شرح طيبة النشر للنويري
مقدمات التحقيق
الجزء الأول
[مقدمات التحقيق]
[مقدمة المحقق]
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الذى أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرا، وجعله قيما لا عوج فيه مستقيما، ودعا إلى اتباعه، والسير على منهاجه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82].
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وعلم الأمة القرآن، وقال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:
فالقراءات من أجل العلوم قدرا، وأعلاها شرفا وذكرا، وأعظمها أجرا، وأسناها منقبة، إذ هى تتعلق بكتاب الله تعالى الذى لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 42]. وبعد:
لما دخل العجم فى الإسلام رأى جماعة من القراء أن يتجردوا للاعتناء بهذه القراءات وضبطها، حتى يستطيع العجمى قراءة القرآن قراءة صحيحة، وحتى لا تتأثر قراءة القرآن باللكنة العجمية، ومن ثم عنى المسلمون منذ مطلع القرن الثالث الهجرى حتى الآن بتدوين العلوم وجمع مسائلها وترتيب أبوابها، واتسعت دائرة اهتمامهم العلمى لتشمل إلى جانب العلوم الدينية العلوم العقلية وكان من بين هذه العلوم:
علم القراءات:
فالقراءات: جمع قراءة، وهى فى اللغة: مصدر سماعى ل «قرأ»، وفي الاصطلاح:
مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراء مخالفا به غيره فى النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات والطرق عنه، سواء أكانت هذه المخالفة فى نطق الحروف أم فى نطق هيئتها.
ونستطيع أن نقول: إن الدافع وراء اهتمام المسلمين بهذا العلم والتصنيف فيه خشية جماعة القراء من أن تتأثر قراءة القرآن باللكنة الأعجمية لا سيما بعد دخول الفرس فى الإسلام أفواجا، ومن ثم اهتم هؤلاء بضبط القراءات القرآنية وجعلوها علما كسائر العلوم.
وبرز فى علم القراءات رجال كثيرون، من أشهرهم:
1 - عبد الله بن عامر بدمشق، توفى 118 هـ.
2 - عبد الله بن كثير بمكة، توفى: 120 هـ.
3 - أبو بكر عاصم بن أبى النجود بالكوفة، توفى 128 هـ.
4 - حمزة بن حبيب الزيات بالكوفة، توفى 156 هـ.
5 - أبو عمرو بن العلاء المازنى بالبصرة، توفى: 164 هـ.
6 - نافع بن أبى نعيم بالمدينة، توفى 167 هـ وأخذ عنه أبو سعيد عثمان بن سعيد المصرى الملقب بورش، توفى 197 هـ.
7 - أبو الحسن على بن حمزة الكسائى بالكوفة، توفى 189 هـ.
وهؤلاء هم المعروفون بالقراء السبعة الذين فاقوا غيرهم فى الإتقان والضبط، ويليهم فى الشهرة:
8 - أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدنى، توفى 130 هـ.
9 - يعقوب بن إسحاق الحضرمى، توفى 205 هـ.
10 - خلف بن هشام البزار توفى 229 هـ.
وقراءات ما عدا هؤلاء العشرة قراءات شاذة.
والحق أن أول من تتبع وجوه القراءات، وتقصى أنواع الشاذ منها، وبحث أسانيدها وميز فيها الصحيح من الموضوع هارون بن موسى القارى، توفى 179 هـ. أما أول من صنف فى القراءات فهو أبو عبيد القاسم بن سلام، توفى 244 هـ.
وخليق بنا أن نسجل فى هذا المقام أبرز المصنفات فى علم القراءات:
منها:
احتجاج القراء فى القراءة- للشيخ شمس الدين محمد بن السرى المعروف بابن السراج النحوى المصرى المتوفى سنة (316 هـ) ست عشرة وثلاثمائة، وللشيخ ابن مقسم محمد ابن حسن بن يعقوب بن مقسم البغدادى النحوى المتوفى سنة (341 هـ) إحدى وأربعين وثلاثمائة وللإمام حسين بن محمد الراغب الأصفهانى.
* الاختيار فيما اعتبر من قراءات الأبرار- للشيخ جمال الدين حسين بن على الحصنى ألفه سنة (954 هـ) أربع وخمسين وتسعمائة.
* إرادة الطالب وإفادة الواهب- وهو فرش القصيدة المنجدة فى القراءات لسبط الخياط عبد الله بن على بن محمد المقرى المتوفى سنة 541 هـ.
* إرشاد المبتدى وتذكرة المنتهى- فى القراءات العشر، للشيخ أبى العز محمد ابن الحسين بن بندار القلانسى الواسطى المتوفى سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، ولأبى الطيب عبد المنعم بن محمد بن غلبون الحلبى المتوفى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة.
* الإشارة فى القراءات العشر- للشيخ أبى نصر منصور بن أحمد العراقى المتوفى سنة
465 هـ، كان من مشايخ القرن الرابع.
الإفصاح وغاية الإشراح فى القراءات السبع- للشيخ علم الدين على بن محمد السخاوى المقرى المتوفى سنة ثلاث وأربعين وستمائة.
* الإقناع فى القراءات السبع لأبى جعفر أحمد بن على بن باذش النحوى المتوفى 540 هـ.
* الإقناع فى القراءات الشاذة- لأبى على حسن بن على الأهوازى المتوفى سنة 466 هـ، وذكر الجعبرى أنه لأبى العز.
* الإيضاح فى الوقف والابتداء- للإمام أبى بكر محمد بن القاسم بن الأنبارى المتوفى سنة 328 هـ، قال الجعبرى: وفيه إغلاق من حيث إنه نحا نحو إضمار الكوفيين.
* إيضاح الرموز ومفتاح الكنوز- فى القراءات الأربعة عشر، لشمس الدين محمد ابن خليل بن القباقبى الحلبى المتوفى سنة 849 هـ وله نظمه.
* الإيضاح فى القراءات- لأبى على الحسن بن على الأهوازى المقرى المتوفى سنة ست وأربعين وأربعمائة، قيل هو الاتضاح- بالتاء- من الافتعال.
* البدور الزاهرة فى القراءات العشر المتواترة- لسراج الدين عمر بن قاسم الأنصارى المصرى الشهير بالنشار، وهو فى مجلد ذكر فيه أنه أورد كل مسألة فى محلها لتسهل مطالعته.
* البستان فى القراءات الثلاث عشرة- للشيخ سيف الدين أبى بكر عبد الله المعروف بابن الجندى المتوفى سنة (769 هـ) تسع وستين وسبعمائة.
التذكار فى القراءات العشر للشيخ أبى الفتح عبد الواحد بن حسين بن شيطا البغدادى المتوفى سنة (445 هـ) خمس وأربعين وأربعمائة ذكر فيه رواية جمع نحو مائة طريق.
* التلخيص فى القراءات- لأبى معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبرانى المتوفى 478 هـ ولأبى على حسن بن خلف القيروانى المتوفى 514 هـ.
* تلخيص العبرات في القراءات- للشيخ أبى على حسن بن خلف الهوارى نزيل الإسكندرية المتوفى بها سنة (514 هـ) أربع عشرة وخمسمائة.
* التيسير فى القراءات السبع- للإمام أبى عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان الدانى المتوفى سنة (444 هـ) أربع وأربعين وأربعمائة، وهو مختصر مشتمل على مذاهب القراء السبعة بالأمصار- وما اشتهر وانتشر من الروايات، والطرق عند التالين، وصح وثبت لدى الأئمة المتقدمين، فذكر عن كل واحد من القراء روايتين، وعليه شرح لأبى محمد عبد الواحد بن محمد الباهلى المتوفى سنة (750 هـ) خمسين وسبعمائة، وشرح آخر لعمر
ابن القاسم الأنصارى المشهور بالنشار سماه «البدر المنير»، ثم إن الإمام شمس الدين محمد بن محمد بن الجزرى الشافعى المتوفى سنة (833 هـ) ثلاث وثلاثين وثمانمائة أضاف إليه القراءات الثلاث فى كتاب وسماه «تحبير التيسير» ذكر أنه صنفه بعد ما فرغ من نظم «الطيبة»، وقال: لما كان «التيسير» من أصح كتب القراءات، وكان من أعظم أسباب شهرته دون باقى المختصرات نظمه الشاطبى فى قصيدته.
* حرز الأمانى ووجه التهانى فى القراءات السبع للسبع المثانى، وهى القصيدة المشهورة بالشاطبية للشيخ أبى محمد القاسم بن فيرة الشاطبى الضرير المتوفى بالقاهرة سنة (590 هـ) تسعين وخمسمائة نظم فيه «التيسير»، وأبياته ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتا أبدع فيه كل الإبداع فصار عمدة الفن، وله شروح كثيرة، أحسنها وأدقها شرح الشيخ برهان الدين إبراهيم بن عمر الجعبرى المتوفى سنة (732 هـ) اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وهو شرح مفيد مشهور سماه «كنز المعانى»، فرغ من تأليفه فى سلخ شعبان سنة (691 هـ) إحدى وتسعين وستمائة وعليه تعليقة لشمس الدين أحمد بن إسماعيل الكورانى مات سنة (893 هـ) ثلاث وتسعين وثمانمائة.
وحاشية للمولى شمس الدين محمد بن حمزة الفنارى المتوفى سنة (834 هـ) أربع وثلاثين وثمانمائة.
ومنها شرح علم الدين أبى الحسن على بن محمد السخاوى المصرى المتوفى سنة (643 هـ) ثلاث وأربعين وستمائة، وهو أول من شرحه وسماه «فتح الوصيد فى شرح القصيد».
وشرح الشيخ أبى شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقى المتوفى سنة (665 هـ) خمس وستين وستمائة سماه «إبراز المعانى من حرز الأمانى» وهو تأليف متوسط لا بأس به ثم اختصره.
وشرح الشيخ أبى عبد الله محمد بن أحمد المعروف ب «شعلة» الموصلى الحنبلى المتوفى سنة (656 هـ) ست وخمسين وستمائة، وسماه «كنز المعانى».
وشرح الشيخ الإمام علاء الدين على بن عثمان بن محمد المعروف بابن القاصح العذرى البغدادى المتوفى سنة (801 هـ) إحدى وثمانمائة، سماه «سراج القارى».
وشرح الشيخ المحقق أبى عبد الله محمد بن الحسن بن محمد الفاسى المقرى المتوفى سنة (672 هـ) اثنتين وسبعين وستمائة، وهو شرح وسط سماه: «اللآلى الفريدة»، وفرع منه فى صفر سنة (672 هـ) اثنتين وسبعين وستمائة.
وشرح الشيخ جمال الدين حسين بن على الحصنى وهو شرح كبير فى مجلدين سماه «الغاية» ألفه سنة (960 هـ) ستين وتسعمائة.
وشرح الشيخ أبى العباس أحمد بن محمد القسطلانى المصرى المتوفى سنة (923 هـ) ثلاث وعشرين وتسعمائة زاد فيه زيادات الجزرى مع فوائد كثيرة وسماه «فتح الدانى فى شرح حرز الأمانى».
وشرح أبى العباس أحمد بن على الأندلسى المتوفى تقريبا سنة (640 هـ) أربعين وستمائة وشرح تقى الدين عبد الرحمن بن أحمد الواسطى المتوفى سنة (781 هـ) إحدى وثمانين وسبعمائة.
وشرح الشيخ تقى الدين يعقوب بن بدران الدمشقى المعروف ب «الجرائدى المتوفى سنة (688 هـ) ثمان وثمانين وستمائة، اقتصر فيه على حل مشكلاته وسماه كشف الرموز».
وشرح العلامة شهاب الدين أحمد بن يوسف المعروف ب «السمين الحلبى» المتوفى سنة (756 هـ) ست وخمسين وسبعمائة، أوله: الحمد لله الذى تفضل على العباد فى المبدأ والمعاد ... إلخ، ذكر فيه أن الحرز المذكور أحسن ما وضع فى الفن، وأحسن شروحه شرحا الشيخين الفاسى وأبى شامة، غير أن كلا منهما أهمل ما عنى به الآخر مع إهمالهما أشياء مهمة، فشرحه بما يوفى المقصود، واجتهد فى بيان فك الرموز، وإعراب الأبيات، وجعل «الشين» علامة لأبى شامة، و «العين» لأبى عبد الله الفاسى وسماه «العقد النضيد فى شرح القصيد».
وشرح شهاب الدين أحمد بن محمد بن جبارة المقدسى المتوفى سنة (728 هـ) ثمان وعشرين، وسبعمائة وهو شرح كبير حشاه بالاحتمالات البعيدة.
وشرح محب الدين أبى عبد الله محمد بن محمود بن النجار البغدادى المتوفى سنة (643 هـ) ثلاث وأربعين وستمائة، وهو شرح كبير.
وشرح علاء الدين على بن أحمد المتوفى سنة (706 هـ) ست وسبعمائة.
وشرح شيخ مشايخ القراء بمصر أبى بكر بن أيدغدى بن عبد الله الشمسى الشهير ب «ابن الجندى» المتوفى سنة (769 هـ) تسع وستين وسبعمائة وسماه «الجوهر النضيد فى شرح القصيد» وهو شرح حافل، قال بن الجزرى: كان شرحه يتضمن إيضاح شرح الجعبرى.
وشرح أبى القاسم هبة الله بن عبد الرحيم البارزى المتوفى سنة (738 هـ) ثمان وثلاثين وسبعمائة.
وشرح يوسف بن أبى بكر المتوفى سنة (725 هـ) خمس وعشرين وسبعمائة وهو فى
مجلدين ضخمين.
وشرح علم الدين قاسم بن أحمد اللورقى الأندلسى المتوفى سنة (661 هـ) إحدى وستين وستمائة سماه «المفيد فى شرح القصيد».
وشرح منتخب الدين حسين بن أبى العز بن رشيد الهمدانى المتوفى سنة (643 هـ) ثلاث وأربعين وستمائة، وهو شرح كبير سماه «الدرة الفريدة فى شرح القصيدة».
وشرح الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطى المتوفى سنة (911 هـ) إحدى عشرة وتسعمائة.
وشرح الإمام بدر الدين حسن بن القاسم المعروف ب «ابن أم قاسم» المرادى المصرى المتوفى سنة (749 هـ) تسع وأربعين وسبعمائة.
وشرح الشيخ أبى عبد الله المغربى محمد بن الحسن بن محمد الفاسى النحوى المتوفى سنة (656 هـ) سماه «الفريدة البارزية فى حل القصيدة الشاطبية».
وشرح السيد عبد الله بن محمد الحسينى المتوفى سنة (776 هـ) ست وسبعين وسبعمائة.
ومن شروح حرز الأمانى: «الوجيز»، و «المحصى»، و «جامع الفوائد»، و «تبصرة المستفيد»، فيه نقول عن الجعبرى، وشرح منسوب إلى مصنف مصطلح الإشارات، وعلى الشاطبية نكت للشيخ برهان الدين إبراهيم بن موسى الكركى المقرى الشافعى المتوفى سنة (893 هـ) ثلاث وتسعين وثمانمائة.
وللشاطبية مختصرات:
منها: مختصر جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك النحوى المتوفى سنة (672 هـ) اثنتين وسبعين وستمائة سماه «حوز المعانى فى اختصار حرز الأمانى» وهو مختصر فى بحره وقافيته.
ومختصر عبد الصمد بن التبريزى المتوفى سنة (765 هـ) خمس وستين وسبعمائة، وهو فى خمسمائة وعشرين بيتا.
ومختصر مولانا بلال الرومى وهو قصيدة لامية يقال لها «البلالية».
ومختصر أمين الدين عبد الوهاب بن أحمد بن وهبان الدمشقى الحنفى المتوفى سنة (768 هـ) ثمان وستين وسبعمائة سماه «نظم در الجلا فى قراءة السبعة الملا» وهى دون الخمسمائة.
وللشاطبية تتمات، منها:
«التكملة المفيدة لحافظ القصيدة» نظم الإمام المقرى أبى الحسن على بن إبراهيم الكنانى القيجاطى المتوفى سنة (720 هـ) عشرين وسبعمائة، وهى قصيدة محكمة النظم فى وزنها ورويها فى مائة بيت نظم فيها ما زاد عليها من «التبصرة» و «الكفاية» و «الوجيز».
ومنها تكملة فى القراءات الثلاث للشيخ المقرى شهاب الدين أحمد بن محمد بن سعيد اليمنى الشرعبى، توفى سنة (839 هـ) زادها بين أبيات الشاطبية فى مواضعها بحيث امتزجت بها فصارا كأنهما لشخص واحد.
وتكملة لمحمد بن يعقوب بن إسماعيل الأسدي المقدسى الشافعى سماها «الدر النضيد فى زوائد القصيد»، ذكر فيه: أنه طالع ما زاد عليه من كتب القراءات السبع فوجد أشياء زائدة على ما فى «حرز الأمانى» فأوردها.
طيبة النشر فى القراءات العشر- منظومة للشيخ شمس الدين محمد بن محمد الجزرى، وهى ألفية أتمها بالروم فى شعبان سنة (799 هـ) تسع وتسعين وسبعمائة، وتوفى
سنة (833 هـ) ثلاث وثلاثين وثمانمائة.
وصنف أحمد ابنه شرحا لها، وشرحها الشيخ أبو القاسم محمد النويرى المالكى المتوفى سنة (857 هـ) سبع وخمسين وثمانمائة، وهو الذى نحن بصدد تحقيقه.
وشرحها الشيخ زين الدين عبد الدائم الأزهرى.
* عقد اللآلى فى القراءات السبع العوالى- منظومة كالشاطبية فى الأوزان والقافية، لأبى حيان محمد بن يوسف الأندلسى المتوفى سنة (745 هـ) خمس وأربعين وسبعمائة، لم يأت فيها برمز وزاد فيها على «التيسير» كثيرا.
* العنوان فى القراءة- لأبى طاهر إسماعيل بن خلف المقرى الأنصارى الأندلسى المتوفى سنة (455 هـ) خمس وخمسين وأربعمائة، قال بن خلكان: وهو عمدة فى هذا الشأن، ذكر فيه ما اختلف فيه القراء السبعة بإيجاز واختصار؛ ليقرب على المتحفظين دون الأغمار المبتدئين والغلمان، إذ جعل كتابه المترجم بالاكتفاء كافيا للمنتهى والمبتدى، وبسطه بسطا لا يشكل على ذى لب سوى، فجعل هذا المختصر كالعنوان له والترجمة، شرحه عبد الظاهر بن نشوان بن عبد الظاهر المقرى الجذامى المصرى الرومى المتوفى سنة (649 هـ) تسع وأربعين وستمائة، ذكر فيه أن شيخه أبا الجود غياث الدين بن فارس كان كثيرا ما يعول عليه، فشرحه لذلك، وأضاف إليه من القراءات المشهورة والروايات المأثورة، وعلل كل قراءة وذكر الأئمة ورواتهم.
* العين فى الفتح والإمالة بين اللفظين- لابن القاصح أبى البقاء على بن عثمان المقرى
المتوفى سنة (801 هـ) إحدى وثمانمائة، اختصره القاضى زين الدين زكريا بن محمد الأنصارى المتوفى سنة (926 هـ) ست وعشرين وتسعمائة.
* غاية الاختصار فى القراءات العشر لأئمة الأمصار- لأبى العلاء حسن بن أحمد العطار الهمذانى المتوفى سنة (569 هـ) تسع وستين وخمسمائة، اقتصر فيه على الأشهر من الطرق والروايات بشروط الأحرف السبعة، وجرده من الشاذة مطلقا، وقدم أبا جعفر على الكل، وقدم يعقوب على الكوفيين.
* الغاية فى القراءات العشر لأبى بكر بن مهران أحمد بن الحسين النيسابورى الدينورى المقرى المصرى المتوفى سنة (381 هـ) إحدى وثمانين وثلاثمائة، شرحه أبو المعالى الفضل بن طاهر بن سهل الحلبى المتوفى سنة (548 هـ).
* الغاية فى القراءات الإحدى عشرة- لأبى حاتم السجستانى، كذا قال أبو شامة.
* غاية الاختصار فى أصول قراءة أبى عمرو- منظومة فى ثلاثة وستين بيتا، للقاضى أمين الدين عبد الوهاب بن أحمد بن وهبان الدمشقى المتوفى سنة (768 هـ) ثمان وستين وسبعمائة.
* غاية المطلوب فى قراءة خلف، وأبى جعفر، ويعقوب- لابن عياش عبد الرحمن الدمشقى المكى، نظمها الشيخ زين الدين عبد الباسط بن أحمد المكى المتوفى سنة (853 هـ) ثلاث وخمسين وثمانمائة.
* غاية المطلوب فى قراءة يعقوب- نظم الشيخ أبى حيان محمد بن يوسف الأندلسى المتوفى سنة (745 هـ) خمس وأربعين وسبعمائة.
* الغاية فى القراءة على طريقة بن مهران- لأبى جعفر أحمد بن على المقرى المعروف بابن الباذش المتوفى سنة (540 هـ) أربعين وخمسمائة.
* غاية المهرة فى الزيادة على العشرة- منظومة للشيخ شمس الدين محمد بن محمد الجزرى المتوفى سنة (833 هـ) ثلاث وثلاثين وثمانمائة.
القاصد فى القراءة- لأبى القاسم عبد الرحمن بن حسن الخزرجى المتوفى سنة (446 هـ) ست وأربعين وأربعمائة.
* قراءة ابن محيصن- للشيخ الإمام أبى على الحسن بن محمد الأهوازى المتوفى سنة (446 هـ) ست وأربعين وأربعمائة.
* قراءة أبى عمرو- قصيدة للشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن وهبان أحمد ابن عبد الرحمن بن وهبان المعروف بابن أفضل الزمان، توفى بمكة سنة (585 هـ)،
شرحها الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن سعيد بن طاهر البجائى، وشرحها محمد ابن على المعروف بالمغربى، وسماه «النكت الفريدة».
القراءة الثلاثة فى الأئمة الثلاثة- قصيدة طويلة لمحمد العمرى العدوى نظمها فى بحر الحرز للشاطبى وقافيته على أنها تتمة، ثم شرحها وأتم الشرح فى ذى الحجة سنة (920 هـ) عشرين وتسعمائة.
* قراءة الحسن البصرى، ويعقوب- للأهوازى أيضا.
* القراءات السبع لابن مجاهد وهو أبو بكر أحمد بن محمد بن العباس بن مجاهد، وكتاب السبع، لأبى بكر محمد بن الحسن الموصلى المعروف بالنقاش.
وأول ما صنف من الكتب المعتبرة: كتاب القراءات، لأبى عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة (224 هـ) أربع وعشرين ومائتين، وجعلهم خمسة وعشرين قارئا مع السبعة.
ثم أحمد بن جبير بن محمد الكوفى نزيل أنطاكية المتوفى سنة (258 هـ) ثمان وخمسين ومائتين، جمع كتابا فى القراءات الخمس من كل مصر واحد.
والقاضى إسماعيل بن إسحاق المالكى صاحب قالون المتوفى سنة (282 هـ) اثنتين وثمانين ومائتين، ألف كتابا فى القراءات جمع فيه قراءات عشرين إماما، منهم السبعة.
ثم أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى، جمع كتابا حافلا سماه «الجامع»، فيه نيف وعشرون قراءة، وتوفى سنة (310 هـ) عشر وثلاثمائة، وبعده أبو بكر محمد بن أحمد الداجونى جمع كتابا فى القراءات، وأدخل معهم أبا جعفر، أحد العشرة، وتوفى سنة (324 هـ) أربع وعشرين وثلاثمائة ثم ابن مجاهد.
وصنف الأئمة المتقدمون فى إعراب حروف القرآن وشاذه ومعانيه وأسندوها حرفا حرفا إلى الصحابة والتابعين: كعباس بن الفضل، وابن سعدان، وأبى الربيع الزهرانى، ويحيى ابن آدم، ونصر بن على الجهضمى، وأبى هشام الرفاعى، وابن مجاهد وغيرهم.
* القراءات الشاذة- نظمها شمس الدين محمد بن محمد بن الجزرى المتوفى سنة (833 هـ) ثلاث وثلاثين وثمانمائة كالشاطبية، وأتمه فى رمضان سنة (797 هـ) سبع وتسعين وسبعمائة.
* القصيدة الطاهرية، فى القراءات العشر على روى الشاطبية، للشيخ الإمام العامل طاهر بن عربشاه الأصبهانى المتوفى سنة (786 هـ) ست وثمانين وسبعمائة.
* القطر المصرى فى قراءة أبى عمرو بن العلاء البصرى- للشيخ عمر بن قاسم ابن محمد بن على النشار.
* الكافى فى القراءات السبع- لأبى محمد إسماعيل بن أحمد السرخسى الهروى المتوفى سنة (414 هـ) أربع عشرة وأربعمائة، قال ابن الصلاح: رأيته وهو فى عدة مجلدات، وهو كتاب ممتع يشتمل على علم كثير فى مجلدات.
ولأبى عبد الله محمد بن شريح بن أحمد الرعينى الإشبيلى المتوفى سنة (476 هـ) ست وسبعين وأربعمائة.
* الكامل فى القراءات الخمسين- لأبى القاسم يوسف بن على بن عبادة الهذلى المغربى المتوفى سنة (465 هـ) خمس وستين وأربعمائة، وهو مشتمل على خمسين قراءة، قال: لقيت ثلاثمائة وخمسة وخمسين إماما من أرباب الاختيارات الذين بلغوا رتبتها، أى السبعة، والعشرة فذكر فيه العشرة ثم الخمسين، فإنه رجل سافر من المغرب إلى المشرق وطاف البلاد، وقرأ بغزنة وغيرها حتى انتهى إلى ما وراء النهر، ولقب كتابه «الكامل» وجمع فيه خمسين قراءة عن الأئمة من ألف وأربعمائة وتسعة وخمسين رواية وطريقا.
* كتاب القراءات- لأبى الحسن على بن عمر الدار قطنى المتوفى سنة (385 هـ) خمس وثمانين وثلاثمائة، جمع الأصول فى أبواب عقدها أول الكتاب، وصار القراء بعده يسلكون طريقته فى التأليف.
ولأبى حاتم سهل بن محمد السجستانى المتوفى سنة (248 هـ) ثمان وأربعين ومائتين ولأبى العباس أحمد بن يحيى ثعلب.
ولابن خالويه حسين بن عبد الله النحوى المتوفى سنة (370 هـ) سبعين وثلاثمائة.
ومن كتب القراءات: «كتاب القراءة»، للفضل بن العباس الأنصارى، ولأبى عبيد القاسم بن سلام، ولأبى معاذ الفضل بن خالد النحوى، ولمحمد بن يحيى القطيعى.
* كشف الأسرار عن قراءة الأئمة الأخيار- لأبى العباس أحمد بن إسماعيل الكورانى المتوفى سنة (893 هـ) ثلاث وتسعين وثمانمائة، وهو شرح على نظم الجزرى، وهو نظم فى غاية الإشكال يشتمل على قراءة ابن محيصن، والأعمش، والحسن البصرى وهو زيادة على العشر فرغ منه فى ربيع الأول سنة (89 هـ) تسعين وثمانمائة، وأبياته أربعة وخمسون.
* الكشف عن أحكام الهمزة فى الوقف لهشام وحمزة للشيخ جمال الدين حسين بن على الحصنى ألفه فى الروم سنة (963 هـ) ثلاث وستين وتسعمائة.
* الكشف فى نكت المعانى والإعراب، وعلل القراءات المروية عن الأئمة السبعة- مجلد للشيخ نور الدين أبى الحسن على بن الحسين بن على الباقولى المعروف بالجامع النحوى المتوفى سنة (543 هـ) ثلاث وأربعين وخمسمائة.
* الكفاية فى القراءة- للامام البغوى، وفى الست لسبط الخياط أبى محمد عبد الله بن على البغدادى المتوفى سنة (541 هـ) إحدى وأربعين وخمسمائة، وفى العشر نظم اسمه «تحفة البررة فى القراءات العشرة» للشيخ أبى محمد عبد الله بن عبد المؤمن بن الوجيه الواسطى المتوفى سنة (740 هـ) أربعين وسبعمائة على وزن الشاطبية ورويها.
* كفاية القارى- للشيخ برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعى المتوفى سنة (885 هـ) خمس وثمانين وثمانمائة فى رواية أبى عمرو.
* الكفاية المحررة فى نظم القراءات العشرة- لتقى الدين حسين بن على الحصنى جمع فيه الشاطبية، والدرة، وخالف الشاطبى فى بعض المواضع، ثم التمس منه بعض الطلاب أن يجعله نثرا لسهولة الأخذ فنثره وسماه «تحفة البررة» وفرغ فى ذى الحجة سنة (959 هـ) تسع وخمسين وتسعمائة.
* الكنز فى القراءات العشر- لأبى محمد عبد الله بن عبد المؤمن بن الوجيه الواسطى المتوفى سنة (740 هـ) أربعين وسبعمائة، جمع فيه بين الإرشاد للقلانسى، والتيسير للدانى، وزاده فوائد.
الكنز فى وقف حمزة وهشام على الهمزة، للشيخ أبى العباس أحمد بن محمد القسطلانى المصرى المتوفى سنة (923 هـ) ثلاث وعشرين وتسعمائة.
* اللامية فى القراءات- نظم أبى حيان محمد بن يوسف بن على الأندلسى النحوى المتوفى سنة (745 هـ) خمس وأربعين وسبعمائة عارض بها الشاطبية وحذف رموزها فأبرز الأسماء فى النظم.
* لذات السمع فى القراءات السبع- لأبى جعفر أحمد بن الحسن المالقى النحوى المتوفى سنة (728 هـ) ثمان وعشرين وسبعمائة.
* لطائف الإشارات فى فنون القراءات- للشيخ الإمام أبى العباس أحمد بن محمد بن أبى بكر القسطلانى المتوفى سنة (923 هـ) ثلاث وعشرين وتسعمائة وهو كتاب عظيم النفع لا يغادر صغيرة ولا كبيرة فى فنون القرآن إلا أحصاها.
* اللطائف فى جمع همز المصاحف- لابن مقسم محمد بن الحسن النحوى المتوفى سنة (355 هـ) خمس وخمسين وثلاثمائة.
* المبسوط فى القراءات السبع والمضبوط- فارسى للشريف محمد بن محمود بن محمد بن أحمد السمرقندى سبط الإمام ناصر الدين جعله على ثلاثة كتب، الأول: فى أصول القراءات، الثانى: فى تشجيرها المسمى كتاب التسخير على طرائق التشجير،
الثالث: فى أصول القراءات مجدولا.
* المبهج فى القراءات الثمان، وقراءة الأعمش، وابن محيصن واختيار خلف، واليزيدى- للشيخ أبى محمد عبد الله بن على بن أحمد المعروف بسبط الخياط البغدادى المتوفى سنة (541 هـ) إحدى وأربعين وخمسمائة.
* المبهرة فى القراءات العشرة- للشيخ أبى المكارم أحمد بن دلة المتوفى سنة (653 هـ) ثلاث وخمسين وستمائة، وله نظم أيضا فى القراءات العشرة المسمى بالجمهرة وهو من بحر الرجز.
* المجتبى فى القراءة- لأبى القاسم عبد الجبار بن أحمد بن عمر بن الحسين الطرطوسى توفى سنة (40 هـ) أربعين وأربعمائة.
* المحتسب فى إعراب الشواذ- لأبى الفتح عثمان بن جنى النحوى المتوفى سنة (392 هـ) اثنتين وتسعين وثلاثمائة.
* المحتوى فى القراءات الشواذ- لأبى عمرو الدانى المذكور فى «التيسير».
* المرشد فى الوقف والابتداء- للإمام الحافظ العمانى المتوفى فى حدود سنة (400 هـ).
* المستنير فى القراءات العشر البواهر- لأبى طاهر بن سوار أحمد بن على المقرى البغدادى المتوفى سنة (499 هـ) تسع وتسعين وأربعمائة، جمع الروايات المذكورة فيه عن الأئمة قال: وقد صنف أشياخنا كتبا فى اختلاف القراءات العشر عارية عن الآثار والسنن مما تدعو الحاجة إليها، وأحببت أن أجمع كتابا أذكر فيه ما قرأت به على شيوخى الذين أدركتهم من القراءات تلاوة دون ما سمعته، وأذكر فيه نبذة من السنن والآثار، وفضائل القرآن، والحث على حفظه، والإقراء، وتعلم العربية التى بها يتوصل إلى البحث على المعانى الدقيقة، وكل حرف قرأ به أحد الأئمة العشرة على ما أداه إلى خلفنا سلفهم المتصلة أسانيد قراءاتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
* المصباح الزاهر فى القراءات العشر البواهر- لأبى الكرم مبارك بن الحسن الشهرزورى المتوفى سنة (550 هـ) خمسين وخمسمائة ببغداد.
* مصباح الواقف على رسوم المصاحف- لجمال الدين أحمد بن محمد الواسطى المتوفى سنة (653 هـ).
* المفيد فى القراءات العشر- لأبى نصر أحمد بن مسرور البغدادى المتوفى سنة (442 هـ) اثنتين وأربعين وأربعمائة، وفى الثمانى لأبى عبد الله محمد بن إبراهيم الحضرمى اليمنى المتوفى فى حدود سنة (560 هـ) ستين وخمسمائة، وهو كتاب مفيد كاسمه اختصر
فيه كتاب «التلخيص» للطبرى وزاده فوائد.
* المنتهى فى القراءات العشر- لأبى الفضل محمد بن جعفر الخزاعى المتوفى سنة (408 هـ) ثمانية وأربعمائة، جمع فيه ما لم يجمع قبله.
* منشأ القراءات فى القراءات الثمانى- لفارس بن أحمد الحمصى المتوفى سنة (401 هـ) إحدى وأربعمائة.
* منظومة فى قراءة يعقوب- لمحمد بن محمد بن عرفة الورغمى التونسى المالكى المتوفى سنة (823 هـ) ثلاث وثمانمائة.
* منهاج التوقيف فى القراءة- للشيخ علم الدين على بن محمد بن عبد الصمد السخاوى الكبير.
* الموجز فى القراءات- لأبى محمد مكى بن أبى طالب القيسى المقرى توفى سنة (437 هـ)، وللأهوازى وهو أبو منصور سعيد بن أحمد بن عمرو الجزيرى.
* الموجز فى الوقف والابتداء- للإمام أبى عبد الله محمد السجاوندى، ذكره الجعبرى.
* الموضح فى العشر- لابن رضوان، ذكره الجعبرى فى «الشواذ».
* الموضح فى الفتح والإمالة- لأبى عمرو عثمان بن سعيد الدانى المقرى المتوفى سنة (444 هـ) أربع وأربعين وأربعمائة.
* الموضح فى القراءات العشر- لأبى منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون البغدادى الدباس المتوفى سنة (539 هـ) تسع وثلاثين وخمسمائة، وللإمام أبى عبد الله نصر بن على بن محمد الشيرازى أتمه سنة (562 هـ).
* المهذب فى القراءات العشرة- لأبى منصور الإمام الزاهد محمد بن أحمد بن على الخياط البغدادى المتوفى سنة (499 هـ) تسع وتسعين وأربعمائة.
* النجوم الزاهرة فى السبعة المتواترة- لأبى عبد الله محمد بن سليمان المقدسى الحكرى الشافعى المتوفى سنة (871 هـ) إحدى وثمانين وسبعمائة، فرغ من تأليفه سنة (756 هـ) ست وخمسين وسبعمائة.
* النشر فى القراءات العشر- للشيخ شمس الدين أبى الخير محمد بن محمد الجزرى المتوفى سنة (833 هـ) اختصره وسماه «التقريب»، وهو الجامع لجميع طرق العشرة لم يسبق إلى مثله، واختصره أيضا القاضى أبو الفضل محمد بن محمد بن الشحنة الحلبى المتوفى سنة (833 هـ) ثلاث وثلاثين وثمانمائة، واختصره الشيخ مصطفى بن عبد الرحمن
الإزميري المتوفى سنة (1155 هـ) خمس وخمسين ومائة وألف فى نحو النصف.
* نظم القراءات الثلاث الزائدة على السبع- للشيخ شهاب الدين أحمد بن حسين الرملى المقدسى المتوفى سنة (844 هـ) أربع وأربعين وثمانمائة، وله نظم القراءات الزائدة على العشرة.
* نهج الدماثة فى نظم القراءات الثلاثة- للشيخ الإمام برهان الدين إبراهيم بن عمر الجعبرى المتوفى سنة (732 هـ) اثنتين وثلاثين وسبعمائة قال: إنى نظمت القراءات الثلاث فى نهج عجيب لمن حفظ كتاب «حرز الأمانى» وأراد ضم الثلاثة إليه ليكمل العشرة إذ هى عند حذاق القراء داخلة فى الأحرف السبعة كما برهنت عليه فى كتابى
«النزهة»، ولما كان مكملا للحرز نظمته على بحره ورويه، ثم شرحه وسماه «خلاصة الأبحاث فى شرح نهج القراءات الثلاث».
* الموجز فى الوقف والابتداء- للإمام أبى عبد الله محمد السجاوندى، ذكره الجعبرى.
* الوجيز فى القراءات الثمانية- لأبى على الحسن بن على بن إبراهيم الأهوازى نزيل دمشق المتوفى سنة (446 هـ) ست وأربعين وأربعمائة.
* ورقات المهرة فى تتمة قراءات الأئمة العشرة- لشهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد المعروف بابن العياش القاري المتوفى سنة (628 هـ).
* الهادى إلى معرفة المقاطع والمبادى- فى رسم المصحف، وهو كتاب كبير مجلدات فى فضائل القرآن ووقوفه للشيخ أبى العلاء الحسن بن أحمد بن حسن بن العطار الهمذانى المتوفى سنة (569 هـ) تسع وستين وخمسمائة، وهو فى وقوف القرآن.
* الهادى فى القراءات السبع- لأبى عبد الله محمد بن سفيان القيروانى المكى المتوفى فى صفر سنة (415 هـ) خمس عشرة وأربعمائة.
* الهداية فى القراءة- لأبى العباس أحمد بن عمار المهدوى المتوفى بعد سنة (430 هـ) ثلاثين وأربعمائة.
* الهداية فى الوقف على «كلا» - لأبى محمد مكى بن أبى طالب القيسى المتوفى سنة (437 هـ) سبع وثلاثين وأربعمائة.
* هداية المهرة فى ذكر الأئمة العشرة المشتهرة- لشمس الدين محمد بن محمد الجزرى الشافعى المتوفى سنة (733 هـ) وغير ذلك من إسهامات علماء الأمة الإسلامية فى حفاظها على دستورها وهو القرآن الكريم تصديقا لقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9].
ترجمة الإمام النويرى صاحب الكتاب
ترجمة الإمام النويرى صاحب الكتاب
هو محمد بن محمد بن محمد بن على بن محمد بن إبراهيم بن عبد الخالق، المحب أبو القاسم بن الفاضل، الشمس النويرى، الميمونى، القاهرى، المالكى، يعرف بأبى القاسم النويرى (¬1).
ونويرة: قرية من صعيد مصر الأدنى وهى تتبع محافظة بنى سويف.
ولد- كما بخط والده- فى رجب سنة إحدى وثمانمائة بالميمون، قرية أقرب من النويرة إلى مصر.
وقدم القاهرة فحفظ القرآن، ومختصر ابن الحاجب، وألفية ابن مالك والشاطبيتين، وعرضها على حفيد ابن مرزوق التلمسانى، ومحمد بن محمد بن محمد بن يفتح الله، والولى العراقى، والعز بن جماعة، وأجازوه.
وتلا بالعشر على غير واحد أجلهم ابن الجزرى، لقيه بمكة فى رجب سنة ثمان وعشرين حين مجاورتهما، وأجاز له هو والزين بن عياش وغيرهما، ومن شيوخه فيها أيضا الزراتيتى.
ولازم البساطى فى الفقه وغيره من العلوم العقلية، وأذن له فى الإفتاء والتدريس، وأخذ العربية والفقه أيضا عن الشهاب الصنهاجى، والفقه فقط عن الجمال الأقفهسى، وحضر عند الزين عبادة مجلسا واحدا، والعربية وغيرها عن الشمس الشطنوفى، وأخذ عن الهروى فى قدمته الثانية.
وقرأ على شيخ الإسلام ابن حجر العسقلانى شرحه للنخبة وأذن له فى إفادتها، وكذا أخذ عنه فى شرح الألفية، وقرأ عليه الموطأ وغيره. وعلى الزين الزركشى صحيح مسلم، وعلى البدر حسين البوصيرى فى الدار قطنى، ولم يكثر من ذلك.
وناب فى القضاء عن شيخه البساطى ثم ترك، ولم يزل يدأب فى التحصيل حتى برع فى الفقه، والأصلين، والنحو، والصرف، والعروض، مع زيادات وشرحها فى نحو عشرين كراسا، وله أيضا مقدمة فى النحو لطيفة الحجم، ومنظومة سماها: الغياث فى القراءات الثلاث الزائدة على السبعة، وهى لأبى جعفر ويعقوب وخلف وشرحها، ونظم النزهة لابن الهائم فى أرجوزة نحو مائتى بيت وشرحها فى كراريس، وعمل قصيدة دون ثلاثين بيتا فى علم الفلك وشرحها، وله شرح طيبة النشر فى القراءات العشر لشيخه ابن الجزرى فى مجلدين وهو الذى نحن بصدده، والقول الجاذ لمن قرأ بالشاذ، وكراسة تكلم فيها على
¬
_
(¬1) تنظر ترجمته فى: الضوء اللامع (9/ 246)، الكتبخانه (4/ 76)، الإعلام (7/ 48).
قوله تعالى: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ [التوبة: 18]، وأخرى فيها أجوبة عن إشكالات معقولية ونحوها، وأخرى من نظمه فيها أشياء فقهية وغيرها وغير ذلك.
وحج مرارا وجاور فى بعضها، وأقام بغزة والقدس ودمشق وغيرها من البلاد، وانتفع به فى غالب هذه النواحى، مع أنه لو استقر بموطن واحد كان أبلغ فى الانتفاع به وكذا انتفعوا به فى الفتاوى.
وكان إماما عالما علامة متفننا فصيحا مفوها بحاثا ذكيّا، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، صحيح العقيدة شهما مترفعا على بنى الدنيا ونحوهم، مغلظا لهم فى القول، متواضعا مع الطلبة والفقراء، وربما يفرط فى ذلك وفى الانبساط معهم كبيرهم وصغيرهم، عالى الهمة باذلا جاهه مع من يقصده فى مهمة، ذا كرم بالمال والإطعام، يتكسب بالتجارة بنفسه وبغيره مستغنيا بذلك عن وظائف الفقهاء؛ ولذا قيل: إنه عرض عليه قضاء المقدس فامتنع، بل قيل:
إنه طلب لقضاء مصر فأبى، ولكن قيل أيضا إنه ولى قضاء الشام فلم يتم، قال السخاوى فى «الضوء اللامع»: وحكى لى البدر السعدى قاضى الحنابلة أنه بينما هو عنده فى درسه إذ حضر إليه الشرف الأنصارى بمربعة بمرتب العينى فى الجوالى بعد موته، وهو فى كل يوم دينار، فردها وقال: إن جقمق يروم يستعبدنى فى موافقته بهذا
المرتب، أو كما قال.
وابتنى بالخانقاه السرياقوسية مدرسة ووقف عليها ما كان فى حوزته من أملاك وجعل فائضها لأولاده.
وكان ابن حجر شيخ الإسلام العسقلانى كثير الإجلال والتبجيل له معتمدا عليه فى مذهبه.
قال السخاوى: سمعت العز قاضى الحنابلة يقول: إنه لم يخلف بعده فى مجموعه مثله، وقد اجتمعت به مرارا بالقاهرة ومكة وسمعت من فوائده وعلقت من نظمه أشياء ومن ذلك قوله:
وأفضل خلق الله بعد نبينا ... عتيق ففاروق فعثمان مع على
وسعد سعيد وابن عوف وطلحة ... عبيدة منهم والزبير فتم لى
كذا قال: عبيدة، وإنما هو أبو عبيدة.
وكانت فيه حدة مفرطة واستحالة فى أحواله وطرقه.
مات بمكة فى ضحى يوم الاثنين رابع جمادى الأولى سنة سبع وخمسين، وصلى عليه بعد العصر عند باب الكعبة، ونودى عليه من أعلى قبة زمزم ودفن بالمعلاة بمقبرة بنى النويرى، وكانت جنازته حافلة، رحمه الله وإيانا.
وصف النسخ
وصف النسخ
نسخ الكتاب كالآتى:
النسخة الأولى: تقع فى أربعمائة وأربع وستين ورقة، وتبلغ مسطرة كل ورقة ثلاثة وعشرين سطرا، نسخها الشيخ عبد الله العجلونى القلينى الشافعى- رحمه الله تعالى- وقد اعتنى فيها رحمه الله بالدقة التامة والخط الجميل، فجاءت من أدق النسخ وأجملها خطّا. ويرجع زمن نسخها إلى عام ألف ومائة وعشرة من الهجرة، كما أشار إلى ذلك ناسخها- رحمه الله- فقال فى خاتمتها: «وكان الفراغ من هذه النسخة الشريفة صبيحة الأحد تاسع شهر المحرم سنة 1110 هـ».
وهذه النسخة محفوظة تحت رقم (179 قراءات) بدار الكتب المصرية، وقد رمزنا لها بالرمز «د».
النسخة الثانية: تقع فى مائتين وأربع وعشرين ورقة، وتبلغ مسطرة كل ورقة ثلاثة وثلاثين سطرا، وهى من أقدم النسخ، حيث يرجع زمن نسخها إلى سنة ثمانمائة وأربع وثلاثين من الهجرة، أى: أنها قد نسخت فى حياة النويرى نفسه- رحمه الله تعالى- وقد ظهرت عليها آثار القدم من أكل الأرضة وخلافه. وهى نسخة كثيرة التعليقات والحواشى.
وهذه النسخة محفوظة تحت رقم (26610 قراءات) بمكتبة الأزهر الشريف، وقد رمزنا لها بالرمز «ز».
النسخة الثالثة: تقع فى ثلاثمائة وخمسين ورقة، ويبلغ عدد مسطرتها ثلاثة وعشرين سطرا، ويرجع زمن نسخها إلى عام ألف ومائتين وخمسة وتسعين من الهجرة، وناسخها يدعى مصطفى العشماوى، وقد نسخها- رحمه الله- بخط جميل، وهى نسخة كثيرة التعليقات كسابقتها.
وهذه النسخة محفوظة تحت رقم (32838 قراءات) بمكتبة الأزهر الشريف، وقد رمزنا لها بالرمز «ص».
النسخة الرابعة: تقع فى ثلاثمائة وست وثلاثين ورقة، ويبلغ عدد مسطرتها خمسة وعشرين سطرا، ويرجع زمن نسخها إلى عام ألف ومائتين وست وأربعين من الهجرة، وناسخها يدعى محمد بن محمد بن إبراهيم الشافعى.
وهى محفوظة تحت رقم (16194 قراءات) بمكتبة الأزهر الشريف، وقد رمزنا لها بالرمز «م».
النسخة الخامسة: المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (222 قراءات طلعت)،
مسطرة كل صفحة ثلاثة وثلاثين سطرا.
النسخة السادسة: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، منها نسخة بدار الكتب المصرية (53064) مسطرة كل صفحة ثلاثة وثلاثين سطرا.
وبجوار هذه النسخ الخطية قد اعتمدنا أيضا على نسخة مطبوعة، بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف تحت إشراف لجنة إحياء التراث الإسلامى، وقد قام المشرفون على إخراجها بجهد مشكور واعتنوا بها عناية كبيرة، فجزاهم الله أحسن الجزاء، وبالرغم من ذلك وقع فى هذه النسخة الكثير من التصحيفات والتحريفات، التى أضفت على النص فى كثير من الأحيان غير قليل من الغموض، وغير ذلك من الهنات التى عملنا على تلافيها فى تحقيقنا لهذا السفر الجليل.
منهج التحقيق على النحو التالى:
- إثبات فروق النسخ وإثبات ما كان صوابا فى النص وقد أغفلت كثيرا الفروق التى لا فائدة منها.
- ضبط النص وسد ما فيه من خلل.
- تخريج الأحاديث النبوية.
- تخريج الآثار وعزوها إلى مظانها.
- توثيق الأقوال والنقول الواردة فى الكتاب.
- تراجم الأعلام الواردة فى الكتاب مع توثيق الترجمة بمصدرين أو ثلاثة.
- عمل فهارس للكتاب.
مقدمة المؤلف
بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدمة [المؤلف]
«اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا» (¬1).
الحمد لله الذى شرح صدورنا لطيبة نشر كتابه، وحفظنا بحفظ أمانيه عن الأوهام فى مشكل خطابه (¬2)، وأنعم علينا بتلاوته، ونسأله (¬3) أن يظلنا بظل جنابه ويؤهلنا للوصول إلى دار ثوابه (¬4). ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من اعتمد عليه والتجأ (¬5) به، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل: «إنّ القرآن يشفع يوم القيامة فى أصحابه» (¬6) فصلى (¬7) الله وسلم عليه وعلى آله وصحابته، الذين حازوا قصب السبق فى تجويده وإتقانه وأحكامه وأسبابه، ورضى الله تعالى عن أئمة القرآن ومتقنيه وطلابه، خصوصا [القراء] (¬8) العشرة الذين جرّد كل منهم نفسه للفحص (¬9) عن خبايا زوايا أبوابه، ورتله كما أنزل، وسار من الغير أدرى به، ورحم (¬10) الله المشايخ الذين أسهروا (¬11) ليلهم فى جمع حروفه
¬
_
(¬1) ورد هذا عن أنس بن مالك مرفوعا- أخرجه ابن حبان (2427 - موارد) وابن السنى فى عمل اليوم والليلة (353) وذكره السخاوى فى المقاصد الحسنة (176) والعجلونى فى كشف الخفا (1/ 216) وقال: رواه ابن حبان والبيهقى والحاكم والديلمى وابن السنى والعدنى عن أنس رفعه وكذا رواه القعنبى عن حماد بن سلمة لكنه لم يذكر أنسا ولفظه «وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا» ولا يؤثر فى وصله وكذا رواه الضياء فى المختارة وصححه غيره.
(¬2) فى ز: كلامه.
(¬3) فى م: وأسأله.
(¬4) فى ز، م، ص: إلى داره وأبوابه.
(¬5) فى ز: فالتجأ.
(¬6) فى د، ص: لأصحابه. والحديث أخرجه مسلم (1/ 553) كتاب صلاة المسافرين باب فضل قراءة القرآن (252/ 804) وأحمد (5/ 249، 257، 254) والطبرانى فى الكبير (8/ 138 - 139) (7542، 7543، 7544) والبيهقى فى السنن الكبرى (2/ 395) من طريق أبى سلام قال حدثنى أبو أمامة الباهلى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«اقرءوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعا لأصحابه ... » فذكره مطولا.
وأخرجه عبد الرزاق فى المصنف (3/ 365 - 366) (5991) وأحمد (5/ 251) والطبرانى فى الكبير (8/ 349 - 350) (8118) من طريق أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«تعلموا القرآن فإنه شافع يوم القيامة ... » فذكره مطولا.
وأخرجه ابن عدى فى الكامل (4/ 97) من طريق الضحاك بن نبراس عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة عن أبى هريرة مرفوعا:
«تعلموا القرآن فإنه يشفع لأصحابه يوم القيامة ... » فذكره قلت: ذكر ابن عدى هذا الحديث فى ترجمة الضحاك بن نبراس ونقل عن يحيى بن معين قوله: ليس بشيء، وعن النسائى متروك الحديث ولم يتكلم عن إسناده.
(¬7) فى م، ص، د: صلى.
(¬8) سقط فى م.
(¬9) فى د: ليفحص.
(¬10) فى ز: رحم.
(¬11) فى ص: سهروا.
ورواياته وطرقه وأوجهه ومفرداته وتركيباته (¬1)، وجمع بيننا وبينهم فى عليين فى دار إحسانه مع أحبابه، وكذلك من نظر فى هذا الكتاب ودعا لمؤلفه بحسن الخاتمة والرضا به.
أما بعد: (¬2) فيقول العبد الفقير، المعترف بالعجز والتقصير، الملتجئ إلى جناب ربه السامع للنجوى، المنكسر خاطره لقلة العمل والتقوى، الراجى عفو ربه الممجد (¬3)، محمد ابن محمد [بن محمد] (¬4) العقيلى نسبا والنويرى شهرة (¬5)، والمالكى مذهبا: [إنه] (¬6) لما كان يوم الاثنين ثامن عشر شهر رجب (¬7) [الفرد] (¬8) سنة ثمان وعشرين وثمانمائة منّ الله تعالى علىّ بالرحلة إلى مكة المشرفة- زادها الله تشريفا وتكريما- والمجاورة بها (¬9)، فاجتمعت (¬10) هناك بإمام (¬11) الزمان وفاكهة الأوان، وملحق الأصاغر بالأكابر، والمسوّى بين الأسافل وأرباب المنابر، حافظ (¬12) وقته، ومتقن عصره، [و] (¬13) الحبر الصالح، والخلّ الناصح [الأستاذ] (¬14) محمد
بن محمد بن محمد الجزرى، أطال الله فى مدته، وأسكنه بحبوحة جنته، فقرأت (¬15) عليه جزءا من القرآن بمقتضى كتبه الثلاثة (¬16):
[وهى] (¬17) «النشر» و «التقريب» و «الطيبة»، وأجازنى بما بقى منه.
ثم بعد ذلك رحلت إلى المدينة المحروسة- صرف الله عنها نوائب الزمان، وحرسها من طوارق (¬18) الحدثان- لزيارة سيد ولد عدنان، عليه أفضل الصلاة [وأكمل] (¬19) السلام.
فلما قضيت منها الوطر عزمت (¬20) إذ ذاك على السفر، قاصدا [زيارة] (¬21) خليل الله
¬
_
(¬1) فى م: ومركباته.
(¬2) فى ز، ص: وبعد.
(¬3) فى م: المجيد.
(¬4) سقط فى ص.
(¬5) فى ص: النويرى شهرة، العقيلى نسبا.
(¬6) زيادة من م.
(¬7) فى د: وهو الثامن عشر من شهر رجب.
(¬8) زيادة من ص.
(¬9) زاد فى ص: وفى هذا اليوم أو قريبا من هذا الشهر سنة إحدى وثمانمائة كان مولدى بالميمونة، وفى د: وفى هذا اليوم أو قريب منه فى هذا الشهر من سنة إحدى وثمانمائة كان مولدى بالميمونة.
(¬10) فى م: اجتمعت، وفى ص: واجتمعت.
(¬11) فى د: بمقرئ.
(¬12) فى م: وأحفظ.
(¬13) سقط فى م، ص، د.
(¬14) زيادة من م.
(¬15) فى د: وقرأت.
(¬16) فى م: الثلاث.
(¬17) زيادة من ص، د.
(¬18) فى ص: من طرائق.
(¬19) زيادة من ص، د.
(¬20) فى د: وعزمت.
(¬21) زيادة من ص.
المكرم، وبيت المقدس [المشرف] (¬1) المعظم، وما حوله (¬2) من البقاع؛ لما اشتهر من بركتها وذاع، فاجتمع بى هناك جماعة من الحذاق (¬3)، قد حازوا من علم القراءات (¬4) قصب السباق (¬5): فشمروا إذ ذاك عن ساق (¬6) الجد والتحصيل، وجدوا جد اللبيب النبيل، فصرفت معهم (¬7) من الزمان شطرا، إلى الفحص عن دقائقه، فكشف الله [لهم] (¬8) عن بعضها [لى] (¬9) سترا، فالتمسوا منى أن أشرح [لهم] (¬10) كتاب «طيبة النشر فى القراءات العشر» للإمام العلامة (¬11) شمس الدين [ابن] [الجزرى] (¬12) المذكور؛ لأنهم بمقتضاها [قد] (¬13) قرءوا وعلى فهمها ما اجترءوا (¬14)، وإن (¬15) تركت هى وسبيلها لم يقدروا على تحصيلها، واجتمعوا علىّ من كل فج، وادّعوا أنه تعيّن كالحج، فالتفتّ إليه فوجدته بكرا لا يستطاع، ولا يتعلق بذيله (¬16) الأطماع، جامعا لفروع (¬17) هذا الفن وقواعده، حاويا لنكت مسائله وفوائده، مائلا عن غاية (¬18) الإطناب إلى نهاية الإيجاز، لائحا عليه مخايل السحر ودلائل الإعجاز، بحيث إنه (¬19) من شدة الإيجاز كاد يعد (¬20) من الألغاز [وهو ما قيل] (¬21).
ففي كلّ لفظ منه روض من المنى وفى كلّ سطر (¬22) منه عقد من الدّرّ فأجبتهم بأن العاقل من عمل لما (¬23) بعد الموت، وجدّ فيما ينفعه عند الله قبل الفوت، فالزمان (¬24) عن هذا المطلب قصير، والاشتغال به [غير] (¬25) يسير، والأعمال لغير (¬26) وجه الله قد صارت مسنونة (¬27)، والصدور من داء الحسد غير مصونة، وبأن هذا خطب (¬28)
¬
_
(¬1) سقط فى م.
(¬2) فى م: وما حواه.
(¬3) فى م: فاجتمعت بمدينة غزة، وفى ص، د: فاجتمعت فى مدينة غزة بجماعة.
(¬4) فى م: فى القراءة، وفى ص، د: من علم القراءة.
(¬5) فى م: السبق.
(¬6) فى م: ساعد.
(¬7) فى د: عنهم.
(¬8) زيادة من ص، د.
(¬9) زيادة من م.
(¬10) سقط فى د.
(¬11) فى ص: الإمام العالم.
(¬12) سقط فى ص.
(¬13) زيادة من م.
(¬14) فى م: أجبروا.
(¬15) فى م: وإذا.
(¬16) فى م: بذكره، وفى د: بذيل.
(¬17) فى ز: لأصول.
(¬18) فى د: عيبة.
(¬19) فى م: أنها.
(¬20) فى م: كانت تعد.
(¬21) فى د، ز، ص: شعر.
(¬22) فى د: شطر، وفى م: نظم.
(¬23) فى د: إلى ما.
(¬24) فى ز، ص، د: والزمان.
(¬25) سقط فى م.
(¬26) فى ز: بغير.
(¬27) فى ز، د: مشوبة، فى ع: مشئونة.
(¬28) فى م: الخطب.
عسير علىّ، وأمر عظيم لدىّ؛ لأنى لم أسبق بمن نسج (¬1) على هذا المنوال، ولا أزال (¬2) عنه ما هو أمثال الجبال، وبأن البضاعة قليلة، والأذهان كليلة، وبأن هذا الزمان قد عطّلت فيه مشاهد هذا العلم ومعاهده، وسدّت مصادره (¬3) وموارده، وخلت (¬4) دياره ومراسمه، وعفت أطلاله ومعالمه؛ حتى أشرفت (¬5) شموس الفضل على الأفول، واستوطن الأفاضل (¬6) زوايا الخمول، يتلهفون من اندراس أطلال العلوم والقضايا، ويتأسفون من انعكاس أحوال الأذكياء والأفاضل، فأعرضوا عن هذا الكلام صفحا، وتكاثروا وألحوا (¬7) على لحّا، فأخليت (¬8) لها مجلسا أفردتها فيه النظر، ورميت بنفسى فى هذا الخطر، فإذا هى غريبة فى منزعها النبيل، بديعة إذا تأملها أولو التحصيل، ثم رمتها فما امتنعت، وكلفتها وضع القناع فوضعت، فتتبعتها لزوال الإشكال، ورضتها (¬9) فذلّت أىّ إذلال، فربّ خبيء (¬10) لديها أظهرته فبرز بعد كمونه، وأسير [من] (¬11) المعانى فى [يديها] (¬12) فككت عنه قيود الرمز فصار طليقا لحينه، مع كونى غريبا فى هذا الطريق، فريدا ليس لى فيه [من] (¬13) رفيق، لم يمش قبلى أحد عليه (¬14) فأستدل (¬15) بأثره، ولم أشارك وقت (¬16) الشروع عارفا أسأل منه عن (¬17) خبره، وربما كان ترد (¬18) على حال فأترك هذا النداء (¬19) وأشتغل (¬20) بذكر أو غيره مما وضح فيه الهدى، فألهم الرجوع [إليه] (¬21) لكشف (¬22) القناع، فأرجع مرغوم الأنف والمؤمن رجّاع، ولولا تطاول أعناق الإخوان إليه وطلبه (¬23) منهم التعطف عليه لما تفوهت (¬24) يوما بأخباره، ولا ساعدتهم على إشهاره (¬25)، فإن كان ما وضعته (¬26) صوابا فمن فضل ربى الناصر، وإن كان (¬27) خطأ فمن فهمى [الفاتر] (¬28)
¬
_
(¬1) فى د: بناسج.
(¬2) فى ص: ولا زال.
(¬3) فى م، د: وهدمت مصادره، وفى ص: وسدت مصائده.
(¬4) فى ص: وجلت.
(¬5) فى ز: أشفقت.
(¬6) فى ز، ص، د: الفاضل.
(¬7) فى د، ص، م: ولحوا.
(¬8) فى د: فأطلت.
(¬9) فى د: وروضتها.
(¬10) فى م: جنى، فى ص: خفى.
(¬11) سقط فى د.
(¬12) سقط فى ص.
(¬13) سقط فى ص.
(¬14) فى ص: أحد قبلى عليه، وفى ز، م: قبلى أحد.
(¬15) فى ز: أستدل.
(¬16) فى م: قبل.
(¬17) فى د: على.
(¬18) فى م، ص: يرد.
(¬19) فى م، ص: أبدأ.
(¬20) فى د: أو أشتغل.
(¬21) سقط فى د.
(¬22) فى م: كشف.
(¬23) فى د: وطلبته.
(¬24) فى د: توهمته.
(¬25) فى د: اشتهاره.
(¬26) فى د: فإن كل ما كان وضعته، وفى ز: فإن كان ما وضعت.
(¬27) فى ص، د: وما كان.
(¬28) سقط فى د.
القاصر، وإن كان [هذا] (¬1) الزمان قد راجت فيه بضاعة هذا التصنيف (¬2) فقد انقرض العلم وجاء التحريف، ولكن أوجب هذا موت العلماء الأخيار وقوله صلى الله عليه وسلم: «من تعلّم علما وكتمه من النّاس ألجمه الله بلجام من نار» (¬3).
وسؤالى لكل من وقف [عليه] (¬4) ورأى [فيه] (¬5) ما يعاب أن ينظر بعين الرضا
¬
_
(¬1) سقط فى ز.
(¬2) فى م: التأليف.
(¬3) أخرجه أحمد (2/ 263، 305، 344، 353، 499، 508) والطيالسى (2534) وأبو داود (2/ 345) كتاب العلم باب كراهية منع العلم (3658) والترمذى (4/ 387) كتاب العلم باب ما جاء فى كتمان العلم (2649) وابن ماجة (1/ 240) فى المقدمة باب من سئل عن علم فكتمه (261) وابن حبان (95) والطبرانى فى الصغير (160، 315، 452) وفى الأوسط (2311، 2346، 3553) والحاكم (1/ 101) والخطيب فى تاريخه (2/ 268) وابن عبد البر فى التمهيد (1/ 4، 5) وابن الجوزى فى العلل (1/ 102) من طريق عطاء بن أبى رباح عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من سئل عن علم علمه ثم كتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار».
وأخرجه ابن ماجة (264) من طريق يوسف بن إبراهيم عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» وذكره البوصيرى فى الزوائد (1/ 117) وقال:
هذا إسناد ضعيف فيه يوسف بن إبراهيم قال ابن حبان: روى عن أنس ما ليس من حديثه لا تحل الرواية عنه، وقال البخارى: صاحب غرائب. انتهى.
وأخرجه ابن الجوزى فى العلل المتناهية (1/ 101) من ثلاث طرق ضعفها جميعا.
وأخرجه ابن حبان (96) والحاكم (1/ 102) والخطيب فى تاريخه (5/ 38 - 39) وابن الجوزى فى العلل المتناهية (1/ 99) من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الله بن عياش عن أبيه عن أبى عبد الرحمن الحبلى عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة».
قال الحاكم: هذا إسناد صحيح من حديث المصريين على شرط الشيخين وليس له علة. ووافقه الذهبى على تصحيحه.
قلت: ولا يلتفت إلى قول ابن الجوزى: أن فى إسناده عبد الله بن وهب الفسوى قال ابن حبان دجال يضع الحديث لأن عبد الله بن وهب المذكور فى هذا الإسناد وهو القرشى وليس الفسوى كما قال، والقرشى ثقة حافظ، والحديث صحيح على شرط الشيخين كما مر.
وأخرجه ابن ماجة (265) وابن الجوزى فى العلل المتناهية (1/ 99 - 100) من طريق محمد ابن داب عن صفوان بن سليم عن عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كتم علما مما ينفع الله به فى أمر الناس، أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من النار».
وذكره البوصيرى فى الزوائد (1/ 118) وقال: هذا إسناد ضعيف فيه محمد بن داب كذبه أبو زرعة وغيره ونسب إلى وضع الحديث.
والحديث له طريق آخر عند ابن الجوزى ولكن فى إسناده يحيى بن العلاء قال أحمد عنه: كذاب يضع الحديث.
وفى الباب عن غير ما ذكرت: عبد الله بن مسعود وابن عباس وابن عمر وجابر وعمرو بن عبسة وطلق بن على.
انظرها جميعا فى العلل المتناهية لابن الجوزى (1/ 96 - 107).
(¬4) سقط فى د.
(¬5) زيادة من ص، د.
والصواب، قاصدا للجزاء والثواب، فما كان من نقص كمّله، أو (¬1) من خطأ أصلحه، فقلما يخلو (¬2) مصنف من (¬3) الهفوات، أو ينجو مؤلف من العثرات، [وكان ابتدائى فى هذا التعليق فى سنة ثلاثين وثمانمائة، والفراغ فى شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين] (¬4).
وهذه مقدمة ذكرها مهم قبل الخوض فى النظم، وهى مرتبة على عشرة فصول (¬5):
الفصل الأول: فى ذكر شىء من أحوال الناظم- أثابه الله تعالى- ومولده ووفاته.
الفصل الثانى: فيما يتعلق بطالب العلم فى نفسه ومع شيخه.
الفصل الثالث: فى حد القراءات (¬6) والمقرئ والقارئ.
الفصل الرابع: فى شرط المقرئ (¬7) وما يجب عليه.
الفصل الخامس: فيما ينبغى للمقرئ أن يفعله (¬8).
الفصل السادس: فى قدر ما يسمع وما ينتهى إليه سماعه.
الفصل السابع: فيما يقرأ به المقرئ من قراءة وإجازة.
الفصل الثامن: فى الإقراء والقراءة فى الطريق.
الفصل التاسع: فى حكم [أخذ] (¬9) الأجرة على الإقراء وقبول هدية القارئ.
الفصل العاشر: فى أمور تتعلق بالقصيدة (¬10) من عروض وإعراب وغيرهما.
¬
_
(¬1) فى ز، ص، م: و.
(¬2) فى د، ز، ص: يخلص.
(¬3) فى م، د: عن.
(¬4) زيادة من ص.
(¬5) فى ص: قواعد وفصول.
(¬6) فى م: القراءة.
(¬7) فى م: فى شروط القارئ.
(¬8) فى م: أن يقوله.
(¬9) زيادة من ز.
(¬10) فى ز، م، ص: بالقصد.
الفصل الأول فى ذكر شىء من أحوال الناظم
الفصل الأول فى ذكر شىء من أحوال الناظم (¬1)
هو [الشيخ] (¬2) [الفاضل] (¬3) [العالم] (¬4) [العامل] (¬5) العلامة أبو الخير محمد شمس الدين بن محمد بن محمد بن محمد بن على بن يوسف بن الجزرى- نسبة (¬6) إلى جزيرة ابن عمر ببلاد ديار بكر (¬7) بالقرب من (¬8) الموصل- الشافعى الدمشقى، ولد بها سنة إحدى وخمسين وسبعمائة.
سمع الحديث من [الشيخ الصالح العلامة: صلاح الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الله المقدسى الحنبلى، ومن الشيخ أبى حفص عمر بن مزيد بن أميلة المراغى (¬9)، ومن المحب ابن عبد الله، كل عن الفخر بن البخارى] (¬10) وغيرهم.
واعتنى [بعلوم القراءات والحديث] (¬11) فأتقنها وبهر فيها [حتى برع فيها ومهر، وفاق غالب أهل عصره، وتفقه على الشيخ عماد الدين بن كثير، وهو أول من أذن له فى الفنون والتدريس. وولى مشيخة الصالحية ببيت المقدس مدة] (¬12)، وقدم القاهرة مرارا
¬
_
(¬1) فى د: المصنف وفى ص: الناظم المصنف أثابه الله تعالى، وفى م: الناظم ومولده.
(¬2) زيادة من ص.
(¬3) زيادة من م.
(¬4) سقط فى م.
(¬5) سقط فى ص.
(¬6) فى ز: نسبته.
(¬7) فى م: بديار بكر، وفى ص: بالعراق ببلاد بكر.
(¬8) فى ز: قرب، وفى م: تقرب من.
(¬9) قال ابن الجزرى: هو عمر بن الحسن بن مزيد بن أميلة بن جمعة أبو حفص المراغى الأصل الحلبى المحتد الدمشقى المزى المولد رحلة زمانه فى علو الإسناد، ولد فيما كان يخبرنا به فى شعبان سنة ثمانين وستمائة ثم وجدنا حضوره فى صفر منها فعلمنا أنه قبل سنة ثمانين بيقين، قرأت عليه كثيرا من كتب القراءات بإجازته من شيخيه ابن البخارى والفاروثى من ذلك كتاب الإرشاد وكتاب الكفاية لأبى العز القلانسى بإجازته منهما وكذلك كتاب الغاية لابن مهران وقرأت عليه كتاب السبعة لابن مجاهد عن ابن البخارى عن الكندى وكتاب المصباح لأبى الكرم عن ابن البخارى عن شيوخه عن المؤلف سماعا وتلاوة وأخبرنا أنه قرأ الفاتحة على الفاروثى فقرأناها عليه، وكان خيرا دينا ثقة صالحا انفرد بأكثر مسموعاته وتوفى فى يوم الاثنين ثامن ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وسبعمائة ودفن بالمزة ظاهر دمشق. ينظر غاية النهاية فى طبقات القراء (1/ 590).
(¬10) فى ز: أصحاب الفخر. وهو أبو الحسن على بن أحمد بن عبد الواحد المقدسى فخر الدين ويعرف بابن البخارى (596 - 690 هـ) كان فقيها. من آثاره أسنى المقاصد وأعذب الموارد فى تراجم شيوخه. ينظر كشف الظنون (90، 1696) وهدية العارفين (1/ 714) ومعجم المؤلفين (7/ 19).
(¬11) فى ز: بالقراءات، وفى د: واشتغل بعلوم القرآن والحديث.
(¬12) زيادة من ص، د، وفى م: حتى برع فى ذلك ومهر وفاق غالب أهل عصره. وهو إسماعيل بن كثير ابن ضوء بن كثير بن ذرع القرشى البصروى الدمشقى. ولد سنة إحدى وسبعمائة صاهر الحافظ أبا الحجاج المزى توفى سنة أربع وستين وسبعمائة ينظر قاضى شهبة (3/ 85) (638).
وسمع من المسندين (¬1) بها وبنى بدمشق دارا للقرآن (¬2)، وعين لقضاء الشافعية [بدمشق] (¬3) فقيل: فلم يتم (¬4) له ذلك.
ثم ارتحل إلى بلاد الروم سنة سبع وتسعين واستمر بها إلى أن طرق تمرلنك تلك البلاد سنة أربع وثمانمائة، فانتقل (¬5) إلى بلاد فارس وتولى بها قضاء شيراز وغيرها، وانتفع [به] (¬6) أهل تلك الناحية فى الحديث والقرآن (¬7).
وحج سنة ثلاث وعشرين، [ثم قدم] (¬8) القاهرة سنة سبع وعشرين، وحج منها (¬9)، ثم حج سنة ثمان [وعشرين وثمانمائة] أيضا بعد أن حدّث بالقاهرة، وهو ممتّع بسمعه وبصره وعقله ينظم الشعر [ويرد على كل ذى خطأ خطأه] (¬10)، ثم رجع إلى القاهرة فى أول سنة تسع، ثم سافر (¬11) إلى شيراز فى ربيع (¬12) الآخر منها.
وسمع أيضا الحديث من الإسنوى (¬13) وابن عساكر وابن أبى عمر (¬14).
وله مصنفات [بديعة] (¬15) كثيرة منها فى علم القراءات (¬16): «النشر» و «التقريب» و «الطيبة»، ثلاثتها (¬17) فى القراءات العشر (¬18)، و «الدرة [المضية] (¬19) فى القراءات الثلاث» [و «التحبير على التيسير» زاد فيه القراءات الثلاثة عليه وميزه بالحمرة فيه بقوله: قلت، فى أول كل لفظة فيها فلان وفى آخرها، والله أعلم. وله «الوقف والابتداء» و «التمهيد فى علم
¬
_
(¬1) فى م: المحدثين.
(¬2) فى م: للقراءة.
(¬3) سقط فى ز.
(¬4) فى ص: فقيل فلم يتم له بذلك، وقيل مكث قاضيها يومين، وفى د: قاضيا.
(¬5) فى ز، م: وانتقل.
(¬6) سقط فى م، ز.
(¬7) فى م: فى القرآن والحديث.
(¬8) فى م: وقدم.
(¬9) فى د: فيها.
(¬10) فى ز: ويبحث.
(¬11) فى ص، ز: وسافر.
(¬12) فى ز، ص، د: لربيع.
(¬13) هو عبد الرحيم بن الحسن بن على بن عمر الإمام جمال الدين أبو محمد القرشى الأموى الإسنوى المصرى ولد بإسنا فى رجب سنة أربع وسبعمائة، أخذ الفقه عن الزنكلونى والسنباطى والسبكى وغيرهم وأخذ النحو عن أبى حيان وقرأ عليه التسهيل وتصدى للأشغال والتصنيف، وصار أحد مشايخ القاهرة المشار إليهم، وقال ابن الملقن: شيخ الشافعية، ومفتيهم، ومصنفهم، ومدرسهم، ذو الفنون: الأصول والفقه والعربية وغير ذلك. توفى فجأة فى جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة. ينظر طبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (3/ 98) والدرر الكامنة (2/ 354) وشذرات الذهب (6/ 224).
(¬14) فى م: وابن أبى عمرو، وفى د: وابن أبى عمرة.
(¬15) سقط فى ز.
(¬16) فى د، ز: القرآن.
(¬17) فى م: ثلاثها.
(¬18) فى م، د: العشرة.
(¬19) زيادة من ز.
التجويد» وكتاب فى مخارج الحروف] (¬1)، [وله] (¬2) كتاب [فى] (¬3) أسماء رجال القراءات، وكتاب «منجد المقرئين»، ومقدمة منظومة فى التجويد [وله كتاب فى علم الرسم، وكتاب فى طبقات القراء] (¬4)، وله أيضا [فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم] (¬5) «الحصن الحصين»، و «عدة الحصن»، و «المسند الأحمد (¬6) على مسند أحمد»، و «الأولوية (¬7) فى الأحاديث الأولية»، [وله أيضا] (¬8) «أسنى المطالب فى مناقب على بن أبى طالب»، [وله أيضا تكملة على تاريخ الشيخ عماد الدين بن كثير وهو من حين وفاته إلى قبيل الثمانمائة، وكتاب «الكاشف فى أسماء الرجال الكتب الستة» وله كتاب فى فقه الشافعى رحمه الله تعالى سماه ب «المختار» بقدر «وجيز الغزالى»، ذكر فيه المفتى به عندهم، وله ثلاث موالد ما بين نثر ونظم ألفها بمكة، وله كتاب فى الطب على حروف المعجم وله فى أسماء شيوخه معجمات، وله فى غالب العلوم مؤلفات مثل التصوف وغيره] (¬9) وله فى النظم قصائد كثيرة، [منها قصيدة خمسمائة بيت على بحر الرجز فى اصطلاح الحديث كافية للطالب، ومقدمة منظومة فى النحو نافعة وقصيدة رائية يمتدح بها النبى صلى الله عليه وسلم] (¬10) أولها:
لطيبة بتّ طول اللّيل أسرى ... لعلّ بها يكون فكاك أسرى
ومن أبيات هذه القصيدة (¬11):
إلهى سوّد الوجه الخطايا ... وبيّضت السّنون سواد شعرى
وما بعد النّقا إلا المصلّى ... وما بعد المصلّى غير قبرى
وأنشد (¬12) [بعضهم يمدحه ويشير إلى مصنفاته الثلاثة الأول] (¬13):
¬
_
(¬1) زيادة من ص، د، وفى ز: والوقف والابتداء.
(¬2) زيادة من م.
(¬3) زيادة من ص، د.
(¬4) سقط فى ز.
(¬5) سقط فى ز.
(¬6) فى ص: وجنة الحصن الحصين، ومسند أحمد، وفى م: والسند لأحمد.
(¬7) فى د: والأولية.
(¬8) زيادة من ص، د.
(¬9) سقط فى ز.
(¬10) سقط فى ز وفيها: قصيدة نبوية.
(¬11) فى م، د: ومنها.
(¬12) وفى م، ص، د: ومنها ما أنشده عند ما قرئ عليه الحديث المسلسل بالأولية مضمنا له:
تجنب الظلم عن كل الخلائق فى ... كل الأمور فيا ويل الذى ظلما
وارحم بقلبك خلق الله وارعهمو ... فإنما رحم الرحمن من رحما
ومن شعره رحمه الله ما أنشده عند ما ختم عليه شمائل النبى صلى الله عليه وسلم للترمذى قوله:
أخلاى إن شط الحبيب ذريعة ... وعز تلاقيه وناءت مطالبه
وفاتكمو أن تبصروه بعينكم ... فما فاتكم بالسمع يغنى شمائله
ومن نظمه رحمه الله فى مدينة النبى صلى الله عليه وسلم:
-[36]-
مدينة خير الخلق تحلو لناظرى ... ولا تعذلونى إن فنيت بها عشقا
وقد قيل فى زرق العيون شآمة ... وعندى أن اليمن فى عينها الزرقا
ومن نظمه رحمه الله فيما يتعلق بمكة:
أخلاى إن رمتم زيارة مكة ... ووافيتموا من بعد حج بعمرة
فعوجوا على جعرانة واسألن لى ... وأوفوا بعهدى لا تكونوا كالتى
ولما قدم مصر امتدحه شعراؤها وكذلك فى كثير من البلاد التى كان رحمه الله تعالى يحل بها.
(¬13) زيادة من ز.
أيا شمس علم بالقراءات أشرقت ... وحقّك قد منّ الإله على مصر
وها هى بالتّقريب منك تضوّعت ... (¬1) عبيرا وأضحت (¬2) وهى طيّبة النّشر
[وتوفى- رحمه الله تعالى- بشيراز فى شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة أحسن الله عاقبته.
واعلم أنى لم أضع هذه الترجمة إلا بعد موته رحمه الله، وبعد أن كان هذا التعليق فى حياته، رحمه الله وأسكنه بحبوحة جنته، وختم لنا أجمعين بخير] (¬3).
¬
_
(¬1) تضوّع الريح الطيبة، أى نفحتها، وفى الحديث «جاء العباس فجلس على الباب وهو يتضوع من رسول الله صلى الله عليه وسلم رائحة لم يجد مثلها. وتضوع الريح: تفرقها وانتشارها وسطوعها؛ قال الشاعر:
إذا التفتت نحوى تضوع ريحها ... نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل
وضاع المسك وتضوع وتضيع أى تحرك فانتشرت رائحته؛ قال عبد الله بن نمير الثقفى:
تضوع مسكا بطن نعمان أن مشت ... به زينب فى نسوة عطرات
ويروى: خفرات.
ومن العرب من يستعمل التضوع فى الرائحة المصنّة. وحكى ابن الأعرابى: تضوع النتن؛ وأنشد:
يتضوعن لو تضمخن بالمسك ... صماحا كأنه ريح مرق
والصماح: الريح المنتن، المرق: صوف العجاف والمرضى، وقال الأزهرى: هو الإهاب الذى عطن فأنتن. ينظر لسان العرب (4/ 2620).
(¬2) فى م، د: فأضحت.
(¬3) سقط فى ز.
الفصل الثانى [فيما يتعلق بطالب العلم فى نفسه ومع شيخه]
الفصل الثانى [فيما يتعلق بطالب العلم فى نفسه ومع شيخه] (¬1)
ينبغى لطالب العلم أن يلزم مع شيخه (¬2) الوقار والتأدب والتعظيم، فقد قالوا: بقدر إجلال الطالب العالم ينتفع (¬3) الطالب بما يستفيد من علمه (¬4).
وإن ناظره (¬5) فى علم فبالسكينة والوقار وترك (¬6) الاستعلاء (¬7).
وينبغى أن يعتقد أهليته ورجحانه، فهو أقرب إلى انتفاعه به، ورسوخ ما يسمعه منه فى ذهنه (¬8)، وقد قالت الصوفية (¬9): من لم ير خطأ شيخه خيرا من صواب نفسه لم ينتفع (¬10) به.
وقد كان بعضهم إذا ذهب إلى [شيخه] (¬11) تصدق بشيء، وقال: اللهم استر عيب معلّمى عنى، ولا تذهب بركة علمه منى.
وقال الشافعى (¬12) - رحمه الله تعالى-: كنت أتصفح الورقة بين يدى مالك (¬13) -
¬
_
(¬1) سقط فى ز.
(¬2) فى ز: شيوخه.
(¬3) فى م: يستفيد من علمه أى ينتفع.
(¬4) فى م: من ذلك.
(¬5) أى ناقشه فى مسألة ما، وليس المقصود بها البحث والمناظرة.
(¬6) فى ص، د: الاتضاع.
(¬7) فلا ينبغى لطالب العلم أن يتكبر على المعلم بوجه من الوجوه بل يتملق له ويتواضع بمخالفته للنفس والهوى فى ذلك.
(¬8) ولذا فليكن المتعلم لمعلمه أى بين يديه كالريشة الملقاة فى الفلاة تقلبها الرياح كيف شاءت أو كأرض ميتة جدبة نالت مطرا غزيرا فشربته بجميع أجزائها وعروقها وانقادت بالكلية لقبوله وهذا يستدعى فراغ ذهنه عما يخالفه.
(¬9) فى ص، د: السادة الصوفية.
(¬10) قال الغزالى فى الإحياء وشرحه (1/ 316): وليدع رأيه وإن كان صوابا فإن خطأ مرشده على الفرض والتقدير أنفع له من صوابه فى نفسه بحسب الظاهر.
(¬11) سقط فى د.
(¬12) هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد المطلبى، أبو عبد الله، الشافعى الإمام العلم، عن: مالك وإبراهيم بن سعد وابن عيينة ومحمد بن على ابن شافع وخلق، وعنه: أبو بكر الحميدى وأحمد بن حنبل والبويطى وأبو ثور وحرملة وطائفة، حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، والموطأ وهو ابن عشر سنين، قال الربيع: كان الشافعى يختم القرآن ستين مرة فى صلاة رمضان، وقال ابن مهدى: كان الشافعى شابا ملهما. وقال أحمد: ستة أدعو لهم سحرا أحدهم الشافعى. وقال: إن الشافعى للناس كالشمس للعالم. وقال أبو عبيد: ما رأيت أعقل من الشافعى.
وقال قتيبة: الشافعى إمام ولد سنة خمسين ومائة وتوفى فى آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين، رضى الله عنه.
ينظر: تهذيب التهذيب (9/ 25)، والخلاصة (2/ 377 - 378)، وسير أعلام النبلاء (10/ 5).
(¬13) هو مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحى، أبو عبد الله المدنى، أحد
رحمه الله تعالى- تصفحا رقيقا؛ هيبة له لئلا يسمع وقعها (¬1).
وقال الربيع (¬2): والله ما اجترأت أن أشرب الماء و [الإمام] (¬3) الشافعى ينظر إلى هيبة له.
وعن الإمام على بن أبى طالب (¬4) - رضى الله عنه-: من حق المتعلم أن يسلم على المعلم (¬5) خاصة، ويخصه بالتحية، وأن يجلس أمامه، ولا يشيرنّ عنده بيده، ولا يغمزنّ بعينه غيره، ولا يقولن له: قال فلان خلاف قولك، ولا يغتابن (¬6) عنده أحدا (¬7)، ولا يسارر فى [مجلسه] (¬8)، ولا يأخذ بثوبه، ولا يلح عليه إذا كسل، ولا يشبع من [طول] (¬9)
¬
_
أعلام الإسلام، وإمام دار الهجرة.
عن نافع والمقبرى ونعيم بن عبد الله وابن المنكدر ومحمد بن يحيى بن حبان وإسحاق ابن عبد الله بن أبى طلحة وأيوب وزيد بن أسلم وخلق. وعنه من شيوخه: الزهرى ويحيى الأنصارى.
قال الشافعى: مالك حجة الله تعالى على خلقه. قال ابن مهدى: ما رأيت أحدا أتم عقلا ولا أشد تقوى من مالك. وقال ابن المدينى: له نحو ألف حديث قال البخارى: أصح الأسانيد: مالك عن نافع عن ابن عمر. ولد مالك سنة ثلاث وتسعين، وحمل به ثلاث سنين. وتوفى سنة تسع وسبعين ومائة، ودفن بالبقيع.
ينظر: تهذيب التهذيب (10/ 5)، والجرح والتعديل (1/ 11)، وسير أعلام النبلاء (8/ 48).
(¬1) فى ص: رفعها.
(¬2) هو الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادى، مولاهم أبو محمد المصرى المؤذن. صاحب الشافعى وخادمه، وراوية كتبه الجديدة. قال الشيخ أبو إسحاق: وهو الذى يروى كتب الشافعى، قال الشافعى: الربيع راويتى. قال الذهبى: كان الربيع أعرف من المزنى بالحديث، وكان المزنى أعرف بالفقه منه بكثير، حتى كأن هذا لا يعرف إلا الحديث وهذا لا يعرف إلا الفقه. ولد سنة ثلاث أو أربع وسبعين ومائة، وتوفى فى شوال سنة سبعة ومائتين، وقد قال الشافعى فيه: إنه أحفظ أصحابى. ينظر طبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (1/ 65) ووفيات الأعيان (2/ 52) وشذرات الذهب (2/ 159).
(¬3) سقط فى: د.
(¬4) هو على بن أبى طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، الهاشمى، أبو الحسن، ابن عم النبى صلى الله عليه وسلم وختنه على بنته، أمير المؤمنين، يكنى أبا تراب، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهى أول هاشمية ولدت هاشميّا. له خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثا، اتفق البخارى ومسلم على عشرين، وانفرد البخارى بتسعة، ومسلم بخمسة عشر، شهد بدرا والمشاهد كلها. روى عنه أولاده الحسن والحسين ومحمد وفاطمة وعمر وابن عباس والأحنف وأمم. قال أبو جعفر: كان شديد الأدمة ربعة إلى القصر، وهو أول من أسلم من الصبيان؛ جمعا بين الأقوال. قال له النبى صلى الله عليه وسلم: «أنت منى بمنزلة هارون من موسى»، وفضائله كثيرة. استشهد ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت أو خلت من رمضان سنة أربعين، وهو حينئذ أفضل من على وجه الأرض.
ينظر: تهذيب التهذيب (7/ 334) (565)، وتاريخ بغداد (1/ 133).
(¬5) فى د: العالم.
(¬6) فى م: ولا يغتاب.
(¬7) أى فى مجلسه سواء كان الخطاب له، أو لغيره ممن فى مجلسه لا تصريحا ولا تعريضا.
(¬8) سقط فى م.
(¬9) سقط فى م.
صحبته.
وقال بعضهم: كنت عند شريك (¬1) - رحمه الله تعالى- فأتاه بعض أولاد المهدى (¬2)، فاستند إلى الحائط وسأله عن حديث، فلم يلتفت إليه وأقبل (¬3) إلينا، ثم عاد، فعاد بمثل (¬4) ذلك، فقال: أتستخف بأولاد الخلفاء؟ قال: [لا] (¬5)، ولكن العلم أجلّ عند الله أن أضعه (¬6). فجثا على ركبتيه، فقال شريك: هكذا يطلب العلم.
قالوا: من آداب المتعلم أن يتحرى رضا المعلّم وإن خالف (¬7) رضا نفسه، ولا يفشى له سرّا، وأن يرد غيبته إذا سمعها، فإن عجز فارق ذلك المجلس، وألا يدخل عليه بغير إذن، وإن دخل جماعة قدموا (¬8) أفضلهم وأسنّهم، وأن يدخل كامل الهيئة، فارغ القلب من الشواغل، متطهرا متنظفا بسواك وقصّ (¬9) شارب وظفر، وإزالة كريه رائحة، ويسلم على الحاضرين كلهم بصوت يسمعهم إسماعا محققا، ويخص الشيخ بزيادة إكرام، وكذلك يسلم إذا انصرف، ففي الحديث الأمر بذلك (¬10).
¬
_
(¬1) هو شريك بن عبد الله بن أبى شريك النخعى أبو عبد الله الكوفى قاضيها وقاضى الأهواز عن زياد ابن علاقة وزبيد وسلمة بن كهيل وسماك وخلق. وعنه هشيم وعباد بن العوام وابن المبارك، وعلى ابن حجر ولوين وأمم قال أحمد: هو فى أبى إسحاق أثبت من زهير. وقال ابن معين: ثقة يغلط.
وقال العجلى: ثقة. قال يعقوب بن سفيان: ثقة سيئ الحفظ. قال الخطيب: حدث عنه أبان بن تغلب وعباد الرواجنى وبين وفاتيهما أكثر من مائة سنة. قال أحمد: مات سنة سبع وسبعين ومائة. له فى الجامع فرد حديث. ينظر خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (1/ 448).
(¬2) هو محمد بن عبد الله المنصور بن محمد بن على العباسى، أبو عبد الله، المهدى بالله: من خلفاء الدولة العباسية فى العراق.
ولد بإيذج من كور الأهواز وولى بعد وفاة أبيه وبعهد منه سنة 158 هـ وأقام فى الخلافة عشر سنين وشهرا، ومات فى ما سبذان سنة 169 هـ، صريعا عن دابته فى الصيد، وقيل مسموما. كان محمود العهد والسيرة، محببا إلى الرعية، حسن الخلق والخلق، جوادا، يقال: إنه أجاز شاعرا بخمسين ألف دينار؟ وكان يجلس للمظالم ويقول: أدخلوا على القضاة فلو لم يكن ردى للمظالم إلا حياء منهم لكفى. وهو أول من مشى بين يديه بالسيوف المصلتة والقسى والنشاب والعمد، وأول من لعب بالصوالجة فى الإسلام. وهو الذى بنى جامع الرصافة، وتربته بها، وانمحى أثر الجامع والتربة بعد ذلك. ينظر الأعلام (6/ 221) وفوات الوفيات (2/ 225) ودول الإسلام للذهبى (1/ 86).
(¬3) فى د: فأقبل.
(¬4) فى م، د: مثل.
(¬5) سقط فى ص.
(¬6) فى م: أضيعه.
(¬7) فى د: يخالف.
(¬8) فى م: قدم.
(¬9) فى م: وقصر.
(¬10) قد أشار النووى فى مقدمة المجموع إلى أن هناك من ينكر الأمر بذلك، إلا أنه قال: «ولا التفات إلى من أنكره» وأشار- رحمه الله- إلى أنه قد أوضح هذه المسألة فى كتاب الأذكار. ينظر: المجموع (1/ 67).
ولا يتخطى رقاب الناس، ويجلس حيث انتهى (¬1) به المجلس، إلا أن يصرح له الشيخ والحاضرون بالتقدم (¬2) والتخطى، أو يعلم من حالهم إيثار ذلك، ولا يقيم (¬3) أحدا من مجلسه، فإن آثره غيره بمجلسه لم يأخذه إلا أن يكون فى ذلك مصلحة للحاضرين؛ بأن يقرب [من الشيخ] (¬4) ويذاكره فينتفع الحاضرون بذلك (¬5)، ولا يجلس وسط الحلقة إلا لضرورة، ولا بين صاحبين إلا برضاهما، وإذا فسح له قعد وضم نفسه، ويحرص (¬6) على القرب من الشيخ ليفهم كلامه فهما كاملا بلا مشقة، وهذا بشرط ألا يرتفع فى المجلس على أفضل منه، ويتأدب مع رفيقه وحاضرى المجلس؛ فإن التأدب معهم تأدب مع الشيخ (¬7) واحترام لمجلسه.
ويقعد قعدة المتعلمين لا قعدة المعلّمين؛ وذلك بأن (¬8) يجثو على ركبتيه كالمتشهد، غير أنه لا يضع يديه على فخذيه، وليحذر من جعل يده اليسرى خلف ظهره معتمدا عليها؛ ففي الحديث: «إنّها قعدة المغضوب عليهم» رواه أبو داود فى سننه (¬9)، ولا يرفع صوته رفعا بليغا، ولا يكثر الكلام، ولا يلتفت بلا حاجة، بل يقبل على (¬10) الشيخ مصغيا له (¬11) فقد جاء: «حدّث النّاس ما رمقوك (¬12) بأبصارهم» أو نحوه.
ولا يسبقه إلى شرح مسألة أو جواب سؤال، إلا إن علم (¬13) من حال الشيخ إيثار ذلك ليستدل به على فضيلة المتعلم، ولا يقرأ عند اشتغال قلب الشيخ، ولا يسأله عن شىء فى غير موضعه، إلا إن علم من حاله أنه لا يكرهه، ولا يلح فى السؤال إلحاحا مضجرا، وإذا مشى معه كان عن يمين الشيخ، ولا يسأله فى الطريق، وإذا وصل الشيخ إلى منزله فلا يقف قبالة بابه؛ كراهة (¬14) أن يصادف خروج من يكره الشيخ اطلاعه عليه، وليغتنم (¬15) سؤاله
¬
_
(¬1) فى م: ينتهى.
(¬2) فى م: بالتقديم.
(¬3) فى ز: يقم.
(¬4) سقط من م.
(¬5) فى م: بها.
(¬6) فى ص، د، ز: يحترص.
(¬7) فى د، ز، ص: للشيخ.
(¬8) فى م، ز: وذلك أن.
(¬9) أخرجه أحمد (4/ 388) وأبو داود (2/ 679) كتاب الأدب باب فى الجلسة المكروهة (4848) وابن حبان (1956 - موارد) والطبرانى فى الكبير (7/ 378) (7242، 7243) والحاكم (4/ 269) من طريق ابن جريج عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبيه الشريد بن سويد قال: مر بى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا وقد وضعت يدى اليسرى خلف ظهرى واتكأت على ألية يدى فقال: «أتقعد قعدة المغضوب عليهم» وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ووافقه الذهبى.
(¬10) فى د: إلى.
(¬11) فى م: إليه.
(¬12) فى د، ز، ص: ما رموك.
(¬13) زاد فى د: أن.
(¬14) فى م: كرهة.
(¬15) فى د: ويغتنم.
عند (¬1) طيب (¬2) نفسه وفراغه، ويلطف فى سؤاله، ويحسن خطابه، ولا يستحى من السؤال عما أشكل عليه، بل يستوضحه أكمل استيضاح، فقد قيل: من رق وجهه عند السؤال، ظهر نقصه عند اجتماع الرجال.
وعن الخليل بن أحمد (¬3): «منزلة الجهل (¬4) بين الحياء والأنفة».
وينبغى له إذا سمع الشيخ يقول مسألة أو يحكى حكاية، وهو يحفظها، أن يصغى إليها إصغاء من لا يحفظها، إلا إذا علم من الشيخ إشارة (¬5) بأن المتعلم حافظ.
وينبغى أن يكون حريصا على التعلم مواظبا عليه فى جميع أوقاته ليلا ونهارا، وقد (¬6) قال الشافعى- رحمه الله تعالى- فى رسالته: حق على طلبة العلم بلوغ نهاية جهدهم فى الاستكثار من العلم، والصبر (¬7) على كل عارض، وإخلاص النية لله تعالى، والرغبة إلى الله تعالى فى العون عليه. وفى صحيح مسلم: «لا يستطاع العلم براحة الجسم» (¬8).
¬
_
(¬1) فى م، ص، د: عن.
(¬2) فى م: تطييب.
(¬3) صاحب العربية، ومنشئ علم العروض، أبو عبد الرحمن، الخليل بن أحمد الفراهيدى، البصرى، أحد الأعلام. ولد سنة مائة.
حدث عن: أيوب السختيانى، وعاصم الأحول، والعوام بن حوشب، وغالب القطان.
أخذ عنه سيبويه النحو، والنضر بن شميل، وهارون بن موسى النحوى، ووهب ابن جرير، والأصمعى، وآخرون.
وكان رأسا فى لسان العرب، دينا، ورعا، قانعا، متواضعا، كبير الشأن، يقال: إنه دعا الله أن يرزقه علما لا يسبق إليه، ففتح له بالعروض، وله كتاب: العين، فى اللغة.
وثقه ابن حبان. وقيل: كان متقشفا متعبدا. مات سنة بضع وستين ومائة، وقيل: بقى إلى سنة سبعين ومائة. ينظر: سير أعلام النبلاء (7/ 429 - 431)، وطبقات النحويين للزبيدى (47 - 51)، ومعجم الأدباء (11/ 72 - 77)، والكامل لابن الأثير (6/ 50).
(¬4) فى م: الجاهل.
(¬5) فى د، ز، م: إيثاره.
(¬6) فى ص، د: فقد.
(¬7) فى د: ونصبر.
(¬8) ذكر النووى جل هذه الآداب فى مقدمته للمجموع وزاد عليها: أنه ينبغى لطالب العلم أن يكون حريصا على التعلم، مواظبا عليه فى جميع أوقاته ليلا ونهارا، حضرا أو سفرا، ولا يذهب من أوقاته شيئا فى غير العلم، إلا بقدر الضرورة؛ لأكل ونوم قدرا لا بد منه، ونحوهما كاستراحة يسيرة لإزالة الملل، وشبه ذلك من الضروريات، وليس بعاقل من أمكنه درجة ورثة الأنبياء ثم فوتها، وقد قال الشافعى- رحمه الله- فى رسالته: حق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم فى الاستكثار من علمه، والصبر على كل عارض دون طلبه، وإخلاص النية لله- تعالى- فى إدراك علمه نصا واستنباطا، والرغبة إلى الله تعالى فى العون عليه. وفى صحيح مسلم عن يحيى بن أبى كثير، قال: لا يستطاع العلم براحة الجسم. ذكره فى أوائل مواقيت الصلاة.
ومن آدابه: الحلم والأناة، وأن يكون همته عالية، فلا يرضى باليسير مع إمكان الكثير، وألا يسوف فى اشتغاله، ولا يؤخر تحصيل فائدة وإن قلت إذا تمكن منها، وإن أمن حصولها بعد ساعة؛ لأن للتأخير آفات، ولأنه فى الزمن الثانى يحصل غيرها، وعن الربيع قال: لم أر الشافعى آكلا بنهار، ولا نائما بليل، لاهتمامه بالتصنيف.
¬
_
ولا يحمل نفسه ما لا تطيق مخافة الملل، وهذا يختلف باختلاف الناس.
وإذا جاء مجلس الشيخ فلم يجده انتظره ولا يفوت درسه إلا أن يخاف كراهة الشيخ لذلك، بأن يعلم من حاله الإقراء فى وقت بعينه فلا يشق عليه بطلب القراءة فى غيره. قال الخطيب: وإذا وجده نائما لا يستأذن عليه، بل يصبر حتى يستيقظ أو ينصرف والاختيار الصبر، كما كان ابن عباس والسلف يفعلون.
وإذا بحث المختصرات، انتقل إلى بحث أكبر منها مع المطالعة المتقنة، والعناية الدائمة المحكمة، وتعليق ما يراه من النفائس والغرائب وحل المشكلات مما يراه فى المطالعة أو يسمعه من الشيخ. ولا يحتقرن فائدة يراها أو يسمعها فى أى فن كانت؛ بل يبادر إلى كتابتها ثم يواظب على مطالعة ما كتبه، وليلازم حلقة الشيخ، وليعتن بكل الدروس، ويعلق عليها ما أمكن، فإن عجز اعتنى بالأهم، ولا يؤثر بنوبته، فإن الإيثار بالقرب مكروه، فإن رأى الشيخ المصلحة فى ذلك فى وقت فأشار به امتثل أمره.
وينبغى أن يرشد رفقته وغيرهم من الطلبة إلى مواطن الاشتغال والفائدة، ويذكر لهم ما استفاده على جهة النصيحة والمذاكرة، بإرشادهم يبارك له فى علمه، ويستنير قلبه، وتتأكد المسائل معه، مع جزيل ثواب الله- عز وجل- ومتى بخل بذلك كان بضده، فلا يثبت معه، وإن ثبت لم يثمر، ولا يحسد أحدا ولا يحتقره، ولا يعجب بفهمه.
وينبغى أن يطهر قلبه من الأدناس ليصلح بقبول العلم وحفظه واستثماره، ففي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهى القلب».
وقالوا: تطبيب القلب للعلم كتطبيب الأرض للزراعة وينبغى أن يقطع العلائق الشاغلة عن كمال الاجتهاد فى التحصيل، ويرضى باليسير من القوت، ويصبر على ضيق العيش.
قال الشافعى- رحمه الله تعالى-: لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذل النفس، وضيق العيش، وخدمة العلماء أفلح. وقال- أيضا-: لا يدرك العلم إلا بالصبر على الذل. وقال- أيضا-: لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس، فقيل: ولا الغنى المكفى؟ فقال: ولا الغنى المكفى.
وقال مالك بن أنس- رحمه الله-: لا يبلغ أحد من هذا العلم ما يريد حتى يضر به الفقر، ويؤثره على كل شىء.
وقال أبو حنيفة- رحمه الله-: يستعان على الفقه بجمع الهمم، ويستعان على حذف العلائق بأخذ اليسير عند الحاجة ولا يزيد.
وقال إبراهيم الآجرى: من طلب العلم بالفاقة ورث الفهم. وقال الخطيب البغدادى فى كتابه:
الجامع لآداب الراوى والسامع: يستحب للطالب أن يكون عزبا ما أمكنه؛ لئلا يقطعه الاشتغال بحقوق الزوجة، والاهتمام بالمعيشة، عن إكمال طلب العلم، واحتج بحديث: «خيركم بعد المائتين خفيف الحاذ»، وهو الذى لا أهل له ولا ولد. وعن إبراهيم بن أدهم- رحمه الله-:
من تعود أفخاذ النساء لم يفلح، يعنى: اشتغل بهن. وهذا فى غالب الناس لا الخواص. وعن سفيان الثورى: إذا تزوج الفقيه فقد ركب البحر، فإن ولد له فقد كسر به. وقال سفيان لرجل:
تزوجت؟ فقال: لا، قال: ما تدرى ما أنت فيه من العافية. وعن بشر الحافى- رحمه الله-:
«من لم يحتج إلى النساء فليتق الله ولا يألف أفخاذهن».
قلت: هذا كله موافق لمذهبنا، فإن مذهبنا أن من لم يحتج إلى النكاح استحب له تركه، وكذا إن
فائدة
فائدة
: قال الخطيب البغدادى (¬1): أجود أوقات الحفظ الأسحار، ثم نصف النهار، ثم الغداة، وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع، وأجود أماكن الحفظ كل موضع بعد عن الملهيات (¬2)، وليس الحفظ بمحمود بحضرة النبات والخضرة والأنهار وقوارع الطرق؛ لأنها تمنع خلو القلب.
وينبغى أن يصبر على حدة (¬3) شيخه وسوء خلقه، ولا يصده (¬4) ذلك عن ملازمته واعتقاد كماله (¬5)، ويتأول لأفعاله (¬6) التى ظاهرها الفساد تأويلات [حسنة] (¬7) صحيحة.
وإذا جفاه الشيخ ابتدأ هو (¬8) بالاعتذار (¬9) وأظهر (¬10) الذنب له، والمعتب (¬11) عليه، وقد قالوا: «من لم (¬12) يصبر [على] [جفاء شيخه] (¬13) وذل التعليم، بقى عمره فى عماية الجهل (¬14)، ومن [صبر] (¬15) عليه آل أمره إلى عز الآخرة والدنيا».
وعن أنس (¬16) - رضى الله تعالى عنه-: «ذللت طالبا فعززت مطلوبا».
¬
_
احتاج وعجز عن مؤنته، وفى الصحيحين عن أسامة بن زيد- رضى الله عنهما- عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
«ما تركت بعدى فتنة هى أضرّ على الرّجال من النّساء» وفى صحيح مسلم عن أبى سعيد الخدرى- رضى الله عنه- عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الدّنيا حلوة خضرة، وإنّ الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتّقوا الدّنيا، واتّقوا النّساء، فإنّ أوّل فتنة بنى إسرائيل كانت فى النّساء».
وينبغى له أن يتواضع للعلم والمعلم، فبتواضعه يناله، وقد أمرنا بالتواضع مطلقا، فهنا أولى، وقد قالوا: العلم حرب للمتعالى، كالسيل حرب للمكان العالى، وينقاد لمعلمه، ويشاوره فى أموره، ويأتمر بأمره، كما ينقاد المريض لطبيب حاذق ناصح، وهذا أولى لتفاوت مرتبتهما، قالوا: ولا يأخذ العلم إلا ممن كملت أهليته، وظهرت ديانته، وتحققت معرفته، واشتهرت صيانته وسيادته؛ فقد قال ابن سيرين، ومالك، وخلائق من السلف: «هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم». ينظر المجموع (1/ 65: 70).
(¬1) هو أحمد بن على بن ثابت البغدادى أبو بكر المعروف بالخطيب: أحد الحفاظ المؤرخين المقدمين.
مولده فى «غزية» - بصيغة التصغير- منتصف الطريق بين الكوفة ومكة، ومنشأة ووفاته ببغداد. رحل إلى مكة وسمع بالبصرة والدينور والكوفة وغيرها. ينظر الأعلام (1/ 172) (905).
(¬2) فى ز: المنهيات.
(¬3) فى ز، ص، م: جفوة.
(¬4) فى د: ولا يمنعه.
(¬5) فى ص: كلامه.
(¬6) فى د: أفعاله.
(¬7) سقط فى ز.
(¬8) فى د: ابتدأه.
(¬9) فى د: بالأعذار.
(¬10) فى د: وإظهار.
(¬11) فى م، ص: والعيب.
(¬12) فى ص: من لا.
(¬13) زيادة من م.
(¬14) فى د، ص: الجهالة.
(¬15) بياض فى ص.
(¬16) فى م: أبى ذر. وأنس هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصارى النجارى، خدم النبى صلى الله عليه وسلم عشر سنين. وذكر ابن سعد أنه شهد بدرا، له ألف ومائتا حديث وستة وثمانون حديثا. وروى عن طائفة من الصحابة. وعنه بنوه موسى والنضر وأبو بكر والحسن البصرى وثابت
[وما أحسن قول القائل:
إنّ المعلّم والطّبيب، كلاهما ... لا ينصحان إذا هما لم يكرما
فاصبر لدائك إن جهلت طبيبه ... واصبر لجهلك إن جفوت معلّما] (¬1)
وينبغى أن يغتنم التحصيل فى وقت الفراغ والشباب وقوة البدن ونباهة الخاطر وقلة الشواغل قبل عوارض البطالة وارتفاع المنزلة؛ فقد روى عن عمر [بن الخطاب] (¬2) - رضى الله تعالى عنه-: «تفقهوا قبل أن تسوّدوا».
وقال الشافعى- رضى الله تعالى عنه-: «تفقه قبل أن ترأس، فإذا رأست فلا سبيل [لك] (¬3) إلى التفقه».
وليكتب (¬4) كل ما سمعه، ثم يواظب [على] حلقة الشيخ، ويعتنى بكل الدروس (¬5)، فإن عجز اعتنى بالأهم، وينبغى أن يرشد رفقته وغيرهم إلى مواطن الاشتغال والفائدة، ويذكر لهم ما استفاده على جهة النصيحة والمذاكرة، وبإرشادهم يبارك له فى علمه (¬6)، وتتأكد المسائل [معه] (¬7) مع جزيل ثواب الله تعالى، ومن فعل ضد ذلك كان بضده.
فإذا تكاملت أهليته واشتهرت فضيلته اشتغل بالتصنيف، وجد فى الجمع والتأليف، والله الموفق (¬8).
وينبغى ألا يترك وظيفته لعروض (¬9) مرض خفيف ونحوه مما يمكن معه الجمع بينهما، ولا يسأل تعنتا (¬10) وتعجيزا فلا يستحقّ جوابا، ومن أهم أحواله (¬11) أن يحصّل الكتاب بشراء (¬12) أو غيره ولا يشتغل بنسخ كتاب أصلا، فإن آفاته ضياع الأوقات فى صناعة أجنبية
¬
_
البنانى وسليمان التيمى وخلق لا يحصون. مات سنة تسعين أو بعدها وقد جاوز المائة، وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة رضى الله عنهم. ينظر الخلاصة (1/ 105).
(¬1) زيادة من ص.
(¬2) زيادة من ص، د وهو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوى أبو حفص المدنى، أحد فقهاء الصحابة، ثانى الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأول من سمى أمير
المؤمنين شهد بدرا، والمشاهد إلا تبوك. وولى أمر الأمة بعد أبى بكر رضى الله عنهما. وفتح فى أيامه عدة أمصار. أسلم بعد أربعين رجلا. عن ابن عمر مرفوعا: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه»، ولما دفن قال ابن مسعود: ذهب اليوم بتسعة أعشار العلم. استشهد فى آخر سنة ثلاث وعشرين، ودفن فى أول سنة أربع وعشرين، وهو ابن ثلاث وستين، وصلى عليه صهيب، ودفن فى الحجرة النبوية، ومناقبه جمة. ينظر الخلاصة (2/ 268).
(¬3) زيادة من د.
(¬4) فى د: ويكتب.
(¬5) فى م، ز: الدرس.
(¬6) فى م: يبارك له فى عمله.
(¬7) سقطت فى ز.
(¬8) فى ز: أعلم.
(¬9) فى ص: بعروض.
(¬10) فى ص: عنتا.
(¬11) فى د، م، ز: حاله.
(¬12) فى ز: نثرا، وفى م: نشرا.
عن تحصيل العلم، وركون النفس لها (¬1) أكثر من ركونها لتحصيله، وقد (¬2) قال بعض أهل الفضل: «أود لو قطعت يد الطالب إذا نسخ، فأما شىء يسير فلا بأس به»، وكذا (¬3) إذا دعاه إلى ذلك قلة ما بيده من الدنيا.
وينبغى ألا يمنع عارية كتاب لأهله؛ فقد (¬4) ذمه (¬5) السلف والخلف ذمّا كثيرا.
قال الزهرى (¬6): «إياك وغلول الكتب» (¬7) وهو حبسها عن أصحابها، وعن الفضيل (¬8):
«ليس من أهل الورع ولا من أفعال (¬9) الحكماء أن يأخذ سماع رجل وكتابه (¬10) فيحبسه عنه».
وقال رجل لأبى العتاهية (¬11): أعرنى كتابك فقال: إنى أكره ذلك؛ فقال: أما علمت أن المكارم موصولة بالمكاره؟ فأعاره (¬12).
¬
_
(¬1) فى ص: لهذا.
(¬2) فى م، ز: به.
(¬3) فى م: وكذلك.
(¬4) فى د، ص: وقد.
(¬5) فى م: قال.
(¬6) فى د: الزبيرى. والزهرى هو محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب. من بنى زهرة، من قريش.
تابعى من كبار الحفاظ والفقهاء. مدنى سكن الشام. هو أول من دون الأحاديث النبوية. ودون معها فقه الصحابة. قال أبو داود: جميع حديث الزهرى مائتان وألفا حديث. أخذ عن بعض الصحابة.
وأخذ عنه مالك بن أنس وطبقته. توفى سنة 124 هـ. ينظر تهذيب التهذيب (9/ 445 - 451)، وتذكرة الحفاظ (1/ 102)، والوفيات (1/ 451)، والأعلام للزركلى (7/ 317).
(¬7) أخرجه الخطيب فى الجامع (1/ 373).
(¬8) هو الفضيل بن عياض بن مسعود التميمى اليربوعى، أبو على، شيخ الحرم المكى، من أكابر العباد الصلحاء كان ثقة فى الحديث، أخذ عنه خلق منهم: الإمام الشافعى. ولد فى سمرقند ونشأ بأبيورد ودخل الكوفة وأصله منها ثم سكن وتوفى بها. ينظر الأعلام (5/ 153).
(¬9) فى ز: فعال.
(¬10) فى م: أو كتابه.
(¬11) فى م: من أصحاب أبى العتاهية. وهو إسماعيل بن القاسم بن سويد العينى، العنزى- من قبيلة عنزة- بالولاء، أبو إسحاق الشهير بأبى العتاهية: شاعر مكثر، سريع الخاطر، فى شعره إبداع. كان ينظم المائة والمائة والخمسين بيتا فى اليوم، حتى لم يكن للإحاطة بجميع شعره من سبيل. وهو يعد من مقدمى المولدين، من طبقة بشار وأبى نواس وأمثالهما. جمع الإمام يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمرى القرطبى ما وجد من زهدياته وشعره فى الحكمة والعظة، وما جرى مجرى الأمثال، فى مجلد، منه مخطوطة حديثة فى دار الكتب بمصر، اطلع عليها أحد الآباء اليسوعيين فنسخها ورتبها على الحروف وشرح بعض مفرداتها، وسماها «الأنوار الزاهية فى ديوان أبى العتاهية- ط» وكان يجيد القول فى الزهد والمديح وأكثر أنواع الشعر فى عصره. ولد فى «عين التمر» بقرب الكوفة، ونشأ فى الكوفة، وسكن بغداد. وكان فى بدء أمره يبيع الجرار فقيل له «الجرار» ثم اتصل بالخلفاء وعلت مكانته عندهم. وهجر الشعر مدة، فبلغ ذلك المهدى العباسى، فسجنه ثم أحضره إليه وهدده بالقتل أو يقول الشعر! فعاد إلى نظمه، فأطلقه. وأخباره كثيرة. توفى فى بغداد سنة 211 هـ. ينظر الأعلام (1/ 321) والأغانى (4/ 1) وتاريخ بغداد (6/ 250) ووفيات الأعيان (1/ 71).
(¬12) قال النووى فى المجموع (1/ 71): وقد جاء فى ذم الإبطاء برد الكتب المستعارة عن السلف أشياء كثيرة
فهذه نبذة من الآداب لمن اشتغل بهذا (¬1) الطريق لا يستغنى عن تذكرها؛ لتكون معينة على تحصيل المرام والخروج إلى النور (¬2) من الظلام، والله تعالى هو المنان ذو الجود والإكرام (¬3).
¬
_
- نثرا ونظما، ورويناها فى كتاب الخطيب: الجامع لأخلاق الراوى والسامع منها عن الزهرى: إياك وغلول الكتب؛ وهو حبسها عن أصحابها، وعن الفضيل: ليس من أفعال أهل الورع ولا من أفعال الحكماء أن يأخذ سماع رجل وكتابه، فيحبسه عنه، ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه. وقال الخطيب:
وبسبب حبسها امتنع غير واحد من إعارتها، ثم روى فى ذلك جملا عن السلف، وأنشد فيه أشياء كثيرة.
والمختار استحباب الإعارة لمن لا ضرر عليه فى ذلك؛ لأنه إعانة على العلم مع ما فى مطلق العارية من الفضل، وروينا عن وكيع: أول بركة الحديث إعارة الكتب. وعن سفيان الثورى: من بخل بالعلم ابتلى بإحدى ثلاث: أن ينساه، أو يموت ولا ينتفع به، أو تذهب كتبه.
(¬1) فى م، ص: بهذه.
(¬2) فى م: والدخول فى النور.
