جمهرة نسب قريش وأخبارها
الزبير بن بكار
الجزء الثالث عشر
الجزء الثالث عشر زبان بن سَيّار مَدَحتُ بَنِي العَلاّتِ من رَهْطِ حَلْبَسٍ ... وَزَيْدٍ، بمثل البُرْدِ غالٍ ثوابُهَا عَنَيْتُ بها الحُكّامَ والمجلسَ الّذِي ... لَهُ مِنْ مِياهِ ابْنَىْ سَمِىّ عِذَابُها وفي آل زبّان بن سَيّارَ فِتْيَةٌ ... يَرَوْنَ ثَنَاياَ المجدِ سهلاً صِعاَبُها وجدتُ الذي قالَ اُلحَطيْئةُ فيهمُ ... تَوارثَهُ بعدَ الكُهُولِ شَبَابُها
زبان بن سيار
إذا مَا ارتقَوْا في سُلَّم المجد أصعَدُوا ... بأقدامِ عزٍّ لا تزولُ كِعَابُها إذا ماتَ منهُمْ سيّد قام سَيّدٌ ... بحُلّة عَصْبٍ لم يَخُنْهُ اكتِسابُها حدثنا الزبير قال، وحدثنا موسى بن زهير بن مضرس بن منظور بن زبان بن سيار قال: لم يقل الخطيئة: أتت آل شماسِ بن لأْيٍ وإنما قال: أتَتْ آل سيّارِ بن عَمْرو وإنمَّا ... أتاهمْ بها الآباءُ والحَسَبُ العِدُّ أولئك قومٌ لا يَسُدُّ مَسَدَّهم ... شَريْكٌ إذا عُدَّ المساعِي ولا وَرْدُ قال: " شَريكٌ " و " وَرْدٌ " أبنا حذيفة بن بدر. حدثنا الزبير قال: وجدت كتاباً بخط الضحاك بن عثمان، فيه: زعم أبو الدُّهَىّ أن الحطيئة إياهم أراد بقوله:
فإنَّ التي نَكَّبتُها عن مَعَاشرٍ ... غِضاباً علىَّ أن صَدَدتُ كما صدُّوا أتت آلّ سَيّار بن عمرٍو وإنّما ... أتَاهم بها الآباء والحَسَبُ العِدُّ والذي عليه من رأيت من الرواة في قول الحطيئة: أتَتْ آل شماس بن لأْيِ وإنّما ... أتاهم بها الآباء والحَسَبُ العِدُّ قال: وأنشدني محمد بن الضحاك، عن أبيه، لقُرَاد بن حَنَش: ظَعَائنُ إن يُنْسَبْنَ يُنْسَبْنَ للذُّرى ... لبدر بن عمرو أو لعمرو بن جابِرِ تَعَوّدْنَ أنْ يْعَبأْن مِسْكاً وعَنْبراً ... ذَكيًّا، وما عُوّدنَ نَسْجَ الغرائِرِ وقال آخر: إيَّاكَ والعَمْرين عمرو بن جَابرٍ ... وبدر، وفي أمانِ بدرٍ نوَادرُ حدثنا الزبير قال، وحدثني حُرَيْثُ بن رياح الفَزَارىّ، وجَهْمُ بن مسعدة: أن حُجْر بن عقبة بن حصن بن حذيفة بن بدر قال يفخر بآل سيار:
ومنِّىَ سيِّارُ بن عمرٍو ورهطُه ... جراثيمُ في عَاديهِّا لم تُعَقرِ قال جهم بن مسعدة: وكان يقال لحجر بن عقبة: ذو اللسانين، من كثرة شعره. حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه قال: قال أرطاة بن كعب الفزاري، أخو بني عامر بن جؤية بن لَوذان بن ثعلبة بن عدي أبن فزارة، يحضضُ بني فزارة على أبن دارة، حين تفلت على أم أنَاسٍ: إذا ما تغنىَّ نبيطُ الحُطِّ جاوبهاَ ... بحمِصَ صَوْتُ غِنَاءِ الشارب الدِّاري ما بَعْدَ أمِّ أناسٍ ظلّ مِدْرعُها ... يُلوَى وينزعُ منْ خِزْيٍ ومن عارِ
فأين مَوْلاك منظورٌ ورحْلَتُهُ ... أم أينَ قِرْفةُ عنها وأبنُ عمّارِ وقال سالم بن دارة لأبيه مسافع، حين ضربه زُمَيْله بن أبَيرٍ المعروف بابن أمّ دينار: أبلغْ أبا سالمٍ عنّي مغلغلَةً ... فلا تكوننّ أدنَى القوم للعار لا تأخذنْ مِئةً منِّىِ مُجَلْجَلَةً ... وأضربْ بسيفك منظورّ بن سَيّارِ
فلم يَعدِل أحداً من فزارة بمنظور بن سيار، وطالب الثأر مُسْتَجْسِمٌ لا يعدوا السَّرَف. فقال أبو مُسافعٌ: لقد عقّنى سالم حياً، وجشَّمنِي عند الموت امرأً متعباً! أضرب بسيفي منظور بن سيار! وقال نابغة بني ذبيان: لا أعرفَنْ رَبْرَباً حُوراً مَدامِعُها ... كأنهنَّ نِعاجٌ حَوْلَ دُوّارِ
يَنظُرْنَ شزْراً إلى مَنْ جاء عن عُرُض ... بأوجُهٍ مُنْكرِاتِ الرِّقِّ أحرارِ يُذْرِينَ دَمْعَ عُيُونٍ دمعُها دِرَرٌ ... يأمُلْنَ رِحْلةَ حِصْنٍ وأبن سَيَّارِ وقال بدر بن حزاز المازني، ينقض على النابغة قوله: يأملن رحلة حصن وأبن سيار حين أصاب النعمان بن جَبَلَة بني غيظ بن مُرّة، فسبى النساء وفيهن بني النابغة: إن تجمَعِ الشَّمْل من غَيظٍ وما ألَبَتْ ... أو المِحَاشَ فأنت الرائش البارِي
فأنهض بخُفْرةِ أقوامٍ غررتَهُمُ ... بني ضِبابٍ ودع عنكَ أبنَ سَّيارِ قد كان وافِدَ أقوامٍ فجاءَ بهِمْ ... وأنتاش عانِيَهُمْ من أهلِ ذي قارِ حدثنا الزبير قال: وأخبرني ذلك محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه. وحدثني محمد بن الضحاك الحزامي: أن الذي حمل للنعمان بألف ناقة في دم أبنه الذي قتله الحارث بن ظالم، الحارث بن سفيان الصاردي رهن بها قوسه، وهو خال الحارث بن ظالم، فأدى الألف كلها إلا مئة ناقة، ثم أدركه الموت، فأدى المئة سيار بن عمرو بن جابر الفزاري، وهو أخو الحارث بن سفيان لأمه. وقال في ذلك أرطاة بن سُهَيَّة المُرى: ربَطْنَا دياتٍ للملوك سَعَى بهاَ ... سِنانٌ وسَيَّار بن عمرو فأسْرَعا ونحنُ رهنَّا القوسَ ثُمَّ أفتككتُها ... بألفٍ على ظَهْر أبن مُزْنَةَ أقرَعا
وقال: وسيار بن عمرو، والحارث بن سفيان: أبنا مُزْنة. قال: وبنو منظور تزعم أن أرطاة بن سُهَيَّة إنما قال: رَبَطْنَا دِياَتٍ للمُلُوكِ سَعَى بها ... ليُحْمَدَ سَيَّارُ بن عمرٍو فأسْرَعا ومما يقوى قول سيار بن عمرو في حمالة الألف وأدائه إياها، قول زبان بن يسار: أبِى حَامِلُ الألفِ التي جرَّ حارثٌ ... لُمرّةَ إذْ لم يُرْقِ عِرْقاً رحَالُها ونحن ودَيْنَا الجَوْنَ من جَذْم كفهِ ... غَنَاء اليمينِ زايَلتْهَا شَمِاُلها ونحن حملنا عن كنانةَ جُرْمَها ... وجُرْمَ هِلالٍ حين ضاقتْ نِعالها
ونحنُ إذا ضاقتْ مَعَدٌ حُلُومُها ... ونحنُ إذا خفَّتْ مَعَدٌّ جِبَالُها وقال زبان بن سيار: ونحنُ حملنَا عن كنانةَ جُرْمَهَا ... وجُرْمَ خِدَاشٍ حين عَىَّ وأضْلَعَا حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه وحدثنيه حريث بن رياح الفزاري قالا: كانت حرب بين بني نَجْبَةَ وبين عوف من بني هلال بن شمخ بن فزارة، فقتل كل واحد من القبيلتين رجلاً من صاحبه، فحمل زبان بينهم، فأدَّى عقلهما جميعاً، فقال زبان: سائِلْ هِلاَلاً إذْ تفاقَ أمرُها ... وخانتهُمُ أحلامُهُمْ، أيَّ مَوْئِلِ وأيَّ فتًى إذْ أحْجَم الناسُ عَنْهُمُ ... وقالوا هلكنا فأركب الحُكْمَ وأعدِلِ غداةَ هلالٌ واقفونَ كأنَّهُمْ ... من الشرِّ والقتْلَى على وِرْد مَنْهَلِ قُبَيِّلةٌ دَاءَتْ وأثعلَ شرُّهَا ... وأعيتْ على الآسِينَ في كلّ مَزْحَلِ
تتَبّعتُها حتى أسَوْتُ جُروحَها ... وجادتْ بمعروفٍ من الحكمِ فَيْصَل وَسعْنَا وَسِعْنَا في أمورٍ تَمَهَّلَتْ ... على الطالب الموتورِ أيَّ تَمَهُّلِ نَمُدُّ بأسبابٍ إلى كلِّ غايةٍ ... طِوَالٍ ذُرَاها صَعْبَةِ المُتَنَزَّلِ يُصَعْصِعُ أقوامٌ إليها رُؤوسَهُمْ ... ومن يَتجَشَّمها من القومِ يُعْمَلِ فليسَ الفَعَال أن تَنحَّلَ باطِلاً ... ولكنْ لَدَى غُرْمِ المِئينَ المُعَقَّلِ سعيناَ لبشرٍ يوم ذاك ورهطِهِ ... وعُرْوَةَ خيرَ السَّعْي لو لم يُبَدَّل وذِي إبلٍ أضحَى يَعُدُّ فُضُولَها ... بَطِيناً ولولا سَعْيُنا لم يُؤَبلِ
