبد الله بن عَوْن، وحَمَّاد بن زيد. قال الدارقطني (¬1) : «وقد تقدَّم قولنا في أنَّ ابن سيرين - مِنْ تَوَقِّيه وتَوَرُّعِه - تَارَةً يُصَرِّحُ بالرَّفْع، وتارةً يومئ، وتارةً يتوقَّف؛ على حسب نشاطِهِ في الحال» . وذكَرَ حديثًا اختُلِفَ في رفعه ووقفه، ثم قال (¬2) : «ورَفْعُهُ صَحيحٌ، وقد عرفت عادة ابن سيرين: أنه ربَّما توقَّف عن رفعِ الحديث توقِّيًا» . وقال أيضًا (¬3) : «ورَفْعُهُ صَحيحٌ؛ لأنَّ ابن سيرين كان شديدَ [التوقِّي] (¬4) في رفع الحديث» . وقال في موضع آخر (¬5) : «فرَفْعُهُ صَحيحٌ، ومَنْ وقفه فقد أصاب؛ لأنَّ ابن سيرين كان يفعَلُ مثلَ هذا؛ يَرْفَعُ مرةً، ويُوقِفُ أخرى» . وقال ابن رجب (¬6) : «وليس وَقْفُ هذا الحديثِ مما يَضُرُّ؛ فإنَّ ابن ¬
سِيرِينَ كان يقفُ الأحاديثَ كثيرًا ولا يَرْفَعها، والناسُ كلُّهم يخالفونه ويرفعونها» . وفي أسئلة المروزيِّ للإمام أحمد، قال المروزي (¬1) : «سألته عن هشام بن حَسَّان؟ فقال: أيوبُ وابنُ عَوْن أحبُّ إليّ، وحسَّن أَمْرَ هشام، وقال: قد روى أحاديثَ رَفَعها أَوْقَفوها، وقد كان مذهبهم أنْ يقصِّروا بالحديث ويُوقِفوه» . وقال الدارقطني (¬2) : «وكان ابنُ عَوْن ربَّما وقَفَ المرفوعَ» . وقال يعقوب بن شَيْبة (¬3) : «حمَّادُ بنُ زَيْد أثبَتُ من ابن سلمة، وكُلٌّ ثقةٌ، غيرَ أنَّ ابنَ زيد معروفٌ بأنه يقصِّر في الأسانيد، ويُوقِفُ المرفوعَ، وكثيرُ الشكِّ بتوقِّيه، وكان جليلاً لم يكنْ له كتابٌ يَرْجعُ إليه، فكان أحيانًا يذكُرُ فيرفَعُ الحديثَ، وأحيانًا يهابُ الحديثَ ولا يَرْفعه» . ومِنْ جملة مَنْ عُرِفَ عنه هذا وليس من البَصْريين: الإمامُ مالك، يقولُ الدارقطني (¬4) : «ومِنْ عادَةِ مالكٍ إرسالُ الأحاديثِ، وإسقاطُ رجل» . ¬
4) أَخْذُ الْحَدِيثِ حَالَ المُذَاكَرَةِ: كان المحدِّثون يَحُثُّون على مذاكرةِ الحديثِ ويَحْرِصون عليها حِرْصًا شديدًا؛ لِمَا وَجَدوا فيها من الفوائد؛ كاستذكارِ الحديثِ وتحفُّظه، واستدراكِ ما فاتَهُمْ من الأحاديثِ في البابِ الذي يذاكرون فيه، وكَشْفِ الخَلَلِ والعِلَلِ في الأحاديثِ التي يَحْفَظونها، وكَشْفِ الضعفاءِ والكذابين من الرواة. وعُنِيَ بها جميعُ مَنْ ألَّف في علومِ الحديث، بل أفرَدَ لها عددٌ من الأئمَّة بابًا في مؤلَّفاتهم، منهم: أَبُو بَكْرُ بْنُ أَبِي شَيْبة في "المصنَّف" (¬1) ، والدارمي في "مسنده" (¬2) ، والرَّامَهُرْمزي في "المحدِّث الفاصل" (¬3) ، وعدَّها أبو عبدِالله الحاكمُ (¬4) نوعًا من أنواع علومِ الحديث، وأطالَ فيها الخطيبُ البغداديُّ في "الجامع، لأخلاق الراوي وآداب السامع" (¬5) ، فعقَدَ لها بابًا بعنوان: «مذاكرة الحديثِ مع عامَّة الناس» ، ثم أتبَعَهُ بابًا بعنوان: «المذاكرة مَعَ الأتباعِ والأَصْحَاب» ، ثم بابًا بعنوان: «المذاكرة مَعَ الأقرانِ والأتراب» ، ثم ختمها بباب: «المذاكرة مَعَ الشُّيُوخ وذوي الأسنان» ، وكان قد عقَدَ بابًا قبل ذلك (¬6) بعنوان: «الكتابة عن المحدِّث في المذاكرة» . ¬
وأورَدَ هؤلاءِ المحدِّثون في هذه الأبواب وغَيْرِهَا أقوالاً كثيرةً في الحَثِّ عليها، وذِكْرِ فوائدها، وآدابِهَا، فَمِنْ ذلك: قولُ عليِّ بنِ أبي طالب ح: «تَزَاوَرُوا وتَذَاكَرُوا الحديث؛ فإنَّكم إنْ لم تَفْعَلوا يَدْرُسْ» (¬1) . وقال أبو سعيدٍ الخُدْريُّ ح: «تحدَّثوا؛ فإنَّ الحديثَ يُهَيِّجُ الحديثَ» (¬2) . وفي لفظ: «تَذَاكَرُوا؛ فإنَّ الحديثَ يُذْكِرُ الحديثَ» (¬3) . وقال عَلْقمة: «تَذَاكروا الحديثَ؛ فإنَّ حياتَهُ ذِكْرُهُ» (¬4) . وقال إبراهيمُ النَّخَعي: «مَنْ سَرَّهُ أنْ يَحْفَظَ الحديثَ، فَلْيُحَدِّثْ به، ولو أنْ يُحَدِّثَ به مَنْ لا يشتهيه؛ فإنَّه إذا فعَلَ ذلك كان كالكتابِ في صَدْرِهِ» (¬5) . ¬
وقال يَزِيدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ: قَالَ عبدُالرحمن بنُ أبي ليلى: «إحياءُ الحديثِ مذاكرتُهُ» ، فقال له عبدُاللهِ بنُ شَدَّاد: «يَرْحَمُكَ الله! كم مِنْ حديثٍ أحييْتُهُ في صَدْري كان قد مات» (¬1) . وكان ابنُ شِهَاب الزُّهْري يسمع العِلْمَ مِنْ عُرْوة وغيره، فيأتي إلى جاريةٍ له وهي نائمةٌ فيوقظها فيقول: اسمعي، حدَّثني فلانٌ كذا، وفلانٌ كذا، فتقولُ: ما لي وما لهذا الحديثِ؟! فيقول: قد عَلِمْتُ أنك لا تنتفعين به، ولكنْ سمعتُهُ الآنَ، فأردتُّ أن أَسْتَذْكِره (¬2) . وقال الأعمش: «كان إسماعيلُ بنُ رَجَاء يجمعُ صبيانَ الكُتَّاب يحدِّثهم، يتحفَّظُ بذلك» (¬3) . وقال عليُّ بن المَدِيني: «سِتَّةٌ كادتْ تَذْهَبُ عقولهم عند المذاكرة: يحيى (¬4) ، وعبدُالرحمن (¬5) ، ووَكِيعٌ، وابنُ عُيَيْنة، وأبو داود (¬6) ، وعبد الرزَّاق» . قال علي: «مِنْ شِدَّةِ شَهْوتهم له» . وقال: «تذاكَرَ وكيعٌ وعبدُالرحمنِ ليلةً في مَسْجِدِ الحرامِ (¬7) ، فلم ¬
يزالا حتَّى أذَّن المؤذِّنُ أذانَ الصُّبْح» (¬1) . وقال عليُّ بنُ الحَسَن بْنِ شَقِيق: «كنتُ مع عبد الله بن المبارك في المَسْجِدِ في ليلةٍ شَتْ َوِيَّةٍ باردةٍ، فقمنا لِنَخْرُجَ، فلمَّا كان عند باب المسجد ذاكرني بحديثٍ، وذاكَرْتُهُ بحديث، فما زال يُذَاكِرني وأذاكِرُهُ، حتى جاء المؤذِّن، فأذَّن لصلاةِ الصبح» (¬2) . وقال أبو بكر بن زَنْجُويَهْ: قَدِمْتُ مِصْرَ، فأتيتُ أحمد بن صالح، فسألني: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قلتُ: مِنْ بغداد، قال: أين منزلك مِنْ منزل أحمد بن حنبل؟ قلتُ: أنا مِنْ أَصْحَابه، قال: تَكْتُبُ لي موضعَ منزلك؛ فإنِّي أريدُ أوافي العِرَاقَ، حتى تَجْمَعَ بيني وبين أحمد بن حنبل، فكتبْتُ له، فوافى أحمدُ بنُ صالحٍ سنةَ اثنتَيْ عَشْرةَ (¬3) إلى عَفَّان، فسأل عني، فلقيني، فقال: المَوْعِدُ الذي بيني وبينك، فذهَبْتُ به إلى أحمد بن حنبل، واستأذنْتُ له، فقلتُ: أحمدُ ابنُ صالح بالباب، فقال: ابنُ الطَّبَرِيِّ؟ قلتُ: نعم، فأَذِنَ له، فقام إليه ورحَّب به وقرَّبه وقال له: بَلَغني عنك أنك جمعْتَ حديثَ الزُّهْريِّ، فتعال نذاكر ما روى الزُّهْرِيُّ عن أَصْحَاب رسول الله (ص) ، فجعلا يتذاكران، ولا يُغْرِبُ أحدُهُما على الآخر حتى فَرَغا، وما رأيتُ أحسَنَ من مذاكرتهما! ثم قال أحمدُ بنُ حنبل لأحمدَ بنِ صالح: تعال حتى ¬
نُذَاكِرَ ما روى الزُّهْري عن أولاد أَصْحَاب رسول الله (ص) ، فجعلا يتذاكران، ولا يُغْرِبُ أحدُهُما على الآخر، إلى أنْ قال أحمدُ بنُ حنبل لأحمدَ بنِ صالح: عندك عَنِ الزُّهْري، عَنْ محمَّد بْنِ جُبَيْر ابن مُطْعِم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف؛ قال النَّبِيُّ (ص) : «ما يَسُرُّنِي أَنَّ لي حُمُرَ النَّعَمِ، وأَنَّ لي حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ» ؟ فقال أحمد ابن صالح لأحمد بن حنبل: أنتَ الأستاذُ وتذكُرُ مِثْلَ هذا؟! فجعَلَ أحمدُ بنُ حنبل يبتسم ويقولُ: رواه عن الزُّهْري رجلٌ مقبول - أو صالح -: عبد الرحمن بن إسحاق، قال: مَنْ رواه عن عبد الرحمن بن إسحاق؟ فقال: حدَّثناه رجلان ثقتان: إسماعيلُ بنُ عُلَيّة، وبِشْر ابن المفضَّل، فقال أحمد بن صالح لأحمد بن حنبل: سألتُكَ بالله إلا أمليتَهُ عليَّ! فقال أحمد: مِنَ الكتاب، فقام، فدخَلَ وأخرَجَ الكتابَ، وأملاه عليه، فقال أحمد بن صالح: لو لَمْ أستَفِدْ بالعراقِ إلا هذا الحديثَ كان كثيرًا. ثم ودَّعه وخرَجَ (¬1) . وهذا الحديثُ مِنَ الأحاديثِ التي رواها الإمامُ أحمَدُ (¬2) واستَنْكَرَهَا على عبد الرحمن بن إسحاق، فقد قال المَرُّوذي (¬3) : قلتُ ¬
لأبي عبد الله: فعبدُالرحمنِ بنُ إسحاق كيف هو؟ قال: «أَمَّا ما كتبنا مِنْ حديثه: فقد حدَّث عن الزُّهْري بأحاديث» ، كأنَّه أراد تفرَّدَ بها، ثم ذكَرَ حديثَ محمَّد بن جُبَيْر في الحِلْف؛ حِلْفِ المُطَيَّبِينَ، فأنكره أبو عبد الله، وقال: «ما رواه غيره» (¬1) . وكانوا يتساهلون في المذاكرة ويتسمَّحون، فيحدِّث أحدُهُمْ حالَ المذاكرةِ بالحديثِ على غَيْرِ وجهِ التحديث، ويأخُذُ أحدُهُمْ حالَ المذاكرةِ ما لا يأخُذُهُ في مَجْلِسِ السماع. قال سُفْيان الثَّوْري: «إذا جاءتِ المذاكرةُ جئنا بِكُلٍّ، وإذا جاء التحصيلُ جئنا بمنصورِ بنِ المُعْتَمِرِ» (¬2) . وقال الخطيب (¬3) : «إذا أورَدَ المحدِّث في المذاكرة شيئًا أراد السامعُ له أن يدوِّنه عنه؛ فينبغي له إعلامُ المحدِّث ذلك؛ ليتحرَّى في تَأْدِيَةِ لفظِهِ، وحَصْرِ معناه» . ثم أخرَجَ (¬4) ، عن أبي موسى محمد بن المثنَّى؛ أنه قال: «سألتُ عبد الرحمن - يعني: ابن مهدي - عن حديثٍ، وعنده قوم، فساقه، فذهبتُ أَكْتُبُه، فقال: أيَّ شيء تَصْنَعُ؟! فقلتُ: أكتبُهُ، فقال: دَعْهُ؛ فإنَّ في نفسي منه شيئًا، فقلتُ: قد جِئْتَ به، فقال: لو كنتَ وحدَكَ ¬
لحدَّثْتُكَ به، فكيف أصنَعُ بهؤلاءِ؟!» . قال الخطيبُ بعد أنْ أخرجه: «كان أبو موسى مِنَ المُلاَزِمِينَ لعبد الرحمن، فقوله: "لو كُنْتَ وحدك لحدَّثتك به"، أراد: أنه متى بان له أنَّ الحديثَ على غير ما حدَّثه به أمكنَهُ استدراكُهُ لإصلاحِ غَلَطه، ولا يمكنُهُ ذلك مع الغُرَباء الذين حَضَروا عنده، والله أعلم. وكان عبد الرحمن بن مَهْدي يحرِّج على أَصْحَابه أن يكتبوا عنه في المذاكرة شيئًا» . ثم ساق الخطيبُ بسنده عن بَكْر بن خَلَف قال: سمعتُ عبدَالرحمنِ بنَ مَهْدي يقولُ: «حرامٌ عليكم أن تَأْخُذوا عنِّي في المذاكرةِ حديثًا؛ لأنِّي إذا ذاكَرْتُ تساهلْتُ في الحديث» . وقال أحمد بن محمد بن سليمان التُّسْتَري: حدَّثني أبو زرعة الرازي؛ حدَّثني إبراهيم بن موسى؛ نا عبد الرحمن بن الحَكَم المَرْوَزي، عن نَوْفَل بن المُطَهَّر قال: قال لنا عبد الله بن المبارك: «لا تَحْمِلُوا عنِّي في المذاكرةِ شيئًا» . قال أبو زُرْعة: وقال إبراهيم: «لا تَحْمِلوا عنِّي في المذاكرة شيئًا» . قال أحمد: وقال لي أبو زُرْعة: «لا تَحْمِلوا عنِّي في المذاكرةِ شيئًا» (¬1) . ¬
وكان أبو زُرْعة يحرِّج على تلاميذِهِ أن يَكْتبوا عنه في المذاكرةِ شيئًا (¬1) . وكان عبدُاللهِ ابنُ الإمامِ أحمَدَ لا يكتُبُ - أحيانًا - ما يأخذُهُ عن أبيه حالَ المذاكرة؛ ففي زوائده على "المسند" قال (¬2) : «وَجَدتُّ هذا الحديثَ في كتاب أبي بخطِّ يده ... وأظنُّني قد سمعتُهُ منه في المذاكرة فلم أَكْتُبْهُ» . والظاهرُ: أنَّ أباه كان ينهاه عن كتابة ما يكونُ في المذاكرة؛ وإنْ كتَبَ ميَّزه مِنْ غيره؛ كما يدلُّ عليه قوله: «وقد سَمِعْتُ أبي ذكَرَ حديثًا عن عبد الرحمن ابن مالك بن مِغْوَلٍ، عن أبي حَصِين؛ في المذاكرة، على غير وجهِ الحديثِ، فكتبتُهُ عنه، وكان سَيِّئَ الرأيِ فيه جِدًّا» (¬3) . وهذا منهجٌ معروفٌ للإمام أحمد تلقَّاه عن أشياخه، فقد حكى عنه ابنُهُ عبد الله (¬4) أنه قال: «كتبتُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ (¬5) ، عَنْ شَرِيك؛ على غير وجهِ الحديث» ؛ يعني: المذاكرة (¬6) . وسأله أبو بكر المَرُّوذي (¬7) فقال: «قلتُ: يحيى القَطَّانُ أَيْشٍ كان ¬
يقولُ في شَرِيك؟ قال: كان لا يَرْضَاه، وما ذكر عنه [إلا شيئًا] (¬1) على المذاكرة؛ حديثين» . وقال ابن حزم (¬2) : «وأما المدلِّسُ فينقسمُ إلى قِسْمَيْنِ، أحدُهُمَا: حافظٌ عدلٌ ربَّما أرسَلَ حديثَهُ، وربَّما أسنَدَهُ، وربَّما حدَّث به على سَبِيلِ المذاكرة، أو الفُتْيَا، أو المناظرة، فلم يَذْكُرْ له سَنَدًا، وربَّما اقتصَرَ على ذِكْرِ بعض رواتِهِ دون بعض ... وقد رُوِّينا عن عبد الرزَّاق بن هَمَّام قال: كان مَعْمَرٌ يُرْسِلُ لنا أحاديثَ، فلمَّا قَدِمَ عليه عبدُاللهِ بنُ المبارك أسنَدَهَا له، وهذا النوعُ منهم كان جِلَّةَ أَصْحَابِ الحديث وأئمَّة المسلمين؛ كالحَسَنِ البَصْري، وأبي إسحاق السَّبِيعي، وقتادةَ بنِ دِعَامة، وعَمْرِو بنِ دينار، وسليمانَ الأعمشِ، وأبي الزُّبَيْر، وسُفْيانَ الثَّوْريِّ، وسُفْيانَ بنِ عُيَيْنة، وقد أدخَلَ عليُّ بنُ عمر الدارقطنيُّ فيهم مالكَ بنَ أنس ولم يكنْ كذلك، ولا يوجدُ له هذا إلا في قليلٍ مِنْ حديثه؛ أرسلَهُ مرةً وأسنَدَهُ أخرى» . وكانوا يَسْتحبُّون لمَنْ أخَذَ عن شيوخه شيئًا حالَ المذاكرةِ أنْ يبيِّن ذلك: قال الخطيب البغدادي (¬3) : «واستُحِبَّ لمَنْ حَفِظَ عن بعضِ شيوخه في المذاكرة شيئًا وأرادَ روايتَهُ عنه أن يقولَ: حدَّثناه في المذاكرة، فقد ¬
كان غيرُ واحدٍ من متقدِّمي العلماءِ يفعلُ ذلك» . ومِنْ أمثلة مَنْ كان يفعلُ ذلك ممَّن أشار إليهم الخطيبُ: أبو حاتمٍ الرازي، فقد ترجَمَ ابنه عبد الرحمن (¬1) لمحمَّد بن نُبَاتة السَّرِيِّ فقال: «روى عن أبي عاصمٍ النَّبِيلِ، سمع منه أبي في المذاكرة حديثًا، فاسْتَحْسَنَهُ، فكَتَبه» . وروى الترمذي (¬2) حديثًا، فقال: «حدَّثني الحسَنُ بنُ علي بهذا - أو شبهه - في المذاكرة» . وقال أبو عَوَانة (¬3) : «حدَّثني أحمدُ بنُ سَهْلِ بنِ مالك على المذاكرة» . وأمثلةُ هذا كثيرةٌ في كتب الحديث. وأصبَحَ المحدِّثون يَكْشِفون عِلَلَ الأحاديثِ أحيانًا بهذا؛ فينظرون في غَلَط المحدِّث، مع كيفيَّةِ تلقِّيه للحديثِ، فإنْ كان أَخَذَهُ في مجلسِ المذاكرة؛ عَرَفُوا أنَّ العِلَّةَ وقَعَتْ بسبب تحديثِ الشيخِ بهذا وهو غير مُتَهَيِّئٍ للتحديث: قال أبو عبد الله الحاكم (¬4) : «وجدتُّ أبا عليٍّ الحافظَ سيِّئَ الرأي في أبي القاسم اللَّخْمي (¬5) ، فسألتُهُ عن السبب فيه؟ فقال: اجتمعْنَا ¬
على بابِ أبي خَلِيفة، فذكرنا طُرُقَ: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ على سَبْعةِ أعضاء» ، فقلتُ له: تحفظُ عن شُعْبة، عن عبد الملك بن مَيْسَرة الزَّرَّاد، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ فقال: بلى، [رواه] (¬1) غُنْدَرٌ، وابنُ أبي عدي، فقلتُ: مَنْ عنهما؟ فقال: حدَّثَناه عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، عنهما، فاتهمتُهُ إذْ ذاك. ثم قال أبو علي: ما حدَّث به غيرُ عثمانَ ابنِ عمر (¬2) » . وذكَرَ الذهبيُّ هذه الحكايةَ (¬3) ، ثم قال: «قلتُ: هذا تَعَنُّتٌ على حافظٍ حُجَّة؛ قال الحافظُ ضياءُ الدين المَقْدِسي: هذا وَهِمَ فيه الطبراني في المذاكرة، فأمَّا في جَمْعه حديثَ شُعْبة فلم يروه إلا مِنْ حديث عثمان بن عمر، ولو كان كُلُّ مَنْ وَهِمَ في حديثٍ واحدٍ اتُّهِمَ؛ لكان هذا لا يَسْلَمُ منه أحدٌ» . ومن أمثلة ما عُنِيَ الأئمَّةُ بعلَّته: ما جعله الترمذيُّ (¬4) مثالاً لما يُرْوَى من وجوهٍ كثيرة، ويُسْتَغْرَبُ مِنْ وجه معيَّن؛ حين قال: «رُبَّ حديثٍ يروى من أوجه كثيرة، وإنما يُستغرب لحالِ الإسناد. حدَّثنا أبو كريبٍ، وأبو هشامٍ الرفاعيُّ، وأبو السائب، والحسين ¬
الأسود؛ قالوا: ثنا أبو أسامة، عن بُرَيْد بن عبد الله بن أبي بُرْدة، عن جَدِّه أَبِي بُرْدة، عَنْ أَبِي مُوسَى، عن النَّبيّ (ص) قال: «الكافرُ يأكُلُ في سبعةِ أمعاءٍ، والمؤمنُ يَأْكُلُ في مِعًى واحدٍ» . هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه مِنْ قِبَلِ إسناده، وقد روي مِنْ غير وجه عن النَّبيّ (ص) ، وإنما يُسْتَغرب من حديثِ أبي موسى، وسألتُ محمودَ بنَ غَيْلان عَن هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: هَذَا حديثُ أبي كُرَيْب، عن أبي أسامة، وسألتُ محمدَ بنَ إسماعيل (¬1) عَن هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: هَذَا حديثُ أبي كُرَيْب، عن أبي أسامة، ولم نعرفْهُ إلا مِنْ حديثِ أبي كريب، عن أبي أسامة. فقلتُ: حدَّثنا غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي أسامة بهذا، فجعَلَ يتعجَّبُ ويقول: ما علمتُ أنَّ أحدًا حدَّث بهذا غَيْرَ أبي كريب! قال محمد: وكنَّا نرى أنَّ أبا كُرَيْب أخَذَ هذا الحديثَ عن أبي أسامة في المذاكرة» . قال ابن رجب (¬2) - بعد ذكره كلام الترمذي -: «وما حكاه الترمذيُّ عن البخاريِّ ههنا أنه قال: "كنا نرى أنَّ أبا كُرَيْب أخَذَ هذا عن أبي أسامة في المذاكرة": فهو تعليلٌ للحديث؛ فإنَّ أبا أسامة لم يرو هذا الحديثَ عنه أحدٌ من الثقات غَيْرُ أبي كريب، والمذاكرةُ يُجْعَلُ فيها تسامحٌ بخلافِ حالِ السماع أو الإملاء» (¬3) . ¬
5) كَسَلُ الرَّاوِي: عُرِفَ مِنْ طباعِ الناسِ أنَّ النَّفْسَ البشريَّة لها إقبالٌ وإدبار، على حَسَبِ ما يَعْتَريها من حزن، أو فَرَح، أو مَرَض، أو قِلَّة نَوْم وأَرَق، أو انشغالٍ بالتفكير في أمر من الأمور، أو غيرِ ذلك ممَّا يجعل الراوي غير مُتَهَيِّئٍ ولا مُسْتَجْمِعٍ قواه للتحديث، وهذا ما يعبِّر عنه المحدِّثون بالكَسَل، وضِدُّهُ النشاط، وفيه شبه مِنَ السبب السابق «المذاكرة» . فربَّما ذكَرَ المحدِّثُ الحديثَ وهو في هذه الحال؛ لمناسبةٍ جرَتْ، لا على سبيلِ التحديث؛ كفتوى، أو موعظة، أو سؤال عن ذلك الحديث، أو عن بعض ما يتعلَّق به؛ كالكلامِ في أحدِ رواته، أو غير ذلك من الأمور التي يجمعها عَدَمُ إرادةِ التحديث؛ فيذكُرُ المحدِّثُ الحديثَ فيَنْقُصُ منه؛ إمَّا بإرسالِهِ وهو موصول، أو بوَقْفِهِ وهو مرفوع، أو يُسْقِطُ مِنْ سنده بعضَ رواته لا على سبيل التدليس، أو لا يسوقُ المَتْنَ بتمامه، أو غيرِ ذلك مما يعتري الحديثَ من اختلاف، منشؤُهُ: ذِكْرُ الحديثِ لا لروايتِهِ، ولكنْ لمناسبةِ المَجْلِسِ أو الموقفِ لِذِكْرِهِ وإنْ كان قاصرًا. وتقدَّم قولُ ابن حَزْم (¬1) : «وأمَّا المُدَلِّسُ فينقسمُ إلى قسمَيْن، أحدُهُمَا: حافظٌ عدلٌ ربَّما أرسَلَ حديثَهُ، وربَّما أسنَدَهُ، وربَّما حدَّث به على سَبِيلِ المذاكرة، أو الفُتْيَا، أو المناظرة، فلم يَذْكُرْ له سَنَدًا، ¬
وربَّما اقتصَرَ على ذِكْرِ بعضِ رواته دون بعض ... » إلخ. وربَّما أخَذَ بعضُ الرواة ذلك الحديثَ عن ذلك الشيخِ في هذه الحال، فيرويه على ما فيه مِنْ نقص، وربَّما حدَّث الشيخُ بذلك الحديثِ في مجلسِ التحديثِ تامًّا، فينشأُ الاختلافُ بين الرواة لهذا السبب، وربَّما لم يحدِّث الشيخُ بذلك الحديثِ إلا في حالِ كَسَله، فيختلفُ مع أقرانِهِ ممَّن شاركه في رواية ذلك الحديث، فنجدُ علماءَ الحديثِ يوفِّقون بين هذا الاختلافِ بالإشارةِ إلى هذا السببِ بعبارة يَفْهَمها أهلُ الاختصاص. مثال ذلك: قولُ عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬1) : وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ الحكَمُ ابن عُتَيْبة، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّار، عَنْ صُهَيْبٍ أَبِي الصَّهْبَاء، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: كنتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَار، فمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ (ص) وَهُوَ يصلِّي؟ قَالَ أَبِي: رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ مُرَّة، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّار، عَنِ ابْنِ عبَّاس، وَلَمْ يذكُرْ صُهَيْبًا. قلتُ لأَبِي: أَيُّهُمَا أَصَحُّ؟ قَالَ: هَذَا زَادَ رَجُلا، وَذَاكَ نَقَصَ رَجُلا؛ وَكِلاهُمَا صحيحين (¬2) . ¬
وقال أَيْضًا (¬1) : وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ وُهَيْب (¬2) ، عَنْ أَيُّوبَ (¬3) ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِير، عَنْ أبي راشد، عن عبد الرحمن بن شِبْل، عن النَّبِيِّ (ص) قال: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ ... » ؟. قَالَ أَبِي: رَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: عَنْ يَحْيَى، عَنْ زَيْد بْن سَلاَّم، عَنْ أَبِي سَلاَّم، عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْراني، عَنْ عبد الرحمن بن شِبْل، عن النَّبِيِّ (ص) ، كِلاهُمَا صحيحٌ؛ غيرَ أنَّ أيوبَ ترَكَ من الإسناد رجلَيْن (¬4) . وربَّما صرَّح العلماءُ بهذا السببِ أحيانًا. قال ابن رجب (¬5) : «وقال الأثرَمُ أيضًا: قال أبو عبد الله (¬6) : ما أحسَنَ حديثَ الكوفيين عن هشامِ بنِ عُرْوة! أسنَدُوا عنه أشياءَ، قال: وما أرى ذاك إلا على النَّشَاط؛ يعني: أنَّ هشامًا يَنْشَطُ تارَةً فيُسْنِد، ثم يُرْسِلُ مَرَّةً أخرى» . وقال مسلم بن الحَجَّاج (¬7) : «فإذا كانتِ العِلَّةُ - عند مَنْ وصفنا قولَهُ مِنْ قبلُ - في فسادِ الحديثِ وتوهينِهِ إذا لم يُعْلَمْ أنَّ الراويَ قد سمع ممَّن روى عنه شيئًا: إمكانَ (¬8) الإرسالِ فيه؛ لزمه تركُ ¬
الاحتجاج - في قِيادِ قولِهِ - بروايةِ مَنْ يُعْلَمُ أنه قد سَمِعَ ممَّن روى عنه، إلا في نفسِ الخبر الذي فيه ذِكْرُ السماع؛ لِمَا بَيَّنَّا من قبلُ عن الأئمَّةِ الذين نقلوا الأخبار: أنهم كانت لهم تاراتٌ يُرْسِلُون فيها الحديثَ إرسالاً، ولا يَذْكُرون مَنْ سَمِعوه منه، وتاراتٌ يَنْشَطون فيها، فيُسْنِدون الخبر على هيئة ما سَمِعوا، فيُخْبِرون بالنُّزُول فيه إنْ نزلوا، وبالصُّعُود إنْ صَعِدوا» . وقال ابن حِبَّان (¬1) : «رَفَعَ هذا الخبرَ عن مالك أربعةُ أَنْفُسٍ (¬2) : الماجِشُونُ، وأبو عاصم، ويحيى بن أبي قَتِيلة، وأشهَبُ بنُ عبد العزيز، وأرسله عن مالكٍ سائرُ أَصْحَابه، وهذه كانت عادةً لمالك؛ يَرْفَعُ في الأحايينَ الأخبارَ، ويُوقِفها مرارًا، ويُرْسِلها مَرَّةً، ويُسْنِدها أخرى؛ على حَسَبِ نشاطه؛ فالحكمُ أبدًا لِمَنْ رفَعَ عنه وأسنَدَ، بعد أن يكونَ ثقةً حافظًا متقنًا» . وقال الدارقطني (¬3) : «وقد تقدَّم قولنا في أنَّ ابن سيرين - من تَوَقِّيه وتَوَرُّعِه - تَارَةً يصرِّحُ بالرفع، وتارةً يومئ، وتارةً يتوقَّف؛ على حَسَبِ نشاطه في الحال» . وقال في موضع آخر (¬4) : «وجميعُ رواة هذا الحديثِ ثقاتٌ، ويُشْبِهُ ¬
أن يكونَ قيسُ بنُ أبي حازم كان يَنْشَطُ في الرواية مَرَّةً فَيُسْنِده، ومَرَّةً يَجْبُنُ عنه فيقفه على أبي بكر» . وقال أبو عُمَرَ بنُ عبد البر (¬1) : «كان ابن شهابٍ _ح أكثَرَ الناسِ بَحْثًا على هذا الشأن؛ فكان ربَّما اجتمَعَ له في الحديث جماعةٌ، فحدَّثَ به مَرَّةً عنهم، ومَرَّةً عن أحدهم، ومَرَّةً عن بعضهم؛ على قَدْرِ نشاطِهِ في حينِ حديثِهِ، وربَّما أدخَلَ حديثَ بعضهم في حديثِ بعضٍ كما صنَعَ في حديثِ الإِفْكِ وغيره، وربَّما لَحِقَهُ الكَسَلُ فلم يُسْنِده، وربَّما انشرَحَ فوصَلَ وأسنَدَ على حَسَبِ ما تأتي به المذاكرة؛ فلهذا اختلَفَ أَصْحَابُهُ عليه اختلافًا كبيرًا في أحاديثه. ويبيِّن لك ما قلنا: روايتُهُ لحديثِ ذي اليدَيْنِ (¬2) ؛ رواه عنه جماعةٌ، فمرةً يذكُرُ فيه واحدًا، ومرةً اثنَيْنِ، ومرةً جماعةً، ومرةً جماعةً غيرها، ومرةً يَصِلُ، ومرة يقطع» . وقال في موضعٍ آخَرَ (¬3) - بعد أن ذكَرَ اختلافًا على الإمامِ مالك في وَصْلِ حديثٍ وإرساله -: «وهذا إنما هو مِنْ نشاطِ المحدِّث وكَسَله، أحيانًا يَنْشَطُ فَيُسْنِدُ، وأحيانًا يَكْسَلُ فَيُرْسِلُ، على حَسَبِ المذاكرة» . وقال الحافظ المنذري (¬4) : «ويمكنُ أن يقال: إنه تذكَّر السماعَ بعد ¬
ذلك، فصرَّحَ بالتحديث، أو أنَّ الراويَ يَنْشَطُ مرةً فَيُسْنِد، ويَفْتُرُ مرةً فلا يُسْنِد، ويسكُتُ عن ذِكْرِ الشخص مرةً، ويذكُرُهُ أخرى لِمَا يقتضيه الحال» . وقال الرَّشِيد العَطَّار (¬1) : «وهذا الاختلافُ الذي وقَعَ في إسناد هذا الحديثِ على الزُّهْري لا يؤثِّر في صِحَّته؛ فإنَّ الحديثَ قد يكونُ عند الراوي له عن جماعةٍ مِنْ شيوخه، فيحدِّثُ به تَارَةً عن بعضهم، وتارةً عن جميعهم، وتارةً يُبْهِمُ أسماءَهُمْ، وربَّما أرسلَهُ تارَةً على حَسَبِ نشاطه وكَسَله؛ كما أشار إليه مسلمٌ _ح في مقدِّمة كتابه (¬2) ، ومع ذلك فلا يكونُ ما ذكرناه اعتلالاً يقدَحُ في صِحَّةِ الحديث ... » إلخ. وذكَرَ الحافظُ ابن حجر (¬3) خلافًا في حديث، ثم قال: «وروايةُ الوقف لا تعارضُ روايةَ الرفع؛ لأنَّ الراويَ قد يَنْشَطُ فيُسْنِد، وقد لا ينشط فيقف» . وقال في موضع آخر (¬4) : «فتبيَّن صحةُ كلِّ الأقوال؛ فإنَّ الزُّهْري كان يَنْشَطُ تارَةً فيذكُرُ جميعَ شيوخه، وتارةً يقتصرُ على بعضهم» . ¬
6) التَّصْحِيفُ: وهو تغييرُ العبارة أو الكَلِمة عمَّا كانتْ عليه، إلى أخرى تَشْتَبِهُ معها خَطًّا، أو رَسْمًا، وتختلفُ نطقًا. وهذا قد يقع مِنْ كبار العلماء، فضلاً عن غيرهم، وهو مِنْ صور الوَهَمِ التي يقع فيها الرواةُ الثقات، فاحتاجَ العلماءُ إلى التنبيهِ عليه، فصنَّفوا فيه بعضَ المصنَّفات، ومِنْ أجودها: "تصحيفات المُحَدِّثين" لأبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري (ت382هـ) (¬1) ، وله أيضًا كتابُ "شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف" (¬2) ، وكتابُ "أخبار المصحِّفين" (¬3) ، وصنَّف أبو سليمان حَمْدُ بنُ محمَّد الخَطَّابي (ت388هـ) كتابَ "إصلاح خطأ المُحَدِّثين" (¬4) ، وللسُّ ِيُوطي (ت911هـ) كتابُ "التَّطْريف، في التصحيف" (¬5) ، وغيرها كثير. وأُفْرِدَ التصحيفُ في كُتُبِ علومِ الحديث بنوعٍ مستقلٍّ؛ فلا تكادُ ¬
تَجِدُ مُصَنَّفًا منها إلا وفيه الحديثُ عنه (¬1) ، وقد تعرَّضَ له الخطيبُ في كتابِ "الجامع، لأخلاق الراوي وآداب السامع" في قُرَابة عشرين صفحةً (¬2) ، وذكَرَ فيه أخبارًا عن بعض مَنْ صحَّف، ولكنَّها بحاجةٍ إلى تمحيص. وأكثَرُ ما يقَعُ التصحيفُ في الأسماء، وهذا الذي جعَلَ كثيرًا من أهلِ العلمِ يصنِّفون كتبًا في ضَبْطِ الأسماء، وبيانِ ما يَحْتمِلُ منها اللَّبْسَ والاختلاطَ بغيره، منها: "المؤتَلِفُ والمختَلِفُ" للدارقطني (¬3) ، و"مشتَبِهُ النِّسْبة" لعبد الغني بن سعيد الأَزْدي (¬4) ، و"تلخيص المتشابه" للخطيب البغدادي (¬5) ، و"تالي التلخيص" له أيضًا (¬6) ، وجمَعَ ما في هذه المصنَّفاتِ وغيرِهَا الأميرُ أبو نَصْر ابنُ مَاكُولاَ في كتابه المشهور ¬
"الإكمال" (¬1) فأحسَنَ وأجاد، وتتابَعَتْ مصنَّفاتُ الأئمَّة بعده تبعًا لكتابه، ومِنْ أحسنها: "توضيحُ المُشْتَبِه" لابن ناصر الدين الدمشقي (¬2) ، و"تبصيرُ المُنْتَبِه" للحافظ ابن حجر (¬3) . ومن أمثلة العلل الواقعةِ بسببِ التصحيف: ما وقع لعبد الرحمن بن مَهْدِيٍّ مِنْ أوهامٍ في أسماء الرجال، مع إمامته؛ بيَّن ذلك أبو زُرْعة الرازي فيما نقله عنه تلميذُهُ البَرْذَعي (¬4) حين قال: «شَهِدتُّ أبا زرعة ذكر عبد الرحمن بن مَهْدِي، ومَدَحه، وأطنَبَ في مدحه، وقال: وَهِمَ في غيرِ شيءٍ؛ قال: عن شهاب بن شَرِيفة، وإنما هو: شِهَابُ بنُ شُرْنُفَة. وقال: عن سِمَاك، عن عبد الله بن ظالم، وإنما هو: مالك بن ظالم. وقال: عن هِشَام، عن الحَجَّاج، عن عائد بن بَطَّة، وإنما هو: ابن نَضْلة ... وقال: عن قيس بن جُبَيْر، وإنما هو: قيس بن حَبْتَر» . ومن ذلك: قولُ عبدِالله ابنِ الإمام أحمد (¬5) : قال أبي - في حَدِيثٍ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ (ص) : أنه سُئِلَ عن الماء، وما يَنُوبُهُ من ¬
الدوابِّ -: وقال ابن المبارك: «وما يَثُوبُهُ» ، وصحَّفَ فيه. وقال عبد الله أيضًا (¬1) : قلت ليحيى (¬2) : إنَّ عُبَيْداللهِ القَوَاريريَّ حدَّثنا عن ابن مَهْدي، عن جامع بن مَطَر، عن أبي زَوِيَّة: رأيتُ على أبي سعيد الخُدْريِّ عِمامةً سوداءَ، فقال: أخطَأَ، هذا حدَّثناه غيرُهُ عن جامع بن مَطَر، عن أبي رُؤْبة، وصحَّف عبيد الله، لا يُدْرَى مَنْ أبو زَوِيَّة. وكما أنَّ يحيى بن مَعِين كشَفَ خطَأَ عبيد الله القَوَاريري في هذا الحديثِ، فإنه هو لم يَسْلَمْ من التصحيف: فقد قال عبدُاللهِ ابنُ الإمامِ أحمد (¬3) أيضًا: حدَّثني أَبِي؛ قَالَ: حدَّثنا أَبُو قَطَن (¬4) ، عَنْ شُعْبة، عَنِ العَوَّام بْنِ مُرَاجم، فقال له يحيى ابن مَعِين: إنما هو: ابن مزاحم، فقال أبو قَطَن: عليه وعليه! أو قال: ثيابُهُ فَيْءُ المساكينِ إنْ لم يكنِ ابنَ مُرَاجِم! فقال يحيى: حدَّثنا به وكيع، وقال: ابنُ مُزَاحِم، فقلتُ أنا: حدَّثنا به وكيع، فقال: ابن مُرَاجِم، فسكَتَ يحيى (¬5) . ¬
7) انْتِقَالُ الْبَصَرِ: وهذا نوعٌ من التصحيف الذي يقع لناسخي المخطوطاتِ كثيرًا إذا كانتْ هناك كلمةٌ أو عبارةٌ متماثلةٌ في سطرين متواليَيْن، أو سطورٍ متقاربة، يَعْرِفُ ذلك مَنْ كان ذا صلةٍ بالمخطوطات. ويقع أحيانًا مِنْ بعضِ الأئمَّة عند النقل من الكُتُبِ التي تكونُ فيها عباراتٌ متماثلة كذلك، ومن أمثلة ذلك: قولُ ابنِ القَطَّان (¬1) : «وذكَرَ أيضًا (¬2) من طريق التِّرْمِذي (¬3) ، عن حَكِيم بن حَكِيم؛ قال: كتَبَ عمر بن الخطاب إلى أبي عُبَيْدة: أنَّ رسولَ اللهِ (ص) قال: «اللهُ ورسولُهُ مَوْلَى مَنْ لا مَوْلَى لَهُ، والخالُ وارثُ مَنْ لا وارثَ لَهُ» . كذا وقع هذا الحديثُ في النُّسَخ، وهو خطأ؛ ينقُصُ منه واحدٌ، فإنما يرويه حَكِيم بن حَكِيم، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْن سَهْل بن حُنَيْف؛ قال: كتب عمر بن الخطاب ... وأخاف أنْ يكون إنما سقَطَ لأبي محمد نفسِهِ؛ بقرينةٍ أذكُرُهَا؛ وذلك أنَّ الحديث هو في الترمذيِّ هكذا: "عن عبد الرحمن بن الحارث، عن حَكِيمِ بنِ حَكِيم ابن عَبَّاد بن حُنَيْف، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْن سَهْل بن حُنَيْف؛ قال: كتب عمر بن الخطاب". ¬
هذا نصُّه، فأظُنُّ أنَّ أبا محمَّدٍ ألقى بَصَرَهُ على حَكِيم بْنِ حَكِيمِ بنِ عَبَّادِ بنِ حُنَيْف، فكتبه مقتصرًا مِنْ نَسَبِهِ على أبيه، ثم أعاد بَصَرَهُ، فوقَعَ على حُنَيْفٍ جَدِّ أبي أمامة المتصلِ به «قال (¬1) : كتَبَ عمر بن الخَطَّاب» .... وقد تحقَّق الظنُّ، وارتفَعَ الاحتمالُ بأنَّه في كتابه الكبير (¬2) هكذا - ومِنْ خَطِّه نقلتُ -: "الترمذي؛ قال: حدَّثنا بُنْدَارٌ، وحدَّثنا [أبو] (¬3) أحمد الزُّبَيْري؛ حدَّثنا سُفْيان، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن حَكِيم بن حَكِيم ابن عَبَّاد بن حُنَيْف؛ قال: كتَبَ عمر بن الخطاب". فقد تبيَّن أنَّ سقوطَ أَبِي أُمَامَةَ بْن سهل بْن حُنَيْف إنما هو من خطئه، ثم اختصَرَهُ هاهنا على الخطأ» . اهـ. ومِنْ أمثلة انتقالِ البصر أيضًا: ما وقَعَ لابن المُلَقِّن (¬4) في تخريج حديث: «الصُّلْحُ جائزٌ بين المُسْلِمِينَ» ، وهو حديثٌ معروفٌ من رواية كَثِير بن زَيْد، عن الوليد بْنِ رَبَاح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فقال ابن المُلَقِّن: «ورواه أحمدُ مِنْ حَدِيثِ سليمانَ بنِ بِلالٍ، عَنْ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هريرة مرفوعًا: «الصُّلْحُ جائزٌ بين المُسْلِمِينَ» ، فهذه طرق ¬
متعاضدة» . اهـ. وتابعه الحافظ ابن حجر (¬1) . وهذا وَهَمٌ بسببِ انتقالِ البصر؛ لأنَّ الإمامَ أحمد إنما أخرَجَ هذا الحديثَ (¬2) من طريقِ سليمانَ بنِ بلال، عَنْ كَثِير بْنِ زَيْد، عَنْ الوليد ابن رَبَاح، عن أبي هريرة، ثم أخرَجَ بعده حديثًا آخَرَ مِنْ طريقِ سليمانَ بنِ بلال، عن العلاء بن عبد الرحمن، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أنَّ النَّبِيَّ (ص) قال: «جُزُّوا الشواربَ، وأَعْفُوا اللِّحَى، وخَالِفُوا المَجُوسَ» ، فانتقَلَ بصَرُ ابنِ المُلَقِّن، فركَّب إسنادَ الحديثِ الثاني على مَتْنِ الحديثِ الأوَّل؛ بسبب روايةِ الإمامِ أحمد للحديثَيْنِ من طريق شيخه الخُزَاعيِّ، عن سليمانَ بنِ بلال. ووقع مثل هذا للشيخ ناصر الدين الألباني (¬3) _ح، فاعتذَرَ عن ذلك (¬4) بعد أن نُبِّهَ عليه. 8) التَّفَرُّدُ: وهو مِنْ أَدَقِّ أنواعِ علومِ الحديث، وأصعَبِ أسبابِ العِلَّةِ كَشْفًا؛ ولذا جعلَهُ أهلُ العلم مِنْ أهمِ القرائن التي يُسْتعان بها على إدراك العِلَّة؛ قال ابن الصَّلاح (¬5) : «ويُستَعَانُ على إدراكها (¬6) بتفرُّدِ الرَّاوي، ¬
وبمخالفةِ غَيْرِهِ له، مَعَ قرائنَ تَنْضَمُّ إلى ذلك» . والدليلُ على دِقَّتِهِ وصعوبتِهِ: كثرةُ اختلافِ الأئمَّةِ في تطبيقِهِ، سواءٌ كان تفرُّدًا مطلقًا، أو مَعَ وجودِ مخالفةٍ. أمَّا مع وجود المخالفة: فالخلافُ بين الأئمَّة فيه أقلُّ من خِلاَفهم في التفرُّدِ المطلق، لكنَّه ليس مِنْ مقصودنا هنا، وَيَكْفِينا فيه هذا المثال: قال عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬1) : «وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ عبد الأعلى (¬2) ، عَنْ سَعِيدٍ (¬3) ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سُلَيْمان اليَشْكُرِي، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ (ص) قال: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي، ولاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي» ؟ قَالَ أَبِي: رَوَاهُ شُعْبة، عَنْ قَتَادة، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْد، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ (ص) . قُلْتُ: أيُّهما أَشْبَهُ؟ قَالَ: سعيدُ بنُ أَبِي عَرُوبَة لحديثِ قتادةَ أحفظُ» . فهذا يعني ترجيحَ أبي حاتم لرواية سعيد بن أبي عَرُوبة على رواية شُعْبة، وخالفَهُ في ذلك البخاريُّ ومسلمٌ، فأخرَجَا الحديثَ في "صحيحيهما" (¬4) من طريق شُعْبة، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْد، عَنْ جَابِرٍ، به. وما ذهب إليه البخاريُّ ومسلمٌ هو الصوابُ؛ بدليلِ أنهما أخرجاه أيضًا مِنْ طُرُقٍ - غَيْرِ طريقِ قَتَادَةَ - عَنْ سالمِ بنِ أَبِي ¬
الجَعْد؛ وهذا يؤكِّد أنَّ الحديثَ حديثُ سالم. وقد يخفى التفرُّد مع المخالفة على الإمامِ وإنْ كان كبيرًا؛ مثلُ الحديثِ الذي رواه عبد الله ابن نُمَيْر، عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْد، عَنْ سَعْد؛ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ (ص) : «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً (¬1) ؛ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ» . وخالفَهُ أبو أسامةَ حمَّادُ بنُ أسامة، فرواه عَنْ هاشمِ بنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْد، عَنْ أَبِيهِ، عن النَّبِيِّ (ص) . وسُئِل الإمامُ الدارقُطْنِيُّ (¬2) عن هذا الحديث؟ فقال: «يرويه هاشم بنُ هاشم، واختُلِفَ عنه: فرواه أبو أسامة، عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، وخالفه ابن نُمَيْر، فرواه عن هَاشِمٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، عن أبيها، وكلاهما ثِقَةٌ، ولعلَّ هاشمًا سمعه منهما، والله أعلم» . فجوابُ الدارقطنيِّ هذا يَدُلُّ على أنه خَفِيَ عليه تفرُّدُ ابن نمير بهذا الوجه، وأنَّ أبا أسامة قد تُوبِعَ مِنْ عدد مِنَ الرواة؛ ولذا كان جوابُ ¬
أبي زرعة أَسَدَّ منه، فقد سأله ابن أبي حاتم (¬1) عن رواية عبد الله بن نمير هذه؟ فقال: «هَكَذَا قَالَ ابْنُ نُمَيْر! وَقَالَ مَرْوانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَأَبُو أُسَامَةَ وَأَبُو ضَمْرَةَ (¬2) : عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عن أبيه، عن النَّبيّ (ص) ؛ وهو الصحيحُ» . والحديثُ على هذا الوجه الذي رجَّحه أبو زُرْعة أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "صحيحيهما" (¬3) مِنْ بعضِ هذه الطرقِ وغَيْرِها. وأما التفرُّدُ المُطْلَقُ: فهو الذي يكثُرُ اختلافُهُمْ فيه: ومِنْ أمثلةِ ذلك: ما أخرجَهُ الشيخان (¬4) ، مِنْ حديثِ عمرو بن عاصم؛ حدَّثنا هَمَّام، عن إسحاق بن عبد الله بْنِ أَبِي طَلْحة، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ (ص) فقال: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْهُ عليَّ، قال: وحضَرَتِ الصلاةُ، فصلَّى مع رسولِ الله (ص) ، فلمَّا قضى الصلاةَ، قَالَ: يَا رسولَ اللَّهِ، إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا، فأَقِمْ فيَّ كتابَ الله؛ قال: «هل حَضَرْتَ الصلاةَ مَعَنَا؟» ، قَالَ: نَعَمْ؛ قَالَ: «قَدْ غُفِرَ لك» . فهذا الحديثُ صحَّحه البخاريُّ ومسلم كما سبق، وخالفهما ¬
أبو حاتم الرازيُّ والبَرْدِيجيُّ: أما أبو حاتم: فحكَى عنه ابنُهُ عبد الرحمن (¬1) أنه قال: «هَذَا حديثٌ باطلٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ» . وأما البَرْدِيجيُّ: فنقَلَ عنه ابنُ رجب (¬2) أنه قال: «هذا عندي حديثٌ مُنْكَرٌ، وهو عندي وَهَمٌ من عمرو بن عاصم» . قال ابن رجب (¬3) - عَقِبَ ذكره لكلامِ أبي حاتمٍ والبَرْدِيجي -: «وهذا الحديثُ مُخَرَّجٌ في الصحيحَيْنِ مِنْ هذا الوجه، وخرَّج مسلم (¬4) معناه أيضًا مِنْ حديثِ أبي أمامة، عن النَّبِيِّ (ص) ؛ فهذا شاهدٌ لحديثِ أنس. ولعلَّ أبا حاتمٍ والبَرْدِيجيَّ إنما أنكرا الحديثَ؛ لأنَّ عمرو بن عاصمٍ ليس هو عندهما في مَحَلِّ مَنْ يُحْتَمَلُ تفرُّدُهُ بمثلِ هذا الإسناد، والله أعلم» . ثم نقَلَ ابنُ رجب (¬5) ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيد القَطَّان والإمامِ أحمد بعضَ الأمثلةِ التي تَدُلُّ على مِثْلِ ما ذهب إليه أبو حاتم والبَرْدِيجيُّ، وقال: «وهذا الكلامُ يَدُلُّ على أنَّ النَّكَارة عند يحيى القطان لا تزولُ ¬
إلا بمعرفة الحديثِ مِنْ وجه آخر، وكلامُ الإمامِ أحمد قريبٌ من ذلك ... وأمَّا تصرُّف الشيخين والأكثرين فيدُلُّ على خلاف هذا، وأنَّ ما رواه الثقةُ عن الثقة إلى منتهاه، وليس له عِلَّةٌ، فليس بمنكر» . وفي هذا دَلاَلةٌ على أنَّ الحديثَ الذي يتفرَّدُ به راوٍ من الرواة الذين لا يُحْتَمَلُ تفرُّدُهُمْ مطلقًا، أو في ذلك الحديثِ بعينِهِ، يُعَدُّ حديثًا منكرًا. وليس للحديثِ المنكَرِ تعريفٌ متفقٌ عليه بين الأئمَّة المتقدِّمين؛ ولذا يقولُ الحافظ ابن رجب (¬1) : «ولم أقفْ لأحدٍ من المتقدِّمين على حدِّ المُنْكَرِ من الحديثِ وتعريفِهِ، إلا على ما ذكره أبو بَكْرٍ البَرْدِيجي الحافظ - وكان من أعيان الحفاظِ المبرِّزين في العلل -: أنَّ المنكر: هو الذي يحدِّث به الرجلُ عن الصحابة، أو عن التابعين عن الصحابة، لا يُعْرَفُ ذلك الحديثُ - وهو مَتْنُ الحديث - إلا مِنْ طريقِ الذي رواه؛ فيكونُ منكرًا. ذكَرَ هذا الكلامَ في سياقِ ما إذا انفرَدَ شُعْبة، أو سعيدُ بنُ أبي عَرُوبة، أو هشامٌ الدَّسْتَوائي؛ بحديثٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ (ص) . وهذا كالتصريحِ بأنَّ كُلَّ ما ينفردُ به ثقةٌ عن ثقة، ولا يُعْرَفُ المتنُ مِنْ غيرِ ذلك الطريق، فهو مُنْكَرٌ؛ كما قاله الإمامُ أحمد في حديثِ عبد الله بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عن النَّبيّ (ص) : في النَّهْيِ عن ¬
بيعِ الوَلاَء وهِبَته.... قال البَرْدِيجي بعد ذلك: فأمَّا أحاديثُ قتادة التي يرويها الشيوخ؛ مثلُ حَمَّادِ بنِ سَلَمة، وهَمَّامٍ، وأَبَانَ، والأوزاعيِّ؛ ننظُرُ في الحديث: فإنْ كان الحديثُ يُحْفَظُ مِنْ غيرِ طريقهم عن النَّبيّ (ص) ، أو عن أنسِ بنِ مالك من وجه آخر؛ لم يُدْفَعْ، وإنْ كان لا يُعْرَفُ عن أحد، عن النَّبيّ (ص) ، ولا مِنْ طريقٍ عن أنس، إلا مِنْ روايةِ هذا الذي ذكَرْتُ لك؛ كان منكرًا. وقال أيضًا: إذا روى الثقةُ من طريقٍ صحيحٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَاب النَّبيّ (ص) حديثًا لا يصابُ إلا عند الرجلِ الواحد؛ لم يَضُرَّهُ ألاَّ يرويَهُ غيرُهُ إذا كان متنُ الحديثِ معروفًا، ولا يكونُ منكرًا ولا معلولاً» . اهـ. ولمسلم بن الحجَّاج كلامٌ في مقدمة "صحيحه" (¬1) يبيِّن مراده بالحديث المنكر يحسُنُ إيراده هنا: قال _ح: «وعلامةُ المُنْكَرِ في حديث المحدِّث: إذا ما عَرَضْتَ روايتَهُ للحديث على روايةِ غيره مِنْ أهلِ الحفظ والرِّضَا خالَفَتْ روايتُهُ روايتَهُمْ، أو لم تَكَدْ توافقها، فإذا كان الأغلبُ من حديثِهِ كذلك؛ كان مهجورَ الحديثِ غيرَ مقبولِهِ، ولا مُسْتَعْمَلِهِ، فمِنْ هذا الضَّرْبِ من المحدِّثين: عبدُاللهِ بنُ مُحَرَّرٍ، ويحيى بنُ أبي أُنَيْسة، والجَرَّاحُ بنُ ¬
المِنْهَال أبو العَطُوف، وعبَّادُ بنُ كَثِير، وحُسَيْنُ بنُ عبد الله ابنِ ضُمَيْرة، وعمرُ بنُ صُهْبان، ومَنْ نحا نَحْوَهُمْ في رواية المنكر من الحديثِ، فلَسْنا نُعَرِّجُ على حديثهم، ولا نتشاغَلُ به؛ لأنَّ حُكْمَ أهلِ العلم، والذي نَعْرِفُ مِنْ مَذْهَبهم في قَبُولِ ما يتفرَّدُ به المحدِّثُ من الحديثِ: أنْ يكونَ قد شارَكَ الثقاتِ مِنْ أهل العلم والحفظِ في بعض ما رَوَوْا، وأَمْعَنَ في ذلك على الموافقةِ لهم، فإذا وُجِدَ كذلك، ثم زاد بعد ذلك شيئًا ليس عند أَصْحَابه؛ قبلتْ زيادَتُهُ، فأمَّا مَنْ تراه يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ في جلالتِهِ، وكثرةِ أَصْحَابِهِ الحفاظِ المتقنين لحديثه وحديثِ غيره، أو لِمِثْلِ هشامِ بن عُرْوة - وحديثُهُمَا عند أهلِ العلمِ مبسوطٌ مشترَكٌ، قد نقَلَ أَصْحَابُهُما عنهما حديثَهُمَا على الاتفاقِ منهم في أكثره - فَيَرْوِي عنهما، أو عن أَحَدِهما، العَدَدَ مِنَ الحديثِ ممَّا لا يعرفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابهما، وليس مِمَّنْ قد شاركَهُمْ في الصحيحِ مما عندهم، فغَيْرُ جائزٍ قبولُ حديثِ هذا الضَّرْبِ من الناس، والله أعلم» . اهـ. وقد حكى ابنُ رَجَب (¬1) كلامَ مسلمٍ هذا، ثم علَّق عليه بقوله: «فصرَّح بأنَّ الثقةَ إذا أمعَنَ في موافقةِ الثقات في حديثهم، ثم تفرَّد عنهم بحديث؛ قُبِلَ ما تفرَّد به، وحكاه عن أهلِ العلم. وقد ذكرنا فيما تقدَّم (¬2) قولَ الشافعيِّ في الشاذِّ، وأنه قال: ليس الشَّاذُّ ¬
من الحديثِ أنْ يروي الثقةُ مِنَ الحديثِ ما لا يروي غيره، إنما الشَّاذُّ أن يروي الثقةُ حديثًا يخالفُ الناسَ، وكذا قال أبو بَكْرٍ الأثرمُ. وحكى أبو يَعْلَى الخَلِيلي (¬1) هذا القولَ عن الشافعيِّ وجماعةٍ من أهلِ الحجاز، ثم قال: الذي عليه حُفَّاظُ الحديث: أنَّ الشاذَّ ما ليس له إلا إسنادٌ واحد، يَشِذُّ بذلك شيخٌ؛ ثقةً كان أو غَيْرَ ثقة، فما كان عن غَيْرِ ثقة فمتروكٌ لا يُقْبَلُ، وما كان عن ثقة، يُتَوَقَّفُ فيه، ولا يُحْتَجُّ به. وكذلك ذكَرَ الحاكمُ: أنَّ الشَّاذَّ هو الحديثُ الذي ينفردُ به ثقةٌ من الثقات، وليس له أصلٌ متابِعٌ لذلك الثقةِ، ولم يُوقَفْ له على عِلَّة. ولكنَّ كلامَ الخَلِيلي: في تفرُّد الشيوخِ، والشيوخُ في اصطلاحِ أهل هذا العلم: عبارةٌ عمَّن دون الأئمَّةِ والحفاظ، وقد يكونُ فيهم الثقةُ وغيره، فأمَّا ما انفرَدَ به الأئمَّةُ والحفاظُ فقد سمَّاه الخليلي: فَرْدًا، وذكَرَ أنَّ أفرادَ الحفاظِ المشهورين الثقاتِ، أو أفرادَ إمامٍ عن الحفاظ والأئمَّة صحيحٌ متفَقٌ عليه، ومثَّله بحديثِ مالكٍ في المِغْفَرِ (¬2) . فتلخَّص مِنْ هذا: أنَّ النكارةَ لا تزولُ عند يحيى القَطَّانِ، والإمامِ أحمد، والبَرْدِيجي، وغَيْرِهِمْ من المتقدِّمين إلا بالمتابعةِ، وكذلك الشذوذُ كما حكاه الحاكم. ¬
وأمَّا الشافعيُّ وغيره: فيرَوْنَ أنَّ ما تَفَرَّدَ به ثقةٌ مقبولُ الروايةِ ولم يخالفْهُ غيرُهُ، فليس بشاذٍّ، وتصرُّفُ الشيخَيْنِ يدُلُّ على مثل هذا المعنى. وفرَّقَ الخليليُّ بين ما ينفردُ به شيخٌ من الشيوخِ الثقاتِ، وما ينفرِدُ به إمامٌ أو حافظٌ: فما انفرَدَ به إمامٌ أو حافظٌ؛ قُبِلَ واحتُجَّ به، بخلافِ ما تفرَّد به شيخٌ من الشيوخ، وحكى ذلك عن حُفَّاظ الحديث، والله أعلم» . اهـ كلام ابن رجب. والإعلالُ بالتفرُّدِ كثيرٌ عند أهلِ العلمِ بالحديث؛ ولذا نَجِدُ البخاريَّ، والعُقَيْليَّ، وابنَ عَدِيٍّ كثيرًا ما يُعِلُّونَ الحديثَ بقولهم: «لا يتابَعُ عليه» (¬1) . وأكثَرُ ما يُعِلُّونَ بالتفرُّد: إذا تفرَّد خفيفُ الضبط عن إمامٍ مُكْثِرٍ ممَّن يَحْرِصُ أهلُ العلم على جمعِ حديثه وروايتِهِ؛ كالزُّهْري، وقتادة، والأعمش، والثَّوْري، وشُعْبة، ومالك، ونحوهم، أو تفرَّدَ بحديثٍ من أحاديثِ الأحكامِ التي يَحْرِصُ أهلُ العلم على روايتها: مثال ذلك: قولُ عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬2) : «وسألتُ أبي عن ¬
حديثِ أَوْسِ بنِ ضَمْعَج، عَنْ أبي مسعود، عن النَّبيّ (ص) ؟ فَقَالَ: قد اختَلَفُوا فِي متنه؛ رَوَاهُ فِطْرٌ، وَالأَعْمَشُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن رجاء، عن أوس ابن ضَمْعَج، عَنْ أَبِي مَسْعُود، عَنِ النَّبِيِّ (ص) ؛ قَالَ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي القِرَاءَةِ سَوَاءً؛ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ» . وَرَوَاهُ شُعْبة، والمَسْعودي، عن إسماعيلَ ابنِ رَجَاء، لَمْ يَقُولُوا: «أَعْلَمُهُمْ بالسُّنَّة» . قَالَ أَبِي: كَانَ شُعْبة يَقُولُ: إسماعيلُ بنُ رَجَاء كأنَّه شَيْطَانٌ؛ مِنْ حُسْنِ حَدِيثِهِ، وَكَانَ يهابُ هَذَا الحديثَ؛ يقولُ: حُكْمٌ مِنَ الأحكامِ عن رسول الله (ص) لَمْ يشاركْهُ أحدٌ (¬1) . قَالَ أَبِي: شُعْبةُ أحفظُ مِنْ كُلِّهم. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَلَيْسَ قَدْ رَوَاهُ السُّدِّيُّ عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَج؟ قَالَ: إِنَّمَا رَوَاهُ الحسَنُ بْنُ يَزِيد الأَصَمُّ، عَنِ السُّدِّيِّ، وَهُوَ شَيْخٌ، أَيْنَ كَانَ الثَّوْري وشُعْبة عن هذا الحديث؟! وأخافُ ألاَّ يكونَ محفوظًا» (¬2) . ¬
9) التَّدْلِيسُ: وهو إخفاءُ عَيْبٍ في الإسناد، وإيهامُ الناظِرِ فيه بِخُلُوِّ ذلك الإسنادِ من العَيْب (¬1) . والتدليسُ عند أهلِ الحديثِ قسمان: 1 - تدليسُ إسناد. 2 - وتدليسُ شيوخ. يقول الحافظ ابن حجر (¬2) : «والتدليسُ تارَةً في الإسناد، وتارَةً في الشيوخ. فالذي في الإسناد: أنْ يَرْوِيَ عمَّن لقيه شيئًا لم يَسْمَعه منه؛ بصيغةٍ مُحْتَمِلة، ويَلْتَحِقُ به مَنْ رآه ولم يجالسه. ويَلْتَحِقُ بتدليسِ الإسناد: تدليسُ القَطْع، وهو: أن يَحْذِفَ الصيغةَ ويَقْتَصِرَ على قولِهِ مثلاً: الزُّهْري، عن أنس. وتدليسُ العَطْف، وهو: أن يُصَرِّحَ بالتحديثِ في شيخٍ له، ويَعْطِفَ عليه شيخًا آخَرَ له، ولا يكون سَمِعَ ذلك من الثاني. وتدليسُ التسوية، وهو: أن يصنَعَ ذلك لشيخِهِ، فإنِ اطُّلِعَ على أنه ¬
دلَّسه حُكِمَ به، وإنْ لم يُطَّلَعْ طَرَقَهُ الاحتمالُ، فَيُقْبَلُ من الثقةِ ما صرَّحَ فيه بالتحديثِ، ويُتَوَقَّفُ عمَّا عداه.... وأما تدليسُ الشيوخ، فهو: أنْ يَصِفَ شيخَهُ بما لا يَشْتَهِرُ به؛ من اسمٍ، أو لَقَبٍ، أو كُنْيةٍ، أو نِسْبةٍ، إيهامًا للتكثيرِ غالبًا، وقد يفعلُ ذلك لِضَعْفِ شيخه، وهو خيانةٌ ممَّن تعمَّده (¬1) ، كما إذا وقَعَ ذلك في تدليسِ الإسنادِ، واللهُ المُسْتَعَان» . اهـ. وقال مسلمُ بن الحجَّاج (¬2) : «وإنما كان تَفَقُّدُ مَنْ تَفَقَّدَ منهم سماعَ رواةِ الحديثِ ممَّن روَى عنهم: إذا كان الراوي ممَّن عُرِفَ بالتدليس في الحديثِ، وشُهِرَ به، فحينئذٍ يبحثون عن سماعه في روايته، ويتفقَّدون ذلك منه؛ كي تَنْزَاحَ عنهم عِلَّةُ التدليس» . اهـ. وللجهابذةِ النُّقَّادِ مِنْ علماءِ الحديثِ معرفةٌ ثاقبةٌ بطرائقِ الرُّوَاةِ في التدليسِ؛ فإنْ كان الراوي الذي دَلَّسَ مُتَكَلَّمًا فيه، أو روايتُهُ مُضَعَّفَةٌ بأمرٍ آخَرَ، فالأَمْرُ هَيِّنٌ، وإنْ كان ثقةً استوجَبَ ذلك منهم مزيدَ بحثٍ؛ حتى لا يَغْتَرَّ الناظرُ في الإسنادِ بظاهره، فَيَحْكُمَ بِصِحَّته، كما أنه ليس كلُّ عنعنة مِنْ راوٍ وُصِفَ بالتدليس تُرَدُّ (¬3) ؛ لأنه يترتَّب على ذلك رَدُّ ¬
كثير من السنن الصحيحة، وهذا يُشْعِرُ بصعوبةِ الحكمِ على الحديث بالصحَّة، كما يُشْعِرُ بصعوبةِ الإعلال بالتدليس. والذي يُهِمُّنَا هنا هو أنَّ الرواةَ الثقاتِ قد يقع منهم التدليسُ، فَيُحْتاجُ إلى جِهْبِذٍ يَكْشِفُهُ لِتَظْهَرَ عِلَّةُ الإسناد؛ ومِنْ هنا نعلمُ أنَّ مِنْ أسبابِ وجودِ العِلَّةِ: وقوعَ التدليس. فمن أمثلة ذلك: قولُ عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬1) : وسمعتُ أَبِي وذكَرَ الحديثَ الَّذِي رَوَاهُ إسحاقُ بنُ رَاهُوْيَهْ، عَنْ بَقِيَّة (¬2) ؛ قَالَ: حدَّثني أَبُو وَهْب الأَسَدِي؛ قَالَ: حدَّثنا نَافِعٌ، عَنِ ابْنَ عُمَرَ؛ قَالَ: لا تَحْمَدُوا إسلامَ امْرِئٍ حَتَّى تَعْرِفُوا عُقْدَةَ رَأْيِهِ. قَالَ أَبِي: هَذَا الحديثُ لَهُ عِلَّةٌ قَلَّ مَنْ يَفْهَمُهَا؛ روَى هذا الحديثَ عبيدُاللهِ بنُ عَمْرٍو، عَنْ إسحاقَ بنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عمر، عن النَّبِيِّ (ص) ، وعبيدُاللهِ بنُ عَمْرٍو كنيتُهُ: أَبُو وَهْبٍ، وَهُوَ أَسَدِيٌّ؛ فكأنَّ بَقِيَّةَ بنَ الوليد كَنَى عبيدَاللهِ بنَ عَمْرٍو، ونسَبَهُ إِلَى بَنِي أَسَد؛ لِكَيْلا يُفْطَنَ بِهِ، حَتَّى إِذَا ترَكَ إسحاقَ بنَ أَبِي فَرْوَة مِنَ الوسَطِ لا يُهْتَدَى لَهُ، وَكَانَ بَقِيَّةُ مِنْ أفعَلِ الناسِ لِهَذَا، وأمَّا ما قَالَ إسحاقُ فِي روايتِهِ عَنْ بَقِيَّة، عَنْ أَبِي وَهْب: «حدَّثنا نَافِع» ، فهو وَهَمٌ، غيرَ أنَّ وجهه عندي: ¬
أنَّ إسحاقَ لعلَّه حفظ عَنْ بَقِيَّةَ هَذَا الحديثَ، ولَمَّا يَفْطَنْ لِمَا عَمِلَ بَقِيَّةُ مِنْ تركِهِ إسحاقَ من الوَسَط، وتكنيتِهِ عبيدَاللهِ بنَ عَمْرو، فلم يَفْتقِدْ لفظَ بَقِيَّةَ (¬1) فِي قوله: «حدَّثنا نَافِع» ، أو: «عن نافع» . اهـ. وقال أيضًا (¬2) : وسألتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعة عَنْ حديثٍ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْج، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَة، عَنْ سُهَيْل بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيّ (ص) قَالَ: «مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ كَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، ثُمَّ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ... » ، الحديثَ؟ فَقَالا: هَذَا خَطَأٌ، رَوَاهُ وُهَيْبٌ، عَنْ سُهَيْل، عَنْ عَوْن بن عبد الله مَوْقُوفٌ، وَهَذَا أَصَحُّ. قلتُ لأَبِي: الوَهَمُ ممَّن هُوَ؟ قَالَ: يَحْتمِلُ أَنْ يَكُونَ الوَهَمُ مِنِ ابنِ جُرَيْج، ويَحْتمِلُ أَنْ يكونَ مِنْ سُهَيْلٍ، وأخشَى أَنْ يكونَ ابنُ جُرَيْجٍ دَلَّسَ هَذَا الحديثَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَة، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ مُوسَى، أخَذَهُ مِنْ بَعْضِ الضِّعَفَاءِ. وسمعتُ أَبِي مَرَّةً أُخْرَى يَقُولُ: لا أعلَمُ رَوَى هَذَا الحديثَ عن سُهَيْلٍ أحد إِلا مَا يَرْوِيهِ ابنُ جُرَيْج، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَة، وَلَمْ يذكُرِ ابنُ جُرَيْج فِيهِ الخَبَرَ (¬3) ؛ فَأَخْشَى أنْ يكونَ أَخَذَهُ عَنْ إبراهيمَ بنِ أَبِي يَحْيَى؛ إذْ لَمْ يَرْوِهِ أَصْحَابُ سُهَيْل، لا أعلَمُ رُوِيَ هَذَا الحديثُ عَنْ النَّبيِّ (ص) فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ أَبِي هريرة. وذكَرَ الدارقطنيُّ (¬4) هذا الحديثَ وعِلَّتَهُ، ونقَلَ عن الإمامِ أحمدَ قولَهُ: «وأخشَى أنْ يكونَ ابنُ جُرَيْج دَلَّسَهُ عن موسى بنِ عُقْبة، أخذَهُ من بعضِ الضعفاءِ عنه» ، ثم قال الدارقطني: «والقولُ كما قال أحمد» . وقال أبو حاتم أيضًا في حديثٍ آخر (¬5) : «ويَحْتمِلُ أَنْ يكونَ مِنْ حديثِ ابنِ جُرَيْج، عَنْ إبراهيمَ بنِ أبي ¬