(¬3) اقتصر المصنف رحمه الله تعالى فى هذا الفصل على بيان ما يتعلق بطالب العلم من آداب. وإكمالا للفائدة نذكر فيما يلى ما يتعلق بالمعلم نفسه من آداب، وقد عقد النووى فى مقدمة المجموع بابا خاصّا بذلك جاء فيه ما نصه: هذا الباب واسع جدّا، وقد جمعت فيه نفائس كثيرة لا يحتمل هذا الكتاب عشرها، فأذكر فيه- إن شاء الله تعالى- نبذا منه، فمن آدابه: أدبه فى نفسه، وذلك فى أمور:
منها أن يقصد بتعليمه وجه الله تعالى، ولا يقصد توصلا إلى غرض دنيوى: كتحصيل مال، أو جاه، أو شهرة، أو سمعة، أو تميز عن الأنداد، أو تكثر بالمشتغلين عليه، أو المختلفين إليه، أو نحو ذلك، ولا يشين علمه وتعليمه بشيء من الطمع فى رفق يحصل له من مشتغل عليه من خدمة، أو مال، أو نحوهما، وإن قل، ولو كان على صورة الهدية التى لولا اشتغاله عليه لما أهداها إليه.
وقد صح عن الشافعى- رحمه الله تعالى- أنه قال: وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم على ألا ينسب إلى حرف منه وقال- رحمه الله تعالى-: ما ناظرت أحدا قط على الغلبة، وددت إذا ناظرت أحدا أن يظهر الحق على يديه وقال: ما كلمت أحدا قط إلا وددت أن يوفق، ويسدد، ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ. وعن أبى يوسف- رحمه الله تعالى- قال: يا قوم أريدوا بعلمكم الله فإنى لم أجلس مجلسا قط أنوى فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم، ولم أجلس مجلسا قط أنوى فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى أفتضح.
ومنها: أن يتخلق بالمحاسن التى ورد الشرع بها، وحث عليها، والخلال الحميدة، والشيم المرضية التى أرشد إليها من التزهد فى الدنيا، والتقلل منها، وعدم المبالاة بفواتها، والسخاء، والجود، ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة، والحلم، والصبر، والتنزه عن دنىء الاكتساب، وملازمة الورع، والخشوع، والسكينة، والوقار، والتواضع، والخضوع، واجتناب الضحك والإكثار من المزاح، وملازمة الآداب الشرعية الظاهرة والخفية:
كالتنظيف بإزالة الأوساخ، وتنظيف الإبط، وإزالة الروائح الكريهة، واجتناب الروائح المكروهة، وتسريح اللحية.
ومنها: الحذر من الحسد، والرياء، والإعجاب، واحتقار الناس وإن كانوا دونه بدرجات، وهذه أدواء وأمراض يبتلى بها كثيرون من أصحاب الأنفس الخسيسات، وطريقه فى نفى الحسد أن يعلم أن حكمة الله- تعالى- اقتضت جعل هذا الفضل فى هذا الإنسان؛ فلا يعترض، ولا يكره ما اقتضته
¬
_
الحكمة بذم الله [إياه] احترازا من المعاصى. وطريقه فى نفى الرياء: أن يعلم أن الخلق لا ينفعونه ولا يضرونه حقيقة؛ فلا يتشاغل بمراعاتهم فيتعب نفسه، ويضر دينه، ويحبط عمله، ويرتكب ما يجلب سخط الله، ويفوت رضاه. وطريقه فى نفى الإعجاب: أن يعلم أن العلم فضل من الله- تعالى- ومنة عارية فإن لله- تعالى- ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شىء عنده بأجل مسمى، فينبغى ألا يعجب بشيء لم يخترعه، وليس مالكا له، ولا على يقين من دوامه. وطريقه فى نفى الاحتقار: التأدب بما أدبنا الله تعالى، قال الله تعالى فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى [النجم: 32]. وقال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: 13]، فربما كان هذا الذى يراه دونه أتقى لله- تعالى- وأطهر قلبا، وأخلص نية، وأزكى عملا، ثم إنه لا يعلم ماذا يختم له به، ففي الصحيح: «إنّ أحدكم يعمل بعمل أهل الجنّة ... » الحديث، نسأل الله العافية من كل داء.
ومنها: استعماله أحاديث التسبيح، والتهليل، ونحوهما من الأذكار والدعوات وسائر الآداب الشرعيات.
ومنها: دوام مراقبته لله تعالى فى علانيته وسره، محافظا على قراءة القرآن، ونوافل الصلوات، والصوم، وغيرها؛ معولا على الله- تعالى- فى كل أمره معتمدا عليه، مفوضا فى كل الأحوال أمره إليه.
ومنها- وهو من أهمها-: ألا يذل العلم، ولا يذهب به إلى مكان ينتسب إلى من يتعلمه منه، وإن كان المتعلم كبير القدر، بل يصون العلم عن ذلك كما صانه السلف، وأخبارهم فى هذا كثيرة مشهورة مع الخلفاء وغيرهم. فإن دعت إليه ضرورة أو اقتضت مصلحة راجحة على مفسدة ابتذاله- رجونا أنه لا بأس به ما دامت الحالة هذه، وعلى هذا يحمل ما جاء عن بعض السلف فى هذا.
ومنها: أنه إذا فعل فعلا صحيحا جائزا فى نفس الأمر، ولكن ظاهره أنه حرام أو مكروه، أو مخل بالمروءة، ونحو ذلك، فينبغى له أن يخبر أصحابه، ومن يراه يفعل ذلك بحقيقة ذلك الفعل؛ لينتفعوا؛ ولئلا يأثموا بظنهم الباطل؛ ولئلا ينفروا عنه، ويمتنع الانتفاع بعلمه، ومن هذا الحديث الصحيح: «إنها صفية».
ومن آدابه فى درسه واشتغاله أنه ينبغى ألا يزال مجتهدا فى الاشتغال بالعلم قراءة وإقراء، ومطالعة وتعليقا، ومباحثة ومذاكرة وتصنيفا، ولا يستنكف من التعلم ممن هو دونه فى سن أو نسب أو شهرة أو دين، أو فى علم آخر، بل يحرص على الفائدة ممن كانت عنده، وإن كان دونه فى جميع هذا، ولا يستحى من السؤال عما لم يعلم.
فقد روينا عن عمر وابنه- رضى الله عنهما- قالا: من رق وجهه رق علمه. وعن مجاهد لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر. وفى الصحيح عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين. وقال سعيد بن جبير: لا يزال الرجل عالما ما تعلم، فإذا ترك العلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون.
وينبغى ألا يمنعه ارتفاع منصبه وشهرته من استفادة ما لا يعرفه، فقد كان كثيرون من السلف يستفيدون من تلامذتهم ما ليس عندهم، وقد ثبت فى الصحيح رواية جماعة من الصحابة عن التابعين، وروى جماعات من التابعين عن تابعى التابعين، وهذا عمرو بن شعيب ليس تابعيا، وروى عنه أكثر من سبعين من التابعين. وثبت فى الصحيحين أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: قرأ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا [البينة: 1]، على أبى بن كعب- رضى الله عنه- وقال: «أمرنى الله أن أقرأ عليك». فاستنبط العلماء من هذا فوائد، منها: بيان التواضع، وأن الفاضل لا يمتنع من القراءة
¬
_
على المفضول، وينبغى أن تكون ملازمة الاشتغال بالعلم هى مطلوبه ورأس ماله فلا يشتغل بغيره، فإن اضطر إلى غيره فى وقت، فعل ذلك الغير بعد تحصيل وظيفته من العلم. وينبغى أن يعتنى بالتصنيف إذا تأهل له، فبه يطلع على حقائق العلم ودقائقه، ويثبت معه؛ لأنه يضطره إلى كثرة التفتيش والمطالعة، والتحقيق والمراجعة، والاطلاع على مختلف كلام الأئمة، ومتفقه وواضحه من مشكله، وصحيحه من ضعيفه، وجزله من ركيكه، وما لا اعتراض عليه من غيره، وبه يتصف المحقق بصفة المجتهد.
وليحذر كل الحذر أن يشرع فى تصنيف ما لم يتأهل له، فإن ذلك يضره فى دينه وعلمه وعرضه، وليحذر أيضا من إخراج تصنيفه من يده إلا بعد تهذيبه، وترداد نظره فيه وتكريره، وليحرص على إيضاح العبارة وإيجازها، فلا يوضح إيضاحا ينتهى إلى الركاكة، ولا يوجز إيجازا يفضى إلى المحق والاستغلاق، وينبغى أن يكون اعتناؤه من التصنيف بما لم يسبق إليه أكثر.
والمراد بهذا ألا يكون هناك مصنف يغنى عن مصنفه فى جميع أساليبه، فإن أغنى عن بعضها فليصنف من جنسه ما يزيد زيادات يحتفل بها، مع ضم ما فاته من الأساليب. وليكن تصنيفه فيما يعم الانتفاع به، ويكثر الاحتياج إليه، وليعتن بعلم المذهب، فإنه من أعظم الأنواع نفعا، وبه يتسلط المتمكن على المعظم من باقى العلوم.
ومن آدابه وآداب تعليمه: اعلم أن التعليم هو الأصل الذى به قوام الدين، وبه يؤمن امّحاق العلم، فهو من أهم أمور الدين، وأعظم العبادات، وآكد فروض الكفايات.
قال الله- تعالى-: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران: 187]، وقال- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا ... الآية [البقرة: 159]. وفى الصحيح من طرق: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ليبلّغ الشّاهد منكم الغائب»، والأحاديث بمعناه كثيرة، والإجماع منعقد عليه.
ويجب على المعلم أن يقصد بتعليمه وجه الله تعالى لما سبق، وألا يجعله وسيلة إلى غرض دنيوى، فيستحضر المعلم فى ذهنه كون التعليم آكد العبادات؛ لكون ذلك حاثا له على تصحيح النية، ومحرضا له على صيانته من مكدراته ومن مكروهاته؛ مخافة فوات هذا الفضل العظيم، والخير الجسيم.
قالوا: وينبغى ألا يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية، فإنه يرجى له حسن النية، وربما عسر فى كثير من المبتدئين بالاشتغال تصحيح النية لضعف نفوسهم، وقلة أنسهم بموجبات تصحيحها، فالامتناع من تعليمهم يؤدى إلى تفويت كثير من العلم مع أنه يرجى ببركة العلم تصحيحها إذا أنس بالعلم.
وقد قالوا: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله، معناه: كانت عاقبته أن صار لله، وينبغى أن يؤدب المتعلم على التدريج بالآداب السنية، والشيم المرضية، ورياضة نفسه بالآداب والدقائق الخفية، ويعوده الصيانة فى جميع أموره الكامنة والجلية.
فأول ذلك: أن يحرضه بأقواله وأحواله المتكررات على الإخلاص والصدق وحسن النيات، ومراقبة الله- تعالى- فى جميع اللحظات، وأن يكون دائما على ذلك حتى الممات، ويعرفه أن بذلك تنفتح عليه أبواب المعارف، وينشرح صدره وتنفجر من قلبه ينابيع الحكم واللطائف، ويبارك له فى حاله وعلمه، ويوفق للإصابة فى قوله وفعله وحكمه، ويزهده فى الدنيا، ويصرفه عن التعلق بها، والركون إليها، والاغترار بها، ويذكره أنها فانية، والآخرة آتية باقية، والتأهب للباقى، والإعراض عن الفانى هو طريق الحازمين، ودأب عباد الله الصالحين.
¬
_
وينبغى أن يرغبه فى العلم ويذكره بفضائله وفضائل العلماء، وأنهم ورثة الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، ولا رتبة فى الوجوه أعلى من هذه.
وينبغى أن يحنو عليه ويعتنى بمصالحه كاعتنائه بمصالح نفسه وولده، ويجريه مجرى ولده فى الشفقة عليه، والاهتمام بمصالحه، والصبر على جفائه وسوء أدبه، ويعذره فى سوء أدب، وجفوة تعرض منه فى بعض الأحيان، فإن الإنسان معرض للنقائص.
وينبغى أن يحب له ما يحب لنفسه من الخير، ويكره له ما يكرهه لنفسه من الشر؛ ففي الصحيحين: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه». وعن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: أكرم الناس على، جليسى الذى يتخطى الناس، حتى يجلس إلى، لو استطعت ألا يقع الذباب على وجهه لفعلت وفى رواية: إن الذباب يقع عليه فيؤذينى.
وينبغى أن يكون سمحا يبذل ما حصله من العلم سهلا بإلقائه إلى مبتغيه، متلطفا فى إفادته طالبيه، مع رفق ونصيحة وإرشاد إلى المهمات، وتحريض على حفظ ما يبذله لهم من الفوائد النفيسات، ولا يدخر عنهم من أنواع العلم شيئا يحتاجون إليه إذا كان الطالب أهلا لذلك، ولا يلقى إليه شيئا لم يتأهل له؛ لئلا يفسد عليه حاله، فلو سأله المتعلم عن ذلك لم يجبه، ويعرفه أن ذلك يضره ولا ينفعه، وأنه لم يمنعه ذلك شحا، بل شفقة ولطفا.
وينبغى ألا يتعظم على المتعلمين، بل يلين لهم ويتواضع، فقد أمر بالتواضع لآحاد الناس، قال الله- تعالى-: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر: 88]، وعن عياض بن حمار- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّ الله أوحى إلى أن تواضعوا». رواه مسلم، وعن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلّا عزّا، وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله». رواه مسلم. فهذا فى التواضع لمطلق الناس، فكيف بهؤلاء الذين هم كأولاده مع ما هم عليه من الملازمة لطلب العلم، ومع ما لهم عليه من حق الصحبة، وترددهم إليه، واعتمادهم عليه؟ وفى الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم «لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلّمون منه». وعن الفضيل ابن عياض- رحمه الله-: إن الله- عز وجل- يحب العالم المتواضع، ويبغض العالم الجبار، ومن تواضع لله- تعالى- ورثه الحكمة.
وينبغى أن يكون حريصا على تعليمهم، مهتما به مؤثرا له على حوائج نفسه ومصالحه ما لم تكن ضرورة، ويرحب بهم عند إقبالهم إليه، لحديث أبى سعيد السابق، ويظهر لهم البشر وطلاقة الوجه، ويحسن إليهم بعلمه وماله وجاهه بحسب التيسير، ولا يخاطب الفاضل منهم باسمه بل بكنيته ونحوها؛ ففي الحديث عن عائشة- رضى الله عنها-: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنّى أصحابه إكراما لهم
وتسنية لأمورهم».
وينبغى أن يتفقدهم، ويسأل عمن غاب منهم.
وينبغى أن يكون باذلا وسعه فى تفهيمهم، وتقريب الفائدة إلى أذهانهم، حريصا على هدايتهم، ويفهم كل واحد بحسب فهمه وحفظه فلا يعطيه ما لا يحتمله، ولا يقصر به عما يحتمله بلا مشقة، ويخاطب كل واحد على قدر درجته، وبحسب فهمه وهمته، فيكتفى بالإشارة لمن يفهمها فهما محققا، ويوضح العبارة لغيره، ويكررها لمن لا يحفظها إلا بتكرار، ويذكر الأحكام موضحة بالأمثلة من غير دليل لمن لا يحفظ له الدليل، فإن جهل دليل بعضها ذكره له، ويذكر الدلائل لمحتملها، ويذكر: هذا ما يبنى، على هذه المسألة وما يشبهها، وحكمه حكمها وما يقاربها، وهو مخالف لها، ويذكر الفرق بينهما، ويذكر ما يرد عليها وجوابه إن أمكنه. ويبين الدليل الضعيف؛ لئلا يغتر به فيقول: استدلوا بكذا، وهو ضعيف لكذا، ويبين الدليل المعتمد ليعتمد،
¬
_
ويبين له ما يتعلق بها من الأصول والأمثال والأشعار واللغات، وينبههم على غلط من غلط فيها من المصنفين، فيقول مثلا: هذا هو الصواب، وأما ما ذكره فلان فغلط أو فضعيف، قاصدا النصيحة؛ لئلا يغتر به، لا لتنقص للمصنف ...
ويبين له جملا من أسماء المشهورين من الصحابة- رضى الله عن جميعهم- فمن بعدهم من العلماء الأخيار، وأنسابهم وكناهم، وأعصارهم، وطرف حكاياتهم ونوادرهم، وضبط المشكل من أنسابهم وصفاتهم، وتمييز المشتبه من ذلك، وجملا من الألفاظ اللغوية والعرفية المتكررة، ضابطا لمشكلها وخفى معانيها، فيقول: هى مفتوحة، أو مضمومة، أو مكسورة، مخففة أو مشددة مهموزة أو لا، عربية، أو عجمية، أو معربة، وهى التى أصلها عجمى وتكلمت بها العرب، مصروفة أو غيرها، مشتقة أم لا، مشتركة أم لا، مترادفة أم لا، وأن المهموز والمشدد يخففان أم لا، وأن فيها لغة أخرى أم لا.
ويبين ما ينضبط من قواعد التصريف، كقولنا: ما كان على فعل بفتح الفاء وكسر العين فمضارعه: يفعل- بفتح العين- إلا أحرفا جاء فيهن الفتح والكسر من الصحيح والمعتل، فالصحيح دون عشرة أحرف، كنعم وبئس وحسب، والمعتل: ك «وتر ووبق وورم وورى الزند»، وغيرهن.
وأن ما كان من الأسماء والأفعال على فعل- بكسر العين- جاز فيه أيضا إسكانها مع فتح الفاء وكسرها، فإن كان الثانى أو الثالث حرف حلق جاز فيه وجه رابع فعل بكسر الفاء والعين.
وإذا وقعت مسألة غريبة لطيفة، أو مما يسأل عنها فى المعاياة، نبهه عليها، وعرفه حالها فى كل ذلك، ويكون تعليمه إياهم كل ذلك تدريجا شيئا فشيئا، لتجتمع لهم مع طول الزمان جمل كثيرات.
وينبغى أن يحرضهم على الاشتغال فى كل وقت، ويطالبهم فى أوقات بإعادة محفوظاتهم، ويسألهم عما ذكره لهم من المهمات، فمن وجده حافظا مراعيا له أكرمه وأثنى عليه، وأشاع ذلك، ما لم يخف فساد حاله بإعجاب ونحوه، ومن وجده مقصرا عنفه إلا أن يخاف تنفيره، ويعيده له حتى يحفظه حفظا راسخا، وينصفهم فى البحث فيعترف بفائدة يقولها بعضهم وإن كان صغيرا، ولا يحسد أحدا منهم لكثرة تحصيله، فالحسد حرام للأجانب، وهنا أشد، فإنه بمنزلة الوالد، وفضيلته يعود إلى معلمه منها نصيب وافر، فإنه مربيه، وله فى تعليمه وتخريجه فى الآخرة الثواب الجزيل، وفى الدنيا الدعاء المستمر والثناء الجميل.
وينبغى أن يقدم فى تعليمهم إذا ازدحموا الأسبق فالأسبق؛ لا يقدمه فى أكثر من درس إلا برضا الباقين، وإذا ذكر لهم درسا تحرى تفهيمهم بأيسر الطرق، ويذكره مترسلا مبينا واضحا، ويكرر ما يشكل من معانيه وألفاظه، إلا إذا وثق بأن جميع الحاضرين يفهمون بدون ذلك، وإذا لم يصل البيان إلا بالتصريح بعبارة يستحى فى العادة من ذكرها فليذكرها بصريح اسمها، ولا يمنعه الحياء ومراعاة الآداب من ذلك، فإن إيضاحها أهم من ذلك. وإنما تستحب الكناية فى مثل هذا إذا علم بها المقصود علما جليا، وعلى هذا التفصيل يحمل ما ورد فى الأحاديث من التصريح فى وقت، والكناية فى وقت، ويؤخر ما ينبغى تأخيره، ويقدم ما ينبغى تقديمه، ويقف فى موضع الوقف، ويصل فى موضع الوصل.
وإذا وصل موضع الدرس صلى ركعتين، فإن كان مسجدا تأكد الحث على الصلاة، ويقعد مستقبلا القبلة على طهارة، متربعا إن شاء، وإن شاء محتبيا، وغير ذلك، ويجلس بوقار، وثيابه نظيفة بيض، ولا يعتنى بفاخر الثياب، ولا يقتصر على خلق ينسب صاحبه إلى قلة المروءة، ويحسن خلقه مع جلسائه، ويوقر فاضلهم بعلم أو سن أو شرف أو صلاح ونحو ذلك، ويتلطف
¬
_
بالباقين، ويرفع مجلس الفضلاء، ويكرمهم بالقيام لهم على سبيل الاحترام، وقد ينكر القيام من لا تحقيق عنده، وقد جمعت جزءا فيه الترخيص فيه ودلائله، والجواب عما يوهم كراهته.
وينبغى أن يصون يديه عن العبث، وعينيه عن تفريق النظر بلا حاجة، ويلتفت إلى الحاضرين التفاتا قصدا بحسب الحاجة للخطاب، ويجلس فى موضع يبرز فيه وجهه لكلهم، ويقدم على الدرس تلاوة ما تيسر من القرآن، ثم يبسمل، ويحمد الله تعالى، ويصلى ويسلم على النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله ثم يدعو للعلماء الماضين ومشايخه، ووالديه، والحاضرين، وسائر المسلمين، ويقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، اللهم إنى أعوذ بك من أن أضلّ أو أضلّ أو أزلّ أو أزلّ أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل على ...
ولا يذكر الدرس وبه ما يزعجه كمرض، أو جوع، أو مدافعة الحدث، أو شدة فرح وغم ولا يطول مجلسه تطويلا يملهم أو يمنعهم فهم بعض الدرس أو ضبطه؛ لأن المقصود إفادتهم وضبطهم، فإذا صاروا إلى هذه الحالة فاته المقصود.
وليكن مجلسه واسعا ولا يرفع صوته زيادة على الحاجة، ولا يخفضه خفضا يمنع بعضهم كمال فهمه، ويصون مجلسه من اللغط، والحاضرين عن سوء الأدب فى المباحثة، وإذا ظهر من أحدهم شىء من مبادئ ذلك تلطف فى دفعه قبل انتشاره، ويذكرهم أن اجتماعنا ينبغى أن يكون لله تعالى، فلا يليق بنا المنافسة والمشاحنة، بل شأننا الرفق والصفاء، واستفادة بعضنا من بعض، واجتماع قلوبنا على ظهور الحق، وحصول الفائدة.
وإذا سأل سائل عن أعجوبة فلا يسخرون منه، وإذا سئل عن شىء لا يعرفه، أو عرض فى الدرس ما لا يعرفه، فليقل: لا أعرفه أو لا أتحققه، ولا يستنكف عن ذلك، فمن علم العالم أن يقول فيما لا يعلم: لا أعلم، أو الله أعلم، فقد قال ابن مسعود- رضى الله عنه-: يأيها الناس، من علم شيئا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:
86]، رواه البخارى، وقال عمر بن الخطاب- رضى الله عنه-: نهينا عن التكلف. رواه البخارى وقالوا: ينبغى للعالم أن يورث أصحابه لا أدرى. معناه: يكثر منها، وليعلم أن معتقد المحققين أن قول العالم: لا أدرى لا يضع منزلته، بل هو دليل على عظم محله، وتقواه، وكمال معرفته؛ لأن المتمكن لا يضره عدم معرفته مسائل معدودة، بل يستدل بقوله: لا أدرى على تقواه، وأنه لا يجازف فى فتواه،
وإنما يمتنع من: لا أدرى من قل علمه، وقصرت معرفته، وضعفت تقواه؛ لأنه يخاف لقصوره أن يسقط من أعين الحاضرين، وهو جهالة منه، فإنه بإقدامه على الجواب فيما لا يعلمه يبوء بالإثم العظيم، ولا يرفعه ذلك عما عرف له من القصور، بل يستدل به على قصوره؛ لأنا إذا رأينا المحققين يقولون فى كثير من الأوقات: لا أدرى، وهذا القاصر لا يقولها أبدا علمنا أنهم يتورعون لعلمهم وتقواهم، وأنه يجازف لجهله، وقلة دينه، فوقع فيما فر منه، واتصف بما احترز منه، لفساد نيته وسوء طويته، وفى الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبى زور».
فصل: وينبغى للمعلم أن يطرح على أصحابه ما يراه من مستفاد المسائل، ويختبر بذلك أفهامهم ويظهر فضل الفاضل، ويثنى عليه بذلك، ترغيبا له وللباقين فى الاشتغال والفكر فى العلم، وليتدربوا بذلك ويعتادوه، ولا يعنف من غلط منهم فى كل ذلك إلا أن يرى تعنيفه مصلحة له، وإذا فرغ من تعليمهم أو إلقاء درس عليهم أمرهم بإعادته، ليرسخ حفظهم له، فإن أشكل عليهم منه شىء ما، عاودوا الشيخ فى إيضاحه.
فصل: ومن أهم ما يؤمر به ألا يتأذى ممن يقرأ عليه إذا قرأ على غيره، وهذه مصيبة يبتلى بها
¬
_
جهلة المعلمين لغباوتهم، وفساد نيتهم، وهو من الدلائل الصريحة على عدم إرادتهم بالتعليم وجه الله تعالى الكريم، وقد قدمنا عن على- رضى الله عنه- الإغلاظ فى ذلك، والتأكيد فى التحذير منه. وهذا إذا كان المعلم الآخر أهلا، فإن كان فاسقا أو مبتدعا أو كثير الغلط ونحو ذلك، فليحذر من الاغترار به. وبالله التوفيق. ينظر: المجموع (1/ 54).
الفصل الثالث فى حد القراءات والمقرئ والقارئ
الفصل الثالث فى حد القراءات (¬1) والمقرئ والقارئ
القراءات: علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معزوّا لناقله (¬2).
والمقرئ: من علم بها أداء ورواها (¬3) مشافهة، فلو حفظ كتابا امتنع إقراؤه بما فيه إن لم يشافهه ممن يسوقه (¬4) مسلسلا.
والقارئ المبتدئ: من أفرد إلى ثلاث روايات، والمنتهى: من نقل أكثرها.
¬
_
(¬1) فى ص، د: فالقراءات.
(¬2) وإيضاح ذلك: أنه علم يبحث فيه عن صور ونظم كلام الله تعالى من حيث وجوه الاختلاف المتواترة ومباديه مقدمات تواترية، وله أيضا استمداد من العلوم العربية.
والغرض منه تحصيل ملكة ضبط الاختلافات المتواترة.
وفائدته صون كلام الله تعالى عن تطرق التحريف والتغيير وقد يبحث أيضا عن صور نظم الكلام من حيث الاختلافات غير المتواترة الواصلة إلى حد الشهرة.
ومباديه مقدمات مشهورة أو مروية عن الآحاد الموثوق بهم. ذكره صاحب مفتاح السعادة ومثله فى مدينة العلوم. ينظر أبجد العلوم (2/ 428).
(¬3) فى د: ورواية.
(¬4) فى ز: سوقه، وفى د: من شوفه، وفى ص: من شوقه.
الفصل الرابع فى شرط المقرئ وما يجب عليه
الفصل الرابع فى شرط (¬1) المقرئ وما يجب عليه
وشرطه (¬2) أن يكون [عالما] (¬3) عاقلا [حرّا] (¬4) مسلما مكلفا، ثقة مأمونا ضابطا، خاليا من أسباب الفسق ومسقطات المروءة، أما إذا كان مستورا فهو ظاهر العدالة ولم تعرف عدالته الباطنة فيحتمل أنه يضره كالشهادة. قال المصنف: والظاهر أنه لا يضره؛ لأن العدالة الباطنة تعتبر (¬5) معرفتها على غير الحكام، ففي اشتراطها حرج على [غير] (¬6) الطلبة والعوام.
ويجب عليه أن يخلص النية لله تعالى فى كل عمل يقربه إليه (¬7)، وعلامة المخلص ما قاله ذو النون المصرى (¬8) - رحمه الله تعالى-: أن (¬9) يستوى عنده المدح والذم من العامة، ونسيان رؤية الأعمال فى الأعمال، واقتضاء (¬10) ثواب الأعمال فى الآخرة.
وليحذر كل الحذر من الرياء والحسد والحقد واحتقار غيره وإن كان دونه، والعجب، وقلّ من يسلم منها، فقد روى عن الكسائى أنه قال: صليت بالرشيد (¬11) فأعجبتنى قراءتى،
¬
_
(¬1) فى م، د: شروط.
(¬2) فى م، ز: شرطه.
(¬3) زيادة من ص.
(¬4) سقط فى د.
(¬5) فى م، ص، د: تعسر. والعدل من الناس: هو المرضى قوله وحكمه، ورجل عدل: بين العدل، والعدالة وصف بالمصدر معناه: ذو عدل.
والعدل يطلق على الواحد والاثنين والجمع، يجوز أن يطابق فى التثنية والجمع فيقال: عدلان، وعدول، وفى المؤنثة: عدلة.
والعدالة: صفة توجب مراعاتها الاحتراز عما يخل بالمروءة عادة فى الظاهر.
والعدل فى اصطلاح الفقهاء: من تكون حسناته غالبة على سيئاته. وهو ذو المروءة غير المتهم.
(¬6) سقط فى م.
(¬7) فى د: إلى الله تعالى، وفى م، ص: إلى الله.
(¬8) هو ثوبان بن إبراهيم الإخميمى المصرى، أبو الفياض، أو أبو الفيض: أحد الزهاد العباد المشهورين، من أهل مصر. نوبى الأصل من الموالى. كانت له فصاحة وحكمة وشعر. وهو أول من تكلم بمصر فى ترتيب الأحوال ومقامات أهل الولاية فأنكر عليه عبد الله بن عبد الحكم. واتهمه المتوكل العباسى بالزندقة، فاستحضره إليه وسمع كلامه، ثم أطلقه، فعاد إلى مصر. وتوفى بجيزتها سنة 245 هـ. ينظر الأعلام (2/ 102) ووفيات الأعيان (1/ 101) وميزان الاعتدال (1/ 331) وتاريخ بغداد (8/ 393).
(¬9) فى م: أنه.
(¬10) فى د: واقتضائه.
(¬11) هو هارون الرشيد بن محمد المهدى بن المنصور العباسى، أبو جعفر: خامس خلفاء الدولة العباسية فى العراق، وأشهرهم. ولد بالرى، لما كان أبوه أميرا عليها وعلى خراسان. ونشأ فى دار الخلافة ببغداد. وولاه أبوه غزو الروم فى القسطنطينية، فصالحته الملكة إيرينى وافتدت منه مملكتها بسبعين
فغلطت فى آية ما أخطأ فيها صبى قط، [أردت أن] (¬1) أقول: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41] فقلت (¬2): «لعلهم يرجعين» قال: فو الله ما اجترأ هارون أن يقول لى أخطأت، ولكنه (¬3) لما سلمت قال: يا كسائى أى لغة هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين: قد يعثر الجواد قال: أمّا فنعم.
ومن هذا ما قاله الشيخ محيى الدين النواوى (¬4) - رحمه الله تعالى-: وليحذر من كراهة قراءة أصحابه على غيره ممن ينتفع به، وهذه مصيبة يبتلى (¬5) بها بعض المعلمين الجاهلين، وهى دلالة بينة من صاحبها على سوء نيته وفساد طويته، بل هى حجة قاطعة على عدم إرادته وجه الله تعالى، وإلا لماكره ذلك وقال لنفسه: أنا أردت (¬6) الطاعة وقد حصلت.
ويجب عليه قبل أن ينصب [نفسه] (¬7) للاشتغال فى القراءة (¬8) أن يعلم من الفقه ما يصلح به أمر دينه، وتندب (¬9) الزيادة، حتى يرشد جماعته (¬10) فى وقوع أشياء من أمر دينهم.
ويعلم من الأصول [قدر] (¬11) ما يدفع به شبهة طاعن فى قراءة (¬12).
¬
_
ألف دينار تبعث بها إلى خزانة الخليفة فى كل عام. وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادى سنة 170 هـ فقام بأعبائها، وازدهرت الدولة فى أيامه. وكان الرشيد عالما بالأدب وأخبار العرب والحديث والفقه، فصيحا، له شعر أورد صاحب «الديارات» نماذج منه، وله محاضرات مع علماء عصره، شجاعا كثير الغزوات، يلقب بجبار بنى العباس، حازما كريما متواضعا، يحج سنة ويغزو سنة، لم ير خليفة أجود منه، ولم يجتمع على باب خليفة ما اجتمع على بابه من العلماء والشعراء والكتاب والندماء. وكان يطوف أكثر الليالى متنكرا. قال ابن دحية: وفى أيامه كملت الخلافة بكرمه وعدله وتواضعه وزيارته العلماء فى ديارهم.
وهو أول خليفة لعب بالكرة والصولجان. له وقائع كثيرة مع ملوك الروم، ولم تزل جزيتهم تحمل إليه من القسطنطينية طول حياته. وهو صاحب وقعة البرامكة، وهم من أصل فارسى، وكانوا قد استولوا على شئون الدولة، فقلق من تحكمهم، فأوقع بهم فى ليلة واحدة. وأخباره كثيرة جدّا. ولايته 23 سنة وشهران وأيام. توفى فى «سناباذ» من قرى طوس، وبها قبره. ينظر الأعلام (8/ 62) والبداية والنهاية (10/ 213) والذهب المسبوك للمقريزى (47 - 58).
(¬1) سقط فى د.
(¬2) فى م: قلت.
(¬3) فى ص: ولكن.
(¬4) هو يحيى بن شرف بن مرى بن حسن، النووى (أو النواوى) أبو زكريا، محيى الدين. من أهل نوى من قرى حوران جنوبى دمشق. علامة فى الفقه الشافعى والحديث واللغة، تعلم فى دمشق، وأقام بها زمنا.
من تصانيفه: «المجموع شرح المهذب» لم يكمله، و «روضة الطالبين»، و «المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج». ينظر طبقات الشافعية للسبكى (5/ 165)، والأعلام للزركلى (9/ 185)، والنجوم الزاهرة (7/ 278).
(¬5) فى د: ابتلى.
(¬6) فى م: إنا أردنا.
(¬7) سقطت فى ص.
(¬8) فى د: بالقراءة.
(¬9) فى م: وينبغى.
(¬10) فى م: جماعة.
(¬11) سقطت فى د.
(¬12) فى م: قراءته.
ومن النحو والصرف طرفا لتوجيه ما يحتاج إليه، بل هما أهم ما يحتاج إليه المقرئ، وإلا فخطؤه أكثر من إصابته، وما أحسن قول الإمام الحصرى (¬1) فيه:
لقد يدّعى علم القراءات (¬2) معشر ... وباعهم فى النّحو أقصر من شبر
فإن قيل ما إعراب هذا ووجهه ... رأيت طويل الباع يقصر عن فتر (¬3)
ويعلم من التفسير واللغة (¬4) طرفا صالحا.
وأما معرفة الناسخ والمنسوخ فمن لوازم (¬5) المجتهدين فلا يلزم المقرئ، خلافا للجعبرى (¬6) ويلزمه حفظ كتاب يشتمل على القراءة التى يقرأ بها، وإلا داخله (¬7) الوهم والغلط فى الأشياء (¬8)، وإن قرأ بكتاب وهو غير حافظ فلا بد أن يكون ذاكرا كيفية (¬9) تلاوته به حال تلقيه من شيخه، فإن شك فليسأل رفيقه أو غيره ممن قرأ بذلك الكتاب حتى يتحقق، وإلا فلينبه على ذلك فى الإجازة، فأما (¬10) من نسى أو ترك فلا يقرأ عليه إلا لضرورة، مثل أن ينفرد بسند عال أو طريق لا يوجد (¬11) عند غيره، فحينئذ إن كان القارئ
¬
_
(¬1) هو على بن عبد الغنى أبو الحسن الفهرى القيروانى الحصرى أستاذ ماهر أديب حاذق صاحب القصيدة الرائية فى قراءة نافع. قرأ على عبد العزيز بن محمد صاحب ابن سفيان وعلى أبى على بن حمدون الجلولى والشيخ أبى بكر القصرى تلا عليه السبع تسعين ختمة، قرأ عليه أبو داود سليمان بن يحيى المعافرى وروى عنه أبو القاسم بن الصواف قصيدته وأقرأ الناس بسبتة وغيرها، توفى بطنجة سنة ثمان وستين وأربعمائة، قال ابن خلكان وهو ابن خالة أبى إسحاق إبراهيم الحصرى صاحب زهر الآداب ومن نظمه القصيدة المشهورة:
يا ليل الصب متى غده ... أقيام الساعة موعده
رقد السمار فأرّقه ... أسف للبين يردده
ينظر: غاية النهاية (1/ 550).
(¬2) فى م، ص: القراءة.
(¬3) فى م: طوال.
(¬4) فى ص، د: من اللغة والتفسير.
(¬5) فى م: علوم.
(¬6) هو إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل بن أبى العباس العلامة الأستاذ أبو محمد الربعى الجعبرى السلفى بفتحتين نسبة إلى طريقة السلف محقق حاذق ثقة كبير، شرح الشاطبية والرائية وألف التصانيف فى أنواع العلوم، ولد سنة أربعين وستمائة أو قبلها تقريبا بربض قلعة جعبر، وقرأ للسبعة على أبى الحسن على الوجوهى صاحب الفخر الموصلى وللعشرة على المنتجب حسين بن حسن التكريتى صاحب ابن كدى بكتاب در الأفكار ومن ثم لم تقع له بالتلاوة عن كل من العشر إلا رواية واحدة، وروى القراءات بالإجازة عن الشريف الداعى وروى الشاطبية بالإجازة عن عبد الله ابن إبراهيم بن محمود الجزرى، واستوطن بلد الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام حتى توفى فى ثالث عشر من شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة. ينظر: غاية النهاية (1/ 21).
(¬7) فى ص: دخله.
(¬8) فى ص، م، ز: أشياء.
(¬9) فى د: لكيفية.
(¬10) فى ص: وأما.
(¬11) فى م: لا توجد.
عليه ذاكرا عالما بما يقرأ عليه جاز الأخذ عنه وإلا حرم.
وليحذر الإقراء بما يحسن رأيا أو وجها أو لغة دون رواية، ولقد أوضح ابن مجاهد (¬1) غاية الإيضاح حيث قال: لا تغتر بكل مقرئ؛ إذ الناس طبقات، فمنهم من حفظ الآية والآيتين والسورة والسورتين ولا علم له غير ذلك، فلا تؤخذ (¬2) عنه القراءة (¬3)، ولا تنقل (¬4) عنه الرواية، ومنهم من حفظ الروايات ولم يعلم معانيها ولا استنباطها من لغات (¬5) العرب [ونحوها] (¬6)، فلا يؤخذ عنه؛ لأنه ربما يصحف، ومنهم من علم العربية ولا يتبع المشايخ والأثر فلا تنقل (¬7) عنه الرواية، ومنهم من فهم التلاوة وعلم الرواية وأخذ حظّا من الدراية من النحو واللغة فتؤخذ (¬8) عنه الرواية ويقصد للقراءة، وليس الشرط أن يجتمع فيه جميع العلوم؛ إذ الشريعة واسعة والعمر قصير. انتهى [مختصرا] (¬9).
ويتأكد فى حقه تحصيل طرف صالح من أحوال الرجال والأسانيد، وهو من أهم ما يحتاج إليه، وقد وهم كثير لذلك فأسقطوا رجالا وسمّوا آخرين بغير أسمائهم وصحفوا أسماء رجال.
ويتأكد أيضا ألا يخلى نفسه من الخلال (¬10) الحميدة: من التقلل من الدنيا والزهد فيها، وعدم المبالاة بها وبأهلها، والسخاء والصبر والحلم ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه، لكن لا يخرج إلى حد الخلاعة، وملازمة الورع والسكينة والتواضع.
¬
_
(¬1) هو أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمى الحافظ الأستاذ أبو بكر بن مجاهد البغدادى شيخ الصنعة وأول من سبع السبعة، ولد سنة خمس وأربعين ومائتين بسوق العطش ببغداد، قرأ على عبد الرحمن بن عبدوس عشرين ختمة وعلى قنبل المكى وعبد الله بن كثير المؤدب صاحب أبى أيوب الخياط صاحب اليزيدى، وروى الحروف سماعا عن إسحاق بن أحمد الخزاعى ومحمد ابن عبد الرحيم الأصفهانى ومحمد بن إسحاق أبى ربيعة ومحمد بن يحيى الكسائى الصغير وأحمد ابن يحيى بن ثعلب وموسى بن إسحاق الأنصارى وأحمد بن فرح ومحمد بن الفرج الحرانى. وبعد صيته واشتهر أمره، وفاق نظراءه مع الدين والحفظ والخير ولا أعلم أحدا من شيوخ القراءات أكثر تلاميذ منه ولا بلغنا ازدحام الطلبة على أحد كازدحامهم عليه حكى ابن الأخرم أنه وصل إلى بغداد فرأى فى حلقة ابن مجاهد نحوا من ثلاثمائة مصدر، وقال على بن عمر المقرئ: كان ابن مجاهد له فى حلقته أربعة وثمانون خليفة يأخذون على الناس، توفى يوم الأربعاء وقت الظهر فى العشرين من شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة رحمه الله تعالى. ينظر: غاية النهاية (1/ 139، 140، 142).
(¬2) فى ز: فلا يؤخذ.
(¬3) فى ص: القراءة عنه.
(¬4) فى ز: ولا ينقل.
(¬5) فى م: لغة.
(¬6) سقط فى م.
(¬7) فى ز: فلا ينقل.
(¬8) فى م، ز: فيؤخذ.
(¬9) زيادة من د، وسقط فى م.
(¬10) فى م، د: الخصال.
الفصل الخامس فيما ينبغى للمقرئ أن يفعله
الفصل الخامس فيما ينبغى للمقرئ أن يفعله
ينبغى له تحسين (¬1) الزى دائما لقوله عليه السلام: «إنّ الله جميل يحبّ الجمال» (¬2) وترك الملابس المكروهة وغير ذلك مما لا يليق به.
وينبغى له ألا يقصد بذلك توصلا إلى غرض من أغراض الدنيا: من مال أو رئاسة (¬3) أو وجاهة أو ثناء عند الناس أو صرف (¬4) وجوههم إليه، أو نحو ذلك.
وينبغى إذا جلس أن يستقبل (¬5) القبلة على طهارة كاملة، وأن يكون جاثيا على ركبتيه، وأن يصون عينيه حال الإقراء عن تفريق نظرهما (¬6) من غير حاجة، ويديه عن العبث، إلا أن يشير للقارئ إلى المد، والوصل، والوقف [وغير ذلك] (¬7) مما مضى عليه السلف.
وأن يوسع مجلسه ليتمكن جلساؤه فيه؛ كما روى أبو داود من حديث أبى سعيد الخدرى (¬8) - رضى الله عنه- أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «خير المجالس أوسعها» (¬9).
¬
_
(¬1) فى ص: يحسن.
(¬2) أخرجه مسلم (1/ 93) كتاب الإيمان باب تحريم الكبر وبيانه (147/ 91) وأحمد (1/ 412، 416، 451) وأبو داود (2/ 457) كتاب اللباس باب ما جاء فى الكبر (4091) والترمذى (3/ 533 - 534) كتاب البر والصلة باب ما جاء فى الكبر (1998، 1999) وابن ماجة (1/ 84 - 85) فى المقدمة باب فى الإيمان (59) وفى (4173) وأبو يعلى (5066، 5289) وابن خزيمة فى التوحيد (384) وأبو عوانة (1/ 31) والطحاوى فى شرح المشكل (5551، 5552) وابن حبان (244، 5466) والطبرانى فى الكبير (10000، 10001) والحاكم (4/ 181) والبيهقى فى الآداب (591) من طريق إبراهيم النخعى عن علقمة عن ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس». وأخرجه أحمد (1/ 399) من طريق يحيى ابن جعدة عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل النار من كان فى قلبه مثقال حبة من إيمان ولا يدخل الجنة من كان فى قلبة مثقال حبة من كبر ... إن الله جميل يحب الجمال ولكن الكبر من سفه الحق وازدرى الناس».
(¬3) فى د: ورئاسة.
(¬4) فى م: وصرف.
(¬5) فى ص، د: أن يكون مستقبل.
(¬6) فى ص: نظيرهما.
(¬7) فى ز، ص، د: وغيره.
(¬8) هو سعد بن مالك بن سنان- بنونين- ابن عبد بن ثعلبة بن عبيد بن خدرة- بضم المعجمة- الخدرى، أبو سعيد، بايع تحت الشجرة، وشهد ما بعد أحد، وكان من علماء الصحابة، له ألف ومائة حديث وسبعون حديثا، اتفقا على ثلاثة وأربعين، وانفرد البخارى بستة وعشرين، ومسلم باثنين وخمسين وعنه طارق بن شهاب، وابن المسيب، والشعبى، ونافع وخلق، قال الواقدى: مات سنة أربع وسبعين.
ينظر: الخلاصة (1/ 371) (2397)، تهذيب التهذيب (3/ 479)، الإصابة (3/ 78).
(¬9) أخرجه البخارى فى الأدب المفرد (1136) وأبو داود (2/ 673) كتاب الأدب باب فى سعة المجالس
وأن يقدم الأول فالأول، فإن أسقط الأول حقه لغيره قدمه، هذا ما عليه الناس.
وروى أن حمزة كان يقدم الفقهاء، فأول من يقرأ عليه سفيان الثورى (¬1)، وكان السلمى (¬2) وعاصم يبدآن بأهل المعايش؛ لئلا يحتبسوا (¬3) عن معايشهم (¬4)، والظاهر أنهما ما كانا يفعلان (¬5) ذلك إلا فى حق جماعة يجتمعون للصلاة (¬6) بالمسجد لا يسبق بعضهم بعضا، وإلا فالحق للسابق لا للشيخ.
وأن يسوى بين الطلبة بحسبهم، إلا أن يكون أحدهم مسافرا أو يتفرس فيه النجابة (¬7) أو غير ذلك.
¬
_
(4820) عن أبى سعيد الخدرى وصححه العلامة الألبانى فى الصحيحة (832).
(¬1) هو سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهب بن منقذ بن نصر بن الحكم بن الحارث بن مالك بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة وقيل: هو من ثور همدان قيل:
روى عنه عشرون ألفا. توفى بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة. ينظر الخلاصة (1/ 396).
(¬2) هو عبد الله بن حبيب بن ربيعة أبو عبد الرحمن السلمى الضرير مقرئ الكوفة، ولد فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم ولأبيه صحبة إليه انتهت القراءة تجويدا وضبطا، أخذ القراءة عرضا عن عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبى بن كعب رضى الله عنهم، أخذ القراءة عنه عرضا عاصم وعطاء بن السائب وأبو إسحاق السبيعى ويحيى بن وثاب وعبد الله بن عيسى بن أبى ليلى ومحمد بن أبى أيوب وأبو عون محمد بن عبيد الله الثقفى وعامر الشعبى وإسماعيل بن أبى خالد والحسن والحسين رضى الله عنهما، وقال السبيعى كان أبو عبد الرحمن يقرئ الناس فى المسجد الأعظم أربعين سنة، وروى حماد بن زيد وغيره عن عطاء بن السائب أن أبا عبد الرحمن السلمى قال أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعلموا ما فيهن فكنا نتعلم القرآن والعمل به وإنه سيرث القرآن بعدنا قوم يشربونه شرب الماء لا يجاوز تراقيهم بل لا يجاوز هاهنا ووضع يده على حلقه. ولا زال يقرئ الناس من زمن عثمان إلى أن توفى سنة أربع وسبعين وقيل سنة ثلاث وسبعين قال أبو عبد الله الحافظ وأما قول ابن قانع مات سنة خمس ومائة فغلط فاحش، وقول حجاج عن شعبة إن أبا عبد الرحمن لم يسمع من عثمان ليس بشيء فإنه ثبت لقيه لعثمان وكان ثقة كبير القدر وحديثه مخرج فى الكتب الستة. ينظر غاية النهاية (1/ 413، 414).
(¬3) فى ص: يحبسوا.
(¬4) فى ص: معاشهم.
(¬5) فى ص: كانا لا يفعلان.
(¬6) فى ص: لصلاة.
(¬7) فى ص: النجاة.
الفصل السادس فى قدر ما يسمع وما ينتهى إليه سماعه
الفصل السادس فى قدر ما يسمع وما ينتهى إليه سماعه
الأصل أن هذا طاعة، فالطلبة فيه بحسب وسعهم، وأما ما روى عن السلف أنهم كانوا يقرءون ثلاثا ثلاثا وخمسا خمسا (¬1) وعشرا عشرا لا يزيدون على ذلك، فهذه حالة التلقين، وبلغت قراءة ابن مسعود (¬2) على النبى صلى الله عليه وسلم من أول النساء إلى قوله تعالى: وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء: 41] وسمع نافع لورش القرآن [كله] (¬3) فى خمسين يوما.
وقرأ (¬4) الشيخ نجم الدين (¬5) - مؤلّف «الكنز» - القرآن كله جميعا (¬6) على الشيخ تقى الدين [بن] (¬7) الصائغ (¬8) لما رحل إليه بمصر (¬9) سبعة عشر يوما.
¬
_
(¬1) فى م: أو.
(¬2) هو عبد الله بن مسعود بن غافل بمعجمة ثم فاء مكسورة بعد الألف ابن حبيب بن شمخ بفتح المعجمة الأولى وسكون الميم ابن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل الهذلى أبو عبد الرحمن الكوفى، أحد السابقين الأولين وصاحب النعلين، شهد بدرا والمشاهد، وروى ثمانمائة حديث وثمانية وأربعين حديثا، تلقن من النبى صلى الله عليه وسلم سبعين سورة، قال علقمة: كان يشبه النبى صلى الله عليه وسلم فى هديه ودله وسمته. قال أبو نعيم: مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين عن بضع وستين سنة.
ينظر الخلاصة (2/ 99).
(¬3) زيادة من ص، د.
(¬4) فى ص: وقيده.
(¬5) هو عبد الله بن عبد المؤمن بن الوجيه هبة الله نجم الدين أبو محمد الواسطى الأستاذ العارف المحقق الثقة المشهور كان شيخ العراق فى زمانه، ولد سنة إحدى وسبعين وستمائة، وقرأ بالكثير على الشيوخ فبواسط على أحمد ومحمد ابني غزال بن مظفر وأحمد بن محمد بن أحمد بن المحروق وإلى آخر الأنفال على على بن عبد الكريم خريم ثم قدم دمشق وبادر إلى إدراك التقى الصائغ بمصر فقرأ عليه ختمة بمضمن عدة كتب فى سبعة عشر يوما، وطاف البلاد على طريق التجارة. وألف كتاب الكنز فى القراءات العشر جمع فيه للسبعة بين الشاطبية والإرشاد ثم نظمه فى كتاب سماه الكفاية على طريق الشاطبية وكان قد نظم قبل ذلك كتاب الإرشاد وسماه روضة الأزهار وله غير ذلك من نظم ونثر، وكان دينا خيرا صالحا ضابطا اعتنى بهذا الشأن أتم عناية وقرأ بما لم يقرأ به غيره فى زمانه فلو قرئ عليه بما قرأ أو على صاحبه الشيخ على الديوانى الواسطى لاتصلت أكثر الكتب المنقطعة ولكن قصور الهمم أوجب العدم فلا قوة إلا بالله، توفى رحمه الله تعالى ببغداد فى العشرين من شوال أو ذى القعدة سنة أربعين وسبعمائة. ينظر غاية النهاية (1/ 429، 430).
(¬6) فى ز: جمعا.
(¬7) سقط فى م.
(¬8) هو محمد بن أحمد بن عبد الخالق بن على بن سالم بن مكى الشيخ تقى الدين أبو عبد الله الصائغ المصرى الشافعى مسند عصره ورحلة وقته وشيخ زمانه وإمام أوانه، ولد ثامن عشر جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وستمائة، وقرأ على الشيخ كمال الدين إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل بن فارس جمعا بالقراءات الاثنتى عشرة ختمتين الأولى فى جماعة والأخرى بمفرده وكان مع ذلك حسن الصوت طيب القراءة، وحكايته فى قراءته فى صلاة الفجر وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ [النمل: 27] مشهورة. توفى ثامن عشر صفر سنة خمس وعشرين وسبعمائة بمصر رحمه الله. ينظر
غاية النهاية (2/ 65، 67).
-[61]-
(¬9) فى ص، د: لمصر.
وقرأ شيخنا الشيخ شمس الدين [بن] (¬1) الجزرى على الشيخ شمس الدين بن الصائغ (¬2) من أول النحل ليلة الجمعة، وختم ليلة الخميس فى ذلك الأسبوع- جمعا للقراء السبع (¬3) ب «الشاطبية» و «التيسير» و «العنوان».
قال: وآخر مجلس ابتدأت فيه من أول الواقعة، ولم أزل حتى ختمت.
قال: وقدم رجل (¬4) من حلب فختم لابن كثير فى خمسة أيام، وللكسائى فى [سبعة] (¬5) أيام.
وقرأ الشيخ شهاب الدين بن الطحان (¬6) على الشيخ أبى العباس بن نحلة (¬7) ختمة
¬
_
(¬1) سقط فى د.
(¬2) هو محمد بن عبد الرحمن بن على بن أبى الحسن الإمام العلامة شمس الدين بن الصائغ الحنفى، قرأ القراءات إفرادا وجمعا للسبعة والعشرة على الشيخ تقى الدين محمد بن أحمد الصائغ بعد أن كان يقرؤها على الشيخ محمد المصرى ثم العربية على الشيخ أبى حيان وأخذ المعانى والبيان عن الشيخ علاء الدين القونوى والقاضى جلال الدين القزوينى وأخذ الفقه عن القاضى برهان الدين إبراهيم ابن عبد الحق ومهر فى العلوم ودقق وتقدم فى الأدب وبالجملة لم يكن فى زمنه حنفى أجمع للعلوم منه ولا أحسن ذهنا وتدقيقا وفهما وتقريرا وأدبا. توفى فى ثالث عشر شعبان سنة ست وسبعين وسبعمائة ولم يخلف بعده مثله ودرس فى عدة أماكن وولى إفتاء دار العدل ثم قضاء العسكر. ينظر غاية النهاية (2/ 163، 164).
(¬3) فى م: السبعة.
(¬4) فى ص، د، م: وقدم على رجل.
(¬5) زيادة من د.
(¬6) هو أحمد بن إبراهيم بن سالم بن داود بن محمد المنبجى بن الطحان وكان الطحان الذى نسب إليه زوج أمه فإن أباه كان إسكافا ومات وهو صغير فرباه زوج أمه فنسب إليه ولد أحمد هذا فى محرم سنة ثلاثة وسبعمائة وسمع البرزالى وابن السلعوس وغيرهما وأخذ القراءات عن الذهبى وغيره وكان حسن الصوت بالقرآن وكان الناس يقصدونه لسماع صوته بالتنكزية وكان إمامها وتوفى بدمشق فى صفر ومن نظمه:
طالب الدنيا كظام ... لم يجد إلا أجاجا
فإذا أمعن فيه ... زاده وردا وهاجا
ينظر: شذرات الذهب فى أخبار من ذهب (6/ 273).
(¬7) هو أحمد بن محمد بن يحيى بن نحلة بحاء مهملة المعروف بسبط السلعوس أبو العباس النابلسى ثم الدمشقى أستاذ ماهر ورع صالح، ولد سنة سبع وثمانين وستمائة، وقرأ بدمشق على ابن بضحان ومحمد بن أحمد بن ظاهر البالسى ثم رحل إلى القاهرة وقرأ بها على أبى حيان لعاصم ثم على الصائغ بمضمن كتب ثم قرأ القراءات على الجعبرى بالخليل وعلى ابن جبارة بالقدس ثم العشر على ابن مؤمن، فقدم دمشق وكتب وحصل وقرأ بالجامع الأموى احتسابا قرأ عليه محمد بن أحمد ابن اللبان وأحمد بن إبراهيم بن الطحان والنصير محمد بن محمد بن إبراهيم الجزرى وانتفع به خلق كثيرون وهو أحد الاثنين اللذين أجازهما ابن بضحان بإقراء القراءات، مات فى رجب سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة بدمشق وشيعه خلق رحمه الله. ينظر غاية النهاية (1/ 133).
لأبى عمرو من روايتيه فى يوم واحد، ولما ختم قال للشيخ: هل رأيت أحدا يقرأ هذه القراءة؟ فقال: لا تقل هكذا (¬1)، ولكن قل: هل رأيت شيخا يسمع هذا السماع؟
وأعظم ما سمعت (¬2) فى هذا الباب أن الشيخ مكين الدين الأسمر (¬3) دخل إلى الجامع بالإسكندرية، فوجد شخصا ينظر إلى أبواب الجامع، فوقع فى نفس المكين أنه رجل صالح وأنه يعزم على الرواح (¬4) إلى جهته ليسلم عليه، ففعل ذلك، وإذا به [الشيخ] (¬5) ابن وثيق (¬6): ولم يكن لأحدهما معرفة بالآخر ولا رؤية، فلما سلم عليه قال للمكين (¬7):
أنت عبد الله بن منصور؟ قال: نعم، قال: ما جئت من [بلاد] (¬8) الغرب إلا بسببك؛ لأقرئك (¬9) القراءات فابتدأ عليه المكين فى تلك الليلة القرآن من أوله جمعا للسبع، وعند طلوع الشمس إذا به يقول: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس: 6] فختم عليه القرآن للسبع فى ليلة واحدة (¬10).
¬
_
(¬1) فى ص: كذا.
(¬2) فى ص: ما سمع.
(¬3) هو عبد الله بن منصور بن على بن منصور أبو محمد بن أبى على بن أبى الحسن بن أبى منصور اللخمى الإسكندرى المالكى الشاذلى المعروف بالمكين الأسمر أستاذ محقق، كان مقرئ الإسكندرية بل الديار المصرية فى زمانه ثقة صالح زاهد، قرأ القراءات الكثيرة على أبى القاسم الصفراوى وإبراهيم بن وثيق، قرأ عليه محمد بن محمد بن السراج الكاتب ومحمد بن عبد النصير ابن الشواء، ولد سنة
إحدى عشرة وستمائة ومات فى غرة ذى القعدة سنة اثنتين وتسعين وستمائة بالإسكندرية. ينظر غاية النهاية (1/ 460).
(¬4) فى د: إلى الرواح، وفى ص: على السير.
(¬5) زيادة من م.
(¬6) هو إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن بن وثيق الإمام أبو القاسم الأندلسى الإشبيلى إمام مشهور مجود محقق، قرأ على حبيب بن محمد سبط شريح وعبد الرحمن بن محمد بن عمرو اللخمى وأحمد ابن مقدام الرعينى وأبى الحسن خالص وقرأ أيضا على أحمد بن أبى هارون التميمى ونجبة بن يحيى وأحمد بن منذر وقاسم بن محمد وعبد الرحمن بن عبد الله بن حفظ الله وأبى الحسن محمد ابن محمد بن زرقون أصحاب شريح وغيره، ولد سنة سبع وستين وخمسمائة بإشبيلية وتوفى بالإسكندرية فى يوم الاثنين رابع ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة ودفن بين الميناوين على سيف البحر. ينظر غاية النهاية (1/ 24، 25).
(¬7) فى م: المكين.
(¬8) زيادة من ص.
(¬9) فى م: إلا بسبيل أن أقرئك.
(¬10) فى م: فى الليلة الواحدة.
الفصل السابع فيما يقرئ به
الفصل السابع فيما يقرئ (¬1) به
لا يجوز له أن يقرئ (¬2) إلا بما قرأ (¬3) أو سمع؛ فإن قرأ نفس الحروف المختلف فيها خاصة، أو سمعها، أو ترك (¬4) ما اتفق عليه، جاز إقراؤه القرآن بها اتفاقا بالشرط.
وهو أن يكون ذاكرا ... إلى آخره كما (¬5) تقدم.
لكن لا يجوز له أن (¬6) يقول: قرأت بها القرآن كله.
وأجاز ابن مجاهد وغيره أن يقول المقرئ: قرأت برواية فلان القرآن، من غير تأكيد، إذا كان قرأ بعض القرآن. وهو قول لا يعول عليه؛ لأنه تدليس فاحش يلزم منه مفاسد كثيرة.
وهل يجوز [له] (¬7) أن يقرئ بما أجيز له (¬8) على أنواع الإجازة؟
جوزه (¬9) الجعبرى مطلقا، والظاهر أنه إن تلا (¬10) بذلك على غير ذلك الشيخ، أو سمعه، ثم أراد أن يعلى سنده بذلك الشيخ أو يكثر طرقه- جاز وحسن (¬11)؛ لأنه جعلها متابعة. [وقد فعل ذلك أبو حيان ب «التجريد» وغيره عن ابن البخارى وغيره متابعة] (¬12) وكذا فعل الشيخ تقى الدين [بن] (¬13) الصائغ ب «المستنير» عن الشيخ كمال الدين الضرير (¬14) عن
¬
_
(¬1) فى م: يقرأ.
(¬2) فى م: يقرأ.
(¬3) فى م: قراءة.
(¬4) فى م، د: وترك.
(¬5) فى م: لما.
(¬6) فى د: أنه.
(¬7) زيادة من م، ص.
(¬8) فى ص: به.
(¬9) فى م: جوز.
(¬10) فى م: امتلى.
(¬11) فى م: وجنس.
(¬12) من قوله: «وقد فعل»، إلى قوله: «وغيره متابعة» سقط من م.
وأبو حيان هو محمد بن يوسف بن على بن يوسف بن حيان، أبو حيان، الغرناطى الأندلسى.
مفسر، محدث، أديب، مؤرخ، نحوى، لغوى. أخذ القراءات عن أبى جعفر بن الطباع، والعربية عن أبى الحسن الأبذى وابن الصائغ وغيرهما.
وسمع الحديث بالأندلس وإفريقية والإسكندرية والقاهرة والحجاز من نحو أربعمائة وخمسين شيخا، وتولى تدريس التفسير بالمنصورية، والإقراء بجماع الأقمر.
من تصانيفه: «البحر المحيط» فى تفسير القرآن، و «تحفة الأريب»، فى غريب القرآن، و «عقد اللآلى فى القراءات السبع العوالى»، و «الإعلان بأركان الإسلام». ينظر شذرات الذهب (6/ 145) ومعجم المؤلفين (12/ 130) والأعلام (8/ 26).
(¬13) سقط فى م.
(¬14) هو على بن شجاع بن سالم بن على بن موسى بن حسان بن طوق بن سند بن على بن الفضل ابن على ابن عبد الرحمن بن على بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن على بن عبد الله ابن عباس ابن عبد المطلب بن هاشم كمال الدين أبو الحسن بن أبى الفوارس الهاشمى العباسى
السّلفى (¬1)، وقد قرأ بالإجازة أبو معشر الطبرى (¬2)، وتبعه الجعبرى وغيره، وفى النفس منه شىء، ولا بد مع ذلك من اشتراط الأهلية.
¬
_
الضرير المصرى الشافعى صهر الشاطبى الإمام الكبير النقال الكامل شيخ الإقراء بالديار المصرية، ولد فى شعبان سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وقرأ القراءات السبع سوى رواية أبى الحارث فى تسع عشرة ختمة على الشاطبى ثم قرأ عليه بالجمع للسبعة، وكان أحد الأئمة المشاركين فى فنون من العلم حسن الأخلاق تام المروءة كثير التواضع مليح التودد وافر المحاسن انتهت إليه رئاسة الإقراء وازدحم عليه القراء، وكان من الأئمة الصالحين وعباد الله العاملين. مات فى سابع الحجة سنة إحدى وستين وستمائة رحمه الله. ينظر غاية النهاية (1/ 544 - 546).
(¬1) فى ص: العقلى. والصواب السلفى وهو أحمد بن محمد بن سلفة (بكسر السين وفتح اللام) الأصبهانى، صدر الدين، أبو طاهر السلفى: حافظ مكثر، من أهل أصبهان. رحل فى طلب الحديث، وكتب تعاليق وأمالى كثيرة، وبنى له الأمير العادل وزير الظافر العبيدى مدرسة فى الإسكندرية، سنة 546 هـ، فأقام إلى أن توفى فيها. له «معجم مشيخة أصبهان» و «معجم شيوخ بغداد- خ» و «معجم السفر- خ» نشرت منه نسخة كثيرة النقص باسم «أخبار وتراجم أندلسية» وله الفضائل الباهرة فى مصر والقاهرة- خ) فى الخزانة الحميدية بالآستانة، الرقم (363 تاريخ) كما فى «المختار من المخطوطات العربية فى الأستانة، ص 50 وفى خزانة الرباط (1046 د) رسالة فى ترجمته. وللمعاصر محمد محمود زيتون، الإسكندرى، كتاب «الحافظ السلفى أشهر علماء الزمان- ط» فى سيرته. ينظر الأعلام (1/ 215) ووفيات الأعيان (1/ 31).
(¬2) هو عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد بن على بن محمد أبو معشر الطبرى القطان الشافعى شيخ أهل مكة إمام عارف محقق أستاذ كامل ثقة صالح. ألف كتاب التلخيص فى القراءات الثمانى وكتاب سوق العروس فيه ألف وخمسمائة رواية وطريق وكتاب الدرر فى التفسير وكتاب الرشاد فى شرح القراءات الشاذة وكتاب عنوان المسائل وكتاب طبقات القراء وكتاب العدد وكتابا فى اللغة وروى كتاب تفسير النقاش عن شيخه الزيدى وتفسير الثعلبى عن مؤلفه، توفى بمكة سنة ثمان وسبعين وأربعمائة. ينظر غاية النهاية (1/ 401).
الفصل الثامن فى الإقراء والقراءة فى الطريق
الفصل الثامن فى الإقراء والقراءة فى الطريق
قال الإمام مالك- رحمه الله تعالى-: ما أعلم القراءة تكون فى الطريق.
وروى عن عمر بن عبد العزيز (¬1) أنه أذن فيها.
وقال الشيخ محيى الدين النووى- رحمه الله تعالى-: وأما القراءة فى الطريق فالمختار: أنها جائزة غير مكروهة إذا لم يلته (¬2) صاحبها، فإن التهى (¬3) عنها كرهت، كما كره النبى صلى الله عليه وسلم القراءة للناعس مخافة (¬4) من الغلط (¬5).
قال شيخنا: وقرأت على ابن الصائغ فى الطريق غير مرة، تارة (¬6) نكون ماشيين، وتارة يكون راكبا وأنا ماش.
وأخبرنى غير واحد (¬7) أنهم كانوا يستبشرون بيوم يخرج فيه لجنازة.
قال القاضى محب الدين الحلبى (¬8): كثيرا ما كان يأخذنى فى خدمته، فكنت أقرأ عليه
¬
_
(¬1) هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم. قرشى من بنى أمية. الخليفة الصالح. ربما قيل له خامس الخلفاء الراشدين لعدله وحزمه. معدود من كبار التابعين. ولد ونشأ بالمدينة. وولى إمارتها للوليد. ثم استوزره سليمان بن عبد الملك وولى الخلافة بعهد من سليمان سنة 99 هـ فبسط العدل، وسكّن الفتن. ينظر: الأعلام للزركلى (5/ 209)، و «سيرة عمر بن عبد العزيز» لابن الجوزى، و «الخليفة الزاهد» لعبد العزيز سيد الأهل.
(¬2) فى م: ينته.
(¬3) فى م: نهى.
(¬4) فى ص: كراهة مخافة.
(¬5) ورد معناه فى حديث عن أبى هريرة أخرجه مسلم (1/ 543) كتاب صلاة المسافرين باب أمر من نعس فى صلاته أو استعجم عليه القرآن (223/ 787) وأحمد (2/ 318) وأبو داود (1/ 419) كتاب الصلاة باب النعاس فى الصلاة (1311) والنسائى فى الكبرى (5/ 20) كتاب فضائل القرآن باب من استعجم القرآن على لسانه من طريق معمر عن همام بن منبه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع».
وأخرجه ابن ماجة (2/ 496) كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب ما جاء فى المصلى إذا نعس (1372) من طريق أبى بكر بن يحيى بن النضر عن أبيه عن أبى هريرة ... فذكره بنفس اللفظ السابق.
(¬6) فى م: فتارة.
(¬7) فى ص: واحد منهم.
(¬8) هو أبو الطيب بن غلبون عبد المنعم بن عبد الله بن غلبون الحلبى المقرئ الشافعى صاحب الكتب فى القراءات قرأ على جماعة كثيرة وروى الحديث وكان ثقة محققا بعيد الصيت توفى بمصر فى جمادى الأولى وله ثمانون سنة وأخذ عنه خلق كثير قال السيوطى فى «حسن المحاضرة»: قرأ على إبراهيم ابن عبد الرزاق وقرأ عليه ولده وبكر بن أبى طالب وأبو عمر الطلمنكى وكان حافظا للقراءة
ضابطا ذا عفاف ونسك وفضل وحسن تصنيف ولد فى رجب سنة تسع وثلاثين ومات بمصر فى جمادى الأولى. انتهى. ينظر: شذرات الذهب (3/ 131).
فى الطريق.
قال عطاء بن السائب (¬1): كنا نقرأ على أبى عبد الرحمن السلمى وهو يمشى.
قال السخاوى (¬2): وقد عاب علينا قوم الإقراء فى الطريق. ولنا فى أبى عبد الرحمن السلمى أسوة حسنة، وقد (¬3) كان لمن هو خير منه قدوة.
¬
_
(¬1) عطاء بن السائب الثقفى أبو محمد الكوفى، أحد الأئمة. روى عن أنس، وابن أبى أوفى وعمرو ابن حريث. وعن ذر المرهبى وخلق. وروى عنه شعبة والسفيانان والحمادان، ويحيى القطان. قال ابن مهدى: كان يختم كل ليلة. واختلط عطاء، فسمع منه شعبة فى الاختلاط حديثين، وجرير ابن عبد الحميد، وعبد الواحد بن زيد وأبو عوانة، وهشيم، وخالد بن عبد الله. قال ابن سعد مات سنة ست وثلاثين ومائة. ينظر: الخلاصة (2/ 230).
(¬2) هو على بن محمد بن عبد الصمد، أبو الحسن، السخاوى، الشافعى. عالم بالقراءات والأصول واللغة والتفسير، أصله من سخا بمصر سكن دمشق، وتوفى فيها سنة 643 هـ. من تصانيفه: «جمال القراء وكمال الإقراء»، و «هداية المرتاب»، و «الكوكب الوقاد» فى أصول الدين، و «الجواهر المكللة» فى الحديث. ينظر: الأعلام (5/ 154)، ومعجم المؤلفين (7/ 209)، وكشف الظنون (1/ 593).
(¬3) فى م: ولقد.
الفصل التاسع فى حكم الأجرة على الإقراء وقبول هدية القارئ
الفصل التاسع فى حكم الأجرة على الإقراء وقبول هدية القارئ
أما الأجرة: فمنعها أبو حنيفة (¬1) والزهرى وجماعة؛ لقوله عليه السلام: «اقرءوا القرآن ولا تأكلوا به» (¬2).
ولأن حصول العلم متوقف على معنى (¬3) من قبل المتعلم [فيكون ملتزما بما] (¬4) لا يقدر على تسليمه؛ فلا يصح.
قال فى «الهداية»: وبعض المشايخ (¬5) استحسن الإيجار على تعليم القرآن اليوم؛ لأنه قد ظهر التوانى فى الأمور الدينية، وفى الامتناع من ذلك تضييع حفظ القرآن، فأجازها (¬6) الحسن (¬7) وابن سيرين (¬8) والشعبى (¬9) إذا لم يشترط.
¬
_
(¬1) هو النعمان بن ثابت بن كاوس بن هرمز. ينتسب إلى تيم بالولاء. الفقيه المجتهد المحقق الإمام، أحد أئمة المذاهب الأربعة، قيل: أصله من أبناء فارس، ولد ونشأ بالكوفة. كان يبيع الخز ويطلب العلم، ثم انقطع للدرس والإفتاء. قال فيه الإمام مالك «رأيت رجلا لو كلمته فى هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته»، وعن الإمام الشافعى أنه قال: «الناس فى الفقه عيال على أبى حنيفة». له «مسند» فى الحديث، و «المخارج» فى الفقه، وتنسب إليه رسالة «الفقه الأكبر» فى الاعتقاد، ورسالة «العالم والمتعلم». ينظر: الأعلام للزركلى (9/ 4)، والجواهر المضية (1/ 26)، و «أبو حنيفة» لمحمد أبى زهرة، والانتقاء لابن عبد البر (122 - 171)، وتاريخ بغداد (13/ 323 - 433).
(¬2) أخرجه الطبرانى فى الأوسط (8/ 344) (8823) عن أبى هريرة بلفظ: «اقرءوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه تعلموا القرآن ... » الحديث وذكره الهيثمى فى المجمع (7/ 171) وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط عن شيخه المقدام بن داود وهو ضعيف وله شاهد من حديث عبد الرحمن بن شبل الأنصارى. أخرجه أحمد (3/ 428، 444) ولفظه: «اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به ... » الحديث. وقال الهيثمى فى المجمع (7/ 170، 171): رواه أحمد والبزار بنحوه ورجال أحمد ثقات.
(¬3) فى م: معين.
(¬4) سقط فى ز، م.
(¬5) فى ص: الأشياخ.
(¬6) فى د: وأجازوها.
(¬7) هو الحسن بن يسار البصرى، أبو سعيد. تابعى، كان أبوه يسار من سبى ميسان، ومولى لبعض الأنصار. ولد بالمدينة وكانت أمه ترضع لأم سلمة. رأى بعض الصحابة، وسمع من قليل منهم.
كان شجاعا، جميلا، ناسكا، فصيحا، عالما، شهد له أنس بن مالك وغيره. وكان إمام أهل البصرة. كان أولا كاتبا للربيع بن سليمان والى خراسان، ولى القضاء بالبصرة أيام عمر ابن عبد العزيز. ثم استعفى. نقل عنه أنه قال بقول القدرية، وينقل أنه رجع عن ذلك، وقال: الخير والشر بقدر. ينظر: تهذيب التهذيب (2/ 263 - 271)، والأعلام للزركلى (2/ 242)، و «الحسن البصرى» لإحسان عباس.
(¬8) هو محمد بن سيرين الأنصارى مولاهم أبو بكر البصرى إمام وقته. روى عن مولاه أنس وزيد بن ثابت وعمران بن حصين وأبى هريرة وعائشة وطائفة من كبار التابعين. وروى عنه الشعبى وثابت، وقتادة وأيوب ومالك بن دينار وسليمان التيمى وخالد الحذاء والأوزاعى وخلق كثير قال أحمد: لم يسمع من ابن عباس. وقال خالد الحذاء: كل شىء يقول نبئت عن ابن عباس إنما سمعه من عكرمة أيام
-[68]-
المختار قال ابن سعد: كان ثقة مأمونا عاليا رفيعا فقيها إماما كثير العلم. وقال أبو عوانة: رأيت ابن سيرين فى السوق فما رآه أحد إلا ذكر الله تعالى وقال بكر المزنى: والله ما أدركنا من هو أورع منه وروى أنه اشترى بيتا، فأشرف فيه على ثمانين ألف دينار، فعرض فى قلبه منه شىء فتركه. وقال جرير بن حازم: سمعت محمدا يقول رأيت الرجل الأسود ثم قال: أستغفر الله ما أرانا إلا قد اغتبناه. وروى أنه كان يصوم يوما ويفطر يوما قال حمّاد بن زيد: مات سنة عشر ومائة. ينظر:
الخلاصة (2/ 412 - 413).
(¬9) هو عامر بن شراحيل الشعبى. أصله من حمير. منسوب إلى الشعب (شعب همدان) ولد ونشأ بالكوفة. وهو راوية فقيه، من كبار التابعين. اشتهر بحفظه. كان ضئيل الجسم. أخذ عنه أبو حنيفة وغيره. وهو ثقة عند أهل الحديث. اتصل بعبد الملك بن مروان. فكان نديمه وسميره.
أرسله سفيرا فى سفارة إلى ملك الروم. خرج مع ابن الأشعث فلما قدر عليه الحجاج عفا عنه فى قصة مشهورة. ينظر: تذكرة الحفاظ (1/ 74 - 80)، والأعلام للزركلى (4/ 19)، والوفيات (1/ 244)، والبداية والنهاية (9/ 49)، وتهذيب التهذيب (5/ 69).
وأجازها مالك مطلقا سواء اشترط المعلم قدرا فى كل شهر، أو جمعة، أو يوم، أو غيرها، أو شرط (¬1) على كل [جزء] (¬2) من القرآن كذا، أو لم يشترط (¬3) شيئا من ذلك ودخل على الجهالة من الجانبين، هذا هو المعول عليه.
وقال ابن الجلاب (¬4) من المالكية: «لا يجوز إلا مشاهرة ونحوها».
ومذهب مالك: أنه لا يقضى للمعلم بهدية الأعياد والجمع.
وهل يقضى بالحذقة- وهى الصرافة (¬5) - إذا جرى بها العرف، أو لا؟ قولان، الصحيح: نعم. قال سحنون (¬6): وليس فيها شىء معلوم، وهى على قدر حال الأب.
¬
_
(¬1) فى م: أو اشترط.
(¬2) سقط فى ص.
(¬3) فى د: يشرط.
(¬4) فى م: ابن الجلال، وهو عبيد الله بن الحسن بن الجلاب، أبو القاسم، فقيه، أصولى حافظ، تفقه بأبى بكر الأبهرى وغيره، وتفقه به القاضى عبد الوهاب وغيره من الأئمة، وكان أفقه المالكية فى زمانه بعد الأبهرى وما خلف ببغداد فى المذهب مثله، وسماه بعض العلماء بالقاضى عياض. من تصانيفه: «كتاب مسائل الخلاف»، و «كتاب التفريع فى المذهب». ينظر: شجرة النور الزكية (ص 92)، وسير أعلام النبلاء (16/ 383)، والعبر (3/ 10)، وشذرات الذهب (3/ 93)، والنجوم الزاهرة (4/ 154).
(¬5) فى ز، ص، د: إلا صرافة.
(¬6) هو عبد السلام بن سعيد بن حبيب، أبو سعيد، التنوخى القيروانى. وسحنون لقبه. من العرب صليبة. أصله شامى من حمص. فقيه مالكى، شيخ عصره وعالم وقته. كان ثقة حافظا للعلم، رحل فى طلب العلم وهو ابن ثمانية عشر عاما أو تسعة عشر. ولم يلاق مالكا وإنما أخذ عن أئمة أصحابه كابن القاسم وأشهب. والرواة عنه نحو 700، انتهت إليه الرئاسة فى العلم، وكان عليه المعول فى المشكلات وإليه الرحلة. راوده محمد بن الأغلب حولا كاملا على القضاء، ثم قبل منه على شرط ألا يرتزق له شيئا على القضاء، وأن ينفذ الحقوق على وجهها فى الأمير وأهل بيته. وكانت ولايته سنة 234 هـ، ومات وهو يتولى القضاء سنة 240 هـ. من مصنفاته: «المدونة» جمع فيها فقه مالك.
ينظر: شجرة النور الزكية ص (69)، والديباج ص (160)، ومرآة الجنان (2/ 131).
قالوا: وإذا بلغ الصبى ثلاثة أرباع القرآن لم يكن لأبيه إخراجه، ووجبت الختمة، وتوقف (¬1) فى الثّلثين.
فرع: (¬2) هل يقضى على القارئ بإعطاء شىء إذا قرأ رواية؟ ولم أر فيها عند المالكية نصّا.
والظاهر (¬3) أن حكمها حكم الحذقة (¬4).
ومذهب الشافعى جواز أخذ الأجرة إذا شارطه واستأجره إجارة صحيحة.
قال الأصفونى (¬5) فى «مختصر الروضة»: ولو استأجره لتعليم قرآن عيّن السورة والآيات، ولا يكفى أحدهما على الأصح.
وفى التقدير بالمدة وجهان، [أصحهما: يكفى] (¬6).
والأصح: أنه لا يجب تعيين قراءة نافع أو غيره، وأنه لو كان يتعلم وينسى يرجع فى وجوب إعادته إلى العرف، ويشترط كون المتعلم مسلما أو يرجى إسلامه. انتهى.
وأما قبول الهدية فامتنع منه (¬7) جماعة من السلف والخلف، تورعا وخوفا من أن يكون بسبب القراءة.
وقال النووى- رحمه الله-: ولا يشين المقرئ طمع فى رفق يحصل له من بعض من يقرأ عليه، سواء كان الرفق مالا أو خدمة، وإن قل، ولو كان على صورة الهدية التى لولا قراءته [عليه] (¬8) لما أهداها إليه.
¬
_
(¬1) فى د، ز، ص: ووقف.
(¬2) زاد فى د: انظر.
(¬3) فى ص: والعلم.
(¬4) فى ص: الحذاقة.
(¬5) هو عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم بن على، العلامة، نجم الدين، أبو القاسم، ويقال أبو محمد الأصفونى، ولد سنة سبع وسبعين وستمائة، قال الإسنوى: برع فى الفقه وغيره وكان صالحا سليم الصدر يتبرك به من يراه من أهل السنة والبدعة. اختصر الروضة. توفى بمنى فى ثانى عيد الأضحى سنة خمسين وسبعمائة. ينظر: طبقات الشافعية (3/ 29 - 30).
(¬6) زيادة من ص، د.
(¬7) فى م: منها.
(¬8) سقط فى م.
الفصل العاشر فى أمور تتعلق بالقصيدة من عروض وإعراب وغيرها
الفصل العاشر فى أمور تتعلق بالقصيدة (¬1) من عروض وإعراب وغيرها
اعلم أن هذه القصيدة من الرجز (¬2)، ووزنه: مستفعلن، ست مرات، من أول أعاريضه وهو التام.
وله ضربان: تام (¬3)، وهو الذى لم يتغير وتده (¬4).
ومقطوع: وهو ما حذف آخر وتده وسكن ما قبله.
وهما واقعان فى القصيدة، إلا أن بعض الأبيات يقع عروضه مقطوعا، كقوله:
وامنع يؤاخذ وبعادا الاولى ... ... ....
[وما علمت له وجها] (¬5) وكثيرا ما وقع (¬6) فى ألفية ابن مالك (¬7) وابن معط (¬8)، [ولم أر
¬
_
(¬1) فى ص: بالقصيد.
(¬2) هو أحد بحور الشعر الستة عشر التى ذكرها العروضيون ومفتاح هذا البحر أو ضابطه- كما نص عليه بعضهم- هو:
فى أبحر الأرجاز بحر يسهل ... مستفعلن مستفعلن مستفعل
(¬3) زاد فى ز: ناقص.
(¬4) الأوتاد فى الشعر على ضربين: أحدهما حرفان متحركان والثالث ساكن نحو «فعو وعلن» وهذا الذى يسميه العروضيون المقرون؛ لأن الحركة قد قرنت الحرفين، والآخر ثلاثة أحرف متحرك ثم ساكن ثم متحرك، وذلك «لات» من مفعولات وهو الذى يسميه العروضيون المفروق؛ لأن الحرف قد فرق بين المتحركين. ينظر: لسان العرب (6/ 4757).
وقد بنى العروضيون تقطيع الشعر على الأوتاد والأسباب، وقد ذكرنا المراد بالأوتاد، وأما الأسباب، فهى جمع سبب، وهو حرف متحرك وحرف ساكن، وهو على ضربين: سببان مقرونان، وسببان مفروقان؛ فالمقرونان ما توالت فيه ثلاث حركات بعدها ساكن، نحو «متفا» من «متفاعلن»، و «علتن» من «مفاعلتن»، فحركة التاء من «متفا»، قد قرنت السببين، وكذلك حركة اللام من «علتن»، قد قرنت السببين أيضا، والمفروقان هما اللذان يقوم كل واحد منها بنفسه، أى يكون حرف متحرك وحرف ساكن، ويتلوه حرف متحرك، نحو «مستف» من «مستفعلن»، ونحو «عيلن» من «مفاعيلن». ينظر: لسان العرب (3/ 1911).
(¬5) سقط فى د.
(¬6) فى ص: ما يقع.
(¬7) هو محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك العلامة جمال الدين أبو عبد الله الطائى الجيّانى الشافعى النحوى نزيل دمشق، إمام النحاة وحافظ اللغة. قال الذهبى: ولد سنة ستمائة، أو إحدى وستمائة، وسمع بدمشق من السخاوى والحسن بن الصباح وجماعة، وكان إماما فى القراءات وعللها. وأما اللغة فكان إليه المنتهى فى الإكثار من نقل غريبها. وأما النحو والتصريف فكان فيهما بحرا لا يجارى، وحبرا لا يبارى. توفى ابن مالك ثانى عشر شعبان سنة اثنتين وسبعين وستمائة. ينظر بغية الوعاة (1/ 130 - 134).
(¬8) هو يحيى بن معط بن عبد النور أبو الحسين زين الدين الزواوى المغربى الحنفى النحوى كان إماما
من العروضيين من ذكر ذلك مع كثرة الفحص عنه إلا فى كلام الشيخ العلامة بدر الدين الدمامينى (¬1) - رحمه الله- فى شرحه للخزرجية؛ فإنه قال: استدرك بعضهم للرجز عروضا مقطوعا ذات ضرب مقطوع، وأنشد على ذلك:
لأطرقنّ حصنهم صباحا ... وأبركنّ مبرك النّعامة] (¬2)
ويدخل فى هذا البحر من الزحاف (¬3)، الخبن: وهو حذف سين «مستفعلن» فينقل إلى متفعلن، والطى: وهو حذف فائه، فإنه ينقل (¬4) إلى مستعلن.
والخبل: وهو اجتماع الخبن والطى، فينتقل (¬5) إلى: فعلتن.
وعروض هذا البحر وضربه يدخلهما من الزحاف ما يدخل الحشو، إلا (¬6) هذا الضرب المقطوع فيدخله الخبن خاصة.
واعلم أن المصنف- أثابه الله تعالى- بالغ فى اختصار هذه القصيدة [جدّا] (¬7) حتى حوت
¬
_
مبرزا فى العربية، شاعرا محسنا، قرأ على الجزولى، وسمع من ابن عساكر، وأقرأ النحو بدمشق مدة ثم بمصر، وتصدر بالجامع العتيق، وحمل الناس عنه. وصنف الألفية فى النحو، الفصول له. ولد سنة أربع وستين وخمسمائة، ومات فى سلخ ذى القعدة سنة ثمان وعشرين وستمائة. وله: العقود والقوانين فى النحو، وكتاب حواش على أصول ابن السراج فى النحو، وكتاب شرح الجمل فى النحو، وكتاب شرح أبيات سيبويه نظم، وكتاب ديوان خطب. وله قصيدة فى القراءات السبع، ونظم كتاب الصحاح للجوهرى فى اللغة، ولم يكمل، ونظم كتاب الجمهرة لابن دريد فى اللغة، ونظم كتابا فى العروض، وله كتاب المثلث. ينظر: بغية الوعاة (2/ 344).
(¬1) هو محمد بن أبى بكر بن عمر بن أبى بكر بن محمد بن سليمان بن جعفر القرشى المخزومى الإسكندرانى بدر الدين المعروف بابن الدّمامينى المالكى النحوى الأديب. ولد بالإسكندرية سنة ثلاث
وستين وسبعمائة، وتفقه وعانى الآداب، ففاق فى النحو والنظم والنثر والخط ومعرفة الشروط، وشارك فى الفقه وغيره، وناب فى الحكم، ودرّس بعدة مدارس، وتقدم ومهر، واشتهر ذكره، وتصدر بالجامع الأزهر لإقراء النحو، ثم رجع إلى الإسكندرية، واستمر يقرئ بها، ويحكم ويتكسب بالتجارة ثم قدم القاهرة، وعين للقضاء فلم يتفق له. وله من التصانيف: تحفة الغريب فى حاشية مغنى اللبيب، وشرح البخارى، وشرح التسهيل، وشرح الخزرجية، وجواهر البحور فى العروض، والفواكه البدرية، من نظمه، ومقاطع الشرب، ونزول الغيث. ينظر: بغية الوعاة (1/ 66 - 67).
(¬2) بدل ما بين المعقوفين فى ز: وغيرهما.
(¬3) الزحاف: هو نوع من التغيير فى تفعيلات البحور الشعرية بحذف حركة أو تسكينها، وذكر فى لسان العرب (3/ 1818) أنه سمى بذلك لثقله، وأنه تخص به الأسباب دون الأوتاد إلا القطع فإنه يكون فى أوتاد الأعاريض والضروب، وذلك أنه سقط ما بين الحرفين حرف فزحف أحدهما إلى الآخر.
ينظر: لسان العرب (3/ 1818).
(¬4) فى م، ص، د: فينقل.
(¬5) فى م، ص، د: فينقل.
(¬6) فى م: إلى. وعروض البحر الشعرى: هى آخر تفعيلة فى الشطر الأول من البيت، وضربه هو آخر تفعيلة من الشطر الثانى، أما حشوه فهو ما سوى العروض والضرب من التفعيلات.
(¬7) سقط فى ز، م.
على صغر (¬1) حجمها عشر قراءات من طرق كثيرة، ومخارج الحروف، ونبذة من التجويد، ومن الوقف والابتداء، وغير ذلك مما هو مذكور فيها، فلذلك دعته الضرورة إلى ارتكاب أشياء مخالفة للأصل، تارة من جهة العروض، [وتارة من جهة العربية، وتارة من جهة القافية] (¬2)، لكن كلها وقعت لغيره من فصحاء العرب (¬3).
¬
_
(¬1) فى ز، س: قلة.
(¬2) العبارة التى بين المعقوفين وردت فى د، مع تقديم وتأخير.
(¬3) اعلم أنه يجوز فى الشعر وما أشبهه من الكلام المسجوع ما لا يجوز فى الكلام غير المسجوع، من رد فرع إلى أصل، أو تشبيه غير جائز بجائز، اضطر إلى ذلك أو لم يضطر إليه؛ لأنه موضع قد ألفت فيه الضرائر.
وأنواعها منحصرة فى الزيادة، والنقص، والتقديم، والتأخير، والبدل:
فالزيادة تنحصر فى زيادة حرف، نحو تنوين الاسم غير المنصرف، إذا لم يكن آخره ألفا، رد إلى أصله من الانصراف؛ نحو قوله تعالي: قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً [الإنسان:
15، 16] فى قراءة من صرف الأول منهما، ونحو قول أمية بن أبى الصلت:
فأتاها أحيمر كأخى السه ... م بعضب فقال: كونى عقيرا
فإن كان آخره ألفا، نحو: حبلى، لم يصرف.
وزيادة حركة، نحو تحريك العين الساكنة اتباعا لما قبلها، وتشبيها بتحريكها إذا نقلت إليها الحركة مما بعدها، فى الوقف، نحو قولك: قام عمرو، ومن ذلك قوله:
إذا تحرك نوح قامتا معه ... ضربا أليما بسبت يلعج الجلدا
يريد: الجلد.
وزيادة كلمة؛ نحو: زيادة «أن» بعد كاف التشبيه؛ تشبيها لها بزيادتها بعد «لما»؛ نحو قوله:
ويوما توافينا بوجه مقسم ... كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم
أى: كظبية والنقص منحصر فى نقص حرف؛ نحو حذف صلة هاء الضمير فى الوصل؛ إجراء له مجرى الوقف، ومن ذلك قوله:
أو معبر الظهر ينبى عن وليته ... ما حج ربه فى الدنيا ولا اعتمرا
والأحسن إذا حذفت الصلة، أن تسكن الهاء، حتى تكون قد أجريت الوصل مجرى الوقف إجراء كاملا؛ نحو قوله:
وأشرب الماء ما بى نحوه عطش ... إلا لأن عيونه سيل واديها
ونقص حركة، نحو حذف حركة الباء من: أشرب، فى قوله:
فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل
تشبيها للمنفصل بالمتصل؛ ألا ترى أن «ربغ» بمنزلة عضد، فكما تسكن الضاد من: عضد؛ فكذلك سكنت الباء.
ونقص كلمة؛ نحو حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وليس فى الكلام ما يدل عليه؛ نحو قوله:
عشية فر الحارثيون، بعد ما ... قضى نحبه فى ملتقى القوم هوبر
أما الأول فكثيرا ما يستعمل الزحافات المتقدمة (¬1).
وأما الثانى (¬2) فكثيرا ما يحذف من اللفظ شيئا، إما حركة أو حرفا (¬3) أو أكثر (¬4) منه، فالحركة؛ كقوله فى الإدغام:
حجّتك بذل قثم فلذا (¬5) سكنت الكاف (¬6)، [وهو كثير فى كلامه] (¬7)، وهذا (¬8) كثير فى كلامهم؛ كقوله:
... ... ... وقد بدا هنك من المئزر (¬9)
¬
_
يريد: ابن هوبر.
والتقديم والتأخير منحصر فى تقديم حرف على حرف، نحو: شواعى، فى شوائع.
وفى تقديم بعض الكلام على بعض، وإن كان لا يجوز ذلك فى الكلام؛ تشبيها بما يجوز ذلك فيه، نحو قوله:
لها مقلتا أدماء طل خميلة ... من الوحش ما تنفك ترعى عرارها
التقدير: لها مقلتا أدماء من الوحش ما تنفك ترعى خميلة طل عرارها.
والبدل: منحصر فى إبدال حرف من حرف، نحو إبدال الياء من الباء فى: أرانب، جمع أرنب؛ تشبيها لها بالحروف التى يجوز ذلك فيها.
وفى إبدال حركة من حركة، نحو إبدال الكسرة التى قبل ياء المتكلم فى غير النداء؛ تشبيها بالنداء، نحو قوله:
أطوف ما أطوف ثم آوى ... إلى أما ويروينى النقيع
يريد: إلى أمى.
وإبدال كلمة من كلمة، نحو قوله:
وذات هدم عار نواشرها ... تصمت بالماء تولبا جدعا
فأوقع التولب، وهو ولد الحمار على الطفل؛ تشبيها له به.
ينظر: المقرب ص (556).
(¬1) فى د: الزحاف المتقدم.
(¬2) فى د: وأما القافية.
(¬3) فى ص: إما حرفا أو حركة.
(¬4) فى ص: أو أكبر.
(¬5) فى م: فلذلك.
(¬6) فى د: فسكن الكاف، وفى ص: فأسكنت الكاف.
(¬7) ما بين المعقوفين سقط فى ص، د.
(¬8) فى م: وهكذا، وفى ص: وهو.
(¬9) عجز بيت وصدره:
رحت وفى رجليك عقالة ... ... ... ...
وهو ثلث أبيات للأقيشر الأسدي قال صاحب الأغانى وغيره: سكر الأقيشر يوما فسقط، فبدت عورته وامرأته تنظر إليه، فضحكت منه وأقبلت عليه تلومه وتقول له: أما تستحى يا شيخ من أن تبلغ بنفسك هذه الحالة! فرفع رأسه إليها وأنشأ يقول:
تقول: يا شيخ أما تستحى ... من شربك الخمر على المكبر
فقلت: لو باكرت مشمولة ... صهبا كلون الفرس الأشقر
واستشهد به على أن تسكين «هن» فى الإضافة للضرورة، وليس بلغة.
وقوله:
فاليوم أشرب غير مستحقب ... ... ... ... (¬1)
¬
_
وأورده سيبويه فى باب الإشباع فى الجر والرفع وغير الإشباع قال: وقد يجوز أن يسكنوا الحرف المجرور والمرفوع فى الشعر، شبهوا ذلك بكسر فخذ حيث حذفوا فقالوا فخذ، وبضمة عضد حيث حذفوا فقالوا: عضد؛ لأن الرفعة ضمة والجرة كسرة. ثم أنشد هذا البيت.
ومثله فى الضرورة قول جرير:
سيروا بنى العم فالأهواز منزلكم ... ونهر تيرى ولا تعرفكم العرب
ومن أبيات الكتاب أيضا:
فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل
قال ابن جنى «فى المحتسب»: وأما اعتراض أبى العباس المبرد هنا على الكتاب فإنما هو على العرب لا على صاحب الكتاب؛ لأنه حكاه كما سمعه، ولا يمكن فى الوزن أيضا غيره. وقول أبى العباس: إنما الرواية: فاليوم فاشرب، فكأنه قال لسيبويه: كذبت على العرب ولم تسمع ما حكيته عنهم. وإذا بلغ الأمر هذا الحد من السرف، فقد سقطت كلفة القول معه. وكذلك إنكاره عليه أيضا قوله الشاعر:
... ... ... ... وقد بدا هنك من المئزر
فقال: إنما الرواية:
... ... ... ... وقد بدا ذاك من المئزر
انتهى. وقال بعض من كتب على شواهد سيبويه: مر سكران بسكة بنى فزارة، فجلس يريق الماء، ومرّ به نسوة فقالت امرأة منهن: هذا نشوان قليل الحياء، أما تستحى يا شيخ من شربك الخمر؟ فقال ذلك. وقال ابن الشجرى فى «أماليه»: مر الفرزدق بامرأة وهو سكران يتواقع، فسخرت منه، فقال هذه الأبيات. انتهى، والصواب الأول.
ينظر: ديوانه ص 43، وخزانة الأدب (4/ 484، 485، 8/ 351)، والدرر (1/ 174)، وشرح أبيات سيبويه (2/ 391)، والمقاصد النحوية (4/ 516)، وللفرزدق فى الشعر والشعراء (1/ 106)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر (1/ 65، 2/ 31)، وتخليص الشواهد ص (63)، والخصائص (1/ 74، 3/ 95، 317)، ورصف المبانى ص (327)، وشرح المفصل (1/ 48)، والكتاب (4/ 203)، ولسان العرب (وأل)، (هنا)، وهمع الهوامع (1/ 54).
(¬1) صدر البيت من قصيدة لامرئ القيس. قال عبد الرحمن السعدى فى كتاب «مساوى الخمر»:
غزا امرؤ القيس بنى أسد ثائرا بأبيه، وقد جمع جموعا من حمير وغيرهم من ذؤبان العرب وصعاليكها، وهرب بنو أسد من بين يديه حتى أنضوا الإبل وحسروا الخيل، ولحقهم فظفر بهم، وقتل بهم مقتلة عظيمة، وأبار حلمة بن أسد، ومثل فى عمرو وكاهل ابني أسد.
وذكر الكلبى عن شيوخ كندة أنه جعل يسمل أعينهم، ويحمى الدروع فيلبسهم إياها.
وروى أبو سعيد السكرى مثل ذلك، وأنه ذبحهم على الجبل، ومزج الماء بدمائهم إلى أن بلغ الحضيض، وأصاب قوما من جذام كانوا فى بنى أسد. واستشهد به على أنه يقدر فى الضرورة رفع الحرف الصحيح، كما فى أشرب فإن الباء حرف صحيح وقد حذف الضمة منه للضرورة.
قال سيبويه: وقد يسكن بعضهم فى الشعر ويشم، وذلك قول امرئ القيس:
فاليوم أشرب غير مستحقب ... ... ... ... ...
البيت. اهـ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
¬
_
ووقع فى نسخ الكامل للمبرد:
فاليوم أسقى غير مستحقب فلا شاهد فيه على هذا. ورواه أبو زيد فى نوادره كرواية المبرد: (فاليوم فاشرب) قال أبو الحسن الأخفش فيما كتبه على نوادره: الرواية الجيدة (فاليوم فاشرب) و (اليوم أسقى). وأما رواية من روى (فاليوم أشرب) فلا يجوز عندنا إلا على ضرورة قبيحة، وإن كان جماعة من رؤساء النحويين قد أجازوا. اهـ.
وهو فى هذا تابع للمبرد.
وأورده ابن عصفور (فى كتاب الضرائر) مع أبيات مثله وقال:
ومن الضرورة حذف علامتى الإعراب: الضمة والكسرة، من الحرف الصحيح تخفيفا، إجراء للوصل مجرى الوقف، أو تشبيها للضمة بالضمة من عضد وللكسرة من فخذ وإبل، نحو قول امرئ القيس فى إحدى الروايتين:
فاليوم أشرب غير مستحقب إلى أن قال: وأنكر المبرد والزجاج التسكين فى جميع ذلك؛ لما فيه من إذهاب حركة الإعراب، وهى لمعنى، ورويا موضع «فاليوم أشرب»: فاليوم فاشرب. والصحيح أن ذلك جائز سماعا وقياسا.
أما القياس فإن النحويين اتفقوا على جواز ذهاب حركة الإعراب للإدغام، لا يخالف فى ذلك أحد منهم. وقد قرأت القراء: ما لَكَ لا تَأْمَنَّا [يوسف: 11] بالإدغام، وخط فى المصحف بنون واحدة فلم ينكر ذلك أحد من النحويين. فكما جاز ذهابها للإدغام فكذلك ينبغى ألا ينكر ذهابها للتخفيف.
وأما السماع فثبوت التخفيف فى الأبيات التى تقدمت، وروايتهما بعض تلك الأبيات على خلاف التخفيف لا يقدح فى رواية غيرهما. وأيضا فإن ابن محارب قرأ: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ [البقرة:
228] بإسكان التاء. وكذلك قرأ الحسن: وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ [النساء: 120] بإسكان الدال.
وقرأ أيضا مسلمة ومحارب: وَإِذْ يَعِدُكُمُ [الأنفال: 7] بإسكان الدال. وكأن الذى حسن مجىء هذا التخفيف فى حال السعة شدة اتصال الضمير بما قبله من حيث كان غير مستقل بنفسه، فصار التخفيف لذلك كأنه قد وقع فى كلمة واحدة. والتخفيف الواقع فى الكلمة نحو عضد فى عضد سائغ فى حال السعة، لأنه لغة لقبائل ربيعة، بخلاف ما شبه به من المنفصل، فإنه لا يجوز إلا فى الشعر.
فإن كانت الضمة والكسرة اللتان فى آخر الكلمة علامتى بناء اتفق النحويون على جواز حذفهما فى الشعر تخفيفا. انتهى.
وما نقله عن الزجاج مذكور فى تفسيره عند قوله تعالى: فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ من سورة البقرة [54] قال: والاختيار ما روى عن أبى عمرو أنه قرأ: إِلى بارِئِكُمْ بإسكان الهمزة. وهذا رواه سيبويه باختلاس الكسر، وأحسب أن الرواية الصحيحة ما روى سيبويه فإنه أضبط لما روى عن أبى عمرو. والإعراب أشبه بالرواية عن أبى عمرو، ولأن حذف الكسر فى مثل هذا وحذف الضم إنما يأتى باضطرار
من الشعر. وأنشد سيبويه وزعم أنه مما يجوز فى الشعر خاصة:
إذا اعوججن قلت صاحب قوم بإسكان الباء. وأنشد أيضا:
فاليوم أشرب غير مستحقب فالكلام الصحيح أن يقول: يا صاحب أقبل، أو يا صاحب أقبل، ولا وجه للإسكان. وكذلك:
اليوم أشرب يا هذا. وروى غير سيبويه هذه الأبيات على الاستقامة، وما ينبغى أن يجوز فى الكلام والشعر.
وقوله:
... ... ... ... ... فلا تعرفكم العرب (¬1)
والحرف أنواع، منها واو العطف؛ كقوله:
صفاتها جهر ورخو مستفل ... منفتح مصمتة والضّدّ قل
وقوله:
وصاد ضاد طاء ظاء مطبقة وقوله:
كهمز الحمد أعوذ اهدنا وهى (¬2) مسألة خلاف (¬3) اختار ابن مالك والفارسى (¬4) وابن عصفور (¬5) جوازه، قالوا:
¬
_
رووا هذا البيت على ضربين:
فاليوم أسقى غير مستحقب ورووا:
إذا اعوججن قلت صاح قوم ولم يكن سيبويه ليروى إلا ما سمع، إلا أن الذى سمعه هؤلاء هو الثابت فى اللغة. وقد ذكر سيبويه أن القياس غير الذى روى. اه.
ينظر: خزانة الأدب: (8/ 350 - 354)، وإصلاح المنطق ص (245، 322)، والأصمعيات ص (130)، وجمهرة اللغة ص (962)، وحماسة البحترى ص (36)، وخزانة الأدب (4/ 106، 8/ 350، 354، 355)، والدرر (1/ 175)، ورصف المبانى (ص 327)، وشرح التصريح (1/ 88)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى (ص 612، 1176)، وشرح شذور الذهب ص (276)، وشرح شواهد الإيضاح ص (256)، وشرح المفصل (1/ 48)، والشعر والشعراء (1/ 122)، والكتاب (4/ 204)، ولسان العرب (حقب)، (دلك)، (وغل)، والمحتسب (1/ 15، 110)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر (1/ 66)، والاشتقاق ص (337)، وخزانة الأدب (1/ 152، 3/ 463، 4/ 484، 8/ 339)، والخصائص (1/ 74) (2/ 317، 340، 3/ 96)، والمقرب (2/ 205)، وهمع الهوامع (1/ 54).
(¬1) جزء من عجز بيت وتمام البيت:
سيروا بنى العم بالأهواز منزلكم ... ونهر تيرى ... ...
وهو لجرير فى ديوانه ص (441)، والأغانى (3/ 253)، وجمهرة اللغة ص (962)، وخزانة الأدب (4/ 484)، والخصائص (1/ 74)، وسمط اللآلى ص (527)، ولسان العرب (شتت)، (عبد)، ومعجم البلدان (5/ 319) (نهر تيرى)، والمعرب ص (38)، وبلا نسبة فى الخصائص (2/ 317). والشاهد فيه قوله: «تعرفكم» حيث سكن الفاء للضرورة الشعرية، ويروى «فلم تعرفكم»، ولا شاهد فى هذه الرواية.
(¬2) فى ز: وهذه.
(¬3) فى د: اختلاف.
(¬4) هو إمام النحو، أبو على، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسى الفسوى، صاحب التصانيف.
حدث بجزء من حديث إسحاق بن راهويه، سمعه من على بن الحسين بن معدان، تفرد به.
وعنه: عبيد الله الأزهرى، وأبو القاسم التنوخى، وأبو محمد الجوهرى، وجماعة.
-[77]-
قدم بغداد شابّا، وتخرج بالزجاج وبمبرمان، وأبى بكر السراج، وسكن طرابلس مدة ثم حلب، واتصل بسيف الدولة. وتخرج به أئمة.
ومن تلامذته: أبو الفتح بن جنى، وعلى بن عيسى الربعى.
ومصنفاته كثيرة نافعة. وكان فيه اعتزال. عاش تسعا وثمانين سنة.
مات ببغداد فى ربيع الأول سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.
وله كتاب (الحجة) فى علل القراءات، وكتابا (الإيضاح) و (التكملة)، وأشياء.
ينظر سير أعلام النبلاء (16/ 379، 380)، وغاية النهاية (1/ 206 - 207)، والوافى بالوفيات (11/ 376 - 379).
(¬5) ينظر: تفسير الفخر الرازى: (4/ 182).
لقوله صلى الله عليه وسلم: «تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من صاع برّه» (¬1) أى: ومن، وكقول (¬2) الشاعر:
كيف أصبحت كيف أمسيت ممّا ... يزرع الودّ (¬3) فى فؤاد الكريم (¬4)
ومنها حذف الهمز (¬5) من آخر كلمة ممدودة، وهو المعبر عنه بقصر الممدود؛ كقوله:
والرّا يدانيه لظهر أدخل وقوله (¬6):
والطّاء والدّال وتا منه ومن (¬7) وقوله:
فالفا مع (¬8) اطراف الثّنايا المشرفة وهذا جائز مطلقا؛ لضرورة الشعر عند الجمهور؛ كقوله:
لا بدّ (¬9) من صنعا وإن طال السّفر (¬10)
¬
_
(¬1) فى م: من متاع. والحديث هو طرف من حديث جرير بن عبد الله أخرجه مسلم (2/ 704 - 706) كتاب الزكاة باب الحث على الصدقة (69/ 1017) وأحمد (4/ 357، 359) والنسائى (5/ 75) كتاب الزكاة باب التحريض على الصدقة، وابن ماجة (1/ 199) فى المقدمة باب من سن سنة حسنة أو سيئة (203) والترمذى (4/ 407) كتاب العلم باب ما جاء فيمن دعا إلى هدى (2675).
(¬2) فى ص: كقول.
(¬3) فى د: زرع الود.
(¬4) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر (8/ 134)، والخصائص (1/ 290) (2/ 280)، والدرر (6/ 155)، وديوان المعانى (2/ 225)، ورصف المبانى ص (414)، وشرح الأشمونى (2/ 431)، وشرح عمدة الحافظ ص (641)، وهمع الهوامع (2/ 140).
والشاهد فيه قوله: «كيف أصبحت كيف أمسيت» حيث حذف واو العطف بدون معطوفها، والتقدير: كيف أصبحت وكيف أمسيت، وهذا جائز عند بعض النحاة، وغير جائز عند بعضهم الآخر.
(¬5) فى ص: الهمزة.
(¬6) فى ص: وكقوله.
(¬7) سقط فى م.
(¬8) فى م: من.
(¬9) فى ص: ولا بد.
-[78]-
(¬10) الرجز بلا نسبة فى أوضح المسالك (4/ 296)، والدرر (6/ 219)، وشرح الأشمونى (3/ 657)، وشرح التصريح (2/ 293)، والمقاصد النحوية (4/ 11)، وهمع الهوامع (2/ 156).
والشاهد فيه قوله: «صنعا» حيث قصره الشاعر حين اضطر لإقامة الوزن، وأصله: صنعاء.
وقال الفراء (¬1): لا يجوز إلا إذا كان له بعد القصر نظير (¬2) فى الصحيح، فلا يجوز (¬3) قصر «حمراء» و «أنبياء» (¬4)؛ لأن مؤنث «أفعل» لم يأت إلا ممدودا، و «أنبياء» يؤدى قصره إلى وزن لا يكون عليه الجمع.
ومنها حذفه من أولها؛ كحذف همزة القطع، كهمزة (¬5) «أطراف» فى الشطر المتقدم، وهو كالذى قبله (¬6).
ومنها حذف التنوين؛ كحذفه من «صاد» و «طاء» فى الشطر المتقدم، ومن الجيم (¬7) فى قوله:
أسفل والوسط فجيم الشّين يا ... ... ... ...
وهو جائز كقراءة [غير] (¬8) عاصم، والكسائى: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة: 30] ورواية (¬9) أبى هارون (¬10) عن أبى عمرو: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ [الإخلاص: 1، 2]، وقول الشاعر:
تذهل (¬11) الشّيخ عن بنيه وتبدى ... عن خدام (¬12) العقيلة العذراء
والزائد على الحرف؛ كقوله:
والكلّ أولاها وثانى العنكبا أى: العنكبوت.
¬
_
(¬1) هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن مروان الديلمى، أبو زكريا المعروف بالفراء. كان أعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائى، أخذ عنه وعليه اعتمد، وأخذ عن يونس ابن حبيب من البصريين. مات بطريق مكة سنة سبع ومائتين، عن سبع وستين سنة. انظر مراتب النحويين 86، والفهرست 104، وطبقات النحويين واللغويين 131، ونزهة الألباء 65، ووفيات الأعيان (6/ 176) وبغية الوعاة (2/ 333).
(¬2) فى د: مثال.
(¬3) فى ص، د: فلا يجيز.
(¬4) فى م: همزة أنبيا.
(¬5) فى م: كهمز، وفى ص: كحذف همزة.
(¬6) فى د: وقراءة ورش وغيره.
(¬7) فى م: فيما تقدم.
(¬8) زيادة من د، ز.
(¬9) فى د: وكرواية.
(¬10) فى م: أبى هريرة. وهو خطأ والصواب ما أثبتناه وهو هارون بن موسى أبو عبد الله الأعور العتكى البصرى الأزدى مولاهم علامة صدوق نبيل له قراءة معروفة، روى القراءة عن عاصم الجحدرى وعاصم بن أبى النجود وعبد الله بن كثير وابن محيصن وحميد بن قيس، وروى عن ثابت وأنس ابن سيرين وشعيب بن الحبحاب. مات هارون قبل المائتين. ينظر: غاية النهاية (2/ 348).
(¬11) فى أ: تنهل.
(¬12) فى ص، د: جذام. والبيت لعبيد الله بن قيس الرقيات فى ديوانه ص (96)، والأغانى (5/ 69)، وخزانة الأدب (7/ 287، 11/ 377)، وسر صناعة الإعراب ص (535)، وشرح المفصل (9/
وقوله:
وليتلطّف وعلى الله ولا الض أى: ولا الضّالّين.
وهو جائز فى الشعر؛ كقوله (¬1):
ذمّ المنا بمتالع (¬2) فأبانا أى: ذمّ المنازل، والله أعلم.
وأما الثالث (¬3): فكثيرا ما يقع له فى [القافية] (¬4) سناد (¬5) التوجيه، والتوجيه: [هو] (¬6) حركة ما قبل الروىّ المقيد (¬7)، وسناد التوجيه: اختلاف تلك الحركة؛ بأن تكون قبل الروى المقيد فتحة [مع ضمة أو كسرة] (¬8)؛ كقول (¬9) الناظم:
... قالوا وهم ثم قال:
... ... ... قل (¬10) نعم وقوله:
وهمز وصل من كآلله أذن ... ... ... ...
ثم قال:
... ... ... واقصرن ... ...
وقوله:
.. .. ومن يمدّ ... قصّر [سوآت] (¬11) وبعض خصّ مدّ
¬
_
37)، ولسان العرب (شعا)، والمنصف (2/ 231)، ولمحمد بن الجهم بن هارون فى معجم الشعراء ص (450)، وبلا نسبة فى الإنصاف ص (661)، وتذكرة النحاة ص (444)، ولسان العرب (خدم)، ومجالس ثعلب ص (150).
أراد: وتبدى العقيلة العذراء لها عن خدام- والخدام: الخلخال- أى ترفع المرأة الكريمة ثوبها للهرب فيبدو خلخالها. والجملة التى هى «تبدى العقيلة» موضعها رفع بالعطف على جملة تذهل الواقعة نعتا لغارة، والعائد إلى الموصوف من الجملة المعطوفة محذوف، تقديره: وتبدى العقيلة العذراء لها عن خدام، أى لأجلها.
(¬1) فى م: ومنه.
(¬2) فى م: بمسالع.
(¬3) فى د: وأما القافية.
(¬4) سقط فى د.
(¬5) فى م: إسناد.
(¬6) زيادة من م.
(¬7) ورد فى د عبارة: والروى هو الحرف الذى تنسب إليه القصيدة.
(¬8) ما بين المعقوفين سقط فى م.
(¬9) فى م: وهو كقول.
(¬10) فى ص: وقل.
(¬11) سقط فى د، وجاء مكانها: ثم قال.
واختلف فى سناد التوجيه؛ فقال الخليل: تجوز الضمة مع الكسرة، وتمنع الفتحة مع أحدهما.
وقال الأخفش (¬1): ليس بعيب (¬2)؛ ولذا سمى (¬3) بالتوجيه؛ لأن الشاعر له أن يوجهه (¬4) إلى أى جهة شاء من الحركات.
وهذا اختيار ابن القطاع (¬5) وابن الحاجب (¬6) [وغيرهما] (¬7)، وهو الصحيح.
وقيل: يمنع مطلقا. والله تعالى أعلم. [وهذا أو ان الشروع فى المقصود] (¬8).
¬
_
(¬1) هو عبد الحميد بن عبد المجيد، أبو الخطاب الأخفش الأكبر، أحد الأخافشة الثلاثة المشهورين. كان إماما فى العربية قديما، لقى الأعراب وأخذ عنهم، وأخذ عن أبى عمرو بن العلاء وطبقته، وأخذ عن سيبويه، والكسائى، ويونس، وأبى عبيدة. وكان دينا ورعا ثقة. انظر مراتب النحويين (23)، وطبقات النحويين (40)، ونزهة الألباء (28)، وإنباء الرواة (2/ 157).
(¬2) فى د: عيب لكثرته فى أشعار العرب.
(¬3) فى د: وسمى.
(¬4) فى ص: يوجه.
(¬5) على بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن أحمد بن محمد بن زيادة الله بن محمد ابن الأغلب السعدى بن إبراهيم بن الأغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة بن عبد الله بن عباد ابن محارم بن سعد بن حزام بن سعد بن مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان السعدى المعروف بابن القطاع الصقلى.
قال ياقوت: كان إمام وقته بمصر فى علم العربية، وفنون الأدب. صنف: الأفعال، أبنية الأسماء، حواشى الصحاح، تاريخ صقلية، الدرة الخطيرة فى شعراء الجزيرة، وغير ذلك.
ولد فى العاشر من صفر سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، ومات فى صفر سنة خمس عشرة- وقيل أربع عشرة- وخمسمائة. ينظر: بغية الوعاة (2/ 153 - 154).