لقد علموا مَسْعاَتَنا في أبن مالكٍ ... وفي الجونِ إن عَدُّوا وفي حرب مَعْقِلِ قال، قال حُرَيْث بن رياح: أراد " وسعنا وسِعناَ "، مرتين. قال: وزادني حُرَيْث بن عمارة بن منظور بن زبان أبن سيار مع قول بشر بن أبي خازم: وجدتُ الذِي قال الحُطيئةُ فِيكُمُ ... توارثَهُ بَعْدَ الكُهُولِ شَبَابُها تَزِينُ صَفَاراءَ الملُوكُ التي بها ... وبُنْيَانُ مجدٍ لم تُهَدَّم قِبابُها قال الزبير: صَفَاراء، ماء لهم. وهي أكثر من هذا، فاقتصرت منها على ما أحتاج إليه. قال، وقال حريث: صَفَاراء، ماء لبني سيَّار. وقال: الذي قال الحطيئة فيهم: لَهَا أسُّ دارٍ بالعُرَيْمَةِ أنْهَجَتْ ... مَعارفْها بَعْدِى كما يُنْهِجُ الُبْردُ خَلَتْ بَعْدَ مَغْنَى أهْلها وتأبَّدَتْ ... كأن لم يكنْ للحاضرين بهاَ عَهْدُ
كأنْ لم تُدمِنْهَا الحلُولُ وفيهِمُ ... كُهولٌ وشُبَّانٌ غطارفةٌ مُرْدُ هُمُ آلُ سّيَّار بن عمرو بن جابرٍ ... رِجالٌ وَفّتْ أحلامُهُمْ ولهم جَدُّ إذا نازعَ الأقوامُ يَوْماً قَنَاتَهُمْ ... أبَى لهُم المعروف والحَسَبُ العِدُّ فمن كان يرجو أن يُساَوِيَ سعيَهُ ... لمِسَعْاتِهِمْ قدَّ الأدِيمَ كما قدُّوا أبوهُمْ وَدَى عَقْلَ الملوكِ تَكلُّفاً ... وما لَهُمُ ممَّا تكلَّفَهُ بُدُّ تكلفَ أثمانَ الملوكِ فساقَهاَ ... وما غَضَّ عَنْه من سُؤالٍ ولا زَنْدُ حَمالةَ ما جرّتْ فَتَاكةُ ظالمٍ ... حَمالَةَ مَلْكٍ لم يكنْ مثلُها بَعْدً هُمُ حَمَلُوا الألفَ التي جَرّ جارمٌ ... وردٌّوا جِيادَ الخَيْل ضَاحيةً تَعْدُو
أولئك قومٌ إن بَنَوْا أحْسَنوا البُنَى ... وإن عاهدوا أوفَوْا وإن عَقَدُوا شَدُّوا وإن تكن النُّعْمَى عليهم جزَوْا بها ... وإن أنْعَموا لا كدَّروها ولا كدُّوا وإن قال مولاهُمْ على جُلّ حَادثٍ ... من الأمرِ: رُدُّوا فَضْلَ أحلامِكم رَدُّوا أولئك قوم لنْ يَسُدَّ مكانَهُمْ ... شريكٌ إذا عُدَّ المَساعِي ولا وَرْدُ وقال أحد بني حَرْمَلَة بن ربيعة بن بدرٍ: إذا جئتَ سَيَّارَ بن عمرٍو وجدتَهُم ... نَدَامَى الملوك زِيَّها ورِجَاُلها إذا رحلوا يوماً فَهُمْ رُفَقَاؤُهُمْ ... وإن نزلوا حلَّتْ إليهم رِحاُلها حدثنا الزبير قال، حدثني حُرَيْث بن رياح قال: قال قُراد أبن حَنَش الصاردي، يذكر أن سيار بن عمرو بن جابر الذي حمل للنعمان بألف في دِيَةِ أبنه الذي قتله الحارث بن ظالم: إذا أتَّفَقَ العَمْرانِ عمرو بن جابرٍ ... وبَدْرُ بن عمرو كان ذُبْيانُ تُبَّعَا
وذلك إن الله فضَّلَ مَازِناً ... وبدراً على ذُبْيانَ بالفضْلِ أجمعاَ وأنَّهُمُ مَأوَى الحَمَالاَتِ مِنْهَمَ ... وأصبَرُ إن عضَّ الزمانُ فأوجعاَ وأنَّهُمُ مَأوَى الطَّرِيد إذا ضَوَى ... وقد راحَ مرعُوبَ الفؤاد مُرَوَّعَا هُمُ حاربوا النعمانَ في عَصْر دَهْرِه ... فما استطاعَ أن يَسْتطيعَ الحربَ مَطْلعاَ يكلّفُهُم ما شاء ثمّ وَفَوْا بهاَ ... بألفٍ على ظَهْر الفزارِيّ أقرَعَا بعَشْرِ مِئينَ للملُوكِ سَعَى بها ... ليُحْمَدَ سيَّارُ بن عمرو فأسرَعَا أتَاهُم بآلافِ المِئين فأصبحتْ ... ثَناياهُ للسَّاعِين للمجدِ مَهْيَعاَ إذا بادَروه المجْدَ أرْبىَ عليهمُ ... بسَجْليَنِ حتى استفرَغَ المجدَ مُتْرَعَا وما رفدَتْ سعد بن ذُبْيان قومَها ... بِجَدْىٍ لها في ذلك الأمرِ أصْمَعاَ ولكنَّهُمْ قوم كفاهُمْ أخوهُمُ ... فزّارَةُ شَعْبَ الأمْر حين تَصدَّعَا هُمُ النازلون الثَّغْرَ قُدَّامَ قومِهمْ ... يُعِدُّون للأعداءِ سَمًّا مُسَلَّعَا
وقال خالد بن جعفر بن كلاب حين أطرَدَتْ بنو سيار إبلَهُ، يذكر عزهم ومنعتهم، ويوُئِس نفسه منها: بُعْداً لرَاعيها وبُعْداً لربهِّا ... إذا برَّكتْ حولَ أبن عمرو بن جابِرِ تُمَشِّى عُوَيْجٌ حَوْلَهَا برمَاحها ... وتَرْمِى جُحَادٌ بالخِفاف المَطَاحِرِ ودافعَ عنْهَا من مَنُولَةَ عُصْبَةٌ ... على مثلهم تُبْنَى بيوتُ الضرائِرِ وقال المُساوِر بن هِندٍ العبسي: فخبِّرني بمثْلِ بني زُهَيْرٍ ... وخبِّرني بمثل بني زِيادِ ومثْلِ حُذَيْفَةَ الخيرِ بن بدْرٍ ... ومثل الحارث الفَيْضِ الجوادِ وزبانٍ ومثل أبي قُعَيْنٍ ... كُهُولَ الحربِ في السَّنَةِ الجَمَادِ أبو قعين: قطبة بن سيار بن عمرو وبنو زهير بن جذيمة: قيسٌ،
ومالك، بنو زهير وبنو زياد الكَمَلَةُ: الربيع، وعمارة، وأنس، بنو زياد. حدثنا الزبير قال، حدثني محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه قال: تجمعت بطون عَدِى على بني بدر، فحالفت بنو بدر بني مازن بن فزارة، وكان الذي شد لهم الحلف على بني مازن، ثعلبة بن سيار، فقال زبان بن سيار: فما بِي يا ابنَ شَعْثَةَ من جُنُونٍ ... فأختارَ الكُرَاعَ على السَّنامِ بأسْتَاهٍ تَجمَّعُ مِنْ عَدْىٍّ ... على أرْبابِهاَ حَمْقَى لِئَامِ وقال في ذلك الحِلف شُتَيْم بن خويلد لقُطْبة بن سيار: قُلْتُ لسِّيدنا يا حَكِيمُ ... إنّكَ لم تَأْسُ أسْواً فريقاَ أعَنْتَ عَدِيًّا على شأوِهَا ... تُوَالِى فريقاً وتَنْفِى فريقاَ
أطَعْتَ غُرَيَّبَ إبْطِ الشِّمالِ ... تُنَحِّى لِحَدِّ المَواسِى الحُلُوقَا
قال: " غُرَيِّب إبطِ الشِّمال "، معاوية بن حذيفة، وكان مَشُوماً، فيما يذكر العربُ. وقال القتال البكرىّ، من بني كلابٍ: يا ليتَنِي، والمُنَى ليستْ بنافِعةٍ ... لمالكٍ أو لحِصْنٍ أو لسيَّارِ من مَعشَرٍ بَقِيتْ فيهم مكارمُهُمْ ... إنّ المكارمَ في إرْثٍ وآثارِ
لا يَتركون أخاهُمْ في مُرَمَّعَةٍ ... يُخاف فيها دَرِيكُ الخِزْي والعارِ ولا يُسِيخونَ والمخزاةُ تقرعُهُمْ ... حتى يُصيُبوا بأيدٍ ذاتِ أظْفَارِ مالك بن حمار الفزاري، ثم الشمخي وحصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو وسيار بن عمرو بن جابر. وأنشدني محمد بن مُفْتِي بن عبد الله بن عنبسة، وغيره، لجرير بن الخطفي:
جئِني بمثل بني بدْرٍ لقومهمُ ... أو مثلِ أسْرة منظور بن سيَّارِ أو مثلِ آل زُهيْرٍ والقَنا قِصَدٌ ... والخيلُ في رَهَجٍ مِنْها وإعصَارِ أو عامر بن طُفْيلٍ في مُرَكبهِ ... أو حارِثٍ يوم قال القوم يا حَارِ وقال حُفَيْزٌ العبسيّ، ورواها بعض الناس لجرير، وليست له، هي لُحفَيْز: إنّ النّدى من بني ذبيانَ قد علِمُوا ... والجُودَ في آل منظور بن سَيَّارِ الماطِرينَ بأيديهِمْ نَدًى ديَماً ... وكُلَّ غَيْثٍ من الوَسْمِىِّ مِدْرَارِ تزورُ جارتَهُمْ وَهْناً هديَّتُهُمْ ... وما فَتاهُمْ لها وَهْناً بزوّارِ ترضَى قريشُ بهِمْ صِهْراً لأنفُسِهِمْ ... وهمْ رِضي لبني أختٍ وأصْهاَرِ حدثنا الزبير قال، وحدثني مغيرة بنت أبي عدى قالت: حملت قِهْطِمُ بنت هاشم بن حرملة، منظور بن زبان أربع سنين، فولدته قد جمع فاهُ، فأسماه أبو منظوراً، لطول ما أنتظر، وقال في ذلك زبان بن سيار:
سُمِّيت منظوراً وجئتَ على قَدْرِ ... وإنّي لأرجُو أن تسودَ بني عَمْرِو وإنّي لأخشَى أن تظَلّ رِكابُهُ ... بخيْبَر ميَّاراً حريصاً على التَّمْرِ قال: " عمرو "، أبو سيار. وأم زبان بن سيار: سلمى بنت حَرْمَلة بن الأشعر. وفي بني حَرْمَلَة بن الأشْعَر يقول الحارث بن ظالم: أبْلغْ جَذيمة إن عَرَضتَ فإننيِ ... عَمْداً تركْتُهُمُ عَبِيدَ سِنانِ لَوْ كنتُ من رَهْط الحرامِلِ لم أعُدْ ... وبَنَيْتُ مكرُمةً بكُلّ مكانِ القاتلينَ من المناذِرِ سَبْعَةً ... في الكَهفِ فوقَ وسائد الريحَانِ قال: " جذيمة "، رهط الحارث بن ظالم، و " المناذر "، النعمان بن المنذر ورهطه. قال الزبير: حُمِل بمالك بن أنس ثلاث سنين، وحُمِل بابن عجلان خمس سنين.