يَحْيَى، عَنْ صَفْوانَ بنِ سُلَيْم؛ لأنَّ ابنَ جُرَيْج يُدَلِّسُ عَنِ ابنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ صَفْوَانَ بنِ سُلَيْم غيرَ شيء» . وقال أبو حاتم أيضًا (¬1) : «وَلا أَظُنُّ الثَّوْريَّ سَمِعَهُ مِنْ قَيْس، أُرَاهُ مُدَلَّسً» . وقال الدارقطني (¬2) : «وقيل: إنَّ الثَّوْري لم يسمعْهُ من قيس، وإنما أخذه عَنْ يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قيس، وهو عنده مرسلٌ» . وقال أبو حاتم أيضًا (¬3) : «الزُّهْري لَمْ يسمَعْ مِنْ عُرْوة هذا الحديثَ؛ فلعلَّه دَلَّسَهُ» . ¬
وقال أيضًا (¬1) : «وأَنَا أَخْشَى ألاَّ يكونَ سَمِعَ هذا الأَعْمَشُ مِنْ مُجَاهِدٍ، إنَّ الأَعْمَشَ قليلُ السماعِ مِنْ مُجَاهِدٍ، وعامَّةُ مَا يَرْوِي عَنْ مجاهدٍ مُدَلَّسٌ» . وفي موضع آخر (¬2) سأله ابنُهُ عبد الرحمن عن الأعمش؟ فقال: «الأعمَشُ ربَّما دَلَّسَ» (¬3) . 10) سُلُوكُ الْجَادَّةِ: وربَّما عبَّر عنه بعضُهُمْ بقوله: «لَزِمَ الطريقَ» ، أو «أخَذَ طريقَ المَجَرَّة» ، أو نحوِهَا من التعبيراتِ التي تَدُلُّ على معنًى واحدٍ كما سيأتي. ومِنَ المعلومِ: أنَّ هناك بعضَ الأسانيدِ التي يَكْثُرُ دَوَرَانُهَا بسببِ كثرةِ روايةِ الراوي، وكَثْرَةِ الرُّوَاةِ عنه؛ كأبي هريرة ح الذي هو أكثَرُ الصحابةِ روايةً؛ فإنَّ بعضَ تلاميذه أكثَرُوا من الروايةِ عنه، وبعض تلاميذهم أَكْثَروا من الروايةِ عنهم، وربَّما تلاميذُهُمْ أيضًا، وهكذا. فكثرةُ تداوُلِ أحدِ هذه الأسانيدِ بصورةٍ واحدةٍ تجعلُهُ إسنادًا مشهورًا، ويسمَّى عندهم: طريقًا، أو جَادَّة، أو مَجَرَّةً؛ يسهُلُ حفظُهُ كما يسهُلُ سلوكُ الناسِ للجَادَّةِ التي يَمْشُونَ عليها. ¬
وربَّما جاء حديثٌ آخَرُ يَشْترِكُ مع هذا الإسنادِ المشهور «الجادَّة» في بعضِ رجاله، ويَخْتلِفُ في بعضهم الآخَرِ، فَيَرْوِيهِ بعضُ الرواةِ فَيَهِمُ، فيذكُرُ الإسنادَ المشهورَ بتمامِهِ بحكمِ الاشتراكِ في بعضه، فينبِّهُ العلماءُ على هذا الوَهَمِ، ويوضِّحون سببه؛ كقولِ البيهقي (¬1) : «هذا - عِلْمي (¬2) - من الجنس الذي كان الشافعيُّ _ح يقول: أخَذَ طريقَ المَجَرَّة، فهذا الشيخُ لمَّا رأى أخبارَ ابنِ بُرَيْدة عن أبيه؛ توهَّم أنَّ هذا الخبر هو أيضًا عن أبيه» . وقال البيهقيُّ (¬3) أيضًا: «قال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعيُّ في هذا الحديثِ: اتبَعَ سُفْيانُ بنُ عُيَيْنة - في قوله: الزُّهْريُّ، عن عُرْوة، عن عبد الرحمن - المَجَرَّةَ. يريد: لَزِمَ الطريقَ» . ومثَّل أبو عبد الله الحاكمُ (¬4) للجنسِ التاسعِ مِنْ أجناس العلل بحديثٍ قال عنه: «لهذا الحديثِ عِلَّةٌ صحيحةٌ، والمنذرُ بنُ عبد الله أخَذَ طريقَ المَجَرَّةِ فيه» . وذكَرَ السُّيُوطيُّ (¬5) هذه الأجناسَ التي ذكرها الحاكمُ، وعرَّفَ الجنسَ التاسع بقوله: «التاسع: أنْ تكونَ طريقُهُ معروفةً، يروي أحدُ رجالها حديثًا مِنْ غير تلك الطريقِ، فيقَعُ مَنْ رواه مِنْ تلك الطريقِ ¬
- بناءً على الجادَّة - في الوَهَمِ» . ويوضِّح هذا ويبيِّنه: أنَّ أبا صالحٍ ذكوانَ السَّمَّانَ من المُكْثِرين جِدًّا عن أبي هريرة، وروايةُ ابنِهِ سُهَيْلِ بنِ أبي صالح، عنه، عن أبي هريرة بلغَتْ في "تحفة الأشراف" فقط (218) حديثًا (¬1) ، فهذا الإسنادُ جادَّةٌ معروفةٌ يخطئ فيه الرواةُ كثيرًا؛ كما حصَلَ من محمَّد بن سليمان الأَصْبَهانيِّ حين روى عَن سُهَيْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النَّبيّ (ص) : أَنَّهُ كَانَ يصلِّي فِي اليومِ والليلةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعةً. فقد سأل عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬2) أباه عن هذا الحديث؟ فقال: «كنتُ مُعْجَبًا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وكنتُ أُرَى أَنَّهُ غريبٌ، حَتَّى رأيتُ: سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ المسيب، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْس، عَنْ عَنْبَسَة، عَنْ أُمِّ حَبِيبة، عن النَّبيّ (ص) ، فَعَلِمْتُ أنَّ ذاك (¬3) لَزِمَ الطريقَ» . وقال ابن عدي (¬4) : «وهذا أخطَأَ فيه ابنُ الأصبهاني حيثُ قال: عَنْ سُهَيْل، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبي هريرة، وكان هذا الطريقُ أسهَلَ عليه» ؛ يعني أسهَلَ عليه في الحفظِ والرواية. ¬
ولهذا يرجِّح العلماءُ ما كان خارجًا عن الجادَّة؛ لأنه قرينةٌ على حفظ الراوي؛ يقولُ السخاويُّ (¬1) : «فسلوكُ غَيْرِ الجَادَّةِ دَالٌّ على مزيدِ التحفُّظ؛ كما أشار إليه النَّسَائِيُّ» . وقال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ (¬2) : «الذي يَجْرِي على طريقةِ أهلِ الحديث: أنَّ روايةَ عبد العزيز شاذَّةٌ؛ لأنَّه سلَكَ الجادَّةَ، ومَنْ عَدَلَ عنها دَلَّ على مزيدِ حفظه» . وفي مثال آخر: روى أبو عَتَّابٍ سهلُ بن حَمَّاد، عن عبد الله بن المثنَّى، عن ثُمَامة بن عبد الله بن أَنَس، عن جَدِّهِ أنسٍ ح، عن النَّبِيِّ (ص) قَالَ: «إِذَا وقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ ... » إلخ، وهذا إسنادٌ معروفٌ، وجادَّةٌ مطروقة، وخالفَهُ حمَّاد بن سَلَمة، فرواه عن ثُمَامة، عن أبي هريرة ح؛ وهذا غير الجادَّة. فسأل عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬3) أباه عن هذا الحديث؟ فأجاب بقوله: «هَذَا أَشْبَهُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النَّبيّ (ص) ، ولَزِمَ أَبُو عَتَّابٍ الطريقَ، فَقَالَ: عن عبد الله، عَنْ ثُمَامة، عَنْ أَنَسٍ» (¬4) . وَقَالَ الحافظ ابن حجر (¬5) في حديثٍ اختَلَفَ فيه حمَّادُ بنُ سلمة ¬
مع باقي الرواة عن عِكْرمة: «لكنْ لمَّا فُتِّشَتِ الطرقُ؛ تبيَّن أنَّ عِكْرمةَ سمعه ممَّن هو أصغَرُ منه، وهو الزُّهْري، والزُّهْريُّ لم يسمعْهُ من ابن عمر ذ، إنما سمعه من سالم، فوضَحَ أنَّ رواية حماد بن سلمة مُدَلَّسَةٌ أو مُسَوَّاةٌ، ورجَعَ هذا الإسنادُ الذي كان يمكنُ الاعتضادُ به إلى الإسنادِ الأوَّل الذي حُكِمَ عليه بالوَهَمِ، وكان سبَبُ حكمهم عليه بالوَهَمِ: كَوْنَ سالمٍ أو مَنْ دونه سلَكَ الجادَّةَ» . وقال في موضع آخر (¬1) : «فروايةُ الدَّرَاوَرْدي لا تنافي روايةَ ابن أبي ذِئْب؛ لأنَّها قَصُرَتْ عنها؛ فدَلَّ على أنه لم يَضْبِطْ إسناده، فأرسلَهُ، وروايةُ عبد الله بن رَجَاء إنْ كانتْ محفوظةً فقد سلك الجادَّةَ في أحاديثِ المَقْبُرِيِّ» (¬2) . 11) التَّلْقِينُ: والتَّلْقِينُ - في اللغة -: التَّفْهِيمُ، وفي العُرْف: إلقاءُ كلامٍ إلى الآخَرِينَ في الحديث؛ إمَّا إسنادًا أو متنًا، والمبادرةُ إلى التحديثِ بذلك ولو مَرَّةً. والتلقينُ: أَنْ يُلَقَّنَ الْمُحَدِّثُ الشيءَ، فيحدِّثَ به مِنْ غيرِ أنْ يَعْلَمَ أنه مِنْ حديثه، فلا يُقْبَلُ؛ لدلالتِهِ على مجازفتِهِ، وعَدَمِ تثبُّته، وسقوطِ الوثوقِ بالمتَّصِفِ به (¬3) . ¬
قال ابن حزم (¬1) : «ومَنْ صَحَّ أنه قَبِلَ التلقينَ ولو مرةً، سَقَطَ حديثُهُ كلُّه؛ لأنَّه لم يتفقَّهْ في دينِ الله ا، ولا حَفِظَ ما سَمِعَ، وقد قال _ج: «نضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ منَّا حديثًا، حَفِظَهُ حتَّى بلَّغه غيرَهُ» ؛ فإنما أمر _ج بِقَبُولِ تبليغِ الحافظ. والتلقينُ هو: أن يقولَ له القائلُ: حدَّثَكَ فلانٌ بكذا، ويُسَمِّيَ له مَنْ شاء مِنْ غيرِ أنْ يَسْمَعه منه، فيقول: نعم، فهذا لا يخلو مِنْ أحد وجهين - ولا بُدَّ من أحدهما ضرورةً -: إمَّا أن يكونَ فاسقًا يحدِّثُ بما لم يَسْمَعْ، أو يكونَ مِنَ الغَفْلة بحيث يكونُ الذاهلَ العَقْلِ، المدخولَ الذِّهْنِ، ومِثْلُ هذا لا يُلْتَفَتُ له؛ لأنه ليس مِنْ ذوي الألباب» . اهـ. ولقبولِ التلقينِ أسبابٌ عِدَّةٌ، منها: ضَعْفُ الراوي، وعَدَمُ مبالاتِهِ بالرواية، والغَفْلةُ، وإحسانُ الظنِّ بمن يُلَقِّنُهُ، والاعتمادُ في الحفظ على الكتاب، ثم التحديثُ مِنْ غيره؛ إمَّا لكونِهِ فقَدَ بَصَره، فيحدِّثُ مِنْ حفظه ظَنًّا منه أنه حافظٌ لحديثه، أو لفقدِهِ الكتابَ، أو لكونِهِ لم يَصْطَحِبْ كتابَهُ معه في بعضِ الأماكنِ التي حدَّث فيها، أو لتساهلِهِ في التحديثِ مِنْ غير كتابِهِ مع قدرتِهِ عليه، أو نحو ذلك. والذي يهمنا هنا: بيانُ هذا السببِ الذي يُوقِعُ العِلَلَ الخَفِيَّةَ في بعضِ الأحاديث؛ بسببِ قبولِ بعضِ الثقاتِ الحفاظِ للتلقين، ولم يَكْثُرْ منهم ذلك، ولا عُرِفُوا به حتى يكونَ عِلَّةً ظاهرة. ¬
مثال ذلك: حديثٌ رَوَاهُ يَحْيَى بْنِ بُكَيْر، عَنِ اللَّيْث بْن سَعْد، عَنْ عبد الله بن عُبَيْدالله بن أبي مُلَيْكة، عن عُبَيْدالله بْن أَبِي نَهِيك، عَنْ سَعِيد بْنِ أَبِي سَعِيد، عَنِ النَّبيّ (ص) أنه قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآنِ» ، ورواه أبو الوليد هشامُ بنُ عبد المَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ وغَيْرُهُ عن اللَّيْثِ، فَجَعَلَهُ عَنْ سَعْد بْنِ أَبِي وَقَّاص، بدَلَ سعيد بن أبي سعيد. فسأل عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬1) أبا زرعة عن هذا الاختلاف؟ فقال: «فِي كتابِ اللَّيْثِ فِي أَصْلِهِ: سَعِيدُ بنُ أَبِي سَعِيد، ولكنْ لُقِّنَ بالعراقِ: عن سَعْد» . وهذا يعني: أنَّ اللَّيْثَ لمَّا رحَلَ إلى العراق لم يكُنْ معه كتابٌ، فلُقِّنَ هذا فتلقَّنه، وليس مِنْ عادته، فهو: ثقةٌ ثبتٌ فقيهٌ إمامٌ مشهورٌ كما قال ابن حَجَرٍ في "التقريب" (¬2) . وسأل ابنُ أبي حاتم أيضًا (¬3) أباه عَنْ حديثٍ رَوَاهُ محمَّد بْنُ أَبِي عُمَرَ العَدَنِي، عَنْ بِشْر بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ حَمَّاد بْنِ سَلَمة، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عن النَّبيِّ (ص) أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ، لاَ سَهْلَ إِلاَّ مَا جَعَلْتَ سَهْلاً، وَأَنْتَ إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ الْحَزْنَ سَهْلاً» ؟ فذكَرَ أبو حاتمٍ أنَّ عبد الله بن مَسْلَمة القَعْنَبِيَّ حدَّثهم به عن حَمَّاد، ¬
عن ثابت: أنَّ النَّبيَّ (ص) ، هكذا مرسلاً، ليس فيه ذِكْرٌ لأنسٍ ح، ثم قال أبو حاتم: «وبَلَغني أنَّ جَعْفَرَ بنَ عبد الواحد لَقَّنَ القَعْنَبِيَّ عَنْ أَنَسٍ، ثم أُخْبِرَ بذلك، فدعا عليه» . وذكَرَ أبو زرعة الرازيُّ حكايةَ جعفر مع القَعْنبي هذه مع اختلاف يسير، فقد سأله البَرْذَعي (¬1) عن حديثٍ من رواية جعفر بن عبد الواحد هذا، فاستنكَرَهُ! وقال: «ما أخوفَني أن تكونَ دعوةُ الشيخِ الصالحِ أدركته!» قال البَرْذَعي: قلتُ: أيُّ شيخ؟ «قال: القَعْنَبي؛ بلغني أنه دعا عليه، فقال: اللَّهُمَّ افضَحْهُ، لا أحسَبُ ما بُلِيَ به إلا بدعوةِ الشيخ» ، قلتُ: كيف دعا عليه؟ قال: «بلغني أنه أدخَلَ عليه (¬2) حديثًا أحسَبُهُ عن ثابت؛ جعَلَهُ عن أنس، فلمَّا فارقه رجَعَ الشيخُ إلى أصله فلم يَجِدْهُ، فاتهمَهُ، فدعا عليه» . فعبدُاللهِ بنُ مَسْلَمة القَعْنبيُّ ثقةٌ عابدٌ، وكان ابنُ مَعِين وابنُ المَدِينيِّ لا يقدِّمان عليه في "الموطأ" أحدًا كما في "التقريب" (¬3) ، ولم يكنْ من عادتِهِ قَبُولُ التَّلْقين؛ فالظاهرُ أنه وَثِقَ بجعفر بن عبد الواحد، وصادَفَ ذلك غَفْلَةً منه، فَقَبِله، أو أنْ تكونَ الحادثة وقعَتْ كما ذكَرَ أبو زرعة: «أنه أدخَلَ عليه حديثًا» ، والإدخالُ يكونُ بغير عِلْمِ الراوي. ¬
وقد يكون قبولُ الثقة للتلقين بسبب عُلُوِّ مَنْزِلةِ الذي لقَّنه، وإمامتِهِ، واشتهارِهِ بالحفظ، فيهابُ مخالفتَهُ، فيجاريه في خَطَئه، ويتَّهم نفسَهُ؛ كما حصَلَ من أبي عَوَانة وضَّاح بن عبد الله مع شُعْبة؛ وذلك أنَّ شُعْبة كان يُخْطِئُ فِي اسمِ خَالِدِ بْنِ عَلْقمة، ويسمِّيه: مالك بن عُرْفُطَة. فوجَدَ الأئمَّةُ أنَّ أبا عَوَانة روى عن مالك ابن عُرْفُطَة، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَن عائشة: أنَّ النَّبيَّ (ص) نَهَى عَنِ الدُّبَّاء والْحَنْتَمِ والْمُزَفَّت، وهذا يعني تصويبَ ما قال شُعْبة؛ لأنه توبع. فسأل ابنُ أبي حاتم (¬1) أباه عن ذلك؟ فأجاب بقوله: «كَانَ شُعْبَةُ يُخْطِئُ فِي اسْمِ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَة، وَكَانَ أَبُو عَوَانَة يقول: خالدُ ابنُ عَلْقَمَة، فَقَالَ شُعْبة: لَمْ يكنْ بخالدِ بنِ عَلْقَمَة؛ وَإِنَّمَا كَانَ: مالكَ بنَ عُرْفُطَة، فلقَّنَه الخطَأَ، وترَكَ الصوابَ، وتَلَقَّنَ مَا قَالَ شُعْبة، لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُخَالِفَهُ» . 12) الإِدْخَالُ عَلَى الشُّيُوخِ: وهو قريبٌ من سابقه «التلقين» ، ويَخْتلِفُ عنه في كون التلقين بِعِلْمِ الْمُلَقَّنِ، وأمَّا الإدخالُ فيكون بغير علمِ الراوي الذي أُدْخِلَ عليه الحديث - غالبًا - كما أنَّ التلقينَ يكونُ مشافهةً، وأمَّا الإدخالُ فيكونُ في الكتاب، وربَّما كان الأمرُ قريبًا بعضُهُ من بعض بحيث يلتبسُ هل هو تلقينٌ أو إدخال؛ كما في حكاية عبد الله بن مَسْلَمة القَعْنَبي مع ¬
جعفر بن عبد الواحد التي تقدَّم ذِكْرها في السبب السابق، فأبو حاتم يذكُرُ أنَّ جعفرًا لقَّن القعنبيَّ، وأبو زرعة يذكر أنه أدخَلَ عليه. وكثيرًا ما يَلْجَأُ أهلُ العلمِ بالحديثِ إلى إعلالِ الحديث بهذا السبب - على سبيلِ الظنِّ - إذا لم يَظْهَرْ لهم سببُ وقوعِ العِلَّةِ في الحديثِ. فقد ذكر ابن أبي حاتم (¬1) أَنَّ أباه أَعَلَّ حديثًا فقال: «هَذَا حديثٌ باطِلٌ، وسعيدٌ ضعيفُ الحديثِ، أخافُ أنْ يكونَ أُدْخِلَ له» . وذكر ابنُ حِبَّان (¬2) حديثًا من رواية عبد العزيز بن معاوية بن عبد العزيز العُتْبي القُرَشي، ثم قَالَ: «هَذَا حديثٌ مُنْكَرٌ لا أصلَ له، ولعلَّه أُدْخِلَ عليه، فحدَّث به» . وروى ابنُ الجَوْزي حديثًا في "الموضوعات" (¬3) بسنده إلى عبد الرحمن بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وجزَمَ بِوَضْعه، ولم يَجْزِمْ بالمتَّهم به، فقال: «هذا حديثٌ لا يَشُكُّ عاقلٌ في وضعه ... وكان مع الذي رواه نوعُ تغفُّلٍ، ولا أحسَبُ ذلك إلا في المتأخِّرين، وإنْ كان يحيى بن مَعِين قد قال في ابن أبي الزناد: ليس بشيء، ولا يُحْتَجُّ بحديثه ... فلَعَلَّ بعضَ أهلِ الهوى قد أدخَلَهُ في حديثه» . ¬
وذكَرَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ (¬1) كلامَ ابنِ الجَوْزي هذا، ثم قال: «قلتُ: وقد تقدَّم في ترجمةِ النَّجَّادِ أنه عَمِيَ بِأَخَرَةٍ، وأنَّ الخطيب جوَّز أن يكونَ أُدْخِلَ عليه شيءٌ، وهذا التجويزُ مُحْتَمَلٌ في حق العِشَارِيِّ أيضًا، وهو في حق ابن أبي الزناد بعيدٌ» . وقال الذَّهَبي (¬2) في ترجمة أبي الفوارس بن الصابوني أحمد بن محمد بن السِّنْدي المِصْري: «صدوقٌ إنْ شاء الله، إلا أنِّي رأيتُهُ قد تفرَّد بحديثٍ باطلٍ عن محمَّد بن حَمَّاد الطِّهْراني، كأنه أُدْخِلَ عليه» . وربَّما أُدْخِلَ على الراوي نسخةٌ بأكملها؛ كما قال ابن حِبَّان (¬3) في ترجمة عُبَيْد بن كَثِير ابن عبد الواحد التَّمَّار: «رَوَى عن الحَسَن بن الفُرَات، وعن ابنه زياد بن الحَسَن، عن أَبَانَ ابنِ تَغْلِب نسخةً مقلوبةً ... أُدْخِلَتْ عليه، فحدَّث بها، ولم يَرْجِعْ حيثُ بُيِّنَ له، فاستَحَقَّ تَرْكَ الاحتجاجِ به» . ويَعْذِرُ أهلُ الحديثِ ذلك الراويَ الذي أُدْخِلَتْ عليه الأحاديثُ، فلا يُتَّهَمُ بوضعها، مع كَوْنهم يَحْكُمون عليه بما يناسبُ حالَهُ مِنَ الغَفْلة ونحوها. فقد ترجَمَ الذهبيُّ (¬4) لأبي القاسم هارون ابن أحمد القَطَّان فقال: ¬
«روى حديثًا باطلاً؛ كأنه - المسكين - أُدْخِلَ عليه، ولا يَشْعُرُ» . وهذا الحديثُ ذَكَره الخطيب البغدادي (¬1) فقال: «لا يثبُتُ هذا الحديث، ورجالُ إسنادِهِ كلُّهم ثقات، ولعلَّه شُبِّهَ لهذا الشيخِ القَطَّان، أو أُدْخِلَ عليه» . وذكَرَ سِبْطُ ابنِ العَجَميِّ هارونَ القَطَّان هذا في "الكشف الحثيث، عمَّن رُمِيَ بوضع الحديث" (¬2) ، وبيَّن أنه ينبغي أن يُعْذَرَ فلا يُدْرَجَ في المتَّهمين بالوضع، فقال: «فعلى أنه أُدْخِلَ عليه، فلا يُذْكَرُ مع هؤلاءِ، إلا أنه لا يُحْتَجُّ به؛ لأنه مُغَفَّلٌ» . وقال أيضًا (¬3) عن راوٍ آخَرَ: «وقد لا يُكْتَبُ معهم؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ أُدْخِلَ عليه، والله أعلم» . وتَخْتلِفُ مواقفُ الرواةِ الذين أُدْخِلَ عليهم، مِنَ الأحاديثِ التي أُدْخِلَتْ عليهم، وممَّن أدخَلَها؛ فبعضُهُمْ يَرْجِعُ عن تلك الأحاديث، ويَتْرُكُهَا، ويغضَبُ على مَنْ فعَلَ ذلك، فهؤلاءِ لا يؤثِّر فيهم ذلك الفعل. ويَضْعُفُ بعضُهُمْ عن ذلك، فيسقُطُ حديثهم. فمِمَّن عُرِفَ عنه حُسْنُ التصرُّف: أبو الفضلِ عبد الله بن أحمد الطُّوسي المعروفُ بخطيبِ المَوْصِل، فقد حَكَى الحافظُ الذهبي (¬4) عن ¬
ابن الدَّبِيثي أنه قال: سمعتُ تَمِيمَ بنَ البَنْدَنِيجي يقول: أبو الفضل خطيبُ المَوْصِلِ ثقةٌ صحيحُ السماعِ، أدخَلَ عليه محمَّدُ بنُ عبد الخالق في حديثِهِ أشياءَ لم يَسْمَعها، وكان قد دخَلَ عليه ولاطَفَهُ بأجزاء ذكَرَ أنه نَقَلَ سماعَهُ فيها مِنْ مِثْلِ طِرَادٍ، والنِّعَالِيِّ، وابنِ البَطِرِ، وهؤلاءِ قد سَمِعَ منهم أبو الفَضْل، فَقَبِلَهَا منه وحدَّث بها اعتمادًا على نقل محمد له، وإحسانِ الظَّنِّ به، فلمَّا عَلِمَ كذبَ محمَّد، طُلِبَتْ أصولُ الأجزاء التي حَمَلَها إليه، فلم تُوجَدْ، واشتهَرَ أمرُهُ، فلم يعبأِ الناسُ بِنَقْله، وترَكَ خطيبُ الموصلِ كُلَّ ما شَكَّ فيه، وحَذَّر مِنْ روايةِ ما شَكَّ فيه. قال الذهبي: «قلتُ: وبعد ذلك جمَعَ خطيبُ المَوْصِلِ مشيختَهُ المشهورةَ، وخرَّجها من أصوله» . وذكر الخَلِيلي (¬1) عن ابن عدي: أنَّ رجلاً حدَّث عند زكريا بن يحيى الساجي بحديثَيْنِ عن أحمدَ بنِ عبد الرحمن ابنِ أخي عبد الله بن وَهْب، عن عمِّه عبد الله بن وَهْب، عن الإمامِ مالك، عن الزُّهْري، فقال ابن عدي: هذان الحديثان مِنْ حديثِ ابْنِ وَهْب، عَنْ يونس، عن الزُّهْري، لا عن مالك، فأخَذَ الساجي كتابَهُ، فتأمَّلْ، وقال لابنِ عدي: هذا كما قلتَ، وقال للرَّجُل: ممَّن أَخَذْتَ هذا؟ فأحال على بعض أهلِ البَصْرة، فقال الساجي: عَلَيَّ بصاحبِ الشُّرطة حتى أُسَوِّدَ وجه هذا! فكلَّموه وتشفَّعوا، حتى عفا عنه، ثم مزَّقَ الكتابَ. ¬
قال الذهبي (¬1) : «وللساجي مصنَّفٌ جليلٌ في عللِ الحديثِ يَدُلُّ على تبحُّره وحِفْظه، ولم تبلغنا أخبارُهُ كما في النَّفْس، وقد هَمَّ بمن أَدْخَلَ عليه ... » ، ثم ذكر هذه الحكاية. ومن أجودِ ما ذُكِرَ في هذا: دفاعُ بعضِ الأئمَّةِ عن شيوخهم؛ كما في قصَّة الدارقطنيِّ مع شيخه دَعْلَج بن أحمد السِّجِسْتاني ومَنْ أدخَلَ عليه بعضَ الأحاديث. فقد ذكَرَ أبو عبد الله الحاكم (¬2) أنه سأل شيخَهُ الدارقطنيَّ عن عليِّ بن الحسن - ويقال: ابن الحسين - بن جعفر الرُّصَافي، المعروفِ بابن العَطَّار؟ فذكَرَ مِنْ إدخاله على الشيوخ شيئًا فوق الوَصْف؛ فإنه أَشهَدَ عليه، واتخَذَ محضرًا بأحاديثَ أَدْخَلَهَا على دَعْلَجِ بن أحمد. وممَّن أُدْخِلَتْ عليه أحاديثُ أَفْسَدَتْ حديثَهُ بسبب عدمِ معرفته بها، أو بسببِ عَجْزه، أو تساهُلِهِ عن تركها والبراءةِ منها: قيسُ بنُ الرَّبِيع، وأبو صالحٍ كاتبُ اللَّيْث، وسفيانُ بنُ وَكِيع بن الجَرَّاح: أما قيسُ بنُ الربيع: فإنه ابتُلِيَ بابنٍ له أدخَلَ عليه ما ليس مِنْ حديثِهِ وهو لا يَعْلَمُ، فأفسَدَ حديثَهُ. قال جعفر بن أَبَانَ الحافظُ: «سألتُ ابن نُمَيْرٍ عن قيس بن الرَّبِيع؟ ¬
فقال: كان له ابنٌ، وهو آفَتُهُ؛ نظَرَ أَصْحَابُ الحديثِ في كتبه، فأنكروا حديثَهُ، وظَنُّوا أنَّ ابنه قد غيَّرها» (¬1) . وقال عَفَّان: «كنتُ أَسْمَعُ الناسَ يَذْكُرون قيسًا، فلم أَدْرِ ما عِلَّته، فلمَّا قَدِمْنَا الكوفةَ أتيناه، فجَلَسْنَا إليه، فجعَلَ ابنُهُ يلقِّنه ويقولُ له: حُصَيْن، فيقول: حُصَيْن، فيقول رجل آخر: ومُغِيرة، فيقول: ومُغِيرة، فيقول آخر: والشَّيْباني، فيقول: والشَّيْباني» (¬2) . وروى البخاريُّ (¬3) عن أبي داود الطَّيَالسي أنه قال: «إنما أُتِيَ قيسٌ مِنْ قِبَلِ ابنه؛ كان ابنُهُ يأخُذُ حديثَ الناسِ، فَيُدْخِلُهَا في فُرَجِ كتابِ قيس، ولا يعرفُ الشيخُ ذلك» . وذكَرَ الإمامُ أحمدُ بنُ حَنْبل قيسًا هذا فقال: «كان له ابنٌ يأخُذُ حديثَ مِسْعَر وسُفْيان الثَّوْري والمتقدِّمين، فيُدْخِلُهَا في حديثِ أبيه وهو لا يعلم» (¬4) . وقال عليُّ بن المَدِيني: «إنما أَهلكَهُ ابنٌ له قلَبَ عليه أشياء من حديثه» (¬5) . وقال ابن حِبَّان (¬6) : «قد سَبَرْتُ أخبارَ قيس ابن الرَّبِيع من رواية ¬
القدماء والمتأخِّرين وتتبَّعتها، فرأيتُهُ صدوقًا مأمونًا حيثُ كان شابًّا، فلمَّا كَبِرَ ساء حفظه، وامتُحِنَ بابنِ سُوءٍ، فكان يُدْخِلُ عليه الحديثَ، فيجيبُ فيه ثقةً منه بابنه، فلمَّا غلَبَ المناكيرُ على صحيحِ حديثِهِ ولم يتميَّز؛ استَحَقَّ مجانبتَهُ عند الاحتجاج، فكلُّ مَنْ مَدَحه مِنْ أئمتنا وحَثَّ عليه؛ كان ذلك منهم لَمَّا نَظَروا إلى الأشياءِ المستقيمةِ التي حدَّث بها عن سَمَاعه، وكلُّ مَنْ وهَّاه منهم، فكان ذلك لِمَا عَلِمُوا ممَّا في حديثه من المناكيرِ التي أدخَلَ عليه ابنُهُ وغيرُهُ» . اهـ. وأما أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب اللَّيْث: فلخَّص حالَهُ ابنُ حِبَّان بقوله (¬1) : «منكرُ الحديثِ جِدًّا، يروي عن الأثباتِ مالا يُشْبِهُ حديثَ الثقات، وعنده المناكيرُ الكثيرةُ عن أقوامٍ مشاهيرَ أئمةٍ، وكان في نفسِهِ صدوقًا يكتُبُ لِلَّيْثِ بنِ سَعْدٍ الحِسَابَ، وكان كاتبَهُ على الغَلاَّت، وإنما وقع المناكيرُ في حديثِهِ مِنْ قِبَلِ جارٍ له رَجُلِ سُوءٍ؛ سمعتُ ابنَ خُزَيْمة يقول: كان له جارٌ بينه وبينه عداوةٌ، فكان يَضَعُ الحديثَ على شيخِ عبد الله بنِ صالح، ويكتُبُ في قِرْطاسٍ بِخَطٍّ يُشْبِهُ خَطَّ عبد الله بن صالح، ويَطْرَحُ في داره في وَسَطِ كتبه، فيجدُهُ عبد الله، فيحدِّث به، فيتوهَّمُ أنه خطُّه وسماعُهُ، فمِنْ ناحيتِهِ وقَعَ المناكيرُ في أخباره» . وسأل البرذعي (¬2) أبا زُرْعة عن عُثْمان بن صالح؟ فقال: لم يكنْ ¬
عندي عثمانُ ممَّن يَكْذِب، ولكنَّه كان يكتُبُ الحديثَ مع خالد بن إسحاق بن نَجِيح، وكان خالدٌ إذا سَمِعُوا من الشيخ أَمْلَى عليهم ما لم يَسْمَعوا، فَبُلُوا به، وقد بُلِيَ به أبو صالحٍ أيضًا في حديثِ زُهْرة بن مَعْبَد، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ جابر، ليس له أصلٌ، وإنما هو عن خالدِ بنِ إسحاقَ بنِ نَجِيح» . وذكَرَ ابنُ أبي حاتم (¬1) أنَّ أباه ذكَرَ حديثًا، فقال: «وَرَوَى هَذَا الحديثَ كاتبُ اللَّيْث، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ مِمَّا أُدْخِلَ على أبي صالح» . وروى أبو عبد الله الحاكمُ (¬2) عن أحمَدَ بنِ محمَّد التُّسْتَرِيِّ أنه قال: سألتُ أبا زُرْعة الرازيَّ عن حديثِ زُهْرةَ بنِ مَعْبَدٍ، عن سعيد ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ (ص) في الفضائل؟ فقال: «هذا حديثٌ باطلٌ، كان خالدُ بنُ إسحاق بن نَجِيح [المِصْريُّ] (¬3) وَضَعه ودلَّسه في كتاب اللَّيْث (¬4) ، وكان خالد بن إسحاق بن نَجِيح هذا يضعُ في كتب الشيوخِ ما لم يَسْمَعوا، ويدلِّس لهم ... » . قال الحاكم: «فأقول: رَضِيَ اللهُ عن أبي زرعة؛ لقد شَفَى في عِلَّةِ هذا الحديث، وبيَّن ما خفي علينا، فكلُّ ما أتى أبو صالحٍ كان من ¬
أجلِ هذا الحديث، فإذا وضعَهُ غيرُهُ، وكَتَبَهُ في كتابِ اللَّيْث (¬1) ؛ كان المُذْنِبُ فيه غيرَ أبي صالح» . وأما سُفْيانُ بن وَكِيع: فقد ابتُلِيَ بورَّاقٍ له أدخَلَ في كتبِهِ أحاديثَ مناكيرَ، ونصحَهُ أبو حاتمٍ الرازيُّ وابنُ خُزَيْمة، وبيَّن له أبو حاتم كيف يميِّز ما أُدْخِلَ عليه، فلم يأخُذْ بِنُصْحه، فسقَطَتْ رواياتُهُ. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬2) : سمعتُ أبى يقول: «جاءني جماعةٌ من مَشْيَخة الكوفة، فقالوا: بَلَغَنا أنَّك تَخْتلِفُ إلى مشايخِ الكوفة تكتُبُ عنهم، وتركْتَ سفيانَ بنَ وكيع، أَمَا كُنْتَ ترعى له في أبيه؟! فقلتُ لهم: إنى أُوْجِبُ له، وأُحِبُّ أن تَجْرِيَ أمورُهُ على السِّتْر، وله وَرَّاقٌ قد أفسَدَ حديثَهُ، قالوا: فنحنُ نقولُ له أن يُبْعِدَ الوَرَّاقَ عن نفسه، فوعدتُّهُمْ أن أَجِيئَهُ، فأتيتُهُ مع جماعة من أهل الحديث، وقلتُ له: إنَّ حَقَّكَ واجبٌ علينا في شيخك وفي نَفْسِك، فلو صُنْتَ نفسك، وكنتَ تَقْتصرُ على كُتُبِ أبيك، لكانتِ الرِّحْلةُ إليك في ذلك، فكيف وقد سَمِعْتَ؟! فقال: ما الذي يُنْقَمُ عليَّ؟ فقلتُ: قد أدخَلَ ورَّاقُكَ في حديثِكَ ما ليس مِنْ حديثك، فقال: فكيفَ السبيلُ في ذلك؟ قلتُ: ترمى بالمُخَرَّجات، وتقتصرُ على الأصول، ولا تقرأُ إلا مِنْ أصولك، وتُنَحِّي هذا الوَرَّاقَ عن نفسك، وتدعو بابنِ كَرَامة، وتُوَلِّيه أصولك؛ فإنه يُوثَقُ به، فقال: مقبولٌ منك، وبلغني أنَّ ورَّاقه ¬
كان قد أدخلوه بيتًا يَتَسَمَّعُ علينا الحديثَ، فما فعل (¬1) شيئًا مِمَّا قاله، فبطَلَ الشيخُ، وكان يحدِّث بتلك الأحاديثِ التي قد أُدْخِلَتْ بين حديثه، وقد سُرِقَ مِنْ حديثِ المحدِّثين» . وقال الحاكم أبو عبد الله (¬2) : سمعتُ أبا عبد الله محمَّد بن يعقوب الحافظَ يقول: سمعتُ محمَّد بن إسحاق - يعني: ابن خُزَيْمة - وقيل له: لِمَ رَوَيْتَ عن أحمدَ بنِ عبد الرحمن بن وَهْب وتركْتَ سفيانَ بنَ وَكِيع؟ فقال: «لأنَّ أحمدَ بنَ عبد الرحمن لمَّا أَنْكَروا عليه تلك الأحاديثَ رجَعَ عنها عن آخرها، إلا حديثَ مالكٍ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ أنس: «إِذَا حَضَرَ العَشَاءُ ... » ، فإنَّه ذكَرَ أنه وجَدَهُ في دُرْجٍ من كُتُب عَمِّه في قِرْطاس، وأمَّا سُفْيَان بن وكيع: فإنَّ ورَّاقه أدخَلَ عليه أحاديثَ، فرواها، وكلَّمناه، فلم يَرْجِعْ عنها، فاستخَرْتُ اللهَ، وتركْتُ الروايةَ عنه» . وذكر ابن حِبَّان سُفْيانَ بنَ وكيع هذا في "المجروحين" (¬3) وقال: «وكان شيخًا فاضلاً صدوقًا، إلا أنه ابتُلِيَ بورَّاقِ سُوءٍ كان يُدْخِلُ عليه الحديثَ، وكان يثق به فيجيبُ فيما يُقْرَأُ عليه، وقيل له بعد ذلك في أشياء منها، فلم يَرْجِعْ، فمن أجلِ إصرارِهِ على ما قيل له استَحَقَّ التركَ، وكان ابنُ خُزَيْمة يروي عنه، وسمعتُهُ يقول: ثنا بعضُ مَنْ ¬
أمسكنا عَنْ ذِكْره، وهو من الضَّرْبِ الذي ذكرتُهُ مرارًا: أنْ لو خَرَّ من السماءِ فَتَخْطَفُهُ الطيرُ أَحَبُّ إليه مِنْ أن يَكْذِبَ على رسولِ الله (ص) ، ولكنَّهم أفسدوه» . وذكَرَ في "الثقات" (¬1) راويًا اسمه: موسى ابن عيسى، وأنه يروي عن زائدةَ، عَنْ سُفْيان الثَّوْري، عَنْ محمَّد بْن المُنْكَدِر، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبيّ (ص) قال: «لا يَدْخُلُ مكَّةَ سَافِكُ دَمٍ» ، وذكَرَ أنه رواه عنه سفيان بن وكيع، ثم قال: «وهذا مما أُدْخِلَ على سفيان بن وكيع» . وتظهر براعةُ أئمَّةِ الحديثِ في كشفهمُ الأحاديثَ التي أُدْخِلَتْ في أحاديثِ الثقات، وقُدْرَتِهِمْ على تمييزها مِنْ صحيحِ حديثهم؛ كما جاء في سؤالِ عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬2) لأبيه عَنْ حديثٍ رَوَاهُ أَبُو عَقِيل بنُ حاجبٍ، عن عبد الرزَّاق، عَنْ سَعِيدِ بْنِ قُمَاذِينَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْر بن مُطْعِم، عن عبد الله بْنِ حُبْشِيٍّ؛ قَالَ: سمعتُ رسولَ الله (ص) يقول: «لاَ تَطْرُقُوا الطَّيْرَ فِي أَوْكَارِهَا؛ فَإِنَّ اللَّيْلَ أَمَانٌ لَهَا» ؟ فقال أبو حاتم: «إنَّ هَذَا الحديثَ ممَّا أُدْخِلَ على عبد الرزَّاق؛ وهو حديثٌ موضوع» . ومِنْ أكثرِ الأحاديثِ إشكالاً عند علماء الحديث: حديثٌ رواه ¬
قُتَيْبة بْنُ سَعِيد، عَنِ اللَّيْث بْنِ سَعْد، عَنْ يزيدَ بنِ أَبِي حَبِيب، عَنْ أَبِي الطُّفَيْل عامر بن واثلة، عن معاذ بن جَبَل ح: أنَّ النَّبيَّ (ص) كان في غَزْوة تَبُوكَ إذا ارتحَلَ قبل أن تَزِيغَ الشمسُ أخَّر الظهرَ حتى يَجْمَعَهَا إلى العصر، فيُصَلِّيهما جميعًا، وإذا ارتحَلَ بعد زَيْغِ الشمسِ صلَّى الظهرَ والعصرَ جَمِيعًا، ثم سار، وكان إذا ارتحَلَ قبل المَغْرِبِ أخَّر المغربَ حتى يُصَلِّيَهَا مع العشاء، وإذا ارتحَلَ بعد المَغْرِبِ عجَّل العشاء، فصلاها مع المغرب (¬1) . وحكَمَ عليه أبو عيسى التِّرْمِذيُّ (¬2) بأنه حديثٌ غريب، وقال: «تفرَّد به قُتَيْبةُ، لا نَعْرِفُ أحدًا رواه عن الليثِ غيرَهُ ... والمعروفُ عند أهل العلم حديثُ معاذ؛ من حديثِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْل، عن معاذ: أنَّ النَّبيَّ (ص) جمَعَ في غَزْوة تَبُوكَ بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء» (¬3) . وسأل عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬4) أباه عَنْ هَذَا الْحَدِيث؟ فَقَالَ: «لا أعرفُهُ من حديثِ يزيد، والذي عِنْدِي أَنَّهُ دخَلَ لَهُ حديثٌ في حديث» ، وصوَّب ما صوَّبه الترمذيُّ. ¬
وقال أبو عبد الله الحاكم (¬1) : «نظرنا، فإذا الحديثُ موضوعٌ! وقُتَيْبةُ بن سَعِيد ثقةٌ مأمون ... » ، ثم ساق بسنده عن محمَّد بن إسماعيل البخاري أنه قال: «قلتُ لقتيبة بن سعيد: مع مَنْ كتبْتَ عن الليثِ بنِ سَعْد حديثَ يزيدَ بنِ أَبِي حَبِيب، عن أبي الطُّفَيْل؟ فقال: كتبتُهُ مع خالد المدايني. قال البخاري: وكان خالدٌ المداينيُّ يُدْخِلُ الأحاديثَ على الشيوخ» (¬2) . وسأل عبد الرحمن بن أبي حاتم أباه (¬3) عَنْ حديثٍ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ العَدَنِي، عَنْ بِشْر بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ حَمَّاد بْنِ سَلَمة، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عن النَّبيّ (ص) أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ لاَ سَهْلَ إِلاَّ مَا جَعَلْتَ سَهْلاً، وَأَنْتَ إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ الْحَزْنَ سَهْلاً» ؟ فصوَّب أبو حاتم إرساله، وذكَرَ أنَّ بِشْرَ بن السَّرِيِّ ثَبْتٌ، ثم قال: «فَلَيْتَهُ ألاَّ يكونَ أُدْخِلَ عَلَى ابْن أَبِي عمر» . 13) اخْتِصَارُ الْحَدِيثِ، وَالرِّوَايَةُ بِالْمَعْنَى: كثيرًا ما تقع العِلَّةُ في الحديثِ بسببِ اختصارِ بعضِ الرواةِ للحديثِ، أو روايتِهِ بالمعنى، على نَحْوٍ يُغَيِّرُ معنى الحديث، فيُظَنُّ أنه حديثٌ آخَرُ، كما حصَلَ من شُعْبة _ح حين روى عن سُهَيْل بن أبي ¬
صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ (ص) : «لا وُضُوءَ إلاَّ مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ» . فأوضَحَ أبو حاتمٍ الرازيُّ وَهَمَ شُعْبة فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فقال: «هذا وَهَمٌ؛ اختصَرَ شُعْبةُ متنَ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: «لا وُضُوءَ إِلاَّ مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ» ، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ سُهَيْل، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبي هريرة، عن النَّبيّ (ص) قَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ، فَوَجَدَ رِيحًا مِنْ نَفْسِهِ، فَلاَ يَخْرُجَنَّ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا» » . وبهذا أعلَّه أيضًا ابنُ خُزَيْمة (¬1) ، والبيهقي (¬2) . ومِثْلُهُ: ما أخرجه النَّسَائيُّ (¬3) ، وابن حِبَّان (¬4) عَنْ شُعْبة، عَن إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ ابنِ عُلَيَّة، عن عبد العزيز بن صُهَيْب، عن أنس ابن مالك ح: أنَّ النَّبيَّ (ص) نهى عن التَّزَعْفُرِ. وأخرجه مسلم من طريق أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبة، وعَمْرٍو الناقدِ، وزُهَيْرِ بنِ حَرْب، وابن نُمَيْر، وأبي كُرَيْبٍ، جميعهم عن إسماعيل بن عُلَيَّة، به بلفظ: نَهَى رسولُ اللهِ (ص) أن يتزَعْفَرَ الرَّجُلُ. ¬
وكذا رواه البخاريُّ (¬1) ، من طريق عبد الوارث، ومسلمٌ (¬2) من طريقِ حمادِ بنِ زَيْد، كلاهما عن عبد العزيز بن صُهَيْب، عن أنس. وأخرجه الطحاويُّ (¬3) من طريقِ ابنِ أبي عِمْران، عن علي بن الجَعْد، عن شُعْبة، وفيه قال علي: «ثم لَقِيتُ إسماعيلَ، فسألتُهُ عنه، وحدَّثته أنَّ شُعْبَةَ حدَّثنا به عنه، فقال: ليس هكذا حَدَّثْتُهُ، وإنما حَدَّثْتُهُ أنَّ النَّبيَّ (ص) نهى أن يتزَعْفَرَ الرجلُ. قال ابن أبي عِمْران: «وهما مختلفان، أمَّا قوله: أن يَتَزَعْفَرَ الرجلُ: فإنَّما دخَلَ في نهيه الرجالُ دون النساء، وأما قوله: نَهَى عن التزعفُرِ: فأدخَلَ فيه الرجالَ والنساءَ» . ثم قال الطحاوي: «وقد رواه سائرُ أَصْحَابِ عبد العزيز، عن عبد العزيز بالنَّهْيِ أن يَتَزَعْفَرَ الرجلُ» . وروى الرَّامَهُرْمُزِيُّ (¬4) عن أبي يحيى العَطَّار؛ قال: سمعتُ إسماعيل بن عُلَيَّة يقول: «روى عني شُعْبة حديثًا واحدًا فأوهَمَ فيه؛ حَدَّثْتُهُ عن عبد العزيز بْنِ صُهَيْب، عَنْ أَنَسٍ: أنَّ النَّبيَّ (ص) نهى أنْ يتزعفَرَ الرجلُ، فقال شُعْبة: إنَّ النَّبيَّ (ص) نَهَى عن التزعفُرِ» . قال الرامهرمزيُّ: «وكان شُعْبةُ حَفِظَ عن إسماعيل، فأنكَرَ إسماعيلُ ¬
لَفْظَ التزعفر؛ لأنه لفظُ العموم، وإنما المنهيُّ عنه: الرجالُ، وأحسَبُ شُعْبةَ قَصَدَ المعنى، ولم يَفْطَنْ لما فَطِنَ له إسماعيلُ، وشُعْبةُ شُعْبَةُ!!» . ولم يقفِ الحافظُ ابن حجر على إنكارِ إسماعيل على شُعْبة، فقال (¬1) : «ورواه شُعْبة عن ابنِ عُلَيَّة عند النَّسَائي مطلقًا، فقال: نهى عن التزعفُرِ، وكأنَّه اختصره، وإلا فقد رواه عن إسماعيل فوق العَشَرة من الحفاظِ مقيَّدًا بالرجل، ويَحْتمِلُ أن يكونَ إسماعيلُ اختصَرَهُ لَمَّا حدَّث به شُعْبةُ، والمطلَقُ محمولٌ على المقيَّد، وروايةُ شُعْبةَ عن إسماعيلَ من رواية الأكابر عن الأصاغر» . وَبَيْنَ أهلِ العلم خلافٌ طويلٌ في جواز اختصارِ الحديث وروايتِهِ بالمعنى (¬2) ، فذهَبَ بعضهم إلى المَنْعِ من ذلك، وجوَّزه بعضهم بشروطٍ اختُلِف فيها أيضًا، والراجحُ الجوازُ بشروطٍ من أهمِّها: أن يكونَ عالِمًا بمدلولاتِ الألفاظ، وما يُحِيلُ المعانيَ منها؛ لأنه جُرِّبَ على بعضِ الرواة الخطَأُ في معرفةِ معاني بعضِ الأحاديث؛ فعدَّهُ الأئمَّةُ من تصحيفِ المعنى؛ كما في قول أبي موسى العَنَزِيِّ محمَّد بن المثنَّى المعروفِ بالزَّمِنِ حين قال: نَحْنُ قومٌ لنا شَرَفٌ؛ صلَّى إلينا رسولُ اللهِ ¬
(ص) ، يعني: حديثَ النَّبيِّ (ص) أنه صلَّى إلى عَنَزَةٍ (¬1) ، وهي الحَرْبَةُ الصغيرةُ تُغْرَزُ بين يَدَيْهِ (ص) لِيَتَّخِذَهَا سُتْرةً في الصلاة، فظنَّ أبو موسى أنه (ص) صلَّى إلى قبيلتِهِ عَنَزَةَ، وعَدَّ ذلك شرفًا لهم (¬2) !. وكان بعضُ العلماء بارعًا في معرفة معاني الأحاديث، وروايتها بالمعنى، واختصارِهَا، حتى إنَّ كبارَ الأئمَّةِ ليتعلَّمون منه ذلك؛ كسفيانَ الثَّوْريِّ الذي يقولُ عنه الخطيبُ البغدادي (¬3) : «وقد كان سُفْيان الثوريُّ يروي الأحاديثَ على الاختصار لمن قد رواها له على التَّمَام؛ لأنَّه كان يَعْلَمُ منهم الحِفْظَ لها والمعرفةَ بها ... » ، ثم روى عن عبد العزيز ابن أَبَانَ أنه قال: «علَّمنا سفيانُ الثَّوْرِيُّ اختصارَ الحديث» ، ويقولُ عبد الله بن المبارك: «علَّمنا سفيانُ اختصارَ الحديث» (¬4) . أمَّا اختصارُ الحديث: فجوَّزوه لِمَنْ كان عالمًا بتمامِ معناه؛ على أن يكونَ ما اختصَرَهُ منفصلاً عن القَدْرِ الذي ذكره منه، غيرَ مُتَعَلِّقٍ به؛ ولا يَخْتَلُّ معه البَيَان، ولا تَخْتلِفُ الدَّلاَلةُ فيما نقله بِتَرْكِ ما حَذَفَهُ؛ ¬
كالاستثناءِ، مِثْلُ قوله (ص) : «لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ، إلا سواءً بسواء» (¬1) ، فلا يجوزُ اختصارُ الاستثناءِ هنا، وهو قوله (ص) : «إلا سَوَاءً بسواء» . ومن أمثلة ما أخطَأَ الرواةُ فيه بسببِ روايتِهِ بالمعنى واختصارِهِ: ما أخرجه أبو داود (¬2) ، من طريق مَرْوان بْنُ مُعَاوِيَةَ الفَزَاري، عَنْ أبي حَيَّان يحيى بن سعيد التَّيْمي، عَنْ أَبِي زُرْعة بنِ عَمْرِو بْنِ جَرِير، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ح: أنَّ رسولَ الله (ص) كان يُسَمِّي الأُنْثَى من الخيل: فَرَسًا. وليس هناك روايةٌ بهذه الصفةِ التي رواها مَرْوان الفَزَاري، ولكنه شيءٌ فَهِمَهُ من الحديث الذي أخرجه البخاريُّ (¬3) مِنْ طريق يحيى بن سَعِيد القَطَّان، ومسلم (¬4) مِنْ طريق إسماعيلَ ابنِ إبراهيمَ ابنِ عُلَيَّة، وعبدِالرحيمِ بنِ سُلَيْمان، وجريرِ بنِ عبد الحَمِيد، وأيوبَ السَّخْتِياني، جميعهم عَنْ أَبِي حَيَّان التَّيْمي، عَنْ أَبِي زُرْعة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ح، عن النَّبيِّ (ص) بالحديثِ الطويل في عُقُوبة الغلول (¬5) ، وفيه يقولُ (ص) : «لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ له حَمْحَمَةٌ» ، ¬
ورواه أبو عَوَانة من طريق أبي أُسَامة حمَّاد بن أُسَامة، عن أبي حَيَّان، به بلفظ: «على رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لها حَمْحَمَةٌ» ، فالظاهرُ أنَّ ضميرَ التأنيثِ في بعض ألفاظ الحديثِ جعَلَ مَرْوانَ بنَ معاوية يعبِّر بما فهمه من الرواية، وقد ذكَرَ هذا الإعلالَ عبدُالرحمنِ بنُ أبي حاتم الرازي (¬1) ، عن أبيه أنه قال: «هَذَا حديثٌ مشهورٌ، رَوَاهُ جماعةٌ عَنْ أَبِي حَيَّان، عَنْ أَبِي زُرْعة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ (ص) : أَنَّهُ ذكَرَ الغُلُولَ فَقَالَ: «لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى عُنُقِهِ فَرَسٌ» ، فاختصَرَ مَرْوانُ هَذَا الحديثَ لَمَّا قَالَ: «يَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ» ، أَيْ: جَعَلَ الفرَسَ أُنْثَى حِينَ قَالَ: يَحْمِلها، وَلَمْ يقلْ: يَحْمِلُهُ» (¬2) . 14) جَمْعُ حَدِيثِ الشُّيوخِ بِسِيَاقٍ وَاحِدٍ: الأصلُ في روايةِ الحديث: أنْ يُؤَدِّيَ الراوي الحديثَ كما سَمِعَهُ مِنْ غيرِ زيادةٍ أو نقصٍ أو تغيير، وأنْ يَفْصِلَ سياقَ كلِّ راوٍ عن الآخر، لكنْ لصعوبةِ رواية الحديث بلفظه جوَّزَ العلماءُ الروايةَ بالمعنى كما تقدم، وأمَّا فصلُ سياقِ كلِّ راوٍ عن سياق الآخر فليس متعذِّرًا، غير أنه وُجِدَ من الرواة مَنْ يَقْرِنُ الرواياتِ، ويجمعُ حديثَ الشيوخِ أحيانًا طلبًا للاختصار، دون بيانٍ لِلَفْظِ كُلٍّ منهم، وقد يكونُ في حديثِ بعضهم عِلَّةٌ تَمْنَعُ مِنْ قبوله. ¬
قال ابن الصلاح (¬1) : «إذا كان الحديثُ عند الراوي عن اثنَيْنِ أو أكثَرَ، وبَيْنَ روايتهما تفاوتٌ في اللفظ، والمعنَى واحدٌ؛ كان له أن يَجْمَعَ بينهما في الإسناد، ثم يَسُوقَ الحديثَ على لفظ أحدهما خاصَّةً، ويقول: أخبرنا فلانٌ وفلانٌ، واللفظُ لفلان، أو هذا لفظُ فلان؛ قال - أو قالا -: أنا فلان، أو ما أشبه ذلك من العبارات ... » ، ثم أثنى على طريقةِ مُسْلِمٍ في تمييز الروايات بعضها عن بعض، وذكَرَ طريقةَ بعض المحدِّثين كأبي داود وغيره في قولهم: «حدَّثنا فلانٌ وفلان، المعنى؛ قالا: حدَّثنا فلان» ، وربَّما قالوا: «والمعنى واحد» ، فإنْ كان اللفظُ للأوَّلِ وقصَدَ أنَّ رواية الثاني بمعناه فهذا جائزٌ كما بيَّنه أوّلاً، وإنْ قصَدَ أنه رواه بالمعنَى عن كليهما: فهذا غيرُ ممتنعٍ على مذهب مَنْ يرى جوازَ الرواية بالمعنى. ثم قال ابن الصلاح: «وأما إذا جمَعَ بين جماعةِ رواةٍ قد اتفقوا في المعنى، وليس ما أوردَهُ لفظَ كُلِّ واحدٍ منهم، وسكَتَ عن البيان لذلك، فهذا ممَّا عِيبَ به البخاريُّ - أو غيره - ولا بأس به على مقتضى مذهب تجويز الرواية بالمعنى» . وبيَّن الحافظُ ابن حجر أنَّ الإسماعيليَّ ممَّن عاب على البخاريِّ هذا الصنيعَ، فقال (¬2) : «قوله: «وقال الليثُ: حدَّثني يونس» : وصله الذُّهْلي في "الزُّهْرِيَّات"، وساقه المصنِّف هنا على لفظ يونس، ¬
وأورده مقرونًا بطريقِ مالك، وفيه مخالفةٌ شديدةٌ له، وسأبيِّنُ ذلك عند شرحه، وقد عابه الإسماعيليُّ وقال: قَرَنَ بين روايتَيْ مالك ويونس مع شِدَّةِ اختلافهما، ولم يبيِّن ذلك» . وما ذكره ابنُ الصلاح من الاعتذارِ للبخاريِّ هو الصحيحُ، فهو ممَّن يجوِّزُ الروايةَ بالمعنى، ولا يُشَكُّ في معرفتِهِ بما يحيل المعاني، بل هو يَعِيبُ بعضَ الرواة الذين يَجْمَعون الرواياتِ وليستْ عندهم الأهليَّةُ لذلك، ويتجنَّبُ إخراجَ حديثهم. يقولُ الحافظُ الخليلي (¬1) : «ذاكَرْتُ يومًا بعضَ الحفاظ، فقلت: البخاريُّ لم يخرِّجْ حمادَ بنَ سَلَمة في الصحيحِ وهو زاهدٌ ثقة! فقال: لأنه جمَعَ بين جماعةٍ مِنْ أَصْحَاب أنس، فيقول: حدَّثنا قتادة، وثابتٌ، وعبد العزيز بن صُهَيْب، وربَّما يخالَفُ في بعض ذلك، فقلت: أليس ابنُ وَهْب اتفقوا عليه وهو يَجْمَعُ بين أسانيد فيقول: حدَّثنا مالكٌ، وعمرو بنُ الحارث، والليثُ بنُ سَعْد، والأوزاعيُّ؛ بأحاديث، ويجمع بين جماعةٍ غيرهم؟ فقال: ابنُ وهب أتقَنُ لِمَا يَرْوِيه وأحفظُ له» . وذكر ابن رجب (¬2) كلامَ الخَلِيليِّ السابقَ، ثم علَّق عليه بقوله: «ومعنى هذا: أنَّ الرجُلَ إذا جمَعَ بين حديثِ جماعة، وساق الحديثَ ¬
سياقةً واحدة، فالظاهرُ أنَّ لفظهم لم يتفق، فلا يُقْبَلُ هذا الجمعُ إلا مِنْ حافظٍ مُتْقِنٍ لحديثه، يعرف اتفاقَ شيوخه واختلافهم، كما كان الزُّهْري يجمعُ بين شيوخٍ له في حديثِ الإِفْكِ وغيره. وكان الجمعُ بين الشيوخ يُنْكَرُ على الواقديِّ وغيره ممَّن لا يضبطُ هذا؛ كما أُنْكِرَ على ابن إسحاق وغيره. وقد أَنْكَرَ شعبةُ أيضًا على عَوْفٍ الأعرابي؛ قال ابن المَدِيني (¬1) : سمعتُ يحيى (¬2) قال: قال لي شُعْبة في أحاديثِ عَوْف، عن خِلاَسٍ، عن أبي هريرة، ومحمَّد (¬3) ، عن أبي هريرة إذا جمعهم، قال لي شُعْبة: ترى لَفْظَهُمْ واحدًا؟! قال ابن أبي حاتم (¬4) : أي كالْمُنْكِرِ على عَوْف. وكذلك أنكر يحيى بنُ مَعِين (¬5) على عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر العُمَري أنه كان يحدِّث عن أبيه وعمِّه، ويقول: مِثْلاً بِمِثْلٍ، سواءً بسواءٍ، واستَدَلَّ بذلك على ضَعْفه، وعَدَمِ ضبطه» . انتهى كلام ابن رجب. ¬
وكان ابن رجب قد ذكَرَ (¬1) من ضُعِّف حديثُهُ إذا جمَعَ الشيوخَ، دون ما إذا أفردهم، وذكَرَ فيه أنَّ شُعْبة قال لابن عُلَيّة: «إذا حدَّثَكَ عطاءُ بنُ السائب عن رجلٍ واحد، فهو ثقةٌ، وإذا جمَعَ فقال: زاذان، وميسرة، وأبو البَخْتَرِيِّ، فاتَّقِهِ؛ كان الشيخُ قد تغيَّر» (¬2) . وذكر ابنُ رَجَبٍ أيضًا (¬3) أنَّ عَطَاءَ بنَ السائب كان يَجْمَعُ بين المشايخ؛ لاختلاطِهِ، وهو لا يَشْعُرُ، وأنه كان يأتي بذلك على وجه التوهُّم. وذكَرَ (¬4) بعضَ من ضُعِّف حديثُهُ لهذا السبب، وذكَرَ منهم محمَّدَ بنَ إسحاقَ بنِ يَسَار، وحمادَ بنَ سَلَمة، فقال: «وكذلك ذكَرَ بعضُهُمْ في ابن إسحاق؛ قال أحمد - في رواية المَرُّوذي -: ابنُ إسحاق حَسَنُ الحديث، لكنْ إذا جمَعَ بين رجلَيْن! قلتُ: كيف؟ قال: يحدِّث عن الزُّهْري وآخَرَ، يَحْمِلُ حديثَ هذا على هذا. وكذلك قيل في حَمَّاد بن سلمة؛ قال أحمد - في رواية الأثرم - في حديثِ حَمَّاد بْن سَلَمة، عَنْ أيوبَ وقتادةَ، عن أبي أسماء، عن أبي ثَعْلَبة الخُشَنِيِّ، عن النَّبِيِّ (ص) في آنِيَةِ المُشْرِكين؛ قال أحمد: هذا مِنْ قِبَلِ حماد، كان لا يقومُ على مِثْلِ هذا؛ يجمعُ الرجالَ، ثم يجعله ¬
إسنادًا واحدًا، وهُمْ يختلفون» . ولعلَّ مِنْ أكثرِ ما يُشْكِلُ هنا: ما يقَعُ من الثقاتِ الذين لا يُشَكُّ فيهم مِنْ حملِ الأسانيدِ المعلولةِ على الأسانيدِ الصحيحة. قال ابن رجب (¬1) : «وقد ذكَرَ يعقوبُ بن شَيْبة أنَّ ابن عُيَيْنة كان ربَّما يحدِّث بحديثٍ واحدٍ عن اثنين، ويسوقُهُ سياقةَ واحدٍ منهما، فإذا أُفْرِدَ الحديثُ عن الآخر أرسَلَهُ، أو أوقَفُه» . وقد حمَلَ عبدُاللهِ بنُ وَهْب روايةَ الإمامِ مالك على رواية الليْثِ بنِ سَعْد ويونسَ بنِ يَزِيد في حديثٍ رَوَوْهُ عَنِ ابْن شِهَابٍ الزُّهْري، عَنْ عُرْوة بن الزُّبَيْر وعَمْرةَ بنتِ عبد الرحمن، كلاهما عن عائشة، في حين أن المعروفَ عن مالكٍ أنه يحدِّث به عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوة، عن عَمْرة، عن عائشة (¬2) ! ووقع من ابن وَهْب أيضًا مِثْلُهُ في حديثِ مخاصمة الأنصاريِّ للزُّبَيْر بن العَوَّام في شِرَاجِ الحَرَّة، انظره في "علل الترمذي" (¬3) ، و"علل ابن أبي حاتم" (¬4) . والأمثلة على هذا كثيرة (¬5) . ¬
15) مَنْ حَدَّثَ عَنْ ضَعِيفٍ، فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِثِقَةٍ: وهذا في الغالبِ يحصُلُ بسببِ اتفاقِ راويَيْنِ في الاسم واسم الأب، أو كونِ اسمَيْهِمَا على وزنٍ صَرْفِيٍّ واحدٍ، مع اتفاقِ اسمَيْ أبويهما، كما في عبد الرحمن بن يَزِيد ابن تَمِيم، وعبد الرحمن بن يَزِيد بن جابر، فالأولُ ضعيفٌ، والثاني ثقة، وكذا واصلُ بنُ حَيَّان، وصالح بن حَيَّان، فالأوَّل ثقة، والثاني ضعيف. أما عبد الرحمن بن يزيد: فقد اشتَبَهَ الضعيفُ على حسين الْجُعْفي وأبي أسامة حَمَّاد بن أُسَامة بالثقة، فحدَّثا بأحاديثَ يقولان فيها: حدَّثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جَابر، وهما لم يَسْمَعَا منه، وإنما سمعا من ابن تَمِيمٍ الضعيفِ، فظنَّاه ابنَ جابر الثقة. قال عبدُالرحمن بن أبي حاتم (¬1) : «وسمعتُ أبي يقول: عبد الرحمن بنُ يَزِيدَ بنِ جَابِر لا أعلَمُ أحَدًا مِنْ أهلِ العراقِ يُحَدِّثُ عَنْهُ، والذي عِنْدِي: أنَّ الذي يروي عَنْهُ أَبُو أُسَامَةَ وحُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ ¬
واحدٌ، وهو عبدُالرحمنِ بنُ يَزِيدَ بنِ تَمِيم؛ لأنَّ أبا أسامة روى عن عبد الرحمن بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ خمسةَ أحاديثَ - أو ستةَ أحاديث - منكرة، لا يَحْتمِلُ أن يُحَدِّثَ عبدُالرحمنِ بنُ يزيدَ بنِ جابرٍ مِثْلَهُ (¬1) ، ولا أعلَمُ أحدًا مِنْ أهلِ الشامِ روى عَنِ ابْنِ جَابِر مِنْ هذه الأحاديث شَيْءً (¬2) . وأمَّا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ: فَإِنَّهُ رَوَى عن عبد الرحمن بْنِ يزيدَ بنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الأَشْعَث، عَنْ أَوْس بْنِ أَوْس، عن النَّبيِّ (ص) فِي يومِ الجُمُعة أَنَّهُ قَالَ: «أَفْضَلُ الأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعةِ، فِيهِ الصَّعْقَةُ، وفِيهِ النَّفْخَةُ» ، وَفِيهِ كَذَا، وَهُوَ حديثٌ مُنْكَرٌ، لا أعلَمُ أحَدًا رَوَاهُ غَيْرَ حُسَيْن الْجُعْفِيِّ. وأمَّا عبدُالرحمنِ بنُ يزيدَ بنِ تَمِيم: فَهُوَ ضعيفُ الحديث، وعبدُالرحمنِ بنُ يزيدَ بنِ جابرٍ ثقةٌ» . اهـ. قال الحافظ ابن حجر (¬3) : «فإنْ أُبْدِلَ راوٍ ضعيفٌ براوٍ ثقة، وتبيَّن الوهَمُ فيه؛ استلزَمَ القدحَ في المتن أيضًا - إنْ لم يكنْ له طريقٌ أخرى صحيحة - ومِنْ أغمضِ ذلك: أن يكونَ الضعيفُ موافقًا للثقة في نعته. ومثالُ ذلك: ما وقَعَ لأبي أسامة حمَّاد بن أُسَامة الكُوفي أحدِ ¬
الثقات، عن عبد الرحمن ابن يزيدَ بنِ جابر، وهو مِنْ ثقات الشاميِّين قَدِمَ الكوفةَ، فكتَبَ عنه أهلها، ولم يَسْمَعْ منه أبو أسامة، ثم قَدِمَ بعد ذلك الكوفةَ عبدُالرحمنِ بنُ يزيدَ بن تَمِيم - وهو من ضعفاء الشاميِّين - فَسَمِعَ منه أبو أسامة، وسأله عن اسمه، فقال: عبد الرحمن بن يزيد، فظنَّ أبو أسامة أنه ابنُ جابر، فصار يحدِّث عنه وينسُبُهُ مِنْ قِبَلِ نفسه فيقول: حدَّثنا عبدُالرحمنِ بنُ يزيدَ بنِ جابر، فوقَعَتِ المناكيرُ في رواية أبي أسامة عن ابن جابر، وهما ثقتان، فلم يَفْطَنْ لذلك إلا أهلُ النَّقْد، فميَّزوا ذلك ونصُّوا عليه؛ كالبخاريِّ وأبي حاتمٍ وغيرِ واحد» . وأما واصلُ بنُ حيَّان وصالحُ بنُ حَيَّان: فقد قال عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬1) : «وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ؛ قَالَ: حدَّثنا واصلُ بْنُ حَيَّان، عَنِ ابْنِ بُرَيْدة (¬2) ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبيّ (ص) ؛ فِي الكَمْأَةِ والحَبَّةِ السوداءِ، وقولِ النَّبيِّ (ص) : «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ» ؟ فَقَالَ: أخطَأَ زُهَيْرٌ مَعَ إِتْقَانِهِ، هَذَا هُوَ صالحُ بنُ حَيَّان، وَلَيْسَ هُوَ وَاصِلٌ (¬3) ، وصالحُ بنُ حَيَّانَ لَيْسَ بالقويِّ، هُوَ شَيْخٌ، وَلَمْ يدركْ زهيرٌ واصلاً» . وفي "المراسيل" (¬4) ذكَرَ عنه ابنه أنه قال: «زُهَيْرُ بن معاوية لم يدركْ واصلَ بنَ حَيَّان، وإنما هو: عن صالحِ بنِ حَيَّان» . ¬
وذكر الحافظُ العَلاَئي (¬1) كلامَ أبي حاتم هذا، ثم قَالَ: «ليس هَذَا من المُرْسَلِ، بل هو من المعلَّل بالغَلَطِ من اسمِ رجلٍ إلى آخَرَ» . وقال الإمام أحمد (¬2) : «انقلَبَ على زُهَيْرِ ابنِ معاوية اسمُ صالح بن حَيَّان، فقال: واصل بن حَيَّان» . وقال يحيى بن مَعِين (¬3) : «سمع زُهَيْرٌ من صالح بن حَيَّان، وقلَبَ صالحَ بنَ حَيَّان، فجعلها كلَّها عن واصلِ بنِ حَيَّان» . وفي رواية (¬4) قال: «زهير بن معاوية الجُعْفي يُخْطِئ عن صالح بن حيان، يقول: واصلُ بنُ حَيَّان، ولم يَرَ واصلَ بنَ حَيَّان» . وكذا أبو بَلْجٍ يحيى بن سُلَيْمٍ الواسطيُّ كان يُخْطِئُ في اسم عمرو بن ميمون، وإنما هو ميمونٌ أبو عبد الله مولى عبد الرحمن بن سَمُرَةَ. ومثلُهُ جَرِيرُ بن عبد الحميد اشتبَهَ عليه عاصمٌ الأحوَلُ بأشعَثَ بنِ سَوَّار، حتى ميَّز له بَهْزُ بنُ أسد أحاديثَ كُلٍّ منهما (¬5) . وَبَعْدُ: فهذا ما تيسَّر جمعُهُ مِنْ هذه الأسبابِ، وثَمَّةَ أسبابٌ أخرى تتعلَّقُ بالثقاتِ الذين ضُعِّفوا في بعضِ أحوالهم، والعلَّةُ مُتَعَلِّقةٌ بسبب الضَّعْفِ؛ فخرجَتْ - فيما نرى - عن كونها خَفِيَّةً، فلم نفصِّلِ الكلامَ ¬
فيها. وهذه الأسبابُ هي: خِفَّةُ الضَّبْطِ وكثرةُ الوَهَمِ مع بقاء العدالة. قومٌ ثقاتٌ في أنفسهم، لكن حديثهم عن بعضِ الشيوخِ فيه ضَعْفٌ؛ لِعَدَمِ ضبطهم له. الاختلاط. سُوءُ الحِفْظِ آخِرَ العمر. العَمَى مع عَدَمِ الحفظ. احتراقُ الكُتُبِ أو ضياعُهَا. مَنْ كان لا يَحْفَظُ حديثَهُ، فيُحَدِّثُ من غيرِ كتابِهِ أحيانًا، فَيَهِمُ. عدمُ اصطحابِ الكتابِ أثناءَ الرِّحْلة، فيُحَدِّثُ من حفظه، فَيَهِمُ. السماعُ مِنَ الشيخِ في مكانٍ دون ضَبْط، والسماعُ منه في مكانٍ آخَرَ مع الضبط. مَنْ حَدَّثَ عن أهلِ مِصْرٍ أو إقليمٍ فحفظَ حديثَهُمْ، وحدَّثَ عن غيرهم فلم يَحْفَظْ. مَنْ حَدَّثَ عنه أهلُ مِصْرٍ أو إقليمٍ فحفظوا حديثَهُ، وحدَّث عنه غيرُهُمْ فلم يُقِيمُوا حديثه.