(¬6) هو عثمان بن عمر أبى بكر بن يونس المعروف بابن الحاجب- أبو عمرو، جمال الدين- كردى الأصل. ولد فى إسنا. ونشأ فى القاهرة. ودرس بدمشق وتخرج به بعض المالكية. ثم رجع إلى مصر فاستوطنها. كان من كبار العلماء بالعربية، وفقيها من فقهاء المالكية، بارعا فى العلوم الأصولية، متقنا لمذهب مالك بن أنس. وكان ثقة حجة متواضعا عفيفا. من تصانيفه: «مختصر الفقه»، و «منتهى السول والأمل فى علمى الأصول والجدل» فى أصول الفقه، و «جامع الأمهات» فى فقه المالكية. ينظر: الديباج المذهب ص (189)، ومعجم المؤلفين (6/ 265).
(¬7) زيادة من د.
(¬8) زيادة من د.
المقدمة
شرح القصيدة
[قال الناظم- أثابه الله تعالى-] (¬1):
[المقدمة]
ص:
قال محمّد هو ابن الجزرى ... يا ذا الجلال ارحمه واستر واغفر
ش: (قال): فعل ماض [واوى العين] (¬2) ثلاثى، ناصب لمفعولين عند بنى سليم بعد استيفاء فاعله، ولواحد عند الجمهور، ثم إن كان مفردا [سواء كان معناه] (¬3) مفردا أو مركبا؛ نحو: قال زيد كلمة وشعرا- نصب لفظه، وإن كان جملة نصب محله، وحكى لفظ الجملة بلا تغيير، ومحكى القول هنا: (الحمد لله)، إلى آخر الكتاب، فجملة (¬4) (يا ذا الجلال) معترضة لا محل لها من الإعراب، وربما تحتمل (¬5) الدخول فى الحكاية، وعليه أيضا فلا محل لها؛ لأن نسبتها إلى مفعول القول كنسبة الزاى من «زيد» إليه، لا يقال: إن كل جملة صدق عليها أنها محكية؛ لأنه يلزم منه تقدير القول، وتقدير [القول] (¬6) (عاطف كلاهما) فى كل جملة، وعدم الحكم على شىء من جمل الكتاب كله بأنها فى محل رفع أو جر أو نصب بغير القول والله تعالى أعلم.
و «محمد»: فاعله، و «هو ابن الجزرى» جملة معترضة لا محل لها (¬7) من الإعراب، و [قال بعضهم] (¬8) ربما يؤخذ من كلام ابن مالك فى باب الفصل من «التسهيل» جواز وقوع ضمير الفصل بين الموصوف وصفته، فعلى هذا يجوز إعراب «هو» ضمير فصل، و «ابن الجزرى» صفة (¬9).
قلت: ولا وجود له فى كلامهم (¬10)، [والله أعلم] (¬11).
و (ذا الجلال): منادى مضاف (¬12)، و (ارحمه) طلبية، وكذا تاليتاها، ومفعول (استر) محذوف؛ لأنه منصوب، وكذا متعلق (اغفر) وهو (له)؛ لأنه ملحق بالفضلات.
فإن قلت: كان المناسب التعبير بالمستقبل فلم عدل عنه؟
قلت: يحتمل أنه أخر وضع هذا البيت إلى أن فرغ من الكتاب، وحينئذ فلا يرد السؤال، ويحتمل أنه قدمه والمستقبل المحقق (¬13) الوقوع يعبر عنه بالماضى كقوله تعالى:
أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النحل: 1]، فيكون الناظم نزّل هذا الكتاب منزلة المحقّق (¬14) الوقوع؛
¬
_
(¬1) فى م: قال المصنف رحمه الله. والعبارة سقط فى ز.
(¬2) سقط فى ز، ص، م.
(¬3) ما بين المعقوفين سقط فى م.
(¬4) فى م: وقوله.
(¬5) فى د، م، ز: يحتمل.
(¬6) زيادة من م.
(¬7) فى م: إلخ.
(¬8) زيادة من ص، د.
(¬9) فى م، ز: صفته.
(¬10) فى د، ز، ص: كلامه.
(¬11) زيادة من ص، د.
(¬12) فى ز: موصوف، وفى ص، د: منصوب.
(¬13) فى م: محقق.
(¬14) فى م: محقق.
لكونه قادرا بنفسه على فعله لاجتماع أسبابه وارتفاع موانعه.
فإن قلت: هل يجاب بأنه عبر بالماضى عن المستقبل؟
قلت: فيه بعد، والظاهر عدمه؛ لأنه مجاز.
فإن قلت: الجواب الثانى أيضا فيه مجاز.
قلت: هو أكثر وأشهر، بل صار حقيقة عرفية؛ فهو مقدم.
فإن قلت: الجزرى صفة جده لا أبيه.
قلت: الجد أيضا أب، كقوله (¬1) تعالى: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ... الآية [النساء: 22]، أو نسب نفسه له لشهرته به.
فإن قلت: ما الحكمة فى الإتيان بالشطر الثانى؟
قلت: الإشارة إلى أن هذا النظم الذى هو من أعماله وإن كان عملا صالحا، وكذلك جميع الأعمال، [ليس] (¬2) هو موجبا للفوز الأخروى، وأنه [غير] (¬3) ناظر إليه و [لا] (¬4) معتمد عليه، وأن الفوز إنما يحصل برحمة الله تعالى.
[ومن رحمة الله تعالى] (¬5) أن ييسر للعبد فى الدنيا أفعال الخير ولذلك خص الدعاء بالرحمة إشارة إلى قوله (¬6) صلى الله عليه وسلم: «لن يدخل أحد الجنّة بعمله» (¬7) قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: «ولا أنا، إلّا أن يتغمّدنى الله برحمته».
وأكد طلب الرحمة ثانيا بقوله: (استر) وهو من ذكر الخاص بعد العام؛ لأنه إذا ستره غفر له ذلك الذنب الذى ستره منه، والستر أيضا ضرب من الرحمة، ثم أكد طلب الرحمة ثالثا بطلب المغفرة التى هى أهم (¬8) أنواع الرحمة فى حقه، وهو ترتيب حسن جدّا،
¬
_
(¬1) فى م، د: لقوله.
(¬2) سقط فى ص.
(¬3) سقط فى د.
(¬4) سقط فى ز، ص، د.
(¬5) ما بين المعقوفين سقط فى د، وفى م: ومن رحمته.
(¬6) فى م: لقوله.
(¬7) فى م: الجنة أحد. والحديث أخرجه البخارى (11/ 269) كتاب المرضى باب تمنى المريض الموت (5673) ومسلم (4/ 2170) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم باب لن يدخل أحد الجنة بعمله (75/ 2816) وأحمد (2/ 264) من طريق أبى عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله منه بفضل ورحمة».
وأخرجه البخارى (13/ 83) كتاب الرقاق باب القصد والمداومة على العمل (6463) وفى الأدب المفرد له (461) وأحمد (2/ 514، 537) عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة بلفظ لن ينجى أحدا منكم عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمة سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشىء من الدّلجة والقصد القصد تبلغوا» وفى الباب عن جابر وعائشة.
(¬8) فى د، ص، م: أعم.
ص: الحمد لله على ما يسره ... من نشر منقول حروف العشرة
والله أعلم.
ص:
الحمد لله على ما يسّره ... من نشر منقول حروف العشرة
ش: (الحمد لله): اسمية (¬1)، وفى خبرها الخلاف المشهور: هل الجار والمجرور أو متعلّقه وهو الأصح؟ وهل المتعلّق اسم، وهو الأصح، أو فعل؟ وهل ضمير المتعلّق انتقل إلى المتعلّق وهو الأصح أو على حاله؟
وإنما عدل إلى الرفع فى (الحمد [لله)] (¬2) ليدل على عمومه وثبوته له دون تجدده وحدوثه، وهو من المصادر التى تنصب بأفعال مضمرة لا تكاد تستعمل معها، والتعريف فيه للجنس، ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد، أو للاستغراق (¬3)؛ إذ الحمد فى الحقيقة كله لله، إذ ما من خير إلا وهو موليه بواسطة أو بغير واسطة، [كما] (¬4) قال تعالى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل: 53] ومنه إشعار بأن الله تعالى حى قادر مريد عالم، إذ الحمد لا يستحقه إلا من هذا شأنه.
والحمد: هو الثناء باللسان على قصد التعظيم سواء تعلق بالفضائل أو بالفواضل.
والشكر فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لكونه منعما، سواء كان قولا باللسان أو عملا بالأركان أو اعتقادا أو محبة بالجنان (¬5)؛ فعلى هذا لا يكون مورد الحمد إلا اللسان، ومتعلقه تارة يكون نعمة وتارة غيرها (¬6)، ومتعلق الشكر لا يكون إلا النعمة، ومورده يكون اللسان وغيره (¬7).
فالحمد على هذا [يكون] (¬8) أعمّ من الشكر باعتبار المتعلّق وأخصّ باعتبار المورد، والشكر أعم باعتبار المورد وأخص باعتبار المتعلق: فبينهما عموم وخصوص من وجه، فالثناء باللسان فى مقابلة الفواضل يصدقان عليه، وفى مقابلة الفضائل حمد، والثناء بالجنان أو الأركان شكر (¬9).
¬
_
(¬1) فى م: جملة ابتدائية.
(¬2) زيادة من ص.
(¬3) فى م: والاستغراق. وكون الألف واللام فى الحمد لتعريف الجنس هو اختيار الزمخشرى. ومنع الزمخشرى كونها للاستغراق، ولم يبين وجهة ذلك قال ابن عادل الحنبلى: ويشبه أن يقال: إن المطلوب من العبد إنشاء الحمد، لا الإخبار به، وحينئذ يستحيل كونها للاستغراق؛ إذ لا يمكن العبد أن ينشئ جميع المحامد منه ومن غيره، بخلاف كونها للجنس.
(¬4) سقط فى م.
(¬5) فى ص، د: ومحبة، وم: واعتقادا بالجنان.
(¬6) فى ص: يكون غيرهما.
(¬7) فى م: أو غيره.
(¬8) سقط فى ص.
(¬9) وتوضيح ذلك: أن الحمد هو الثناء على الجميل سواء كانت نعمة مبتدأة إلى أحد أم لا. يقال:
¬
_
حمدت الرجل على ما أنعم به، وحمدته على شجاعته، ويكون باللسان وحده، دون عمل الجوارح، إذ لا يقال: حمدت زيدا أى: عملت له بيدى عملا حسنا، بخلاف الشكر؛ فإنه لا يكون إلا على نعمة مبتدأة إلى الغير.
يقال: شكرته على ما أعطانى، ولا يقال: شكرته على شجاعته، ويكون بالقلب، واللسان، والجوارح؛ قال الله تعالى: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً [سبأ: 13] وقال الشاعر:
أفادتكم النعماء منى ثلاثة ... يدى ولسانى والضمير المحجبا
فيكون بين الحمد والشكر عموم وخصوص من وجه ذكره ابن عادل الحنبلى، ثم قال: وقيل:
الحمد هو الشكر؛ بدليل قولهم: «الحمد لله شكرا».
وقيل: بينهما عموم وخصوص مطلق، والحمد أعم من الشكر.
وقيل: الحمد: الثناء عليه تعالى بأوصافه، والشكر: الثناء عليه بأفعاله، فالحامد قسمان: شاكر ومثن بالصفات الجميلة.
وقيل: الحمد مقلوب من المدح، وليس بسديد- وإن كان منقولا عن ثعلب؛ لأن المقلوب أقل استعمالا من المقلوب منه، وهذان مستويان فى الاستعمال، فليس ادعاء قلب أحدهما من الآخر أولى من العكس، فكانا مادتين مستقلتين. وأيضا فإنه يمتنع إطلاق المدح حيث يجوز إطلاق الحمد، فإنه يقال: حمدت الله- تعالى- ولا يقال: مدحته، ولو كان مقلوبا لما امتنع ذلك.
ولقائل أن يقول: منع من ذلك مانع، وهو عدم الإذن فى ذلك.
وقال الراغب: «الحمد لله»: الثناء بالفضيلة، وهو أخص من المدح، وأعم من الشكر، فإن المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره، وما يكون منه بغير اختيار، فقد يمدح الإنسان بطول قامته، وصباحة وجهه، كما يمدح ببذل ماله وشجاعته وعلمه، والحمد يكون فى الثانى دون الأول.
قال ابن الخطيب- رحمه الله تعالى-: الفرق بين الحمد والمدح من وجوه:
أحدها: أن المدح قد يحصل للحى، ولغير الحى، ألا ترى أن من رأى لؤلؤة فى غاية الحسن، فإنه يمدحها؟ فثبت أن المدح أعم من الحمد.
الثانى: أن المدح قد يكون قبل الإحسان، وقد يكون بعده، أما الحمد فإنه لا يكون إلا بعد الإحسان.
الثالث: أن المدح قد يكون منهيّا عنه؛ قال عليه الصلاة والسلام: «احثوا التراب فى وجوه المداحين». أما الحمد فإنه مأمور به مطلقا؛ قال- عليه الصلاة والسلام-: «من لم يحمد الناس لم يحمد الله».
الرابع: أن المدح عبارة عن القول الدال على كونه مختصّا بنوع من أنواع الفضائل.
وأما الحمد فهو القول الدال على كونه مختصّا بفضيلة معينة، وهى فضيلة الإنعام والإحسان، فثبت أن المدح أعم من الحمد.
وأما الفرق بين الحمد والشكر، فهو أن الحمد يعم إذا وصل ذلك الإنعام إليك أو إلى غيرك، وأما الشكر، فهو مختص بالإنعام الواصل إليك.
وقال الراغب- رحمه الله-: والشكر لا يقال إلا فى مقابلة نعمة، فكل شكر حمد، وليس كل حمد شكرا، وكل حمد مدح، وليس كل مدح حمدا.
ويقال: فلان محمود إذا حمد، ومحمد وجد محمودا، ومحمد كثرت خصاله المحمودة.
وأحمد أى: أنه يفوق غيره فى الحمد ينظر اللباب (1/ 168 - 170).
والله: اسم للذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد (¬1).
¬
_
(¬1) قال ابن الخطيب- رحمة الله تعالى عليه وقد أطبق جميع الخلق على أن قولنا: «الله» مخصوص بالله تبارك وتعالى، وكذلك قولنا: «الإله» مخصوص به سبحانه وتعالى.
وأما الذين كانوا يطلقون اسم الإله على غير الله- تعالى- فإنما كانوا يذكرونه بالإضافة كما يقال: «إله كذا»، أو ينكرونه كما قال- تبارك وتعالى- عن قوم موسى- عليه السلام-: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف: 138].
قال ابن الخطيب- رحمه الله تعالى-: «اعلم أن هذا الاسم مخصوص بخواص لا توجد فى سائر أسماء الله تعالى.
فالأولى: أنك إذا حذفت الألف من قولك: «الله» بقى الباقى على صورة «لله»، وهو مختص به سبحانه وتعالى، كما فى قوله تعالى: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران: 189]، وإن حذفت من هذه البقية اللام الأولى بقيت البقية على صورة «له»؛ كما فى قوله تبارك وتعالى:
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الشورى: 12]، وقوله تعالى: لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ [التغابن:
1]، وإن حذفت اللام الباقية كانت البقية «هو» وهو- أيضا- يدل عليه سبحانه وتعالى؛ كما فى قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1]، وقوله: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:
255] والواو زائدة؛ بدليل سقوطها فى التثنية والجمع فإنك تقول: هما، وهم، ولا تبقى الواو فيهما، فهذه الخاصية موجودة فى لفظ «الله» - تعالى- غير موجودة فى سائر الأسماء، وكما حصلت هذه الخاصية بحسب اللفظ فقد حصلت- أيضا- بحسب المعنى، فإنك إذا دعوت الله- تبارك وتعالى- بالرحيم فقد وصفته بالرحمة، وما وصفته بالقهر، وإذا دعوته بالعليم، فقد وصفته بالعلم، وما وصفته بالقدرة.
وأما إذا قلت: «يا الله»، فقد وصفته بجميع الصفات؛ لأن الإله لا يكون إلها إلا إذا كان موصوفا بجميع هذه الصفات، فثبت أن قولنا: «الله» قد حصلت له هذه الخاصية التى لم تحصل لسائر الأسماء.
الخاصية الثانية: أن كلمة الشهادة، هى الكلمة التى بسببها ينتقل الكافر من الكفر إلى الإيمان، ولو لم يكن فيها هذا الاسم، لم يحصل الإيمان، فلو قال الكافر: أشهد أن لا إله إلا الرحيم، أو إلا الملك، أو إلا القدوس، لم يخرج من الكفر، ولم يدخل فى الإسلام.
أما إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فإنه يخرج من الكفر، ويدخل فى الإسلام، وذلك يدل على اختصاص هذا الاسم بهذه الخاصية الشريفة. قال ابن عادل الحنبلى: وفى هذا نظر؛ لأنا لا نسلم هذا فى الأسماء المختصة بالله- سبحانه وتعالى- مثل: القدوس والرحمن.
وقد كتبوا لفظة «الله» بلامين، وكتبوا لفظة «الذى» بلام واحدة، مع استوائهما فى اللفظ، وفى أكثر الدوران على الألسنة، وفى لزوم التعريف، والفرق من وجوه:
الأول: أن قولنا: «الله» اسم معرب متصرف تصرف الأسماء، فأبقوا كتابته على الأصل.
أما قولنا «الذى» فهو مبنى من أجل أنه ناقص، مع أنه لا يفيد إلا مع صلته، فهو كبعض الكلمة، ومعلوم أن بعض الكلمة يكون مبنيّا، فأدخلوا فيه النقصان لهذا السبب، ألا ترى أنهم كتبوا قوله- تعالى- «اللذان» بلامين؛ لأن التثنية أخرجته عن مشابهة الحروف؛ لأن الحرف لا يثنى.
الثانى: أن قولنا: «الله» لو كتب بلام واحدة لالتبس بقوله: «إله»، وهذا الالتباس غير حاصل فى قولنا: «الذى».
الثالث: أن تفخيم ذكر الله- تعالى- فى اللفظ واجب، هكذا فى الخط، والحذف ينافى التفخيم.
فإن قلت: ما الحكمة فى تقديم الحمد؟ قلت: الاهتمام به لكون المقام مقام الحمد، وكذا قال فى الكشاف فى قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: 1] وإن كان ذكر الله تعالى أهم باعتبار ذاته، لكن اعتبار المقام مقدم.
والصحيح أن الاسم الكريم عربى.
وقال البلخى: سريانى معرب.
واختلف فى اشتقاقه:
فقال سيبويه (¬1) والإمام الشافعى: هو جامد، وهو أحد قولى الخليل.
وقال غيرهم: مشتق من «أله الرجل»: فزع [إليه] (¬2)، إلها (¬3): فعالا، بمعنى:
مفعول، أو من «ولهه»: أحبه، فأبدلت الواو همزة، أو من «لاه»: احتجب، ثم زيدت «أل» عهدية أو جنسية، [وحذفت الهمزة على الأولين] (¬4) ونقلت (¬5)، وفخم (¬6) للمعبود الحق (¬7)، ولزمت اللام للعلمية.
و (على ما يسره): متعلّق (¬8) بمتعلق الخبر، و «ما»: موصول اسمى أو حرفى، و (يسره): صلته، و (من نشر ... ) [إلخ] (¬9) جار ومجرور ومضافات (¬10)، و (من): بيان ل (ما) وأراد ب (نشر) منقول كتابه المسمى ب «النشر».
حمد الله تعالى أولا لا لأجل شىء بل لكونه مستحقّا للحمد بذاته وهو أبلغ. وثانيا:
لكونه منعما ومتفضلا.
¬
_
وأما قولنا: «الذى» فلا تفخيم له فى المعنى، فتركوا- أيضا- تفخيمه فى الخط.
قال ابن الخطيب- رحمة الله تعالى عليه-: «إنما حذفوا الألف قبل الهاء من قولنا: «الله» فى الخط؛ لكراهة اجتماع الحروف المتشابهة فى الصورة، وهو مثل كراهتهم اجتماع الحروف المقابلة فى اللفظ عند القراءة ينظر اللباب (1/ 143 - 145).
(¬1) هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، ولد فى البيضاء قرب شيراز، وقدم إلى البصرة وهو غلام، ونشأ بها، وأخذ عن الخليل ويونس وأبى الخطاب الأخفش وعيسى بن عمر. ومات بالأهواز عن نيف وأربعين سنة، وقيل عن ثلاث وثلاثين سنة، وذلك سنة 180 هـ. ينظر: مراتب النحويين، (65)، وأخبار النحويين البصريين (63) وطبقات النحويين واللغويين (66)، ونزهة الألباء (38)، وأنباه الرواة (2/ 346)،.
(¬2) سقط فى د.
(¬3) فى ص: بياض.
(¬4) زيادة من ز.
(¬5) فى ص، د: ثم نقلت.
(¬6) فى م: وفخمت، وفى ص، د: ثم نقلت حركة الهمزة على الأولين فحذفت الهمزة ثم سكنت اللام الأولى للإدغام، ثم أدغمت وفخم للمعبود.
(¬7) فى م: بحق، وفى ع: بالحق.
(¬8) فى م، د: يتعلق.
(¬9) سقط فى م.
(¬10) فى م: ومضافان.
ص: ثم الصلاة والسلام السرمدى ... على النبى المصطفى محمد
وافتتح كتابه بالحمد تأسيا بما هو متعلق به وهو القرآن، ولما أخرجه (¬1) أبو داود من حديث أبى هريرة (¬2) - رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كلّ أمر ذى بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم» (¬3) ويروى: [«كلّ كلام»] (¬4)، ويروى: «بذكر الله» ويروى: «فهو أقطع» وهى مفسرة (¬5) ل «أجذم» (¬6)، أى: مقطوع عن الخير والبركة.
وفى هذا البيت من أنواع البديع: براعة الاستهلال.
ولما افتتح بالحمد ثنّى بالصلاة على النبى (¬7) صلى الله عليه وسلم فقال:
ص:
ثمّ الصّلاة والسّلام السّرمدى ... على النّبىّ المصطفى محمّد
ش: (ثم): حرف عطف يقتضى التشريك والترتيب والمهلة على الأصح فى [الثلاثة] (¬8)، و (الصلاة) مبتدأ، و (السلام): معطوف،
¬
_
(¬1) فى ز: خرجه.
(¬2) هو عبد الرحمن بن صخر. من قبيلة دوس وقيل فى اسمه غير ذلك. صحابى. رواية الإسلام. أكثر الصحابة رواية. أسلم 7 هـ وهاجر إلى المدينة. ولزم صحبة النبى صلى الله عليه وسلم. فروى عنه أكثر من خمسة آلاف حديث. ولاه أمير المؤمنين عمر البحرين، ثم عزله للين عريكته. وولى المدينة سنوات فى خلافة بنى أمية.
ينظر: الأعلام للزركلى (4/ 80)، و «أبو هريرة» لعبد المنعم صالح العلى.
(¬3) أخرجه أحمد (2/ 359) وأبو داود (2/ 677) كتاب الأدب باب الهدى فى الكلام (4840) وابن ماجة (3/ 337) كتاب النكاح باب خطبة النكاح (1894) واختلف فى وصله وإرساله فرجح النسائى والدار قطنى الإرسال قاله الحافظ فى التلخيص (3/ 315).
(¬4) سقط فى ص.
(¬5) فى د: وهو مفسر.
(¬6) فى ص: الأجذم.
(¬7) فى ص: رسول الله.
(¬8) سقط فى م. وذكر اللغويون ل «ثم» خمسة معان:
أحدها: التشريك فى الحكم مع الترتيب والمهلة نحو: جاء زيد ثم عمرو. وهى موضوعة لهذه الثلاثة المعانى وفى كل منها خلاف.
الثانى: التشريك والترتيب مع تخلف المهلة فتكون كالفاء الناسقة، ذكره الفراء، قال الشاعر:
كهزّ الردينى تحت العجاج ... جرى فى الأنابيب ثم اضطرب
لأن الهز متى جرى فى الأنابيب يعقبه الاضطراب ولم يتراخ عنه.
الثالث: التشريك مع تخلف الترتيب الذى هو أصل وضعها فيكون معناها كمعنى الواو، زعمه قوم كالفراء والأخفش، واحتجوا بقول الله سبحانه: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها [الزمر: 6]، وقوله تعالى: وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ [السجدة: 7 - 9]، وقوله تعالى: ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ [الأنعام: 153 - 154]، وقوله تعالى: فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ [يونس: 46] وقوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ [القيامة: 19] وقوله تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا [الأنعام: 2] وقال الشاعر:
سألت ربيعة: من خيرها ... أبا ثم أمّا؟ فقالت: لمه
و (السرمدى) [الدائم] (¬1): صفته (¬2)، و (على النبى): خبر، وفيه ما فى (الحمد [لله]) (¬3)، و (المصطفى): صفته، و (محمد): بدل أو بيان، وفيه عطف (¬4) جملة [على] (¬5) أخرى ولا محل لها، كالمعطوف عليها.
والصلاة لغة: الدعاء [بخير] (¬6)، ومنه قوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [التوبة: 103]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ صلّ على فلان» (¬7) وهى من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الناس الدعاء.
وعرفها بلام الجنس أو الاستغراق؛ لتفيد الشمول، وجعل الجملة اسمية؛ لتفيد (¬8) الثبوت والدوام.
¬
_
ولا حجة لهم فى ذلك فعنه جوابات لأهل العلم يطول ذكرها ولنذكر منها جوابا واحدا يعم الآيات والأبيات وذلك: «أن ثم هنا لترتيب الأخبار لا لترتيب الحكم» والمعنى: «أخبركم أنى خلقتكم من نفس واحدة، ثم أخبركم أنى جعلت منها زوجها، وأخبركم أنى خلقت الإنسان من طين ثم أخبركم أنى جعلت نسله من سلالة من ماء مهين، وأخبركم أنى خلقته من طين ثم أخبركم أنى قضيت الأجل، كما تقول: كلمتك اليوم ثم كلمتك أمس فى هذا الأمر، ووافقوا على القول باقتضائها الترتيب فى الأسماء المفردة وفى الأفعال وفى ذلك دليل على وضعيتها للترتيب كما قاله الجمهور.
الرابع: تكون زائدة فيتخلف التشريك قاله الأخفش والكوفيون وحملوا عليه قوله تعالى: حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا [التوبة: 118].
وقول زهير:
أرانى إذا أصبحت أصبحت ذا هوى ... فثم إذا أمسيت أمسيت عاديا
وخالفهم الباقون وأجابوا عن الآية بأن ذلك «على تقدير الجواب، وعن البيت بزيادة الفاء».
الخامس: تكون بمعنى التعجب فتتخلف عن التشريك أيضا. ذكره بعضهم كقوله تعالى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام: 1]، وبقوله تعالى: ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا [المدثر: 15 - 16].
(¬1) سقط فى ز، م.
(¬2) فى م: صفة.
(¬3) سقط فى ص.
(¬4) فى ص: ما فى عطف.
(¬5) سقط فى ص.
(¬6) سقط فى ز، م.
(¬7) أخرجه البخارى (12/ 421) كتاب الدعوات باب قول الله تعالى «وصلّ عليهم» (6332) ومسلم (2/ 756 - 757) كتاب الزكاة باب الدعاء لمن أتى بصدقته (176/ 1078) وأحمد (4/ 353، 354، 355، 381، 383) والنسائى (5/ 31) كتاب الزكاة باب صلاة الإمام على صاحب الصدقة وابن ماجة (3/ 261) كتاب الزكاة باب ما يقال عند إخراج الزكاة (1796) وأبو داود (1/ 499) كتاب الزكاة باب دعاء المصدق لأهل الصدقة (1590) من طريق عمرو بن مرة عن عبد الله ابن أبى أوفى قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا أتاه رجل بصدقة قال: «اللهم صل على آل فلان» فأتاه أبى فقال: «اللهم صل على آل أبى أوفى».
(¬8) فى د، ص: ليفيد.
وأصل الدعاء: أن يكون بصيغة الأمر؛ كقوله تعالى: وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا [البقرة: 286] وأتى به الناظم بلفظ الخبر تفاؤلا بالإجابة، وعطف (السلام) عليها؛ لما سيأتى.
والسرمدى: [الدائم] (¬1)، والنبى: بشر نزل عليه الملك بوحى من عند الله، وهل هو مرادف للرسول [قال التفتازانى] (¬2): وهو الأصح، أو الرسول أخص؟ فيقال: الرسول:
من أرسل إلى غيره، والنبى: من أوحى إليه، وهو رأى جماعة.
والمصطفى: المختار، مأخوذ من الصفوة: وهو (¬3) الخالص (¬4) من الكدر.
وأصله «مصتفى» قلبت التاء طاء؛ لمجاورتها حرف الإطباق.
و «محمد» علم منقول (¬5) من الوصف.
أردف الحمد بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى قرن اسمه باسمه نحو [قوله تعالى] (¬6) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [النساء: 13] ولقوله تعالى: صَلُّوا عَلَيْهِ [الأحزاب: 56]، وقال بعضهم فى قوله تعالى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [الانشراح: 4]: لا أذكر (¬7) إلا ذكرت معى، قاله القاضى عياض (¬8) فى «الشفاء»، و [فى] (¬9) الحديث:
«أما يرضيك يا محمّد ألّا يصلّى عليك أحد من أمّتك إلّا صلّيت عليه عشرا، ولا يسلّم عليك
¬
_
(¬1) سقط فى ص.
(¬2) زيادة من ص، د. وهو مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازانى، سعد الدين. نسبته إلى «تفتازان» من بلاد خراسان. فقيه وأصولى. قيل هو حنفى وقيل شافعى. كان أيضا مفسرا ومتكلما ومحدثا وأديبا.
من تصانيفه: «التلويح فى كشف حقائق التنقيح» وحاشية على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب وكلاهما فى الأصول. ينظر: الدرر الكامنة (4/ 350)، والفتح المبين فى طبقات الأصوليين (2/ 206)، ومعجم المؤلفين (12/ 228)، والأعلام للزركلى (8/ 113).
(¬3) فى ص، م، ز: وهى.
(¬4) فى ص: الخلاص.
(¬5) فى م، ز: نقل.
(¬6) زيادة من م، ز.
(¬7) فى ص: أى: لا أذكر.
(¬8) هو عياض بن موسى بن عياض اليحصبى السبتى، أبو الفضل. أصله من الأندلس ثم انتقل آخر أجداده إلى مدينة فاس، ثم من فاس إلى سبتة. أحد عظماء المالكية. كان إماما حافظا محدثا فقيها متبحرا.
من تصانيفه: «التنبيهات المستنبطة فى شرح مشكلات المدونة» فى فروع الفقه المالكى، و «الشفا فى حقوق المصطفى»، و «إكمال المعلم فى شرح صحيح مسلم»، و «كتاب الإعلام بحدود قواعد الإسلام».
وهو غير القاضى عياض بن محمد بن أبى الفضل، أبى الفضل (المتوفى 630 هـ) من الفقهاء الفضلاء الأعلام كما فى شجرة النور ص (179). ينظر: شجرة النور الزكية ص (140)، والنجوم الزاهرة (5/ 285)، ومعجم المؤلفين (8/ 16).
(¬9) زيادة من ص.
ص: وآله وصحبه ومن تلا ... كتاب ربنا على ما أنزلا
إلّا سلّمت عشرا؟» (¬1) ولهذا الحديث عطف (السلام) على (الصلاة)، ولاقترانه به فى الأمر بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب: 56].
وعن أبى سعيد: «ما من قوم يقعدون ثمّ يقومون ولا يصلّون على النّبىّ صلى الله عليه وسلم، إلّا كان عليهم حسرة يوم القيامة» (¬2).
ثم عطف فقال:
ص:
وآله وصحبه ومن تلا ... كتاب ربّنا على ما أنزلا
ش: (وآله) عطف على النبى صلى الله عليه وسلم، وأصله: أهل، أو: أول (¬3) وسيأتى تصريفه،
¬
_
(¬1) أخرجه أحمد (4/ 30) والنسائى (3/ 44) كتاب السهو باب فضل التسليم على النبى صلى الله عليه وسلم عن عبد الله ابن أبى طلحة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشر فى وجهه فقلنا إنا لنرى البشر فى وجهك فقال: إنه أتانى الملك فقال: يا محمد إن ربك يقول ... » فذكره.
(¬2) أخرجه أحمد (2/ 446، 453، 481، 484، 495) والترمذى (5/ 391) كتاب الدعوات باب فى القوم يجلسون ولا يذكرون الله (3380) وابن حبان (853) والطبرانى فى الدعاء (1923، 1924، 1925) وأبو نعيم فى الحلية (8/ 130) وابن السنى فى عمل اليوم والليلة (451) والحاكم (1/ 496) والبيهقى (3/ 210) وفى الشعب (1569) عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم».
وفى الباب عن أبى أمامة وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن مغفل وغيرهم.
(¬3) فى ص: وأصل أهل: أول. قلت: قال ابن منظور فى اللسان: وآل الله وآل رسوله أولياؤه أصلها أهل ثم أبدلت الهاء همزة فصارت فى التقدير أأل فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفا كما قالوا
آدم وآخر وفى الفعل آمن وآزر فإن قيل ولم زعمت أنهم قلبوا الهاء همزة ثم قلبوها فيما بعد وما أنكرت من أن يكون قلبوا الهاء ألفا فى أول الحال فالجواب أن الهاء لم تقلب ألفا فى غير هذا الموضع فيقاس هذا عليه فعلى هذا أبدلت الهاء همزة ثم أبدلت الهمزة ألفا وأيضا فإن الألف لو كانت منقلبة عن غير الهمزة المنقلبة عن الهاء كما قدمناه لجاز أن يستعمل آل فى كل موضع يستعمل فيه أهل ولو كانت ألف آل بدلا من أهل لقيل انصرف إلى آلك كما يقال انصرف إلى أهلك وآلك والليل كما يقال أهلك والليل فلما كانوا يخصون بالآل الأشرف الأخص دون الشائع الأعم حتى لا يقال إلا فى نحو قولهم القراء آل الله وقولهم اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ووَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ [غافر: 28] وكذلك ما أنشده أبو العباس للفرزدق:
نجوت ولم يمنن عليك طلاقة ... سوى ربة التقريب من آل أعوجا
لأن أعوج فيهم فرس مشهور عند العرب فلذلك قال آل أعوجا كما يقال أهل الإسكاف دل على أن الألف ليست فيه بدلا من الأصل وإنما هى بدل من الأصل فجرت فى ذلك مجرى التاء فى القسم؛ لأنها بدل من الواو فيه والواو فيه بدل من الباء فلما كانت التاء فيه بدلا من بدل وكانت فرع الفرع اختصت بأشرف الأسماء وأشهرها وهو اسم الله فلذلك لم يقل تزيد ولا تلبيت كما لم يقل آل الإسكاف ولا آل الخياط فإن قلت فقد قال بشر:
لعمرك ما يطلبن من آل نعمة ... ولكنما يطلبن قيسا ويشكرا
فقد أضافه إلى نعمة وهى نكرة غير مخصوصة ولا مشرفة فإن هذا بيت شاذ قال ابن سيده هذا كله قول ابن جنى قال والذى العمل عليه ما قدمناه وهو رأى الأخفش قال فإن قال ألست تزعم أن الواو فى وا بدل من الباء فى با وأنت لو أضمرت لم تقل وهـ كما تقول به لأفعلن فقد تجد أيضا بعض البدل لا يقع موقع المبدل منه فى كل موضع فما ننكر أيضا أن تكون الألف فى آل بدلا من الهاء وإن كان لا
خصّ (¬1) استعماله فى الأشراف وأولى الحظوة (¬2).
وآل النبى صلى الله عليه وسلم: قيل: أتباعه.
وقيل: أمته، واختاره الأزهرى (¬3) وغيره من المحققين.
وقيل: أهل بيته (¬4) وذريته.
وقيل: أتباعه من رهطه وعشيرته.
¬
_
يقع جميع مواقع أهل- فالجواب أن الفرق بينهما أن الواو لم يمتنع من وقوعها فى جميع مواقع الباء من حيث امتنع من وقوع آل فى جميع مواقع أهل وذلك أن الإضمار يرد الأسماء إلى أصولها فى كثير من المواضع ألا ترى أن من قال أعطيتكم درهما قد حذف الواو التى كانت بعد الميم وأسكن الميم فإنه إذا أضمر للدرهم قال أعطيتكموه فرد الواو لأجل اتصال الكلمة بالمضمر فأما ما حكاه يونس من قول بعضهم أعطيتكمه فشاذ لا يقاس عليه عند عامة أصحابنا فلذلك جاز أن تقول بهم لأقعدن وبك لأنطلقن ولم يجز أن تقول وك ولا وه بل كان هذا فى الواو أحرى لأنها حرف منفرد فضعفت عن القوة وعن تصرف الباء التى هى أصل أنشدنا أبو على قال أنشدنا أبو زيد:
رأى برقا فأوضع فوق بكر ... فلا بك ما أسال ولا أغاما
قال وأنشدنا أيضا عنه:
ألا نادت أمامة باحتمال. ... ليحزننى فلا بك ما أبالى
قال وأنت ممتنع من استعمال الآل فى غير الأشهر الأخص وسواء فى ذلك أضفته إلى مظهر أو أضفته إلى مضمر قال ابن سيده فإن قيل ألست تزعم أن التاء فى تولج بدل من واو وأن أصله وولج لأنه فوعل من الولوج ثم إنك مع ذلك قد تجدهم أبدلوا الدال من هذه التاء فقالوا دولج وأنت مع ذلك قد تقول دولج فى جميع هذه المواضع التى تقول فيها تولج وإن كانت الدال مع ذلك بدلا من التاء التى هى بدل من الواو- فالجواب عن ذلك أن هذه مغالطة من السائل وذلك أنه إنما كان يطرد هذا له لو كانوا يقولون وولج ودولج ويستعملون دولجا فى جميع أماكن وولج فهذا لو كان كذا لكان له به تعلق وكانت تحتسب زيادة فأما وهم لا يقولون وولج البتة كراهية اجتماع الواوين فى أول الكلمة وإنما قالوا تولج ثم أبدلوا الدال من التاء المبدلة من الواو فقالوا دولج فإنما استعملوا الدال مكان التاء التى هى فى المرتبة قبلها تليها ولم يستعملوا الدال موضع الواو التى هى الأصل فصار إبدال الدال من التاء فى هذا الموضع كإبدال الهمزة من الواو فى نحو أقتت وأجوه لقربها منها ولأنه لا منزلة بينهما واسطة وكذلك لو عارض معارض بهنيهة تصغير هنة فقال ألست تزعم أن أصلها هنيوة ثم صارت هنية ثم صارت هنيهة وأنت قد تقول هنيهة فى كل موضع قد تقول فيه هنية- كان الجواب واحدا كالذى قبله ألا ترى أن هنيوة الذى هو أصل لا ينطق به ولا يستعمل البتة فجرى ذلك مجرى وولج فى رفضه وترك استعماله فهذا كله يؤكد عندك أن امتناعه من استعمال آل فى جميع مواقع أهل إنما هو لأن فيه بدلا من بدل كما كانت التاء فى القسم بدلا من بدل. ينظر: لسان العرب (1/ 164 - 165).
(¬1) فى د: رخص.
(¬2) فى ص، د: وأولى الخطر.
(¬3) هو محمد بن أحمد بن الأزهرى الهروى أبو منصور أحد الأئمة فى اللغة والأدب، مولده ووفاته بهراة. نسبته إلى جده الأزهر. عنى بالفقه فاشتهر به أولا. ثم غلب عليه التبحر فى العربية فرحل فى طلبها وقصد القبائل وتوسع فى أخبارها وقع فى إسار القرامطة. من مصنفاته: تهذيب اللغة والزاهر فى غريب ألفاظ الشافعى التى أودعها المزنى فى مختصره توفى سنة 370 هـ. ينظر طبقات السبكى (2/ 106) والوفيات (1/ 501).
(¬4) فى د: ابنته، وفى ص: أمته.
وقيل: آل الرجل: نفسه؛ ولهذا كان الحسن يقول: اللهم صل على آل محمد. وفى الحديث: «اللهم صلّ على آل إبراهيم» (¬1).
و (صحبه): معطوف أيضا، وهو اسم جمع ل «صاحب»، ك «ركب وراكب».
وقال الجوهرى (¬2): هما جمعان.
والصحابى: من لقى النبى صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على الإسلام ولو تخللت ردة، على (¬3) الأصح.
والمراد باللقاء- ما هو أعم من المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الآخر وإن لم يكلمه.
و (من): موضوعة للعقلاء، وهى هنا (¬4) موصولة وصلتها (تلا)، ووحّد مرفوع (تلا) (¬5) باعتبار لفظ (من).
و (كتاب): مفعول (تلا) وهو: الكلام المنزل للإعجاز.
و (ربنا): مضاف إليه ومضاف باعتبارين.
والرب: المالك، وهو فى الأصل بمعنى التربية، وهى (¬6): تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا، ثم وصف به للمبالغة، كالصوم والعدل، وقيل: هو نعت من: ربّه يربّه فهو ربّ، سمى به المالك؛ لأنه يحفظ ما يملكه ويربيه، ولا يطلق على غيره تعالى إلا مقيدا؛ كقوله تعالى: ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ [الفجر: 28].
و (على): متعلق (¬7) ب (تلا)، و (ما): موضوعة لما لا يعقل، وهى هنا موصولة، أى:
¬
_
(¬1) هو طرف من حديث كعب بن عجزة أخرجه البخارى (8/ 392) كتاب التفسير باب «إن الله وملائكته يصلون ... » (4797) ومسلم (1/ 305) كتاب الصلاة باب الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم (66/ 406) والترمذى (2/ 352) أبواب الصلاة باب ما جاء فى صفة الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم (483) والنسائى (3/ 47 - 48) كتاب السهو باب نوع آخر وابن ماجة (1/ 292 - 293) كتاب إقامة الصلاة باب الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم (904) ولفظه: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلى عليك قال: «قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ... » الحديث.
(¬2) هو إسماعيل بن حماد الجوهرى، أبو نصر: أول من حاول «الطيران» ومات فى سبيله، لغوى من الأئمة. وخطه يذكر مع خط ابن مقلة. أصله من فاراب، ودخل العراق صغيرا، وسافر إلى الحجاز فطاف بالبادية، وعاد إلى خراسان، ثم أقام فى نيسابور، وصنع جناحين من خشب، وصعد داره، فخانه اختراعه فسقط إلى الأرض قتيلا. من أشهر كتبه: «الصحاح». انظر معجم الأدباء (2/ 369)، النجوم الزاهرة (4/ 207)، نزهة الألباء (418)، الأعلام (1/ 313).
(¬3) فى د، م، ز: فى.
(¬4) فى د: هاهنا.
(¬5) فى ص: تلاه.
(¬6) فى ص: وهو.
(¬7) فى د: يتعلق.
ص: وبعد فالإنسان ليس يشرف ... إلا بما يحفظه ويعرف
على الوجه الذى أنزل [الكتاب] (¬1) عليه، والعائد المجرور ب «على» حذف لكون الموصول جرّ بمثله.
وأتبع (¬2) الآل بالأصحاب (¬3)؛ لقوله (¬4) صلى الله عليه وسلم: «قولوا: اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمد»، ويصدق (¬5) «الآل» على «الصحب» فى قول (¬6)، وأتبع التالين؛ لقوله تعالى:
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ [التوبة: 100]، ولقوله تعالى: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ [الحشر: 10].
ثم استأنف فقال:
ص:
وبعد فالإنسان ليس يشرف ... إلّا بما يحفظه ويعرف
ش: (بعد): ظرف مكان مبهم، وتعيّنه الإضافة، فإذا حذف مضافه منويّا (¬7) بنى وضمّ توفية للمقتضى (¬8)، والعامل فيه «أمّا» مقدرة (¬9)؛ لنيابتها عن الفعل، والأصل: مهما يكن من شىء [ف] بعد الحمد والثناء، و «مهما» هنا مبتدأ، والاسمية لازمة للمبتدإ، و «يكن»: شرط، والفاء لازمة (¬10) له غالبا، فحين تضمنت «أما» معنى الابتداء والشرط لزمتها، ولصوق الاسم إقامة اللازم مقام الملزوم وإبقاء لأثره فى الجملة، و (الإنسان): مبتدأ، و (ليس) ومعمولاها: خبره، و (إلا بما يحفظه ويعرف) (¬11): استثناء مفرغ.
وابتداء الناظم- رضى الله عنه- المقصود ب «أما [بعد]» (¬12)، تيمّنا واقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم؛ لأنه (¬13) كان يبتدئ بها خطبه (¬14)، وقد عقد البخارى لذلك بابا فى صحيحه (¬15)، وذكر فيه جملة أحاديث، قيل: وأول (¬16) من تكلم بها داود عليه السلام.
وقيل: يعرب بن قحطان.
وقيل: قسّ بن ساعدة.
¬
_
(¬1) زيادة من ص، د.
(¬2) فى ص: اتبع.
(¬3) فى ص: والأصحاب.
(¬4) فى ز: كقوله.
(¬5) فى ص: وتصدق.
(¬6) فى ص: قوله.
(¬7) فى د: ونوى معناه.
(¬8) فى د، ز: توفيرا لمقتضاه.
(¬9) فى م: المقدرة.
(¬10) فى د، ز، ص: لازم.
(¬11) فى د، ز: ويعرفه.
(¬12) سقط فى ص.
(¬13) فى ص: لأنها.
(¬14) فى د، ز: خطبته.
(¬15) انظر صحيح البخارى (3/ 65) كتاب الجمعة باب من قال فى الخطبة بعد الثناء أما بعد رواه عكرمة عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم.
(¬16) فى م: أول.
وقال بعض المفسرين: إنه فصل الخطاب الذى أوتيه داود.
والمحققون على أنه فصل (¬1) بين الحق والباطل، أى: أما بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه جملة فى فضل قارئ القرآن.
ثم مهد قبل ذلك قاعدة، وهى أن كل إنسان لا يفضل ويشرف إلا بما يحفظ ويعرف، ولا يكبر ولا ينجب إلا بمن (¬2) يقارن (¬3) ويصحب (¬4)، ومن هذا قوله عليه الصلاة والسلام (¬5) «يحشر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من (¬6) يخالل» (¬7)؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «لو كنت متّخذا خليلا غير ربّى ... » الحديث (¬8).
ومنه قول ابن حزم (¬9):
عليك بأرباب الصّدور فمن غدا ... جليسا (¬10) لأرباب الصّدور تصدّرا
وإيّاك أن ترضى بصحبة (¬11) ناقص ... فتنحطّ (¬12) قدرا من علاك وتحقرا
فرفع أبو من ثمّ خفض مزمّل ... يبيّن قولى مغريا (¬13) ومحذّرا
وفى الحديث: «الجليس الصّالح كصاحب المسك إن لم يصبك منه أصابك من ريحه،
¬
_
(¬1) فى ص: قال والمحققون، وفى ز: أنه الفصل.
(¬2) فى م: بما.
(¬3) فى ص: يقارب.
(¬4) فى ص: أو يصحب.
(¬5) فى م: قول النبى صلى الله عليه وسلم، وفى د: قوله صلى الله عليه وسلم.
(¬6) فى ص: إلى من.
(¬7) أخرجه أحمد (2/ 303، 334) وأبو داود (2/ 675) كتاب الأدب باب من يؤمر أن يجالس (4833) والترمذى (4/ 187) كتاب الزهد (2378) وعبد بن حميد (1431) والخطيب فى تاريخه (4/ 115) عن أبى هريرة بلفظ: «الرجل على دين خليله ... » الحديث.
(¬8) أخرجه البخارى (7/ 21) كتاب فضائل الصحابة باب قول النبى صلى الله عليه وسلم (3656) ومسلم (4/ 1854) كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أبى بكر (1/ 2381) عن ابن مسعود بلفظ: «لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ... » الحديث.
(¬9) فى ص، د: بعض الفضلاء وهو ابن حزم. قلت: هو على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى.
أبو محمد. عالم الأندلس فى عصره. أصله من الفرس. أول من أسلم من أسلافه جدّ له كان يدعى يزيد مولى ليزيد بن أبى سفيان رضى الله عنه. كانت لابن حزم الوزارة وتدبير المملكة، فانصرف عنها إلى التأليف والعلم. كان فقيها حافظا يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة على طريقة أهل الظاهر، بعيدا عن المصانعة حتى شبه لسانه بسيف الحجاج. طارده الملوك حتى توفى مبعدا عن بلده. كثير التآليف. مزقت بعض كتبه بسبب معاداة كثير من الفقهاء له. من تصانيفه: «المحلى» فى الفقه، و «الإحكام فى أصول الأحكام» فى أصول الفقه، و «طوق الحمامة» فى الأدب. توفى سنة 456 هـ. ينظر: الأعلام للزركلى (5/ 59)، وابن حزم الأندلسى لسعيد الأفغانى، والمغرب فى حلى المغرب ص (364).
(¬10) فى ز: مضافا.
(¬11) فى ز: صحابة.
(¬12) فى ز: فينحط.
(¬13) فى م، ص: معربا.
ص: لذاك كان حاملو القرآن ... أشراف الامة أولى الإحسان
والجليس السّوء كصاحب الكير إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه» (¬1) أخرجه أبو داود.
وإذا كان الجليس له هذا التعدى وجب على كل عاقل فى وقتنا هذا أن يعتزل الناس ويتخذ الله جليسا والقرآن ذكرا؛ فقد ورد «أنا جليس من ذكرنى» (¬2) «وأهل القرآن هم أهل الله وخاصّته» (¬3).
وخاصة الملك: جلساؤه فى أغلب (¬4) أحوالهم، فمن كان الحقّ جليسه فهو أنيسه؛ فلا بد أن ينال من مكارم خلقه [على] (¬5) قدر زمان مجالسته، ومن جلس إلى (¬6) قوم يذكرون الله فإن الله يدخله معهم فى رحمته؛ فإنهم القوم الذين لا يشقى [بهم] (¬7) جليسهم، فكيف يشقى من كان الحق جليسه؟ وهذا على سبيل الاستطراد والله تعالى أعلم (¬8).
ص:
لذاك كان حاملو القرآن ... أشراف الامّة أولى الإحسان
ش: اللام تعليلية، و (ذاك): اسم إشارة للبعيد (¬9).
فإن قلت: كان الأولى (¬10) التعبير ب «الذى» للقريب [وهو (ذا)] (¬11).
قلت: لما كانت الأصحاب الرفيعة والأقران الغير الشنيعة يحصل للنفس منهما كلّ
¬
_
(¬1) أخرجه البخارى (5/ 49) كتاب البيوع باب فى العطار وبيع المسك (2101) ومسلم (4/ 2026) كتاب البر والصلة والآداب باب استحباب مجالسة الصالحين (146/ 2628) وأحمد (4/ 404) والحميدى (770) عن أبى بردة بن أبى موسى عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة».
وله شاهد من حديث أنس أخرجه أبو داود (4831) ولفظه: «مثل الجليس الصالح مثل العطار إن لم يصبك من عطره أو قال يعطيك من عطره أصبت من ريحه ومثل الجليس السوء مثل القين إن لم يحرق ثوبك أصابك من ريحه».
(¬2) أخرجه البخارى فى كتاب التوحيد (13/ 395) باب قول الله تعالى: «ويحذركم الله نفسه» (7405) وانظر (7505، 7536، 7537) ومسلم فى الذكر والدعاء (4/ 2061) باب الحث على ذكر الله (2675) عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه حين يذكرنى إن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى ... » الحديث.
(¬3) أخرجه أحمد (3/ 127، 242)، وابن ماجة (1/ 206 - 207) فى المقدمة باب فضل من تعلم القرآن وعلمه (215) والدارمى (2/ 433) والحاكم (1/ 556) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله أهلين من الناس قالوا يا رسول الله من هم قال هم أهل القرآن أهل الله وخاصته».
(¬4) فى م: غالب.
(¬5) سقط فى م.
(¬6) فى م: مع.
(¬7) سقط فى ص.
(¬8) فى م، د: والله أعلم، وفى ص: والله سبحانه أعلم.
(¬9) فى ز: لبعيد.
(¬10) فى د: الواجب.
(¬11) سقط فى ز، ص، م.
وتعب وقلق وملال ونصب، بحيث صارت [تأبى القرب منهما] (¬1) ولا تنقاد للرد لديهما (¬2) بل عنهما- نزّل المذكور لهذا (¬3) منزلة البعيد فلم يعبر عنه بما يعتبر به منك قريبا.
و (حاملو) جمع: حامل، أصله: حاملون، حذف نونه للإضافة إلى (القرآن)، وهو اسم (كان) وخبرها (أشراف الأمة) وهو جمع: شريف، و (أولى (¬4) الإحسان): خبر ثان (¬5)، [أى: لما كان الإنسان بسبب الجليس] (¬6) يكمل، وكان القرآن أعظم كتاب أنزل، كان المنزّل عليه أفضل نبى أرسل؛ فكانت أمته من العرب والعجم أفضل أمة أخرجت للناس، خير الأمم، وكانت حملته أشرف هذه الأمة، وقراؤه ومقرءوه أفضل هذه الملة، والدليل على هذا ما أخرجه (¬7) الطبرانى فى «المعجم الكبير» من حديث الجرجانى عن كامل أبى عبد الله الراسبى عن الضحاك (¬8) عن ابن عباس (¬9) - رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشراف أمّتى حملة القرآن» (¬10) وفى رواية البيهقى (¬11): «أشرف (¬12) أمّتى» وهو الصحيح.
وروى البيهقى عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكترثون للحساب ولا تفزعهم الصّيحة ولا يحزنهم الفزع الأكبر: حامل القرآن يؤدّيه إلى
الله تعالى، يقدم على ربّه سيّدا شريفا حتّى يرافق المرسلين، ومن أذّن سبع سنين لا يأخذ على أذانه طعما، وعبد
¬
_
(¬1) فى م: تأتى بهذا القرب منها، وفى ص: تأتى العرب منهما.
(¬2) فى م: إليها.
(¬3) فى م: لها، وفى ص: آنفا لهذا.
(¬4) فى م: وأولو.
(¬5) فى ز: خبر كان.
(¬6) فى د: لأجل أن الإنسان لا يشرف إلا بما يحفظه ويعرفه.
(¬7) فى ز: ما خرجه.
(¬8) هو الضحاك بن مزاحم البلخى الخراسانى، مفسر، كان يؤدب الأطفال، ويقال: كان فى مدرسته ثلاثة آلاف صبى، قال الذهبى: يطوف عليهم على حمار، ذكره ابن حبيب تحت عنوان أشراف المعلمين وفقهاؤهم له كتاب فى التفسير توفى 105 هـ. ينظر: ميزان الاعتدال (471)، المحبر (475)، العبر للذهبى (1/ 1224)، تاريخ الخميس (2/ 318)، الأعلام (3/ 215).
(¬9) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب. قرشى هاشمى. حبر الأمة وترجمان القرآن. أسلم صغيرا ولازم النبى صلى الله عليه وسلم بعد الفتح وروى عنه. كان الخلفاء يجلّونه. شهد مع على الجمل وصفين. وكف بصره فى آخر عمره. كان يجلس للعلم، فيجعل يوما للفقه، ويوما للتأويل، ويوما للمغازى، ويوما للشعر، ويوما لوقائع العرب. توفى بالطائف سنة 68 هـ. ينظر: الإصابة (4/ 121)، نسب قريش ص (26).
(¬10) أخرجه الطبرانى فى الكبير (12/ 125) (12662) والبيهقى فى الشعب (2703) وقال الهيثمى فى المجمع (7/ 164) وفيه سعد بن سعيد الجرجانى وهو ضعيف.
(¬11) فى م: للبيهقى. وانظر تاريخ دمشق لابن عساكر (2/ 433).
(¬12) فى م، د: أشراف.
مملوك أدّى حقّ الله تعالى من نفسه وحقّ مواليه» (¬1).
وروى [أيضا] (¬2) الطبرانى بإسناد جيد من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من قرأ القرآن وأقرأه» (¬3).
وروى البخارى والترمذى وأبو داود عن عثمان (¬4) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه» (¬5).
وكان الإمام أبو عبد الرحمن السّلمى (¬6) يقول لما يروى هذا الحديث (¬7): «أقعدنى مقعدى (¬8) هذا» يشير إلى جلوسه بمسجد الكوفة يقرئ القرآن، مع جلالة قدره وكثرة علمه، أربعين سنة.
وعليه قرأ الحسن (¬9) والحسين (¬10)؛ ولذلك كان الأولون لا يعدلون بإقراء القرآن شيئا،
¬
_
(¬1) أخرجه البيهقى فى الشعب (2702) والعقيلى فى الضعفاء الكبير (2/ 118) وضعفه بسعد بن سعيد الجرجانى عن نهشل عن الضحاك عن ابن عباس ... الحديث. وقال: ولا يصح حديثه قلت: وفيه أيضا نهشل بن سعيد وهو متروك وكذبه إسحاق بن راهويه.
(¬2) سقط فى ص، وفى م: الطبرانى أيضا.
(¬3) أخرجه الطبرانى فى الكبير (10/ 200) (10325) والخطيب فى التاريخ (2/ 96) وقال الهيثمى فى المجمع (7/ 169): رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط وإسناده فيه شريك وعاصم وكلاهما ثقة وفيهما ضعف.
وضعفه العلامة الألبانى فى السلسلة الصحيحة (3/ 169).
(¬4) عثمان بن عفان بن أبى العاص. قرشى أموى. أمير المؤمنين، وثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة من السابقين إلى الإسلام. كان غنيّا شريفا فى الجاهلية، وبذل من ماله فى نصرة الإسلام. زوجه النبى صلى الله عليه وسلم بنته رقية، فلما ماتت زوجه بنته الأخرى أم كلثوم، فسمى ذا النورين. بويع بالخلافة بعد أمير المؤمنين عمر. واتسعت رقعة الفتوح فى أيامه. أتم جمع القرآن.
وأحرق ما عدا نسخ المصحف الإمام. نقم عليه بعض الناس تقديم بعض أقاربه فى الولايات. قتله بعض الخارجين عليه بداره يوم الأضحى وهو يقرأ القرآن سنة 35 هـ. ينظر: الأعلام للزركلى (4/ 371)، و «عثمان بن عفان» لصادق إبراهيم عرجون، والبدء والتاريخ (5/ 79).
(¬5) أخرجه البخارى (8/ 692) فى كتاب فضائل القرآن باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه (5027، 5028) وأبو داود (1/ 460) كتاب الصلاة باب فى ثواب قراءة القرآن (1452) والترمذى (5/ 30 - 31) كتاب فضائل القرآن باب ما جاء فى تعليم القرآن (2907، 2908) وابن ماجة (1/ 204) فى المقدمة باب فضل من تعلم القرآن وعلمه (211، 212) وأحمد (1/ 57، 58، 69) والدارمى (2/ 437) والبزار (396، 397) وابن حبان (118) وأبو نعيم فى الحلية (4/ 193) والبيهقى فى الشعب (2205) والخطيب فى تاريخه (11/ 35) وغيرهم.
(¬6) فى م: الباجى، وفى ص، د: التابعى.
(¬7) فى م: هذا الذى، وفى ص: هذا الحديث مكروه.
(¬8) فى م: أقعدنى هاهنا.
(¬9) الحسن بن على بن أبى طالب الهاشمى أبو محمد المدنى سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته. روى عن جده صلى الله عليه وسلم له ثلاثة عشر حديثا، وأبيه وخاله هند. وروى عنه ابنه الحسن، وأبو الحوراء ربيعة
-[98]-
وأبو وائل وابن سيرين. ولد سنة ثلاث فى رمضان. قال أنس: كان أشبههما برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال النبى صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة». مات رضى الله عنه مسموما سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين أو بعدها. ينظر الخلاصة (1/ 216).
(¬10) هو الحسين بن على بن أبى طالب، أبو عبد الله، الهاشمى، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته من الدنيا وأحد سيدى شباب أهل الجنة. ولد بالمدينة وكانت إقامته بها إلى أن خرج مع أبيه إلى الكوفة، فشهد معه الجمل ثم صفين ثم قتال الخوارج وبقى معه إلى أن قتل، ثم مع أخيه إلى أن سلم الأمر إلى معاوية فتحول مع أخيه إلى المدينة. روى عن جده وأبيه وأمه وخاله هند بن أبى هالة وعمر بن الخطاب. روى عنه أخوه الحسن وبنوه على زين العابدين وفاطمة وحفيده الباقر والشعبى وآخرون. أخرج له أصحاب السنن أحاديث يسيرة. كان فاضلا عابدا. قتل بالعراق بعد خروجه أيام يزيد بن معاوية سنة 61 هـ. ينظر: الإصابة (1/ 332)، وأسعد الغاية (2/ 18) وتهذيب التهذيب (2/ 345)، صفة الصفوة (1/ 321)، والأعلام للزركلى (2/ 263).
فقد قيل لابن مسعود: إنك تقلّ الصوم! قال: إنى إذا صمت ضعفت عن القرآن (¬1)، وتلاوة القرآن أحب إلى.
وفى جامع الترمذى من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: «من شغله القرآن عن ذكرى ومسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السّائلين» (¬2).
وفى بعض طرق هذا الحديث: «من شغله قراءة القرآن فى أن يتعلّمه أو يعلّمه عن دعائى ومسألتى».
أخرج البيهقى: «أفضل عبادة أمّتى قراءة القرآن» (¬3).
وقال ابن عباس: «من قرأ القرآن لم يردّ (¬4) إلى أرذل (¬5) العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا».
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قرأ القرآن ورأى أنّ أحدا أوتى أفضل ممّا أوتى فقد استصغر ما عظّمه الله» (¬6).
وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من جمع القرآن فقد أدرجت النّبوّة بين كتفيه إلّا أنّه لا يوحى إليه» (¬7).
¬
_
(¬1) فى م: عن القراءة.
(¬2) أخرجه الترمذى (5/ 45) فى فضائل القرآن (2926) والدارمى (2/ 441) والعقيلى (4/ 49) وابن نصر فى قيام الليل ص (71) والبيهقى فى الأسماء والصفات (1/ 372) عن أبى سعيد الخدرى وانظر السلسلة الضعيفة للعلامة الألبانى (1335).
(¬3) أخرجه البيهقى فى الشعب عن النعمان بن بشير كما فى كنز العمال (2264) وذكر له شواهد برقم (2263، 2265).
(¬4) فى م: لم يرد به.
(¬5) فى ص: أذل.
(¬6) أخرجه الطبرانى عن عبد الله بن عمرو كما فى مجمع الزوائد للهيثمى (7/ 162) وقال: وفيه إسماعيل بن رافع وهو متروك.
(¬7) انظر الحديث السابق.
ص: وإنهم فى الناس أهل الله ... وإن ربنا بهم يباهى
والأحاديث فى هذا المعنى كثيرة، والمراد الاختصار [والإيجاز] (¬1).
ثم عطف فقال:
ص:
وإنّهم فى النّاس أهل الله ... وإنّ ربّنا بهم يباهى
ش: ([إنهم] (¬2) أهل الله): اسمية مؤكدة، و (فى الناس): [جار ومجرور] (¬3) محله النصب على الحال من اسم «إن» فيتعلق بمحذوف. (وإن ربنا يباهى): اسمية، و (بهم) (¬4) متعلق ب (يباهى).
أشار بهذا إلى ما أخرجه (¬5) ابن ماجة وأحمد والدارمى من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ لله أهلين من النّاس» قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: «أهل القرآن هم أهل الله [وخاصّته»] (¬6).
وقوله: (وإن ربنا [بهم يباهى] (¬7) يمكن أن يريد به ما أخرجه (¬8) مسلم (¬9) عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله تعالى، يتلون كتاب الله تعالى ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» (¬10).
ثم عطفه فقال (¬11):
ص:
وقال فى القرآن عنهم وكفى ... بأنّه أورثه من اصطفى
ش: (قال): فعلية، و (فى القرآن) و (عنهم): يتعلق ب (قال)، ومفعوله محذوف، أى:
قال فى القرآن فيهم أوصافا كثيرة، و (كفى) فاعله: المصدر المنسبك من (أن) ومعمولها (¬12)، والباء زائدة مثل: كفى (¬13) بالله، فهى جملة معطوفة على ما لا محل له
¬
_
(¬1) سقط فى م.
(¬2) سقط فى م.
(¬3) سقط فى م.
(¬4) فى ز: ولهم.
(¬5) فى ز: ما خرجه.
(¬6) سقط فى م. والحديث تقدم.
(¬7) سقط فى ز، م.
(¬8) فى ص، ز: ما خرجه.
(¬9) فى ز، م: أبو داود.
(¬10) أخرجه مسلم (4/ 2074) كتاب الذكر والدعاء باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن (38/ 2699) وأحمد (2/ 252، 274، 325) والترمذى (3/ 95 - 96) كتاب الحدود باب ما جاء فى الستر على المسلم (1425) وفى (2646، 2945) وأبو داود (2/ 342) كتاب العلم باب الحث على طلب العلم (3643، 4946) وابن ماجة (1/ 215) فى المقدمة باب فضل العلماء والحث على طلب العلم (225) وفى (2417، 2544). وأخرجه مسلم (39/ 2700) عن أبى هريرة وأبى سعيد معا.
(¬11) فى م: ثم قال.
(¬12) فى م: ومنصوبها.
(¬13) فى م: ككفى، وفى ص، د: وكفى.
ص: وهو فى الاخرى شافع مشفع ... فيه وقوله عليه يسمع
[من الإعراب] (¬1)؛ فلا محل لها، و (أورثه): خبر (أنّ)، و (من): موصول (¬2)، مفعول (أورثه)؛ لأنه يتعدى لاثنين، و (اصطفى): صلة الموصول.
أى: قال الله تعالى فى القرآن [عنهم] (¬3) أوصافا [كثيرة] (¬4) تتعلق بحامليه (¬5) من الخير والثواب، وما أعد لهم فى العقبى والمآب، ولو لم يكن فى [القرآن] (¬6) فى حقهم إلا ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ ... الآية [فاطر: 32] لكان فى ذلك كفاية [لهم] (¬7).
ص:
وهو فى الاخرى شافع مشفّع ... فيه وقوله عليه يسمع
ش: (وهو شافع): اسمية، (وفى الأخرى) يتعلق (¬8) ب (شافع)، ولا يتزن البيت إلا مع نقل حركة همزة (الأخرى)، و (مشفع): خبر ثان أو معطوف لمحذوف (¬9)، و (فيه):
يتعلق بأحدهما [ويقدر مثله فى الآخر] (¬10)، و (قوله يسمع): اسمية و (عليه): يتعلق ب (يسمع).
أى: أن القرآن يشفع فى قارئه يوم القيامة ويشفعه الله تعالى فيه ويسمع ما يقول فى حقه كما سيأتى، وأشار بهذا إلى ما فى «صحيح مسلم» عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا القرآن فإنّه يجيء يوم القيامة شفيعا لأصحابه».
وروى (¬11): «من شفع (¬12) له القرآن يوم القيامة، يجيء القرآن شفيعا مشفّعا وشهدا (¬13) مصدّقا، وينادى يوم القيامة: يا مادح الله قم فادخل الجنّة، فلا يقوم إلّا من كان يكثر قراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1]».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من شفيع أعظم منزلة عند الله تعالى يوم القيامة من القرآن، لا نبىّ ولا ملك ولا غيره» (¬14).
¬
_
(¬1) زيادة من م.
(¬2) فى د: موصولة.
(¬3) زيادة من د.
(¬4) سقط فى م.
(¬5) فى م: بما عليه.
(¬6) سقط فى م.
(¬7) سقط فى د.
(¬8) فى م: متعلق.
(¬9) فى م، د: بمحذوف.
(¬10) فى م: ويقدر للآخر مثله، وفى د، ص: فى الأخرى.
(¬11) فى م: ويروى.
(¬12) فى ز، ص: يشفع.
(¬13) فى د: وصادق. والحديث أخرج طرفا منه الطبرانى عن ابن مسعود كما فى مجمع الزوائد (7/ 167) وفيه الربيع بن بدر وهو متروك وأخرج طرفه الأخير الطبرانى فى الأوسط والصغير عن جابر كما فى مجمع الزوائد أيضا (7/ 149) وقال الهيثمى: فيه يعقوب بن إسحاق بن الزبير الحلبى ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.
(¬14) انظر المغنى عن حمل الأسفار للعراقى (1/ 273) وإتحاف السادة المتقين للزبيدى (4/ 463).
ص: يعطى به الملك مع الخلد إذا ... توجه تاج الكرامة كذا
ثم شرع فى أوصاف قارئه وما يعطاه (¬1) هو ووالداه (¬2) فقال:
ص:
يعطى به الملك مع الخلد إذا ... توّجه تاج الكرامة كذا
ش: (يعطى): فعل مجهول الفاعل، ونائبه: المستتر، و (الملك): ثانى المفعولين، و (مع الخلد): حال من (الملك)، و (به): سببية (¬3) تتعلق (¬4) ب (يعطى)، و (إذا): ظرف ل (يعطى) أيضا، و (توجه) فى محل جر بالإضافة، [و (تاج الكرامة)] (¬5): إما مفعول ثان أو منصوب بنزع الخافض، و (كذا): معطوف بمحذوف (¬6).
ثم كمّل فقال:
ص:
يقرا ويرقى درج الجنان ... وأبواه منه يكسيان
ش: (يقرا): مضارع مهموز الآخر، حذف همزه ضرورة على غير قياس، و (يرقى) مضارع (رقى) [وهو] (¬7) معطوف على (يقرا)، و (درج الجنان) مفعول (يرقى)، و (أبواه يكسيان) اسمية لا محل لها.
أشار بهذين البيتين إلى ما أخرجه (¬8) ابن أبى شيبة عن بريدة قال: كنت عند النبى صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: «إنّ القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشقّ عنه القبر، كالرّجل الشّاحب (¬9)، يقول له: هل تعرفنى؟ فيقول [له] (¬10): ما أعرفك، فيقول: أنا صاحبك الّذى أظمأتك فى الهواجر وأسهرت ليلك، وإنّ كلّ تاجر من وراء تجارته (¬11)، وإنّك اليوم من وراء كلّ تجارة (¬12)، [قال] (¬13): فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه (¬14) حلّتين (¬15) لا تقوم لهما الدّنيا (¬16)، فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال لهما: بأخذ ولدكما القرآن، ثمّ يقال: اقرأ واصعد فى درج الجنّة وغرفها، [فهو] (¬17) فى صعود ما دام يقرأ، حدرا كان أو ترتيلا» (¬18).
¬
_
(¬1) فى م: وما أعطيه.
(¬2) فى ز: ووالده، وفى م: ووالديه.
(¬3) فى م، د: وبه بسببه، وفى ص: وبه الباء سببية.
(¬4) فى د، ص، م: يتعلق.
(¬5) سقط فى م.
(¬6) فى ص: محذوف.
(¬7) زيادة من م.
(¬8) فى ز، ص، د: ما خرجه.
(¬9) الشاحب: المتغير اللون والجسم العارض من العوارض، كمرض، أو سفر، أو نحوهما.
(¬10) زيادة من م.
(¬11) فى ص: تجارتك.
(¬12) فى م: من وراء تجارتى، وفى د: من وراء تجارتك.
(¬13) سقط فى ز.
(¬14) فى ص: والده.
(¬15) فى ص، م، ز: حلتان.
(¬16) فى د، ز، ص: لا يقوم لهما أهل الدنيا.
(¬17) سقط فى ص.
(¬18) أخرجه أحمد (5/ 348، 352، 361) وابن ماجة (5/ 324) كتاب الأدب باب ثواب القرآن
ص: فليحرص السعيد فى تحصيله ... ولا يمل قط من ترتيله
وأخرج الترمذى عن أبى هريرة- رضى الله عنه- عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول: يا ربّ حلّه، فيلبس تاج الكرامة، ثمّ يقال: يا ربّ زده، فيلبس حلّة الكرامة، ثمّ يقال: يا ربّ ارض عنه، فيرضى عنه، فيقال: اقرأ وارق، ويزداد بكلّ آية حسنة» (¬1).
وقال عليه الصلاة والسلام: «من قرأ القرآن وعمل بما فيه، ألبس والداه تاجا ضوؤه أشدّ من ضوء الشّمس سبع مرّات، فما ظنّكم بمن عمل بهذا» (¬2).
وقال عليه الصلاة والسلام: «إنّ [عدد] (¬3) درج الجنّة على عدد آيات القرآن، يقال (¬4) لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ وارق ورتّل كما كنت ترتّل فى دار الدّنيا، فإنّ منزلتك (¬5) عند آخر آية [كنت] (¬6) تقرؤها» (¬7).
ثم رتّب على ما ذكره [شيئا] (¬8) فقال:
ص:
فليحرص السّعيد فى تحصيله ... ولا يملّ قطّ من ترتيله
ش: الفاء سببية، واللام: للأمر، و (يحرص): مجزوم باللام (¬9)، و (السعيد):
فاعل (¬10)، و (فى تحصيله): يتعلق ب (يحرص)، و (لا يمل): عطف على (يحرص)، و (يمل) (¬11): مجزوم ب (لا) وفتحه أفصح من ضمه، و (قط) هنا: ظرف لاستغراق ما مضى من الزمان، وهى بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة فى أفصح اللغات (¬12)،
¬
_
(3781) والحاكم (1/ 256) وقال الهيثمى فى المجمع (7/ 162): روى ابن ماجة منه طرفا- رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
(¬1) أخرجه الترمذى فى فضائل القرآن (5/ 36) (2915) وقال حسن. والحاكم (1/ 552) وأبو نعيم (7/ 206) من طريق أبى صالح عن أبى هريرة، وأخرجه أحمد (2/ 471) من طريق أبى صالح عن أبى هريرة أو عن أبى سعيد، وانظر صحيح الترمذى للعلامة الألبانى (2329).
(¬2) أخرجه أبو داود (1/ 460) كتاب الصلاة باب فى ثواب قراءة القرآن (1453) عن معاذ بن أنس، وقال الهيثمى فى المجمع (7/ 164 - 165): روى أبو داود بعضه، رواه أحمد وفيه زبان بن فائد وهو ضعيف.
(¬3) زيادة من ص.
(¬4) فى ص، د: فيقال.
(¬5) فى ص: منزلك عند الله.
(¬6) سقط فى م.
(¬7) أخرج طرفه الأول ابن مردويه عن عائشة كما فى كنز العمال (2424).
(¬8) سقط فى م.
(¬9) فى م: بها.
(¬10) فى ص: فاعله.
(¬11) زاد فى ص: وهو.
(¬12) قال ابن سيده: ما رأيته قطّ، وقطّ وقط، مرفوعة خفيفة محذوفة منها، إذا كانت بمعنى الدهر ففيها ثلاث لغات، وإذا كانت فى معنى حسب فهى مفتوحة القاف ساكنة الطاء.
قال بعض النحويين: أما قولهم قط، بالتشديد، فإنما كانت قطط، وكان ينبغى لها أن تسكن، فلما سكن الحرف الثانى جعل الآخر متحركا إلى إعرابه، ولو قيل فيه بالخفض والنصب لكان وجها فى العربية.
وتختص بالمضىّ؛ تقول (¬1): ما فعلته قط، والعامة تقول: لا أفعله قط، وكذا استعملها الناظم، ففيه نظر. و (من ترتيله): يتعلق ب (يمل). [أى] (¬2): فبسبب (¬3) ما تقدم ينبغى أن يحرص السعيد على تحصيل القرآن، ولا يملّ من ترتيله فى وقت من الأوقات؛ فهو أفضل ما اشتغل به أهل الإيمان، وأولى ما عمّرت به الأوقات والأزمان، ومذاكرته (¬4) زيادة فى (¬5) الإفادة والاستفادة، وتجويده فرض واجب، والتبحر فى علومه هو أسنى المناقب وأعلى المراتب، وفى فضله من الأخبار المأثورة والآثار المشهورة ما يعجز المتصدى لجمعها (¬6) عن الاستيعاب، ويقصر عن ضبطها ذوو الإطناب والإسهاب.
وأخرج (¬7) الترمذى من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» (¬8).
¬
_
وأما الذين رفعوا أوله وآخره فهو كقولك مدّ يا هذا.
وأما الذين خففوه فإنهم جعلوه أداة، ثم بنوه على أصله فأثبتوا الرفعة التى كانت تكون فى قط وهى مشددة؛ وكان أجود من ذلك أن يجزموا فيقولوا ما رأيته قط، مجزومة ساكنة الطاء، وجهة رفعه كقولهم لم أره مذ يومان، وهى قليلة، كله تعليل كوفى، ولذلك وضعوا لفظ الإعراب موضع لفظ البناء، هذا إذا كانت بمعنى الدهر، وأما إذا كانت بمعنى حسب، وهو الاكتفاء، فقد قال سيبويه: قط ساكنة
الطاء، معناها الاكتفاء، وقد يقال قط وقطى؛ وقال: قط معناها الانتهاء، وبنيت على الضم كحسب. وحكى ابن الأعرابى: ما رأيته قط، مكسورة مشددة، وقال بعضهم: قط زيدا درهم، أى كفاه، وزادوا النون فى قط فقالوا قطنى، لم يريدوا أن يكسروا الطاء لئلا يجعلوها بمنزلة الأسماء المتمكنة، نحو يدى وهنى.
وقال بعضهم: قطنى كلمة موضوعة لا زيادة فيها كحسبى؛ قال الراجز:
امتلأ الحوض وقال: قطنى ... سلا رويدا قد ملأت بطنى
وإنما دخلت النون ليسلم السكون الذى يبنى الاسم عليه، وهذه النون لا تدخل الأسماء، وإنما تدخل الفعل الماضى إذا دخلته ياء المتكلم، كقولك ضربنى وكلمنى، لتسلم الفتحة التى بنى الفعل عليها، ولتكون وقاية للفعل من الجر؛ وإنما أدخلوها فى أسماء مخصوصة قليلة، نحو قطنى وقدنى وعنّى ومنّى ولدنّى، لا يقاس عليها، فلو كانت النون من أصل الكلمة لقالوا قطنك، وهذا غير معلوم.
وقال ابن برى: عنّى ومنّى وقطنى ولدنى على القياس؛ لأن نون الوقاية تدخل الأفعال لتقيها الجر وتبقى على فتحها، وكذلك هذه التى تقدمت دخلت النون عليها لتقيها الجر فتبقى على سكونها ينظر لسان العرب (5/ 3673).
(¬1) فى ص: فنقول، وفى د: فيقول.
(¬2) سقط فى م.
(¬3) فى م، د: بسبب.
(¬4) فى م: ولذاكره.
(¬5) فى م، ص: من.
(¬6) فى ص: بجمعها.
(¬7) فى ز، ص، د: وخرج.
(¬8) أخرجه الترمذى (2910) والبخارى فى التاريخ الكبير (1/ 679) من طريق محمد بن كعب القرظى
وخرج أيضا من حديث على بن أبى طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن واستظهره، فأحلّ حلاله وحرّم حرامه، أدخله الله به الجنّة، وشفّعه فى عشرة من أهل بيته كلّهم قد وجبت لهم النّار» (¬1).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إنّ البيت الّذى يقرأ فيه القرآن اتّسع بأهله (¬2)، وكثر خيره، وحضرته الملائكة، وخرجت منه الشّياطين، وإنّ البيت الّذى لا يتلى فيه كتاب الله تعالى ضاق (¬3) بأهله، وقلّ خيره، وخرجت منه الملائكة، وحضرته الشّياطين» (¬4).
وقال صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو يعلّم القرآن حجّت الملائكة إلى قبره كما يزار البيت العتيق».
وقال صلى الله عليه وسلم: «لو كان القرآن فى إهاب وألقى فى النّار ما احترق» (¬5) يعنى نار الآخرة، وهذا أولى من غيره توقيفا (¬6).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إنّ القلوب تصدأ (¬7) كما يصدأ الحديد. قيل: يا رسول الله ما جلاؤها؟
قال: تلاوة القرآن» (¬8).
وقال صلى الله عليه وسلم: «لن ترجعوا (¬9) إلى الله بشيء أحبّ إليه ممّا خرج منه» (¬10) يعنى: القرآن.
¬
_
عن ابن مسعود مرفوعا وأخرجه الحاكم (1/ 555، 556) والخطيب فى تاريخه (1/ 285) من طريق أبى الأحوص عن ابن مسعود مرفوعا وانظر الصحيحة للعلامة الألبانى (660)، وأخرجه ابن المبارك فى الزهد (808) وعبد الرزاق (6017) والطبرانى فى الكبير (8648، 8649) من طريق أبى الأحوص عن ابن مسعود موقوفا وأخرجه عبد الرزاق (5993) والطبرانى فى الكبير (8647) من طريق أبى عبيدة عن ابن مسعود موقوفا.
(¬1) أخرجه الترمذى (5/ 28) فى فضائل القرآن باب ما جاء فى فضل قارئ القرآن (2905) وابن ماجة (1/ 207) فى المقدمة باب فضل من تعلم القرآن وعلمه (216) وعبد الله بن أحمد فى زوائد المسند (1/ 148، 149) والطبرانى فى الأوسط (5126) وانظر ضعيف الترمذى (553) وضعيف ابن ماجة (38) للعلامة الألبانى.
(¬2) فى م: على أهله.
(¬3) فى م: يضاف.
(¬4) أخرجه البزار عن أنس مختصرا كما فى مجمع الزوائد للهيثمى (7/ 174) وقال: فيه عمر بن نبهان وهو ضعيف.
(¬5) أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبرانى عن عقبة بن عامر، وفيه ابن لهيعة وفيه خلاف وأخرجه الطبرانى عن عصمة بن مالك، وفيه الفضل بن المختار وهو ضعيف، وأخرجه الطبرانى عن سهل بن سعد وفيه عبد الوهاب بن الضحاك وهو متروك كما فى مجمع الزوائد (7/ 161).
(¬6) فى م، ص: توفيقا.
(¬7) فى ز: يصدأ.
(¬8) أخرجه ابن شاهين فى الترغيب فى الذكر عن عبد الله بن عمرو وزاد «وكثرة الذكر لله عز وجل».
وأخرجه ابن الجوزى فى العلل المتناهية (2/ 832) عن عبد الله بن عمرو بلفظ « ... قال: كثرة ذكر الله»، وفى إسناده إبراهيم بن عبد السلام قال عنه ابن عدى كان يحدث بالمناكير، وقال ابن الجوزى:
كان يسرق الحديث.
(¬9) فى ز، ص: يرجعوا.
(¬10) أخرجه الترمذى (2912) عن جبير بن نفير مرسلا وأخرجه الحاكم (1/ 555) والبيهقى فى الأسماء
ص: وليجتهد فيه وفى تصحيحه ... على الذى نقل من صحيحه
وقال صلى الله عليه وسلم: «القرآن غنى لا فقر بعده، ولا غنى دونه» (¬1).
وقال صلى الله عليه وسلم: «أغنى النّاس حملة القرآن» (¬2).
وقال صلى الله عليه وسلم: «من جمع القرآن متّعه الله بعقله حتّى يموت» (¬3).
وفضائل القرآن وأهله كثيرة، جعلنا الله تعالى من أهله بمنه وفضله (¬4).
ص:
وليجتهد فيه وفى تصحيحه ... على الّذى نقل من صحيحه
ش: (وليجتهد): عطف على (فليحرص)، و (فيه) و (فى تصحيحه): يتعلقان ب (يجتهد)، و (على): يتعلق ب (تصحيحه)، و (من صحيحه): بيان للوجه (¬5) الذى [نقل] (¬6)، أى ينبغى أن يجتهد القارئ فى حفظ القرآن والعمل به وإتقانه وضبطه وتصحيحه على أكمل الوجوه، وهو الوجه الصحيح المنقول إلينا عن النبى صلى الله عليه وسلم.
وفى هذا البيت تمهيد قاعدة للذى بعده مع تعلقه بما قبله.
ولما ذكر الوجه الصحيح بينه فقال (¬7):
ص:
فكلّ ما وافق وجه نحو ... وكان للرّسم احتمالا يحوى
ش: (كل): مبتدأ مضاف إلى (ما)، وهى نكرة موصوفة، و (وافق): صفتها، والرابط: الفاعل المستتر، و (وجه نحو): مفعول، و (كان ... يحوى): فعلية معطوفة على (وافق)، و (للرسم): يتعلق ب (يحوى)، و (احتمالا): يحتمل الحالية من (الرسم) وتفهم (¬8) موافقته للرسم الصريح من باب أولى، ويحتمل خبر (كان) محذوفة، تقديره (¬9):
ولو كان اشتماله على الرسم احتمالا.
ثم كمل الشروط فقال:
ص:
وصحّ إسنادا هو القرآن ... فهذه الثّلاثة الأركان
¬
_
والصفات (236) من حديث أبى ذر مرفوعا.
(¬1) أخرجه الطبرانى فى الكبير (1/ 255) (738) عن أنس وقال الهيثمى فى المجمع (7/ 161): رواه أبو يعلى وفيه يزيد بن أبان وهو ضعيف، وذكره أيضا الهيثمى من حديث أبى هريرة أخرجه عنه الطبرانى وقال: وفيه يزيد الرقاشى وهو ضعيف.
(¬2) أخرجه ابن عساكر فى تاريخ دمشق عن أنس وأبى ذر كما فى كشف الخفا للعجلونى (1/ 168) وزاد فى حديث أبى ذر: «من جعله الله فى جوفه».
(¬3) أخرجه ابن عدى ومن طريقه ابن الجوزى فى العلل (1/ 115) عن أنس، وقال ابن عدى: لا يرويه عن جرير غير رشدين، وقال يحيى: رشدين ليس بشيء وقال النسائى متروك وكاتب الليث ليس بثقة.
(¬4) فى ص، م: وكرمه وفضله، وفى د: وفضله وكرمه.
(¬5) فى م: الوجه.
(¬6) سقط فى م.
(¬7) فى م: بقوله.
(¬8) فى م، ص، د: ويفهم.
(¬9) فى م: وتقديره، وفى ص: وتقدره.
ص: وحيثما يختل ركن أثبت ... شذوذه لو انه فى السبعة
ش: (وصح) (¬1): عطف على (وافق)، و (إسنادا): تمييز، و (هو القرآن): صغرى خبر (كل) (¬2)، (فهذه) مبتدأ و (الثلاثة) صفته، و (الأركان) خبره [وهى مفيدة] (¬3) للحصر، أى: هذه الثلاثة هى الأركان لا غيرها.
ثم عطف فقال:
ص:
وحيثما يختلّ ركن أثبت ... شذوذه لو انّه فى السّبعة
ش: (حيثما): اسم شرط، و «يختل ركن»: جملة الشرط، و (أثبت شذوذه): جملة الجواب، و (لو انّه): عطف على مقدر، أى: [ولو ثبت أنه فى السبعة] (¬4)، و (أنه) فاعل عند سيبويه ومبتدأ عند غيره، وخبره محذوف، أى: ولو كونه (¬5) فى السبعة حاصل، وقيل: لا خبر له لطوله. والله تعالى أعلم.
اعلم- وفقنى الله تعالى وإياك- أن الاعتماد فى نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور [لا على] (¬6) حفظ (¬7) المصاحف والكتب، وهذا من الله تعالى غاية المنة على هذه الأمة، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [«قال الله تعالى (¬8) لى: قم فى قريش فأنذرهم، فقلت:
يا ربّ إذا يثلغوا رأسى حتّى يدعوه خبزة، فقال: إنّى مبتليك ومبتل بك، ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان» (¬9) فأخبر الله تعالى أن القرآن لا يحتاج فى حفظه إلى صحيفة تغسل (¬10) بالماء، بل يقرؤه فى كل حال، كما جاء فى صفة أمته: «أنا جيلهم فى صدورهم» بخلاف أهل الكتاب الذين لا يقرءونه كله إلا نظرا.
ولما خص الله تعالى بحفظه من اختاره من أهله، أقام له أئمة متقنين تجردوا لتصحيحه راحلين ومستوطنين، وبذلوا جهدهم فى ضبطه وإتقانه، وتلقوه من النبى صلى الله عليه وسلم حرفا حرفا (¬11) فى أوانه، وكان منهم من حفظه كله، ومنهم من لم يبق عليه منه إلا أقله، وسيأتى كل ذلك، وأذكر عددهم هنالك.
¬
_
(¬1) فى د: صح.
(¬2) فى م: كان.
(¬3) سقط فى ز.
(¬4) فى م: إن لم يثبت أنه فى السبعة.
(¬5) فى م: وكونه.
(¬6) سقط فى د.
(¬7) فى م، د: حط.
(¬8) فى ص: قال تعالى. والعبارة سقط فى ز.
(¬9) هو طرف من حديث طويل عن عياض بن حمار المجاشعى، أخرجه مسلم (4/ 2197) كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب الصفات التى يعرف بها فى الدنيا أهل الجنة (63/ 2865) وأحمد (4/ 162، 266) والبخارى فى خلق أفعال العباد (48) وابن ماجة (5/ 598) كتاب الزهد باب البراءة من الكبر والتواضع (4179) وأبو نعيم فى الحلية (2/ 17). وزاد فى ص، م: «فابعث جندا أبعث مثلهم (أى من الملائكة) وقاتل بمن أطاعك من عصاك وأنفق ينفق عليك».
(¬10) فى ز: يغسل.
(¬11) فى م: بحرف.
ولما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام بالأمر بعده أحق الناس به، أبو بكر (¬1) المعلّم والمعلّم، وقاتل (¬2) هو والصحابة مسيلمة الكذاب (¬3)، أشير عليه (¬4) أن يجمع القرآن فى مصحف واحد؛ رجاء الثواب وخشية أن يذهب بذهاب قرائه (¬5)، توقف من حيث إنه صلى الله عليه وسلم لم يشر عليهم فيه برأى من آرائه، ثم اجتمع رأيه ورأى الصحابة على ذلك، فأمر (¬6) زيد بن ثابت أن يتتبعه من صدور أولئك، قال زيد (¬7): والله لو كلفونى نقل (¬8) الجبال لكان أيسر على من ذلك. قال: فجعلت أتتبع القرآن من صدور الرجال والرقاع- وهى قطع الأدم- والأكتاف- وهى عظام الكتف المنبسط كاللوح والأضلاع- والعسب- سعف (¬9) النخل- واللخاف- الأحجار العريضة البيض- وذلك لعدم الورق حينئذ. قال زيد: فذكرت آية كنت [قد] (¬10) سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ [التوبة:
128] فلم أجدها إلا عند خزيمة بن ثابت (¬11).
¬
_
(¬1) هو عبد الله بن أبى قحافة عثمان بن عامر. من تيم قريش. أول الخلفاء الراشدين، وأول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم. من أعاظم الرجال، وخير هذه الأمة بعد نبيها. ولد بمكة، ونشأ فى قريش سيدا، موسرا، عالما بأنساب القبائل حرم على نفسه الخمر فى الجاهلية، وكان مألفا لقريش، أسلم بدعوته كثير من السابقين. صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هجرته، وكان له معه المواقف المشهورة. ولى الخلافة بمبايعة الصحابة له. فحارب المرتدين، ورسخ قواعد الإسلام. وجه الجيوش إلى الشام والعراق ففتح قسم منها فى أيامه توفى سنة 13 هـ. ينظر: الإصابة، ومنهاج السنة (3/ 118)، و «أبو بكر الصديق» للشيخ على الطنطاوى.
(¬2) فى ز: قابل.
(¬3) هو أبو ثمامة مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفى الوائلى متنبئ، من المعمرين، ولد ونشأ ب «اليمامة» بوادى حنيفة، فى نجد، تلقب فى الجاهلية ب «الرحمن»، وعرف ب «رحمان اليمامة»، وقد أكثر مسليمة من وضع أسجاع يضاهى بها القرآن، وكان مسيلمة ضئيل الجسم، قالوا فى وصفه:
كان رويجلا، أصيغر، أخينس، ويقال: كان اسمه «مسلمة»، وصغره المسلمون تحقيرا له. قتل سنة 12 هـ فى معركة قادها خالد بن الوليد- فى عهد أبى بكر الصديق- للقضاء على فتنته. ينظر ابن هشام: (3/ 84)، والروض الأنف (2/ 340)، والكامل لابن الأثير (2/ 137).
(¬4) فى د: إليه.
(¬5) فى م: قراءة.
(¬6) فى م: فأمروا. وهو زيد بن ثابت بن الضحاك من الأنصار، ثم من الخزرج. من أكابر الصحابة. كان كاتب الوحى. ولد فى المدينة، ونشأ بمكة، وهاجر مع النبى صلى الله عليه وسلم وعمره (11) سنة. تفقه فى الدين فكان رأسا فى القضاء والفتيا والقراءة والفرائض. وكان أحد الذين جمعوا القرآن فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وعرضه عليه. كتب المصحف لأبى بكر، ثم لعثمان حين جهز المصاحف إلى الأمصار توفى سنة 45 هـ. ينظر: الأعلام للزركلى، وتهذيب التهذيب (3/ 398)، وغاية النهاية (1/ 296).
(¬7) زاد فى ص، م، د: ابن ثابت.
(¬8) فى م: أنقل.
(¬9) فى ص، ز: سغف.
(¬10) زيادة من ز.
(¬11) هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة بن عمار الأنصارى الخطمى ذو الشهادتين، شهد بدرا وأحدا، له ثمانية وثلاثون حديثا. تفرد له مسلم بحديث. روى عنه ابنه عمارة وإبراهيم بن سعد
وقال أيضا: فقدت آية كنت أسمعها (¬1) [من رسول الله صلى الله عليه وسلم] (¬2) ما وجدتها (¬3) إلا عند رجل من الأنصار، وهى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ ... الآية [الأحزاب: 23].
فإن قيل: ما الداعى لتتبعه من الناس وقد (¬4) كان حافظه وقارئه؟ وكيف يحصل التواتر بالذى عند رجل؟
فالجواب: أن العلم الحاصل من يقينين (¬5) أقوى من واحد.
وأيضا فلاستكماله (¬6) وجوه قراءته ممن يجد (¬7) عنده (¬8) ما لا يعرفه هو، وكان المكتوب المتفرق أو أكثره إنما كتب بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم (¬9).
وأيضا فلأجل أن يضع خطه على وفق الرسم المكتوب؛ لأنه أبلغ فى الصحة.
ومعنى قوله: (تذكرت) (¬10) أى: قرأت (¬11). وفقدت (¬12) آية: لم أجدها مكتوبة، ولذلك (¬13) قال: عند رجل، وسيأتى أن الحفاظ جاوزوا عدد التواتر حينئذ.
ومفهوم سياق [كلام] (¬14) أبى بكر وزيد: أن زيدا كتب القرآن كله بجميع أحرفه ووجوهه المعبّر عنها (¬15) بالأحرف السبعة؛ لأنه أمره (¬16) بكتب كل القرآن، وكل حرف منه بعض منه، وتتبعه ظاهر فى طلب الظفر بمتفقه ومختلفه، ولم يقع فى كلام أبى بكر وزيد تصريح بذلك، فلما تمت الصحف أخذها أبو بكر عنده حتى أتاه الموت، ثم عمر- رضى الله عنه- فلما مات أخذتها حفصة (¬17)، رضى الله عنها.
ولما كان (¬18) سنة ثلاثين فى خلافة عثمان حضر حذيفة (¬19) فتح أرمينية وأذربيجان،
¬
_
ابن أبى وقاص. قتل مع على بصفين ينظر الخلاصة (1/ 289) (1836).
(¬1) فى م، د: سمعتها.
(¬2) فى م: منه.
(¬3) فى م: فلم أجدها.
(¬4) فى م: فقد.
(¬5) فى م: اثنين، وفى د: نفسين.
(¬6) فى ز: فلاستكمال.
(¬7) فى م: يوجد.
(¬8) فى م: عن.
(¬9) فى م، ص: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(¬10) فى د، ص: فذكرت.
(¬11) فى ز: قرأه.
(¬12) فى م: ومعنى فقدت.
(¬13) فى د: وكذلك.
(¬14) سقط فى م، ص.
(¬15) فى م: عنه.
(¬16) فى م: أمر.
(¬17) هى حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين رضى الله عنهما. صحابية جليلة صالحة، من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم، ولدت بمكة، وتزوجها خنيس بن حذافة السهمى، فكانت عنده إلى أن ظهر الإسلام، فأسلما.
وهاجرت معه إلى المدينة فمات عنها. فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها، فزوجه إياها. واستمرت فى المدينة بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم إلى أن توفيت بها. روى لها البخارى ومسلم فى الصحيحين ستين حديثا توفيت سنة 45 هـ. ينظر: الإصابة (4/ 273)، وأسد الغابة (5/ 425)، والأعلام (2/ 292).
(¬18) فى م: كانت.
(¬19) هو حذيفة بن اليمان واليمان لقبه واسمه: حسيل ويقال حسل أبو عبد الله العبسى. من كبار الصحابة، وصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم. أسلم هو وأبوه وأرادا شهود بدر فصدهما المشركون،
ورأى اختلاف الناس فى القرآن وبعضهم يقول: قراءتى أصح من قراءتك وأقوم لسانا (¬1) فزع (¬2) من ذلك، وقدم على عثمان كالهالك، وقال: أدرك هذه الأمة قبل اختلافهم كالخارجين عن الملة؛ فأرسل عثمان إلى حفصة يطلب منها الصحف (¬3)، وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير (¬4) وسعيد بن العاص (¬5) وعبد الرحمن (¬6) بن الحارث بنسخها فى المصاحف، ويردّون لحفصة الصحف (¬7)، وقال: إذا اختلفتم فى شىء فاكتبوه بلسان قريش؛ لأن القرآن به نزل، فكتب منها عدة، فوجّه إلى كل من البصرة والكوفة والشام ومكة، واليمن، والبحرين مصحفا، على اختلاف فى مكة، والبحرين، واليمن، وأمسك لنفسه مصحفا، وهو الذى يقال له: «الإمام»، وترك بالمدينة واحدا.
وإنما أمرهم بالنسخ من الصحف (¬8)؛ ليستند (¬9) مصحفه إلى أصل أبى بكر المستند (¬10) إلى أصل النبى (¬11) صلى الله عليه وسلم، وعين زيدا لاعتماد أبى بكر وعمر عليه، وضم إليه جماعة مساعدة له، ولينضم العدد إلى العدالة، وكانوا هؤلاء؛ لاشتهار ضبطهم ومعرفتهم.
¬
_
وشهد أحدا فاستشهد اليمان بها. شهد حذيفة الخندق وما بعدها، كما شهد فتوح العراق، وله بها آثار شهيرة. خيره النبى صلى الله عليه وسلم بين الهجرة والنصرة فاختار النصرة. استعمله عمر على المدائن فلم يزل بها حتى مات بعد بيعة على بأربعين يوما. روى عن النبى صلى الله عليه وسلم الكثير، وعن عمر، وروى عنه جابر وجندب وعبد الله بن يزيد وآخرون وفى سنة 36 هـ. ينظر: تهذيب التهذيب (2/ 219)، والإصابة (1/ 317)، وتهذيب تاريخ ابن عساكر (4/ 93).
(¬1) فى ص، م، د: لسان.
(¬2) فى د: ففزع.
(¬3) فى ص: المصحف.
(¬4) هو عبد الله بن الزبير بن العوام من بنى أسد من قريش. فارس قريش فى زمنه. أمه أسماء بنت أبى بكر الصديق. أول مولود للمسلمين بعد الهجرة. شهد فتح إفريقية زمن عثمان، وبويع له بالخلافة بعد وفاة يزيد بن معاوية، فحكم مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق وبعض الشام.
وكانت إقامته بمكة. سير إليه عبد الملك بن مروان جيشا مع الحجاج بن يوسف، وانتهى حصار الحجاج لمكة بمقتل ابن الزبير. له فى الصحيحين 33 حديثا. ينظر وفيات الأعيان (1/ 210)، ابن الأثير (4/ 135)، الأعلام للزركلى (4/ 218).
(¬5) هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموى صحابى صغير. روى عن عمر، وعثمان وعائشة. وروى عنه ابنه عمرو، وعروة. أقيمت عربية القرآن على لسانه. وكان شريفا سخيّا فصيحا، ولى الكوفة لعلى، وافتتح طبرستان. قال البخارى: مات سنة سبع أو ثمان وخمسين. وقال خليفة: سنة تسع ينظر الخلاصة (1/ 382) (2482).
(¬6) فى م: عبد الله. وهو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومى أبو محمد المدنى.
روى عن عمر وعثمان وعلى، وكان من كتاب المصحف. وروى عنه بنوه أبو بكر وعكرمة والمغيرة. قال ابن سعد: له رؤية. ووثقه العجلى. مات سنة ثلاث وأربعين.
(¬7) فى ص: المصحف.
(¬8) فى ز، ص، م: المصحف.
(¬9) فى م: ليسند.
(¬10) فى ص: المسند.
(¬11) فى م: أصل من النبى صلى الله عليه وسلم.
تنبيه:
وكتبوه مائة وأربعة عشر [سورة] (¬1)، أولها «الحمد» وآخرها «الناس» على هذا الترتيب.
وأول كل (¬2) سورة البسملة بقلم الوحى، إلا أول سورة براءة فجعلوا مكانها بياضا، وجرّدوا المصاحف [كلها] (¬3) من [أسماء السور، ونسبتها، وعددها، وتجزئتها، وفواصلها تبعا لأبى بكر، وأجمعت (¬4) الأمة على ما تضمنته هذه المصاحف، وترك ما خالفها من زيادة ونقص وإبدال كلمة بأخرى، مما كان مأذونا فيه توسعة عليهم، ولم يثبت عندهم ثبوتا مستفيضا أنه من القرآن] (¬5) وجردت (¬6) هذه (¬7) المصاحف كلها من النقط والشكل ليحتملها (¬8) ما صح نقله وثبتت تلاوته (¬9) عن النبى صلى الله عليه وسلم؛ لأن الاعتماد على الحفظ لا على مجرد الخط.
تنبيه:
تقدم أن هذا الترتيب الواقع فى سور المصحف اليوم هو الذى فى المصحف العثمانى المنقول من صحف (¬10) الصديق- رضى الله عنه- المنقولة (¬11) مما كتب بين يدى رسول الله (¬12) صلى الله عليه وسلم وهو قول القرّاء.
قلت: وفيه نظر؛ فقد ورد فى «صحيح مسلم» من حديث حذيفة- رضى الله عنه- قال: «صلّيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثمّ مضى، فقلت: يصلّى بها فى ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثمّ افتتح سورة النّساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها ... » (¬13) ثمّ ساق الحديث.
قال (¬14) القاضى عياض: فيه دليل لمن يقول: [إن] (¬15) ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف، وإنه لم يكن من ترتيب النبى صلى الله عليه وسلم، بل وكله (¬16) إلى أمته
¬
_
(¬1) سقط فى ز.
(¬2) فى د: وكل.
(¬3) زيادة من م.
(¬4) فى ص: واجتمعت.
(¬5) ما بين المعقوفين سقط فى م.
(¬6) فى م: وجردوا.
(¬7) سقط فى م.
(¬8) فى م: لتحملها.
(¬9) فى ص: وثبت روايته.
(¬10) فى م، ص: مصحف.
(¬11) فى م، ص: المنقول.
(¬12) فى م: النبى.
(¬13) أخرجه مسلم (1/ 536، 537) كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب استحباب تطويل القراءة (203/ 772) وأحمد (5/ 382، 384، 394، 397) وأبو داود (1/ 292) كتاب الصلاة باب ما يقول الرجل فى ركوعه وسجوده (871) وابن ماجة (2/ 162) كتاب إقامة الصلاة باب ما يقول بين السجدتين (897) والترمذى (1/ 301) كتاب الصلاة باب ما جاء فى التسبيح (262) والنسائى (2/ 176) كتاب الافتتاح باب تعوذ القارئ إذا مر بآية عذاب.
(¬14) فى م: وقال.
(¬15) سقط فى م.
(¬16) فى م: وو كله.
بعده، وهذا قول مالك- رضى الله عنه- وجمهور العلماء، واختاره (¬1) [القاضى] (¬2) أبو بكر [بن] (¬3) الباقلانى (¬4).
قال [ابن الباقلانى] (¬5): وهو أصح القولين مع احتمالهما.
قال: والذى نقوله (¬6): إن ترتيب السور ليس بواجب فى الكتابة ولا فى الصلاة، ولا فى الدرس والتلقين (¬7).
قال: وأما [عند] (¬8) من يقول: إن ذلك بتوقيف (¬9) من النبى صلى الله عليه وسلم، فيتأول ذلك على أنه تام قبل التوقيف، وكانت (¬10) هاتان السورتان هكذا فى مصحف أبىّ.
قال: ولا خلاف أنه يجوز للمصلى أن يقرأ فى الركعة الثانية سورة قبل التى قرأها فى الأولى، وإنما يكره ذلك فى ركعة (¬11) ولمن يتلو فى غير صلاة (¬12).
قال: وقد أباحه بعضهم، وتأول نهى السلف عن قراءة القرآن منكوسا على من يقرأ من آخر السورة إلى أولها.
قال: ولا خلاف أن ترتيب [آيات] (¬13) كل سورة بتوقيف من الله تعالى على ما هو عليه الآن فى المصاحف، وهكذا نقلته (¬14) الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم. انتهى كلام القاضى. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وإنما كتب (¬15) عدة مصاحف؛ لأنه قصد إنفاذ ما وقع الإجماع عليه إلى أقطار بلاد
¬
_
(¬1) فى م: واختيار.
(¬2) سقط فى م.
(¬3) زيادة من ز، د.
(¬4) هو محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، أبو بكر. المعروف بالباقلانى- بكسر القاف- نسبته إلى بيع الباقلاء ويعرف أيضا بابن الباقلانى وبالقاضى أبى بكر. ولد بالبصرة. وسكن بغداد وتوفى فيها.
وهو المتكلم المشهور الذى رد على الرافضة والمعتزلة والجهمية وغيرهم. كان فى العقيدة على مذهب الأشعرى، وعلى مذهب مالك فى الفروع، وانتهت إليه رئاسة المذهب. ولى القضاء. أرسله عضد الدولة سفيرا إلى ملك الروم فأحسن السفارة وجرت له مناظرات مع علماء النصرانية بين يدى ملكها.
من تصانيفه: «إعجاز القرآن»، و «الإنصاف» و «البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات»، و «التقريب والإرشاد» فى أصول الفقه قال فيه الزركشى هو أجلّ كتاب فى هذا الفن مطلقا توفى سنة 403 هـ. ينظر: الأعلام للزركلى (7/ 46)، تاريخ بغداد (5/ 379)، ووفيات الأعيان (1/ 609)، والبحر المحيط فى الأصول للزركشى، المقدمة.
(¬5) سقط فى م.
(¬6) فى م: يقول.
(¬7) فى م: والتلقين فبتأول.
(¬8) سقط فى ص.
(¬9) فى ص: يتوقف.
(¬10) فى ز: وكان.
(¬11) فى د: الركعة.
(¬12) فى م: الصلاة.
(¬13) سقط فى م.
(¬14) فى ص: نقلت.
(¬15) فى م: كتبت.
المسلمين واشتهاره؛ ولذلك بعثه إلى أمرائه، وكتبها متفاوتة فى الإثبات والحذف والبدل؛ لأنه قصد اشتمالها على الأحرف السبعة على رأى جماعة، وعلى لغة قريش على رأى آخرين، فجعل الكلمة التى تفهم أكثر من قراءة بصورة واحدة ك «يعلمون»، «جبريل» على حالها، والتى لا تفهم أكثر [من قراءة] (¬1) بصورة فى البعض وبأخرى فى آخر؛ لأنها لا يمكن تكرارها فى مصحف (¬2)؛ لئلا يتوهم (¬3) نزولها كذلك، ولا كتابة بعض فى الأصل وبعض فى الحاشية؛ للتحكم (¬4)، والاعتماد فى نقل القرآن على الحفاظ؛ ولذلك أرسل كل مصحف مع من يوافق قراءته فى الأكثر، وليس بلازم، وقرأ كل مصر بما فى مصحفهم، وتلقّوا (¬5) ما فيه عن الصحابة الذين (¬6) تلقوه عن النبى صلى الله عليه وسلم.
ثم تجرد للأخذ عن هؤلاء قوم (¬7) أسهروا (¬8) ليلهم فى ضبطها، وأتعبوا نهارهم فى نقلها، حتى صاروا فى ذلك أئمة للاقتداء (¬9) وأنجما للاهتداء، أجمع (¬10) أهل بلدهم على قبول قراءتهم، ولم يختلف عليهم (¬11) اثنان فى صحة روايتهم ودرايتهم، ولتصديهم (¬12) للقراءة نسبت إليهم، وكان المعوّل فيها عليهم.
ثم إن القراء بعد هؤلاء كثروا، وفى (¬13) البلاد انتشروا (¬14)، وخلفهم أمم بعد أمم، عرفت (¬15) طبقاتهم (¬16)، واختلفت صفاتهم، فكان منهم المتقن للتلاوة المشهور (¬17) بالرواية والدراية، ومنهم المحصّل لوصف واحد، ومنهم الذى لأكثر من واحد، فكثر بينهم لذلك الاختلاف (¬18)، وقل [منهم] (¬19) الائتلاف؛ فقام عند ذلك جهابذة الأمة وصناديد الأئمة، فبالغوا فى الاجتهاد بقدر الحاصل، وميزوا بين الصحيح والباطل، وجمعوا الحروف والقراءات، وعزوا الوجوه والروايات، وبينوا الصحيح والشاذ، والكثير والفاذّ، بأصول أصّلوها، وأركان فصّلوها (¬20).
ثم إن المصنف- رضى الله عنه- أشار إلى تلك الأصول والأركان بقوله:
¬
_
(¬1) سقط فى ز.
(¬2) فى ص: مصحفه.
(¬3) فى ز، م: يوهم.
(¬4) فى م: للحكم.
(¬5) فى ص: ونقلوا.
(¬6) فى ص، م: الذى.
(¬7) فى ص: رجال.
(¬8) فى ص: سهروا.
(¬9) فى ز: الاقتداء.
(¬10) فى ص: اجتمع.
(¬11) فى م: عنهم.
(¬12) فى ز: ولتهديهم.
(¬13) فى م: فى بدون واو.
(¬14) فى م: وانتشروا.
(¬15) فى د، ص: وعرفت.
(¬16) فى د: طباقهم.
(¬17) فى ز: المشهورة.
(¬18) فى م: الخلاف.
(¬19) سقط فى م.
(¬20) فى ص: وفصول وأركان.
«فكلّ ما وافق وجه نحو ... » إلخ.
وأدرج هذه الأوصاف فى حد القرآن، وحاصل كلامه: (¬1) القرآن كل كلام وافق وجها ما من أوجه النحو، ووافق الرسم ولو احتمالا، وصح سنده.
وفى هذا التعريف نظر؛ لأن موافقة الرسم والعربية لم يقل أحد بأنها جزء للحد، بل منهم من قال: هى لازمة للتواتر؛ فلا حاجة لذكرها، وهم المحققون، ومنهم من قال:
هى شروط لا بد من ذكرها، وأيضا فإن الوصف الأعظم فى ثبوت القرآن هو التواتر (¬2).
والناظم تركه واعتبر صحة سنده فقط، وهذا قول شاذ، وسيأتى كل ذلك.
وإذا اجتمعت الأركان [الثلاثة فى قراءة] (¬3)، فلا يحل إنكارها، بل هى من الأحرف السبعة [التى] (¬4) نزل بها القرآن (¬5)، ووجب على الناس قبولها، سواء نقلت عن السبعة أو العشرة (¬6) أو غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من هذه الثلاثة أطلق عليها:
ضعيفة أو شاذة أو باطلة، سواء كانت عن السبعة أو عن أكثر منهم، هكذا قال الحافظ أبو عمرو الدانى (¬7)، والإمام أبو محمد مكى (¬8)، وأبو العباس المهدوى (¬9)، وأبو شامة، وهو
¬
_
(¬1) زاد فى م: أن.
(¬2) فى ص: تواتر سنده.
(¬3) سقط فى ص.
(¬4) سقط فى ص.
(¬5) قال السيوطى فى الإتقان: اختلف فى معنى هذا الحديث على نحو أربعين قولا، ثم ساق ستة عشر قولا، وفيها ما لا يصح أن يكون قولا مستقلّا، وأتبعها بخمسة وثلاثين قولا منقولة عن ابن حبان، وفيها ما هو داخل فى الأقوال الستة عشر، فمجموعها بعد حذف ما ذكر: ثمانية وأربعون، وهناك أقوال أخرى فى النشر والقرطبى والنيسابورى وغيرها تتم بها الأقوال ستين. ينظر: معنى الأحرف السبع ص (42).
(¬6) فى ص: أو عن العشرة.
(¬7) هو عثمان بن سعيد بن عثمان، أبو عمرو الدانى الأموى المقرئ. أحد حفاظ الحديث، ومن الأئمة فى علم القرآن ورواته وتفسيره. من أهل دانية بالأندلس، دخل المشرق، فحج وزار مصر، وعاد فتوفى فى بلده. له أكثر من مائة تصنيف.
وكان يقول: ما رأيت شيئا قط إلا كتبته، ولا كتبته إلا حفظته، ولا حفظته فنسيته. توفى سنة 444. ينظر: شذرات الذهب (3/ 272)، والديباج المذهب (188)، والأعلام (4/ 366).
(¬8) هو مكى بن أبى طالب حموش بن محمد بن مختار أبو محمد القيسى القيروانى ثم الأندلسى القرطبى إمام علامة محقق عارف أستاذ القراء والمجودين، ولد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة بالقيروان، كان من أهل التبحر فى علوم القرآن والعربية حسن الفهم والخلق جيد الدين والعقل كثير التأليف فى علوم القرآن محسنا مجودا عالما بمعانى القراءات وكان خيرا متدينا مشهورا بالصلاح وإجابة الدعوة ومن تآليفه «التبصرة فى القراءات» والكشف عليه وتفسيره الجليل ومشكل إعراب القرآن والرعاية فى التجويد والموجز فى القراءات وتواليفه تنيف عن ثمانين تأليفا، مات فى ثانى المحرم سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، ينظر: غاية النهاية (2/ 309).
(¬9) هو أحمد بن عمار بن أبى العباس، أبو العباس المهدوى المغربى، نحوى، مفسر، لغوى، مقرئ، أصله من المهدية من بلاد إفريقية. روى عن الشيخ الصالح أبى الحسن القابسى. وقرأ على محمد
مذهب السلف الذى لا يعرف عن أحد منهم خلافه.
قال أبو شامة: فلا ينبغى أن يغتر بكل قراءة [تعزى لأحد السبعة ويطلق] (¬1) عليها لفظ الصحة إلا إن دخلت فى الضابط، وحينئذ لا ينفرد بنقلها مصنف عن غيره، ولا يختص ذلك بنقلها عنهم (¬2)، بل إن نقلت عن غير السبعة فذلك لا يخرجها عن الصحة؛ فإن الاعتماد على تلك الأوصاف لا على من تنسب إليه، فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم، وكثرة الصحيح المجتمع (¬3) عليه فى قراءتهم (¬4)، تركن النفس لما نقل عنهم أكثر من غيرهم (¬5).
وقول (¬6) الناظم- رضى الله عنه-: «وافق وجه نحو ... » يريد أن القراءة الصحيحة هى التى توافق وجها ما من وجوه النحو، سواء كان أفصح أو (¬7) فصيحا، مجمعا (¬8) عليه أو مختلفا فيه اختلافا لا يضر مثله، وهذا هو المختار عند المحققين من ركن موافقة العربية، فكم من قراءة أنكرها بعض النحاة أو كثير منهم ولم يعتبر إنكارهم، بل أجمع قدوة السلف على قبولها، كإسكان بارِئِكُمْ [البقرة: 54] ونحوه، وسَبَإٍ ويا بُنَيَّ [لقمان: 13]، وَمَكْرَ السَّيِّئِ [فاطر: 43] ونُنْجِي (¬9) الْمُؤْمِنِينَ بالأنبياء [88].
وجمع البزى (¬10) بين ساكنين فى تاءاته ومد أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ [إبراهيم: 37].