حدثنا الزبير قال، حدثني إبراهيم بن زياد، عن أبي طلحة محمد بن عبد الرحمن المرواني، مثل حديث المغيرة، إلا أنه قال في شعر زبان: ما جئتُ حتى آيسَ الناسَ أن تَجِي ... فَسُمّيت منظوراً وجئت على قَدْرِ وإني لأرجو أنْ تجئ كهَاشِمٍ ... وإني لأرجو أن تسودَ بني بَدْر وإني لأخشى أن يكونَ مُحَامِلاً ... بخْيَبَر ميَّاراً حريصاً على التَّمْرِ قال: " عمرو "، أبو سيار بن عمرو و " هاشم "، بن حرملة وبنو مرة يحاملون التمر من خيبر. حدثنا الزبير قال، حدثني عبد الله بن معاذ الصنعاني، عن معمر، عن أبن شهاب قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعملون في الخندق ويقولون: هَذَا الحِمَالُ لا حِمَالُ خَيْبَرْ ... هَذَا أبرُّ ربَّنَا وأطْهَرْ
حدثنا الزبير قال، حدثني محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه قال: حضرت أم خارجة بن سِنان، جدة تماضر بنت منظور، أخي أمها، الوفاة، وهي حامل به وقد أتمت، فقالت: إني لأجد مَسَّ الجنين في بطني حَيًّا، ائتوني بحديدة. فإتوها بحديدة فبقَرَتْ نفسها وأخرجته وقالت: استوصوا به خيراً، فإنه أبيض طوال. وماتت، فسُمى خارجةُ " البَقيرَ ". وهو الذي رهن قوسه في دماء عبس وذبيان بألف ناقة، وأشرك معه أبوه أبن عمه الحارث بن عوف بن أبي حارثة، ففيهما يقول زهير بن أبي سلمى: فَرِحْتُ بمَا خُبِّرْتُ عن سَيِّديكُمُ ... وكانوا قديماً كُلُّ أمرهما يَعلُو تداركْتُما الأحلافَ قد ثُلَّ عَرْشُها ... وذبيانَ إذ زَلَّتْ بأقدامِها النَّعْلُ فأصبحْتُما منها عَلَى خير موطِنٍ ... سبيلكُمَا فيها إذا أحزنوا سَهْلُ سَعَى بَعْدَهُمْ قومٌ لكَيْ يُدْرِكوهُمُ ... فلم يفعَلُوا، ولم يُلامُوا، ولم يَألُوا فأدى الألف ناقة خارجة بن سنان، والحارث بن عوف، وأديا بعدها
مئتي ناقة في القتيلين اللذين قتل أبنا ضَمضَمٍ بعد الصُّلح، ففي ذلك يقول شبيب بن يزيد المري، المعروف بابن البرصاء: ونحْنُ رَهَنَّا القوسَ في حرب داحِسٍ ... بألفٍ، وكانت بعدَها مِئَتَانِ وفي ذلك يقول خارجة بن سنان: أمّا تَرَيْنيَ لا أهْدِى إلى سَفَرٍ ... ولستُ مُهْتدَياً إلا مَعِي هَادي فقد صَبَحْتُ سَوامَ الحيّ مُشْعَلَةً ... رَهْواً تُطاَلعُ من غَيْبٍ وأجْمَادِ وقد يَسَرتُ إذا ما الشَّوْلُ روَّحَها ... بَرْدُ العَشِىّ بشَفَّانٍ وصُرَّادِ وقد حَمَلتُ ولم أجرُرْ على أحَدٍ ... شَأوَ العَشِيرَةِ والأكفاء شُهَّادِي قد يعَلُم القومُ إذ خفتْ حقَائبُهُمْ ... وأرمَلُوا الزادَ أنّى مُنْفِدٌ زادِي
ولسْتُ غَاشِىَ أخلاقٍ أسَبُّ بها ... حتَّى يَؤُوبَ من القْبرِ ابنُ مَيَّادِ حدثنا الزبير قال، وأخبرني عمي نصعب بن عبد الله: أن جده سنان ابن أبي حارثة قال له في تلك الحَمالَةِ: ما عندك من العون فيها؟ فقال: طعام كل نازل، ورضى كل سائل، وخطبة حتى الليل آمر فيها بمعروف وأنهى عن منكر. وسنان بن أبي حارثة، وأبنه هرم بن سنان، اللذان مدحهما زهير ابن أبي سلمى بما مدحهما به. حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن الضحاك بن عثمان الحزامي، عن أبيه قال: كبر سنان، فضل بنخل فلم يوجد، ففي ذلك يقول زهير بن أبي لسمى يرثيه: إن الرزيّةَ لا رَزِيّةَ مِثْلُها ... ما تبتَغِي غَطفانُ يومَ أضلَّتَ
يَبْغُونَ خيرَ الناسِ مَسَّا واحداً ... عَظْمتْ رَزيَّتُهُ الغدَاةَ وجَلَّتِ إنّ الرِّكابَ لتبتَغِي ذَا مِرةٍ ... بجنوبِ نخْلَ إذا الشُّهُورُ أهِلَّتِ حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن سلام الجمحي، عن أبان بن عثمان البجلي قال: أتى الحجاجُ بأسرى من الروم أو التُرْك، فأمر بقتلهم. فقال له رجل منهم: أيها الأمير، أطلب إليك حاجة ليس عليك فيها مؤونة. قال: ماهي؟ قال: تأمر رجلاً من أصحابك شريفاً يقتلني، فإني رجل شريف. فسأل أصحابه عنه فقالوا: كذلك هو. فأمر خريماً المريّ بقتله. فلما أقبل نحوه، وكان دميماً أسود أفطس، صرخ الرجل، فقال الحجاج: سلوه، ماله؟ فقال: طلبت إليك أن تأمر رجلاً شريفاً يقتلني، فأمرت هذا الخنفساء! فقال الحجاج: إنه لجاهل بما تبتغي غطفان يوم أضلت! و " خُرَيْم "، من ولد سنان بن أبي حارثة.
ومن
ومن ولد عبد الله بن الزبير عامر بن عبد الله، وموسى بن عبد الله أمُّهما: حَنْتَمةُ بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وأمها: فاختة بنت عتبة ابن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد وَدّ بن نصر بن مالك نب حسل بن عامر ابن لؤي وأمها: كنود بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل ابن عبد مناف وأمها: أم كلثوم بنت عمرو بن عبد شمس بن عبد وَدّ ابن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي وأمها: عاتكة بنت الأخيف أبن علقمة بن عبد بن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي وأمها: أميمة بنت ناقش بن وهب بن ثعلبة بن وائل بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر. وأبو بكر بن عبد الله أمه: ريطة بنت عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام وأمها سُعدى بنت عوف بن خارجة بن سنان ابن أبي حارثة وأمها: أمية بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة وأمها: بهيشة بنت أوس بن حارثة بن لأم. ولأوس بن حارثة يقول الشاعر:
أوْسَ بنَ سُعْدَي فلا تَهْلِكْ حَمُولتنا ... يا أوسُ يا خيرَ من يمشي على قَدَمِ وبكر بن عبد الله، وأمه: عائشة بنت عثمان بن عفان وأمها: رملة بنت شيبة بن ربيعة وأمها: أم شراك بنت وقدان ابن عبد شمس بن عبد وَدّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي وأمها: لبابة بنت عبد الله بن السباق بن عبد الدار بن قصي. وأخوه لأمه: أبو بكر بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص بن أمية. وأم حسن بنت عبد الله أمها: أم حسن، وأسمها:
نفيسة حسن بن علي بن أبي طالب وأمها: أم بشير بنت أبي مسعود وأسمه: عقبة بن عمرو بن ثعلبة، من الأنصار، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم. وهاشم، وقيس، أبنا عبد الله بن الزبير، لا عقب لهما. وعروة بن عبد الله، لا عقب له، قتل مع أبيه بمكة. والزبير بن عبد الله، لا عقب له، قتل مع أبيه بمكة. حدثنا الزبير قال وحدثني مصعب قال كان عبد الله بن الزبير قد جعل على قتال من جاء من مِنًى محمد بن المنذر بن الزبير، وحمزة بن عبد الله على قتال من جاء من المسعى، وهاشم بن عبد الله على قتال من جاء من الردم، فقال في ذلك شاعر ممن معه:
جَعَلْنا سِدَادَ المأزِمَيْنِ محمّداً ... وحمزةَ للمَسْعَى، وللرَّدْم هاشِمْ وأمهم: أم هاشم، زجلة بنت منظور بن زبان ابن سيار وأمها: جُرْثُم بنت سمرة بن قيس بن زياد بن سفيان ابن عبد الله بن حذيم بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عيسى بن بغيض وأمهما: زجلة بنت قطبة بن شهب بن لأم، من طيء. وعبد الله بن عبد الله وكان يسمى قيساً، فلما قتل أسمى باسمه: عبد الله وأمه أم ولد. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: كان عامر أبن عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عبد الله بن الزبير، يشبهان عبد الله بن الزبير.
قال: ونظرت عائشة بنت عامر بن عبد الله بن الزبير إلى أبي، عبد الله بن مصعب، فقالت: ما رأيت أحداً أشبه بأبي من هذا الغلام! قال: ونظرت أم ولد لعبد الله بن عبد الله بن الزبير إلى أبي، عبد الله بن مصعب، فقالت: ما رأيت أحداً أشبه بمولاي من هذا الغلام! فأما خبيب بن عبد الله بن الزبير، فكان أسنَّ ولد عبد الله، ولم يعقب. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: كان خبيب قد لقي كعب الأحبار، ولقي العلماء، وقرأ الكتب، وكان من النساك، وأدركت أصحابنا وغيرهم يذكرون أنه كان يعلم علماً كثيراً لا يعرفون وجهه ولا مذهبه فيه، يشبه ما يدعي الناس من علم النجوم. قال عمي مصعب بن عبد الله: وحدثت عن مولى لخالته أم هاشم بنت
منظور، يقال له: يَعْلَى بن عُقَيبة قال: كنت أمشي معه وهو يحدث نفسه، إذ وقف ثم قال: سأل قليلاً فأعطى كثيراً، وسأل كثيراً فأعطى قليلاً، فطعنه فأذراه فقتله. ثم أقبل علي فقال: قتل عمرو بن سعيد الساعة. ثم مضى. فوجد ذلك اليوم الذي قتل فيه عمرو بن سعيد. وله أشباه هذا يذكرونها، فالله أعلم ما هي! وكان مع ذلك عالماً بقريش. وكان طويل الصلاة، قليل الكلام. وكان الوليد بن عبد الملك قد كتب إلى عمر بن عبد العزيز إذ كان والياً على المدينة يأمره بجلده مئة سوط وبحبسه. فجلده عمر مئة سوط، وبرد له ماء في جرة، ثم صبها عليه في غداة باردة، فكُز فمات فيها. وكان عمر قد أخرجه من السجن حين أشتد وجعه، وندم على ماصنع، فانتقله آل الزبير في دار من دورهم.