من انشغَلَ عن العلمِ بأمرٍ آخَرَ كالقضاء. قِصَرُ صُحْبةِ الشيخ.
التَّعْرِيفُ بِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ (¬1) اسمُهُ ونسبُهُ وموطنُهُ: هو الإمامُ ابنُ الإمامِ، حافظُ الرَّيِّ وابنُ حافظها: عبدُالرحمنِ بنُ أبي حاتمٍ محمَّدِ بنِ إدريسَ بنِ المُنْذِرِ بنِ داودَ بنِ مِهْرَانَ، أبو محمَّدٍ التَّمِيمِيُّ الحَنْظَلِيُّ، وقيل: بل الحنظليُّ فقطْ؛ وهي نسبةٌٌ إلى دَرْبِ حنظلة بالرَّيِّ، كان يَسْكُنُهُ والدُهُ (¬2) . ذكر أبو الفضلِ بنُ طاهر (¬3) نسبةَ «الحَنْظَلي» فقال: «الحنظليُّ، والحنظليُّ: الأوَّلُ منسوبٌ إلى القبيلةِ، وفيهم كثرة. الثاني منسوبٌ إلى دَرْبِ حَنْظَلَةَ بالري، منهم أبو حاتمٍ محمَّدُ بنُ إدريسَ بنِ المنذر الحنظليُّ، وابنه عبد الرحمن بن أبي حاتم، ودارُهُ ومسجدُهُ في هذا ¬
الدَّرْبِ رأيتُهُ ودخلتُهُ. وسمعتُ أبا عليٍّ الشافعيَّ يقول: أخبرنا أبو بكرٍ أحمدُ بنُ محمَّدِ بنِ أحمدَ البَزَّازُ في المسجدِ الحرامِ، حدَّثنا أبو الحسينِ عليُّ بنُ إبراهيمَ الرازيُّ، سمعتُ أبا محمَّد عبد الرحمن ابن أبي حاتم قال: قال أبي: نحنُ مِنْ موالي تميمِ بنِ حَنْظَلَةَ مِنْ غَطَفان. والاعتمادُ على هذا أولى، والله أعلم» . قال ياقوتُ الحَمَوِيُّ (¬1) متعقِّبًا هذا القولَ بعد أنْ حكاه: «وهذا وَهَمٌ، ولعلَّه أراد: حنظلة بن تَمِيم، وأمَّا غَطَفان فإنه لا شَكَّ في أنه غلَطٌ؛ لأنَّ حنظلة هو: حنظلةُ بنُ مالكِ بنِ زيدِ مَنَاةَ بنِ تَمِيم، وليس في ولده مَنِ اسمُهُ تَمِيمٌ، ولا في وَلَدِ غَطَفانَ بنِ سعدِ بنِ قيسِ بنِ عَيْلانَ مَنِ اسمُهُ تميمُ بنُ حنظلةَ البَتَّةَ، على ما أجمَعَ عليه النسَّابون؛ إلا حنظلةَ بنَ رَوَاحةَ بنِ ربيعةَ بنِ مازنِ بنِ الحارثِ بنِ قَطِيعةَ بنِ عَنْسِ ابن بَغِيض بن رَيْث بن غَطَفان، وليس له ولَدٌ غيرُ غَطَفان، وليس في ولدِ غَطَفان مَنِ اسمُهُ تميمٌ، والله أعلم» . مولده: قال الخليلُ الحافظُ (¬2) : «سمعتُ القاسمَ بن عَلْقمةَ يقولُ: سَمِعْتُ ابنَ أبي حاتم يقول: وُلِدتُّ سَنَةَ أربعين ومئتين» . ¬
نشأتُهُ وطلبُهُ للعِلْمِ وصبرُهُ فيه: كان مِنْ عادةِ سَلَفِ الأمة تربيةُ أبنائهم على تقديمِ القرآنِ والعنايةِ به قَبْلَ العلومِ الأخرى، وهذا ما فعلَهُ أبو حاتمٍ الرازيُّ بابنه عبد الرحمن؛ كما أخبَرَ هو عن نفسِهِ: قال أبو الحسنِ عليُّ بنُ إبراهيم الرازيُّ الخطيبُ - في ترجمةٍ عَمِلَها لابن أبي حاتم (¬1) -: سمعتُ عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: «لَمْ يَدَعْنِي أبي أَشْتغِلُ بالحديثِ، حتى قرأْتُ القرآنَ على الفَضْلِ بنِ شاذانَ الرازيِّ، ثم كَتَبْتُ الحديثَ» . اهـ. ثم بعد أن فرَغَ عبدُالرحمنِ مِنْ قراءةِ القرآنِ على ابن شاذان، بدأ في طلبِ الحديث، بمعونةِ أبيه وأبي زُرْعة، وكان مِنْ نِعَمِ اللهِ عليه أنْ رزقَهُ بهذَيْنِ الإمامَيْنِ اللَّذيْنِ عُنِيَا به، وسلَكَا به طريقَ الطلب على بصيرةٍ. قال الرافعيُّ القَزْوِينيُّ (¬2) : وَصَفَ الحافظُ إسماعيلُ بنُ محمد الأصبهانيُّ الإمامَ أبا محمَّد، فقال: «تربَّى بالمذاكراتِ مع أبيه وأبي زُرْعة؛ كانا يَزُقَّانِهِ كما يُزَقُّ الفَرْخُ الصغيرُ (¬3) ، ويُعْنَيَانِ به، ورحَلَ مع أبيه، فأدرَكَ ثقاتِ الشيوخِ بالحجاز والعراق والثغور، وعرَفَ الصحيحَ ¬
من السقيم، ثم كانتِ الرحلةُ الثانيةُ بنفسِهِ بعد تمكُّنِ معرفتِهِ» . وروى الحافظُ ابنُ عساكر (¬1) نحوَ هذه العبارة مِنْ طريقِ أبي الحَسَن عليِّ بن إبراهيم الرازيِّ الخطيبِ؛ قال: سمعتُ أبا بكرٍ محمَّدَ ابنَ عبد اللهِ البغداديَّ بمكة يقول: «كان مِنْ مِنَّةِ الله على عبد الرحمن أنه وُلِدَ بين قَمَاطِرِ (¬2) العلمِ والرواياتِ، وتَرَبَّى بالمذاكراتِ مع أبيه وأبي زُرْعة، فكانا يَزُقَّانِهِ كما يُزَقُّ الفَرْخُ الصغير، ويُعْنَيَانِ به، فاجتمَعَ له مع جوهر نفسه: كثرةُ عنايتهما، ثم تَمَّتِ النعمةُ بِرِحْلته مع أبيه، فأدرَكَ الإسنادَ وثقاتِ الشيوخِ بالحجاز والعراق والشام والثغور، وسُمِعَ بانتخابِهِ حين عرَفَ الصحيح من السقيم، فترعْرَعَ في ذلك، ثم كانت رحلتُهُ الثانيةُ بنفسه بعد تمكُّنِ معرفته، يُعْرَفُ له ذلك، وتقدَّمَ بحُسْنِ فهمِهِ وديانتِهِ وقديمِ سلفه» . وكان أبوه حريصًا على تربيتِهِ وتوجيهِهِ واصطحابِهِ معه في الرحلةِ في طلبِ الحديث، وكان عبد الرحمن خيرَ مثالٍ لطاعةِ الوالدِ والأَخْذِ بتوجيهه. قال أحمدُ بنُ يعقوبَ الرازيُّ (¬3) : سمعتُ عبد الرحمن بن أبي حاتمٍ الرازيَّ يقول: «كنتُ مع أبي في الشامِ في الرِّحْلة، فدخلْنَا مدينةً، فرأيتُ رجلاً واقفًا على الطريقِ يَلْعَبُ بِحَيَّةٍ ويقول: مَنْ يَهَبُ ¬
لي دِرْهَمًا حتى أَبْلَعَ هذه الحيةَ؟ فالتفَتَ إليَّ أبي، وقال: يا بُنَيَّ، احفظْ دراهمَكَ؛ فمِنْ أجلها تُبْلَعُ الحَيَّاتُ!» . وسيأتي كيف أنه أجهَدَ نفسَهُ في السماعِ في إحدى رحلاتِهِ لِيَلْحَقَ وَعْدَ أبيه لا يُخْلِفه؛ لأنَّ أباه أَذِنَ له في الرِّحْلة بنفسه إلى وقت حدَّده. وكان عبد الرحمن يرافقُ أباه في الرِّحْلة، ويكتُبُ الحديثَ عن الشيوخ؛ ولذا نجده كثيرًا ما يقولُ في بعضِ التراجم: «كتبتُ عنه مع أبي» (¬1) . حرصُهُ على الطَّلَبِ، وجِدُّهُ فيه: ظهرَتْ نَجَابةُ عبد الرحمن في إدراكِهِ شَرَفَ الوقت، وقيمةَ الزمن، فبلَغَ من الحِرْص على استغلالِ ساعات العمر - مِنْ أبيه وغيرِهِ من مشايخه - مبلغًا يُثِيرُ الدَّهْشة، وتَحَارُ له العقول، فلم يكنْ يضيِّع وقتَ الأكل، أو المشي، أو دخولِ البيت لحاجةٍ طارئة، حتى وَقْت قضاء الحاجة كان يُحْسِنُ استغلالَهُ، بل ساعاتُ المَرَض، ودُنُوِّ الوفاة، واشتدادِ الكَرْب! وفيما يلي ذِكْرٌ لبعض ما كان يجري له في ذلك: فقد روى ابن عساكر (¬2) من طريق أبي الحَسَنِ عليِّ بن إبراهيم الرازي؛ قال: سمعتُ أحمدَ بن علي الرَّقَّام يقول: سمعتُ الحسَنَ بنَ ¬
الحسين الدَّرَسْتِيني يقول: سمعتُ أبا حاتم يقول: قال لي أبو زُرْعة: ما رأيتُ أحرَصَ على طلبِ الحديثِ منك يا أبا حاتم! فقلتُ: إنَّ عبد الرحمن لحريصٌ، فقال: مَنْ أشبَهَ أباه فما ظَلَم! قال الرَّقَّام: سألتُ عبد الرحمن عن اتفاقِ كَثْرة السماعِ له، وسؤالاتِهِ من أبيه؟ فقال: ربَّما كان يأكُلُ وأقرَأُ عليه، ويمشي وأقرَأُ عليه، ويدخُلُ الخلاءَ وأقرَأُ عليه، ويدخُلُ البيتَ في طلب شيءٍ وأقرَأُ عليه. قال علي بن إبراهيم: وبَلَغني أنه كان يَسْأَلُ أباه أبا حاتم في مرضِهِ الذي تُوُفِّيَ فيه عن أشياءَ من عِلْمِ الحديث وغيره، إلى وقتِ ذَهَابِ لسانه، فكان يُشِيرُ إليه بِطَرْفِهِ: نعم، و: لا. وكان حِرْصُهُ على وقتِهِ يدفعُهُ أحيانًا إلى تركِ لذيذِ الطعام، والاكتفاءِ بما يُقِيمُ صلبه؛ كما أخبَرَ هو عن نفسه: قال أبو الحسن عليُّ بن إبراهيم الرازيُّ الخطيبُ في ترجمته لعبد الرحمن بن أبي حاتم (¬1) : وسمعتُ عليَّ بن أحمَدَ الخُوَارَزْمِيَّ يقول: سمعتُ عبد الرحمن يقول: «كنا بِمِصْرَ سبعةَ أشهُرٍ لم نأكُلْ فيها مَرَقَةً، نهارَنَا ندورُ على الشيوخِ، وبالليلِ نَنْسَخُ ونُقَابِلُ، فأتينا يومًا - أنا ورفيقٌ لي - شيخًا، فقالوا: هو عَلِيلٌ، فرأينا في طريقنا سَمَكًا ¬
أعجَبَنَا، فاشتريناه، فلمَّا صِرْنَا إلى البيتِ حضَرَ وقتُ مجلسِ بعضِ الشيوخ، ولم يُمْكِنَّا إصلاحُهُ، فمضينا إلى المَجْلِسِ فلم يَزَلِ السَّمَكُ ثلاثةَ أيامٍ وكاد أن يتغيَّر، فأكلناه نِيْئًا لم نتفرَّغْ نشويه» ، ثم قال: «لا يُستطاعُ العِلْمُ براحةِ الجَسَد!» . وكان يسمعُ من الشيوخِ ويكتُبُ عنهم في أماكنَ شتَّى، حتى في الطريق؛ فقد قال أبو نُعَيْم (¬1) : «حدَّثنا عبد الرحمن بن محمَّد بن حَمْدان؛ ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم؛ ثنا أبو بِشْرٍ أحمدُ بنُ حَمَّاد الدُّولاَبِيُّ في طريقِ مِصْر؛ ثنا أبو بكر بن إدريس وَرَّاقُ الحُمَيْدي ... » ، ثم ذكَرَ قولاً للإمامِ الشافعيِّ. ويقولُ عبد الرحمن في ترجمتِهِ لمحمَّد بن حَمَّاد الطِّهْراني (¬2) : «سمعتُ منه مع أبي بالرَّيِّ، وببغدادَ، وإِسْكَنْدرية، وهو صدوقٌ ثقةٌ» . وبلَغَ مِنْ حِرْصِ عبد الرحمن أيضًا أنه كان إذا سَمِعَ بالشيخِ كتَبَ حديثَهُ قبل أن يأتيه، ثم يَسْمَعُهُ منه، وقد لا يتمكَّنُ من السماعِ منه؛ كما نصَّ على ذلك مرارًا؛ ومِنْ ذلك قوله في ترجمة محمد بن خُشَيْش الجُعْفي (¬3) : «كَتَبْنا فوائدَه في سنة ست وخمسين ومئتين لنسمعَ مِنْهُ، فَلَمْ يُقْضَ لنا السماعُ منه، وهو صدوق» . ¬
وكان أهلُ العِلْمِ يَعْرِفون لعبد الرحمن حِرْصَهُ وفَضْله ومكانته، فكانوا يُكاتبونه بمرويَّاتهم وأخبارهم؛ فهذا الحافظُ الثقةُ أبو الحسين أحمدُ بن سليمان الرُّهَاويُّ قد أجاز لعبد الرحمن بن أبي حاتم أحاديثَ كَتَبَ بها إليه (¬1) ، ومِثْلُ هذا كثيرٌ في تراجمِ شيوخِهِ. رِحْلاَتُهُ: من الواضحِ أنَّ عبد الرحمنِ قد تأثَّر بأبيه وبالجَوِّ السائدِ في عصرهم؛ من الاهتمامِ بأمرِ الرِّحْلة في الحديث؛ لطلبِ عُلُوِّ الإسناد، وليجمَعَ الْمُحَدِّثُ ما ليس عنده مِنَ الحديث. وكانوا يَعُدُّون الرِّحْلةَ في هذا السبيلِ دِينًا يتديَّنون به، ويَذُمُّونَ مَنْ لا يَعْبَأُ به. قال عبد الله ابنُ الإمامِ أحمد بن حنبل: سمعتُ أبي يقول: «طلَبُ عُلُوِّ الإسنادِ من الدين» (¬2) . وقال أيضًا: سألتُ أبي _ح عمَّن طلَبَ العِلْمَ: تَرَى له أنْ يَلْزَمَ رجلاً عنده عِلْمٌ فيكتبَ عنه؟ أو ترى أنْ يَرْحَلَ إلى المواضعِ التي فيها العلم فيَسْمَعَ منهم؟ قال: «يَرْحَلُ؛ يكتبُ عن الكوفيين، والبصريين، وأهل المدينة، ومكة والشام؛ يُشَامُّ الناسَ (¬3) ، يَسْمَعُ منهم» (¬4) . ¬
وقال جعفر الطَّيَالسي: سمعتُ يَحْيَى بنَ مَعِين يَقُولُ: «أربعةٌ لا تُؤْنِسُ منهم رُشْدًا: حارسُ الدَّرْبِ، ومنادي القاضي، وابنُ المحدِّثِ، ورجلٌ يَكْتُبُ في بلده ولا يَرْحَلُ في طلب الحديث» (¬1) . وقد اختصَرَ الذهبيُّ _ح حالَ عبد الرحمن في الرِّحْلةِ بقوله (¬2) : «هو الإمامُ ابنُ الإمام، حافظُ الرَّيِّ وابنُ حافظها، رحَلَ مع أبيه صغيرًا، وبنفسه كبيرًا، وسمع أباه وابن وَارَةَ وأبا زُرْعة ... وخَلْقًا كثيرًا بالحجاز والشام ومِصْرَ والعراقِ والجبال (¬3) والجزيرة» . ويحكي لنا عبد الرحمن أنه كان يرافقُ أباه في الرحلةِ، فيقول: «أخرجني أبي- يعني: رحَلَ بي - سنةَ خمسٍ وخمسين ومئتين، وما احتلَمْتُ بعدُ» (¬4) . وتقدَّم نَقْلُ قولِ الحافظِ إسماعيلَ بنِ محمَّد الأصبهانيِّ وقولِ أبي بَكْر محمدِ بن عبد الله البغداديِّ: « ... ثم تمَّتِ النعمةُ بِرِحْلته مع أبيه، فأدرَكَ الإسنادَ وثقاتِ الشيوخ بالحجاز والعراق والشام والثغور ... ثم كانتْ رحلتُهُ الثانيةُ بِنَفْسه بعد تمكُّنِ معرفته» . ¬
وأرشدَنَا تاريخُ سماعه مِنْ شيوخه إلى أنَّ أوَّلَ رحلةٍ له كانتْ سنة أربعٍ وخمسين ومئتين؛ ففي "الجرح والتعديل" (¬1) ترجَمَ ابنُ أبي حاتم لأحد شيوخه، فقال: «محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن أبي الثَّلْج البغداديُّ ... كتبتُ عنه مع أبي - وهو صدوقٌ - في سنة أربع وخمسين ومئتين» . والأصلُ في مِثْلِ هذه الحال: أن يكونَ السماعُ في بلد الشيخ؛ فيكونُ عبد الرحمن ارتحَلَ مع أبيه إلى بغداد، إلا أنْ يكونَ ابنُ أبي الثَّلْجِ هو الذي ارتحَلَ إلى الرَّيِّ حيث يُقِيمُ أبو حاتم، وهذا يحتاجُ إلى دليلٍ. وقد أدرَكَ عبد الرحمن أهميةَ الرِّحْلة؛ فرَغِبَ في الرحلة بنفسه، وجرى له في ذلك ما حدَّثنا هو عن نفسه؛ قال تلميذُه عليُّ بن إبراهيم الرازيُّ الخطيب (¬2) : وسمعتُ عبد الرحمن يومًا يقول: «لا يُستطاعُ العِلْمُ براحة الجسم!» . وتقدَّمَتْ قصةُ انشغالِهِ هو ورفيقُهُ الخراسانيُّ عن الطعام مدةً؛ بسببِ حضورهم مجالسَ سماعِ العِلْم؛ قال عليُّ بن إبراهيم بعد ذِكْرِ القصة: «وكان هذا في الرحلة الثانية (¬3) ؛ وذلك أنه استأذن أباه وتشفَّعَ ¬
إليه بأبي زُرْعة أن يأذنَ له في الرِّحْلة، فلم يَأْذَنْ له حتى أَلَحَّ عليه، ولم يكنْ لأبي حاتم في هذا الوقتِ وَلَدٌ إلا عبد الرحمن، وكان له أولادٌ قبله، فماتوا، فلم تَطِبْ نفسُهُ أن يَأْذَنَ له، ثم أَذِنَ له، وشرَطَ عليه إلى وقتِ كذا، وينصرِفُ إليه في وقتِ كذا. فرحَلَ ودخَلَ مصر ومشايخُ مِصْرَ متوافرون. قال: وعندي أنه كان في اثنتين وستين مثلُ يونسَ بنِ عبد الأعلى، وبَحْرِ بن نَصْر، وابنِ عبد الحكم، والمُزَنِيِّ، والربيعِ، وغيرِهم، ومشايخُ إسكندرية: محمد بن عبد الله ابن ميمون وغيرهم، فأجهَدَ نفسَهُ في السماعِ ليلحقَ وَعْدَ أبيه لا يخلفُهُ، فرُزِقَ السماعَ الكثيرَ، مِثْلُ كُتُبِ ابن وَهْب بأسرها، وكُتُبِ الشافعيِّ _ح، وحديثِ سائر الشيوخ وفوائدهم، ثم خَرَجَ من مصر» . وقال علي بن إبراهيم أيضًا: سمعتُ أبا بكر المُفِيدَ البغداديَّ يقول: «لقد اتفَقَ لعبد الرحمن في رِحْلته من السماع في مدةٍ يسيرةٍ ما يَعْجِزُ عن جمعِه غيرُهُ أن يَكْتُبَ في سنين، ودخَلَ بيروتَ والسواحلَ ودمشقَ والثغورَ» (¬1) . عَدَدُ حَجَّاته ورِحْلاتِهِ: كانتْ له حَجَّتان: الأولى: مع أبيه سنةَ خَمْسٍ وخمسين ومئتين، وهي التي وصَفَ عبد الرحمن ما جرَى له فيها بقوله: «أخرجني أبي - يعني: رحَلَ بي - ¬
سنةَ خمسٍ وخمسين ومئتين، وما احتلَمْتُ بعدُ، فلمَّا أنْ بَلَغْنَا الليلةَ التي خَرَجْنَا فيها مِنَ المدينةِ نريدُ ذا الحُلَيْفة، احتلَمْتُ، فحكَيْتُ لأبي، فَسُرَّ بذلك، وقال: الحمدُ للهِ؛ حيثُ أدركْتَ حَجَّةَ الإسلامِ!» (¬1) . وحَجَّته الثانية: مع محمَّد بن حَمَّاد الطِّهْراني في سنة سِتِّين ومئتين. وكان له ثلاثُ رِحْلات: الأولى: رِحْلتُهُ مع أبيه، سنةَ خَمْسٍ وخمسين ومئتين والسنةِ التي بعدها، وهي التي حَجَّ فيها حَجَّتَهُ الأولى. ولعلَّ بدايةَ رِحْلته هذه كانتْ في سنة أربع وخمسين ومئتين؛ حين سَمِعَ من محمَّد بن عبد الله بن إسماعيل بن أبي الثَّلْج البغدادي - كما تقدَّم - ثم استمرَّتْ به الرحلةُ إلى التاريخِ المذكور هنا. والرحلة الثانية: بِنَفْسه، إلى مصر ونواحيها، والشامِ ونواحيها؛ في سنة اثنتين وستين. والرحلةُ الثالثة: بنفسه أيضًا، إلى أَصْبَهان؛ إلى يونس بن حَبِيب، وأُسَيْد بن عاصم، وغيرهما، سنة أربع وستين (¬2) . ويبدو أنَّ رحلتَهُ الأولى مع أبيه هي أَشْهَرُ رحلاتِهِ. ¬
وكانت الرحلةُ الواحدةُ تَشْمَلُ عدةَ مدنٍ وقُرًى، كما كانت مدةُ إقامته تطولُ أحيانًا في بعضِ هذه المدن التي رحَلَ إليها؛ ومما يَدُلُّ على ذلك: قوله في ترجمة يونسَ بنِ عبد الأعلى الصَّدَفِيِّ المِصْريِّ (¬1) : « ... روى عنه أبي وأبو زُرْعة، وكتبْتُ عنه، وأقمْتُ عليه سبعةَ أشهرٍ» . البلدان التي رحَلَ إليها: تقدَّم ذِكْرُ الأقاليمِ التي رحَلَ إليها ابنُ أبي حاتم، وهي: الحجازُ، والشام، ومِصْر، والعراق، والجبال، والجزيرة، والسواحل، والثُّغُور. وقد سَمِعَ في عددٍ مِنْ مدن هذه الأقاليمِ وغيرها: فمنها: مَكَّةُ، والمدينةُ؛ كما يتضحُ من النصِّ السابقِ في ذِكْرِ حَجَّته الأولى. ومنها: بَغْدَادُ (¬2) ، ووَاسِطٌ (¬3) ، والكُوفةُ (¬4) ، وحِمْصٌ (¬5) ، والإِسْكَنْدَريةُ (¬6) ، وأَصْبَهَانُ (¬7) ، ووَهْبَنُ (¬8) ، والسُّرُّ (¬9) ، وحَدِيثةُ ¬
المَوْصِلِ (¬1) ، والرَّمْلةُ (¬2) ، وأَيْلَةُ (¬3) ، وسَامَرَّاءُ (¬4) ، وقِرْمَاسِينُ (¬5) ، وقَزْوِينُ (¬6) ، وهَمَذَانُ (¬7) ، والنَّهْرَوَانُ (¬8) ، وأَطْرَابُلُسُ (¬9) ، وطَبَرِيَّةُ (¬10) ، وبَيْتُ المَقْدِسِ (¬11) ، وغَزَّةُ (¬12) ، ودِمَشقُ (¬13) ، وبَيْرُوتُ (¬14) ، وحُلْوانُ ¬
(¬1) ، والفَرَمَا (¬2) ، وجَرْجَرَايَا (¬3) . ¬
شُيُوخُهُ: استطاع عبدُالرحمنِ بنُ أبي حاتم - مِنْ خلالِ هذه الجَوْلاتِ التي شَمِلَتِ العديدَ مِنَ المُدُنِ والأقاليمِ التي تقدَّم ذِكْرُ بعضها - أن يَظْفَرَ بِلُقِيِّ كثيرٍ من الشيوخ غيرِ أبيه وأبي زُرْعة، وكان في مقدورِهِ أن يَسْمَعَ مِنْ عددٍ أكثَرَ من هذا بكثيرٍ، لكنْ كان يَحْجِزُهُ الانتقاءُ؛ فهو لا يَرْغَبُ في السماعِ مِنْ مجروحٍ؛ أُسوةً بأبيه وأبي زُرْعة كما سيأتي. وفيما يلي قائمةٌ بأسماءِ بعضِ هؤلاء الشيوخِ ممَّن وقفنا عليهم في مُخْتَلِفِ المصادر، وقد استبعدنا مَنْ رأيناهم ذُكِرُوا من شيوخِهِ على سبيل الوَهَمِ. وهم مُرتَّبون على حروفِ المُعْجَمِ، مع الإشارةِ للمصادر التي ذُكِرَ فيها اسْمُ ذلك الشيخ، وهم: إبراهيم بن إدريس بن المُنْذِرِ الحَنْظَلِيُّ الرازيُّ (¬1) ، (وهو عم المصنِّف) . إبراهيمُ بن حَمْزة، أبو إسحاق الرَّمْلي (¬2) . إبراهيم بن خالد الرازي (¬3) . إبراهيمُ بن راشد الأَدَمي ¬
(¬1) . إبراهيم بن عبد الله بن محمَّد بن أبي شَيْبة، أبو شَيْبة الكُوفي (¬2) . إبراهيم بن عَتِيق بن حَبِيب، أبو إسحاق العَبْسي، ويقال: السُّلَمي مولاهم (¬3) . إبراهيم بن مالك البَزَّاز، أبو إسحاق البغدادي (¬4) . إبراهيم بن محمد بن الدِّهْقان، أبو إسحاق البغدادي (¬5) . إبراهيم بن مرزوق البَصْري، أبو إسحاق نزيل مِصْر (¬6) . إبراهيم بن مسعود الهَمَذَاني (¬7) . إبراهيم بن هانئ، أبو إسحاق، الزَّاهِدُ النَّيْسابوري الأَرْغِياني (¬8) . إبراهيمُ بن الوليد بن سَلَمة الأَزْدي الطَّبَراني (¬9) . إبراهيم بن يوسف ¬
(¬1) . أحمد بن إبراهيم (¬2) . أحمدُ بنُ إسحاق بن صالح بن عَطَاء الوَزَّان، أبو بكر الواسطي (¬3) . أحمد بن أَصْرَمَ بن خُزَيْمة، أبو العباس المُغَفَّلِيُّ المُزَنِيُّ البَصْري (¬4) . أحمد بن الحَسَنِ التِّرْمِذي (¬5) . أحمد بن الحُسَيْن بن عَبَّاد النَّسَائي، البغدادي، السِّمْسَار، لَقَبُهُ: بَيَان (¬6) . أحمد بن زُهَيْر بن حَرْب، أبو بكر بن أبي خَيْثَمة (¬7) . أحمد بن سعيد بن يعقوب، أبو العَبَّاس الكِنْدي الحِمْصي (¬8) . أحمد بن سَلَمة بن عبد الله النَّيْسَابوري (¬9) . ¬
أحمد بن سليمان بن عبد المَلِك، أبو الحُسَيْن الرُّهَاوي الحافظ (¬1) . أحمد بن سِنَان، أبو جعفر القَطَّان الواسطي (¬2) . أحمد بن سَهْل، أبو حامد الإِسْفَراييني (¬3) . أحمد بن شَيْبان الرَّمْلي، أبو عبد المؤمن (¬4) . أحمد بن عبد الجَبَّار العُطَارِدي الكُوفي (¬5) . أحمد بن عبد الرحمن بن وَهْب، أبو عُبَيْدالله المِصْريُّ، ابن أخي عبد الله بن وَهْب (¬6) . أحمد بن عبد الرحيم بن البَرْقي، أبو بكر المِصْري (¬7) . أحمد بن عبد الكريم، أبو عبد الله القُوْمَسِيُّ، المعروف بالطُّوسي (¬8) . أحمد بن عبد الواحد بن سليمان، أبو جعفر الرَّمْلي (¬9) . ¬
أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الأَوْدي (¬1) . أحمد بن عثمان بن عبد الرحمن، أبو عبد الرحمن النَّسَائي (¬2) . أحمد بن عِصَام بن عبد المَجِيد بن كَثِير ابن أبي عَمْرة الأَصْبَهانيُّ، أبو يحيى الأنصاري (¬3) . أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عاصم النَّبِيل (¬4) . أحمد بن عُمَيْر، أبو بَكْرٍ الطَّبَري (¬5) . أحمد بن الفَرَجِ بن سُلَيْمان، أبو عُتْبة الحِمْصي، المعروفُ بالحجازي الكِنْدي المؤذِّن (¬6) . أحمد بن الفَضْل بن عُبَيْدالله، أبو جعفر العَسْقَلاني ¬
الصايغ (¬1) . أحمد بن القاسم بن عَطِيَّة، أبو بكر الرازي البَزَّاز الحافظ (¬2) . أحمد بن محمد بن أنس، أبو العباس ابن القُرْبَيْطِيِّ، البغداديُّ الحافظ (¬3) . أحمد بن محمد بن أيوب الواسطي، المعروفُ بِبُلْبُلٍ (¬4) . أحمد بن مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْر المُقَدَّمِيّ البَصْريّ، أبو عثمان نزيلُ الحَرَمِ (¬5) . أحمد بن محمد بن الحَجَّاج بن رِشْدِين المِصْري (¬6) . أحمد بن محمد بن الزُّبَيْر، أبو علي الأَطْرَابُلُسِيُّ، المعروفُ بابن شُقَيْرٍ (¬7) . ¬
أحمد بن محمد بن ساكن، أبو عبد الله الزَّنْجَاني الفقيه (¬1) . أحمد بن محمد بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبَانَ القُرَشِيُّ، أبو عبد الله، ويُعْرَفُ بِالتُّبَّعِيِّ (¬2) . أحمد بن محمد بن أبي سَلْمٍ، أبو الحُسَيْنِ الرازي (¬3) . أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَيَّار، أبو حُمَيْد الحِمْصيُّ العَوْهِيّ (¬4) . أحمد بن محمد بن عاصم، أبو العباس الرَّازي (¬5) . أحمد بن محمد بن عُثْمان، أبو عمرو الدِّمَشْقي (¬6) . أحمد بن محمد بن مسلم (¬7) . أحمد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سعيد، أبو سعيد القَطَّان (¬8) . ¬
أحمد بن محمد بن يزيد بن مسلم بن أبي الخَنَاجِرِ، أبو عليٍّ الأنصاريُّ الأَطْرَابُلُسِيُّ (¬1) . أحمد بن مَرْحُوم الرازي (¬2) . أحمد بن منصور المَرْوَزِيّ (¬3) . أحمد بن منصور بن سَيَّار، أبو بكر الرَّمَادي (¬4) . أحمد بن المَهْدِيِّ، أبو جعفر الأَصْبَهاني (¬5) . أحمد بن موسى بن يزيد بن موسى، أبو جعفرٍ البَزَّازُ المُقْرِئ، المعروف بالشَّطَوِيِّ (¬6) . أحمد بن يحيى بن الحَوَارِيِّ البغداديُّ، نزيلُ سَامَرَّا (¬7) . أحمد بن يحيى بن مالك السُّوسِيّ (¬8) . ¬
أحمد بن يحيى الصُّوفي (¬1) . أحمد بن يونس بن المسيَّب بن زُهَيْر، أبو العباس الضَّبِّيُّ الكوفي (¬2) . إدريس بن حاتم بن الأَحْنَفِ الواسطي (¬3) . إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن، أبو يعقوبَ، لُؤْلُؤ، المعروفُ بالبَغَوي (¬4) . إسحاق بن إبراهيم بن عبد الله، أبو بَكْرٍ، شاذان (¬5) . إسحاق بن إبراهيم، أبو بَكْر الجُرْجَانيّ، ثم الأَسْتَرَابَاذيُّ (¬6) ، روى عنه مكاتبة. إسحاق بن إبراهيم المُكْتِبُ (¬7) . إسحاق بن سَيَّار بن محمَّد، أبو يعقوب النَّصِيبِيُّ (¬8) ، روى عنه مكاتبة. ¬
إسحاق بن صالح بن عَطَاء الواسطي، أبو يعقوبَ المُقْرِئُ الوَزَّان، نزيل سَامَرَّاء (¬1) . إسحاق بن عاصم الرازي (¬2) . إسحاق بن عبد الله بن عبد الرحمن، أبو يعقوب ابن أبي حَمْزة (¬3) . إسحاق بن وَهْب بن زياد الواسطي، أبو يعقوبَ العَلاَّف (¬4) . إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن سَهْل، أبو إسحاق الكوفيُّ، نزيلُ مِصْر (¬5) . إسماعيلُ بنُ أسد بن شاهين البغداديُّ، ابن أبي الحارث (¬6) . إسماعيل بن إسرائيل، أبو محمَّد السَّلاَّل الرَّمْلي (¬7) . إسماعيل بن حِصْن بن حَسَّان، أبو سليمان الجُبَيْلي (¬8) . ¬
إسماعيل بن صالح، أبو بكرٍ الحُلْوانيُّ التَّمَّار (¬1) . إسماعيل بن عبد الله بن مسعود العَبْدي، أبو بِشْرٍ الأَصْبَهانيُّ السَّمُّويِيّ، المعروفُ بِسَمُّويَهْ (¬2) . إسماعيل بن عمرو بن سعيد، أبو عامرٍ السَّكُونِيُّ الحِمْصي المُقْرِئ (¬3) . إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو، أبو إبراهيم المُزَنِيُّ المِصْري (¬4) . إسماعيل بن يحيى بن كَيْسَان الرازي (¬5) . أُسَيْدُ بنُ عاصم بن عبد الله، أبو الحُسَيْن الثَّقَفِيُّ الأَصْبَهانيُّ الحافظ (¬6) . أَعْيَنُ بنُ زَيْد الرازيُّ (¬7) . ¬
أَيُّوب بن إسحاق بن إبراهيم بن سَافِرِيّ، أبو سليمان البغدادي (¬1) . أيوب بن حَسَّان، أبو سليمان الدَّقَّاق (¬2) . بَحْر بن نَصْر بن سابق، الخَوْلاني المِصْري (¬3) . بِشْر بن مسلم - ويقال: بُشَيْرُ بن مسلم - بن مجاهد بن مسلم، أبو مسلم التَّنُوخِيُّ الحِمْصِيُّ (¬4) . بكر بن عبد الوَهَّاب بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ يحيى المَدَني (¬5) . جعفر بن أحمد بن عَوْسَجة (¬6) . جَعْفَرُ بْنُ محمَّد بْنِ الحَجَّاجِ القَطَّانُ الرَّقِّيُّ (¬7) . جعفر بن محمَّد بن الحسن بن زِيَاد، أبو يحيى الرازيُّ ¬
الزَّعْفَرَاني، المعروف بالتفسيري (¬1) . جعفر بن محمد بن خالد بن الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّام (¬2) . جعفر بن محمد بن هارون بن عَزْرَةَ القَطَّانُ (¬3) . جعفر بن محمد، أبو الفضل العَبْدِي الرازيُّ المُكْتِب (¬4) . جعفر بن مُنِيْرٍ، أبو محمَّد المدائنيُّ القَطَّان، نَزِيلُ الرَّيِّ (¬5) . جعفر بن النَّضْر الضرير، أبو الفَضْل الواسطي (¬6) . حَجَّاج بن حَمْزة بن سُوَيْد العِجْلي الخَشَّابيُّ الرازي (¬7) . حَجَّاج بن يوسف بن حَجَّاج، أبو محمَّد الثقفيُّ، يعرف بابن الشاعر (¬8) . حَرْب بن إسماعيل بن خَلَف الكَ ِرْمَاني (¬9) . ¬
الحسن بن إبراهيم بن موسى البَيَاضِيُّ، نزيلُ مكة (¬1) . الحسنُ بنُ أحمَدَ بنِ اللَّيْثِ الرازي (¬2) . الحسن بن أحمد، أبو فاطمة (¬3) . الحسن بن أيوب بن مسلم، أبو علي القَزْوِيني (¬4) . الحَسَن بن داود بن مِهْرَان، أبو بَكْرٍ الأزديُّ المؤدِّب (¬5) . الحَسَن بن سُفْيان بن عامر بن عبد العزيز، أبو العَبَّاس الشَّيْباني الخُرَاسَاني النَّسَوِيُّ (¬6) ، روى عنه مكاتبة. الحَسَن بن عبد العزيز الجَروِيُّ، أبو علي الجُذَامِيُّ المِصْري (¬7) . الحسن بن عبد الله الواسطي (¬8) . الحسن بن عَرَفَةَ بن يزيد العَبْدي (¬9) . ¬
الحسن بن علي بن عَفَّان، أبو محمَّد العامري الكُوفي (¬1) . الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بن مُسْلِمِ بن ماهان، أبو الزُّبَيْرِ النَّيْسَابوري (¬2) . الحَسَن بْنُ عَلِيِّ بْنِ مِهْران المَتُّوثِيُّ، نزيلُ الرَّيِّ (¬3) . الحسن بن محمد بن سَلَمة النَّحْوِيُّ الرَّازِيُّ (¬4) . الحسن بن محمد بن الصَّبَّاح، أبو عليٍّ الزَّعْفَرَانِيُّ (¬5) . الحسن بن يحيى بن الجَعْد بن نَشِيط، أبو عليِّ بنُ أبي الربيع، العَبْدِيُّ الجُرْجاني (¬6) . الحَسَن بن يحيى بن السَّكَنِ الضُّبَعِيُّ الأَصَمُّ، أبو عليِّ بنُ أبي يحيى البَصْري (¬7) . الحُسَيْن بن أحمد (¬8) . ¬
الحُسَيْن بن الحَسَن، أبو مُعِينٍ الرازي (¬1) . الحُسَيْن بن السَّكَنِ بن أبي السَّكَن القُرَشِيُّ البصري (¬2) . الحُسَيْن بن عبد الله بن محمَّد الكُوفيُّ الواسطيُّ، إمامُ مسجد العَوَّام (¬3) . الحسين بن عليِّ بن محمَّد بن عُبَيْد الطَّنَافِسِيُّ الكوفيُّ، ثُمَّ القَزْوينيُّ، قاضي قَزْوِين (¬4) . الحسين بن محمد بن شَنَبة، الواسطي البَزَّاز (¬5) . الحُسَيْن بن نَصْر بن المُعَارِكِ، أبو عليٍّ البغدادي (¬6) . الحَكَم بن عَمْرو بن الحَكَم، أبو القاسمِ الأَنْمَاطيُّ، نزيلُ سَامَرَّا (¬7) . حَمَّاد بن الحسن بن عَنْبسة، أبو عُبَيْدالله النَّهْشَلي الوَرَّاق ¬
البصري، نزيلُ سَامَرَّا (¬1) . حَمْدون بن سالم الواسطي (¬2) . حُمَيْد بن الرَّبِيع الخَزَّاز اللَّخْمي (¬3) . حُمَيْد بن عَيَّاش الرَّمْلي المُكْتِب، أبو الحسن (¬4) . خالد بن أحمد بن خالد بن حَمَّاد، أبو الهيثم البخاري الذُّهْلي الأمير (¬5) . خالد بن يزيد بن محمد الأَيْلِي، أبو الوليد (¬6) . خِدَاش بن مَخْلَدٍ البصريُّ، نزيلُ أَطْرَابُلُسَ (¬7) . خَلَف بن محمد بن عيسى، أبو الحُسَيْن الواسطي، الملقَّب بِكُرْدُوس (¬8) . داود بن سليمان بن حَفْص، أبو سَهْل العَسْكَري الدَّقَّاق، ¬
نزيلُ سَامَرَّا (¬1) . الرَّبِيع بن سُلَيْمان بن عبد الجَبَّار بن كامل الفقيه، أبو محمد المُرَادِي (¬2) . رَجَاء بن الجارود، أبو المُنْذِرِ الزَّيَّات (¬3) . زكريا بن داود بن بكر، أبو يحيى الخَفَّاف النَّيْسَابوري (¬4) . زياد بن عليٍّ الرازي السُّرِّيُّ (¬5) . زيد بن إسماعيل بن سَيَّار بن مَهْدِيٍّ، أبو الحَسَن البغدادي الصائغ (¬6) . زيد بن سِنَان (¬7) . سعد بن عبد الله بن عبد الحَكَم، أبو عُمَيْرٍ المِصْري (¬8) . ¬
سعد بن محمَّد بن سعد، ويقال: ابنُ عبد الله بن سَعْد، أبو محمَّد، ويقال: أبو العباس، البَجَلِيُّ البَيْرُوتي القاضي (¬1) . سَعْدان بن نَصْر البغدادي (¬2) . سَعْدان بن يَزِيد، أبو محمد البَزَّاز، نزيلُ سَامَرَّا (¬3) . سَعِيدُ بن سَعْد بن أَيُّوب، أبو عُثْمان البُخَاريُّ، نزيلُ الرَّيِّ (¬4) . سَعِيد بن أبي سَعِيد، أبو نَصْر الرَّازي (¬5) . سَعِيد بن أبي سَعِيد الأَنْمَاطي الرازي (¬6) . سَعِيد بْن عَبْدُوس بْن أَبِي زَيْدون الرَّمْلي (¬7) . سعيد بن عُثْمان التَّنُوخي، أبو عثمان الحِمْصي (¬8) . سَلاَّم بن أبي خُبْزة العَطَّار، أبو عبد الله البَصْري (¬9) . ¬
سَلَمة بن محمَّد بن أحمد بن مُجَاشِع، أبو أحمَدَ الذُّهْلي (¬1) . سُلَيْمان بن تَوْبة بن زياد، أبو داود النَّهْرَوَاني (¬2) . سليمان بن الحارث بن البَاغَنْدي، أبو عبد الله الواسطي (¬3) . سُلَيْمان بن خَلاَّد، أبو خَلاَّد السَّامَرِّيُّ المؤدِّب المُقْرِئ (¬4) . سليمان بن داود بن صالح بن حَسَّان، أبو أحمد الثَّقَفِيُّ الرازي القَزَّاز (¬5) . سليمان بن عبد الحميد، أبو أيوب البَهْرَاني الحِمْصي (¬6) . سَهْل بن بَحْر العَسْكَرِيُّ السُّكَّري (¬7) . سَهْل بن دِيزُويَهْ، أبو سعيدٍ الرازيُّ، نزيل أَرْدَبِيل (¬8) . ¬
شُعَيْب بن أَيُّوب الصَّرِيفِينِيّ (¬1) ، روى عنه مكاتبة. شُعَيْب بن شُعَيْب بن إسحاق، أبو محمد الدِّمَشْقي (¬2) . شعيب بن عبد الحميد بن بِسْطَام الواسطي الطَّحَّان (¬3) . صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل، أبو الفضل الشَّيْبَاني (¬4) . صالح بن بَشِير بن سَلَمة الطبرانيُّ، أبو الفَضْل (¬5) . صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث المِصْري (¬6) . صالح بن محمَّد بن عمرو، أبو عليٍّ الأَسَدِيُّ، المعروفُ بصالحِ جَزَرَةَ (¬7) . طاهر بن خالد بن نِزَارٍ الأَيْلِيُّ، أبو الطَّيِّبِ، نزيلُ سَامَرَّا (¬8) . عَبَّاد بن الوليد بن خالد، أبو بَدْر الغُبَرِيّ (¬9) . ¬
العباس بن جعفر بن عبد الله بن الزِّبْرِقان، أبو محمد بن أبي طالب البغدادي (¬1) . عباس بن محمد، أبو الفضل الدُّورِيّ (¬2) . العَبَّاس بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَد، أبو الفضل العُذْري البَيْرُوتي (¬3) . العباس بن يزيد بن أبي حَبِيب العَبْدي، أبو الفَضْل البَصْري البَحْرَاني عَبَّاسُويَهْ (¬4) . عبد الرحمن بن إبراهيم (¬5) . عبد الرحمن بن بِشْر بن الحَكَم بن حَبِيب، أبو محمَّد العَبْدي النَّيْسَابوري (¬6) ، روى عنه مكاتبة. عبد الرحمن بن الحَجَّاج بن المِنْهَال الأنماطيُّ، أبو سعيد (¬7) . ¬
عبد الرحمن بن خَلَف بن عبد الرحمن بن الضَّحَّاك، أبو معاوية البَصْري الحِمْصي (¬1) . عبد الرحمن بن عَمْرو بن عبد الله بن صَفْوان، أبو زُرْعة الدِّمَشْقي النَّصْري (¬2) . عبد الرحمن بن محمد بن منصور البَصْري، نزيلُ سَامَرَّا (¬3) . عبد الرزَّاق بن بَكْر، أبو عمر الأصبهاني (¬4) . عبد الصمد بن عبد الوَهَّاب النَّصْري، أبو محمد الحِمْصي (¬5) . عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن كَثِير العَبْدي، أبو العَبَّاس ابن الدَّوْرَقي (¬6) . عبد الله بن أحمد بن زكريا بن الحارث المَكِّي، أبو يحيى ابن أبي مَسَرَّة (¬7) . عبد الله بن أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدٍ بْنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَاني (¬8) . ¬
عبد الله بن أُسَامة، أبو أسامة الكَلْبي (¬1) . عبد الله بن بِشْر الطَّالْقَاني (¬2) . عبد الله بن الحُسَيْن بن موسى (¬3) . عبد الله بن سعيد، أبو سعيد الأَشَجُّ (¬4) . عبد الله بن سُلَيْمان بن الأَشْعَث، أبو بَكْرِ ابنُ أبي داود الأَزْدي (¬5) . عبد الله بن عبد الرحمن المِصْري العَنْبَري (¬6) . عبد الله بن عبد السلام، أبو الرَّدَّاد المِصْري المُكْتِب (¬7) . عبد الله بن عبد المَلِكِ بن الرَّبِيع، أبو محمد بن أبي راشد (¬8) . عبد الله بن عَمْرو بن أبي الحَجَّاج، أبو مَعْمَرٍ المِنْقَرِيّ البَصْري (¬9) . ¬
عبد الله بن محمد بن إبراهيم السُّلَمي (¬1) . عبد الله بن محمَّد بن أيوب، أبو محمَّد المُخَرِّمي (¬2) . عبد الله بن محمد بن شاكر، أبو البَخْتَرِيِّ العَنْبَريُّ البغداديُّ المُقْرِئ (¬3) . عبد الله بن محمَّد بن عُبَيْد بن سُفْيان، أبو بَكْر القُرَشي، المعروفُ بابن أبي الدنيا (¬4) . عبد الله بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الجَرَّاح، أبو العَبَّاس الأَزْدي الغَزِّيّ (¬5) . عبد الله بن محمد بن الفُضَيل بن الشَّيْخ بن عُمَيْرة، أبو بكر الأَسَدي (¬6) . عبد الله بن مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ الواسطي (¬7) . ¬
عبد الله بن هارون، أبو عَلْقمة الفَرْوي (¬1) . عبد الله بن هلال الدُّومي الدِّمَشْقي (¬2) . عبد الله بن يحيى بن نَصْر، أبو أحمد الكِيْفِيّ (¬3) . عبد الله مولى المهلَّب بن أبي صُفْرة (¬4) . عبد الملك بن عبد الحميد بن مَيْمُون ابن مِهْران (¬5) . عبد الملك بن مسعود، ابن أبي عبد الرحمن المُقْرِئ (¬6) . عبد المؤمن بن سَعِيد بن ناصح، أبو بَكْر المؤدِّب الرازي (¬7) . عُبَيْدالله بن إسماعيل البغدادي (¬8) . عبيد الله بن سَعْد بن إبراهيم بن سَعْد الزُّهْري (¬9) . ¬
عبيد بن رَبَاح بن سالم الأَيْلي (¬1) . عثمان بن شُعَيْب، أبو عمرو البغدادي (¬2) . عِصَام بن رَوَّاد (¬3) . عَطِيَّة بن بَقِيَّة بن الوليد، أبو سَعِيد الحِمْصِيّ (¬4) . عَلِيُّ بنُ إبراهيم بن عبد المَجِيد، أبو الحُسَيْن الشَّيْبَاني اليَشْكُري الواسطي (¬5) . علي بن أحمد بن الصَّبَّاح، أبو الحسنِ بنُ أبي طاهر، القَزْوِيني (¬6) ، روى عنه مكاتبة. *** علي بن الجُنَيْد = عليّ بن الحُسَيْن ابن الجُنَيْد. علي بن حَرْب بن محمَّد بن عليٍّ، أبو الحَسَن الطائيُّ المَوْصِلي (¬7) . ¬
علي بن الحَسَن بن يَزِيد السُّلَمي (¬1) . علي بن الحَسَن الْهِسِنْجَاني (¬2) . علي بن الحُسَيْن بن إبراهيم بن الحُرِّ ابن زَعْلان، أبو الحسن بن إِشْكَاب (¬3) . عَليّ بْن الحُسَيْن بْن الجُنَيْد، أبو الحَسَن الرازي (¬4) . علي بن الحُسَيْن بن مِهْرَان (¬5) . علي بن أبي دُلاَمةَ زُهَيْرِ بنِ هُذَيْل بن عبد الله البغدادي (¬6) . علي بن سَعِيد بن عبد الله، أبو الحَسَن العَسْكَري (¬7) . علي بن سَهْل الرَّمْلي (¬8) ، روى عنه مكاتبة. علي بن شِهَاب، أبو الحَسَنِ الرازي (¬9) . علي بن عبد الرحمن بن المُغِيرة المَخْزُومِيُّ المُقْرِئ، ¬
المعروفُ بِعَلاَّن (¬1) . علي بن عبد العزيز بن المَرْزُبَان بن سابور، أبو الحسن البَغَوِي (¬2) . علي بن عبد المؤمن بن علي، أبو الحَسَن الزَّعْفَراني الكُوفي، نزيلُ الرَّيِّ (¬3) . علي بن عمرو بن الحارث بن سَهْل ابن أبي هُبَيْرة الأنصاريُّ البغدادي (¬4) . علي بن فُرَات الأَصْبَهاني (¬5) . علي بن المُبَارَك (¬6) ، روى عنه مكاتبة. علي بن محمَّد بن أبي الخَصِيب الكُوفي (¬7) . علي بن المُنْذِر بن زَيْد الطَّرِيقي، أبو الحَسَن الأَوْدي الكُوفي العَلاَّف الأَعْوَر (¬8) . ¬
عَمَّار بن خالد بن يَزِيد الواسطيُّ التَّمَّار (¬1) . عمر بن شَبَّة بن عُبَيْدة، أبو زيد النُّمَيْري النَّحْوي (¬2) . عمر بن نَصْر، أبو حَفْص الأنصاريُّ النَّهْرَوَاني (¬3) . عمرو بن سَلْمٍ، أبو عثمان البَصْري، نزيلُ الرَّيِّ (¬4) . عمرو بن عبد الله بن حَنَشٍ الأوديُّ، أبو عثمان الكُوفي (¬5) . عمرو بن محمَّد العُثْماني، أبو عُثْمان قاضي مَكَّة (¬6) . عمرو بن هِشَام، أبو حَفْص الرازي المُقْرِئ (¬7) . عِمْران بن بَكَّارٍ البَزَّازُ البَرَّادُ الحِمْصيُّ مؤذِّنُ حِمْص (¬8) . عِمْران بن الفَضْل بن يَزِيد العَطَّار الواسطي (¬9) . ¬
عيسى بن بَشِير الصَّيْدَنَانيُّ، أبو موسى الرازي (¬1) . عيسى بن رِزْقِ اللهِ، أبو موسى النَّهْرَوَاني (¬2) . عيسى بن عبد الرحمن الضَّبِّيُّ، ابنُ بنتِ إبراهيم بن طَهْمَان (¬3) . عيسى بن أبي عِمْران، أبو عمرو البَزَّار الرَّمْلي (¬4) . الفضل بن شاذان بن عيسى المُقْرِئ، أبو العَبَّاس الرازي (¬5) . الفضلُ بن العَبَّاس، أبو بكرٍ الرازيُّ الحافظُ المعروفُ بِفَضْلَك (¬6) . الفضلُ بن محمَّد البَيْهَقِيُّ، أبو محمَّد الشَّعْرَاني النَّيْسَابوري (¬7) . الفضل بن يَعْقُوب، أبو العَبَّاس الرُّخَامي (¬8) . ¬
فُضَيْل بن محمد بن فُضَيْل، أبو يحيى المَلَطِيُّ (¬1) . القاسم بن عاصم المَرْوَزِيُّ، نزيلُ بغداد (¬2) . القاسم بن محمد بن الحارث المَرْوَزي (¬3) . القاسم بن يونس التُّرْمُسَانِيُّ الحِمْصيُّ، أبو محمد (¬4) . كَثِيرُ بن شهاب بن عاصم بن مالك المَذْحِجِيُّ اليَمَانِيُّ، أبو الحسن القَزْويني (¬5) . مالك بن عبد الله بن سَيْف، أبو سَعِيد التُّجِيبِيُّ المِصْري (¬6) . محمد بن آدم المَرْوَزي (¬7) . محمَّد بن إبراهيم بن حَبِيب، أبو أيوب الفُوْرَارِدِيّ الرازي (¬8) . محمد بن إبراهيم بن سَعِيد بن موسى ابن عبد الرحمن، أبو عبد الله البُوْشَنْجِيُّ العَبْدي (¬9) . ¬
محمَّد بن إبراهيم بن شُعَيْب، أبو الحَسَنِ الغَزَّاء الطَّبَري (¬1) . محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله، أبو عبد الرحمن المَدِيني الكَثِيري (¬2) . محمد بن إبراهيم بن محمد بن الحَسَن بن قَحْطَبة، أبو عبد الله المؤدِّب (¬3) . محمد بن أحمد بن البَرَاء (¬4) . محمد بن أحمد بن الجُنَيْد، أبو جعفرٍ الدَّقَّاقُ البغدادي (¬5) . محمد بن أحمد بن حَمَّاد، أبو بِشْر الدُّولاَبي الأَنْطاكي الوَرَّاق الحافظ (¬6) . محمد بن أحمد بن الوليد، أبو بكر الثَّقَفي (¬7) . محمد بن أحمد بن يزيد بن عبد الله، أبو يُونُسَ القُرَشِيُّ ¬
الجُمَحِيُّ المَدَنيُّ الفقيه (¬1) . محمد بن أحمد، أبو يُونُس المَدِيني (¬2) . محمد بن إدريس بن عمر، أبو بكرٍ المَكِّيُّ، وَرَّاقُ أبي بكر الحُمَيْديِّ (¬3) . محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن رَاهُويَهْ (¬4) . محمد بن إسحاق بن جعفر، ويقال: ابن إسحاق بن محمد، أبو بكرٍ الصَّغَاني ثم البَغْدادي الحافظ (¬5) . محمد بن إسحاق بن يزيد، أبو عبد الله الصِّينِيّ (¬6) ، روى عنه مكاتبة. محمد بن إسحاق، المعروفُ بابنِ سَبُّويَه المَرْوَزِيُّ، نزيلُ مكة (¬7) . ¬
محمد بن إسحاق المُسُوحي (¬1) . محمد بن إسماعيل بن سالم الصَّائِغ القُرَشِيُّ، أبو جعفر المَكِّي (¬2) . محمد بن إسماعيل بن سَمُرَةَ، أبو جَعْفَر الأَحْمَسِيّ الكُوفي السَّرَّاج (¬3) . محمد بن إسماعيل بن يوسف السُّلَمي، أبو إسماعيل التِّرْمِذي (¬4) . محمد بن أيوب بن يحيى بن ضُرَيْسٍ، أبو عبد الله البَجَلِيّ الرازي (¬5) . محمد بن بِشْر بن سُفْيان الجَرْجَرَائي (¬6) . محمد بن ثَوَاب بن سَعِيد الهَبَّاري، أبو عبد الله الكُوفي (¬7) . ¬
محمد بن جابر بن بُجَيْر بن عُقْبة، أبو بُجَيْر المُحَارِبي الكوفي (¬1) . محمَّد بن الحارث المَخْزُومي، أبو عبد الله المَدِيني (¬2) . محمد بن الحَجَّاج الحَضْرَمي المِصْري (¬3) . محمد بن حَسَّان بن فَيْرُوز الأَزْرَق، أبو جعفر الشَّيْبَاني الواسطي البغدادي (¬4) . محمد بن الحُسَيْن بن إبراهيم بن الحُرِّ بن زَعْلاَن، أبو جعفر بن إِشْكَاب الصَّغِير العامري (¬5) محمد بن الحُسَيْن النَّخَغي (¬6) . محمد بن حَمَّاد الرازي، أبو عبد الله الطِّهْرَاني (¬7) . ¬