¬
_
ابن سفيان، وعلى جده لأمه مهدى بن إبراهيم، وأبى الحسن أحمد بن محمد وغيرهم. من تصانيفه: «التفصيل الجامع لعلوم التنزيل»، و «الهداية فى القراءات السبع» توفى سنة 440 هـ. ينظر:
إنباء الرواة (1/ 91 - 92)، ومعجم الأدباء (5/ 39)، وبغية الوعاة (1/ 351)، وطبقات المفسرين (1/ 56)، ومعجم المؤلفين (2/ 27).
(¬1) فى م: تقرأ لأحد السبعة وأطلق.
(¬2) فى ص: عن غيره.
(¬3) فى ص: المجمع.
(¬4) زاد فى م: فى المجمع عليه.
(¬5) من قوله: «وإذا اجتمعت الأركان» إلى قوله ... «أكثر من غيرهم» سقط فى د.
(¬6) فى د: فقول.
(¬7) فى د، ص: أم.
(¬8) فى ز: مجتمعا.
(¬9) فى م: ننجى.
(¬10) هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبى بزة، وقال الأهوازى أبو بزة الذى ينسب إليه البزى، اسمه بشار، فارسى من أهل همذان، أسلم على يد السائب بن أبى السائب المخزومى، والبزة الشدة، ومعنى أبو بزة، أبو شدة، قال ابن الجزرى: المعروف لغة أن البزة من قولهم: بزة بزة إذا سلبه مرة، ويقال إن نافعا هو أبو بزة الإمام أبو الحسن البزى المكى مقرئ مكة ومؤذن المسجد الحرام، ولد سنة سبعين ومائة أستاذ محقق ضابط متقن، قرأ على أبيه وعبد الله بن زياد وعكرمة ابن سليمان ووهب بن واضح، قرأ عليه إسحاق بن محمد الخزاعى والحسن بن الحباب وأحمد ابن فرح وأبو عبد الرحمن عبد الله بن على وأبو جعفر محمد بن عبد الله اللهبيان وأبو العباس أحمد ابن محمد اللهبى فى قول الأهوازى والرهاوى وأبو ربيعة محمد بن إسحاق، وروى عنه القراءة قنبل وحدث عنه أبو بكر أحمد بن عميد بن أبى عاصم النبيل ويحيى بن محمد بن صاعد ومحمد بن على
قال الدانى بعد حكايته لإنكار سيبويه إسكان «بارئكم»: والإسكان أصح فى النقل وأكثر فى الأداء، وأئمة القراءة لا تعمل فى شىء من حروف القراءات على الأفشى فى اللغة والأقيس فى العربية، بل [على] (¬1) الأثبت فى الأثر، والأصح فى النقل والرواية إذا ثبتت (¬2) عنهم، لا يردها قياس عربية، ولا فشو لغة؛ لأن القراءة (¬3) سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها.
وقوله: «وكان للرسم ... » إلخ، لا بد لهذا الشرط من مقدمة فأقول:
[اعلم] (¬4) أن الرسم [هو] (¬5) تصوير الكلمة بحروف (¬6) هجائها بتقدير الابتداء بها والوقف عليها، والعثمانى هو الذى رسم فى المصاحف العثمانية، وينقسم إلى قياسي:
وهو ما وافق اللفظ، وهو معنى قولهم: «تحقيقا»، وإلى اصطلاحى: وهو ما خالف اللفظ، وهو معنى قولهم: «تقديرا»، وإلى احتمالى وسيأتى.
ومخالفة الرسم للفظ محصورة فى خمسة أقسام، وهى:
1 - الدلالة على البدل: نحو الصِّراطَ [الفاتحة: 6].
2 - وعلى الزيادة: نحو مالِكِ [الفاتحة: 4].
3 - وعلى الحذف: نحو لكِنَّا هُوَ [الكهف: 38].
4 - وعلى الفصل: نحو فَمالِ هؤُلاءِ [النساء: 78].
5 - وعلى أن [الأصل] (¬7) الوصل، [نحو] (¬8) أَلَّا يَسْجُدُوا [النمل: 25].
فقراءة الصاد، والحذف والإثبات، والفصل والوصل، خمستها وافقها الرسم تحقيقا، وغيرها تقديرا؛ لأن السين تبدل صادا قبل أربعة أحرف منها الطاء كما سيأتى، وألف مالِكِ (¬9) [الفاتحة: 4] عند [المثبت] (¬10) زائدة، وأصل لكِنَّا [الكهف: 38] الإثبات، وأصل فَما لِ الفصل، وأصل أَلَّا يَسْجُدُوا [النمل: 25] الوصل، وكل من الأقسام الخمسة فى حكم صاحبه، فالبدل فى حكم المبدل منه وكذا الباقى، وذلك ليتحقق الوفاق التقديرى؛ لأن اختلاف القراءتين إن كان يتغاير دون تضاد ولا تناقض فهو فى حكم
¬
_
ابن زيد الصائغ وأحمد بن محمد بن مقاتل. توفى البزى سنة خمسين ومائتين عن ثمانين سنة. ينظر:
غاية النهاية (1/ 119، 120).
(¬1) سقط فى م.
(¬2) فى ص: ثبت.
(¬3) فى م: القرآن.
(¬4) سقط فى ص.
(¬5) زيادة من د، ص.
(¬6) فى ص: بحرف.
(¬7) سقط فى م.
(¬8) سقط فى ز.
(¬9) فى م: مالك بعد الميم.
(¬10) سقط فى م.
الموافق، وإن كان [بتضاد أو تناقض] (¬1) ففي حكم المخالف، والواقع: الأول فقط، وهو الذى لا يلزم من صحة أحد الوجهين [فيه] بطلان الآخر، وتحقيقه أن اللفظ تارة يكون (¬2) له جهة واحدة فيرسم على وفقها، فالرسم هنا (¬3) حصر (¬4) جهة اللفظ بمخالفة مناقض، وتارة يكون له جهات (¬5) فيرسم على أحدها (¬6) فلا يحصر (¬7) جهة اللفظ، واللافظ به موافق تحقيقا، وبغيره (¬8) تقديرا؛ لأن البدل فى حكم المبدل منه، وكذا بقية (¬9) [الخمسة] (¬10) والله أعلم.
والقسم الثالث: ما وافق الرسم احتمالا، ويندرج فيه ما وقع الاختلاف فيه (¬11) بالحركة والسكون؛ نحو الْقُدُسِ [البقرة: 87] وبالتخفيف والتشديد؛ نحو ينشركم (¬12) بيونس [22] وبالقطع والوصل عنه بالشكل (¬13) نحو أَدْخِلُوا بغافر [40] وباختلاف الإعجام (¬14) نحو «يعملون» (¬15) و «يفتح» (¬16)، وبالإعجام [والإهمال] (¬17) نحو نُنْشِزُها [البقرة: 259]، وكذا المختلف فى كيفية لفظها، كالمدغم والمسهّل [والممال] (¬18) والمرقق والممدود، فإن المصاحف العثمانية تحتمل هذه كلها؛ لتجردها عن أوصافها، فقول الناظم: «وكان للرسم احتمالا ... » دخل فيه ما وافق الرسم تحقيقا بطريق الأولى، وسواء وافق كل المصاحف أو بعضها، كقراءة ابن عامر: قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً [البقرة:
116] وبالزبر والكتاب [آل عمران: 184] فإنه ثابت فى الشامى، وكابن كثير فى جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا بالتوبة [100]: فإنه ثابت فى المكى، إلى غير ذلك.
وقوله: «احتمالا» يحتمل أن يكون جعله مقابلا للتحقيق؛ فتكون القسمة عنده ثنائية، [وهو] (¬19) التحقيق الاحتمالى (¬20)، ويكون قد أدخل التقديرى فى الاحتمالى، وهو الذى فعله فى «نشره».
ويحتمل أن يكون قد ثلّث القسمة ويكون حكم الأوّلين ثابتا بالأولوية، ولولا تقدير
¬
_
(¬1) فى ز، م: يتضاد أو يتناقض.
(¬2) فى د: تكون.
(¬3) فى ز: هذا.
(¬4) فى م: يحصر.
(¬5) فى م، ص: جهتان.
(¬6) فى م، ص: أحدهما.
(¬7) فى م، د: تحصر.
(¬8) فى م، ص: ولغيره.
(¬9) فى م: البقية.
(¬10) سقط فى م.
(¬11) فى م: فيه الاختلاف.
(¬12) وهى قراءة فى يُسَيِّرُكُمْ. تنظر فى فرش الحروف فى سورة يونس.
(¬13) فى م: بالتشكيل
(¬14) فى م: الغيبة.
(¬15) فى م: تعلمون.
(¬16) فى د: وتفتح.
(¬17) سقط فى ز.
(¬18) سقط فى م.
(¬19) سقط فى م.
(¬20) فى م: تحقيق واحتمال، وفى د، ص: التحقيقى والاحتمالى.
موافقة الرسم للزم الكل مخالفة الكل فى نحو: «السموت» و «الصلحات» و «الليل».
ثم إن بعض الألفاظ يقع فيه موافقة إحدى القراءتين أو القراءات تحقيقا والأخرى تقديرا، نحو ملك [الفاتحة: 4]، وبعضها يقع (¬1) فيه موافقة القراءتين أو القراءات تحقيقا، نحو أَنْصارَ اللَّهِ [الصف: 14] وفَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ [آل عمران: 39]، وَيَغْفِرْ لَكُمْ [آل عمران: 31]، وهَيْتَ لَكَ [يوسف: 23].
واعلم أن مخالف (¬2) صريح الرسم فى حرف مدغم أو مبدل (¬3) أو ثابت أو محذوف أو نحو ذلك، لا يعد مخالفا إذا أثبتت القراءة به ووردت مشهورة.
ألا ترى أنهم لا يعدون إثبات ياءات الزوائد وحذف ياء تَسْئَلْنِي بالكهف [70]، وقراءة وأكون من الصالحين [المنافقون: 10] ونحو ذلك من مخالفة (¬4) الرسم المعهود؛ لرجوعه لمعنى واحد، وتمشية صحة القراءة وشهرتها بخلاف زيادة كلمة أو نقصانها وتقديمها وتأخيرها، حتى ولو كانت حرف معنى، فإن له حكم الكلمة، لا يسوغ مخالفة الرسم فيه، وهذا هو الحد الفاصل فى حقيقة اتباع الرسم ومخالفته (¬5).
وقوله: «وصح إسنادا» ظاهره أن (¬6) القرآن يكتفى فى ثبوته (¬7) مع الشرطين المتقدمين بصحة السند فقط، ولا يحتاج إلى تواتر، وهذا قول حادث مخالف لإجماع الفقهاء والمحدّثين وغيرهم، كما ستراه إن شاء الله تعالى. ولقد ضل بسبب هذا القول قوم فصاروا يقرءون أحرفا لا يصح لها سند أصلا، ويقولون: التواتر ليس بشرط (¬8)، وإذا طولبوا بسند صحيح لا يستطيعون ذلك، ولا بد لهذه المسألة من (¬9) بعض بسط فأقول (¬10):
¬
_
(¬1) فى ز: تقع.
(¬2) فى م: مخالفة.
(¬3) فى م: مبدل أو مدغم.
(¬4) فى د: مخالف.
(¬5) اعلم أن الخط له قوانين وأصول يحتاج إلى معرفتها بحسب ما يثبت من الحروف وما لا يثبت، وبحسب ما يكتب موصولا أو مفصولا، وبيان ذلك مستوفى فى أبواب الهجاء من كتب النحو وفى كتب الإملاء.
واعلم أن أكثر خط المصحف موافق لتلك القوانين، وقد جاء فيه أشياء خارجة عن ذلك يلزم اتباعها، ولا نتعدى، منها ما عرفنا سببه، ومنها ما غاب عنا.
هذا وقد جاء فى باب الوقف على مرسوم الخط من شرح التيسير: أن الأصل أن يثبت القارئ فى لفظه من حروف الكلمة إذا وقف عليها ما يوافق خط المصحف ولا يخالفه إلا إذا وردت رواية عن أحد من الأئمة تخالف ذلك؛ فيتبع الرواية ... وذكر الحافظ- رحمه الله- أن الرواية تثبت عن نافع وأبى عمرو والكوفيين باتباع المرسوم فى الوقف وأنه لم يرد فى ذلك شىء عن ابن كثير وابن عامر.
ينظر: شرح التيسير.
(¬6) فى م: ظاهر فى أن.
(¬7) فى م: فيه بثبوته.
(¬8) فى ص: شرط.
(¬9) فى د، ص: عن.
(¬10) فى د: فلذلك لخصت فيها مذاهب القراء والفقهاء الأربعة المشهورين وما ذكر الأصوليون
[إن] (¬1) القرآن عند الجمهور من أئمة المذاهب الأربعة- منهم الغزالى (¬2) وصدر الشريعة (¬3) وموفق الدين المقدسى (¬4) وابن مفلح (¬5) والطوفى (¬6) -: هو ما نقل بين دفتى
¬
_
والمفسرون وغيرهم رضى الله تعالى عنهم أجمعين وذكرت فى هذا التعليق المهم من ذلك لأنه لا يحتمل التطويل، وفى ص: فلذلك لخصت فيها رسالة مطولة ذكرت فيها مذاهب القراء ... إلخ.
(¬1) زيادة من م.
(¬2) هو محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالى بتشديد الزاى. نسبته إلى الغزّال (بالتشديد) على طريقة أهل خوارزم وجرجان: ينسبون إلى العطّار عطّارى، وإلى القصّار قصّارى، وكان أبوه غزّالا، أو هو بتخفيف الزاى نسبة إلى «غزالة» قرية من قرى طوس. فقيه شافعى أصولى، متكلم، متصوف.
رحل إلى بغداد، فالحجاز، فالشام، فمصر وعاد إلى طوس.
من مصنفاته: «البسيط»، و «الوسيط»، و «الوجيز»، و «الخلاصة» وكلها فى الفقه، و «تهافت الفلاسفة»، و «إحياء علوم الدين» توفى سنة 505 هـ. ينظر: طبقات الشافعية (4/ 101 - 180)؛ والأعلام للزركلى (7/ 247)، والوافى بالوفيات (1/ 277).
(¬3) هو عبيد الله بن مسعود بن محمود بن أحمد، المحبوبى، الحنفى، صدر الشريعة الأصغر. فقيه، أصولى، جدلى، محدث، مفسر، نحوى، لغوى، أديب، بيانى، متكلم، منطقى.
أخذ العلم عن جده محمود وعن أبى جده أحمد صدر الشريعة وصاحب (تلقيح العقول فى الفروق) وعن شمس الأئمة الزرنجى وشمس الأئمة السرخسى وعن شمس الأئمة الحلوانى وغيرهم. من تصانيفه: «شرح الوقاية»، و «النقاية، مختصر الوقاية»، و «التنقيح»، وشرحه «التوضيح» فى أصول الفقه، و «تعديل العلوم» توفى سنة 747 هـ. ينظر: الفوائد البهية (ص 109)، ومعجم المؤلفين (6/ 246)، والأعلام (4/ 354).
(¬4) هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة. من أهل جماعيل من قرى نابلس بفلسطين. خرج من بلده صغيرا مع عمه عند ما ابتليت بالصليبيين، واستقر بدمشق. واشترك مع صلاح الدين فى محاربة الصليبيين. رحل فى طلب العلم إلى بغداد أربع سنين ثم عاد إلى دمشق. قال ابن غنيمة: «ما أعرف أحدا فى زمانى أدرك رتبة الاجتهاد إلا الموفق» وقال عز الدين بن عبد السلام «ما طابت نفسى بالإفتاء حتى صار عندى نسخة من المغنى للموفق ونسخة من المحلى لابن حزم».
من تصانيفه «المغنى فى الفقه شرح مختصر الخرقى» عشر مجلدات، و «الكافى»، و «المقنع» و «العمدة» وله فى الأصول «روضة الناظر». توفى سنة 620 هـ. ينظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (ص 133 - 146) وتقديم «كتاب المغنى» لمحمد رشيد رضا، والأعلام للزركلى (4/ 191)، والبداية والنهاية لابن كثير فى حوادث سنة 620 هـ.
(¬5) هو إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح، برهان الدين أبو إسحاق. من أهل قرية «رامين» من أعمال نابلس. دمشقى المنشأ والوفاة. فقيه وأصولى حنبلى، كان حافظا مجتهدا ومرجع الفقهاء والناس فى الأمور. ولى قضاء دمشق غير مرة.
من تصانيفه: «المبدع» وهو شرح المقنع فى فروع الحنابلة، فى أربعة أجزاء، «والمقصد الأرشد فى ترجمة أصحاب الإمام أحمد» توفى سنة 884 هـ. ينظر: الضوء اللامع (1/ 152)، وشذرات الذهب (7/ 338)، ومعجم المؤلفين (1/ 100).
(¬6) فى م: والصولى. والصواب ما أثبتناه. وهو سليمان بن عبد القوى بن عبد الكريم نجم الدين الطوفى الحنبلى، قال الصفدى: كان فقيها شاعرا أديبا، فاضلا قيما بالنحو واللغة والتاريخ، مشاركا فى الأصول، شيعيّا يتظاهر بذلك، وجد بخطه هجو فى الشيخين، ففوض أمره إلى بعض القضاة، وشهد عليه بالرفض، فضرب ونفى إلى قوص، فلم ير منه بعد ذلك ما يشين. ولازم الاشتغال وقراءة
المصحف نقلا متواترا.
وقال غيرهم: هو الكلام المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم للإعجاز بسورة (¬1) منه. وكل من قال بهذا الحد اشترط التواتر، كما قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى، للقطع بأن العادة تقضى بالتواتر فى تفاصيل مثله.
والقائلون بالأول لم يحتاجوا للعادة؛ لأن التواتر عندهم جزء من الحد؛ فلا يتصور (¬2) ماهية القرآن إلا به، وحينئذ فلا بد من حصول التواتر عند أئمة المذاهب الأربعة، ولم يخالف منهم أحد فيما علمت بعد الفحص الزائد، وصرح به جماعات (¬3) لا يحصون:
كابن عبد البر (¬4) وابن عطية (¬5) وابن تيمية (¬6) والتونسى فى تفسيره والنووى
¬
_
الحديث.
وله من التصانيف: مختصر الروضة فى الأصول، شرحها، مختصر الترمذى، شرح المقامات، شرح الأربعين النووية، شرح التبريزى فى مذهب الشافعى، إزالة الإنكار فى مسألة كاد.
وقال فى الدرر: سمع الحديث من التقى سليمان وغيره، وقرأ العربية على محمد بن الحسين الموصلى. وكان قوى الحافظة، شديد الذكاء، مقتصدا فى لباسه وأحواله متقللا من الدنيا، ولم تكن له يد فى الحديث. ذكره ابن مكتوم فى تاريخ النحاة.
مات فى رجب سنة عشر وسبعمائة- وبخط ابن مكتوم- سنة إحدى عشرة.
قال: وهو منسوب إلى طوفى قرية من أعمال بغداد. ينظر: بغية الوعاة (1/ 599 - 600).
(¬1) فى ص: سورة.
(¬2) فى م، د: تتصور.
(¬3) فى س: جماعة.
(¬4) هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمرى الحافظ، أبو عمر. ولد بقرطبة. من أجلّة المحدثين والفقهاء، شيخ علماء الأندلس، مؤرخ أديب، مكثر من التصنيف. رحل رحلات طويلة وتوفى بشاطبة سنة 463 هـ.
من تصانيفه (الاستذكار فى شرح مذاهب علماء الأمصار)، و (التمهيد لما فى الموطأ من المعانى والأسانيد)، و (الكافى) فى الفقه.
ينظر: الشذرات (3/ 314)، وترتيب المدارك (4/ 556)، (808) ط دار الحياة، وشجرة النور ص (119)، الأعلام (9/ 317)، والديباج المذهب ص (357) وسماه يوسف بن عمر، إلا أنه قال فى آخر الترجمة: وكان والد أبى عمر أبو محمد عبد الله بن محمد بن أهل العلم.
(¬5) هو عبد الحق بن غالب بن عطية، أبو محمد المحاربى، من أهل غرناطة. أحد القضاة بالبلاد الأندلسية، كان فقيها جليلا، عارفا بالأحكام والحديث والتفسير، نحويّا لغويّا أديبا، ضابطا، غاية فى توقد
الذهن وحسن الفهم وجلالة التصرف. روى عن أبيه الحافظ بن أبى بكر وأبى على الغسانى وآخرين. وروى عنه أبو القاسم بن حبيش وجماعة. ولى قضاء المرية، كان يتوخى الحق والعدل.
من تصانيفه: (المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز).
وابن عطية هذا هو غير عبد الله بن عطية بن عبد الله أبى محمد، المقرئ المفسر الدمشقى المتوفى (383 هـ) صاحب تفسير (ابن عطية) ويميز هذا الأخير عن ابن عطية الأندلسى (عبد
-[120]-
الحق بن غالب) بأن يقال لعبد الله بن عطية (المتقدم)، ولعبد الحق (المتأخر) توفى سنة 542 هـ.
ينظر: بغية الوعاة (2/ 73)، طبقات المفسرين ص (15 - 16)، وتاريخ قضاة الأندلس ص (109)؛ والأعلام للزركلى (4/ 53، 3/ 239).
(¬6) هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحرّانى الدمشقى، تقى الدين. الإمام شيخ الإسلام.
حنبلى. ولد فى حرّان وانتقل به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر. سجن بمصر مرتين من أجل فتاواه.
وتوفى بقلعة دمشق معتقلا. كان داعية إصلاح فى الدين، آية فى التفسير والعقائد والأصول، فصيح اللسان، مكثرا من التصنيف.
من تصانيفه «السياسة الشرعية»، و «منهاج السنة»، وطبعت «فتاواه» فى الرياض مؤخرا فى 35 مجلدا. ينظر: الدرر الكامنة (1/ 144)؛ والبداية والنهاية (14/ 135).
والسبكى (¬1) والإسنوى والأذرعى (¬2) والزركشى (¬3) والدميرى (¬4) والشيخ خليل (¬5)
¬
_
(¬1) هو عبد الوهاب بن على بن عبد الكافى بن تمام السبكى، أبو نصر، تاج الدين، أنصارى، من كبار فقهاء الشافعية. ولد بالقاهرة. سمع بمصر ودمشق. تفقه على أبيه وعلى الذهبى. برع حتى فاق أقرانه. درس بمصر والشام، وولى القضاء بالشام، كما ولى بها خطابة الجامع الأموى. كان السبكى شديد الرأى، قوى البحث، يجادل المخالف فى تقرير المذهب، ويمتحن الموافق فى تحريره وتوفى سنة 771 هـ.
من تصانيفه: «طبقات الشافعية الكبرى»، و «جمع الجوامع» فى أصول الفقه، و «ترشيح التوشيح وترجيح التصحيح» فى الفقه. ينظر: طبقات الشافعية لابن هداية الله الحسينى (ص 90) وشذرات الذهب (6/ 221)؛ والأعلام (4/ 325).
(¬2) هو أحمد بن حمدان بن عبد الواحد بن عبد الغنى الأذرعى، فقيه شافعى من تلاميذ الذهبى، ولد بأذرعات بالشام، وتولى القضاء بحلب، وراسل السبكى الكبير بالمسائل الحلبيات، وهى مجلد مشهور توفى سنة 773 هـ.
من تصانيفه: «التوسط والفتح بين الروضة والشرح» فى 20 مجلدا، و «غنية المحتاج فى شرح المنهاج»، و «قوت المحتاج». ينظر: معجم المؤلفين (1/ 151)، والبدر الطالع (1/ 35).
(¬3) هو محمد بن بهادر بن عبد الله، أبو عبد الله، بدر الدين، الزركشى، فقيه شافعى أصولى، تركى الأصل، مصرى المولد والوفاة، له تصانيف كثيرة فى عدة فنون توفى سنة 794 هـ.
من تصانيفه: (البحر المحيط) فى أصول الفقه، و (إعلام الساجد بأحكام المساجد)، و (الديباج فى توضيح المنهاج) فى الفقه، و (المنثور) يعرف بقواعد الزركشى.
ينظر: الأعلام (6/ 286)، والدرر الكامنة (3/ 397).
(¬4) هو محمد بن موسى بن عيسى بن على الكمال، أبو البقاء، الدميرى الأصل، القاهرى. فقيه شافعى، مفسر، أديب، نحوى، ناظم، مشارك فى غير ذلك. أخذ عن بهاء الدين أحمد السبكى، وجمال الدين الإسنوى، وكمال الدين النويرى المالكى، وغيرهم. قال الشوكانى: برع فى التفسير والحديث والفقه وأصوله والعربية والأدب وغير ذلك. وتصدى للإقراء والإفتاء وصنف مصنفات جيدة.
من تصانيفه: «النجم الوهاج شرح منهاج الطالبين»، و «الديباج شرح سنن ابن ماجة»، و «حياة الحيوان الكبرى»، و «شرح المعلقات السبع» توفى سنة 808 هـ. ينظر: شذرات الذهب (7/ 79)، والضوء اللامع (10/ 59)، والبدر الطالع (2/ 272) وهدية العارفين (2/ 178).
(¬5) هو خليل بن إسحاق بن موسى، ضياء الدين، الجندى. فقيه مالكى محقق. كان يلبس زى الجند.
تعلم فى القاهرة، وولى الإفتاء على مذهب مالك. جاور بمكة. وتوفى بالطاعون توفى سنة 776 هـ.
من تصانيفه: «المختصر» وهو عمدة المالكية فى الفقه وعليه تدور غالب شروحهم، و «شرح
وابن الحاجب وابن عرفة (¬1) وغيرهم، رحمهم الله.
وأما القراء فأجمعوا فى أول الزمان على ذلك، وكذلك (¬2) فى آخره، ولم يخالف من المتأخرين إلا أبو محمد مكى، وتبعه بعض المتأخرين وهذا كلامهم:
قال الإمام [العالم] (¬3) العلامة برهان الدين الجعبرى فى «شرح الشاطبية»: ضابط كل قراءة تواتر نقلها، ووافقت (¬4) العربية مطلقا، ورسم المصحف ولو تقديرا، فهى من الأحرف السبعة، وما لا تجتمع (¬5) فيه فشاذ.
وقال فى قول الشاطبى (¬6):
ومهما تصلها مع أواخر سورة ... ... ... ...
وإذا تواترت القراءة علم كونها (¬7) من الأحرف السبعة.
وقال أبو القاسم الصفراوى (¬8) فى نهاية «الإعلان»: اعلم أن هذه السبعة أحرف (¬9)
¬
_
جامع الأمهات» شرح به مختصر ابن الحاجب، وسماه «التوضيح»، و «المناسك». ينظر: الديباج المذهب (ص 115)، والأعلام (2/ 364)، والدرر الكامنة (2/ 86).
(¬1) هو محمد بن محمد بن عرفة الورغمى، إمام تونس وعالمها وخطيبها ومفتيها، قدم للخطابة سنة 772 هـ وللفتوى 773 هـ، كان من كبار فقهاء المالكية، تصدى للدرس بجامع تونس وانتفع به خلق
كثير توفى سنة 803 هـ.
من تصانيفه: «المبسوط» فى الفقه سبعة مجلدات، و «الحدود» فى التعريفات الفقهية. ينظر:
الديباج المذهب ص (337)، ونيل الابتهاج (ص 274).
(¬2) فى م: وكذا.
(¬3) زيادة من د، ص.
(¬4) فى ص: ووافق.
(¬5) فى ص، د، م: يجمع.
(¬6) هو القاسم بن فيرة بن خلف بن أحمد، أبو محمد، الشاطبى الرعينى الأندلسى. مقرئ، نحوى، مفسر، محدث، ناظم. ولد بشاطبة إحدى قرى شرقى الأندلس، وتوفى بالقاهرة توفى سنة 590 هـ.
من تصانيفه: «حرز الأمانى ووجه التهانى فى القراءات السبع»، و «عقيلة القصائد فى أسنى المقاصد فى نظم المقنع للدانى»، و «ناظمة الزهر فى أعداد آيات السور»، و «تتمة الحرز من قراء أئمة الكنز». ينظر: شذرات الذهب (4/ 301)، ومعجم المؤلفين (8/ 110) والأعلام (6/ 14).
(¬7) فى م: أنها.
(¬8) هو عبد الرحمن بن عبد المجيد بن إسماعيل بن عثمان بن يوسف بن حسين بن حفص أبو القاسم الصفراوى نسبة إلى وادى الصفراء بالحجاز ثم الإسكندرى الأستاذ المقرئ المكثر مؤلف كتاب الإعلان وغيره كان إماما كبيرا مفتيا على مذهب مالك انتهت إليه رئاسة العلم ببلده، مولده أول سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وقرأ الروايات على أحمد بن جعفر الغافقى وعبد الرحمن بن خلف الله وأبى الطيب عبد المنعم بن يحيى الغرناطى واليسع بن عيسى بن حزم، مات فى ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وستمائة. ينظر: غاية النهاية (1/ 373).
(¬9) فى ص، د: الأحرف.
والقراءات المشهورة نقلت تواترا، وهى التى جمعها عثمان فى المصاحف وبعث (¬1) بها إلى الأمصار، وأسقط ما لم يقع الاتفاق على نقله ولم ينقل تواترا، وكان ذلك بإجماع من الصحابة (¬2).
ثم قال: فهذه أصول وقواعد تستقل (¬3) بالبرهان على إثبات القراءات السبعة، والاعتماد
¬
_
(¬1) فى م: وبعثها.
(¬2) اتفق الأكثرون على أن القراءات المشهورة منقولة بالتواتر، وفيه إشكال؛ وذلك لأنا نقول: هذه القراءة إما أن تكون منقولة بالتواتر، أو لا.
فإن كان الأول، فحينئذ قد ثبت بالنقل المتواتر أن الله- تعالى- قد خير المكلفين بين هذه القراءات، وسوّى بينها فى الجواز.
وإذا كان كذلك، كان ترجيح بعضها على البعض واقعا على خلاف الحكم المتواتر؛ فواجب أن يكون الذاهبون إلى ترجيح البعض، مستوجبين للتفسيق إن لم يلزمهم التكفير، لكنا نرى أن كل واحد يختص بنوع معين من القراءة، ويحمل الناس عليها، ويمنعهم من غيرها، فوجب أن يلزم فى حقهم ما ذكرناه.
وإن قلنا: هذه القراءات ما ثبتت بالتواتر؛ بل بطريق الآحاد، فحينئذ يخرج القرآن عن كونه مفيدا للجزم، والقطع اليقين؛ وذلك باطل بالإجماع، ولقائل أن يجيب عنه، فيقول: بعضها متواتر، ولا خلاف بين الأمة فيه، وتجويز القراءة بكل واحد منها، وبعضها من باب الآحاد، لا يقتضى كون القراءة بكليته خارجا عن كونه قطعيّا، والله أعلم، ذكره ابن الخطيب.
وذكر ابن عادل الحنبلى فى اللباب: أن من المتفق عليه عند العلماء وأرباب النظر: أن القرآن الكريم لا تجوز الرواية فيه بالمعنى، بل أجمعوا على وجوب روايته لفظة لفظة، وعلى أسلوبه وترتيبه، ولهذا كان تواتره اللفظى لا يشك فيه أدنى عاقل، أو صاحب حس.
ثم إن التواتر عند جمهور العلماء يفيد العلم ضرورة، بينما خالف فى إفادته العلم مطلقا السّمنية والبراهمة.
وخالف فى إفادته العلم الضرورى الكعبى وأبو الحسين من المعتزلة، وإمام الحرمين من الشافعية، وقالوا: إنه يفيد العلم نظرا.
وذهب المرتضى من الرافضة، والآمدى من الشافعية إلى التوقف فى إفادته العلم، هل هو نظرى أو ضرورى؟
وقال الغزالى: إنه من قبيل القضايا التى قياساتها معها، فليس أوليّا، وليس كسبيّا.
واحتج الجمهور أنه ثابت بالضرورة، وإنكاره مكابرة وتشكيك فى أمر ضرورى؛ فإنا نجد من أنفسنا العلم الضرورى بالبلدان البعيدة، والأمم السالفة، كما نجد العلم بالمحسوسات لا فرق بينها فيما يعود إلى الجزم، وما ذاك إلا بالإخبار قطعا ولو كان نظريّا لافتقر إلى توسط المقدمتين فى لإثباته واللازم باطل؛ لأننا نعلم قطعا علمنا بالمتواترات من غير أن نفتقر إلى المقدمات وترتيبها.
كما أنه لو كان نظريّا، لساغ الخلاف فيه ككل النظريات، واللازم باطل.
فثبت مما تقدم أن المتواتر يفيد العلم، وأن العلم به ضرورى كسائر الضروريات.
ينظر: البحر المحيط للزركشى: (4/ 231)، والبرهان لإمام الحرمين: (1/ 566)، والإحكام فى أصول الأحكام للآمدى: (2/ 14)، ونهاية السول للإسنوى: (3/ 54)، ومنهاج العقول للبدخشى: (2/ 296)، وغاية الوصول للشيخ زكريا الأنصارى: (95)، والتحصيل من المحصول للأرموى: (2/ 95).
(¬3) فى ص: يستقل.
عليها والأخذ بها، وطرح (¬1) ما سواها.
وقال الدانى- رحمه الله-: وإن القراء السبعة ونظائرهم من الأئمة متّبعون فى [جميع] (¬2) قراءاتهم الثابتة عنهم التى لا شذوذ فيها، ومعنى «لا شذوذ فيها» ما قاله (¬3) الهذلى: ألا يخالف الإجماع.
وقال [الإمام أبو الحسن] (¬4) السخاوى- رحمه الله-[إن] (¬5) الشاذ مأخوذ من قولهم:
شذ الرجل يشذ، ويشذ، شذوذا، إذا انفرد عن القوم واعتزل عن جماعتهم، وكفى بهذه التسمية تنبيها على انفراد الشاذ وخروجه عما عليه الجمهور، والذى لم يزل (¬6) عليه الأئمة الكبار [و] (¬7) القدوة فى جميع الأمصار من الفقهاء والمحدّثين وأئمة العربية: توقير القرآن، واتباع القراءة المشهورة، ولزوم الطرق المعروفة فى الصلاة وغيرها، واجتناب الشواذ (¬8)؛ لخروجها (¬9) عن إجماع المسلمين، وعن الوجه الذى ثبت (¬10) به القرآن وهو التواتر.
وقال ابن مهدى (¬11): لا يكون إماما فى العلم من أخذ بالشاذ.
وقال خلاد بن يزيد الباهلى (¬12): قلت ليحيى بن عبد الله بن أبى مليكة (¬13): إن نافعا حدثنى عن أبيك عن عائشة (¬14) - رضى الله عنها- أنها كانت تقرأ تَلَقَّوْنَهُ [النور: 15]
¬
_
(¬1) فى ز، م: واطراح.
(¬2) سقط فى م.
(¬3) فى م: كما قال.
(¬4) سقط فى م.
(¬5) زيادة من م.
(¬6) فى م: لم تزل.
(¬7) زيادة من ص.
(¬8) فى ز: الشاذ.
(¬9) فى د، ز، ص: لخروجه.
(¬10) فى م: يثبت.
(¬11) فى م: محمد بن مهدى.
(¬12) فى م، د: خلاد بن يزيد. قلت: هو خلاد بن يزيد أبو الهيثم الباهلى البصرى وقال الأهوازى فيه الكاهلى وليس كذلك بل الكاهلى خالد بن يزيد، عرض على حمزة وروى عن الثورى وغيره، روى القراءة عنه عرضا محمد بن عيسى الأصبهانى والسرى بن يحيى وروى عنه الفلاس وغيره، وهو المعروف بالأرقط. ينظر غاية النهاية (1/ 275).
(¬13) هو يحيى بن عبد الله بن عبيد الله بن أبى مليكة القرشى التيمى. روى عن أبيه وروى عنه يحيى ابن عثمان التميمى مولى أبى بكر. وثقه ابن حبان وقال: يعتبر بحديثه.
(¬14) هى عائشة الصديقة بنت أبى بكر الصديق عبد الله بن عثمان، أم المؤمنين، وأفقه نساء المسلمين، كانت أديبة عالمة، كنيت بأم عبد الله، لها خطب ومواقف، وكان أكابر الصحابة يراجعونها فى أمور الدين، وكان مسروق إذا روى عنها يقول: حدثتنى الصديقة بنت الصديق. نقمت على عثمان رضى الله عنه فى خلافته أشياء، ثم لما قتل غضبت لمقتله. وخرجت على على رضى الله عنه، وكان موقفها المعروف يوم الجمل ثم رجعت عن ذلك، وردها على إلى بيتها معززة مكرمة.
للزركشى كتاب «الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة». ينظر: الإصابة (4/ 359)، وأعلام النساء (2/ 760)، ومنهاج السنة (2/ 182 - 198).
وتقول: إنما هو ولق الكذب، فقال يحيى: ما يضرك ألا تكون سمعته (¬1) من عائشة، نافع ثقة على أبى، وأبى ثقة على عائشة، وما يسرنى أنى قرأتها هكذا (¬2) ولي كذا وكذا. قلت:
ولم وأنت تزعم (¬3) أنها قالت؟ قال: لأنه (¬4) غير قراءة الناس، ونحن لو وجدنا رجلا يقرأ بما ليس بين اللوحين ما كان (¬5) بيننا وبينه إلا التوبة أو نضرب عنقه، نجيء (¬6) به عن الأئمة عن الأمة عن النبى صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله عز وجل وتقولون [أنتم] (¬7): حدثنا فلان الأعرج (¬8) عن فلان الأعمى، ما أدرى ماذا؟ وقال (¬9) هارون: ذكرت ذلك لأبى عمرو- يعنى القراءة المعزوة إلى عائشة- فقال: قد سمعت قبل أن تولد، ولكنا لا نأخذ به (¬10).
وقال محمد بن صالح (¬11): سمعت رجلا يقول لأبى عمرو: كيف تقرأ: لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ [الفجر: 25، 26]؟ قال: لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ. فقال (¬12) الرجل: كيف وقد جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ فقال [له] (¬13) أبو عمرو: ولو سمعت الرجل الذى قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم، ما أخذته (¬14) عنه، وتدرى لم ذلك (¬15)؟
لأنى أتهم الواحد الشاذ إذا كان على خلاف ما جاءت به الأمة.
فانظر هذا الإنكار العظيم من أبى عمرو شيخ وقته فى القراءة (¬16) والأدب، مع أن القراءة (¬17) ثابتة أيضا بالتواتر، وقد يتواتر الخبر [أيضا] (¬18) عند قوم دون قوم،
وإنما أنكرها أبو عمرو؛ لأنها لم تبلغه على وجه التواتر.
وقال أبو حاتم (¬19) السجستانى (¬20): أول من تتبع بالبصرة وجوه القرآن وألفها، وتتبع
¬
_
(¬1) فى ص: لا يكون سمعه.
(¬2) فى م: كذا.
(¬3) فى م: تزعم أنت.
(¬4) فى ص: لأنها.
(¬5) فى ص: لم يكن.
(¬6) فى ز، ص: يجيء.
(¬7) سقط فى م.
(¬8) فى ص: عن الأعرج.
(¬9) فى م: ماذا قال.
(¬10) فى م: ولكن لا تأخذ به.
(¬11) هو محمد بن صالح أبو إسحاق المرى البصرى الخياط، روى الحروف سماعا عن شبل بن عباد، روى القراءة عنه عرضا محمد بن عبد الله بن القاسم بن أبى بزة وروى الحروف عنه روح ابن عبد المؤمن وإسحاق بن أبى إسرائيل، وروى عنه الدانى أنه قال سألت شبل بن عباد عن قراءة أهل مكة فيما اختلفوا فيه وفيما اتفقوا عليه فقال إذا لم أذكر ابن محيصن فهو المجتمع عليه وإذا ذكرت ابن محيصن فقد اختلف هو وعبد الله بن كثير وذكر القراءة. ينظر: غاية النهاية (2/ 155 - 156).
(¬12) فى ص: فقال له.
(¬13) سقط فى د.
(¬14) فى م: ما أخذت.
(¬15) فى ص: ذاك.
(¬16) فى م: ثقة فى القراءات.
(¬17) فى ز: هذه.
(¬18) زيادة من م.
(¬19) فى م: أبو عمرو.
(¬20) هو سهل بن محمد بن عثمان بن القاسم أبو حاتم السجستانى صاحب إعراب القرآن وغير ذلك،
الشواذ (¬1) منها [فبحث] (¬2) عن إسنادها (¬3)، هارون بن موسى الأعور، وكان من القراء، فكره الناس ذلك وقالوا: قد أساء (¬4) حين ألفها؛ وذلك أن القراءة إنما يأخذها قرون وأمة [عن أفواه أمة] (¬5)، ولا يلتفت منها إلى ما جاء من وراء ذلك (¬6). وقال الأصمعى (¬7) عن هارون المذكور: كان ثقة مأمونا.
فانظر يا أخى- رحمك الله تعالى- حرص المتقدمين على كتاب الله تعالى والتزام نقل الأمة، حتى يقول أبو عمرو: لو (¬8) سمعت الرجل الذى يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أخذته (¬9). وكان إجماعهم منعقدا على هذا حتى أنكروا كلهم [على] (¬10) من ألفه مع اشتهار ثقته وعدالته، وأحبوا أن يضرب على ذلك، مع أنه جائز عند المتأخرين اتفاقا.
وأما أبو شامة فقال فى «شرحه للشاطبية»: «وذكر المحققون من أهل العلم [بالقراءة] (¬11) ضابطا حسنا فى تمييز ما يعتمد عليه من القراءات وما يطرح، فقالوا: كل قراءة ساعدها خطّ المصحف، مع صحة النقل فيها، ومجيئها على الفصيح من لغة العرب، فهى قراءة صحيحة معتبرة (¬12)، فإن اختل أحد هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة ضعيفة (¬13)، وأشار إلى ذلك الأئمة المتقدمون، ونص على ذلك أبو محمد مكى فى تصنيف له مرارا، وهو الحق الذى لا محيد عنه، على تفصيل فيه (¬14) قد ذكرناه فى موضع غير هذا». انتهى.
وكلامه صريح كما ترى فى أنه لم يجد نصّا بذلك لغير أبى محمد مكى، وحينئذ يجوز أن يكون الإجماع انعقد قبله، بل هو الراجح؛ لما تقدم من اشتراط الأئمة ذلك كأبى عمرو
¬
_
- توفى سنة خمسين- أو خمس وخمسين- أو أربع وخمسين أو ثمان وأربعين ومائتين، وقد قارب التسعين. ينظر البغية: (1/ 606 - 607).
(¬1) فى د: الشاذ.
(¬2) سقط فى م.
(¬3) فى ز: إسناده.
(¬4) فى م: ساء.
(¬5) سقط فى م.
(¬6) فى د، ز: وراء وراء.
(¬7) هو عبد الملك بن قريب بن على بن أصمع الباهلى، أبو سعيد الأصمعى، راوية العرب وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان ولد 122 هـ كان الرشد يسميه شيطان الشعر، قال الأخفش ما رأينا أحدا أعلم بالشعر من الأصمعى. وتصانيفه كثيرة منها: (الإبل) مطبوع، و (الأضداد) مخطوط، (خلق الإنسان) مطبوع، وغيرها توفى سنة 216 هـ.
ينظر السيرافى (58)، جمهرة الأنساب (234)، ابن خلكان (1/ 288)، تاريخ بغداد (10/ 41)، نزهة الألباب (150)، الأعلام (4/ 162).
(¬8) فى ز: ولو.
(¬9) فى م: ما أخذت به.
(¬10) سقط فى د.
(¬11) سقط فى م.
(¬12) فى د: معتمدة.
(¬13) فى م: وضعيفة.
(¬14) فى م: وكلام الأئمة على تفصيل.
ابن العلاء وأعلى منه، بل [هو] (¬1) الحق الذى لا محيد عنه، وكلام الأئمة المتقدم ليس فيه إشارة إلى شىء من ذلك، إنما فيه (¬2) التشديد العظيم؛ مثل قولهم: إنما هو والله ضرب العنق أو التوبة (¬3).
ولو سلم عدم انعقاد (¬4) الإجماع فلا يدل على الاكتفاء بثقة [عن] (¬5) ثقة فقط، بل كل من تبعه قيد (¬6) كلامه بأنه لا بد مع ذلك أن (¬7) تكون مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له، غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذ به بعضهم، فعلى هذا لا يثبت القرآن (¬8) [بمجرد صحة السند؛ لأنه مخالف لإجماع المتقدمين والمتأخرين] (¬9).
فصل: إذا تقرر ما تقدم (¬10) علم أن الشاذ عند الجمهور: هو ما ليس بمتواتر، وعند مكى (¬11) ومن وافقه: هو (¬12) ما خالف (¬13) الرسم أو العربية (¬14)، ونقل ولو بثقة عن ثقة، أو وافقهما (¬15) ونقل (¬16) بغير ثقة، أو بثقة لكن لم يشتهر.
وأجمع الأصوليون والفقهاء والقراء وغيرهم على القطع بأن الشاذ ليس بقرآن؛ لعدم صدق حد القرآن عليه بشرطه (¬17): وهو التواتر، صرح بذلك الغزالى، وابن الحاجب فى كتابيه (¬18)، والقاضى عضد الدين (¬19) وابن الساعاتى (¬20) والنووى، [وغيره ممن لا فائدة
¬
_
(¬1) سقط فى م.
(¬2) فى م: هو.
(¬3) فى أ: والتوبة.
(¬4) فى د: انعقاده.
(¬5) زيادة من م.
(¬6) فى م: فيه.
(¬7) فى د، ص، ز: بأن.
(¬8) فى ص: لا تثبت القراءة.
(¬9) فى م: بمجرد صحته حيث خالف إجماع المتقدمين.
(¬10) فى م: هذا.
(¬11) فى م: خلاف مكى.
(¬12) فى م: فعندهم.
(¬13) فى ز، ص: ما خالفه.
(¬14) فى م، ص: والعربية.
(¬15) فى م: من وافقهما، وفى د: وافقها.
(¬16) فى ص: ولو نقل.
(¬17) فى د، ز، م: أو شرطه.
(¬18) فى د: كتابيهما، وفى ص: كتابه، والعبارة سقط فى م.
(¬19) هو عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار بن أحمد عضد الدين الإيجى، الشيرازى الشافعى. ينسب إلى (إيج) بلدة بفارس من كورة دار أبجرد. عالم مشارك فى العلوم العقلية والمعانى والفقه وعلم الكلام. قاضى قضاة المشرق.
من تصانيفه: «المواقف» فى علم الكلام، و «شرح مختصر ابن الحاجب» فى أصول الفقه، و «الفوائد الغياثية»، و «جواهر الكلام» توفى سنة 756 هـ. ينظر: شذرات الذهب (6/ 174)، والدرر الكامنة (2/ 323)، والبدر الطالع (1/ 326)، والأعلام (4/ 66)، واللباب (1/ 96).
(¬20) أحمد بن على بن تغلب أبو ثعلب مظفر الدين ابن الساعاتى: عالم بفقه الحنفية. ولد فى بعلبك، وانتقل مع أبيه إلى بغداد فنشأ بها فى المدرسة المستنصرية وتولى تدريس الحنفية فى المستنصرية قال اليافعى: كان ممن يضرب به المثل فى الذكاء والفصاحة وحسن الخط. له مصنفات منها «مجمع البحرين وملتقى النيرين- مخطوط» فقه، و «شرح مجمع البحرين- مخطوط) مجلدان، و «بديع-
فصل فى حصر المتواتر [فى العشر]
فى عده (¬1) لكثرته، وكذلك] (¬2) السخاوى فى «جمال القراء».
فصل فى حصر المتواتر (¬3) [فى العشر] (¬4)
أجمع (¬5) الأصوليون والفقهاء على أنه لم يتواتر شىء مما زاد على القراءات العشرة، وكذلك (¬6) أجمع عليه القراء أيضا إلا من لا يعتد بخلافه.
قال الإمام [العلامة] (¬7) شمس الدين بن الجزرى- رحمه الله- فى آخر الباب الثانى من «منجده»: فالذى (¬8) وصل إلينا متواترا (¬9) صحيحا (¬10) [أو] (¬11) مقطوعا به قراءة الأئمة العشرة ورواتهم المشهورين، هذا الذى تحرر من أقوال العلماء، وعليه الناس اليوم بالشام والعراق ومصر.
وقال فى أوله أيضا بعد أن قرر شروط القراءة: والذى جمع فى زماننا الأركان الثلاثة هو قراءة الأئمة (¬12) العشرة، التى (¬13) أجمع الناس على تلقيها. ثم عدّدهم (¬14)، ثم قال: وقول من قال: إن القراءات المتواترة لا حد لها، إن أراد فى زماننا فغير صحيح؛ لأنه لم يوجد اليوم قراءة متواترة وراء العشر (¬15)، وإن أراد فى الصدر الأول فيحتمل إن شاء الله تعالى.
وقال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح (¬16): فما لم يوجد فيه ذلك كما عدا السبع (¬17) أو
¬
_
- النظام، الجامع بين كتابى البزدوى والأحكام- مخطوط» فى أصول الفقه، و «الدر المنضود فى الرد على ابن كمونة فيلسوف اليهود» و «نهاية الوصول إلى علم الأصول» وكان أبوه ساعاتيّا، قال صاحب الجواهر المضية: «وأبوه هو الذى عمل الساعات المشهورة على باب المستنصرية».
(¬1) فى د: عدهم.
(¬2) سقط فى م.
(¬3) فى م: حد التواتر.
(¬4) سقط فى م.
(¬5) فى م: قال فى البحر.
(¬6) فى م، د: وكذا.
(¬7) سقط فى م.
(¬8) فى م: والذى.
(¬9) فى م: بالتواتر.
(¬10) فى د: أو صحيحا، وفى ص: وصحيحا.
(¬11) سقط فى د، ص.
(¬12) فى ز: أئمة.
(¬13) فى د، ص: الذى.
(¬14) فى م: عدهم.
(¬15) فى م، د: العشرة.
(¬16) هو عثمان بن عبد الرحمن بن موسى تقى الدين، أبو عمرو المعروف بابن الصلاح. كردى الأصل من أهل شهرزور- كورة واسعة فى الجبال بين إربل وهمذان، أهلها كلهم أكراد- من علماء الشافعية. إمام عصره فى الفقه والحديث وعلومه. وإذا أطلق الشيخ فى «علم الحديث» فالمراد هو.
كان عارفا بالتفسير والأصول والنحو. تفقه أولا على والده الصلاح، ثم رحل إلى الموصل ثم رحل إلى الشام ودرس فى عدة مدارس.
من تصانيفه «مشكل الوسيط» فى مجلد كبير، و «الفتاوى» و «علم الحديث» المعروف بمقدمة ابن الصلاح توفى سنة 643 هـ. ينظر: شذرات الذهب (5/ 221)، وطبقات الشافعية لابن هداية (ص 84)، ومعجم المؤلفين (6/ 257).
(¬17) فى د: السبعة.
كما عدا العشر (¬1)، يشير (¬2) إلى التواتر (¬3) وما معه.
وقال العلامة تاج الدين السبكى- رحمه الله تعالى-: والصحيح أن الشاذ: ما وراء العشر (¬4)، ومقابله أنه: ما وراء السبع، وهذا- أعنى حصر (¬5) المتواتر (¬6) فى السبع- هو الذى [عليه] (¬7) أكثر الشافعية، صرح بذلك النواوى فى «فتاويه» [وغيرها] (¬8)، وهو الذى اختاره (¬9) [الشيخ] (¬10) سراج الدين البلقينى (¬11) وولده (¬12) جلال الدين، وهو الذى أفتى (¬13) علماء العصر الحنفية [به] (¬14)، وهو ظاهر (¬15) كلام ابن عطية والقرطبى (¬16)، فإنهما قالا: ومضت الأعصار والأمصار على قراءة السبع، وبها يصلى؛ لأنها ثبتت
¬
_
(¬1) فى د: العشرة.
(¬2) فى د: مشيرا.
(¬3) فى م: المتواتر.
(¬4) فى ص، د: العشرة.
(¬5) فى ص: الحصر.
(¬6) فى د: التواتر.
(¬7) سقط فى د.
(¬8) سقط فى ص.
(¬9) فى م: اختيار.
(¬10) سقط فى م.
(¬11) هو عمر بن رسلان بن نصير، البلقينى، الكنانى أبو حفص، سراج الدين. شيخ الإسلام. عسقلانى الأصل. ولد فى بلقينة بغربية مصر. أقدمه أبوه إلى القاهرة وهو ابن اثنتى عشرة سنة فاستوطنها، واشتغل على علماء عصره. نال فى الفقه وأصوله الرتبة العليا، حتى انتهت إليه الرئاسة فى فقه الشافعية، والمشاركة فى غيره. كان مجتهدا حافظا للحديث. وتأهل للتدريس والقضاء والفتيا، وولى إفتاء دار العدل وقضاء دمشق.
من تصانيفه: «تصحيح المنهاج» فى الفقه ست مجلدات، و «حواش على الروضة» مجلدان، وشرحان على الترمذى توفى سنة 805 هـ. ينظر: الضوء اللامع (6/ 85)، وشذرات الذهب (7/ 511)، ومعجم المؤلفين (5/ 205).
(¬12) هو عبد الرحمن بن عمر بن رسلان بن نصر بن صالح بن عبد الخالق بن عبد الحق، الإمام العلامة شيخ الإسلام قاضى القضاة، جلال الدين أبو الفضل بن الإمام العلامة شيخ الإسلام بقية المجتهدين سراج الدين أبى حفص، الكنانى المصرى البلقينى. اشتهر بالفضل وقوة الحفظ. وكان فصيحا، بليغا، ذكيّا، سريع الإدراك، قال الحافظ شهاب الدين ابن حجر: كان له بالقاهرة صيت لذكائه وعظمة والده فى النفوس. وكان من عجائب الدنيا فى سرعة الفهم، وجودة الحفظ. انتهى. وكان يكتب على الفتاوى كتابة مليحة بسرعة. وكان سليم الباطن، لا يعرف الخبث ولا المكر كوالده رحمهما الله تعالى. وكتب أشياء لم تشتهر. توفى فى شوال سنة أربع وعشرين وثمانمائة. ينظر طبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (4/ 87، 89).
(¬13) فى ص، د، م: أفتى به.
(¬14) زيادة من ز.
(¬15) فى ص، م: وظاهر.
(¬16) هو محمد بن أحمد بن أبى بكر بن فرح. أندلسى من أهل قرطبة أنصارى، من كبار المفسرين.
اشتهر بالصلاح والتعبد. رحل إلى المشرق واستقر بمنية ابن الخصيب (شمالى أسيوط- بمصر) وبها توفى.
من تصانيفه: (الجامع لأحكام القرآن)، و (التذكرة بأمور الآخرة)، و (الأسنى فى شرح الأسماء الحسنى) توفى سنة 671 هـ.
ينظر: الديباج المذهب ص (317)، والأعلام للزركلى (6/ 218).
فصل فى تحريم القراءة بالشواذ
بالإجماع، وأما شاذ القراءة فلا يصلى به؛ وذلك لأنه لم يجمع الناس عليه والله أعلم.
وقال [الإمام] (¬1) أبو شامة: واعلم أن القراءات الصحيحة المعتبرة المجمع عليها قد انتهت إلى القراء السبع، واشتهر نقلها عنهم؛ لتصديهم لذلك، وإجماع الناس عليهم، فاشتهروا بها كما اشتهر [فى كل علم] (¬2) من الحديث والفقه والعربية أئمة اقتدى بهم وعول فيها عليهم، والله أعلم.
فصل فى تحريم القراءة بالشواذ
اعلم أن الذى استقرت عليه المذاهب وآراء العلماء أنه إن قرأ بها غير معتقد أنها قرآن، ولا موهم (¬3) أحدا ذلك، بل لما فيها (¬4) من الأحكام الشرعية عند من يحتج بها أو [الأحكام] (¬5) الأدبية (¬6) - فلا كلام فى جواز قراءتها (¬7)، [وعلى هذا يحمل] (¬8) حال كل (¬9) من [قرأ بها] (¬10) من المتقدمين، وكذلك [أيضا] (¬11) يجوز تدوينها فى
الكتب والتكلم على ما فيها.
وإن قرأها باعتقاد (¬12) قرآنيّتها [أو بإيهام قرآنيتها] (¬13) حرم ذلك. ونقل ابن عبد البر فى «تمهيده» إجماع المسلمين عليه.
وقال الشيخ محيى الدين النووى- رحمه الله-: ولا تجوز القراءة فى الصلاة ولا غيرها بالقراءات (¬14) الشاذة؛ لأنها ليست قراءة (¬15)؛ لأن القرآن لا يثبت (¬16) إلا بالتواتر [وكل (¬17) واحدة ثابتة بالتواتر] (¬18)، هذا هو الصواب الذى لا معدل (¬19) عنه، ومن قال غيره فغالط (¬20) أو جاهل.
وأما الشاذة (¬21) فليست (¬22) متواترة، فلو (¬23) خالف وقرأ بالشاذ (¬24) أنكر عليه، سواء
¬
_
(¬1) سقط فى م.
(¬2) سقط فى د.
(¬3) فى م: يوهم.
(¬4) فى م: فيه.
(¬5) سقط فى ص.
(¬6) فى م: العربية.
(¬7) زاد فى م: ذلك.
(¬8) فى م: وعليه فيحتمل.
(¬9) فى د: كل حال.
(¬10) سقط فى م.
(¬11) سقط فى م.
(¬12) فى م: معتقدا.
(¬13) سقط فى ص، م.
(¬14) فى ص: بالقراءة، وفى م: لأن القراءة الشاذة ليست قرآنا.
(¬15) فى ص: قرآنا.
(¬16) فى م: إذ لا يثبت.
(¬17) فى ص: فكل.
(¬18) سقط فى م.
(¬19) فى ص: لا يعدل.
(¬20) فى م: ومخالف ذلك غالط.
(¬21) فى د، ز: والشاذة.
(¬22) فى م: ليست.
(¬23) فى م: فمن.
(¬24) فى م: بها.
[قرأ بها] (¬1) فى الصلاة (¬2) أو غيرها، وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة من قرأ بالشاذ.
ونقل ابن عبد البر إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ، وأنه لا يصلّى (¬3) خلف من يقرأ (¬4) بها، [وكذلك قال فى «الفتاوى» و «التبيان»] (¬5).
[قال] (¬6): وقال العلماء: من قرأ بها: إن كان جاهلا بالتحريم عرّف، فإن عاد عزر تعزيرا بليغا إلى (¬7) أن ينتهى عن [ذلك] (¬8)، ويجب على كل مسلم قادر على الإنكار أن ينكر عليه.
وقال الإمام فخر الدين (¬9) فى [تفسيره] (¬10): اتفقوا على أنه لا يجوز فى الصلاة القراءة بالوجوه الشاذة.
وقال [أبو عمرو] (¬11) بن الصلاح فى «فتاويه»: وهو ممنوع من القراءة بما زاد على العشر منع تحريم لا منع كراهة (¬12)، فى الصلاة وخارجها، عرف المعنى أم لا، ويجب على كل أحد إنكاره، ومن أصر عليه وجب منعه وتأثيمه وتعزيره بالحبس وغيره، وعلى المتمكن من ذلك ألا يهمله (¬13).
وقال السبكى فى «جمع الجوامع»: وتحرم القراءة بالشاذ، والصحيح (¬14) أنه: ما وراء العشرة، وكذلك صرح بالتحريم النشائى (¬15) فى «جامع المختصرات» والإسنوى،
¬
_
(¬1) سقط فى م.
(¬2) فى م: صلاة.
(¬3) فى م: ولا يصلى.
(¬4) فى م: قرأ.
(¬5) فى م: وكذا أفتى به النووى كما فى التبيان.
(¬6) سقط فى م.
(¬7) فى م: حتى.
(¬8) سقط فى م.
(¬9) هو محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن، الرازى، فخر الدين، أبو عبد الله، المعروف بابن الخطيب. من نسل أبى بكر الصديق رضى الله عنه. ولد بالرى وإليها نسبته، وأصله من طبرستان. فقيه وأصولى شافعى، متكلم، نظار، مفسر، أديب، ومشارك فى أنواع من العلوم. رحل إلى خوارزم بعد ما مهر فى العلوم، ثم قصد ما وراء النهر وخراسان. واستقر فى «هراة» وكان يلقب بها شيخ الإسلام. بنيت له المدارس ليلقى فيها دروسه وعظاته.
ينظر: طبقات الشافعية الكبرى (5/ 33)؛ والفتح المبين فى طبقات الأصوليين (2/ 47).
(¬10) سقط فى م.
(¬11) سقط فى م.
(¬12) فى د: كراهية.
(¬13) فى ص: لا يمهله.
(¬14) فى م: الأصح. وهما من مصطلحات السادة الشافعية وهى اختلاف للأصحاب.
(¬15) أحمد بن عمر بن أحمد بن مهدى المدلجى، أبو العباس، كمال الدين النشائى: فقيه شافعى مصرى:
نسبته إلى «نشا» وهى قرية بريف مصر. له «المنتقى» فى الفقه، خمس مجلدات، منها الثالث مخطوط فى شستربتى (3760) ويسمى «منتقى الجوامع- مخطوط) فى ستة مجلدات، بدار الكتب، و «جامع المختصرات ومختصر الجوامع- مخطوط) فقه، وشرحه فى ثلاث مجلدات، و «الإبريز فى الجمع بين الحاوى والوجيز» فقه. وعبارته فى مصنفاته مختصرة جدّا يعسر فهمها توفى بالقاهرة سنة 757 هـ.
فصل: فى صحة الصلاة بها
والأذرعى، والزركشى، والدميرى، وغيرهم- رضى الله تعالى عنهم أجمعين- وكذلك الشيخ أبو عمر بن الحاجب قال فى جواب فتوى وردت عليه من بلاد العجم: لا يجوز أن يقرأ بالشاذ فى صلاة ولا غيرها، عالما كان (¬1) بالعربية أو جاهلا، وإذا قرأ بها قارئ [فإن كان] (¬2) جاهلا بالتحريم عرّف به وأمر بتركها، وإن كان عالما أدّب بشرطه، وإن أصر (¬3) على ذلك أدب على إصراره وحبس إلى أن يرتدع (¬4) عن ذلك.
وقال التونسى فى «تفسيره»: اتفقوا على منع القراءة بالشواذ.
وقال ابن عبد البر فى أحرف من الشواذ: روى عن بعض المتقدمين القراءة بها، وذلك محمول عند أهل العلم اليوم على القراءة فى غير الصلاة على وجه التعليم، والوقوف على ما روى من علم الخاصة، والله أعلم.
[وكذلك أفتى علماء العصر من الحنفية بتحريم ما زاد على السبع وتعزير قارئها والله أعلم] (¬5).
فصل: فى صحة الصلاة بها
أما الحنفية: فالذى أفتى به علماؤهم بطلان الصلاة إن غيّر المعنى، وصحتها إن لم يغير (¬6).
وقال السرخسى (¬7) فى «أصوله»، بعد أن قرر أن القرآن لا بد من تواتره: ولهذا قال الأئمة (¬8): لو صلى بكلمات تفرد (¬9) بها ابن مسعود لم تجز صلاته؛ لأنه لم يوجد فيه النقل المتواتر، وبأن (¬10) القرآن (¬11) باب يقين (¬12) وإحاطة؛ فلا يثبت بدون النقل المتواتر (¬13) كونه قرآنا، وما لم يثبت أنه قرآن فتلاوته فى الصلاة كتلاوة خبر؛ فيكون مفسدا للصلاة.
¬
_
(¬1) فى م: كان عالما.
(¬2) سقط فى م، وفى ص: وإن كان.
(¬3) فى م: فإن أصر.
(¬4) فى م: حتى يرجع.
(¬5) سقط فى م.
(¬6) فى ز: تغير.
(¬7) هو محمد بن أحمد بن أبى سهل، أبو بكر، السرخسى من أهل (سرخس) بلدة فى خراسان. ويلقب بشمس الأئمة. كان إماما فى فقه الحنفية، علامة حجة متكلما ناظرا أصوليّا مجتهدا فى المسائل.
أخذ عن الحلوانى وغيره. سجن فى جب بسبب نصحه لبعض الأمراء، وأملى كثيرا من كتبه على أصحابه وهو فى السجن، أملاها من حفظه.
من تصانيفه: «المبسوط» فى شرح كتب ظاهر الرواية، فى الفقه، «والأصول» فى أصول الفقه، و «شرح السير الكبير» للإمام محمد بن الحسن. توفى سنة 483 هـ. ينظر: الفوائد البهية (ص 158)، والجواهر المضية (2/ 28)، والأعلام للزركلى (6/ 208).
(¬8) فى م، ص: قالت الحنفية. وفى د: قالت الأئمة الحنفية.
(¬9) فى م: انفرد.
(¬10) فى د: ولأن.
(¬11) فى م: القراءة.
(¬12) فى م: تعين.
(¬13) فى م: المواتر.
وأما المالكية: فقال ابن عبد البر فى «تمهيده»: قال مالك: من قرأ بقراءة ابن مسعود أو غيره من الصحابة، مما يخالف (¬1) المصحف، لم يصلّ وراءه، وعلماء المسلمين مجمعون على ذلك، وقال مالك فى «المدونة»: من صلى بقراءة ابن مسعود أعاد أبدا.
قال (¬2) الشيخ أبو بكر الأبهرى (¬3): لأنها نقلت نقل آحاد، [ونقل الآحاد] (¬4) غير مقطوع به، والقرآن إنما يؤخذ بالنقل المقطوع، وعلى هذا فكل (¬5) قراءة نقلت نقل آحاد تبطل بها الصلاة، ومثله قول ابن شاس (¬6): ومن قرأ بالقراءة (¬7) الشاذة لم يجزه (¬8)، ومن ائتم به أعاد أبدا، وقال ابن الحاجب: ولا يجزئ (¬9) بالشاذ ويعيد أبدا.
وأما الشافعية: فقال النووى فى «الروضة»: وتصح بالقراءة الشاذة إن (¬10) لم يكن فيها تغيير معنى ولا زيادة حرف ولا نقصانه، وهذا هو المعتمد (¬11) وبه الفتوى. وكذا ذكر (¬12) فى «التحقيق» حيث قال: تجوز القراءة بالسبع دون الشواذ، فإن قرأ بالشاذ صحت صلاته إن لم يغير معنى ولا زاد حرفا ولا نقص.
وكذا قال (¬13) الرويانى (¬14) فى «بحره»: إن لم يكن فيها تغيير معنى لم تبطل، وإن كان
¬
_
(¬1) فى م: خالف.
(¬2) فى م، ص: وقال.
(¬3) هو محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح، أبو بكر، الأبهرى، المالكى. فقيه أصولى، محدث، مقرئ. قال ابن فرحون: كان ثقة أمينا مشهورا وانتهت إليه الرئاسة فى مذهب مالك. سكن بغداد وحدث بها عن أبى عروبة الحرانى وابن أبى داود وأبى زيد المروزى والبغوى وغيرهم. وتفقه ببغداد على القاضى أبى عمر وابنه أبى الحسين. وذكره أبو عمرو الدانى فى طبقات المقرئين، وتفقه على الأبهرى عدد عظيم وخرج له جماعة من الأئمة بأقطار الأرض من العراق وخراسان والجبل وبمصر وإفريقية. توفى سنة 375 هـ.
من تصانيفه: «شرح مختصر ابن الحكم»، و «الرد على المزنى» فى ثلاثين مسألة، و «كتاب فى أصول الفقه». و «شرح كتاب عبد الحكم الكبير». ينظر: الديباج (ص 255)، وتاريخ بغداد (5/ 462)، والبداية (11/ 304)، وشذرات الذهب (3/ 85).
(¬4) سقط فى م.
(¬5) فى د، ص: كل.
(¬6) فى د: ابن عباس. والصواب ما أثبتناه، وهو عبد الله بن محمد بن نجم بن شاس، نجم الدين، من أهل دمياط. شيخ المالكية فى عصره بمصر. كان من كبار الأئمة. أخذ عنه الحافظ المنذرى. توفى مجاهدا أثناء حصار الفرنج لدمياط.
من مصنفاته: «الجواهر الثمينة فى مذهب عالم المدينة» فى الفقه، اختصره ابن الحاجب. ينظر:
شجرة النور (ص 165) وفيها: وفاته 610 هـ، والأعلام للزركلى (4/ 269)، وشذرات الذهب (5/ 69).
(¬7) فى م: القراءة.
(¬8) فى م، ص: لم تجزه.
(¬9) فى م، ص: ولا تجزئ.
(¬10) فى د: إذا.
(¬11) زاد فى م: عندهم.
(¬12) فى ص: ذكره.
(¬13) فى م: كذا قال، وفى ص: وقال.
(¬14) هو عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد، أبو المحاسن الرويانى. فقيه شافعى. درس-
فيها زيادة كلمة أو تغيير معنى فتلك القراءة تجرى مجرى أثر عن الصحابة أو خبر عن النبى صلى الله عليه وسلم، فإن كان عمدا بطلت صلاته، أو سهوا سجد للسهو.
قال الزركشى: وينبغى أن يكون هذا التفصيل فى غير الفاتحة؛ ولهذا قال الجزرى فى «فتاويه»: إن كان فى الفاتحة فلا تجزئ؛ لأنا نقطع بأنها ليست من القرآن، والواجب قراءة الفاتحة لا غيرها، بخلاف السورة. والله أعلم.
فصل: لا بأس بذكر أجوبة بعض علماء العصر فى هذه المسألة (¬1):
أجاب الإمام العلامة [حافظ العصر (¬2) شهاب الدين] (¬3) بن حجر (¬4): [الحمد لله، اللهم اهدنى لما اختلف فيه من الحق بإذنك] (¬5) نعم تحرم القراءة بالشواذ، وفى الصلاة أشد، ولا نعرف خلافا عن (¬6) أئمة الشافعية فى تفسير الشاذ: أنه (¬7) ما زاد على العشر، بل منهم من ضيق فقال: ما زاد على السبع.
وهو إطلاق الأكثر منهم، ولا ينبغى للحاكم- خصوصا إذا كان قاضى الشرع- أن يترك من يجعل ذلك ديدنه، بل يمنعه بما يليق به، فإن أصر فبما هو أشد من ذلك، كما
¬
_
بنيسابور وميافارقين وبخارى. أحد أئمة مذهب الشافعى، اشتهر بحفظ المذهب حتى يحكى عنه أنه قال «لو احترقت كتب الشافعى لأمليتها من حفظى»، وقيل فيه: «شافعى عصره». ولى قضاء طبرستان ورويان وقراها. قتله الملاحدة بوطن أهله «آمل» توفى سنة 502 هـ.
من تصانيفه: «البحر» وهو من أوسع كتب المذهب، و «الفروق»، و «الحلية»، و «حقيقة القولين». ينظر: طبقات الشافعية للسبكى (4/ 264)، والأعلام للزركلى (4/ 324).
(¬1) فى م: أى القراءة بالشاذ.
(¬2) فى ص: السنة.
(¬3) سقط فى م.
(¬4) فى د، ص: ابن حجر الشافعى. وهو أحمد بن على بن محمد، شهاب الدين، أبو الفضل الكنانى العسقلانى، المصرى المولد والمنشأ والوفاة، الشهير بابن حجر- نسبة إلى (آل حجر) قوم يسكنون بلاد الجريد وأرضهم قابس فى تونس- من كبار الشافعية. كان محدثا فقيها مؤرخا. انتهى إليه معرفة الرجال واستحضارهم، ومعرفة العالى والنازل، وعلل الأحاديث وغير ذلك. تفقه بالبلقينى والبرماوى والعز بن جماعة، ارتحل إلى بلاد الشام وغيرها. تصدى لنشر الحديث وقصر نفسه عليه مطالعة وإقراء وتصنيفا وإفتاء، وتفرد بذلك حتى صار إطلاق لفظ الحافظ عليه كلمة إجماع. درس فى عدة أماكن وولى مشيخة البيبرسية ونظرها، والإفتاء بدار العدل، والخطابة بجامع الأزهر، وتولى القضاء. زادت تصانيفه على مائة وخمسين مصنفا.
من تصانيفه: (فتح البارى شرح صحيح البخارى) خمسة عشر مجلدا، و (الدراية فى منتخب تخريج أحاديث الهداية)، و (تلخيص الحبير فى تخريج أحاديث الرافعى الكبير) توفى سنة 852 هـ.
ينظر: الضوء اللامع (2/ 36)، والبدر الطالع (1/ 87)، وشذرات الذهب (7/ 270)، ومعجم المؤلفين (2/ 20).
(¬5) سقط فى م.
(¬6) فى د: بين.
(¬7) فى م: بأنه.
فعل السلف بالإمام أبى بكر بن شنبوذ (¬1) مع جلالته؛ فإن الاسترسال فى ذلك غير مرضى ويثاب (¬2) أولياء الأمور [أيدهم الله تعالى] (¬3) على ذلك صيانة لكتاب الله عز وجل. والله سبحانه وتعالى أعلم.
[و] (¬4) كتبه أحمد بن على بن حجر، عفا الله تعالى عنه، آمين.
[ثم استفتى ثانيا بعد وقوع خبط كثير من أهل عصره؛ فكتب: الحمد لله، اللهم اهدنى لما اختلف فيه من الحق بإذنك. الذى أختاره فى ذلك ما قاله الشيخ تقى الدين السبكى؛ فإنه حقق المسألة وجمع بين كلام الأئمة، وأما ما قاله الشيخ تقى الدين بن تيمية فى ذلك فليس على إطلاقه، بل يعارضه نقل ابن عبد البر وغيره الإجماع على مقابله، وكلاهما إطلاق غير مرض، وقد أطبق أئمة الفقه والأصول فى كتبهم عند ذكر الشواذ بأن فسروها بما زاد على القراءة السبع، وقليل من حذاق متأخريهم ضبطها بما زاد على العشر، والسبب فى قصرهم ذلك عليها: أنها لا توجد فيما رواها إلا النادر فاغتفر ذلك رعاية للضبط وحذرا من الدعوى، ومن اقتصر من الشروط على ما يوافق رسم المصحف فقط فهو مخطئ؛ لأن الشرط الثانى وهو أن يوافق فصيحا فى العربية لا بد منه؛ لأن القرآن وإن كان لا يشترط فى كل فرد منه أفصح فلا بد من اشتراط الفصيح. والشرط الثالث لا بد منه وهو أن يثبت النقل بذلك عن إمام من الأئمة الذين انتهت إليهم المعرفة بالقراءة، وإلا كان كل من سمع حرفا يقرأ به ويسميه قرآنا، وفى هذا اتساع غير مرض، وهذا وارد على إطلاق الهذلى (¬5): ما من قراءة ... إلى آخر كلامه، لكنه قيد كلامه بقيد حسن، وهو ألّا يخالف الإجماع وهذا لا بد منه، والنقل موجود عن الأئمة للرجوع إليهم فى ذلك بالذى قلته، فمنه ما قال أبو طالب-
¬
_
(¬1) هو محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ ويقال ابن الصلت بن أيوب بن شنبوذ الإمام أبو الحسن البغدادى شيخ الإقراء بالعراق أستاذ كبير أحد من جال فى البلاد فى طلب القراءات مع الثقة والخير والصلاح والعلم. توفى ابن شنبوذ فى صفر سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (2/ 52).
(¬2) فى م: وتثاب.
(¬3) سقط فى م.
(¬4) زيادة من د.
(¬5) هو يوسف بن على بن جبارة بن محمد بن عقيل بن سوادة أبو يوسف بن على القاسم الهذلى اليشكرى الأستاذ الكبير الرحال والعلم الشهير الجوال، ولد فى حدود التسعين وثلاثمائة تخمينا وطاف البلاد فى طلب القراءات، قال ابن الجزرى: فلا أعلم أحدا فى هذه الأمة رحل فى القراءات رحلته ولا لقى من لقى من الشيوخ، قال فى كتابه الكامل: فجملة من لقيت فى هذا العلم ثلاثمائة وخمسة وستون شيخا من آخر المغرب إلى باب فرغانة يمينا وشمالا وجبلا وبحرا. وكان مقدما فى النحو والصرف وعلل القراءات وكان يحضر مجلس أبى القاسم القشيرى ويأخذ منه الأصول وكان القشيرى يراجعه فى مسائل النحو والقراءات ويستفيد منه. مات الهذلى سنة خمس وستين وأربعمائة. ينظر: غاية النهاية (2/ 397، 398، 401).
هو عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبى هاشم (¬1) صاحب ابن مجاهد- فى أول كتابه «البيان عن اختلاف القراءة» وقد تبع تابع فى عصرنا فزعم أن كل من صح عنده وجه فى العربية بحرف من القراءات يوافق خط المصحف، فقراءته به جائزة فى الصلاة وغيرها، فابتدع بدعة ضل بها ... إلى أن قال: وقد قام أبو بكر بن مجاهد على أبى بكر بن مقسم (¬2) وأشهد عليه بترك ما ارتكبه واستوهب ذنبه من السلطان عند توبته. انتهى ملخصا.
وأشار بذلك إلى النحوى أبى بكر محمد بن الحسن بن مقسم؛ فإن قضيته بذلك مع ابن مجاهد مشهورة وظن بعض المتأخرين أنه عنى بذلك أبا الحسن بن شنبوذ، وهو خطأ؛ فإن بن شنبوذ كان فيما أنكروه عليه من المخالفة قراءته بأشياء تخالف المصحف مثل (فامضوا) بدل فَاسْعَوْا [الجمعة: 9]، وأما ابن مقسم فشرط موافقة رسم المصحف، لكن استجاز القراءة بما لم ينقل عمن تقدمه إذا جمع الأمرين اللذين ذكرهما فأخل ببعض الشروط فنسب إلى البدعة، والشرط الذى أخل به يحتوى على شرطين، وهما: النقل المذكور، وأن يكون ثابتا إلى إمام مشهور بالقراءة.
فإذا تقرر هذا فالقراءة المنسوبة إلى الحسن البصرى مثلا إذا وجد فيها ما يوافق رسم المصحف والفصيح من العربية، لا بد من صحة النقل عنه، ولا يكفى وجود نسبتها إليه فى كتاب ما على لسان شيخ ما، وكل ما كان من هذا القبيل فى حكم المنقطع؛ فلا يجوز أن يسمى قرآنا.
وقد اشتهر فى عصرنا الإقراء برواية منسوبة إلى الحسن البصرى، كان شيخنا فخر الدين
¬
_
(¬1) هو عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبى هاشم أبو طاهر البغدادى البزاز الأستاذ الكبير الإمام النحوى العلم الثقة مؤلف كتاب البيان والفصل. قال الحافظ أبو عمرو ولم يكن بعد ابن مجاهد مثل أبى طاهر فى علمه وفهمه مع صدق لهجته واستقامة طريقته وكان ينتحل فى النحو مذهب الكوفيين وكان حسن الهيئة ضيق الخلق، وكان قد خالف جميع أصحابه فى إمالة النون من الناس فى موضع الخفض فى قراءة أبى عمرو فكانوا ينكرون ذلك عليه، ولما توفى ابن مجاهد رحمه الله أجمعوا على أن يقدموه فتصدر للإقراء فى مجلسه وقصده الأكابر. مات فى شوال سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وقد جاوز السبعين وهو والد محمد أبى عمر الزاهد غلام ثعلب. ينظر: غاية النهاية (1/ 475، 476، 477).
(¬2) هو محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن بن الحسين بن محمد بن سليمان بن داود بن عبيد الله ابن مقسم ومقسم هذا هو صاحب ابن عباس أبو بكر البغدادى العطار الإمام المقرئ النحوى، ولد سنة خمس وستين ومائتين. قال الدانى مشهور بالضبط والإتقان عالم بالعربية حافظ للغة حسن التصنيف فى علوم القرآن، وقال الذهبى كان من أحفظ أهل زمانه لنحو الكوفيين وأعرفهم بالقراءات مشهورها وغريبها وشاذها. توفى فى ثامن ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وثلاثمائة. ينظر: غاية النهاية (2/ 123، 124، 125).
البلبيسى (¬1) إمام الجامع الأزهر- نضر الله وجهه- يسندها عن شيخه المجد الكفتى (¬2) عن ابن نمير السراج (¬3) بسنده إلى الحسن البصرى، مع أن فى إسناده المذكور الأهوازى (¬4) وهو أبو على الحسن بن على الدمشقى أحد القراء المشهورين المكثرين لكنه متهم فى نقله عن جماعة عن الشيخ، وقد ذكر له ابن عساكر الحافظ فى تاريخه ترجمة كبيرة ونقل تكذيبه فيها عن جماعة، ومن كان بهذه المثابة لا يحتج بما تفرد به، فضلا عن أنه يدعى أن مقطوع به، ومن ادعى طريقا غير هذه إلى الحسن فليبرزها؛ فإن التجريح والتعديل مرجعه إلى أئمة النقل لا إلى غيرهم.
وقد وجد فيما نقل من هذه الطرق عن الحسن عدة أحرف أنكرها بعض من تقدم ممن جمع الحروف، كأبى عبيد والطبرى.
¬
_
(¬1) هو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الرحمن البلبيسى الشيخ فخر الدين الضرير إمام جامع الأزهر، شيخ الديار المصرية إمام كامل ناقل، قرأ القراءات الكثيرة على أبى بكر بن الجندى وإسماعيل الكفتى وحرمى بن عبد الله البلبيسى وبعضها على إبراهيم الحكرى ومحمد بن السراج الكاتب وعلى بن يغمور الحلبى والمحب محمد بن يوسف ناظر الجيش وعرض عليه الشاطبية وموسى بن أيوب الضرير وروى الشاطبية عن القاضى سليمان بن سالم بن عبد الناصر قاضى الخليل سماعا، قرأ عليه الأوحدى وعثمان بن إبراهيم بن أحمد البرهاوى ومحمد بن خليل المارعى وأحمد ابن عمر الجملانى، توفى يوم الأحد أذان العصر مستهل القعدة سنة أربع وثمانمائة. ينظر: غاية النهاية (1/ 506).
(¬2) هو إسماعيل بن يوسف بن محمد بن يونس المصرى المعروف بالمجد الكفتى إمام مقرئ متصدر حاذق، قرأ العشر وغيرها على الصائغ وابن السراج وابن مؤمن الواسطى، وتصدر بالقاهرة وانتهت إليه المشيخة بها قرأ عليه عبد الرحمن بن أحمد البغدادى عيادة والفخر عثمان بن عبد الرحمن الضرير إمام جامع الأزهر ويحيى بن أحمد بن أحمد المالقى وعلى بن عثمان القاصح، توفى بالقاهرة سنة أربع وستين وسبعمائة. ينظر: غاية النهاية (1/ 170).
(¬3) هو محمد بن محمد بن نمير أبو عبد الله المصرى المعروف بابن السراج الكاتب المجود إمام مقرئ مصدر انتهت إليه الرئاسة فى تجويد الكتابة وإسناد القراءات بالديار المصرية، ولد سنة سبعين وستمائة، قرأ على المكين أبى محمد عبد الله بن منصور الأسمر بمضمن الإعلان وبرواية يعقوب والحسن وعلى النور على بن ظهير بن شهاب بن الكفتى، وأخذ تجويد الكتابة عن ابن الشيرازى الكاتب وسمع من شامية بنت البكرى، وروى الشاطبية عن سبط ابن زيادة، قرأ عليه المجد إسماعيل ابن يوسف الكفتى. وانتفع به جماعة بالكتابة وآخرون بالقراءات وكان له فهم فى النحو وصدق فى النقل
وهو صحيح القراءة والسماع، توفى فى طاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة بالقاهرة فى العشر الأخير من شعبان. ينظر: غاية النهاية (2/ 256).
(¬4) هو الحسن بن على بن إبراهيم بن يزداد بن هرمز الأستاذ أبو على الأهوازى صاحب المؤلفات شيخ القراء فى عصره وأعلى من بقى فى الدنيا إسنادا، إمام كبير محدث، ولد سنة اثنتين وستين وثلاثمائة بالأهواز، وقرأ بها وبتلك البلاد على شيوخ العصر. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبى ولقد تلقى الناس رواياته بالقبول وكان يقرئ بدمشق من بعد سنة أربعمائة وذلك فى حياة بعض شيوخه. توفى رابع ذى الحجة سنة ست وأربعين وأربعمائة بدمشق. ينظر: غاية النهاية (1/ 220، 221، 222).
وبهذا التفصيل تبين عذر الأئمة فى عدهم الشاذ ما زاد على العشرة؛ لندور أن يكون فى الزائد عليها ما يجمع الشروط، ولا سيما إذا روعى قول الهذلى: ألا يخالف الإجماع، أى: لا يوجد عند أحد إلا عند ذلك القارئ.
وانظر قول الشيخ تقى الدين بن تيمية المبدّأ به حيث قيد جواز القراءة بقراءة الأعمش مثلا: أن تثبت عند القارئ كما تثبت عنده قراءة حمزة والكسائى، فإن هذا الشرط الذى أشار إليه متعذر الوفاء؛ لأن قراءة حمزة والكسائى قد رويتا من طرق متعددة إليهما لا تدانيهما فى ذلك القراءة المنسوبة إلى الأعمش، لا من حيث كثرة الطرق إليهما، ولا من حيث ما حصل لقراءتهما من التلقى بالقبول من بعد عصر الأئمة المجتهدين من أول القرن الرابع، وهلم جرّا.
وانظر تقييد الدانى بقوله: التى لا شذوذ فيها، فإنه ينبغى تفسيره بما أشار إليه الهذلى من مراعاة الإجماع، والعمدة فيما ذكرته إطباق أئمة الفقه والأصول على أن الشاذ لا يجوز تسميته قرآنا، والشاذ ما وراء العشرة على المختار، فهذا هو المعتمد؛ لأن الرجوع فى الجواز وعدم الجواز إنما هو حق لأئمة الفقه الذين يفتون فى الحلال والحرام، ثم اقتضى التحقيق اعتبار الشروط فى المنقول عن العشرة بل وعن السبعة، وإلى ذلك يشير قول الشيخ تقى الدين السبكى فى آخر كلامه؛ فلذلك اخترت الاعتماد عليه، وقد ذكر الشيخ أبو شامة فى كتابه «المرشد» - وهو ممن كان اجتمع له التقدم فى الفقه والحديث والقراءات- فصلا فى ذلك مبسوطا فى شرح ما ذكرته وما ذكره الشيخ تقى الدين السبكى، وهذا نصه:
فصل: واعلم أن القراءات الصحيحة المعتبرة المجمع عليها قد انتهت إلى القراء السبعة المتقدم ذكرهم، واشتهر نقلها عنهم؛ لتصديهم لذلك وإجماع الناس عليهم، فاشتهروا بها كما اشتهر فى كل علم من الحديث والفقه والعربية أئمة اقتدى بهم وعول فيه عليهم، ونحن وإن قلنا: إن القراءات الصحيحة إليهم نسبت وعنهم نقلت، فلسنا ممن يقول: إن جميع ما روى عنهم يكون بهذه الصفة به، بل قد روى عنهم ما يطلق عليه أنه ضعيف؛ لخروجه عن الضابط باختلال بعض الأركان الثلاثة، ولا ينبغى أن يغترّ بكل قراءة نقلت تعزى إلى واحد من هؤلاء ويطلق عليها لفظ الصحة، إلا إذا دخلت فى ذلك الضابط، وحينئذ لا ينفرد بنقلها مصنف عن غيره.
والحاصل أن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجمع عليه فى قراءاتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما تركن إلى ما ينقل عن غيرهم.
ثم ختم كلامه، بأن قال: والمأمور باجتنابه من ذلك، ما خالف الإجماع لا ما خالف شيئا من الكتب المشهورة، ثم نقل عن الشيخ أبى الحسن السخاوى أنه قال: لا تجوز القراءة بشيء مما خرج عن الإجماع، ولو كان موافقا للعربية وخط المصحف وإن كانت نقلته ثقات؛ لأنه جاء من طريق الآحاد، وتلك الطريق لا يثبت بها القرآن، وأما إن نقله من لا يعتد بنقله ولا يوثق بخبره، فهو مردود ولا يقبل، ولو وافق العربية.
فهذا كلام أئمة الفقه والقراءات لا يخالف بعضه بعضا، فمن خالف ما استقر عليه رأيهم منع وردع بما يليق به والله أعلم] (¬1).
وكتب (¬2) الشيخ العلامة [المحقق] (¬3) سعد الدين [بن] (¬4) الديرى (¬5):
الحمد لله الهادى للحق: لا يجوز اعتقاد القرآنية فى الشواذ التى لم تنقل بالشهرة والتواتر، ويحرم إيهام السامعين قرآنيتها لا سيما [إذا كان ذلك] (¬6) فى الصلاة، وإنما يقرأ بالشواذ حيث لا يوهم أنها من القرآن، ولو قرأ [بها] (¬7) [فى الصلاة] (¬8) بما (¬9) يوجب تغيير المعنى أوجب فساد الصلاة، وما زاد على السبع فهو فى حكم الشاذ [فى هذا الحكم] (¬10)، وإن تفاوتت طرق نقله واختلف حكمه من وجه آخر، وإذا (¬11) نهى عن أدائها مع إيهام أنها من القرآن فلم (¬12) ينته وجب الإنكار عليه (¬13) ومقابلته بما فيه له الازدجار.
وأطال فى ذلك، وكلامه وكلام غيره [من] (¬14) العلماء مذكور فى كتابى [المسمى ب «القول الجاذ لمن قرأ بالشواذ» هذا تنبيه جليل لا يحققه إلا القليل] (¬15).
¬
_
(¬1) ما بين المعقوفين من أول «ثم استفتى ثانيا بعد وقوع ... » إلى هنا: زيادة من د، ص.
(¬2) فى د، ص: وأجاب.
(¬3) سقط فى م.
(¬4) سقط فى م.
(¬5) فى د، ص: شمس الدين بن الديرى نفع الله تعالى به. وهو سعد بن محمد بن عبد الله بن سعد ابن أبى بكر بن مصلح، أبو السعادات، المكنى سعد الدين، النابلسى الأصل، المقدسى الحنفى، نزيل القاهرة، المعروف بابن الديرى: جد الأسرة الخالدية بفلسطين. ولد فى القدس ونسبته إلى قرية الدير، فى مردا، بجبل نابلس وانتقل إلى مصر، فولى فيها قضاء الحنفية سنة 842 هـ، واستمر 25 سنة. وضعف بصره، فاعتزل القضاء. وتوفى بمصر سنة 867 هـ. له كتاب «الحبس فى التهمة» و «السهام المارقة فى كبد الزنادقة» و «تكملة شرح الهداية للسروجى» ست مجلدات، ولم يكمله، و «شرح العقائد» المنسوبة
للنسفى، و «النعمانية» منظومة طويلة، فيها فوائد نثرية، وغير ذلك. ينظر:
الأعلام (3/ 87)، الفوائد البهية (78)، والضوء اللامع (3/ 249).
(¬6) سقط فى م.
(¬7) سقط فى ص.
(¬8) سقط فى م.
(¬9) فى م: فيما.
(¬10) سقط فى م.
(¬11) فى م: ولذا. وسقط فى ص.
(¬12) فى م: فإن لم.
(¬13) فى م: وجب عليه الانتظار.
(¬14) سقط فى ص.
(¬15) بياض فى ز، م.
تنبيه:
تنبيه:
لا يقال: فعلى اعتبار شرط التواتر تمتنع القراءة بالقياس؛ لأنا نقول: لما كان اعتماد القراء على نقل القراءة خاصة أجمعوا على منعها بالقياس المطلق: وهو الذى ليس له أصل فى القراءة يرجع إليه ولا ركن وثيق فى الأداء يعتمد عليه، كما روى عن عمر، وزيد، وابن المنكدر (¬1)، وعروة (¬2)، وابن عبد العزيز، وعامر الشعبى أنهم قالوا: القراءة سنة متبعة فاقرءوا كما علّمتموه.
وإن كان على إجماع (¬3) انعقد أو أصل (¬4) يعتمد، فيصار (¬5) إليه عند عدم النص وغموض وجه الأداء؛ فإنه مما يسوغ (¬6) قبوله ولا ينبغى رده، لا سيما إذا دعت الضرورة ومست الحاجة إليه (¬7) [مما يقوى وجه الترجيح ويعين على وجه التصحيح] (¬8)، [بل] (¬9) لا يسمى ما كان كذلك قياسا على الوجه الاصطلاحى، [بل هو فى التحقيق] (¬10) نسبة جزئى إلى كلى، [كمثل ما اختير] (¬11) فى تخفيف (¬12) بعض الهمزات [وإثبات البسملة وعدمها] (¬13) ونقل كِتابِيَهْ إِنِّي [الحاقة: 19 - 20]، وقياس إدغام قالَ رَجُلانِ [المائدة: 23] وقالَ رَجُلٌ [غافر: 28] على قُلْ رَبِّ [المؤمنون: 93] كما ذكره الدانى وغيره، وإليه (¬14) أشار مكى فى «التبصرة» حيث قال: فجميع (¬15) ما ذكرنا ينقسم ثلاثة أقسام:
¬
_
(¬1) هو محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير، أبو بكر، القرشى، التميمى.
أحد الأئمة الأعلام، زاهد، من رجال الحديث، أدرك بعض الصحابة وروى عنه: له نحو مائتى حديث، قال ابن عينية: ابن المنكدر من معادن الصدق ويجتمع إليه الصالحون ولم يدرك أحد أجدر أن يقبل الناس منه. قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة، وذكره ابن حيان فى الثقات، وقال العجلى:
مدنى تابعى ثقة توفى سنة 130 هـ.
ينظر تهذيب التهذيب (9/ 473 - 475)، والأعلام (7/ 333).
(¬2) هو عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد، وأمه أسماء بنت أبى بكر. من كبار التابعين، فقيه محدث، أخذ عن أبيه وأمه وخالته السيدة عائشة. وعنه خلق كثير. لم يدخل فى شىء من الفتن.
انتقل من المدينة إلى البصرة، ثم إلى مصر فأقام بها سبع سنين. وتوفى بالمدينة. وبها (بئر عروة) تنسب إليه، معروفة الآن ينظر: تهذيب التهذيب (7/ 180).
(¬3) فى ص: اجتماع.
(¬4) فى م: وأصل.
(¬5) فى د: فإنه يصار، وفى ص: فإنه يرجع.
(¬6) فى ص: ما يسوغ.
(¬7) فى د: ومست له الحاجة.
(¬8) سقط فى د.
(¬9) سقط فى ص.
(¬10) فى د، ص: لأنه فى الحقيقة.
(¬11) فى د، ص: كما اختير.
(¬12) فى م: تحقيق.
(¬13) فى م: البسملة.
(¬14) فى ص: وإلى ذلك.
(¬15) فى م: جميع.
ص: فكن على نهج سبيل السلف ... فى مجمع عليه أو مختلف
قسم قرأت به ونقلته، وهو منصوص (¬1) فى الكتب.
وقسم قرأت به وأخذته لفظا أو سماعا، وهو غير موجود فى الكتب.
وقسم لا قرأت به ولا وجدته فى الكتب، ولكن (¬2) قسمته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلا ذلك عند عدم الرواية، وهو الأقل، [قال الجعبرى عند قول الشاطبى:
وما لقياس فى القراءة مدخل فى باب «مذاهبهم فى الراءات»، مع قوله فى الإمالة: «واقتس لتنضلا» أى: لتغلب، يقال: ناضلهم فنضلهم: إذا رماهم فغلبهم فى الرمى؛ فأمر به ونهى عنه، قال فى الجواب عنه: هذا من قبيل المأمور به المنهى عنه، ومعناه: إذا عدم النص على عينه فيحمل على نظيره الممثل به فانظره.
قلت (¬3): وكذا الأوجه التى يقرأ بها بين السور وغيرها؛ فإنه قياس رجع الإجماع إليه حتى عاد أصلا يعتمد عليه، وهى موافقة للرسم وللوجه العربى ونقلت عن المتقدمين.
والله أعلم] (¬4).
قال المصنف: وقد زل بسبب ذلك قوم (¬5) فأطلقوا قياس ما لا يروى على ما روى، وما له (¬6) وجه ضعيف على [الوجه] (¬7) القوى، كأخذ بعض الأغبياء بإظهار الميم المقلوبة من النون والتنوين (¬8).
ولا يسع (¬9) هذا التعليق أكثر من هذا. وبالله التوفيق [والهداية] (¬10).
ثم عطف فقال:
ص:
فكن على نهج سبيل السّلف ... فى مجمع عليه أو مختلف
ش: الفاء سببية، و (على) ومتعلّقه (¬11) خبر (كان)، و (سبيل السلف): طريقهم، و (النهج): الطريق المستقيم، وإضافته للسبيل من إضافة الخاص للعام، و (فى مجمع) متعلق (¬12) ب (نهج)، و (عليه) يتعلق ب (مجمع)، و (مختلف) عطف [على (مجمع)] (¬13)،
¬
_
(¬1) فى م: منصوب.
(¬2) فى ز: ولكنى.
(¬3) أى: مكى صاحب «التبصرة».
(¬4) زيادة من د.
(¬5) فى ص: قوم بسبب ذلك.
(¬6) فى ز: ولا ما له.
(¬7) سقط فى م.
(¬8) فى د، ص: بعد النون الساكنة والتنوين، وفى م: بدل الميم الساكنة والتنوين والنون.
(¬9) فى م: ولا يسمح.
(¬10) زيادة من م.
(¬11) فى م: على نهج، وفى ص: وعلى متعلق.
(¬12) فى ص، م: يتعلق.
(¬13) فى م: عليه.
ص: وأصل الاختلاف أن ربنا ... أنزله بسبعة مهونا
أى: بسبب ما تقدم كن أيها القارئ على طريق (¬1) السلف فى كل مقروء، سواء كان مجمعا عليه أو مختلفا فيه، واعتقد ذلك ولا تخرج عنه تصادف رشدا.
ثم شرع فى سبب اختلاف القراء فى القراءة، فقال:
ص:
وأصل الاختلاف أنّ ربّنا ... أنزله بسبعة مهوّنا
ش: الواو للاستئناف و (أصل) مبتدأ، و (الاختلاف) مضاف إليه، والخبر (أنّ) ومعمولاها، و (بسبعة) يتعلق ب (أنزل)، و (مهونا) حال من فاعل (أنزل) أو مفعوله.
أى: وأصل اختلاف القراء (¬2) فى ألفاظ القرآن إنزال الله تعالى له على سبعة أحرف؛ طلبا للتخفيف والتهوين على الأمة، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: «إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف» كما سيأتى، ثم ذكر ما المراد بالأحرف فقال: وفى لفظ الترمذى عن أنس قال:
لقى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أحجار المراء (¬3)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: «إنّى بعثت إلى أمة أمّيين فيهم الشّيخ الفانى، والعجوز (¬4) الكبيرة، والغلام. قال:
فمرهم فليقرءوا (¬5) القرآن على سبعة أحرف» (¬6)، وفى لفظ لأبى بكرة (¬7): «كلّ شاف، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب، وهو كقولك: هلم وتعال، وأقبل وأسرع، واذهب واعجل» (¬8). وفى لفظ لعمرو بن العاص (¬9): «وأىّ ذلك قرأتم فقد أصبتم، ولا
¬
_
(¬1) فى م: سبيل، وفى ص: منهج سبيل.
(¬2) فى م: الاختلاف بين القراء.
(¬3) فى د: المروة.
(¬4) فى م: العجوزة.
(¬5) فى م: أن يقرءوا.
(¬6) أخرجه الطيالسى (543) وأحمد (5/ 132) والترمذى (5/ 60) فى القراءات (2944) وابن حبان (739).
(¬7) هو نفيع بن الحارث بن كلدة، أبو بكرة الثقفى. صحابى، من أهل الطائف. له 132 حديثا، توفى بالبصرة. وإنما قيل له «أبو بكرة» لأنه تدلى ببكرة من حصن الطائف إلى النبى صلى الله عليه وسلم. وهو ممن اعتزل الفتنة يوم «الجمل» وأيام «صفين». روى عن النبى صلى الله عليه وسلم وروى عنه أولاده توفى سنة 52 هـ. ينظر:
الإصابة (3/ 571)، وأسد الغابة (5/ 38)، والأعلام (9/ 17).
(¬8) أخرجه ابن جرير فى تفسيره (1/ 40، 47) وذكره الهيثمى فى المجمع (7/ 154) وقال: رواه أحمد والطبرانى بنحوه إلا أنه قال «واذهب وأدبر» وفيه على بن زيد بن جدعان وهو سيئ الحفظ وقد توبع وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.
(¬9) هو عمرو بن العاص بن وائل، أبو عبد الله، السهمى القرشى، فاتح مصر، وأحد عظماء العرب وقادة الإسلام وذكر الزبير بن بكار والواقدى بسندين لهما أن إسلامه كان على يد النجاشى وهو بأرض الحبشة. وولاه النبى صلى الله عليه وسلم إمرة جيش «ذات السلاسل» وأمده بأبى بكر وعمر رضى الله عنهما، ثم استعمله على عمان. ثم كان من أمراء الجيوش فى الجهاد بالشام فى زمن عمر وولاه عمر فلسطين ومصر. وله فى كتب الحديث 39 حديثا. توفى سنة 43 هـ. ينظر الإصابة (3/ 2)، والاستيعاب (3/ 1184)، والأعلام (5/ 248).
ص: وقيل فى المراد منها أوجه ... وكونه اختلاف لفظ أوجه
تماروا فيه؛ فإنّ المراء فيه كفر» (¬1).
ص:
وقيل فى المراد منها أوجه ... وكونه اختلاف لفظ أوجه
ش: (قيل): [فعل] (¬2) مبنى للمفعول، والنائب: (أوجه)، و (كونه) مبتدأ مضاف إلى الاسم، والخبر: (اختلاف لفظ)، وخبر المبتدأ: (أوجه).
اعلم- وفقنى الله وإياك- أن المصنف ذكر هنا (¬3) الحديث الذى هو سبب اختلاف القراء، وهو حديث عظيم وحق له ذلك؛ لما يترتب عليه ويحتاج إلى ذكره، والكلام عليه على وجه مختصر لأنه مقصودنا، فنقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» (¬4) وهو متفق عليه، وهذا لفظ البخارى، وفى [لفظ] (¬5) مسلم عن أبىّ أن النبى صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بنى غفار، فأتاه جبريل- عليه السلام- فقال: «إنّ الله يأمرك أن تقرئ أمّتك القرآن على حرف، فقال: أسأل الله معافاته ومعونته، وإنّ أمتّى لا تطيق ذلك، ثمّ أتاه الثّانية على حرفين، فقال له مثل ذلك، ثمّ أتاه الثّالثة مثل ذلك، فقال له مثل ذلك، ثمّ أتاه الرّابعة فقال: إنّ الله يأمرك أن تقرئ أمّتك القرآن على سبعة أحرف، فأيّما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا» (¬6).
وقد نص الإمام الكبير أبو عبيد القاسم بن سلام (¬7) على أن هذا الحديث متواتر عن النبى صلى الله عليه وسلم،
¬
_
(¬1) أخرجه أحمد كما فى مجمع الزوائد (7/ 153).
(¬2) سقط فى م.
(¬3) فى م: هذا.
(¬4) أخرجه البخارى (5/ 73) فى كتاب الخصومات باب كلام الخصوم بعضهم فى بعض (2419) ومسلم (1/ 560) فى صلاة المسافرين باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف (270/ 818) ومالك (1/ 201) فى القرآن باب ما جاء فى القرآن (5) عن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم بن حزام.
(¬5) سقط فى م.
(¬6) أخرجه مسلم (1/ 562 - 563) كتاب صلاة المسافرين باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف (274/ 821).
(¬7) هو القاسم بن سلام. أبو عبيد. كان أبوه روميّا عبدا لرجل من هراة، ولد سنة 157، أما هو فقد كان إماما فى اللغة والفقه والحديث. قال إسحاق بن راهويه: أبو عبيد أعلم منى وأفقه. قال الذهبى:
«كان حافظا للحديث وعلله، عارفا بالفقه والاختلاف، رأسا فى اللغة، إماما فى القراءات له فيها مصنف. ولى قضاء طرسوس. مولده وتعلمه بهراة، ورحل إلى مصر وبغداد، وحج فتوفى بمكة سنة 224 هـ. وكان يهدى كتبه إلى عبد الله بن طاهر، فكافأه بما استغنى به».
من تصانيفه: كتاب «الأموال»، و «الغريب المصنف»، و «الناسخ والمنسوخ»، و «الأمثال».
ينظر: تذكرة الحفاظ (2/ 5)، وتهذيب التهذيب (7/ 315)، وطبقات الحنابلة لابن أبى يعلى (1/ 259).
قال الإمام محمد بن الجزرى فى النشر: قد نص الإمام الكبير أبو عبيد القاسم ابن سلام رحمه الله على أن هذا الحديث تواتر عن النبى صلى الله عليه وسلم اه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
¬
_
وقال الإمام السيوطى فى الإتقان: «قد نص أبو عبيد على تواتره» اه.
ونقل الحافظ ابن كثير عبارة أبى عبيد فقال: «قال أبو عبيد قد تواترت هذه الأحاديث كلها على الأحرف السبعة إلا ما حدثنى عفان عن حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: نزل القرآن على ثلاثة أحرف، قال أبو عبيد: ولا نرى المحفوظ إلا السبعة لأنها المشهورة» اه.
وأنت ترى كلام أبى عبيد ليس صريحا فى التواتر الاصطلاحى بل يكاد يكون صريحا فى التواتر اللغوى وهو التتابع فإنه قال: تواترت هذه الأحاديث كلها، ولو أراد التواتر الاصطلاحى لقال: تواتر هذا الحديث، أى رواه جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب عن جمع آخر كذلك إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وعبارته يبعد حملها على هذا المعنى؛ فإن ظاهرها لو أريد التواتر الاصطلاحى أن كل حديث منها قد رواه جمع عن جمع، ومعلوم أن كل حديث منها إنما هو عن صحابى واحد، وقد يرويه عنه آحاد وقد يرويه جمع؛ فالظاهر أن مراده أن هذه الأحاديث كلها تتابعت على معنى واحد، وهو إنزال القرآن على سبعة أحرف، سوى الرواية التى رواها عن سمرة وفيها ثلاثة أحرف فتكون شاذة لمخالفتها للمحفوظ المشهور.
ومما يؤيد ذلك أن أهل الحديث المتقدمين لا يذكرون المتواتر باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص، وإنما ذكر ذلك الفقهاء والأصوليون وبعض أهل الحديث المتأخرين.
قال ابن الصلاح: وأهل الحديث لا يذكرون المتواتر باسمه الخاص، المشعر بمعناه الخاص، وإن كان الخطيب البغدادى قد ذكره فى كتابه الكفاية، ففي كلامه ما يشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث. اهـ.
قال الحافظ زين الدين العراقى: قلت قد ذكره الحاكم وابن حزم وابن عبد البر وهو الخبر الذى ينقله عدد يحصل العلم بصدقهم ضرورة، وعبر عنه غير واحد بقوله: عدد يستحيل تواطؤهم على الكذب؛ ولا بد من وجود ذلك فى رواته من أوله إلى منتهاه. اه.
ولا شك أن الإمام أبا عبيد من المتقدمين الذين لا يذكرون المتواتر باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص، ولكن الحاكم- وهو ممن يذكرون المتواتر بمعناه الخاص- قد نص على تواتره أيضا، كما فى نظم المتناثر، نقلا عن الزرقانى فى شرح الموطأ، والذى ظهر لنا بالبحث أن هذا المعنى أطبقت عليه الأحاديث المذكورة، وهو إنزال القرآن على سبعة أحرف، متواترا بالمعنى الاصطلاحى وإليك البيان:
قال ابن الجزرى: تتبعت طرق هذا الحديث فى جزء مفرد جمعته فى ذلك، فرويناه من حديث عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم بن حزام ... وعد الصحابة الأحد والعشرين، وكان بودنا لو عثرنا على هذا الجزء، أو بكتاب فضائل القرآن لأبى عبيد، لنستعين به على معرفة تواتر هذا الحديث بيسر.
وقد تتبعت- بالاستقراء الناقص- ما تيسر لى جمعه من طرق هذا الحديث، فوجدته مما يصح الحكم عليه بالتواتر، وإليك البيان:
قد روى هذا الحديث عن أكثر من عشرين صحابيّا كما تقدم، وروى عنهم من طرق متعددة تبلغ كل طبقة منها عدد التواتر إلى أن حفظ فى الجوامع والمسانيد والمعاجم والمصنفات المشهورة وسأكتفى ببيان الطبقات التى اطلعت على أسانيدها فأقول:
الطبقة الأولى: طبقة الصحابة:
قد جاء هذا الحديث عن أبى بن كعب، وحذيفة، وزيد بن أرقم، وسليمان بن صرد، وسمرة،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
¬
_
وابن عباس، وابن مسعود، وعمر بن الخطاب، وعمرو بن العاص، وأبى بكرة، وأبى جهيم، وأبى طلحة، وأبى هريرة، وأم أيوب فهؤلاء أربعة عشر صحابيّا.
الطبقة الثانية:
قد روى هذا الحديث عن أبى بن كعب خمسة وهم: أنس، وعبادة بن الصامت، وعبد الرحمن ابن أبى ليلى، وسليمان بن صرد، وزر بن حبيش.
ورواه عن حذيفة اثنان: ربعى بن خراش، وزر بن حبيش.
ورواه عن زيد بن أرقم: زيد القصار.
ورواه عن سليمان بن صرد: أبو إسحاق.
ورواه عن سمرة: الحسن البصرى.
ورواه عن ابن عباس: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة.
ورواه عن ابن مسعود ثلاثة وهم: فلفلة الجعفى، وأبو الأحوص، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف.
ورواه عن عمر بن الخطاب: المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن عبد القارى.
ورواه عن عمرو بن العاص مولاه أبو قيس.
ورواه عن أبى بكرة ابنه عبد الرحمن.
ورواه عن أبى جهيم: بسر بن سعيد.
ورواه عن أبى طلحة: ابنه عبد الله.
ورواه عن أبى هريرة اثنان وهما: أبو سلمة، والمقبرى.
ورواه عن أم أيوب: أبو يزيد المكى.
فهؤلاء اثنان وعشرون راويا بعضهم من الصحابة وبعضهم من التابعين.
الطبقة الثالثة:
قد روى حديث أبى بن كعب من هذه الطبقة: حميد الطويل، وأنس، وعبيد الله بن عمر، وعبد الله بن عيسى، ومجاهد، وستير العبدى، ويحيى بن يعمر وعاصم. وروى حديث حذيفة: إبراهيم بن مهاجر، وعاصم. وروى حديث زيد بن أرقم: عيسى بن قرطاس. وروى حديث سليمان بن صرد: شريك، والعوام بن حوشب. وروى حديث سمرة: قتادة. وروى حديث ابن عباس: محمد بن شهاب الزهرى. وروى حديث ابن مسعود: عثمان بن حيان العامرى. وإبراهيم الهجرى، وأبو عيسى، وسلمة بن أبى سلمة. وروى حديث عمر ابن الخطاب: عروة. وروى حديث عمرو بن العاص: بسر بن سعيد. وروى حديث أبى بكرة:
على بن زيد. وروى حديث أبى جهيم: يزيد ابن خصيفة. وروى حديث أبى طلحة: إسحاق ابن عبد الله. وروى حديث أبى هريرة: محمد ابن عمرو، وأبو حازم، ومحمد بن عجلان.
وروى حديث أم أيوب: عبيد الله بن أبى يزيد.
فهؤلاء سبعة وعشرون بعضهم من الصحابة وبعضهم من التابعين وبعضهم من أتباع التابعين.
وقد رووا هذه الأحاديث بواسطة الطبقة الثانية السابق ذكرها.
الطبقة الرابعة:
روى حديث أبى بن كعب من هذه الطبقة: يحيى بن سعيد، ويزيد بن هارون، وابن أبى عدى ومحمد بن ميمون الزعفرانى، ويحيى بن أيوب، وحميد الطويل، وهشام بن سعد، وإسماعيل ابن أبى خالد، والحكم، وأبو إسحاق، وقتادة، وزائدة. وروى حديث حذيفة: سفيان، وحماد.
وروى حديث زيد بن أرقم: عبيد الله بن موسى. وروى حديث سليمان بن صرد: إسماعيل
وقد رواه عمر وهشام (¬1) وعبد الرحمن بن عوف (¬2) وأبى بن كعب وابن
¬
_
ابن موسى السدى، وإسحاق الأزرق. وروى حديث سمرة حماد. وروى حديث ابن عباس: عقيل، ويونس بن يزيد، وعمر وروى حديث ابن مسعود: الوليد بن قيس وسفيان، وواصل بن حيان، وسليمان بن بلال، وعقيل بن خالد. وروى حديث عمر بن الخطاب: محمد ابن شهاب الزهرى. وروى حديث عمرو بن العاص: محمد بن إبراهيم. وروى حديث أبى بكرة: حماد بن سلمة وروى حديث أبى جهيم:
إسماعيل بن جعفر. وسليمان بن بلال. وروى حديث أبى طلحة: حرب بن ثابت. وروى حديث أبى هريرة: عبدة بن سليمان وأسباط ابن محمد، وأنس بن عياض، وسليمان بن بلال. وروى حديث أم أيوب: سفيان، وأبو الربيع السمال.
فهؤلاء أحد وثلاثون بعضهم من التابعين وبعضهم من أتباع التابعين وبعضهم ممن يليهم وقد رووا هذه الأحاديث عن الصحابة المذكورين بواسطة الطبقتين السابقتين.
الطبقة الخامسة:
روى حديث أبى بن كعب من هذه الطبقة: أبو عبيد القاسم بن سلام وحماد، وابن وهب ويحيى ابن سعيد، وعبد الله بن نمير ومحمد بن بشر، وشعبة، والعوام، وحسين بن على الجعفى، وهمام.
وروى حديث حذيفة: وكيع، وعبد الرحمن، وخالد، وهم من شيوخ الإمام أحمد. وروى حديث زيد بن أرقم: أبو كريب من شيوخ ابن جرير الطبرى. وروى حديث سليمان بن صرد: ابن جرير وعبد الرحمن بن محمد بن سلام أحد شيوخ النسائى. وروى حديث سمرة: بهز وعفان من شيوخ الإمام أحمد. وروى حديث ابن مسعود: زهير ومهران ومغيرة وابن وهب وحيوة بن شريح. وروى حديث ابن عباس: رشدين بن سعد، والليث، وسليمان، وابن وهب، وعبد الرزاق. وروى حديث عمر بن الخطاب: يونس، وعقيل، ومالك، ومعمر. وروى حديث عمرو بن العاص: يزيد ابن الهاد. وروى حديث أبى بكرة: زيد بن الحباب، وعبد الرحمن بن مهدى أحد شيوخ الإمام أحمد وروى حديث أبى جهيم: أبو عبيد، وأبو سلمة الخزاعى أحد شيوخ الإمام أحمد، وابن وهب وروى حديث أبى طلحة: عبد الصمد من شيوخ الإمام أحمد. وروى حديث أبى هريرة: أبو كريب، وعبيد بن أسباط وهما من شيوخ ابن جرير، وقتيبة أحد شيوخ النسائى، ورواه أيضا أحمد بن حنبل، وعبد الحميد بن عبد الله، وخلاد بن أسلم أحد شيوخ ابن جرير.
وروى حديث أم أيوب: أسد بن موسى والإمام أحمد، ومحمد بن عبد الله، ويونس عبد الأعلى وهما من شيوخ ابن جرير. فهؤلاء أحد وأربعون، رووا هذا الحديث عن الصحابة المذكورين بواسطة الطبقات الثلاث السابقة.
وإذا تواتر الحديث فى هذه الطبقات كلها فهو متواتر فى الطبقات التى تليها لأنه ما من راو من هذه الطبقة الأخيرة إلا وله تلامذة كثيرون يروون عنه مروياته إما بالسماع وإما بالإجازة وإما بغيرهما من طرق التحمل، ومن راجع المؤلفات الحديثية المتعددة أمكنه أن يذكر فى كل طبقة رواة أكثر من رواة سابقتها، وبهذا ينطبق على الحديث المذكور ما قاله الحافظ بن حجر فى شرح النخبة: «ومن أحسن ما يقرر به كون المتواتر موجودا وجود كثرة أن الكتب المشهورة المقطوع بصحتها وصحة نسبتها إلى مؤلفيها إذا اجتمعت على إخراج حديث وتعددت طرقه تعددا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب إلى آخر الشروط المعتبرة فى التواتر أفاد العلم اليقينى بصحته ومثل ذلك كثير فى الكتب المشهورة». اه.