حدثنا الزبير قال، قال عمي مصعب بن عبد الله، أخبرني مصعب بن عثمان: أنهم نقلوه إلى دار عمر بن مصعب ببقيع الزبير، وأجتمعةا عنده حتى مات. فبينا هم جلوس، إذ جاءهم الماجشون يستأذن عليهم، وخبيب مسجى بثوبه. وكان الماجشون يكون مع عمر بن عبد العزيز في ولايته على المدينة، فقال عبد الله بن عروة: إيذنوا له. فلما دخل قال: كأن صاحبكَ في مرية من أمره! اكشفوا له عنه، فلما رآه الماجشون، انصرف. قال الماجشون: فانتهيت إلى دار مروان، فقرعت الباب ودخلت، فوجدت عمر كالمرأة الماخض، قائماً وقاعداً. فقال لي: ما وراءك؟ فقلت: مات الرجل. فسقط إلى الأرض فزعاً، ثم رفع رأسه يسترجع، فلم يزل يعرف فيه حتى مات، واستعفى من المدينة، وأمتنع من الولاية وكان يقال له: إنك قد فعلت كذا فأبشر. فيقول: فكيف بخبيب! حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال، حدثني هرون بن أبي عبيد الله بن مصعب أبي قال: سمعت أصحابنا يقولون: قسم عمر بن عبد العزيز قسماً في خلافته خصنا به، فقال الناس: دية خبيب.
وكان أسن بني عبد الله بن الزبير بعد، حمزة بن عبد الله، وهو الذي يقول له موسى شهوات: حْمزَةُ المُبْتَاعُ بالمالِ النَّدَي ... ويَرَى في بَيعِه أن قد غَبَنْ وهْوَ إن أعطَى عطاء فاضلاً ... ذا إخَاء لم يُكدّرهُ بَمنّْ وإذا ما سَنَةٌ مُجْحِفَةٌ ... بَرَتِ الناسَ كبَرْىٍ بالسَّفَنْ حَسَرتْ عنْهُ نقيًّا عِرْضُهُ ... ذا بَلاَءٍ عند مَحْيَاهَا حَسَنْ نُورُ صِدْقٍ بَيِّنٌ في وجْهِه ... لم يدنِّسْ ثوبَهُ لَوْنُ الدَّرَنْ كان للناسِ ربيعاً مُغدِقاً ... ساقِطَ الأكنافِ إنْ رُجّ أرجَحَنّْ قال: وأنشدنيها مصعب بن عثمان، وأنشدتنيها ظبية مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب، قالت: أنشدنيها يحيى بن جعفر بن مصعب بن الزبير، قالت: وأنشدنيها أم سليمان كاتبة سُكَيْنة بنت مصعب بن الزبير، وهي مولاة سكينة بنت مصعب، قالت: سمعتها من عامر بن حمزة بن عبد الله. وسمعت بعضها من عمي مصعب بن عبد الله، ومن غيره.
حدثنا الزبير قال، وحدثني يحيى بن الزبير بن عباد بن حمزة ابن عبد الله بن الزبير قال: لما عزل عبد الله بن الزبير أبنه حمزة بن عبد الله عن البصرة، قال له: أين المال؟ قال: وفد على قومي فوصلتهم به. قال: مال ما هو لك ولا لأبيك! وقيده وحبسه في سجن عارم بمكة، فقال في ذلك بعض الشعراء: يا أيُّها السائلُ عن مالكٍ ... ومجْدِهَا، هل لك في العالِمِ إنّ النَّدَى والمجدَ إن جئتَهُ ... والحاملَ الثَّقلَ عن الغارِمِ والفاعِلَ المعروفَ في قومِهِ ... مُكَبَّلٌ في السجْنِ من عَارِمِ قال: وأنشدني مصعب بن عثمان، وعمي مصعب بن عبد الله، للفرزدق يمدح حمزة بن عبد الله: يا حَمْزَة هل لكَ في ذي حاجةٍ عرضَتْ ... أنْضَاؤُه بمكانٍ غيرِ ممطُورِ
فأنت أحجى قريش أنْ تكونَ لَهَا ... وأنت بينَ أبي بكرٍ ومنظورِ بين الحَوَاريِّ والصدّيق في شُعَبٍ ... نبتْنَ في طيّبِ الإسلام والخِيرِ تَرَى وجوهَ بني العوامِ إن فَزِعُوا ... صُبْحَ الّلقَاء مَشُوفاتِ الدَّنانيرِ الضّاربونَ على حقٍ إذا ضَرَبُوا ... هَامَ العَدُوِّ بضرْبِ غيرِ تَعْذيرِ إنّي لُمثنٍ ثناءً سَوْفَ يبْلُغُكُمْ ... إذا أتينَ على ذاتِ التَّنَانيرِ قال الزبير: واخبرني ظبية مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب، قالت: أنشدني خالد بن مصعب بن مصعب بن الزبير ومصعب بن مصعب هو خضير ويحيى بن جعفر بن مصعب بن الزبير، لموسى شهوات، يمدح حمزة ابن عبد الله بن الزبير: رأيتُكَ يا حَمزَ تَحْوِي الألَى ... لَدَيْكَ وتَجفُو هناكَ الظَّلومَا وتحلُو لِذِي الودّ حتى تكُو ... نَ أحلَى لَهُ من جَنَى النَّحْلِ خِيماَ وتأبىَ فليسَ يَرَاك العَدُوُّ ... عند الشدائِد إلا شَتيماَ حَلَلْتَ النجاةَ مِنَ أدْوَائِهمْ ... فكنتَ أصحَّ لُؤَىٍ أدِيماَ
سألتُ لُؤياً وألْفافَها ... ومنْ كانَ بالناسِ مِنْهُمْ عَليماَ مَنَ أكرَمُها مَنْصِباً في اللبابِ ... وأحْمدُهَا في لؤيٍّ زعيماَ فكنتَ ومَا شك ليِ عالِمٌ ... مِن الناس، والعلمُ يَشفِى الغَشُومَا كَرِيمَ لُؤيٍ إذا حُصِّلَتْ ... لكَ المجدُ قِدْماً عليها مُقِيماَ وأطعَمَهُمْ عند جَهْد الزَّمانِ ... إذا لم تُرَ الشَّوْلُ إلا هَجُوماَ خِلاَلَ البيوتِ تَسَفُّ الدَّرِينَ ... ويَحْمَدنَ في رَعْيهنّ الهَشيماَ إذِ الناسُ يحتلبونَ العروقَ ... إما كريماً وإمَّا لئيماَ أراني إذا رُمْتُ حَوْكَ القريض ... لغيرك ألفَيتُ شِعْري عَتُوماَ وإن قلتُ: حمزةَ أعنيِ بهِ ... وجدتُ العَرُوض به مُسْتَقِيماَ وهي طويلة حدثنا الزبير قال، وحدثتني ظبية أنها سمعتهما ينشدان لموسى ابن يسار شهوات، في حمزة بن عبد الله بن الزبير: فِدًى لحمزةَ يوم القصْرِ من رجُلٍ ... أهلي، ومالِيَ من مالٍ ومن وَلَدِ
ما أحسن البِشْرَ منه حين تَخْبِطُهُ ... وأشبهَ اليوم من معروفِهِ بغَدِ والخابرون به يُنْبُونَ أنّ لَهُ ... على غدٍ فضْلُه في العُرْف بعد غَدِ كلْتَا يديهِ يمينٌ في نَوالِهِما ... والناسُ من سَيْبِه ما عاش في رَغَدِ تُسْتَمطرون فيأتي من نَوالهما ... فَيْضٌ يُعادل سَحَّ الوابلِ البَرِدِ يَدَانِ شِبْرُهُما باعٌ مُفضَّلَة ... في العُرْف والباعُ منْه فوق كُلّ يَدِ كُلَّ جوادٍ لَهُ نَفْسَان تأمُرُه ... إحداهُما بالنَّدى صِيغَتْ على السُّعُدِ وخَبَّةٌ لن تراها الدهر تأمُرُهُ ... إلا بأبْحُسِهِ نِيطَتْ على النَّكدِ وما لحمزةَ من نفسِ تخالِفهُ ... في الجُودِ لا في ذوى القُرْبَى ولا البَعَدِ لَهُ الذُّؤَابةُ من تَيمٍ إذا نُسِبَتْ ... والسِّرُّ من هاشمٍ، والفرعُ من أسَدِ ومن فَزارة في البيتِ الذي جُبلتْ ... عليه في الحسَبِ العَادِيّ والعَدَدِ لهُ عرانينُ مخْزومٍ وسَادتُها ... والرأسُ من زُهْرةَ الأثْرَيْنَ ذو الجَلَدِ
يَمُتُّ من عامرٍ في خيْر مَحْتدِها ... ومن بني جُمَحٍ في حَيَّة البَلَدِ تَمَّ له كاهلاَ سَهْمٍ وغُرَّتُها ... ومن عدِىٍّ سَنَامٌ غيرُ ذي عَمَدِ والخيرُ من بيت عبد الدّار يَنْزِعُهُ ... ومن غَلاَصِمة النَّجّارِ في الحُتُدِ وهي أكثر من هذا. حدثنا الزبير قال، وحدثتني ظبية: أن يحيى بن جعفر أنشدها لموسى شهوات، يمدح حمزة بن عبد الله: لا يَفْتُقُ الناسُ ما رتَقْتَ وقد ... تفتُقُ فيهم يا حمزَ ما رتَقُوا ولا يُدانونَ ما رتقتَ وقدْ ... تُدْنِى بحُرّ الفَعَالِ ما فتقُوا كان كذاكَ الألى وَرِثْتَهُمُ ... وسَعْيُ آبائهم لَدُنْ خُلُقِوا يَنْمِيكَ يا حَمْزَ للمَتُوحِ من الحَمْدِ على الناسِ معشرٌ صُدُقُ هيهات دانتْ لَهُمْ على عَهْدِ ذِي القَرْنَينِ تلك المُلُوكُ والسُّوَقُ وأنتَ تجرِي على مناهِجهمْ ... لا خَرِقٌ نَادِرٌ ولا نَزِقُ والمرءُ يَسْعَى بِسَعْي أولِهِ ... ما كانَ، والعِرْقُ ناشبٌ عَلِقُ