محمد بن حَمُّويَه بن الحَسَن (¬1) . محمد بن خالد بن خَلِيٍّ الحِمْصي (¬2) . محمد بن خالد بن يَزِيد، أبو بكر الشَّيْباني القَلُوصي (¬3) . محمد بن خالد أبو هارون الرازي الخَرَّاز (¬4) . محمد بن خُشَيْش الجُعْفي (¬5) . محمد بن خَلَف بن صالح بن عبد الأعلى الكُوفي التَّيْمي (¬6) . محمد بن خَلَف، أبو بكر الحَدَّادي (¬7) . مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي نَصْر السِّمْناني الحَنْظَلي (¬8) . محمد بن دَيْسَم، أبو علي الدَّقَّاق (¬9) . محمد بن رَوْح (¬10) . ¬
محمد بن سعيد بن غالب، أبو يحيى العَطَّار الضَّرِير (¬1) . محمد بن سَعِيد الجَوْسَقي (¬2) . محمد بن سعيد المُقْرِئ (¬3) . محمد بن سُلَيْمان بن الحَكَم بن أيُّوب الخُزَاعي الكَعْبي العَلاَّف (¬4) . محمَّد بْنِ سَهْل بْنِ أَبِي سَهْل الخَيَّاط الرازي، أبو جعفر (¬5) . محمد بن عامر بن إبراهيم (¬6) . محمد بن عُبَادة بن البَخْتَرِيِّ، أبو جعفر الواسطي (¬7) . محمد بن العَبَّاس بن بَسَّام، أبو عبد الرحمن مولى بني هاشم (¬8) . ¬
محمد بن العَبَّاس بن خالد، أبوعبد الله السُّلَمِيُّ الأَصْبَهانيّ (¬1) . محمد بن العباس، أبو بكر المَكِّي (¬2) . محمد بن عبد الرحمن، أبو الجَمَاهِرِ الحِمْصي (¬3) . محمد بن عبد الرحمن الهَرَوِيّ، أبو عبد الله الرازي (¬4) . محمد بن عبد الله بن إسماعيل الرازي، ابن أبي الثَّلْجِ البغدادي (¬5) . محمد بن عبد الله بن الجُنَيْد، أبو عبد الله النَّيْسَابوري، نزيلُ جُرْجان (¬6) . محمد بن عبد الله بن حَبِيب، أبو بَكْر الواسطيُّ، المعروفُ بالخَبَّاز (¬7) . محمد بن عبد الله بن سَهْل بن المثنَّى الصَّنْعَاني (¬8) . ¬
محمد بن عبد الله بن عبد الحَكَم، أبو عبد الله المِصْري (¬1) . محمد بن عبد الله بن المُبَارَك المُخَرِّمِيّ (¬2) . محمد بن عبد الله بن مَيْمون، أبو بَكْر الإِسْكَنْدراني (¬3) . محمد بن عبد الله بن يَزِيد، أبو يحيى ابنُ المُقْرِئ المَكِّيّ (¬4) . محمد بن عبد الملك بن زَنْجُويَهْ، أبو بكرٍ البغداديُّ الحافظ الغَزَّال (¬5) . محمد بن عبد المَلِك بن مَرْوان بن الحَكَم، أبو جعفر الدَّقِيقي الواسطي (¬6) . محمد بن عبد الوهاب أبو أحمد النَّيْسَابوري (¬7) ، روى عنه مكاتبة. ¬
محمد بن عُبَيْدالله بن يزيد، أبو جعفرٍ البغداديُّ المُنَادِي (¬1) . محمد بن عُثْمان بن مَخْلَد التَّمَّار الواسطي (¬2) . محمد بن عُزَيْز بن عبد الله بن زِيَاد ابن عَقِيل، أبو عبد الله الأَيْلي (¬3) . مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبة بْنِ عَلْقمة البَيْروتي (¬4) ، روى عنه مكاتبة. مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحَسَن بن شَقِيق (¬5) . محمَّد بن عَلِيِّ بن حَمْزة، أبو عبد الله العَلَوِيّ الأَخْبَاري الشاعر (¬6) . محمد بن علي بن سعيد النَّسَائي (¬7) . محمد بن عَمَّار بن الحارث، أبو جعفر الرازي (¬8) . محمد بن عَمَّار الشَّهِيدُ، أبو الفضل ابن أبي الحُسَيْن ¬
الهَرَوِيّ (¬1) . محمد بن عمرو بن تَمَّام المِصْري، أبو الكَرَوَّسِ (¬2) . محمد بن عمرو بن عَوْن، أبو عَوْن الواسطي (¬3) . محمد بن عمرو بن المُوَجِّهِ الفَزَاري، أبو المُوَجِّهِ المَرْوَزي اللغوي الحافظ (¬4) . محمد بن عِمْران بن حَبِيب الهَمْدانيّ (¬5) ، روى عنه إجازة. محمد بن عُمَيْر، أبو بكرٍ الطَّبَرِيُّ الفقيه (¬6) . محمد بن عَوْف بن سُفْيان، أبو جعفرٍ الطائيُّ الحِمْصي الحافظ (¬7) . محمد بن غالب، أبو جعفرٍ الدقاقُ البغداديُّ، المعروفُ بِتَمْتَام (¬8) . ¬
محمد بن الفضل بن موسى، أبو بكر القُسْطَاني الرازي (¬1) . محمَّد بن المثنَّى بن زياد، أبو جعفر السِّمْسَار، البغدادي الزاهد (¬2) . محمد بن محمد بن رَجَاء بن السِّنْدِيّ، أبو بكر الحَنْظَلي (¬3) . محمد بن محمد بن المبارك الصُّورِيّ (¬4) . محمد بن محمد بن مسلم (¬5) . محمد بن محمد بن مُصْعَب الصُّوري، أبو عبد الله (¬6) . محمد بن مسلم بن عُثْمان بن عبد الله، المعروفُ بابن وَارَة، أبو عبد الله الرازي (¬7) . محمد بن مَعْبَد الجَوْسَقي (¬8) . ¬
محمد بن مُقَاتِلٍ، أبو زُرْعة المَرْوَزي (¬1) . محمد بن مَهْرُويَه بن سِنَان، أبو بكر الرازي (¬2) . محمد بن موسى بن سالم القَاشَاني المُقْرِئ (¬3) . محمد بن موسى أبو سعيد، الكِسَائي الرازي (¬4) . محمد بن نَجِيح بن أبي مَعْشَر المَدِيني (¬5) . محمد بن النَّضْر بن سَلَمة بن الجارود، أبو بكر الجَارُودي النَّيْسَابوري (¬6) . محمد بن هارون، أبو جعفرٍ البغداديُّ، المعروفُ بأبي نَشِيط (¬7) . محمد بن هارون، أبو جعفرٍ الفَلاَّس البغدادي المُخَرِّمي (¬8) . محمد بن هِشَام بن مِلاَس الدمشقيُّ، أبو جعفر (¬9) . ¬
محمد بن الوَزِيرِ بن قيس، أبو عبد الله الواسطي (¬1) . محمد بن يحيى بن أيوب الرازي (¬2) . محمد بن يحيى بن عُمَرَ الواسطي (¬3) . محمد بن يحيى بن مَنْدَه الأصبهاني (¬4) . محمد بن يعقوب بن حَبِيب، أبو جعفر الغَسَّاني (¬5) . محمد بن يعقوب بن يوسف بن مَعْقِل، أبو العَبَّاس الأَصَمّ (¬6) . محمد بن يعقوب الدِّمَشْقي (¬7) . محمد بن يوسف بن سليمان بن سُلَيْم، أبو عبد الله البغدادي الجَوْهَري (¬8) . ¬
محمود بن آدم (¬1) ، روى عنه مكاتبة. محمود بن خالد، أبو أحمد الخَانِقِينِيّ (¬2) . محمود بن الفَرَجِ الأصبهانيُّ، أبو بكر الزاهد (¬3) . مسلم بن الحَجَّاج، أبو الحُسَيْن النيسابوري، الإمام (¬4) . معاذ بن محمَّد بن مَخْلَد بن مَطَر، أبو سعيدٍ الرُّؤَاسي العامري البَطِينُ النَّسَائي، المعروفُ بِخُشْنَام (¬5) . مُغِيرة بن يحيى بن المُغِيرة السَّعْدي الرازي (¬6) . مِقْدام بن داود بن عيسى بن تَلِيد، أبو عمرو الرُّعَيْنِيّ المِصْري (¬7) . المُنْذِرُ بنُ شاذان، أبو عُمَرَ الرازي التَّمَّار (¬8) . ¬
موسى بن إسحاق بن موسى، أبو بكرٍ الأنصاريُّ الخَطْمي الفقيه، قاضي الري (¬1) . موسى بن إسحاق القَوَّاس الكوفي (¬2) . موسى بن سَهْل بن قادم، أبو عِمْران الرَّمْلي (¬3) ، روى عنه مكاتبة. موسى بن عبد الرحمن بن سَعِيد بن مَسْروق، أبو عيسى الكِنْدي المَسْرُوقي (¬4) . موسى بن هارون بن حَيَّان، أبو عمرو القَزْويني (¬5) . موسى بن يوسف بن موسى بن راشد القَطَّان، أبو عَوَانة الكوفي الرازي (¬6) . مَوْهَب بن يزيد بن مَوْهَب، أبو سعيدٍ الرَّمْلي (¬7) . ¬
نَصْر بن داود بن منصور بن طَوْق، أبو منصورٍ الصَّغَانِيُّ الخَلَنْجِيّ (¬1) . نَصْر بن عبد الله بن مَرْوان، أبو القاسمِ البغداديُّ المؤدِّب (¬2) . نَصْر بن مرزوق، أبو الفتح المِصْري (¬3) . نَضْر بن عبد الله بن ماهان الدِّينَوَرِيُّ (¬4) . النَّضْر بن هشام الأَصْبَهاني (¬5) . هارون بن إسحاق، أبو القاسمِ الهَمْدانيُّ الكوفي (¬6) . هارون بن حُمَيْد الواسطي (¬7) . هارون بن سَعِيد الأَيْلي (¬8) . ¬
هارون بن سليمان بن داود، أبو الحَسَنِ الخَزَّاز (¬1) . هارون بن موسى، أبو علي الأُشْنَاني الهَمَذَاني (¬2) . هاشم بن خالد بن أبي جَمِيل، أبو مسعودٍ الدِّمَشْقيُّ القُرَشي (¬3) . هاشم بن يعلى المَقْدِسِيُّ، أبو الدَّرْداء (¬4) . وَهْب بن إبراهيم الفامي، أبو علي الرازي (¬5) . يحيى بن أيوب الزاهد (¬6) . يحيى بن جَعْفَر بن عبد الله بن الزِّبْرِقان، أبو بكر بن أبي طالب (¬7) . يحيى بن حَبِيب بن إسماعيل بن عبد الله بن حَبِيب بن أبي ثابت، أبو عَقِيل، نزيلُ سَامَرَّا (¬8) . ¬
يحيى بن زكريا بن عيسى، أبو زكريا المَرْوَزِيّ، المعروفُ بالسُّنِّيِّ (¬1) . يحيى بن عبد الأَعْظَم، أبو زكريا الحافظُ القَزْوينيُّ، المعروفُ بِيَحْيَى بن عَبْدَك (¬2) . يَحْيَى بْنُ عُثْمان بْنِ صَالِحٍ بن صَفْوان، أبو زكريا السَّهْمِيُّ المِصْري (¬3) . يحيى بن غَوْث بن يحيى الطائي (¬4) . يحيى بن محمد بن عبد الملك بن قَزَعة أبو السُّقَيْرِ، ويقال: أبو الصَّقْر (¬5) . يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى بن عبد الله، أبو زكريا الذُّهْلِيُّ النَّيْسَابوري، يلقَّب حَيْكَانَ (¬6) . يحيى بن يعقوب أبو زكريا (¬7) . ¬
يَزْدَادُ بن عمر الهَمَذَاني (¬1) . يَزِيدُ بن سِنَان بن يَزِيد بن ذَيَّال، أبو خالدٍ البَصْري القَزَّاز (¬2) . يَزِيد بن محمَّد بن عبد الصمد، أبو القاسم الدِّمَشْقي (¬3) . يَزِيد بن مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سِنَان، أبو فَرْوة الرُّهَاوي (¬4) . يعقوب بن إسحاق، أبو الفَضْل الهَرَوِيُّ الحافظ (¬5) . يعقوب بن سُفْيان بن جَوَّان الحافظ، أبو يوسف الفَسَوِيُّ الفارسيّ (¬6) . يعقوب بن عُبَيْد بن أبي موسى النَّهْرَتِيرِيّ (¬7) . يعقوب بن يوسف بن مَعْقِل بن سِنَان النَّيْسَابوريُّ، والدُ أبي العَبَّاس الأَصَمِّ (¬8) . ¬
يَعِيشُ بن الجَهْم، أبو الحَسَن الحَدِيثي (¬1) . يوسف بن إسحاق بن الحَجَّاج الطَّاحُوني، أبو يعقوبَ الرازيُّ السُّرِّيُّ (¬2) . يوسف بن بَحْر بن عبد الرحمن، أبو القاسم التَّمِيمي البغداديُّ، قاضي حِمْص (¬3) . يوسف بن سَعِيد بن مسلم، أبو يعقوبَ المِصِّيصِيّ (¬4) ، روى عنه مكاتبة. يونس بن حَبِيب بن عبد القاهر، أبو بِشْرٍ العِجْلي الأَصْبَهاني (¬5) . يونس بن عبد الأعلى، أبو موسى الصَّدَفِيُّ المِصْري (¬6) . أبو الحسن السِّجِسْتاني، نزيلُ مكة (¬7) . ¬
أبو عثمان الخُوَارَزْمِيُّ نزيلُ مكة (¬1) ، روى عنه مكاتبة. أبو علي القُوْهِسْتَانِيّ (¬2) . أبو محمد البُسْتي السِّجِسْتاني (¬3) ، روى عنه مكاتبة. أبو محمد قَرِيبُ الشافعيِّ (¬4) ، روى عنه مكاتبة. ¬
تلاميذُهُ: كان لِمَكَانةِ ابنِ أبي حاتمٍ الرفيعةِ بين أهلِ العِلْمِ، وعُلُوِّ منزلتِهِ في عِلْمِ الحديث، وذُيُوعِ صِيتِهِ - أَكْبَرُ الأَثَرِ في أَنْ يَلْتَفَّ حوله طائفةٌ من التلاميذِ الذين رَحَلَ الكثيرُ منهم إليه مِنْ أماكنَ شَتَّى؛ يَنْهَلُونَ من علمه، ويَرِدُونَ صَفْوَ ثقافته، ويُفِيدُونَ خِبْرَتَهُ. فكما أنَّ ابنَ أبي حاتم أخَذَ عن ذلك العددِ الكثيرِ والجَمِّ الغفيرِ من الشيوخ، فإنَّه قد أخَذَ عنه العلمَ عددٌ كثيرٌ أيضًا من الرواةِ الذين كانوا يتنافسون في الأَخْذِ عنه، وبعضُهُمْ لازَمَهُ ملازمةً طويلةً؛ كأبي القاسم إبراهيمَ بنِ محمَّدِ بنِ أحمدَ بنِ مَحْمُويَه النَّصْرَاباذيِّ الواعظِ؛ الذي قال فيه ابن عساكر (¬1) : « ... وأكثَرَ عن أبي محمَّد، وأقام عليه بِسَمَاعِ مصنَّفاته» . وكأحمد بن محمد بن عيسى بن الجَرَّاح، أبي العَبَّاس بن النَّحَّاسِ، الرَّبَعِيِّ المِصْريِّ الحافظ؛ الذي قال عنه ابن عساكر أيضًا (¬2) : « ... وأقام على عبد الرحمن ابن أبي حاتم مُدَّةً، وكانتْ سماعاتُهُ منه كثيرةً ... » . وربَّما اتخَذَ ابنُ أبي حاتم بعضَ الرواةِ وَرَّاقًا له يَأْمَنُهُ على كُتُبه؛ فقد روى ابن عساكر (¬3) من طريق الإمامِ الحُسَيْن بن علي بن جعفر الأَصْبَهَانيِّ الحَنْبلي، قال: سمعتُ أحمدَ ابنَ محمَّدِ بنِ سَلِيلٍ التَّمِيمِيَّ الرازيَّ وَرَّاقَ عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: سمعتُ ابنَ أبي حاتم ¬
يقول: سمعتُ أبي يقول: إذا رأيتُمُ الرَّجُلَ يُحِبُّ أحمدَ بنَ حَنْبَلٍ، فاعلموا أنه صاحبُ سُنَّة. وفيما يلي قائمةٌ بأسماءِ بعضِ هؤلاءِ التلاميذِ ممَّن وقفنا عليهم في مُخْتَلِفِ المصادر، وقد استبعدْنَا مَنْ رأيناهم ذُكِرُوا مِنْ تلاميذِهِ على سَبِيلِ الوَهَمِ. وهم مُرتَّبون على حُرُوفِ المُعْجَمِ، مع الإشارةِ للمصادرِ التي ذُكِرَ فيها اسمُ ذلك التلميذ، وهم: إبراهيم بن محمد بن أحمد بن مَحْمُويَهْ، أبو القاسم الواعظ النَّصْرَاباذي (¬1) . إبراهيم بن محمد بن إسحاق الكَهْكَني، أبو إسحاق الجُرْجَاني (¬2) . إبراهيم بن محمد بن بِشْر (¬3) . إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن يَزْدَاد، أبو إسحاق الرازي (¬4) . ¬
إبراهيم بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَخْتُويَهْ، أبو إسحاق الْمُزَكِّي النَّيْسَابوري (¬1) . أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن كَثِير بن زِرٍّ، أبو بكر التاجر الرازي (¬2) . أحمد بن الحَسَن بن عبد ربِّه، أبو عليٍّ القَطَّان (¬3) . أحمد بن الحُسَيْن بن علي بن إبراهيم ابن الحَكَم، أبو زُرْعة الرازي الصغير الحافظ (¬4) . أحمد بن الحُسَيْن السَّرَوِيّ، أبو بكر المقرئ (¬5) . أحمد بن الخَلِيلِ القَزْوِينيُّ، جَدُّ الحافظ الخَلِيلي (¬6) . أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن (¬7) . أحمد بن القاسم بن يوسف بن فارس المَيَّانِجِيُّ، أبو عبد الله ¬
القاضي (¬1) . أحمد بن محمد بن الحُسَيْن، أبو حامد الخَرْجَاني المَعَافِرِيّ (¬2) . أحمد بن محمد بن الحُسَيْن البَصِير، أبو العَبَّاس الرازي الحافظ (¬3) . أحمد بن محمد بن سَلِيلٍ التَّمِيمي الرازي (¬4) . أحمد بن محمد بن عبد الله بن يَزْدَاد، أبو العباس الرازي (¬5) . أحمد بن محمَّد بن عيسى بن الجَرَّاح، أبو العَبَّاس بن النَّحَّاس، الرَّبَعِيُّ المصريُّ الحافظ (¬6) . أحمد بن محمد، أبو بكر الرازي الحافظ (¬7) . ¬
أحمد بن محمد، أبو سعيد النَّخَعِيُّ (¬1) . أحمد بن محمد البَحِيري (¬2) . أحمد بن موسى، أبو بكر الأَرْدَسْتاني (¬3) . أحمد بن يونس بن أحمد، أبو الحسن الطَّبَرِيّ (¬4) . آدم بن محمد بن آدم، أبو محمد الخُوَاري الرازي (¬5) . إسحاق بن صالح بن عَطَاء، أبو يعقوب الواسطي المقرئ، المعروف بالوَزَّان (¬6) . إسماعيل بن أحمد بن محمد بن داود النَّسَّاج القَزْويني (¬7) . إسماعيل بن محمد بن أبي حَرْب المَرَنْدي (¬8) . جعفر بن أحمد بن محمد، أبو القاسم المقرئ الرازي (¬9) . جعفر بن عبد الله بن يعقوبَ، أبو القاسم الرازي (¬10) . ¬
الحَسَن بن عبد الله بن سَعِيد، أبو أحمَدَ العَسْكَري (¬1) ، روى عنه إجازةً وكتابة، وقد رَوَى بعضَ مَسَائل "العِلَلِ" عن المصنِّف في كتابه "تصحيفات المحدِّثين". الحَسَن بن علي بن عُمَر بن يَزِيد الصَّيْدَنَاني المُزَكِّي، أبو محمد القَزْويني (¬2) . الحَسَن بن علي، أبو سَعِيد الرازي (¬3) . الحُسَيْن بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الشَّمَاخي، أبو عبد الله الهَرَوِيُّ الصَّفَّار (¬4) . الحُسَيْن بن سَعِيد (¬5) . الحُسَيْن بن علي بن العباس بن الفَضْل الهَرَوِيُّ الحافظ (¬6) . الحُسَيْن بن علي بن محمد التَّمِيمِيُّ، أبو أحمد النَّيْسَابوري، المعروف بـ «حُسَيْنَك» ، وهو أحدُ رُوَاةِ "العلل" عن المصنِّف (¬7) . ¬
الحُسَيْن بن محمد بن حَبَشٍ المقرئ (¬1) . الحُسَيْن بن محمد بن الحُسَيْن الثَّقَفي (¬2) . الحُسَيْن بن محمد بن العباس، أبو عليٍّ الفقيهُ الآمُلي (¬3) . حَمْدُ بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أيوب، أبو عليٍّ الرازي الأصبهاني (¬4) . حَمْزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن زيد بن عليٍّ، أبو يَعْلَى الزَّيْدي (¬5) . حَيْدَر بن محمد بن أحمد بن الجُنَيْد، أبو محمَّد الجُنَيْدِيُّ البخاري (¬6) . الخَضِرُ بن أحمد بن محمد بن الخَضِر القَزْويني، أبو علي الفقيه (¬7) . ¬
سليمان بن أحمد بن محمَّد بن داود، أبو داود الواعظ (¬1) . صالح بن أحمد بن محمَّد الحافظ، أبو الفَضْل التَّمِيمِيُّ، الأحنفي، الهَمَذَاني، ابن السِّمْسَار (¬2) . صالح بن عيسى (¬3) . صَفْوان بن الحُسَيْن (¬4) . العباس بن أحمد بن الفَضْل الزاهد، أبو الفَضْلِ الآجُرِّيُّ (¬5) . عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين بن عَبْدِيل، أبو نَصْر الشَّيْبَاني الهَمَذَاني الأنماطي (¬6) . عبد الرحمن بن محمد بن جعفر، أبو نَصْر العُقَيْلي الواعظ (¬7) . عبد الرحمن بن محمد بن حَمْدان (¬8) . عبد الرحمن بن محمد بن أبي اللَّيْث، أبو سعيد التَّمِيمي (¬9) . ¬
عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن الجُرْجَاني، أبو محمد القاضي (¬1) . عبد الله بن أحمد بن الحسن بن يحيى الفقيه (¬2) . عبد الله بن بِشْرٍ الطَّالْقَاني (¬3) . عبد الله بن بكر، أبو نَصْر البَزَّاز النَّيْسَابوري (¬4) . عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن أَسَدٍ، أبو القاسم الرازي الشافعيُّ المِصْري، الملقَّب بالدُّودِ (¬5) . عبد الله بن محمد بن بَرْزَةَ التاجر، أبو محمَّد البَرْزِيّ (¬6) . عبد الله بن محمد بن جَعْفَر بن حَيَّان، أبو الشيخِ الأنصاريُّ الأصبهاني، وهو من المُكْثِرِينَ من الرواية عن المصنِّف، وقد روى بعضَ مسائل "العِلَلِ" عنه (¬7) . ¬
عبد الله بن محمد بن جَعْفَر بن حَيَّان، أبو العباس الحَيَّاني البُوشَنْجِيّ (¬1) . عبد الله بن محمد بن الحَجَّاج (¬2) . عبد الله بن محمد بن عبد الوَهَّاب بن نُصَيْر، أبو سَعِيد الواصلي القُرَشي الرازي (¬3) . عبد الله بن محمَّد بن كَثِير البَيِّعُ (¬4) . عبد الله بن محمد بن مسلم (¬5) . *** عبد الله بن محمد الحَيَّاني (¬6) = عبد الله بن محمد بن جعفر. عبد الله بن محمد، أبو محمَّد الصَّيْدَلاني (¬7) . عبد الله بن محمد، أبو محمَّد الفقيه (¬8) . ولعلَّه الذي قبله. عبد الملك بن العَبَّاس بن خالد، أبو عليٍّ الخالديُّ القَزْوينيُّ الزاهد (¬9) . ¬
عُبَيْدالله بن محمَّد بن حَمْدُويَهْ، أبو الحَسَنِ الرازي الوزير (¬1) . عُبَيْدالله بن هارون بن موسى بن هارون بن حَيَّان، أبو نعيم الحَيَّاني (¬2) . عَتَّاب بن محمد بن أحمد بن عَتَّاب، أبو القاسم الرازي الوَرَامِينِيّ الحافظ (¬3) . عُتْبة بن عُبَيْدالله بن موسى بن عُبَيْدالله، أبو السائب الهَمَذَاني القاضي (¬4) . علي بن إبراهيم، أبو الحُسَيْن الرازي (¬5) . علي بن أحمد بن واصل المستملي، أبو القاسم الواصلي الزَّوْزَنِيّ (¬6) . علي بن بُخَار، أبو الحسن الرازي (¬7) ، وهو أَحَدُ رُوَاةِ ¬
"العِلَلِ" عن المصنِّف. علي بن بِشْر بن علي، أبو الحَسَن القَزْوِيني الصُّوفي (¬1) . علي بن الحُسَيْن بن عبد الرحمن، أبو الحَسَن البخاري، المعروفُ بالسَّدِيْوَرِيِّ (¬2) . علي بن عبد العزيز بن مُدْرِك، أبو الحسن البَرْذَعي (¬3) . علي بن عَطَاء القَزْويني (¬4) . علي بن القاسم بن العباس بن الفَضْل ابنِ شاذان، أبو الحسن القاضي الرازي (¬5) . علي بن القاسم بن محمَّد، أبو الحسن السُّهْرَوَرْدِيُّ (¬6) . علي بن محمد بن أحمد بن يعقوب، أبو الحُسَيْن المَرْوَزي القَزْوِيني (¬7) . ¬
علي بن محمد بن بُنْدَار، أبو الحَسَن الطَّبَري (¬1) . علي بن محمد بن عمر، أبو الحَسَن الفقيه القَصَّار (¬2) ، وقد روى كتاب «ثواب الأعمال» عن المصنِّف. علي بن محمَّد الفَأْفَاء (¬3) . علي بن مَنْصُور بن محمد بن أحمد بن يعقوب (¬4) . عَمَّار بن الحسن بن محمَّد بن ماجه (¬5) . عمر بن عبد الله بن زاذان، أبو حَفْص القاضي الزاذاني القَزْويني (¬6) . عمر بن محمَّد الخَيَّاط، أبو حفص الفقيه (¬7) . عيسى بن علي بن زَيْد، أبو القاسم الدِّينَوَرِيّ (¬8) ، وقيل: ابن أحمد بن علي بن زيد. الفضل بن الفضل، أبو العباس الكِنْدي (¬9) . ¬
القاسم بن عَلْقمة، أبو سعيد الأَبْهَري الشُّرُوطي، وقد رَوَى بعضَ مسائل "العلل" عن المصنِّف (¬1) . محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو عبد الله (¬2) . محمد بن أحمد بن جعفر بن أَذِيْنٍ، أَبُو بَكْرُ (¬3) . مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن شَاذَانَ الرازي (¬4) . محمد بن أحمد بن علي بن حامد الطَّبَري (¬5) . مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الفَضْل بن شَهْرَيَار، أبو بَكْر التاجر الأَرْدَسْتاني (¬6) ، وهو أحد رواة "العلل" عن المصنِّف. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن ميمون بن عَوْن الكاتب، أبو بكر القَزْوِيني (¬7) . محمد بن أحمد بن محمد بن حَمْدان، أبو عُثْمان (¬8) . محمد بن أحمد بن منصور القَطَّان (¬9) . ¬
محمد بن أحمد بن النَّضْر (¬1) . محمد بن أحمد، أَبُو بَكْرُ (¬2) . مُحَمَّد بْن أَحْمَد، أبو جعفر النَّاتِلِيُّ الحاجِّي (¬3) . محمد بن إسحاق بن محمَّد بن يحيى ابن مَنْدَهْ، أبو عبد الله العبدي (¬4) ، وهو أَحَدُ رُوَاةِ "العِلَلِ" عن المصنِّف. محمد بن إسحاق بن محمد القَزْويني، أبو عبد الله الكَيْسَاني (¬5) . محمد بن إسحاق بن يعقوب بن إسحاق، أبو بكر الشَّيْبَاني الطَّبَري (¬6) . محمد بن جعفر بن محمد، أبو جعفر المُوسَائي العَلَوي (¬7) . محمد بن جعفر بن محمد، أبو عبد الله الأُشْنَاني المُقْرئ (¬8) . ¬
محمد بن جعفر، أبو بكر الفُقَّاعي (¬1) . محمد بن الحَسَن بن محمد بن بَرْدَخْشَاذ السِّرَاجي، أبو عبد الله (¬2) . محمد بن الحَسَن، أَبو جعفر الخُدْرِيّ (¬3) . محمد بن الحُسَيْن الجُرْجاني، أبو الحَسَن الحَنَّاطي (¬4) . محمد بن الحُسَيْن الفارسي (¬5) . محمد بن سليمان بن حَمْدان البَزَّاز الخُوْزي، أبو الحُسَيْن القَزْوِيني (¬6) . محمد بن سليمان بن محمد بن سُلَيْمان، أبو سَهْل الحَنَفي العِجْلي الصُّعْلُوكي النَّيْسَابوري (¬7) . محمد بن سليمان بن يَزِيد بن سُلَيْمان بن سَلْمان الفَامِيّ، أبو سليمان القَزْوِيني (¬8) . ¬
محمد بن العباس بن أحمد بن محمد بن عُصْم، أبو عبد الله بن أبي ذُهْل العُصْمي الضَّبِّيّ (¬1) . محمد بن عبد الله بن جَعْفَر بن عبد الله بن الجُنَيْد، أبو الحُسَيْن الرازي، والدُ تَمَّام (¬2) . محمد بن عبد الله بن عبد العزيز، أبو بكرِ بنُ شاذان (¬3) . محمد بن عبد الله بن محمد بن الحُسَيْن الفقيه، أبو بكر الصِّبْغِيُّ النيسابوريُّ الشافعي (¬4) . محمد بن عبد الله أبو عَلِيٍّ الأصبهاني (¬5) . مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحَسَن (¬6) . مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْن، أبو بكر ابنُ الفَأْفَاء الرازيّ، قاضي الدِّيْنَوَر (¬7) . محمد بن علي بن حَمْزة العَلَوِيُّ الأَخْبَاري الشاعر (¬8) . ¬
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ، أبو عبد الله المُعَسَّلي (¬1) ، وهو مُكْثِرٌ عنه؛ روى عنه «فوائدَ العراقيين» . محمد بن علي بن محمَّد بن عَوْف البُرْجي، أبو مسلم الضرير (¬2) . محمد بن علي الساوي (¬3) . محمد بن عيسى بن محمد بن سعيد، أبو حاتمٍ الوَسْقَنْدي الرازي (¬4) . محمد بن محمد بن إسحاق الحاكم، أبو أحمَدَ الحافظ (¬5) . محمد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ بْنِ سَعِيد، أبو بكرٍ السِّجْزِيُّ النَّيْسَابوري العَدْل (¬6) . محمد بن مَيْسَرة بن علي بن الحسن ابن إدريس الخَفَّاف، أبو نُعَيْمٍ القَزْوِيني (¬7) . محمد بن يعقوب بن يوسف، أبو العَبَّاس الأَصَمّ (¬8) . ¬
محمد بن يوسف بن محمد بن الجُنَيْد، أبو زُرْعة الكَشِّيُّ الجُرْجَاني (¬1) . منصور بن محمد بن أحمد بن حَرْب، أبو نَصْرٍ البخاري الحَرْبي القاضي (¬2) . مَهْدِيّ بن محمد بن العباس بن عبد الله بن أحمد بن بَجِيَّةَ، أبو الحسن الطَّبَرِيّ، المعروفُ بابنِ سَرْهَنْكَ (¬3) . موسى بن إسحاق بن موسى الأنصاري الخَطْمي، قاضي الرَّيِّ (¬4) . موسى بْنِ عِمْران بْنِ مُوسَى بْنِ هِلاَل، أبو عِمْران السَّلَمَاسي (¬5) . الوليد بن أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ، أبو العَبَّاسِ الزَّوْزَنِيُّ الواعظ (¬6) . يعقوب بن يوسف بن يعقوب الرازي، أبو سَهْل (¬7) . ¬
يوسف بن القاسم بن يوسف، أبو بكرٍ القاضي المَيَّانِجِيُّ (¬1) . أبو أحمد بن أبي الحَسَنِ الدارمي (¬2) . *** أبو الحَسَنِ البَحِيرِيُّ (¬3) = لعله أحمد ابن محمد البَحِيري. أبو الحُسَيْنِ ابنُ أخي مُهَنَّا (¬4) . أبو القاسم العِجْلي (¬5) . *** أبو محمد بن أبي الحسن (¬6) = لعله الحسن بن علي بن عمر. أبو الوليد (¬7) . هكذا غير منسوب. ¬
مكانتُهُ العِلْميَّة، ورجوعُ العلماءِ إليه، وثناؤُهُمْ عليه: لقد أهَّل تبكيرُ ابنِ أبي حاتم بطلبِ العِلْمِ وجِدُّهُ فيه - إضافةً إلى ما أنعَمَ اللهُ به عليه مِنْ نشوئه بين خزائنِ العِلْم: أبيه وأبي زُرْعة - أهَّله ذلك إلى أن يَفُوقَ أقرانه، ويُصْبِحَ من أعلامِ العِلْمِ في عصره وبعده، في بلده وخارجها، يُشَارُ إليه بِالبَنَان، ويُرْجَعُ إليه في المُعْضِلات، وقد حَفِلَتْ ترجمةُ ابن أبي حاتم بإبرازِ مكانتِهِ العِلْمية التي تبوَّأَهَا بين العلماء، والشهادةِ له بالتقدُّمِ في العلوم، والثناءِ الجميلِ على شخصيَّته العِلْمية؛ فهذا أبو الحَسَنِ عليُّ ابنُ أحمَدَ الخُوَارَزْمي (¬1) يقول: «عبد الرحمن ابنُ أبي حاتم إمامٌ ابنُ إمام، قد رُبِّيَ بين إمامَيْنِ: أبي حاتم وأبي زُرْعة، إِمامَيْ هُدًى» . وقال أبو يعلى الخليلي (¬2) : «أخَذَ عِلْمَ أبيه وأبي زُرْعة، وكان بَحْرًا في العلومِ ومعرفةِ الرجال والحديثِ الصحيحِ من السقيم، وله من التصانيفِ ما هو أشهَرُ مِنْ أن يُوصَفَ؛ في الفقه، والتواريخ، واختلافِ الصحابة والتابعين وعلماءِ الأمصار ... ويقال: إنَّ السُّنَّةَ بالرَّيِّ خُتِمَتْ به» . وقال أيضًا (¬3) : «كان يقال: أئمةٌ ثلاثةٌ في زمان واحد: ابنُ أبي داود ببغداد، وابنُ خُزَيْمة بِنَيْسَابور، وابنُ أبي حاتم بالرَّيِّ» . ¬
وقد صنَّف أبو الحسن عليُّ بنُ إبراهيم الرازيُّ الخطيبُ المجاوِرُ بمكَّة ترجمةً لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم؛ قال فيها (¬1) : سمعتُ أبا الحسنِ عليَّ بن الحسن المِصْريَّ بالرَّيِّ - في جنازةِ عبد الرحمن بن أبي حاتم، وكان رَحَلَ إليه من العراقِ، وسَمِعَ منه - يقولُ: «قَلَنْسُوَةُ عبد الرحمن من السماء (¬2) ، وما هو بِعَجَبٍ، رَجُلٌ منذ ثمانين سنةً على وَتِيرَةٍ واحدة، ما انحرَفَ عن الطريقِ ساعةً واحدة» . وقال أبو عبد الله الزَّعْفَرَاني (¬3) : «روى ابنُ صاعد ببغدادَ في أيَّامه حديثًا أخطَأَ في إسناده، فأنكَرَ عليه ابنُ عُقْدَةَ الحافظُ، فخرَجَ عليه أصحابُ ابن صاعد، وارتَفَعُوا إلى الوزيرِ عليِّ ابن عيسى، وحُبِسَ ابن عُقْدة، فقال الوزير: مَنْ يُسْأَلُ أو يُرْجَعُ إليه؟ فقالوا: ابن أبي حاتم. قال: فكتَبَ إليه الوزيرُ يسألُهُ عن ذلك؟ فنظَرَهُ وتأمَّلَ، وإذا الحديثُ على ما قال ابن عُقْدة، فكتَبَ إليه بذلك، فأُطْلِقَ عن ابن عُقْدة، وارتفَعَ شأنه» . ¬
وقال أبو الوليد الباجي (¬1) : «عبد الرحمن ابن أبي حاتم ثِقَةٌ حافظ» . وقال ابن أبي يعلى (¬2) : «أبو محمَّدٍ الإمامُ، ابنُ الإمامِ، الحافظُ» . وقال ابن عساكر (¬3) : «أَحَدُ الحُفَّاظ، صنَّفَ "كتاب الجَرْح والتعديل"، فأكثَرَ فائدتَهُ، رحَلَ في طلب الحديث» . وقال القزويني (¬4) : «مِنْ كبارِ الدنيا عِلْمًا وَوَرَعًا» . وقال ابن نقطة (¬5) : «الإمامُ ابنُ الإمام» . وقال ياقوت (¬6) : «أحدُ الحُفَّاظ، صنَّف "الجَرْح والتعديل"، فأكثَرَ فائدتَهُ» . وهذه عبارةُ الحافظِ ابنِ عساكر السابقةُ، فيبدو أنه أَخَذَهَا عنه. وقال الذهبي (¬7) : «وكان بَحْرًا لا تُكَدِّرُهُ الدِّلاَء» . وقال الحافظ ابن كَثِير (¬8) : «الحافظُ الكبيرُ، ابنُ الحافظِ الكبيرِ» . وقال ابن السُّبْكي (¬9) : «أحدُ الأئمَّة في الحديثِ والتفسيرِ والعبادةِ ¬
والزُّهْدِ والصلاحِ، حافظٌ ابنُ حافظٍ» (¬1) . وقد ذكَرَ اللاَّلَكَائِيُّ (¬2) سياقَ ما رُوِيَ عن النبي (ص) وعن الصحابةِ والتابعين في رُؤْيَةِ المؤمنين الرَّبَّ عَزَّ وجل، ثم أورَدَ أسماءَ الصحابةِ والتابعين الذين رُوِيَ عنهم ذلك، ثم قال: «ومِنَ الفقهاء: مالكُ بنُ أنس، واللَّيْثُ ابنُ سَعْد، والأوزاعي ... ومحمدُ بنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وابنُ خُزَيْمة، وعبدُالرحمنِ بنُ أبي حاتم» ؛ فهذا يعني أنه معدودٌ في الفقهاء أيضًا. صلاحُهُ وزُهْدُهُ ووَرَعُهُ، وعِبَادتُهُ وتَوَاضُعُهُ: عُرِفَ أبو محمَّد عبدُالرحمنِ بنُ أَبِي حاتم رَحِمَهُ اللَّهُ بِكَثْرةِ عبادته، وشِدَّةِ خوفِهِ وورعِهِ، وهذه ثمرةُ العِلْم؛ كما قال تعالى: [فَاطِر: 28] {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} . وقال عبد الله بن مسعود ح (¬3) : «ليس العِلْمُ بِكَثْرةِ الروايةِ، وإنما العِلْمُ الخَشْية» . وفيما يلي ذِكْرٌ لأقوالِ أهل العلم وشهادَتِهِمْ لأبي محمَّد بذلك: قال علي بن إبراهيم الرازي (¬4) : «كان عبد الرحمن بن أبي حاتم مُقْبِلاً على العبادةِ مِنْ صِغَره، والسَّهَرِ بالليل، والذِّكْرِ، ولزومِ الطهارة، فكساه اللهُ بها نُورًا، فكان يُسَرُّ به من نَظَرَ إليه» . ¬
وقال أبو الحسن علي بن أحمد الفَرَضِيُّ (¬1) : «ما رأيتُ أحدًا ممَّن عرَفَ عبد الرحمن ذكَرَ عنه جهالةً قَطُّ، وكنتُ ملازمًا له مدةً طويلةً فما رأيتُهُ إلا على وتيرةٍ واحدة، لم أَرَ منه ما أنكرتُهُ مِنْ أمرِ الدنيا ولا مِنْ أمر الآخرة، بل رأيتُهُ صائنًا لنفسِهِ ودينِهِ ومروءتِهِ» . وقال علي بن إبراهيم (¬2) : سمعتُ العبَّاس ابن أحمد الكِيْلِيَّ يقول: بَلَغني أنَّ أبا حاتم قال: «ومَنْ يَقْوَى على عبادةِ عبد الرحمن؟! لا أَعْرِفُ لعبد الرحمن ذَنْبًا!» . وقال أبو الفَضْل التِّرْمِذي (¬3) : «كنتُ مع أبي حاتم، إذْ خرَجَ من السِّكَّةِ، وعبدُالرحمنِ في الصلاةِ يصلِّي بالناسِ على رَأْسِ مَسْكَنِهِ، فوقَفَ فقال: خَفِّفْ يا عبد الرحمن، ثم قال: لا يتهيَّأُ لي أنْ أَعْمَلَ ما يَعْمَلُ عبدُالرحمن!» . وسأل أبا عبد الله القزوينيَّ الواعظَ المعروفَ بابن السَّامِي بعضُ إخوانه: أَيْشٍ خَبَرُكَ يا أبا عبد الله مع أبي محمَّد في الصلاة؟ فقال له: «إذا دَخَلْتَ مع عبد الرحمن في الصلاة، فَسَلِّمْ نفسَكَ إليه يَعْمَلُ بها ما يشاء» (¬4) . ¬
وقال أبو عبد الله بن دينار الدِّيْنَوَرِيُّ (¬1) : «قد رأيتُ مشايخَ أهلِ العِلْمِ، ما رأيتُ أحسَنَ شَيْبَةً من عبد الرحمن بن أبي حاتم» . وقال أبو يعلى الخَلِيلي (¬2) : «وكان زاهدًا يُعَدُّ من الأبدال (¬3) » . وروى الخطيبُ (¬4) بإسناده عن أبي بَكْرٍ محمد بن مَهْرُوْيَه بنِ سِنَان ¬
الرازي قال: سمعتُ عَليّ بْن الْحُسَيْن بْن الجُنَيْد يقول: سمعتُ يَحْيَى بْنَ مَعِين يَقُولُ: إنا لَنَطْعَنُ على أقوامٍ لعلَّهم قد حَطُّوا رِحالَهُمْ في الجنة منذ أكثَرَ من مِئَتَيْ سَنَةٍ (¬1) . قال ابن مَهْرُوْيَهْ: فدخلتُ على عبد الرحمن ابن أبي حاتم، وهو يَقْرَأُ على الناس كتابَ "الجَرْحِ والتعديل"، فحدَّثْتُهُ بهذه الحكايةِ، فَبَكَى، وارتعَدَتْ يداه حتَّى سقَطَ الكتابُ مِنْ يده، وجعَلَ يبكي ويَسْتَعِيدني الحكايةَ، ولم يَقْرَأْ في ذلك المجلسِ شيئًا، أو كما قال. وقال محمد بن الفضل العَبَّاسي (¬2) : «كنا عند عبد الرحمن بن أبي حاتمٍ وهو ذا يَقْرَأُ علينا "كتابَ الجَرْحِ والتعديل"، فدخَلَ عليه يوسفُ بنُ الحُسَيْن الرازي، فقال له: يا أبا محمَّد، ما هذا الذي تَقْرَؤُهُ على الناس؟ قال: كتابُ صَنَّفْتُهُ في الجَرْحِ والتعديل، فقال: وما الجَرْحُ والتعديل؟ فقال: أُظْهِرُ أحوالَ أهلِ العلم، مَنْ كان منهم ثِقَةً أو غيرَ ثقة، فقال له يوسف بن الحُسَيْن: استَحَيْتُ لك يا أبا محمد، كم مِنْ هؤلاءِ القومِ قد حَطُّوا رواحلهم في الجَنَّة منذ مِئَةِ سنةٍ، ومِئَتَيْ سنةٍ، وأنت تَذْكُرُهُمْ وتغتابهم على أَدِيمِ الأرضِ؟ فبكى عبد الرحمن، وقال: يا أبا يعقوبَ، لو سَمِعْتُ هذه الكلمةَ قبل تَصْنيفي هذا الكتابَ، لَمَا صَنَّفْتُهُ» . ¬
وذكَرَ الذَّهَبي (¬1) هذه الحكايةَ من طريقِ أبي سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوَهَّاب الرازي، ثم قال مُبَيِّنًا: «قلتُ: أصابَهُ على طريق الوَجَلِ وخَوْفِ العاقبة، وإلا فكلامُ الناقدِ الوَرِعِ في الضعفاءِ مِنَ النُّصْحِ لِدِينِ الله، والذَّبِّ عن السُّنَّة» . وروى ابن عساكر (¬2) أنَّ عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: «دخلْتُ دِمَشْقَ على كَتَبَةِ الحديثِ، فمررْتُ بِحَلْقة قاسمٍ الجُوعِيِّ، فرأيتُ نفرًا جلوسًا حوله وهو يتكلَّم عليهم، فهالني مَنْظَرُهُمْ، فتقدَّمْتُ إليهم، فسمعتُهُ يقول: اغتَنِمُوا مِنْ أهلِ زمانكم خَمْسًا، منها: إنْ حَضَرْتُمْ لم تُعْرَفُوا، وإنْ غِبْتُمْ لم تُفْقَدُوا، وإنْ شَهِدتُّمْ لم تُشَاوَرُوا، وإنْ قلتم شيئًا لم يُقْبَلْ قولُكُمْ، وإنْ عَمِلْتُمْ شيئًا لم تُعْطَوْا به. وأوصيكُمْ بخمسٍ أيضًا: إنْ ظُلِمْتُمْ لم تَظْلِموا، وإنْ مُدِحْتُمْ لم تَفْرَحُوا، وإنْ ذُمِمْتُمْ لم تَجْزَعوا، وإنْ كُذِّبْتُمْ فلا تَغْضَبُوا، وإنْ خانوكم فلا تَخُونوا. قال: فجعلْتُ هذا فائدتي من دِمَشْقَ» . وقال ابن كَثِير (¬3) : «وكان مِنَ العبادةِ والزَّهَادة والوَرَعِ والحِفْظِ والكَرَاماتِ الكثيرةِ المَشْهورة على جانبٍ كبيرٍ _ح، وقد صلَّى مَرَّةً، فلمَّا سلَّم قال له رَجُلٌ مِنْ بعضِ مَنْ صلَّى معه: لقد أَطَلْتَ بنا، ولقد سَبَّحْتُ في سجودِي سبعينَ مَرَّةً! فقال عبد الرحمن: لكنِّي واللهِ ¬
ما سَبَّحْتُ إلا ثلاثًا. اهـ. وقال عليُّ بنُ إبراهيم (¬1) : دخلنا يومًا على عبد الرحمن بِغَلَسٍ قبل صلاةِ الفَجْرِ في مَرَضِهِ الذي توفِّي فيه، وكان على الفراشِ قائمًا يصلِّي، وكنا جماعةً وأبو الحُسَيْنِ الدَّرَسْتِينِيُّ في الجماعة، فركَعَ فأطالَ الركوع، فقال أبو الحُسَيْن: هو على العادةِ التي كان يستعملها في صِحَّته. وقال عليُّ بن إبراهيم أيضًا (¬2) : سمعتُ أحمَدَ بنَ محمَّد بْنِ عمر الرازي- بعد وفاةِ عبد الرحمن بن أبي حاتم، والناسُ مجتمعون للتعزية (¬3) ، والمسجدُ غاصٌّ بأهله - قام فقرأ: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ *} [المؤمنون] {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ *} ، فَضَجَّ المسجدُ بالبكاءِ والنَّحِيب، وقالوا: نرجو أنْ يكونَ عبدُالرحمنِ مِنْ أهلِ هذه الآيات؛ فإنَّ هذه الخصالَ كانتْ كلُّها فيه. مِحْنَتُهُ: ذكَرَ الإمامُ الحافظُ قَوَّامُ السُّنَّة الأصبهانيُّ (¬4) محنةً وقعَتْ لعبد الرحمن بن أبي حاتم؛ حين تعرَّض للقتل عدةَ مراتٍ من بعض ¬
المخالفين له في المعتَقَدِ، لكنْ لم نَجِدْ لهذه المِحْنة ذِكْرًا عند غير قَوَّامِ السنة، وفيها شيء من الغَرَابة؛ ومن ذلك: ما ذُكِرَ أنَّ ابن أبي حاتمٍ قال: إنها أعجَبُ من محنةِ الإمامِ أحمد، مع أنها ليستْ شيئًا في مقابلِ محنة الإمامِ أحمد؛ فلذلك أعرضنا عن ذكرها. عَدْلُهُ وإنصافُهُ وتواضُعُهُ: عُرِفَ عن ابن أبي حاتم _ح اتصافُهُ بالزهد والصلاح كما تقدَّم. لكنْ قد يَزْهَدُ الإنسانُ في المال، ومَلَذَّاتِ الدنيا الظاهرة، وتَضْعُفُ نفسُهُ عن الشهواتِ الخفيَّة. أمَّا ابنُ أبي حاتمٍ فقد حَفِظَ لنا التاريخُ بعضًا مِنْ سِيرَتِهِ التي تَدُلُّ على كَسْره لشهوةِ نَفْسه الخفيَّة؛ مما يَدُلُّ على اتصافِهِ بزُهْدِ الباطنِ كما اتصَفَ بزهدِ الظاهر. فبِرَغْمِ ما عُرِفَ عن أبيه وأبي زُرْعة من إمامتهما في علم الحديث، مما يُعَدُّ فخرًا لابن أبي حاتم، إلا أننا نَجِدُهُ يَغْلِبُ نَفْسَهُ ويُنْصِفُ؛ فيذكُرُ مَنْ كان يفوقهما مِنْ أقرانهما؛ فيما يرى؛ فقد روى ابنُ عساكر (¬1) عن أبي عبد الله الحاكمِ الحافظ؛ قال: سمعتُ أبا عليِّ بنَ عَبْدُوْيَه الوَرَّاق بالرَّيِّ يقولُ: سمعتُ عبدَالرحمنِ بنَ أبي حاتم يقول: كان ابنُ وَارَةَ (¬2) إذا اجتمَعَ مع أبي وأبي زُرْعة تقدَّمهم؛ لأنه ¬
كان أسنَّهُمْ وأسندَهُمْ. فلم تَمْنَعِ ابنَ أبي حاتمٍ مكانةُ أبيه وأبي زُرْعة عنده مِنْ أن يذكُرَ تَقدُّمَ ابنِ وَارَةَ عليهما. وقد تجاوَزَ عبدُالرحمن ذلك ففضَّلَ قرينَهُ على نَفْسِهِ؛ فقد أورَدَ الذَّهَبي (¬1) عن أحمدَ بنِ عبد الله المعدّل؛ قال: سمعتُ عبد الله بن خالد الأَصْبَهانيَّ يقول: سئل عبد الرحمن بن أبي حاتم عن ابنِ خُزَيْمة؟ فقال: وَيْحَكُم! هو يُسْأَلُ عنا، ولا نُسْأَلُ عنه، هو إمامٌ يُقْتَدَى به. ويظهر تواضُعُه في أنه كان يروي عمَّن هو أصغَرُ منه، مِثْلُ: أبي الفَضْلِ يعقوبَ بنِ إسحاق الهَرَوِيِّ، الحافظ، روى عنه عبد الرحمن بن أبي حاتم بالإجازةِ، وهو أكبَرُ منه (¬2) . مصنَّفاته: تمكَّن عبد الرحمن بن أبي حاتم - مِنْ خلالِ ملازمتِهِ لأبيه ولأبي زُرْعة، وكَثْرَةِ رِحْلاتِهِ العِلْميَّةِ وسَعَةِ اطلاعِهِ ورواياتِهِ - مِنْ جَمْعِ مادةٍ علميةٍ دَفَعَتْهُ إلى كثرةِ التصنيفِ الذي أشار إليه يحيى بنُ مَنْدَهْ بقولِه (¬3) : «صنَّفَ ابنُ أبي حاتم المُسْنَدَ في ألفِ جُزْءٍ، وكتابَ الزُّهْد، وكتابَ الكُنَى، وكتابَ الفوائدِ الكبيرَ، وفوائدَ أهلِ الرَّيِّ، وكتابَ تقدمةِ ¬
الجرحِ والتعديلِ» ، وأشار إليه أبو يعلى الخَلِيليُّ بقولِه (¬1) : «وله مِنَ التصانيفِ ما هو أشهَرُ من أن يُوصَفَ؛ في الفقهِ، والتواريخِ، واختلافِ الصحابةِ والتابعينَ وعلماءِ الأمصارِ ... » . وقد حكى ابن نُقْطة (¬2) ، عن الخَلِيلي: أنَّ جَدَّهُ كان مع إسماعيل ابن محمَّد بن أبي حَرْب الْمَرَنْدي في الرِّحْلة حين ارتحَلَ إلى ابن أبي حاتم، وأنه كتَبَ عن ابن أبي حاتم أكثَرَ من خَمْسِ مِئَةِ جُزْءٍ. ولكثرةِ مصنَّفاته كان لها فِهْرِسٌ كبير؛ قال القَزْوِيني (¬3) : «وجمَعَ وصنَّفَ الكثيرَ حتَّى وقَعَتْ ترجمةُ مصنَّفاتِهِ الكبارِ والصغارِ في أوراق!» ، وقد ذكَرَ (¬4) أنه رأى هذا الفِهْرِسَ؛ قال عند ذِكْرِ من صنَّف في فضائل قَزْوِين: «وقد ألَّف وجمَعَ فيها الإمامُ المشهور عبد الرحمن بن أبي حاتم، رأيتُ فِهْرِسْتَ كُتُبِهِ التي وقَفَهَا وتصدَّق بها. في جملةِ ما سمَّاها من مصنَّفاته الصغيرةِ والكبيرةِ: وجُزْء في فضائلِ قَزْوِين» . ولا شَكَّ في أنَّ مصنَّفَاتِهِ تربو على ما ذكَرَهُ ابنُ مَنْدَهْ وغيره، وإليك ذكرَ ما تَمَّ الظَّفَرُ به منها: آدابُ الشافعيِّ ومناقبُهُ. مطبوعٌ. ¬
أصلُ السُّنَّةِ، واعتقادُ الدين (¬1) . بيانُ خَطَأ أبي عبد الله محمَّد بْنُ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيِّ فِي "تاريخه". مطبوع. التفسيرُ، وقد طُبِعَ ما وُجِدَ منه. تقدمةُ الجَرْحِ والتعديلِ. مطبوع (¬2) . ثوابُ الأعمال (¬3) . الجرحُ والتعديلُ. مطبوع. ¬
جُزْءٌ مِنْ حديثِ أبي محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي (¬1) . الجِهَادُ؛ ذكَرَهُ ابنُ أبي حاتمٍ في "العِلَلِ" (¬2) ، فقال: «فنظَرْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا كَتَبْتُ عن يونس بن عبد الأَعْلَى في "كتاب الجهاد"» . اهـ. ويَبْقَى النظر بعد ذلك: هل هذا مصنَّفٌ مستقلٌّ بهذا العنوان، أو يَعْنِي به أَصْلَ كتابِهِ عن شيوخِهِ؟ حديث (¬3) . الرَّدُّ على الجَهْمية (¬4) . زُهْدُ الثمانيةِ من التابعين (¬5) ، وهم: عامرُ بنُ عبد الله، وأُوَيْسٌ القَرَنِيُّ، وهَرِمُ بن حَيَّان، والربيعُ بن خُثَيْم، وأبو مسلم الخَوْلاَني، ¬
والأسودُ بن يَزِيد، ومَسْروقُ بن الأَجْدَع، والحَسَنُ البَصْريُّ. الزُّهْدُ (¬1) . السُّنَّةُ (¬2) . فضائلُ أهلِ البيت (¬3) . فضائلُ قَزْوين (¬4) . فضائلُ مَكَّة (¬5) . فوائدُ الرَّازِيِّينَ (¬6) . ¬