ينظر: رسالة: عبد التواب عبد الجليل: معنى الأحرف السبعة (37 - 41).
(¬1) هو هشام بن حكيم بن حزام الأسدي أسلم زمن الفتح. له أحاديث. وروى عنه جبير بن نفير وعروة.
قال مالك: كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ينظر الخلاصة (3/ 113) (7672).
-[146]-
(¬2) هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن الحارث، أبو محمد القرشى الزهرى. من كبار الصحابة، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة فيهم. أسلم قديما، وهاجر الهجرتين، وشهد المشاهد. وكان ممن يفتى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وممن عرف برواية الحديث الشريف. توفى بالمدينة سنة 22 هـ ودفن بالبقيع.
ينظر: الإصابة (2/ 416)، وتهذيب التهذيب (6/ 344)، والأعلام للزركلى (4/ 95).
مسعود (¬1) ومعاذ بن جبل (¬2) وأبو هريرة (¬3) وابن عباس (¬4) وأبو سعيد الخدرى (¬5) وحذيفة (¬6) وأبو بكرة (¬7) وعمرو بن العاص (¬8) وزيد بن أرقم (¬9) وأنس (¬10)
¬
_
(¬1) ذكره الهيثمى فى المجمع (7/ 155) وقال: رواه البزار وأبو يعلى ... والطبرانى فى الأوسط باختصار آخره، ورجال أحدهما ثقات ورواية البزار عن محمد بن عجلان عن أبى إسحاق قال فى آخره: لم يرو محمد بن عجلان عن إبراهيم الهجرى غير هذا الحديث، قلت ومحمد بن عجلان إنما روى عن أبى إسحاق السبيعى، فإن كان هو أبو إسحاق السبيعى فرجال البزار أيضا ثقات. وأخرجه البخارى (2410) و (3476) بنحوه.
(¬2) ذكره الهيثمى فى المجمع (7/ 157) وقال: رواه الطبرانى ورجاله ثقات.
ومعاذ هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصارى الخزرجى، أبو عبد الرحمن. صحابى جليل. إمام الفقهاء. وأعلم الأمة بالحلال والحرام. أسلم وعمره ثمانى عشرة سنة. شهد بيعة العقبة، ثم شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
جمع القرآن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من الذين يفتون فى ذلك العهد. بعثه النبى صلى الله عليه وسلم بعد غزوة تبوك قاضيا ومرشدا لأهل اليمن، وفى طبقات ابن سعد أنه أرسل معه كتابا إليهم يقول فيه:
«إنى بعثت إليكم خير أهلى». قدم من اليمن إلى المدينة فى خلافة أبى بكر، ثم كان مع أبى عبيدة ابن الجراح فى غزو الشام. ولما أصيب أبو عبيدة فى طاعون عمواس، استخلف معاذا. وأقره عمر، فمات فى ذلك العام 18 هـ. ينظر: الإصابة فى تمييز الصحابة (3/ 426)، وأسد الغابة (4/ 376)، وحلية الأولياء (1/ 228)، والأعلام (8/ 166).
(¬3) أخرجه أحمد (2/ 300، 332، 440) وذكره الهيثمى فى المجمع (7/ 154) وقال: رواه أحمد بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح ورواه البزار بنحوه.
(¬4) أخرجه البخارى (6/ 449) كتاب بدء الخلق (3219) ومسلم (1/ 561) كتاب صلاة المسافرين باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف (272/ 819) وأحمد (1/ 263، 299، 313).
(¬5) ذكره الهيثمى فى المجمع (7/ 156) وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه ميمون أبو حمزة وهو متروك.
(¬6) ذكره الهيثمى فى المجمع (7/ 153) وقال: رواه أحمد والبزار والطبرانى وفيه عاصم بن بهدلة وهو ثقة، وفيه كلام لا يضر، وذكر له طرقا أخرى.
(¬7) تقدم.
(¬8) تقدم.
(¬9) ذكره الهيثمى فى المجمع (7/ 156 - 157) وقال: رواه الطبرانى وفيه عيسى بن قرطاس وهو متروك، وزيد هو زيد بن أرقم بن زيد بن قيس، أبو عمر وقيل أبو عامر، الخزرجى الأنصارى، صحابى، غزا مع النبى صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة. روى عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن على رضى الله عنه، وعنه أنس بن مالك كتابة وأبو إسحاق السبيعى وعبد الرحمن بن أبى ليلى، وأبو عمر الشيبانى وغيرهم، وهو الذى أنزل الله تصديقه فى سورة المنافقين. وله فى كتب الحديث 80 حديثا توفى سنة 68 هـ. ينظر: الإصابة (1/ 560)، وأسد الغابة (2/ 219)، وتهذيب التهذيب (3/ 394)، والأعلام (3/ 395).
(¬10) تقدمت ترجمته.
والكلام عليه من عشرة أوجه:
وسمرة (¬1) وعمر بن أبى سلمة (¬2) وأبو جهيم (¬3) وأبو طلحة الأنصارى (¬4) وأم أيوب الأنصارية (¬5).
وروى أبو يعلى الموصلى أن عثمان قال يوما على المنبر:
أذكر بأن رجلا سمع النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ القرآن نزل ... » (¬6) الحديث، فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا أنه قاله، فقال عثمان: وأنا أشهد معكم.
والكلام عليه من عشرة أوجه:
الأول- فى سبب وروده على سبعة [أحرف] (¬7):
وهو التخفيف على هذه الأمة، وإرادة [الله] (¬8) اليسر بها، وإجابة لمقصد (¬9) نبيها صلى الله عليه وسلم
¬
_
(¬1) أخرجه أحمد (5/ 16، 22) وقال الهيثمى فى المجمع (7/ 155): رواه أحمد والبزار والطبرانى فى الثلاثة ورجال أحمد وأحد إسنادى الطبرانى والبزار رجال الصحيح، وسمرة هو سمرة بن جندب ابن هلال بن جريج الفزارى. صحابى، من الشجعان القادة. نشأ فى المدينة ونزل البصرة. فكان زياد يستخلفه عليها إذا سار إلى الكوفة. روى عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن أبى عبيدة. وعنه ابناه
سليمان وسعد، وعبد الله بن بريدة وغيرهم توفى سنة 60 هـ. ينظر: الإصابة (2/ 78)، وتهذيب التهذيب (4/ 236).
(¬2) ذكره الهيثمى فى المجمع (7/ 156) وقال: رواه الطبرانى وفيه عمار بن مطر وهو ضعيف جدّا وقد وثقه بعضهم وعمر هو عمر بن أبى سلمة، عبد الله بن عبد الأسد بن هلال المخزومى. صحابى له اثنا عشر حديثا، اتفقا على حديثين. وروى عنه ابنه محمد وعروة. ولد بالحبشة ومات سنة ثلاث وثمانين. ينظر: الخلاصة (2/ 271).
(¬3) أخرجه أحمد (4/ 169 - 170) والبغوى فى شرح السنة (3/ 43 - 44) وانظر كنز العمال للهندى (3099، 3104) وأبو جهيم بهاء مصغرا ابن الحارث بن الصمة الأنصارى الخزرجى. قيل اسمه عبد الله له أحاديث. اتفقا على حديثين. وروى عنه بشر بن سعيد وعبد الله بن يسار. ينظر:
الخلاصة (3/ 209).
(¬4) ذكره الهيثمى فى المجمع (7/ 153 - 154) وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات وأبو طلحة زيد بن سهل ابن الأسود بن حرام بمهملة ابن عمرو النجارى أبو طلحة المدنى شهد بدرا والمشاهد، وكان من نقباء الأنصار. قيل: مات سنة أربع وثلاثين وصلى عليه عثمان. وقال أنس: عاش بعد النبى صلى الله عليه وسلم أربعين سنة وهذا أثبت. ينظر: الخلاصة (1/ 352).
(¬5) أخرجه الحميدى (340) وأحمد (6/ 433، 462) وقال الهيثمى فى المجمع (7/ 157): رواه الطبرانى ورجاله ثقات وأم أيوب هى أم أيوب الأنصارية، زوجة أبى أيوب الأنصارى. وهى ابنة قيس ابن سعيد بن قيس بن عمرو بن امرئ القيس، من الخزرج. روى الحميدى، عن ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبى يزيد، عن أبيه أن أم أيوب الأنصارية أخبرته قالت: نزل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلفنا له طعاما فيه بعض هذه البقول، فكرهه، وقال لأصحابه «كلوا، إنى لست كأحدكم، إنى أكره أن أوذى صاحبى». قال الحميدى: قال سفيان: ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى النوم فقلت: يا رسول الله، هذا الحديث الذى تحدث به أم أيوب عنك «إن الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنو آدم» قال: «حق». ينظر:
الاستيعاب (4/ 479) (3558).
(¬6) ذكره الهيثمى فى المجمع (7/ 155) وقال رواه أبو يعلى وفيه راو لم يسم.
(¬7) سقط فى ز.
(¬8) زيادة من د.
(¬9) فى د، ص، م: لقصد.
حيث قال: «أسأل الله معافاته» كما تقدم. وفى الصحيح أيضا: «إنّ ربّى أرسل إلىّ أن اقرءوا (¬1) القرآن على حرف، فرددت عليه أن هوّن على أمّتى. ولم (¬2) يزل يردد (¬3) حتّى بلغ سبعة أحرف». كما ثبت أن القرآن أنزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف، وأن الكتاب الذى (¬4) قبله كان ينزل (¬5) من باب واحد على حرف واحد؛ وذلك أن الأنبياء- عليهم السلام- كانوا يبعثون إلى قومهم والنبى صلى الله عليه وسلم بعث إلى جميع الخلق، وكانت لغة العرب الذين (¬6) نزل القرآن بلغتهم مختلفة، ويعسر على أحدهم الانتقال من لغته إلى غيرها، بل من حرف إلى آخر ولو بالتعليم والعلاج، لا سيما الشيخ والمرأة ومن لم يقرأ كتابا كما فى الحديث المتقدم.
ولذلك اختلفوا فى جواز القراءة بغير لغة العرب على أقوال، ثالثها: إن عجز عن العربى جاز وإلا فلا.
قال ابن قتيبة (¬7): من تيسير الله تعالى أن أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقرئ (¬8) كل أمة بلغتهم؛ فالهذلى يقرأ: عتى حين [المؤمنون: 25]، والأسدي تِعلمون وتِعلم/ وأ لم إعهد [يس: 60] [والتميمى] (¬9) يهمز، والقرشى لا يهمز، والآخر [يقرأ] (¬10) قِيلَ لَهُمْ [البقرة: 11]، وَغِيضَ الْماءُ [هود: 44] بإشمام الكسر وما لَكَ لا تَأْمَنَّا [يوسف: 11] بإشمام الضم. انتهى.
[ومنهم من] (¬11) يقرأ عليهمُ بالصلة، وغيره بالضم، وهذا ينقل، وهذا يميل، وهذا يلطّف، إلى غير ذلك، ولو أراد كل فريق أن ينتقل عما جرت عادته به (¬12) لشق ذلك عليه؛
¬
_
(¬1) فى م، ص: اقرأ.
(¬2) فى م: فلم.
(¬3) سقط فى م، والحديث فى صحيح مسلم (273/ 820).
(¬4) فى م: الكتب التى.
(¬5) فى م: كانت تنزل.
(¬6) فى م: التى، وفى د: الذى.
(¬7) هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة، أبو محمد، الدينورى. من أئمة الأدب، ومن المصنفين المكثرين، عالم مشارك فى أنواع من العلوم، كاللغة والنحو وغريب القرآن ومعانيه وغريب الحديث والشعر والفقه والأخبار وأيام الناس وغير ذلك. سكن بغداد وحدث بها وولى قضاء دينور توفى سنة 276 هـ.
من تصانيفه: «تأويل مختلف الحديث»، «الإمامة والسياسة»، و «مشكل القرآن»، و «المسائل والأجوبة»، و «المشتبه من الحديث والقرآن». ينظر: شذرات الذهب (2/ 169)، والنجوم الزاهرة (3/ 75)، وتذكرة الحفاظ (2/ 185)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 281)، والأعلام (4/ 280).
(¬8) فى ص: أن يقرأ.
(¬9) سقط فى ص.
(¬10) زيادة من م.
(¬11) فى د، ز، ص: ومنه أن هذا.
(¬12) فى د: له، وسقط فى ص.
الثانى فى معنى الأحرف:
فأراد الله تعالى برحمته التوسعة لهم فى اللغات كتيسيره عليهم فى الدين.
الثانى (¬1) فى معنى الأحرف:
قال أهل اللغة: حرف كل شىء: طرفه، ووجهه، وحافته، وحده، وناحيته، والقطعة منه.
والحرف أيضا: واحد حروف التهجى.
قال الدانى: تحتمل (¬2) الأحرف هنا وجهين:
أحدهما: أن القرآن أنزل على سبعة أوجه (¬3) من اللغات؛ لأن الحرف يراد به الوجه؛ كقوله تعالى: مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [الحج: 11] أى: وجه مخصوص: وهو النعمة والخير وغيرهما، فإذا استقامت له اطمأن وعبد الله، وإذا تغيرت عليه ترك العبادة.
والثانى: أنه سمى القراءات (¬4) أحرفا على طريق السعة (¬5)، كعادة العرب فى تسميتهم الشيء باسم ما هو منه وما قاربه وجاوره (¬6)، فسمى القراءة (¬7) حرفا، وإن كان كلاما (¬8) كثيرا؛ من أجل [أن منها] (¬9) حرفا قد غير نظمه، أو كسر، أو قلب إلى غيره، أو أميل (¬10)، أو زيد، أو نقص منه، على ما جاء فى المختلف فيه من القراءة، فسمى القراءة إذا كان ذلك الحرف منها حرفا.
قال الناظم: والأول يحتمل (¬11) احتمالا قويّا فى قوله صلى الله عليه وسلم: «سبعة أحرف» أى:
[سبعة] (¬12) أوجه وأنحاء. والثانى يحتمل (¬13) [احتمالا] (¬14) قويّا فى قول عمر: سمعت هشاما يقرأ سورة الفرقان على حروف كثيرة، [أى على قراءات كثيرة] (¬15)، وكذا قوله فى الرواية الأخرى: سمعته يقرأ فيها أحرفا (¬16).
¬
_
(¬1) زاد فى م: من الوجوه العشرة.
(¬2) فى د، ز: يحتمل.
(¬3) فى م: أحرف.
(¬4) فى م: القرآن.
(¬5) فى ص: السبعة.
(¬6) فى م: وما جاوره.
(¬7) فى م: القرآن، وفى ص: القراءات.
(¬8) فى م: كاملا.
(¬9) فى ز: أنها.
(¬10) فى م: أو وصل.
(¬11) فى ص، د: محتمل.
(¬12) زيادة من ص.
(¬13) فى ص، ز: متحمل.
(¬14) زيادة من م، ص.
(¬15) ما بين المعقوفين سقط فى م، ص.
(¬16) الحرف من حروف الهجاء: معروف واحد حروف التهجى. والحرف: الأداة التى تسمى الرابطة لأنها تربط الاسم بالاسم والفعل بالفعل كعن وعلى ونحوهما، قال الأزهرى: كل كلمة بنيت أداة عارية فى الكلام لتفرقة المعانى فاسمها حرف، وإذا كان بناؤها بحرف أو فوق ذلك مثل حتى وهل وبل ولعل، وكل كلمة تقرأ على الوجوه من القرآن تسمى حرفا، تقول: هذا فى حرف ابن مسعود أى فى قراءة ابن مسعود. قال ابن سيده: والحرف: القراءة التى تقرأ على أوجه، وما جاء فى الحديث
الثالث: ما المقصود بهذه السبعة؟
الثالث: ما المقصود بهذه السبعة؟
فأقول: أجمعوا أولا على أن المقصود ليس هو أن يقرأ الحرف الواحد على سبعة أوجه (¬1)؛ إذ لا يوجد ذلك إلا فى كلمات يسيرة نحو أُفٍّ [الإسراء: 23] ولِجِبْرِيلَ [البقرة: 97] وهَيْهاتَ [المؤمنون: 36] وهَيْتَ [يوسف: 23] وعلى أنه ليس المراد بالسبعة: هؤلاء المشهورين؛ لعدم وجودهم فى ذلك الوقت.
ثم اختلفوا فقال أكثرهم: هى لغات، ثم اختلفوا فى تعيينها:
فقال أبو عبيد: (قريش) و (هذيل) و (ثقيف) و (هوازن) و (كنانة) و (تميم) و (اليمن).
وقال غيره: خمس لغات فى أكناف هوازن: (سعد) و (ثقيف) و (كنانة) و (هذيل) و (قريش)، ولغتان على جميع ألسنة العرب.
¬
_
من قوله عليه السلام: «نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف»، أراد بالحرف اللغة.
قال أبو عبيد وأبو العباس: نزل على سبع لغات من لغات العرب.
قال: وليس معناه أن يكون فى الحرف الواحد سبعة أوجه، هذا لم يسمع به، قال: ولكن يقول هذه اللغات متفرقة فى القرآن، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة أهل اليمن، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة هذيل وكذلك سائر اللغات ومعانيها فى هذا كله واحد.
وقال غيره: وليس معناه أن يكون فى الحرف الواحد سبعة أوجه، على أنه قد جاء فى القرآن ما قد قرئ بسبعة وعشرة نحو مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4] ووَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ [المائدة: 60] ومما يبين ذلك قول ابن مسعود: إنى قد سمعت القراء فوجدتهم متقاربين، فاقرءوا كما علمتم إنما هو كقول أحدكم هلم وتعال وأقبل.
قال ابن الأثير: وفيه أقوال غير ذلك، هذا أحسنها.
والحرف فى الأصل: الطرف والجانب، وبه سمى الحرف من حروف الهجاء.
وروى الأزهرى عن أبى العباس أنه سئل عن قوله: نزل القرآن على سبعة أحرف فقال: ما هى إلا لغات.
قال الأزهرى: فأبو العباس النحوى، وهو واحد عصره قد ارتضى ما ذهب إليه أبو عبيد واستصوبه.
قال: وهذه الأحرف السبعة التى معناها اللغات غير خارجة من الذى كتب فى مصاحف المسلمين التى اجتمع عليها السلف المرضيون والخلف المتبعون. فمن قرأ بحرف لا يخالف المصحف بزيادة أو نقصان أو تقديم مؤخر أو تأخير مقدم، وقد قرأ به إمام من أئمة القراء المشتهرين فى الأمصار، فقد قرأ بحرف من الحروف السبعة التى نزل القرآن بها.
ومن قرأ بحرف شاذ يخالف المصحف وخالف فى ذلك جمهور القراء المعروفين فهو غير مصيب، وهذا مذهب أهل العلم الذين هم القدوة ومذهب الراسخين فى علم القرآن قديما وحديثا، وإلى هذا أومأ أبو العباس النحوى وأبو بكر بن الأنبارى فى كتاب له ألفه فى اتباع ما فى المصحف الإمام، ووافقه على ذلك أبو بكر بن مجاهد مقرئ أهل العراق وغيره من الأثبات المتقنين، قال: ولا يجوز عندى غير ما قالوا، والله تعالى يوفقنا للاتباع ويجنبنا الابتداع.
ينظر: لسان العرب (2/ 837 - 838).
(¬1) فى م: أحرف.
وقال الهروى: سبع لغات من لغات العرب، أى: أنها متفرقة فى القرآن، فبعضه بلغة (قريش)، وبعضه بلغة (هذيل)، وبعضه بلغة (هوازن)، وبعضه بلغة (اليمن).
وفى هذه الأقوال كلها نظر؛ فإن عمر وهشاما اختلفا فى سورة الفرقان، وكلاهما قرشيان من لغة واحدة.
وقيل: المراد بها: معانى الأحكام كالحلال، والحرام، والمحكم والمتشابه، والأمثال، والإنشاء، والإخبار.
وقيل: الناسخ، والمنسوخ، والخاص والعام، والمجمل، والمبين، والمفسر.
وقيل: الأمر، والنهى، والطلب، والدعاء والخبر، والاستخبار، والزجر (¬1).
وقيل: الوعد، والوعيد، والمطلق والمقيد، والتفسير (¬2)، والإعراب، والتأويل.
وفى هذه الأقوال أيضا نظر؛ فإن سببه- وهو اختلاف عمر وهشام- لم يكن إلا فى قراءة حروفه، لا فى تفسيره ولا أحكامه.
فإن قلت (¬3): فما تقول فيما رواه الطبرانى (¬4) من حديث عمر بن أبى سلمة (¬5) المخزومى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود: «إنّ الكتب كانت تنزل من السّماء من باب واحد (¬6)، وإنّ القرآن أنزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف: حلال، وحرام، ومتشابه، وضرب أمثال، وأمر، وزجر (¬7) ... » الحديث (¬8).
فالجواب: إما بأن هذه السبعة غير السبعة التى فى تلك الأحاديث؛ لأنه فسرها، وقال فيه: فأحل حلاله، وحرم حرامه، ثم أكده بالأمر فقال فيه: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا [آل عمران: 7]. أو بأن السبعة فيهما متحدان، ويكون قوله: «حلال وحرام» تفسيرا للسبعة الأبواب، أو بأن قوله: «حلال وحرام ... » إلخ، لا تعلق له بالسبعة، بل إخبار عن القرآن، أى: هو كذا وكذا، واتفق كونه بصفات سبع كذلك (¬9).
¬
_
(¬1) فى د: الرجز.
(¬2) فى م: والتغير.
(¬3) فى م: ما تقول.
(¬4) فى ص: الطبرى.
(¬5) فى م: عمرو بن سلمة، وفى ص: عمرو بن أبى سلمة.
(¬6) فى م: على حرف واحد.
(¬7) فى ز: آمر وزاجر، وفى ص: وأوامر وزجر.
(¬8) تقدم.
(¬9) والقائلون بهذا اختلفوا فى تعيين السبعة:
فقيل: زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال. حكاه ابن حبان عن بعض العلماء، وحكى السيوطى عن بعضهم مثله إلا أنه استبدل بالزجر النهى.
وقيل: حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال وإنشاء وإخبار.
¬
_
وقيل: ناسخ ومنسوخ وخاص وعام ومجمل ومبين ومفسر.
وقيل: أمر ونهى وطلب ودعاء وخبر واستخبار وزجر.
وقيل: وعد ووعيد ومطلق ومقيد وتفسير وإعراب وتأويل. وهذه الأقوال الأربعة الأخيرة حكاها ابن الجزرى فى النشر.
وقيل: المطلق والمقيد، والعام والخاص، والنص والمؤول، والناسخ والمنسوخ، والمجمل والمفصل، والاستثناء، والأقسام. حكاه شيذلة عن الفقهاء.
وقيل: الحذف والصلة والتقديم والتأخير، والاستعارة والتكرار والكناية والحقيقة والمجاز، والمجمل والمفصل، والظاهر والغريب. حكاه شيذلة عن أهل اللغة.
وقيل: التذكير والتأنيث، والشرط والجزاء، والتصريف والإعراب، والأقسام وجوابها، والجمع والإفراد، والتصغير والتعظيم، واختلاف الأدوات. حكاه عن النحاة.
وقيل: سبعة أنواع من المعاملات: الزهد والقناعة مع اليقين والجزم، والخدمة مع الحياء، والكرم والفتوة مع الفقر، والمجاهدة والمراقبة مع الخوف والرجاء، والتذرع والاستغفار مع الرضا، والشكر والصبر مع المحاسبة، والمحبة والشوق مع المشاهدة. حكاه عن الصوفية.
وقيل: سبعة علوم: علم الإنشاء والإيجاد، وعلم التوحيد والتنزيه، وعلم صفات الذات، وعلم صفات الفعل، وعلم صفات العفو والعذاب، وعلم الحشر والحساب، وعلم النبوات.
وحكى ابن حبان أقوالا ونقلها عنه السيوطى فى الإتقان ما يلى:
قيل: حلال وحرام وأمر ونهى وزجر وخبر ما هو كائن بعده وأمثال.
وقيل: وعد ووعيد وحلال وحرام ومواعظ وأمثال واحتجاج.
وقيل: أمر ونهى وبشارة ونذارة وأخبار وأمثال.
وقيل: محكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ وخصوص وعموم وقصص.
وقيل: أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل.
وقيل: أمر ونهى وحد وعلم وسر وظهر وبطن.
وقيل: ناسخ ومنسوخ ووعد ووعيد ورغم وتأديب وإنذار.
وقيل: حلال وحرام وافتتاح وأخبار وفضائل وعقوبات.
وقيل: أوامر وزواجر وأمثال وأنباء وعتب ووعظ وقصص.
وقيل: حلال وحرام وأمثال ومنصوص وقصص وإباحات.
وقيل: ظهر وبطن وفرض وندب وخصوص وعموم وأمثال.
وقيل: أمر ونهى ووعد ووعيد وإباحة وإرشاد واعتبار.
وقيل: مقدم ومؤخر وفرائض وحدود ومواعظ ومتشابه وأمثال.
وقيل: مقيس ومجمل ومقضى وندب وحتم وأمثال.
وقيل: أمر حتم، وأمر ندب ونهى حتم ونهى ندب وأخبار وإباحات.
وقيل: أمر فرض ونهى حتم وأمر ندب ونهى مرشد ووعد ووعيد وقصص.
وقيل: سبع جهات لا يتعداها الكلام: لفظ خاص أريد به الخاص ولفظ عام أريد به العام، ولفظ عام أريد به الخاص، ولفظ خاص أريد به العام، ولفظ يستغنى بتنزيله عن تأويله، ولفظ لا يعلم فقهه إلا العلماء، ولفظ لا يعلم معناه إلا الراسخون.
وقيل: إظهار الربوبية وإثبات الوحدانية وتعظيم الألوهية والتعبد لله ومجانبة الإشراك والترغيب فى الثواب والترهيب من العقاب.
¬
_
وقيل: تصريف ومصادر وعروض وغريب وسجع ولغات مختلفة كلها فى شىء واحد.
وقيل: هى آية فى صفات الذات، وآية تفسيرها فى آية أخرى، وآية بيانها فى السنة الصحيحة، وآية فى قصة الأنبياء والرسل، وآية فى خلق الأشياء، وآية فى وصف الجنة، وآية فى وصف النار وقيل:
آية فى وصف الصانع، وآية فى إثبات الوحدانية له، وآية فى إثبات صفاته، وآية فى إثبات رسله، وآية فى إثبات كتبه، وآية فى إثبات الإسلام، وآية فى نفى الكفر.
وقيل: سبع جهات من صفات الذات التى لا يقع عليها التكييف.
وقيل: الإيمان بالله، ومجانبة الشرك وإثبات الأوامر ومجانبة الزواجر والثبات على الإيمان وتحريم ما حرم الله وطاعة رسوله.
ثم هذه الأقوال كلها، لم تنسب لأحد من أهل العلم معين، ولم يذكر لها مستند إلا القول الأول منها فقد استدل قائلوه بما أخرجه الحاكم والبيهقى وغيرهما عن ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد وعلى حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال ... » الحديث. وبما أخرجه الطبرانى من حديث عمر بن أبى سلمة المخزومى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود: «إن الكتب كانت تنزل من السماء من باب واحد وإن القرآن أنزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف حلال وحرام ومحكم ومتشابه وضرب أمثال وآمر وزاجر ... » الحديث.
ويناقش هذا الاستدلال بأنه معارض بالأحاديث الصحيحة الكثيرة التى يدل سياقها على أن المراد بالأحرف أن الكلمة تقرأ على وجهين وثلاثة إلى سبعة تيسيرا وتهوينا. والشيء الواحد لا يكون حلالا حراما فى آية واحدة.
قال ابن أبى عمران: تأويل الأحرف بالأصناف عندى فاسد لأن الحرف الذى أمر جبريل النبى صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه محال أن يكون حراما لا ما سواه. أو يكون حلالا لا ما سواه لأنه لا يحتمل أن يقرأ القرآن على أنه حرام كله ولا أنه حلال كله. اه.
وقال ابن عطية: هذا القول ضعيف لأن الإجماع على أن التوسعة لم تقع فى تحريم حلال ولا تحليل حرام، ولا فى تغيير شىء من المعانى المذكورة. اه.
وقال الماوردى: هذا القول خطأ لأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف، وإبدال حرف بحرف، وقد أجمع المسلمون على تحريم إبدال آية أمثال بآية أحكام. اه.
وقال ابن جرير: معلوم أن تماريهم- يعنى الصحابة- فيما تماروا فيه لو كان تماريا واختلافا فيما دلت عليه تلاواتهم من التحليل والتحريم والوعد والوعيد وما أشبه ذلك لكان مستحيلا أن يصوب جميعهم صلى الله عليه وسلم، ويأمر كل قارئ منهم أن يلزم قراءته فى ذلك على النحو الذى هو عليه، لأن ذلك لو جاز أن يكون صحيحا وجب أن يكون الله جل ثناؤه قد أمر بفعل شىء بعينه وفرضه فى تلاوة من دلت تلاوته على فرضه، ونهى عن فعل ذلك الشيء بعينه وزجر عنه فى تلاوة الذى دلت تلاوته على النهى والزجر عنه، وأباح وأطلق فعل ذلك الشيء بعينه وجعل لمن شاء من عباده أن يفعله- فعله، ولمن شاء منهم أن يتركه- تركه؛ فى تلاوة من دلت تلاوته على التخيير، وذلك من قائله- إن قاله- إثبات ما قد نفى الله جل ثناؤه عن تنزيله وحكم كتابه، فقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء: 82] وفى نفى الله جل ثناؤه ذلك عن حكم كتابه أوضح الدليل على أنه لم ينزل كتابه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلا بحكم واحد متفق فى جميع خلقه، لا بأحكام فيهم مختلفة؛ وفى صحة كون ذلك كذلك ما يبطل دعوى من ادعى أن الأحرف هى المعانى فى تأويل قول النبى صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف للذين تخاصموا إليه عند اختلافهم فى قراءتهم لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمر جميعهم بالثبوت على قراءته، ورضى قراءة كل قارئ منهم على خلافها
¬
_
قراءة خصومه ومنازعيه فيها، وصوبها، ولو كان ذلك منه تصويبا فيما اختلفت فيه المعانى، وكان قوله صلى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» إعلاما منه لهم أنه نزل بسبعة أوجه مختلفة وسبعة معان مفترقة، كان ذلك إثباتا لما قد نفى الله عن كتابه من الاختلاف، ونفيا لما قد أوجب لهم من الائتلاف؛ مع أن فى قيام الحجة بأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقض فى شىء واحد فى وقت واحد بحكمين مختلفين؛ ولا أذن بذلك لأمته- ما يغنى عن الإكثار فى الدلالة على أن ذلك منفى عن كتاب الله. اه.
وبهذا يعلم أن الحديث المذكور مردود إن لم يمكن الجمع بينه وبين الأحاديث الكثيرة الصحيحة. وقد جمع بينهما العلماء بأوجه فقال البيهقى: المراد بالسبعة الأحرف هنا الأنواع التى نزل عليها والمراد بها فى تلك الأحاديث اللغات التى يقرأ بها. اه.
وقال القاضى ابن الطيب: ليست هذه هى التى أجاز لهم القراءة بها وإنما الحرف فى هذه بمعنى الجهة والطريقة؛ ومنه قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [الحج: 11] فكذلك معنى هذا الحديث على سبع طرائق من تحليل وتحريم وغير ذلك. اه.
وقال أبو على الأهوازى، وأبو العلاء الهمدانى: قوله فى الحديث: «زاجر وآمر .. » إلخ استئناف كلام آخر: أى هو زاجر أى القرآن ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة؛ وإنما توهم ذلك من توهمه من جهة الاتفاق فى العدد؛ ويؤيده أنه جاء فى بعض طرقه: زاجرا وآمرا ... إلخ. بالنصب: أى نزل على هذه الصفة من الأبواب السبعة. اه.
وقال أبو شامة: يحتمل أن يكون التفسير المذكور للأبواب لا للأحرف أى هى سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه، وأنزله الله على هذه الأصناف لم يقتصر منها على صنف واحد كغيره من الكتب. اه.
وقال ابن جرير: وأما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إن الكتاب الأول نزل من باب واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب فإنه صلى الله عليه وسلم عنى بقوله: «نزل الكتاب الأول من باب واحد» والله أعلم: ما نزل من كتب الله على من أنزله من أنبيائه خاليا من الحدود والأحكام والحلال والحرام، كزبور داود الذى إنما هو تذكير ومواعظ، وإنجيل عيسى الذى هو تمجيد ومحامد وحض على الصفح والإعراض دون غيرها من الأحكام والشرائع، وما أشبه ذلك من الكتب التى نزلت ببعض المعانى السبعة التى يحوى جميعها كتابنا الذى خص الله به نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته. فلم يكن المتعبدون بإقامته يجدون لرضا الله- تعالى ذكره- مطلبا ينالون به الجنة ويستوجبون منه القربة إلا من الوجه الواحد الذى أنزل به كتابهم وذلك هو الباب الواحد من أبواب الجنة الذى نزل منه ذلك الكتاب وخص الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته بأن أنزل عليهم كتابه على أوجه سبعة، من الوجوه التى ينالون بها رضوان الله، ويدركون بها الفوز بالجنة إذا أقاموها، فلكل وجه من أوجهه السبعة باب من أبواب الجنة الذى نزل منه القرآن، لأن العامل بكل وجه من أوجهه السبعة، عامل فى باب من أبواب الجنة، وطالب من قبله الفوز بها، والعمل بما أمر الله- جل ذكره- فى كتابه، باب من أبواب الجنة، وترك ما نهى الله عنه فيه، باب آخر ثان من أبوابها، وتحليل ما أحل الله فيه، باب ثالث من أبوابها، وتحريم ما حرم الله فيه؛ باب رابع من أبوابها، والإيمان بحكمه المبين؛ باب خامس من أبوابها، والتسليم لمتشابهه الذى استأثر الله بعلمه وحجب علمه عن خلقه والإقرار بأن كل ذلك من عند ربه؛ باب سادس من أبوابها، والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بعظاته، باب سابع من أبوابها. فجميع ما فى القرآن من حروفه السبعة، وأبوابه السبعة التى نزل منها، جعله الله لعباده إلى رضوانه هاديا، ولهم إلى الجنة قائدا، فذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «نزل القرآن من سبعة أبواب الجنة». اه.
الرابع - فى تحديدها بسبعة دون غيرها:
الرابع- فى تحديدها بسبعة دون غيرها:
فقال (¬1) الأكثرون: إن قبائل العرب تنتهى إلى سبعة، أو إن اللغات الفصحى سبعة، وفيهما نظر.
وقيل: ليس المراد حقيقة السبعة، بل عبر بها عن مطلق التيسير والسعة، وأنه لا حرج عليهم فى قراءته بما هو من لغات العرب، من حيث إن الله تعالى (¬2) أذن لهم فى ذلك، والعرب يطلقون السبع (¬3) والسبعين والسبعمائة، [ويريدون] (¬4) به الكثرة والمبالغة من غير حصر.
وهذا جيد لولا أن الحديث يأباه؛ فإنه ثبت (¬5) فى الحديث من غير وجه: «أنّه لمّا أتاه
¬
_
وقال الحافظ ابن حجر: ومما يوضح أن قوله: «زاجر وآمر ... » إلخ ليس تفسيرا للأحرف السبعة، ما وقع فى مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب عقب حديث ابن عباس: قال ابن شهاب بلغنى أن تلك الأحرف السبعة إنما هى فى الأمر الذى يكون واحدا لا يختلف فى حلال ولا حرام. اه.
وحاصل هذه الآراء الجمع بأحد أوجه ثلاثة ذكرها ابن الجزرى فى النشر فقال بعد الاستشكال بحديث الطبرانى السابق ما نصه:
فالجواب عنه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن هذه السبعة غير السبعة الأحرف التى ذكرها النبى صلى الله عليه وسلم فى تلك الأحاديث، وذلك من حيث فسرها فى هذا الحديث فقال: «حلال وحرام ... » إلخ، وأمر بإحلال حلاله وتحريم حرامه ... إلخ، ثم أكد ذلك بالأمر بقول: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا فدل على أن هذه غير تلك القراءات.
الثانى: أن السبعة الأحرف فى هذا الحديث هى هذه المذكورة فى الأحاديث الأخرى التى هى الأوجه والقراءات ويكون قوله: «حلال وحرام ... » إلخ: تفسيرا للسبعة الأبواب .. والله أعلم.
الثالث: أن يكون قوله: «وحلال وحرام ... » إلخ لا تعلق له بالسبعة الأحرف، ولا بالسبعة الأبواب، بل إخبار عن القرآن: أى هو كذا وكذا، واتفق كونه بصفات سبع كذلك. اه.
والمتأمل فى هذه الأجوبة يرى أن الجواب الأول والثانى منها لا يصحان لأنهما يقتضيان أن الكتب الأخرى أنزلت على نوع واحد من الحلال والحرام ... إلخ.
وهذا مخالف للواقع، فإن التوراة فيها حلال وحرام، وأمر وزجر وأمثال، وغيرها، اللهم إلا أن يقال: إن المراد بالكتاب الأول بعض الكتب الأولى كالزبور لا كلها، كما تقدم فى كلام ابن جرير، لكن هذا بعيد عن ظاهر الخبر، فالأقرب أن يراد بالأحرف والأبواب القراءات وأن يكون قوله:
«حلال وحرام ... » إلخ، استئناف كلام كما هو الجواب الثالث.
على أن الحديث المرفوع المروى عن ابن مسعود منقطع كما تقدم، وقد روى موقوفا عليه، ولا حجة فى الموقوف خصوصا إذا عارض المرفوع الصحيح. وبهذا يعلم أن تفسير الأحرف السبعة بالأصناف لا يصح.
ينظر: رسالة: عبد التواب عبد الجليل: معنى الأحرف السبعة (46 - 52).
(¬1) فى م: قال.
(¬2) فى م: سبحانه.
(¬3) فى س: السبعة.
(¬4) سقط فى م.
(¬5) فى ز: يثبت.
جبريل بحرف واحد قال [له] (¬1) ميكائيل: استزده. وأنه سأل الله تعالى التهوين على أمته، فأتاه على حرفين، وأمره (¬2) ميكائيل بالاستزادة، [وأنه] (¬3) سأل الله تعالى التخفيف فأتاه بثلاثة ولم يزل كذلك حتى (¬4) بلغ سبعة أحرف».
وفى حديث أبى بكرة: «فنظرت إلى ميكائيل فسكت فعلمت أنّه قد انتهت العدّة) فدل (¬5) على إرادة حقيقة العدد وانحصاره.
قال المصنف: ولى نيف وثلاثون سنة أمعن النظر فى هذا الحديث، حتى فتح الله على بشيء أرجو أن يكون هو الصواب (¬6)، وذلك أنى تتبعت القراءات كلها، فإذا اختلافها يرجع إلى سبعة أوجه خاصة:
إما فى الحركات بلا تغير فى المعنى والصورة، نحو (البخل) بأربعة (¬7) و (يحسب) بوجهين.
أو (بتغير) (¬8) فى المعنى فقط، نحو: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ [البقرة: 37].
وإما فى الحروف [بتغير] (¬9) فى المعنى لا [فى] (¬10) الصورة، نحو تَبْلُوا [يونس: 30] تَتْلُوا [البقرة: 102].
أو عكسه (¬11) نحو الصِّراطَ والسراط [الفاتحة: 6].
أو بتغييرهما نحو: أَشَدَّ مِنْكُمْ ومِنْهُمْ [غافر: 21].
وإما فى التقديم والتأخير، نحو فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ [التوبة: 111].
أو فى الزيادة والنقصان، نحو: وَوَصَّى وأوصى (¬12) [البقرة: 132]، والذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى [النجم: 21].
وأما نحو اختلاف الإظهار، والروم، والتفخيم (¬13)، والمد، والإمالة، والإبدال، والتحقيق: والنقل، وأضدادها، مما (¬14) يعبر عنه بالأصول- فليس من الخلاف الذى
يتنوع فيه اللفظ أو المعنى؛ لأن هذه الصفات المتنوعة فى أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا.
¬
_
(¬1) سقط فى م.
(¬2) فى م، د: فأمره.
(¬3) زيادة من م.
(¬4) فى ص: إلى أن.
(¬5) فى م: قال.
(¬6) فى د: صوابا.
(¬7) فى ص: البخل باثنين.
(¬8) فى م: ويتغير.
(¬9) سقط فى م.
(¬10) سقط فى م، ز.
(¬11) فى م: وعكسه.
(¬12) فى ص: وَسارِعُوا، سارِعُوا.
(¬13) فى م: التخفيف.
(¬14) فى ص: بما.
الخامس فى أن اختلاف هذه السبعة على أى وجه يتوجه؟
ثم رأيت الإمام أبا الفضل الرازى (¬1) حاول ما ذكرته، وكذلك ابن قتيبة، والله تعالى أعلم.
الخامس فى أن (¬2) اختلاف (¬3) هذه السبعة على أى وجه يتوجه؟
وهو يتوجه على أنحاء ووجوه مع السلامة من التضاد والتناقض:
فمنها (¬4) ما يكون لبيان حكم مجمع عليه، كقراءة: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ من أم [النساء: 12]، فإنها تثبت (¬5) أن الأخوة للأمومة (¬6)، وهو مجمع عليه.
ومنها ما يكون مرجحا لحكم اختلف فيه، كقراءة: أو تحرير رقبة مؤمنة [المائدة: 89] فى كفارة اليمين ففيها (¬7) ترجيح غير مذهب أبى حنيفة عليه.
ومنها ما يكون للجمع بين حكمين مختلفين، كقراءتى (¬8): يَطْهُرْنَ [البقرة: 222]، فيجمع بينهما بأن الحائض لا يقربها زوجها حتى تطهر بانقطاع حيضها وتطّهّر بالاغتسال.
ومنها ما يكون لاختلاف حكمين كقراءتى: وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة: 6] فجمع بينهما النبى صلى الله عليه وسلم بأن المسح فرض لابس الخف، والغسل لغيره.
ومنها ما يكون حجة لقول أو مرجحا إلى غير ذلك.
السادس فى هذه الأحرف على كم معنى تشتمل
: وهى راجعة إلى معنيين:
أحدهما: ما اختلف لفظه، واتفق معناه؛ نحو: أرشدنا واهْدِنَا* وكَالْعِهْنِ* والصوف.
والثانى: ما اختلفا معا؛ نحو: قالَ رَبِّي [الأنبياء: 4] وقُلْ رَبِّ*.
وبقى ما اتحد لفظه ومعناه مما يتنوع (¬9) صفة النطق به، كالمدات،
¬
_
(¬1) هو عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار بن إبراهيم بن جبريل بن محمد بن على بن سليمان، أبو الفضل، الرازى، العجلى، الإمام المقرئ، شيخ الإسلام، الثقة، الورع، الكامل، مؤلف كتاب جامع الوقوف وغيره. قال عبد الغافر الفارسى فى تاريخه: كان ثقة جوالا، إماما فى القراءات، أو حد فى طريقته، وكان لا ينزل الخوانق؛ بل يأوى إلى مسجد خراب فإذا عرف مكانه تركه، وإذا فتح عليه بشيء آثر به، وهو ثقة ورع، عارف بالقراءات والروايات، عالم بالأدب والنحو، وهو أشهر من الشمس، وأضوأ من القمر، ذو فنون من العلم، ولد سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، وله شعر رائق فى الزهد. مات فى جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وأربعمائة عن أربع وثمانين سنة. ينظر غاية النهاية (1/ 361).
(¬2) فى م: فى بيان.
(¬3) فى ص: الاختلاف.
(¬4) فى ص: منها.
(¬5) فى ص: ثبتت الأخوة، وفى د: بينت.
(¬6) فى م: للأم يرثون.
(¬7) فى ز: فيها.
(¬8) فى ص، م: كقراءة.
(¬9) فى ز: سوغ.
السابع فى أن هذه السبعة متفرقة فى القرآن:
وتخفيف (¬1) الهمزات، وغيرهما من الأصول، فهذا لا يتنوع به اللفظ ولا المعنى؛ لأن لفظه متحد وكذا معناه.
وهذا ما أشار إليه ابن الحاجب بقوله: السبع متواترة فيما ليس من قبيل الأداء. وهو واهم فى: تفرقته بين حالتى نقله، وقطعه بتواتر الاختلاف اللفظى دون الأدائى، بل هما فى نقلهما واحد، وإذا ثبت ذلك فتواتر هذا أولى؛ إذ اللفظ لا يقوم إلا به، ونص على تواتر ذلك [كله] (¬2) الباقلانى وغيره من الأصوليين، ولم يسبق ابن الحاجب بذلك.
السابع فى أن هذه السبعة (¬3) متفرقة فى القرآن:
ولا شك فى ذلك، بل وفى كل رواية، باعتبار ما اختاره المصنف فى وجه كونها سبعة أحرف، فمن قرأ [ولو] (¬4) بعض القرآن (¬5) بقراءة معينة (¬6) اشتملت على الأوجه المذكورة؛ فإنه [يكون قد] (¬7) قرأ بالأوجه (¬8) السبعة، دون أن يكون قرأ بكل الأحرف السبعة.
وأما قول الدانى: «إن القارئ لرواية إنما قرأ ببعض السبعة» فمبنى (¬9) على قوله: «إن الأحرف هى (¬10) اللغات المختلفة»، ولا شك أن [كل] (¬11) قارئ رواية لا يحرك (¬12) الأحرف ويسكنه أو يرفعه أو ينصبه (¬13) أو يقدمه أو يؤخره (¬14) [لقارئ] (¬15).
الثامن- فى أن المصاحف العثمانية اشتملت على جميع الأحرف السبعة:
وهذه مسألة عظيمة (¬16)، فذهب إلى ذلك جماعة من الفقهاء والقراء والمتكلمين، قالوا: لأن الأمة يحرم عليها إهمال شىء من السبعة.
[وذهب الجمهور إلى أنها مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة] (¬17).
فقط، جامعة للعرضة الأخيرة، لم تترك منها حرفا (¬18)، وهو الظاهر؛ لأن الأحاديث الصحيحة والآثار المستفيضة تدل (¬19) عليه.
¬
_
(¬1) فى م: وتحقيق.
(¬2) سقط فى م.
(¬3) فى م: السبع.
(¬4) سقط فى م.
(¬5) فى م: آية.
(¬6) فى ص: آية معينة.
(¬7) فى م: قد يكون.
(¬8) فى م: الأوجه.
(¬9) فى م: فبان على أن يكون قرأ.
(¬10) فى م: فى.
(¬11) زيادة من م.
(¬12) فى ز: لا تحرك.
(¬13) فى د، ز: وبنصبه.
(¬14) فى د، ز، ص: ويؤخر.
(¬15) سقط فى م.
(¬16) فى م: مظلمة.
(¬17) ما بين المعقوفين سقط فى م.
(¬18) فى ز: لم يزل منها جزءا، وفى ص: لم يترك منها حرفا.
(¬19) فى ز: يدل.
التاسع - فى أن القراءات التى يقرأ بها [اليوم] فى كل الأمصار جميع الأحرف السبعة أو بعضها:
وأجاب الطبرى عن الأول بأن قراءة الأحرف السبعة غير واجبة على الأمة، وقد جعل لهم الخيار فى أى حرف (¬1) قرءوا به، كما فى الأحاديث الصحيحة، [والمقصود الاختصار] (¬2).
التاسع- فى أن القراءات التى يقرأ بها [اليوم] (¬3) فى كل الأمصار جميع الأحرف السبعة أو بعضها:
وهذا ينبنى (¬4) على ما تقدم، فعلى أنه (¬5) [لا يجوز] (¬6) للأمة ترك شىء [مما تقدم] (¬7) من السبعة يدعى (¬8) استمرارها بالتواتر إلى اليوم، وإلا فكل الأمة عصاة مخطئون، وأنت (¬9) ترى ما فى هذا القول؛ فإن القراءات المشهورة اليوم عن السبعة، والعشرة، أو الثلاثة عشر، بالنسبة لما (¬10) كان مشهورا فى الأعصار الأول، كنقطة فى بحر؛ وذلك أن القراء الذين أخذوا عن (¬11) الأئمة المتقدمين لا يحصون والذين أخذوا عنهم أيضا أكثر، وهلم جرّا.
فلما كانت المائة الثالثة، اتسع الخرق وقل الضبط، فتصدى بعضهم لضبط ما رواه من القراءات (¬12)، فأول من جمع القراءات (¬13) فى كتاب: القاسم بن سلام، وجعلهم خمسة وعشرين قارئا مع هؤلاء السبعة، وتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين، وكان بعده أحمد ابن جبير (¬14): جمع كتابا فى قراءة الخمسة من كل مصر واحد، وتوفى سنة ثمان وخمسين ومائتين، وكان بعده القاضى إسماعيل المالكى (¬15) صاحب قالون، جمع فى كتابه عشرين
¬
_
(¬1) فى م: قراءة حرف.
(¬2) سقط فى م.
(¬3) سقط فى م.
(¬4) فى ص: يبنى.
(¬5) فى د: فإن من عنده أنه.
(¬6) فى م: يجوز.
(¬7) زيادة من د.
(¬8) فى م: يرجى.
(¬9) فى م: فأنت.
(¬10) فى م: إلى.
(¬11) فى م: على.
(¬12) فى ص: القرآن.
(¬13) فى ص: القرآن.
(¬14) هو أحمد بن جبير بن محمد بن جعفر بن أحمد بن جبير أبو جعفر وقيل أبو بكر الكوفى نزيل أنطاكية، كان أصله من خراسان سافر إلى الحجاز والعراق والشام ومصر ثم أقام بأنطاكية فنسب إليها كان من أئمة القراء، أخذ القراءة عرضا وسماعا عن الكسائى وعن سليم وعبيد الله بن موسى وكردم المغربى وإسحاق المسيبى صاحبى نافع وعبد الوهاب بن عطاء واليزيدى، وعائذ بن أبى عائذ وحجاج بن محمد الأعور والحسين بن عيسى وعمرو بن ميمون القناد. وعبد الرزاق بن الحسن وعلى بن يوسف وعبيد الله بن صدقة وموسى بن جمهور ومحمد بن سنان الشيزرى، توفى سنة ثمان وخمسين ومائتين يوم التروية ودفن يوم عرفة بعد الظهر بباب الجنان. ينظر: غاية النهاية (1/ 42).
(¬15) هو إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل القاضى، أبو إسحاق. ولد فى البصرة ونشأ بها واستوطن بغداد، فقيه على مذهب مالك. كان إماما علامة فى سائر الفنون والمعارف، فقيها محصلا، على
قارئا منهم هؤلاء السبعة، وتوفى سنة اثنتين وثمانين، وكان بعده أبو جعفر بن جرير الطبرى، جمع فى كتابه نيفا وعشرين قراءة، وتوفى سنة عشر وثلاثمائة، وكان بعده الداجونى (¬1)، جمع كتابا فى القراءات وأدخل معهم أبا جعفر أحد العشرة، وتوفى (¬2) سنة أربع وعشرين (¬3) أى: بعد ثلاثمائة، وكان بعده ابن مجاهد أول من اقتصر على هؤلاء السبعة، وألف الناس فى زمانه وبعده كثيرا.
كل ذلك ولم يكن بالمغرب شىء من هذه القراءات إلى أواخر المائة الرابعة، رحل منها جماعة، وفى الخمسمائة رحل الحافظ أبو عمرو الدانى، وتوفى سنة أربع وأربعين وأربعمائة، وهذا «جامع البيان» له فيه أكثر من خمسمائة رواية وطريق، وفى هذه الحدود رحل من المغرب ابن جبارة الهذلى إلى المشرق، وطاف البلاد حتى انتهى إلى ما وراء النهر، وألف كتابه: «الكامل» جمع فيه خمسين قراءة وألفا وأربعمائة وتسعا وخمسين رواية وطريقا، قال فيه: «فجملة من لقيت فى هذا العلم ثلاثمائة وخمسة وستون شيخا، من آخر المغرب إلى باب فرغانة يمينا وشمالا وجبلا وبحرا»، وتوفى سنة خمس وستين وأربعمائة.
¬
_
درجة الاجتهاد، وحافظا معدودا فى طبقات القراء وأئمة اللغة. ينتسب إلى بيت تردد العلم فيه مدة تزيد على ثلاثمائة سنة. تفقه بابن المعدل، وتفقه به النسائى وابن المنتاب وآخرون. شرح مذهب مالك ولخصه واحتج له. ولى قضاء بغداد، وأضيف له قضاء المدائن والنهروانات، ثم ولى قضاء القضاة إلى أن توفى فجأة ببغداد سنة 284 أو 283 هـ.
من تصانيفه: (المبسوط) فى الفقه، و (الأموال والمغازى) و (الرد على أبى حنيفة)، و (الرد على الشافعى) فى بعض ما أفتيا به.
ينظر: الديباج المذهب ص (92)، وشجرة النور الزكية ص (65)، والأعلام للزركلى (1/ 305).
(¬1) هو محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن سليمان، أبو بكر الضرير الرملى، من رملة لد، يعرف بالداجونى الكبير، إمام كامل ناقل رحال مشهور ثقة، أخذ القراءة عرضا وسماعا عن الأخفش ابن هارون ومحمد بن موسى الصورى وابن الحويرس والبيسانى وابن مامويه وموسى بن جرير وعبد الله بن جبير وعبد الرزاق بن الحسن وعبد الله بن أحمد بن سليمان والعباس بن الفضل بن شاذان وأحمد بن عثمان بن شبيب وإسحاق الخزاعى وأبى ربيعة فيما ذكره الهذلى روى القراءة عنه عرضا وسماعا العباس بن محمد الرملى يعرف بالداجونى الصغير وهو ابن خالة أبى بكر هذا وبه عرف وأحمد بن
نصر الشذائى وزيد بن على بن أبى بلال وأحمد بن بلال ويوسف بن بشر بن آدم وأحمد العجلى وعبد الله بن محمد بن فورك وسمع منه الحروف أحمد بن محمد النحاس والحسن بن رشيق وحدث عنه ابن مجاهد وحدث هو عن ابن مجاهد، وصنف كتابا فى القراءات، قال الدانى: إمام مشهور ثقة مأمون حافظ ضابط رحل إلى العراق وإلى الرى بعد سنة ثلاثمائة. مات فى رجب سنة أربع وعشرين وثلاثمائة عن إحدى وخمسين سنة. ينظر غاية النهاية (2/ 77).
(¬2) فى د: توفى.
(¬3) فى د: أربعة وعشرين، فى ز، م: وعشرين.
وفى هذا العصر كان أبو معشر الطبرى بمكة مؤلف «التلخيص فى [القراءات] (¬1) الثمان» و «سوق العروس» فيه ألف وخمسمائة وخمسون رواية وطريقا، وتوفى سنة ثمان وسبعين وأربعمائة. ولم يجمع أحد أكثر من هذين، إلا أبو القاسم الإسكندرانى (¬2)؛ فإنه جمع فى كتابه «الجامع الأكبر والبحر الأزخر» سبعة آلاف رواية وطريقا، وتوفى سنة تسع وعشرين وستمائة.
ولم ينكر أحد على هؤلاء المصنفين، ولا زعم أنهم مخالفون لشىء من الأحرف السبعة، بل ما زالت علماء الأمة يكتبون خطوطهم وشهاداتهم فى الإجازات بمثل هذه الكتب والقراءات.
وقد ادعى بعض من لا علم عنده أن الأحرف السبعة هى قراءة (¬3) هؤلاء [السبعة] (¬4)، بل غلب على كثير من الجهال أن القراءات الصحيحة هى التى فى «الشاطبية» و «التيسير»، وأنها (¬5) هى المشار إليها فى الحديث، وكثير منهم يسمى ما عدا ما فى الكتابين شاذّا وربما كان كثير مما فى غيرهما عن (¬6) غير هؤلاء السبعة أصح [من كثير مما فيهما] (¬7) وسبب الاشتباه عليهم: اتفاق (¬8) الكتابين مع الحديث على لفظ السبعة؛ ولذلك (¬9) كره كثير اقتصار ابن مجاهد على سبعة، وقالوا: ليته زاد أو نقص؛ ليخلص من لا يعلم من هذه الشبهة.
قال أبو العباس المهدوى: ولقد فعل مسبع هؤلاء (¬10) السبعة ما لا ينبغى له أن يفعل، وأشكل على العامة حتى جهلوا ما لم يسعهم جهله.
¬
_
(¬1) زيادة من م.
(¬2) هو عيسى بن عبد العزيز بن عيسى بن عبد الواحد الموفق أبو القاسم بن الوجيه أبى محمد اللخمى، الشريشى الأصل ثم الإسكندرى المالكى، إمام فى القراءات كبير، جمع فأوعى، ولكنه خلط كثيرا، وأتى بشيوخ لا تعرف، وأسانيد لا توصف، فضعف بسبب ذلك واتهم بالكذب. قال الحافظ أبو عمرو بن الحاجب: كان ابن عيسى لو رأى ما رأى قال هذا سماعى أولى من هذا الشيخ إجازة.
ويقول جمعت كتابا فى القراءات فيه أربعة آلاف رواية، ولم يكن أهل بلده يثنون عليه، وكان فاضلا مقرئا كيس الأخلاق، مكرما لأهل العلم، قلت أما هذا الكتاب فإنه سماه الجامع الأكبر والبحر الأزخر يحتوى على سبعة آلاف رواية وطريق. وقد بالغ الحافظ الذهبى فى قوله: «هذا رجل قليل الحياء مكابر الحس فأين السبعة آلاف رواية فالقراء كلهم الذين فى التواريخ ما أظنهم يبلغون ثلاثة آلاف رجل» انتهى. توفى فى جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وستمائة بالإسكندرية رحمه الله تعالى. ينظر: غاية النهاية (1/ 609).
(¬3) فى م: قراءات.
(¬4) سقط فى م.
(¬5) فى م: وإنما.
(¬6) فى د: من.
(¬7) فى م: مما فى كثير فيهما.
(¬8) فى م: اتفاقهما.
(¬9) فى د، ز: وكذلك.
(¬10) فى م: هذه.
قال الإمام أبو محمد مكى: وقد ذكر الناس من الأئمة فى كتبهم أكثر من سبعين، [ممن هو أعلى] (¬1) رتبة وأجل قدرا من هؤلاء السبعة، فترك (¬2) أبو حاتم [ذكر] (¬3) حمزة والكسائى، وابن عامر، وزاد نحو عشرين رجلا ممن [هو] (¬4) فوق السبعة، وزاد الطبرى عليها نحو خمسة [عشر] (¬5)، وكذلك إسماعيل القاضى، فكيف يظن عاقل أن قراءة كل من هذه السبعة أحد الحروف السبعة؟ هذا تخلف عظيم، أكان ذلك يغض من الشارع أم كيف كان؟ وكيف ذلك والكسائى إنما ألحق بالسبعة فى زمن المأمون (¬6) وكان السابع يعقوب، فأثبتوا الكسائى عوضه.
قال الدانى: وإن القراء السبعة ونظائرهم متّبعون فى جميع قراءتهم الثابتة عنهم التى لا شذوذ فيها.
وقال الهذلى: وليس لأحد أن يقول: لا تكثروا من الروايات، ويسمى ما لم يتصل إليه من القراءات شاذّا لأنه (¬7) ما من قراءة قرئت ولا رواية إلا وهى صحيحة إذا وافقت رسم الإمام، ولم تخالف الإجماع.
وقال الإمام أبو بكر بن العربى (¬8) فى «قبسه»: وليست هذه الروايات بأصل
¬
_
(¬1) فى م: من أعلى.
(¬2) فى د، ص: وقد ترك جماعة ذكر بعض هؤلاء السبعة.
(¬3) سقط فى م.
(¬4) زيادة من م، د.
(¬5) زيادة من د، ص.
(¬6) هو عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدى بن أبى جعفر المنصور، أبو العباس: سابع الخلفاء من بنى العباس فى العراق؛ وأحد أعاظم الملوك، فى سيرته وعلمه وسعة ملكه. نفذ أمره من إفريقية إلى أقصى خراسان وما وراء النهر والسند. وعرفه المؤرخ ابن دحية بالإمام العالم المحدث النحوى اللغوى. ولى الخلافة بعد خلع أخيه الأمين سنة 198 هـ فتمم ما بدأ به جده المنصور من ترجمة كتب العلم والفلسفة. وأتحف ملوك الروم بالهدايا سائلا أن يصلوه بما لديهم من كتب الفلاسفة، فبعثوا إليه بعدد كبير من كتب أفلاطون وأرسطاطاليس وأبقراط وجالينوس وإقليدس وبطليموس وغيرهم، فاختار لها مهرة التراجمة، فترجمت. وحض الناس على قراءتها، فقامت دولة الحكمة فى أيامه.
وقرب العلماء والفقهاء والمحدثين والمتكلمين وأهل اللغة والأخبار والمعرفة بالشعر والأنساب.
وأطلق حرية الكلام للباحثين وأهل الجدل والفلاسفة، لولا المحنة بخلق القرآن، فى السنة الأخيرة من حياته. وكان فصيحا مفوها، واسع العلم، محبّا للعفو. وأخباره كثيرة جمع بعضها فى مجلد مطبوع صفحاته 384 من «تاريخ بغداد» لابن أبى طيفور، وكتاب «عصر المأمون» لأحمد فريد الرفاعى. وله من التواقيع والكلم ما يطول مدى الإشارة إليه. توفى فى «بذندون» ودفن فى طرسوس سنة 218 هـ. ينظر: الأعلام (4/ 142)، وتاريخ بغداد (10/ 183).
(¬7) فى ص، د، ز: لأن.
(¬8) هو محمد بن عبد الله بن محمد، أبو بكر، المعروف بابن العربى. حافظ متبحر، وفقيه، من أئمة المالكية، بلغ رتبة الاجتهاد. رحل إلى المشرق، وأخذ عن الطرطوشى والإمام أبى حامد الغزالى،
التعيين (¬1) بل ربما خرج عنها ما هو مثلها أو فوقها، كحرف أبى جعفر المدنى. وقال ابن حزم فى آخر «السيرة» كذلك، وقال البغوى (¬2): فما يوافق (¬3) الخط مما قرأ به القراء المعروفون الذين خلفوا الصحابة والتابعين. ثم عدّد (¬4) العشرة إلا خلفا.
وقال: قد (¬5) كثرت قراءة هؤلاء؛ للاتفاق على جواز القراءة (¬6) بها.
وقال الإمام أبو العلاء الهمذانى (¬7) فى أول «تذكرته»: أما بعد، فهذه تذكرة فى اختلاف القراء العشرة الذين اقتدى الناس بقراءاتهم، وتمسكوا فيها بمذاهبهم.
وقال [إمام عصره] (¬8) ابن تيمية: لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن الأحرف السبعة ليست قراءة (¬9) السبعة، ولذلك (¬10) لم يتنازع (¬11) العلماء فى أنه [لا] (¬12) يتعين أن يقرأ بهذه القراءات (¬13) المعينة، بل من ثبت عنده قراءة الأعمش أو يعقوب (¬14) ونحوهما فله أن يقرأ بها بلا نزاع، بل أكثر العلماء الذين أدركوا قراءة حمزة- كسفيان بن عيينة (¬15)، وأحمد
¬
_
ثم عاد إلى مراكش، وأخذ عنه القاضى عياض وغيره. أكثر من التأليف. وكتبه تدل على غزارة علم وبصر بالسنة.
من تصانيفه: «عارضة الأحوذى شرح الترمذى»، و «أحكام القرآن»، و «المحصول فى علم الأصول»، و «مشكل الكتاب والسنة» توفى سنة 543 هـ. ينظر: شجرة النور الزكية (ص 136)، والأعلام للزركلى (7/ 106)، والديباج (ص 281).
(¬1) فى م، د: للتعيين.
(¬2) هو الحسين بن مسعود بن محمد، الفراء، البغوى، شافعى، فقيه، محدث، مفسر، نسبته إلى «بغشور» من قرى خراسان بين هراة ومرو.
من مصنفاته «التهذيب» فى فقه الشافعية، و «شرح السنة» فى الحديث، و «معالم التنزيل» فى التفسير توفى سنة 510 هـ. ينظر: الأعلام للزركلى (2/ 284)، وابن الأثير (6/ 105).
(¬3) فى م: فما وافق، وفى د: فيما يوافق.
(¬4) فى م: عد.
(¬5) فى د: ومد.
(¬6) فى م: القراءات.
(¬7) فى م: الهذلى. وهو الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل، الإمام الحافظ، الأستاذ، أبو العلاء الهمذانى العطار، شيخ همذان، وإمام العراقيين، ومؤلف كتاب الغاية فى القراءات العشر، وأحد حفاظ العصر، ثقة، دين، خير، كبير القدر، اعتنى بهذا الفن أتم عناية، وألف فيه أحسن كتب، كالوقف والابتداء والماءات والتجويد، وأفرد قراءات الأئمة أيضا، كل مفردة فى مجلد، وألف كتاب الانتصار فى معرفة قراء المدن والأمصار، ومن وقف على مؤلفاته علم جلالة قدره. توفى فى تاسع عشر جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة. ينظر غاية النهاية (1/ 204).
(¬8) سقط فى د.
(¬9) فى م: قراءات.
(¬10) فى ز: وكذلك.
(¬11) فى ز، م: لم تتنازع.
(¬12) سقط فى م.
(¬13) فى د: القراءة.
(¬14) فى ص: ويعقوب.
(¬15) هو سفيان بن عيينة بن أبى عمران، أبو محمد، الهلالى، الكوفى. سكن مكة، أحد الثقات الأعلام، أجمعت الأمة على الاحتجاج به، وكان قوى الحفظ، وقال الشافعى: ما رأيت أحدا من
ابن حنبل، وبشر بن الحارث (¬1) وغيرهم- يختارون قراءة أبى جعفر، وشيبة بن نصاح (¬2)، وقراءة شيوخ يعقوب على قراءة حمزة. ثم أطال فى ذلك.
وقال أبو حيان الأندلسى: وهل هذه المختصرات، ك «التيسير» و «الشاطبية» و «العنوان» وغيرها، بالنسبة لما اشتهر من قراءات الأئمة السبعة إلا نزر من كثر، وقطرة من قطر؟
وأطال جدّا.
وقال الحافظ الذهبى (¬3): وما رأينا أحدا أنكر الإقراء بمثل قراءة يعقوب وأبى جعفر.
وقال الحافظ أبو عمرو: سمعت طاهر بن غلبون (¬4) يقول: إمام جامع البصرة لا يقرأ إلا
¬
_
الناس فيه جزالة العلم ما فى ابن عيينة، وما رأيت أحدا فيه من الفتيا ما فيه ولا أكفّ عن الفتيا منه.
روى عن عبد الملك بن عمير وحميد الطويل وحميد بن قيس الأعرج وسليمان الأحول وغيرهم.
وروى عنه الأعمش وابن جريج وشعبة والثورى ومحمد بن إدريس الشافعى وغيرهم توفى سنة 198 هـ. ينظر: تهذيب التهذيب (4/ 117)، وميزان الاعتدال (2/ 170)، وشذرات الذهب (1/ 354).
(¬1) هو بشر بن الحارث بن على بن عبد الرحمن المروزى، أبو نصر، المعروف بالحافى: من كبار الصالحين. له فى الزهد والورع أخبار، وهو من ثقات رجال الحديث، من أهل «مرو» سكن بغداد وتوفى بها. قال المأمون: لم يبق فى هذه الكورة أحد يستحى منه غير هذا الشيخ بشر بن الحارث توفى سنة 227 هـ. ينظر: الأعلام (2/ 54)، وتاريخ بغداد (7/ 67 - 80)، ووفيات الأعيان (1/ 90).
(¬2) هو شيبة بن نصاح بن سرجس بن يعقوب إمام ثقة مقرئ المدينة مع أبى جعفر وقاضيها ومولى أم سلمة رضى الله عنها مسحت على رأسه ودعت له بالخير، وقال الحافظ أبو العلاء هو من قراء التابعين الذين أدركوا أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وأدرك أم المؤمنين عائشة وأم سلمة زوجى النبى صلى الله عليه وسلم ودعتا الله تعالى له أن يعلمه القرآن وكان ختن أبى جعفر على ابنته ميمونة. انتهى. وهو أول من ألف فى الوقوف وكتابه مشهور، مات سنة ثلاثين ومائة فى أيام مروان بن محمد وقيل سنة ثمان وثلاثين ومائة فى أيام المنصور. ينظر: غاية النهاية (1/ 329 - 330).
(¬3) هو محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز أبو عبد الله، شمس الدين الذهبى. تركمانى الأصل من أهل دمشق. شافعى. إمام حافظ مؤرخ، كان محدث عصره. سمع عن كثيرين بدمشق وبعلبك ومكة ونابلس. برع فى الحديث وعلومه. وكان يرحل إليه من سائر البلاد. وكان فيه ميل إلى آراء الحنابلة، ويمتاز بأنه كان لا يتعدى حديثا يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن، أو ظلام إسناد، أو طعن فى روايته.
من تصانيفه «الكبائر»، و «تاريخ الإسلام» فى واحد وعشرين مجلدا، و «تجريد الأصول فى أحاديث الرسول» توفى سنة 748 هـ. ينظر: طبقات الشافعية الكبرى (5/ 216)، والنجوم الزاهرة (10/ 183)، ومعجم المؤلفين (8/ 289).
(¬4) هو طاهر بن عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون بن المبارك، أبو الحسن الحلبى، نزيل مصر، أستاذ عارف، وثقة ضابط، وحجة محرر، شيخ الدانى، ومؤلف التذكرة فى القراءات الثمان، أخذ القراءات عرضا عن أبيه وعبد العزيز بن على ثم رحل إلى العراق فقرأ بالبصرة على محمد بن يوسف ابن نهار الحرتكى وعلى بن محمد الهاشمى وعلى بن محمد بن خشنام المالكى وسمع الحروف مع أبيه من إبراهيم بن محمد بن مروان وعتيق بن ما شاء الله وعبد الله بن المبارك وعبد الله بن محمد
ليعقوب.
وقال الكواشى (¬1) فى تفسيره: ما اجتمعت فيه الشروط الثلاثة فهو من الأحرف السبعة، سواء وردت عن سبعة أو سبعة آلاف.
وقال المصنف: كتبت للإمام العلامة السبكى استفتاء وصورته: ما (¬2) تقول السادة العلماء أئمة الدين وعلماء المسلمين فى القراءات العشر (¬3) التى يقرأ بها اليوم، هل هى متواترة أم غير متواترة؟ وهل كل ما انفرد به واحد من العشرة بحرف من الحروف متواتر أم لا؟
وإذا كانت متواترة فما يجب على من جحدها أو حرّفها (¬4)؟
فأجابنى: الحمد لله، القراءات السبع التى اقتصر عليها الشاطبى، والثلاثة (¬5) التى هى قراءة أبى جعفر، [ويعقوب، وخلف] (¬6)، متواترة معلومة من الدين بالضرورة، وكل حرف انفرد به واحد من العشرة معلوم من الدين بالضرورة أنه منزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكابر فى شىء من ذلك إلا جاهل، وليس تواتر شىء منها مقصورا على من قرأ بالروايات، بل هى متواترة عند كل مسلم يقول: «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله» ولو كان مع ذلك عاميّا (¬7) جلفا لا يحفظ من القرآن حرفا، ولهذا تقرير طويل وبرهان عريض لا يسع (¬8) هذه الورقة شرحه.
وحظ كل مسلم وحقه أن يدين الله، ويجزم نفسه بأن ما ذكرناه متواتر معلوم باليقين، لا تتطرق الظنون [إليه] (¬9) ولا الارتياب إلى شىء منه، والله تعالى أعلم. [وهنا
نمسك
¬
_
ابن المفسر وأبى الفتح بن بدهن وسمع سبعة ابن مجاهد من أبى الحسن على بن محمد بن إسحاق الحلبى المعدل عنه، روى القراءات عنه عرضا وسماعا الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد وإبراهيم ابن ثابت الإقليسى، وأحمد بن بابشاذ الجوهرى، وأبو الفضل عبد الرحمن الرازى، وأبو عبد الله محمد بن أحمد القزوينى، قال الدانى: لم ير فى وقته مثله فى فهمه وعلمه مع فضله وصدق لهجته.
توفى بمصر لعشر مضين من شوال سنة تسع وتسعين وثلاثمائة. ينظر: غاية النهاية (1/ 339).
(¬1) هو أحمد بن يوسف بن حسن بن رافع، الإمام أبو العباس الكواشى الموصلى المفسر، عالم زاهد كبير القدر، ولد سنة تسعين وخمسمائة، وقرأ على والده، وروى والده الحروف عن عبد المحسن ابن خطيب الموصل، بسماعه من يحيى بن سعدون القرطبى، وقدم دمشق وأخذ عن السخاوى، وسمع تفسيره والقراءات منه: محمد بن على بن خروف الموصلى، وأبو بكر المقصاتى- سوى من الفجر إلى آخره- توفى سابع عشر جمادى الآخرة سنة ثمانين وستمائة. ينظر: غاية النهاية (1/ 151).
(¬2) فى ص: ماذا.
(¬3) فى م: العشرة.
(¬4) فى م: وحرفها.
(¬5) فى م: أو الثلاثة.
(¬6) زيادة من ز.
(¬7) فى م: عاصيا.
(¬8) فى ز: لا يتسع، وفى ص: ولا يسع.
(¬9) زيادة من د.
العاشر فى حقيقة اختلاف هذه السبعة المذكورة فى الحديث وفائدته:
العنان، فقد خرجنا عن الإيجاز] (¬1).
العاشر فى حقيقة اختلاف هذه السبعة المذكورة فى (¬2) الحديث وفائدته (¬3):
فأما (¬4) الاختلاف: فلا نزاع أنه اختلاف تنوع (¬5) وتغاير، لا اختلاف تضاد وتناقض؛ فإنه محال فى كتاب (¬6) الله تعالى، وقد استقرئ فوجد لا يخلو من ثلاثة أوجه:
أحدها: اختلاف اللفظ دون المعنى، كالاختلاف فى «الصراط» و «عليهم» و «القدس» و «يحسب» ونحوه مما هو لغات.
ثانيها: اختلافهما مع جواز اجتماعهما، نحو: مالِكِ وملك (¬7) [الفاتحة: 4]؛ لأن المراد هو الله سبحانه وتعالى؛ لأنه مالك وملك (¬8).
ثالثها: اختلافهما مع امتناع اجتماعهما فى شىء واحد، بل يتفقان من وجه آخر لا يقتضى التضاد، نحو: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا [يوسف: 110]، وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ [إبراهيم: 46]، ومِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا [النحل: 110].
فالمعنى على التشديد: وتيقن الرسل أن قومهم قد كذبوهم، وعلى التخفيف: وتوهم المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به، فالظن (¬9) فى الأولى تيقن، والضمائر الثلاثة للرسل، وفى الثانية شك، والثلاثة للمرسل إليهم.
والمعنى على رفع «لتزول» أن «إن» مخففة (¬10) من الثقيلة، أى: وإن مكرهم كان من الشدة بحيث تقتلع (¬11) منه الجبال الراسيات من مواضعها، وعلى نصبه (¬12) جعلها نافية، أى: ما كان مكرهم وإن تعاظم ليزول (¬13) منه أمر محمد صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام. ففي الأولى (¬14) [الجبال] (¬15) حقيقة، وفى الثانية مجاز (¬16).
¬
_
(¬1) ما بين المعقوفين سقط فى م.
(¬2) زاد فى م: هذا.
(¬3) فى ص: وفائدتها.
(¬4) فى ص: أما.
(¬5) فى د: نوع.
(¬6) فى د، ص: كلام.
(¬7) فى د، ص، م: ملك ومالك.
(¬8) فى د، ص، م: ملك ومالك.
(¬9) فى م: والظن.
(¬10) فى م، د: المخففة.
(¬11) فى م: تقلع، وفى د: يقتلع.
(¬12) فى د: نصبها.
(¬13) فى ز: لتزول.
(¬14) فى ص: الأول.
(¬15) سقط فى م.
(¬16) قرأ العامة بكسر لام «لتزول» الأولى، والكسائى بفتحها فأما القراءة الأولى ففيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها نافية، واللام بعدها لام الجحود؛ لأنها بعد كون منفى، وفى «كان» حينئذ قولان:
أحدهما: أنها تامة، والمعنى، تحقير مكرهم، وأنه ما كان لتزول منه الشرائع التى كالجبال فى ثبوتها وقوتها.
ويؤيد كونها نافية قراءة عبد الله: وما كان مكرهم.
وعلى بناء «فتنوا» للمفعول، يعود الضمير للذين هاجروا، وفى الثانية (¬1) إلى الأخسرين.
وأما فائدة اختلاف القراءات فكثير غير ما تقدم:
منها ما فى ذلك من نهاية البلاغة، وكمال الإعجاز، وغاية الاختصار؛ إذ كل قراءة بمنزلة آية، إذ كان تنوع اللفظ بكلمة يقوم (¬2) مقام آيات، ولو جعلت دلالة كل لفظ آية على حدتها لم يخف ما كان فى ذلك من التطويل.
ومنها ما فى ذلك من عظيم البرهان وواضح (¬3) الدلالة؛ إذ هو مع كثرة [هذا الاختلاف] (¬4) لم يتطرق إليه تضاد ولا تناقض، بل كله (¬5) يصدق بعضه بعضا، ويبينه ويشهد له.
¬
_
القول الثانى: أنها ناقصة، وفى خبرها القولان المشهوران بين البصريين والكوفيين، هل هو محذوف، واللام متعلقة به وإليه ذهب البصريون؟ أو هو اللام، وما جرته كما هو مذهب الكوفيين؟
الوجه الثانى: أن تكون المخففة من الثقيلة.
قال الزمخشرى: «وإن عظم مكرهم وتبالغ فى الشدة، فضرب زوال الجبال منه مثلا لتفاقمه وشدته، أى: وإن كان مكرهم معدّا لذلك».
وقال ابن عطية: «ويحتمل عندى أن يكون معنى هذه القراءة: تعظيم مكرهم، أى: وإن كان شديدا إنما يفعل ليذهب به عظام الأمور»، فمفهوم هذين الكلامين أنها مخففة؛ لأنه إثبات.
والثالث: أنها شرطية، وجوابها محذوف، أى: وإن كان مكرهم مقدرا لإزالة أشباه الجبال الرواسى، وهى المعجزات والآيات، فالله مجازيهم بمكرهم، وأعظم منه.
وقد رجح الوجهان الأخيران على الأول، وهو: أنها نافية؛ لأن فيه معارضة لقراءة الكسائى فى ذلك؛ لأن قراءته تؤذن بالإثبات، وقراءة غيره تؤذن بالنفى.
وقد أجاب بعضهم عن ذلك: بأن الجبال فى قراءة الكسائى مشار بها إلى أمور عظام غير الإسلام ومعجزاته، لمكرهم صلاحية إزالتها، وفى قراءة الجماعة مشار بها إلى ما جاء به النبى المختار- صلوات الله وسلامه عليه- من الدين الحق، فلا تعارض إذ لم يتواردا على معنى واحد نفيا، وإثباتا.
وأما قراءة الكسائى ففي: «إن» وجهان:
مذهب البصريين أنها المخففة واللام فارقة، ومذهب الكوفيين أنها نافية، واللام بمعنى: «إلا» وقد تقدم تحقيق المذهبين.
وقرأ عمر، وعلى، وعبد الله، وزيد بن على، وأبو سلمة وجماعة- رضى الله عنهم- وإن كاد مكرهم لتزول كقراءة الكسائى، إلا أنهم جعلوا مكان نون: «كان» دالا، فعل مقاربة، وتخريجها كما تقدم، ولكن الزوال غير واقع.
وقرئ: لِتَزُولَ بفتح اللامين، وتخريجها على إشكالها أنها جاءت على لغة من لا يفتح لام كى. ينظر اللباب (11/ 412، 413).
(¬1) فى د، ز، ص: التسمية.
(¬2) فى م: تقوم.
(¬3) فى م: وأوضح.
(¬4) فى م: الخلاف.
(¬5) فى د: كل.
ص: قام بها أئمة القرآن ... ومحرزو التحقيق والإتقان
ومنها سهولة حفظه وتيسير نقله؛ فإن حفظ كلمة ذات أوجه أسهل وأقرب من حفظ كلمات (¬1) تؤدى معانى (¬2) تلك القراءات، لا سيما ما اتفق خطه (¬3) فإنه أسهل حفظا وأيسر لفظا.
ومنها غير ذلك (¬4)، وليس هذا محل التطويل، وبالله التوفيق (¬5).
ص:
قام بها أئمّة القرآن ... ومحرزو التّحقيق والإتقان
ش: (قام أئمة القرآن) فعلية لا محل لها، و (بها) يتعلق ب (قام) و (محرزو) عطف على (أئمة)، و (التحقيق) مضاف إليه، (والإتقان) عطف [على (التحقيق)] (¬6). أى: قام بالقراءات والروايات وغيرها، أو قام بالقراءة أئمة القرآن الضابطون (¬7) له، والذين أحرزوا- أى: ضموا وجمعوا (¬8) - تحقيق هذا العلم وإتقانه، والذين نقل عنهم وجوه القراءات كثير فى كل عصر، لا يكادون يحصون:
فمنهم من الصحابة المهاجرين: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وطلحة (¬9)، وسعد (¬10)، وابن مسعود، وحذيفة، وسالم مولى أبى حذيفة (¬11)، وأبو هريرة، وابن عمر،
¬
_
(¬1) فى م: لكلمات.
(¬2) فى م: إلى معانى.
(¬3) فى م: لفظه.
(¬4) زاد فى م: مما يطول.
(¬5) فى ص: وبالله المستعان والتوفيق.
(¬6) فى م: عليه.
(¬7) فى ز: الضابطين.
(¬8) فى م: أو جمعوا.
(¬9) هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو القرشى رضى الله عنه، أبو محمد، صحابى، شجاع. وهو أحد العشرة المبشرين، وأحد الستة أصحاب الشورى، وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، ويقال له «طلحة الجود» و «طلحة الخير» و «طلحة الفياض» وكل ذلك لقبه به رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مناسبات مختلفة.
شهد أحدا وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبايعه على الموت، فأصيب بأربعة وعشرين جرحا، ووقى النبى صلى الله عليه وسلم بنفسه واتقى النبل عنه بيده حتى شلت إصبعه، شهد الخندق وسائر المشاهد، وكانت له تجارة وافرة مع العراق. روى عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن أبى بكر وعمر رضى الله عنهما وغيرهم. وعنه أولاده: محمد وموسى ويحيى وعمران وعائشة ومالك بن أوس بن الحدثان وغيرهم توفى سنة 36 هـ. ينظر: الإصابة (2/ 229)، والاستيعاب (2/ 764)، وتهذيب التهذيب (5/ 20)، والأعلام (3/ 331).
(¬10) هو سعد بن مالك، واسم مالك أهيب بن عبد مناف بن زهرة، أبو إسحاق، قرشى. من كبار الصحابة. أسلم قديما وهاجر، وكان أول من رمى بسهم فى سبيل الله. وهو أحد الستة أهل الشورى. وكان مجاب الدعوة. تولى قتال جيوش الفرس وفتح الله على يديه العراق. اعتزل الفتنة أيام على ومعاوية. توفى بالمدينة سنة 55 هـ. ينظر: تهذيب التهذيب (3/ 484).
(¬11) هو سالم مولى أبى حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس. أحد السابقين الأولين.
قال البخارى: مولاته امرأة من الأنصار. ينظر: الإصابة فى تمييز الصحابة (3/ 11)، أسد الغابة ت (1892)، الاستيعاب ت (886).
وابن عباس، وعمرو بن العاص وابنه عبد الله، ومعاذ، وابن الزبير، وعبد الله ابن السائب (¬1)، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة.
ومن الأنصار: أبى بن كعب (¬2)، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو الدرداء (¬3)، وأبو زيد (¬4)، ومجمّع بن حارثة (¬5)، وأنس بن مالك.
فهؤلاء كلهم جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن التابعين بمكة: عبيد بن عمير (¬6)، وعطاء (¬7)، وطاوس (¬8)،
¬
_
(¬1) هو عبد الله بن السائب بن أبى السائب صيفى بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومى القارئ، توفى بمكة قبل ابن الزبير. ينظر: الخلاصة (2/ 59).
(¬2) هو أبى بن كعب بن قيس بن عبيد، أبو المنذر، من بنى النجار، من الخزرج، صحابى، أنصارى كان من كتاب الوحى، وشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يفتى على عهده، وشهد مع عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقعة الجابية، وأمره عثمان رضى الله عنه بجمع القرآن، فاشترك فى جمعه. وله فى الصحيحين وغيرهما 164 حديثا وآخى النبى صلى الله عليه وسلم بين أبى بن كعب وطلحة بن عبيد الله رضى الله عنهما، وعن أنس بن مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: «أقرأ أمتى أبى بن كعب» توفى سنة 21 هـ. ينظر: الاستيعاب (1/ 65)، والإصابة (1/ 19)، وأسد الغابة (1/ 49) وطبقات ابن سعد (3/ 498)، والأعلام (1/ 78).
(¬3) هو عويمر بن مالك بن قيس بن أمية، أبو الدرداء الأنصارى. من بنى الخزرج صحابى، كان قبل البعثة تاجرا فى المدينة، ولما ظهر الإسلام اشتهر بالشجاعة والنسك. ولاه معاوية قضاء دمشق بأمر عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وهو أول قاض بها. قال ابن الجزرى: كان من العلماء الحكماء.
وهو أحد الذين جمعوا القرآن حفظا على عهد النبى صلى الله عليه وسلم بلا خلاف. مات بالشام سنة 32 هـ، له فى كتب الحديث 179 حديثا. ينظر: الاستيعاب: (3/ 1227)، والإصابة (3/ 45)، وأسد الغابة (4/ 159)، والأعلام (5/ 281).
(¬4) هو عمرو بن أخطب بن رفاعة الأنصارى أبو زيد البصرى. له أحاديث. انفرد له مسلم بحديث. وعنه علباء بن أحمر وأبو قلابة. ينظر تهذيب الكمال (2/ 280).
(¬5) هو مجمع بن جارية بن عامر بن مجمع بن العطاف، الأوسى الأنصارى، صحابى. هو أحد من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يسيرا منه. روى عن النبى صلى الله عليه
وسلم. وعنه ابنه يعقوب، وابن أخيه عبد الرحمن بن يزيد بن جارية، وأبو الطفيل عامر بن واثلة. ويقال: إن عمر رضى الله عنه بعثه أيام خلافته إلى أهل الكوفة يعلمهم القرآن توفى نحو 50 هـ. ينظر: الإصابة (3/ 366)، وأسد الغابة (4/ 290)، وتهذيب التهذيب (10/ 47)، والأعلام (6/ 166).
(¬6) هو عبيد بن عمير بن قتادة بن سعيد بن عامر بن جندع بن ليث الليثى ثم الجندعى أبو عاصم المكى قاص أهل مكة. روى عن أبيه وله صحبة وعمر وعلى وأبى بن كعب وأبى موسى الأشعرى وأبى هريرة وأبى سعيد وعائشة وأم سلمة وابن عمر وابن عمرو وابن عباس وعبد الله بن حبشى.
وعنه ابنه عبد الله، وقيل إنه لم يسمع منه وعطاء ومجاهد وعبد العزيز بن رفيع وعمرو بن دينار وأبو الزبير ومعاوية بن قرة ووهب بن كيسان وعبد الله وأبو بكر ابنا أبى مليكة وعبد الحميد بن سنان وغيرهم. قال ابن معين وأبو زرعة: ثقة. وقال ابن حبان فى الثقات: مات سنة (68) وقال العجلى:
مكى تابعى ثقة من كبار التابعين. ينظر: تهذيب التهذيب (7/ 71).
(¬7) هو عطاء بن أسلم أبى رباح. يكنى أبا محمد. من خيار التابعين. من مولدى الجند باليمن، كان أسود
-[170]-
مفلفل الشعر. معدود فى المكّيين. سمع عائشة، وأبا هريرة، وابن عباس، وأم سلمة، وأبا سعيد.
وممن أخذ عنه الأوزاعى وأبو حنيفة رضى الله عنهم جميعا. وكان مفتى مكة. شهد له ابن عباس وابن عمر وغيرهما بالفتيا، وحثوا أهل مكة على الأخذ عنه. مات بمكة سنة 114 هـ. ينظر: تذكرة الحفاظ (1/ 92)، والأعلام للزركلى (5/ 29)، والتهذيب (7/ 199).
(¬8) هو طاوس بن كيسان الخولانى الهمدانى بالولاء، أبو عبد الرحمن. أصله من الفرس، ومولده ومنشؤه فى اليمن. من كبار التابعين فى الفقه ورواية الحديث. كان ذا جرأة على وعظ الخلفاء والملوك.
توفى حاجّا بالمزدلفة أو منى سنة 106 هـ. وصلى عليه أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك. ينظر:
الأعلام للزركلى، وتهذيب التهذيب (5/ 8)، وابن خلكان (1/ 233).
ومجاهد (¬1)، وعكرمة (¬2)، وابن أبى مليكة (¬3). وبالمدينة: ابن المسيب (¬4)، وعروة، وسالم (¬5)، وعمر بن عبد العزيز، وسليمان (¬6)، وعطاء بن يسار (¬7)، ومعاذ
¬
_
(¬1) هو مجاهد بن جبر، أبو الحجاج مولى قيس بن السائب المخزومى. شيخ المفسرين. أخذ التفسير عن ابن عباس. قال: «قرأت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت وكيف كانت». كان ثقة فقيها ورعا عابدا متقنا. اتهم بالتدليس فى الرواية عن على وغيره. وأجمعت الأمة على إمامته توفى سنة 104 هـ. مؤلفه «تفسير مجاهد» طبع مؤخرا ينظر: تهذيب التهذيب (10/ 44)، والأعلام للزركلى (6/ 161).
(¬2) هو عكرمة بن عبد الله مولى عبد الله بن عباس. وقيل لم يزل عبدا حتى مات ابن عباس وأعتق بعده.
تابعى مفسر محدث. أمره ابن عباس بإفتاء الناس. أتى نجدة الحرورى وأخذ عنه رأى الخوارج، ونشره بإفريقية. ثم عاد إلى المدينة. فطلبه أميرها، فاختفى حتى مات. واتهمه ابن عمر وغيره بالكذب على ابن عباس. وردوا عليه كثيرا من فتاواه. ووثقه آخرون توفى سنة 105 هـ. ينظر:
التهذيب (7/ 263 - 273)، والأعلام للزركلى (5/ 43)، والمعارف (5/ 201).
(¬3) عبد الله بن عبيد الله بن زهير، وهو أبو مليكة بن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم التيمى أبو بكر المكى. روى عن عائشة وأم سلمة وأسماء وابن عباس، وأدرك ثلاثين من الصحابة رضى الله عنهم. وروى عنه ابنه يحيى وعطاء وعمرو بن دينار. وثقه أبو حاتم وأبو زرعة.
قال البخارى: مات سنة سبع عشرة ومائة. ينظر: الخلاصة (2/ 76).
(¬4) هو سعيد بن المسيب بن حزن بن أبى وهب. قرشى، مخزومى، من كبار التابعين، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة المنورة. جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع. كان لا يأخذ عطاء، ويعيش من التجارة بالزيت. وكان أحفظ الناس لأقضية عمر بن الخطاب وأحكامه حتى سمى راوية عمر. توفى بالمدينة سنة 94 هـ. ينظر: الأعلام للزركلى (3/ 155)، وصفة الصفوة (2/ 44)، وطبقات ابن سعد (5/ 88).
(¬5) هو سالم بن عبد الله بن عمر العدوى المدنى الفقيه، أحد السبعة، وقيل السابع، أبو سليمان ابن عبد الرحمن. وقيل أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، قاله أبو الزناد. روى عن أبيه، وأبى هريرة ورافع بن خديج وعائشة. وروى عنه ابنه أبو بكر وعبيد الله بن عمر وحنظلة بن أبى سفيان. قال ابن إسحاق: أصح الأسانيد كلها الزهرى عن سالم عن أبيه. وقال مالك: كان يلبس الثوب بدرهمين. وعن نافع: كان ابن عمر يقبل سالما، ويقول: شيخ يقبل شيخا. وقال البخارى:
لم يسمع من عائشة. مات سنة ست ومائة على الأصح. ينظر: الخلاصة (1/ 361).
(¬6) هو سليمان بن يسار، أبو أيوب، الهلالى المدنى. من فقهاء التابعين. معدود فى الفقهاء السبعة بالمدينة. روى عن ميمونة وأم سلمة وعائشة، وفاطمة بنت قيس، وزيد بن ثابت وابن عباس، وابن عمر، والمقداد بن الأسود وغيرهم. وعنه عمرو بن دينار، وعبد الله بن دينار، وعبد الله
-[171]-
ابن الفضل الهاشمى وصالح بن كيسان، وعمرو بن ميمون، والزهرى، ومكحول، وغيرهم. وقال الحسن بن محمد ابن الحنفية: سليمان بن يسار عندنا أفهم من ابن المسيب، وكان ابن المسيب يقول
للسائل: اذهب إلى سليمان بن يسار فإنه أعلم من بقى اليوم، وقال مالك: كان سليمان بن يسار من علماء الناس بعد ابن المسيب. وقال أبو زرعة وابن معين وابن سعد: ثقة مأمون فاضل توفى سنة 107 هـ. ينظر: تهذيب التهذيب (4/ 228)، وتذكرة الحفاظ (1/ 85)، والنجوم الزاهرة (1/ 252)، والأعلام (3/ 201)، وسير أعلام النبلاء (4/ 444).
هو عطاء بن يسار، أبو محمد، الهلالى، المدنى القاص، روى عن معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وغيرهم. روى عنه زيد بن أسلم وصفوان ابن سليم وعمرو بن دينار وغيرهم. روى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن أبا حازم قال: ما رأيت رجلا كان ألزم لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من عطاء بن يسار، وذكره ابن حبان فى الثقات.
(¬7) توفى سنة 103 هـ. ينظر: طبقات ابن سعد (5/ 173)، وسير أعلام النبلاء (4/ 448)، وتهذيب التهذيب (7/ 217)، وتهذيب الكمال فى أسماء الرجال (20/ 125)، شذرات الذهب (1/ 125).
القارئ (¬1)، وعبد الرحمن بن هرمز (¬2)، وابن شهاب، ومسلم بن جندب (¬3)، وزيد ابن أسلم (¬4).
وبالكوفة: علقمة (¬5)، والأسود (¬6)، ومسروق (¬7): وعبيدة (¬8)، وابن شرحبيل، والحارث
¬
_
(¬1) هو معاذ بن الحارث الأنصارى النجارى المازنى أبو حليمة القارئ. ولد عام الخندق. روى عن أبى بكر وعمر. وروى عنه سعيد المقبرى ونافع. قتل يوم الحرة سنة 63 هـ. ينظر: الخلاصة (3/ 36).
(¬2) هو عبد الرحمن بن هرمز الهاشمى مولاهم أبو داود المدنى الأعرج القارئ. روى عن أبى هريرة ومعاوية وأبى سعيد. وعنه الزهرى وأبو الزبير وأبو الزناد وخلق. وثقه جماعة. قال أبو عبيد: توفى سنة سبع عشرة ومائة بالإسكندرية. ينظر: الخلاصة (2/ 156).
(¬3) هو مسلم بن جندب الهذلى أبو عبد الله قاضى المدينة. روى عن الزبير مرسلا. وعن حكيم بن حزام وابن عمر. وروى عنه ابنه عبد الله وزيد بن أسلم. قال ابن حبان فى الثقات: مات سنة ست ومائة.
ينظر: الخلاصة (3/ 24).
(¬4) هو زيد بن أسلم العدوى مولاهم المدنى أحد الأعلام. روى عن أبيه، وابن عمر وجابر وعائشة وأبى هريرة. وقال ابن معين: لم يسمع منه ولا من جابر. وروى عنه بنوه، وداود بن قيس، ومعمر وروح بن القاسم. قال مالك: كان زيد يحدث من تلقاء نفسه، فإذا قام فلا يجترئ عليه أحد. وثقه أحمد ويعقوب بن شيبة. مات سنة ست وثلاثين ومائة فى ذى الحجة. ينظر: الخلاصة (1/ 349).
(¬5) هو علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعى، أبو شبل. من أهل الكوفة. تابعى، ورد المدائن فى صحبة على، وشهد معه حرب الخوارج بالنهروان. كما شهد معه صفين. غزا خراسان. وأقام بخوارزم سنتين، وبمرو مدة، وسكن الكوفة. روى عن عمر، وعثمان، وعلى، وعبد الله بن مسعود وغيرهم. وأخذ عنه كثيرون. جوّد القرآن على ابن مسعود، وتفقه به. وهو أحد أصحابه الستة الذين كانوا يقرءون الناس، ويعلّمونهم السنة ويصدر الناس عن رأيهم. كان علقمة فقيها إماما بارعا طيب الصوت بالقرآن، ثبتا فيما ينقل، صاحب خير وورع، بلغ من علمه أن أناسا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم كانوا يسألونه ويستفتونه توفى سنة 61 هـ. ينظر: تهذيب التهذيب (7/ 276)، وتاريخ بغداد (12/ 296)، وتذكرة الحفاظ (1/ 48).
(¬6) هو الأسود بن يزيد بن قيس، أبو عمر، النخعى. تابعى، فقيه من الحفاظ، كان عالم الكوفة فى عصره.
روى عن أبى بكر وعمر وعلى وابن مسعود وبلال وعائشة رضى الله عنهم. وعنه ابنه عبد الرحمن وأخوه
-[172]-
عبد الرحمن وابن أخته إبراهيم بن يزيد النخعى وغيرهم. قال أبو طالب عن أحمد: ثقة. وقال ابن سعد:
كان ثقة وله أحاديث صالحة. قال ابن حبان فى الثقات: كان فقيها زاهدا توفى سنة 75 هـ. ينظر: تهذيب التهذيب (1/ 343)، وتذكرة الحفاظ (1/ 48)، والأعلام (1/ 330).
(¬7) هو مسروق الأجدع بن مالك بن أمية الهمدانى، ثم الوداعى، أبو عائشة تابعى ثقة، من أهل اليمن.
قدم المدينة فى أيام أبى بكر رضى الله عنه، وسكن الكوفة. وروى عن أبى بكر وعمر وعائشة ومعاذ وابن مسعود رضى الله عنهم. روى عنه الشعبى والنخعى وأبو الضحى وغيرهم. قال الشعبى: ما رأيت أطلب للعلم منه. وكان أعلم بالفتوى من شريح، وشريح أبصر منه بالقضاء توفى سنة 63 وقيل 62 هـ. ينظر: الإصابة (3/ 492)، والأعلام (8/ 108)، وأسد الغابة (4/ 254)، وطبقات ابن سعد (4/ 113).
(¬8) هو عبيدة بن عمرو ويقال: ابن قيس بن عمرو السلمانى، أبو عمرو، الكوفى المرادى. فقيه، تابعى، أسلم باليمن، أيام فتح مكة، ولم ير النبى صلى الله عليه وسلم. روى عن على وابن مسعود وابن الزبير. وعنه إبراهيم النخعى والشعبى ومحمد بن سيرين وعبد الله بن سلمة المرادى وغيرهم. قال الشعبى: كان عبيدة يوازى شريحا فى القضاء. وقال ابن سيرين: ما رأيت رجلا كان أشد توقيا من عبيدة. وكان محمد ابن سيرين مكثرا عنه. قال أحمد العجلى: كان عبيدة أحد أصحاب عبد الله بن مسعود الذين يقرءون ويفتون. قال ابن معين: كان عيسى بن يونس يقول السلمانى مفتوحة، وعده على المدينى فى الفقهاء من أصحاب ابن مسعود. ذكره ابن حبان فى الثقات توفى سنة 72 هـ. ينظر: البداية والنهاية (8/ 328)، وتهذيب التهذيب (7/ 84)، وشذرات الذهب (1/ 78)، وسير أعلام النبلاء (4/ 40)، والأعلام (4/ 357).
ابن قيس (¬1)، والربيع بن خثيم (¬2)، وعمرو بن ميمون (¬3)، وأبو عبد الرحمن، وزر بن حبيش (¬4)،
¬
_
(¬1) هو الحارث بن قيس الجعفى الكوفى. روى عن على. وعنه خيثمة بن عبد الرحمن. قيل قتل بصفين، وقيل: مات بعد على ينظر الخلاصة (1/ 185) (1156).
(¬2) هو الربيع بن خثيم بن عائذ بن عبد الله بن موهب بن منقذ الثورى، أبو يزيد، الكوفى، روى عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلا، وعن عبد الله بن مسعود، وعبد الرحمن بن أبى ليلى، وأبى أيوب الأنصارى، وغيرهم، وعنه ابنه عبد الله، ومنذر الثورى، والشعبى، والنخعى، وبكر بن ماعز، وغيرهم. قال عمرو بن مرة عن الشعبى: كان من معادن الصدق، وقال ابن حبان فى الثقات: أخباره فى الزهد والعبادة أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق فى ذكره، قال العجلى: تابعى ثقة، وكان خيارا، وروى أحمد فى الزهد عن ابن مسعود أنه كان يقول للربيع: والله لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك، وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين. وقال الشعبى: كان الربيع أشد أصحاب ابن مسعود ورعا. وقال منذر والثورى: شهد مع على صفين توفى سنة 63 هـ وقيل 61. ينظر: تهذيب التهذيب (3/ 242)، وطبقات ابن سعد (6/ 182)، وتهذيب الكمال (9/ 70 - 76).
(¬3) هو عمرو بن ميمون الأودى أبو يحيى الكوفى. روى عن عمر ومعاذ. وله إدراك. وعنه الشعبى وسعيد بن جبير وأبو إسحاق وقال: حج ستين ما بين حجة وعمرة. وروى إسرائيل عن أبى إسحاق:
حج مائة حجة وعمرة. وثقة ابن معين. قال أبو نعيم: مات سنة أربع وسبعين. ينظر الخلاصة (2/ 297).
(¬4) هو زر بن حبيش بن حباشة بن أوس بن بلال، الأسدي، أبو مريم، ويقال أبو مطرف الكوفى.
تابعى، من جلتهم. أدرك الجاهلية والإسلام، ولم ير النبى صلى الله عليه وسلم. كان عالما بالقرآن، فاضلا. وروى عن عمر وعثمان وعلى وأبى ذر وغيرهم. وعنه إبراهيم النخعى وعاصم بن بهدلة وعدى بن ثابت والشعبى. قال ابن معين: ثقة وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. وعاش مائة وعشرين سنة توفى سنة 83 هـ. ينظر: تهذيب التهذيب (3/ 321)، وأسد الغابة (2/ 200)، والإصابة (1/
577)،
وعبيد بن نضلة (¬1)، وأبو زرعة بن [أبى] عمرو (¬2)، وسعيد بن جبير (¬3)، والنخعى، والشعبى.
وبالبصرة: عامر بن قيس، وأبو العالية (¬4)، وأبو رجاء (¬5)، ونصر بن عاصم (¬6)، ويحيى ابن يعمر (¬7)، وجابر بن زيد (¬8)، والحسن، وابن سيرين، وقتادة (¬9). وبالشام: المغيرة
¬
_
والأعلام (3/ 43)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 196).
(¬1) هو عبيد بن نضلة الخزاعى أبو معاوية الكوفى المقرئ. عن ابن مسعود والمغيرة بن شعبة. وعنه إبراهيم النخعى والحسن العرنى. قال العجلى: ثقة. قيل: مات سنة أربع وسبعين. له عندهم حديثان. ينظر: الخلاصة (2/ 205).
(¬2) هو يحيى بن أبى عمرو السيبانى بفتح المهملة والموحدة بينهما تحتانية. وسيبان بطن من حمير، أبو زرعة الحمصى. روى عن عبد الله بن الديلمى مرسلا وأبى محيريز. وعنه الأوزاعى وابن المبارك. وثقه أحمد ودحيم. قال ضمرة بن ربيعة: توفى سنة ثمان وأربعين ومائة ينظر تهذيب الكمال (31/ 480).
(¬3) هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبى، مولاهم، أبو محمد ويقال عبد الله الكوفى. من كبار التابعين. أخذ عن ابن عباس وأنس وغيرهما من الصحابة. خرج على الأمويين مع ابن الأشعث؛ فظفر به الحجاج فقتله صبرا. ينظر: تهذيب التهذيب (4/ 11) (14).
(¬4) هو رفيع بن مهران، أبو العالية، الرياحى مولاهم البصرى. أدرك الجاهلية. وأسلم بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بسنتين. روى عن على وابن مسعود وأبى موسى وأبى أيوب وأبى بن كعب وغيرهم. وعنه خالد الحذاء ومحمد بن سيرين وحفصة بنت سيرين والربيع بن أنس وغيرهم. قال ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم: ثقة، وقال اللالكائى: مجمع على ثقته. فأما قول الشافعى رحمه الله: حديث أبى العالية الرياحى رياح. فإنما أراد به حديثه الذى أرسله فى القهقهة. ومذهب الشافعى: أن المراسيل ليست بحجة، فأما إذا أسند أبو العالية فحجة توفى سنة 90 هـ. ينظر: تهذيب التهذيب (3/ 284)، وميزان الاعتدال (2/ 54)، والبداية والنهاية (9/ 80)، والطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 112).
(¬5) هو محمد بن سيف الأزدى الحدانى بضم المهملة الأولى أبو رجاء البصرى. روى عن الحسن وعكرمة وجماعة. وعنه شعبة ويزيد بن زريع وجماعة. وثقه ابن معين. ينظر: الخلاصة (2/ 413).
(¬6) هو نصر بن عاصم الليثى البصرى النحوى. روى عن أبى بكرة. وعنه أبو الشعثاء وقتادة. وثقه النسائى. قال خالد الحذاء: هو أول من وضع العربية. له فى مسلم حديث واحد. ينظر: الخلاصة (3/ 91).
(¬7) هو يحيى بن يعمر الوشقى العدوانى، أبو سليمان: أول من نقط المصاحف، كان من علماء التابعين، عارفا بالحديث والفقه ولغات العرب، من كتاب الرسائل الديوانية، أدرك بعض الصحابة، وأخذ اللغة عن أبيه والنحو عن أبى الأسود الدؤلى، صحب يزيد بن المهلب والى خراسان سنة 83 ولد بالأهواز وسكن البصرة وتوفى بها سنة 129 هـ حيث كان قاضيا.
ينظر تهذيب التهذيب (11/ 305)، بغية الوعاة (2/ 345)، غاية النهاية (2/ 381)، الأعلام:
(8/ 177).
(¬8) هو جابر بن زيد الأزدى، أبو الشعثاء، من أهل البصرة. تابعى ثقة فقيه. روى عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وغيرهم، وروى عنه قتادة وعمرو بن دينار وجماعة. كان عالما بالفتيا، شهد له عمرو بن دينار بالفضل فقال: ما رأيت أحدا أعلم بالفتيا من جابر بن زيد. قيل إنه كان إباضيّا.
والإباضية يعتبرونه إمامهم الأكبر. ينظر: تهذيب التهذيب (2/ 38)، وحلية الأولياء (3/ 85)، وتذكرة الحفاظ (1/ 67)، والأعلام للزركلى (2/ 91)، والإباضية فى موكب التاريخ (3/ 30).
(¬9) هو قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسى. من أهل البصرة. ولد ضريرا. أحد المفسرين والحفاظ
ابن أبى شهاب المخزومى (¬1) وغيره.
ثم تجرد بعد هؤلاء قوم للقراءة واشتهروا بها فاقتدى الناس بهم:
ف «بمكة»: ابن كثير، وحميد بن قيس الأعرج (¬2) ومحمد بن محيصن (¬3).
وبالمدينة: أبو جعفر ثم شيبة بن نصاح ثم نافع بن أبى نعيم.
وب «الكوفة»: يحيى بن وثاب (¬4)، وعاصم بن بهدلة، وسليمان الأعمش، ثم حمزة، ثم الكسائى.
وب «البصرة»: عبيد الله بن أبى إسحاق، وعيسى بن عمر، وأبو عمرو بن العلاء، ثم عاصم الجحدرى، ثم يعقوب الحضرمى.
وب «الشام»: ابن عامر، ويحيى بن الحارث الذمارى (¬5)، وخليد بن أسعد، وعطية ابن قيس (¬6)، وإسماعيل بن عبد الله، ثم خلفهم خلق كثير.
فإن قلت: إذا كان من تقدم من الصحابة كلهم جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف الجمع بين هذا وبين قول أنس: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة- وفى
¬
_
للحديث. قال أحمد بن حنبل: قتادة أحفظ أهل البصرة. وكان مع علمه بالحديث رأسا فى العربية، ومفردات اللغة وأيام العرب والنسب. وكان يرى القدر. وقد يدلس فى الحديث. مات بواسط فى الطاعون
توفى سنة 118 هـ. ينظر: الأعلام للزركلى (6/ 27)، وتذكرة الحفاظ (1/ 115).
(¬1) هو المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومى، أبو هاشم المدنى. روى عن أبيه وعنه ابن أخيه إسحاق بن يحيى بن طلحة. وثقه غير واحد. ينظر: الخلاصة (3/ 50).
(¬2) هو حميد بن قيس مولى بنى أسد بن عبد العزى بن صفوان الأعرج المكى القارئ. روى عن مجاهد وعكرمة وطائفة. وعنه معمر ومالك والسفيانان وخلق، قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث. توفى فى خلافة أبى العباس. ينظر: الخلاصة (1/ 260).
(¬3) هو محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمى مولاهم المكى مقرئ أهل مكة مع ابن كثير، ثقة، روى له مسلم وقيل اسمه عمر، وقيل عبد الرحمن. ينظر غاية النهاية (2/ 167) (3118).
(¬4) هو يحيى بن وثاب الأسدي بالولاء، الكوفى: إمام أهل الكوفة فى القرآن. تابعى ثقة. قليل الحديث.
من أكابر القراء. له خبر طريف مع الحجاج: كان يحيى يؤم قومه فى الصلاة، وأمر الحجاج ألا يؤم بالكوفة إلا عربى! فقيل له: اعتزل؛ فبلغ الحجاج، فقال: ليس عن مثل هذا نهيت؛ فصلى بهم يوما، ثم قال: اطلبوا إماما غيرى إنما أردت ألا تستذلونى فإذا صار الأمر إلى فلا أؤمكم. توفى سنة 103 هـ ينظر: الأعلام (8/ 176)، وغاية النهاية (2/ 380) وتهذيب التهذيب (11/ 294).
(¬5) هو يحيى بن الحارث بن عمرو بن يحيى بن سليمان بن الحارث أبو عمرو، ويقال أبو عمر، ويقال أبو عليم الغسانى الذمارى ثم الدمشقى، إمام الجامع الأموى، وشيخ القراءة بدمشق بعد ابن عامر، يعد من التابعين، لقى واثلة بن الأسقع وروى عنه.
ينظر: غاية النهاية (2/ 367) (3830).
(¬6) هو عطية بن قيس أبو يحيى الكلابى الحمصى الدمشقى تابعى: قارئ دمشق بعد ابن عامر، ثقة، ولد سنة سبع فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم، وردت الرواية عنه فى حروف القرآن، عرض القرآن على أم الدرداء.
ينظر: الغاية (1/ 513) (2125).
ص: ومنهمو عشر شموس ظهرا ... ضياؤهم وفى الأنام انتشرا
رواية عنه: لم يجمعه إلا أربعة-: أبى، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وفى أخرى:
أبو الدرداء (¬1)؟
قلت: الرواية الأولى لا تنافيه؛ لعدم الحصر، وأما الثانية فلا يصح حملها على ظاهرها؛ لانتفائها (¬2) بمن (¬3) ذكر؛ فلا بد من تأويلها بأنه لم يجمعه بوجوه قراءاته، أو لم يجمعه تلقيا من (¬4) رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لم (¬5) يجمعه (¬6) عنده شيئا بعد شىء [كلما] (¬7) نزل حتى تكامل نزوله- إلا هؤلاء [الأربعة] (¬8).
وهذا البيت توطئة للأئمة المذكورين فى هذا الكتاب، وقدم على التصريح بهم استعارات شوقت [إليهم] (¬9) فقال:
ص:
ومنهمو عشر شموس ظهرا ... ضياؤهم وفى الأنام انتشرا
ش: (عشر شموس) مبتدأ، و (ظهر ضياؤهم) صفته، و (منهم) خبر مقدم، و (فى الأنام) يتعلق (¬10) ب (انتشر)، وهو معطوف على (ظهر).
أى: من هؤلاء الأئمة الذين حازوا قصب السبق فى تجويد القرآن، وإتقانه، وتحقيقه، عشرة رجال قد شاع فضلهم وعلمهم شرقا وغربا، حتى صاروا كنور الشمس الذى لا يخفى على كل من له بصر، ولا يخص مكانا دون آخر، بل عم المشارق والمغارب.
وفى تشبيههم بالشمس إشارة إلى أن فضلهم (¬11) يعرفه من عنده آلة يعرف بها العالم من غيره، ومن (¬12) لا عنده آلة هو العامى، كما أن الشمس يعرفها من له بصر ومن لا بصر له (¬13) فإنه (¬14) يحس بحرّها [فيعرفها] (¬15).
والمصنف- رحمه الله تعالى- ذكر أولا الذين نقلوا القرآن [مطلقا] (¬16) من الصحابة والتابعين وغيرهم، وثانيا القراء العشرة، ثم ثلّث (¬17) بروايتهم، وربّع (¬18) بطرقهم، فقال (¬19):
¬
_
(¬1) فى د، ص: وأبو الدرداء.
(¬2) فى د، ص: لانتفاضها.
(¬3) فى م: بما.
(¬4) فى م: منه.
(¬5) فى م: ولم.
(¬6) فى م: يجمع.
(¬7) سقط فى م.
(¬8) زيادة من م.
(¬9) سقط فى م.
(¬10) فى ص: متعلق.
(¬11) فى م: كل.
(¬12) فى م، د: ولا من.
(¬13) فى د: لا له بصر.
(¬14) فى ز، ص، م: بأن.
(¬15) سقط فى م.
(¬16) سقط فى ص.
(¬17) فى ص: ثلثه.
(¬18) فى ص: وربعه.
(¬19) فى م: قال.
ص: حتى استمد نور كل بدر ... منهم وعنهم كل نجم درى
ص:
حتّى استمدّ نور كلّ بدر ... منهم وعنهم كلّ نجم درّى
ش: (حتى) للغاية هنا بمعنى: إلى أن استمد، و (نور كل بدر) فاعل (استمد)، و (منهم) يتعلق ب (استمد)، و (عنهم) يتعلق ب «أخذ» مقدرا، أى: وأخذ عنه كل نجم [وهو فاعله، و (درى) صفة (نجم)] (¬1).
أى: ظهر ضياء الشموس وانتشر فى سائر الآفاق والأقطار، إلى أن استمد منهم- أى من نورهم- نور كل بدر، وهو القمر ليلة تمامه، ومن شدة هذا النور الذى حصل للبدور وصل (¬2) عنهم، حتى أخذ عن هؤلاء أيضا- أى عن نورهم- نور كل نجم درى.
أشار بالأول إلى رواة القراءة، وبالأخير (¬3) إلى طرقها، وأجاد فى تشبيهه القراء بالشموس، والرواة بالبدور؛ لأن ضوء (¬4) البدر من ضوء الشمس، وأصحاب الطرق بالأنجم.
وذكر عن كل قارئ راويين (¬5) [فقال] (¬6):
ص:
وها هم يذكرهم بيانى ... كلّ إمام عنه راويان
ش: الواو استئنافية، و (ها) حرف تنبيه، و (هم) مبتدأ، و (يذكرهم بيانى (¬7)) فعلية خبر، و (كل إمام) مبتدأ، و (عنه راويان) خبره، وهى إما اسمية مقدمة الخبر أو فعلية، ف (راويان) (¬8) فاعل ب (عنه) (¬9)؛ لاعتماده على مبتدأ، وسيأتى ذكر الطرق.