حدثنا الزبير قال، وحدثتني ظبية: أنها سمعت يحيى بن جعفر ينشد لموسى شهوات، يمدح حمزة بن عبد الله. يا حمزَ إنّك رُبَّما وصلتْ حبالُكَ ذا الوَسَائِلْ وجَبرْتَ غيرَ ذوِي الوسيلةِ يَبْتنَيِ شَرَفَ المنازلْ بِسجَالِكَ الغُدُق التي أرْبَتْ على فُرُطِ المَسَايِلْ بين الأغرّ وعامِرٍ وفرُوع كعْبٍ ذِي الفواضِلْ جِيبَتْ كجَوْبِ رَحَى الطَّحِين عليكَ والحسَبِ الحُلاَحِلْ ففرَعْتَها ووسَطْتَهَا ونَضَلْتَهَا عند التناضُلْ سائلْ سَراةَ بني لؤيٍ ثُمَّ سائِل في القبائِلْ تُنْبيكَ أنّ أخَا الفعالِ وخيرَ مُعْتَمدِ الأرَامِلْ ومحلَّ أوْلِيَةِ الرّحال إذا تحوّلَ كلُّ نازلْ ومُفِيدَ فائدةِ الكِرَامِ من المكارم والجلائلْ بالقصْرِ قافيةِ الحياةِ لمن أتاهُ، وفُوقَ وائِلْ يَهَبُ المُخَيَّسَ من عِتاقِ الأرْحَبية والمآطِلْ
والغُرَّ من غُرِّ الولائد كالجآذِرِ في الخمائِلْ وعِنَانَ كل طِمِرَّةٍ أو سابح نَهْدِ المرَاِكلْ وهو المُغِصُّ أخا النِّقالِ برِيقهِ عند التناقُلْ ولِزَازُ كُلّ ألدَّ يُدْلى دُونَ حُجَّته بباطِلْ وأخوُ إخاءٍ نافِعٍ بإخائِهِ سَمْحُ الشمائِلْ وفَتى الصَّبَاح إذ النساء كَشَفْنَ عن وَضَح الخلاخِلْ ومُضَيِّفُ الضِّيفانِ من كُومٍ تُؤَرَّبُ في المراجِلْ بأغرَّ في شِيزائِهِ جَوْنُ السَّراة من التَّوابِلْ وخطيبُ مَجْمَعةٍ يقول بكُلّ فاصلَةٍ لفاصِلْ وكريمُ أقوام كرامٍ غامِرِينَ لكلّ واغِلْ حُشُدٌ على نَفْع المجاور في الرّخاء وفي الزلازِلْ
ومُجامِلٌ ومُواصلٌ لذوي الوصالِ وللمجامِلْ وملائمٌ للمُسْتَذِيق وخيرُ ذي عهْدٍ لواصِلْ قال: وأنشدني أبي لمعن بن أوس المزني، يمدح حمزة بن عبد الله أن الزبير: إنّكَ فرعٌ من قريْشٍ وإنّما ... تمدُّ النَّدَى منها الفرُوعُ الشوارعُ غَنُوا قادةً للناس، بطحاء مكة ... لهُمْ، وسِقاياتُ الحَجيج الدوافعُ فلمَّا دُعُوا للموت لم تبْكِ منْهُمُ ... على حَدَثِ الدَّهر العيونُ الدوامعُ حدثنا الزبير قال، وأنشدني أبي للشماخ بن ضرار الثعلبي، يمدح حمزة بن عبد الله بن الزبير: إن لها جاراً بيثربَ تَرْتَعى ... به حيثُ صارتْ لا ضعيفاً ولا وَغْلاَ من السّاحبين بالبَقِيع ثِيابَهُمْ ... وأقدامُهُمْ لا يخْصِفُون لهُمْ نَعْلاَ طويلُ النِّجادِ من لؤيّ بن غالبٍ ... إذا حُمِّل الأثقال قامَ بها رَسْلاَ ومديح حمزة كثير. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي قال: كان عبد الله بن الزبير أستعمل أبنه حمزة على البصرة، ثم ضمه إليه، فكان معه حتى قتل ابن الزبير، وكانت له منه ناحية. لما بنى ابن الزبير البيت وأنتهى إلى موضع الركن، خاف أن تختلف فيه قريش. فلما حضرت الصلاة قام ابن الزبير يصلي بالناس،
وعمد حمزة إلى الركن فوضعه موضعه اليوم، فلم يفرغ ابن الزبير من صلاته حتى فرغ منه حمزة، وأنصرف ابن الزبير. وأمر حمزة بمال فنثر عليه، وأرضى من تكلم. وقال ابن الزبير: لا أقلعه بعد ما عمله. فثبت حتى اليوم حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان قال: كان ابن الزبير قد جعل محمد بن المنذر بن الزبير على قتال من جاء من المأزِمَيْنِ، وجعل حمزة بن عبد الله على قتال من جاء من المسعى، وجعل هاشم بن عبد الله على قتال من جاء من الردم، فقال في ذلك بعض أصحاب عبد الله بن الزبير: جعلنا سِدادَ المأزِمَيْنِ محمّداً ... وحَمْزَةَ للمسعَى، وللرَّدْم هاشمُ حدثنا الزبير قال، وحدثني عبد الملك بن عبد العزيز قال: أحتاج عبد الرحمن بن فطر، مولى أبن وأبصة المخزومي، إلى ألف دينار سلفاً، وكان سرياً. فأرسل يوسف بن محمد مولى آل عثمان، إلى حمزة بن عبد الله يستقرضه أياها، وكان يوسف بن محمد سَرِياً. قال يوسف بن محمد: فجئت حمزة وهو في قصره بالحياة، فسلمت عليه ثم قلت له: أرسلني إليك مولاك عبد الرحمن بن فطر يستقرضك ألف دينار إلى أن يأتيه شيء ينتظرهز قال: فأمر ببُخْتِيَّةٍ له مري فحلبت في عس، وأمر بجراب في شق البيت فيه سكر
طبرزد مطحون، فطرح منه على اللبن الذي في العس، وشرب وسقاني، ثم دعا بألف دينار فدفعها إلي، فذهبت بها إلى عبد الرحمن بن فطر، فقضى بها حاجته. ولم يلبث إلا يسيراً حتى جاء عبد الرحمن المال الذي كان ينتظر، فبعثنى بألف دينار إلى حمزة، ودعا له. فجئته بها ودعوت له. فدعا بالبُخْتِيَّة فُحلِبت، وأمر بالطَّبَرْزَدِ فطرح على لبنها في العس، فشرب، وناولني فشربت، وأمر بكفتي ميزان، فأتى بهان فصدع الألف دينار فيهما. فلما الميزان قال لي: خذ خمس مئة، وأعطه خمس مئة، وقل له: إنا قوم لا نعود فيما خرج منا. حدثنا الزبير قال، وحدثني يوسف بن عباس قال: أبتاع حمزة ابن عبد الله جملاً من أعرابي بخمسين ديناراً، فنقده ثمنه، فجعل الأعرابي ينظر إلى جَمله ويقول: قد تَنِزعُ الحاجاتُ يا أمّ مالكٍ ... كرائِمَ من ربٍ بهنّ ضَنِينِ فقال حمزة: خذ جَملك، والدنانير لك. فأنصرف بجَمله وبالدنانير. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله: أن حمزة
ومن
ابن عبد الله كان آدم أدلم ضخماً، إذا سافر ركب بُخْتًّيا برحلٍ، فيزيده ذلك عظيماً وجلالة. وتوفي في حياة عبد الملك بن مروان. ومن ولَدِ حمزة بن عبد الله عباد بن حمزة وأمه: هند بنت قُطبة بن هرم بن قُطْبَة بن سيار بن عمرو بن جابر الفزاري. وهَرِم بن قُطْبة الذي حكمه عامر بن الطفيل وعلقمة بن عُلاثَة في منافرتِهما، وفي ذلك يقول لبيد بن ربيعة: يَا هَرِمَ ابنَ الأكرمِينَ مَنْصبَا إنكَ قد وَلِيتَ أمراً مُعْجَبَاً فأحكُمْ وصوب رأس من تصوباَ وعامرٌ خيرُهُما مُرَكَّباَ وعامرٌ أدْنَى لقيسٍ نَسَبَا إن كنتَ تقتافُ الأحبَّ الأقرباَ
وقال في ذلك الأعشى، أعشى بني بكر بن وائل، ينتحل حُكم هرم لعامر بن الطُفيل: عَلْقَمَ ما أنت إلى عامرٍ ... الناقِضِ الأوتارَ والواتِرِ سُدْتَ بني الأحْوَصِ لم تَعْدُهُمْ ... وعامرٌ سادَ بني عامِرِ قد حَكَّموهُ فَقَضى بينَهُمْ ... أبلجُ مثلُ القَمَر الباهرِ لا يأخُذُ الرِّشْوةَ في حُكْمِه ... ولا يُبَالي غَبَنَ الخاسِرِ وقال عمر بن الخطاب في ولايته لهرم بن قُطبة: أي الرجلين كان عندك أشرف؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لو قلتها اليوم لمضت! فقال له عمر: إلى مثلك فلتستبضع الرجال أحلامها. وكان عباد بن حمزة سريا سخيا حلواً، أحسن الناس وجهاً، يضرب المثل بحسنه. وإياه عنى الأحوص حين يقول يصف امرأة: لَهَا حُسنُ عبادٍ وجِسْمُ ابن واقدٍ ... وريحُ أبي حفْصٍ ودينُ ابن نَوْفَلِ عباد بن حمزة، وابن واقد: عثمان بن واقد بن عبد الله بن عمر، وأبو حفص: عمر بن عبد العزيز، كان عطراً، وابن نوفل: أبان، كان بالمدينة، كان فتيانياً.
حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: كان عباد بن حمزة قد ضل من أبيه وهو صغير، فأرسل في طلبه حتى وجد، ففي ذلك يقول عبيد الله بن قيس الرقيات: باتَتْ بحُلْوانَ تبتغيكَ كما ... أرسَلَ أهلُ الوليِدِ في طَلَبِهْ الوليد: عباد بن حمزة. وكان آثر الناس عند أبيه. وكان أبوه أعطاه الربض والنجفة، عينين بواد يقال له الفرع، بين المدينة ومكة، تسقيان أكثر من عشرين ألف نخلة، ولهما قدر عظيم. قال الزبير: وسألت سليمان بن عياش السعدي، وكان من أفقه الناس في الكلام العرب: لم سمى الحجاز حجازاً؟ ولم سميت عين الرُّبُضِ الرُّبُضَ؟ ولم سميت عين النجفَةِ النَّجفَةَ؟ ولم سمى العقيق عقيقاً؟ قال: سمي
الحجاز، لأنه حجز بين تهامة ونجد. قلت: فأين منتهاه؟ قال: ما بين بئر أبيك بالشقرة إلى أثاية العرج. قال: فما وراء بئر أبيك بالشقرة فمن نجد، وما وراء أثالية العرج فمن تهامة. وأما الربض، فإن منابت الأراك في الرمل تدعى الأربلض. وسميت النجفة، لأنها يف نجف الحرة. وسمي العقيق، لأنه عق في الحرة. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: سمعت بدوياً يستقي على بئر أبيك بكر بن عبد الله بالشقرة ويرتجز: بئرُ أبي بكْر وربّ القبْرِ تزدادُ طيباً في أداوَى السَّفْرِ كأنَّ دَلْوَيهاَ جناَحاَ نَسْرِ يدعو له الناسُ غَداةَ النَّحْرِ وليلةَ الأضحَى ويومَ الفِطْرِ حدثنا الزبير قال، وحدثني علي بن صالح، عن هشام بن عروة، عن عروة: أن الفرع أول قرية مارت إسماعيل النبي صلى الله عليه
وسلم، التمر بمكة، وكانت من عمل عادٍ، شقت لها بين جبلين، ثم سلكت بالسيل فيه. حدثنا الزبير قال، وحدثني علي بن صالح، عن عامر بن صالح، عن هشام بن عروة، عن عروة: أن أسماء بنت أبي بكر قالت لعبد الله: أي بني أعمر الفرع. قال: نعم يا أمتاه، لقد عَمِر، واتخذت به أموالاً. قالت: والله لكأني أنظر إليه حين مررنا مهاجرين من مكة، وكأني أرى فيه نخلات، وأسمع نباح كلب. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: أعتمل عبد الله بن الزبير بالفرع عين الفارعة والسنام، وأعتمل عروة بن الزبير عين المهد وعسكر، وأعتمل حمزة بن عبد الله عين الربض والنجفة. قال: وكان حمزة بن عبد الله يقول: ما جاءني سائل قط يكرم على، إلا ظننت أنه يسألني الربض والنجفة.
وزعموا أنه كان جالساً بفناء قصره بظاهر قباء، قافية الحياة، الذي يقول فيه موسى شهوات: بالقَصْرِ قافية الحَيَاةِ لمن أتاهُ، وفوُقَ وائلْ فطلع عليه عمه جعفر بن الزبير راكباً على فرس كان له أيام عبد الله أبن الزبير، فسلم جعفر، فرد عليه حمزة ورحب به وقال: أنزل يا عم. قال: لا والله لا أنزل أو تقضى حاجتي. قال: وما حاجتي. قال: وما حاجتك؟ قال: لا أخبرك بها حتى تقول نغم. قال: فتغير وجه حمزة، ثم قال: نعم. قال جعفر: إني خرجت إليك من منزلي على فرسي هذا، والله ما أتمسك به إلا صبابة بذكر أبيك، كنت أحضر معه عليه القتال، قد عرفت ذلك، أسألك أن تقضي عن ألف دينار علي، وتأمر لي بجارية تخدمني وتخدم فرسي. فأسفر وجه حمزة، ودعا له بألف دينار، وبجارية رضيها جعفر فدفعها إليه. فأردف الجارية خلفه، وأخذ الألف فوضعها بين يديه، وأنصرف ولم ينزل. فقال عباد بن حمزة لأبيه حين ذهب جعفر: يا أبة، ما أشد ما شقت عليك مسألة جعفر، حتى عرفت التغيير في وجهك، ثم يا أبة، ما أشد ما شقت عليك مسألة جعفر، حتى عرفت التغيير في وجهك، ثم أسفر حين عرفت ما يطلب! قال: يا بني، ما ظننته إلا يسألني الربض والنجفة، ولو فعل ما رجع إلا بهما، وقد وهبتهما لك: فحازهما عباد في حياة أبيه، حتى مات وهما في يده، فقام عليه أخوته بنو حمزة، فخاصموه إلى عمر بن عبد العزيز وهو والي المدينة زمان عبد الملك بن مروان، فقضى بهما لعباد. وكان عامر بن حمزة، وأمه أم ولد، من سَرَوات آل الزبير
وجلدائهم، فيمن خاصمه. فلما قضى عليهم عمر لعباد، وجعل عامر بعد ذلك بيسير يغدو إلى عمر بن عبد العزيز ويروح في أجراد من ثيابه، فيتغدى معه ويتعشى، فوقع في نفس عمر بن عبد العزيز مع الذي رأى من ظاهر كسوته، ويتعشى، فوقع في نفس عمر بن عبد العزيز مع الذي رأى من ظاهر كسوته، أن به إلى ذلك حاجة، وأن أباه أجحف به فيما صنع بعباد. فأرسل إلى عباد فقال له: إني كنت قضيت لك بالربض والنجفة، وقد رأيت غير ذلك ولا أراني إلا سأكر النظر في أمرك وأمر إخوتِك. فقال له عباد: إن الذي رأيت من أخي إنما هو مكر منه، والله ما به إليه حاجة، وما أخذت هاتين العينين لأستأثر بهما، وأنا أشهدك أني قد أسلمتهما إليهم، ورددتهما ميراثاً. فجزاه عمر خيراً، وصارتا ميراثاً، فاقتسمتا. وليس لعامر بن حمزة عقب إلا من قبل النساء. بنته فأخته بنت عامر بن حمزة، كانت عند نافع بن ثابت، فولدت له عبد الله الأكبر بن نافع وأمه الجبار، ولا ولد لها. وتصدق عامر بن حمزة بحقه بالربض على بنيه فأخته وأسماء وعلى أعقابهما. فأما أسماء فولدت محمد بن عمر بن المنذر بن الزبير، وقد أنقرض ولدهما، وصارت تلك الصدقة لولد عبد الله بن نافع الأكبر.
وهلك عامر بن حمزة بواسط، عند خالد بن عبد الله القسري، فقال عروة بن أذينة يرثيه، أخبرتني ذلك ظبية مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب، عن يحيى بن جعفر بن مصعب بن الزبير: مَن لعينٍ كثيرةِ الهَمَلانِ ... ولُحزْنٍ قد شَفَّنِي وبرَانِي أنْ تولَّى أخي وعارفُ حقِّي ... وأمينِي في السّرّ والإعلانِ عامِرٌ مَنْ كعَامِر يرقَعُ الثَّلْمَ ويكفيكَ حضرةَ السلطانِ حيثُ لا يَنفَعُ الضَّيفُ ولا للوَغْلِ في الجدِّ بالفِئَامِ يدَانِ فَثَوى بالعراقِ رَمْساً غرِيباً ... لا بدارٍ ولا حَرَى أوطانِ نائياً عن بَنِي الزُّبَيْر مُقِيماً ... بين أنهارِ واسطٍ والجِنانِ سِّيداً وابنَ سادةٍ يَشْتَرُونَ الحَمْدَ قِدْماً بأرْبحِ الأثمانِ قدَّمُوا أفضل المكارِم مَجْداً ... ولهُمْ سِرُّ كُلِّ عِرْقٍ هِجَانِ ورّثوه مَجْدَ الحياةِ فَثَبَّى ... مَجْدَ بانٍ أشادَ في البُنْيانِ بقيامٍ على الجسيم من الأمْ ... رِ وضَغمٍ للمُتْرَف الحَيْرَانِ وانصراف عن جَهْل ذي الرَّحِم المُفْرِطِ لَوْ شاءَ نالَهُ بهَوانِ منْ يَلُمْ في بُكائِه لا أطِعْهُ ... وأقُلْ: مثْلُ عامرٍ أبْكانِي مَنْ يُصَادِى سُخْطٍى ويحلُمُ عنّي ... وإذا قلت: من لأمرِي؟ كفانِي
حدثنا الزبير قال، وحدثتنا ظبية: أنها سمعت يحيى بن جعفر أبن مصعب ينشد لعروة بن أذينة، يرثى عامر بن حمزة: أرقت فما أنام ولا أنيم ... وجاء بحزني الليل البهيم وأصبح عامر قد هد ركني ... وفارقني به اللطف الحميم فكان ثمالنا تأوى إليه ... أراملنا وعائلنا اليتيم ومدره خصمنا في كل أمر ... له تجذو على الركب الخصوم وقيمنا على الجلى بجد ... إذا ما الكرب أفظع من يقوم أتى الركبان بالأخبار تهوى ... بها وبهم حراجيج هجوم فقالوا قد تركناه سقيماً ... فما صدقوا، ولا صح السقيم فعز على أن القوم آبوا ... وأنت بواسط جدث مقيم جزاك الله خيراً حيث أمست ... من البلدان أعظمك الرميم فنعم الشيء كنت، وليس شيء ... من الدنيا وما فيها يدوم تضعضع جل قومك واستكانوا ... لفقدك، إنه حدث عظيم قضى نحباً فبان، وكان حصناً ... يعوذ به المدفع والغريم يريش الأقربين ويطبيهم ... ولا يبرى كما يبرى القدوم وهي أكثر من هذه.
ومن ولد حمزة بن عبد الله:
ومن ولَدِ حمزة بن عبد الله: سليمان بن حمزة أمه: أم الخطاب بنت شيبة بن عبد الله أبن أبي الحَيْسِ، وهو عبد الله بن شريك بن أنس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل وأمها: أم سلمة بنت عمرو بن سعد بن معاذ وأمها: أم حبيب بنت جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام ليس لسليمان عقب إلا من قبل النساء. ومن ولَدِ حمزة بن عبد الله: هاشم بن حمزة أمه أم ولد، وله عِقبٌ. وكان من رجال آل الزبير وذوي هيئاتهم. وكان من أوصى منهم عهد إليه، وكان يقوم في ذلك بالأمانة والكفاية. ومن ولَدِ حمزة بن عبد الله: إبراهيم، لأم ولد، لم يبق من ولده رجلٌ.