فوائدُ العِرَاقيين (¬1) . الفوائدُ الكبيرُ (¬2) . كِتَابُ الْعِلَلِ، وهو كتابُنَا هذا، وسيأتي الحديثُ عنه مفصَّلاً (¬3) . الكُنَى (¬4) . المراسيلُ. مطبوع. المُسْنَدُ (¬5) . مناقبُ أحمد (¬6) . رواياتُهُ للكتب: وهناك كُتُبٌ مِنْ رواية ابن أبي حاتم عن مصنِّفيها، منها: 1) حديثُ الحَسَن بن عَرَفة (¬7) . 2) كتابُ «التفسير» لأبي سَعِيد عبد الله بن سَعِيد الأَشَجِّ الكِنْدي (¬8) . ¬
3) كتاب «المُسْنَد» لوكيع بن الجَرَّاح (¬1) . وَقْفُهُ كُتُبَهُ على المسلمين: تقدَّم أنَّ عبد الرحمن أطالَ ملازمةَ أبيه وأبي زُرْعة، وأصبَحَ راويتهما؛ ولذا رَأَى أنَّ ما في كتبهما مُودَعٌ في كتبه؛ فلا حاجةَ لوجودِ أصولِ كتبهما بعد قيامِهِ بتهذيبِ هذه الكُتُبِ وتَنْقيحِهَا، فقام بِدَفْنها، ثم جعَلَ كُتُبَهُ التي صنَّفها وَقْفًا يَنْتفِعُ بها عمومُ المسلمين، واختار وَصِيًّا عليها؛ وكان وَصِيَّهُ عليها أبو الحسن عليُّ بنُ الحُسَيْن الدَّرَسْتِينِيُّ القاضي (¬2) . موقفُهُ من الرواية عن المجروحين: جرتْ عادةُ كثيرٍ من المحدِّثين بِتَرْكِ الرواية عن المجروحين، ومن هؤلاءِ المحدِّثين: أبو حاتمٍ وأبو زُرْعة الرازيَّان؛ ففي "الجرح والتعديل" (¬3) ترجَمَ عبد الرحمن بن أبي حاتم للقاسمِ بنِ محمد بن أبي شَيْبة، وقال: «قال أبو زُرْعة: كتبْتُ عن القاسمِ بن محمَّد بن أبي شَيْبة، ولم أحدِّثْ عنه بشيءٍ» ، ثم قال عبد الرحمن: «سُئِلَ أبي عنه؟ فقال كتبتُ عنه، وتركْتُ حديثَهُ» . وترجَمَ عبد الرحمن أيضًا (¬4) لمحمَّد بن عُقْبة السَّدُوسي البَصْري وقال: «سألتُ أبي عنه؟ فقال: ضعيفُ الحديثِ، كتبْتُ عنه ثم تركْتُ ¬
حديثَهُ، فليس نحدِّث عنه، وترَكَ أبو زُرْعة حديثَهُ ولم يَقْرَأْ علينا، وقال: لا أحدِّثُ عنه» . وقد جرَى عبد الرحمن على طريقةِ هذَيْنِ الإمامَيْنِ، فربما كتَبَ عن الرجلِ، فإذا تبيَّن له أنه مجروحٌ، ترَكَ الروايةَ عنه. ومن أمثلة ذلك: أنه ترجَمَ (¬1) لمحمَّد بن إسحاق الصِّينِيِّ، فقال: «كتبتُ عنه بمكة ... وسألتُ أبا عَوْن ابن ِ عمرو بن عَوْن عنه، فتكلَّم فيه، وقال: هو كذَّاب. فتركْتُ حديثَهُ» . وترجم أيضًا (¬2) لعيسى بن أبي عِمْران البَزَّارِ الرَّمْلي، فقال: «كتبتُ عنه بالرَّمْلة، فنظَرَ أبي في حديثِهِ، فقال: يَدُلُّ حديثُهُ أنه غيرُ صدوق. فتركْتُ الروايةَ عنه» . شخصيَّتُهُ العِلْميَّةُ النقديَّةُ وآراؤُهُ: وَرِثَ عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه مكانَتَهُ العلميَّةَ التي استبانَتْ لنا مِنْ ثناء الأئمَّة عليه كما سبق، ويَدُلُّ عليه اعتدادُهُمْ بأحكامِهِ على الرجالِ في كتابِ "الجرح والتعديل". وهناك بعضُ المواقفِ التي تَدُلُّ على هذا تفصيلاً: فمن ذلك: أنَّ أبا الشيخِ الأَصْبَهانيَّ ترجَمَ (¬3) لشيخِهِ أبي بكر ¬
محمد بن أحمد بن الوليد الثَّقَفي، وذكَرَ أنه كتَبَ عنه حديثًا لم يَكْتُبْهُ إلا عنه، وقال: فممَّا كتبنا عنه مِنَ الغرائب: حدَّثنا محمد بن أحمد بن الوليد؛ قال: ثنا أحمد بن شَيْبان الرَّمْلي؛ قال: ثنا سُفْيان بن عُيَيْنة، عن الزُّهْري، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أنَّ النبيَّ (ص) بعَثَ سَرِيَّةً إلى نَجْدٍ، فبلَغَ سُهْمَانُهُمُ اثنا عشَرَ (¬1) ، فنفَّلهم بعيرًا بعيرًا. ثم قال أبو الشيخ: ألقَيْتُ هذا الحديثَ على أبي محمَّد بن أبي حاتم، فأنكَرَهُ، وقال: قد كتبنا عنه (¬2) عامَّةَ ما عنده عن ابن عُيَيْنة، فلم نَجِدْ هذا. وترجَمَ عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬3) للحُسَيْنِ ابن إدريس الأنصاريِّ المعروفِ بابن خُرَّم الهَرَوِيِّ، وقال: «كتَبَ إليَّ بِجُزْءٍ من حديثِهِ عن خالد بن الهَيَّاج بن بِسْطَام، فأوَّلُ حديثٍ منه باطلٌ، وحديثُ الثاني (*) باطلٌ، وحديثُ الثالثِ (*) ذكرتُهُ لعليِّ بْن الحُسَيْن بْن الجُنَيْد، فقال لي: أَحْلِفُ بالطلاقِ أنه حديثٌ ليس له أصلٌ. وكذا هو عندي (¬4) ، فلا ¬
أدري منه أو مِنْ خالد بن هَيَّاج بن بِسْطام؟» . وقال أبو أحمد الحافظ (¬1) : سمعتُ عبد الرحمن بن أبي حاتمٍ يقولُ: ما بَقِيَ لكتابِ المبسوطِ راوٍ غَيْرُ أبي العَبَّاس الوَرَّاق، وبَلَغنا أنه ثقةٌ صدوق. وقال أحمد بن عبد الله المعدّل (¬2) : سمعتُ عبد الله بن خالدٍ الأَصْبَهانيَّ يقول: سُئِلَ عبد الرحمن بن أبي حاتم عن ابن خُزَيْمة؟ فقال: ويحكم! هو يُسْأَلُ عنا، ولا نُسْأَلُ عنه، هو إمامٌ يُقتدَى به. ومِنَ الآراءِ التي ذهَبَ إليها ابنُ أبي حاتم: جوازُ الروايةِ بالإجازةِ والمكاتَبَةِ، فقد تلقَّى عن بعضِ شيوخِهِ إجازةً، ومكاتبةً، وروَى بهما، وأجازَ هو لبعضِ تلاميذِهِ كذلك. ومِنْ أمثلة ذلك: قولُهُ (¬3) : «ثنا عليُّ بن المُبَارَك كتابةً؛ ثنا زيد بن المبارك» . وقوله (¬4) : «أنبأنا عبد الله بن أحمد - فيما كتَبَ إليَّ - قال: وسُئِلَ أبي» . وأما تلاميذُهُ الذين أجازهم، فمنهم: أبو عبد الله بن مَنْدَهْ؛ قال ¬
الذهبيُّ عنه (¬1) : «وله إجازةٌ من الحافظِ عبد الرحمن بن أبي حاتم» . ومنهم: أبو أحمَدَ الحَسَنُ بن عبد الله بن سَعِيدٍ العَسْكَري؛ قال في كتابه «تصحيفات المحدِّثين» : وأخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم إجازةً» ، وقال: «أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم فيما كتَبَ إلينا» (¬2) . ومنهم: حَمْدُ بن عبد الله الأَصْبَهاني؛ قال أبو الوليد الباجي (¬3) : «وما أخرجْتُهُ فيه عن عبد الرحمن بن أبي حاتم فأجازَهُ لنا أبو ذَرٍّ؛ قال: أجازه لنا حَمْدُ بنُ عبد الله الأصبهانيُّ؛ قال: أجازَهُ لنا عبد الرحمن» . أوهامُهُ: ما مِنْ إمامٍ من الأئمَّة إلا وله أوهامٌ، غيرَ أنَّها مغمورةٌ في بحر صوابِهِ، وتقدَّم في ذِكْرِ مصنَّفات ابن أبي حاتم أنه صنَّف كتابَ "بيان خطأ أبي عبد الله محمَّد بْنُ إسماعيلَ البخاريِّ فِي تاريخه"، وقد عُنِيَ الخطيبُ البغداديُّ _ح في كتابه "مُوضِحِ أوهامِ الجمعِ والتفريق" ببيانِ أخطاءِ وأوهامِ الأئمَّة التي وقعَتْ في الرجال، ومنهم عبد الرحمن ابن أبي حاتم. ¬
فمِنْ ذلك: ما ذكره الخطيبُ بقوله (¬1) : «وقد جمَعَ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازيُّ الأوهامَ التي أَخَذَها أبو زُرْعة على البخاريِّ في كتابٍ مفرد، ونظرْتُ فيه، فوجدتُّ كثيرًا منها لا تَلْزَمه، وقد حَكَى عنه في ذلك الكتابِ أشياءَ هي مدوَّنَةٌ في تاريخِهِ على الصواب، بخلافِ الحكايةِ عنه. ومن العَجَبِ: أن ابن أبي حاتمٍ أغار على كتابِ البخاريِّ (¬2) ، ونقلَهُ إلى كتابِهِ في الجَرْح والتعديل، وعمَدَ إلى ما تضمَّن من الأسماءِ، فسأل عنها أباه وأبا زُرْعة، ودوَّن عنهما الجوابَ في ذلك، ثم جمَعَ الأوهامَ المأخوذَةَ على البخاريِّ، وذكَرَهَا مِنْ غيرِ أن يقدِّم ما يُقِيمُ به العُذْرَ لنفسِهِ عند العلماء؛ في أنَّ قَصْدَهُ بتدوينِ تلك الأوهامِ بيانُ الصوابِ لمن وقَعَتْ إليه، دون الانتقاصِ والعَيْبِ لمن حُفِظَتْ عليه! ونحنُ لا نَظُنُّ أنه قصَدَ غيرَ ذلك؛ فإنه كان بِمَحَلٍّ من الدين، وأَحَدَ الرُّفَعَاءِ من أئمة المسلمين، رحمةُ اللهِ عليه وعليهم أجمعين» . ومن ذلك: توهيمُ الخطيبِ البغداديِّ للإمامِ الدَّارَقُطْنِيِّ في تفريقِهِ بين حَجَّاج بن سُلَيْمان بن أفلَحَ الرُّعَيْني، وحَجَّاج بن سُلَيْمان بن القُمْري؛ حيث قال (¬3) : «فوَهِمَ في التفريق بين هاتَيْن الترجمتَيْنِ؛ لأنَّ المذكورَ فيهما رجلٌ واحد» . ¬
قال الخطيب: «وقد وَهِمَ فيه عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازيُّ مِنْ قَبْلُ؛ كوَهَمِ أبي الحَسَن الدارقطني؛ وذلك أنَّ ابن أبي حاتم قال في "كتاب الجرح والتعديل" (¬1) : حَجَّاج ابن سُلَيْمان بن القُمْري: روى عن اللَّيْث بن سَعْد، روى عنه محمَّد بن سَلَمة المُرَادي، سألتُ أبي عن حَجَّاج بن سليمان بن القُمْري هذا؟ فقال: شيخٌ معروفٌ. ثم قال ابن أبي حاتم: حَجَّاج بن سليمان الرُّعَيْني: روى عن ابنُ لَهِيعة، روى عنه يونسُ بنُ عبد الأعلى، قيل ذلك لأبي زُرْعة، وسُئِلَ عنه؟ فقال: مُنْكَرُ الحديث. قال الخطيبُ: وهذا الرجُلُ قد ذكره أبو سَعِيدٍ عبد الرحمن بن يونس بن عبد الأعلى الصَّدَفِيُّ في "كتاب تاريخ المِصْرِيِّينَ" الذي ذَكَرَ لي أحمد بن محمد العَتِيقِيُّ أنه سَمِعَهُ من علي بن أبي سَعِيد بن يونس، عن أبيه، فقال: حَجَّاج بن سُلَيْمان بن أفلَحَ الرُّعَيْني: يكنى أبا الأزهر، يُعْرَفُ بابنِ القُمْري، يحدِّث عن حَرْمَلَةَ بنِ عِمْران، ومالكِ بنِ أنس، واللَّيْث، وابن لَهِيعة، وفي حديثه خطأٌ ومناكيرُ، توفِّي في السَّرَّاجِين فجأةً وهو على حِمَاره، يومَ السَّبْتِ لِسِتٍّ بَقِينَ من جُمَادَى الأولى، سنةَ سَبْعٍ وتسعين ومئة» . اتهامُهُ بالتشيُّع: جرَتْ سُنَّةُ اللهِ سبحانه بابتلاءِ المُصْلِحِينَ - من الأنبياء، والعلماء، ¬
والدُّعَاةِ، وغيرهم - بأنواعِ الابتلاءِ المختلفة، ومنها: رَمْيُهُمْ بما هم منه بُرَآء؛ كما قالوا عن نبينا (ص) : مجنونٌ، ساحرٌ ... إلخ. ومِنْ هؤلاءِ الذين ابتُلُوا ببعضِ الفِرَى: ابنُ أبي حاتم؛ فقد قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (¬1) بعد ذِكْرِ ترجمة ابن أبي حاتم: «وما ذكرتُهُ لولا ذِكْرُ أبي الفضل السُّلَيْماني له فَبِئْسَ ما صَنَعَ! فإنه قال: ذِكْرُ أسامي الشِّيعَةِ من المحدِّثين - الذين يقدِّمون عليًّا على عثمان -: الأعمش، النُّعْمان بن ثابت، شُعْبة ابن الحَجَّاج، عبد الرزَّاق، عُبَيْدالله بن موسى، عبد الرحمن بن أبي حاتم» . وهذه فِرْيَةٌ لا تَسْتنِدُ إلى دليل، بل الدليلُ بخلافها؛ وذلك أنَّ اللاَّلَكَائِيَّ (¬2) حين ذكَرَ معتقَدَ أبي زُرْعة وأبي حاتم، رواه مِنْ طريقِ عبد الرحمن بْنِ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: «سألتُ أبي وأبا زُرْعة عن مذاهبِ أهلِ السُّنَّةِ في أصول الدِّين، وما أدركا عليه العلماءَ في جميعِ الأمصار، وما يَعْتَقِدان مِنْ ذلك؟ فقالا: أَدْرَكْنَا العلماءَ في جميعِ الأمصار، حِجَازًا، وعِرَاقًا، وشَامًا، ويَمَنًا، فكان مِنْ مذهبهم: الإيمانُ قولٌ وعَمَلٌ، يَزِيدُ ويَنْقُصُ، والقرآنُ كلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ بجميعِ جهاته، والقَدَرُ خَيْرُهُ وشَرُّهُ مِنَ الله عز وجل، وخيرُ هذه الأمةِ بعد نبيِّها عليه الصلاةُ والسلام: أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثم عُمَرُ بنُ الخَطَّاب، ثم عُثْمانُ بنُ عَفَّان، ثم عَلِيُّ بنُ أبي طالب _ت، وهم ¬
الخلفاءُ الراشدون المَهْدِيُّون، وأنَّ العَشَرَةَ الذين سَمَّاهم رسولُ الله (ص) ، وشَهِدَ لهم بالجَنَّة، على ما شَهِدَ به رسولُ الله (ص) ، وقولُهُ الحَقُّ، والترحُّمُ على جميعِ أصحابِ محمد (ص) ، والكَفُّ عما شَجَرَ بينهم ... » ، وفي آخره قال عبد الرحمن: «وبه أقولُ أنا» . فهل هناك دليلٌ أَقْوَى مِنْ تصريحِ المرءِ بِمُعْتَقَدِهِ في المسألة نفسها؟! وهناك شبهةٌ أخرى ذكرها ياقوتُ (¬1) ؛ فقال: «وكان أَهْلُ الرَّيِّ أهلَ سُنَّةٍ وجماعةٍ، إلى أن تغلَّبَ أحمدُ بنُ الحَسَنِ المَارْدَانِيُّ عليها، فأظهَرَ التشيُّعَ، وأكرَمَ أهلَهُ وقرَّبهم، فتقرَّبَ إليه الناسُ بتصنيفِ الكتبِ في ذلك، فصنَّفَ له عبدُالرحمنِ بنُ أبي حاتم كتابًا في فضائلِ أهلِ البيت وغيره، وكان ذلك في أيامِ المُعْتَمِدِ وتغلُّبِهِ عليها في سنة 275، وكان قبل ذلك في خِدْمةِ كوتكين بن ساتكين التُّرْكي» . وهذه فِرْيةٌ أُخْرَى نُجِلُّ عبدَالرحمنِ أنْ يكونَ من أهلها، وهو ممَّن عُرِفَ عنه الوَرَعُ والزُّهْدُ في الدنيا كما مَرَّ معنا، فهل يُتَصَوَّرُ ممَّن هذه حاله أن يَجْعَلَ دينه سِلْعةً للملوك؟! وهو الذي ذكَرَ مِنْ معتقَدِ أبيه وأبي زُرْعة (¬2) قولَهُمَا: «والمرجئةُ المبتدِعَةُ ضُلاَّلٌ، والقَدَرِيَّةُ المبتدِعَةُ ضُلاَّلٌ؛ فمَنْ أنكَرَ منهم أنَّ اللَّهَ عزَّ وَجَلَّ لا يَعْلَمُ ما لم يكنْ قبل أنْ يكونَ فهو كافرٌ، وأنَّ الجهميَّةَ كُفَّارٌ، وأنَّ الرافضةَ رَفَضُوا الإسلامَ ... وسمعْتُ أبي وأبا زُرْعة يَأْمُرانِ بِهِجْرانِ أهلِ الزَّيْغِ والبِدَعِ، يُغَلِّظان في ذلك أشدَّ ¬
التغليظ، ويُنْكِران وَضْعَ الكتبِ بِرَأْيٍ في غيرِ آثار، ويَنْهَيَانِ عن مجالسةِ أهلِ الكلام، والنَّظَرِ في كُتُبِ المتكلِّمين، ويقولان: لايُفْلِحُ صاحبُ كلامٍ أبدًا ... » ، ويَخْتِمُ ذلك ابنُ أبي حاتم بقوله: «وبه أقولُ أنا» . فيا سبحانَ الله! رجلٌ يرى هِجْرَانَ أهلِ الزَّيْغِ والبِدَع، وينهى عن مجالستِهِمْ، يَذْهَبُ فَيَضَعُ لهم الكُتُبَ التي تناسبُ أهواءهم مِنْ أجلِ عَرَضٍ زائل؟! هذا لا يُتَصَوَّرُ من مثلِ ابنِ أبي حاتم!!. ثُمَّ إنَّ هذه الحكايَةَ وقَعَتْ - على ما ذُكِرَ هنا - سنَةَ (275هـ) ، وعُمْرُ عبد الرحمن (35) سَنَةً، وأبوه حَيٌّ، والشابُّ الذي في مِثْلِ هذا السِّنِّ لا يعوِّلُ الناسُ على قَوْلِهِ، وبخاصَّةٍ مع وُجُودِ أبيه، ثم أين كان أبوه عن هذا الانحرافِ؟! أَمَا كان يَرْدَعُ ابنَهُ، أو يَهْجُرُهُ على الأقَلِّ كما هجَرَ غَيْرَهُ مِنْ أهلِ البِدَعِ؟! ومع هذا كلِّه لم يذكُرْ ياقوتُ مِنْ أين أخَذَ هذه الحكايةَ، ولم يُورِدْ لها سندًا؛ فمثلها لا يَسْوَى مِدَادَ تسويده، ومن ذلك يتبيَّن أنه لا تَصِحُّ نسبةُ كتابِ "فضائل أهل البيت" إلى ابن أبي حاتم (¬1) ، والله أعلم. اتهامُهُ بِسَرِقَةِ كتابِ البخاري: كان للبخاريِّ _ح قَدَمُ السَّبْقِ في تصنيفِ كتابٍ يضمُّ رواةَ الحديثِ عامَّةً، وهو "التاريخُ الكبير"، غير أنه لم يَسْتَوْعِبْ جميعَ الرواة، بل فاتَهُ عددٌ منهم، ومع هذا فليس مِنْ مقصودِهِ ذِكْرُ أقوالِ الأئمة في هؤلاءِ ¬
الرواةِ جَرْحًا وتعديلاً، ولكنَّه اعتنَى ببيانِ سماعِ الراوي مِنْ شيوخه، وذِكْرِ الأحاديثِ المعلولةِ التي يرويها المترجَمُ له أحيانًا، وما تفرَّد به ... إلى غير ذلك مِنْ ملامحِ مَنْهَجِهِ في هذا الكتاب. فوقَفَ أبو حاتم وأبو زُرْعة على هذا الكتابِ، فوجَدَا فيه عِلْمًا غزيرًا، غَيْرَ أنه يَحْتاجُ إلى تكميلٍ وتهذيبٍ مِنْ وِجْهة نظرهما، فأناطا عَمَلَ ذلك بعبد الرحمن بن أبي حاتم الذي قام به خَيْرَ قيام، فكان من أبرزِ ماعَمِلَهُ: 1 - حَذْفُ الأحاديثِ التي يَذْكُرُهَا البخاريُّ. 2 - الاعتناءُ بِذِكْرِ الشيوخِ والتلاميذِ أكثَرَ من عنايةِ البخاريِّ. 3 - زيادةُ تراجِمَ كثيرةٍ لم يَذْكُرْهَا البخاريُّ؛ فقد بلَغَ عددُ تراجمِ "التاريخ الكبير" مع كتاب "الكُنَى" (15698) ترجمة حَسَبَ ترقيمِ التراجم، بينما بلَغَ عددُ تراجمِ "الجرح والتعديل" (18040) ترجمة؛ بزيادةٍ قَدْرُهَا (2342) ترجمة. 4 - إضافةُ أقوالِ أئمَّة الجَرْح والتعديل، مع أقوالِ أبيه وأبي زُرْعة في الرواة المعروفين، وَفْقَ منهجٍ انتقائيٍّ (¬1) من إمامٍ عارفٍ بهذا الشأن، وهذا ما لم يُعَرِّجْ عليه البخاريُّ، وهو أبرزُ مميِّزات هذا الكتاب، بحيثُ أصبَحَ عُمْدَةً لكلِّ مَنْ جاء بعده، فلو قال قائل: إنه في هذا أحسَنُ وأنفَعُ من كتابِ البخاريِّ، لَمَا أبعَدَ. ¬
ومع هذه المفارقاتِ وجَدْنَا مَنْ يَعِيبُ على ابن أبي حاتمٍ تأليفَهُ لهذا الكتاب: فقد قال أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق الحاكم الحافظ (¬1) : كنتُ بالرَّيِّ، فرأيتُهُمْ يومًا يقرؤون على أبي محمَّد ابن أبي حاتم كتابَ "الجَرْحِ والتعديل"، فلمَّا فَرَغُوا قلتُ لابنِ عَبْدُويَه الوَرَّاق: ما هذه الضُّحْكة؟ أراكم تقرؤون كتابَ "التاريخِ" لمحمد بن إسماعيلَ البخاريِّ على شَيْخِكم على هذا الوجه، وقد نَسَبْتموه إلى أبي زُرْعة وأبي حاتم؟! فقال: يا أبا أحمد، اعلَمْ أنَّ أبا زُرْعة وأبا حاتم لمَّا حُمِلَ إليهما هذا الكتابُ، قالا: هذا عِلْمٌ حَسَنٌ لا يُستغنَى عنه، ولا يحسُنُ بنا أن نَذْكُرَهُ عن غيرنا، فأقعَدَا أبا محمَّدٍ عبدَالرحمنِ حتى سألهما عن رَجُلٍ بعد رجلٍ؟ وزادا فيه ونَقَصَا منه. وقد أجاب الشيخُ عبد الرحمن المعلِّمي _ح عن هذا الإشكالِ بقوله (¬2) : «كأنَّ أبا أحمد _ح سَمِعَهُمْ يقرؤون بعضَ التراجمِ القصيرةِ التي لم يَتَّفِقْ لابنِ أبي حاتم فيها ذِكْرُ الجَرْحِ والتعديل، ولا زيادةٍ مهمَّةٍ على ما في «التاريخ» ، فاكتفَى بتلك النظرةِ السَّطْحيَّة، ولو تصفَّحَ الكتابَ لَمَا قال ما قال. لا رَيْبَ أنَّ ابن أبي حاتم حذا في الغالبِ ¬
حَذْوَ البخاريِّ في الترتيبِ وسياقِ كثيرٍ من التراجمِ وغيرِ ذلك، لكنَّ هذا لا يَغُضُّ مِنْ تلك المزيَّةِ العظمى، وهي التصريحُ بنصوصِ الجَرْحِ والتعديل، ومنها زيادةُ تراجمَ كثيرةٍ، وزياداتُ فوائدَ في كثيرٍ من التراجم، بل في أكثرها، وتدارُكُ أوهامٍ وقعتْ للبخاري، وغير ذلك. وأمَّا جوابُ ابن عَبْدُوْيَه الوَرَّاق فعلى قَدْرِ نفسه، لا على قَدْرِ ذَيْنِكَ الإمامَيْنِ: أبي زُرْعة وأبي حاتم، والتحقيقُ: أنَّ الباعثَ لهما على إقعادِ عبد الرحمن، وأَمْرِهِمَا إيَّاه بما أمراه: إنما هو الحِرْصُ على تسديدِ ذاك النَّقْصِ، وتكميلِ ذاك العِلْم، ولا أَدَلَّ على ذلك مِنِ اسمِ الكتابِ نَفْسه؛ "كتابُ الجَرْح والتعديل" ... » . وفاته: تُوُفِّيَ ابنُ أبي حاتم رَحِمَهُ اللهُ تعالى في المحرَّمِ سنةَ سَبْعٍ وعشرين وثلاثِ مِئَةٍ، بِالرَّيِّ، وهو في عَشْرِ التسعين، أي: وله بضعٌ وثمانون سنةً (¬1) . ¬
تَرْجَمَةُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ (¬1) اسْمُهُ، ووِلاَدَتُهُ، وطَلَبُهُ: هو محمد بن إدريس بن المُنْذِر بن داود بن مِهْران، الحَنْظَلِيُّ الغَطَفَانِيُّ الرازي. وُلِدَ سنَةَ خَمْسٍ وتِسْعين ومئة، وبَكَّرَ بطلبِ الحديثِ وكتابةِ العلم؛ فبدأَ كتابةَ الحديثِ وهو ابنُ أربعَ عَشْرَةَ سنةً؛ ورحَلَ رِحْلتَهُ الأولى وهو ابنُ ثمانَ عَشْرَةَ سنةً؛ سنةَ ثلاثَ عَشْرَةَ ومئتين، واستمرَّتْ أكثَرَ من سبع سنين. ورحَلَ رحلةً أخرى في سنة اثنتَيْنِ وأربعين. وتكبَّد المَشَاقَّ في رِحْلاته، ولاقى الشدائدَ، وعَدَّ ما مشى على قَدَمَيْهِ في أول رحلة، فبَلَغَ ما يقرُبُ من مسيرةِ أربعةِ أشهُرٍ سَيْرَ الجَادِّ، ثم ترَكَ العَدَّ!. شُيُوخُهُ: سمع خَلْقًا لا يُحْصَوْنَ كثرةً؛ قال الخليلي: «قال لي أبو حاتم ¬
اللَّبَّان الحافظ: قد جمعْتُ مَنْ روى عنه أبو حاتم الرازيُّ، فبلغوا قريبًا مِنْ ثلاثةِ آلاف» . ومِنْ هؤلاءِ الشيوخ: الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل، وآدَمُ بنُ أبي إياس، والرَّبِيعُ بن سُلَيْمان المُرَادي، وسَعِيدُ بن أبي مَرْيَم، وعبد الله بن صالح كاتبُ اللَّيْث، وعبدُالمَلِكِ بنُ قُرَيْبٍ الأَصْمَعيُّ، وعُبَيْدُاللهِ بنُ عبد الكريمِ أبو زُرْعة الرازي رفيقُهُ، وعمرو بن عليٍّ الفَلاَّس، وقُتَيْبةُ ابن سَعِيد، ومحمدُ بن بَشَّار بُنْدَار، ويحيى بن مَعِين، ويونس بن عبد الأعلى. تَلاَمِيذُهُ: حدَّث عنه خَلْقٌ كثيرٌ، منهم: إبراهيمُ الحَرْبي، وابن ماجه، وأبو بكر بن أبي الدُّنْيَا، وأبو داود، وأبو زُرْعة الدِّمَشْقِيّ، وأبو زُرْعة الرازي رفيقُهُ، والرَّبِيعُ بن سُلَيْمان المرادي - وهو مِنْ شيوخه - وعبد الرحمن بن أبي حاتم ابنه، والنَّسَائي، وابن صاعد، ويونس بن عبد الأعلى، وهو مِنْ شيوخه. ثَنَاءُ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ: قال عنه الذهبي: الإمامُ الحافظُ الناقد، شيخُ المحدِّثين، كان من بحورِ العِلْم، طَوَّفَ البلادَ، وبَرَعَ في المَتْن والإسناد، وجمَعَ وصنَّف، وجَرَحَ وعدَّل، وصَحَّحَ وعلَّل. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعتُ موسى بن إسحاقَ القاضي يقول: ما رأيتُ أحفَظَ مِنْ والدك. قال عبد الرحمن: وكان قد لَقِيَ
أبا بكرِ بنَ أبي شَيْبة، وابنَ نُمَيْر، وابنَ مَعِين، ويحيى الحِمَّاني. وقال الخَلِيلي: كان أبو حاتمٍ عالمًا باختلافِ الصَّحَابةِ وفِقْهِ التابعين ومَنْ بعدهم. سمعتُ جَدِّي وجماعةً سَمِعُوا عليَّ بنَ إبراهيم القَطَّان يقول: ما رأيتُ مِثْلَ أبي حاتم. فقلنا له: قد رأيتَ إبراهيمَ الحَرْبِيَّ وإسماعيلَ القاضي؟ قال: ما رأيتُ أجمَعَ من أبي حاتم وأفضَلَ منه (¬1) . وقال عليُّ بنُ إبراهيم الرازي: حدَّثنا أحمد ابن عليٍّ الرَّقَّام، سمعتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْن الدَّرَسْتِينِيَّ قال: سمعتُ أبا حاتم يقول: قال لي أبو زُرْعة: ما رأيتُ أحرَصَ على طَلَبِ الحديثِ منك! فقلتُ له: إنَّ عبد الرحمن ابني لَحَرِيصٌ. فقال: مَنْ أشبَهَ أباه فما ظَلَم. قال الرَّقَّام: فسألتُ عبد الرحمن عن اتفاقِ كَثْرةِ السماعِ له وسؤالاتِهِ لأبيه؟ فقال: ربَّما كان يأكُلُ وأقرَأُ عليه، ويَمْشِي وأقرَأُ عليه، ويدخُلُ الخَلاَءَ وأقرَأُ عليه، ويدخُلُ البيتَ في طَلَبِ شيء وأقرَأُ عليه!. وقال أحمدُ بن سَلَمة النَّيْسَابوري: ما رأيتُ بعد إسحاقَ (¬2) ومحمَّدِ بن يحيى أحفَظَ للحديثِ من أبي حاتمٍ الرازي، ولا أعلَمَ بمعانيه. وقال يونس بن عبد الأعلى: أبو زُرْعةَ وأبو حاتمٍ إماما خراسان. ودعا لهما، وقال: بقاؤُهُمَا صلاحٌ للمسلمين. ¬
وقال الخطيب: كان أبو حاتمٍ أحَدَ الأئمَّةِ الحفاظِ الأثبات. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعتُ أبي يقولُ: جرى بيني وبين أبي زُرْعة يومًا تمييزُ الحديثِ ومَعْرِفتُهُ، فجعَلَ يذكُرُ أحاديثَ وعِلَلَهَا، وكذلك كُنْتُ أذكُرُ أحاديثَ خطأ، وعِلَلَهَا، وخَطَأَ الشيوخِ، فقال لي: يا أبا حاتم، قَلَّ مَنْ يفهمُ هذا! ما أَعَزَّ هذا! إذا رَفَعْتَ هذا من واحد واثنَيْنِ، فما أقلَّ مَنْ تَجِدُ مَنْ يُحْسِنُ هذا! وربما أَشُكُّ في شيء أو يتخالجني في حديثٍ، فإلى أنْ ألتقي معك لا أَجِدُ مَنْ يشفيني منه. قال أبي: وكذلك كان أمري. وقال الذهبي: إذا وثَّق أبو حاتمٍ رجلاً فتمسَّكْ بقوله؛ فإنَّه لا يوثِّق إلا رجلاً صحيحَ الحديث، وإذا لَيَّنَ رجلاً أو قال فيه: لا يُحْتَجُّ به، فتوقَّفْ حتى تَرَى ما قال غيُرُه فيه؛ فإنْ وثَّقه أحدٌ فلا تَبْنِ على تجريح أبي حاتم؛ فإنَّه مُتَعَنِّتٌ في الرجالِ؛ قد قال في طائفةٍ من رجالِ الصِّحَاحِ: ليس بِحُجَّةٍ، ليس بِقَوِيٍّ، أو نحو ذلك. وَفَاتُهُ: قال أبو الحُسَيْن بن المُنَادِي وغيره: مات الحافظُ أبو حاتمٍ في شَعْبان سنةَ سَبْعٍ وسبعين ومئتين، وقيل: عاش ثلاثًا وثمانين سنة. رحمه الله تعالى.
تَرْجَمَةُ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ (¬1) اسْمُهُ، ووِلاَدَتُهُ، وطَلَبُهُ: هو الإمام، سيِّد الحُفَّاظ؛ عُبَيْدُاللهِ بنُ عبدِالكريمِ بنِ يزيدَ بنِ فَرُّوخ، مُحَدِّثُ الرَّيِّ، وجَدُّهُ فَرُّوخ: مولى عيَّاش بن مُطَرِّف بن عبد الله بْنِ عيَّاش بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ المَخْزُومي. وأبوه عبد الكريم هو خالُ رفيقِهِ أبي حاتم الرازي. وُلِدَ أبو زُرْعة سنةَ مئتين؛ على ما رُوِيَ عنه نفسه، وقيل في مولده غيرُ ذلك. طلَبَ الحديثَ وهو حَدَثٌ صغيرٌ، وارتحَلَ إلى الحجازِ والشامِ ومِصْرَ والعراقِ والجزيرةِ وخُرَاسان، وكانتْ نيَّةُ الرِّحْلةِ والسماعِ من الشيوخِ تخالطُ نِيَّتَهُ في الرِّبَاطِ؛ قال: «لا أعلَمُ صَفَا لي يَوْمُ رباطٍ قَطُّ؛ ¬
أمَّا بيروتُ فأَرَدْنَا العباسَ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَد، وأما عَسْقَلان فأردنا محمَّد بن أبي السَّرِيِّ، وأمَّا قَزْوين فمحمَّد بن سعيد بن سَابِق» . وكتَبَ وصنَّف ما لا يوصفُ كَثْرة. شُيُوخُهُ: سَمِعَ خلقًا كثيرًا؛ منهم: أبو الوليد الطَّيَالسي، والإمامُ أحمد بن حنبل، وأحمدُ بنُ يونس اليَرْبُوعي، والربيع بن سُلَيْمان المُرَادي، وسُلَيْمان ابن بِنْتِ شُرَحْبِيل، والعباس بن الوليد بن مَزْيَد، وعبد العزيز بن عبد الله الأُوَيْسِي، وعبد الله بن مَسْلَمة القَعْنَبي، وعمرو ابن عليٍّ الفَلاَّس، وأبو حاتمٍ الرازيُّ رفيقُهُ، وأبو نُعَيْم الفَضْل بن دُكَيْن، وموسى بن إسماعيل، وقَبِيصَة بن عُقْبة، ويحيى بن بُكَيْر، ويونس بن عبد الأعلى. تَلاَمِيذُهُ: حدَّث عنه الخلقُ الكثير أيضًا؛ منهم: أبو بكر بن أبي داود، وأبو عَوَانة الإِسْفَرَايِيني، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وعبدُاللهِ ابنُ الإمامِ أحمد، وعَدِيُّ بن عبد الله والدُ ابن عَدِيٍّ، والتِّرْمِذي، والنَّسَائي، وابن ماجه. وحدَّث عنه مِنْ شيوخه: إسحاق بن موسى، وحَرْمَلة بن يحيى، والرَّبِيع المُرَادي، وعمرو بن عليٍّ الفَلاَّس، ويونس بن عبد الأعلى، ومِنْ أقرانه: ابن وَارَة، وأبو حاتم، ومُسْلِمٌ، وإبراهيمُ الحَرْبي. ثَنَاءُ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ: قال أبو إسحاق الجُوزَجَاني: كنا عند سليمان بن عبد الرحمن، فلم يَأْذَنْ لنا أَيَّامًا، ثم دَخَلْنَا عليه فقال: بَلَغني ورودُ هذا الغلامِ -
يعني أبا زُرْعة - فَدَرَسْتُ للالتقاءِ به ثلاثَ مِئَةِ ألفِ حديثٍ. وقال عبد الله بن أحمد: لمَّا ورَدَ علينا أبو زُرْعة، نزَلَ عندنا، فقال لي أبي: يا بُنَيَّ، قد اعتضْتُ بنوافلي مذاكَرَةَ هذا الشيخِ. وقال الإمامُ أحمد أيضًا: ما جاوَزَ الجِسْرَ أحدٌ أفقَهُ من إسحاقَ ابنِ رَاهُوْيَهْ، ولا أحفَظَ من أبي زُرْعة. وقال ابن أبي شَيْبة: ما رأيتُ أحفَظَ من أبي زُرْعة. وقال محمد بن إسحاق الصاغاني: أبو زُرْعة يُشَبَّهُ بأحمدَ بنِ حنبل. وقال عَليّ بْن الحُسَيْن بْن الجُنَيْد: ما رأيتُ أحدًا أعلَمَ بحديثِ مالكٍ من أبي زُرْعة، وكذا سائرُ العلوم. وقال إسحاقُ بن رَاهُوْيَهْ: كلُّ حديث لا يعرفُهُ أبو زُرْعة الرازي فليس له أَصْلٌ. وقال يونس بن عبد الأعلى: ما رأيتُ أكثَرَ تواضعًا من أبي زُرْعة، هو وأبو حاتمٍ إمامَا خراسان. وحدَّث يونسُ يومًا فقال: حدَّثنا أبو زُرْعة، فقيل له: مَنْ هذا؟ فقال: إنَّ أبا زُرْعة أشهَرُ في الدنيا مِنَ الدنيا. وقال فَضْلَكُ الصائغُ: دخلْتُ على الرَّبِيعِ بِمِصْرَ فقال: مِنْ أين؟ قلتُ: من الرَّيِّ. قال: تركْتَ أبا زُرْعَةَ وجئتَ؟! إنَّ أبا زرعة آيَةٌ، وإنَّ الله إذا جعَلَ إنسانًا آيَةً أبانه مِنْ شكله، حتى لا يكونَ له ثانٍ.
ودخَلَ فَضْلَكُ أيضًا في المدينةِ على أبي مُصْعَبٍ الزُّهْري، فقال له: تَرَكْتَ أبا زُرْعة وجئتني؟! لَقِيتُ مالكًا وغيره، فما رأتْ عيناي مِثْلَ أبي زرعة. وَفَاتُهُ: كانتْ وفاته _ح في آخرِ يومٍ من سنة أربعٍ وستين ومئتين. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ محمَّد بْنُ عليٍّ وَرَّاقُ أبي زُرْعة: حَضَرْنَا أبا زرعةَ بـ «ماشَهْرَانَ» وهو في السَّوْقِ (¬1) ، وعنده أبو حاتمٍ وابن وَارَةَ والمنذرُ ابنُ شاذان وغيرهم، فَذَكَروا حديثَ التلقين: «لَقِّنُوا موتاكم: لا إله إلا الله» واستَحْيَوْا من أبي زُرْعة أن يلقِّنوه، فقالوا: تَعَالَوْا نذكُرُ الحديثَ؛ فقال ابن وَارَةَ: حدَّثنا أبو عاصم، حدَّثنا عبد الحميد بن جعفر، عن صالح. وجعل يقولُ: ابن أبي. ولم يجاوزْهُ. وقال أبو حاتم: حدَّثنا بُنْدَارٌ، حدَّثنا أبو عاصم، عن عبد الحميد بن جعفر، عن صالح. ولم يجاوز. والباقون سكتوا. فقال أبو زُرْعة، وهو في السَّوْقِ: حدَّثنا أبو عاصم، حدَّثنا عبد الحميد، عن صالحِ بنِ أبي عَرِيب، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّة، عَنْ مُعَاذ بْنِ جَبَل، قَالَ: قَالَ رسولُ الله (ص) : «مَنْ كان آخِرَ كلامِهِ: لا إِلَهَ إلا اللهُ، دخَلَ الجَنَّةَ» . وخرَجَ رُوحُهُ معه، رحمه الله تعالى. ¬
التَّعْرِيفُ بِـ"كِتَابِ الْعِلَلِ" لاِبْنِ أَبِي حَاتِمٍ أ) تمهيدٌ تَقَدَّمَ (¬1) ذِكْرُ المصنَّفاتِ التي صُنِّفَتْ في عِلَلِ الحديث، ومِنْهَا "كِتَابُ الْعِلَلِ" لعبد الرحمن بنِ أبي حاتم الذي هو مِنْ أَجْوَدِهَا وأَحْسَنِهَا عند الأئمَّة؛ وعنه يقولُ الحافظُ ابنُ كَثِير (¬2) : «ومِنْ أَحْسَنِ كتابٍ وُضِعَ في ذلك (¬3) ، وأَجَلِّهِ وأَفْحَلِِهِ: كتابُ "العِلَلِ" لعليِّ ابنِ الْمَدِينيِّ شيخِ البخاريِّ، وسائرِ المحدِّثين بعدَهُ في هذا الشأنِ على الخصوصِ. وكذلك "كتابُ العِلَلِ" لعبدِ الرحمنِ بنِ أبي حاتمٍ، وهو مرتَّبٌ على أبوابِ الفقهِ» . وفي مَعْرِضِ ذِكْرِ الحافظِ العراقيِّ (¬4) للكُتُبِ التي ينبغي لطالبِ عِلْمِ الحديثِ العنايةُ بها، قال: «ثم الكُتُبُ المتعلِّقةُ بِعِلَلِ الحديثِ، فمنها: كتابُ أحمدَ بنِ حنبل، وابنِ المَدِينِيِّ، وابنِ أبي حاتم ... » . ويقولُ السَّخَاويُّ (¬5) في مَعْرِضِ ذِكْرِهِ للكُتُبِ التي ينبغي لطالبِ عِلْمِ الحديثِ العنايةُ بها - تبعًا للعراقي -: «ولابنِ أبي حاتمٍ، وكتابُهُ في مجلَّدٍ ضَخْمٍ، مرتَّبٌ على الأبوابِ. وقد شَرَعَ الحافظُ ابنُ عبدِ الهادي في شَرْحِهِ، فاخترمتْهُ المنيَّةُ بعدَ أنْ كَتَبَ منه مجلَّدًا على يَسِيرٍ منه» . اهـ. ولقد بدا لنا واضحًا مِنْ خلالِ هذه المَسِيرةِ الطويلةِ مَعَ الكتاب - ¬
التي تربو على خَمْسِ سَنَوَاتٍ -: أنَّ هذا الكتابَ مِنْ أَبْدَعِ ما صُنِّفَ في عِلَلِ الْحَدِيثِ، وأنه حوَى فوائدَ يَكَادُ يَعْجِزُ طَلَبَةُ العِلْمِ عن استخلاصِهَا، ومِنْ أَهَمِّ ما يُمَيِّزُهُ: أنه لم يَقْتَصِرْ على رأيِ مُصَنِّفِهِ فقطْ - كما هو الحالُ في مُعْظَمِ كُتُبِ العِلَلِ - بل شَمِلَ آراءَ كثيرٍ من الأئمَّة؛ كَشُعْبةَ بنِ الحَجَّاجِ، ويحيى بنِ سَعِيدٍ القَطَّانِ، وأبي الوليدِ الطَّيَالِسِيِّ، ويحيى بنِ مَعِين، والإمامِ أحمدَ بنِ حَنْبَل، ومسلمِ بنِ الحَجَّاج، وعَلِيِّ ابنِ الحُسَيْن بن الجُنَيْد، ومحمَّدِ بنِ عَوْفٍ الحِمْصي (¬1) ، بالإضافةِ إلى ابْنِ أبي حاتمٍ نَفْسِهِ. هذا إلى جانبِ أحكامِ وآراءِ أبي حاتمٍ وأبي زُرْعةَ الرازيَّيْنِ، التي شَكَّلَتْ معظمَ مادَّةِ هذا الكتابِ، وهما مَنْ هما في معرفةِ العِلَلِ، وحَسْبُكَ بِمَنْ يُعْنَى الدَّارَقُطْنيُّ بِنَقْلِ أحكامِهِ على الأحاديثِ (¬2) ، بل تَجِدُ وَجْهَ الشَّبَهِ واضحًا بين صَنِيعِهِ وبين صنيعِ أبي حاتمٍ في كَشْفِ عِلَلِ بعضِ الأحاديثِ (¬3) ؛ بما يُوحِي بِأَثَرِ أبي حاتمٍ في الدارقطنِيِّ في معرفةِ عِلَلِ الأحاديث!! ونَضَعُ بين يدَيْكَ - أخي القارئ - بعضَ المميِّزاتِ والفوائدِ الأخرى، التي تُسْتَخْلَصُ من مُدَارسةِ هذا الكتابِ الفَذِّ: ¬
فمن ذلك: الحُكْمُ على روايةِ بعضِ الرواةِ عن شُيُوخهم بأنها مُرْسَلةٌ (¬1) ، ولا تُوجَدُ هذه الأحكامُ في كتابِ "المَرَاسِيل" للمصنِّف - ابن أبي حاتم - فهي من الزياداتِ عليه. ومن ذلك: أحكامُ أبي حاتمٍ على بعضِ الرواةِ الذين لا تُوجَدُ لهم ترجمةٌ (¬2) . وشبيهٌ به حُكْمُهُ على بعضِ الرواةِ الذين لم يَذْكُرْهُمُ ابنه في "الجرح والتعديل" (¬3) . ومن ذلك: بيانُ أبي حاتمٍ لِبَعْضِ الرواةِ الذين خَفِيَ أَمرُهُمْ على بعضِ الأئمَّة (¬4) . ومن ذلك: تلك الأحاديثُ الغَرِيبَةُ التي لا تكادُ تُوجَدُ إلا عند ابنِ أبي حاتم في هذا الكتاب، وعنه ينقُلُ الأئمَّةُ ذلك الحديثَ (¬5) ، وهناك عدةُ أحاديثَ نَصَّ الحافظُ ابنُ عبد الهادي على أنه لم يَجِدْهَا؛ ¬
كقوله (¬1) : «ولم يُخَرِّجْ أحدٌ من أهل السُّنَنِ هذا الحديثَ، ولم أَرَهُ في "معجم الطبراني"، ولا في "سُنَنِ الدارقطني"، ولا في "السنن الكبير" للبيهقي، وقد فَتَّشْتُ عنه في كُتُبٍ أُخَرَ، فلم أره» . ومن ذلك: إظهارُ الفَرْقِ بين طريقةِ المحدِّثين، وطريقةِ الفقهاء والأصوليِّين، في إعلالِ الأحاديثِ وتَصْحيحِهَا؛ كحديثِ ابن عمر عن النبي (ص) : «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» ؛ فقد قال عنه أبو حاتم (¬2) : «منكر» ، ومع ذلك صحَّحه ابنُ حِبَّانَ (¬3) ، وقال عنه البُوصِيرِيُّ (¬4) : «هذا إسنادٌ صحيح» ؛ أَخْذًا بظاهرِ الإسناد. ومن ذلك: معرفةُ ما يَجْرِي فيه الخلافُ بين المحدِّثين، وتَخْتَلِفُ بسببِهِ أحكامُهُمْ على الأحاديثِ؛ كالتفرُّدِ ونحوِهِ؛ فهناك أحاديثُ أعلَّها أبو حاتمٍ وأبو زُرْعة، وأَخْرَجَهَا الشيخان في صَحِيحَيْهِمَا (¬5) ، وهناك أحاديثُ اختلَفَ فيها حُكْمُ أبي حاتم وأبي زُرْعة فيها مع حُكْمِ الدارقطنيِّ (¬6) ، أو غيرِهِ من الأئمَّة النُّقَّاد؛ كيحيى القَطَّانِ (¬7) ، بل ¬
اختلَفَ حُكْمُ أبي حاتمٍ أحيانًا مع حُكْمِ أبي زُرْعة (¬1) ، وربَّما خالَفَ عبدُالرحمنِ بنُ أبي حاتم أباه (¬2) ، بل رُبَّمَا اختلَفَ قولُ الإمامِ الواحدِ منهم في مسألةٍ واحدةٍ (¬3) ، وربَّما أَشْكَلَ الأَمْرُ فَتَوَقَّفَ عن الترجيح (¬4) . ومن ذلك: حَثُّ طُلاَّبِ عِلْمِ الحديثِ على البُعْدِ عن الأقوالِ الشاذَّةِ وما يجري مَجْرَاهَا من الأقوالِ التي يكونُ الاعتمادُ فيها على خَطَأٍ في فَهْمِ عبارةِ إمام، أو الأخذِ بلازمِ قولِهِ، أو مجاراتِهِ في خطئه، أو نحوِ ذلك؛ مِثْلُ تصحيحِ روايةِ ابنِ لَهِيعة إذا كانتْ مِنْ طريقِ العَبَادلةِ - ومَنْ في حُكْمهم - فإعلالُ أبي حاتمٍ وأبي زُرْعة لأحاديثِ ابنِ لَهِيعة ليس فيها تفريقٌ بين العبادلةِ وغيرهم (¬5) . ومِثْلُ الإعلالِ بالتدليسِ، والتشديدِ في العَنْعَنة؛ بخلافِ ما يَذْهَبُ إليه بعضُ المجتهدين من طَلَبَةِ العِلْمِ الذين أَلْصَقُوا بالأئمَّةِ قَبُولَ عَنْعنةِ المدلِّس مطلقًا (¬6) ، إلا إذا تبيَّنَ أنه دلَّس تلك الروايةَ. وهذا الكتابُ مليءٌ بالأمثلةِ التي ينبغي لطالبِ عِلْمِ الحديثِ ¬
تأمُّلُهَا، واستخراجُ الفوائدِ المتعلِّقةِ بهذه المسألةِ منها (¬1) . ومن ذلك: بيانُ مَنْهَجِ الأئمَّةِ في التشديدِ في أحاديثِ العقائدِ والأحكام (¬2) ، والتساهُلِ في غيرها كالفَضَائِلِ، والرقائقِ، والأدعية (¬3) . ومن ذلك: التنبيهُ على أنه ليس كُلُّ متابعةٍ أو شاهدٍ يَرْفَعُ مِنْ درجةِ الحديثِ ويُقَوِّيهِ؛ فَكَمْ مِنَ الأحاديثِ التي لا يَعْتَدُّ فيها أبو حاتمٍ وأبو زُرْعة بمتابعةِ الراوي وإنْ كان غَيْرَ مُتَّهَمٍ، بل ربَّما كان ثقةً أحيانًا؛ لأنهم يَرَوْنَ أنه أخطَأَ (¬4) !! ومن ذلك: بيانُ أنه ليس كُلُّ اختلافٍ على راوٍ يُعَدُّ قادحًا، بل مِنَ الرواةِ مَنْ هو مُكْثِرٌ مِنَ الروايةِ، فربَّما رَوَى الحديثَ على وجوهٍ كلُّها صحيحةٌ عنه؛ كقتادةَ، فإنَّ مِثْلَ هذا في حديثِهِ كثيرٌ (¬5) . ومن ذلك: أنهم قد يرجِّحون روايةَ راوٍ مُتَكَلَّمٍ فيه خالَفَ عددًا من الثقات، فزاد هو في الإسنادِ رجلاً نَقَصُوهُ، ولم يَقَعِ التصريحُ في روايتِهِمْ بالسماعِ في مَوْضِعِ الزيادةِ، ويُشِيرُونَ إلى ذلك بقولهم أحيانًا: ¬
الزيادةُ مِنَ الثقةِ مقبولةٌ (¬1) . ومن ذلك: بيانُ مَنْهَجِ الأئمَّةِ في الانتخابِ؛ وهو أَخْذُ الغرائبِ، وتَرْكُ المشاهير (¬2) . ومن ذلك: بيانُ اختصاصِ بعضِ الأئمَّةِ ببعضِ الشيوخِ، وتَقْدِيمِهِمْ فيهم على أئمَّةٍ آخَرِينَ حالَ الخلافِ؛ مثلُ كَوْنِ عبد الله بنِ المبارك ويحيى بنِ سَعِيدٍ القَطَّانِ أعلَمَ بحديثِ شُعْبةَ مِنْ وَكِيعِ بنِ الجَرَّاح (¬3) . ومن ذلك: أنَّ روايةَ الراوي للحديثِ بِنُزُولٍ قرينةٌ تَدُلُّ على إعلالِ روايةِ مَنْ رواه عنه عاليًا (¬4) . ومثله: لو كان الحديثُ عندَ الراوي مرفوعًا لم يَحْتَجْ أن يُحَدِّثَ به موقوفًا؛ لأنَّ هذا يَدُلُّ على إعلالِ الروايةِ المرفوعةِ (¬5) . ومن ذلك: الاستدلالُ بمتابعةِ القَرِينِ لقرينِهِ - وهما مِنْ بلدٍ واحد - على أنَّ شيخهما قد قَدِمَ إلى بلدهما؛ وهذا يُغَلِّبُ جانبَ السَّمَاعِ؛ وهذه الفائدةُ مِنْ أنفسِ الفوائد، وهي مستفادةٌ مِنْ سؤالِ ابن أبي حاتم لأبيه (¬6) عن سماعِ أبي إسحاقَ السَّبِيعيِّ مِنْ عبد الله بن أبي قتادةَ حين رَوَى عنه، عن ضَمْرَة بنِ عبد الله بْنِ أُنَيس، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النبي (ص) قَالَ: «لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةُ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ» ؛ فاستدَلَّ أبو حاتمٍ ¬
على سماعِ أبي إسحاق من عبد الله بن أبي قتادة بِكَوْنِ إسماعيلَ بنِ أبي خالد رَوَى هذا الحديثَ أيضًا عن عبد الله بن أبي قتادة؛ فهذا يَدُلُّ على أنَّ ابنَ أبي قتادةَ قَدِمَ الكُوفَةَ التي هي بَلَدُ أبي إسحاقَ وإسماعيلَ بنِ أبي خالد؛ وهذا يَدُلُّ على أنَّ المحدِّثين ينزِّلون المعاصرةَ مع اتِّحَادِ البَلَدِ منزلةَ اللِّقَاء، والله أعلم. ولأَِهَمِّيَّةِ هذا الكتابِ عند الحافظِ محمَّدِ بنِ أحمَدَ بنِ عبد الهادي (ت744هـ) ؛ صنَّف كتابًا طُبِعَ بعنوانِ "تعليقةٌ على العِلَلِ لابن أبي حاتمٍ"؛ ذهَبَ يَشْرَحُ فيه عِلَّةَ الحديثِ الذي يُورِدُهُ ابنُ أبي حاتم؛ بتخريجِهِ مِنْ كتب الحديثِ، ونَقْلِ كلامِ الأئمَّةِ فيه، وفي الرُّوَاةِ، وله أحكامٌ على الأحاديثِ والرُّوَاةِ، مع بعضِ التصويباتِ لبعض الأخطاءِ الواقعةِ في "العِلَلِ" لابن أبي حاتمٍ، وقد استَفَدْنَا مِنْ هذا الكتابِ فوائدَ عديدةً مُثْبَتَةً في مَوَاضِعِهَا (¬1) . وقد افتتَحَ ابنُ أبي حاتمٍ كتابَهُ هذا بمقدِّمةٍ عن أهميَّةِ عِلْمِ العِلَلِ، ثم ثَنَّى بكتابِ الطهارةِ، ثم الصلاة ... وهكذا؛ مُرَتِّبًا له على أبوابِ الفقه، غير أنه لم يُقَسِّمِ الكتابَ الواحِدَ إلى أبوابٍ، فكتابُ الصلاةِ - مثلاً - استَغْرَقَ في المجلَّد الثاني من (ص36) إلى (ص508) ، دون تبويب. وليس هناك ترتيبٌ بين المسائل، غَيْرَ أنه ربَّما سرَدَ عددًا من ¬
المسائلِ عن شيخٍ واحدٍ كحَمَّاد بن سَلَمة؛ كما صنَعَ في المسائلِ مِنْ رقم (326) إلى رقم (334) . وكثيرًا ما يَسْرُدُ سؤالاتِهِ لأبيه متتاليةً، وكذا سؤالاته لأبي زُرْعة. وربَّما كرَّر المسألةَ الواحدةَ كما سيأتي في التنبيهات (¬1) . وربَّما كرَّر بعضَ الأبوابِ، مثلُ قولِهِ في المجلَّد الخامس (ص342) : «عِلَلُ أخبارٍ رُوِيَتْ فِي الدعاء» ، فإنَّه كرَّره في المجلَّد السادس (ص333) بالعنوان نفسه. وربَّما فرَّق أبوابَ الموضوعِ الواحد، مثلُ قولِهِ في المجلد الرابع (ص570) : «عِلَلُ أخبارٍ رُوِيَتْ في القرآنِ وتفسيرِ القرآن» ، وفي المجلَّد السادس (ص635) قال: «عِلَلُ أخبارٍ رُوِيَتْ فِي حروفِ القرآن» . ¬
ب) ِروَايَاتُ "كِتَابِ الْعِلَلِ" وَقَفْنَا على أربعِ رواياتٍ لكتاب "العلل" عن ابن أبي حاتم، وهي على الإجمال: 1) روايةُ أبي بَكْرٍ محمَّد بْن أَحْمَد بْن الفَضْل بن شَهْرَيَارَ الأَرْدَسْتاني. 2) روايةُ أبي أحمَدَ الحُسَيْنِ بنِ عليِّ بنِ محمَّد بن يحيى التَّمِيمِيِّ النَّيْسَابوريِّ المعروفِ بـ «حُسَيْنَك» . 3) روايةُ أبي الحَسَنِ عليِّ بنِ بُخَار الرازي. 4) روايةُ أبي عبد الله محمَّدِ بنِ إسحاقَ بن مَنْدَهْ. وثَمَّةَ ثلاثُ رواياتٍ روى بَعْضُ الأئمَّة بها بعضَ المسائل، فقد تكونُ رواياتٍ لكتابِ «العِلَلِ» بتمامه، وقد تكونُ لبعضِ مسائله، أو لبعضِ كتبِ ابن أبي حاتم الأخرى التي ورَدَتْ فيها هذه المسائل. وهذه الرواياتُ الثلاثُ هي: 1) روايةُ أبي أحمَدَ الحَسَنِ بنِ عبد اللهِ العَسْكَري. 2) روايةُ أبي الشَّيْخِ عبد الله بن محمَّد بن جعفر بن حَيَّان. 3) روايةُ القاسم بن عَلْقَمَة.