ثم شرع فى ذكر القراء [واحدا بعد واحد، وذكر مع كل قارئ راوييه فى بيت واحد، وبدأ بنافع»] (¬10) فقال:
ص:
فنافع بطيبة قد حظيا ... فعنه قالون وورش رويا
ش: (فنافع) مبتدأ، و (قد حظى) [فعلية خبر] (¬11)، و (بطيبة) يتعلق به، و (قالون) مبتدأ، و (ورش) معطوف [عليه، و (رويا)] (¬12) خبره، و (عنه) يتعلق به.
بدأ الناظم- رحمه الله تعالى- بنافع تبعا لابن مجاهد والمختصرين، وهو نافع ابن عبد الرحمن بن أبى نعيم الليثى، مولاهم المدنى، واختلف فى كنيته، فقيل:
أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو عبد الله، وقيل: أبو رويم، وقيل: أبو الحسن.
¬
_
(¬1) سقط فى ص.
(¬2) فى م، ص، د: فضل.
(¬3) فى م: وبالآخر.
(¬4) فى م: ضياء.
(¬5) فى د، ص: روايتين.
(¬6) فى د، ز، ص: أشار إليه بقوله.
(¬7) فى ص: بيان.
(¬8) فى م: وراويان.
(¬9) فى د: لعنه.
(¬10) سقط فى م.
(¬11) فى د: خبره.
(¬12) فى د: ورويا عنه فعلية.
كان- رحمه الله تعالى- رجلا أسود اللون، عالما بوجوه القراءات والعربية، متمسكا بالآثار، فصيحا ورعا ناسكا، إمام الناس فى القراءة (¬1) بالمدينة، انتهت إليه رئاسة الإقراء بها، وأجمع الناس عليه بعد التابعين (¬2)، أقرأ [بها] (¬3) أكثر من سبعين.
قال سعيد بن منصور: سمعت مالك بن أنس يقول: قراءة أهل المدينة سنة. قيل له:
قراءة نافع؟ قال: نعم.
وقال عبد الله بن حنبل: سألت أبى: أى القراءة أحب إليك؟ قال: قراءة أهل المدينة.
وكان نافع إذا تكلم يشمّ من فيه رائحة المسك.
فقيل (¬4) له: أتتطيب (¬5)؟ قال: لا، ولكن رأيت فيما يرى النائم النبى صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ فى فىّ، فمن ذلك اليوم أشم من فىّ هذه الرائحة.
وقال ابن المسيبى (¬6): قلت لنافع: ما أصبح وجهك وأحسن خلقك؟ قال: كيف لا وقد صافحنى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قرأ على سبعين من التابعين، منهم أبو جعفر، وعبد الرحمن (¬7) بن هرمز الأعرج، ومسلم (¬8) بن جندب، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهرى، وصالح بن خوات (¬9)، وشيبة ابن نصاح، ويزيد بن رومان (¬10):
[فأبو جعفر سيأتى سنده] (¬11).
وقرأ الأعرج على ابن عباس، وأبى هريرة، وعبد الله بن عياش بن أبى ربيعة
¬
_
(¬1) فى م: القراءات.
(¬2) فى ز، ص، م: أربعين.
(¬3) سقط فى م.
(¬4) فى ز: وقيل.
(¬5) فى ص: أنت تتطيب.
(¬6) فى م، ص، د: ابن المسيب. وهو: محمد بن إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الله المسيبى المدنى مقرئ عالم مشهور ضابط ثقة، أخذ القراءة عن أبيه عن نافع، وله عنه نسخة.
ينظر: الغاية (2/ 98) (2847).
(¬7) فى د، ص: عبد الله.
(¬8) فى م: سالم، وفى ص: سليم بن جبير.
(¬9) هو صالح بن خوات بن جبير بن النعمان الأنصارى المدنى تابعى جليل، روى القراءة عن أبى هريرة، أخذ عنه القراءة عرضا نافع بن أبى نعيم ينظر الخلاصة (1/ 459) (3019).
(¬10) هو يزيد بن رومان أبو روح المدنى، مولى الزبير، ثقة، ثبت، فقيه، قارئ، محدث، عرض على عبد الله بن عياش بن أبى ربيعة، روى القراءة عنه عرضا نافع وأبو عمرو ولم يصح روايته عن أبى هريرة ولا ابن عباس ولا قراءته على أحد من الصحابة، روى عنه مالك بن أنس وجرير بن حازم وابن إسحاق، وحديثه فى الكتب الستة، وقال ابن معين وغيره: ثقة، وقال وهب بن جرير ثنا أبى قال رأيت محمد بن سيرين ويزيد بن رومان يعقدان الآى فى الصلاة. مات سنة عشرين ومائة وقال الدانى: سنة ثلاثين وقيل: سنة تسع وعشرين. ينظر: غاية النهاية (2/ 381).
(¬11) فى م: وسيأتى سند أبى جعفر.
المخزومى (¬1)، وقرأ مسلم وشيبة وابن رومان على عبد الله بن أبى ربيعة أيضا، وسمع شيبة القرآن من عمر بن الخطاب.
وقرأ صالح على أبى هريرة.
وقرأ الزهرى على سعيد بن المسيب.
وقرأ سعيد على ابن عباس وأبى هريرة.
وقرأ ابن عباس وأبو هريرة على أبى بن كعب.
وقرأ ابن عباس أيضا على زيد بن ثابت.
وقرأ أبى وعمر وزيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمين جبريل، وجبريل من رب العزة (¬2) جل وعلا، أو من (¬3) اللوح المحفوظ.
وأول راويى نافع: أبو موسى (¬4) عيسى قالون- وهو بالرومية: جيد، لقبه [به] (¬5) نافع وذلك لجودة قراءته- ابن مينا (¬6) المدنى النحوى الزرقى (¬7)، مولى الزهريين (¬8)، قرأ على نافع سنة خمسين (¬9)، واختص به كثيرا، وكان إمام المدينة ونحويها، وكان أصم لا يسمع البوق، وإذا قرئ عليه القرآن يسمعه، وقال: قرأت على نافع قراءته غير مرة وكتبتها (¬10) عنه.
وقال: قال (¬11) نافع: لم (¬12) تقرأ على؟! اجلس إلى (¬13) أسطوانة (¬14) حتى أرسل إليك من يقرأ (¬15) عليك.
وثانيهما (¬16): أبو سعيد عثمان بن سعيد، ولقبه نافع «ورش»؛ لشدة بياضه أو قلة أكله، القبطى (¬17) المصرى، [كان أول أمره] (¬18) راسا، ثم رحل إلى المدينة؛ ليقرأ على نافع،
¬
_
(¬1) هو عبد الله بن عياش بن أبى ربيعة، عمرو أبو الحارث المخزومى التابعى الكبير، قيل إنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم، أخذ القراءة عرضا عن أبى بن كعب، وسمع عمر بن الخطاب، روى القراءة عنه عرضا مولاه أبو جعفر، يزيد بن القعقاع، وشيبة بن نصاح، وعبد الرحمن بن هرمز، ومسلم بن جندب، ويزيد ابن رومان وهؤلاء الخمسة شيوخ نافع، وكان أقرأ أهل المدينة فى زمانه، مات بعد سنة سبعين وقيل سنة ثمان وسبعين، والله تعالى أعلم. ينظر: غاية النهاية (1/ 439 - 440).
(¬2) فى د: العالمين.
(¬3) فى د: ومن.
(¬4) فى ز: أبى موسى.
(¬5) سقط فى ص.
(¬6) فى ص: سينا.
(¬7) فى ز: الرقى، وفى ص: الرومى.
(¬8) فى م: الزهرى، وفى ص: بنى زهرة.
(¬9) فى م: خمسين ومائة.
(¬10) فى م: وكبتها.
(¬11) زاد فى م: لى، وفى ص: قاله لى.
(¬12) فى ص، م، د: كم.
(¬13) فى م: على.
(¬14) فى ص: أصطوانة.
(¬15) زاد فى م: القرآن.
(¬16) فى د: وثانيها.
(¬17) فى ز: النبطى، وفى م: التنبطى.
(¬18) زيادة من د، ص.
ص: وابن كثير مكة له بلد ... بزى وقنبل له على سند
فقرأ عليه أربع ختمات فى شهر (¬1) سنة خمس وخمسين ومائة (¬2)، ورجع إلى مصر وانتهت إليه رئاسة الإقراء بها، فلم ينازعه فيها منازع، مع براعته فى العربية ومعرفته بالتجويد (¬3)، وكان حسن الصوت.
قال يونس بن عبد الأعلى (¬4): كان ورش جيد القراءة حسن الصوت، [إذا قرأ] (¬5) يهمز ويمد ويشد ويبين الإعراب، لا يمل سامعه.
توفى نافع سنة تسع وستين ومائة (¬6) على الصحيح، ومولده سنة سبع (¬7). وتوفى قالون سنة مائتين وعشرين على الصواب، ومولده سنة مائة وعشرين. وتوفى ورش بمصر سنة سبع وتسعين ومائة، وولد بها سنة مائة وعشرة.
وأشار المصنف بقوله «رويا» إلى أنه لا واسطة بينهما وبينه.
ثم انتقل إلى ابن كثير فقال:
ص:
وابن كثير مكّة له بلد ... بزّى (¬8) وقنبل له على سند
ش: الواو للعطف، و (ابن كثير) مبتدأ، و (مكة) [مبتدأ] (¬9) ثان، و (له بلد) اسمية خبر (مكة)، والجملة خبر (ابن كثير) ويحتمل رفع (بلد) على الفاعلية (¬10)؛ لاعتماده على المبتدأ.
و (بزى) (¬11) مبتدأ، و (قنبل) عطف عليه، و (له) يتعلق (¬12) بمحذوف تقديره: رويا له، خبر، و (على سند) محله النصب على الحال.
ثنى (¬13) بابن كثير: وهو أبو معبد (¬14) أو محمد (¬15) أو عباد أو المطلب أو أبو بكر، عبد الله بن كثير الدارى، نسبته إلى العطر، أو إلى «دارين» (¬16) موضع بالبحرين [يجلب
¬
_
(¬1) فى ص: شهر ربيع.
(¬2) فى م: مائة خمسة وخمسين.
(¬3) فى د: وفى التجويد.
(¬4) هو يونس بن عبد الأعلى بن موسى بن ميسرة، أبو موسى الصدفى: من كبار الفقهاء. انتهت إليه رئاسة العلم بمصر. كان عالما بالأخبار والحديث، وافر العقل. صحب الشافعى وأخذ عنه. قال الشافعى: ما رأيت بمصر أحدا أعقل من يونس. مولده ووفاته بها. أخذ عنه كثيرون توفى سنة 264 هـ. ينظر: الأعلام (8/ 261)، ووفيات الأعيان (2/ 417)، وغاية النهاية (2/ 406).
(¬5) شقط فى ص، م.
(¬6) فى م: مائة تسعة وستين.
(¬7) فى ص: سبعين وسبع.
(¬8) فى د، ص، م: بز.
(¬9) زيادة من د.
(¬10) فى م: على أنه فاعل. وزاد فى ز: بلد.
(¬11) فى م، د: بز.
(¬12) فى د: متعلق.
(¬13) فى م: وثنى.
(¬14) فى ز: أبو سعيد.
(¬15) فى م: ومحمد.
(¬16) فى م: دارينا.
منه الطيب] (¬1)، أو إلى بنى الدار، أو إلى تميم الدارى، تابعى مولى فارس بن علقمة الكنانى.
وكان إمام الناس ب «مكة»، لم ينازعه فيها منازع؛ ولذلك (¬2) نقل عنه أبو عمرو، والخليل بن أحمد، والشافعى.
وكان فصيحا بليغا جسيما، أبيض اللحية (¬3)، طويلا، [أسمر] (¬4)، أشهل، يخضب بالحناء، عليه السكينة والوقار.
وقيل: من أراد التمام فليقرأ بقراءة ابن كثير.
وسأله الناس أن يجلس للإقراء بعد شيخه، فأنشد فى ذم نفسه [شعرا] (¬5):
بنىّ كثير أكول نئوم ... وليس كذلك من خاف ربّه
بنى كثير يعلم علما ... لقد أعوز الصوف من جزّ كلبه
بنى كثير كثير الذنوب ... ففي الحل والبل من كان سبّه
بنى كثير دهته اثنتان ... رياء وعجب يخالطن قلبه (¬6)
لقى من الصحابة: عبد الله بن الزبير، وأبا أيوب الأنصارى، وأنس بن مالك، وقرأ على: أبى السائب عبد الله بن السائب المخزومى، وعلى أبى الحجاج مجاهد المكى، وعلى درباس (¬7) مولى ابن عباس، وقرأ درباس على مولاه ابن عباس، وقرأ ابن عباس على أبى، وزيد بن ثابت، وقرأ عمر (¬8)، وزيد، وأبى على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأول راوييه البزى: وهو أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع ابن أبى بزة، وإليه نسب، مولى بنى مخزوم، [المكى، مؤذن المسجد الحرام وإمامه، قرأ
¬
_
(¬1) زيادة من ص.
(¬2) فى ز: وكذلك.
(¬3) فى ز، م: اللون.
(¬4) سقط فى د.
(¬5) زيادة من د.
(¬6) قال ابن الجزرى: وبعض القراء يغلط ويورد هذه الأبيات لعبد الله بن كثير، قال: وإنما هى لمحمد بن كثير أحد شيوخ الحديث، وممن أوردها لابن كثير القارئ أبو طاهر بن سوار وغيره. ينظر: غاية النهاية (1/ 444).
(¬7) هو درباس المكى مولى عبد الله بن عباس، عرض على مولاه عبد الله بن عباس، روى القراءة عنه عبد الله بن كثير، ومحمد بن عبد الرحمن بن محيصن، وزمعة بن صالح المكيون، قال الأهوازى:
سمعت أبا العباس أحمد بن محمد بن عبيد الله العجلى يقول: سمعت أبا بكر بن مجاهد يقول: أهل مكة يقولون: درباس خفيفة، وأهل الحديث يقولون: درباس مشددة الباء، وهو الصواب، وفيما قاله نظر، بل المشهور عند أهل الحديث وغيرهم هو التخفيف، وهو الصواب، والله أعلم. ينظر: غاية النهاية (1/ 280).
(¬8) فى د: وقرأ أبى، وفى ص: وقرأ عبد الله وأبى.
على] (¬1) عكرمة [و] على إسماعيل بن عبد الله القسط (¬2)، وعلى شبل بن عباد (¬3) على ابن كثير.
وثانيهما: قنبل، وهو الشديد الغليظ، أو من القنابلة بيت ب «مكة»، فالقياس (¬4) قنبلى مخفف: أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن سعيد (¬5) المكى المخزومى، ولى الشرطة بمكة.
قرأ على أبى الحسن أحمد القواس على أبى الإخريط (¬6) على إسماعيل على شبل، ومعروف بن مشكان (¬7) على ابن كثير.
¬
_
(¬1) سقط فى م.
(¬2) هو إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين أبو إسحاق المخزومى مولاهم المكى المعروف بالقسط مقرئ مكة. قال الشافعى رضى الله عنه: قرأت على ابن قسطنطين وكان يقول: القران اسم وليس بمهموز مثل التوراة والإنجيل، ولم يؤخذ من «قرأت»، وكان يقرأ: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ [النحل: 98] يهمز قرأت ولا يهمز القران، توفى سنة سبعين ومائة، وقال ابن إسرائيل سنة تسعين، وهو تصحيف، قال الذهبى: وهو آخر من قرأ على ابن كثير. ينظر: غاية النهاية (1/ 165 - 166).
(¬3) هو شبل بن عباد أبو داود المكى مقرئ مكة ثقة ضابط هو أجل أصحاب ابن كثير، مولده فيما ذكر الأهوازى سنة سبعين، وعرض على ابن محيصن وعبد الله بن كثير وهو الذى خلفه فى القراءة، روى القراءة عنه عرضا إسماعيل القسط، مع أنه عرض على ابن كثير أيضا، وابنه داود بن شبل، وعكرمة بن سليمان، وعبد الله بن زياد، وحسن بن محمد، ووهب بن واضح، ومحمد بن سبعون، وروى عنه القراءة من غير عرض عبيد بن عقيل، وعلى بن نصر ومحمد بن صالح المرى، وأبو حذيفة موسى بن مسعود، ويحيى بن سعيد المازنى، قيل إنه مات سنة ثمان وأربعين ومائة، قال الذهبى: وأظنه وهما؛ فإن أبا حذيفة إنما سمع منه سنة نيف وخمسين، ثم قال: بقى إلى قريب سنة ستين ومائة بلا ريب.
ينظر غاية النهاية (1/ 323 - 324) (1414).
(¬4) فى م: فلقب.
(¬5) فى م: سعد.
(¬6) هو وهب بن واضح أبو الإخريط ويقال أبو القاسم المكى، مقرئ أهل مكة، أخذ القراءة عرضا عن إسماعيل القسط ثم شبل بن عباد، ومعروف بن مشكان، روى القراءة عنه عرضا أحمد بن محمد القواس، وأحمد بن محمد البزى، قال الحافظ أبو عبد الله الذهبى: انتهت اليه رئاسة الإقراء بمكة، وقال ابن مجاهد: قال لى قنبل: كان البزى ينصب الياء يعنى فى قوله إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا [الفرقان:
30] فقال لى القواس: انظر فى مصحف أبى الإخريط كيف هى فى نقطها، فنظرت فإذا هو كان نقطها بالفتح ثم حكت، وقال القصاع: مات سنة تسعين ومائة. ينظر غاية النهاية (2/ 361) (3814).
(¬7) هو معروف بن مشكان أبو الوليد المكى مقرئ مكة مع شبل، ولد سنة مائة، وهو من أبناء الفرس الذين بعثهم كسرى فى السفن لطرد الحبشة من اليمن، أخذ القراءة عرضا عن ابن كثير، وهو أحد الذين خلفوه فى القيام بها بمكة، روى عنه القراءة عرضا إسماعيل القسط، مع أنه عرض على ابن كثير ووهب بن واضح بعد أن عرض على القسط، وسمع منه الحروف مطرف النهدى وحماد ابن زيد، وقد سمعا الحروف من ابن كثير أيضا وعبيد بن عقيل، وروى عن مجاهد وعطاء، وسمع منه ابن المبارك، وله فى سنن ابن ماجة حديث واحد.
مات سنة خمس وستين ومائة. ينظر غاية النهاية (2/ 303 - 304) (3628).
ص: ثم أبو عمرو فيحيى عنه ... ونقل الدورى وسوس منه
وتوفى ابن كثير سنة عشرين ومائة، ومولده سنة خمس وأربعين.
وتوفى البزى سنة مائتين وخمسين، ومولده سنة مائة وسبعين.
وتوفى قنبل سنة إحدى وتسعين ومائتين، ومولده سنة خمس وتسعين ومائة.
ثم انتقل إلى أبى عمرو فقال:
ص:
ثمّ أبو عمرو فيحيى عنه ... ونقل الدّورى وسوس منه
ش: (ثم) حرف عطف، و (أبو عمرو) مبتدأ خبره محذوف تقديره (ثالثهم) ونحوه، (فيحيى) مبتدأ وخبره «نقل عنه»، أو فاعل، و (نقل الدورى) فعلية، و (سوسى) عطف عليه، و «منه» يتعلق ب (نقل).
ثلث بأبى عمرو باعتبار مولده، واسمه زبان أو يحيى أو محبوب أو محمد أو عيينة- قال الفرزدق (¬1): سألته عن اسمه فقال: أبو عمرو، فلم أراجعه لهيبته-[ابن العلاء] (¬2) [ابن] (¬3) عمار، مازنى الأصل، أسمر طوال (¬4)، ثقة عدل زاهد، من أئمة القراءة (¬5)، والنحو، وأعرف الناس بالشعر، ولما قدم المدينة هرعت (¬6) الناس إليه، وكانوا لا يعدون من لم (¬7) يقرأ عليه قارئا.
قال (¬8) سفيان: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم [ف] قلت: يا رسول الله قد اختلفت على القراءات فبقراءة من تأمرنى؟ قال: «اقرأ بقراءة أبى عمرو».
ومر الحسن به، وحلقته متوافرة (¬9) والناس عكوف [عليه] (¬10)، فقال: لا إله إلا الله، لقد كادت العلماء أن يكونوا أربابا، كل عز لم يوطد (¬11) بعلم فإلى ذل يئول.
قرأ على أبى جعفر، ويزيد (¬12) بن رومان، وشيبة بن نصاح، وعبيد الله بن كثير، ومجاهد، والحسن البصرى، وأبى العالية، وحميد بن قيس، وعبد الله الحضرمى،
¬
_
(¬1) هو همام بن غالب بن صعصعة التميمى الدارمى، أبو فراس، الشهير بالفرزدق: شاعر، من النبلاء، من أهل البصرة، عظيم الأثر فى اللغة، كما يقال: لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب، ولولا شعره لذهب نصف أخبار الناس، يشبه بزهير بن أبى سلمى وكلاهما من شعراء الطبقة الأولى، زهير فى الجاهليين والفرزدق فى الإسلاميين، لقب بالفرزدق لجهامة وجهه وغلظه. توفى سنة 110 هـ.
ينظر ابن خلكان (2/ 196)، الأعلام (8/ 93).
(¬2) سقط فى م.
(¬3) سقط فى ز.
(¬4) فى م، ص: طويل.
(¬5) فى د: القرآن.
(¬6) فى م: هرع.
(¬7) فى ص، م، د: لا.
(¬8) فى م: وقال.
(¬9) فى ز، د: متواترة.
(¬10) سقط فى ز.
(¬11) فى د: يوطأ.
(¬12) فى ز: زيد.
وعبد الله بن أبى رباح، وعكرمة بن خالد، وعكرمة مولى ابن عباس، ومحمد ابن عبد الرحمن بن محيصن، وعاصم بن أبى النجود، ونصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر.
وسيأتى سند أبى جعفر، وتقدم سند يزيد وشيبة فى قراءة نافع، وسند مجاهد فى قراءة ابن كثير.
وقرأ الحسن على حطان (¬1) بن عبد الله الرقاشى، وأبى العالية الرياحى.
وقرأ حطان على أبى موسى الأشعرى (¬2).
وقرأ أبو العالية على عمر بن الخطاب، وأبى بن كعب، وزيد بن ثابت، وابن عباس.
وقرأ حميد على مجاهد، وتقدم سنده.
وقرأ عبد الله الحضرمى على يحيى بن يعمر، ونصر بن عاصم، وقرأ عطاء على أبى هريرة، [وتقدم سنده] (¬3).
وقرأ عكرمة بن خالد على أصحاب ابن عباس، وتقدم سنده، وقرأ عكرمة مولى ابن عباس على ابن عباس.
وقرأ ابن محيصن على مجاهد، ودرباس، وتقدم سندهما.
وسيأتى سند عاصم. [وقرأ نصر بن عاصم] (¬4)، ويحيى بن يعمر على أبى الأسود.
وقرأ أبو الأسود على عثمان، وعلى.
وقرأ أبو موسى الأشعرى، وعمر، وأبو زيد، وعثمان، [وعلىّ] (¬5) على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وصرح المصنف- رحمه الله- بالواسطة، وهو [يحيى، أى قرأ أبو محمد] (¬6) يحيى بن المبارك العدوى البصرى الزيدى صاحب يزيد على أبى عمرو، وكان أمثل أصحابه؛
¬
_
(¬1) فى ص، م: خطاب، وفى د: خطان. وهو: حطان بن عبد الله الرقاشى ويقال السدوسى، كبير القدر، صاحب زهد وورع وعلم، قرأ على أبى موسى الأشعرى عرضا، قرأ عليه عرضا الحسن البصرى، مات سنة نيف وسبعين، قاله الذهبى تخمينا. ينظر غاية النهاية (1/ 253) (1157).
(¬2) هو عبد الله بن قيس بن سليم، من الأشعريين، ومن أهل زبيد باليمن. صحابى من الشجعان الفاتحين الولاة. قدم مكة عند ظهور الاسلام، فأسلم، وهاجر إلى الحبشة، واستعمله النبى صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن. وولاه عمر بن الخطاب البصرة سنة 17 هـ، فافتتح أصبهان والأهواز، ولما ولى عثمان أقره عليها، ثم ولاه الكوفة. وأقره على، ثم عزله. ثم كان أحد الحكمين، فى حادثة التحكيم بين على ومعاوية. وبعد التحكيم رجع إلى الكوفة وتوفى بها سنة 44 هـ. ينظر الأعلام للزركلى (4/ 254).
(¬3) سقط فى ز، ص، م.
(¬4) زيادة من د.
(¬5) زيادة من م.
(¬6) فى م: الحضرمى.
ص: ثم ابن عامر الدمشقى بسند ... عنه هشام وابن ذكوان ورد
كان يأتيه الخليل ويناظره (¬1) الكسائى، قام بالقراءة كثيرا بعد أبى عمرو.
وقيل: أملى عشرة آلاف ورقة من صدره عن أبى عمرو خاصة، غير ما أخذه عن الخليل وغيره.
وأخذ عنه القراءة أبو عمر (¬2) حفص بن عمر بن صهبان الأزدى النحوى الدورى- مواضع بقرب بغداد ولد به- وأبو شعيب صالح بن زياد بن عبد الله السوسى، موضع ب «الأهواز».
وتوفى أبو عمر فى (¬3) قول الأكثر سنة مائة وأربع وخمسين.
وقيل (¬4): سبع.
ومولده سنة ثمان وستين، وقيل: سبع.
وتوفى اليزيدى سنة اثنتين ومائتين.
وتوفى الدورى فى شوال سنة مائتين وست وعشرين على الصواب.
وتوفى السوسى [أول] (¬5) سنة مائتين وإحدى وستين وقد قارب التسعين.
ص:
ثمّ ابن عامر الدّمشقى بسند ... عنه هشام وابن ذكوان ورد
ش: (ابن عامر) مبتدأ، (الدمشقى) صفته، و (ورد عنه هشام وابن ذكوان (¬6)) فعلية خبر، و (عنه) يتعلق ب (ورد) و (بسند) (¬7) يتعلق به، أى: مصاحبين لسند (¬8).
ربّع بابن عامر، وهو أبو عمران، أو نعيم، أو عثمان، أو عليم، عبد الله بن عامر ابن يزيد بن تميم بن ربيعة الدمشقى اليحصبى.
كان إماما كبيرا، وتابعيّا جليلا، وعالما شهيرا، أم المسلمين ب «الجامع الأموى» سنين كثيرة فى أيام عمر بن عبد العزيز وقبله وبعده، فكان يؤمه (¬9) وهو أمير المؤمنين، وناهيك
¬
_
(¬1) فى ص: ويناظر.
(¬2) فى ز: أبو عمرو، وفى م: أبو حفص.
(¬3) فى ص: وفى.
(¬4) فى م: أو.
(¬5) سقط فى م.
(¬6) هو عبد الله بن أحمد بن بشر، ويقال: بشير بن ذكوان بن عمرو بن حسان بن داود بن حسنون ابن سعد بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر أبو عمرو أو أبو محمد، القرشى الفهرى الدمشقى، الإمام الأستاذ الشهير الراوى الثقة، شيخ الإقراء بالشام وإمام جامع دمشق. قال أبو زرعة الدمشقى:
لم يكن العراق ولا بالحجاز ولا بالشام ولا بمصر ولا بخراسان فى زمان ابن ذكوان أقرأ عندى منه.
وقال الوليد بن عتبة الدمشقى: ما بالعراق أقرأ من ابن ذكوان ولد يوم عاشوراء سنة ثلاث وسبعين ومائة وتوفى يوم الاثنين لليلتين بقيتا من شوال، وقيل لسبع خلون منه، سنة اثنتين وأربعين ومائتين.
ينظر غاية النهاية (1/ 404) (1720).
(¬7) فى ص: وسند.
(¬8) فى م: يسند.
(¬9) فى د: قائما.
بذلك منقبة، وجمع له بين الإمامة والقضاء ومشيخة الإقراء (¬1) ب «دمشق»، وهى حينئذ دار الخلافة.
قرأ على المغيرة بن أبى شهاب عبد الله بن عمرو بن المغيرة المخزومى بلا خلاف، وعلى أبى الدرداء عويمر بن زيد (¬2) بن قيس، فيما قطع به الدانى.
وقرأ المغيرة على عثمان بن عفان.
وقرأ عثمان وأبو الدرداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى الله عنهما.
وراوياه: أبو الوليد هشام بن عمار السلمى (¬3)، وأبو عمرو عبد الله بن أحمد بن بشر ابن ذكوان القرشى الفهرى الدمشقى.
[قرأ على أبى سليمان أيوب بن تميم الدمشقى (¬4)] (¬5).
وقرأ هشام أيضا على أبى الضحاك (¬6) عراك بن يزيد بن خالد، وعلى أبى محمد سويد ابن عبد العزيز الواسطى (¬7)، وعلى أبى العباس صدقة.
¬
_
(¬1) فى م: القراءة.
(¬2) فى م: يزيد.
(¬3) هو هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة، أبو الوليد السلمى، وقيل الظفرى، الدمشقى، إمام أهل دمشق وخطيبهم ومقرئهم ومحدثهم ومفتيهم، ولد سنة ثلاث وخمسين ومائة.
وقال النسائى: لا بأس به، وقال الدار قطنى: صدوق كبير المحل، وكان فصيحا علامة واسع الرواية. مات سنة خمس وأربعين ومائتين، وقيل سنة أربع وأربعين. ينظر غاية النهاية (2/ 354 - 356) (3787).
(¬4) هو أيوب بن تميم بن سليمان بن أيوب، أبو سليمان، التميمى الدمشقى، ضابط مشهور، ولد فى أول سنة عشرين ومائة، قرأ على يحيى بن الحارث الذمارى، وهو الذى خلفه بالقيام فى القراءة بدمشق، قرأ عليه عبد الله بن ذكوان، وروى القراءة عنه هشام وعرضا أيضا وعبد الحميد بن بكار والوليد ابن عتبة وأبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغسانى، قال ابن ذكوان قلت له أنت تقرأ بقراءة يحيى ابن الحارث قال نعم أقرأ بحروفها كلها إلا قوله: جِبِلًّا فى يس [62] فإنه رفع الجيم وأنا أكسرها، توفى سنة ثمان وتسعين ومائة، وقال القاضى أسد بن الحسين: سنة تسع عشرة ومائتين فى أيام المعتصم وله تسع وتسعون سنة وشهران. ينظر غاية النهاية (1/ 172) (804).
(¬5) ما بين المعقوفين سقط فى م.
(¬6) هو عراك بن خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح بن جشم، أبو الضحاك المرى الدمشقى، شيخ أهل دمشق فى عصره، أخذ القراءة عرضا عن يحيى بن الحارث الذمارى وعن أبيه، وروى عن إبراهيم ابن أبى عبلة، وعن نافع فيما ذكره الهذلى، وهو بعيد جدّا، أخذ عنه القراءة عرضا هشام بن عمارة، والربيع بن تغلب، وروى عنه ابن ذكوان، وأحمد بن عبد العزيز البزار الصورى، قال الدانى: لا بأس به وهو أحد الذين خلفوا الذمارى فى القراءة بالشام، مات قبيل المائتين فيما قاله الذهبى. ينظر غاية النهاية (1/ 511) (2113).
(¬7) هو سويد بن عبد العزيز بن نمير، أبو محمد السلمى، مولاهم الواسطى قاضى بعلبك، ولد سنة ثمان ومائة، وقرأ على يحيى بن الحارث والحسن بن عمران صاحب عطية بن قيس، روى القراءة عنه الربيع بن تغلب وهشام بن عمار وأبو مسهر الغسانى، مات سنة أربع وتسعين ومائة. ينظر غاية النهاية (1/ 321) (1407).
ص: ثلاثة من كوفة فعاصم ... فعنه شعبة وحفص قائم
وقرأ أيوب وعراك وسويد وصدقة على أبى عمرو يحيى بن الحارث الذمارى.
[وقرأ الذمارى] (¬1) على ابن عامر.
توفى ابن عامر بدمشق (¬2) يوم عاشوراء سنة مائة وسبع عشرة، ومولده سنة إحدى (¬3) وعشرين من الهجرة أو ثمان وعشرين (¬4).
وتوفى هشام سنة مائتين وخمس وأربعين، ومولده سنة مائة وثلاث وخمسين.
وتوفى ابن ذكوان [فى شوال] (¬5) سنة اثنتين ومائتين على الصواب، ومولده يوم عاشوراء سنة مائة وثلاث وسبعين.
[ثم انتقل إلى الخامس فقال] (¬6):
ص:
ثلاثة من كوفة فعاصم ... فعنه شعبة وحفص قائم
ش: (ثلاثة من كوفة) اسمية (فعاصم) مبتدأ، و (شعبة) ثان، و (حفص) عطف عليه، و (قائم) خبر أحدهما مقدر مثله فى الآخر، والجملة خبر الأول، ويجوز جعل خبر «عاصم» محذوفا، أى: ثالثهم (¬7).
وقوله: (فعنه) جواب شرط تقديره: فأما عاصم فروى عنه شعبة، أى من الكوفة ثلاثة من الأئمة المشهورة (¬8) [السبعة] (¬9)، وإلا فهم أكثر من ثلاثة.
وأولهم (¬10): عاصم بن أبى النجود- من [نجد الثياب: نضدها] (¬11) - ابن بهدلة الأسدي مولاهم الكوفى.
انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد أبى عبد الرحمن السلمى، [خرج و] (¬12) جلس موضعه، ورحل إليه الناس للقراءة، وكان قد جمع من (¬13) الفصاحة والإتقان والتحرير والتجويد (¬14) حظّا وافرا، وكان أحسن الناس صوتا بالقرآن. قال أبو بكر بن عياش (¬15): لا
¬
_
(¬1) سقط فى م.
(¬2) زاد فى م: فى.
(¬3) فى د، ز: أحد.
(¬4) فى د، ص: ثمان عشرين.
(¬5) سقط فى م.
(¬6) سقط فى م.
(¬7) فى م: خامسهم.
(¬8) فى د: المشهورين.
(¬9) سقط فى م.
(¬10) فى م، د: فأولهم، وفى ص: فمنهم.
(¬11) فى م: نجد الشباب قصرها.
(¬12) زيادة من ص.
(¬13) فى د: بين.
(¬14) فى ص: والتجويد والتحرير.
(¬15) هو شعبة بن عياش بن سالم أبو بكر الحناط- بالنون- الأسدي، أبو بكر بن عياش النهشلى الكوفى، الإمام، العلم، راوى عاصم، اختلف فى اسمه على ثلاثة عشر قولا أصحها شعبة وقيل أحمد وعبد الله وعنترة وسالم وقاسم ومحمد وغير ذلك، ولد سنة خمس وتسعين. ينظر غاية النهاية (1/ 325) (1321).
أحصى ما سمعت أبا إسحاق السّبيعى (¬1) يقول: ما رأيت أحدا أقرأ للقرآن من عاصم.
وقال عبد الله (¬2) بن أحمد [بن حنبل] (¬3): سألت أبى عن عاصم فقال: رجل صالح خيّر (¬4) ثقة.
قرأ على أبى عبد الرحمن السلمى الضرير، وعلى زر بن حبيش الأسدي (¬5)، وعلى أبى عمرو وسعد (¬6) بن إياس الشيبانى (¬7).
وقرأ هؤلاء الثلاثة على عبد الله بن مسعود.
وقرأ السلمى وزر أيضا على عثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب.
وقرأ السلمى أيضا على أبى بن كعب، وزيد بن ثابت.
وقرأ زيد، وابن مسعود، وعثمان، وعلى، وأبى [بن كعب] (¬8) على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول راوييه: أبو بكر، وقدم لعلمه، واسمه شعبة أو يحيى أو محمد أو مطرف، أو كنيته.
تعلم القرآن من عاصم خمسا خمسا كما يتعلم الصبى من المعلم.
قال وكيع (¬9): هو العالم الذى أحيا الله به [قرآنه] (¬10)، وخرج من صدره نور ظن أنه يرجى حتى عرف، ولما حضرته الوفاة بكت أخته، فقال لها: ما يبكيك؟ انظرى إلى تلك الزاوية فقد ختمت بها [ثمانية عشر ألف] (¬11) ختمة.
¬
_
(¬1) هو عمرو بن عبد الله بن عبيد، أبو إسحاق، السبيعى الهمدانى الكوفى. من أعلام التابعين الثقات.
كان شيخ الكوفة فى عصره. أدرك عليّا رضى الله عنه، وروى عنه وعن المغيرة بن شعبة وزيد ابن أرقم والبراء بن عازب وجابر بن سمرة وغيرهم. وعنه ابنه يونس، وقتادة وسليمان التميمى، والثورى، وشعبة وزهير بن معاوية وغيرهم: وقيل: سمع من 38 صحابيّا، وكان من الغزاة المشاركين فى الفتوح: غزا الروم فى زمن زياد ست غزوات. قال ابن معين والنسائى: ثقة، وقال العجلى: كوفى تابعى ثقة توفى سنة 127 هـ. ينظر: تهذيب التهذيب (8/ 63 - 67)، وتاريخ الإسلام للذهبى (5/ 116)، والأعلام (5/ 251).
(¬2) فى م: عبد الرحمن.
(¬3) سقط فى م.
(¬4) فى ز، م: حبر.
(¬5) فى ص: الأزدى، وهى لغة فى الأسدي.
(¬6) فى م: سعيد.
(¬7) هو سعد بن إياس، أبو عمرو الشيبانى الكوفى، أدرك زمن النبى صلى الله عليه وسلم ولم يره، عرض على عبد الله ابن مسعود، عرض عليه يحيى بن وثاب وعاصم بن أبى النجود، قلت مات سنة ست وتسعين أو نحوها، وله مائة وعشرون سنة.
ينظر غاية النهاية (1/ 303) (1327).
(¬8) سقط فى د، ز، ص.
(¬9) وكيع بن الجراح بن مليح، أبو سفيان، الرؤاسى. فقيه حافظ للحديث. واشتهر حتى عد محدث العراق فى عصره، وأراد الرشيد أن يوليه قضاء الكوفة، فامتنع ورعا. ينظر: تذكرة الحفاظ (1/ 282).
(¬10) فى ز، ص، د: قرنه.
(¬11) فى م، د: ثمان عشرة، وفى ص عشرة آلاف.
ص: وحمزة عنه سليم فخلف ... منه وخلاد كلاهما اغترف
وثانيهما: أبو عمر داود، حفص، واشتهر بحفيص بن سليمان بن المغيرة البزاز [الغاضرى] (¬1)، قبيلة من بنى أسد، الأسدي.
كان أعلم أصحاب عاصم بقراءة عاصم، وكان ابن زوجة عاصم.
قال يحيى بن معين (¬2): الرواية الصحيحة التى رويت من قراءة عاصم رواية حفص.
وقال ابن المنادى (¬3): كان (¬4) الأولون يعدونه فى الحفظ فوق ابن عياش.
توفى عاصم آخر سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل: سنة ثمان وعشرين (¬5).
وتوفى أبو بكر فى جمادى الأولى سنة مائة وثلاث وتسعين ومولده سنة خمس وتسعين، وتوفى [حفص] سنة مائة وثمانين، ومولده سنة تسعين (¬6).
ص:
وحمزة عنه سليم فخلف ... منه وخلّاد كلاهما اغترف
ش: (وحمزة) مبتدأ، و (نقل عنه سليم) فعلية، ويحتمل الاسمية إن جعل (سليم) مبتدأ مؤخرا، وعليهما (¬7) فهى خبر ل (حمزة)، (فخلف) مبتدأ، و (خلاد) عطف عليه، و (كلاهما) توكيد (¬8)، و (اغترف) خبر أحدهما مقدر مثله فى الآخر، و (منه) يتعلق به.
أى: ثانى ثلاثة الكوفة أبو عمارة حمزة بن حبيب بن عمارة الزيات الكوفى الفرضى التيمى، مولاهم، أو مولى بنى عجل.
¬
_
(¬1) فى م: الفارض، وفى ص: القاصرى.
(¬2) هو يحيى بن معين بن عون بن زياد المرّى بالولاء، البغدادى، أبو زكريا من أئمة الحديث ومؤرخى رجاله. نعته الذهبى بسيد الحفاظ. وقال ابن حجر العسقلانى: «إمام الجرح والتعديل» وقال ابن حنبل: «أعلمنا بالرجال». كان أبوه على خراج الرى. فخلف له ثروة أنفقها فى طلب الحديث.
توفى بالمدينة حاجّا.
من تصانيفه: «التاريخ والعلل»، و «معرفة الرجال» توفى سنة 233 هـ. ينظر: الأعلام للزركلى (10/ 218)، وتذكرة الحفاظ (2/ 16)، وتهذيب التهذيب (11/ 280 - 288).
(¬3) فى ز، ص، م: المناوى. وهو: أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله، أبو الحسين البغدادى، المعروف بابن المنادى الإمام المشهور، حافظ، ثقة، متقن، محقق، ضابط.
توفى سنة ست وثلاثين وثلاثمائة فى المحرم. ينظر غاية النهاية (1/ 44) (183).
(¬4) فى ص: كل.
(¬5) قال ابن الجزرى فى الطبقات: توفى آخر سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل سنة ثمان وعشرين، فلعله فى أولها بالكوفة وقال نقلا عن الأهوازى: واختلف فى موته فقيل: سنة عشرين ومائة، وهو قول أحمد بن حنبل، وقيل: سنة ثمان، وقيل: سنة تسع، وقيل: قريبا من سنة ثلاثين، قال: والذى عليه الأكثر ممن سبق أنه توفى سنة تسع وعشرين، قال ابن الجزرى: بل الصحيح ما قدمت، ولعله تصحف على الأهوازى سبع بتسع، والله أعلم. ينظر الطبقات (1/ 348 - 349).
(¬6) ينظر: الطبقات (1/ 255).
(¬7) فى م: وعلى كل.
(¬8) فى م: تأكيد.
كان إمام الناس ب «الكوفة» فى القراءة بعد عاصم، والأعمش.
وكان ثقة كبيرا حجة قيما بكتاب الله تعالى، لم يكن له نظير، وكان يجلب الزيت من العراق إلى حلوان، ويجلب الجبن والجوز منها إلى الكوفة، وكان شيخه الأعمش إذا رآه يقول: هذا حبر القرآن.
وقال له الإمام أبو حنيفة: شيئان غلبتنا فيهما لسنا ننازعك عليهما: القرآن، والفرائض.
وكان لا يأخذ على القرآن أجرا تمسكا بحديث أبى الدرداء: «من أخذ قوسا (¬1) على تعليم القرآن قلده الله قوسا من نار» (¬2).
قرأ على أبى محمد الأعمش عرضا.
وقيل: الحروف فقط.
وعلى حمران بن أعين (¬3)، وعلى أبى إسحاق السبيعى، وعلى محمد بن عبد الرحمن ابن أبى ليلى (¬4)، وعلى طلحة بن مصرف اليامى (¬5)، وعلى جعفر الصادق (¬6).
وقرأ الأعمش، وطلحة على يحيى بن وثاب الأسدي.
¬
_
(¬1) فى م: فلسا.
(¬2) أخرجه البيهقى فى السنن الكبرى (6/ 126)؟؟؟ ذكره الهندى فى الكنز (2841) وزاد عزوه لأبى نعيم فى الحلية.
(¬3) هو حمران بن أعين أبو حمزة الكوفى، مقرئ كبير، أخذ القراءة عرضا عن عبيد بن نضلة وأبى حرب ابن أبى الأسود وأبيه أبى الأسود ويحيى بن وثاب ومحمد بن على الباقر، روى القراءة عنه عرضا حمزة الزيات، وكان ثبتا فى القراءة يرمى بالرفض، قال الذهبى: توفى فى حدود الثلاثين والمائة أو قبلها. ينظر غاية النهاية (1/ 261) (1189).
(¬4) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى، يسار- وقيل: داود- ابن بلال. أنصارى كوفى. فقيه من أصحاب الرأى. ولى القضاء 33 سنة لبنى أمية، ثم لبنى العباس. له أخبار مع أبى حنيفة وغيره.
ينظر التهذيب (9/ 301) الوافى بالوفيات (3/ 221).
(¬5) هو طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب أبو محمد، ويقال أبو عبد الله الهمدانى اليامى الكوفى، تابعى كبير، له اختيار فى القراءة ينسب إليه، قال العجلى اجتمع قراء الكوفة فى منزل الحكم بن
عيينة فأجمعوا على أنه أقرأ أهل الكوفة، فبلغه ذلك فغدا إلى الأعمش فقرأ عليه ليذهب عنه ذلك، أخذ القراءة عرضا عن إبراهيم بن يزيد النخعى، والأعمش، وهو أقرأ منه وأقدم، ويحيى بن وثاب روى القراءة عرضا عنه محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى، وعيسى بن عمر الهمدانى، وأبان بن تغلب، وعلى بن حمزة الكسائى، وفياض بن غزوان، وهو الذى روى عنه اختياره وأقرأ به فى الرى وأخذه الناس عنه هناك، مات سنة اثنتى عشرة ومائة، قال أبو معشر: ما ترك بعده مثله. قال عبد الله بن إدريس كانوا يسمونه سيد القراء. ينظر غاية النهاية (1/ 343) (1488).
(¬6) هو جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب الهاشمى أبو عبد الله الإمام الصادق المدنى أحد الأعلام. روى عن أبيه وجده أبى أمه القاسم بن محمد وعروة. وعنه خلق لا يحصون، منهم ابنه موسى، وشعبة، والسفيانان، ومالك. قال الشافعى وابن معين وأبو حاتم: ثقة. مات سنة ثمان وأربعين ومائة، عن ثمان وستين سنة. ينظر الخلاصة (1/ 168 - 169) (1048).
وقرأ يحيى على علقمة بن قيس، وعلى ابن أخيه الأسود، وعلى زر بن حبيش وعلى زيد بن وهب (¬1)، وعلى عبيدة السلمانى وعلى مسروق بن الأجدع وقرأ حمران على أبى الأسود الدؤلى، وتقدم سنده، وعلى عبيد بن نضلة (¬2).
وقرأ عبيد على علقمة.
وقرأ حمران أيضا على محمد بن الباقر.
وقرأ أبو إسحاق على أبى عبد الرحمن السلمى، وعلى زر بن حبيش، وتقدم سندهما وعلى عاصم بن ضمرة (¬3)، وعلى الحارث الهمدانى (¬4).
وقرأ عاصم والحارث على على.
وقرأ ابن أبى ليلى على المنهال (¬5) وغيره.
وقرأ المنهال على سعيد بن جبير، وتقدم سنده.
وقرأ علقمة، والأسود، وابن وهب، ومسروق وعاصم بن ضمرة، والحارث أيضا على ابن مسعود.
وقرأ جعفر الصادق على أبيه محمد الباقر على أبيه (¬6) زين العابدين على أبيه سيد شباب أهل الجنة الحسين على أبيه على بن أبى طالب.
وقرأ على، وابن مسعود على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأول راوييه: أبو محمد خلف البزار.
وثانيهما: أبو عيسى خلاد بن خالد أو خليد أو عيسى الصيرفى، كان إماما فى القراءة
¬
_
(¬1) هو زيد بن وهب أبو سليمان الجهنى الكوفى، رحل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فمات وهو فى الطريق، عرض على عبد الله بن مسعود، عرض عليه سليمان بن مهران الأعمش، توفى بعد الثمانين. ينظر الغاية (1/ 299) (1309).
(¬2) فى م: عبيدة بن نضيلة.
(¬3) هو عاصم بن ضمرة السكونى الكوفى، أخذ القراءة عن على بن أبى طالب ومعظم روايته عنه، روى القراءة عنه عرضا أبو إسحاق السبيعى وهو ثقة صالح، وهو فى سند حمزة من قراءته على السبيعى.
ينظر غاية النهاية (1/ 349) (1497).
(¬4) هو الحارث بن عبد الله الهمدانى الكوفى الأعور، قرأ على على وابن مسعود، قرأ عليه أبو إسحاق السبيعى، قال ابن أبى داود: كان أفقه الناس، وأفرض الناس، وأحسب الناس، قلت: وقد تكلموا فيه وكان شيعيا، مات سنة خمس وستين. ينظر غاية النهاية (1/ 201) (922).
(¬5) هو المنهال بن عمرو الأنصارى ويقال الأسدي الكوفى ثقة مشهور كبير، عرض على سعيد بن جبير، عرض عليه محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى وروى عنه منصور والأعمش وشعبة والحجاج. ينظر غاية النهاية (2/ 315) (3665).
(¬6) فى م: وقرأ على أبيه.
ص: ثم الكسائى الفتى على ... عنه أبو الحارث والدورى
ثقة عارفا محققا مجوّدا أستاذا ضابطا متقنا.
قال الدانى: هو أضبط أصحاب سليم وأجلهم.
قرآ معا على أبى عيسى سليم.
وكان إماما [عارفا] (¬1) فى القراءة [ثقة] (¬2) ضابطا لها محررا حاذقا، وكان أخص أصحاب حمزة وأضبطهم وأقرأهم (¬3) بحروف حمزة، وهو الذى خلفه فى القيام بالقراءة (¬4).
وقال يحيى بن عبد الملك: كنا نقرأ على حمزة، فإذا جاء سليم قال لنا حمزة: تحفظوا أو تثبتوا فقد جاء سليم.
توفى حمزة سنة ست وخمسين ومائة، ومولده سنة ثمانين.
وتوفى خلف سنة تسع وعشرين ومائتين.
وخلاد سنة مائتين وعشرين.
وسليم سنة سبع (¬5) أو ثمان وثمانين ومائة.
ص:
ثمّ الكسائىّ الفتى علىّ ... عنه أبو الحارث والدّورىّ
ش: (ثم الكسائى) مبتدأ، والخبر محذوف، أى: سابعهم، و (الفتى) صفته، و (على) بدل لا عطف بيان، لكونه غير واضح، و (عنه) يتعلق بمحذوف، أى: روى عنه، و (أبو الحارث) فاعل ب (عنه) لا بالمحذوف على الأصح، ويحتمل الاسمية، أى [أبو] (¬6) الحارث والدورى رويا عنه.
أى: ثالث ثلاثة الكوفة أبو الحسن على بن حمزة بن عبد الله بن تميم بن فيروز النحوى الكسائى، مولى بنى أسد، فارسى الأصل، من كبار [تابعى] (¬7) التابعين كان [إمام] (¬8) الناس [فى القراءة فى زمانه، وأعلمهم بالقرآن] (¬9)، [قال أبو بكر الأنبارى (¬10): اجتمعت
¬
_
(¬1) زيادة من م.
(¬2) زيادة من م.
(¬3) فى د: وأقومهم.
(¬4) فى ص: فى القراءة.
(¬5) فى م: تسع.
(¬6) سقط فى ز.
(¬7) سقط فى ز، ص، م.
(¬8) سقط فى م.
(¬9) سقط فى م.
(¬10) هو محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان، أبو بكر، ابن الأنبارى.
محدث، مفسر، لغوى، نحوى، قال محمد بن جعفر التميمى: ما رأينا أحدا أحفظ من ابن الأنبارى ولا أغزر من علمه.
من تصانيفه: (عجائب علوم القرآن)، (غريب الحديث)، (كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان)، (المشكل فى معانى القرآن). ينظر سير أعلام النبلاء (15/ 274 - 279)، وتاريخ بغداد (3/ 189)، ومعجم المؤلفين (11/ 143).
ص: ثم أبو جعفر الحبر الرضا ... فعنه عيسى وابن جماز مضى
فى الكسائى أمور] (¬1): كان أعلم الناس بالنحو (¬2)، وأوحدهم (¬3) فى الغريب، وفى القرآن، وكانوا يكثرون عليه فيجمعهم فى مجلس واحد، ويتلو القرآن من أوله إلى آخره، وهم يسمعون ويضبطون عنه، حتى المقاطع والمبادئ.
وقال ابن معين: ما رأيت بعينى هاتين أحذق (¬4) لهجة من الكسائى.
قرأ على حمزة أربع مرات، وعليه اعتماده، وعلى محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى، وتقدم سندهما، وعلى عيسى بن عمر (¬5) الهمدانى (¬6).
وروى أيضا الحروف عن (¬7) أبى بكر شعبة (¬8)، وإسماعيل بن جعفر، وزائدة (¬9) ابن قدامة، وقرأ عيسى على عاصم، وطلحة بن مصرف والأعمش، وتقدموا.
وقرأ إسماعيل على شيبة بن نصاح، ونافع.
وقرأ زائدة على الأعمش.
توفى (¬10) سنة تسع وثمانين ومائة عن سبعين سنة.
وأول راوييه: أبو الحارث الليث بن خالد المروزى البغدادى، كان ثقة قيما بالقراءة ضابطا لها محققا.
قال الدانى: كان من جلة (¬11) أصحاب الكسائى توفى سنة أربعين ومائتين.
وثانيهما: أبو عمر (¬12) حفص [الدورى] (¬13) راوى أبى عمرو، وتقدم (¬14).
ص:
ثمّ أبو جعفر الحبر الرّضا ... فعنه عيسى وابن جمّاز مضى
ش: (أبو جعفر) مبتدأ، و (الحبر الرضا) صفته، والخبر محذوف تقديره: ثامنهم أو
¬
_
(¬1) ما بين المعقوفين سقط فى م.
(¬2) فى ص: فى النحو.
(¬3) فى ز، ص، م: أجودهم.
(¬4) فى م، د: أصدق.
(¬5) فى ص: ابن عمرو.
(¬6) فى م: الهذلى. وهو: عيسى بن عمر أبو عمر الهمدانى الكوفى القارئ الأعمى مقرئ الكوفة بعد حمزة، عرض على عاصم بن أبى النجود وطلحة بن مصرف والأعمش وذكر الأهوازى والنقاش أنه قرأ على أبى عمرو، عرض عليه الكسائى وبشر بن نصر وخارجة بن مصعب والحسن بن زياد وعبيد الله بن موسى وعبد الرحمن بن أبى حماد وهارون بن حاتم، قال سفيان الثورى: أدركت الكوفة وما بها أحد أقرأ من عيسى الهمدانى، وقال ابن معين: عيسى بن عمر الكوفى، ثقة، همدانى، هو صاحب الحروف. وقال أحمد بن عبد الله العجلى: هو ثقة، رجل صالح، رأس فى القرآن، وقال مطر: مات سنة ست وخمسين ومائة، وقيل سنة خمسين. ينظر غاية النهاية (1/ 612) (2497).
(¬7) فى م، ص: على.
(¬8) فى ص: ابن شعبة.
(¬9) فى م: زائد.
(¬10) زاد فى م: الكسائى.
(¬11) فى م: جملة.
(¬12) فى ز: أبو عمرو.
(¬13) سقط فى م.
(¬14) فى م: المتقدم.
منهم، (فعنه عيسى) إما اسمية أو فعلية، و (ابن جماز) عطف عليه، أى: ثامن العشرة أبو جعفر يزيد بن القعقاع المخزومى المدنى، إمام المدينة، تابعى.
قال يحيى بن معين: كان إمام أهل زمانه فى القراءة، وكان ثقة.
وقال يعقوب بن جعفر بن أبى كثير: كان إمام الناس ب «المدينة».
وقال (¬1): أبو الزناد: لم يكن بالمدينة أحد أقرأ للسنة من أبى جعفر.
وقال مالك: كان رجلا صالحا.
وقال نافع: لما غسّل أبو جعفر نظروا ما بين نحره إلى فؤاده مثل ورقة المصحف، فما شك أحد ممن حضره (¬2) أنه نور القرآن.
ورئى [فى المنام بعد وفاته] (¬3) فقال: بشر (¬4) أصحابى وكل من قرأ قراءتى أن الله قد غفر لهم، وأجاب فيهم دعوتى، ومرهم أن يصلوا هذه الركعات فى جوف الليل كيف استطاعوا.
قرأ (¬5) على مولاه عبد الله بن عياش بن أبى ربيعة المخزومى، وعلى عبد الله بن عباس الهاشمى، وعلى عبد الرحمن بن عوف الدوسى.
وقرأ هؤلاء الثلاثة على أبى (¬6) المنذر الخزرجى (¬7) على أبى هريرة.
وقرأ ابن عباس (¬8) أيضا على زيد بن ثابت.
وقيل: إن أبا جعفر قرأ على زيد نفسه، وهو محتمل؛ فإنه صح أنه أتى به إلى أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم فمسحت على رأسه ودعت [له] (¬9)، وأنه صلى بابن عمر بن الخطاب، وأنه أقرأ الناس قبل الحرة، [وكانت الحرة سنة ثلاث وستين] (¬10).
وقرأ زيد وأبى (¬11) على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتوفى (¬12) سنة ثلاثين ومائة.
وأول راوييه: عيسى بن وردان المدنى الحذاء (¬13)، كان رأسا فى القراءة
¬
_
(¬1) فى م: قال.
(¬2) فى م: حضر.
(¬3) فى م: بعد وفاته نوما.
(¬4) فى م، ص: بشروا.
(¬5) فى ز: وقرأ.
(¬6) فى ص: ابن.
(¬7) فى م: المخزومى.
(¬8) فى ز، ص: ابن عياش.
(¬9) سقط فى ز، ص.
(¬10) سقط فى م.
(¬11) فى م: وأبو هريرة.
(¬12) فى م: توفى أبو جعفر.
(¬13) فى م: الحز وهو عيسى بن وردان أبو الحارث المدنى الحذاء إمام مقرئ حاذق وراو محقق ضابط، عرض على أبى جعفر وشيبة ثم عرض على نافع وهو من قدماء أصحابه. قال الدانى من جلة أصحاب نافع وقدمائهم.
ينظر: الغاية (1/ 616) (2510).
ص: تاسعهم يعقوب وهو الحضرمى ... له رويس ثم روح ينتمى
ضابطا (¬1) لها، من قدماء أصحاب نافع، ومن أصحابه فى القراءة على أبى جعفر، وتوفى فى حدود سنة ستين ومائة.
وثانيهما: أبو الربيع سليمان بن مسلم بن جماز الزهرى، مولاهم المدنى، وكان مقرئا جليلا ضابطا، مقصودا فى قراءة أبى جعفر ونافع، روى (¬2) القراءة عرضا عنهما. توفى [بعد] (¬3) سنة سبعين ومائة.
ص:
تاسعهم يعقوب وهو الحضرمى ... له رويس ثمّ روح ينتمى
ش: (تاسعهم يعقوب) اسمية، وكلّ صالح للابتداء به، (وهو الحضرمى) اسمية، (رويس ينتمى) اسمية، (ثم روح) عطف على (رويس)، و (له) يتعلق ب (ينتمى)، أى: تاسع العشرة يعقوب بن أبى إسحاق زيد بن عبد الله بن إسحاق الحضرمى، مولاهم البصرى (¬4).
كان إماما كبيرا ثقة عالما صالحا دينا، انتهت إليه رئاسة القراءة بعد أبى عمرو، كان إمام جامع البصرة سنين.
قال أبو حاتم السجستانى: هو أعلم من رأيت بالحروف والخلاف فى القرآن، وعلله، ومذاهب النحو.
قرأ على أبى المنذر بن أبى سليمان (¬5) المزنى مولاهم الطويل، وعلى شهاب ابن شرنفة (¬6)، وعلى مهدى بن ميمون، وعلى جعفر بن حيان (¬7) العطاردى.
وقيل: إنه قرأ على أبى عمرو سنة (¬8)، وتقدم سندهم.
وقرأ [سلام] (¬9) أيضا على عاصم بن العجاج [الجحدرى] (¬10) البصرى، وعلى أبى عبد الله يونس بن عبيد بن دينار (¬11).
¬
_
(¬1) فى م: وضابطا.
(¬2) فى د: وروى.
(¬3) سقط فى د.
(¬4) فى م: وهو البصرى.
(¬5) فى م: ابن سلمان، وفى د، ص: سلام بن أبى سليمان. وهو سلام بن سليمان الطويل أبو المنذر المزنى، مولاهم البصرى ثم الكوفى، ثقة جليل، ومقرئ كبير.
ذكره ابن حبان فى الثقات وقال أبو حاتم: صدوق، ولين العقيلى حديثه، مات سنة إحدى وسبعين ومائة، ومن قال إن له من العمر مائة وخمسة وثلاثين سنة فقد أبعد. ينظر غاية النهاية (1/ 309) (1360).
(¬6) فى م: شريفة، وفى ص: شرنقة.
(¬7) فى م: حجاز.
(¬8) فى م، ص، د: نفسه.
(¬9) سقط فى م.
(¬10) سقط فى م.
(¬11) هو يونس بن عبيد بن دينار أبو عبد الله القعنبى البصرى، إمام جليل، عرض على الحسن البصرى، ورأى أنس بن مالك، عرض عليه سلام بن سليمان الطويل، قال حماد بن يزيد عنه: يوشك أن ترى عينك ما لم تر، ويوشك أن تسمع أذنك ما لم تسمع، ولا تخرج من طبقة إلا دخلت فيما هى أشد منها، حتى يكون آخر ذلك الجواز على الصراط، توفى سنة تسع وثلاثين ومائة. ينظر غاية النهاية
وقرأ (¬1) على الحسن بن الحسن (¬2) البصرى، وتقدم سنده.
وقرأ الجحدرى أيضا على سليمان بن قتّة التيمى (¬3).
وقرأ على ابن عباس.
وقرأ شهاب على أبى عبد الله بن هارون العتكى الأعور النحوى وعلى المعلى (¬4) ابن عيسى، وقرأ هارون على عاصم بن [عيسى] (¬5) الجحدرى، وأبى عمرو بسندهما (¬6).
وقرأ المعلى (¬7) على عاصم الجحدرى، وقرأ مهدى (¬8) على شعيب بن الحبحاب (¬9).
وقرأ على أبى العالية الرياحى وتقدم.
وقرأ جعفر بن حيان على أبى رجاء (¬10) عمران بن ملحان العطاردى على أبى موسى الأشعرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا سند فى غاية العلو والصحة.
توفى [يعقوب] (¬11) سنة خمسين ومائتين.
وأول راوييه: محمد بن المتوكل اللؤلئى البصرى المعروف برويس، وكان إماما فى القراءة قيما بها [ماهرا] (¬12) ضابطا مشهورا حاذقا.
¬
_
(2/ 407) (3951).
(¬1) فى د، ص: وقرأ.
(¬2) فى م: ابن أبى الحسن، وفى ص: ابن الحسين.
(¬3) فى م، د: قنه، وفى ص: قتيبة. وهو سليمان بن قتة- بفتح القاف ومثناة من فوق مشددة- وقتة أمه، التيمى، مولاهم البصرى، ثقة، عرض على ابن عباس ثلاث عرضات، وعرض عليه عاصم الجحدرى. ينظر غاية النهاية (1/ 314) (1385).
(¬4) فى م: العلاء. وهو معلى بن عيسى، ويقال ابن راشد، البصرى الوراق الناقط، روى القراءة عن عاصم الجحدرى وعون العقيلى، روى القراءة عنه على بن نصير وبشر بن عمر وعبيد بن عقيل وعبد الرحمن بن عطاء، وهو الذى روى عدد الآى والأجزاء عن عاصم الجحدرى. قال الدانى:
وهو من أثبت الناس فيه، روى عنه العدد سليم بن عيسى وعبيد بن عقيل. ينظر غاية النهاية (2/ 304) (3630).
(¬5) سقط فى د.
(¬6) فى د: سندهما، وفى ص: سندهما تقدم.
(¬7) فى م: العلاء.
(¬8) فى د: المهدى، وفى ز: المهدوى. وهو مهدى بن ميمون أبو يحيى البصرى ثقة مشهور، عرض على شعيب بن الحبحاب وروى عن الحسن وابن سيرين، عرض عليه يعقوب الحضرمى وروى عنه ابن المبارك ووكيع، مات سنة إحدى وسبعين ومائة. ينظر غاية النهاية (2/ 316) (3669).
(¬9) فى م: الحجاب. وهو شعيب بن الحبحاب الأزدى، أبو صالح البصرى، تابعى ثقة، عرض على أبى العالية الرياحى، روى القراءة عنه مهدى بن ميمون، أحد شيوخ يعقوب، مات سنة ثلاثين ومائة وقيل سنة إحدى وثلاثين. ينظر غاية النهاية (1/ 327) (1423).
(¬10) فى م: أبى عامر.
(¬11) زيادة من م، وفى د: وتوفى.
(¬12) سقط فى م.
ص: والعاشر البزار وهو خلف ... إسحاق مع إدريس عنه يعرف
قال الدانى: هو من أحذق أصحاب يعقوب توفى سنة ثمان وثلاثين (¬1) ومائتين.
وثانيهما: أبو الحسن روح بن عبد المؤمن بن عبدة (¬2) الهذلى، مولاهم البصرى النحوى، كان مقرئا جليلا ضابطا مشهورا من أجل أصحاب يعقوب وأوثقهم، روى عنه البخارى فى «صحيحه».
توفى سنة أربع أو خمس وثلاثين ومائتين.
ص:
والعاشر البزّار وهو خلف ... إسحاق مع إدريس عنه يعرف
ش: (العاشر (¬3) البزار) اسمية، و (هو خلف) كذلك، (إسحاق) مبتدأ، (مع إدريس) حال، (يعرف) (¬4) خبر، و (عنه) (¬5) يتعلق ب (يعرف).
أى: عاشر العشرة أبو محمد خلف راوى حمزة [المتقدم] (¬6)، كان إماما ثقة عالما، حفظ القرآن وهو ابن عشر سنين، وابتدأ فى طلب العلم وهو ابن ثلاث عشرة [سنة] (¬7).
قال: وأشكل علىّ باب من النحو فأنفقت ثمانين (¬8) ألفا حتى عرفته.
قال الناظم: ولم يخرج فى اختياره عن قراءة الكوفيين فى حرف واحد، [بل] (¬9) ولا عن حمزة، والكسائى، وشعبة، إلا فى حرف واحد، وهو (¬10) قوله تعالى: وحرم على قرية (¬11) [الأنبياء: 95].
وروى عنه أبو العز فى «إرشاده» السكت بين السورتين فخالف الكوفيين.
قرأ على سليم صاحب حمزة، وعلى يعقوب بن خليفة الأعشى صاحب أبى بكر، وعلى أبى زيد (¬12) سعيد بن أوس الأنصارى، وعلى المفضل (¬13).
وقرأ أبو بكر، والمفضل على عاصم، وروى الحروف عن إسحاق المسيبى (¬14)
¬
_
(¬1) فى ص: ثمان وثمانين.
(¬2) فى د: ابن عبد.
(¬3) فى ص: والعاشر.
(¬4) فى م: يعرف عنه فعلية.
(¬5) فى م: فعنه، وفى د: لمنه.
(¬6) سقط فى د، ز، ص.
(¬7) زيادة من م، ص.
(¬8) فى م: ثلاثين.
(¬9) سقط فى ص.
(¬10) فى م: فى سورة الأنبياء.
(¬11) وقرأه المذكورون- كما سيأتى فى فرش السور- بإسقاط الألف، وكسر الحاء، وإسكان الراء.
(¬12) فى م: يزيد.
(¬13) هو المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر، ويقال المفضل بن محمد بن سالم، ويقال محمد بن سالم ابن أبى المعالى بن يعلى بن سالم بن أبى بن سليم بن ربيعة بن زبان بن عامر بن ثعلبة أبو محمد الضبى الكوفى إمام مقرئ نحوى أخبارى موثق. قال أبو بكر الخطيب: كان علامة أخباريا موثقا، وقال أبو حاتم السجستانى: ثقة فى الأشعار، غير ثقة فى الحروف. وسئل عنه ابن أبى حاتم الرازى، فقال: متروك الحديث، متروك القراءة. ومات سنة ثمان وستين ومائة. ينظر غاية النهاية (2/ 307) (3639).
(¬14) هو إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن المسيب بن أبى السائب بن عابد بن عبد الله ابن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مر بن كعب المخزومى أبو محمد المسيبى المدنى إمام جليل عالم
ص: وهذه الرواة عنهم طرق ... أصحها فى نشرنا يحقق
صاحب نافع، وعن يحيى بن آدم (¬1) عن أبى بكر، وعن الكسائى، ولم يقرأ عليه عرضا.
وتوفى سنة تسع وعشرين ومائتين، ومولده سنة مائة وخمسين.
وأول راوييه: أبو يعقوب إسحاق الوراق المروزى ثم البغدادى، وكان ثقة قيما بالقراءة ضابطا لها، منفردا برواية اختيار خلف، لا يعرف غيرها.
توفى سنة ست وثمانين ومائتين.
وثانيهما: أبو الحسن إدريس بن عبد الكريم الحداد (¬2)، وكان إماما ضابطا متقنا ثقة.
روى عن خلف روايته واختياره، وسئل عنه الدار قطنى فقال: ثقة وفوق الثقة بدرجة.
توفى سنة اثنتين وتسعين ومائتين (¬3) عن ثلاث وتسعين [سنة] (¬4).
ولما فرغ [المصنف] (¬5) من ذكر الروايات (¬6) شرع فى ذكر الطرق فقال:
ص:
وهذه الرّواة عنهم طرق ... أصحّها فى نشرنا يحقّق
ش: (وهذه الرواة) مبتدأ موصوف، و (عنهم) خبر، [أو متعلقه، أى كائنة] (¬7) عنهم، و (طرق) مرفوع عنهم على الأصح، و (أصحها يحقق) اسمية، و (فى نشرنا) يتعلق ب (يحقق).
أى: أن هذه الرواة المتقدمة تفرعت عنهم طرق كثيرة لا تضبط، وفيها صحيح وأصح وغيرهما، وحقق (¬8) المصنف فى كتابه المسمى ب «النشر فى القراءات العشر» أصح الطرق:
¬
_
بالحديث قيم فى قراءة نافع ضابط لها محقق فقيه، قرأ على نافع وغيره، أخذ القراءة عنه ولده محمد وأبو حمدون الطيب بن إسماعيل وخلف بن هشام ومحمد بن سعدان وأحمد بن جبير وحمزة ابن القاسم الأحول وإسحاق بن موسى ومحمد بن عمرو الباهلى وحماد بن بحر وعبد الله بن ذكوان ومحمد بن عبد الواسع، قال أبو حاتم السجستانى إذا حدثت عن المسيبى عن نافع ففرغ سمعك وقلبك فإنه أتقن الناس وأعرفهم بقراءة أهل المدينة وأقرؤهم للسنة وأفهمهم بالعربية، قال أبو الفخر حامد بن على فى كتابه حلية القراء: قال ابن معاوية: من أراد أن يستجاب له دعاؤه فليقرأ باختيار المسيبى ويدعو عند آخر الختمة؛ فيستجاب، قال محمد: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى النوم، فقلت لمن أقرأ يا رسول الله؟ قال: عليك بأبيك، توفى سنة ست ومائتين. ينظر غاية النهاية (1/ 157) (734).
(¬1) هو يحيى بن آدم بن سليمان بن خالد بن أسيد أبو زكريا الصلحى، إمام كبير حافظ، روى القراءة عن أبى بكر بن عياش سماعا. توفى يوم النصف من ربيع الآخر سنة ثلاث ومائتين، بفم الصلح قرية من قرى واسط، قال القاضى أسد: أول ضيعة من واسط إذا صعدت منها إلى بغداد.
ينظر غاية النهاية (2/ 363 - 364) (3817).
(¬2) هو إدريس بن عبد الكريم الحداد أبو الحسن البغدادى إمام ضابط متقن ثقة.
سئل عنه الدار قطنى فقال: ثقة وفوق الثقة بدرجة، توفى يوم الأضحى سنة اثنتين وتسعين ومائتين عن ثلاث وتسعين سنة، وقيل سنة ثلاث وتسعين ومائتين. ينظر غاية النهاية (1/ 154) (717).
(¬3) فى ص، م: اثنين وسبعين ومائتين.
(¬4) سقط فى د.
(¬5) زيادة من م.
(¬6) فى م: الرواة.
(¬7) فى م: ومتعلقه محذوف، أى: كانت.
(¬8) فى م: وقد حقق.
تنبيه:
فذكرها فيه ثم [ذكرها] (¬1) فى هذا النظم.
تنبيه:
قوله: «يحقق» المناسب «محقق»؛ لأن «النشر» مقدم فى التأليف على «الطيبة» (¬2).
واعلم أن القراء اصطلحوا على جعل القراءة للإمام والرواية للآخذ عنه مطلقا بسند أو غيره، والطريق للآخذ عن الراوى كذلك، فيقال: قراءة أبى عمرو، رواية الدورى، طريق أبى الزعراء (¬3)، وكما أن لكل إمام رواة، فكذلك (¬4) لكل راو طرق.
[وقد] (¬5) ذكر [المصنف] (¬6) لكل راو طريقين، كما قال (¬7):
ص:
باثنين فى اثنين وإلّا أربع ... فهى زها ألف طريق تجمع
ش: أى ميزت ذلك بأن جعلت عن كل (¬8) إمام راويين، وعن كل راو طريقين، وعن كل طريق أيضا طريقين: مغربية ومشرقية، مصرية وعراقية، فإن لم يجد عن الراوى أربع طرق عن طريقين ذكر له أربع طرق عنه نفسه، مع ما يتصل بذلك من الطرق، وهلم جرا؛ فلهذا (¬9) انتهت إلى زهاء ألف طريق كما أشار إليه (¬10).
وها نحن نذكر أصول الطرق: وهى ثمانون.
فأما قالون: فمن طريق أبى نشيط (¬11)، والحلوانى (¬12) عنه، ف «أبو نشيط» من طريقى
¬
_
(¬1) سقط فى م.
(¬2) فى م: ممن نظم.
(¬3) هو عبد الرحمن بن عبدوس بفتح العين، أبو الزعراء البغدادى، ثقة ضابط محرر.
قال ابن مجاهد: قرأت عليه لنافع نحوا من عشرين ختمة، وقرأت عليه للكسائى ولأبى عمرو وحمزة، مات سنة بضع وثمانين ومائتين، قاله أبو عبد الله الحافظ. ينظر غاية النهاية (1/ 373) (1589).
(¬4) فى ص: كذلك.
(¬5) زيادة من م.
(¬6) سقط فى م.
(¬7) فى م، ص: فقال.
(¬8) فى م: لكل.
(¬9) فى د، ص: فلذلك.
(¬10) فى م: إليها.
(¬11) هو محمد بن هارون أبو جعفر الربعى الحربى البغدادى، ويقال المروزى، يعرف بأبى نشيط، مقرئ جليل ضابط مشهور. قال ابن أبى حاتم: صدوق، سمعت منه مع أبى ببغداد، قلت وسمع منه أبوه وأثنى عليه ومحمد بن المؤمل الناقد وجماعة وكان ثقة، توفى سنة ثمان وخمسين ومائتين، ووهم من قال غير ذلك. ينظر غاية النهاية (2/ 272) (3504).
(¬12) هو أحمد بن يزيد بن أزداذ ويقال يزداذ الصفار الأستاذ، أبو الحسن الحلوانى، قال الدانى: يعرف بأزداذ، إمام كبير عارف صدوق متقن ضابط خصوصا فى قالون وهشام، قرأ بمكة على أحمد ابن محمد القواس وبالمدينة على قالون، رحل إليه مرتين، وإسماعيل وأبى بكر ابني أبى أويس فيما ذكره الهذلى وبالكوفة والعراق على خلف وخلاد وجعفر بن محمد الخشكنى وأبى شعيب القواس وحسين بن الأسود والدورى. وقال عبد الله محمد بن إسرائيل القصاع: توفى سنة خمسين ومائتين، وقيل: توفى سنة نيف وخمسين ومائتين. ينظر غاية النهاية (1/ 149) (697).
ابن بويان (¬1) - بضم الباء- والقزاز (¬2) عن أبى بكر [بن] (¬3) الأشعث (¬4) عنه فعنه، والحلوانى من طريقى ابن أبى مهران (¬5)، وجعفر بن محمد (¬6) عنه.
وأما ورش: فمن طريقى الأزرق (¬7) والأصبهانى (¬8)، فالأزرق من طريقى إسماعيل النحاس (¬9)، وابن سيف عنه، والأصبهانى من طريقى هبة الله بن جعفر (¬10) [والمطوعى
¬
_
(¬1) هو أحمد بن عثمان بن محمد بن جعفر بن بويان بموحدة مضمومة ثم واو ثم نون آخر الحروف، ونقل الدانى أن شيخه طاهر بن غلبون كان يقوله بمثلثة مفتوحة ثم واو ثم موحدة، قال ابن الجزرى:
هو تصحيف، والصواب الأول، أبو الحسين الخراسانى البغدادى الحربى القطان ثقة كبير مشهور ضابط، ولد سنة ستين ومائتين. مات سنة أربع وأربعين وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (1/ 79) (362).
(¬2) هو على بن سعيد بن الحسن بن ذؤابة- بالمعجمة- وكان أبو الطيب بن غلبون يقوله بالمهملة، فوهم فيه أبو الحسن البغدادى القزاز، مقرئ مشهور ضابط ثقة.
قال الدانى: مشهور بالضبط والإتقان ثقة مأمون، وقال الذهبى: كان من جلة أهل الأداء مشهورا ضابطا محققا، توفى قبل الأربعين وثلاثمائة فيما أظن، والله اعلم. ينظر غاية النهاية (1/ 543) (2226).
(¬3) سقط فى أ.
(¬4) هو أحمد بن محمد بن يزيد بن الأشعث بن حسان القاضى أبو بكر العنزى البغدادى المعروف بأبى حسان، إمام ثقة، ضابط فى حرف قالون ماهر محرر. قال الذهبى: توفى قبل الثلاثمائة فيما أحسب. ينظر غاية النهاية (1/ 133 - 134) (622).
(¬5) هو الحسن بن العباس بن أبى مهران الجمال- بالجيم- أبو على، الرازى، شيخ عارف حاذق، مصدر، ثقة، إليه المنتهى فى الضبط والتحرير. توفى فى شهر رمضان سنة تسع وثمانين ومائتين.
ينظر غاية النهاية (1/ 216) (986).
(¬6) هو جعفر بن محمد بن الهيثم أبو جعفر البغدادى، روى القراءة عرضا عن أحمد بن يزيد الحلوانى وعن أحمد بن قالون، ولا يصح؛ وإنما قرأ على الحلوانى عنه.
وكان قيما برواية قالون ضابطا لها ولغيرها، توفى فى حدود سنة تسعين ومائتين فيما أحسب، والله أعلم. ينظر غاية النهاية (1/ 197) (907).
(¬7) هو يوسف بن عمرو بن يسار ويقال سيار، قال الدانى: والصواب يسار، وأخطأ من قال بشار بالموحدة والمعجمة، أبو يعقوب المدنى، ثم المصرى، المعروف بالأزرق، ثقة محقق ضابط، أخذ القراءة عرضا وسماعا عن ورش، وهو الذى خلفه فى القراءة والإقراء بمصر، وعرض على سقلاب ومعلى بن دحية. توفى فى حدود الأربعين ومائتين. ينظر غاية النهاية (2/ 402) (3934).
(¬8) هو محمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن شبيب بن يزيد بن خالد بن قرة بن عبد الله، وقال الحافظ أبو العلاء الهمذانى وغيره: ابن خالد بن عبد الله بن زاذان بن فروخ أبو بكر الأسدي الأصبهانى، صاحب رواية ورش عند العراقيين، إمام ضابط مشهور ثقة، نزل بغداد.
قال الأصبهانى: دخلت إلى مصر ومعى ثمانون ألفا، فأنفقتها على ثمانين ختمة، مات ببغداد سنة ست وتسعين ومائتين. ينظر غاية النهاية (2/ 169) (3129).
(¬9) هو إسماعيل بن عبد الله بن عمرو بن سعيد بن عبد الله التجيبي أبو الحسن النحاس، شيخ مصر، محقق ثقة كبير جليل. قال الذهبى: توفى سنة بضع وثمانين ومائتين، وقال القاضى أسد: سنة نيف وثمانين ومائتين. ينظر غاية النهاية (1/ 165) (770).
(¬10) هو هبة الله بن جعفر بن محمد بن الهيثم أبو القاسم البغدادى مقرئ حاذق ضابط مشهور.
عنه] (¬1) عن أصحابه [فعنه] (¬2).
وأما البزى: فمن طريقى أبى ربيعة (¬3)، وابن الحباب (¬4) عنه، فأبو ربيعة من طريقى النقاش (¬5)، وابن بنان (¬6) عنه فعنه، وابن الحباب من طريقى ابن صالح (¬7)، وعبد الواحد
¬
_
قال أبو عبد الله الحافظ: فهو أحد من عنى بالقراءات وتبحر فيها وتصدر للإقراء دهرا، قلت:
وكانت قراءته على أحمد بن يحيى الوكيل سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وقد انفرد بأحرف عن روح، أظنها من قراءته على أحمد الوكيل، والله أعلم. وبقى فيما أحسب إلى حدود الخمسين وثلاثمائة.
ينظر غاية النهاية (2/ 350) (3770).
(¬1) سقط فى م. وهو: الحسن بن سعيد بن جعفر بن الفضل بن شاذان، أبو العباس المطوعى العبادانى البصرى العمرى، مؤلف كتاب معرفة اللامات وتفسيرها، إمام عارف، ثقة فى القراءة، أثنى عليه الحافظ أبو العلاء الهمذانى ووثقه، سكن إصطخر، واعتنى بالفن ورحل فيه إلى الأقطار. توفى سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، وقد جاوز المائة، قال أبو الفضل الخزاعى: قلت للمطوعى: فى أى سنة قرأت على إدريس؟ قال: سنة اثنتين وتسعين ومائتين، فقلت له الشيخ قد قارب المائة، فقال إلا سنتين وأشار بإصبعيه الوسطى والسبابة، وقد سماه فى التجريد أحمد فوهم فيه.
ينظر غاية النهاية (1/ 313 - 215) (978).
(¬2) سقط فى د.
(¬3) هو: محمد بن إسحاق بن وهب بن أعين بن سنان أبو ربيعة الربعى المكى المؤدب، مؤذن المسجد الحرام، مقرئ جليل ضابط. من أهل الضبط والإتقان والثقة والعدالة. مات فى رمضان سنة أربع وتسعين ومائتين. ينظر غاية النهاية (2/ 99) (2849).
(¬4) هو الحسن بن الحباب بن مخلد الدقاق، أبو على البغدادى شيخ متصدر مشهور، ثقة، ضابط من كبار الحذاق. توفى سنة إحدى وثلاثمائة ببغداد. ينظر غاية النهاية (1/ 209) (9655).
(¬5) هو محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون بن جعفر بن سند، أبو بكر الموصلى، النقاش، نزيل بغداد، الإمام العلم، مؤلف كتاب (شفاء الصدور» فى التفسير، مقرئ مفسر، ولد سنة ست وستين ومائتين، وعنى بالقراءات من صغره.
وقد ذكر الدار قطنى ما يقتضى تضعيفه، وبالغ الذهبى فقال: وهو مع علمه وجلالته، ليس بثقة، وخيار من أثنى عليه الدانى فقبله وزكّاه قال الدانى: النقاش جائز القول مقبول الشهادة.
وقال أبو الحسن بن الفضل القطان: حضرت النقاش وهو يجود بنفسه فى ثالث شوال سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، فجعل يحرك شفتيه، ثم نادى بعلو صوته لمثل هذا فليعمل العملون [الصافات: 61] يرددها ثلاثا، ثم خرجت نفسه. ينظر غاية النهاية (2/ 119) (2938).
(¬6) هو عمر بن محمد بن عبد الصمد بن الليث بن بنان أبو محمد البغدادى مقرئ زاهد، عرض لابن كثير على الحسن بن الحباب وأبى ربيعة وللدورى على أحمد بن فرح المفسر، عرض عليه الحسين ابن أحمد شيخ عبد السيد، وكان موصوفا بالعبادة، مات سنة أربع وسبعين وثلاثمائة وقد قارب التسعين أو جاوزها. ينظر غاية النهاية (1/ 597) (2430).
(¬7) هو أحمد بن صالح بن عمر بن إسحاق، أبو بكر البغدادى، نزيل الرملة، مقرئ ثقة ضابط، قرأ على الحسن بن الحباب، والحسن بن الحسين الصواف، ومحمد بن هارون التمار، وأبى بكر ابن مجاهد، وأبى الحسن أحمد بن جعفر بن المنادى، وأبى الحسن بن شنبوذ، وقرأ عليه عبد الباقى بن الحسن وعبد المنعم بن غلبون وعلى بن بشر الأنطاكى، وخلف بن قاسم بن سهل الأندلسى، توفى بعد الخمسين وثلاثمائة بالرملة، قاله الذهبى، ووقع فيما أسنده غلام الهراس عن الرهاوى، أن الرهاوى قرأ عليه، وهو وهم؛ فإن الرهاوى لم يدركه، والذى ذكر أبو على الرهاوى
ابن عمر عنه فعنه.
وأما قنبل: فمن طريقى ابن مجاهد، وابن شنبوذ عنه، فابن مجاهد من طريقى السامرى (¬1)، وصالح (¬2) عنه فعنه، وابن شنبوذ من طريقى القاضى أبى الفرج (¬3) والشطوى (¬4) عنه فعنه.
وأما الدورى: فمن طريقى أبى الزعراء، وابن فرح (¬5) - بالحاء المهملة- عنه، فأبو الزعراء من طريقى ابن مجاهد، والمعدل (¬6) عنه فعنه، وابن فرح من طريقى
¬
_
هو أحمد بن صالح بن عمر بن عطية ذكر أنه قرأ عليه بحمص. ينظر غاية النهاية (1/ 62) (266).
(¬1) هو: عبد الله بن الحسين بن حسنون أبو أحمد السامرى البغدادى، نزيل مصر المقرئ اللغوى، مسند القراء فى زمانه، ولد سنة خمس أو ست وتسعين ومائتين.
قال الدانى: مشهور ضابط، ثقة مأمون، غير أن أيامه طالت فاختل حفظه، ولحقه الوهم وقل من ضبط عنه ممن قرأ عليه فى أخريات أيامه توفى بمصر سنة 386 هـ. ينظر غاية النهاية (1/ 415) (1761).
(¬2) هو صالح بن محمد بن المبارك بن إسماعيل، أبو طاهر، المؤدب البغدادى، مقرئ حاذق متصدر، قرأ على أبى بكر أحمد بن موسى بن مجاهد، قرأ عليه الفرج بن عمر الواسطى، مات فيما أحسب فى حدود الثمانين وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (1/ 334) (1451).
(¬3) هو المعافى بن زكريا بن طرارا، أبو الفرج النهروانى الجريرى- بفتح الجيم- نسبة إلى ابن جرير الطبرى؛ لأنه كان على مذهبه، إمام علامة مقرئ فقيه.
قال الخطيب: كان من أعلم الناس فى وقته بالفقه والنحو واللغة وأصناف الأدب، وكان على مذهب ابن جرير الطبرى، ولى القضاء بباب الطاق، وبلغنا عن أبى محمد عبد الباقى أنه كان يقول:
إذا حضر القاضى أبو الفرج، فقد حضرت العلوم كلها، لو أوصى رجل بثلث ماله أن يدفع إلى أعلم الناس لوجب أن يدفع إليه. له مصنفات جليلة منها «أنيس الجليس» وغيره، مات سنة تسعين وثلاثمائة عن خمس وثمانين سنة. ينظر غاية النهاية (2/ 302) (3623).
(¬4) هو محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يوسف بن العباس بن ميمون، أبو الفرج، الشنبوذى الشطوى البغدادى، أستاذ من أئمة هذا الشأن، رحل ولقى الشيوخ وأكثر وتبحر فى التفسير، ولد سنة ثلاثمائة. قال الخطيب: وحدثنى أحمد بن سليمان الواسطى المقرئ قال: كان الشنبوذى يذكر أنه قرأ على الأشنانى فتكلم الناس فيه وقرأت عليه لابن كثير ثم سألت الدار قطنى عنه فأساء القول فيه.
وثقه الحافظ أبو العلاء الهمذانى وأثنى عليه ولا نعلمه ادعى القراءة على الأشنانى، وقال التنوخى:
مات أبو الفرج الشنبوذى فى صفر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (2/ 50 - 51) (2701).
(¬5) هو أحمد بن فرح بن جبريل، أبو جعفر الضرير البغدادى المفسر، وفرح بالحاء المهملة، ثقة كبير.
توفى سنة ثلاث وثلاثمائة فى ذى الحجة وقد قارب التسعين، وقيل: سنة إحدى وثلاثمائة، وقال أسعد اليزدى: سنة أربع وثلاثمائة بالكوفة. ينظر غاية النهاية (1/ 95 - 96) (437).
(¬6) هو محمد بن يعقوب بن الحجاج بن معاوية بن الزبرقان بن صخر أبو العباس التيمى من تيم الله ابن ثعلبة، البصرى، المعروف بالمعدل، إمام ضابط مشهور.
قال الدانى: انفرد بالإمامة فى عصره ببلده، فلم ينازعه فى ذلك أحد من أقرانه، مع ثقته وضبطه وحسن معرفته، قلت وقد وهم فى تسميته وتسمية أبيه الشيخ أبو طاهر بن سوار فى كتابه «المستنير»
ابن [أبى] بلال (¬1)، والمطوعى عنه فعنه.
وأما السوسى فمن طريقى ابن جرير، وابن جمهور (¬2) عنه، فابن جرير من طريقى عبد الله بن الحسين، وابن حبش (¬3) عنه فعنه، وابن جمهور من طريقى الشذائى (¬4)، والشنبوذى عنه فعنه.
وأما هشام فمن طريقى الحلوانى عنه، [والداجوني عن أصحابه عنه، فالحلوانى من طريقى ابن عبدان والجمال عنه فعنه،] (¬5) والداجونى من طريقى زيد بن على، والشذائى عنه فعنه.
وأما ابن ذكوان فمن طريقى الأخفش والصورى (¬6) عنه، فالأخفش من طريقى النقاش، وابن الأخرم (¬7) عنه فعنه، والصورى من طريقى الرملى، والمطوعى عنه فعنه.
¬
_
فقال: أحمد بن حرب المعدل، والصواب محمد بن يعقوب أبو العباس المعدل وذاك أحمد ابن حرب أبو جعفر قديم من أصحاب الدورى، توفى سنة إحدى وثلاثمائة، وهذا متأخر يروى عن أصحاب الدورى، وتوفى بعد العشرين وثلاثمائة، نعم الذى بلغنا أنه قرأ عليهما أبو العباس الحسن بن سعيد المطوعى وهو محتمل. ينظر غاية النهاية (2/ 282) (3542).
(¬1) هو زيد بن على بن أحمد بن محمد بن عمران بن أبى بلال أبو القاسم العجلى الكوفى، شيخ العراق، إمام حاذق ثقة.
توفى ببغداد سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (1/ 298) (1308).
(¬2) هو موسى بن جمهور بن زريق أبو عيسى البغدادى ثم التِّنِّيسيّ المقرئ، مصدر ثقة، أخذ القراءة عرضا عن السوسى وعامر بن عمر الموصلى وأحمد بن جبير الأنطاكى وعمران بن موسى القزاز قال الدانى: وهو كبير من أصحابهم، ثقة مشهور، وروى الحروف عن هشام بن عمار، روى القراءة عنه عرضا ابن شنبوذ، توفى فيما أحسب فى حدود الثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (2/ 318) (3676).
(¬3) هو الحسين بن محمد بن حبش بن حمدان ويقال ابن حمدان بن حبش أبو على الدينورى، حاذق ضابط متقن. قال الدانى: متقدم فى علم القراءات مشهور بالإتقان، ثقة مأمون، توفى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (1/ 250) (1137).
(¬4) هو أحمد بن نصر بن منصور بن عبد المجيد بن عبد المنعم أبو بكر الشذائى البصرى إمام مشهور، قال الدانى: توفى بالبصرة سنة سبعين وثلاثمائة، وقال الذهبى: سنة ثلاث وسبعين. وهو الصحيح فى ذى القعدة وقيل سنة ست. ينظر غاية النهاية (1/ 144) (673).
(¬5) سقط فى ز.
(¬6) هو محمد بن موسى بن عبد الرحمن بن أبى عمار، وقيل ابن أبى عمارة- والأول هو الصحيح- أبو العباس الصورى، الدمشقى، مقرئ مشهور، ضابط ثقة. مات سنة سبع وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (2/ 268) (3490).
(¬7) هو محمد بن النضر بن مر بن الحر بن حسان بن محمد بن حسان بن الحسين بن النضر بن مسلم ابن سلامان بن غيلان بن المغيرة بن سالم بن دارم بن رفيع بن ربيعة الفرس، أبو الحسن، ويقال أبو عمرو، الربعى، الدمشقى، المعروف بابن الأخرم، شيخ الإقراء بالشام، ولد سنة ستين ومائتين بقينية خارج دمشق، توفى سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وقيل سنة اثنتين وأربعين بدمشق وقال عبد الباقى وصليت عليه فى المصلى بعد صلاة الظهر وكان يوما صائفا وصعدت غمامة على جنازته
وأما أبو بكر فمن طريقى يحيى بن آدم، والعليمى (¬1) عنه، فابن آدم من طريقى شعيب، وأبى حمدون (¬2) عنه [فعنه] (¬3)، والعليمى من طريقى ابن خليع (¬4) والرزاز (¬5) عن أبى بكر الواسطى (¬6) عنه فعنه.
وأما حفص فمن طريقى عبيد بن الصباح (¬7)، وعمرو بن الصباح (¬8) عنه، فعبيد من طريقى أبى الحسن الهاشمى (¬9)، وأبى طاهر عن الأشنانى (¬10) عنه فعنه، وعمرو من طريقى
¬
_
من المصلى إلى قبره فكانت شبه الآية. ينظر غاية النهاية (2/ 270) (3502).
(¬1) هو يحيى بن محمد بن قيس، وقيل ابن محمد بن عليم أبو محمد العليمى الأنصارى الكوفى، شيخ القراءة بالكوفة مقرئ حاذق ثقة، ولد سنة خمسين ومائة، توفى سنة ثلاث وأربعين ومائتين عن ثلاث وتسعين سنة. ينظر غاية النهاية (2/ 378 - 379) (3864).
(¬2) فى م: ابن حمدون.
(¬3) سقط فى ز.
(¬4) هو على بن محمد بن جعفر بن أحمد بن خليع أبو الحسن البجلى البغدادى الخياط القلانسى، ويعرف أيضا بابن بنت القلانسى، مقرئ ضابط ثقة، قال عبد الباقى بن الحسن: بلغت عليه إلى الكوثر فأراد أن يعلق الختمة، فقلت أختم، فختمت، فلما كان ذلك اليوم سقط من موضع، فتكسر فمات رحمه الله، وتوفى يوم الخميس بعد العصر، ودفن يوم الجمعة ضحوة نهار لاثنتى عشرة ليلة خلت من ذى القعدة، سنة ست وخمسين وثلاثمائة، وهو فى عشر الثمانين. ينظر غاية النهاية (1/ 566 - 567) (2312).
(¬5) فى د، ص: والوزان. وهو: عثمان بن أحمد بن سمعان أبو عمرو الرزاز البغدادى، يعرف بالنجاشى مقرئ متصدر معروف، قال القاضى أسد: توفى فى المحرم سنة سبع وستين وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (1/ 501) (2083).
(¬6) هو يوسف بن يعقوب بن خالد بن مهران أبو بكر الواسطى مقرئ، روى القراءة عن يحيى بن محمد العليمى عن أبى بكر بياض، قرأ عليه على بن الحسين الغضائرى. ينظر غاية النهاية (2/ 405) (3944).
(¬7) فى م: عبيد الله بن الصباح. وهو: عبيد بن الصباح بن أبى شريح بن صبيح أبو محمد النهشلى الكوفى ثم البغدادى، مقرئ ضابط صالح، مات عبيد بن الصباح سنة تسع عشرة ومائتين. ينظر غاية النهاية (1/ 495) (2061).
(¬8) هو عمرو بن الصباح بن صبيح أبو حفص البغدادى الضرير، مقرئ حاذق ضابط، مات سنة إحدى وعشرين ومائتين. ينظر غاية النهاية (1/ 601) (2454).
(¬9) هو على بن محمد بن صالح بن أبى داود، أبو الحسن، الهاشمى، ويقال الأنصارى البصرى، شيخها الضرير، ويعرف بالجوخانى، ثقة عارف مشهور، مات سنة ثمان وستين وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (1/ 568) (2316).
(¬10) هو أحمد بن سهل بن الفيروزان الشيخ أبو العباس الأشنانى، ثقة ضابط، خير مقرئ مجود، قرأ على عبيد بن الصباح، صاحب حفص، ثم قرأ على جماعة من أصحاب عمرو بن الصباح منهم الحسين ابن المبارك وإبراهيم السمسار وعلى بن محصن وعلى بن سعيد روى القراءة عنه عرضا أحمد بن عبد الرحمن بن الفضل الدقاق وابن مجاهد وغيرهم.
قال الدانى: توفى سنة ثلاثمائة، وقال الأهوازى سنة خمس. والصحيح أنه لأربع عشرة خلت من المحرم سنة سبع وثلاثمائة ببغداد. ينظر غاية النهاية (1/ 59) (257).
الفيل (¬1)، وزرعان (¬2) عنه فعنه.
وأما خلف فمن طرق: ابن عثمان، وابن مقسم، وابن صالح، والمطوعى، أربعتهم عن إدريس عن خلف.
وأما خلاد فمن طرق: ابن شاذان (¬3)، وابن الهيثم (¬4)، والوزان (¬5)، والطلحى (¬6)، أربعتهم عن خلاد.
وأما أبو الحارث فمن طريقى محمد بن يحيى (¬7)، وسلمة بن عاصم (¬8) عنه، فابن يحيى
¬
_
(¬1) هو أحمد بن محمد بن حميد أبو جعفر البغدادى، يلقب بالفيل، ويعرف بالفامى، إلى قرية فامية، من عمل دمشق، وإنما لقب بالفيل لعظم خلقه، مشهور حاذق، توفى سنة تسع وثمانين ومائتين، قاله الأهوازى والنقاش، وقيل سنة سبع وقيل سنة ست. ينظر غاية النهاية (1/ 112) (514).
(¬2) هو زرعان بن أحمد بن عيسى، أبو الحسن الطحان الدقاق البغدادى الماهر، مقرئ، عرض على عمرو بن الصباح، وهو من جلة أصحابه الضابطين لروايته، عرض عليه على بن محمد بن جعفر القلانسى، وكان مشهورا فى أصحاب عمرو. ينظر غاية النهاية (1/ 294) (1291).
(¬3) هو محمد بن شاذان، أبو بكر الجوهرى البغدادى، مقرئ حاذق معروف، محدث مشهور ثقة، حدث عن هوذة بن خليفة، وزكريا بن عدى، وروى عنه أبو بكر النجاد، وقاسم بن أصبغ، وابن قانع، مات سنة ست وثمانين ومائتين، وقد نيف على التسعين لأربع خلون من جمادى الأولى. ينظر غاية النهاية (2/ 152) (3059).
(¬4) هو محمد بن الهيثم أبو عبد الله الكوفى قاضى عكبرا، ضابط مشهور، حاذق فى قراءة حمزة، أخذ القراءة عرضا عن خلاد بن خالد وهو أجل أصحابه وعرض على عبد الرحمن بن أبى حماد وحسين الجعفى وجعفر الخشكنى، كلهم عن حمزة، وروى عن يحيى بن زياد الفراء، روى القراءة عنه عرضا القاسم بن نصر المازنى وعبد الله بن ثابت وروى عنه ابن أبى الدنيا وسليمان بن يحيى الضبى، مات سنة تسع وأربعين ومائتين. ينظر غاية النهاية (2/ 274) (3513).
(¬5) هو القاسم بن يزيد بن كليب أبو محمد الوزان الأشجعى، مولاهم الكوفى، حاذق جليل ضابط مقرئ مشهور، قال أبو عبد الله الحافظ وهو أجل أصحاب خلاد، قديم الوفاة، توفى قريبا من سنة خمسين ومائتين.
قال الوزان: قرأت بقراءة حمزة عشر ختمات، وبلغت من الحادية عشرة إلى الشعراء قراءة معشرة رضيها يعنى: على خلاد. ينظر غاية النهاية (2/ 52) (2609).
(¬6) هو سليمان بن عبد الرحمن بن حماد بن عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد الله أبو داود الطلحى التمار اللؤلئى الكوفى، مقرئ ثقة، عرض على خلاد بن خالد الصيرفى، وعمرو بن أحمد الكندى، عرض عليه الإمام محمد بن جرير الطبرى، وعبد الله بن هاشم الزعفرانى، والفضل بن يحيى الضبعى، مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين. ينظر غاية النهاية (1/ 314) (1382).
(¬7) هو محمد بن يحيى أبو عبد الله الكسائى الصغير، البغدادى، مقرئ محقق جليل، شيخ متصدر ثقة، ولد سنة تسع وثمانين ومائة، أخذ القراءة عرضا عن أبى الحارث الليث بن خالد، وهو أجل أصحابه وعن هاشم البربرى، وقال الخزاعى: سألت الدار قطنى عن وفاة محمد بن يحيى، فقال: سنة نيف وسبعين ومائتين. ينظر غاية النهاية (2/ 279) (3535).
(¬8) هو سلمة بن عاصم أبو محمد البغدادى النحوى صاحب الفراء، روى القراءة عن أبى الحارث الليث ابن خالد، روى القراءة عنه أحمد بن يحيى ثعلب ومحمد بن فرج الغسانى ومحمد بن يحيى
من طريقى البطى (¬1)، والقنطرى (¬2) عنه فعنه، وسلمة من طريقى ثعلب (¬3)، وابن الفرج (¬4) عنه فعنه.
وأما الدورى فمن طريقى جعفر النصيبى (¬5)، وأبى عثمان الضرير (¬6) عنه، فالنصيبى من طريقى ابن الجلندا (¬7)، وابن ذى زوية (¬8) عنه فعنه، وأبو عثمان من طريقى أبى طاهر ابن أبى هاشم والشذائى عنه فعنه.
¬
_
الكسائى، قال ثعلب: كان سلمة حافظا لتأدية ما فى الكتب وقال ابن الأنبارى كتاب سلمة فى معانى القرآن للفراء أجود الكتب، لأن سلمة كان عالما، وكان يراجع الفراء فيما عليه ويرجع عنه، توفى بعد السبعين ومائتين فيما أحسب. ينظر غاية النهاية (1/ 311) (1367).
(¬1) هو أحمد بن الحسن أبو الحسن البغدادى المعروف بالبطى، مقرئ ضابط جليل مشهور، قرأ على محمد بن يحيى الكسائى، وهو من أجل أصحابه، قرأ عليه زيد بن على بن أبى بلال وأبو عيسى بكار ابن أحمد، توفى سنة ثلاثين وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (1/ 47) (199):
(¬2) هو إبراهيم بن زياد أبو إسحاق القنطرى نسبة إلى قنطرة بردان، مقرئ متصدر معتبر، روى القراءة عرضا عن محمد بن يحيى الكسائى الصغير، روى القراءة عنه عرضا محمد بن عبد الله بن مرة وفارس بن موسى الضراب ونصر بن على الضرير، توفى فى نحو سنة عشر وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (1/ 15) (54).
(¬3) هو أحمد بن يحيى بن يزيد بن سيار الشيبانى الإمام اللغوى أبو العباس ثعلب النحوى البغدادى، ثقة كبير، له كتاب فى القراءات وكتاب الفصيح وهو إمام الكوفيين فى النحو واللغة، ولد سنة مائتين:
كان يطالع كتابا فى الطريق فصدمته فرس فأوقعته فى بئر فاختلط وأخرج منها فمات فى اليوم الثانى يوم السبت عاشر جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين ومائتين، ودفن بباب الشام من بغداد. ينظر غاية النهاية (1/ 148 - 149) (692).
(¬4) هو محمد بن فرج أبو جعفر الغسانى البغدادى النحوى، صاحب سلمة بن عاصم، مشهور ضابط نحوى عارف، روى عن سلمة عن الفراء، وهو من جلة أصحابه، روى عنه أحمد بن جعفر بن عبيد الله بن المنادى، ومحمد بن الحسن النقاش، توفى بعد سنة ثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (2/ 229) (3362).
(¬5) هو جعفر بن محمد بن أسد أبو الفضل الضرير النصيبى، يعرف بابن الحمامى، حاذق ضابط شيخ نصيبين والجزيرة، قرأ على الدورى، وهو من جلة أصحابه، قرأ عليه محمد بن على بن الجلندا، ومحمد بن على بن حسن العطوفى، وقيل سماعا، وروى عنه الحروف عبد الله بن أحمد بن ذى زوية- ويقال عرض عليه- وإبراهيم بن أحمد الخرقى، توفى سنة سبع وثلاثمائة، قاله الذهبى. ينظر غاية النهاية (1/ 195) (896).
(¬6) هو سعيد بن عبد الرحيم بن سعيد، أبو عثمان الضرير، البغدادى المؤدب، مؤدب الأيتام مقرئ حاذق ضابط، توفى بعد سنة عشر وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (1/ 306) (1347).
(¬7) هو محمد بن على بن الحسن بن الجلندا، أبو بكر الموصلى، مقرئ متقن ضابط، قال الدانى:
مشهور بالضبط والإتقان، توفى فيما أحسب سنة بضع وأربعين وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (2/ 201) (3250).
(¬8) هو عبد الله بن أحمد بن ذى زوية، أبو عمر الدمشقى، نزيل مصر ثقة عارف معدل، روى حروف الكسائى عن جعفر بن محمد النصيبى، عن الدورى عنه، روى عنه القراءة عبد الرحمن بن عمر ابن محمد المعدل ومحمد بن أحمد بن محمد بن مفرج الأندلسى، توفى فيما أحسب قبل الأربعين
وأما عيسى بن وردان فمن طريقى الفضل بن شاذان (¬1)، [وهبة الله بن جعفر أصحابه عنه، فالفضل من طريقى ابن شبيب وابن هارون عنه فعنه،] (¬2) وهبة الله من طريقى الحنبلى (¬3)، والحمامى (¬4) عنه.
وأما ابن جماز فمن طريقى أبى أيوب الهاشمى (¬5)، والدورى عن إسماعيل بن جعفر عنه، فالهاشمى من طريقى ابن رزين (¬6)، والأزرق الجمال عنه فعنه، والدورى من طريقى ابن النفاح (¬7)، وابن نهشل (¬8) عنه فعنه.
¬
_
وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (1/ 406) (1725).
(¬1) هو الفضل بن شاذان بن عيسى، أبو العباس الرازى، الإمام الكبير، ثقة عالم. قال الدانى: لم يكن فى دهره مثله فى علمه وفهمه وعدالته وحسن اطلاعه، مات فى حدود التسعين ومائتين. ينظر غاية النهاية (2/ 10) (2562).
(¬2) سقط فى ز.
وفى د: فالفضل من طريقى شبيب وابن هارون عن أصحابه، عنه.
وفى ص: عنه قال فالفضل من طريقى ابن شبيب وابن هارون عنه.
(¬3) هو محمد بن أحمد بن الفتح بن سيما أبو عبد الله الحنبلى، ووقع فى الكفاية لأبى العز وغيرها:
أحمد بن محمد بن سيما بن الفتح، وأحسبه وهما، والله أعلم. متصدر، مقرئ، معدل ماهر، توفى فيما أحسب بعد الثمانى وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (2/ 79) (2772).
(¬4) هو على بن أحمد بن عمر بن حفص بن عبد الله أبو الحسن الحمامى، شيخ العراق ومسند الآفاق، ثقة بارع مصدر، ولد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، روى عنه أبو بكر الخطيب، وأبو بكر البيهقى، وأبو الحسن على بن العلاف، قال الخطيب: كان صدوقا دينا فاضلا، تفرد بأسانيد القرآن وعلوها، توفى فى شعبان سنة سبع عشرة وأربعمائة وهو فى تسعين سنة، قلت توفى يوم الأحد الرابع من شعبان بين الظهر والعصر، ودفن بمقبرة الإمام أحمد فى اليوم الثانى فى الثالثة. ينظر غاية النهاية (1/ 521) (2157).
(¬5) هو سليمان بن داود بن داود بن على بن عبد الله بن عباس أبو أيوب الهاشمى البغدادى، ضابط مشهور ثقة، روى القراءة عن إسماعيل بن جعفر، وله عنه نسخة، ولا تصح قراءته على ابن جماز، كما ذكره الهذلى، روى القراءة عنه أحمد ابن أخى خيثمة ومحمد بن الجهم والحسين بن على بن حماد ومحمد بن عيسى بن إبراهيم الأصبهانى، توفى سنة تسع عشرة ومائتين. ينظر غاية النهاية (1/ 313) (1377).
(¬6) هو محمد بن عيسى بن إبراهيم بن رزين أبو عبد الله التيمى الأصبهانى إمام فى القراءات كبير مشهور، له اختيار فى القراءة أول وثان، قال أبو حاتم: صدوق، وقال أبو نعيم الأصبهانى: ما أعلم أحدا أعلم منه فى وقته فى فنه، يعنى القراءات، وصنف كتاب «الجامع» فى القراءات وكتابا فى العدد، وكتابا فى جواز قراءة القرآن على طريق المخاطبة وكتابا فى الرسم، وكان إماما فى النحو، أستاذا فى القراءات، مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين، وقيل: سنة اثنتين وأربعين ومائتين. ينظر غاية النهاية (2/ 223 - 224) (3340).
(¬7) هو محمد بن محمد بن عبد الله بن بدر النفاح أبو الحسن، الباهلى البغدادى السامرى، نزيل مصر، ثقة مشهور، محدث صالح خير، قال ابن يونس: كان ثقة ثبتا صاحب حديث متقللا من الدنيا، توفى بمصر فى يوم الثلاثاء لعشر بقين من ربيع الآخر سنة أربع عشرة وثلاثمائة، وكان بغدادى الأصل من «سر من رأى»، سافر إلى الشام، ورحل إلى مصر، فاستوطنها حتى مات. ينظر غاية النهاية (2/ 242) (3419).
(¬8) هو جعفر بن عبد الله بن الصباح بن نهشل أبو عبد الله الأنصارى الأصبهانى، وإمام جامعها، إمام
وأما رويس فمن طرق النخاس (¬1) - بالمعجمة- وأبى الطيب (¬2)، وابن مقسم، والجوهرى، أربعتهم عن التمار (¬3) عنه.
وأما روح فمن طريقى ابن وهب، والزبيرى (¬4) عنه، فابن وهب من طريقى المعدل، وحمزة بن على عنه فعنه، والزبيرى من طريق غلام ابن شنبوذ، وابن حبشان عنه فعنه.
وأما الوراق (¬5) فمن طريقى السوسنجردى (¬6)، وبكر بن شاذان (¬7) عن ابن أبى عمر عنه، ومن طريقى محمد بن إسحاق الوراق (¬8) والبرزاطى (¬9) عنه.
¬
_
مجود فاضل، توفى سنة أربع وتسعين ومائتين، وقيل: سنة خمس وتسعين. ينظر غاية النهاية (1/ 192 - 193) (888).
(¬1) هو عبد الله بن الحسن بن سليمان، أبو القاسم البغدادى، المعروف بالنخاس- مقرئ مشهور، ثقة ماهر متصدر، قال أبو الحسن بن الفرات الحافظ: ما رأيت فى الشيوخ مثله، وقال الخطيب: ولد سنة تسعين ومائتين، وكان ثقة وتوفى سنة ثمان وستين وثلاثمائة وقيل: سنة ست فى ذى القعدة.
ينظر غاية النهاية (1/ 414) (1757).
(¬2) هو محمد بن أحمد بن يوسف بن جعفر، أبو الطيب، البغدادى، غلام ابن شنبوذ مقرئ رحال عارف مشهور، توفى فيما أحسب سنة بضع وخمسين وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (2/ 92) (2820).
(¬3) هو محمد بن هارون بن نافع بن قريش بن سلامة، أبو بكر الحنفى البغدادى، يعرف بالتمار مقرئ البصرة، ضابط مشهور، قال الذهبى: توفى بعد سنة عشر وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (2/ 271 - 272) (3503).
(¬4) هو الزبير بن أحمد بن سليمان بن عبد الله بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، أبو عبد الله الزبيرى البصرى، الفقيه، الشافعى، المشهور، مؤلف «الكافى» فى الفقه إمام ثقة، كان ضريرا، قال الذهبى: توفى سنة بضع وثلاثمائة، ويقال: إنه بقى إلى سنة سبع عشرة. ينظر غاية النهاية (1/ 292 - 293) (1286).
(¬5) هو إسحاق بن إبراهيم بن عثمان بن عبد الله أبو يعقوب المروزى، ثم البغدادى، وراق خلف، وراوى اختياره عنه، ثقة، وقال الخزاعى فى المنتهى: هو إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب فوهم، توفى فى سنة ست وثمانين ومائتين. ينظر غاية النهاية (1/ 155) (723).
(¬6) هو أحمد بن عبد الله بن الخضر بن مسرور أبو الحسن السوسنجردى، ثم البغدادى، ضابط ثقة مشهور كبير، ولد فى جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، توفى يوم الأربعاء لثلاث خلون من رجب سنة اثنتين وأربعمائة عن نيف وثمانين. ينظر غاية النهاية (1/ 73) (321).
(¬7) هو بكر بن شاذان بن عبد الله، أبو القاسم، البغدادى الحربى، الواعظ، شيخ ماهر ثقة مشهور، صالح زاهد، مات يوم السبت التاسع من شوال سنة خمس وأربعمائة. ينظر غاية النهاية (1/ 178) (829).
(¬8) هو محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن عثمان بن عبد الله المروزى المقرئ، أخذ اختيار خلف عرضا عن أبيه إسحاق وخلفه بعده فيه وكان له متقنا، رواه عنه عرضا محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر مع روايته له عرضا عن إسحاق وغيره من أصحاب خلف لإتقانه، ما أظنه عاش بعد أبيه إلا يسيرا وظاهر كلام ابن مهران يدل على أنه توفى سنة ست وثمانين ومائتين وليس كذلك بل الذى توفى فى هذه السنة أبوه ذكره الخطيب. ينظر غاية النهاية (2/ 97) (844).
(¬9) هو الحسن بن عثمان أبو على المؤدب النجار، يعرف بالبرزاطى مقرئ ضابط معدل، قرأ على
وأما إدريس الحداد فمن طرق: الشطى (¬1) والمطوعى، وابن بويان، والقطيعى (¬2)، الأربعة عنه (¬3).
فهذه ثمانون (¬4) طريقا فرّع المصنف- رحمه الله تعالى- فى [نشره] (¬5) عليها تتمة تسعمائة وثمانين طريقا، وذلك بحسب تشعب الطرق من (¬6) أصحابها، مع أنه لم يعدّ للشاطبى (¬7) وأمثاله (¬8) إلى صاحب «التيسير» وغيره سوى طريقا (¬9) [واحدة] (¬10)، وإلا فلو عددها المصنف، وعدد (¬11) طرقه أيضا لتجاوزت الألف بكثير.
وفائدة هذا كله عدم التركيب؛ لأنها إذا ميزت وبينت ارتفع ذلك، وهذه الطرق أعلى (¬12) ما يوجد فى هذا العصر.
ولم يذكر المصنف فى هذه الطرق إلا من ثبت عنده أو عند من قبله (¬13) عدالته، ولقيه لمن أخذ عنه، وصحت معاصرته، وهذا التزام لم يقع لغيره من أئمة هذا الفن، ومن نظر أسانيد القراءات، وأحاط بتراجم الرواة وأسانيد (¬14) الروايات، عرف قدر ما حرر المصنف ونقّح، واعتبر وصحّح، فجزاه الله عما فعل خيرا، فلقد أحيا من هذا العلم ما كان [قد] (¬15) مات (¬16)، وصير ما فات كأنه ما فات، [وأقام من معالمه ما كان قد اندرس] (¬17)،
¬
_
المروزى صاحب خلف البزار، فيقال: إنه أحمد بن إبراهيم ويقال: أخوه إسحاق وبالأول قطع ابن خيرون وأبو الكرم فى المصباح، وبالثانى قطع أبو العلاء الهمذانى وهو الصواب؛ لأن أحمد ابن إبراهيم قديم الوفاة، لم يدركه البرزاطى، ووفاة البرزاطى بعد الخمسين وثلاثمائة فى حدود الستين بل بعد ذلك؛ فبين وفاتيهما أكثر من مائة سنة، والله أعلم، وقرأ أيضا البرزاطى على أبى بكر ابن مجاهد، وقرأ عليه الحسين بن أحمد بن عبد الله الحربى. ينظر غاية النهاية (1/ 220) (1004).