ومن ولد حمزة بن عبد الله بن الزبير:
وعبد الواحد بن حمزة، لم يبق من ولده أحد ينتسب إليه في جذم نسبه. وكانت عند عبد الواحد بن حمزة، ميمونة بنت الزبير بن الحارث بن العباس ابن عبد المطلب وأمها: أم العباس بنت عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. ولأم ولد، ولدت له امرأة لم تعقب، يقال لها أم العباس. وكان عبد الواحد شرس الخلق، وكان يقول: لي رأيان، أحدهما إنسي، والآخر وحشي، ولم أنتفع قط إلا بالوحشي. وكان عباد بن حمزة سيد بني حمزة وأكبرهم، وكان كثيراً ما يأتي عبد الواحد بن حمزة فيقول: إني حلفت أن لا أتغدى اليوم إلا عندك. فيسبه عبد الواحد ويقول: أخذت أموالنا ففعلت بها وفعلت بها، ثم جئت تفكه بي، فعل الله بك وفعل! ويقول عباد بن حمزة لنفسه: ذوقي! فيقول عبد الواحد: قد علمت أنك لم تأتني صبابة بي، إنما جئت تعاقب بي نفسك. بطرت نعمتها فجئت تؤدبها، أما والله لأشفينك منها، ولأسمعنها ما يسوئها، أما الطعام فلا نمنعنك منه. قال عباد: فوالله ما أخرج من عنده حتى يصلح لي من نفسي ما فسد، وتقول لي: لا أعود. ومن ولد حمزة بن عبد الله بن الزبير: أبو بكر، ويحيى، أبنا حمزة بن عبد الله بن الزبير أمهما: فاطمة بنت القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب وأمها: أم كلثوم بنت عبد الله
ابن جعفر بن أبي طالب وأمها: زينب بنت علي بن أبي طالب وأمها: فاطمة بنت رسول الله. وأخوهما لأمهما: إبراهيم بن طلحة بن عمر بن عبيد الله ابن معمر. قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: زعموا أن حمزة ابن عبد الله نظر إلى فاطمة بنت القاسم تبكي عند رأسه وهو يموت، فقال لها: أما والله لكأني بالأعيرج طلحة بن عمر وقد أرسل إليك إذا حللت فتزوجته، قالت: كل مملوك لها فهو حر، وكل شيء لها فهو في سبيل الله إن تزوجته أبداً. فلما حلت أرسل إليها طلحة بن عمر: إني قد علمت يمينك، فلك بكل شيء شيئان. وأصدقها ثلاثمئة ألف درهم، فتزوجته، فولدت له: إبراهيم، ورملة، بني طلحة. حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان مثل حديث عمي، إلا أنه قال: فكان الذي غرم لها فيما حنثت وأصدقها، أربعين ألف دينار. وأما أبو بكر بن حمزة، فلم يكن له ولد غلا امرأتان: خديجة، وحبابة، ويقال: صفية.
فأما حبابة، فكانت عند محمد بن سعيد بن عبد الملك بن مروان، فولدت له. وأما خديجة، فكانت عند سعيد بن عبد الملك بن مروان، فولدت له: حمزة، ومسلمة، ابني سعيد. وعاش أحدهما حتى مات في زمان الرشيد. وكان يسكن اشتراه منه أبي: أبو بكر بن عبد الله بن مصعب، ومن أخيه أبي صفوان أبن سعيد بن عبد الملك. وهلك ولد خديجة، فليس لبي بكر بن حمزة بن عبد الله ولد من قبل الرجال. حدثنا الزبير قال، وحدثني يحيى بن محمد بن طلحة: أن سماعة أبن أشول الأسدي، عارض رجلاً من قريش قد سماه لين وهو ساعٍ فمدحه، فأمر به فأستوثق منه، ثم قال: ألم أخبر أنك تعترض للسعاة فتمدحهم، فإن أعطوك سخرت بهم في شعرك، وإن لم يعطوك هجوتهم وقصبت أنسابهم! ثم أمر به فلطم حتى كاد يبخع، قال: فذلك قول سماعة: مَدَحتُ أبا بكْرٍ فكان ثوابُهُ ... على مِدْحَتِى، وَجْأ القفا والأخادِعِ حَبَاني، حَبَاهُ الله بالنُّصْبِ والأذَى ... بأحمرَ تَيّازٍ جُلاَلِ الأصابعِ
فقال لهُ: اُلْكزْ في قَفاهُ، فما انتَهَى ... من الَّلكُزِ حتى قلت: هل أنت رافعُ فلو كانَ من آل الزُّبير أثابني ... ولكن أعلى سَمْكِهِ مُتَوَاضِعُ ولو بأبي بكرِ بن حمزةَ ناقتي ... أناخَتْ، لجادَتْها النِّجَاء الروائعُ أولئك قومٌ يَثْمُنُ المدحُ عندهُمْ ... إذا كسَدَتْ سُوقُ المديحِ الشرائِع حدثنا الزبير قال، وحدثني أبو غزية محمد بن موسى الأنصاري قال: خطب أبو بكر بن حمزة بن عبد الله امرأة من قريش، فأرسلت إليه: إني لا أريد التزوج، ولو أردته ما عدوتك، ولكنت لذلك أهلاً. فبلغت القصة داود بن سلم فقال: اللهُ يعلَمُ ما صَاحَبْتُ من أحَدٍ ... خيراً وأكْرَمَ منهُ حين يُحْتصَلُ إما لِحمْزةَ أو عبَّادِ والدِهِ ... أو ثابتٍ، منْهُ جَزْلُ الرأيِ والجَدَلُ قومٌ يَقُونَ بأمْوَال وإن عَظُمَتْ ... أعْراضَهم، ويرَوْنَ الغُنْمَ ما فَعَلُوا إنّ الزُّبَيْرَ وأيَّاماً خَلَوْن لَهُ ... مَعَ النَّبيِّ، بها قدْ يُضْرَب المثَلُ
ثُمَّ العِبادةُ والإقدامُ قد عُرِفاَ ... لأبن الزُّبير إذا ما قيل: ما الرَّجُل فأينَ لا أينَ عنْهُمْ مَعْدِلٌ أبداً ... هُمُ الكرامُ إذا ما حُمِّلوا احتملُوا أنْبِئْتُ خَوْدَ بني اللَّكْعَاء أنبأهَا ... قدرٌ جَسِيمٌ وعِرْضٌ ليسَ يُبْتَذَلُ لو كان يَنْكِحُ شَمْسَ الناسِ من أحَدٍ ... لكانت الشمسُ في أبْياتِهِمْ تَفِلُ أو كان يبلُغُ حَذْوَ النجمِ ذو شَرَفٍ ... لكانَ جارَهُمُ في جَوِّها زُحَلُ أو كانَ يَعْدِلُ عن قومٍ لفَضْلِهِمُ ... رَيْبُ المَنُونِ لما وافاهُمُ الأجلُ ما إنْ لهُم ولكُمْ شِبْهٌ ولا مَثَلٌ ... إلاَّ البُرُودُ وسَحْقُ البُرْدةِ القَمِلُ فأرسل إليه أبو بكر: إن امرأة لم تردنا رد مكروه، فأقسمت عليك إلا أمسكت عنها، وإنما هي امرأة. فقال: أما والله لولا تقدمك إلى لَهجوتُها بمئة شعر. فبلغ المرأة بعد ما كان منه. فبعثت إليه: أن أخْطُبْنيِ فإني غير رادتك. فأرسل إليها: إن الذي كان فينا قبل الذي عطفك علينا، هو كان أولى أن تصيري به إلى قضاء حاجتنا، ولو علمت حين خطبتك أنك لا تريني خيراً منك ما خطبتك، لا حاجة لي فيك. فتزوجها بعد رجل من قريش كان مكثراً، فأساء إليها، فكانت تقول: ابن الزبير وتمرة خير منك والدنيا لك! فكان يقول لها: إن الله عاقبك له بي! فتقول: صدقت والله. فقال داود عند ذلك: لقد خُبِّرْتُ زينَبَ حينَ تشكُو ... تقولُ لِترْبهِا: هذِى ذُنُوبِي
أجَلْ، وبَقِى كثيرٌ لم تَرَيْهِ ... لحَاكِ اللهُ، منْ عَجَبٍ عَجيِبِ أبعدَ ابنِ الزُّبير نكَحْتُِ بَعْلاً ... فأَين المِلْحُ مِنْ ماء عَذُوبِ حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان قال: قال إسماعيل ابن يسار النساء، يرثى أبا بكر بن حمزة بن عبد الله بن الزبير. غُلِبَ العزاءُ وفاتَنِي صَبْري ... لمَّا نَعَى الناعِي أبا بَكْرِ وأقولُ أعْوِلُهُ وقد ذَرَفتْ ... عَيْني فماءُ شُؤُونها يَجْرِي أنَّى وأيُّ فتًى يكونُ لَنَا ... شَرْواكَ عند بَوازِمِ الأمرِ لِدِفاعِ خصْمٍ ذِي مُشَاغَبَةٍ ... ولعائِلٍ تَرِبٍ أخى فَقْرِ ولعَمْرُ مَنْ حُبِس المَطِىُّ لَهُ ... بالأخْشَبَيْنِ صَبيحَة النَّحْرِ لو كانَ نيلُ الخُلْدِ أدركَهُ ... بَشَرٌ بِطِيب الخِيم والخَيْرِ لغَبَرْتَ لا تخشَى المَنُون ومَا ... نالتْك نَبْلُ غوائلِ الدَّهرِ قال: وهي طويلة. قال، وأنشدني مصعب بن عثمان لإسماعيل بن يسار النساء، يرثى أبا بكر بن حمزة: أحِينَ بلغْتَ ما كُنَّا نُرَجِّي ... وكنتَ على أنُوفِ الكاشحِيناَ
ومن
أبا بكْرٍ ثَوَيْتَ رَهِينَ رَمْسٍ ... يَخْبُّ بَنْعيِك المُتَعجِّلُوناَ وهي طويلة. حدثنا قال، وحدثتني ظبية مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب قالت: أنشدني يحيى بن جعفر بن مصعب بن الزبير، لعروة بن أذينة، يرثى يحيى بن حمزة بن عبد الله بن الزبير: مَضَى يَحْيَى بنُ حمزةَ حين وَلَّي ... وغالتْهُ عن الإخْوانِ غُولُ حَمِيدَ الوُدّ لا يُزْرِى عليهِ ... مُؤَاخٍ في الإِخاء ولا دَخِيلُ ومن وَلَدِ يحيى بن حمزة أبو بكر، ومحمد، أبنا يحيى وأمهما: بهيسة بنت النعمان بن أبي حبيبة بن الأزعر الأنصاري وأمهما: أم حبيب بنت عبد الله بن حنظلة ابن أبي عامر بن صبفي وكان لهما حظ وقدر. وكان أبو بكر بن يحيى سيد آل الزبير تحبباً إليهم، ونفاسة ومحبة فيهم، وكان ميلاً.