وفيما يلي تفصيلُ ما أُجْمِلَ من هذه الروايات: 1) أمَّا روايةُ أبي بَكْرٍ محمَّد بْن أَحْمَد بْن
الفَضْل بن شَهْرَيَارَ: فَيَرْوِيها عنه أَبُو طاهرٍ محمَّدُ بنُ أَحْمَد بن أبي عليٍّ عبدِالرَّحِيمِ الأَصْبَهانيُّ، وأبو مسعودٍ الدِّمَشْقيُّ إبراهيمُ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْد، وعنهما رواها الخطيبُ البَغْداديُّ في "مُوضِحِ أوهام الجمع والتفريق" (1/269) ، و (2/69 و126 و288 و475) ، و"الكفاية" (2/390 رقم 1171) ، لكنَّ روايتَهُ عن أبي مسعود الدمشقيِّ مِنْ كتابه؛ حيثُ كان يقول: «قرأتُ في كتابِ أبي مسعود إبراهيمَ بنِ محمَّد الدِّمَشْقي» . وهذه الرواية هي التي رُوِيَتْ مِنْ طريقها النسختان (أ) و (ت) : أما النسخة (أ) : فبدايتها هكذا: «حدَّثنا الشيخُ أَبُو طاهرٍ محمَّدُ بنُ أحمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ» ، ولم يُذْكَرِ الراوي عن أبي طاهرٍ ومَنْ دونه، وتاريخُ نَسْخ هذه النُّسْخة سنة (730هـ) ، ووفاةُ أبي طاهر كانتْ سنةَ (445هـ) . وأمَّا النسخةُ (ت) : فجاء الإسنادُ على غِلاَفها هكذا: «كتابُ علل الحديثِ، تأليفُ الإمامِ أبي محمد عبد الرحمن ابن الإمام أبي حاتم محمَّد بن إدريسَ بنِ المُنْذِرِ بنِ داود بن مِهْران الرازي الحافظ، مولى تَمِيمِ ابنِ حَنْظَلة (¬1) ، الغَطَفاني الحَنْظَلي _ح. روايةُ أبي بَكْر محمَّد بْن أَحْمَد بْن الفَضْل بن شَهْرَيَارَ عنه، رواية أبي طاهرٍ محمَّد بْن أَحْمَد بْن عبد الرَّحِيم عنه، رواية أبي بكر محمد بن عليِّ ابن ِ أبي ذَرٍّ الصَّالْحَاني إجازةً عنه، رواية أبي الفَتْح ناصر بن محمد بن أبي الفَتْح ناصر المعروف بِوِيْرِج الأَصْبَهاني عنه، إجازةً منه لصاحبِهِ إسماعيل بن عبد الله بن عبد المُحْسِن ابن الأَنْمَاطي الأَنْصَاري رفَقَ اللهُ به، ونفَعَهُ بسائره، آمين» . 2) وأما روايةُ أبي أحمَدَ الحُسَيْنِ بنِ عليِّ ابن ِ محمَّد بن يحيى التَّمِيمي النَّيْسَابوري المعروفِ بـ «حُسَيْنَك» : فَيَرْوِيها عنه أبو بَكْر أحمدُ بنُ محمَّد بن أحمد بن غالب البَرْقَاني، وعن البَرْقاني رواها الخطيبُ البغداديُّ في مواضعَ مِنْ "تاريخه"، منها: (8/88-89 و196) ، و (9/67-68) . وهذه الروايةُ هي التي رُوِيَتْ مِنْ طريقها النسخةُ (ف) ، فقد جاء في بدايتها: «أوَّلُ كتاب العِلَل، يَشْتمِلُ عَلَى سبعةَ عَشَرَ جزءًا. الجزءُ الأوَّلُ فِي عللِ أخبارٍ رُوِيَتْ فِي الطهارةِ. أخبرنا أبو أحمد الحُسَيْن بن عليِّ بنِ محمَّدِ بنِ يحيى التَّمِيمِيُّ قراءة عَلَيْهِ فِي سنةِ تِسْعٍ وستين وثلاثِ مئة؛ قال: أخبرنا أبو محمَّد عبد الرحمن بن أبي حاتم _ح» . ولم يُذْكَرِ الراوي عن الحُسَيْن بن علي ومَنْ دونه، وتاريخُ نَسْخِ هذه النسخةِ سنة (730هـ) ، ووفاةُ الحُسَيْن بن عليٍّ كانت سنة (375هـ) . 3) رواية أبي الحَسَن عليِّ بن بُخَار الرازي، ومِنْ طريقه رواها الدَّارَقُطْني؛ كما صرَّح بذلك في "المؤتلف والمختلف" (4/2230) ¬
حين قال: «وأما بُخَار: فهو عليُّ بنُ بُخَار الرازي أبو الحَسَن، شيخٌ كتبنا عنه في دَارَقُطْن، حدَّثَنا عن عبد الرحمن بن أبي حاتم بِعِلَلِ الحديثِ وسؤالاتِهِ لأبيه ولأبي زرعة في ذلك» . وروى الخطيبُ البَغْدادي في "تاريخه" (11/355) هذا النَّصَّ عن أبي القاسم الأَزْهَري عن الدَّارَقُطْني. ونقل الدارقطنيُّ في كتاب "السنن" (1/104 و106 و149 و190) عن ابن أبي حاتم المسائلَ رقم (47 و58 و77 و111) ، فلعلَّها من روايته عن عليِّ بنِ بُخَار هذا، والله أعلم. 4) روايةُ أبي عبد الله محمَّدِ بنِ إسحاقَ بنِ مَنْدَهْ، بالإجازةِ عن ابن أبي حاتم. ذكر هذه الروايةَ الحافظُ ابن حجر في "المعجم المُفَهْرِس" (ص158) في الكلامِ على كتاب "العلل" فقال: «قرأتُ على مَرْيَمَ بنتِ الأَذْرَعيّ سَنَدَهُ إليه (¬1) ، وأجازتني سائرَهُ بروايتها، عن يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أبي الحَسَن بن الْمُقَيَّر، عن أبي الفضل بن ناصر، ¬
عن أبي القاسم بن أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن مَنْدَهْ؛ أنبأنا أبي، عن أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، إجازةً، به» . ومن طريقِ الحافظ ابن حجر رواه الرُّودَانِيُّ في "صِلَة الخَلَف" (ص303) . وأما الرواياتُ الثلاثُ التي رُوِيَتْ بها بعضُ مسائل الكتاب - والتي يَحْتَمِلُ أنْ تكونَ لكتابِ العِلَل بتمامِهِ، ويَحْتمِلُ أن تكونَ لبعض مسائله، أو لبعضِ كتبِ ابن أبي حاتم الأخرى التي وَرَدَتْ فيها هذه المسائل -: فهي: 1) روايةُ أبي أحمَدَ الحَسَن بن عبد الله بن سَعِيد العَسْكَري للمسألتين رقم (559 و1019) عن ابن أبي حاتم بالإجازة، روى بها في كتابه "تصحيفات المحدِّثين": (1/116-118) ، و (2/628-629) ، و (3/992- 994) . 2) رواية أبي الشَّيْخ عبد الله بن محمد بن جَعْفر بن حَيَّان، ومن طريقِهِ روى أبو نُعَيْم في "الحلية" (9/4) قولَ عبد الرحمن بن مَهْدِيٍّ وابن نُمَيْر في مقدمة "العلل" (1/4) . وتقدَّم في ترجمة ابن أبي حاتم أنه مِنْ شيوخ أبي الشَّيْخِ الذين روى عنهم (¬1) . 3) روايةُ القاسم بن عَلْقَمة المسألة رقم (1091) ، ومن طريقه روى الخَلِيلي في "الإرشاد" (1/275) . ¬
هذا؛ وقد وَقَفْنا على روايةٍ ذَكَرها الحافظُ ابن حجر في "تغليق التعليق" (2/39) فقال: «وأُنْبِئْتُ عمَّن سَمِعَ المسلمَ بنَ أحمد النَّصِيبي؛ أنَّ علي بن الحَسَن الفقيه أخبره: أنا أبو القاسم النَّسِيب؛ أنا محمد بن عبد الرحمن الكَنْجَرُوذِيُّ؛ أنا يوسف بن القاسم المَيَّانِجي؛ أنا عبدُالرحمنِ بنُ أبي حاتم ... فذكَرَ الحديثَ بهذا الإسناد، وقال: هَذَا حديثٌ خطأٌ، إِنَّمَا هُوَ موقوفٌ عن عَمَّار، رواه جماعة: الثَّوْري، وشُعْبة، وزهير فَمَنْ دونهم، كلُّهم، موقوفً؛ قولَ عَمَّار (¬1) ، وليس لرفعه معنًى» . ويُوسُفُ بن القاسم المَيَّانِجِيُّ معروفٌ بالرواية عن ابن أبي حاتم كما تقدَّم في ذكر تلاميذه، وهذا الحديثُ الذي نقَلَ ابنُ حجر عن ابن أبي حاتم عِلَّتَهُ: هو حديثٌ رواه عبد الرزَّاق، عَنْ مَعْمَر، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بنِ زُفَرَ، عَنْ عَمَّار، عن النبي (ص) قال: ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَقَدْ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: الإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ ... الحديثَ، وهو الآتي في المسألة رقم (1931) ، ولم نَرَ هذا النقلَ الذي ذكره الحافظ ابن حجر من "العلل"، ولكنَّه رَأْيٌ لابن أبي حاتم في هذا الحديثِ، ولم يُسْنِدْهُ إلى أبيه وأبي زرعة كما في المسألة رقم (1931) . ¬
شجرة روايات كتاب "العلل" عن عبد الرحمن بن أبي حاتم عبد الرحمن بن أبي حاتم
ج) تَرْجَمَةُ رُوَاةِ "كِتَابِ الْعِلَلِ" تقدَّم أنَّ لـ"كِتَابِ العِلَل" - فيما وقفنا عليه - سبعةَ طُرُقٍ عن ابن أبي حاتم، منها ما هو صريحٌ أنه روايةٌ لـ"كِتَابِ العِلَل"، ومنها ما هو غيرُ صريحٍ، ومِنْ هذه الطُّرُقِ طريقان رُوِيَتْ بهما النُّسَخُ الأصليَّة للكتاب، وهي (أ) و (ت) و (ف) : أما الطريقُ الأوَّل: فهو طريقُ النسختَيْنِ (أ) و (ت) ، وهو مِنْ روايةِ أبي طاهر محمَّد بْن أَحْمَد بْن عبد الرحيم الكاتبِ الأَصْبَهاني، عن أبي بَكْرُ محمَّد بْن أَحْمَد بْن الفَضْل بن شَهْرَيَارَ، عن ابن أبي حاتم. ولم يُذْكَرْ في (أ) مَنِ الذي رواه عن أبي طاهر، وأمَّا (ت) : فمِنْ روايةِ صاحبها إسماعيلَ بنِ عبد الله الأَنْمَاطي، عن أبي الفَتْح وِيْرِج ناصرٍ الأَصْبَهانيِّ، عَنْ محمَّد بْنِ عَليّ بْن أبي ذَرٍّ الصَّالْحَاني، عن أبي طاهر. وفيما يلي ترجمةٌ لرجال هذا الإسناد: 1 - أَبُو بَكْرُ محمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ الفَضْلِ بنِ شَهْرَيَارَ الأَرْدَسْتَاني (¬1) ، حدَّث عن عبد الرحمن ابن أبي حاتم، وحدَّث عنه أَبُو طاهرٍ محمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ عبدِالرَّحِيمِ الأَصْبَهانيُّ، وأبو مسعودٍ إبراهيمُ بنُ محمدِ بنِ عُبَيْدٍ ¬
الدِّمَشْقيُّ، وأبو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانيُّ، وغيرهم. وهو مِنْ بيتِ علمٍ وفضل، فعمُّه عليُّ بنُ الفضل التاجرُ المعدّل الأَرْدَسْتاني من أهل العلم، وكذا أخوه أبو عبد الله عُبَيْدالله بن أحمد ابن الفَضْل بن شَهْرَيَارَ الأَرْدَسْتاني التاجر، وابنا أخيه هذا: أبو القاسمِ الفضلُ وعبدُالواحد ابنا عُبَيْدالله بن أحمد، والحافظُ الفقيه أبو الحَسَن محمد بن عبد الواحد بن عُبَيْدالله الأَرْدَسْتاني الأصبهاني ابن ابن أخيه، ومصنِّف كتاب "الدلائل السَّمْعية، على المسائل الشرعية". تُوُفِّيَ سنة سَبْعٍ وثمانين وثلاثِ مئة (¬1) . 2 - أَبُو طاهر محمَّد بْن أَحْمَد بن عبد الرَّحِيم الكاتب الأَصْبَهاني؛ روى عن محمَّد بْن أَحْمَد بْن الفضل، وأبي الشيخ عبد الله بن محمد بن حَيَّان، وروى عن الحافظِ أبي الحَسَن عليِّ بن عمر الدارقطني كتابَ "السنن". روى عنه أبو بَكْر مُحَمَّدِ بْنِ عليِّ بْن أَبِي ذَرٍّ الصَّالْحَاني الأصبهاني، وأبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن مَنْدَهْ، وإسماعيل بن الفَضْل بن الإِخْشِيد السَّرَّاج؛ وحدَّثوا عنه بـ"السنن" للحافظ الدارقطني. قال ابن نُقْطة: «لم يحدِّثْ في وقتِهِ أوثَقُ منه، وأكثَرُ حديثًا، ¬
صاحبُ الكتبِ والأصولِ الصحاح _ح، وهو آخِرُ مَنْ حدَّث عن أبي الشيخ، والقَبَّابِ - فيما أعلم - بِأَصْبَهان» . وذكر ابن نُقْطة عن عبد العزيز النَّخْشَبي أنه قال: «ولد أبو طاهر في سنة ثلاثٍ وسِتِّينَ وثلاثِ مئة، وكان أوَّلُ سماعه مِنْ أبي الشيخ الأنصاريِّ في سنة ثمان وستين وثلاث مئة» . وذكر ابن نُقْطة أنَّ وفاته يوم الجمعة، الحادِيَ عَشَرَ من شهرِ ربيعٍ الآخِرِ؛ سنةَ خمسٍ وأربعين وأربع مئة (¬1) . 3 - أبو بكر مُحَمَّدِ بْنِ عَليّ بْن أَبِي ذَرٍّ الصَّالْحَاني الأَصْبَهاني؛ حدَّث عن أبي طاهر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عبد الرحيم بـ"سنن الدارقطني" بالإجازة، وله فيها شيءٌ يَسِيرٌ مسموع، وحدَّث عنه بغيرها من الأجزاءِ والعوالي، وهو آخِرُ مَنْ حدَّث عنه، وبه خُتِمَ حديثُ أبي الشيخ، حدَّث عنه جماعةٌ بِأصْبَهان؛ منهم أبو مسلم بن الإِخْوة، وزاهر ابن أحمد الثقفي، وغيرهما، توفِّي صباحَ يومِ الأحد، ثالثَ جُمَادَى الآخرة، سنةَ ثلاثين وخمس مئة (¬2) . 4 - أبو الفتح ناصرُ بنُ محمد بن أبي الفتح الأَصْبَهاني المقرئ القَطَّان، المعروف بالوِيْرِج - ويقال: الوِيْرِي (¬3) - صدوقٌ ومُكْثِر، ¬
سَمِعَ من إسماعيل بن الإِخْشِيد السَّرَّاج "سنن الدارقطني"، بسماعه من أبي طاهرٍ محمَّد بْن أَحْمَد بْن عبد الرحيم، بسماعه من الدارقطني، وسمع أيضًا من أبي الفضل جعفر بن عبد الواحد الثقفي الأَصْبَهاني، وابن أبي ذَرٍّ، وغيرهما، وعنه أبو الجَنَاب الْخَيْوَقِيُّ، وأبو رَشِيد الغَزَّال، وأكثَرَ عنه الحافظُ أبو الحَجَّاج يوسف بن خَلِيل الدمشقي، وآخرون، وتوفِّي في ذي الحِجَّة سنةَ ثلاثٍ وتِسْعين وخمس مئة (¬1) . 5 - الحافظ تَقِيُّ الدِّين أبو طاهر إسماعيل ابن عبد الله بن عبد المُحْسِن الأنصاريُّ المِصْريُّ الأَنْمَاطي، سمع القاضي محمد بن عبد الرحمن الحَضْرَمي، وأبا القاسمِ البُوصِيرِيّ، وأبا طاهر الخُشُوعي، وغيرَهم، حدَّث عنه أبو بكرٍ عبد الله بن عمر بن علي بن الخَضِر القُرَشِيّ بـ"جزء حنبل بن إسحاق" (¬2) ، وحدَّث عنه أيضًا الحافظان ابن نُقْطة، والمُنْذِري. وُلِدَ في نحو سنة سبعين وخمس مئة، وكتَبَ بخطه المليحِ الرشيقِ ما لا يوصفُ كَثْرة، اشتغَلَ من صِباه وتفقَّه، وقرأ الأدب، وقَدِمَ دِمَشْقَ سنةَ ثلاثٍ وتِسْعين وخمس مئة، ثم حَجَّ سنةَ إحدى وسِتِّ مئة، فذهَبَ إلى بغداد، وكانتْ له عنايةٌ وافرة، وحِرْصٌ تامٌّ وجِدٌّ واجتهاد، مع معرفةٍ كاملة، وحِفْظٍ وحِذْقٍ ونقدٍ وفصاحة، ¬
وسرعةِ قَلَمٍ، واقتدارٍ على النظم والنثر، وهو أولُ من سَنَّ كتابةَ إجازةِ الشيخِ عَقِبَ كتابةِ السماع (¬1) ، وتوفِّي سنة تِسْعَ عَشْرَةَ وسِتِّ مئة (¬2) . وللخطيبِ البغداديِّ روايةٌ بالوِجَادة عن كتابِ أبي مسعود الدِّمَشْقي، عن ابن شَهْرَيَارَ كما تقدَّم، وأبو مسعود هو: 6 - إبراهيمُ بنُ محمَّد بْنِ عُبَيْد أبو مسعودٍ الدِّمَشْقيُّ الحافظُ الجَوَّال، مصنِّفُ كتابِ "أطراف الصحيحين"، وأحَدُ مَنْ برَّز في هذا العلمِ، سافَرَ الكثيرَ، وجابَ البلادَ في طلب العلم، فَسمِعَ ببغدادَ من أصحابِ أبي شُعَيْب الحَرَّاني، ومحمد بن يحيى المَرْوَزي، ويوسفَ ابنِ يعقوبَ القاضي، وجَعْفَرٍ الفِرْيَابي، وبالكوفةِ مِنْ أصحاب أبي جعفر المُطَيَّن، وأبي الحُصَيْن الوادعي، وبالبصرةِ مِنْ أصحاب أبي خليفةَ الجُمَحِيِّ، وبواسطَ من أبي محمَّد ابن السَّقَّا، وبالأَهْوَازِ من أحمد بن عَبْدان الشِّيرَازي، وأقرانِهِ، وبأَصْبَهَان من أبي بكر بن المُقْرِئ، ونحوه، وبخراسانَ مِنْ أصحاب الحسن بن سُفْيَان، وأبي بكر بن خُزَيْمة، ومحمد بن إسحاق السَّرَّاج، وأمثالهم. قال الخطيبُ البغدادي: «كان صدوقًا ديِّنًا وَرِعًا فَهِمًا» . وكان له عنايةٌ بصحيحَيِ البخاريِّ ومسلم، وكان الدارقطنيُّ يذاكره ¬
فيهما أحيانًا؛ فقد ذكَرَ الزَّرْكَشِيُّ (¬1) ما انتُقِدَ من الأحاديث على الصحيحَيْنِ، فقال: «وأكثَرُ استدراكِ الدارقطنيِّ يرجع إلى المسانيد، مِنْ غيرِ ترجيحِ المتون، وقد أجاب عن بعضه أبو مسعودٍ إبراهيمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ الدمشقيُّ. قال الدراقطني: اجتمعْتُ بأبي مسعود، فتذاكَرْنَا معه الصحيحَيْنِ، ومشينا معه، ثم فَتَحْنَا عليه جوابَ غرائبَ ... » . توفِّي أبو مسعود سنةَ إحدَى وأربعِ مئة ببغداد، وقلَّما رَوَى؛ لأنه ماتَ كَهْلاً، فلم يَنْتشِرْ حديثه (¬2) . وأما الطريقُ الثاني: فهو طريقُ النُّسْخة (ف) ، وهو من رواية أبي أحمد الحُسَيْن بن علي التَّمِيمي، عن ابن أبي حاتم. ولم يذكر الناسخُ سنَدَ النسخةِ إلى التَّمِيمِيِّ كما تقدَّم، لكنَّ الخطيبَ البغداديَّ يروي هذا الطريقَ عن شيخه أبي بَكْرٍ البَرْقاني، عن التميمي، وفيما يلي ترجمةٌ لرجالِ هذا الإسناد: 7 - الحافظ أبو أحمَدَ الحُسَيْن بن عليِّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عبد الرحمن بن الفضلِ بنِ عبد الله التَّمِيمِيُّ المعروفُ بحُسَيْنَك، وبها اشتهر، ويُعْرَفُ أيضًا بابن مُنَيْنَة؛ نسبةً إلى جَدَّته مُنَيْنَةَ بنتِ رجاء بن ¬
معاذ، كان جارًا لأبي بكر بن خُزَيْمة بنيسابور، وحدَّث عنه، وتربَّى في حِجْره، وبه تخرَّج، وحدَّث أيضًا عن محمَّد بن إسحاق السَّرَّاج، وأبي القاسم البَغَوي، وغيرهم. روى عنه أبو عبد الله الحاكم، وأبو بَكْر البَرْقَاني، وأحمد بن محمد المؤدِّبُ المعروفُ بالزَّعْفَرَاني، وغيرهم. كان ابنُ خُزَيْمة يُعِزُّهُ ويقدِّمه على أولاده، ويَبْعَثُهُ إذا تخلَّف عن مَجْلِسِ السلطان لينوبَ عنه، وكان عمره عند وفاةِ ابنِ خُزَيْمة ثلاثًا وعشرين سنة. قال البَرْقَاني: كان حُسَيْنَك ثقةً جليلاً حُجَّةً، وقال الخطيب: كان ثقةً حُجَّة، وقال الحاكم: صَحِبْتُهُ حضرًا وسفرًا فما رأيتُهُ ترَكَ قيام الليل مِنْ نحو ثلاثين سنة، وكان يقرَأُ كلَّ ليلة سُبُعًا، وكانتْ صَدَقاتُهُ دَارَّةً سِرًّا وعلانية، أخرَجَ مرةً عَشَرة من الغزاة بآلتهم بَدَلاً عن نفسه، ورابَطَ غيرَ مَرَّة، وأولُ سماعه في سنة خمسٍ وثلاثِ مئة. توفِّي في ربيعٍ الآخِرِ سنةَ خمسٍ وسبعين وثلاث مئة، وكان مولده سنةَ ثمانٍ وثمانين ومئتين. وأخوه أبو الفَضْلِ عبد الرحمن بن علي النَّيْسَابوري من أهل العلم؛ حدَّث عن ابن خُزَيْمة وغيره، وحدَّث عنه الحاكمُ وغيره، وكانتْ وفاته سنةَ سِتِّينَ وثلاث مئة. ولِحُسَيْنَك ابنٌ من أهلِ العلم أيضًا كثيرُ الرواية، اسمه: إسماعيلُ
ابنُ الحسين بن علي، أبو المظفَّر الْمِنْكَاني (¬1) ، ولد سنة سبعٍ وخمسين وثلاث مئة في شَعْبان، وروى الكثيرَ عن والده (¬2) . 8- الإمام الفقيهُ الحافظُ الثَّبْتُ، شيخُ الفقهاء والمحدِّثين؛ أبو بكر أحمدُ بنُ محمَّد ابن أحمد بن غالب الخُوَارَزْمِيُّ، البَرْقاني، الشافعيُّ، صاحبُ التصانيف. وُلِدَ آخِرَ سنةِ سِتٍّ وثلاثين وثلاثِ مئة، وسَمِعَ في سنةِ خمسين وثلاث مئة بِخُوَارَزْمَ من أبي العباس بن حَمْدان الحِيْرِيِّ النَّيْسَابوري؛ حدَّثه عن محمد بن الضُّرَيْس والكبار، وحدَّث عن الإمام أبي بكر الإسماعيلي، وأبي أحمد ابن الغِطْرِيف، وأبي عليِّ بنِ الصَّوَّاف، وأبي بَكْر القَطِيعي، وأبي أحمد الحاكم، والحافظ عبد الغَنِيِّ بن سعيد، وخلقٍ كثير. حدَّث عنه أبو بكر البَيْهَقي، وأبو بكر الخَطِيب، والفقيه أبو إسحاق الشِّيرَازي، وعددٌ كثير. واستوطَنَ بغدادَ دَهْرًا. قال الخطيب: «كان ثِقَةً، وَرِعًا، مُتْقِنًا، متثبِّتًا، فَهِمًا، لم يُرَ في شيوخنا أثبتُ منه، حافظًا للقُرْآن، عارفًا بالفقه، له حَظٌّ من علم ¬
العربية، كثيرَ الحديث، حَسَنَ الفَهْم له والبصيرةِ فيه ... » ، وذكَرَ كلامًا طويلاً في مدحه والثناءِ عليه وذِكْرِ شيءٍ من أخباره. وقال أبو القاسم الأَزْهَري: «البَرْقاني إمامٌ، إذا مات ذَهَبَ هذا الشأن» . وقال أبو الوليد الباجي: «البَرْقاني ثقةٌ حافظ» . وذكره أبو إسحاقَ الشِّيرَازي في "طبقاتِ الفقهاء"، فقال: «تفقَّه في حداثته، وصنَّف في الفقه، ثم اشتغَلَ بعلمِ الحديثِ، فصار فيه إمامًا» . توفِّي ببغدادَ يومَ الأَرْبِعاء، أولَ يومٍ من رَجَب، سنةَ خمسٍ وعشرين وأربعِ مئة، ودُفِنَ من الغد يومَ الخميس، وصُلِّيَ عليه في جامعِ المنصور (¬1) . وأما بقيَّةُ رواياتِ الكتابِ التي لم ترد بها النُّسَخُ التي وقفنا عليها، فهي: رواية علي بن بُخَار، ومحمد بن إسحاق بن مَنْدَهْ، وأبي أحمد العَسْكَري، وأبي الشَّيْخِ الأَصْبَهاني، والقاسم بن عَلْقمة، لكنَّ روايةَ العَسْكري وأبي الشيخ والقاسم ليستْ صريحةً في أنها روايات للكتاب كاملاً؛ كما سبق بيانه. وفيما يلي ترجمةٌ لهؤلاء الرواة: 9 - عَلِيُّ بن بُخَار، أبو الحَسَن الرازي، حدَّث عن عبد الرحمن ¬
بن أبي حاتم بِعِلَلِ الحديثِ وسؤالاتِهِ لأبيه وأبي زُرْعة في ذلك، وحدَّث عن أبي العَبَّاس أحمد بن جعفر الجَمَّال الرازي، حدَّث عنه الدارقطني (¬1) . 10 - محمَّد بن إسحاق بن محمد بن يحيى ابن مَنْدَهْ، أبو عبد الله العَبْدِيُّ الأَصْبَهاني، الحافظُ الجَوَّال، صاحبُ التصانيف، كان من أئمةِ الحديثِ وثقاتهم، مولده في سنةِ عَشْرٍ وثلاثِ مئة، أو السنةِ التي بعدها، وسَمِعَ سنةَ ثمانِ عَشْرَةَ، رَوَى بالإجازةِ عن ابنِ أبي حاتم، ورحَلَ سنةَ ثلاثين إلى نَيْسَابور، فأدرَكَ أبا حامد بن بِلاَل، ومحمد بن الحُسَيْن القَطَّان، وكتَبَ عن الأَصَمِّ نحوًا من ألفِ جزء، ثم رحَلَ إلى بغداد، فلقي ابنَ البَخْتَرِيِّ، والصَّفَّارَ، ولقي بدمشق وغيرها خَيْثَمةَ بن سليمان، ولقي بمكة أبا سعيدِ بنَ الأَعْرَابي، وبمصر أبا الطاهر المَدِينِيَّ، وببخارَى ومَرْوٍ وبَلْخٍ جماعةً، وطوَّف الأقاليم، وكتَبَ بيده عدةَ أحمال، وبقي في الرحلة نحوًا من أربعين سنة، ثم عاد إلى وطنه شيخًا، فتزوَّج ورُزِقَ الأولاد، وحدَّث بالكثير، وكان مِنْ دعاة السُّنَّة، وحُفَّاظ الأثر. قال هو عن نفسه: كتبتُ عن ألفِ شيخٍ وسبعِ مئةِ شيخ. وقال أيضًا: كتبتُ عن خَيْثَمةَ بأَطْرَابُلُسَ ألفَ جزء. وقال البَاطِرْقَاني: حدَّثنا ابنُ مَنْدَهْ إمامُ الأئمَّة في الحديثِ لقَّاه اللهُ رِضْوانَهُ، ¬
وأسكنه جِنَانَهُ. وقال أبو إسحاق إبراهيم بن محمَّد بن حَمْزة الحافظ: ما رأيتُ مِثْلَ أبي عبد الله بن مَنْدَهْ. وقال جعفر المستغفري: ما رأيتُ أحفَظَ مِنِ ابن مَنْدَهْ! وبيتُ بني مَنْدَهْ بيتُ علم منذ القِدَمِ، وقد صنَّف فيهم الحافظُ الذهبي مُصَنَّفًا ذكره في ترجمة أبي عبد الله بن مَنْدَهْ هذا من "تذكرة الحفاظ" (¬1) ، فقال: «واستوفَيْنَا ذِكْرَ أبي عبد الله في كتاب آل مَنْدَهْ، ولقد كنتُ أَتَحَسَّرُ على لُقِيِّ العلامةِ نجمِ الدين أبي عبد الله بن حَمْدان في سنةِ أربعٍ وتسعين (¬2) لأَِجْلِ عُلُوِّ حديثِ ابن مَنْدَهْ عنده، ولم يقعْ لي بالاتصال» . وقال أبو عليٍّ النَّيْسَابوري الحافظ: «بنو مَنْدَهْ أعلامُ الحفَّاظ في الدنيا قديمًا وحديثًا» ، ثم قال: «أَلاَ تَرَوْنَ إلى قريحةِ أبي عبد الله؟!» ، وما يشبه هذا الكلامَ. وقال أيضًا: «أبو عبد الله مِنْ بيتِ الحديث والحفظ» ، وأحسَنَ الثناءَ على سَلَفِهِ وعليه، رحمهم الله. وكانتْ وفاتُهُ ليلةَ الجمعةِ سَلْخَ ذي القَعْدة سنةَ خَمْسٍ وتسعين وثلاثِ مئة. وكان بينه وبين أبي نُعَيْمٍ الأصبهانيِّ وَحْشَةٌ، فأقذَعَ أبو نُعَيْمٍ في جَرْحه، ونال منه، واتهمه، فلم يُلْتَفَتْ إليه؛ لِمَا بينهما من العظائم، ونال ابن مَنْدَهْ من أبي نُعَيْمٍ وأسرَفَ أيضًا، نسألُ اللهَ ¬
العفو والعافية (¬1) . 11 - الحسَنُ بن عبد الله بن سَعِيد بن الحُسَيْن، أبو أحمد العَسْكَري الأَدِيب، سَمِعَ أبا القاسمِ البَغَوِيَّ، وأبا بكرِ بنَ أبي داود السِّجِسْتَاني، وأكثَرَ عنهما، وبالَغَ في الكتابة، وبقي حتى علا به السِّنُّ، واشتهرَ في الآفاقِ بالدراية والإتقان، وانتهَتْ إليه رياسةُ التحديث، والإملاءِ للآداب، والتدريسِ بقُطْرِ «خُوزِسْتَان» ، ورحَلَ الأَجِلاَّءُ إليه؛ للأخذِ عنه، والقراءةِ عليه، وكان يملي بعدَّةِ مُدُنٍ، توفِّي في صفر، سنةَ ثلاثٍ وثمانين وثلاث مئة (¬2) . 12 - أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر ابن حَيَّانَ الأَصْبَهاني، المعروفُ بأبي الشيخ، حافظٌ كبيرٌ ثقةٌ، له تصانيفُ كثيرةٌ، وُلِدَ سنةَ أربعٍ وسبعين ومئتين، وسَمِعَ في سنةِ أربعٍ وثمانين، وكتب العالي والنازل، ولَقِيَ الكبار، سَمِعَ مِنْ جَدِّهِ لأمِّه الزاهد محمود بن الفَرَجِ، وأبي يعلى المَوْصِلي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبي بكر بن أبي عاصم، وخلقٍ كثيرٍ، حدَّث عنه أبو بكرِ بنُ مَرْدُوْيَهْ، وأبو سَعْدٍ المَالِينِيُّ، وأكثَرَ الرواية عنه أبو نُعَيْمٍ الحافظُ، وآخِرُ مَنْ روى عنه ¬
أَبُو طاهر مُحَمَّد بْن أَحْمَد ابن عبد الرَّحِيمِ الكاتب بأصبهان، مات في سنة تسع وستين وثلاث مئة (¬1) . 13 - أبو سعيدٍ القاسمُ بنُ عَلْقمة الشُّرُوطي الأَبْهَري، لَقِيَ بالرَّيِّ ابنَ أبي حاتم، وأحمَدَ ابنَ خالد الحَرُوري، ومَنْ بعدهما، وبأَبْهَرَ الحسَنَ بنَ عليٍّ الطُّوسِيَّ وغيره، وكان قيِّمًا فيما يرويه، وله في الفقه والشروطِ مَحَلٌّ كبيرٌ. مات سنةَ ثمانٍ وثمانين وثلاثِ مئة (¬2) . ¬
د) وَصْفُ النُّسَخِ الخَطِّيَّةِ المُعْتَمَدَةِ ظَفِرْنَا لهذا الكتابِ بخَمْسِ نُسَخٍ خَطِّيَّةٍ؛ هي: الأُولى: نُسْخَةُ مكتبة طوبقبو بإستانبول (أحمد الثالث) ، وَرَمَزْنَا لها بالرمز: (أ) . الثانية: نُسْخَةُ مكتبة فَيْض الله أَفَنْدِي بإستانبول، ورمزنا لها بالرمز: (ف) . الثالثة: نسخة مكتبة أحمد تَيْمُور باشا بمصر، ورمزنا لها بالرمز: (ت) . الرابعة: نسخة مكتبة تشِسْتَرْبِتِي بإيرلندا، ورمزنا لها بالرمز: (ش) . الخامسة: نسخة دار الكتب المصرية، ورمزنا لها بالرمز: (ك) . وأفضلُ هذه النسخ النسختان الأُولَيَانِ: (أ) و (ف) ، ولكنْ سقَطَ من (ف) بعضُ الأوراق، ولا تخلو نسخةٌ من نُسَخِ كتابنا هذا من وجودِ بعضِ الأخطاء والأسقاط؛ ولذا لم نَتَّخِذْ نسخةً منها أصلاً مُطلَقًا، وإنما أخرَجْنَا النَّصَّ الأَصَحَّ والأَكْمَلَ من مجموعِ النُّسَخِ على حَسَبِ الاجتهاد، لكنِ اعتمدنا النسخةَ (أ) في إثباتِ إسنادِ الكتاب، ونهاياتِ الأجزاء، وبداياتها؛ لأنها أكملُ النسخ في هذا، ووضعنا ما في بقيَّة النسخ من ذلك في حاشية الكتاب.
وفيما يلي وصفٌ تفصيليٌّ لهذه النسخ: النُّسْخة الأُولَى: نسخةُ مكتبة طوبقبو بإستانبول (أحمد الثالث رقم531) ، وهي التي رمزنا لها بالرمز: (أ) . وهي نسخةٌ كاملةٌ ومقابَلَةٌ، وتقع في (278) ورقة، في كل ورقة صفحتان، وفي الصفحة (25) سطرًا، مُسَطَّرتها (18. 5×26) ، نُسِخَتْ بخطٍّ نَسْخِيٍّ جيِّد بتاريخ: سابعَ عشَرَ شَهْرِ ربيعٍ الأوَّل من شهور سنة ثلاثين وسبع مئة (730هـ) ، بخط محمد بن أحمد بن علي الخَطِيب بقرية العَبَّادِيَّة (¬1) من عمل المَرْجِ الشَّامِيِّ بِدِمَشْق. وهذا الناسخُ هو الناسخُ للنُّسْخة (ف) الآتية، وهو الناسخ أيضًا للنسخةِ التي اعتمدَهَا الشيخُ حَبِيبُ الرحمنِ الأعظمي _ح في تحقيق "سنن سعيد بن منصور" (¬2) ، وطريقتُهُ في الكتابة تَدُلُّ على خِبْرته بالنَّسْخِ، والظاهرُ أنه مِنْ أهلِ العلم، وكان يَنْسَخُ لنفسه كما نَصَّ على ذلك صراحةً في النسخة (ف) كما سيأتي (¬3) . وقد كُتِبَ على صفحةِ العنوان ما نصُّه: «كتابُ العِلَلِ، تأليفُ الحافظِ أبي محمَّدٍ عبدِالرحمنِ بْنِ أبي حاتمٍ محمَّدِ بنِ إدريسَ الحَنْظَلِيِّ الرازيِّ» ، ثم في أعلى الصفحةِ إلى جهةِ اليسار عبارة: «فرغه محمَّد ¬
بن العَطَّار مُطالَعَةً وانتِقاءً، وصلَّى اللهُ عَلَى محمَّد وآلِهِ» . ومحمَّدُ بنُ العَطَّارِ هذا يظهَرُ مِنْ صنيعِهِ أنه لخَّصَ "كتابَ العلل" هذا، وانتقَى منه ما يريد؛ كما يَظْهَرُ من عبارتِهِ السابقة، ومِنْ تعليقاتِهِ على الكتاب؛ فإنَّه - فيما يبدو - هو صاحبُ التعليقاتِ والتصويباتِ والتخريجاتِ الموجودةِ على هذه النسخة، وكتَبَ في آخِرِ الجُزْءِ الأوَّلِ ما نصُّه: «انتَقَيْتُهُ، والحَمْدُ للهِ على نعمه» (¬1) ، لكنْ يؤخذُ عليه جُرْأَتُهُ على التصويبِ والتصرُّفِ في أصلِ الكتاب (¬2) ، حتى إنه قد يَلْتَبِسُ على مَنْ لا يَتَنَبَّهُ لصنيعه هذا، فَيَظُنُّ هذه التصويباتِ من الناسخ في المقابلة. وفي الصفحةِ الأُولى أثبَتَ محمَّد بن العَطَّار - فيما يبدو - فِهْرِسًا للكتابِ تحت العنوان، فقال: «فِهْرِسْتُهُ: الطهارة، الصلاة، باب الوِتْر، الأَذَان، الاستسقاء، السَّهْو، سُجُودُ القرآن، الجُمُعة، الزكاة، الصَّوْم، الحَجّ، الغَزْوُ والسِّيَر، الجنائز، البُيُوع، النِّكَاح، الطلاق، الأَيْمَان، النُّذُور، الحُدُود، الدِّيَات، الأحكام، الأَقْضِية، الشُّفْعة، اللِّبَاس، الأَطْعِمة، الأَشْرِبة، الذبائح، الأَضَاحِيّ، الصَّيْد، العَقِيقة، الفرائض، ما يتعلَّق بالقرآنِ وتَفْسِيرِهِ، الزُّهْد، الإِيمَان، ثوابُ ¬
الأعمالِ، الدعاء، البِرُّ، الصِّلَة، العَرْض، الحِسَاب، الآداب، الطِّبّ، المجازاةُ على المعروفِ، الفضائلُ، دلائلُ النُّبُوَّة، الأمراءُ، الفِتَن، العِتْق، الْمُدَبَّر، أُمُّ الولد، القَدَرُ، صِفَةُ الجنة والنار، الهِبَاتُ، العِلْم، حُرُوفُ القرآن، الإجارات، النُّذُور» . ويُلاحظُ على هذه الفَهْرَسَةِ: تغييرُ أسماءِ بعضِ الأبواب، وَنَقْصُ أبوابٍ أخرى. أمَّا الذي تغيَّر اسمُهُ من الأبوابِ: فبابُ «الدعاء» ، فقد جعله الْمُفَهْرِسُ بعنوان: «المجازاةُ على المعروف» ، وموضعُهُ بعد الطِّبِّ وقبل الفضائل، وبابُ «الدُّعَاء» جاء في الأصل في هذا الموضعِ نفسِهِ، وفي موضعٍ آخَرَ قبله - كما في الفِهْرِس -: بعد ثوابِ الأعمال، وقبل البِرِّ والصِّلَة، فالْمُفَهْرِسُ نظَرَ - فيما يبدو - إلى تقدُّمِ بابِ الدعاء، وإلى موضوعِ بعضِ الأحاديثِ الواردةِ في هذا الموضع، فوجدَهَا تتعلَّقُ بالدعاءِ لِمَنْ أُسْدِيَ إليه معروفٌ، فاجتهَدَ في وَضْعِ هذا العنوانِ الذي يلائمُ بعضَ ما في الباب مِنْ أحاديثَ؛ كحديثِ جابر، عن النبي (ص) أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَلْيَجْزِ بِهِ، فإنْ لَمْ يَجِدْ فلْيُثْنِ عليه ... » ، وحديثِ أسامةَ بنِ زَيْدٍ؛ قَالَ: قَالَ رسولُ الله (ص) : «مَنْ أُولِيَ مَعْرُوفًا فَقَالَ: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا، فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ» . وأمَّا الأبوابُ الناقصة: فأربعةٌ، وهي: العِدَدُ، وفَضْلُ الدُّورِ [وفي بعض النسخ: الكُور] والأمصارِ، والعُمْرَى، والخَرَاج.
وفي أسفلِ صفحة العنوان كُتِبَ مانصُّه: «فائدة: حَكَى الحافظُ أبو بكر الخطيبُ في ترجمة عليِّ بنِ [بُخَار] عن الدَّارَقُطْني أنه قال: هو شيخٌ كَتَبْنَا [عنه] بدارِ القُطْن، حَدَّثَنَا عن ابنِ أبي حاتم بِعِلَلِ الحديثِ، وسؤالاتِهِ لأبيه وأبي زُرْعة في ذلك» . وهذا النَّصُّ رواه الخطيبُ البَغْدادي في "تاريخ بغداد" (¬1) ، بسنده إلى الدَّارَقُطْنِيِّ، وهو في كتابِ "المُؤْتَلِفِ والمُخْتَلِفِ" (¬2) للدَّارَقُطْني، ومنهما استدركنا ما لم يَظْهَرْ في التصويرِ، فجعلناه بين معقوفَيْنِ. وفي الصفحةِ الأُولى كتَبَ الناسخُ: «بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيم. وصلَّى اللهُ عَلَى سيِّدنا محمَّدٍ وآلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كثيرًا. أوَّلُ كتابِ العِلَلِ. حدَّثنا الشيخ أَبُو طاهرٍ محمَّد بن أحمد ابن عبد الرحيم؛ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ محمَّدُ بْن أحمدَ ابنِ الفَضْلِ بنِ شَهْرَيَارَ - قراءة عَلَيْهِ فِي سنةِ تسعٍ وسِتِّينَ وثلاثِ مِئَةٍ - قال: أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم _ح» . وقُسِمَتْ هذه النسخةُ إلى سبعةَ عَشَرَ جُزءًا، وتختلفُ أوراقُ كلِّ جُزْء، فمُعْظَمُ الأجزاءِ تقعُ في سبعَ عَشْرَةَ ورقةً ونصفِ الورقةِ (صفحة) ، وبعضُهَا يَصِلُ إلى ثمانَ ِعَشْرَةَ ورقةً ونصفِ الورقة، وربَّما وقع في أربعَ عَشْرَةَ ورقةً، وستَّ عَشْرَةَ. ¬
ويَحْرِصُ الناسخُ على جعلِ بياضٍ في نهايةِ الجُزْء، وقبلَ البدء بالجُزْءِ الذي يليه، وربَّما اضْطَرَّتْهُ الكتابةُ إلى أن يَبْدَأَ الجزءَ من منتصفِ الصفحةِ ويَدَعَ نصفها الأَعْلَى بياضًا إذا لم يَكُنْ في الصفحة التي قبلها بياضٌ. ويبدأُ الناسخُ كلَّ مسألةٍ بجعلِ أولِ كلمةٍ منها بالخَطِّ الغليظِ تمييزًا لها عن المسألةِ التي قبلها، ويَخْتِمُ المسألةَ بدائرةٍ منقوطةٍ تَدُلُّ في الأغلبِ على أنَّ النسخةَ قوبلتْ بعد فراغه مِنْ نَسْخِهَا كما هو معلومٌ لدى المشتغلين بهذا الفَنِّ. وفي نهايةِ هذه النسخةِ كتَبَ الناسخُ: «آخِرُ كتابِ العِلَلِ، بحمدِ اللهِ ومَنِّهِ وعَوْنِهِ، وصلَّى اللَّهُ عَلَى محمَّدٍ وآلِهِ وسَلَّمَ. وكان الفراغُ من نَسْخِهِ في تاريخِ سابعَ عَشَرَ شهرِ ربيعٍ الأوَّلِ، مِنْ شهورِ سنةِ ثلاثين وسَبْعِ مئة، وكتبه محمَّد ابن أحمد بن علي الخَطِيبُ، يومئذٍ، بقريةِ العَبَّادِيَّة مِنْ عَمَلِ المَرْجِ الشامي، بِدِمَشْقَ المَحْروسةِ، عفا الله عنه وعن أُمَّةِ محمَّد أجمعين، وحَسْبُنَا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ» . وفي أعلى الصفحة الأخيرة جاء ما نصُّه: «طالعَهُ وعلَّق منه: الفقيرُ إسماعيل بن ... عفا الله عنه» . النُّسْخة الثانية: نسخةُ مكتبةِ فَيْض الله أَفَنْدِي بإستانبول رقم (498) ، وهي التي رمزنا لها بالرمز: (ف) . وهي روايةٌ أخرى للكتابِ عن ابنِ أبي حاتم، فالنسخةُ (أ) من
طريقِ محمدِ بنِ أحمدَ ابن ِ الفَضْلِ بنِ شَهْرَيَارَ، وهذه النسخةُ من طريق الحُسَيْن بن علي بن محمد بن يحيى التَّمِيمي. وهي نُسْخةٌ كاملةٌ تقريبًا ومقابَلَةٌ، إلا أنَّه سقَطَ منها بعضُ الأوراق، وتقع في (263) ورقة، ووَصْفُهَا هو وَصْفُ النسخةِ السابقة (أ) ؛ لأنَّ ناسخَهُمَا واحدٌ، وهو محمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ عليٍّ الخطيبُ، بقريةِ العَبَّادِيَّةِ مِنْ عَمَلِ المَرْجِ الشاميِّ بِدِمَشْق، وقد نَسَخهما في سنةٍ واحدة، إلا أنَّ هذه متأخِّرةٌ عن تلك بشهرٍ إلا ثلاثةَ أيامٍ، فقد فرَغَ الناسخُ مِنْ نَسْخها يومَ السبتِ رابعَ عَشَرَ شهرِ ربيعٍ الآخِرِ من سنة ثلاثين وسَبْعِ مئة (730هـ) . وعددُ الأسطُرِ في الصفحة الواحدة (25) سطرًا، ومُسَطَّرتها (18. 5×26) ، وخَطُّها نسخيٌّ جيِّدٌ كخط النسخة (أ) . وتتفق هذه النُّسْخة مع النُّسْخة (أ) أيضًا في التجزئة وصفتِها؛ على النحو الذي تقدَّم. وأمَّا صفحةُ العنوان: فكُتِبَ فيها ما نصُّه: «كتابُ العِلَلْ، وبيانِ ما وقَعَ من الخطأِ والخَلَلْ، في بعضِ طُرُقِ الأحاديثِ المَرْويَّهْ، في السُّنَّةِ النبويَّهْ، تصنيفُ الشيخِ العالمِ الثِّقَةِ الحافظِ أبُوا (¬1) محمَّدٍ عبدِالرحمنِ بنِ أبي حاتمٍ محمَّدِ بنِ إدريسَ الحَنْظَليِّ الرازيِّ رَضِيَ اللهُ عنه وأرضاه، وقد جعله مشتملاً على تِسْعةَ عَشَرَ جزءًا» . ¬
وهذا العنوان لم نعتمدْهُ؛ لأنه ليس بِخَطِّ الناسخ، وليس هناك نسخة أخرى تَحْمِلُ هذا العنوان، وقد أخطَأَ كاتبُ هذا العنوان في ذكر عَدَدِ الأجزاء فقال: «تسعةَ عَشَرَ» ، وإنما هي «سبعةَ عَشَرَ» ، ونصَّ على ذلك الناسخُ صراحةً في أوَّل الكتابِ، فقال: «بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيم. وصلَّى اللَّهُ عَلَى سيِّدنا محمَّدٍ وآلِهِ وصَحْبِهِ. أوَّلُ كتاب العِلَل، يشتملُ عَلَى سبعةَ عَشَرَ جُزُؤًا. الجُزُؤُ الأوَّلُ فِي عِلَلِ أخبارٍ رُوِيَتْ في الطهارة: أخبرنا أبو أحمد الحُسَيْنُ ابنُ عليِّ بنِ محمَّدِ بنِ يحيى التَّمِيمِيُّ، قراءة عَلَيْهِ فِي سنة تِسْعٍ وسِتِّينَ وثلاثِ مئة؛ قال: أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم _ح» . وفي آخِرِ الكتابِ ما نَصُّهُ: «آخِرُ كتابِ العِلَلِ، بحمد الله ومَنِّهِ، وصلَّى اللَّهُ عَلَى سيِّدنا محمَّدٍ وآلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا، كتَبَهُ لِنَفْسِهِ محمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ عليٍّ الخطيبُ، يومئذٍ، بقريةِ العَبَّادِيَّةِ من عمل المَرْجِ الشامي، بِدِمَشْقَ المَحْرُوسةِ، وكان الفراغُ مِنْ نَسْخه يومَ السبتِ رابعَ عَشَرَ ربيعٍ الآخِرِ من سنةِ ثلاثين وسَبْعِ مئة، وحَسْبُنَا اللهُ ونِعْمَ الوكيل، والحمدُ لله ربِّ العالمين» . النُّسْخة الثالثة: نسخة مكتبة أحمد تَيْمُور باشا (رقم 135) ، وهي التي رمزنا لها بالرمز: (ت) . وهي من رواية مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الفَضْل ابن شَهْرَيَار، عن ابن أبي حاتم، فطريقها هو طريق النسخة (أ) .
وهي نسخةٌ كاملةٌ تقريبًا، وإنْ كان يعتريها ما يعتري بَقِيَّةَ النُّسَخِ من السَّقْط والتصحيف الذي نبَّهنا عليه في موضعه، وخَطُّهَا نسخيٌّ جيِّد، وتقع في (364) ورقة - (728) صفحة - وفي الصفحة (23) سطرًا، وهي أقدَمُ النُّسَخِ؛ فقد فرَغَ الناسخُ من نَسْخها يومَ الأحدِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا من رَجَبٍ سنةَ خمسَ عَشْرَةَ وسِتِّ مئةٍ (615هـ) ، ولم يذكر اسمه، وهو وَرَّاقٌ نَسَخَها لصاحبها إسماعيلَ بنِ عبد الله الأنصاريِّ الآتي ذكره - فيما يظهر - يَدُلُّ على ذلك قوله في آخرها: «غفَرَ اللهُ لكاتبِهِ ولصاحبِهِ» . وهي أُولَى النسختَيْنِ اللَّتَيْنِ اعتمَدَ عليهما الأستاذ مُحِبُّ الدين الخَطِيب _ح في تحقيقه للكتاب في طبعته الأولى، وقال في وصفها في مقدِّمته: «فاعتمدنا في طبعه على نسختَيْنِ خطيتَيْنِ قديمتَيْنِ، إحداهما: في خِزَانَةِ العلاَّمةِ المحقِّقِ صاحبِ السعادة أحمد تَيْمُور باشا (رقم 135 حديث) ، وهي في (728) صفحة، في كل صفحة (23) سطرًا، وقد انتهَتْ كتابتها في دمشق لِلَيْلَتَيْنِ بقيتا من رجبٍ سنةَ (615هـ) » . وجاء على صفحة الغِلاَف ما نصُّه: «كتابُ عِلَلِ الحديثِ، تأليفُ الإمامِ أبي محمَّدٍ عبدِالرحمن ابنِ الإمامِ أبي حاتمٍ محمَّدِ بنِ إدريسَ بن المنذرِ بنِ داودَ بن مِهْران الرازيِّ الحافظِ، مولى تَمِيمِ بنِ حَنْظَلة، الغَطَفاني الحَنْظَلي _ح. روايةُ أبي بكر محمد بن أحمد ابن الفَضْل بن شَهْرَيَارَ عنه، روايةُ أبي طاهر محمَّد بْن أَحْمَد بْن عبد الرَّحِيم عنه، روايةُ أبي بكرٍ محمَّد بْنِ عَليّ بْن أَبِي ذَرٍّ الصَّالْحَاني إجازةً عنه، روايةُ
أبي الفَتْحِ ناصر بن محمد بن أبي الفَتْح ناصرٍ المعروفِ بِوِيْرِج الأَصْبَهَانيِّ عنه، إجازةً منه لصاحبِهِ إسماعيلَ بن عبد الله بن عبد المُحْسِنِ بن الأَنْمَاطيِّ الأَنْصَاريِّ رَفَقَ اللهُ به، ونفَعَهُ بسائره، آمين» . ونرجِّحُ أنَّ العنوانَ والإسنادَ كُتِبَا بِخَطٍّ غَيْرِ خَطِّ الناسخ. وتحت العنوانِ والإسنادِ فِهْرِسٌ لأبوابِ الكتابِ بِخَطٍّ غيرِ خَطِّ الناسخ أيضًا، وعن يمينهما ترجمةٌ موجزةٌ لابنِ أبي حاتم من أحدِ المطالعين أو المُتَمَلِّكِينَ للنُّسْخة، مأخوذةٌ من "دُوَلِ الإسلام" للذَّهَبي، وفي أعلى الصفحة وَجِهَتِهَا اليسرى بعضُ التَّمَلُّكات للكتاب، وفوق الفِهْرِسِ خَتْمٌ كبيرٌ لأحمد تَيْمُور باشا المالكِ الأخير للنسخة. وفي الصفحةِ اليمنى المقابلةِ لصفحةِ العنوان ذِكْرٌ لقصة مسلم بن الحَجَّاج مع البخاري - رحمهما الله تعالى - في ذكرِ عِلَّةِ حديثِ كَفَّارةِ المَجْلِس، ثم نَقْلٌ لنقدِ الحافظ العراقيِّ للقصَّة مأخوذٌ من شَرْحه لألفية الحديث، وجميعُهُ بخطٍّ غيرِ خَطِّ الناسخ. وفي بدايةِ الكتابِ كتَبَ الناسخ: «أوَّلُ كتابِ العِلَلِ. بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم. رَبِّ يَسِّرْ وأَعِنْ» ، ثم بياضٌ بمقدار ثلاثة أسطر، ثم: «قال: أخبرنا أبو محمَّدٍ عبدُالرحمنِ بنُ أبي حاتم _ح» ، ولم يَذْكُرِ الإسنادَ، ولا القائلَ: «قال: أخبرنا» ، فإنْ كان الإسنادُ الذي على صفحةِ العنوان بِخَطِّ الناسخ، فيكونُ القائلُ هو أبا بكرٍ محمدَ بنَ أحمدَ بنِ الفضلِ بنِ شَهْرَيَارَ، وإلا فلا يَبْعُدُ أن يكون صاحبُهَا
إسماعيلُ بنُ عبدِاللهِ الأنصاريُّ اكتفَى بكتابة إسناده على صفحة العنوان، ثم تحقَّق من مطابقة النُّسْخة لروايته؛ بمقابلتها، ويكونُ الناسخ ترَكَ البياضَ الذي بمقدار ثلاثة أسطر في أوَّلِ النُّسْخة لِيُلْحِقَ صاحبُها إسنادَهُ بها، والله أعلم. وكتَبَ الناسخُ في نهاية الكتاب: «آخِرُ كتابِ العِلَلِ، والحمدُ لله رَبِّ العالمين. وقع الفَرَاغُ من تسويده يومَ الأَحَدِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا من شهرِ اللهِ الأصَمِّ؛ رَجَبٍ عَظَّمَ اللهُ حُرْمَتَهُ مِنْ سنةِ خمسَ عَشْرَةَ وسِتِّ مئة؛ بِدِمَشْقَ حَرَسها الله، غفَرَ الله لكاتبِهِ، ولصاحبِهِ، ولجميعِ المؤمنين؛ إنه هو الغفور الرحيم» . النسخة الرابعة: نسخة مكتبة تشِسْتَرْبِتِي في دَبْلِن بِإِيرلَنْدَا (رقم 3516) كما في "تاريخ التراث" لفؤاد سِزْكِين (¬1) ، وعنها صورةٌ في مَرْكَز المخطوطاتِ بالجامعة الإسلامية (986) ، وهي التي رمزنا لها بالرمز: (ش) . تقع هذه النسخة في (310) ورقات، وفي الصفحة (25) سطرًا، وهي منسوخة في شهرِ ربيعٍ الآخِرِ سنةَ خمسٍ وثلاثين وسَبْعِ مئةٍ (735هـ) ، وناسخُهَا هو علي بن عمر بن عبد الله، وخَطُّها نَسْخِيٌّ لا بأس به، وقد قُوبِلَتْ؛ بدليلِ تصريحِ الناسخِ في بعضِ المواضع؛ كما في (ق44/أ) حين قال: «بلغ مقابلةً، فَصَحَّ إنْ شاء الله» . ¬
وهي نسخةٌ كاملةٌ، إلا أنه سقَطَ مِنْ أوَّلها بعضُ الورقات، فبدايتها مِنْ منتصفِ المسألة رقم (44) . وهذه النُّسْخَةُ هي أكثَرُ النُّسَخِ شَبَهًا بالنُّسْخة (أ) ؛ لاتفاقهما في كثيرٍ من الفُرُوق؛ فالظاهرُ أنها منقولةٌ عنها، فهي متأخِّرةٌ عنها بنحوِ خَمْسِ سنوات. وهناك بعضُ القرائنِ القويَّةِ على هذا؛ ومنها: أ) ما جاء في المسألة رقم (1078) ؛ حين قال أبو حاتم: «وَلا أعلَمُ رَوَى أَبُو سَلَمةَ عَنْ ثَوْبَان إِلا حَدِيثًا يَرْوِيهِ أَبُو سَعْدٍ البَقَّالُ - وَهُوَ حديثٌ مُنْكَرٌ - عَنْ أَبِي سَلَمة، عَنْ ثَوْبَان ... » . ففي نسختَيْ (أ) و (ش) - كما في صورتَيْهِمَا المرفقتَيْنِ - جاءت العبارة هكذا: «منكر متصل عن أبي سلمة» ، لكن في (أ) جعَلَ الناسخ الدائرة المنقوطة لِلْفَصْلِ بين قوله: «منكر» و «عن أبي سلمة» ، ثم ضرب عليها، وكتب فوقها: «متصل» ، فإمَّا أنه لَحَقٌ، أو قَصَدَ الناسخُ إلغاءَ الفَصْل، فقال: إنَّ الفَصْل مُلْغًى، والكلام متصلٌ، فظَنَّ ناسخُ (ش) أنَّ قوله: «متصل» في سياق الكلام، فأدخلها في النَّصِّ، وهذا هو الأظهر؛ فيكونُ فيه دليلٌ على أنَّ (ش) منقولة من (أ) ، إلا أنْ يكونَ في أصلهما ما يُزِيلُ هذا الاحتمالَ. هذا؛ وربَّما اختَلَفَتْ هذه النُّسْخةُ عن النُّسْخةِ (أ) اختلافًا يسيرًا بسببِ خطأِ الناسخِ، أو اجتهاده، والله أعلم.
صورة النسخة (أ) : صورة النسخة (ش) : ب) في المسألة رقم (183) قال أبو حاتم: «فَرَوَى المَسْعُودِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّاب، عَنِ ابْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّة، عن النبي (ص) » . وهناك علامة فوق «عن» من قوله: «عن ابن يعلى» ، وكُتِبَ في الهامش بخَطٍّ يبدو أنه خط الناسخ: «خَيْثَم» ، ولم يكتب عليها ما يَدُلُّ على أنه لَحَقٌ أو تصويبٌ، وأثبَتَ ناسخُ (ش) العبارة هكذا: «فَرَوَى المَسْعُودِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّاب، عن خَيْثَم بن يَعْلَى بْنِ مُرَّة، عَنِ النَّبِيِّ (ص) » ، مع أنَّ هذا غلَطٌ، وليس هناك راوٍ اسمُهُ خَيْثَمُ بن يَعْلَى كما أوضحنا ذلك في تعليقنا على هذه المسألة. وفي صورة هذا الموضعِ مِنْ كلتا النسختَيْنِ ما يوضِّح هذا:
صورة النسخة (أ) : صورة النسخة (ش) : هذا؛ وتبتدئُ هذه النُّسْخةُ بقوله: «لم يَعْهَدْ إلينا رَسُولُ اللهِ (ص) شَيْئًا لم يَعْهَدْهُ إِلَى الناسِ، إِلا ثلاثة: أَمَرَنَا أن نُسْبِغَ الوُضُوءَ ... » إلخ، وهذا في منتصفِ المسألة رقم (44) كما سبق، وتنتهي بقوله: «آخِرُ "كتابِ العِلَل"، بحمد الله ومَنِّه، وصلَّى اللهُ عَلَى محمَّدٍ وآلِهِ وسَلَّمَ، علَّقه العبدُ الفقيرُ إلى الله تعالى عليُّ بنُ عمرَ بنِ عبد الله [ ... ] اليَمَانِي، عفا الله عنه وعن والدَيْهِ [ ... ] ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وكان ذلك يومَ [ ... ] ربيع الآخِر سنَةَ خَمْسٍ وثلاثين وسَبْعِ مئةٍ [ ... ] ، وحسبُنَا اللهُ ونِعْمَ الوكيل» . اهـ. وما بين المعقوفات بياضٌ لم نتمكَّنْ من قراءتِهِ لرداءةِ التصوير. وهي أيضًا مُجَزَّأَةٌ إلى سبعةَ عشَرَ جزءًا، لكنَّ التَّجْزِئةَ يجعلها
الناسخُ في الهامشِ ويَخْتَصِرها، فيقولُ مثلاً: «آخِرُ الجُزْءِ الرابعَ عشَرَ» ، ولا يذكر ما يذكره ناسخ (أ) و (ف) . النُّسْخَة الخامسة: نُسْخةُ دارِ الكُتُبِ المِصْرِيَّة رقم (908) ، وهي التي رمزنا لها بالرمز: (ك) ، وهي النسخةُ الثانيةُ التي اعتمدَهَا الأستاذ مُحِبُّ الدِّينِ الخَطِيب _ح في تحقيقه للكتابِ أوَّلَ مَرَّة، مع النسخة المتقدِّمة (ت) ، وقال في وصفها في المقدِّمة: «والثانيةُ في دارِ الكُتُبِ المِصْرية (رقم 908 حديث) ، وهي في مجلَّد من القَطْع الكبير، في كُلِّ صفحة منه (29) سطرًا، وقد فَتَكَتْ بها الأَرَضَةُ، وليس في آخرها تاريخ. وأعتقد أنَّ إحدى النسختَيْنِ منقولةٌ عن الأخرى؛ لاتفاقهما أحيانًا كثيرةً في خطأ الناسخ» . وهي نسخةٌ مكتوبةٌ بخطٍّ نسخيٍّ جيِّد، لكنْ لم يُذْكَرْ فيها اسمُ الناسخِ، ولا تاريخُ النَّسْخ، وكُتِبَ عليها أنها تقع في (244) ورقة، وهو خطأ، فعددُ أوراقها (215) ورقة، وسقَطَ مِنْ أوَّلها ورقةٌ واحدةٌ - فيما يظهر - مع صفحةِ العُنْوان، وتبتدئُ من نهايةِ المسألةِ رَقْم (3) في كتاب الوُضُوء، من قوله: «الوُضُوء: مُحَمَّد بْن الجَعْد؛ فَيَحْتَمِلُ أنْ يكونَ اسمَهُ محمَّدٌ وحَمَّادٌ جميعًا» وفي آخِرِهَا مانصُّه: «هذا آخِرُ الكتابِ المَعْرُوفِ بـ"كتاب العِلَلِ"، والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالمين، وصلواتُهُ عَلَى سيِّدِنَا محمَّدٍ وآلِهِ وصحبِهِ وسَلَّمَ تسليمًا» . وترجَّح لنا أنها نسخةٌ منقولةٌ من النسخة (ت) ؛ بدليلِ أنَّ المواضعَ
التي يكونُ فيها طَمْسٌ في النُّسْخة (ت) يبيِّض لها ناسخُ (ك) كما يبدو في الصور المعروضةِ لبعضِ المواضع من النسختين: أ) ففي المسألة رقم (1787) من (ت) ؛ في الصفحة (437) قال ابن أبي حاتم: «وسمعتُ أَبِي وذكَرَ حَدِيثًا حدَّثَني به عن أبي غَسَّانَ زُنَيْجٍ، عن يحيى بن الضُّرَيْس» ، وسقط قوله: «الضُّرَيْس» ، ثم ألحقه الناسخُ في الهامش، ثم طُمِسَتْ بعده ثلاثُ كلمات - بسبب الرطوبة فيما يظهر - وهي قوله: «قال: حَدَّثنا قُدَامَة» ، ونجد ناسخ (ك) بَيَّض لهذه الكلماتِ الثلاث. ويَمْتَدُّ هذا الطَّمْسُ إلى السَّطْرِ الذي يليه، فيذهبُ منه قوله: «فسمعتُ أبي» ، ثم إلى السَّطْرِ الذي يليه، فيذهب منه قوله: «عن عِكْرمة» ، ونجد ناسخ (ك) يُبَيِّضُ لهذه الكلمات المطموسة كلها؛ كما يظهر من مطالعة النصَّيْنِ في صورتَيِ النسختَيْنِ هاتين: صورة النسخة (ت) :
صورة النسخة (ك) : ب) ويمتدُّ هذا الطَّمْس في (ت) ؛ فيذهبُ بكثيرٍ من كلماتِ الأسطر الأربعة الأولى من المسألة (1791) ؛ فيُبَيِّضُ ناسخ (ك) لهذه الأسطر، ويبدأ من السطر الذي سَلِمَ من الطَّمْس كما يظهر من صورتيهما هاتين: صورة النسخة (ت) : صورة النسخة (ك) :
ج) وفي المسألة رقم (528) يقول ابن أبي حاتم: «وسُئِلَ أَبُو زُرْعة عَنْ حديثٍ رواه يَزِيد ابن هارون، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن الْمُجَبِّر» ، وطُمِس قوله: «المجبِّر» في (ت) ، فَبَيَّضَ له ناسخُ (ك) كما يظهر من صورتيهما هاتين: صورة النسخة (ت) : صورة النسخة (ك) :
هـ) تَحْقِيقُ اسْمِ الْكِتَابِ، وَصِحَّةِ نِسْبَتِهِ إِلَى مُصَنِّفِهِ اشْتُهِرَ ابنُ أبي حاتمٍ بكتابِهِ "العِلَلِ" عند أهل العِلْمِ، خاصَّةً المحدِّثِينَ وأصحابَ التَّرَاجِمِ والمُؤَرِّخِينَ، كما جاءَ اسْمُ الكتابِ مَعْزُوًّا إلى ابن أبي حاتمٍ في جميعِ النُّسَخِ الخَطِّيَّةِ للكتابِ، كما تَقَدَّمَ في وَصْفِ تِلْكَ النُّسَخِ؛ فليس هناك شَكٌّ في صِحَّةِ نِسْبةِ الكتابِ إليه. وقد عُرِفَ هذا الكتابُ عند أهلِ العِلْمِ المعاصرين باسْمِ: «عِلَلِ الحديثِ» ؛ لِكَوْنِ طَبَعَاتِهِ الثلاثِ السابقةِ - التي أَشَرْنَا إليها في صَدْرِ هذه المقدِّمةِ (¬1) - صَدَرَتْ بهذا الاسْمِ؛ اعتمادًا مِن محقِّقيها على ما ورَدَ في صَفْحَةِ عُنْوَانِ النُّسْخةِ (ت) الآتي الحديثُ عنها؛ غَيْرَ أنَّنا عَدَلْنَا عن هذه التَّسْمِيَةِ، ورَجَّحْنَا أن يكونَ العنوانُ: «كِتَاب العِلَلِ» بمرجِّحاتٍ عديدةٍ، وهي: 1- اتفقَتْ نُسَخُ الكتابِ الخَمْسُ على أنَّ اسمَهُ: «كتابُ العِلَلِ» ، إلا النُّسْخةَ (ت) ؛ فقد خالفَتْ في عُنْوانِ النُّسْخةِ فقطْ فجعلتْهُ: «عِلَلَ الحديثِ» ، أمَّا في بدايتِهَا وآخِرِهَا فموافقةٌ لبقيَّةِ النُّسَخِ (¬2) . وسقَطَ من مَطْلَعِ النسختَيْنِ (ش) و (ك) وَرَقَاتٌ ذهَبَ معها عُنْوَانُ الكتابِ فيهما، غَيْرَ أنَّ اسْمَ الكتابِ في آخرهما: «كِتَابُ العِلَلِ» ، وبه سُمِّيَ الكتابُ في جميعِ المواضعِ مِنَ النسختَيْنِ (أ) و (ف) ؛ في العُنْوانِ والبدايةِ والنهايةِ وتَجْزِئَةِ الكتابِ، غَيْرَ موضعٍ واحدٍ في نهايةِ الجُزْءِ ¬
الأوَّل من النسختَيْن؛ فإنَّ اسمَ الكتابِ هناك جاء باسم "عِلَل الحديث"، ومِثْلُهُ في بدايةِ الجُزْءِ الثاني من النسخة (ف) فقط (¬1) . 2- نُرَجِّحُ أنْ يكونَ عُنْوَانُ الكتابِ في النُّسْخَةِ (ت) كُتِبَ بِخَطٍّ غيرِ خَطِّ الناسخ، كما أنَّ ما جاء في المَوْضِعِين المذكورِين من النسختَيْنِ (أ) و (ف) ، لم يتكرَّرْ في بَقِيَّةِ الأجزاءِ السبعةَ عَشَرَ؛ بل جاء فيهما باسمِ: "كِتَابُ العِلَلِ". 3- جاء في نهايةِ النُّسْخة (ك) قولُهُ: «هذا آخِرُ الكتابِ المعروفِ بـ"كِتَابِ العِلَلِ"؛ وهذا كالنَّصِّ على ما كان معروفًا مِنِ اسمِ الكتابِ في عَصْرِ الناسخ، والله أعلم. 4- في عُنْوانِ الكتابِ في النُّسْخة (ف) - وهو بخطٍّ غيرِ خَطِّ الناسخ أيضًا - زيادةٌ على اسمِ الكتابِ مقحمةٌ، وصورتُهَا: «كِتَابُ العِلَلْ، وبَيَانِ ما وَقَعَ مِنَ الخَطَأِ والخَلَلْ، في بَعْضِ طُرُقِ الأحاديثِ المَرْوِيَّهْ، في السُّنَّةِ النَّبَوِيَّهْ ... » ، وهذه الزيادةُ على أنها مُقْحَمَةٌ، إلا أنها دليلٌ آخَرُ على أنَّ عُنْوانَ الكتابِ: «كتابُ العِلَل» ؛ لأنَّ كَاتِبَهَا بَنَى السَّجْعَةَ فيه على حَرْفِ اللام: «العِلَلْ، الخَلَلْ» ، ولو كان أصْلُ العنوانِ عنده: «عِلَلَ الحديثِ» لَجَعَلَ سَجْعَتَهُ على حَرْفِ الثاء. 5- سَمَّى الحافظُ ابنُ رَجَبٍ (¬2) كتابَ ابنِ عبد الهادي - الذي عَلَّقَ ¬
فيه على مَسَائِلَ مِنْ هذا الكتابِ -: «تعليقة على العِلَلِ لابنِ أبي حاتم» ، وذكَرَهُ البَغْداديُّ في «هَدِيَّةِ العارفين» باسم: «شَرْح كتابِ العِلَلِ، على ترتيبِ كُتُبِ الفِقْهِ» (¬1) . 6- جميعُ مَنْ ذكَرَ كتابَنَا مِنَ المتقدِّمين والمتأخِّرين أسماه: «كِتَابَ العِلَل» ، وقد وقَفْنَا على عَشَرَاتِ المواضعِ التي سُمِّيَ فيها بهذا الاسمِ في كُتُبِ التخريجِ والتَّرَاجِمِ والرجالِ، ومع طُولِ التَّفْتِيشِ لم نَقِفْ على مَنْ خالَفَ ذلك إلا ما كان من الشَّيْخِ طاهرٍ الجزائريِّ في كتابه «تَوجِيه النَّظَرِ» (2/651) فقد ذَكَرَهُ باسْمِ «عِلَلِ الحديثِ» ، وهو متأخِّر، والظاهرُ: أنَّه اعتَمَدَ في ذلك على عُنْوانِ النُّسْخةِ (ت) ، والله أعلم. هذا؛ وقد وقَفْنَا في كتابِ «المُؤْتَلِفِ والمُخْتَلِفِ» للدَّارَقُطْني (4/2230) على نَصٍّ تقدَّم ذِكْرُهُ (¬2) في الحديثِ عن رواياتِ كتابِ «العِلَلِ» ، يقولُ فيه: «وأما بُخَارٌ: فهو عليُّ بنُ بُخَارٍ الرازيُّ، أبو الحَسَن، شيخٌ كَتَبْنَا عنه في دَارَقُطْن، حدَّثنا عن عبدِالرحمن بنِ أبي حاتمٍ بِعِلَلِ الحديثِ وسؤالاتِهِ لأبيه ولأبي زُرْعة في ذلك» . وقد يتوهَّم متوهِّمٌ أنَّ قوله: «عِلَل الحديث» تصريحٌ منه باسْمِ الكتابِ، وليس بذاك، ولا يَقُومُ دليلاً؛ بل هو ذِكْرٌ للموضوعات التي حدَّثهم بها عن ابنِ أبي حاتم، وهي: عِلَلُ الحديثِ النبويِّ، وأسئلةُ ابنِ أبي حاتمٍ لأبيه ولأبي زُرْعة في ذلك، والله أعلم. ¬
و) خُطَّةُ العَمَلِ فِي الكِتَابِ اتَّبَعْنَا في تحقيقِ الكتابِ وإخراجِهِ الخُطَّةَ التاليةَ: 1) نَسَخْنَا الكتابَ بأكملِهِ مِنْ نسخةِ مكتبةِ أحمد الثالث (أ) ، مع الإبقاء على رَسْمِ الناسخِ ما أمكَنَ، إلا ما رأينا تعديلَهُ؛ إمَّا لكونِهِ خَطَأً مما سيأتي التنبيه عليه في حاشية الكتاب، أو لمخالفتِهِ ما اسْتَقَرَّ عليه الرسمُ الإملائي اليوم عند الكُتَّاب؛ ككتابتهم: «الربا» هكذا: «الربوا» ، وهذا رَسْمٌ قديمٌ لبعضِ كَتَبَةِ الحديثِ وغيرِهِ، وهو موافقٌ لِرَسْمِ المُصْحَفِ العُثْماني، لكنَّه مخالفٌ لما استَقَرَّ عليه الاصطلاحُ في عِلْمِ الإملاءِ الحديث. ونحوُ ذلك رَسْمُ بعضِ الكلماتِ - في مواضعَ كثيرةٍ مِنْ هذا الكتابِ - خلافَ الرَّسْمِ المشهور - وإنْ كان له وجهٌ صحيحٌ في اللغة - ومِنْ ذلك: قولُهُ: «كذا» ، فإنه يَرِدُ أحيانًا مكتوبًا بالياء المنقوطةِ «كَذي» ، وأحيانًا بالياءِ غيرِ المنقوطة «كَذى» ، وهي كافُ الجرِّ واسْمُ الإشارة؛ فإنْ كان بالألِفِ فهو إشارةٌ لِمُذَكَّر، وهو الجادَّةُ المشهورة، وإنْ كان بالياءِ المنقوطةِ فهو إشارةٌ لمؤنَّثٍ، وإنْ كان بالياءِ غيرِ المنقوطة فَيَحْتمِلُ أنْ يكونَ إشارةً لمؤنَّثٍ مفهومٍ من السياق، لكنْ لم تُنْقَطِ الياءُ على عادةِ بعضِ النُّسَّاخ، ويَحْتمِلُ أنْ يكونَ إشارةً لمذكَّرٍ، والأصلُ: «ذا» ، لكنْ أُمِيلَتِ الألفُ، فَكُتِبَتْ ياءً، وممَّن حكى إمالةَ «ذا» الإشاريَّةِ: سيبوَيْهِ؛ كما أوضَحْنَاهُ في التعليق على المسألة رقم (124) .