(¬1) هو إبراهيم بن الحسين بن عبد الله أبو إسحاق، النساج البغدادى، المعروف بالشطى، مقرئ ثقة، أخذ القراءة عرضا عن إدريس الحداد، قرأ عليه على بن محمد بن عبد الله الحذاء، ينظر غاية النهاية (1/ 11) (37).
(¬2) هو أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك، أبو بكر القطيعى، ثقة مشهور مسند، قرأ باختيار خلف على إدريس بن عبد الكريم عنه، وروى اختيار أحمد بن حنبل عن عبد الله بن أحمد عنه، كذا ذكره الهذلى، قرأ عليه أبو العلاء الواسطى، وأبو القاسم اليزيدى، وأبو الفضل الخزاعى، وحدث عنه الحاكم وأبو نعيم وخلق، قال الدار قطنى: ثقة زاهد، سمعت أنه مجاب الدعوة توفى سنة ثمان وستين وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (1/ 43) (179).
(¬3) زاد فى د: فعنه.
(¬4) فى م: ثمانين.
(¬5) سقط فى م، وفى ص: فى النشر.
(¬6) فى م: عن.
(¬7) فى ص: الشاطبى.
(¬8) زاد فى م: فى نشره.
(¬9) فى م، د: طريق.
(¬10) سقط فى م.
(¬11) فى م: وعد.
(¬12) فى م: هى أعلى.
(¬13) فى م، د: قبلت.
(¬14) فى ز: وشيد، وفى م، د: وسند.
(¬15) سقط فى ص.
(¬16) فى م: اندرس.
(¬17) سقط فى م.
ص: جعلت رمزهم على الترتيب ... من نافع كذا إلى يعقوب
وقوم من بنيانه ما كان قد انعكس؛ فهو الجدير بأن يقال فيه:
تحيا بكم كلّ أرض تنزلون بها ... كأنكم لبقاع الأرض أمطار
وهذا علم قد أهمل، وباب قد أغلق وأخمل (¬1)، وهو السبب الأعظم فى ترك كثير من القراءات، وضياع كثير (¬2) من الوجوه والروايات، وإذا كان السند من أركان القراءة (¬3) - كما تقدم- تعين أن يعرف حال رجال القراءات، كما يعرف حال رجال الحديث، لا جرم اعتنى الناس بذلك قديما، وحرص الأئمة على ضبطه [تحريرا] (¬4) عظيما، وأفضل من جمع ذلك ونقّحه وهذّبه إماما المغرب والمشرق (¬5) أبو عمرو الدانى، والحافظ أبو العلاء الهمذانى، وجمع المصنف فى ذلك كتابا سماه: «غاية النهاية فى أسماء رجال القراءات أولى الدراية والرواية»، وهو كتاب عظيم جامع فى هذا الشأن. [والله المستعان، وعليه توكلنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل] (¬6).
ص:
جعلت رمزهم على التّرتيب ... من نافع كذا إلى يعقوب
ش: (رمزهم) مفعول (جعلت)، و (على الترتيب) يتعلق به، و (من نافع) يتعلق ب (الترتيب)، و (إلى يعقوب) يتعلق بمحذوف، أى: ينتهى إلى يعقوب.
ص:
أبج دهز حطّى كلم نصع فضق ... رست ثخذ ظغش على هذا النّسق
ش: (أبج) بدل من (رمزهم) (¬7) و (على هذا) حال من البدل.
أى: جعلت كل كلمة من هذه (¬8) الكلمات المذكورة دليلا على كل قارئ، ووزعت الحروف عليهم باعتبار تركيبها ونظمى للقراء، فجعلت الأول للأول، ثم الذى يليه للذى يليه (¬9)، فالتسع كلمات (¬10) علامة التسعة القراء (¬11)، ف (أبج) لنافع وراوييه، فالهمزة لنافع والباء لقالون، والجيم لورش، وهكذا إلى يعقوب، وهو التاسع.
ثم كمل فقال:
ص:
والواو فاصل ولا رمز يرد ... عن خلف لأنّه لم ينفرد
ش: يعنى أنه إذا ذكر الوجه بترجمته إن كانت، وذكر بعده قارئه بحرف (¬12) مما تقدم،
¬
_
(¬1) فى م: وأمهل، وفى ز، ص: وأجمل.
(¬2) فى م: أكثر.
(¬3) فى د: القراءات.
(¬4) زيادة من م.
(¬5) فى م: إمامان بالمشرق والمغرب، وفى د: إماما الغرب والشرق، وفى ص: إمام.
(¬6) زيادة من م.
(¬7) فى د: هذا.
(¬8) فى د: هؤلاء.
(¬9) فى م: للإمام الذى بعده وراوييه، وهكذا البقية.
(¬10) فى د: فالكلمات التسعة.
(¬11) فى م: القراء، وفى د: القراء التسعة.
(¬12) فى م: بحرفه.
فائدة:
أتى بواو فاصلة بينه وبين غيره؛ لكونه غير رمز، واختار الواو؛ لكونها عاطفة غالبا، وأما العاشر- وهو خلف- فلم يأت له برمز؛ لأنه لم ينفرد بقراءة أصلا.
فائدة:
إنما (¬1) اختار الناظم (¬2) حروف «أبجد»؛ لما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تعلموا أبا جاد، فقيل: ما أبا جاد؟ فقال: الألف: آلاء الله، والباء بهاء الله، والجيم جلال الله، والدال دينه، والهاء الهادية، والواو: الويل لمن هوى (¬3)، والزاى زاوية (¬4) فيها، والحاء:
حطت (¬5) الخطايا عن المستغفرين بالأسحار، والطاء طوبى لهم، والياء يد الله على خلقه، والكاف كلام الله لا تبديل (¬6) له، واللام تلازم أهل الجنة بالتحية، والميم ملك الله، والنون: نون والقلم: لوح من نور، وقلم من نور يكتب ما هو كائن» (¬7).
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: حروف أبجد ما منها (¬8) حرف إلا وهو مكتوب فى صفحات العرش بالنور، وما منها كلمة إلا فى آجال قوم وأعمال قوم ومدة (¬9) قوم.
وعنه: «أبو جاد»: أبى آدم الطاعة وجدّ فى أكل الشجرة، «هوز» (¬10): زل فهوى من السماء إلى الأرض، «حطّى»: حطت عنه خطاياه، «كلمن»: أكل من الشجرة ومنّ عليه بالتوبة، «سعفص»: عصى فأخرج من النعيم إلى النكد، «قرشت» (¬11): أقر بالذنب؛ فأمن من العقوبة.
وقيل: أول من وضع الكتابة العربية قوم من الأوائل، ووضعوا هذه الكلمات على عددهم.
وقال حفص بن غياث (¬12): أسماء ملوك الجن الذين سكنوا الأرض قبل آدم فألقيت إلى
¬
_
(¬1) فى د: قال الجعبرى: إنما.
(¬2) فى م: كالنشاط.
(¬3) فى م: هو.
(¬4) فى ز: رواية.
(¬5) فى د، ز، ص: حط.
(¬6) فى م: لا يتبدل.
(¬7) ذكره السيوطى فى الدر المنثور (2/ 46 - 47) وعزاه لإسحاق بن بشر وابن عساكر من طريق جويبر، ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس بنحوه، وعزاه أيضا لابن عدى وابن عساكر عن أبى سعيد الخدرى وابن مسعود بنحوه.
(¬8) فى م: فيها.
(¬9) فى ص: ومدد.
(¬10) فى م، ز، د: هواز.
(¬11) فى ز، د: قريشات.
(¬12) هو حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعى الأزدى الكوفى، أبو عمر، قاض، من أهل الكوفة.
ولى القضاء ببغداد الشرقية لهارون الرشيد، ثم ولاه قضاء الكوفة ومات فيها. كان من الفقهاء حفاظ الحديث الثقات، حدث بثلاثة أو أربعة آلاف حديث من حفظه.
وله كتاب فيه نحو 170 حديثا من روايته. وهو صاحب أبى حنيفة، ويذكره الإمامية فى رجالهم. توفى سنة 194 هـ. ينظر الأعلام (2/ 264) (3084).
قاعدة:
العرب.
وقال الشعبى: أسماء الملوك الجبابرة.
[وقال ابن عرفة المالكى فى «مختصره» فى صفات معلم الأطفال: قال ابن سحنون عن مالك: ولا يعلمهم أبا جاد، ونهى عن ذلك؛ لأنى سمعت حفص بن غياث يحدث أن أبا جاد أسماء الشياطين ألقوها على ألسنة العرب فى الجاهلية فكتبوها.
قال محمد: وسمعت بعض أهل العلم يقول: هن أسماء ولد سابور ملك فارس، أمر من فى طاعته من العرب يكتبها فكتبوها، قال محمد: فكتبها حرام.
وأخبرنى سحنون عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: قوم ينظرون فى النجوم يكتبون أبا جاد لا خلاق لهم.
قلت: لعل الأستاذ الشاطبى لم يصح هذا عنده أو لم يبلغه، أو رأى النهى إنما هو باعتبار استعمالها لما وضعت له لا مع تغيرها فالنقل لمعنى صحيح. وعلى هذا يسوغ استعمالها عددا كسراج الدين، فانظر هذا مع ما تقدم] (¬1).
قال قطرب (¬2): والأصل: أبو جاد هواز حطى كلمن سعفص قرشات (¬3). قيل: الثلاثة الأول عربية والأخرى (¬4) أعجمية لا تنصرف، وتنوين «قرشات» (¬5) ك «عرفات»، حذفت الألف والواو لتكرارها (¬6)، بخلاف تاء «قريشات» (¬7)؛ لاختلاف الشكل، ثم حذفها الحساب فصارت (¬8): (أبجد هوز حطى كلمن سعفص قرشت)، ثم غيرها القراء، فأخرجوا الواو للفصل، وجعلوا أول (سعفص) صادا مهملة [وآخره ضادا معجمة وقرست بسين مهملة] (¬9)؛ فصار: أبج لنافع وراوييه بالترتيب ... إلخ.
قاعدة:
لا بد أن تلفظ (¬10) بحرف الرمز (¬11)، إما حالتى الوصل والابتداء أو حالة الابتداء خاصة، كما لو كان الرمز همزة الوصل (¬12)، ولا يعطف الرمز بعضه على بعض؛ لئلا
¬
_
(¬1) ما بين المعقوفين زيادة من د، ص.
(¬2) هو محمد بن المستنير بن أحمد، أبو على، الشهير بقطرب: نحوى، عالم بالأدب واللغة، من أهل البصرة. وهو أول من وضع «المثلث» فى اللغة. وقطرب لقب دعاه به أستاذه سيبويه، فلزمه. من كتبه «معانى القرآن» و «النوادر». ينظر الأعلام (7/ 95) (415).
(¬3) فى ص: قرشيات، وسقط فى م.
(¬4) فى ز، ص: والآخر.
(¬5) فى م: قرشات، وفى ص: قرشيات.
(¬6) فى ز: لتكررها، وفى د، ص: لتكررهما.
(¬7) فى م: تاء قرشات، وفى ص: ياء قرشيات.
(¬8) فى ص: فصار.
(¬9) سقط فى م.
(¬10) فى م: لمن يتلفظ، وفى د، ص: بلفظ.
(¬11) فى م: برمز الحرف أن يلفظ بالرمز.
(¬12) فى م: وصل.
ص: وحيث جا رمز لورش فهوا ... لأزرق لدى الأصول يروى
يلتبس بالوصل (¬1)، ولا يفصل بينهما إلا بلفظ الخلاف، ولا يجمع بينه وبين الصريح على وجه واحد، ويسلك الأخصر (¬2) غالبا، فإذا اتفق الراويان (¬3) ذكر الإمام، فإن ذكرهما فإما للخلاف عن أحدهما نحو: «ولرا- فى اللام (ط) ب خلف (ي) د ... » وإما للوزن، وسيأتى بقية اصطلاحه.
ص:
وحيث جا رمز لورش فهوا ... لأزرق لدى الأصول يروى
ش: (حيث) ظرف مكان باتفاق، وزمان عند الأخفش، وفيها (¬4) معنى الشرط، وهى مبنية على الصحيح، وعلى البناء، ففيها واو أو ياء، مع كليهما (¬5) تثليث الثاء (¬6) وعاملها
¬
_
(¬1) فى د، ز، ص: بالفصل.
(¬2) فى م: وليسلك به الأخص.
(¬3) فى د، ص: الروايات.
(¬4) فى م: وفيه.
(¬5) فى م: ومع كليهما، وفى د: كلاهما مع.
(¬6) قوله: «حيث ظرف مكان .. تثليث الثاء» قد أجمل الشارح فى هذه العبارة عدة أحكام تتعلق بحيث، يحسن بنا- إكمالا للفائدة أن نفصلها؛ لبيان ما ورد فيها من خلاف لا سيما وأن بعض اللغويين قد أشار إلى لبس يقع لدى البعض بين استخدام «حيث وحين»، ولعل فى الإشارة إلى هذا اللبس ما يلقى الضوء على ما نقل عن الأخفش من أن «حيث» ظرف زمان؛ فلعل الأخفش قد أراد «حين»، فصحفها البعض، أو أخطأ فى نقلها، أو غير ذلك، فنقول: قال ابن منظور: حيث ظرف مبهم من الأمكنة مضموم وبعض العرب يفتحه وزعموا أن أصلها الواو قال ابن سيده وإنما قلبوا الواو ياء طلب الخفة قال وهذا غير قوى وقال بعضهم أجمعت العرب على رفع حيث فى كل وجه وذلك أن أصلها حوث فقلبت الواو ياء لكثرة دخول الياء على الواو فقيل حيث ثم بنيت على الضم لالتقاء الساكنين واختير لها الضم ليشعر ذلك بأن أصلها الواو وذلك لأن الضمة مجانسة للواو فكأنهم أتبعوا الضم الضم قال الكسائى وقد يكون فيها النصب يحفزها ما قبلها إلى الفتح قال الكسائى سمعت فى بنى تميم من بنى يربوع وطهية من ينصب الثاء على كل حال فى الخفض والنصب والرفع فيقول حيث التقينا ومن حيث لا يعلمون ولا يصيبه الرفع فى لغتهم قال وسمعت فى بنى أسد بن الحارث بن ثعلبة وفى بنى فقعس كلها يخفضونها فى موضع الخفض وينصبونها فى موضع النصب فيقول من حيث لا يعلمون وكان ذلك حيث التقينا وحكى اللحيانى عن الكسائى أيضا أن منهم من يخفض بحيث وأنشد:
أما ترى حيث سهيل طالعا قال وليس بالوجه قال وقوله أنشده ابن دريد:
بحيث ناصى اللمم الكثاثا ... مور الكثيب فجرى وحاثا
قال يجوز أن يكون أراد وحثا فقلب الأزهرى عن الليث: للعرب فى حيث لغتان فاللغة العالية حيث الثاء مضمومة وهو أداة للرفع يرفع الاسم بعده ولغة أخرى حوث رواية عن العرب لبنى تميم يظنون حيث فى موضع نصب يقولون القه حيث لقيته ونحو ذلك كذلك وقال ابن كيسان حيث حرف مبنى على الضم وما بعده صلة له يرتفع الاسم بعده على الابتداء كقولك قمت حيث زيد قائم وأهل الكوفة يجيزون حذف قائم ويرفعون زيدا بحيث وهو صلة لها فإذا أظهروا قائما بعد زيد أجازوا فيه الوجهين الرفع والنصب فيرفعون الاسم أيضا وليس بصلة لها وينصبون خبره ويرفعونه فيقولون قامت مقام صفتين والمعنى زيد فى موضع فيه عمرو فعمرو مرتفع بفيه وهو صلة للموضع وزيد مرتفع بفى الأولى وهى خبره وليست بصلة لشىء قال وأهل البصرة يقولون حيث مضافة إلى جملة فلذلك لم تخفض وأنشد الفراء بيتا أجاز فيه الخفض وهو قوله:
أما ترى حيث سهيل طالعا فلما أضافها فتحها كما يفعل بعند وخلف وقال أبو الهيثم حيث ظرف من الظروف يحتاج إلى
ص: والأصبهانى كقالون وإن ... سميت ورشا فالطريقان إذن
مقدر، (جا) رمز فعلية مضاف (¬1) إليها، (لورش) يتعلق ب (جا) (فهو يروى (¬2) للأزرق (¬3)) جوابية، (ولدى الأصول) ظرف معمول (يروى)، أى: كل موضع جاء فيه رمز ورش المذكور أولا (¬4)، وهو الجيم، فلا يخلو إما أن يكون فى الفرش أو فى الأصول (¬5)، فإن كان فى الفرش فهو لورش من طريقيه (¬6)، أو فى الأصول (¬7) فهو لورش (¬8) من طريق الأزرق خاصة، وتكون قراءة الأصبهانى كقراءة قالون [حينئذ] (¬9) دائما، وإن ذكر ورشا بصريح اسمه دخل الطريقان معا (¬10)؛ كقوله: «وقبل همز القطع ورش». وسواء كان فى الفرش أو فى الأصول، وإلى هذا أشار بقوله:
ص:
والأصبهانىّ كقالون وإن ... سمّيت ورشا فالطّريقان إذن
ش: (والأصبهانى كقالون) اسمية، (وإن سميت ورشا) شرطية، (فالطريقان) مبتدأ
¬
_
اسم وخبر وهى تجمع معنى ظرفين كقولك حيث عبد الله قاعد زيد قائم المعنى الموضع الذى فيه عبد الله قاعد زيد قائم قال وحيث من حروف المواضع لا من حروف المعانى وإنما ضمت لأنها ضمنت الاسم الذى كانت تستحق إضافتها إليه قال وقال بعضهم إنما ضمت لأن أصلها حوث فلما قلبوا واوها ياء ضموا آخرها قال أبو الهيثم وهذا خطأ لأنهم إنما يعقبون فى الحرف ضمة دالة على واو ساقطة. الجوهرى: حيث كلمة تدل على المكان لأنه ظرف فى الأمكنة بمنزلة حين فى الأزمنة وهو اسم مبنى وإنما حرك آخره لالتقاء الساكنين فمن العرب من يبنيها على الضم تشبيها بالغايات لأنها لم تجئ إلا مضافة إلى جملة كقولك أقوم حيث يقوم زيد ولم تقل حيث زيد وتقول حيث تكون أكون ومنه من يبنيها على الفتح مثل كيف استثقالا للضم مع الياء وهى من الظروف التى لا يجازى بها إلا مع ما تقول حيثما تجلس أجلس فى معنى أينما وقوله تعالى وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى [طه: 69] وفى حرف ابن مسعود أين أتى والعرب تقول جئت من أين لا تعلم أى من حيث لا تعلم قال الأصمعى ومما تخطئ فيه العامة والخاصة باب حين وحيث غلط فيه العلماء مثل أبى عبيدة وسيبويه قال أبو حاتم رأيت فى كتاب سيبويه أشياء كثيرة يجعل حين حيث وكذلك فى كتاب أبى عبيدة بخطه قال أبو حاتم واعلم أن حين وحيث ظرفان فحين ظرف من الزمان وحيث ظرف من المكان ولكل واحد منهما حد لا يجاوزه والأكثر من الناس جعلوهما معا حيث قال والصواب أن تقول رأيتك حيث كنت أى فى الموضع الذى كنت فيه واذهب حيث شئت أى إلى أى موضع شئت وقال الله عز وجل فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما [الأعراف: 19] ويقال رأيتك حين خرج الحاج أى فى ذلك الوقت فهذا ظرف من الزمان ولا يجوز حيث خرج الحاج وتقول ائتنى حين يقدم الحاج ولا يجوز حيث يقدم الحاج وقد صير الناس هذا كله حيث فليتعهد الرجل كلامه فإذا كان موضع يحسن فيه أين وأى موضع فهو حيث لأن أين معناه حيث وقولهم حيث كانوا معناهما واحد ولكن أجازوا الجمع بينهما لاختلاف اللفظين واعلم أنه يحسن فى موضع حين لما وإذ وإذا ووقت ويوم وساعة ومتى تقول رأيتك لما جئت وحين جئت وإذ جئت ويقال سأعطيك إذ جئت ومتى جئت ينظر اللسان (2/ 1064).
(¬1) فى م: مضافة.
(¬2) فى ص: يرى.
(¬3) فى ص، د، م: الأزرق.
(¬4) فى م: سابقا.
(¬5) فى ص: أو الأصول.
(¬6) زاد فى م: السابقتين، وفى د: طرقيه.
(¬7) فى م: وإن كان فى الأصول.
(¬8) فى م: له.
(¬9) سقط فى د، ز، ص.
(¬10) فى م: فقد أراد الطريقين مطلقا.
ص: فمدنى ثامن ونافع ... بصريهم ثالثهم والتاسع
وخبره محذوف، أى: فالطريقان مرادفان، والجملة جوابية، و «الأصبهانى» منسوب إلى أصبهان من بلاد العجم، وفيها أربع لغات: فتح الهمزة وكسرها مع الفاء والباء.
[تنبيه:
وقع للناظم ما يسمى سناد التوجيه فى قوله: (وإن) مع (إذن)، وقد تقدم فى الديباجة ..
حيث قال الأخفش، وابن القطاع، وابن الحاجب: للشاعر أن يوجهه- أى حرف الروى المقيد- إلى أى جهة شاء من الحركات، وفى هذا البيت (وإن) بكسر الهمزة، (إذن) بفتح الذال، وهو الصحيح؛ خلافا للخليل الذى عاب الفتحة مع الكسرة أو الضمة] (¬1).
ص:
فمدنىّ ثامن ونافع ... بصريّهم ثالثهم والتّاسع
ش: (فمدنى ثامن) اسمية، و (نافع) عطف على (ثامن)، (بصريهم ثالثهم) اسمية، (والتاسع) عطف على (ثالث).
ذكر أن نافعا وأبا جعفر- وهو الثامن- مدنيان ويعبر عنهما ب «مدنى» (¬2) [؛ لأنهما مدنيان]، وربما اضطر إلى حذف الياء، وقال: «مدن». وأن أبا عمرو- وهو الثالث- ويعقوب- وهو التاسع- بصريان، ويعبر عنهما ب «بصر» أو «بصرى» [لأنهما بصريان، والله أعلم] (¬3).
ص:
وخلف فى الكوف والرّمز (كفا) ... وهم بغير عاصم لهم (شفا)
ش: (خلف كائن فى الكوف) اسمية (والرمز كفا) كذلك، (وهم) مبتدأ، و (لهم شفا) اسمية مقدمة الخبر، خبر (هم) (¬4) و (بغير عاصم) محله النصب على الحال.
لما (¬5) فرغ [المصنف] (¬6) من رموز الأئمة منفردين وروايتهم وطرقهم، شرع فى رموزهم مجتمعين، ولما انقضت حروف أبجد ولم توف (¬7) بالغرض، رمز بكلمات أكثرها منقول من (¬8) أسماء الجموع مناسبة، ونوعها (¬9) على طريقة الأعلام المنقولة؛ لأنها (¬10) أعلام.
وبدأ بإدخال خلف مع الكوفيين (¬11)، فذكر أن «كفا» رمز الكوفيين، عاصم، وحمزة، والكسائى، وخلف، [فحيث قال: كفا، أو: كوف- فالمراد] (¬12) هؤلاء الأربعة، وإذا (¬13)
¬
_
(¬1) زيادة من د، ص.
(¬2) سقط فى ز، م.
(¬3) سقط فى ز، م، وفى ص: لأنهما بصرى.
(¬4) فى د، ز: لهم.
(¬5) فى ص: ولما.
(¬6) سقط فى م.
(¬7) فى م: يوف.
(¬8) فى م: عن.
(¬9) فى ص: وقوعها.
(¬10) فى م: كأنها.
(¬11) فى م: للكوفيين.
(¬12) فى د، ز، ص: وكذا حيث ذكر الكوفيين فهم.
(¬13) فى م: وأن.
ص: وهم وحفص (صحب) ثم (صحبه) ... مع شعبة وخلف وشعبه
خرج منهم عاصم صاروا (¬1) ثلاثة حمزة، والكسائى، [وخلفا فرمزهم] (¬2) (شفا).
ص:
وهم وحفص (صحب) ثمّ (صحبه) ... مع شعبة وخلف وشعبه
ش: (وهم وحفص صحب) اسمية، و (ثم صحب) مبتدأ وخبره (هم) مقدرة، و (مع شعبة) حال، و (خلف) مبتدأ، و (شعبة) عطف عليه، و (صفا) أول البيت [الآتى] (¬3) خبره، أى: أن حمزة، والكسائى، وخلفا إذا ضم إليهم حفص (¬4)، فرمزهم (صحب)، وإذا ضم إليهم أبو بكر شعبة فرمزهم (صحبة)، و (صفا) (¬5) رمز لخلف وأبى بكر.
ثم كمل فقال:
ص:
(صفا) وحمزة وبزّار (فتى) ... حمزة مع عليّهم (رضى) أتى
ش: إعراب البيت واضح، أى: أن حمزة، [وخلفا] (¬6) - وهو البزار- رمزهما (فتى)، وحمزة، والكسائى (¬7) - وهو على- رمزهما (رضى)، ولخلف (¬8)، والكسائى (روى)، ولأبى جعفر- وهو الثامن- ويعقوب- وهو التاسع- (ثوى) بالثاء المثلثة (¬9)، وإلى هذا (¬10) أشار بقوله:
ص:
وخلف مع الكسائىّ (روى) ... وثامن مع تاسع فقل (ثوى)
ش: (خلف) مبتدأ، [و (مع] (¬11) الكسائى) حال، و (روى) خبره، و (ثامن مع تاسع) كذلك، والخبر محذوف، أى: [لهما] (¬12) ثوى [رمز؛ لأن الفاء لا تدخل فى الخبر وهى سببية، و (ثوى) مفعول (قل) وفيه محذوف يتعلق به] (¬13).
ص:
ومدن (مدا) وبصرىّ (حما) ... والمدنى والمكّ والبصرى (سما)
ش: (ومدن مدا) (¬14) اسمية، وكذا (وبصرى حما)، و (المدنى) مبتدأ، وتالياه (¬15) معطوفاه (¬16)، وخبره «سما» أى لهم.
¬
_
(¬1) فى ز، ص، د: فصاروا.
(¬2) فى م: وخلف رمزهم.
(¬3) سقط فى د، ز، ص.
(¬4) زاد فى م: فى وجه من وجوه.
(¬5) فى م: وإذا كان شعبة وخلف رمز لهما بصفا، قال.
(¬6) سقط فى م.
(¬7) فى م: وعلى الكسائى.
(¬8) فى ز، ص: وخلف.
(¬9) فى م: بالمثلثة.
(¬10) فى م: ذلك.
(¬11) سقط فى م.
(¬12) سقط فى د، ص.
(¬13) فى م: والفاء سببية؛ إذ هى لا تدخل فى الخبر، وثوى مفعول فقل.
(¬14) فى د: لهما مدا.
(¬15) فى م: ثالث، وفى د: والملك والبصرى.
(¬16) فى م: وما بعده معطوفان عليه، وفى د: معطوفان، وفى ص: معطوفات.
ص: مك وبصر (حق) مك مدنى ... (حرم) و (عم) شاميهم والمدنى
أى: أن (¬1) المدنيين وهما نافع وأبو جعفر رمزهما (مدا)، والبصريين وهما أبو عمرو ويعقوب رمزهما (حما)، و (سما) رمز خمسة: المدنيان والبصريان وابن كثير المكى (¬2) [ثم قال] (¬3).
ص:
مكّ وبصر (حقّ) مكّ مدنى ... (حرم) و (عم) شاميّهم والمدنى
ش: (مك وبصر حق) اسمية، ([مك ومدنى] (¬4) حرم) اسمية (¬5)، وحذف عاطف (مدنى) وتنوين (حق) [وخبره] (¬6) [الآتى، و (عم شاميهم) اسمية] (¬7)، والمدنى عطف (¬8) على شاميهم.
[فإن اجتمع البصريان والمكى فرمزهم (حق) وإن توافق المدنيان والمكى فلهم (حرم) وللمدنيين والشامى (عم).
ثم قال] (¬9).
ص:
و (حبر) ثالث ومكّ (كنز) ... كوف وشام ويجيء الرّمز
ش: (وحبر ثالث ومك) اسمية، و (كنز كوف وشام) اسمية (¬10)، أى: أن ابن كثير المكى والبصريين (¬11) - وهما أبو عمرو ويعقوب- رمزهم (حق)، [وابن كثير والمدنيان- نافع، وأبو جعفر-] (¬12) رمزهم (حرم)، [وابن عامر الشامى والمدنيان] (¬13) رمزهم (عم)، والثالث وهو أبو عمرو مع ابن كثير رمزهما «حبر» والكوفيون (¬14) الأربعة مع ابن عامر رمزهم (¬15) (كنز)، وهذا آخر الرموز (¬16).
تنبيه:
ربما أفرد كل رمز من هذه نحو: ... «وكسر حج (ع) ن (شفا) (ث) من» (¬17)
وهكذا إلى آخر الرموز (¬18)، وأمثلته كثيرة، و (صحبة وصحب) (¬19) اسما جمع، و (عم) منقول من فعل ماض، و «سما» منقول من الماضى، من السمو وهو العلو. و (حق) منقول
¬
_
(¬1) فى م: والمعنى.
(¬2) فى م: وإذا اجتمع المدنيان والبصريان. وابن كثير المكى هؤلاء الخمسة رمزهم سما.
(¬3) فى د: ومك مدنى.
(¬4) سقط فى د، ز.
(¬5) فى م: كذلك.
(¬6) سقط فى م، والذى فى د، ص: وخبر.
(¬7) سقط فى م.
(¬8) فى م: معطوف عليه.
(¬9) سقط فى ز، ص.
(¬10) زاد فى م: كذلك أيضا.
(¬11) فى د، ز، ص: والبصرى.
(¬12) فى م: كما أن ابن كثير والمدنيين نافعا وأبا جعفر.
(¬13) فى م: وأن ابن عامر الشامى وللمدنيين.
(¬14) فى م: وأما الكوفيون.
(¬15) فى م: فرمزهم.
(¬16) فى م: الرمز.
(¬17) فى ز: وما لكسر حج عن شفا نمى، وفى م، د: وبالكسر حج عن شفا ثمن.
(¬18) فى د، ز: الرمز.
(¬19) فى م: وصحب وصحاب، وفى ص: وصحبة وصحاب.
ص: قبل وبعد وبلفظ أغنى ... عن قيده عند اتضاح المعنى
من المصدر، و (حرم) أصله بياء مشددة حذفها (¬1) تخفيفا، وهو لغة فى الحرم، والباقى واضح.
ثم كمل فقال:
ص:
قبل وبعد وبلفظ أغنى ... عن قيده عند اتّضاح المعنى
ش: (قبل وبعد) ظرفان [مبنيان على الضم] (¬2) لقطعهما عن الإضافة، (وأغنى) فعلية، (ويلفظ) و (عن قيده) يتعلقان ب (أغنى)، و (عند) ظرف معمول ل (أغنى)، و (اتضاح المعنى) مضاف إليه.
أى أن الرمز [كله] (¬3) إذا كان كلمة [فإنه] (¬4) لا يلزم فيه ما التزم فى الرمز الحرفى من التأخير، بل يجوز تقدمه (¬5)، مثل قوله: [وصحبة حما رءوف] (¬6) وتأخره (¬7) مثل قوله:
«يخدعونا كنز ثوى»، وسواء كانت الكلمة منفردة كما تقدم أو مع حرف رمز، وكلامه شامل لهما.
وأيضا فالحكم للأعم الأغلب نحو: «أنا مكرهم كفا ظعن»، «وشرب فاضممه مدا نصر فضا».
وتأخرها نحو «شين تشقّق كقاف حز كفا»، و «كن حول حرم» فى غافر.
ولم يذكر حالة اجتماعها مع حرف رمز، وعموم كلامه شامل لجواز [تقدمها وتأخرها] (¬8) كالمثالين، وتوسطها (¬9) نحو: «يلقوا يلقّوا ضمّ كم (سما) (ع) تا».
وقوله: (وبلفظ أغنى) أى أنه إذا ذكر القراءة فلا بد من قيد حركة (¬10) [أو سكون أو حذف أو حرف ونحوها] (¬11) وربما استغنى عن القيد [بلفظ القراءة (¬12) فى النظم] (¬13) إن كشفها اللفظ فى الوزن؛ [لأن الشعر حروف] (¬14) وحركات وسكنات [محصورة] (¬15)، ثم [قد يلفظ] (¬16) بإحدى القراءتين ويعتمد فى الأخرى على محل إجماع أو سبق نظير كما ستراه، إن شاء الله تعالى.
¬
_
(¬1) فى م: حذفت.
(¬2) سقط فى د، ز، ص.
(¬3) سقط فى د.
(¬4) سقط فى م.
(¬5) فى ص: تقديمه.
(¬6) فى م: صحبة.
(¬7) فى د، ز: وبآخره.
(¬8) فى م: تقدمهما وتأخرهما.
(¬9) فى م: وتوسطهما.
(¬10) فى د، ص: بحركة.
(¬11) فى م: أو سكونا أو حرفا: أو نحوها، وفى د، ص: أو حرف أو حذف ونحوها.
(¬12) فى م: به أى: لفظ القراءة.
(¬13) سقط فى م.
(¬14) فى م: لا الشعر حروفا.
(¬15) سقط فى م.
(¬16) فى م: قيد بلفظ.
ص: واكتفى بضدها عن ضد ... كالحذف والجزم وهمز مد
ص:
واكتفى بضدّها عن ضدّ ... كالحذف والجزم وهمز مدّ
ش: (اكتفى) فعلية، و (بضدها) و (عن ضد) يتعلقان ب (اكتفى)، و (كالحذف) خبر مبتدأ محذوف، وما بعده معطوف عليه، وعاطف (مد) حذف كما حذف تنوين (همز) للضرورة (¬1)، وتقدما أول (¬2) القصيدة (¬3)، أى: كل قراءة لها ضد واحد، سواء كان عقليّا أو اصطلاحيّا، فإنى اكتفى بذكر أحد الضدين عن الآخر؛ لدلالته عليه بالالتزام اختصارا، فيكون المذكور للمذكور [معه] (¬4) والمسكوت عنه للمسكوت عنه، وقال «بضدها» ولم يقل بها؛ لأنه (¬5) قد يكون (¬6) غيرها؛ إذ لا يلزم أحد الطرفين إلا لعارض، على حد قوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى [البقرة: 282] أى: فتذكر الذاكرة الناسية، وهذا الاستغناء على سبيل الجواز لا الوجوب، ولا يصار إلى الأضداد إلا عند عدم اللفظيات مطلقا [لضعفها] (¬7)، ومثّل ذلك بأربعة أمثلة، فالحذف ضد الإثبات، وكذا مرادفهما (¬8) نحو: «تثبت فى الحالين (ل) ى (ظ) لّ (د) ما»، «بشراى حذف اليا (كفى)»، ونحو: «يقول واوه (كفا) (ح) ز (ظ) لا»، وضده السقوط (¬9) أو «دع» وشبهه.
والجزم والرفع ضدان نحو: «يذرهم اجزموا (شفا)»، «يوم انصب الرفع (أ) وى)» (¬10).
والهمز له ثلاثة (¬11) معان:
[الأول:] التحقيق وضده التخفيف، كقوله فى الأعراف: «والهمز (ك) م وبيئس خلف (ص) دا».
والثانى: جعله مكان حرف صالح لشكله لا على وجه البدل، وضده (¬12) ذلك الحرف؛ كقوله: «والتناوش همزت»، وإنما كان هذا على غير وجه البدل؛ لأن البدل لا يكون إلا فى ساكن، فيبدل من جنس حركة ما قبله، وهذا متحرك بعد ساكن.
والثالث: الزيادة (¬13) وضدها الحذف (¬14)، كقوله: «واهمز يضاهون ندا».
¬
_
(¬1) فى م: لضرورة الشعر.
(¬2) فى م: أولا فى الخطبة عند الكلام على ما يتعلق بالقصيد، وفى د، ص: فى أول.
(¬3) فى د، ز، م: القصيد.
(¬4) سقط فى د، ز، م.
(¬5) فى د، ص: لأنها.
(¬6) فى د، ص: تكون.
(¬7) سقط فى م.
(¬8) فى ز، م: مراد فيهما.
(¬9) فى م: وضد الإثبات الحذف والسقوط.
(¬10) فى م: يوم ارفع النصب أوى، وفى د: انصب ارفع أوى.
(¬11) فى ز، م: ثلاث.
(¬12) فى ص: وضد.
(¬13) فى م: زيادته أى الهمز.
(¬14) فى م: حذفه.
ص: ومطلق التحريك فهو فتح ... وهو للاسكان كذاك الفتح
والمد والقصر ضدان من الطرفين، [أى] (¬1) لا ضد لكلّ إلا الآخر، وله معنيان:
زيادة حرف مد نحو حاذِرُونَ [الشعراء: 56] وتُفادُوهُمْ [البقرة: 85].
وزيادة مد على حرفه نحو:
وأشبع المد لساكن لزم ... ... ... ...
وفى هذه الأمثلة تنبيه على بقية مسائل الأضداد، والله المستعان (¬2).
ص:
ومطلق التّحريك فهو فتح ... وهو للاسكان كذاك الفتح
ش: (ومطلق التحريك) شرطية وشرطها محذوف، أى: وأما مطلق التحريك، وجوابه (فهو فتح) و (هو ضد للإسكان) اسمية، و (كذاك (¬3) الفتح (¬4) ضد للكسر) (¬5) اسمية أيضا.
أى: حيث ذكر التحريك مطلقا، أى (¬6) غير مقيد، فمراده به الفتح، ومفهومه أنه إذا قيد لا يكون فتحا؛ فيكون (¬7) المراد ما قيده به، ولام (الإسكان) للجنس، فمعنى كلامه: أن مطلق التحريك سواء أطلق أو قيد يضاد مطلق الإسكان، ولا شك أن الإسكان واحد سواء أطلق أو قيد بكونه سكون ضمّ أو كسر، نحو: «ود أبا حرّك علا، وخلق» (¬8) «فاضمم حرّكا بالضم»، و «لام ليقطع (¬9) حركت بالكسر».
وكذلك (¬10) مطلق الإسكان يضاد مطلق التحريك، فالإسكان المطلق يضاد التحريك المطلق وهو الفتح، والمقيد يضاد ما قيد به نحو: «أخفى سكن فى (ظبى) (¬11)»، «وروح ضمه اسكن كم حدا (¬12)»، «وسكون الكسر (حق)».
وفائدة هذا بيان استعمال أنواع الحركة ومقابلها.
ثم كمل (¬13) فقال (¬14):
ص:
للكسر والنّصب لخفض إخوة ... كالنّون لليا ولضمّ فتحة
¬
_
(¬1) سقط فى م.
(¬2) فى م: والله أعلم، وفى ص: وبالله المستعان.
(¬3) فى ص، م، د: وكذاك.
(¬4) فى م: الفتح مبتدأ خبره للكسر فى البيت الآتى بعد.
(¬5) فى د: الكسر.
(¬6) فى م: أعنى.
(¬7) فى م: بل يكون.
(¬8) فى م: ونحو خلق.
(¬9) فى م: ونحو لام ليقطع.
(¬10) فى م: فلذلك.
(¬11) فى ز، ص: ظما.
(¬12) فى ز: صدا، وفى م: مدا.
(¬13) فى ص: حرك.
(¬14) زاد فى م: كذلك.
ص: كالرفع للنصب اطردن وأطلقا ... رفعا وتذكيرا وغيبا حققا
ش: (كذلك الفتح أخ للكسر)، و (النصب أخ للخفض) اسميتان (¬1)، و (إخوة) خبر لمحذوف، أى: هذه كلها إخوة، و (كإخوة النون للياء) جار ومجرور خبر لمحذوف، أى: وهذا مثل كذا (¬2)، و (لضم (¬3) فتحة) اسمية مقدمة الخبر، أى أن بين كل من المذكور (¬4) وتاليه مؤاخاة (¬5)، ومعنى المؤاخاة هنا اشتراكهما فى الضدية، وفيه ثلاثة أنواع:
فالفتح وقسيمه الكسر (¬6) ضدان من الطرفين، فإن (¬7) أطلقا حملا (¬8) على الأول، وإلا فعلى المقيد (¬9)، نحو: «وإن الدين فافتحه (ر) جل»، «وكسر حج (ع) ن (شفا) (ث) من».
والنصب والخفض أو الجر ضدان من الطرفين، ويختصان بحروف الإعراب؛ ولهذا أطلقهما غالبا كقوله: «تحتها اخفض»، «وطاغوت اجرر (ف) وزا»، «وأرجلكم نصب (ظ) با».
ونون المتكلم مطلقا (¬10) فى المضارع وياء الغائب فيه ضدان من الطرفين، ويختصان بالأول، وبه فارقا (¬11) الغيب، والخطاب (¬12)؛ لدخولهما فى الآخر أيضا نحو:
«نوفيهم بياء عن غنى»، «(وإنا فتحنا) نونها عم فى ندخله ونعذبه».
والضم والفتح ضدان، لا من (¬13) الطرفين بل من طرف الضم خاصة؛ لأنه لو جعل من الطرفين لالتبس ضد (¬14) الفتح فلا يعلم كسر أم ضم؛ فحاصله أن الضم ضد (¬15) الفتح، والكسر والفتح ضدان من الطرفين، فحيث يقول: «اضمم» أو «الضم» لقارئ، ساكتا عن تقييده فغير المذكور قرأ بالفتح كقوله: «ربوة الضم»، «حسنا (¬16) فضم».
ثم كمل فقال:
ص:
كالرّفع للنّصب اطردن وأطلقا ... رفعا وتذكيرا وغيبا حقّقا
ش: (كالرفع للنصب) خبر لمحذوف، أى: وهذا كأخوّة الرفع للنصب، و (اطردن) أمر
¬
_
(¬1) فى م: وهما اسميتان.
(¬2) فى م: كالنون.
(¬3) فى ز: وبضم.
(¬4) فى م: المذكورين.
(¬5) فى م: المؤاخاة.
(¬6) فى م: وقسيميه للكسر.
(¬7) فى م: وأن.
(¬8) فى ص: احملا.
(¬9) فى م: القيد.
(¬10) فى ص: مطلقة.
(¬11) فى م، ص: فارق.
(¬12) فى م: والكتب.
(¬13) فى د: لكن لا.
(¬14) فى د: بضد.
(¬15) فى د، ص: ضده.
(¬16) فى م: وقوله: حسنا.
مؤكد، اى: اطرد جميع ما ذكرته من الأضداد فى جميع المواضع ولا تقيده بقيد، و (أطلقا) فعل أمر، والألف للإطلاق، و (رفعا) مفعول (أطلق) وتالياه (¬1) معطوفان، و (حققا) صفة لما قبله، أى: الرفع والنصب أخوان، لكن لا (¬2) من الطرفين بل من طرف (¬3)، كالضم مع الفتح (¬4)، فحيث يقول: «ارفع» أو «الرفع» [أو «رفع»] (¬5) لقارئ، فغيره قرأ (¬6) بالنصب، كقوله: «والرفع (ف) د»، «واحدة رفع (ث) را».
فهذه جملة مصطلحاته المطلقة، فإن خرجت عنه قيدها نحو: يحصنّ نون (ص) ف (غ) نا أنّث (ع) لن»، «تطوّع التّا يا».
ونحو: «يعرشوا معا بضمّ الكسر»، «ويعكفوا اكسر ضمّه».
ونحو: «يدخلون ضمّ يا وفتح ضم». وأمثلته واضحة.
ثم ذكر قاعدة أخصر مما تقدم؛ إذ (¬7) هنا لا يذكر ترجمته، وفى الأول لا بد من واحدة، يعنى [أن] (¬8) الرفع والتذكير والغيب وأضدادها تطلق للقارئ (¬9) الذى له الأضداد المتقدمة على قراءاتها خالية من الترجمة.
فأعلم من هنا (¬10) أن الخلاف إذا دار بين الرفع وضده فلا يذكر إلا الرفع رمزا أو صريحا (¬11)، وإذا دار بين التذكير وضده فلا يذكر إلا [التذكير] (¬12) وإذا دار بين الغيب وضده فلا يذكر إلا الغيب، فإذا علم أحد الوجهين للمذكور أخذ ضده للمسكوت عنه، ومثال ذلك: «سبيل لا المدينى»، «ثانى يكن (حما) كفا»، «ويدعوا كلقمان».
واجتمع الأولان فى قوله: «ويستبين (ص) ون (ف) ن (روى)»، «سبيل لا المدينى».
والثلاثة فى قوله: «خالصة (إ) ذ يعلموا الرابع (ص) ف يفتح (فى) (روى)».
فإن قيل: يحتمل أن رفع «خالصة» استفيد استفيد من عطفه على «لباس».
¬
_
(¬1) فى ز: والباء.
(¬2) فى ز: للولاء.
(¬3) فى ص: طرف واحد.
(¬4) فى د: والفتح.
(¬5) سقط فى م.
(¬6) فى ص: قد قرأ.
(¬7) فى ص: أن.
(¬8) سقط فى م.
(¬9) فى م: تطلق للقارئ.
(¬10) فى م: هذا.
(¬11) فى م: وصريحا.
(¬12) سقط فى ص.
ص: وهذه أرجوزة وجيزة ... جمعت فيها طرقا عزيزه
فالجواب: أن الاحتمال إنما نشأ من صلاحية الواو للاستئناف والعطف، لكن عين استئنافها (¬1) اصطلاحه على أن أصل كل مسألة الاستقلال بعبارة؛ فلا يحال على متقدم أو متأخر حتى يعدم (¬2) ترجمتها اللفظية والتقديرية، وقد وجدت هنا، وعلى هذا اعتمد فى إطلاق [قوله منهم] (¬3).
وقوله (¬4): «يقول بعد اليا- (كفا) (ا) تل يرجعوا (ص) در»، «يعمل ويؤت اليا شفا» (¬5)، ولولا ذلك لفسدت ثانية الأولى؛ إذ يلزم أن فيها قراءة بالنون، وأولى (¬6) الثانية كذلك.
وهنا انتهى اصطلاحه وبالله التوفيق.
ص:
وهذه أرجوزة وجيزة ... جمعت فيها طرقا عزيزه
ش: (وهذه أرجوزة) اسمية، (وجيزة) صفة (أرجوزة)، و (جمعت فيها) فعلية صفة ثانية، و (طرقا) مفعول (جمعت) و (عزيزة) صفة (طرقا).
أى: هذه المنظومة أرجوزة مختصرة وجيزة، ولذلك صارت تعد من الألغاز وإنما حمله على ذلك تقاعد المشتغلين وقلة رغبات المحصلين (¬7)، مع أنه لم يسبق بمن سلك هذا الطريق الصعب المسالك، وسد على من بعده بها المسالك، جمع فيها طرقا لم توجد فى كتب عدة، يعترف بها ويراها كل من أسهر ليله وبذل جهده، وعدتها (¬8) تسعمائة وثمانون طريقا، ولم يشارك فى هذا الخطب صاحبا ولا رفيقا، وأصول هذه الطرق ثمانون يعدها كل بشر (¬9). ذكر (¬10) الدانى والشاطبى منها أربعة عشر.
ثم [إن المصنف- رحمه الله (¬11) - خشى أن يتوهّم منه (¬12) تفضيل كتابه على من سبقه إلى فضل ربه وثوابه، فلذلك (¬13) قال:
ص:
ولا أقول إنّها قد فضلت ... حرز الأمانى بل به قد كملت
ش: (لا) نافية، ومنفيها (أقول)، وكسرت (إنها) (¬14)؛ لأنها محكية بالقول، و (قد فضلت) خبر (إن)، و (حرز الأمانى) مفعول (فضلت)، و (بل) حرف عطف وإضراب، و (به) يتعلق ب (كملت).
¬
_
(¬1) فى ص: استئنافهما.
(¬2) فى ص، م: يعلم.
(¬3) سقط فى د، ص.
(¬4) فى م: وقوله.
(¬5) فى م: يعلّم اليا (إ) ذ (ثوى) (ذ) ل.
(¬6) فى م: وإلى.
(¬7) فى د: المخلصين.
(¬8) فى م: وعدة طرقها.
(¬9) فى د: نشر.
(¬10) فى م: وقد ذكر.
(¬11) زيادة من م.
(¬12) فى م: عنه.
(¬13) فى م: لذلك.
(¬14) فى م: إن.
أى: لا أقول وأدعى أن هذه الأرجوزة فضلت «حرز الأمانى ووجه التهانى»، وهى «الشاطبية»، بلل (¬1) الله ثرا ناظمها، [وأمطر عليه سحائب الرحمة والرضوان] (¬2) وكيف أقول: [إن نظمى قد فضل نظمها] (¬3) وقد رزقت [تلك] (¬4) من الحظ والإقبال ما لم يوجد لغيرها [من المؤلفات] (¬5)، بل أدعى أن هذه الأرجوزة ناقصة، وأنها لم تكمل إلا بتطفلها على «الشاطبية» وسيرها فى طريقها واقتباس ألفاظها العذبة.
وهذا فى الحقيقة إنصاف من المصنف (¬6)، وإلا فلا نزاع بين كل من نظر أدنى نظر، ولو لم يكن له نقد (¬7) وبصيرة، فى أن هذه الأرجوزة جمعت أشياء ليست فى تلك،
وأن (¬8) فى هذه (¬9) نبذة من علم التجويد، ونبذة من علم الوقف والابتداء، وباب إفراد القراءات وجمعها، ومسائل كثيرة لا يحصيها إلا من يتعب عليها، وتنبيهات (¬10) على قيود أهملها الشاطبى لا تحصر، ومناسبات [لم توجد فى تلك] (¬11)، وأوجها كثيرة، وروايات متعددة، وطرقا زائدة (¬12)، وقراءات عشرة.
فأنت ترى ابن عامر ليس له فى الشاطبية إلا مد المنفصل بمرتبة واحدة، وله فى هذه عن هشام القصر والمد المتوسط [، زيادة عما فى تلك وهو المتوسط خاصة] (¬13)، وعن ابن ذكوان الطول [والتوسط] (¬14) والسكت وعدمه، وإمالة ذوات الراء وعدمها، وغير ذلك، ولأبى عمرو الإدغام والإظهار من الروايتين، والمد والقصر منهما، والهمز وعدمه منهما، ولنافع من رواية ورش المد الطويل والتوسط (¬15) والقصر وإبدال كل همزة ساكنة (¬16) وترقيق اللامات وتفخيم الراءات (¬17)، ولحمزة ما لا يحصيه إلا [من تتبعه ووقف عليه] (¬18)، و [قد جمع ذلك الناظم من] (¬19) تسعمائة (¬20) وثمانين طريقا، مع أن المذكور فيها من طرق (¬21) [«الشاطبية» و «التيسير»] (¬22) طريقا واحدة، ولا شك (¬23) فى ترجيح هذه الأرجوزة باعتبار ما ذكرناه (¬24).
¬
_
(¬1) فى ص، د، ز: بلّ.
(¬2) زيادة من م.
(¬3) فى ص، د، ز: ذلك.
(¬4) سقط فى م.
(¬5) سقط فى د، ز، ص.
(¬6) فى ص: الناظم.
(¬7) فى د: نقل.
(¬8) فى ص، م، د: فإن.
(¬9) فى ص: الأرجوزة.
(¬10) فى م: وتنبيها.
(¬11) سقط فى م.
(¬12) فى م: كثيرة.
(¬13) سقط فى د، ز، ص.
(¬14) سقط فى م.
(¬15) فى د: والمتوسط.
(¬16) زاد فى م: غير ما استثنى مما يأتى.
(¬17) زاد فى م: إلى غير ذلك.
(¬18) فى د، ز، ص: الواقف عليه.
(¬19) فى د، ز: وجمعها.
(¬20) فى د: لتسعمائة.
(¬21) فى م: وأصلها طريق.
(¬22) سقط فى م.
(¬23) فى م: فلا شك.
(¬24) فى د، ز، ص: ذكر.
ص: حوت لما فيه مع التيسير ... وضعف ضعفه سوى التحرير
وأما جلالة قدر الشاطبى وصلاحه وولايته فلا تنكر (¬1)، والعلم عند الله من (¬2) أىّ المصنفين أفضل، ولا نزاع فى حلاوة نظمه وطلاوته وبهجته، [ولو لم يكن فى] (¬3) ذلك إلا كون (¬4) كتابه أمّا (¬5) لجميع ما عداه (¬6) وغيره عيال عليه، لكان فى ذلك كفاية؛ [فجزاهما الله خيرا] (¬7) ولا خيب سعيهما، ونفعنا (¬8) بعلمهما وبركتهما، إنه قريب مجيب.
ص:
حوت لما فيه مع التّيسير ... وضعف ضعفه سوى التّحرير
ش: (حوت هى) فعلية، و (لما) يتعلق ب (حوت)، و (فيه) يتعلق بصلة (¬9) (ما)، و (مع التيسير) حال، و (ضعف) يجوز عطفه على (لما) فينصب، [وعلى (ما)] (¬10) فيجر (¬11)، و (سوى التحرير) [حال من فاعل حوت، أى حوت هى حالة كونها محررة، و (التحرير) مجرور ب (سوى) فهو] (¬12) مستثنى من مقدر دل عليه قوله: (حوت).
أى: حوت لما فى الكتابين ولم تنقص عنهما، [سوى شىء] (¬13) بدل التحرير، وهو الإشكال [الموجود فى بعض مواضع الحرز، وأصله من الاضطرابات فى بعض الأوجه بين
النقلة وأئمة العربية] (¬14)، فإنها نقصت به، أى: لم تحوه، [أى: حوت] (¬15) هذه (¬16) الأرجوزة كل (¬17) ما فى [«حرز الأمانى» وكل ما فى «التيسير»] (¬18) من القراءات والطرق والروايات، بل حوت [ضعف ضعف] (¬19) ما فيهما، بل أكثر من ذلك؛ لأن ضعف الضعف (¬20) ستة وخمسون طريقا، ولم تنقص (¬21) عنهما (¬22) بشيء أصلا إلا المواضع المشكلة المخالفة للمنقول أو لطرقهما، فإن هذه [الأرجوزة لم يكن فيها ذلك الإشكال كما فيها، بل حررت تلك] (¬23) المواضع فيها، ففي الحقيقة إنما (¬24) نقصت عنهما ببدل (¬25)
¬
_
(¬1) فى ص، د، م: فلا ينكر.
(¬2) فى ص، د، م: فى.
(¬3) سقط فى م.
(¬4) فى م: وضعه بل لكون.
(¬5) فى د: إماما.
(¬6) زاد فى م: من المؤلفات فى هذا الشأن.
(¬7) فى م: فجزى الله هذين الإمامين أحسن الجزاء.
(¬8) فى م: ونسأله تعالى أن ينفعنا.
(¬9) فى م: يتعلق بمحذوف، وفى ز: متعلق صلة.
(¬10) سقط فى م، وفى ص: أو على.
(¬11) فى م: أو يجر اعتباران.
(¬12) سقط فى ز، م.
(¬13) من د: شيئا سوى، وفى ص: بشيء سوى.
(¬14) سقط فى د، ز، ص.
(¬15) سقط فى م.
(¬16) فى م: فهذه.
(¬17) فى م: حوت.
(¬18) فى م: الحرز والتيسير.
(¬19) سقط فى م.
(¬20) فى م: المضعف.
(¬21) فى د: ينقص.
(¬22) فى ص: عنها.
(¬23) فى ز: نقصت بها وحررت.
(¬24) فى م، د: أنها.
(¬25) فى ز: بدل.
ص: ضمنتها كتاب نشر العشر ... فهى به طيبة فى النشر
التحرير، وإلا فنفس التحرير فى كل مسألة لم يوجد فيهما حتى ينقص (¬1) به هذه، [وهذا فى الحقيقة (¬2) نقص يوجب الكمال] (¬3) والله أعلم.
ص:
ضمّنتها كتاب نشر العشر ... فهى به طيّبة فى النّشر
ش: (ضمنتها) فعلية، والمنصوب أول المفعولين، و (كتاب) ثانيهما، و (نشر العشر) مضاف إليه، (فهى طيبة) اسمية، (به) و (فى النشر) يتعلق ب (طيبة).
أى: ضمنها المصنف كتابه المسمى ب «النشر فى القراءات العشر» الذى لم [ينسج ناسج] (¬4) على منواله ولم يأت أحد بمثاله (¬5)؛ فإنه (¬6) كتاب انفرد بالإتقان والتحرير، واشتمل جزء منه (¬7) على كل ما فى «الشاطبية» و «التيسير»، وجمع فوائد لا تحصى ولا تحصر، وفوائد ادخرت (¬8) له فلم تكن فى غيره تذكر، فهو فى الحقيقة نشر العشر، ومن زعم أن هذا العلم قد مات قيل له: قد حيى ب «النشر»، ولعمرى إنه لجدير بأن تشد [إليه] (¬9) الرحال فيما دونه، وتقف عنده فحول الرجال ولا يعدونه (¬10)، فجزاه الله على تعبه [وفحصه] (¬11) عظيم الأجر وجزيل الثواب يوم الحشر.
وقوله: «فهى به طيبة» أى: هذه الأرجوزة صارت بسبب ما تضمنت (¬12) [مما] (¬13) فى هذا الكتاب طيبة فى الآفاق عطرة الرائحة.
ص:
وهأنا مقدّم عليها ... فوائدا مهمّة لديها
ش: (وهأنا) مبتدأ مقرون بهاء التنبيه، و (مقدم) خبرها (¬14)، و (عليها) يتعلق ب (مقدم)، و (فوائدا) - جمع: فائدة- مفعوله، ونوّنه للضرورة، و (مهمة) صفة (فوائدا)، و (لديها) ظرف (مهمة).
ثم مثلها فقال:
ص:
كالقول فى مخارج الحروف ... وكيف يتلى الذّكر والوقوف
ش: (كالقول) مبتدأ، أى: الفوائد كالقول، و (فى) يتعلق (¬15) بالقول، و (كيف) حال
¬
_
(¬1) فى م، د: تنقص.
(¬2) فى م: فى الحقية عن الكمال.
(¬3) زاد فى د، ص: وهو قريب من قول الشاعر:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
(¬4) سقط فى م.
(¬5) فى ص: على مثاله.
(¬6) فى د، ص: فإن كتاب.
(¬7) فى م: برمته.
(¬8) فى م: أخرى.
(¬9) زيادة من س.
(¬10) فى ص: ولا يهدونه.
(¬11) سقط فى ص.
(¬12) فى د: ما تضمنته.
(¬13) سقط فى م.
(¬14) فى م: خبر، وفى د، ص: خبره.
(¬15) فى ص: متعلق.
مخارج الحروف وصفاتها
من (الذكر)، أى: على أى حال (¬1) يتلى القرآن (¬2)، والجملة معطوفة على (مخارج)، و (الوقوف) كذلك.
أى: وهأنا أبدأ (¬3) قبل الشروع فى مقصود الأرجوزة بمقدمة تتعلق بالمقصود وينتفع بها فيه، كالكلام على مخارج الحروف، وعلى أى وجه يقرأ القرآن، ومراده معرفة التجويد لقوله: ومعرفة الوقوف، ولم يذكر فيها إلا المخارج والتجويد والوقف.
ويحتمل أن يريد بقوله: «وكيف يتلى الذكر» ما هو أعم من التجويد والوقف، ويكون (¬4) على هذا خص الوقف بالعطف (¬5)؛ لخصوصيته (¬6) والاهتمام به؛ كقوله تعالى:
مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ [البقرة: 98] لكن (¬7) قد يقال: لا نسلم أن معرفة الوقوف أهم من معرفة التجويد، وإنما قدم مخارج الحروف؛ لتوقف التلفظ بالقرآن (¬8) المتكلّم فيه على مسائل الخلاف عليها (¬9)، ولما لم يكن بعد معرفة المخارج أهم من معرفة التجويد؛ إذ هى أيضا مقدمة على المقصود، عقبه به ولا بد بعد معرفتهما من معرفة الوقف والابتداء، لأنه من توابع التجويد، بل كان (¬10) بعضهم لا يجيز أحدا حتى يبرع فيه (¬11)، فلذلك عقبه به، وبدأ (¬12) بالمخارج فقال:
مخارج الحروف وصفاتها
مخارج الحروف (¬13):
ص:
مخارج الحروف سبعة عشر ... على الّذى يختاره من اختبر
ش: الشطر الأول صغرى، ومميز العدد محذوف، و «على الذى» خبر مبتدأ محذوف أى (¬14): وهذا على القول الذى يختاره من اختبر المخارج وحققها وأتقنها، وهو الصحيح كما سيأتى، والمخارج جمع مخرج: وهو موضع خروج الحرف من الفم، ودخل فى (¬15)
¬
_
(¬1) فى د، ز، م: حالة.
(¬2) فى م: الذكر.
(¬3) فى م: إنما أبدأ.
(¬4) زاد فى م: مما يتعلق بحضرة كلام الله تعالى.
(¬5) فى د: بالعاطف، وفى ص: بالمعاطف وفى م: بالعطف والذكر.
(¬6) فى م: لخصوصية الاهتمام به.
(¬7) فى م: ذكر بعدد دخولهما فى جنسهما تشريفا لهما وتنويها بشأنهما إلا أنه قد يقال فيما هنا.
(¬8) فى م: بألفاظ القرآن.
(¬9) فى ز، م: عليه.
(¬10) فى م: بل هو الركن المهم بعد إتقان الحروف وهو معنى الترتيل حتى إن بعض مشايخ القراءة كان لا يجيز أحدا ممن يقرأ عليه.
(¬11) فى م: فى معرفة الوقف والابتداء.
(¬12) زاد فى م: والله أعلم.
(¬13) قال ابن جنى فى سر الصناعة (1/ 15): ويجوز أن تكون سميت حروفا- أى حروف المعجم- لأنها جهات للكلم ونواح كحروف الشيء وجهاته المحدقة به، وكل اشتقاق المادة يدل على هذا المعنى.
(¬14) فى م: أيضا.
(¬15) فى م: فى قوله.
(سبعة عشر) الخبل [وهو اجتماع الخبن والطى وهو جائز] (¬1)، وتقدم فى المقدمة [عند الكلام على ما يتعلق بالقصيدة والمعنى] (¬2).
أى أن مخارج حروف المعجم [التسعة والعشرين] (¬3) سبعة عشر مخرجا، وهذا هو الصحيح ومختار المحققين كالخليل بن أحمد [النحوى] (¬4)، و [أبى محمد] (¬5) مكى ابن أبى طالب، والهذلى، وابن سريج (¬6) وغيرهم، وهو الذى أثبته ابن سينا (¬7) فى كتاب أفرده فى المخارج.
وقال سيبويه وكثير من القراء والنحاة: هى ستة عشر خاصة (¬8). فأسقطوا مخرج حروف
¬
_
(¬1) سقط فى ز، م.
(¬2) زيادة من م.
(¬3) فى م: وهى تسعة وعشرون حرفا.
(¬4) زيادة من م.
(¬5) سقط فى د، ز، ص.
(¬6) هو أحمد بن عمر بن سريج. بغدادى. كان يلقب بالباز الأشهب. فقيه الشافعية فى عصره. مولده ووفاته ببغداد. له نحو 400 مصنف. ولى القضاء بشيراز. ثم اعتزل، وعرض عليه قضاء القضاة فامتنع، وقام بنصرة المذهب الشافعى فنصره فى كثير من الأمصار. وعده البعض مجدد المائة الثالثة. وكان له ردود على محمد بن داود الظاهرى ومناظرات معه. وفضله بعضهم على جميع أصحاب الشافعى حتى على المزنى.
من تصانيفه «الانتصار»، و «الأقسام والخصال» فى فروع الفقه الشافعى، و «الودائع لنصوص الشرائع».
ينظر: طبقات الشافعية (2/ 87)، والأعلام للزركلى (1/ 178)، والبداية والنهاية (11/ 129).
(¬7) هو الحسين بن عبد الله بن سينا، أبو على، شرف الملك: الفيلسوف الرئيس، صاحب التصانيف فى الطب والمنطق والطبيعيات والإلهيات. أصله من بلخ، ومولده فى إحدى قرى بخارى. نشأ وتعلم فى بخارى، وطاف البلاد، وناظر العلماء، واتسعت شهرته، وتقلد الوزارة فى همذان، وثار عليه عسكرها ونهبوا بيته، فتوارى. ثم صار إلى أصفهان، وصنف بها أكثر كتبه. وعاد فى أواخر أيامه إلى همذان، فمرض فى الطريق، ومات بها. قال ابن قيم الجوزية: «كان ابن سينا- كما أخبر عن نفسه- هو وأبوه، من أهل دعوة الحاكم، من القرامطة الباطنيين». وقال ابن تيمية: «تكلم ابن سينا فى أشياء من الإلهيات، والنبوات، والمعاد، والشرائع، لم يتكلم بها سلفه، ولا وصلت إليها عقولهم، ولا بلغتها علومهم؛ فإنه استفادها من المسلمين، وإن كان إنما يأخذ عن الملاحدة المنتسبين إلى المسلمين كالإسماعيلية، وكان أهل بيته من أهل دعوتهم، من أتباع الحاكم العبيدى الذى كان هو وأهل بيته معروفين عند المسلمين بالإلحاد». توفى سنة 428 هـ. ينظر: الأعلام (2/ 241 - 242).
(¬8) لحروف العربية ستة عشر مخرجا:
فللحلق منها ثلاثة: فأقصاها مخرجا: الهمزة والهاء والألف، ومن أوسط الحلق مخرج العين والحاء، وأدناها مخرجا من الفم: الغين والخاء.
ومن أقصى اللسان وما فوقه من الحنك الأعلى: مخرج القاف.
ومن أسفل من موضع القاف من اللسان قليلا ومما يليه من الحنك الأعلى: مخرج الكاف.
ومن وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك الأعلى: مخرج الجيم والشين والياء.
ومن بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس: مخرج الضاد.
فائدة: تبين مخرج الحرف بأن تنطق قبله بهمزة وتسكنه، والله تعالى أعلم.
المد، وجعلوا مخرج الألف من أقصى الحلق، والواو والياء من مخرج المتحركتين (¬1).
وقال قطرب والفراء والجرمى (¬2): هى أربعة عشر. فجعلوا النون واللام والراء من مخرج واحد.
واعلم أن مخارج الحروف دائرة على ثلاث: الحلق (¬3) والفم والشفة (¬4)، هذا (¬5) عند سيبويه [وصرح به] (¬6)، وأما عند الخليل فيمكن أن يقال: أربع، فيزاد الجوف (¬7).
فائدة: تبين مخرج الحرف بأن تنطق (¬8) قبله بهمزة وتسكنه (¬9)، والله تعالى أعلم.
ص:
فالجوف للهاوى وأختيه وهى ... حروف مدّ للهواء تنتهى
ش: (فالجوف للهاوى) وهو الألف اسمية، (وأختيه) معطوف على (الهاوى) وهما:
¬
_
ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى وما فويق الثنايا: مخرج النون.
ومن مخرج النون غير أنه أدخل فى ظهر اللسان قليلا لانحرافه إلى اللام: مخرج الراء.
ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا: مخرج الطاء، والدال، والتاء.
ومما بين طرف اللسان وفويق الثنايا: مخرج الزاى والسين والصاد.
ومما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا: مخرج الظاء والذال، والثاء.
ومن باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا: مخرج الفاء.
ومما بين الشفتين: مخرج الباء، والميم، والواو.
ومن الخياشيم: مخرج النون الخفيفة.
ينظر المقرب (2/ 5، 6).
(¬1) فى م: المحركتين.
(¬2) هو صالح بن إسحاق أبو عمر الجرمى البصرى، مولى جرم بن زبان من قبائل اليمن. كان فقيها عالما بالنحو واللغة، دينا ورعا حسن المذهب، صحيح الاعتقاد، قدم بغداد، وأخذ النحو عن الأخفش ويونس، واللغة عن الأصمعى وأبى عبيدة. مات سنة خمس وعشرين ومائتين.
ينظر: أخبار النحويين البصريين (84) والفهرست (90) وطبقات النحويين واللغويين (74) ونزهة الألباء (98) وإنباه الرواة (2/ 80) ووفيات الأعيان (2/ 485).
(¬3) هو الجزء الذى يلى الحنجرة وينتهى بأول الفم.
(¬4) هى عضو يأخذ شكلا مستعرضا فى نهاية الفم ويقوم بعملية إغلاقه أحيانا، أو التحكم فى فتحة الفم أحيانا أخرى، بحيث تكون مستديرة تارة ومستطيلة أخرى. ينظر أصول اللغة العربية ص (58).
(¬5) فى ص: هكذا.
(¬6) فى م: ومن وافقه كما علمت.
(¬7) فى م: هى دائرة على أربعة فيراد بالرابع جوف الفم وهواه أى من غير اعتماد على حلق أو لسان.
(¬8) فى م، ص، د: ينطق.
(¬9) فى م: ويسكن الحرف أو يشدد فيعلم محل خروجه عند انقطاع الصوت به.
الواو والياء الساكنتان (¬1) بعد حركة مجانسة، وإنما كانتا أختيه لمشاركتهما له فى المخرج (¬2)، وهو المحل الذى يتولد فيه الحرف (¬3)، كالبطن بالنسبة إلى الأم (¬4)، (وهى- أى الثلاثة- حروف مد) صغرى، وجملة (تنتهى) صفة ل (حروف مد)، و (للهواء) متعلق ب (تنتهى) (¬5).
وهذا أول المخارج، أى أول (¬6) المخارج جوف (¬7) الحلق.
وفيه ثلاثة أحرف مترتبة (¬8) هذا (¬9) الترتيب:
الأول: الألف، والثانى: الواو الساكنة المضموم ما قبلها، والثالث: الياء الساكنة المكسور ما قبلها، وتسمى هذه الثلاثة حروف المد (¬10) والحروف الهوائية والجوفية.
قال الخليل: ونسبن (¬11) إلى الجوف؛ لأنه آخر انقطاع مخرجهن.
قال: وزاد الخليل فيهن الهمزة. قال: لأن مخرجها الصدر، وهو متصل بالجوف (¬12)، والله أعلم.
وأمكن الثلاثة عند الجمهور: الألف.
وقال ابن الفحام: أمكنهنّ فى المد: الواو ثم الياء ثم الألف، والجمهور على أن الفتحة من الألف، والضمة من الواو، والكسرة من الياء؛ فالحروف (¬13) عند هؤلاء قبل
الحركات، وقيل بالعكس.
وقيل: ليس كل منهما مأخوذا من الآخر.
قلت: وهذا هو الصحيح؛ لأن الحركة عرض لازم للحرف المتحرك لا يوجد (¬14) إلا به، فليس أحدهما أسبق من الآخر ولا متولدا (¬15) منه؛ لأنه متى فرض متحركا لا يمكن النطق به إلا مع حركته (¬16)، والله أعلم.
¬
_
(¬1) فى ز: الساكنين، وفى ص: الساكنتين.
(¬2) فى م: فى المدية والمخرج.
(¬3) فى ص: الحروف.
(¬4) فى د: الولد.
(¬5) فى م: يتعلق بتنتهى.
(¬6) فى م: أى أن.
(¬7) فى ص: حرف.
(¬8) فى م، د: مرتبة.
(¬9) فى ص: على هذا.
(¬10) فى د: مذ، وفى ص: المد واللين.
(¬11) فى م: ونبت.
(¬12) فى م: ثم إنه زاد معهن الهمزة قال: لأن مخرجها الصدر وهو يتصل بالجوف، وفى د، ز: قال مكى وزاد غير الخليل معهن الهمزة.
(¬13) فى ز: والحروف.
(¬14) فى ص: لا توجد.
(¬15) فى ز: متولد.
(¬16) فى م: حركة.
ص: وقل لأقصى الحلق همز هاء ... ثم لوسطه فعين حاء
وتسمى أيضا: الحروف الخفية (¬1)، وكذا الهاء (¬2)، وسميت خفية؛ لأنها تخفى فى اللفظ، ولخفائها (¬3) [قويت الهاء بالصلة والثلاثة بالمد عند الهمزة] (¬4).
ص:
وقل لأقصى الحلق همز هاء ... ثمّ لوسطه فعين حاء
ش: «قل» (¬5) أمر، و (لأقصى الحلق همز) اسمية سوغ (¬6) الابتداء بمبتدئها (¬7) تقديم خبرها (¬8)، [وهى فى محل مفعول (قل)] (¬9) و (عين) مبتدأ، و (حاء) حذف عاطفه، و (لوسطه) خبره، و (ثم) عاطفة للجملة.
أى: ثانى المخارج أقصى الحلق، ومنه حرفان: الهمزة والهاء (¬10)، وأشار الناظم بتقديم الهمزة إلى تقديمها (¬11) فى المخرج، [وقيل: هما فى مرتبة] (¬12)، وثالث المخارج:
وسط (¬13) الحلق، وفيه حرفان: العين والحاء المهملتان (¬14)، وظاهر كلام سيبويه أن العين قبل الحاء، ونص عليه مكى، وعكس شريح، وهو ظاهر كلام المهدوى [وغيره، والعاطف محذوف من «هاء» و «حاء»] (¬15).
ص:
أدناه غين خاؤها والقاف ... أقصى اللّسان فوق ثمّ الكاف
ش: (أدنى الحلق غين) اسمية، و (خاؤها) حذف عاطفه على (غين) والإضافة للملابسة القوية، وهى الاتحاد فى المخرج، و (القاف أقصى اللسان) اسمية، و (فوق) ظرف مقطوع عن الإضافة فلذا (¬16) بنى على الضم (ثم الكاف) مبتدأ خبره (أسفل) أول التالى (¬17) أى: رابع المخارج أدنى الحلق إلى الفم، وفيه حرفان: الغين والخاء المعجمتان (¬18)، وأشار بتقديم الغين إلى أنها [المتقدمة على الخاء] (¬19) فى المخرج، وكذا نص عليه شريح، قيل: وهو ظاهر كلام سيبويه، ونص مكى على تقديم الخاء.
¬
_
(¬1) فى م: وتسمى هذه الحروف أيضا الخطية.
(¬2) فى م: الهاء معها.
(¬3) فى م: وأخفاها الهاء، وفى د: ولخفاها، وفى ص: ولخفاء الهاء.
(¬4) فى م: ولذلك قويت بالصلة، والثلاثة بالمد عند سببه.
(¬5) فى ص: وقل.
(¬6) فى م: وسوغ.
(¬7) فى م: بالنكرة.
(¬8) فى م: الخبر.
(¬9) فى م: والجملة فى محل نصب يقل.
(¬10) فى ز، ص، د: فالهاء.
(¬11) فى م، د: تقدمها.
(¬12) سقط فى م.
(¬13) فى ز: أقصى.
(¬14) فى ز: المهملتين.
(¬15) سقط فى م.
(¬16) فى م: ولذا.
(¬17) فى م: الكاف خبر مبتدأ، وأسفل أول البيت الآتى بعد خبره.
(¬18) فى ز، ص: المعجمتين.
(¬19) فى ز: مقدمة عليها، وفى ص: المقدمة عليها.
ص: أسفل والوسط فجيم الشين يا ... والضاد من حافته إذ وليا ... الاضراس من أيسر أو يمناها ... واللام أدناها لمنتهاها
وقال (¬1) ابن خروف: لم يقصد سيبويه ترتيبا فيما هو من مخرج واحد.
وتسمى هذه الستة (¬2): الحلقية. وهذا آخر مخارج الحلق.
ثم شرع فى مخارج الفم، وبدأ بأولها من جهة الحلق، أى: خامس المخارج، وهو التالى (¬3) لأول الحلق أقصى اللسان [وما] (¬4) فوق من الحنك، وفيه القاف [فقط] (¬5).
وسادس (¬6) [المخارج] (¬7): أقصى اللسان [من أسفل مخرج] (¬8) القاف قليلا وما يليه من الحنك، وفيه الكاف فقط.
وهذان الحرفان يسمى كل منهما لهويّا (¬9) نسبة إلى «اللهاة»، وهى بين الفم والحلق.
وحذف الناظم المضاف إلى (¬10) (أسفل)، وهو [ضمير] (¬11) اللسان، وحذف أيضا (¬12) أقصى اللسان [لدلالة الأول عليه (¬13).
ومنهم من يقول فى الكاف] (¬14): أقصى اللسان وما فوقه من الحنك مما يلى مخرج القاف.
قال ابن الحاجب: وهو قريب؛ لأن هذا الحرف قد يوجد على كل من الأمرين بحسب اختلاف (¬15) الأشخاص مع سلامة الذوق: فعبر كل [على] (¬16) حسب وجدانه. والله أعلم.
[ثم كمل فقال] (¬17):
ص:
أسفل والوسط فجيم الشّين يا ... والضّاد من حافته إذ وليا
الاضراس من أيسر أو يمناها ... واللام أدناها لمنتهاها
¬
_
(¬1) هو على بن محمد بن على بن محمد نظام الدين أبو الحسن بن خروف الأندلسى النحوى، حضر من إشبيلية، وكان إماما فى العربية، محققا مدققا، ماهرا مشاركا فى الأصول. أخذ النحو عن ابن طاهر المعروف بالخدب، وكان فى خلقه زعارة، ولم يتزوج قط، وكان يسكن الخانات، وله مناظرات مع السهيلى، وصنف شرح سيبويه، شرح الجمل، كتابا فى الفرائض. ووقع فى جب ليلا، فمات سنة تسع وستمائة- وقيل خمس وقيل عشر. وقال ياقوت: سنة ست- بإشبيلية عن خمس وثمانين سنة. ينظر بغية الوعاة (2/ 203).
(¬2) فى ص: السبعة.
(¬3) فى ص: الثانى.
(¬4) سقط فى م.
(¬5) سقط فى م.
(¬6) فى م: والسادس.
(¬7) سقط فى م.
(¬8) فى م: أسفل من مخرج.
(¬9) فى ز، ص، م: لهوى.
(¬10) فى د، ز، ص: إليه.
(¬11) سقط فى د، ز، ص.
(¬12) زاد فى م: بعد أسفل.
(¬13) فى د، ص: عليهما.
(¬14) ما بين المعقوفين سقط فى م.
(¬15) فى م: اتفاق.
(¬16) سقط فى ص.
(¬17) سقط فى م.
ش: (أسفل) (¬1) خبر لمبتدإ المتلو (¬2)، (فجيم) [جواب «أما» محذوفة، أى: وأما وسط اللسان] (¬3)؛ لأن الفاء لا تدخل على الخبر إلا إذا تضمن المبتدأ معنى الشرط. و «الجيم» (¬4) مبتدأ، و (الشين) و (يا) معطوفان بمحذوف، وخبر الثلاثة محذوف، أى: فيه، والجملة جواب «أما» [المحذوفة] (¬5)، و (الضاد من حافته) اسمية، و (إذ ولى (¬6) حافة اللسان) شرطية (¬7)، و (الأضراس) مفعول (ولى)، وترك علامة التأنيث لاكتساب الفاعل التذكير من اللسان [و (من أيسر الأضراس)] (¬8) حال الضاد (¬9)، (أو يمناها) معطوف [على (أيسر)] (¬10)، و (اللام أدنى حافة اللسان)، [اسمية، و (لمنتهى حافة اللسان)] (¬11) حال.
والوسط (¬12) بالفتح والسكون، قيل (¬13): بمعنى [واحد] (¬14) [على الأصح].
وقيل: الوسط بالفتح: المركز (¬15)، [وبالسكون: من كان فى حلقة] (¬16).
أى: سابع المخارج وسط اللسان، [يعنى] (¬17): بينه وبين وسط الحنك، وفيه ثلاثة أحرف: الجيم والشين المعجمة والياء، وقدم الجيم لتقدمها عليهما (¬18) [فى المخرج].
وقال المهدوى: الشين تلا الكاف ثم الجيم ثم الياء، ومراده: الياء (¬19) غير المدية، وأما هى فتقدمت فى الجوفية، وهذه الثلاثة هى الشجرية؛ [لخروجها من شجر الفم: وهو منفتح ما بين اللحيين، وشجر الحنك: ما يقابل طرف اللسان، وقال الخليل: الشجر مفرج الفم، أى: مفتحه، وقال غيره: هو مجتمع اللحيين عند العنفقة] (¬20).
وثامن المخارج: للضاد، وهو أول حافة اللسان وما يليه من الأضراس من الجانب الأيسر عند الأكثر، ومن الأيمن عند الأقل، ويدل كلام سيبويه [على أنها تكون منهما] (¬21).
وقال الخليل: «هى شجرية أيضا»، يريد من مخرج (¬22) تلك الثلاثة (¬23)،
¬
_
(¬1) فى م: تقدم أن أسفل.
(¬2) فى س: آخر البيت المتلو، وفى د، ص: آخر المتلو.
(¬3) سقط فى م.
(¬4) فى م: وجيم.
(¬5) زيادة من م.
(¬6) فى م: اسمية دليل جواب الشرطية أعنى: إذ ولى.
(¬7) فى ز: طرف، وص: طرفه.
(¬8) سقط فى م.
(¬9) فى د: حال الضاد من الأضراس.
(¬10) فى م: عليه.
(¬11) سقط فى م.
(¬12) فى م: وقوله والوسط.
(¬13) زيادة فى م.
(¬14) سقط فى ز، ص.
(¬15) فى ز، م: المركب.
(¬16) سقط فى م، وفى ص: على الأصح.
(¬17) سقط فى م.
(¬18) سقط فى ز، م.
(¬19) فى د: بالياء.
(¬20) زيادة من م.
(¬21) سقط فى م.
(¬22) فى م: أنها تخرج من.
(¬23) فى م: الثلاثة المتقدم عليها.
ص: والنون من طرفه تحت اجعلوا ... والرا يدانيه لظهر أدخل
والشجرة (¬1) عنده: مخرج الفم، أى: منفتحه (¬2).
وقال غيره (¬3): هو مجمع اللحيين عند العنفقة؛ فلذلك لم تكن (¬4) الضاد منه، وقيل: إن عمر- رضى الله عنه- كان يخرجها من الجانبين، ومنهم من يجعل مخرجها قبل مخرج الثلاثة [الشجرية] (¬5).
وتاسع المخارج [وهو] (¬6) اللام: حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرفه وما بينها (¬7) وبين ما يليها من الحنك الأعلى.
ومنهم من يزيد على هذا فيقول: فويق الضاحك والناب والرّباعية والثّنية، وفيه اللام فقط.
قال ابن الحاجب: كان ينبغى (¬8) أن يقال: فويق (¬9) الثنايا، إلا أن سيبويه ذكر ذلك فلذلك عددوا، وإلا فليس فى الحقيقة فوق ذلك؛ لأن مخرج النون يلى مخرجها وهو فوق الثنايا. [وأطال فى ذلك فانظره] (¬10).
وقال أيضا: وليس ثم إلا ثنيتان، وإنما جمعوهما لأن [لفظ] (¬11) الجمع أخف، وإلا فالقياس أطراف (¬12) الثنيتين. [والله أعلم] (¬13).
ص:
والنّون من طرفه تحت اجعلوا ... والرّا يدانيه لظهر أدخل
ش: (النون) مفعول (اجعلوا) و (من طرف اللسان) متعلق (¬14) به، و (تحت) مخرج اللام مقطوع [عن الإضافة] (¬15) مبنى (¬16) على الضم، و (الرا يدانيه) كبرى، ولام (لظهر) ظرفية؛ كقوله (¬17) تعالى: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ [الأنبياء: 47] و (أدخل فى اللسان) إما خبر ثان [لرا] (¬18) أو لمحذوف على الخلاف.
أى: عاشر المخارج للنون، وهو [من] (¬19) طرف اللسان بينه وبين ما فوق (¬20) الثنايا تحت (¬21) مخرج اللام قليلا.
¬
_
(¬1) فى م: أو الشجرية، وفى د: والشجر، وص: والشجرية.
(¬2) فى ز: مفتحة.
(¬3) فى م: كما قال غيره.
(¬4) فى م: لم يعد.
(¬5) زيادة من م.
(¬6) زيادة من ص.
(¬7) فى م: وهو ما بينها.
(¬8) فى م: يغنى.
(¬9) فى ص: فوق.
(¬10) سقطت من م.
(¬11) سقطت من م.
(¬12) فى م: من أطراف.
(¬13) فى م: وأطال فى ذلك.
(¬14) فى م: يتعلق.
(¬15) زيادة من م.
(¬16) فى د: فينبنى.
(¬17) فى ز: لقوله.
(¬18) سقط فى ز، ص، م.
(¬19) سقط فى م.
(¬20) فى م: فريق.
(¬21) فى م: إلى.
ص: والطاء والدال وتا منه ومن ... عليا الثنايا والصفير مستكن
الحادى عشر: للراء، وهى من مخرج النون، لكنها أدخل فى ظهر (¬1) اللسان قليلا من مخرج النون.
وهذه الثلاثة-[أعنى] (¬2) اللام والنون والراء- يقال لها: الذّلقيّة (¬3)؛ نسبة إلى موضع مخرجها وهو طرف اللسان؛ لأن طرف (¬4) الشيء: ذلقه.
وقال الفراء وقطرب والجرمى وابن كيسان (¬5): الثلاثة من مخرج واحد وهو طرف اللسان.
ص:
والطّاء والدّال وتا منه ومن ... عليا الثّنايا والصّفير مستكن
ش: (والطاء ومعطوفاه) و (منه) (¬6) اسمية، و (من عليا الثنايا) معطوف على (منه)، (والصفير مستكن) اسمية.
أى: [المخرج الثانى عشر للطاء] (¬7) والدال المهملتين، والتاء المثناة: من طرف اللسان ومن الثنايا (¬8) العليا، [يعنى بينهما.
وعبارة سيبويه: مما بين طرف اللسان وأصول الثنايا العليا] (¬9).
قال ابن الحاجب: قوله (¬10): و (أصول الثنايا) ليس بحتم (¬11)، بل قد يكون من بعد أصولها قليلا مع سلامة الطبع. وزاد بعضهم: مصعدا إلى جهة الحنك، ويقال لهذه الثلاثة: النطعية (¬12)؛ لأنها تخرج من نطع الغار الأعلى: وهو (¬13) سقفه (¬14) ثم كمل [حروف الصفير] (¬15) فقال:
ص:
منه ومن فوق الثّنايا السّفلى ... والظّاء والذّال وثا للعليا
ش: (منه) أى: فيه، متعلق (¬16) ب (مستكن) آخر المتلو، و (من فوق) معطوف على (منه)، و (السفلى) صفة (الثنايا) (والظاء) ومعطوفاه مبتدأ (¬17)، و (للعليا) أى فى الثنايا
¬
_
(¬1) فى م: طرف.
(¬2) سقطت من م.
(¬3) فى م: الذولفية.
(¬4) فى ز: طرفه.
(¬5) هو محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان أبو الحسن النحوى، كان يحفظ المذهب البصرى والكوفى فى النحو؛ لأنه أخذ عن المبرد وثعلب، لكنه إلى مذهب البصريين أميل، وكان أبو بكر بن الأنبارى الكوفى شديد التعصب عليه والتنقص له، وكان يقول: خلط فلم يضبط مذهب الكوفيين ولا مذهب البصريين، وتوفى أبو الحسن يوم الجمعة لثمان خلون من ذى القعدة سنة تسع وتسعين ومائتين.
انظر طبقات النحويين واللغويين (153)، ونزهة الألباء (162).
(¬6) فى ز، م: منه.
(¬7) فى م: أى الثانى عشر مخرج الطاء.
(¬8) فى م: فوق الثنايا.
(¬9) سقطت من م.
(¬10) فى د: وقوله.
(¬11) فى ز: يحتم.
(¬12) فى م: وهذه الثلاثة تسمى النطعية.
(¬13) فى م: الحنك.
(¬14) فى ز، ص: سطحه.
(¬15) سقطت من م.
(¬16) فى م: يتعلق.
(¬17) زاد فى ص: بتاليه.
ص: من طرفيهما ومن بطن الشفه ... فالفا مع اطراف الثنايا المشرفة
العليا [خبر] (¬1) [مكمل بتاليه] (¬2).
أى: المخرج الثالث عشر لحروف [الصفير] (¬3)، وهى [الصاد والسين والزاى] (¬4)، من بين طرف (¬5) اللسان وفوق الثنايا السفلى، وهو معنى قوله: من طرف اللسان [وبين الثنايا] (¬6)، ووصف [الناظم] (¬7) الثنايا بالسفلى (¬8) تبعا لبعضهم، وعبارة سيبويه: مما بين طرف اللسان وفويق الثنايا.
قال ابن الحاجب: وعبر غيره بالسفلى، وإنما يعنون (¬9) فى هذه المواضع كلها العليا (¬10).
الرابع عشر للظاء والذال المعجمتين (¬11) والثاء المثلثة: من بين طرف اللسان وأطراف [الثنايا] (¬12) العليا، [ويقال لها: اللثوية] (¬13)؛ نسبة إلى اللثة: وهى اللحم المركب فيه الأسنان، وأشار إلى تكميلها (¬14) بقوله:
ص:
من طرفيهما ومن بطن الشّفه ... فالفا مع اطراف الثّنايا المشرفة
ش: (من طرفيهما) حال، أى: [من] (¬15) طرف اللسان وطرف الثنايا [العليا] (¬16)، وعاد ضمير اللسان على مدلول عليه بما تقدم.
[وقوله] (¬17): (فالفاء) جواب شرط مقدر، أى: وأما من بطن الشفة فالفاء، و (مع أطراف) حال.
أى: المخرج (¬18) الخامس عشر للفاء، من باطن (¬19) الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا، وإليه أشار بقوله: المشرفة، وهى (¬20) عبارة سيبويه.
[ثم كمل فقال] (¬21):
ص:
للشّفتين الواو باء ميم ... وغنّة مخرجها الخيشوم
ش: (للشفتين الواو) اسمية، و (باء وميم) (¬22) معطوفان بمحذوف، و (غنة) مبتدأ
¬
_
(¬1) سقط فى م، وفى د: خبره.
(¬2) فى ز: مكملا، وفى د، ص: مكملا بتاليه.
(¬3) سقط فى م.
(¬4) فى م: الصاد والزاى والسين.
(¬5) فى م: أطراف.
(¬6) فى م: ومن بين الثنايا السفلى.
(¬7) سقطت من م.
(¬8) فى م: السفلى.
(¬9) فى م: يعرف.
(¬10) فى م: للعليا.
(¬11) فى م: فى المعجمتين.
(¬12) سقط فى م.
(¬13) فى م: والثلاثة لثوية.
(¬14) فى م: هذا.
(¬15) سقط من م.
(¬16) زيادة من م.
(¬17) سقط من م.
(¬18) فى م: أن المخرج.
(¬19) فى د: بطن.
(¬20) فى ص، ز: وهذه.
(¬21) سقط فى م.
(¬22) فى م: ميم بدون الواو.
تنبيه:
و (مخرجها) ثان، و (الخيشوم) خبره، والجملة خبر الأول.
أى: [المخرج] (¬1) السادس عشر للواو (¬2) غير المدية، والباء والميم مما بين الشفتين؛ فينطبقان فى الباء والميم [وينفتحان مع الواو] (¬3)، فهذه (¬4) [الثلاثة] (¬5) هى الشفوية، وحروف (¬6) الحلق هى [المبتدأ بذكرها] (¬7)، والبواقى حروف الفم، والفاء مشتركة بين الثنايا والشفة؛ فيجوز وصفها بالأمرين.
[المخرج] (¬8) السابع عشر الخيشوم؛ وهو (¬9) للغنة، والغنة تقع فى النون والميم الساكنين حالة الإخفاء، أو ما (¬10) فى حكمه من الإدغام، فإن هذين الحرفين والحالة هذه (¬11) يتحولان عن مخرجهما الأصلى على الصحيح، كما [تتحول] (¬12) حروف (¬13) المد [إلى الجوف] (¬14) على الصحيح.
وقول سيبويه: مخرج النون الساكنة من مخرج المتحركة. يريد به الساكنة المظهرة.
فهذه مخارج الحروف الأصلية كلها (¬15). والله أعلم.
تنبيه:
بقى على الناظم حروف فروع لم يتعرض لها، فمنها: الهمزة المسهلة بين بين، وهى فرع [عن] (¬16) المحققة، ومذهب سيبويه أنهما (¬17) [حرف] (¬18) واحد؛ نظرا إلى
مطلق التسهيل، وعليه فيدخل فى كلام (¬19) الناظم، ومذهب غيره أنها ثلاثة أحرف؛ نظرا [إلى أنها] (¬20) تأتى بين الهمزة والواو، وبينها (¬21) [و] [بين الياء، وبينها وبين] (¬22) الألف (¬23).
ومنها ألف الإمالة المحضة، قال سيبويه: كأنها (¬24) حرف آخر قرب (¬25) من الياء؛ فلا تدخل (¬26) فى مخرج الألف، وأما بين بين [فلم يعتد] (¬27) بها.
¬
_
(¬1) سقط فى ز، م.
(¬2) فى ز: الواو.
(¬3) زيادة من م.
(¬4) فى م: هذه.
(¬5) سقط فى م.
(¬6) فى م: فحروف.
(¬7) فى م: المبدوء بها.
(¬8) سقط فى م، ص.
(¬9) فى م: وهى.
(¬10) فى م: فيما.
(¬11) فى م: فى هذه الحالة.
(¬12) فى ز: يتحول بتحول.
(¬13) فى ز: حرف.
(¬14) سقط مفيم.
(¬15) فى م: وكلها.
(¬16) زيادة من ص.
(¬17) فى د، ص: أنها.
(¬18) سقط فى م.
(¬19) فى م: فتدخل فى كلامه.
(¬20) فى م: لكونها.
(¬21) فى م: وبينهما.
(¬22) سقط فى م.
(¬23) فى م: والألف.
(¬24) فى م: لأنها.
(¬25) فى ص: قريب.
(¬26) فى د: فلا يدخل.
(¬27) فى م: فلا اعتداد.
صفاتها
ومنها الصاد المشمّة، وهى فرع (¬1) عن الصاد أو الزاى [الخالصتين] (¬2)، فتدخل (¬3) فى إحداهما.
ومنها اللام المفخمة، وهى فرع عن (¬4) المرققة، وذلك فى [الاسم الكريم بعد فتحه وضمه] (¬5) وفى (¬6) نحو «الصلاة» (¬7).
[ولما فرغ الناظم- أثابه الله تعالى- من مخارج الحروف شرع فى صفاتها] (¬8) فقال:
[صفاتها]
ص:
صفاتها جهر ورخو مستفل ... منفتح مصمتة والضّدّ قل
ش: (صفاتها) مبتدأ، وخبره (جهر) ومعطوفه ... إلخ، وعاطف (مستفل) و (منفتح) و (مصمتة) محذوف، و (الضد) مفعول (قل)، والجملة معطوفة على الخبر، أى: صفاتها هذا المذكور، وقل ضده أيضا.
واعلم أن صفات مجموع حروف المعجم منقسمة (¬9) إلى ما له أضداد مسماة وما لا
¬
_
(¬1) فى م: وهى فرع أصلها والزاى.
(¬2) سقطت من م.
(¬3) فى د، ز: فيدخل.
(¬4) فى ص، م: أحدهما.
(¬5) سقطت من م.
(¬6) فى م: الجلالة بعد فتح أو ضم.
(¬7) قال سيبويه: الحروف العربية تسعة وعشرون حرفا: الهمزة، والألف، والعين، والحاء، والغين، والخاء والكاف، والقاف، والضاد، والجيم، والشين، والياء، واللام، والراء، والنون، والطاء والدال، والتاء، والصاد، والزاى، والسين، والظاء، والذال، والثاء، والفاء، والباء، والميم، والواو.
وتكون خمسة وثلاثين حرفا بحروف هن فروع، وأصلها من التسعة والعشرين، وهى كثيرة يؤخذ بها وتستحسن فى قراءة القرآن والأشعار، وهى: النون الخفيفة، والهمزة التى بين بين، والألف التى تمال إمالة شديدة، والشين التى كالجيم، والصاد التى تكون كالزاى، وألف التفخيم: يعنى بلغة أهل الحجاز، فى قولهم: الصلاة والزكاة والحياة.
وتكون اثنين وأربعين حرفا بحروف غير مستحسنة ولا كثيرة فى لغة من ترتضى عربيته، ولا تستحسن فى قراءة القرآن ولا فى الشعر؛ وهى: الكاف التى بين الجيم والكاف، والجيم التى [كالكاف، والجيم التى] كالشين، والضاد الضعيفة، والصاد التى كالسين، والطاء التى كالتاء، والظاء التى كالثاء، والباء التى كالفاء.
وهذه الحروف التى تممتها اثنين وأربعين جيدها ورديئها: أصلها التسعة والعشرون، لا تتبين إلا بالمشافهة، إلا أن الضاد الضعيفة تتكلف من الجانب الأيمن، وإن شئت تكلفتها من الجانب الأيسر وهو أخف، لأنها من حافة اللسان مطبقة: لأنك جمعت فى الضاد تكلف الإطباق مع إزالته عن موضعه. وإنما جاز هذا فيها لأنك تحولها من اليسار إلى الموضع الذى فى اليمين. وهى أخف لأنها من حافة اللسان، وأنها تخالط مخرج غيرها بعد خروجها، فتستطيل حين تخالف حروف اللسان، فسهل تحويلها إلى الأيسر لأنها تصير فى حافة اللسان فى الأيسر إلى مثل ما كانت فى الأيمن، ثم تنسل من الأيسر حتى تتصل بحروف اللسان، كما كانت كذلك فى الأيمن. ينظر:
الكتاب (4/ 431 - 433).
(¬8) سقط فى م.
(¬9) فى م: تنقسم الحروف، وفى د، ص: ينقسم.
ص: مهموسها فحثه شخص سكت ... شديدها لفظ أجد قط بكت
أضداد له مسماة (¬1)، فالأول (¬2) خمسة [ذكرها الناظم- رضى الله عنه-] (¬3) [فى هذا البيت] (¬4)، وعبر عن [واحد منها] (¬5) بلفظ المصدر وهو جهر، ولفظ الصفة فيه مجهورة، وعن الباقى بالصفة، [وبكل ذلك وقعت العبارة] (¬6) فى (¬7) كتب الأئمة. فالجهر ضد الهمس، والرخوة (¬8) ضد الشدة الخالصة أو المشوبة (¬9): وهى ما بين الرخوة والشديدة، والاستفال ضده (¬10) الاستعلاء، والانفتاح ضده الإطباق، والإصمات ضده الإذلاق.
واعلم أن كل [الحروف تنقسم] (¬11) إلى كل ضدين من هذه الأضداد العشرة، فهى خمس. ولما ذكرها (¬12) الناظم (رحمه الله) شرع فى أضدادها فقال:
ص:
مهموسها فحثّه شخص سكت ... شديدها لفظ أجد قط بكت
ش: (مهموسها) مبتدأ خبره (فحثه شخص سكت) أى مجموع هذا اللفظ، وكذلك الشطر الثانى، وبدأ بضد الأول وهو الجهر، أى الحروف المهموسة عشرة [جمعها] (¬13) فى قوله: (سكت فحثه شخص) ففي كلامه تقديم وتأخير فى (سكت).
والهمس لغة: الصوت الخفى، ومنه قول أبى زيد فى صفة الأسد:
... ... ... ... بصير بالدجا (¬14) هاد هموس (¬15)
فسميت بذلك؛ لضعف الصوت بها حين جرى النفس معها، فلم يقو التصويت معها قوته فى المجهورة؛ فصار فى التصويت بها نوع خفاء. والخاء المعجمة والصاد المهملة أقوى مما عداهما، وإذا منع الحرف النفس أن يجرى معه كان مجهورا.
والمجهورة ما عدا المهموسة، [وهى تسعة عشر] (¬16) سميت (¬17) بذلك من قولهم:
جهرت بالشىء: إذا أعلنته، وذلك أنه لما امتنع النفس أن يجرى معها انحصر الصوت
¬
_
(¬1) فى م: كذلك.
(¬2) فى م: والأول.
(¬3) سقطت من ص.
(¬4) سقطت من م.
(¬5) فى م: أحدها بالمصدر، وفى ص: واحد منهما.
(¬6) فى م: وقد وقع ذلك.
(¬7) فى ص: عن.
(¬8) فى م، ص، د: والرخو.
(¬9) فى م، ز: والمشوبه.
(¬10) فى د: ضد.
(¬11) فى م: حرف ينقسم.
(¬12) فى ز: ذكر.
(¬13) سقط من ز.
(¬14) فى ص: بصير فى الدجى.
(¬15) البيت من الوافر وهو لأبى زبيد الطائى فى ديوانه ص (94)، ولسان العرب (6/ 103) (ريس)، (6/ 251) (همس)، وتهذيب اللغة (6/ 143)، وتاج العروس (16/ 138) (ريس)، (17/ 42) (همس)، وبلا نسبة فى مقاييس اللغة (2/ 338).
(¬16) سقطت من م.
(¬17) فى م: وسميت.
ص: وبين رخو والشديد لن عمر ... وسبع علو خص ضغط قظ حصر
لها (¬1) فقوى التصويت بها، قال سيبويه: إلا أن النون والميم قد يعتمد لهما فى الفم والخياشيم فيصير فيهما غنة (¬2).
ثم الحروف الشديدة [ثمانية] (¬3) جمعها فى قوله: «أجد قط بكت» والتاء أعم من تاء التأنيث وتاء الخطاب، وسميت هذه الحروف شديدة لأنها قويت (¬4) فى موضعها ولزمته، ومنعت الصوت أن يجرى معها حال النطق بها؛ لأن الصوت انحصر فى المخرج فلم يجر، أى: اشتد وامتنع قبوله للتليين (¬5)، بخلاف الرخوة (¬6).
ثم إن من الشديدة اثنين من المهموسة، وهما التاء (¬7) والكاف، والستة الباقية مجهورة شديدة، اجتمع فيها [أن النفس] (¬8) لا يجرى معها ولا يصوت فى مخرجها، وهو معنى الجهر والشدة جميعا (¬9)، وهذه الثمانية هى الشديدة المحضة. ثم أشار إلى المتوسط بينهما فقال:
ص:
وبين رخو والشّديد لن عمر ... وسبع علو خصّ ضغط قظ حصر
ش: (وبين رخو) خبر مقدم، و (الشديد) معطوف عليه، و (لن عمر) مبتدأ؛ لأن المراد لفظه، و (سبع علو) مبتدأ و (خص ضغط قظ) (¬10) ثان (¬11) و (حصر) خبره، والجملة خبر الأول، والعائد مقدر، أى: حصره، أى: والحروف التى بين الرخوة والشديدة [خمسة] (¬12)، جمعها فى قوله (لن عمر) (¬13) وأصله: لن يا عمر: أمر (لعمر)
¬
_
(¬1) فى م، ص: بها.
(¬2) ينظر الكتاب (4/ 434) ونص كلام سيبويه فيه أن الحرف المجهور هو: «حرف أشبع الاعتماد فى موضعه، ومنع النفس أن يجرى معه حتى ينقضى الاعتماد عليه ويجرى الصوت. فهذه حال المجهورة فى الحلق والفم، إلا أن النون والميم قد يعتمد لهما فى الفم والخياشيم فتصير فيهما غنة.
والدليل على ذلك أنك لو أمسكت بأنفك ثم تكلمت بهما لرأيت ذلك قد أخل بهما. وأما المهموس فحرف أضعف الاعتماد فى موضعه حتى جرى النفس معه، وأنت تعرف ذلك إذا اعتبرت فرددت الحرف مع جرى النفس. ولو أردت ذلك فى المجهورة لم تقدر عليه».
(¬3) سقطت من م.
(¬4) فى ص: قوية.
(¬5) فى م: للسين.
(¬6) قال سيبويه: «ومن الحروف: الشديد، وهو الذى يمنع الصوت أن يجرى فيه. وهو الهمزة، والقاف، والكاف، والجيم، والطاء، والتاء، والدال، والباء. وذلك أنك لو قلت: الحج، ثم مددت صوتك لم يجر ذلك». انظر الكتاب لسيبويه (4/ 434).
(¬7) فى م: الفاء.
(¬8) فى د: التنفس.
(¬9) فى م: جميعا الفاء.
(¬10) سقطت فى م.
(¬11) فى د: ثانى.
(¬12) سقطت من م، وفى ص: خمس.
(¬13) قال سيبويه: «وأما العين فبين الرخوة والشديدة تصل إلى الترديد فيها لشبهها بالحاء، ومنها (المنحرف)، وهو حرف شديد جرى فيها الصوت لانحراف اللسان مع الصوت، ولم يعترض على
بالليونة (¬1)؛ لأنه كان شديد البأس؛ فصارت الرخوة ستة عشر حرفا.
ثم إن المهموسة كلها غير التاء (¬2) والكاف رخوة، والمجهورة الرخوة خمسة: العين والصاد والظاء والذال المعجمتان (¬3) [والراء] (¬4)، وتقدمت المجهورة الشديدة وهى «طبق أجد».
ومنهم من جعل حروف المد الثلاثة مما بين الرخوة والشديدة؛ فتصير (¬5) عندهم [ثمانية] (¬6) يجمعها (¬7): «ولينا عمر» (¬8) وهذا ظاهر كلام سيبويه (¬9)، لكن الذى ذكره الناظم هو المختار، ونص عليه الشاطبى والرمانى (¬10) والدانى فى «الإيجاز»، وجعلها مكى سبعة
¬
_
الصوت كاعتراض الحروف الشديدة، وهو اللام؛ إن شئت مددت فيها الصوت. وليس كالرخوة؛ لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه، وليس يخرج الصوت من موضع اللام ولكن من ناحيتى مستدق اللسان فويق ذلك.
ومنها حرف شديد يجرى معه الصوت لأن ذلك الصوت غنة من الأنف، فإنما تخرجه من أنفك واللسان لازم لموضع الحرف؛ لأنك لو أمسكت بأنفك لم يجر معه الصوت. وهو النون، وكذلك الميم.
ومنها المكرر وهو حرف شديد يجرى فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام، فتجافى للصوت كالرخوة، ولو لم يكرر لم يجر الصوت فيه. وهو الراء. انظر الكتاب لسيبويه (4/ 435).
(¬1) فى م: باللين.
(¬2) فى م: الباء.
(¬3) فى م: المعجمان، وفى ص: الغين والضاد والظاء والذال المعجمات.
(¬4) سقطت من م، وفى د: الزاى.
(¬5) فى د، ص: فيصير.
(¬6) سقطت من م.
(¬7) فى د، ص: تجمعها.
(¬8) فى م: لن عمر.
(¬9) قال سيبويه ومنها- أى: الحروف- اللينة: وهى الواو والياء؛ لأن مخرجهما يتسع لهواء الصوت أشد من اتساع غيرهما، كقولك: وأى، والواو وإن شئت أجريت الصوت ومددت. ومنها الهاوى:
وهو حرف اتسع لهواء الصوت، مخرجه أشد من اتساع مخرج الياء والواو، لأنك قد تضم شفتيك فى الواو وترفع فى الياء لسانك قبل الحنك، وهى الألف.
وهذه الثلاثة أخفى الحروف لاتساع مخرجها. وأخفاهن وأوسعهن مخرجا: الألف، ثم الياء، ثم الواو.
(¬10) على بن عيسى بن على بن عبد الله أبو الحسن الرمانى، وكان يعرف أيضا بالإخشيدي وبالوراق، وهو بالرمانى أشهر، كان إماما فى العربية، علامة فى الأدب فى طبقة الفارسى والسيرافى، معتزليّا.
ولد سنة ست وسبعين ومائتين، وأخذ عن الزجاج وابن السراج وابن دريد.
قال أبو حيان التوحيدى: لم ير مثله قط علما بالنحو وغزارة بالكلام، وبصرا بالمقالات، واستخراجا للعويص، وإيضاحا للمشكل، مع تأله وتنزه ودين وفصاحة، وعفاف ونظافة.
صنف الرمانى: التفسير، الحدود الأكبر، والأصغر، شرح أصول ابن السراج، شرح موجزه، شرح سيبويه، شرح مختصر الجرمى، شرح الألف واللام للمازنى، شرح المقتضب، شرح الصفات، معانى الحروف، وغير ذلك.
مات فى حادى عشر جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وثلاثمائة. انظر بغية الوعاة (2/ 180، 181).
ص: وصاد ضاد طاء ظاء مطبقة ... وفر من لب الحروف المذلقة
فأسقط الألف.
ثم أشار بقوله: «خص ضغط قظ» إلى أن [هذه] (¬1) السبعة هى حروف الاستعلاء، وهو من صفات القوة، وسميت بذلك؛ لاستعلاء اللسان بها وارتفاعه إلى الحنك، وما عداها المستفلة؛ لعدم استعلائه (¬2) بها، وأضاف بعضهم إليها الحاء والعين المهملتين، والسبعة حروف التفخيم (¬3) على الصواب، وأعلاها الطاء، كما أن أسفل المستفلة الياء، وقيل:
حروف التفخيم هى حروف الإطباق، وزاد مكى: الألف، وهو وهم؛ [لأنها تتبع ما قبلها] (¬4) فلا توصف بتفخيم ولا ترقيق (¬5). والله أعلم.
ثم انتقل إلى ضد الانفتاح فقال (¬6):
ص:
وصاد ضاد طاء ظاء مطبقة ... وفرّ من لبّ الحروف المذلقة
ش: (وصاد) مبتدأ حذف تنوينه ضرورة، والثلاثة بعد حذف عاطفها، [و (مطبقة) خبر،] (¬7) و (فر من لب) مبتدأ، و (الحروف المذلقة) موصوف، وصفته خبر، ويجوز العكس، أى: الحروف المطبقة أربعة صرح بها، وسميت مطبقة؛ لأنها (¬8) انطبق على مخرجها (¬9) من اللسان ما حاذاه من الحنك، وما عدا هذه الأربعة يقال لها: منفتحة؛ لأنه (¬10) لا ينطبق (¬11) اللسان (¬12) منها (¬13) على الحنك (¬14).
قال الشيرازى (¬15): ولولا الإطباق لصارت (¬16) الطاء دالا والظاء ذالا والصاد سينا لأنه ليس بينهما فرق إلا بالإطباق، ولخرجت الصاد من الكلام (¬17).
¬
_
(¬1) سقطت من م.
(¬2) فى م: استعلاء اللسان.
(¬3) فى م: للتفخيم.
(¬4) فى م: لأنه يتبع ما قبله.
(¬5) فى م: الترقيق.
(¬6) فى م: والثلاثة بعده فقال.
(¬7) سقط فى ز.
(¬8) فى م: لأنه.
(¬9) فى د، ص: مخارجها.
(¬10) فى م: لأنها، وفى ز: لأنك.
(¬11) فى ز: لا تطبق.
(¬12) فى ز، د: لسانك.
(¬13) فى م: بها.
(¬14) قال فى شرح التيسير: الأحرف المطبقة الطاء، والظاء، والصاد، والضاد وسميت بذلك لانطباق ظهر اللسان مع الحنك الأعلى عند النطق بها؛ ولهذا كتب كل واحد منها من خطين متوازيين متصلى الطرفين إشعارا بمخرجها، والمنفتحة ما عداها؛ لانفراج ما بين ظهر اللسان، والحنك الأعلى عند النطق بها وقد يوصف الباء والميم بالانطباق لانطباق الشفتين بهما.
(¬15) محمد بن عبد الله بن الحسن بن موسى أبو عبد الله الشيرازى القاضى شيخ مقرئ متصدر نزل مصر. ينظر: غاية النهاية (2/ 178).
(¬16) فى م: لانقلبت.
(¬17) وقد نص على هذا أيضا سيبويه فى الكتاب فقال: «وهذه الحروف الأربعة إذا وضعت لسانك فى مواضعهن انطبق لسانك من مواضعهن إلى ما حاذى الحنك الأعلى من اللسان ترفعه إلى الحنك،
ص: صفيرها صاد وزاى سين ... قلقلة قطب جد واللين
وأما الحروف المذلقة فستة، جمعها فى قوله: (فر من لب): ثلاثة من طرف اللسان، وثلاثة من طرف الشفتين، وما عداهما (¬1) مصمتة، ولا توجد كلمة رباعية فما فوقها بناؤها من الحروف المصمتة؛ [لثقلها] (¬2)، إلا ما ندر [مثل]: عسجد وعسطوس، وقيل: إنهما ليستا (¬3) أصليتين (¬4) بل ملحقتين (¬5) فى كلامهم.
ص:
صفيرها صاد وزاى سين ... قلقلة قطب جد واللين
ش: (صفيرها) مبتدأ، وباقى الشطر خبره؛ لأن الأول أعرف من الثانى، وعاطف (سين) محذوف، [و] (¬6) (قلقلة) خبر مقدم، و (قطب جد) مبتدأ مؤخر، أى: هذا اللفظ حروف القلقلة (¬7)، و (اللين) [مبتدأ] (¬8) يأتى (¬9) خبره.
ومن هنا صفات لبعض الحروف (¬10) ليس يطلق على باقيها اسم مشعر بضد (¬11) تلك الصفة بل بسلبها (¬12)، فمنها الصاد والسين والزاى، وهى حروف الصفير؛ لأنها يصفر بها، قال مكى: والصفير حدة الصوت كالصوت الخارج عن ضغطه نفث (¬13)، وباقى الحروف لا صفير فيها، وهذه الثلاثة هى الأسلية التى تخرج من أسلة اللسان (¬14)، قال ابن مريم (¬15): ومنهم من ألحق بها الشين.
¬
_
فإذا وضعت لسانك فالصوت محصور فيما بين اللسان والحنك إلى موضع الحروف».
(¬1) فى م: ما عداها.
(¬2) سقط فى م.
(¬3) فى م: ليسا.
(¬4) فى ص: أصلين.
(¬5) فى ز: ملحقان.
(¬6) سقط فى د، ز، م.
(¬7) فى د، ز، ص: قلقلة.
(¬8) سقط فى م.
(¬9) فى ص: ويأتى.
(¬10) فى د، ز: حروف.
(¬11) فى ص: وبضد.
(¬12) فى م: يسلبها.
(¬13) وقد أوضحه الدكتور حسن سيد فرغلى فى تعليقاته على شرح التيسير صفحة (96) بأنه: صوت زائد يخرج من الشفتين شبيها بصفير الطائر، وأقواها بذلك الصاد للإطباق والاستعلاء، وتليها الزاى للجهر، ثم السين.
(¬14) قال ابن منظور: «وأسلة اللسان: طرف شباته إلى مستدقه، ومنه قيل للصاد والزاى والسين أسلية؛ لأن مبدأها من أسلة اللسان، وهو مستدق طرفه، والأسلة: مستدق اللسان والذراع، وفى كلام على: لم تجف لطول المناجاة أسلات ألسنتهم، هى جمع أسلة وهى طرف اللسان. وفى حديث مجاهد: إن قطعت الأسلة فبين بعض الحروف ولم يبين بعضا يحسب بالحروف، أى تقسم دية اللسان على قدر ما بقى من حروف كلامه التى ينطق بها فى لغته، فما نطق به فلا يستحق ديته، وما لم ينطق به استحق ديته». انظر لسان العرب (1/ 80).
(¬15) نصر بن على بن محمد يعرف بابن أبى مريم فخر الدين أبو عبد الله الفارسى أستاذ عارف، وقفت له على كتاب فى القراءات الثمان سماه «الموضح» يدل على تمكنه فى الفن، جعله بأحرف مرموزة دالة على أسماء الرواة، وذكر ناسخه أنه استملاه من لفظه فى رمضان سنة اثنتين وستين وخمسمائة، قرأ فيما أحسب على تاج القراء محمود بن حمزة، وروى القراءة عنه مكرم بن العلاء بن نصر الفالى.
ينظر: الغاية (2/ 337 - 3731).