ومِنْ ذلك أيضًا كلمة: «الجزء» فقد تكرَّرت في أوائلِ أجزاءِ الكتابِ وأواخِرِهَا مكتوبةً في النسختَيْنِ (أ) و (ف) هكذا: «الجزؤ» ، وهو رسمٌ صحيحٌ أيضًا، ففي هذه الكلمة لغتان فصيحتان، وبهما قُرِئ؛ فقد قرَأَ الجمهور: {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا} [البقرة: 260] بإسكانِ الزاي، وهي لغةُ تَمِيمٍ وأَسَد، وقرأ أبو بَكْرٍ وأبو جَعْفَرٍ والمُفَضَّلُ: {جُزُؤًا} بِضَمِّ الزاي، وهي لغةُ الحِجازيِّين. انظر "معجم القراءات" للدكتور عبد اللطيف الخطيب (1/378) ، ووقع ذلك أيضًا في بعضِ النُّسَخِ في مواضعَ أُخْرَى قليلةٍ مِنَ الكتاب، غيرِ ما في أوائلِ الأجزاءِ وأواخِرِها، ولم نُشِرْ إلى ذلك في مواضعه اكتفاءً بما ذكرناه هنا. 2) قابلنا بقيَّةَ النُّسَخِ مع النصِّ المنسوخِ عن النسخة (أ) ، وتحرَّينا إثباتَ فروقِ النُّسَخِ بِكُلِّ دِقَّةٍ على قَدْرِ استطاعتنا، ولم نُغْفِلْ مِنَ الفروقِ إلا ماجَرَتِ العادةُ بإهماله؛ كـ «حدَّثنا» و «ثنا» ، ونحوهما، أو « (ص) » و «_ج» ، وأمثال ذلك. ومِنَ الفروقِ التي أهملناها غالبًا: بدايةُ كُلِّ سؤالٍ في النُّسْخة (ت) ، وعنها النسخة (ك) ؛ فإنهما تَبْتَدِئَانِ في الأغلبِ بقوله: «سَأَلْتُ» ، أو: «سَمِعْتُ» ، وفي بقيَّةِ النسخ: «وسَأَلْتُ» أو «وسَمِعْتُ» بالواو. 3) ترجَّح لنا مِنْ خلالِ مقابلةِ النُّسَخِ أَنَّ نُسْخَةَ مكتبةِ تشِسْتَرْبِتِي (ش) منقولةٌ عن نُسْخة مكتبة أحمد الثالث (أ) ، وأنَّ نسخةَ دار الكتب المصريَّة (ك) منقولةٌ عن نُسْخة مكتبة أحمد تَيْمُور باشا (ت) ، فَجَعَلْنَا
العُمْدةَ في إثباتِ النَّصِّ على النُّسَخِ الثلاثِ (أ) و (ت) و (ف) ، وقد أثبَتْنَا فروقَ هاتَيْنِ النسختَيْنِ في حَاشِيَةِ الكتابِ؛ وقد نُثْبِتُ ما فيهما في أَصْلِ الكتابِ بين مَعْقُوفين في أحيانٍ قليلةٍ، إذا دَعَتِ الحاجةُ إلى ذلك، كَأَنْ تَتَّفِقَا مع ما في مصادِرِ التخريجِ، ويكونَ ما في بقيَّةِ النُّسَخِ خَطَأً أو تصحيفًا. 4) عَزَوْنَا الآياتِ إلى سُوَرها، بِذِكْرِ رَقْمِ الآيةِ، واسْمِ السُّورةِ، وجَعَلْنَا ذلك في الحاشية، كما خرَّجنا القراءاتِ القرآنيَّةَ مِنْ كُتُبِ القراءاتِ والتفسيرِ واللغة. 5) قُمْنَا بتخريجِ الأحاديثِ والآثَارِ وأقوالِ أَهْلِ العِلْمِ من كُتُبِ الحديثِ والرجالِ وغيرِهَا حَسَبَ الطاقةِ؛ بطريقةٍ تُعِينُ على تَصوُّرِ العِلَّة، وذلك بتخريجِ كُلِّ طريقٍ عند ذكر ابنِ أبي حاتمٍ أو غيره لها، وربَّما أَضَفْنَا طرقًا أُخْرَى ممَّا لم يَذْكُرْهُ ابنُ أبي حاتم، ولم نَسْتَقْصِ التخريجَ إذا كان الحديثُ مُخَرَّجًا في كُتُبِ الحديثِ المشهورة. 6) في الكتاب كثيرٌ من المسائلِ كَرَّرَهَا المصنِّفُ كما سيأتي بيانه (¬1) ، فلم نُكَرِّرْ تخريجَ الطُّرُقِ فيها، ولكنِ اكتفَيْنَا بالتخريجِ في أوَّلِ مسألة، إلاَّ أنْ يكونَ في المسألةِ المتأخِّرةِ ما يستدعي جَعْلَ التخريجِ فيها؛ كالتفصيلِ في الطُّرُقِ، ونحوه. 7) تَتَبَّعْنَا واستَقْرَيْنَا كثيرًا مِنَ الكُتُبِ التي هي مَظِنَّةُ روايةِ النَّصِّ ¬
عن ابنِ أبي حاتم، أو نقلِهِ بتمامِهِ، أو نَقْلِ جزءٍ منه، وأعاننا هذا على استدراكِ كَثِيرٍ من السَّقْطِ، وتصحيحِ ما اتفقَتْ عليه النُّسَخُ مِنْ أخطاءٍ؛ كما تَجِدُ مثالَهُ في المسألةِ رَقْم (118) التي استَدْرَكْنَا السَّقْطَ فيها من نقلِ الحافظِ ابنِ حَجَرٍ لها في "النُّكَتِ الظِّرَاف"، والمسألةِ رَقْم (217) التي استدرَكْنَا السَّقْطَ فيها مِنْ روايةِ الخطيبِ البغداديِّ لها في "المُوضِحِ لأوهامِ الجَمْعِ والتفريق"، والمسألة رقم (1019) التي وقَعَ فيها كثيرٌ من التصحيفِ الذي أصلَحْنَاهُ من "تصحيفات المحدِّثين" للعَسْكَرِيِّ الذي روى هذه المسألةَ عن شَيْخِهِ عبدِالرحمنِ بنِ أبي حاتم، ومن هذه الكتب: "تَعْلِيقَةٌ على العِلَلِ" للحافظ ابن عبد الهادي؛ وهو يُعَدُّ نسخةً أخرى من كتاب "العلل"، وغيرُهَا كثيرٌ ممَّا تراه في مواضعه. 8) واجهَتْنَا بعضُ الصُّعُوباتِ عند ضَبْطِ النَّصِّ، ومن أهمِّها معالجةُ السَّقْطِ والزيادةِ والتصحيفِ، فما كان بيِّنًا مِنْ ذلك لا إشكالَ فيه؛ أَصْلَحْنَاهُ واستدرَكْنَاهُ، غيرَ أنَّ ابنَ أبي حاتمٍ يَسُوقُ الحديثَ أحيانًا مِنْ طريقِ راوٍ هو مَخْرَجُ ذلك الطريقِ الذي يُشِيرُ إلى عِلَّتِهِ، فنجدُهُ في كُتُبِ الحديثِ التي أخرجَتْهُ مع بَعْضِ الاختلافِ عمَّا ذَكَرَهُ ابنُ أبي حاتم، فلا نستطيعُ القَطْعَ بالسَّقْطِ أو الزيادةِ أو التصحيفِ في النُّسَخِ؛ حَذَرًا مِنْ أنْ يكونَ هذا وَجْهًا مِنْ وجوهِ الاختلافِ وقعَ لابن أبي حاتم ولم نَقِفْ عليه؛ كما تجده في المسألة رَقْم (12) حين قال: «وَرَوَاهُ زائدةُ، عَن الأَعْمَشِ، عَنْ عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى،
عَن البَرَاء، عَن بِلاَل، عَنِ النبي (ص) » ، ولم نَجِدِ الحديثَ على هذه الصِّفَةِ التي ذَكَرَهَا ابنُ أبي حاتم، ولكنْ وَجَدْنَا الأئمَّةَ أخرجوه مِنْ طريقِ زائدةَ، عَن الأعمشِ، عَن الحَكَم، عَنْ عبد الرحمن بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَن البَرَاء، عن بِلاَل، عن النبيِّ (ص) ، به هكذا، بزيادةِ الحَكَم، وهو ابن عُتَيْبة. 9) جَمَعْنَا في كلِّ مسألةٍ ما وَقَفْنَا عليه مِنْ أقوالِ الأئمَّةِ الآخَرِينَ في إعلالِ الحديثِ أو تصحيحِهِ، سواءٌ وافَقَ أو خالَفَ رأيَ أبي حاتمٍ أو أبي زُرْعة أو غيرِهِمَا ممَّن تكلَّم على عِلَّةِ الحديثِ المذكورِ في المسألة، حتَّى يكونَ القارئُ على درايةٍ بما قيل في الحديثِ، وربَّما أَهْمَلْنَا أقوالَ بعضِ الأئمَّة إذا كَثُرَ كلامُهُمْ في الحديثِ الواحد، وربَّما فاتَنَا شيءٌ مِنْ أقوالهم سَهْوًا، أو لأننا لم نَقِفْ عليه. وكان حِرْصُنَا على أقوالِ جَهَابذةِ أهلِ الحديث الذين يُعْتَنَى بِجَمْعِ أقوالهم؛ كيحيى القَطَّانِ، وعبدِالرحمنِ ابنِ مَهْدِيٍّ، والإمامِ أحمد، وعليِّ بن المَدِينِيِّ، ويحيى بنِ مَعِين، والبُخَاريِّ، ومُسْلِمٍ، والنَّسَائِيِّ، والدَّارَقُطْنِيِّ، ونحوِهم. أما المتساهِلُونَ الذين ساروا على طريقةِ علماءِ الأصولِ في النَّظَرِ إلى عِلَلِ الأحاديثِ؛ كابن حِبَّان، والحاكمِ في "المستدرك"، وكثيرٍ ممَّن جاء بعد ابنِ الصَّلاَحِ والنَّوَوِيِّ وتأثَّروا بهما، فلم نَحْرِصْ على جَمْعِ أقوالهم.
10) مَيَّزْنَا الأعلامَ الذين قد يَلْتَبِسون بغيرهم؛ بِسَبَبِ عدمِ نِسْبتهم، أو لكونهم ذُكِرُوا بِكُنَاهُمْ، أو بألقابِهِمْ، أو غيرِ ذلك. 11) فَسَّرْنَا الألفاظَ الغريبة؛ بِالرُّجُوعِ إلى كُتُبِ اللغةِ وغريبِ الحديثِ وشروحِ كُتُبِ السُّنَّة. 12) خَرَّجْنَا الأبياتَ الشِّعْرِيَّةَ مِنْ مَظَانِّها، وَنَسَبْناها إلى بُحُورها الشِّعْرِيَّةِ وقائليها. 13) وَجَدْنَا في الكتابِ كثيرًا من العباراتِ التي جاءتْ على خلافِ المشهورِ من قواعدِ اللُّغَةِ والنَّحْوِ؛ مما يتوهَّمُهُ المتوهِّمُ لَحْنًا وخَطَأً - وقد وقَعَ ذلك في مُتُونِ الأحاديثِ والآثارِ، وفي كَلاَمِ المُصَنِّفِ وغيرِهِ - فأثبَتْنَاهُ في صُلْبِ الكتابِ ولم نُغَيِّرْ منه شَيْئًا؛ مُتَّبِعِينَ في ذلك مَنْهَج أَهْلِ العلم المحقِّقين في القديمِ والحديثِ، والَّذِي سيأتي تحريرُ الكلام فيه في آخِرِ التنبيهات (¬1) . وقد اجتَهَدْنَا في تَوْجِيهِ ما وقَعَ مِنْ ذلك وتخريجِهِ على وَجْهٍ أو أكثَرَ من العربيَّة، مُقْتَفِينَ في هذه التوجيهاتِ والتخريجاتِ صَنِيعَ أَهْلِ العلمِ المحقِّقين من المتقدِّمِينَ والمتأخِّرِينَ، بل والمُعَاصِرِينَ (¬2) . ¬
............................ وقد كان مَنْهَجُنَا في التعليقِ على هذه المُشْكِلاَتِ على النحو التالي: (أ) وَضَعْنَا فروقَ النُّسْخَتَيْنِ (ش) ، و (ك) في الحاشية، ولم نُعَلِّقْ غالبًا على ما خالفَ الجَادَّةَ فيهما؛ لأنَّ أُولاَهُمَا منسوخةٌ عن (أ) ، وثَانِيَتَهُمَا عن (ت) ، كما تقدَّم بيانُهُ في وَصْفِ النسخ. (ب) إذا اختَلَفَتِ النُّسَخُ (أ) و (ت) و (ف) ، اختَرْنَا منها ما وافَقَ المَشْهُورَ مِنَ القواعدِ وأَثْبَتْنَاهُ في مَتْنِ الكتاب، وما في بقيَّةِ النُّسَخِ جعلناه في الحاشيةِ - مع النسختين (ش) ، و (ك) - معَ ذِكْرِ ما وقفنا عليه في مصادر التخريجِ ممَّا وافَقَ ما في النُّسَخِ أو خالفَهُ، لكنَّا لم نُعَلِّقْ - مِنْ جهةِ العربيَّةِ - على ما أثبتناه في الحاشية مخالفًا للجادَّة،
إلا في القليلِ النادر؛ إذا دَعَتِ الحاجةُ إلى ذلك. (ج) إذا اتَّفَقَتِ النُّسَخُ على خلافِ الجادَّةِ المشهورةِ، أثبتنا ما وقَعَ فيها في مَتْنِ الكتابِ، وعلَّقنا عليهِ بِذِكْرِ ما تَيَسَّرَ لنا ذِكْرُهُ من رِوَايَاتِهِ الواردةِ في مَصَادرِ التَّخْرِيجِ وفاقًا وخلافًا، مع توجيهِ ما في النُّسَخِ مِنْ جهةِ العربيةِ مما ذكَرَهُ العلماءُ في الكُتُبِ المذكورةِ آنِفًا وغَيْرِهَا؛ خاصَّةً كُتُبَ إعرابِ الحديثِ وشُرُوحِهِ، وكُتُبَ أَعَاريبِ القرآن، وتَوْجِيهِ القراءاتِ المتواترةِ والشاذَّةِ؛ وإلاَّ اجتهَدْنَا في تخريجِهِ وتوجيهِهِ بالرجوعِ إلى آراء النَّحْوِيِّينَ الكُوفيِّين وغيرِهِمْ مِمَّنْ خرَجَ على قواعدِ مدرسةِ البَصْرَةِ التي هَيْمَنَتْ على النَّحْوِ العربيِّ طَوَالَ العصورِ السابقةِ إلى يومنا هذا، وصارتْ آراؤُهَا هي المعتمَدَةَ دون غيرها، وإنْ خالفَتْ هذه الآراءُ الدليلَ في غيرِ ما قليلٍ (¬1) ، وقد اعتبَرْنَا في ذلك كلَّ ما وافقَ وجهًا ذكَرَهُ إمامٌ مُعْتَبَرٌ مِنْ أَئِمَّةِ العربيَّةِ، وإنْ كان غيرُهُ أَقْوَى منه؛ وهذا ما أشار إليه ابنُ جِنِّيْ في كتابِهِ «الْمُحْتَسَبِ في تَبْيِينِ وُجُوهِ شَوَاذِّ القراءاتِ، والإيضاحِ عنها» (1/236) - وهو مِنْ آخِرِ ما ألَّف - فقال: «ليس يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَقَ على شَيْءٍ له وجهٌ من العربيَّةِ قائمٌ - وإنْ كان غيرُهُ أَقْوَى منه -: أنَّه غَلَطٌ» . اهـ. ¬
وهذا الذي أبان عنه ابنُ جِنِّيْ، وهو: تصويبُ ما كان له وَجْهٌ مِنَ العربيَّةِ قائمٌ، ولو في لُغَةٍ لِبَعْضِ العَرَبِ: هو المنهجُ الْمَرْضِيُّ؛ فقد جَرَى عليه عَمَلُ المحقِّقين مِنَ العلماءِ قديمًا وحديثًا، وطبَّقوه في كُتُبِهِمْ، على اختلافِ الفُنُونِ والعلومِ، كما تقدَّم بيانُهُ قريبًا. على أنَّ تحقيقَ هذا المَطْلَبِ والاضطلاعَ به في هذا الكتابِ: قد أخَذَ منَّا وقتًا وجهدًا كبيرَيْنِ؛ لكثرةِ ما فيه مِنَ القضايا اللغويةِ والنحويةِ التي خالفتِ الجَادَّةَ وما اشتهَرَ من القواعدِ (¬1) ، وليس الْمُخْبَرُ ¬
كالْمُعَايِنِ، وإنَّنَا لَنُنْشِدُ مع الشاعر قولَهُ [من البسيط] : يا ابنَ الكِرَامِ أَلاَ تَدْنُو فَتُبْصِرَ مَا قَدْ حَدَّثوكَ فَمَا رَاءٍ كَمَنْ سَمِعَا؟! فمنِ اطَّلَعَ على ما قُمْنَا به في هذا الكِتَاب، عَرَفَ حَقِيقَةَ ما أَخْبَرْنَاهُ به، وأرشَدْنَاهُ إليه، واللهُ المُوَفِّقُ لِلصَّوَاب، وهو الهادي إلى سَوَاءِ السَّبِيل. 14) رَقَّمْنَا مَسَائلَ الكتابِ ترقيمًا تَسَلْسُلِيًّا يَتَّفِقُ مع ترقيمِ الطبعةِ الأُولَى التي أَخْرَجَهَا الأستاذ مُحِبُّ الدِّينِ الخَطِيب _ح؛ لِيَتَمَكَّنَ الباحثُ مِنَ الاستفادةِ من طَبْعَتِنَا هذه، مع الجُهُودِ التي خرَجَتْ بناءً على الطبعةِ السابقة، كالبرامجِ الحَاسُوبية، وغيرها. وواجهَتْنَا بعضُ الصعوباتِ في ذلك، ومنها المسائلُ الساقطةُ مِنْ طبعةِ مُحِبِّ الدين الخطيب، والمواضعُ التي دُمِجَتْ فيها مسألةٌ بأُخْرَى، فرأينا تفريعَهَا مِنَ المسألةِ التي قبلها؛ بإعطائِهَا الرَّقْمَ نَفْسَهُ، مع تَمْييزِهَا بِحَرْفٍ أَبْجَدِيٍّ يَدُلُّ عليها؛ هكذا: (554) ، ثم (554/أ) ، ثم (554/ب) ،،، وهَلُمَّ جَرًّا.
15) قدَّمنا للكتابِ بمقدِّمةٍ بَيَّنَّا فيها أهميَّةَ عِلْمِ عِلَلِ الحديثِ، والمصنَّفاتِ فيه، وتعريفَ العِلَّةِ في اللغةِ والاصطلاحِ، وذَكَرْنَا أسبابَ وقوعِ العِلَّةِ في الحديثِ، وتَرْجَمْنَا فيها للمصنِّفِ تَرْجَمَةً مطوَّلةً، وتَرْجَمْنَا لأبيه وأبي زُرْعَةَ بترجمةٍ مُوجَزةٍ لكلٍّ منهما، وعَرَّفْنَا بالكتاب، وذكَرْنَا رواياتِهِ، وتَرْجَمْنَا لرواتِهِ، وَوَصَفْنَا فيها النُّسَخَ الخَطِّيَّةَ له، وحقَّقنا صِحَّةَ اسمِهِ ونِسْبَتِهِ إلى مُصَنِّفِهِ، إضافةً إلى خُطَّةِ العَمَلِ هذه وما صاحَبَهَا من تنبيهات، وَوَضَعْنَا في نهايتها نماذجَ من النُّسَخِ الخَطِّيَّةِ المعتمدةِ للكتاب. 16) صَنَعْنَا فهارسَ عِلْمِيَّةً مفصَّلةً تُعِينُ الباحثَ على الوقوفِ على بُغْيته مِنْ مسائلِ الكتابِ وفوائده، وجَعَلْنَا الإحالاتِ فيها جميعًا على أرقام المسائلِ دون الصفحات، وهي: فِهْرِسُ الآياتِ القرآنيَّة. فِهْرِسُ الأحاديثِ النَّبَوِيَّة. فِهْرِسُ الآثارِ. فِهْرِسُ المَسَانِيدِ. فِهْرِسُ ألفاظِ الجَرْحِ والتَّعْدِيلِ نادرةِ الاِستعمالِ. فِهْرِسُ الأعلامِ. فِهْرِسُ الأماكنِ والبِقَاعِ.
فِهْرِسُ القبائلِ والأُمَمِ والجَمَاعَاتِ. فِهْرِسُ الوقائعِ. فِهْرِسُ غَرِيبِ اللُّغَةِ. فِهْرِسُ مَسَائِلِ العَرَبِيَّةِ. فِهْرِسُ الأشعارِ وأنصافِ الأبياتِ. فِهْرِسُ الأرجازِ. فِهْرِسُ الكُتُبِ الوَارِدَةِ فِي الكِتَابِ. فِهْرِسُ مَرَاجعِ التحقيقِ المطبوعة. فِهْرِسُ مَرَاجعِ التحقيقِ المخطوطة. فِهْرِسُ الموضوعاتِ. فِهْرِسُ الفَهَارِسِ.
تَنْبِيهَاتٌ الأَوَّلُ: يَظْهَرُ لنا أنَّ ابنَ أبي حاتمٍ جَمَعَ كثيرًا من مادَّةِ الكتابِ في حَيَاةِ أبيه وأبي زُرْعة، لكنَّه لم يصنِّفْ كتابَهُ هذا إلاَّ بَعْدَ وفاةِ أبيه؛ يُشْعِرُ بذلك قولُهُ في المسألة رَقْم (108) : «وحِفْظِي عن أبي _ح» ، ولو كان أبوه حَيًّا لَسَأَلَهُ، ولَمَا احتاجَ إلى الاعتمادِ على حِفْظه، وصِيغَةُ الترحُّمِ قرينةٌ قويَّةٌ في هذه المسألةِ وفي مَسَائِلَ أُخْرَى؛ كالمسألتَيْنِ رَقْم: (124 و1875) ، وفي المسألة رَقْم (1936) في حديثٍ من رواية أبي سَعِيدٍ مولى الجَرَادِيِّينَ بيَّن أبو حاتمٍ أنَّ أبا سعيدٍ هَذَا هو الحَسَنُ بْن دِينَارٍ، ثم قال ابن أبي حاتم: «فذكَرْتُ هَذَا الحديثَ لابْنِ جُنَيْدٍ الحافظِ، فَقَالَ: كَانَ إسحاقُ بْنُ أَبِي كاملٍ البَاوَرْدِيُّ ببغدادَ، يَسْأَلُ عَنْ هَذَا الْحَدِيث، وكنا نَرَى أَنَّهُ غريبٌ؛ فقد أفسَدَ علينا أَبُو حاتمٍ _ح لَمَّا بيَّن أنه الحَسَنُ ابن دِينَارٍ!» . ولعلَّ مِنْ أقوى الدلائلِ على هذا: ما جاء في المسألةِ رَقْم (1004) في حديثٍ رواه سَلْمُ ابنُ مَيْمُونٍ الخَوَّاصُ، فقال ابنُ أبي حاتم: فَسَمِعْتُ محمَّدَ بْنَ عَوْف يَقُولُ: «غَلِطَ سَلْمُ ابنُ مَيْمُونٍ فِي هَذَا الحديثِ» . وَلَمْ يُبَيِّنْ أكثَرَ مِنْ هَذَا، وَلَمْ يُبَيِّنِ الصحيحَ مَا هُوَ، وَلَمْ يَتَّفِقْ لِي سؤالُ أَبِي عَنْ ذَلِكَ!! فسأَلْتُ عليَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْد - حافِظَ حديثِ الزُّهْرِيِّ - وذكَرْتُ لَهُ هَذَا الحديثَ؟ فَقَالَ: «الصحيحُ: الزُّهْرِيُّ، عَنِ ابنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، عَنْ عَمِّه، عَنِ النبي (ص) » . اهـ.
فلو كان أبوه حَيًّا لسأله، ولَمَا احتاجَ إلى سؤالِ محمَّدِ بنِ عَوْفٍ، وعليِّ بنِ الجُنَيْد. وهذا على سَبِيلِ الظَّنِّ الغالب، وإلا فَيَحْتمِلُ أن يكونَ صنَّفَ أَصْلَ الكتابِ في حَيَاةِ أَبِيهِ وأبي زُرْعة، ثم أضافَ هذه المسائلَ المُشَارَ إليها وغيرَها بعد وَفَاةِ أبيه، والله أعلم. الثَّاني: وقَعَ في الكتابِ كَثِيرٌ من المسائلِ المُكَرَّرةِ، وهي أنواعٌ: أ) فمنها مسائلُ يكونُ السؤالُ فيها مُوَجَّهًا إلى أبيه مَرَّةً، وإلى أبي زُرْعةَ مَرَّةً أخرى؛ فهاتان مسألتان مُخْتَلِفتان؛ لأنَّ الجوابَ صدَرَ من إمامَيْنِ، وإنْ كان في حديثٍ واحد؛ كما في المسألتين رقم (1112 و1123) . ب) ومنها مسائلُ جاءتْ في بابَيْنِ مختلفَيْنِ؛ فالتكرارُ هنا بِسَبَبِ مناسبةِ المسألةِ للبابِ الذي وَرَدَتْ فيه؛ كما في المسألة رقم (1067) في كتابِ الجنائز، وهي تتعلَّقُ بِفَضْلِ الصبر على المُصِيبَةِ، فقد أعادها في كتابِ الزُّهْدِ برقم (1870 و1892) . ج) ومنها مسائلُ جاءَتْ مُكَرَّرةً في بابٍ واحدٍ أو أبوابٍ متفرِّقةٍ، والسؤالُ موجَّهٌ فيها إلى أبيه مثلاً، أو أبي زُرْعة، لكنِ اختَلَفَ ترجيحُهُ؛ كما في المسائلِ رَقْم (788 و851 و869) ؛ فهذا ليس تكرارًا كما هو ظاهر. د) ومنها مَسَائِلُ جاءَتْ مُكَرَّرةً في بابٍ واحدٍ، والسؤالُ موجَّهٌ
فيها إلى أبيه مثلاً، أو أبي زُرْعة، لكنْ يوجدُ في سؤالٍ زيادةٌ عمَّا في السؤالِ الآخَرِ مِنْ غيرِ اختلافٍ في الترجيح، فالظاهرُ في هذه الحالِ أنَّ السؤالَ وُجِّهَ إلى ذلك الإمامِ أكثَرَ من مَرَّةٍ، فأجابَ في كُلِّ مَرَّة بجوابٍ؛ كما في المسألتين رَقْم (1294 و1307) ، و (791 و809) . هـ) ومنها مسائلُ جاءَتْ مُكَرَّرةً في بابٍ واحدٍ، والسؤالُ موجَّهٌ فيها إلى إمامٍ واحدٍ، مِنْ غَيْرِ اختلافٍ بين المسألتَيْنِ؛ كما في المسألتَيْنِ رَقْم (1295 و1308) ، فهذا ذهولٌ مِنِ ابنِ أبي حاتم في تكرارِهِ لها - فيما يظهر - والله أعلم. الثَّالِثُ: مُعْظَمُ مَادَّةِ هذا الكتابِ سؤالاتٌ وَجَّهَهَا ابنُ أبي حاتم إلى أبيه وأبي زُرْعة، أو إلى أحدهما، وأَكْثَرُهَا أسئلةٌ لأبيه، وهناك سؤالاتٌ موجَّهةٌ منه إلى شيخَيْنِ آخرَيْنِ له، وهما: أ) عليُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْد، وهي ذوات الأرقام: (253 و431 و554/أو554/ب و764 و874 و891 و1004 و1527 و1785 و1786 و1834 و1858 و2543 و2808) . ب) محمَّدُ بنُ عَوْفٍ الحِمْصيُّ، وهما مسألتان فقط؛ رَقْم (175 و1004) . وربَّما ورَدَ في بعضِ المسائلِ ذِكْرٌ لِقَوْلِ بعضِ الأئمَّةِ المتقدِّمين؛ كَشُعْبَةَ في المسائلِ رَقْم (115 و248 و306 و1563) ، ويحيى القطَّانِ في المسائلِ رَقْم (605 و799 و2221 و2731) ، وأبي الوَلِيدِ
الطَّيَالِسِيِّ في المسألة رَقْم (322) ، ويحيى بنِ مَعِينٍ في المسائل رَقْم (125 و211 و293 و378 و554/أو581 و1131 و1312 و1373 و1879 و2117 و2449 و2564 و2661) ، والإمامِ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ في المسائل رَقْم (732 و832 و872 و1224 و1438 و1551 و2185 و2203 و2303 و2371 و2829) . وورَدَ في المسألةِ رقم (2256) روايةٌ مِنِ ابنِ أبي حاتم عن أبي الفَضْلِ أحمَدَ بنِ سَلَمة في سؤالٍ سأله أبا زُرْعة، ثم مسلمَ بنَ الحَجَّاج الذي كشَفَ عَنْ عِلَّتِهِ. الرَّابِعُ: ذكَرَ ابنُ أبي حاتمٍ في بعضِ المسائلِ بعضَ الكُتُبِ التي اعتمَدَ عليها في بيان العِلَّةِ، وقد وضَعْنَا لها فِهْرِسًا بعنوانِ "فِهْرِسُ مَوَارِدِ المصنِّف"، ولكنْ واجهَتْنَا بعضُ الإشكالات في ذلك، ومِنْ أهمِّها: أنَّ ذِكْرَ هذه الكُتُبِ لا يعني بالضرورةِ أنَّها مصنَّفاتٌ لأصحابها؛ لاحتمالِ أن تكونَ أصولَهُمُ التي دوَّنوا فيها أحاديثَهُمْ عن شيوخهم حالَ الطَّلَبِ؛ كقولِ أبي حاتم في المسألة رقم (2579) : «هَذَا الحديثُ لَيْسَ هُوَ فِي كتابِ أَبِي صالحٍ عَنِ اللَّيْث» ، لكنَّ هذا لا يَمْنَعُ أن يكونَ مَوْرِدًا للمصنِّف. ومِنْ ذلك: قولُهُ في المسألة رقم (208) : «وكان في كتابِ أبي زُرْعة» ، وفي المسألة رقم (104) : «وقد كَانَ أَبُو زُرْعة أخرَجَ هَذَا الحديثَ فِي كِتَابِ "المُخْتَصَر"، وفي المسألة رقم (2370) :
«وسمعتُ أَبَا زُرْعة وانتهَى إِلَى حديثٍ في "فَوَائِدِهِ"» ؛ فهل هي أسماءٌ لكتابٍ واحدٍ، أو أكثَرَ؟! ومِنْ ذلك: قولُهُ في المسألة رقم (1199) : «وسمعتُ أَبَا زُرْعَةَ وحدَّثَنَا بِهَذَا البابِ في "كتابِ النِّكَاح"، وفي المسألة رقم (1434) : «قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هَذَا حديثٌ مُنْكَرٌ، وَلَمْ يَقْرَأْ عَلَيْنَا فِي "كتابِ الشُّفْعَة"، وضَرَبْنَا عليه» ، وفي المسألة رقم (1505) : «قَرَأَ عَلَيْنَا أَبُو زُرْعة كتابَ الأطعمة» ، ونحوُهُ في المسألة رقم (1546) ، وقولُهُ في المسألة رقم (1640) : «وانتَهَى أَبُو زُرْعة فِيمَا كَانَ يَقْرَأُ مِنْ كتابِ الفَرَائض» ، ونحوُهُ في المسألة رقم (1646) ، وقولُهُ في المسألة رقم (2533) : «وَكَانَ حَدَّثهم قَدِيمًا فِي "كتابِ الآداب"» ؛ فَهَلْ هذه أسماءُ مصنَّفاتٍ مستقلَّة، أو أبوابٌ مِنْ أحدِ كُتُبِ أبي زُرْعة؟! الخَامِسُ: يَرِدُ في بعضِ الكُتُبِ عَزْوُ بعضِ الأقوالِ أو الأحاديثِ إلى العِلَلِ لابنِ أبي حاتم، ولا تُوجَدُ في النُّسَخِ التي بين أيدينا، ولا نَظُنُّ هذا دليلاً على نَقْصٍ في الكتاب، ولكنْ مَرَدُّهُ إلى خطأ في العَزْوِ - والله أعلم - كما حصَلَ من الزَّرْكَشِيِّ _ح؛ فإنه قال في "النُّكَتِ على مقدِّمة ابنِ الصَّلاَح" (1/453) : «وقال ابنُ أبي حاتمٍ في "كتاب العِلَلِ": قال أحمدُ بنُ حَنْبَل: ما أراه سَمِعَ مِنْ عبدِالرحمنِ ابنِ أَزْهَرَ، إنما يقولُ الزُّهْري: كان عبدُالرحمنِ بنُ أَزْهَرَ يحدِّثُ، فيقولُ مَعْمَرٌ وأسامةُ: سمعتُ عبدَالرحمنِ بنَ أَزْهَرَ، ولم يَصْنَعَا عندي شيئًا، وقد أدخَلَ بينه وبينه طلحةَ ابنَ عبدِاللهِ بنِ عَوْف» .
وهذا النَّصُّ إنما هو في "المَرَاسِيل" لابنِ أبي حاتم (ص190 رقم 700) ، ولم نَجِدْهُ في "العلل". السَّادِسُ: يَرِدُ في بعضِ الكُتُبِ عَزْوُ بَعْضِ الأقوالِ لأبي حاتم في "كتاب العلل"؛ كما في "توضيح المُشْتَبِهِ" لابن ناصر الدين (1/225) حين قال: «رواه أبو حاتمٍ الرازيُّ في "العِلَلِ" عَنْ يَحْيَى بنِ إسماعيلَ بنِ عبد الله بنِ حَبِيبِ بنِ أبي ثابت؛ حدَّثنا فِرْدَوْس، فذكره» . وهذا النَّصُّ ليس في "العِلَلِ" لعبد الرحمن ابن أبي حاتم، لكنْ وجدنا ابن ناصر الدِّينِ ينقل عن كتاب "العلل" لأبي حاتم الرازي، برواية محمَّد بن إبراهيم الكَتَّاني عنه؛ كما صرَّح به في بعضِ المواضِعِ من كتابه "توضيح المشتبه"، منها: (5/285) ، و (7/174) . السَّابِعُ: يَرِدُ في بعضِ الكُتُبِ بعضُ الأقوالِ في عِلَلِ الأحاديثِ يَرْويها ابنُ أبي حاتم، عن أبيه؛ كما في "تفسيرِ ابنِ كَثِير" (2/185) حين قال: «قال ابنُ أبي حاتم: قَالَ أَبِي: هَذَا حديثٌ خَطَأٌ؛ والصحيحُ: عن عائشة، موقوف» . وهذا النقلُ ليس من "العِلَلِ" لعبدِالرحمنِ بنِ أبي حاتم، ولكنْ مِنْ كتابه الآخَرِ: "تَفْسِير القرآن" (4761) ، ففيه ذكرٌ لبعضِ أقوالِ أبيه في العِلَلِ. الثَّامِنُ: أثبتنا النَّصَّ كما وَرَدَ في النُّسَخِ وإنْ خالَفَ المشهورَ مِنْ قواعدِ النَّحْوِ واللغة، وعلَّقنا على ذلك بِذِكْرِ وجوهٍ له تُصَحِّحُهُ مِنْ
مذاهبِ النحاةِ واللغويِّين وغَيْرِهِمْ (¬1) : وقد اختلَفَ أهلُ العِلْمِ، رحمهم الله، تُجَاهَ هذه القَضِيَّةِ - وهي إصلاحُ اللَّحْنِ والتصحيف، والأَخْطاءِ النَّحْوِيَّةِ واللُّغَوِيَّة، في النُّسَخِ الخَطِّيَّة - وكان اختلافُهُمْ في جهتين: الجهةُ الأُولى: إصلاحُ الخَطَأِ في النُّطْقِ والرِّوَاية، وذَكَرُوا فيه طُرُقًا أربعةً: الأُولى: طريقةُ مَنْ يَرَى أنَّه يَرْوِيهِ على الخَطَأِ واللَّحْنِ كما سَمِعَهُ؛ وذَهَبَ إلى ذلك: نافعٌ مولى ابنِ عُمَرَ، ومحمَّدُ بنُ سِيرِينَ، وأبو الضُّحَى، وأبو مَعْمَرٍ عبدُاللهِ بنُ سَخْبَرة، وأبو عُبَيْدٍ القاسمُ بنُ سَلاَّمٍ، قال ابنُ الصَّلاَح في كتابه "علوم الحديث" (ص218) : «وهذا غُلُوٌّ في مذهبِ اتِّبَاعِ اللفظِ، والمَنْعِ مِنَ الروايةِ بالمعنى» . والثانية: طريقةُ مَنْ يَرَى تغييرَهُ وإصلاحَهُ وروايتَهُ على الصَّوَابِ؛ وقد ذهَبَ إلى ذلك: ابنُ المُبَارَك، والأَوْزاعيُّ، والشَّعْبيُّ، والقاسمُ ابنُ محمَّد، وعَطَاءٌ، وهَمَّامٌ، والنَّضْرُ بن شُمَيْل؛ قال ابن الصَّلاَح في الموضعِ السابقِ مِنْ كتابِهِ المذكور: «وهو مذهبُ المحصِّلين والعُلَماءِ من المحدِّثين، والقَوْلُ به في اللَّحْنِ الذي لا يَخْتَلِفُ به المَعْنَى وأمثالِهِ لازمٌ على مَذْهَبِ تَجْوِيزِ روايةِ الحديثِ بالمعنى» . ¬
والثالثة: طريقةُ التوقُّفِ، وهي تَرْكُ رِوَايَةِ الخَطَأِ والصَّوَابِ جميعًا؛ حكى ذلك ابنُ دَقِيقِ العِيدِ في «الاقتراحِ» (ص294-295) عن شَيْخه عِزِّ الدينِ ابنِ عبدِالسَّلاَم، قال: سمعتُ أبا محمَّد ابنَ عبدِالسَّلاَمِ - وكان أحدَ سَلاَطينِ العُلَماء - كان يَرَى في هذه المسألةِ ما لم أَرَهُ لأحدٍ: أنَّ هذا اللفظَ المُخْتَلَّ لا يُرْوَى على الصَّوَاب، ولا على الخَطَأ؛ أمَّا على الصواب: فإنه لم يُسْمَعْ مِنَ الشيخِ كذلك، وأمَّا على الخَطَإ: فلأنَّه (ص) لم يَقُلْهُ كذلك. اهـ. قال الزَّرْكَشِيُّ في «النُّكَتِ على ابن الصَّلاَح» (3/622-623) : «وهذا نظيرُ قولِ أصحابِنَا [يعني: الشافعيَّةَ] فيما لو وكَّله ببيعٍ فاسدٍ: أنَّه لا يستفيدُ الفاسد؛ لأنَّ الشَّرْعَ لم يَأْذَنْ فيه، ولا الصحيح؛ لأنَّ المالكَ لم يَأْذَنْ فيه» . اهـ. وهذا القولُ غريبٌ. والرابعة: طريقةُ التفصيلِ بَيْنَ ما له وَجْهٌ سائغٌ في لُغَةِ العَرَبِ؛ فلا يُغَيَّرُ، وما لَيْسَ له وَجْهٌ؛ فيغيَّرُ؛ حَكَى ذلك القَابِسِيُّ في «المُلَخَّصِ» - كما في "النكت على مقدِّمة ابن الصَّلاَح" للزركشي (3/622) - قال القابِسِيُّ: «وأمَّا اللَّحْنُ في الحديثِ فشديدٌ، وقد سَمِعْتُ أبا الحَسَنِ محمَّدَ بنَ هاشمٍ البَصْرِيَّ - وكان مِنْ عُلَمَاءِ الناسِ وخِيَارِهِمْ رحمه الله تعالى - يقولُ: سُئِلَ أبو عِمْران - يعني النَّسَوِيَّ - عن اللَّحْنِ يُوجَدُ في الحديثِ؟ فقال: إنْ كان شيئًا تقولُهُ العَرَبُ - وإنْ كان في غَيْرِ لغةِ قُرَيْش - فلا يُغَيَّرُ؛ لأنَّ النبيَّ (ص) كان يُكَلِّمُ
الناسَ بلسانهم، وإنْ كان مِمَّا لا يُوجَدُ في كلامِ العَرَبِ فَرَسُولُ اللهِ (ص) لا يَلْحَنُ» . اهـ. واختاره ابنُ حَزْمٍ في «كتابِ الإحكامِ» (2/216) ، قال: «وأمَّا اللَّحْنُ في الحديثِ: فإنْ كان شَيْئًا له وَجْهٌ في لغةِ بَعْضِ العَرَبِ، فَلْيَرْوِهِ كما سَمِعَهُ، ولا يُبَدِّلْهُ، ولا يَرُدَّهُ إلى أَفْصَحَ منه، ولا إلى غَيْرِهِ، وإنْ كان شيئًا لا وَجْهَ له في لغةِ العَرَبِ البَتَّةَ، فحَرَامٌ على كُلِّ مُسْلِمٍ أنْ يحدِّثَ باللَّحْنِ عن النبيِّ، فإنْ فَعَلَ فهو كاذبٌ مُسْتحِقٌّ للنارِ في الآخِرَةِ؛ لأنَّا قد أيقنَّا أنَّه _ج لم يَلْحَنْ قَطُّ؛ كتيقُّنِنَا أنَّ السماءَ مُحِيطَةٌ بالأرضِ، وأنَّ الشمسَ تطلُعُ من المَشْرِقِ، وتَغْرُبُ في الْمَغْرِبِ؛ فمَنْ نَقَلَ عن النبيِّ (ص) اللَّحْنَ، فقد نَقَلَ عنه الكَذِبَ بيقين، وفَرْضٌ عليه أنْ يُصْلِحَهُ، ويَبْشُرَهُ مِنْ كتابه، ويَكْتُبَهُ مُعْرَبًا، ولا يحدِّثَ به إلا مُعْرَبًا، ولا يَلْتَفِتَ إلى ما وُجِدَ في كِتَابِهِ من لَحْنٍ، ولا إلى ما حَدَّثَ شيوخُهُ ملحونًا ... » . اهـ. واختار هذا المذهبَ أيضًا: ابنُ فارسٍ في كتابِ «مآخذ العِلْم» - كما في "النكت على مقدِّمة ابن الصَّلاَح" للزركشي (3/623) - لكنَّه اشتَرَطَ في تغييرِهِ وروايتِهِ على الصوابِ: العِلْمَ بالعربيَّة، وجَعَلَ هذا مما يَحْتَاجُ إلى تَرَوٍّ وبَحْثٍ شديدٍ؛ فإنَّ اللغةَ واسعةٌ، واختار الجوازَ، وقال: وأما قولُهُ (ص) : «نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَبَلَّغَهَا كما سَمِعَ» ؛ فالمرادُ: كما سَمِعَ مِنْ صِحَّةِ المعنَى واستقامتِهِ مِنْ غيرِ زيادةٍ ولا نقصانٍ يُغَيِّرَانِ المعنى، فأمَّا أنْ يَسْمَعَ اللَّحْنَ فيؤدِّيَهُ فلا. وبَعْدُ
فمعلومٌ أنَّ النبيَّ (ص) كان لا يَلْحَنُ؛ فينبغي أنْ تُؤَدَّى مقالتُهُ عنه في صِحَّةٍ كما سُمِعَ منه» . اهـ. واختاره أيضًا ابنُ المنيِّر - كما في "فتح المغيث" للسخاوي (2/267) ، و"النكت على مقدِّمة ابن الصَّلاَح" للزركشي (3/623) - واحتجَّ على الجَوَازِ بقولِهِ (ص) : «فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» . الجهةُ الثانيةُ: اختلافُهُمْ في إصلاحِ الخَطَأِ في أصلِ النُّسْخَةِ والكتابِ، وللعلماءِ في ذلك قديمًا وحديثًا مَسْلَكان: الأوَّل: مَسْلَكُ مَنْ يَرَى إصلاحَهُ في الكتابِ، وتَغْيِيرَ ما وقَعَ في أُصُولِهِ، وربَّما أَشَارُوا إلى ما في الأَصْلِ المَنْسُوخِ عنه، وربَّما لم يُشِيرُوا، وقد ينبِّهون على سَبَبِ تَغْيِيرهم، وكثيرًا ما يُغْفِلون التنبيه، ومِنْ هؤلاءِ الإمامُ أبو الوَلِيدِ الوَقَّشِيُّ كما سيأتي في كلامِ القاضي عِيَاضٍ. وعلى هذا المذهبِ: عَمَلُ كثيرٍ مِنْ نَاشِرِي الكُتُبِ (مِمَّنْ تَسَمَّوْا بـ «المحقِّقين» ) في هذا الزمان، وسيأتي في كلامِ القاضي عِيَاضٍ وابنِ الصَّلاَح وغيرِهِمَا ما في هذا المَسْلَكِ مِنْ مفاسدَ خطيرةٍ، وشرورٍ مستطيرةٍ، على العِلْمِ والتراثِ، واللهُ المستعان!! والثاني - وهو مذهبُ المحقِّقين مِنْ أهلِ العلمِ قديمًا وحديثًا -: أنَّ الصحيحَ: إثباتُ النَّصِّ كما وَصَلَ إلينا في أُصُولِهِ ونُسَخِهِ الخَطِّيَّةِ، مع تَبْيِينِ الصَّوَابِ في الحاشية، ووَجْهِهِ مِنْ جِهَةِ العربيَّةِ أو النَّقْلِ؛ إنْ
أمكنَ ذلك؛ وهذا ما سِرْنَا عليه في هذا الكتابِ. وفي تصويبِ هذا المنهجِ في «تحقيقِ النصوصِ» يقول ابنُ الصَّلاَحِ _ح في كتابه «علوم الحديث» (ص 229-230) : «وأمَّا إصلاحُ ذلك وتَغْيِيرُهُ في كتابِهِ وأَصْلِهِ: فالصوابُ تَرْكُهُ وتقريرُ ما وقَعَ في الأَصْلِ على ما هُوَ عليه، مع التَّضْبِيبِ عليه، وبيانِ الصوابِ خارجًا في الحاشية؛ فإنَّ ذلك أَجْمَعُ للمَصْلَحَةِ، وأَنْفَى لِلْمَفْسَدةِ، وقد رُوِّينَا أنَّ بعضَ أصحابِ الحديثِ رُئِيَ في المنامِ وكأنَّه قد مَرَّ مِنْ شَفَتِهِ أو لسانِهِ شَيْءٌ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَفْظَةٌ مِنْ حديثِ رسولِ اللهِ (ص) غَيَّرْتُهَا برأيي، ففُعِلَ بي هذا. وكثيرًا ما نَرَى ما يَتَوَهَّمُهُ كثيرٌ من أهلِ العلمِ خَطَأً - وربَّما غَيَّرُوهُ - صوابًا ذا وَجْهٍ صحيحٍ، وإنْ خَفِيَ واسْتُغْرِبَ!! لا سيَّما فيما يَعُدُّونَهُ خَطَأً مِنْ جهةِ العربيةِ؛ وذلك لِكَثْرةِ لُغَاتِ العربِ وتَشَعُّبِهَا، ورُوِّينَا عن عبدِاللهِ بنِ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: كان إذا مَرَّ بأبي لَحْنٌ فاحشٌ غَيَّرَهُ، وإذا كان لَحْنًا سهلاً تَرَكَهُ، وقال: كذا قال الشيخُ!!» . وقد علَّق الزَّرْكَشِيُّ على ما ذكره ابنُ الصَّلاَحِ، فقال في «النُّكَتِ» (3/623-624) : «ما ذكره المصنِّفُ أنه الصوابُ، حكاه ابنُ فارسٍ عن شيخه أبي الحَسَنِ عليِّ بنِ إبراهيمَ القَطَّانِ، قال: فكان يَكْتُبُ الحديثَ على ما سَمِعَهُ لَحْنًا، ويكتُبُ على حاشيةِ كتابِهِ: «كذا قال - يعني الذي حدَّثه - والصوابُ كذا» ، قال ابنُ فارسٍ: وهذا أَحْسَنُ ما سَمِعْتُ في هذا البابِ، وقال أبو حَفْصٍ الْمَيَّانِشِيُّ في «إيضاحِ ما لا
يَسَعُ المحدِّثَ جَهْلُهُ» [ص258-259، ضِمْنَ خَمْسِ رسائلَ في علوم الحديث] : «صَوَّبَ بعضُ المشايخِ هذا، وأنا أستحسنُهُ، وبه آخُذُ» . اهـ. وقال ابنُ دقيقِ العيدِ في «الاقتراح» (ص262) : «وإذا وقَعَ في الروايةِ خَلَلٌ في اللفظِ: فالذي اصطُلِحَ عليه ألاَّ يُغَيَّرَ؛ حَسْمًا للمادَّةِ؛ إذْ غَيَّرَ قومٌ الصَّوَابَ بالخطأ؛ ظَنًّا منهم أنه الصَّوَابُ، وإذا بَقِيَ على حالِهِ، يُضَبَّبُ عليه، ويُكْتَبُ الصوابُ في الحاشية» . اهـ. وقد حرَّر ذلك كلَّه وأجاد في البَيَان: القاضي عِيَاضٌ في كتابه «الإلماع» (ص185- 188) ، فقال _ح: «الذى استمَرَّ عليه عَمَلُ أكثرِ الأشياخِ: نقلُ الروايةِ كما وَصَلَتْ إليهمْ وسَمِعُوهَا، ولا يغيِّرونها مِنْ كُتُبِهِمْ، حتى أَطْرَدوا ذلك في كلماتٍ من القرآنِ استَمَرَّتِ الروايةُ في الكُتُبِ عليها بخلافِ التلاوةِ المُجْمَعِ عليها، ولم يَجِئْ في الشاذِّ مِنْ ذلك في الموطَّأ والصَّحِيحَيْنِ وغيرها؛ حمايةً للباب، لكنَّ أَهْلَ المعرفةِ منهم يُنَبِّهُونَ على خَطَئِهَا عند السماعِ والقراءةِ وفى حواشى الكُتُبِ، ويَقْرَؤُونَ ما فى الأصولِ على ما بَلَغَهُمْ. ومنهم: مَنْ يَجْسُرُ على الإصلاحِ، وكان أجرأَهُمْ على هذا من المتأخِّرين القاضى أبو الوليدِ هشامُ بنُ أحمدَ الكِنَانيُّ الوَقَّشِىُّ؛ فإنَّه - لكثرةِ مطالعتِهِ وتفنُّنِهِ في الأدبِ واللغةِ وأخبارِ الناسِ، وأسماءِ الرجالِ وأنسابِهِمْ، وثُقُوبِ فهمِهِ وحِدَّةِ ذِهْنِهِ - جَسَرَ على الإصلاحِ
كثيرًا، وربَّما نبَّه على وجهِ الصوابِ؛ لكنَّه ربَّما وَهِمَ وغَلِطَ في أشياءَ من ذلك، وتحكَّم فيها بما ظَهَرَ له، أو بِمَا رآه في حديثٍ آخَرَ، وربَّما كان الذي أصلحَهُ صوابًا، وربَّما غَلِطَ فيه وأصلَحَ الصوابَ بالخطأ!! وقد وقَفْنَا له مِنْ ذلك في الصحيحَيْنِ والسِّيَرِ وغيرها على أشياءَ كثيرةٍ، وكذلك لِغَيْرِهِ مِمَّنْ سلك هذا المَسْلَكَ. وحمايةُ بابِ الإصلاحِ والتغييرِ أولى؛ لئلا يَجْسُرَ على ذلك مَنْ لا يُحْسِنُ، وَيَتَسَلَّطَ عليه مَنْ لا يَعْلَمُ، وطَرِيقُ الأشياخِ أَسْلَمُ مع التَّبْيِينِ؛ فيَذْكُرُ اللفظَ عند السَّمَاعِ كما وقَعَ، وينبِّهُ عليه، ويذكُرُ وجهَ صوابِهِ: إمَّا مِنْ جهةِ العربية، أو النقلِ، أو ورودِهِ كذلك في حديثٍ آخَرَ،، أو يقرؤُهُ على الصوابِ، ثم يقولُ: وقَعَ عند شَيْخنا أو في روايتِنَا كذا، أو مِنْ طريقِ فلانٍ كذا، وهو أَوْلَى؛ لئلا يقولَ على النبيِّ (ص) ما لم يَقُلْ. وأحسنُ ما يُعْتَمَدُ عليه في الإصلاحِ: أنْ تَرِدَ تلك اللفظةُ المغيَّرةُ صوابًا فى أحاديثَ أُخْرَى، فإنْ ذَكَرَهَا على الصَّوَابِ في الحديثِ أَمِنَ أنْ يقولَ عن النبيِّ (ص) ما لم يَقُلْ، بخلافِ إذا كان إنما أَصْلَحَهَا بِحُكْمِ عِلْمِهِ ومقتضى كلامِ العَرَبِ. وهذه طريقةُ أبي عَلِيِّ بنِ السَّكَنِ البغداديِّ فى انتقائِهِ روايتَهُ لصحيحِ البُخَاريِّ؛ فإنَّ أكثرَ متونِ أحاديثِهِ ومُحْتَمِلَ روايتِهِ هى عنده
مُتْقَنَةٌ صحيحةٌ مِنْ سائرِ الأحاديثِ الأُخَرِ الواقعةِ في الكتابِ وغيرِهِ. وقد نَبَّهَ أبو سُلَيْمَانَ الخَطَّابيُّ على ألفاظٍ مِنْ هذا في جُزْءٍ أيضًا (¬1) ؛ لكنَّ أَكْثَرَ ما ذَكَره مما أنكرَهُ على المحدِّثين له وجوهٌ صحيحةٌ في العربيَّةِ، وعلى لغاتٍ منقولةٍ، واستمرَّتِ الروايةُ به» . اهـ. كلام القاضي عياض، وهو نفيسٌ جِدًّا. وانظر أيضًا: «الكِفَاية» للخَطِيب (ص185-188، و194 - 198) ، و «فَتْحَ المُغِيث» للسَّخَاوي (3/167-176) ، و «توجيه النَّظَر» لطاهر الجزائري (2/690 - 691) . هذا؛ وقد اخترنا نحنُ مَنْهَجَ عدمِ التغييرِ - إلا ما سيأتي استثناؤُهُ - وذلك فيما يتصرَّفُ فيه كَثِيرٌ من المحقِّقين، ويظنُّونه لَحْنًا، وأبقينا على ما في الأُصُولِ الخطيَّةِ في صُلْبِ الكتاب، وعلَّقنا على ذلك تعليقًا وافيًا يبيِّنُ صِحَّةَ أكثرِ ما وقع في هذه النُّسَخِ، وأنَّ لها وجهًا في العربيَّة، بل قد يَكُونُ لها أحيانًا وجوهٌ كثيرةٌ (¬2) ؛ مما سيبيِّنُ للقارئ عَبَثَ كثيرٍ ممن تصدَّروا لإخراجِ كتبِ التُّرَاثِ الإسلاميِّ، وكان أَوْلَى بهم أَلاَّ يَفْعَلُوا؛ فمَنْ تَتَبَّعَ الكُتُبَ المُحَقَّقةَ وَجَدَ أغلَبَ أولئك المحقِّقين! يُثْبِتون الخطأَ في مَتْنِ الكتاب، والصوابَ في الحاشية، ويُرَجِّحُونَ بين النُّسَخِ ترجيحاتٍ خاطئةً، وهذا مِنْ جُرْأَتِهِمْ على ما لم ¬
يُحِيطُوا بعلمِهِ ولمَّا يَأْتِهِمْ تأويلُهُ؛ فتجدُهُمْ يَتَصَرَّفون في نَصِّ الكتابِ بالزيادةِ والنُّقْصَان، والتقديمِ والتأخير، والتصويبِ والتعديل؛ وهذا مخالفٌ لما عُرِفَ عند محقِّقي العلماءِ: أنَّ التحقيقَ: هو إخراجُ الكتابِ كما وضَعَهُ مؤلِّفُهُ، لا كما يَتَرَاءَى لِمُحَقِّقِهِ. وبعضُهُمْ - وهم كُثُرٌ!! - يزيدُ الطِّينَ بِلَّةً، ويَجْمَعُ بين الحَشَفِ وسُوءِ الكِيلَةِ، فَتَرَاهُ يُغَيِّرُ في صُلْبِ الكتابِ باجتهادِهِ دون إشارةٍ إلى ما في الأصولِ الخَطِّيَّةِ التي رجَعَ إليها - وقد يُشِيرُ إلى ذلك في مقدِّمةِ الكتابِ إشارةً عامَّةً غائمةً - زَعْمًا منه بأنَّ في ذلك تكثيرًا للحواشي بلا فائدةٍ؛ وهذا مَسْخٌ للتراثِ وضياعٌ لِمَا حُجِبَ منه، وهو في الحقيقةِ جَسَارةٌ قد تؤدِّي إلى الإخلالِ بالأمانةِ العلميَّة؛ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ بالله! ونحنُ هنا نُهِيبُ بإخواننا المحقِّقين بأن يَسِيروا على طريقةِ سَلَفِهِمْ من العلماءِ المتقدِّمين، وقد أشارَ إلى دِقَّةِ مَذْهَبِهِمْ وتصويبِهِ القاضي عِيَاضٌ وابنُ الصَّلاَح وغيرُهُمَا مِمَّنْ ذَكَرْناه، واللهُ الموفِّقُ للصواب، وإليه المَرْجِعُ والمَآب. على أنَّنا استَثْنَيْنا مِنْ ذلك بعضَ المواضعِ التي كان أَكْثَرُهَا في أسماءِ الرِّجَالِ والرُّوَاةِ؛ فاتَّبعْنا فيها ما يَلِي: فإنْ كان خطأً لا شكَّ فيه: كأنْ يكونَ السِّيَاقُ يَدُلُّ على روايةِ المصنِّف بالسماعِ من شيخٍ تُوُفِّيَ قبل ولادتِهِ، أو يَذكُرَ المصنِّفُ اللفظةَ
أو الاسمَ مَرَّتَيْنِ ومرادُهُ منهما واحدٌ؛ بِدَلالةِ سياقِ كلامِهِ وسابِقِهِ ولاحقِهِ، لكنْ حدَثَ خَلَلٌ في النُّسَخِ في أحدِ الموضعَيْنِ، أو يكونَ قد ذَكَرَهُ المصنِّفُ على الصَّوَابِ في "الجَرْحِ والتَّعديلِ"، أو في "المَرَاسِيلِ"، أو أَجْمَعَتْ مصادرُ التخريجِ والتوثيقِ أو مُعْظَمُهَا على الصَّوَابِ، ولا يَصلُحُ تَخريجُ مثلِهِ لغةً - خاصَّةً إذا كان اسمَ راوٍ - فهذا نُغيِّرُهُ إلى الصَّوَابِ، ونَجْعَلُهُ في متنِ الكتابِ بين مَعْقُوفينِ، مع التَّنبيهِ عليه في الحاشيةِ، وذِكْرِ مَصادِرِ تَغْيِيرِهِ وتَصويبِهِ، وقد احتْرَزْنَا في ذلك كثيرًا، وبَذَلْنَا وُسْعَنَا في البُعْدِ عن التَّغييرِ. وقد دَعانا إلى تَغييرِ مثلِ هذا أيضًا: اعتقادُنَا أنَّ هذا الخطَأَ يبعُدُ أن يَقَعَ مِثْلُهُ من المصنِّفَ، إلا أن يكونَ سهوًا. على أنَّ مِثْلَ هذه الأخطاءِ تَكونُ - في الأغلبِ - من النُّسَّاخِ، لا في أصلِ كتابِ المصنِّفِ؛ فَحَسُنَ التَّغييرُ إلى الصَّوابِ على كلِّ حالٍ، واللهُ أعلمُ. وأمَّا ما كان غيرَ ذلك وكان مُحْتَمِلاً: فقد تَرَكْنَاهُ في صُلْبِ الكتابِ، وعلَّقْنا عليه في الحاشيةِ بذِكْرِ ما نراه صوابًا، واللهُ أعلمُ.
نَمَاذِجُ مِنَ النُّسَخِ الْخَطِّيَّةِ لِلْكِتَابِ
صفحة العنوان من النسخة (أ)
الصفحة الأولى من النسخة (أ)
الصفحة قبل الأخيرة من النسخة (أ)
نهاية النسخة (أ)
صفحة العنوان من النسخة (ف)
الورقة الأولى من النسخة (ف)
الصفحة الأخيرة من النسخة (ف)
صفحة العنوان من النسخة (ت)
الورقة الأولى من النسخة (ت)
الورقة الأخيرة من النسخة (ت)
الصفحة الأولى من النسخة (ش)
الورقة الأخيرة من النسخة (ش)
الورقة الأولى من النسخة (ك)
الورقة قبل الأخيرة من النسخة (ك)
نهاية النسخة (ك)
مقدمة المصنف
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) وصلَّى اللَّهُ على سيِّدنا محمَّدٍوآلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كثيرًا (¬2) ربِّ يَسِّرْ وأَعِنْ (¬3) أوَّلُ "كِتَاب ِ الْعِلَلِ" حدَّثنا الشيخُ أَبُو طاهرٍ محمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ عبد الرحيمِ؛ ثَنَا أَبُو بكرٍ محمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ الفضلِ بنِ شَهْرَيَارَ - قراءة عَلَيْهِ فِي سنة تِسْعٍ وسِتِّينَ وثلاثِ مِئَةٍ (¬4) - قال: أخبرنا أبو محمَّدٍ عبدُالرحمنِ بنُ أبي حاتِمٍ _ح؛ قَالَ: حدَّثنا أحمدُ بنُ سَلَمة (¬5) ؛ قَالَ: سمعتُ أبا قُدَامةَ السَّرَخْسِيَّ (¬6) يقول: سمعتُ عبدَالرحمنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُولُ: لَأَنْ أَعْرِفَ ¬
علَّةَ حديثٍ هُوَ عِنْدِي (¬1) ؛ أَحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ (¬2) أَكْتُبَ (¬3) حديثًا لَيْسَ عِنْدِي (¬4) . أَخْبَرَنَا أَبُو محمَّدٍ عبدُالرحمنِ بنُ أَبِي حاتِمٍ (¬5) ؛ قَالَ: حدَّثنا (¬6) عليُّ (¬7) بنُ الْحُسَيْن بنِ الجُنَيْد؛ قال: سمعتُ محمدَ بنَ عبدِالله بنِ نُمَير يقول: قال عبدُالرحمنِ بنُ مَهْدي: معرفةُ الحديثِ إلهامٌ (¬8) . قَالَ ابْنُ نُمَير: وصَدَق! لو قلتَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ قلتَ؟ لم يكن له جَوَابٌ (¬9) . ¬
أخبرنا أبو محمَّدٍ عبدُالرحمنِ بنُ أبي حاتِمٍ _ح (¬1) ؛ قَالَ (¬2) : وسمعتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ عبد الرحمن بْن مهدي: إنكارُنَا الحديثَ عِنْد الجُهَّالِ كِهَانةٌ (¬3) . وسمعتُ أَبِي يَقُولُ: مَثَلُ معرفةِ الحديثِ كمَثَلِ فَصٍّ ثَمَنُهُ مِئَةُ دينارٍ، وآخَرَ مِثْلِهِ عَلَى لَوْنِهِ ثَمَنُهُ عَشَرةُ دَراهِمَ (¬4) . حَدَّثَنِي (¬5) أَبِي؛ أَخْبَرَنَا محمود بن إبراهيم ابن سُمَيْع؛ قَالَ: سمعتُ أَحْمَد بْن صَالِحٍ يَقُولُ: معرفةُ الحديثِ بمنزلةِ معرفة الذَّهَبِ والشَّبَهِ (¬6) ؛ فإنَّ الجَوْهَرَ إِنَّمَا يَعْرِفُهُ أهلُهُ (¬7) ، وَلَيْسَ للبصيرِ فِيهِ حُجَّةٌ إِذَا قِيلَ لَهُ ¬
(¬1) : كيف قلتَ: «إنَّ هَذَا [بائنٌ] (¬2) » ؟ يعني: الجَيِّدَ أو الرَّديءَ (¬3) . ¬
بيان علل أخبار رويت في الطهارة
بَيَانُ عِلَلِ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ فِي الطَّهَارَةِ 1 - أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتِم _ح (¬1) ؛ قال (¬2) : سألتُ (¬3) أَبَا زُرْعة (¬4) عْنَ حديثٍ رَوَاهُ قَبِيصةُ بنُ عُقْبَةَ (¬5) ، عَنِ الثَّوْري، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاء (¬6) ، عَنْ أَبِي قِلابة (¬7) ، عَنْ عَمْرو بْنِ مِحْجَل - أَوْ مِحْجَن - عَنْ أَبِي ذر، عن النبيِّ (ص) قَالَ: إِنَّ الصَّعِيدَ كَافِيكَ وَلَوْ لَمْ تَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنينَ، فإِذَا أَصَبْتَ المَاءَ فأَصِبْهُ بَشَرَتَكَ؟ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هَذَا خطأٌ، أَخْطَأَ فِيهِ قَبِيصةُ (¬8) ؛ إِنَّمَا هُوَ: أبو ¬
قِلابة (¬1) ، عن عَمْرو ابن بُجْدانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النبيِّ (ص) (¬2) . 2 - وسألتُ (¬3) أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رواه شُعْبَةُ (¬4) ، ¬
وَالأَعْمَشُ (¬1) ، عَنْ سَلَمةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عن ذَرٍّ (¬2) ، عن ابن عبد الرحمن بْنِ أَبْزَى (¬3) ، عَنْ أَبِيهِ: أنَّ رَجُلا أَتَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّي أجنَبْتُ وَلَمْ أجدِ (¬4) الماءَ؟ ... فذكَرَ عمَّارً (¬5) عن النبيِّ (ص) في التيمُّم. ¬
وَرَوَاهُ الثوريُّ (¬1) ، عَن سَلَمةَ بْن كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي (¬2) مالك، عَنْ عبد الرحمن بْنِ أَبْزَى؛ قَالَ: كنتُ عِنْد عُمَر؛ إِذْ جاءه (¬3) رجلٌ ... ؟ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: حديثُ شُعْبة (¬4) أشبهُ (¬5) . قلتُ لأَبِي زُرْعَةَ: ما اسمُ أَبِي مالك؟ قَالَ: لا يُسمَّى، وهو الغِفَاري (¬6) . ¬
3 - وسألتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ أَبُو بكرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ (¬1) ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ (¬2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الجَعْد، عَنْ قَتَادَةَ، عن ابن (¬3) سِيرِينَ (¬4) وصالحٍ أَبِي الْخَلِيلِ (¬5) ؛ أنَّهُمَا قَالا فِي التيمُّم ِ: الوَجْهَ والكفَّيْنِ (¬6) ؟ ¬
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هَكَذَا قَالَ! وإنما هو: حمَّاد بن الجَعْد (¬1) . قلتُ: فالوَهَمُ مِن ابنِ أبي شيبة؟ قال أبو زرعة: حَدَّثَنا بحديثٍ فِي "كتاب (¬2) الفرائض" عَنْ أَبِي دَاوُدَ، فَقَالَ: «حمَّاد بْن الجَعْد» ، وَقَالَ فِي "كتاب الوُضُوء" (¬3) : «مُحَمَّد بْن الجَعْد» ؛ فَيَحْتمِلُ أن يكونَ اسمَهُ: «محمدٌ» و «حمَّادٌ» (¬4) جميعا. 4 - وسألتُ (¬5) أبا زرعة عَنْ حديثٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى (¬6) ، عن ¬
سَلَمةَ (¬1) والحَكَمِ (¬2) ، عَنْ ذَرٍّ (¬3) ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، عَنِ النبيِّ (ص) ؛ فِي التيمُّم؟ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هَذَا خطأٌ؛ وَإنَّمَا الصَّحيحُ: سَلَمَةُ (¬4) والحكَمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى (¬5) ، [عَنْ أَبِيهِ] (¬6) ، عَن عمَّار، عن النبيِّ (ص) (¬7) . 5 - وسألتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رواه إبراهيم بن عبد الملك (¬8) ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أنَّ النبيَّ (ص) كَانَ يغتسلُ بالصَّاع، ويتوضَّأُ بالمُدِّ؟ ¬
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هَذَا خطأٌ؛ إِنَّمَا هُوَ: قَتَادَةُ (¬1) ، عَنْ صفيَّةَ بنتِ شَيْبَةَ، عَنْ عائِشَة، عَنِ النبيِّ (ص) (¬2) . 6 - وسألتُ (¬3) أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ حمَّاد بْنُ سَلَمة (¬4) ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيق، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ح، ¬
عن النبيِّ (ص) قَالَ: السِّواكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ (¬1) لِلرَّبِّ؟ قَالا: هَذَا خطأٌ؛ إِنَّمَا هُوَ: ابْنُ أَبِي عَتِيق (¬2) ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَة. قَالَ أَبُو زرعة: أخطأ فيه حمَّاد (¬3) . ¬
وَقَالَ أَبِي: الْخَطَأُ مِنْ حمَّاد، أو مِنِ (¬1) ابْنِ أَبِي عَتِيق. 7 - وسألتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمي، عَنْ محمد بن عبد الرحمن الطُّفَاوي (¬2) ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ (¬3) ، عَنْ عليٍّ، عن النبيِّ (ص) - فِي الوُضُوء- أَنَّهُ قَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ؟ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هَذَا خطأٌ؛ إِنَّمَا هو: الأعمش (¬4) ، عن عبد الملك بْنِ مَيْسَرة، عَنِ النَّزَّال (¬5) ، عَنْ علي، عن النبيِّ (ص) . ¬
قلتُ لأَبِي زُرْعَةَ: الوَهَمُ مِمَّن هُوَ؟ قَالَ: مِنَ الطُّفَاوي (¬1) . قلتُ: مَا حَالُ الطُّفَاوي؟ قَالَ: صَدُوقٌ، إلاَّ أَنَّهُ يَهِمُ أَحْيَانًا (¬2) . 8 - وسألتُ (¬3) أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ ابْنُ فُضَيلٍ (¬4) ، عَنْ حُصَيْن (¬5) ، عن الشَّعْبي (¬6) ، عَن المغيرة بْن شُعْبَة (¬7) ، عَنِ النبيِّ (ص) ؛ ¬
فِي المَسْح عَلَى الخُفَّين. وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَينة (¬1) ، عَنْ حُصَين، عَن الشَّعْبي، عَنْ عُرْوَة بْنِ المغيرة، عن أبيه، عن النبيِّ (ص) . وَرَوَاهُ زائدة بْن قُدامة (¬2) ، عَنْ حُصَين، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدة؛ سَمِعَ المغيرةَ بْن شُعْبَة (¬3) . وَقَالَ غيره: عَنْ حُصَين، عَنْ أَبِي سُفْيان (¬4) ، عَن المغيرة بْن شُعْبَة. وَرَوَاهُ عَبْثَرٌ (¬5) ، عَنْ حُصَين، عَن الشَّعْبيِّ وسعدِ (¬6) بْن عُبَيْدة، عَن المغيرة؛ بلا عُرْوَة؟ ¬
قَالَ أَبِي: وَلَيْسَ لأَبِي سُفْيان معنى. قَالَ أَبِي: وَرَوَاهُ هُشَيْم (¬1) ، عَنْ حُصَين، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْد وَأَبِي سُفْيان؛ سمعا المغيرةَ بْن شُعْبَة. قلتُ لأَبِي زُرْعَةَ: فأيُّهما الصَّحيحُ عندك؟ قَالَ: أَنَا إِلَى حَدِيث الشَّعْبيِّ بلا عُرْوَة أَمْيَلُ؛ إذ (¬2) كَانَ للشعبي أصلٌ فِي المسح (¬3) . 9 - وسألتُ (¬4) أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ سُفْيانُ الثوري (¬5) ، وشُعْبَةُ بنُ الحجَّاج (¬6) ، وجريرُ بنُ حَازِمٍ، وأبو معاويةَ ¬
الضَّريرُ (¬1) ، ويحيى القَطَّانُ (¬2) ، وابنُ عُيَينة (¬3) ، وجماعةٌ (¬4) ، عَن الأعمش، عَنْ أَبِي وَائلٍ (¬5) ، عَن حذيفة، عَنِ النبيِّ (ص) ؛ فِي المَسْحِ عَلَى الخُفَّين. وَرَوَاهُ أحمدُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاش، عَن الأعمشِ وعاصم ٍ (¬6) ، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَن المغيرة بن شُعْبَة، عن النبيِّ (ص) . ¬
فأيُّهما الصَّحيحُ من حَدِيث الأعمش؟ قَالَ أَبِي: الصَّحيحُ مِنْ (¬1) حديثِ هؤلاءِ النَّفَر: عَن الأعمش، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَن حذيفة، عَنِ النبيِّ (ص) ؛ وَهِمَ فِي هَذَا الحديث أَبُو بَكْرُ بنُ عيَّاش؛ إِنَّمَا أَرَادَ: الأعمش (¬2) ، عَنْ مُسْلِم بْنِ صُبَيْحٍ، عَن مسروق، عَن المغيرة، ولم (¬3) يُمَيِّزْ حديثَ أَبِي وائِلٍ من حَدِيث مُسْلِم. قلتُ لأَبِي زُرْعَةَ: فأيُّهما الصَّحيحُ؟ قَالَ: أَخْطَأَ أَبُو بَكْرُ بْن عَيَّاش فِي هَذَا؛ الصَّحيحُ مِنْ حديثِ الأعمش: عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَن حذيفة (¬4) . وَرَوَاهُ منصور (¬5) ، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَن حذيفة؛ ولم يذكر المَسْح، وذكَرَ أنَّ النبيَّ (ص) [بال] (¬6) قائمًا (¬7) . ¬
قلتُ: فالأعمش؟ قَالَ: الأعمشُ (¬1) ربَّما دَلَّس. وقلتُ (¬2) لأبي وأبا زرعة (¬3) : حديثُ (¬4) الأعمش، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَن حذيفة، أصحُّ، أو حديثُ عَاصِم، عَنْ أَبِي وائل، عَن المغيرة؟ قَالَ أَبِي: الأعمشُ أحفظُ من عَاصِم. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: الصَّحيحُ: حديثُ عاصمٍ، عَنْ أبي وائِلٍ، عن ¬
المغيرة، عن النبيِّ (ص) (¬1) . 10- وسألتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رواه ابنُ المبارك (¬2) ، ¬
عن عَوْفٍ (¬1) وهشام ٍ (¬2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ؛ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ وَهْب؛ أنَّ المغيرة بْن شُعْبَة حدَّثه عَنِ النبيِّ (ص) ؛ فِي المسح عَلَى الخُفَّين؟ فَقَالَ أَبِي: رَوَاهُ أيُّوبُ السَّخْتِياني (¬3) - من رواية حمَّاد بْن زَيْدٍ، عَنْ أيُّوب - عن محمد (¬4) ، عن أبي عبد الله، عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْب، عَن المغيرة، عن النبيِّ (ص) ¬
(¬1) . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: رَوَاهُ بعضُ أصحاب ابن عَوْنٍ (¬2) ، عَنِ ابْنِ عون، عن محمد، عن عمرو ابن وَهْب، عَنْ رجلٍ، عَن آخَرَ، عن المغيرة، عن النبيِّ (ص) . قلتُ لأَبِي زُرْعَةَ: أيُّهما الصَّحيحُ؟ قَالَ: عَمْرو، عَنْ رجلٍ، عَن آخَرَ، عَن المغيرة (¬3) . 11 - وسألتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ حسن بْن صَالِحٍ (¬4) ، عَنْ عَاصِمِ بن عُبَيدالله، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن عمر، عن النبيِّ (ص) ؛ في المسح على الخُفَّين. ¬
ورواه ابنُ فُضَيل (¬1) ، وجرير (¬2) ، وعبد الرحيم بْن سُلَيمان، فَقَالُوا: عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَن عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن عُمَر، عَنِ النبيِّ (ص) . وَرَوَاهُ خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ (¬3) ، عَن يزيد، عَن عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ (¬4) - أو عَن عَمِّه - عَن عُمَر. فأيُّهما الصَّحيحُ؟ قَالا: عاصمٌ مضطربُ الحديث، والحَسَنُ ابن صالِح أحفظُ من يزيدَ بنِ أَبِي زياد ومِنْ شَريكٍ (¬5) ؛ وَهُوَ أشبَهُ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وحديثُ حسن بْن صالِح أصحُّ، ولا يَبعُدُ أنْ يكونَ الاضطرابُ من عَاصِم (¬6) . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَرَوَاهُ شَريكٌ، فَقَالَ: عَنْ عاصم (¬7) ، عن عبد الله ¬
بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُمَر (¬1) . ومنهم من يَقُولُ (¬2) : شَريك، عن عاصم (¬3) ابن عُبيدالله، عَنْ أَبِيهِ، عَن عُمَر. ومنهم من يَقُولُ: شَريك، عَن عَاصِمٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن عُمَر. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: فأمَّا مِنْ حَدِيث يزيدَ بْن أَبِي زِيَادٍ: [فعن] (¬4) عَاصِم، عَنْ أَبِيهِ - أو عَمِّه - عَن عُمَر، عَنِ النبيِّ (ص) : أشبَهُ. 12 - وسألتُ (¬5) أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَن حديثٍ رَوَاهُ سُفْيان الثوري (¬6) ، وشَريك (¬7) ، عَن الأعمش، عَن الحكم بن عُتَيبة، عن ¬
عبد الرحمن بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَن بلال، عن النبيِّ (ص) ؛ فِي المَسْحِ عَلَى الخُفَّين؟ قَالا: وَرَوَاهُ أَيْضًا عِيسَى بْن يُونُسَ (¬1) ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ (¬2) ، وابن نُمَير (¬3) ، عَن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَة، عَن بلال، عَنِ النبيِّ (ص) (¬4) . وَرَوَاهُ زائدة (¬5) ، عَن الأعمش، عَنْ عبد الرحمن بن أبي ليلى، ¬
عَن البَرَاء، عَن بلال، عَنِ النبيِّ (ص) (¬1) . قلت (¬2) لَهما: فأيُّ هَذَا الصَّحيحُ؟ قَالَ أَبِي: الصَّحيحُ مِنْ حَدِيث الأعمش: عَن الحكم، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَن بلال (¬3) ؛ بلا كعب (¬4) . قلتُ لأَبِي: فمِنْ غيرِ حَدِيث الأعمش (¬5) ؟ قَالَ: الصَّحيحُ ما يَقُولُ شُعْبَةُ (¬6) ، وأبانُ بْن تَغْلِبَ (¬7) ، وزيد بن ¬
أَبِي أُنَيْسَة (¬1) أَيْضًا، عَن الحكم، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَن بلال؛ بلا كعب. وَقَالَ أَبِي: الثوريُّ وشُعْبَةُ أحفظُهم (¬2) . قلتُ لأَبِي: فإنَّ ليثَ بْن أَبِي سُلَيْمٍ يحدِّث فيضطرب: يحدِّثُ (¬3) عَنْهُ يَحْيَى بْن يعلى (¬4) ، عَن الحَكَم، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَة، عَن بلال، عَنِ النبيِّ (ص) ، وعن أَبِي بَكْرٍ، وعمر؛ فِي المَسْح. وَرَوَاهُ مُعْتَمِر (¬5) ، عَنْ ليثٍ، عن الحَكَم ِ وحبيبِ بْن أَبِي ثابت، عَن شُرَيْح بْن هانئ، عَن بلال، عن النبيِّ (ص) . ¬
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: الصَّحيحُ - حديثَ الأعمش (¬1) -: عن الحكم، عن عبد الرحمن ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ، عَن بلال. قَالَ أَبِي وأَبُو (¬2) زرعة (¬3) : ليثٌ لا يُشْتَغَلُ بِهِ؛ في حديثه (¬4) مثلُ ذِي (¬5) كثيرٌ؛ هُوَ مضطربُ الحديثِ. ¬
قلتُ لأَبِي زُرْعَةَ: أليس شُعْبَةُ، وأبانُ بنُ تَغْلِبَ (¬1) ، وزيدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَة يَقُولُونَ: عَن الحكم، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَن بلال؛ بلا كعب؟ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: الأعمش حافظٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وعيسى بْن يُونُسَ، وابن نُمَير؛ وهؤلاءِ قد حفظوا عَنْهُ. ومِنْ غيرِ حَدِيث الأعمش، الصَّحيحُ: عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَن بلال؛ بلا كعب. وَرَوَاهُ منصورٌ (¬2) ، وشُعْبَةُ، وزيدُ بْن أبي أُنَيْسَة، وغيرُ واحد؛ إِنَّمَا قلتُ: مِنْ حَدِيث الأعمش (¬3) . 13 - وسمعتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ: حديثُ زيدِ ابن أَرْقَمَ عن النبيِّ (ص) - فِي دخُولِ الخَلاَء (¬4) - قد اختلفوا فيه (¬5) : ¬
فأمّا سعيدُ بْن أَبِي عَروبة (¬1) ، فإنه يَقُولُ: عَنْ قَتَادَةَ، عَن القاسم بْن عَوْف، عَنْ زَيْدٍ، عن النبيِّ (ص) . وشُعْبَةُ (¬2) يَقُولُ: عَنْ قَتَادَةَ (¬3) ، عَن النَّضْر ابن أنس، عن زيد بن ¬
أرقم، عن النبيِّ (ص) (¬1) . وحديثُ عبد العزيز بن صُهَيْب، عَن أنس، أشبَهُ عِنْدِي (¬2) . قلتُ: فحديثُ إسماعيلَ بنِ مسلمٍ يزيد فِيهِ: «الرِّجْسِ النَّجِسِ ... » (¬3) . ¬
قَالَ: وإسماعيلُ ضعيفٌ، فأرى أن يُقال: «الرِّجْسِ النَّجِس، الخَبيثِ المُخْبِث، الشَّيطانِ الرَّجيم» ؛ فإنَّ هَذَا دعاءٌ. 14 - وسمعتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ (¬1) : حديثُ أَبِي فَزارة (¬2) لَيْسَ بصحيح، وَأَبُو زيد (¬3) مجهول. يعني: فِي الوُضُوء بالنَّبِيذ (¬4) . 15 - وسألتُ (¬5) أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَن حديثٍ رَوَاهُ عُبَيْدة بْن الأسود (¬6) ، عَن القاسم بْن الْوَلِيدِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاس، عَنِ النبيِّ (ص) ؛ فِي المَسْحِ عَلَى الخُفَّين؟ قَالا: هُوَ خطأٌ؛ إِنَّمَا هُوَ: عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمة (¬7) ، عَنِ ابْنِ ¬
عَبَّاس، موقوف (¬1) . 16 - وسألتُ (¬2) أَبِي (¬3) عَنْ حديثٍ رَوَاهُ مَرْوان الطَّاطَري (¬4) ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَاري (¬5) ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ أنسًا قال: رأيتُ النبي (ص) توضَّأ، فخلَّل لِحْيَتَهُ؟ قَالَ أَبِي: الخطأُ مِنْ مَرْوان؛ مُوسَى بنُ أبي عائِشَة (¬6) يحدِّث عن ¬
رَجُلٍ (¬1) ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشي، عَنْ أنس، عن النبيِّ (ص) . 17 - وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ حمَّاد ابن سَلَمة، عَن الحجَّاج (¬2) ، عَنْ عَمْرو بْنِ مُرَّة، عَنْ عُبَيْد بْنِ عُمَيْر - فِي الجُرْح - قَالَ: يَمْسَحُ ما حَوْلَهُ (¬3) ؟ فقال (¬4) أَبِي: رَوَاهُ شُعْبَة (¬5) ، عَنْ عَمْرو بْنِ مُرَّة، عَن يوسف بْن مَاهَِكَ، عَنْ عُبَيد بْنِ عُمَير؛ والصَّحيحُ حديثُ شُعْبَة. 18 - وسألتُ أَبِي عن حديثٍ رواه حمَّاد ابن سَلَمة، عَنْ يُونُسَ (¬6) ، عَنِ الحَسَن (¬7) ؛ فِي المرأة يكون بِعَجُزِهَا الجُرْحُ؟ ¬
قَالَ أَبِي: رَوَاهُ مِسْكين (¬1) ، عَنْ شُعْبَة، عَنْ يُونُسَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة، عَنْ أَبِيهِ، بِنَحْوِهِ. قَالَ أَبِي: حدَّثنا النُّفَيْلي (¬2) ، عَن مِسْكين. قَالَ أَبِي: وقد كَانَ يُذاكِرُني. 19 - وسألتُ (¬3) أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ ضَمْرَة (¬4) ، عَن الثوري، عَن حُمَيد (¬5) ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النبيِّ (ص) : أَنَّهُ طافَ عَلَى نِسائِه فِي غُسْلٍ واحد؟ فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هذا خطأٌ؛ أخطأ ضَمْرَة؛ إنما هو: الثوريُّ (¬6) ¬
، عَنْ مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ، عَن أنس. ثُمَّ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لو كَانَ عِنْد الثوري: عَن حُمَيد، عَن أنس (¬1) ؛ كَانَ لا يحدِّث بِهِ عن مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ، عَن أنس. قِيلَ لأَبِي زرعة: فإنَّ سَعِيد بْن عَبْدوس بْن أَبِي زيدون (¬2) - وَرَّاقَ الفِرْيابي- حدَّث عَن الفِريابي (¬3) ، عَن الثوري، عَن حُمَيد، عَنْ أَنَسٍ، وعن مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ، عَن أنس؟ قَالَ: ما أدري ما هَذَا! ما أعرفُ مِنْ حديثِ الفِريابي (¬4) إلا عن ¬
الثوري، عن [أبي عُرْوَة] (¬1) ، عَنْ أَبِي الخطَّاب، عَنْ أَنَسٍ؛ ما أدري ما هَذَا! 20 - وسألتُ أَبِي عَن حديثٍ رَوَاهُ حمَّاد ابن سَلَمة (¬2) ، عَن الحجَّاج (¬3) ، عَنْ حَبِيب بْنِ أَبِي ثابت، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عليِّ بْن أَبِي طالب، عَنْ عليِّ بْنِ أَبِي طالب، عن النبيِّ (ص) : أَنَّهُ كَانَ إِذَا قامَ من الليل ... فذكر الحديثَ فِي (¬4) صلاة الليل؟ قَالَ أَبِي: هَذَا خطأٌ؛ إِنَّمَا هُوَ: مُحَمَّدُ بْنُ عليِّ بن عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ (¬5) ، عَنْ أَبِيهِ، عَن جَدِّه، والوَهَمُ من حمَّاد. 21 - وسألتُ أَبِي عَن حديثٍ رَوَاهُ الأَنْصَارِيّ (¬6) ، عَن بَهْز بْن حَكِيم (¬7) ، عَن زُرَارَة (¬8) ، عَنْ عائِشَة، عَنِ النبيِّ (ص) : أنه كان يُوضَعُ ¬
له (¬1) وَضُوءُهُ (¬2) وسِواكُهُ من الليل. وَرَوَاهُ حمَّاد بْنُ سَلَمة، عَن بَهْزٍ، عَنْ سعد ابن هشام، عَنْ عائِشَة، عَنِ النبيِّ (ص) (¬3) . أيُّهما أصَحُّ؟ قَالَ أَبِي: إن كَانَ حَفِظَ حمَّاد، فهذا أشبَهُ. 22 - وسألتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ (¬4) ، عَنْ أَبِي ¬
هاشم، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير: أَنَّهُ سُئِل عَن النَّجاسة تُصيب الثَّوْبَ؟ قَالَ: اقرأ عليَّ آية فِي غَسْلِ الثِّياب!! ؟ فقلت لهما: مَنْ أَبُو هاشِم هَذَا؟ قَالَ أَبِي: هُوَ إسماعيلُ بنُ كَثِير المكِّي، وَلَيْسَ هُوَ: «أَبُو (¬1) هاشمٍ ¬
الرُّمَّانيّ» (¬1) . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: الَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ الرُّمَّاني. قلتُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ (¬2) بْنُ كَثِير، فَقَالَ: إسماعيل بْن كثير!! قَالَ: إنْ حَفظ ابنُ كثير، فهو كما يَقُولُ. 23 - وسألتُ (¬3) أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ دُحَيْم (¬4) ، عن عبد الله بن ¬
نَافِعٍ الصَّائغ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذئب (¬1) ، عن عُقْبة بن عبد الرحمن بْنِ أَبِي مَعْمَر، عَنْ مُحَمَّدِ بن عبد الرحمن بْنِ ثَوْبَان، عَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله، عن النبيِّ (ص) قَالَ: مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ؟ قَالَ أَبِي: هَذَا خطأٌ (¬2) ؛ الناسُ يَروونه (¬3) عَنِ ابْنِ ثَوْبَان، عَنِ النبيِّ (ص) مُرسَلاً؛ لا يذكرون جابرًا. ¬
24 - وسألتُ (¬1) أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ شَاذَانُ (¬2) ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاش، عن عبد الملك (¬3) ، عَنْ عَطاء (¬4) ، عَنْ صَفْوان بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النبيِّ (ص) قَالَ: إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ سَتِيرٌ (¬5) ؛ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْتَتِرْ. ¬
قلتُ لأَبِي: وَقَدْ رأيتُ (¬1) عَنْ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ (¬2) ؛ عَنْ أَبِي ¬
بكر (¬1) ، عن عبد الملك، عن عَطاء، عن النبيِّ (ص) ، مُرسَلً (¬2) . قلتُ لأَبِي: هَذَا المتَّصِلُ مَحْفُوظٌ؟ قَالَ: لَيْسَ بِذَاكَ (¬3) . 25 - وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ اللَّيْث ابن سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ (¬4) ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أسلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار (¬5) ، عَنِ ابْنِ عباس: أنَّ النبيَّ (ص) أكلَ لَحْمَ شاةٍ، ثُمَّ صلَّى ولم يَتَوَضَّأْ (¬6) . ¬
وَرَوَاهُ مَعْنٌ (¬1) ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أسلَم، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عن النبيِّ (ص) ؟ فقال أبي (¬2) : جميعًا صَحِيحَين ِ (¬3) ؛ حدَّثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِر، عَنْ مَعْن بْنِ عِيسَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أسلَم، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي رافعٍ وابنِ عَبَّاس، عن النبيِّ (ص) ؛ جَمَعَهُما. ¬
26 - وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ معاذ بْن هِشَامٍ (¬1) ، عَنْ أَبِيهِ، ¬
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قِلابة (¬1) ، عَنْ خَالِدِ بْنِ اللَّجْلاج، عَنِ ابن عباس، عن النبيِّ (ص) : رَأَيْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ... ، وَذَكَرَ الحديثَ فِي إسباغِ الوُضُوء ونحوِهِ؟ قَالَ أَبِي: هَذَا رَوَاهُ الوليدُ بْن مُسْلِم (¬2) ، وصَدَقَةُ (¬3) ، عَنِ ابْنِ جَابِر (¬4) ؛ قَالَ: كنَّا مَعَ مكحولٍ، فمرَّ بِهِ خالدُ بنُ اللَّجْلاج، فَقَالَ مكحولٌ: يا أبا (¬5) إِبْرَاهِيم، حَدِّثنا، فَقَالَ: حدَّثني ابنُ عايش الحَضْرَمي، عن النبيِّ (ص) (¬6) . قَالَ أَبِي: وَهَذَا أشبَهُ، وقتادةُ يُقال: لم يَسْمَعْ من أَبِي قِلابة إِلا أحرفًا؛ فإنه وقع إِلَيْهِ كتابٌ مِنْ كتبِ أَبِي قِلابة (¬7) ، فلم يميِّزوا بين ¬
عبد الرحمن بْن عايش، وبين ابن عَبَّاس. قَالَ أَبِي: ورَوَى هَذَا الحديثَ جَهْضَمُ بن عبد الله اليَمَامي، وموسى بْن خلف العَمِّي (¬1) ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلاَّم، عَنْ جَدِّه مَمْطُور (¬2) ، عن أبي عبد الرحمن السَّكْسَكي، عَنْ مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ، عَن معاذ بْن جبل، عَنِ النبيِّ (ص) . قَالَ أَبِي: وَهَذَا أشبَهُ من حديث ابن (¬3) جابر (¬4) . ¬
27 - وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ أَبُو عَاصِم (¬1) ، عَن قُرَّة (¬2) ، عَنْ مُحَمَّدٍ (¬3) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبيِّ (ص) : إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ فِي الإِنَاءِ ... (¬4) ؟ ¬
قَالَ أَبِي: كَذَا رَوَاهُ أَبُو عَاصِم؛ حدَّثنا عَمْرُو بْنُ عليٍّ، عَنْهُ، وَأَخْطَأَ فِيهِ؛ حدَّثنا أَبُو نُعَيم (¬1) ؛ قال: ثنا (¬2) قُرَّة، عَنْ مُحَمَّدٍ (¬3) ؛ قَالَ: إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ فِي الإناءِ. قَالَ أَبِي: والصَّحيحُ ما يرويه أَبُو نُعَيم (¬4) . 28 - وسألتُ (¬5) أَبِي عَن حديثٍ رواه عبد الله بْنُ رجاء (¬6) ، وَأَبُو نُعَيم (¬7) ؛ قَالا: حدَّثنا (¬8) ربيعة بْن عُبَيْد الكِنَاني، عَن المِنْهَال ابن عَمْرٍو؛ قَالَ: حدَّثنا زِرُّ (¬9) بْن (¬10) حُبَيْش؛ قَالَ: جاء رَجُل إِلَى عليِّ بن ¬
أَبِي طالب، فسأله عَن وُضُوءِ رسولِ الله (ص) ، فذكَرَ ثلاثًا، وذكر أنه مَسَحَ برأسِهِ حتَّى ألَمَّ (¬1) أن يَقْطُرَ، ثم غسل رجلَيْهِ ثلاثًا ثلاثًا (¬2) ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ رسول الله (ص) ؟ قَالَ أَبِي: إِنَّمَا يُروى هَذَا الحديثُ عَن المِنْهال، عَنْ أَبِي حَيَّة الوَادِعي (¬3) ، عَنْ عليٍّ، عَنِ النبيِّ (ص) ؛ وَهُوَ أشبَهُ (¬4) . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ (¬5) ؛ قال (¬6) : ثنا به (¬7) أَبِي؛ قَالَ: حدَّثنا الهَيْثَم بْن يَمَان؛ قال: نا عَمْرُو بْنُ ثابت (¬8) ، عَن المِنْهال بن عمرو، عن أبي ¬
حَيَّة ابن قيس، عن عليٍّ ح، عن النبيِّ (ص) . قلتُ أنا: أما عبد الله بْن رجاء: فحدَّثني أَبِي عَنْهُ؛ قال: نا ربيعة بْن عُبَيْدٍ، عَن المِنْهال ابن عَمْرٍو. وأمّا أَبُو نُعَيم: فحدَّثنا أَبِي؛ قَالَ: حدَّثنا أَبُو نُعَيم؛ قال: ثنا ربيعة الكِنَاني (¬1) ، عَن المِنْهال بْن عَمْرو. فَسَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: هُوَ ربيعة بْن عُبَيد. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ربيعة بْن عُتْبَة (¬2) . 29 - وسمعتُ (¬3) أَبِي وَذَكَرَ حَدِيثًا رَوَاهُ مَرْوَانُ الفَزَاري (¬4) ، عن محمد بن عبد الرحمن ابن مِهْران، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِي (¬5) ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْري؛ قَالَ: قَالَ رسول الله (ص) : لَوْلاَ أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي، لَفَرَضْتُ السِّوَاكَ، وَلَأَخَّرْتُ صَلاَةَ العِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ. ¬
قَالَ أَبِي: هَذَا خطأٌ؛ رَوَاهُ (¬1) الثِّقَاتُ (¬2) عَنِ المَقْبُرِي، عَنْ أَبِي هريرة، عن النبيِّ (ص) . وبعضُهم يَقُولُ: عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبي هريرة، عن النبيِّ (ص) (¬3) ؛ وَهُوَ الصَّحيحُ. 30- وسألتُ (¬4) أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ مُصْعَب بن المِقْدَام ¬
(¬1) ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَير (¬2) ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ (ص) أَنْ يَمَسَّ الرجلُ ذَكَرَهُ بِيَمينِهِ؟ فَقَالا: هَذَا خطأٌ؛ إِنَّمَا هُوَ: الثَّوْرِيُّ (¬3) ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ يَحْيَى بن أبي كثير، عن عبد الله ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عن النبيِّ (ص) . قلتُ: الوَهَمُ مِمَّن هُوَ؟ قَالا: مِنْ مُصعَب بْنِ المِقْدام. 31 - وسألتُ (¬4) أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مسروق (¬5) ، وسَلَمةُ بْن كُهَيْل (¬6) ، ومنصورُ بْن المُعْتَمِر، والحَسَنُ بن ¬
عُبَيدالله (¬1) ، كلُّهم رَوى عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِي (¬2) ، عن عمرو ابن ميمون، عن أبي عبد الله الجَدَلي، عَن خُزَيمة بْن ثابت، عن النبيِّ (ص) ؛ فِي المَسْحِ عَلَى الخُفَّين (¬3) . وَرَوَاهُ الحكَمُ بنُ عُتَيبة (¬4) ، وحمَّادُ بْن أبي سُلَيمان (¬5) ، وأبو ¬
مَعْشَر (¬1) ، وشُعَيْبُ بْن الحَبْحاب (¬2) ، والحارثُ العُكْلي (¬3) ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعي (¬4) ، عَنْ أبي عبد الله الجَدَلي، عَن خُزَيمة، عَنِ النبيِّ (ص) ؛ لا يقولون: عمرو ابن ميمون (¬5) ؟ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ (¬6) : الصَّحيحُ من حَدِيث إِبْرَاهِيم التَّيْمِي: عَنْ ¬
عَمْرِو (¬1) بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِي عبد الله الجَدَلي، عَن خُزَيمة، عَنِ النبيِّ (ص) ، والصَّحيحُ من حَدِيث النَّخَعي: عَنْ أبي عبد الله الجَدَلي؛ بلا عَمْرو بْن ميمون (¬2) . قَالَ أَبِي: عَن منصورٍ مُختَلِفٌ؛ جريرٌ الضَّبِّيُّ (¬3) وأبو عبدِالصمدِ (¬4) يحدِّثان بِهِ يقولان: عَنِ ابْنِ التَّيْمِي، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عن أبي عبد الله الجَدَلي، عَن خُزَيمة. وَأَبُو الأَحْوَص (¬5) يحدِّث بِهِ لا يقولُ فِيهِ: عمرو بن ميمون (¬6) . ¬
32 - وسألتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ عُثْمان بْنُ أَبِي شَيْبة (¬1) ، عَنْ شَرِيكٍ (¬2) ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيان (¬3) ، عَنْ جَابِرٍ (¬4) ، عن رسول الله (ص) ؛ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلْيَسْتَاكَ (¬5) ... ؟ ¬
فَقَالا: هَذَا وَهَمٌ؛ إِنَّمَا هُوَ: الأَعْمَشُ (¬1) ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيدة، عن أبي عبد الرحمن (¬2) ، عَنْ عليٍّ - مَوْقُوفٌ (¬3) -: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ... . قلتُ لَهُمَا: فالوَهَمُ (¬4) مِمَّن هُوَ؟ قَالا: يَحْتَمِلُ أَنْ يكونَ مِنْ أَحَدِهِمَا. قلتُ: يَعْنِيان: إِمَّا مِنْ عُثْمَانَ، وَإِمَّا مِنْ شَريك (¬5) . 33 - وسألتُ (¬6) أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ زهير (¬7) ، عن ابن ¬
جُحَادَةَ (¬1) ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار، عَنِ أبي هريرة: أنَّ النبيَّ (ص) خَرَج (¬2) مِنَ الغائِطِ، فأُتِي بِطَعَام، فَقَالَ رجلٌ: إِلا نَأْتِيكَ بِوَضُوء؟ قَالَ: أُرِيدُ الصَّلاةَ؟! (¬3) ؟ قَالَ أَبِي: هَذَا خطأٌ؛ إِنَّمَا هُوَ: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ (¬4) ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحُوَيرِث، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النبيِّ (ص) (¬5) . قلتُ لأَبِي (¬6) : الوَهَمُ مِنْ (¬7) زُهَيْرٍ؟ قَالَ: لا، هُوَ مِنَ ابْنِ جُحَادَة (¬8) . ¬
قلتُ لأَبِي: مِنْ أينَ أَصْلُهُ؟ قَالَ: كوفيٌّ ثقةٌ صَدوق، مِثْلُ عمرِو بنِ قَيْسٍ، وَأَبِي خالدٍ الدَّالاني، وزيدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَة. 34 - وسألتُ (¬1) أَبِي عَن اختلافِ حديثِ عمَّار بْن ياسر فِي التيمُّم، وما الصَّحيحُ منها؟ فَقَالَ: رَوَاهُ الثوريُّ (¬2) ، عَن سَلَمة (¬3) ، عَنْ أَبِي مالك الغِفَاري (¬4) ، عن عبد الرحمن بْنِ أَبْزَى، عَن عمَّار، عَنِ النبيِّ (ص) ؛ فِي التيمُّم. وَرَوَاهُ شُعْبَة (¬5) ، عَن الحَكَم (¬6) ، عَن ذَرٍّ (¬7) ، عَنْ سَعِيدِ بن عبد الرحمن بْنِ أَبْزى، عَنْ أَبِيهِ، عَن عمَّار، عن النبيِّ (ص) . وَرَوَاهُ شُعْبَة (¬8) ، عَن سَلَمة، عَن ذَرٍّ (¬9) ، عن ابن عبد الرحمن بن ¬
أَبْزى، عَنْ أَبِيهِ، عَن عمَّار، عن النبيِّ (ص) (¬1) . وَرَوَاهُ حُصَينٌ (¬2) ، عَنْ أَبِي مالك؛ قال: سمعتُ عَمَّارً (¬3) يذكُرُ ¬
التيمُّمَ، موقوف (¬1) . قَالَ أَبِي: الثوريُّ أحفظُ من شُعْبَة. قلتُ لأَبِي: فحديثُ حُصَين عَنْ أَبِي مالك؟ قَالَ: الثوريُّ أحفظُ، ويَحْتملُ أن يكونَ سَمِعَ أَبُو مالك من عمَّار كلامًا غيرَ مرفوع، ويَسْمَعَ (¬2) مرفوعًا - من عبد الرحمن بن أَبْزى، عن ¬
عمَّار، عن النبي (ص) - القِصَّةَ. قلتُ: فأبو مالك سمعَ من عمَّار شَيْئًا؟ قَالَ (¬1) : ما أدري ما أقولُ لك! قد روى شُعْبَة، عَنْ حُصَين، عَنْ أبي مالك؛ سمعتُ عَمَّارً (¬2) ، ولو لم يعلمْ شُعْبَةُ أَنَّهُ سَمِعَ من عمَّار، ما كَانَ شُعْبَةُ يرويه، وسَلَمةُ أحفظُ من حُصَين. قلتُ: ما تُنْكِرُ أن يكونَ سَمِعَ من عمَّار، وقد سمعَ من ابن عَبَّاس؟ قَالَ: بينَ مَوْتِ ابن عَبَّاس وبينَ موتِ عمَّار قريبٌ من عِشْرينَ سَنَةً (¬3) . 35- وسألتُ (¬4) أَبِي عَن حديثٍ رَوَاهُ قَبِيصة (¬5) ، عَنْ سُفْيان (¬6) ، عَن الأَغَرِّ (¬7) ، عَن خليفة بْن حُصَين، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّه قيس بن ¬
عاصم: أنه أتى النبيَّ (ص) فأسلمَ، فأمره أن يغتسلَ بماءٍ وسِدْرٍ؟ قَالَ: إنَّ هَذَا خطأٌ؛ أَخْطَأَ قَبِيصةُ فِي هَذَا الحديث؛ إِنَّمَا هُوَ: الثوري (¬1) ، عَن الأَغَرِّ، عَن خليفة بْن حُصَين، عَنْ جَدِّه قيس: أَنَّهُ أتى النَّبِيّ (ص) ... ليس فيه أبوه. ¬
36 - وسمعتُ (¬1) أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ: حديثُ سِمْعان (¬2) - في بَولِ ¬
الأعرابيِّ فِي المَسْجِد - عَنْ أَبِي وائل (¬1) ، عن عبد الله (¬2) ، عن النبيِّ (ص) ؛ أَنَّهُ قَالَ: احْفِرُوا مَوْضِعَهُ. قَالَ: هَذَا حديثٌ لَيْسَ بِقَويٍّ (¬3) . 37 - وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ عِيسَى ابنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مِنْدَلٍ (¬4) ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي عمر الزُّهْري؛ سمعتُ ¬
عبد الله ابنَ عُمَرَ بْنِ الخطَّاب يذكُرُ عَنِ النبيِّ (ص) أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ (¬1) صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ؟ قَالَ أَبِي: لَيْسَ ذَا (¬2) بِشَيْءٍ (¬3) . قلتُ: فتَعرِفُ أَبَا عُمَرَ الزُّهْرِيَّ؟ قَالَ: لا. 38 - وسألتُ (¬4) أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ عُبَيدةُ الضَّبِّيُّ (¬5) ، عن عبد الله بن عبد الله الرَّازي، عن عبد الرحمن بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ ذِي ¬
الغُرَّة الطَّائي (¬1) ، عن النبيِّ (ص) - فِي الوُضُوء مِنْ لَحْمِ الإِبِل - قال: تَوَضَّؤُوا. وَرَوَاهُ جابرٌ الجُعْفِيُّ (¬2) ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى (¬3) ، عَنْ سُلَيْك الغَطَفاني، عن النبيِّ (ص) . وحدَّثنا سَعْدُوْيَهْ (¬4) ؛ قَالَ: حدَّثنا عبَّاد بْنُ العوَّام (¬5) ، عَنِ الحجَّاج بْنِ أَرْطَاة، عن (¬6) عبد الله، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَن أُسَيْد ابن حُضَيْر، عن النبيِّ (ص) (¬7) . قلتُ لأبي: فأيُّهما الصَّحيحُ؟ ¬
قَالَ: مَا رَوَاهُ الأعمشُ (¬1) ، عَنْ عبد الله بن عبد الله الرَّازي، عن عبد الرحمن بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَن البَرَاء، عن النبيِّ (ص) . والأعمشُ أحفظ (¬2) . ¬
39 - وسألتُ (¬1) أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ يَحْيَى بنُ زكريا بنِ (¬2) أَبِي زائدة (¬3) ، وَأَبُو دَاوُدَ (¬4) ، عَنْ شُعْبة، عَنْ حَبيب بْنِ زيد، عَنْ عَبَّاد بْنِ تَميم، عَن عَمِّه عبد الله (¬5) بن زيد، عن النبيِّ (ص) : أَنَّهُ أُتِيَ (¬6) بإناءٍ فِيهِ ماءٌ قَدْرَ ثُلُثَيِ المُدِّ؛ فتوضَّأَ بِهِ. وَرَوَاهُ غُنْدَرٌ (¬7) ، عَنْ شُعْبة، عَنْ حَبِيبِ بْنِ زيد، عَنْ عَبَّاد بْنِ تَميم، عَن جَدَّته أُمِّ عُمَارة، عن النبيِّ (ص) ؟ فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: الصَّحيحُ عِنْدِي حديثُ غُنْدر (¬8) . ¬
40 - وسألتُ (¬1) أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ عليُّ بْنُ عَاصِم (¬2) ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائب، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عباس، عن النبيِّ (ص) - فِي المَجْدور (¬3) والمَريض -: إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ، تَيمَّمَ؟ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَرَوَاهُ جريرٌ (¬4) أَيْضًا، فَقَالَ: عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس - رَفَعَهُ - فِي المَجْدور. قَالَ: إنَّ هَذَا خطأٌ؛ أَخْطَأَ فِيهِ عليُّ بْن عَاصِم. وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَة (¬5) ، وَوَرْقَاء (¬6) ، وغيرهما، عَنْ عطاء بن السَّائب، ¬
عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس، موقوف (¬1) ؛ وَهُوَ الصَّحيحُ (¬2) . 41 - وسألتُ (¬3) أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ شَيْبان النَّحْوي (¬4) ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَن (¬5) ، عَنْ أُمِّه (¬6) ، عَنْ عائِشَة: أنَّ النبيَّ (ص) كَانَ يتوضَّأُ بالمُدِّ؟ قَالَ أَبِي: هَذَا خطأٌ؛ إِنَّمَا هُوَ: قَتَادَةُ (¬7) ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عائِشَة، عن النبيِّ (ص) ؛ وهذا أشبَهُ. ¬
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مِنْ حديثِ قَتَادَةَ: حديثُ صَفِيَّةَ بنتِ شَيْبَةَ، عن عائِشَة: صُحِّح (¬1) . وَرَوَاهُ يُونُسُ بْنُ عُبَيد، عَنِ الحَسَن، عَنْ أمِّ سَلَمة، عَنِ النبيِّ (ص) ؛ وَهَذَا عِنْدِي أشبَهُ. 42 - وسألتُ (¬2) أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ حَبَّانُ بنُ هِلالٍ، وحَرَمِيٌّ (¬3) ، وإبراهيمُ بنُ الحجَّاج، عَنْ حمَّاد بْنِ سَلَمة، عَنْ ثُمَامة بْنِ أَنَسٍ، عن أنس: أنَّ النبيَّ (ص) قَالَ (¬4) : اسْتَنْزِهُوا مِنَ البَوْلِ؛ فإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ القَبْرِ مِنَ البَوْلِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ (¬5) : قَالَ (¬6) أَبِي: حدَّثنا أَبُو سَلَمة (¬7) ، بِهِ (¬8) ، عَنْ ¬
حمَّاد، عَنْ ثُمَامة، عَنِ النبيِّ (ص) ، مُرْسَلً (¬1) ؛ وَهَذَا أشبَهُ عِنْدِي. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: المحفوظُ: عَنْ حمَّاد، عَنْ ثُمَامة، عَنْ أَنَسٍ، وقصَّر أَبُو سَلَمة (¬2) . 43 - وسألتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ (¬3) عَنْ حديثٍ رَوَاهُ حمَّاد (¬4) ، عن عُبَيدالله بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عمر - أوغيره -: أنَّ (¬5) النبيَّ (ص) قَالَ: إِنَّ الَّذِي يَشْرَبُ فِي (¬6) آنِيَةِ الفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ (¬7) فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ؟ ¬
قَالا: هَذَا خطأٌ؛ إِنَّمَا هُوَ: عَنْ نَافِعٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عبد الرحمن بْنِ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق، عَنْ أم سَلَمة، عن النبي (ص) (¬1) . قلتُ لأَبِي ولأَبِي زرعة: الوَهَمُ مِمَّن هُوَ؟ فَقَالا: من حمَّاد (¬2) . ¬
44 - وسألتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ حمَّاد بْنُ سَلَمة (¬1) ، عن أبي جَهْضَمٍ (¬2) ، عن عُبَيدالله بن عَبدالله بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ ابن عَبَّاس (¬3) ؛ قَالَ: لم يَعْهَدْ (¬4) إلينا رسول الله (ص) شَيْئًا لم يعهَدْهُ إِلَى الناس، إِلا ثلاثة: أَمَرَنَا أن نُسبِغَ الوُضُوءَ ... ؟ فَقَالَ أَبِي: إِنَّمَا هُوَ عبد الله بن عُبَيدالله بْن عَبَّاس (¬5) ؛ أَخْطَأَ فِيهِ حمَّاد. ¬
وقَالا جَميعًا: رَوَاهُ حمَّاد بْنُ زيد (¬1) ، وعبد الوارث (¬2) ، ومُرَجَّى بْن رَجَاء (¬3) ، فقالوا كلُّهم: عن أبي جَهْضَمٍ، عن عبد الله بن عُبَيدالله؛ وَهُوَ الصَّحيحُ. 45- وسألتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ شُعْبَة (¬4) ، عن ¬
منصور (¬1) ، عن الفَيْضِ (¬2) ، [عن] (¬3) ابن أَبِي حَثْمة (¬4) ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا خرجَ مِنَ الخَلاء قَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي، وَأَذْهَبَ عَنِّي الأَذَى؟ فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَهِمَ شُعْبَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَرَوَاهُ الثوريُّ (¬5) ، فَقَالَ: عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ عُبَيد بْنِ عَلِيٍّ (¬6) ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ وَهَذَا الصَّحيحُ (¬7) . وَكَانَ أكثرُ وَهَمِ شُعْبَة في ¬
أسماءِ الرِّجَال (¬1) . وَقَالَ أَبِي: كَذَا قَالَ سُفْيان! وَكَذَا قَالَ شُعْبَة! وَاللَّهُ أَعْلَمُ أيُّهما الصَّحيحُ؟ والثوريُّ أَحْفَظُ، وشُعْبَةُ رُبَّمَا أَخْطَأَ فِي أسماءِ الرِّجال، ولا نَدري هَذَا مِنه أَمْ لا؟ 46 - وسألتُ (¬2) أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ سَهْلُ بْنُ حمَّاد أَبُو عَتَّاب (¬3) ، عن عبد الله ابن المثنَّى، عَنْ ثُمَامة (¬4) ، عَنْ أَنَسٍ، عن النبيِّ (ص) قَالَ: إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ، فَلْيَغْمِسْهُ فِيهِ؛ فإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً (¬5) ، وَفي الآخَرِ شِفَاءً؟ ¬
فَقَالَ أَبِي وَأَبُو زُرْعَةَ (¬1) جَمِيعًا: رَوَاهُ حمَّاد بْنُ سَلَمة (¬2) ، عَنِ ثُمَامة بن عبد الله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَهَذَا الصَّحيحُ (¬3) . وَقَالَ أَبِي: هَذَا أشبَهُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبيِّ (ص) ، ولَزِمَ أَبُو عَتَّاب الطريقَ؛ فَقَالَ: عن عبد الله، عَنْ ثُمَامة، عَنْ أَنَسٍ. وَقَالَ أبو زرعة: هذا حديث عبد الله بن المُثَنَّى، أخطأ فيه عبد الله؛ والصَّحيحُ: ثُمامة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ح. 47 - وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ حمَّاد ابن سَلَمة (¬4) ، عن سِنانٍ ¬
أبي (¬1) ربيعة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك: أنَّ النبيَّ (ص) كانَ إذا توضَّأ، غَسَلَ مَآقِيَ (¬2) عينَيهِ بإصْبَعَيه؟ قَالَ أَبِي: روى حمَّاد بْن زَيْدٍ (¬3) ، عَن سِنَان، عَن شَهْرٍ (¬4) ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عن النبيِّ (ص) ، وحمَّادُ بْن زيد أحفظُ وأثبتُ من حمَّاد بْن سَلَمَةَ، وسِنانُ بنُ ربيعة أَبُو ربيعة مُضطَرِبُ الحديث (¬5) . 48 - وسألتُ (¬6) أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدة، عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ - قَالَ أَبِي: وَهُوَ والدُ كَثِير بْنِ يَحْيَى بْنِ كَثِير، وكُنيَتُه: أَبُو النَّضْر، وَلَيْسَ بالعَنْبري - عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائب، عن مُحارِب بن ¬
دِثَار، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النبيِّ (ص) قال: تَوَضَّؤُوا مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ، وَلاَ تَوَضَّؤُوا مِنْ لُحُومِ الغَنَمِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: سمعتُ (¬1) أَبِي يَقُولُ: كُنْتُ أُنكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ؛ لتفرُّده، فوجدتُّ لَهُ أَصْلا: حدَّثنا ابْنُ المُصَفَّى (¬2) ، عَنْ بَقِيَّة (¬3) ؛ قَالَ: حدَّثني فلانٌ - سَمَّاه - عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائب، عَنْ مُحارِب، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عن النبيِّ (ص) ، بنحوه. قال (¬4) : وحدَّثني عُبَيدالله بْنُ سَعْدٍ الزُّهْري؛ قَالَ: حَدَّثَنِي (¬5) عَمِّي ¬
يَعْقُوبُ (¬1) ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ (¬2) ؛ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ السَّائب الثَّقَفي: أَنَّهُ سَمِعَ مُحارِبَ بْنَ دِثَار يذكُرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِنَحْوِ هَذَا، وَلَمْ يرفَعْه. قَالَ أَبِي: حديثُ ابْنِ إِسْحَاقَ أشبَهُ، موقوف (¬3) . 49 - وسألتُ (¬4) أَبِي عَنْ حديثٍ رواه داود ابن أَبِي هِنْدٍ (¬5) ، عَنْ أَبِي الزُّبَير (¬6) ، عن جابر: أنَّ (¬7) النبي (ص) قَالَ: غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّام ٍ؟ قَالَ أَبِي: هَذَا خطأٌ؛ إِنَّمَا هُوَ - عَلَى مَا رَوَاهُ الثِّقات -: عَنْ أَبِي (¬8) الزُّبَير (¬9) ، عَنْ طَاوُسٍ، عن أبي هريرة، موقوفً (¬10) . ¬
50 - وسألتُ (¬1) أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ حمَّاد بْنُ سَلَمة (¬2) ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاء، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْت، عَنْ عِرَاك بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: سمعتُ عائِشَةَ تَقُولُ: سَمِعَ النبيُّ (ص) قَوْمًا يَكْرهونَ استقبالَ القِبْلَة بالغائِط، فقال: حَوِّلُوا مَقْعَدَتِي (¬3) إِلَى القِبْلَةِ؟ قَالَ أَبِي: فَلَمْ أزَلْ أقفُو أَثَرَ هَذَا الْحَدِيثِ، حَتَّى كَتَبْتُ (¬4) بمصَر عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ بَكْرِ بْنِ مُضَر- أَوْ غَيْرِهِ - عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَر (¬5) ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عِراك بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُرْوَة، عَنْ عائِشَة، موقوفً (¬6) ؛ وهذا أشبَهُ (¬7) . ¬
51 - وسمعتُ (¬1) أَبِي ذَكَرَ حَدِيثًا رَوَاهُ عبدُالوارِث (¬2) ، عن عبد العزيز بْنِ صُهَيب، عَنْ أَنَسٍ: أنَّ النبيَّ (ص) كَانَتْ لَهُ خِرْقةٌ يَتَمَسَّحُ بِهَا. فقال: إني رأيتُ فِي بَعْضِ الرِّوايات: عَنْ عبد العزيز: أنه كان ¬
لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ خِرْقَةٌ (¬1) ... وَمَوْقُوفٌ (¬2) أشبَهُ، وَلا (¬3) يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مُسْنَدًا (¬4) . 52 - وسألتُ (¬5) أَبِي عَن حديثٍ رَوَاهُ زهير (¬6) ، عَن حُمَيد الطَّويل (¬7) ، عَنْ أَبِي رَجَاء (¬8) ، عَن عَمِّه أَبِي إدريس (¬9) ، عَن بلال، عَنِ النبيِّ (ص) ؛ فِي المسح عَلَى الخُفَّيْنِ والخِمَار؟ فَقَالَ أَبِي: هَذَا خطأٌ؛ إِنَّمَا هُوَ حُمَيد (¬10) ، عَنْ أَبِي رجاء مولى أَبِي قِلابة، عَنْ أَبِي قِلابة (¬11) ، عَنْ أَبِي إدريس، عَن بلال، عن النبيِّ (ص) . قلتُ لأَبِي: الخطأُ مِمَّن هُوَ؟ ¬
قَالَ: لا يُدرى (¬1) . 53 - وسألتُ (¬2) أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ وَجِيهٍ (¬3) ، عن ¬
مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أنَّ النبي (ص) قَالَ: تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ؛ فَاغْسِلُوا الشَّعَرَ وأَنْقُوا البَشَرَ؟ قَالَ أَبِي: هَذَا حديثٌ مُنكَرٌ، والحارثُ ضعيفُ الحديث (¬1) . ¬
54 - وسألتُ (¬1) أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ أَبُو عاصمٍ النَّبِيلُ (¬2) ، عَنِ الثَّوْري، عن عبد الله بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّب، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْري، عن النبيِّ (ص) قَالَ (¬3) : ألاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ يُكَفِّرُ الخَطَايَا، وَيَزِيدُ فِي الحَسَنَاتِ؟ ... ، وذكَرَ الحديثَ فِي إسباغ الوُضُوء فِي المَكَارِهِ، وكثرةِ الخُطا إِلَى المساجِد، وَفِيهِ: وَإِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ، فَاعْدِلُوا صُفُوفَكُمْ، وَسُدُّوا الفُرَجَ، وَإِذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، وَخَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ المُقَدَّمُ، وَفِيهِ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ! إِذَا سَجَدَ الرِّجَالُ (¬4) ، فَاحفَظُوا أبْصَارَكُمْ (¬5) ؟ ¬
قَالَ أَبِي: هَذَا وَهَمٌ؛ إِنَّمَا هُوَ: الثَّوْرِيُّ (¬1) ، عَنِ ابْنِ عَقيل (¬2) ، وليس لعبد الله بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَعْنَى؛ رَوَى هَذَا الحديثَ عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ: ¬
زُهَيْرٌ (¬1) ، وعُبَيْدُاللهِ بنُ عَمْرٍو (¬2) . 55 - وسألتُ أَبِي عَن حديثٍ رواه عبد الصَّمد بن عبد الوارث (¬3) ، عَن الهيثم بْن قَيس، عَنْ عبد الله بْنِ مُسْلِم بْن يسار، عَنْ أبيه، عن ¬
جَدِّه (¬1) ، عن النبيِّ (ص) : أَنَّهُ رخَّص للمُسافِر فِي المَسْحِ على الخُفَّين والعِمَامة، للمُقِيم ِ يومٌ وليلة، وللمُسافِرِ ثلاثةُ أيّام، وأنّه نَهى عَن الصَّرْفِ (¬2) ؟ قَالَ أَبِي: هذان (¬3) الحديثان مُنكَران؛ حدَّثنا بِهما قُرَّةُ بنُ حبيب (¬4) ، ولم يذكُرْ فِيهِ العِمَامَة، وَلَيْسَ لِيَسارٍ صُحْبة. 56 - وسألتُ (¬5) أَبِي عَن حديثٍ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ محمد بن عبد الرحمن، عَن الأعمَش، عَنْ يَحْيَى بْنِ الجَزَّار (¬6) ، عن علي؛ ¬
قَالَ: كنتُ رجلا مَذَّاءً، فاستَحْيَيْتُُ أنْ أسألَ رسولَ الله (ص) (¬1) ، فأمرتُ المِقْدَادَ بْن الأسود أن يسأل (¬2) النبيَّ (ص) ... ؟ قَالَ أَبِي: هَذَا خطأٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ (¬3) ؛ إِنَّمَا هُوَ: الأعمَش (¬4) ، عَن مُنْذِر الثوري (¬5) ، عَنِ ابْنِ الحنفيَّة (¬6) ، عَن عَليّ. قلتُ لأَبِي: مَن محمَّد بن عبد الرحمن هَذَا؟ قَالَ: لا أعرفُهُ، ولا أعرفُ أحدًا يُقالُ لَهُ: محمَّد بن (¬7) عبد الرحمن يحدِّثُ عَن الأعمش (¬8) ، ومحمدُ بنُ عبد الرحمن الكوفيُّ ¬
هُوَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، ولا أعلمُ ابنَ أَبِي لَيْلَى روى عَن الأعمش شَيْئًا (¬1) . 57 - وسألتُ (¬2) أَبِي عَن حديثٍ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاش (¬3) ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج (¬4) ، عَنْ عبد الله بْنِ أَبِي مُلَيْكَة (¬5) ، عَنْ عائِشَة، عن رسول الله (ص) قَالَ: إِذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ، أَوْ رَعَفَ، أَوْ قَلَسَ (¬6) ؛ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا صَلَّى، مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ؟ ¬
قَالَ أَبِي: هَذَا خطأٌ؛ إِنَّمَا يَرْوُونَهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْج، عَنْ أَبِيهِ (¬1) ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَة (¬2) ، عن النبيِّ (ص) مُرسَلاً (¬3) ؛ والحديثُ هذا (¬4) . ¬
58 - وسألتُ (¬1) أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ ابن أبي العِشْرين (¬2) ، عن ¬
الأوزاعيِّ (¬1) ، [عن عبدِالواحد] (¬2) بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عمر: أنَّ النبيَّ (ص) كَانَ إِذَا توضَّأ، عَرَكَ عارِضَيْهِ، وشَبَّكَ بَيْنَ لَحْيَيْهِ (¬3) ؟ قَالَ أَبِي: رَوَى هَذَا الحديثَ الوليدُ (¬4) ، عَنْ الأوزاعي، عن عبد الواحد، عَنْ يزيدَ الرَّقَاشِيِّ (¬5) وقتادةَ؛ قَالا: كان النبي (ص) ... وَهُوَ أشبَهُ. 59 - وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ ابْنُ لَهِيعة (¬6) ، عَنِ الحارث ¬
بن يزيد، عن عبد الله بْنِ زُرَيْر (¬1) ، عَنْ عليٍّ، عَنِ النبيِّ (ص) قَالَ: مَنْ وَجَدَ فِي بَطْنِهِ رِزًّا (¬2) وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ، فَلْيَنْصَرِفْ؟ قَالَ أَبِي: أَنَا أَرْضَى أنْ يكونَ هَذَا مِنْ كلامِ عليٍّ، مَوْقُوفٌ (¬3) ، وابنُ لَهِيعة قَدْ خلَّط فِي حَدِيثِهِ. فأمَّا فِي هَذَا الحديث: فقال مَرَّةً: حدَّثنا عبد الله بن هُبيرة (¬4) ، عن عبد الله بْنِ زُرَيْر (¬5) ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النبيِّ (ص) . ¬
وَقَالَ مَرَّةً: حدَّثنا الْحَارِثُ بْنُ يزيد (¬1) ، عن عبد الله بْنِ زُرََيْْر، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النبيِّ (ص) (¬2) . 60 - وسألتُ (¬3) أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ ابْنُ عُيينة (¬4) ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادَةَ، عَن حَسَّان بْن بلال، عَن عمَّار، عن النبيِّ (ص) ؛ في تخليل اللِّحْيَة؟ ¬