وحروف القلقة خمسة، وتسمى أيضا: اللقلقة، جمعها فى قوله: «قطب جد» [قال المبرد: وهذه القلقة بعضها أشد من بعض] (¬1) وسميت بذلك؛ لأنها إذا سكنت ضعفت فاشتبهت (¬2) بغيرها؛ فتحتاج إلى ظهور صوت يشبه النبرة حال سكونهن فى الوقف وغيره، وتحتاج (¬3) إلى زيادة إتمام النطق بهن، وذلك (¬4) الصوت فى سكونهن أبين منه فى حركتهن، [وهو فى الوقف أبين] (¬5) وأصلها القاف؛ فلهذا (¬6) كانت القلقلة فيها أبين، وكانت لا يمكن أن يؤتى بها (¬7) ساكنة إلا مع صوت زائد لشدة استعلائها.
وخصص جماعة متأخرون القلقلة بالوقف؛ تمسكا بظاهر قول بعض المتقدمين: إن القلقلة تظهر (¬8) فى الوقف على السكون (¬9)، ورشحوا (¬10) ذلك بأن القلقلة حركة، وصادفهم أن القلقلة فى الوقف العرفى أبين، وليس كذلك؛ لقول الخليل: القلقلة: شدة الصياح، والقلقلة (¬11): شدة الصوت.
وقال أستاذ التجويد [أبو الحسن شريح] (¬12) لما ذكر الخمسة: وهى متوسطة: كباء «الأبواب» (¬13)، وقاف «خلقنا» (¬14)، وجيم [«والفجر»] (¬15) ومتطرفة (¬16): كجيم «لم يخرج»، ودال «لقد»، وقاف «من يشاقق» (¬17): وطاء «لا تشطط»، فالقلقلة (¬18) هنا أبين
¬
_
(¬1) سقط فى ز، م.
(¬2) فى م: واشتبهت.
(¬3) فى ز: ويحتاج.
(¬4) فى د: فلذلك.
(¬5) سقط فى م.
(¬6) فى م: ولهذا.
(¬7) فى ص، ز: به.
(¬8) فى د، ص: تظهر فى هذه الحروف.
(¬9) فى م: فتوهموا أنه ضد الوصل، وإنما المراد السكون، فإن المتأخرين يطلقون الوقف على السكون، وفى ص: الوقف على السكون فإن المتقدمين .. إلخ، وفى د: فظنوا أن المراد بالوقف ضد الوصل، وليس المراد سوى السكون.
(¬10) فى م: ورسخوا.
(¬11) فى ز: والقلقلة.
(¬12) فى م: الشيخ أبو الحسن بن شريح، وفى د: أبو الحسن بن شريح. وهو شريح بن محمد بن شريح ابن أحمد أبو الحسن الرعينى الإشبيلى إمام مقرئ أستاذ أديب محدث، ولى خطابة أشبيلية وقضاءها وألف وكان فصيحا بليغا خيرا، ولد سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، قرأ القراءات على أبيه، وروى عنه كثيرا وعن خاله أحمد بن محمد بن خولان، وعمر وازدحم الناس، عليه قرأ عليه سبطه حبيب ابن محمد بن حبيب، وأحمد بن محمد بن مقدام، وعبد المنعم بن الخلوف، واليسع بن عيسى ابن حزم، وعبد الرحمن بن محمد بن عمرو اللخمى، وأحمد بن منذر الأزدى. توفى سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. ينظر: الغاية: (1/ 324 - 325) (1418).
(¬13) فى ص: الألباب.
(¬14) فى ص: خلقناهم.
(¬15) فى ز: جوار، وفى د: النجدين.
(¬16) فى م: والمتطرفة.
(¬17) فى ص: ومن يشاقق.
(¬18) فى ص: والقلقلة.
ص: واو وياء سكنا وانفتحا ... قبلهما والانحراف صححا
من (¬1) الوقف والمتطرفة من المتوسطة. انتهى. وهو عين (¬2) ما قاله [أبو الحسن] (¬3) المبرد (¬4). والله أعلم.
ثم كمل (اللين) فقال:
ص:
واو وياء سكنا وانفتحا ... قبلهما والانحراف صحّحا
ش: (واو وياء) خبر، و (اللين) آخر المتلو، و (سكنا) صفتهما، و (انفتح) معطوف على (سكن)، و (قبلهما) [صلة لموصول مقدر] (¬5)، أى: الذى قبلهما، وألف (انفتح) (¬6) للإطلاق، و (الانحراف صحح) كبرى، وألفه للإطلاق، أى: للين (¬7) حرفان: الواو والياء الساكنتان (¬8) المفتوح ما قبلهما، وسيأتى لهذا تحقيق فى أول باب المد.
ثم كمل فقال:
ص:
فى اللّام والرّا وبتكرير جعل ... وللتّفشّى الشّين ضادا استطل
ش: (فى اللام) يتعلق ب (صحح) آخر المتلو، و (الراء) معطوف عليه و (بتكرير) يتعلق ب (جعل)، و (للتفشى الشين) اسمية، و (ضادا) مفعول (استطل).
أى: أن الصحيح أن الانحراف له حرفان: اللام والراء، وقيل: اللام فقط، ونسب للبصريين، وسميا به؛ لانحرافهما عن مخرجهما واتصالهما بمخرج غيرهما.
قال سيبويه: ومنها المنحرف، وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لانحراف اللسان مع الصوت، ولم يعترض على الصوت كاعتراض الحروف الشديدة، وهو اللام، إن شئت مددت فيها الصوت، وليس كالرخوة؛ لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه، وليس يخرج الصوت من (¬9) موضع اللام ولكنه (¬10) من ناحيتى شدق اللسان فويق ذلك (¬11).
وقال فى موضع آخر لما ذكر أن اللام والنون والميم بين الرخوة والشديدة: ومنها المكرر (¬12)، وهو (¬13) حرف شديد جرى فيه الصوت لتكرره وانحرافه إلى اللام، فتجافى (¬14) الصوت كالرخوة، ولو لم يكرر لم يجر فيه الصوت، وهو الراء (¬15). انتهى.
وفى هذين النصين دليل لما صححه الناظم، [أثابه الله تعالى] (¬16).
¬
_
(¬1) فى ز: فى.
(¬2) فى م، ص: غير.
(¬3) زيادة من م.
(¬4) سقط فى ز، م.
(¬5) سقط من ز.
(¬6) فى م: وانفتح الألف.
(¬7) فى م: اللين.
(¬8) فى ز، ص، م: الساكنتين.
(¬9) فى ص: عن.
(¬10) فى م: ولكن.
(¬11) ينظر: الكتاب (4/ 435).
(¬12) فى ز: المكررة.
(¬13) فى د: وهى.
(¬14) فى د: فيتجافى.
(¬15) انظر: الكتاب (4/ 435).
(¬16) سقط فى م.
ص: ويقرأ القرآن بالتحقيق مع ... حدر وتدوير وكل متبع
وقوله: (وبتكرير) جعل الراء فقط بتكرير، يعنى (¬1): أنها جمعت بين صفتى الانحراف والتكرير، كما نص عليه سيبويه فيما رأيت، ونص عليه ابن الحاجب وابن مريم الشيرازى وغيرهما. وظاهر (¬2) كلام سيبويه أن التكرير صفة ذاتية فى الراء، وإليه ذهب المحققون، وتكريرها ربوّها فى اللفظ لا إعادتها (¬3) بعد قطعها، ويجب
التحفظ من إظهار تكريرها لا سيما إذا شددت، و [القراء] (¬4) يعدون ذلك عيبا فظيعا [فى القراءة] (¬5)، والله أعلم.
وقوله: «وللتفشى الشين» يعنى: أن حرف (¬6) التفشى الشين (¬7) فقط باتفاق؛ لأنه تفشى فى مخرجه حتى اتصل بمخرج الظاء (¬8)، وأضاف بعضهم إليها حروفا أخر ولا يصح (¬9).
والحرف المستطيل هو الضاد؛ لأنه استطال عن الفم عند النطق به حتى اتصل بمخرج اللام؛ وذلك لما فيه من القوة بالجهر والاستعلاء (¬10).
وهذا (¬11) آخر الكلام على الحروف، وأوان الشروع فى التجويد؛ فلذا (¬12) قال:
ص:
ويقرأ القرآن بالتّحقيق مع ... حدر وتدوير وكلّ متّبع
ش: (ويقرأ القرآن) فعلية، [و] (بالتحقيق) يتعلق ب (يقرأ) [والباء للمصاحبة] (¬13)، و (مع حدر) محله النصب (¬14) على الحال، و (تدوير) عطف على (حدر)، و (كل متبع) اسمية.
ص:
مع حسن صوت بلحون العرب ... مرتّلا مجوّدا بالعربى
ش: (مع حسن صوت) محله نصب على الحال، والباء [فى (بلحون العرب)] (¬15) للمصاحبة، و (مرتلا مجودا) حال و (بالعربى) صفة محذوف، أى: باللسان العربى، [ويتعلق ب (مجودا)] (¬16) وهذا شروع فى قوله: (وكيف يتلى [الذكر)] (¬17)، [أى:] (¬18)
¬
_
(¬1) فى م: أى.
(¬2) فى ص: فظاهر.
(¬3) فى ز: إعادته.
(¬4) سقط فى ز.
(¬5) سقط فى م.
(¬6) فى ص: حروف.
(¬7) فى م: الشين التفشى.
(¬8) فى ص، م: الطاء.
(¬9) من هؤلاء صاحب شرح التيسير حيث أضاف الفاء إلى الشين قائلا: التفشى ومعناه الظهور، وهى صفة الشين، والفاء، وصفا بذلك لما يبدو على ظاهر الفم من التكيف والتأثر عند النطق بهما.
(¬10) فى ز: والإطباق، وجاء فى شرح التييسير: أن الاستطالة هى صفة الضاد؛ لأن مخرجها يبدأ من أول حافة اللسان من أقصاه، وينتهى إلى مخارج الطرف، فيستوعب طول حافته، فيسمى بذلك مستطيلا.
قاله فى شرح التيسير.
(¬11) فى م، ص: تنبيه: الحروف الخفية أربعة: الهاء وحروف المد وقد تقدم وهنا انتهى الكلام على مخارج الحروف وصفاتها والآن يشرع فى التجويد.
(¬12) فى م: ولهذا، وفى ص: فلهذا.
(¬13) سقط فى م.
(¬14) فى م، ص، د: نصب.
(¬15) سقط فى ز.
(¬16) زيادة من ز.
(¬17) سقط فى م.
(¬18) زيادة من ز.
كلام الله تعالى يقرأ بالتحقيق وبالحدر وبالتدوير الذى هو التوسط بين الحالتين، مرتلا مجودا بلحون العرب وأصولها، وتحسين اللفظ والصوت بحسب الاستطاعة.
أما التحقيق فمعناه: المبالغة فى الإتيان بالشىء (¬1) على حقه (¬2) إلى نهاية شأنه، وعند القراء عبارة عن: إعطاء كل حرف حقه: من إشباع المد، وتحقيق الهمز، وإتمام الحركات، واعتماد (¬3) الإظهار، والتشديدات، وتوفية (¬4) الغنات، وتفكيك الحروف: وهو بيانها، وإخراج بعضها من بعض بالسكت والترتيل والتّؤدة، وملاحظة الجائز من الوقوف، ولا يكون معه غالبا قصر، ولا اختلاس، ولا إسكان متحرك (¬5)، ولا إدغام.
فالتحقيق (¬6) يكون لرياضة الألسن (¬7) وتقويم الألفاظ وإقامة القراءة بغاية (¬8) الترتيل، وهو الذى يستحسن ويستحب الأخذ به على المتعلمين، من غير أن يتجاوز فيه (¬9) إلى حد الإفراط: من تحريك السواكن، وتوليد الحروف من (¬10) الحركات، وتكرير الراءات، وتطنين النونات فى الغنات، كما قال حمزة- وهو إمام المحققين- لبعض من سمعه يبالغ فى ذلك: أما علمت أن ما كان فوق الجعودة فهو قطط، وما كان فوق البياض فهو برص؟! وما كان فوق القراءة فليس بقراءة؟! والتحقيق يروى (¬11)
عن أبى بكر [هو مذهب حمزة وورش من غير طريق الأصبهانى عنه وقتيبة عن الكسائى والأعشى عن أبى بكر] (¬12) وعن بعض طرق الأشنانى عن حفص، وبعض البصريين (¬13) عن الحلوانى عن هشام، وأكثر (¬14) طرق العراقيين عن هشام (¬15) عن ابن ذكوان (¬16)، وساق الناظم سنده لقراءته بالتحقيق (¬17) إلى أبى بن كعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما الحدر: [فمصدر حدر] (¬18) بالفتح، يحدر بالضم، إذا أسرع، فهو من الحدور الذى هو الهبوط؛ لأن الإسراع من لازمه، بخلاف الصعود، وهو عندهم عبارة عن: إدراج القراءة وسرعتها وتخفيفها (¬19) بالقصر والتسكين والاختلاس والبدل والإدغام الكبير
¬
_
(¬1) فى م: على الشيء.
(¬2) فى م: بحقه.
(¬3) فى ص: والاعتماد.
(¬4) فى م: وتغنين.
(¬5) فى م: بتحريك، وفى ز: بتحرك.
(¬6) فى ز: بالتحقيق، وص: والتحقيق.
(¬7) فى ص: اللسان.
(¬8) فى م: بغير.
(¬9) فى م، ص: فى ذلك.
(¬10) فى ص: عن.
(¬11) فى م: مروى.
(¬12) سقط فى ز، م.
(¬13) فى ز: المصريين.
(¬14) فى ص: وعن أكثر.
(¬15) فى د: عن الأخفش.
(¬16) فى ص: عن الأخفش بالتحقيق عن ابن ذكوان.
(¬17) فى ز، م: به، وفى ص: لقراءته عن هشام عن الأخفش بالتحقيق.
(¬18) سقط من ز.
(¬19) فى م: وتحقيقها.
وتخفيف (¬1) الهمز (¬2) ونحو ذلك، مع إيثار الوصل وإقامة الإعراب وتقويم اللفظ وتمكين (¬3) الحروف، وهو عندهم ضد التحقيق.
فالحدر يكون لتكثير (¬4) الحسنات فى القراءة وحوز فضيلة التلاوة وليحترز فيه من (¬5) بتر حروف المد وذهاب صوت الغنة واختلاس [أكثر] (¬6) الحركات ومن التفريط إلى غاية لا تصح (¬7) بها القراءة، ولا تخرج (¬8) عن حد الترتيل (¬9).
والحدر مذهب ابن كثير وأبى جعفر وسائر من قصر المنفصل، كأبى عمرو ويعقوب وقالون والأصبهانى، وكالولى عن حفص، وأكثر العراقيين عن الحلوانى عن هشام.
وأما التدوير فهو: التوسط بين المقامين، وهو الوارد عن الأكثر ممن روى مد المنفصل ولم يبلغ فيه إلى الإشباع، وهو مذهب سائر القراء، وصح عن الأئمة، وهو المختار.
وأما الترتيل فهو مصدر من: رتل فلان كلامه، إذا أتبع بعضه بعضا على مكث، وهو الذى نزل به القرآن، قال (¬10) تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل: 4]، وعن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله تعالى يحبّ أن يقرأ القرآن كما أنزل» (¬11) أخرجه ابن خزيمة فى صحيحه. وقال ابن عباس فى قوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا: [بيّنه] (¬12)، وقال [ابن] (¬13) مجاهد: تأنّ فيه، وقال الضحاك: انبذه حرفا حرفا، يقول تعالى: تثبت فى قراءته وتمهل فيها وافصل الحرف من الحرف الذى بعده، ولم يقتصر سبحانه على الأمر بالفعل حتى أكده بالمصدر اهتماما به وتعظيما له؛ ليكون ذلك عونا على تدبر القرآن وتفهمه، وكذلك كان [النبى] (¬14) صلى الله عليه وسلم يقرأ، ففي جامع الترمذى وغيره عن يعلى أنه سأل أم سلمة عن قراءة النبى صلى الله عليه وسلم فإذا هى قراءة مفسرة حرفا حرفا (¬15). وقالت السيدة حفصة-
¬
_
(¬1) فى ص: وتحقيق.
(¬2) فى م: الهمزة.
(¬3) فى م: وتسكين، وفى ز: وتمكن.
(¬4) فى ز: لتكثر.
(¬5) فى ص: عن.
(¬6) سقطت من م.
(¬7) فى د: لا يصح.
(¬8) فى د، م: ولا يخرج.
(¬9) فى م، د: التنزيل.
(¬10) فى م: فقال.
(¬11) ذكره الهندى فى كنز العمال (3069) وعزاه للسجزى فى الإبانة عن زيد بن ثابت.
(¬12) سقطت من ز.
(¬13) سقطت فى ص.
(¬14) زيادة من ز.
(¬15) أخرجه عبد الرزاق (4709)، وأحمد (6/ 294، 297، 300، 308)، والبخارى فى خلق أفعال العباد (23)، وأبو داود (1/ 463) كتاب الصلاة باب استحباب الترتيل فى القراءة (1466)، والنسائى (2/ 181) كتاب الافتتاح باب تزيين القرآن بالصوت، والترمذى (5/ 43) كتاب فضائل القرآن باب ما جاء كيف كانت قراءة النبى صلى الله عليه وسلم (2923)، وابن خزيمة (1158)، والطحاوى فى شرح المشكل (5408)، والطبرانى فى الكبير (23، 645، 646، 977) وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (157)، وابن نصر فى قيام الليل (85)، والبيهقى (3/ 13).
ص: والأخذ بالتجويد حتم لازم ... من لم يجود القرآن آثم ... لأنه به الإله أنزلا ... وهكذا منه إلينا وصلا
رضى الله عنها-: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة فإذا هى أطول من أطول منها» (¬1)، وعن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كانت مدّا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، يمد: الله، ويمد: الرحمن، ويمد: الرحيم» (¬2).
واختلفوا فى الأفضل:
فقال بعضهم: السرعة وكثرة القراءة أفضل؛ لحديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها» (¬3) الحديث رواه الترمذى، ورواه غيره «بكلّ حرف عشر حسنات»، ولأن عثمان قرأه فى ركعة.
والصحيح بل الصواب، وهو مذهب السلف والخلف: أن الترتيل والتدبر (¬4) مع قلة القراءة أفضل؛ لأن المقصود فهم القرآن والفقه فيه والعمل به، وتلاوته وحفظه وسيلة إلى معانيه، وقد جاء ذلك نصّا عن ابن مسعود وابن عباس- رضى الله عنهما- والكلام على هذا يطول.
وفرق بعضهم بين الترتيل والتحقيق: [بأن التحقيق يكون] (¬5) للرياضة والتعليم والتمرين (¬6)، والترتيل يكون للتدبر والتفكر والاستنباط، فكل تحقيق ترتيل ولا عكس، وقال على- رضى الله عنه-: الترتيل: تجويد الحروف ومعرفة الوقوف.
وأما حسن الصوت فروى الضحاك قال: قال عبد الله بن مسعود: «جودوا القرآن وزينوه بأحسن الأصوات وأعربوه؛ فإنه عربى، والله يحب أن يعرب»؛ فلذلك ذكر نبذة (¬7) من التجويد فقال:
ص:
والأخذ بالتّجويد حتم لازم ... من لم يجوّد (¬8) القرآن آثم
لأنّه به الإله أنزلا ... وهكذا منه إلينا وصلا
¬
_
(¬1) أخرجه مسلم (1/ 507) كتاب صلاة المسافرين باب جواز النافلة قائما وقاعدا (118/ 733)، وأحمد (6/ 285)، وعبد الرزاق (4089)، والترمذى (1/ 399) كتاب الصلاة باب فيمن يتطوع جالسا (373)، وفى الشمائل له (281)، والنسائى (3/ 223) كتاب قيام الليل باب صلاة القاعد، وأبو يعلى (7055)، وابن خزيمة (1242)، وابن حبان (2508، 2530)، والبيهقى (2/ 490).
(¬2) أخرجه البخارى (10/ 111) كتاب فضائل القرآن باب مد القراءة (5045، 5046) وفى خلق أفعال العباد (37، 38)، وأحمد (3/ 119، 127، 131)، وأبو داود (1/ 463) كتاب الصلاة باب استحباب الترتيل (1465)، والترمذى فى الشمائل (315)، والنسائى (2/ 79) كتاب الافتتاح باب مد الصوت بالقراءة.
(¬3) تقدم.
(¬4) فى ص: والتدوير.
(¬5) فى م: بأن تكون التحقيق.
(¬6) فى م: والتمرين والتعليم.
(¬7) فى م: جملة.
(¬8) فى ز، د، ص: من لم يصحح.
وهو إعطاء الحروف حقّها ... من صفة لها ومستحقّها
مكمّلا من غير ما تكلّف ... باللّطف فى النّطق بلا تعسّف
ش: (والأخذ بالتجويد حتم) اسمية، و (لازم) توكيد معنوى، و (من) موصولة (¬1)، و (لم يجود (¬2) [القرآن] (¬3)) جملة الصلة، و (آثم) خبره، و (لأنه) يتعلق (¬4) ب (آثم)، والهاء اسم (إن) تعود (¬5) على (القرآن)، و (الإله) مبتدأ و (أنزل) خبره (¬6)، والعائد محذوف، والجملة خبر (لأنه) و (به) يتعلق ب (أنزل)، والهاء تعود على التجويد، و (إلينا) و (عنه) يتعلقان ب (وصل)، و (هكذا) صفة لمصدر محذوف تقديره: ووصل إلينا عنه وصولا كهذا (¬7) الوصول (¬8)، يعنى وصل إلينا [عن النبى صلى الله عليه وسلم] (¬9) مجردا كما وصل إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
اعلم أن التجويد مصدر: جوّد تجويدا، وهو عندهم عبارة عن: الإتيان بالقراءة مجودة الألفاظ بريئة من الرداءة فى النطق ومعناه: انتهاء الغاية فى التصحيح، وبلوغ النهاية فى التحسين، ولا شك أن الأمة كما هى متعبّدة (¬10) بفهم القرآن وإقامة حدوده، متعبّدة بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القرآن المتصلة (¬11) بالحضرة النبوية- على صاحبها أفضل الصلاة والسلام- فمن قدر على تصحيح كلام الله تعالى باللفظ الصحيح العربى الفصيح وعدل إلى غيره؛ استغناء بنفسه، واستبدادا برأيه، واستكبارا عن الرجوع إلى عالم يوقفه على صحيح لفظه- فإنه مقصر بلا شك، وآثم بلا ريب، وغاش بلا مرية؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدين النّصيحة، لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامّتهم» (¬12)، أما من كان لا يطاوعه لسانه، أو لا يجد من يهديه إلى
¬
_
(¬1) فى م: موصول مبتدأ.
(¬2) فى ز، د، ص: ولم يصحح.
(¬3) سقطت من م.
(¬4) فى م: متعلق.
(¬5) فى ص: يعود.
(¬6) فى م: خبره فعلية.
(¬7) فى م، د: هكذا.
(¬8) فى ز: الوصل.
(¬9) سقطت من م، د.
(¬10) فى م: متعبدون.
(¬11) فى م: المتصلين.
(¬12) أخرجه مسلم (1/ 74) كتاب: الأيمان، باب: بيان أن الدين النصيحة، حديث (95/ 55)، وأبو داود (5/ 233، 234) كتاب: الأدب، باب: فى النصيحة، حديث (4944)، والنسائى (7/ 156) كتاب: البيعة، باب: النصيحة للإمام، وأحمد (4/ 102)، والحميدى (2/ 369) رقم (837)، وأبو عوانة (1/ 36 - 37)، والبخارى فى التاريخ الصغير (2/ 34)، وأبو عبيد فى الأموال (ص- 10) رقم (1)، وأبو يعلى (13/ 100) رقم (7164)، وابن حبان فى «روضة العقلاء» (ص- 194)، والطبرانى فى الكبير (2/ 52، 54)، والبيهقى فى «شعب الإيمان» (6/ 26) رقم (7401)، والبغوى فى شرح السنة (6/ 485)، والقضاعى فى مسند الشهاب رقم (17، 18) كلهم
الصواب، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها.
وعد العلماء القراءة بغير (¬1) تجويد لحنا وقسموا اللحن إلى جلى وخفى، والصحيح أن اللحن خلل يطرأ على الألفاظ فيخل (¬2)، إلا أن الجلى يخل إخلالا ظاهرا يعرفه (¬3) القراء وغيرهم، والخفى يختص بمعرفته [أئمة] (¬4) القراء الذين ضبطوا [ألفاظ الأداء] (¬5) وتلقوها (¬6) من أفواه (¬7) العلماء.
قال الإمام أبو عبد الله الشيرازى: ويجب (¬8) على القارئ أن يتلو (¬9) القرآن حق تلاوته؛ صيانة للقرآن عن أن يجد (¬10) اللحن إليه سبيلا، على أن العلماء اختلفوا فى وجوب حسن الأداء فى القرآن: فذهب بعضهم إلى أن ذلك مقصور على ما يلزم المكلف قراءته فى المفروضات، وآخرون إلى وجوبه فى [كل] (¬11) القرآن؛ لأنه لا رخصة فى تغيير اللفظ بالقرآن [وتعويجه] (¬12). انتهى.
والخلاف الذى ذكره غريب، بل الصواب الوجوب فى كل القرآن، وكذلك قال
¬
_
من طريق سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن عطاء بن يزيد عن تميم الدارى؛ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة» قالوا: لمن يا رسول الله قال: «لله ولكتابه ولنبيه ولأئمة المسلمين وعامتهم».
وفى الباب عن أبى هريرة، وابن عباس، وغيرهما.
حديث أبى هريرة:
أخرجه الترمذى (4/ 286) كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء فى النصيحة، حديث (1926)، والنسائى (7/ 157) كتاب: البيعة، باب: النصيحة للإمام، وأحمد (2/ 297)، والبخارى فى التاريخ الصغير (2/ 35)، وأبو نعيم فى الحلية (6/ 242، 7/ 142) عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة» ثلاث مرات قالوا: يا رسول الله لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم».
وقال الترمذى: حسن صحيح.
حديث ابن عباس:
أخرجه أحمد (1/ 351)، والبزار (1/ 49 - 50 - كشف) رقم (61)، وأبو يعلى (4/ 259) رقم (2372) من حديث ابن عباس.
أما أبو يعلى والبزار، فأخرجاه من طريق زيد بن الحباب: ثنا محمد بن مسلم الطائفى، ثنا عمرو ابن دينار، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة»، قالوا: لمن يا رسول الله؟
قال: «لكتاب الله ولنبيه ولأئمة المسلمين».
(¬1) فى م: بلا.
(¬2) فى ز، م: فتخل.
(¬3) فى م: تعرفه.
(¬4) سقط فى ز.
(¬5) فى م: الألفاظ للأداء.
(¬6) فى ص: وتلقوه.
(¬7) فى ص: ألفاظ.
(¬8) فى ص، م: يجب.
(¬9) فى ص: يقرأ.
(¬10) فى م: لا يجد.
(¬11) سقط فى م.
(¬12) سقط فى ص.
أبو الفضل الرازى، فالتجويد حلية التلاوة (¬1)، وزينة القراءة (¬2)، وهو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها فى مراتبها، ورد الحرف إلى مخرجه، وتصحيح لفظه، وتلطيف النطق به على كل حال من غير إسراف ولا تعسف، ولا إفراط ولا تكلف، وإلى ذلك أشار صلى الله عليه وسلم بقوله:
من أحبّ أن يقرأ القرآن كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أمّ عبد» (¬3)
يعنى ابن مسعود، وكان- رضى الله عنه- قد أعطى حظّا عظيما فى [تجويد] (¬4) القرآن وتحقيقه وترتيله كما أنزله الله تعالى، وناهيك برجل أحب النبى صلى الله عليه وسلم أن يسمع القرآن منه! ولما قرأ بكى النبى صلى الله عليه وسلم. وعن أبى عثمان [النهدى] (¬5) قال: صلى (¬6) بنا ابن مسعود المغرب [قصرا] (¬7) فقرأ:
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص] ولوددت (¬8) أنه قرأ سورة البقرة من حسن صوته وترتيله، وهذه سنة الله تعالى فيمن يقرأ القرآن مجودا مصححا (¬9) كما أنزل، تلتذ (¬10) الأسماع بتلاوته، وتخشع القلوب عند قراءته، ولقد بلغنا عن الإمام تقى الدين بن الصائغ المصرى، وكان أستاذا فى التجويد: أنه قرأ يوما فى صلاة الصبح: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ [النمل: 20] وكرر [هذه] (¬11) الآية، فنزل طائر على رأس الشيخ فسمع قراءته حتى أكملها، فنظروا إليه فإذا هو هدهد. وبلغنا عن الأستاذ أبى محمد البغدادى، المعروف بسبط الخياط (¬12)، وكان قد أعطى من ذلك حظّا عظيما: أنه أسلم جماعة من اليهود
¬
_
(¬1) فى م: الأداء.
(¬2) فى ز، م: القرآن.
(¬3) أخرجه أحمد (1/ 7، 445، 446، 454)، وابن ماجة (1/ 148) فى المقدمة، باب: فضل عبد الله بن مسعود (138)، وابن حبان (7066، 7067) وأبو يعلى فى مسنده (16، 17، 5058، 5059)، والبزار (2681)، والطبرانى (8417).
(¬4) سقط فى م.
(¬5) سقط فى ص، وفى م: المهدى، وهو عبد الرحمن بن مل- بضم أوله وكسر اللام- ابن عمرو ابن عدى النهدى أبو عثمان الكوفى. أسلم وصدق ولم ير النبى صلى الله عليه وسلم. روى عن عمر
وعلى وأبى ذر.
وعنه قتادة وأيوب وأبو التياح والجريرى وخلق. وثقه ابن المدينى وأبو حاتم والنسائى. قال سليمان التيمى: إنى لأحسب أبا عثمان كان لا يصيب ذنبا، كان ليله قائما ونهاره صائما. وقيل: إنه حج واعتمر ستين مرة. قال عمرو بن على: مات سنة خمس وتسعين. وقال ابن معين: سنة مائة، عن أكثر من مائة وثلاثين سنة.
ينظر: الخلاصة (2/ 153 - 4258).
(¬6) فى ص: أمنا.
(¬7) سقط فى م، ص.
(¬8) فى م، ص: فوددت.
(¬9) فى ز: صحيحا.
(¬10) فى ز: يلتذ.
(¬11) سقطت من م.
(¬12) هو عبد الله بن على بن أحمد بن عبد الله أبو محمد البغدادى سبط أبى منصور الخياط الأستاذ البارع الكامل الصالح الثقة شيخ الإقراء ببغداد فى عصره، ولد سنة أربع وستين وأربعمائة، قرأ القراءات على جده أبى منصور محمد بن أحمد وأبى الفضل محمد بن محمد بن الطيب الصباغ وأبى طاهر
ص: فرققن مستفلا من أحرف ... وحاذرن تفخيم لفظ الألف
والنصارى من قراءته (¬1).
ولا أعلم شيئا لبلوغ نهاية (¬2) الإتقان والتجويد، ووصول غاية (¬3) التصحيح والتشديد، مثل رياضة الألسن والتكرار على اللفظ المتلقى من المرشد، ولله در الإمام أبى عمرو [الدانى] (¬4) حيث يقول: «ليس [شىء] (¬5) بين التجويد وتركه إلا رياضة [لمن] (¬6) تدبره بفكره»، ولقد صدق وبصر، وأوجز فى القول وما قصر، فليس التجويد بتصنيع اللسان، ولا بتقعير (¬7) الفم، ولا بتعويج (¬8) الفك، ولا بترعيد الصوت، ولا بتمطيط الشدّ، ولا بتقطيع المدّ، بل القراءة السهلة (¬9) العذبة التى لا مضغ فيها ولا لوك ولا تعسف، ولا تصنع ولا تنطع، ولا تخرج عن طباع العرب وكلام الفصحاء بوجه من وجوه القراءات والأداء.
ثم أشار المصنف إلى شىء من ذلك فقال:
ص:
فرقّقن مستفلا من أحرف ... وحاذرن تفخيم لفظ الألف
ش: الفاء سببية، و (رققن) فعل أمر مؤكد بالخفيفة، و (مستفلا) مفعوله (¬10)، و (من أحرف) صفة (مستفلا)، و (حاذرن) أمر مؤكد، و (تفخيم) مفعوله، و (لفظ الألف) مضاف إليه.
اعلم أن أول ما يجب على مريد (¬11) إتقان قراءة القرآن تصحيح إخراج كل حرف من مخرجه المختص به [تصحيحا] (¬12) يمتاز به عن مقارنه، وتوفية كل حرف صفته، فإن كل حرف شارك (¬13) غيره فى مخرج فإنه لا يمتاز عن مشاركه إلا بالصفات، وكل حرف شاركه
¬
_
ابن سوار وأبى الخطاب بن الجراح، وقال أحمد بن صالح الجبلى: سار ذكر سبط الخياط فى الأغوار والأنجاد ورأس أصحاب الإمام أحمد ولم أسمع فى جميع عمرى من يقرأ الفاتحة أحسن ولا أفصح منه وكان جمال العراق بأسره وكان ظريفا كريما قال الحافظ أبو عبد الله: كان إماما محققا واسع العلم متين الديانة قليل المثل وكان أطيب أهل زمانه صوتا بالقرآن على كبر السن. ألف كتاب المبهج وكتاب الروضة وكتاب الإيجاز وكتاب التبصرة والمؤيدة فى السبعة والموضحة فى العشرة والقصيدة المنجدة فى القراءات العشر. توفى فى ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ببغداد وصلى عليه ولى الله الشيخ عبد القادر الجيلى. ينظر: الغاية (1/ 434، 435 - 1817).
(¬1) فى د، ص: من سماع قراءته.
(¬2) فى م: غاية.
(¬3) فى م: نهاية.
(¬4) سقطت فى ز.
(¬5) زيادة من ز.
(¬6) فى م: من.
(¬7) فى م، ص: بتقصير، وفى د: بتغيير.
(¬8) فى م: بتفريج.
(¬9) فى م: المسهلة.
(¬10) فى م: مفعول به.
(¬11) فى م: مريدى.
(¬12) سقط فى ز، م.
(¬13) فى م، ص: مشارك.
فى صفاته فلا يمتاز (¬1) عنه إلا بالمخرج: كالهمزة والهاء اشتركا مخرجا وانفتاحا واستفالا [وانفردت الهمزة بالجهر والشدة. والعين والحاء اشتركا مخرجا واستفالا وانفتاحا] (¬2)، وانفردت الحاء بالهمس والرخاوة الخالصة، فإذا أحكم القارئ النطق بكل حرف على حدته فليعمل نفسه بأحكامه حالة التركيب؛ لأنه ينشأ عن التركيب ما لم يكن حالة الإفراد، فكم ممن يحسن الحروف مفردة ولا يحسنها مركبة، بحسب ما يجاورها من مجانس ومقارب، وقوى وضعيف، ومفخّم ومرقّق، ونحو ذلك، فيجذب القوى الضعيف، ويغلب المفخم المرقق؛ فيصعب على اللسان النطق بذلك على حقه، إلا بالرياضة [الشديدة] (¬3) حالة (¬4) التركيب.
وحينئذ فيجب (¬5) ترقيق الحروف المستفلة كلها ولا يجوز تفخيم شىء منها إلا اللام (¬6) من اسم الله تعالى بعد فتحة أو ضمة إجماعا، وإلا الراء المضمومة أو المفتوحة مطلقا فى أكثر الروايات، والساكنة فى بعض الأحوال، كما سيأتى فى بابه (¬7).
ويجب (¬8) تفخيم الحروف المستعلية كلها، وأما الألف فالصحيح أنها لا توصف بترقيق ولا تفخيم، بل بحسب ما تقدمها فإنها تتبعه (¬9) ترقيقا وتفخيما، وما وقع فى كلام بعضهم من إطلاق ترقيقها فإنما يريدون التحذير مما يفعله بعض العجم (¬10) من التفخيم فى لفظها إلى أن يصيّروها كالواو، ويريدون التنبيه على ما هى مرققة فيه.
وأما نص بعض المتأخرين على ترقيقها بعد الحروف المفخمة فشىء وهم فيه ولم يسبقه [إليه] (¬11) أحد، ورد عليه محققو زمانه وألف فيه (¬12) العلامة أبو عبد الله بن بضحان (¬13) كتابا قال فيه: اعلم أيها القارئ أن من أنكر تفخيم الألف فإنكاره صادر عن جهله، أو غلظ طباعه، أو عدم اطلاعه. قال: والدليل على جهله: أنه يدعى (¬14) أن الألف فى قراءة ورش
¬
_
(¬1) فى ص: فإنه لا يمتاز.
(¬2) سقط فى م، ص.
(¬3) سقط فى م.
(¬4) فى ص: حال.
(¬5) فى م: فحينئذ يجب.
(¬6) سقط فى ز.
(¬7) فى ص: باب.
(¬8) فى م: وتقدم.
(¬9) فى م: تابعه.
(¬10) فى ص، م: الأعاجم.
(¬11) سقط فى م.
(¬12) فى ص: فيها.
(¬13) فى ص، م: ابن الضحاك. وهو محمد بن أحمد بن بضحان بن عين الدولة بدر الدين أبو عبد الله الدمشقى الإمام الأستاذ المجود البارع شيخ مشايخ الإقراء بالشام، ولد سنة ثمان وستين وستمائة، وسمع الحديث وعنى بالقراءات سنة تسعين وستمائة وبعدها فقرأ لنافع وابن كثير وأبى عمرو. توفى خامس ذى الحجة سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة. ينظر: الغاية (2/ 57، 59) (2710).
(¬14) فى ص: ادعى.
ص: كهمز الحمد أعوذ اهدنا ... الله ثم لام لله لنا
طالَ [الأنبياء: 44] وفِصالًا [البقرة: 233] وشبههما مرققة، وهو غير ممكن؛ لوقوعها بين حرفين مغلظين. والدليل على غلظ طبعه: أنه لا يفرق فى لفظه (¬1) بين ألف «قال» وألف «طال» (¬2) والدليل على عدم اطلاعه: أن أكثر النحاة نصوا فى كتبهم على تفخيم الألف، ثم ساق النصوص وأوقف (¬3) عليه الأستاذ أبا حيان فكتب إليه (¬4): طالعته فوجدته [قد] (¬5) حاز إلى صحة النقل كمال الدراية وبلغ (¬6) فى الغاية.
ثم مثل المستفل فقال:
ص:
كهمز الحمد أعوذ اهدنا ... الله ثمّ لام لله لنا
ش: (كهمز) خبر مبتدأ محذوف، وما بعده مضاف، وحرف العطف محذوف، و (لام) عطف على (همز)، وعاطف (لنا) محذوف، أى: مثال الذى يجب ترقيقه الهمزة فيجب على القارئ إذا ابتدأ بها من كلمة أن يلفظ بها سلسة فى النطق سهلة فى الذوق وليتحفظ من تغليظ النطق بها كهمز الْحَمْدُ [الفاتحة: 2]، الَّذِينَ [الفاتحة: 7]، أَأَنْذَرْتَهُمْ [البقرة:
6] لا سيما إذا أتى بعدها ألف نحو أَتى [النحل: 1]، فإن جاء بعدها حرف مغلظ تأكد ذلك، نحو: اللَّهُمَّ [آل عمران: 26]، فإن كان مجانسا أو مقاربا كان التحفظ لسهولتها أشد، وترقيقها (¬7) آكد (¬8)، نحو: اهْدِنَا [الفاتحة: 6]، أَعُوذُ [البقرة: 67]، أَحَطْتُ [النمل: 22]، أَحَقُّ [البقرة: 228] فكثير من الناس ينطق بها كالمتهوّع.
ويجب (¬9) ترقيق اللام لا سيما إذا جاورت حرف تفخيم؛ نحو: وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 7]، وَعَلَى اللَّهِ [النحل: 9]، اللَّطِيفُ [الأنعام: 103]، وَلْيَتَلَطَّفْ (¬10) [الكهف: 19]، وإذا سكنت وأتى بعدها نون فليحرص (¬11) على إظهارها (¬12) مع رعاية السكون؛ نحو: جَعَلْنَا [البقرة: 125]، وَأَنْزَلْنا [البقرة: 57]، وَظَلَّلْنا [البقرة:
57]، قُلْ نَعَمْ [الصافات: 18]، ومثل ذلك: فَقُلْ تَعالَوْا [آل عمران: 61]، وأما قُلْ رَبِّ [المؤمنون: 93]، فلا خلاف فى إدغامه- كما سيأتى-[ثم كمل فقال] (¬13):
وليتلطّف وعلى الله ولا الض ... والميم من مخمصة ومن مرض
¬
_
(¬1) فى م، ص، د: لفظة.
(¬2) فى د: والفصال.
(¬3) فى م: ووافق، وفى د، ص: ووقف.
(¬4) فى ز: عليه.
(¬5) سقط فى د.
(¬6) فى ص: وبالغ.
(¬7) فى م: وبترقيتها.
(¬8) فى ز: أوكد.
(¬9) فى م: فيجب.
(¬10) فى م، ص: وليتلطف واللطيف.
(¬11) فى ص: فيحرص.
(¬12) فى م: ظهورها.
(¬13) سقط فى د.
ص: وباء بسم باطل وبرق ... وحاء حصحص أحطت الحق
و (ليتلطف [عطف على لنا] (¬1) وعلى الله ولا الضالين) [كذلك] (¬2) عطف على (الله) و (الميم) عطف على (همز) و (من مخمصة) [و] حال، (من مرض) عطف عليه (¬3).
أوائل البيت تقدم، وأما الميم فحرف أغن، وتظهر غنته من الخيشوم إذا كان مدغما أو مخفيّا، فإن أتى محركا (¬4) فليحذر من تفخيمه لا سيما قبل حرف مفخم؛ نحو: مَخْمَصَةٍ [المائدة: 3]، ومَرَضٌ [البقرة: 10]، ويا مَرْيَمُ [آل عمران: 43]، فإن (¬5) كان قبل ألف (¬6) تأكد التفخيم (¬7)، فكثيرا (¬8) ما يجرى ذلك على الألسنة خصوصا الأعاجم؛ نحو:
مالِكِ [الفاتحة، 4]، وسنذكر بقية حكمها.
ص:
وباء بسم باطل وبرق ... وحاء حصحص أحطت الحقّ
ش: (وباء) عطف [على] همز (¬9) و (بسم) مضاف إليه، وعاطف تاليها محذوف وهما مرفوعان على الحكاية، و (حاء حصحص) معطوف على (همز) وعاطف تاليتها محذوف.
أى: ويجب ترقيق الباء إذا أتى بعدها حرف مفخم، نحو: وَبَطَلَ [الأعراف: 118] ووَ بَصَلِها [البقرة: 61]، فإن حال (¬10) بينهما ألف كان التحفظ بترقيقها أبلغ نحو بِالْباطِلِ [البقرة: 42]، وباغٍ [البقرة: 173]، ووَ الْأَسْباطِ [البقرة: 136]، ومن [باب] (¬11) أولى إذا وليها حرفان مفخمان نحو: وَبَرْقٌ [البقرة: 19]، والْبَقَرَ [البقرة: 70]، [و] بَلْ طَبَعَ [النساء: 155] عند المدغم. وليحذر فى ترقيقها من ذهاب شدتها، لا سيما إن كان [مقابله على أصله] (¬12) حرفا خفيّا (¬13) نحو: بِهِمْ* وَبِهِ* بالِغَ [المائدة: 95] وبِباسِطٍ [المائدة: 28] أو ضعيفا نحو: ثَلاثَةِ [البقرة:
196]، وبِساحَتِهِمْ [الصافات: 177].
وإذا سكنت كان التحفظ بما فيه من الشدة والجهر أشد، نحو بِرَبْوَةٍ [البقرة: 265]، والْخَبْءَ [النمل: 25]، وقَبْلُ [البقرة: 25]، وبِالصَّبْرِ* (¬14)، [و] فَارْغَبْ [الشرح: 8]، وكذا [حكم] (¬15) سائر حروف القلقلة لاجتماع الشدة والجهر فيها، نحو:
يَجْعَلُونَ [البقرة: 19]، يَدْرَؤُنَ (¬16) [الرعد: 22]، [و] قَدْ نَرى [البقرة: 144]،
¬
_
(¬1) سقط فى ز.
(¬2) سقط فى ز.
(¬3) فى م: على.
(¬4) فى ص، د: متحركا.
(¬5) فى د، ص: وأن.
(¬6) فى ص: الألف تعين.
(¬7) فى د: تأكد التحذر من التفخيم.
(¬8) فى م: وكثيرا.
(¬9) فى ز: هم.
(¬10) فى م: باطل.
(¬11) سقط فى ز.
(¬12) زيادة من ز.
(¬13) فى م: خفيفا.
(¬14) فى ز: البصر.
(¬15) سقط فى م.
(¬16) فى ز: ويذرون.
ص: وبين الإطباق من أحطت مع ... بسطت والخلف بنخلقكم وقع
والْبَطْشَةَ [الدخان: 16]، ووِقْراً [الذاريات: 2]، ويَسْرِقْ [يوسف: 77] ويجب ترقيق الحاء إذا جاورها حرف استعلاء، نحو: أَحَطْتُ [النمل: 22] والْحَقُّ [البقرة:
26] فإن اكتنفها حرفان كان ذلك أوجب (¬1) نحو: حَصْحَصَ [يوسف: 51].
ص:
وبيّن الإطباق من أحطت مع ... بسطت والخلف بنخلقكم وقع
ش: (بين) جملة طلبية، و (الإطباق) مفعول (بين)، و (من أحطت مع بسطت) حال، [و] (الخلف وقع فى نخلقكم) اسمية.
أى: أن الطاء أقوى الحروف تفخيما، فلتوف (¬2) حقها، لا سيما إذا كانت مشددة، نحو اطَّيَّرْنا [النمل: 47]، وأَنْ يَطَّوَّفَ [البقرة: 158] وإذا سكنت وأتى بعدها تاء وجب إدغامها غير كامل، بل تبقى (¬3) معه صفة الإطباق والاستعلاء؛ لقوة الطاء وضعف التاء، ولولا التجانس لم يسغ (¬4) الإدغام لذلك (¬5)، نحو: بَسَطْتَ [المائدة: 28]، [و] أَحَطْتُ [النمل: 22]، وفَرَّطْتُ [الزمر: 56] وأما نَخْلُقْكُمْ (¬6) [المرسلات: 20] فالمراد (¬7) به القاف الساكنة عند الكاف، فلا خلاف فى إدغامه، وإنما الخلاف فى صفة الاستعلاء مع ذلك:
فذهب مكى وغيره إلى أنها باقية مع الإدغام كهى فى (أحطت) و (بسطت).
وذهب الدانى وغيره إلى إدغامه إدغاما محضا، وهو أصح؛ قياسا على ما أجمعوا [عليه] (¬8) فى باب الحركة (¬9) للمدغم من خَلَقَكُمْ*، والفرق بينه وبين باب أَحَطْتُ أن الطاء زادت بالإطباق.
وانفرد الهذلى عن ابن ذكوان بإظهاره، وكذلك (¬10) حكى عن أحمد بن صالح عن قالون، ولعل مرادهم إظهار صفة الاستعلاء.
وقال الدانى: وروى ابن حبش (¬11) عن أحمد بن حرب عن الحسن بن مالك عن أحمد ابن صالح عن قالون الإظهار (¬12)، قال: وهو خطأ وغلط، والإجماع على الإدغام. انتهى.
وفيه نظر؛ لأنه إن حمل (¬13) الإظهار على إظهار الصوت فقد نص على إظهاره غير
¬
_
(¬1) فى م: واجب.
(¬2) فى م: فلترقق.
(¬3) فى ص: يبقى.
(¬4) فى م: لم يسمع.
(¬5) فى م: وكذلك.
(¬6) فى ص: يخلقكم.
(¬7) فى م: المراد، وفى د، ز: والمراد.
(¬8) سقط فى ز، م.
(¬9) فى م: المحرك، فى د: المتحرك، وفى ص: التحريك.
(¬10) فى م: وكذا.
(¬11) فى م: ابن حبيش.
(¬12) فى م: بالإظهار.
(¬13) فى ص: حمل هنا.
ص: وأظهر الغنة من نون ومن ... ميم إذا ما شددا وأخفين
واحد، قال ابن مهران: قال ابن مجاهد فى جواب مسائل رفعت إليه: لا يدغمه إلا أبو عمرو، وقال ابن مهران: هذا (¬1) منه (¬2) غلط كبير (¬3)، وقال أبو بكر (¬4) الهاشمى: هى فى جميع القراءات بالإدغام، إلا عند أبى بكر النقاش فإنه كان يأخذ لنافع وعاصم بالإظهار، ولم يوافقه أحد [عليه] (¬5) إلا البخارى المقرئ، فإنه ذكر فيه الإظهار عن نافع برواية ورش. ثم قال ابن مهران: قرأناه بين الإظهار والإدغام. قال: وهو الحق، والصواب الإدغام، فأما إظهار بيّن (¬6) فقبيح، وأجمعوا على منعه. انتهى.
ولا شك من أراد بإظهاره الإظهار المحض فإنه ممتنع إجماعا، وأما الصفة فليس بغلط ولا قبيح، فقد صح نصّا وأداء، ولم يذكر فى «الرعاية» غيره، إلا أن الإدغام الخالص أصح رواية وأوجه قياسا، بل لا ينبغى أن يجوز فى قراءة أبى عمرو فى وجه الإدغام الكبير غيره، لأنه يدغم (¬7) المتحرك من ذلك إدغاما محضا، فالساكن أولى، ولعله مراد ابن مجاهد.
ص:
وأظهر الغنّة من نون ومن ... ميم إذا ما شدّدا وأخفين
ش: (وأظهر) طلبية، و (الغنة) مفعول، و (من نون) حال، و (من ميم) معطوف، و (إذا) ظرف لما يستقبل من الزمان، و (ما شدد) مضاف إليه.
أى: أن النون والميم حرفان أغنّان، والنون (¬8) آصل فى الغنة من الميم؛ لقربه من الخيشوم، ويجب إظهار الغنة منهما إذا ما شددا (¬9).
ثم كمل فقال:
ص:
الميم إن تسكن بغنّة لدا ... باء على المختار من أهل الأدا
ش: (الميم) مفعول (أخفين)، وهو دليل جواب (إن) على الأصح، و (تسكن) فعل الشرط، و (بغنة) يتعلق ب (تسكن)، و (لدى) ظرف (تسكن) و (على المختار) يتعلق ب (أخفين)، و (من أهل (¬10) الأداء) يتعلق ب (المختار).
أى يجب إخفاء الميم الساكنة إذا كان بعدها باء، نحو يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ (¬11) [آل عمران:
101] وهو الذى اختاره الدانى وغيره من المحققين، وهو مذهب ابن مجاهد وغيره، وعليه أهل الأداء بمصر والشام والأندلس وسائر البلاد العربية (¬12)، فتظهر (¬13) الغنة فيها
¬
_
(¬1) فى م: وهذا.
(¬2) فى ص: غلط منه.
(¬3) فى ز: كثير.
(¬4) فى د، ص: وقال ابن مهران، وقال أبو بكر.
(¬5) سقطت من م.
(¬6) فى م: إظهاره المحض، وفى د: إظهارها.
(¬7) فى ص: لا يدغم.
(¬8) فى م: والميم.
(¬9) فى ز: إذا شددا.
(¬10) فى م: وبأهل.
(¬11) فى ص: ومن يعتصم بالله.
(¬12) فى م: الغربية، وفى د، ص: المغربية.
(¬13) فى ص: فيظهر.
ص: وأظهرنها عند باقى الأحرف ... واحذر لدى واو وفا أن تختفى
إذ ذاك إظهارها بعد القلب، نحو: مِنْ بَعْدِ [البقرة: 27].
وذهب جماعة كابن (¬1) المنادى وغيره (¬2)، وهو الذى عليه أهل الأداء بالعراق وسائر البلاد الشرقية (¬3) -[إلى ترك الغنة] (¬4)، والوجهان صحيحان.
ثم كمل حكم الميم فقال:
ص:
وأظهرنها عند باقى الأحرف ... واحذر لدى واو وفا أن تختفى
ش: (وأظهرنها) فعل مؤكد بالخفيفة، والضمير (¬5) مفعوله، و (عند باقى الأحرف) يتعلق به، و (احذر) فعل أمر، و (لدى) ظرف (¬6)، (وفا) معطوف قصره ضرورة (¬7)، و (أن تختفى)، أى: خفاؤها (¬8)، مفعول (احذر) أى: يجب إظهار الميم الساكنة عند باقى حروف الهجاء نحو الْحَمْدُ (¬9) [الفاتحة: 2]، وأَنْعَمْتَ [الفاتحة: 7]، وهُمْ يُوقِنُونَ [البقرة: 4]، ووَ لَهُمْ عَذابٌ [البقرة: 7] ولا سيما إذا أتى بعدها فاء أو واو، فليعن (¬10) بإظهارها؛ لئلا يسبق اللسان إلى الإخفاء لقرب المخرجين، نحو: هُمْ فِيها [البقرة: 82]، وَيَمُدُّهُمْ فِي [البقرة: 15] عَلَيْهِمْ وَلَا [الفاتحة: 7] إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما (¬11) [البقرة: 9] وإذا أظهرت (¬12) [حينئذ] (¬13) فليتحفظ بإسكانها (¬14)، وليحترز (¬15) من تحريكها، وإنما نبّه على هذين الحرفين بعد دخولهما فى عموم باقى الأحرف؛ لقرب مخرجهما من مخرج الميم، وهذا العموم مخصص بقوله:
ص:
وأوّلى مثل وجنس إن سكن ... أدغم كقل ربّ وبل لا وأبن
ش: (أولى مثل) مفعول (أدغم)، و (جنس) معطوف على (مثل)، و (إن سكن) شرط، و (أدغم) جوابه، أو دليل الجواب، و (كقل رب) خبر مبتدأ محذوف و (بل لا) عطف على (قل رب).
ثم كمل فقال:
ص:
سبّحه فاصفح عنهم قالوا وهم ... فى يوم لا تزغ قلوب قل نعم
ش: (سبحه) مفعول (أبن): [أى:] أظهر، والخمسة بعده مقدر عاطفها، ويتعين هنا
¬
_
(¬1) فى م: منهم.
(¬2) فى م، ص: إلى الإظهار.
(¬3) فى د، ص: المشرقية.
(¬4) سقط فى م، ص.
(¬5) فى ز: والمنصوب.
(¬6) فى م، ص: منصوب.
(¬7) فى م: للضرورة.
(¬8) فى م: خفى، وفى ز، د خفاها.
(¬9) فى ص: الحمد لله.
(¬10) فى د: فيعلن.
(¬11) فى م: ولا.
(¬12) فى م، ص: ظهرت.
(¬13) سقطت فى م، ص.
(¬14) فى م، ص: على إسكانها.
(¬15) فى م: وليتحر.
كسر عين (نعم)؛ لئلا يلزمه (¬1) سناد التوجيه المجمع عليه، وهو مقابلة الضمة بالفتحة، وأما مقابلتها بالكسرة ففيه خلف كما تقدم.
أى: أن كل حرفين التقيا وكانا مثلين أو جنسين وسكن أولهما، وجب إدغامه فى الثانى لغة وقراءة نحو: وَقُلْ لَهُمْ [النساء: 63]، رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ [البقرة: 16]، وَقَدْ دَخَلُوا [المائدة: 61]، يُدْرِكْكُمُ [النساء: 78]، ونحو: وَقالَتْ طائِفَةٌ [آل عمران:
72]، أَثْقَلَتْ دَعَوَا [الأعراف: 189]، قَدْ تَبَيَّنَ [البقرة: 256]، إِذْ ظَلَمْتُمْ [الزخرف: 39]، وَقُلْ رَبِّ [الإسراء: 24]، بَلْ رانَ [المطففين: 14]، هل رأيتم.
ويستثنى من هذه القاعدة ما إذا كان أول الجنسين حرف حلق، سواء كانا من كلمتين نحو: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ [الزخرف: 89] أو من كلمة نحو: فَسَبِّحْهُ [ق: 40] وسواء كان الذى بعد حرف الحلق مجانسا كالأول أو مقاربا كالثانى، فلا يجوز الإدغام حينئذ، بل يتعين الإظهار، ويجب الاحتراز فى ذلك، فكثيرا ما يقلبونها فى الأول عينا ويدغمونها، وفى الثانى يقلبون الهاء حاء؛ لضعف الهاء وقوة الحاء، فينطقون بحاء مشددة، وكل ذلك ممتنع إجماعا.
ويستثنى من حروف الحلق أيضا: الغين إذا وقع بعدها مقارب، كالقاف فى لا تُزِغْ قُلُوبَنا [آل عمران: 8] والغين فى أَفْرِغْ عَلَيْنا [البقرة: 250]، فيجب الاعتناء بإظهارها وسكونها لشدة القرب مخرجا وصفة.
ويستثنى أيضا من المتقاربين: اللام إذا جاء بعدها نون، فيجب إظهارها مع مراعاة السكون، ويجب الاحتراز عما يفعله بعض الأعاجم من قلقلتها حرصا على الإظهار، فإنه ممنوع لم يرد به نص ولا أداء، وذلك نحو جَعَلْنَا [البقرة: 125]، ووَ أَنْزَلْنا [البقرة:
57]، ووَ ظَلَّلْنا [البقرة: 57]، وقُلْ نَعَمْ [الصافات: 18]، وقُلْ تَعالَوْا [الأنعام:
151] فإن قلت: العين مع الحاء شملها المتجانسان؛ فساغ استثناؤها، وأما الحاء مع الهاء [فليسا متجانسين] (¬2) بل متقاربين، فكيف ساغ استثناؤها، وكذلك الغين مع القاف؟
قلت (¬3): مراده بالمتجانسين ضد المتماثلين لكونه قابله به، فشمل (¬4) الجنسين
¬
_
(¬1) فى ص: يلزم.
(¬2) فى د: فليستا متجانستين.
(¬3) فى د، ص: واللام مع النون.
(¬4) فى د، ص: فيشمل.
تنبيه:
والمتقاربين، ولهذا مثل بالمتقاربين فى قوله: قالَ رَبِّ [المؤمنون: 39]؛ وكذلك (¬1) يستثنى أيضا من المتماثلين ما إذا كان الأول حرف مد، سواء كان واوا ك قالُوا وَهُمْ أو ياء ك فِي يَوْمٍ [السجدة: 5]، فيجب حينئذ إظهارهما وتمكينهما بحسب ما فيهما من المد.
ويجب فى الواو والياء المشددتين أن يحترز من لوكهما ومطّهما نحو إِيَّاكَ [الفاتحة: 5]، وبِتَحِيَّةٍ [النساء: 86]، ووَ أُفَوِّضُ [غافر: 44]، وعَتَوْا [الفرقان:
21] فكثيرا ما يتهاون (¬2) فى تشديدهما [فيلفظ بهما ليّنتين] (¬3)، فيجب أن ينبو اللسان بهما نبوة واحدة وحركة واحدة.
وجه وجوب الإدغام: زيادة ثقل المثلين والمشتركين، وإنما أدغم القاف فى الكاف؛ لفرط تدانى مخرجهما، ووجه إظهار حرف (¬4) المد: زيادة صوته والمحافظة عليه.
تنبيه:
[شملت قاعدة] (¬5) حرفى (¬6) اللين نحو اتَّقَوْا وَآمَنُوا [المائدة: 93]، فتدغم (¬7) إجماعا، إلا ما انفرد به ابن شنبوذ عن قالون من إظهاره وهو شاذ، وشملت أيضا مالِيَهْ هَلَكَ بالحاقة [الآيتان: 28، 29] فتدغم (¬8)، قال الجعبرى: وبه قرأت. وبه قطع المالكى (¬9)، ونقل فيه الإظهار لكونه هاء سكت، كما حكى عدم النقل فى كِتابِيَهْ إِنِّي [الحاقة: 19 - 20] وقال مكى (¬10): يلزم من ألغى (¬11) الحركة فى هذا أن يدغم (¬12) هنا؛ لأنه قد أجراها مجرى الوصل حين ألغاها (¬13)، قال: وبالإظهار قرأت، وعليه العمل، وهو الصواب. قال أبو شامة: يريد بالإظهار أن تقف (¬14) على مالِيَهْ وقفة لطيفة، وأما إن [كان] (¬15) وصل فلا يمكن غير الإدغام أو التحريك.
قال: وإن خلا اللفظ من أحدهما كان القارئ واقفا وهو لا يدرى لسرعة الوقف.
وقال السخاوى: وفى قوله مالِيَهْ هَلَكَ خلف، والمختار أن يقف عليه؛ لأن الهاء موقوف (¬16) عليها فى النية، لأنها سيقت للوقف، والثانية منفصلة عنها (¬17). قال
¬
_
(¬1) فى ز، م: ولذلك.
(¬2) فى ز، ص، م: يتواهن.
(¬3) فى ص: فليتلفظ بهما لينين.
(¬4) فى ز، م: حروف.
(¬5) فى د: شملت القاعدة، وفى ص: شملته عبارته.
(¬6) فى د: حرف.
(¬7) فى د: فيدغم.
(¬8) فى د، ص: فيدغم.
(¬9) فى د: المكى.
(¬10) فى د: المكى.
(¬11) فى د، ص: ألقى.
(¬12) فى ز، م: تدغم.
(¬13) فى د، ص: ألقاها.
(¬14) فى د، ص: يقف.
(¬15) سقط فى د، ص.
(¬16) فى د، ص: اجتلبت للوقف فلا يجوز أن توصل فإن وصلت فالاختيار الإظهار.
(¬17) فى د: منها، وفى ص: من.
ص: وبعد ما تحسن أن تجودا ... لا بد أن تعرف وقفا وابتدأ
المصنف: وقول أبى شامة أقرب للتحقيق، وسبقه للنص عليه الدانى فقال فى «جامعه»:
فمن روى التحقيق يعنى فى كِتابِيَهْ إِنِّي [الحاقة: 19 - 20] لزمه أن يقف على الهاء فى قوله مالِيَهْ هَلَكَ وقفة لطيفة فى حال الوصل من غير قطع (¬1) لا بنية (¬2) الوقف؛ فيمتنع بذلك من أن يدغم فى الهاء للتى بعدها؛ لأنها عندهم كالحرف اللازم الأصلى. والله تعالى أعلم.
ثم انتقل إلى الوقف فقال:
ص:
وبعد ما تحسن أن تجوّدا ... لا بدّ أن تعرف وقفا وابتدأ
ش: (بعد) ظرف مضاف معمول ل (تعرف)، و (ما) مصدرية، و (تحسن) صلتها، و (أن تجود) مفعول (¬3) (تحسن)، والباقى واضح.
أى: الواجب على القارئ بعد أن يحسن صناعة التجويد معرفة الوقف والابتداء، وقد حض الأئمة على تعلمه ومعرفته (¬4)، كما قال على- رضى الله عنه-: الترتيل معرفة الوقوف وتجويد الحروف. وقال ابن عمر: لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على النبى صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزجرها (¬5)، وما ينبغى أن يوقف عليه منها.
ففي كلام (¬6) [علىّ] (¬7) دليل على وجوب تعلمه ومعرفته، وفى كلام ابن عمر (¬8) برهان (¬9) على أن تعلمه إجماع من الصحابة، وصح بل تواتر تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح: كأبى جعفر ونافع وأبى عمرو ويعقوب وعاصم وغيرهم من الأئمة، وكلامهم فى ذلك معروف، ومن ثم اشترط كثير من الأئمة على المجيز ألا (¬10) يجيز أحدا إلا بعد معرفته (¬11) الوقف والابتداء، وكان (¬12) أئمتنا يوقفونا عند كل حرف ويشيرون إلينا فيه بالأصابع؛ سنّة أخذوها كذلك عن شيوخهم (¬13) الأولين.
وقد اصطلح الأئمة لأنواع الوقف على أسماء، وأحسن ما قيل فيه: أن الوقف ينقسم إلى اختيارى واضطرارى؛ لأن الكلام إن تم كان اختياريّا وإلا فاضطرارى (¬14)، والتام لا يخلو من ثلاثة أحوال ذكرها المصنف فقال:
¬
_
(¬1) فى ص: نظر.
(¬2) فى د، ص: لأنه بنية.
(¬3) فى ص: معمول.
(¬4) فى د: تعلمه وتعليمه.
(¬5) سقط فى م، وفى ز: وزاجرها.
(¬6) فى م: ففي كلامه.
(¬7) سقط فى م.
(¬8) فى م: ابن عمر وعلى.
(¬9) فى م: دليل.
(¬10) فى م، ص: أنه.
(¬11) فى م، ص: معرفة.
(¬12) فى م: وكانوا.
(¬13) فى م: مشايخهم.
(¬14) فى م، ص: فاضطراريّا.
ص: فاللفظ إن تم ولا تعلقا ... تام وكاف إن بمعنى علقا
ص:
فاللفظ إن تمّ ولا تعلّقا ... تامّ وكاف إن بمعنى علّقا
ش: (فاللفظ) مبتدأ، والجملة الشرطية مع جوابها خبره، و (لا تعلقا) معطوف على (تم)، و (تام) (¬1) جواب الشرط، و (كاف) دليل الجواب الذى يستحقه (إن بمعنى علقا) (¬2)، والباء متعلقة ب (علق)، وعلى القول الثانى [فهو جواب مقدم] (¬3)، يعنى الوقف ينقسم إلى: تام، وكاف، وحسن، وقبيح.
فالتام: هو الذى لا تعلق [لما بعده] (¬4) بما قبله [من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى، فيوقف عليه ويبتدأ بما بعده ويسمى المطلق.
والكافى: هو الذى لما بعده بما قبله] (¬5) تعلق من جهة المعنى فقط، وسمى كافيا للاكتفاء به واستغنائه عما بعده، واستغناء ما بعده عنه، وهو كالتام (¬6) فى جواز الوقف عليه والابتداء بما بعده.
والوقف التام أكثر ما يكون فى رءوس الآى وانقضاء القصص؛ نحو الوقف على بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: 1]، وعلى مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4]، وعلى نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5]، وعلى هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: 5]، وعلى إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 20] وعلى وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: 29]، وعلى وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ [البقرة: 46].
والابتداء بما بعد ذلك كله، وقد يكون قبل انقضاء الفاصلة؛ نحو: وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً [النمل: 34] لأن هذا انقضاء حكاية كلام بلقيس: ثم قال الله تعالى: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ [النمل: 34]، وهو رأس الآية.
وقد يكون وسط الآية نحو لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي [الفرقان: 29] هو تمام حكاية قول الظالم، والباقى (¬7) من كلام الله تعالى.
وقد يكون بعد الآية بكلمة؛ نحو: لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً [الكهف: 90] آخر الآية، وتمام الكلام كَذلِكَ [الكهف: 91]، أى: أمر [ذى القرنين] (¬8) كذلك، أى كذا وضعه الله تعظيما لأمره، أو كذلك (¬9) كان خبرهم.
ونحو: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ [الصافات: 137، 138]، أى: مصبحين
¬
_
(¬1) فى م: تام وتم.
(¬2) فى ز، د، ص: إن علق بمعنى.
(¬3) فى ز: فهذا جواب.
(¬4) سقط فى ص.
(¬5) سقط فى م.
(¬6) فى م: كتأمرنى.
(¬7) فى ص: هو من.
(¬8) فى م، ص: ذى القرية.
(¬9) فى ص: أى كذلك.
ومليّلين، ونحو عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَزُخْرُفاً [الزخرف: 34، 35].
وقد يكون الوقف تامّا على تفسير أو إعراب غير تام على غيره؛ نحو: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 7]، تام على أن ما بعده مستأنف، وقاله ابن عباس وعائشة وابن مسعود وغيرهم، [وأبو حنيفة وأكثر المحدثين، ونافع والكسائى ويعقوب والفراء والأخفش وأبو حاتم وغيرهم] (¬1) من أئمة العربية- وغير تام عند آخرين، والتام عندهم وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران: 7] واختاره ابن الحاجب وغيره، وكذلك الم [البقرة: 1] ونحوه من حروف الهجاء، الوقف عليها تام على أنها (¬2) المبتدأ أو الخبر (¬3) والآخر محذوف، أى: «هذا آلم»، أو: «الم هذا»، أو على إضمار فعل، أى: «قل الم» على استئناف ما بعدها، وغير تام على أن ما بعدها هو الخبر.
وقد يكون الوقف تامّا على قراءة دون أخرى، نحو: مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً [البقرة: 125] فإنه [تام عند من كسر الخاء من وَاتَّخِذُوا [البقرة: 125] وكاف عند من فتحها، ونحو:
إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [سبأ: 6] فإنه تام على قراءة من رفع الاسم الجليل بعدها، وحسن] (¬4) عند من كسر (¬5).
وقد يتفاضل المقام (¬6) فى التمام (¬7) نحو: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4]، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] كلاهما تام، إلا أن الأول أتم [من الثانى] (¬8)؛ لاشتراك الثانى مع ما بعده فى معنى الخطاب بخلاف الأول.
والوقف الكافى يكثر فى الفواصل وغيرها، نحو الوقف على وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة: 3]، وعلى مِنْ قَبْلِكَ [البقرة: 4] وعلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة: 5]، وعلى يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 9] وعلى أَنْفُسَهُمْ (¬9) [البقرة: 9] وعلى مُصْلِحُونَ [البقرة: 11].
وقد يتفاضل [فى الكفاية كتفاضل] (¬10) [التام] (¬11) فى نحو فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [البقرة:
10] كاف فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [البقرة: 10]، أكفى منه.
وأكثر ما يكون التفاضل فى رءوس الآى؛ نحو: هُمُ السُّفَهاءُ [البقرة: 13] كاف وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة: 13] أكفى، ونحو الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ [البقرة: 93] كاف
¬
_
(¬1) سقط فى م.
(¬2) فى م: أن.
(¬3) فى م: والخير.
(¬4) زيادة من د.
(¬5) فى ز: من كسره.
(¬6) فى ص، م: التام.
(¬7) فى ص: التام.
(¬8) سقط فى م.
(¬9) فى ص: إلا أنفسهم.
(¬10) سقط فى ز.
(¬11) زيادة من ز.
ص: قف وابتدئ وإن بلفظ فحسن ... فقف ولا تبدأ سوى الآى يسن
ومُؤْمِنِينَ البقرة: [93] أكفى منه.
وقد يكون الوقف كافيا على تفسير أو إعراب غير كاف على غيره؛ نحو: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ [البقرة: 102] كاف على أن ما نافية، حسن على أنها موصولة، ونحو وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة: 4] [كاف على أن أُولئِكَ [البقرة: 5] مبتدأ، حسن على أنها] (¬1) خبر الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [3].
وقد يكون كافيا على قراء غير كاف على غيرها، نحو: يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة: 284]، كاف على رفع فَيَغْفِرُ [284] حسن على جزمه.
ثم كمل فقال:
ص:
قف وابتدئ وإن بلفظ فحسن ... فقف ولا تبدأ سوى الآى يسن
ش: (قف) طلبية، و (ابتدئ) معطوفة عليها، والمفعول محذوف، أى: قف على التام والكافى وابتدئ بما بعدهما، و (إن) شرط، وفعله (¬2) تعلق (¬3) ب (لفظ)، وجوابه (فحسن)، وفاء (فقف) سببية، وهى طلبية، و (لا تبدا (¬4)) معطوفة عليها، أى: قف عليه ولا تبدأ بما بعده، و (سوى الآى) مستثنى من الابتداء، و (يسن) (¬5) خبر [لمبتدإ محذوف] (¬6)، أى: هو يسن.
أى: قف على الوقف التام والكافى وابتدئ بما بعدهما.
والوقف الحسن: هو الذى يتعلق ما بعده بما قبله فى اللفظ؛ فيجوز الوقف عليه دون الابتداء بما بعده للتعلق اللفظى، إلا أن يكون رأس آية فإنه يجوز فى اختيار أكثر أهل الأداء؛ لمجيئه (¬7) عن النبى صلى الله عليه وسلم، ففي حديث أم سلمة «أن النبى صلى الله عليه وسلم كان [إذا قرأ قرأ آية آية] (¬8) يقول:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: 1] ثم [يقف] (¬9)، ثم يقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الفاتحة: 2] ثم يقف، ثم يقول: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: 3] ثم يقف».
رواه أبو داود ساكتا عليه والترمذى وأحمد (¬10)، وأبو عبيد وغيرهم، وسنده صحيح، لذلك عد بعضهم (¬11) الوقف على رءوس الآى [فى ذلك سنة (¬12)، وتبعه المصنف، وقال أبو عمرو: وهو أحب [إلى] (¬13)، واختاره البيهقى (¬14) وغيره وقالوا: الأفضل الوقف على رءوس
¬
_
(¬1) سقط فى م.
(¬2) فى م: وفعلية.
(¬3) فى د: معلق، وفى ص: يتعلق.
(¬4) فى م: والابتداء.
(¬5) فى ز: وليس.
(¬6) فى د، ز، ص: لمحذوف.
(¬7) فى ز: المجيبة.
(¬8) فى ص: إذا قرأ آية.
(¬9) سقط فى م.
(¬10) تقدم.
(¬11) فى ز: بعض.
(¬12) فى ص: الوقف التام الوقف عليه سنة.
(¬13) سقط فى ز، م.
(¬14) فى د، ص: أيضا.
ص: وغير ما تم قبيح وله ... يوقف مضطرا ويبدا قبله
الآى] (¬1) وإن تعلقت [بما بعدها] (¬2)، قالوا (¬3): واتباع هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته أولى.
ومثال الحسن بِسْمِ اللَّهِ [الفاتحة: 1]، والْحَمْدُ لِلَّهِ [2] رَبِّ الْعالَمِينَ [2]، والرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [3]، والصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [6]، وأَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [7]، فالوقف على ذلك كله حسن؛ لفهم (¬4) المراد منه، والابتداء [بما بعدها] (¬5) لا يحسن؛ لتعلقه لفظا إلا ما كان منه رأس آية، وتقدم. وقد يكون الوقف [حسنا وكافيا وتامّا] (¬6) بحسب الإعراب؛ نحو هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2] فإنه تام على جعل الَّذِينَ [البقرة: 3] مبتدأ خبره أُولئِكَ [البقرة: 5]، كاف على جعلها صفة على القطع برافع أو ناصب، أى: هم، أو: أعنى الذين، [و] (¬7) حسن على أنه صفة تابعة، وكذلك وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ [البقرة: 26]، ونحوه.
ثم انتقل إلى القبيح فقال:
ص:
وغير ما تمّ قبيح وله ... يوقف مضطرّا ويبدا قبله
ش: (وغير ما تم قبيح) اسمية، و (له) أى: وعنده، ونائب (¬8) (يوقف) ضمير القارئ، وأصله: أوقفت القارئ عند كذا (¬9) و (مضطرّا) نصب على الحال، و (يبدا) فعلية معطوفة على (يوقف)، و (قبله) ظرف (يبدا).
أى: الوقف (¬10) القبيح ما لم يتم الكلام عنده، وهو الاضطرارى، ولا يجوز تعمد الوقف عليه إلا لضرورة من انقطاع نفس ونحوه؛ لعدم الفائدة أو لفساد المعنى، نحو الوقف على بِسْمِ [الفاتحة: 1]، وعلى الْحَمْدُ [2]، ومالِكِ [4]، ويَوْمِ [4]، وإِيَّاكَ [5]، وصِراطَ الَّذِينَ [7]، وغَيْرِ الْمَغْضُوبِ [7]، فكل هذا لا يتم عليه كلام (¬11) ولا يفهم منه معنى. وقد يكون بعضه أقبح من بعض، كالوقف على [ما يخل بالمعنى] (¬12)؛ نحو وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ [النساء: 11] وكذلك إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى [الأنعام: 36]، وأقبح من هذا ما يخل بالمعنى (¬13) ويؤدى إلى ما لا يليق: نحو الوقف على إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي [البقرة: 26]، فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي [البقرة: 258]، لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ
¬
_
(¬1) ما بين المعقوفين ليس فى م.
(¬2) سقط فى ز، م.
(¬3) فى م، ص: أولى قالوا.
(¬4) فى ص: تفهم.
(¬5) سقط فى ز، م.
(¬6) سقط فى ز.
(¬7) سقط فى ز، ص.
(¬8) فى ز، ص، م: وثابت.
(¬9) فى م: كذا وكذا.
(¬10) فى م، ص: والوقف، وفى د: فالوقف.
(¬11) فى م: الكلام.
(¬12) فى ز، د، ص: ما يحتمل المعنى.
(¬13) فى ز، د، ص: المعنى.
ص: وليس فى القرآن من وقف يجب ... ولا حرام غير ما له سبب
مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ [النحل: 60]، فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون: 4] فالوقف على ذلك كله لا يجوز إلا اضطرارا؛ لانقطاع النفس [ونحو ذلك] (¬1) من عارض لا يمكنه الوصل معه.
تتمة: الابتداء لا يكون إلا اختياريّا؛ لأنه ليس كالوقف تدعو إليه الضرورة (¬2)؛ فلا يجوز إلا بمستقل بالمعنى موف بالمقصود، وهو فى أقسامه كالوقف، ويتفاوت تماما، وكفاية، وحسنا، وقبحا (¬3)؛ بحسب التمام وعدمه، وفساد المعنى وإحالته، نحو الوقف على: وَمِنَ النَّاسِ [البقرة: 8] فإن الابتداء بالناس قبيح، فلو وقف على مَنْ يَقُولُ
[البقرة: 8] كان الابتداء ب يَقُولُ أحسن من الابتداء ب مِنَ، وكذا الوقف على خَتَمَ اللَّهُ [البقرة: 7] قبيح، والابتداء ب اللَّهُ أشد منعا، وب خَتَمَ أقبح منهما. والوقف على بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [البقرة: 120] ضرورة، والابتداء بما بعده (¬4) قبيح وكذا بما قبله، بل من أول الكلام.
[و] قد يكون الوقف حسنا والابتداء به قبيحا، نحو: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ [الممتحنة: 1] الوقف عليه (¬5) حسن لتمام الكلام، والابتداء ب وَإِيَّاكُمْ قبيح لفساد المعنى، وقد يكون الوقف قبيحا والابتداء به جيد، نحو: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا [يس: 52] للفصل (¬6) فى الوقف بين (¬7) المبتدأ وخبره والابتداء بها (¬8) كاف أو تام؛ لأنه وما بعده جملة مستأنفة [رد] (¬9) بها قولهم. والله أعلم.
ص:
وليس فى القرآن من وقف يجب ... ولا حرام غير ما له سبب
ش: (فى القرآن) (¬10) خبر مقدم، و (وقف) اسم (ليس) و (من) زائدة للتوكيد و (يجب) صفة (وقف)، و (لا حرام) بالجر عطفا (¬11) على محل (يجب) (¬12)؛ لأنه فى تقدير: ليس فى القرآن من وقف واجب ولا حرام، مثل قوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ [الأنعام: 95]، و (غير) يجوز نصب رائها على الاستثناء وجرها على الإتباع، و (ما) يجوز أن تكون نكرة موصوفة و (له سبب) صفتها، و [يجوز أن تكون] موصولة فصلتها.
أى: ليس فى القرآن وقف واجب ولا حرام إلا ما حصل فيه سبب يوجب تحريمه كما
¬
_
(¬1) سقط من ز.
(¬2) فى د: ضرورة.
(¬3) فى ز: وقبيحا.
(¬4) فى م: بعدهما.
(¬5) فى م: على وإياكم.
(¬6) فى ز: الفصل.
(¬7) فى ز، م: على.
(¬8) فى م، د: به.
(¬9) سقط فى م.
(¬10) فى م: الوقف.
(¬11) فى ص: عطف.
(¬12) فى م، ص: وجب.
لو وقف على قالُوا، وابتدأ: إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة: 73] واعتقد ظاهره؛ فإن هذا الوقف حرام بسبب الاعتقاد، وأشار بهذا إلى ما اصطلح (¬1) السجاوندى (¬2) على تسميته (¬3) لازما، وعبر عنه بعضهم بالواجب، وليس معناه عنده أنه لو تركه أثم، وكذلك (¬4) أكثر السجاوندى من قوله: لا، أى: لا تقف، فتوهم (¬5) [بعض الناس أنه قبيح محرم الوقف عليه والابتداء بما بعده، وليس كذلك، بل هو من الحسن بحيث يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده، فصار متبعو السجاوندى] (¬6) إذا اضطرهم النفس يتركون الوقف على الحسن الجائز ويعتمدون (¬7) القبيح الممنوع، والصواب: أن الأول يتأكد استحباب الوقف عليه لبيان المعنى المقصود؛ لأنه لو وصل طرفاه لأوهم معنى غير مراد (¬8)، ويجيء هذا فى التام والكافى، وربما يجيء فى الحسن.
فمن التام الوقف على قوله: وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ [يونس: 65]، والابتداء إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ [يونس: 65] ومنه وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 7] عند الجمهور وعلى وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران: 7] عند الآخرين.
وقوله: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ [الزمر: 32] والابتداء وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ [الزمر: 33] لئلا يوهم العطف وقوله: أَصْحابُ النَّارِ بغافر [الآية: 6] [والابتداء:
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ [غافر: 7]؛ لئلا يوهم النعت] (¬9) وقوله: إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ [إبراهيم: 38] [والابتداء: وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ [إبراهيم: 38]؛ لئلا يوهم وصل ما وعطفها] (¬10).
ومن الكافى الوقف على نحو: وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: 8] والابتداء يُخادِعُونَ اللَّهَ [9] لئلا يوهم أن يُخادِعُونَ حال، ونحو: وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 212] والابتداء وَالَّذِينَ اتَّقَوْا [البقرة: 212] لئلا يوهم الظرفية ل وَيَسْخَرُونَ، ونحو: تِلْكَ
¬
_
(¬1) فى م: ما اصطلح عليه.
(¬2) فى ز: السخاوى، وهو محمد بن محمد بن عبد الرشيد بن طيفور، سراج الدين، أبو طاهر السجاوندى الحنفى. فقيه، مفسر، فرضى، حاسب. من آثاره: «السراجية» فى الفرائض، و «التجنيس» فى الحساب، و «عين المعانى فى تفسير السبع المثانى»، و «رسالة فى الجبر والمقابلة»، و «ذخائر النثار فى أخبار السيد المختار» صلى الله عليه وسلم.
ينظر: الجواهر المضيئة (2/ 119)، ومعجم المؤلفين (11/ 322)، وهدية العارفين (2/ 106)، وتاج التراجم (57).
(¬3) فى ص: عليه بتسميته.
(¬4) فى ص: ولذلك.
(¬5) فى د: وتوهم.
(¬6) ما بين المعكوفين سقط فى م.
(¬7) فى د: ويتعمدون.
(¬8) فى م: مراده.
(¬9) سقط من ز.
(¬10) سقط من ز.
الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ [البقرة: 253] [والابتداء: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ] (¬1) [البقرة: 253]؛ لئلا يوهم التنقيص للمفضل عليهم، ونحو: ثالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة: 73]؛ لئلا يوهم أن ما بعده من قولهم، ونحو: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً [الأعراف: 34] والابتداء وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف: 34] لئلا يوهم العطف على جواب الشرط، ونحو:
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 3] والابتداء تَنَزَّلُ [القدر: 4] لئلا يوهم الوصفية.
ومن الحسن: الوقف على نحو: مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى [البقرة: 246]، والابتداء إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ [البقرة: 246]؛ لئلا يوهم أن العامل فيه أَلَمْ تَرَ [البقرة: 246]، ونحو: ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ [المائدة: 27]، والابتداء إِذْ قَرَّبا [المائدة: 27]، ونحو: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ [يونس: 71]، والابتداء إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ [يونس: 71] كل ذلك ألزم السجاوندى الوقف عليه؛ لئلا يوهم أن العامل فى إِذْ الفعل المتقدم، ونحو: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح: 9] والابتداء وَتُسَبِّحُوهُ [الفتح: 9] فإن ضمير الأولين عائد إلى النبى صلى الله عليه وسلم والثالث إلى الله تعالى.
وأما الذى منعه السجاوندى، وهو القسم الثانى، فكثير منه (¬2) يجوز الابتداء بما بعده، وأكثره يجوز الوقف عليه، وتوهم بعض تابعى السجاوندى أن منعه من الوقف على ذلك يقتضى أنه قبيح، أى: لا يحسن الوقف عليه ولا الابتداء بما بعده؛ وليس كذلك، بل هو من الحسن، بحيث يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده؛ فصاروا لضرورة النفس يتركون الجائز ويتعمدون القبيح الممنوع، فيقفون على أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ [الفاتحة: 7]، وعلى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ [البقرة: 2، 3] وهو قبيح إجماعا، ويتركون عَلَيْهِمْ، ولِلْمُتَّقِينَ وحجتهم قول السجاوندى: لا. فليت شعرى لما منع الوقف عليهما؟! هل أجازه على غَيْرِ وعلى الَّذِينَ؟ وفهم كلام السجاوندى على هذا فى غاية السقوط نقلا وعقلا، بل مراده بقوله: أى لا يوقف عليه على أن يبتدأ بما بعده كغيره من الأوقاف.
ومن المواضع التى منع السجاوندى الوقف عليها: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2] وقد تقدم فيه جواز الثلاثة، ومنها يُنْفِقُونَ [البقرة: 3] وجوازه ظاهر، وقد روى عن ابن عباس أنه صلى الصبح فقرأ فى الأولى الفاتحة والم [البقرة: 1] إلى لِلْمُتَّقِينَ [2] وفى الثانية (¬3) إلى يُنْفِقُونَ [3]، وناهيك بالاقتداء بحبر القرآن. ومنها فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [البقرة: 10] قال: لأن الفاء للجزاء (¬4)، ولو جعله من اللازم لكان ظاهرا
¬
_
(¬1) سقط من ز.
(¬2) فى د: منهم.
(¬3) فى ز، ص: وبالثانية.
(¬4) فى م: للجواز.
تنبيهات:
على أن الجملة دعاء عليهم بزيادة المرض.
وقال جماعة من المفسرين والمقرئين ومنها فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة: 18] قال:
للعطف ب أَوْ [البقرة: 19]، وهى للتخيير ويزول (¬1) بالفصل (¬2)، وفيه نظر لأنها لا تكون للتخيير إلا فى الأمر وما فى معناه لا فى الخبر، وجعله الدانى وغيره كافيا أو تامّا، وأَوْ للتفصيل أى: من الناظرين من يشبههم بحال (¬3) ذوى (¬4) صيب. ومنها إِلَّا الْفاسِقِينَ [البقرة: 26] وجوزوا فيه الثلاثة، ومثل ذلك (¬5) كثير (¬6) فلا يغتر بكل ما فيه، بل يتبع (¬7) الأصوب ويختار منه الأقرب. والله أعلم.
تنبيهات:
الأول: قولهم: لا يجوز الوقف على المضاف، ولا على الفعل، ولا على [الفاعل] (¬8) ولا على المبتدأ، ولا على اسم «كان» [وأخواتها] (¬9) [وإن] (¬10) وأخواتها، ولا على النعت، ولا على المعطوف عليه، ولا على القسم دون ما بعد الجميع، ولا على حرف دون ما دخل عليه إلى آخر ما ذكروه وبسطوه- إنما يريدون به الجواز الأدائى (¬11)، وهو الذى يحسن فى القراءة ويروق فى التلاوة، ولم يريدوا أنه حرام ولا مكروه، ويوقف عليه للاضطرار إجماعا، ثم (¬12) يعتمد فى الابتداء ما تقدم من العود إلى ما قبل فيبتدأ به (¬13)، اللهم إلا من يقصد بذلك تحريف المعنى عن مواضعه، وخلاف المعنى الذى أراد الله تعالى؛ فإنه يحرم [عليه] (¬14) ذلك.
الثانى: ليس كل ما يتعسفه (¬15) بعض القراء ويتناوله بعض أهل الأهواء مما يقتضى (¬16) وقفا أو ابتداء ينبغى أن يعتمد (¬17) الوقف [عليه] (¬18)، بل ينبغى تحرى (¬19) المعنى الأتم والوقف الأوجه، وذلك نحو الوقف على وَارْحَمْنا أَنْتَ [البقرة: 286]، والابتداء مَوْلانا [286]، ونحو: ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ [النساء: 62] والابتداء بِاللَّهِ [62]، ونحو: يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ [لقمان: 13]، والابتداء بِاللَّهِ [13]، ونحو: فَمَنْ حَجَ
¬
_
(¬1) فى ص: وتزول.
(¬2) فى م: للفضل.
(¬3) فى د: المستوقد منهم.
(¬4) فى م: دون.
(¬5) زاد فى د: فى قول السجاوندى.
(¬6) زاد فى م: فى وقوف السجاوندى.
(¬7) فى م: يمتع، وفى ص: تتبع.
(¬8) فى د: الفاعل دون المفعول.
(¬9) زيادة من د.
(¬10) سقط فى د.
(¬11) فى ز: الأولى.
(¬12) فى م: جمعا.
(¬13) فى م: فيبدأ.
(¬14) سقط فى م.
(¬15) د: يتعسف.
(¬16) فى د: اقتضى.
(¬17) فى د، ص: يتعمد.
(¬18) سقط فى ص.
(¬19) فى ز: أن يجرى.
الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ [البقرة: 158] [والابتداء عَلَيْهِ [58]]، ونحو: فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا [والابتداء عَلَيْنا] [الروم: 47]، ومن ذلك قول بعضهم:
الوقف على عَيْناً فِيها تُسَمَّى [الإنسان: 18] أى عينا مسماة معروفة، والابتداء سَلْسَبِيلًا [18] جملة طلبية، أى: اسأل طريقا موصلة (¬1) إليها، وهذا مع ما فيه من التحريف يبطله إجماع المصاحف على أنه كلمة واحدة. ومن ذلك الوقف على لا رَيْبَ [البقرة: 2] والابتداء فِيهِ هُدىً [2] ويرده قوله تعالى فى سورة السجدة لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [2].
الثالث: يغتفر فى طول الفواصل والجمل والقصص المعترضة ونحو ذلك، وفى حال جمع القراءات وقراءة التحقيق والترتيل- ما لا يغتفر فى غير ذلك، وربما أجيز الوقف والابتداء ببعض ما ذكر ولو كان لغير ذلك لم يبح. وهذا الذى يسميه السجاوندى المرخص ضرورة، ومثله بقوله تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها (¬2) [الذاريات: 47]، والأولى تمثيله بنحو قوله [تعالى] (¬3): قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [البقرة: 177]، ونحو: وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ [البقرة: 177]، ونحو: عاهَدُوا [البقرة: 100]، ونحو كل من: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ... الآية [النساء: 23]، ونحو كل من فواصل: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون: 1] إلى آخر القصة، ونحو: هُمْ فِيها خالِدُونَ [البقرة: 25]، ونحو: كل من فواصل: وَالشَّمْسِ إلى (¬4) مَنْ زَكَّاها [الشمس: 1 - 9]، ونحو: لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ [الكافرون: 2] دون قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [1]. ونحو: اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص: 2] دون أَحَدٌ [1] وأن كل [ذلك] (¬5) معمول (¬6) قُلْ [1] ومن ثم كان المحققون يقدرون إعادة العامل أو عاملا آخر فيما طال.
الرابع: كما اغتفر الوقف لما ذكرنا قد لا يغتفر ولا يحسن فيما قصر من الجمل نحو:
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ [البقرة: 87]، وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ [87]؛ لقرب الوقف على بِالرُّسُلِ [87]، وعلى الْقُدُسِ (¬7) [87] ونحو: مالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران: 26]؛
لقرب (¬8) مَنْ تَشاءُ [26] الأولى، وأكثرهم لا يذكرها لقربها من الثانية، وكذلك (¬9) لم يغتفر كثير الوقف على تَشاءُ [26] الثالثة لقربها من الرابعة ولم يرضه بعضهم لقربه من بِيَدِكَ الْخَيْرُ [26].
¬
_
(¬1) فى م: موصولة.
(¬2) فى د: بناء.
(¬3) زيادة من ص.
(¬4) فى م: إلى قوله.
(¬5) سقط فى ز، م.
(¬6) فى ص: مقول قل.
(¬7) فى م: بالقدس.
(¬8) فى ز، د، ص: لقربه.
(¬9) فى ص: ولذلك.
الخامس: قد يجيز بعض الوقف على حرف (¬1) وبعض الوقف على آخر، ويكون بين الوقفين مراقبة على التضاد، فإذا وقف على أحدهما امتنع الوقف على الآخر، كمن أجاز الوقف على لا رَيْبَ [البقرة: 2] فإنه لا يجيزه على فِيهِ [2]، وكذا العكس، وكذا (¬2) الوقف على مَثَلًا [26] مع ما [26] وعلى أَنْ يَكْتُبَ [282] مع عَلَّمَهُ اللَّهُ [282] وك وَقُودُ النَّارِ [آل عمران: 10] مع كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ [11]، وكذا وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 7] مع فِي الْعِلْمِ [7]، وكذا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ [المائدة: 26]، مع سَنَةً [المائدة: 26]، وكذا النَّادِمِينَ [32] مع مِنْ أَجْلِ ذلِكَ [31] وأول من نبه على المراقبة الإمام أبو الفضل الرازى، أخذه من المراقبة فى العروض.
السادس: اختار الإمام نصر ومن تبعه أنه ربما يراعى فى الوقف الازدواج، فيوصل ما يجوز الوقف على نظيره لوجود شرط الوقف، لكنه يوصل من أجل ازدواجه، نحو: لَها ما كَسَبَتْ [البقرة: 134] مع وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ [134]، ونحو: فَمَنْ تَعَجَّلَ ... الآية [203]، ونحو: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ [الحج: 61]، ونحو: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ... الآية [فصلت: 46].
السابع: لا بد من معرفة أصول مذاهب القراء فى الوقف والابتداء ليسلك القارئ لكل مذهبه، فروى عن نافع أنه كان يراعى محاسن الوقف والابتداء بحسب المعنى، وعن ابن كثير أنه كان يقول: إذا وقفت فى القرآن على قوله: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 7] وعلى قوله: وَما يُشْعِرُكُمْ [الأنعام: 109] وعلى إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النحل: 103] لم أبال بعدها وقفت أم لم أقف. وفيه دليل على أنه كان يقف حيث ينقطع نفسه، وروى عنه الرازى أنه كان يراعى الوقف على رءوس الآى مطلقا ولا يتعمد فى أوساط الآى وقفا سوى الثلاثة المتقدمة، وعن أبى عمرو أنه كان يتعمد [الوقف على] رءوس الآى ويقول: هو أحب إلى، وذكر عنه الخزاعى أنه كان يطلب حسن الابتداء، وذكر الخزاعى أن عاصما والكسائى كانا يطلقان الوقف من حيث يتم الكلام، واتفقت الرواة عن حمزة أنه كان يقف عند انقطاع النفس، فقيل: لأن قراءته التحقيق والمد الطويل فلا يبلغ نفس القارئ التام ولا الكافى (¬3).
والأولى (¬4)؛ لأن القرآن عنده كالسورة الواحدة فلم يتعمد (¬5) وقفا معينا؛ ولذلك (¬6) آثر (¬7)
¬
_
(¬1) فى م: حروف.
(¬2) فى م: وعلى.
(¬3) فى ص: والكافى.
(¬4) أى: والتعليل الأولى: أن يقال.
(¬5) فى م: يتعين.
(¬6) فى ز: وكذلك.
(¬7) فى م: أنه آثر.
ص: وفيهما رعاية الرسم اشترط ... والقطع كالوقف وبالآى شرط
وصل السورتين، فلو كان للتحقيق لآثر القطع.
وباقى القراء كانوا يراعون حسن الحالتين وقفا وابتداء، حكاه عنهم الرازى والخزاعى وغيرهما. والله أعلم.
ص:
وفيهما رعاية الرّسم اشترط ... والقطع كالوقف وبالآى شرط
ش: (رعاية الرسم) مبتدأ، (واشترط) خبره، ولم يؤنث (¬1) على حد قوله:
إنارة العقل مكسوف بطوع هوى ....
(وفيهما) يتعلق ب (اشترط)، و (القطع كالوقف) اسمية، و (بالآى شرط) خبر لمبتدإ مقدر، أى والقطع شرط بالآى.
وهذا شروع فى الفرق بين الوقف والقطع (¬2) والسكت، وقد كانت الثلاثة عند كثير من المتقدمين يريدون بها الوقف غالبا، وأما عند المتأخرين وغيرهم من المحققين، فالقطع عندهم عبارة عن قطع القراءة رأسا، فهو كالانتهاء، [فالقارئ به كالمعرض] (¬3) عن القراءة والمنتقل منها إلى غير القراءة، كالذى يقطع على حزب أو ورد أو عشر أو فى ركعة ثم يركع، أو نحو ذلك مما يؤذن بانقضاء القراءة والانتقال منها إلى حالة أخرى، ولا يكون إلا على رأس آية (¬4)؛ لأن رءوس الآى فى نفسها مقاطع، قال أبو عبد الله بن أبى الهذيل التابعى الكبير: «إذ افتتح أحدكم آية يقرؤها فلا يقطعها حتى يتمها» وفى رواية عنه: «كانوا يكرهون أن يقرءوا بعض الآية ويدعوا (¬5) بعضها» وقوله: «كانوا» يدل على أن الصحابة كانوا يكرهون ذلك.
والوقف: قطع الصوت على آخر الكلمة زمنا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة، إما (¬6) بما يلى الحرف الموقوف عليه أو بما قبله كما تقدم، لا بنية الإعراض، وينبغى البسملة معه فى فواتح السور كما سيأتى، ويقع فى رءوس الآى وأوساطها، ولا يقع فى وسط كلمة (¬7)، ولا فيما اتصل رسما، ولا بد من التنفس (¬8) معه؛ فحصل بين الوقف والقطع اشتراك فى قطع الصوت زمنا يتنفس فيه؛ فلهذا قال: (والقطع كالوقف)، ويفترقان فى أن القطع لا يكون إلا على رءوس الآى [بنية قطع القراءة عما بعدها] (¬9) بخلاف الوقف؛ فلذا قال: (وبالآى شرط).
¬
_
(¬1) فى م: تؤنث.
(¬2) فى ص: القطع والوقف.
(¬3) فى د: فالقارئ كالمعرض به.
(¬4) فى د: الآية.
(¬5) فى م: وتدعون.
(¬6) فى ص: أو.
(¬7) فى م: الكلمة.
(¬8) فى م: النفس.
(¬9) سقط فى ز.
ص: والسكت من دون تنفس وخص ... بذى اتصال وانفصال حيث نص
ثم ذكر السكت فقال:
ص:
والسّكت من دون تنفّس وخص ... بذى اتّصال وانفصال حيث نص
ش: (والسكت) حاصل (من دون تنفس) اسمية، و (خص) فعل مجهول الفاعل (¬1)، ونائبه ضمير (¬2) (السكت)، و (بذى) يتعلق ب (خص)، وحيث ظرف معمول ل (خص)، و (نص) جملة مضاف إليها.
أى: السكت عبارة عن قطع الصوت زمنا هو دون زمن الوقف عادة من غير تنفس. وقد اختلفت ألفاظ الأئمة فى التعبير عنه مما يدل على طول السكت وقصره: فقال أصحاب سليم عنه عن حمزة فى السكت على الساكن قبل الهمز: سكتة يسيرة، وقال ابن سليم عن خلاد: لم يكن يسكت على السواكن كثيرا، وقال الأشنانى: قصيرة، وقال قتيبة عن الكسائى: مختلسة بلا إشباع (¬3)، وعن الأعشى: تسكت (¬4) حتى تظن أنك قد نسيت ما بعد الحرف. وقال ابن غلبون: يسيرة، وقال مكى: خفيفة، وقال ابن شريح: رقيقة، وقال أبو العلاء: من غير قطع نفس، وقال الشاطبى: سكتا مقللا، وقال الدانى: لطيفة من غير قطع، وهذا لفظه أيضا فى السكت بين السورتين فى «جامع البيان»، وقال [فيه] (¬5) ابن شريح [وابن الفحام] (¬6): سكتة خفيفة، [وقال أبو العز: يسيرة] (¬7)، وقال أبو محمد فى «المبهج» (¬8): وقفة تؤذن بإسرارها، أى بإسرار البسملة، وهذا يدل على المهلة، وقال الشاطبى: دون تنفس.
فقد اجتمعت ألفاظهم على أن السكت زمنه دون زمن الوقف عادة، ولهم فى مقداره بحسب مذاهبهم فى التحقيق، والحدر (¬9)، [والتوسط] (¬10).
واختلفت (¬11) آراء المتأخرين أيضا [فى المراد بكونه] (¬12) دون تنفس: فقال أبو شامة:
المراد عدم الإطالة المؤذنة بالإعراض عن القراءة، وقال الجعبرى: المراد قطع الصوت زمنا قليلا أقصر من إخراج (¬13) النفس [لأنه إن طال صار وقفا يوجب البسملة، وقال ابن بضحان: أى دون مهلة وليس المراد بالتنفس هنا إخراج النفس] (¬14) بدليل أن القارئ إذا أخرج (¬15) نفسه مع السكت بدون مهلة لم يمنع من ذلك؛ فدل على أن
¬
_
(¬1) فى م: والفاعل.
(¬2) فى م: ضمير مستكن للسكت.
(¬3) فى ص: بالإشباع.
(¬4) فى ص، د: يسكت.
(¬5) سقطت من م.
(¬6) سقطت من د.
(¬7) سقط فى م.
(¬8) فى م: البهيج.
(¬9) فى م: الحدر والتحقيق.
(¬10) سقطت من م.
(¬11) فى م، د: واختلف.
(¬12) فى م: فى كونه.
(¬13) فى د، ص: زمن إخراج.
(¬14) سقط فى ز، م.
(¬15) فى د: خرج.
التنفس (¬1) هنا بمعنى المهلة، وقال ابن جبارة: يحتمل معنيين:
أحدهما: سكوت يقصد به الفصل بين السورتين لا السكوت الذى يقصد به القارئ التنفس.
الثانى (¬2): سكوت دون السكوت لأجل التنفس، أى أقصر منه، أى دونه فى المنزلة والقصر. [قال] (¬3): [لكن لا يحتاج إذا حمل الكلام على هذا المعنى أن يعلم مقدار السكوت لأجل التنفس حتى يجعل هذا دونه فى القصر قال] (¬4) ويعلم ذلك بالعادة وعرف القراء.
قال الناظم: والصواب حمل «دون» على معنى «غير» كما دلت عليه نصوص المتقدمين من (¬5) أن السكت لا يكون إلا مع [عدم] (¬6) التنفس، سواء قل (¬7) زمنه أم (¬8) كثر، وإن حمله على معنى «قل» خطأ.
[قال] (¬9): وإنما كان هذا صوابا لوجوه (¬10):
أحدها: ما تقدم [عن الأعشى] (¬11): حتى تظن أنك نسيت، وهذا صريح فى أن زمنه أكثر من زمن إخراج النفس.
ثانيها: قول صاحب «المبهج» (¬12): سكتة تؤذن بإسرار (¬13) البسملة، وهو أكثر من إخراج النفس.
ثالثها: أن التنفس على الساكن [فى نحو: «الأرض»] (¬14) و «قرأت» ممنوع اتفاقا، كما لا يجوز فى نحو: «الخالق» و «البارئ» لامتناع التنفس (¬15) وسط الكلمة إجماعا.
وأما استدلال الجعبرى (¬16) بأن القارئ إذا أخرج نفسه مع السكت بدون مهلة لم يمنع (¬17) من ذلك، فليس مطلقا؛ لأنه إن أراد السكت منع إجماعا؛ إذ [لا يجوز وسط] (¬18) الكلمة إجماعا كما تقدم، أو بين السورتين؛ لأن كلامه فيه جاز باعتبار أن أواخر
¬
_
(¬1) فى م: النفس.
(¬2) فى م: والمراد الثانى، وفى د: ويحتمل أن يراد به.
(¬3) سقط فى م.
(¬4) سقط فى ز، م.
(¬5) فى ص: مع.
(¬6) سقطت من ز.
(¬7) فى ز: أقل.
(¬8) فى م: أو.
(¬9) سقط فى م.
(¬10) فى م: بالوجوه.
(¬11) سقطت من م.
(¬12) فى ز: البهجة.
(¬13) فى ز، م: بإخراج.
(¬14) فى م: نحو فى الأرض.
(¬15) فى د: النفس.
(¬16) فى د: ابن بضحان.
(¬17) فى د: يمتنع.
(¬18) فى م: لا يجوزه فى وسط.
ص: والآن حين الأخذ فى المراد ... والله حسبى وهو اعتمادى
السورة فى نفسها تمام، يجوز القطع عليها والوقف؛ فلا محذور من التنفس عليها (¬1)، نعم، لا يخرج وجه السكت مع التنفس، فلو تنفس القارئ آخر سورة لصاحب السكت أو على عِوَجاً [الكهف: 1] ومَرْقَدِنا [يس: 52] لحفص بلا مهلة لم يكن ساكتا ولا واقفا؛ إذ السكت لا يكون معه تنفس، والوقف يشترط فيه التنفس مع المهلة. والله أعلم.
وقوله: (وخص بذى اتصال) يعنى: أن السكت (¬2) مقيد بالسماع والنقل، سواء كان الساكن المسكوت عليه متصلا بما بعده- أى فى كلمة- أم منفصلا، أى فى كلمتين، نحو: «قرآن»، و «من آمن» ومنه أواخر السور، فلا يجوز إلا فيما صحت الرواية به بمعنى (¬3) مقصود لذاته، [وهذا هو الصحيح] (¬4)، وحكى ابن سعدان (¬5) عن أبى عمرو، والرازى (¬6) عن ابن مجاهد (¬7) أنه جائز فى رءوس الآى مطلقا حالة الوصل لقصد البيان.
وحمل بعضهم الحديث الوارد عن أم سلمة (¬8) كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: 1] ثم يقف ... » الحديث (¬9) على ذلك [وإذا صح حمل ذلك جاز فلهذا جزم أولا بقوله: «وخص بذى اتصال» وقيد الانفصال بموضع النص] (¬10).
والله أعلم.
ص:
والآن حين الأخذ فى المراد ... والله حسبى وهو اعتمادى
ش: (الآن) اسم للزمن الحاضر مبتدأ، و (حين الأخذ) خبره) و (فى المراد) يتعلق ب (الأخذ)، و (الله حسبى) (¬11) اسمية، و (هو اعتمادى) كذلك، وهى معطوفة على الأولى، ويجوز عطفها على (حسبى) فلا محل لها على الأول، ومحلها رفع على الثانى.
أى: وهذا الوقت وقت الشروع فى المقصود من هذه القصيدة؛ لأن ما توقّف عليه المقصود قد [ذكرته وفرغت] (¬12) منه؛ فلم يبق إلا الشروع فى المقصود، والله تعالى كاف عن (¬13) جميع الأمور لا أحتاج معه إلى غيره، وهو اعتمادى لا أعتمد على غيره فى جميع أمورى، فهو الذى بيده اليسر والعسر، عليه توكلت وإليه أنيب.
¬
_
(¬1) فى م: أو تنفس عليها.
(¬2) فى م، ص: الصحيح أن السكت.
(¬3) فى د، ص، ع: لمعنى.
(¬4) سقطت من م.
(¬5) وهو محمد بن سعدان الكوفى، أبو جعفر: نحوى مقرئ ضرير. له كتب فى النحو والقراءات، منها «الجامع» و «المجرد» وغيرهما توفى سنة 231 هـ. ينظر: الأعلام (6/ 137 - 765).
(¬6) فى م: أبو عمرو الرازى، وفى د: أبو عمرو، والخزاعى.
(¬7) فى د، ص: عن مجاهد.
(¬8) فى د، ص: قول أم سلمة.
(¬9) تقدم.
(¬10) سقط فى ز.
(¬11) فى م: من باب عطف الفعل على اسم يشبهه.
(¬12) فى ز: ذكره وفرغ.
(¬13) فى ص: فى.
باب الاستعاذة
باب الاستعاذة
الباب: ما يتوصل للشيء منه (¬1)، وهو خبر مبتدأ محذوف (¬2) أى: هذا باب الاستعاذة، وعليه كان المتقدمون.
والإضافة إما بمعنى [«فى»، أو] (¬3) اللام التى للاستحقاق؛ كقولهم: (جلّ الفرس)، وكذا فى كل باب، وحذف المتوسطون المبتدأ، والمتأخرون بين حذف المضاف [وحذف] (¬4) المضاف إليه. والاستعاذة: طلب العوذ، مصدر استعاذ بالله: طلب عصمته، من: عاذ [يعوذ] (¬5) عوذا [وعياذا] (¬6) وعياذة (¬7)، وقدمها وضعا؛ لتقدمها حكما.
¬
_
(¬1) فى م: منه للشيء.
(¬2) فى د: حذف.
(¬3) سقط فى م.
(¬4) سقط فى م.
(¬5) سقط فى د، ز، ص.
(¬6) سقط فى د.
(¬7) قال ابن منظور فى اللسان (عوذ): عاذ به يعوذ عوذا وعياذا ومعاذا: لاذ به ولجأ إليه واعتصم، ومعاذ الله أى عياذا بالله قال الله عز وجل: مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ أى: نعوذ بالله معاذا أن نأخذ غير الجانى بجنايته؛ نصبه على المصدر الذى أريد به الفعل. وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه تزوج امرأة من العرب، فلما أدخلت عليه قالت: أعوذ بالله منك، فقال: لقد عذت بمعاذ، فالحقى بأهلك، والمعاذ فى هذا الحديث: الذى يعاذ به، والمعاذ بالله المصدر والمكان والزمان: أى قد لجأت إلى ملجأ، ولذت بملاذ، والله عز وجل معاذ من عاذ به، وملجأ من لجأ إليه، والملاذ: مثل المعاذ، وهو عياذى: أى ملجئى، وعذت بفلان واستعذت به: أى لجأت إليه، وقولهم: معاذ الله: أى أعوذ بالله معاذا؛ بجعله بدلا من اللفظ بالفعل لأنه مصدر، وإن كان غير مستعمل، مثل سبحان، ويقال أيضا: معاذة الله، ومعاذ وجه الله، ومعاذة وجه الله، وهو مثل: المعنى والمعناة والمأتى والمأتاة، وأعذت غيرى به، وعوذته به:
بمعنى. قال سيبويه: وقالوا: عائذا بالله من شرها؛ فوضعوا الاسم موضع المصدر. قال عبد الله السهمى:
ألحق عذابك بالقوم الذين طغوا ... وعائذا بك أن يغلوا فيطغونى
قال الأزهرى: يقال: «اللهم عائذا بك من كل سوء»: أى أعوذ بك عائذا. وفى الحديث: «عائذ بالله من النار»: أى أنا عائذ ومتعوذ، كما يقال مستجير بالله، فجعل الفاعل موضع المفعول، كقولهم: «سر كاتم»، و «ماء دافق». ومن رواه عائذا بالنصب، جعل الفاعل موضع المصدر، وهو العياذ. وطير عياذ، وعوذ: عائذة بجبل وغيره مما يمنعها. قال بخدج- يهجو أبا نخيلة-:
لاقى النخيلات حناذا محنذا ... شرا وشلا للأعادى مشقذا
وقافيات عارمات شمذا ... كالطير ينجون عياذا عوذا
كرر مبالغة، فقال: عياذا عوذا. وقد يكون «عياذا» هنا مصدرا. وتعوذ بالله واستعاذ، فأعاذه وعوذه. وعوذ بالله منك: أى أعوذ بالله منك. قال قال الشاعر:
قالت وفيها حيدة وذعر ... عوذ بربى منكم وحجر
قال: وتقول العرب للشيء ينكرونه والأمر يهابونه: حجرا: أى دفعا، وهو استعاذة من الأمر.
وما تركت فلانا إلا عوذا منه- بالتحريك- وعوذا منه: أى كراهة. ويقال: أفلت فلان من فلان
ص: وقل أعوذ إن أردت تقرا ... كالنحل جهرا لجميع القرا
ص:
وقل أعوذ إن أردت تقرا ... كالنّحل جهرا لجميع القرّا
ش: الواو للاستئناف، و (قل) فعل أمر، وهو مبنى على ما يجزم به مضارعه، و (أعوذ) مضارع (¬1) مرفوع إما لتجرده من الناصب والجازم، وهو مذهب الكوفيين [وهو] (¬2) الصحيح، أو لحلوله محل الاسم، وهو (¬3) مذهب البصريين.
ولا فاعل له هنا؛ لأن المراد منه لفظه وهو مفعول (قل)، والجملة إما جواب [(إن)] (¬4)، أو دليله [أى: إذا أردت قراءة القرآن وقتا ما فاقرأ قبل القراءة الاستعاذة لجميع القراء واجهر بها أو أى شىء قرأت من ابتداء سورة أو آية أو بعضهما] (¬5) على خلاف، وعليهما فلا محل لها؛ لعدم اقترانها بالفاء، أو ب «إذا» على الأول، ولاستئنافها على الثانى.
(وأردت): قصدت، فعل الشرط، و (تقرا) مفعوله؛ فيلزم تقدير (إن)، ويجوز نصبه؛ كقول طرفة:
ألا أيهذا الزاجرى أحضر الوغى ... .. .. ... (¬6)
¬
_
عوذا، إذا خوفه ولم يضربه، أو ضربه وهو يريد قتله فلم يقتله. وقال الليث: يقال فلان عوذ لك:
أى ملجأ. وفى الحديث: «إنما قالها تعوذا»: أى إنما أقر بالشهادة لاجئا إليها ومعتصما بها؛ ليدفع عنه القتل، وليس بمخلص فى إسلامه. وفى حديث حذيفة: «تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودا عودا. قال ابن الأثير: وروى بالذال المعجمة، كأنه استعاذ من الفتن. وفى التنزيل: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ معناه: إذا أردت قراءة القرآن، فقل:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ووسوسته. والعوذة والمعاذة والتعويذ: الرقية يرقى بها الإنسان من فزع أو جنون؛ لأنه يعاذ بها. وقد عوذه- يقال: عوذت فلانا بالله وأسمائه وبالمعوذتين- إذا قلت: أعيذك بالله وأسمائه من كل ذى شر وكل داء وحاسد وعين.
(¬1) فى م: فعل مضارع.
(¬2) سقط فى ز.
(¬3) فى م، د: فهو.
(¬4) سقط فى د.
(¬5) سقط فى د، ز، م.
(¬6) صدر بيت، وعجزه:
... ... ... ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى
استشهد بهذا البيت على نعت «أى» باسم الإشارة، ثم نعت اسم الإشارة بالاسم المحلى بالألف واللام، وهذا هو الغالب إذا نعت «أى» باسم الإشارة (شذور الذهب- 199).
وفى البيت شاهد آخر: وهو انتصاب الفعل المضارع الذى هو قوله: «أحضر» بأن المصدرية المحذوفة، وذلك عند من روى هذا الفعل بالنصب وهم الكوفيون، والذى سهل النصب مع الحذف ذكر «أن» فى المعطوف وهو قوله: «وأن أشهد اللذات»، ونظيره: «تسمع بالمعيدى خير من أن تراه» بنصب «تسمع»، ويستدلون بقراءة عبد الله بن مسعود: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ [البقرة: 83] فنصب «تعبدوا» بأن مقدرة؛ لأن التقدير فيه: ألا تعبدوا إلا الله، فحذف «أن» وأعملها مع الحذف؛ فدل على أنها تعمل النصب مع الحذف، وكذلك الشاهد فى البيت على رواية النصب.
فأما البصريون فيروون البيت برفع «أحضر»؛ لأنهم لا يجيزون أن ينتصب الفعل المضارع بحرف
و (كالنحل) إما حال فاعل (قل) فيتعلق بواجب الحذف، أى: قل هذا اللفظ حال كونك مكملا له كلفظ النحل، أو من (أعوذ)، أو صفة مصدر حذف.
وجهرا: [مصدر «جهر»] (¬1) أى: قل هذا اللفظ قولا ذا جهر، أو حال فاعل (قل) وحذف مفعول «تقرأ» (¬2)؛ لأنه لم يتعلق بذكره غرض؛ إذ المراد: تقرأ آية أو سورة [أو أعم] (¬3)، وليس من استعمال المشترك فى مفهوميه. ونبه ب (إن) أردت (¬4) تقرأ على تقديم (¬5) الاستعاذة على القراءة، أى: قل: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، لجميع القراء جهرا إن أرد