فحدثني مصعب بن عثمان قال: كان أبو بكر بن يحيى بن حمزة يجري على واحد من صديقه، لكل واحد منهم خمسة دنانير في كل شهر، ويقتات هو وعياله في منزله الشعير. قال الزبير: أنشد أبي وعمي لجدي عبد الله بن مصعب، يرثى أبا بكر بن يحيى بن حمزة: وَلِعَتْ دموعُ العينِ بالهَمْرِ ... لما نَعَى النَّاعي أبا بَكْرِ لمُصِيبةٍ أبْدتْ قوارعُها ... في الصَّدْر مثل تَلهُّب الجمْرِ ما نِمْتُ مُرْتَفِقاً يَضيقُ بما ... أخفَيْتُ من بُرَحئها صَدْرِي ليلَ التمِّاَمِ من العِشاء إلَى ... أن قيلَ طلعَتْ ذُرَى الفجْرِ ماذا لقيتُ غَداةَ يُخْبرني ... ناعٍ نَعاكَ لنا ولا يَدْرِي حتى رأى البُرَحاء تأخذني ... تَتْرَى ووأكفَ عَبْرةٍ تجري فلأحلفنَّ يَمينَ مُجْتَهدٍ ... بالمُوجِفين صبيحةَ النَّحْرِ لا ينقضِي حُزْني عليك ولا ... نَعتاضُ مثلكَ آخرَ الدَّهرِ من لا يذمُّ أخٌ خلائقَهُ ... أبداً، ولا يُخْشَى على غَدْرِ بل تستقيم لهُمْ طريقتُهُ ... ويزيدُ عندهُمُ على الحبْرِ وقال ابن صبح المزني، يمدح هاشم بن يحيى بن هاشم ابن حمزة:
فَمَنْ سائلي عن هاشم كيف هاشِمُ ... فإنا وجدنا هاشِماً خيرَ هاشمِ وجدنا فتًي أفضَتْ إليه جُدُودُه ... بِبَنْيِ المعالي واكتسابِ المكارمِ وقال إسماعيل بن يعقوب التيمي، ليحيى بن أبي بكر بن يحيى بن حمزة: ماتَ مَنْ يُنْكِرُ الظُّلاَمة إلاّ ... مَضْرَحِيٌّ يُدَمِّنُ الجَثْجانَةْ لِعَلِيّ وجعفرٍ ذي الجَنَاحَيْنِ وبنتِ النبيّ خيرِ الثلاثَةْ " الجثاثة ": بادية من بوادي المدينة، أقصاها على سبعة عشر ميلاً، وأدناها على ستة عشر ميلاً بالميل الصغير، بها منازل لآل حمزة وعباد وثابت، بني عبد الله بن الزبير، كان أتخذها عبد الله بن الزبير. وأم يحيى بن أبي بكر بن يحيى بن حمزة: عائشة، ويقال لها: المسكينة، بنت سليمان بن حمزة بن عبد الله بن الزبير وأمها: حفصة بنت عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن معاذ.
ومن
ولم يبق ليحيى بن حمزة ولد ينسب إليه في جذم نسبه، إلا آمنة بنت أبي بكر بن يحيى بن حمزة. وفي ولد الزبير جماعة قد ولدهم يحيى بن حمزة من قبل النساء. ومن وَلَدِ عَبّادِ بن حمزة يحيى بن الزبير بن عباد بن حمزة، شيخ آل الزبير ووالي صدقتهم. وسمعته في السنة التي مات فيها يقول: هذه لي سبع وثمانون سنة. وكان له فضل وسخاء، وكان قد أعتزل هو وعبد الله بن عبد العزيز العمري، وزوج كل واحد منهما صاحبه. وكان أمير المؤمنين المهدي قد جهد بيحيى بن الزبير أن يخرج معه، في قدمه قدمها أمير المؤمنين المهدي المدينة، ودعاه إلى نفسه. فأعتذر إليه بسن أمه، وأنه يخاف أن تموت وليس حاضرها. فقال له أمير المؤمنين المهدي: نجعل لها في محمل وتخرج معنا. فقال: أخرجها على الكبر من بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتموت بغيرها! إني إذا لولد سوء لها. فتركه.
ولد عباد بن حمزة
وقد أنقرض ولد عباد بن حمزة، إلا رجلاً ونُسَيَّاتٍ. هؤلاء ولد حمزة بن عبد الله بن الزبير. وأما عباد بن عبد الله بن الزبير، فكان عظيم القدر عند عبد الله ابن الزبير، وكان على قضائه بمكة، وكان الناس يظنون إن حدث بعبد الله بن الزبير حدث أنه يعهد إليه بالإمرة، وكان يستخلفه إذا خرج إلى الحج. وكان أصدق الناس لهجة. وأوصى إليه أخوه ثابت بن عبد الله بن الزبير بولده. قال الزبير: قال عمي مصعب بن عبد الله: وكان عباد بن عبد الله قصداً وقاداً.
ولد عباد بن عبد الله بن الزبير ثلاثة نفر: محمداً، وصالحاً أمهما: خديجة بنت عبد الله حكيم بن حزام وأمها: سارة بنت الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب. ويحيى بن عباد أمه: عائشة بنت عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام بن المغيرة وأمها: أم حسن بنت الزبير بن العوام وأمها: أسماء بنت أبي بكر الصديق. وكان محمد بن عباد شيخ بني عباد وسِنَّهُمْ، وكان له قدر وفضل وشرف في نفسه، له يقول موسى شهوات: قالتْ قريشٌ وخيرُ الزَّعْمِ أصدقُهُ ... إن ابنَ عبَّادِ فيها والدٌ حَدِبُ آلُ الزُّبير خِيارُ الناس قد علمُوا ... وأنت فيهم سَنَام المجدِ والحَسَبُ إذا رأتْهُ قريشٌ بأنَ فِيه لهَا ... سَمْتٌ جميلٌ وهَدْيٌ زانَهُ الأدَبُ بين الخَليفةِ والصَّدِّيق مَنْبِتُهُ ... ثُمَّ الزُّبيرُ أبُوهُ مَنْصِبٌ عَجَبُ ماَ ضَرَّه حين عبَّادٌ لَه نسبٌ ... أن لا يكونَ له في غْيِرِه أرَبُ طابَتْ مَضَاربهُ واللهُ زينّهَا ... فليسَ في عُودِه وصْمٌ ولا وَكَبُ حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال، أخبرني
الزبير بن خبيب، عن أبيه خبيب بن ثابت قال: خرجنا مع محمد بن عباد إلى العمرة، فإنا لبقرب قديد، إذ لحقنا الأحوص الشاعر على جمل برحل، فقال: الحمد لله الذي وفقكم لي، ما أحب أنكم غيركم، ما زلت أحرك جملي في آثاركم منذ رفعتم لي ولا أعرفكم، فازددت بكم غبطة حين عرفتكم. فأقبل عليه محمد بن عباد فقال: لكنا والله ما غبطنا أنفسنا بك، ولا نحب مسايرتك. فتقدم عنا أو تأخر. فقال: والله ما رأيت كاليوم جواباً! قال: هو ذاك. وكان محمد رجلاً جدياً يكره الباطل وأهله، فأشفقنا مما صنع، ولم نستطيع أن نرد عليه، ونحن معه عدة من آل الزبير. وتقدم عنا الأحوص، ولم يكن لي شأن غيره أن أعتذر إليه، وأفرق من محمد. فلما هبطنا من المشلل على خيمتي أم معبد، سمعت الأحوص يهمهم بشيء، فتفهمته، وهو قد بدرني، ومحمد خلف خيمتي أم معبد، فإذا هو يقول: " خيمتي أم معبد "، " محمد "، كأنه يهيئ القوافي. فأمسكت راحلتي حتى لحقني محمد، فقلت: إنى سمعت هذا يهيئ بك القوافي، فإما تركتنا فاعتذرنا إليه وأرضيناه، وإما خليت بيننا وبينه فضر بناه، فإنا لا نصادفه في أخلى من هذا المكان. فقال: كلا، إن سعد ابن مصعب قد أخذ عليه أن لا يهجو زبيرياً أبداً، وإن فعل رجوت أن يخزيه الله، دعه. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله، عن أبيه، وعن الزبير بن خبيب، عن خبيب بن ثابت، عن محمد بن عباد قال: خرجت أسير وراء عبد الله بن الزبير يوم النحر، فإذا قعقعة سلاح أصحاب نجدة الحروري يصيحون: " لا حكم إلا الله " ز فقال جدي: ما هذا الصوت؟ فقلت: نجدة وأصحابه. فقال: أرجع إليهم فقل لهم: " لا حكم إلا الله "، وإن زعم أنف نجدة. فرجعت إليهم فقلتك " لا حكم إلا الله "، وإن رغم نف نجدة. فرجعوا. حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن نافع قال: خرج محمد بن عباد يريد صدقته بنمرة، فعرض له ثلاث طرق، فقال له بعض من معه: أيها تحب أن تسلك؟ فأشار إلى طريق منها فقال: ما اسم هذه الطريق؟ قالوا: الحشرج. فكرهها وقال: ما اسم هذه الأخرى؟ قالوا: المخلة. فكرهها وقال: ما اسم هذه الثالثة؟ قالوا: نقم. فكرهها وقال: مروا بي من أسفل إستارة. فلم يكن يمر إلى صدقته بنمرة إلا من أسفل إستارة، وذلك أبعد بكثير. وليس لمحمد بن عباد عقب.
وأما صالح بن عباد، فله عبد الله بن صالح أمه: أم عثمان بنت عبد الرحمن بن المغيرة بن الأخنس بن شريق وأمها: ميمونة بنت عدي ابن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وأمها: أم قتال بنت أسيد ابن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس وأمها: زينب بنت أبي عمرو ابن أمية. وكان عبد الله بن صالح سيداً في آل الزبير فضلاً وشرفاً ومحبة فيهم، وكان والي صدقتهم. وكان يلقى الغلام الشاب من آل الزبير، فيتكئ على يده ويحدثه ويسأله عن أمره، ويؤانسه حتى يسترسل إليه الفتى ويخبره بأمره، فيصر له صرة من الدنانير، الثلاثين وأكثر وأقل، فيقول: خذ هذه فأستعن بها على أمرك، ولا يعلمن أبوك، فإني لا أعلمه. وربما بعث إلى الجارية وهي في منزل أبيها بشبيه بذلك: استعيني بهذا على أمرك، ولا يعلمن أبوك. وكان لهم كالوالد. وله ولد. وإما يحيى بن عباد، فهلك وهو شاب ابن سبع وثلاثين، أو ست وثلاثين سنة. وكانت المروة قد بكرت عليه.
ومن
وكان ابن إسحاق يكثر الحديث عنه. وفي ولده عدد آل عباد. وكان يعقوب بن يحيى بن عباد والي صدقة آل الزبير وصدقة عباد. وكان معروفاً بالفضل. وأم يعقوب، وعبد الوهاب، ابني يحيى بن عباد: أسماء بنت ثابت بن عبد الله بن الزبير وأمها: صفية بنت عبد الله بن سعد ابن أبي وقاص وأمها: آمنة بنت المسور بن مخرمة بن أهيب بن عبد مناف ابن زهرة. ومن ولد عباد بن عبد الله بن الزبير عبد العزيز بن عبد الوهاب، كان من وجوه قريش وأهل السودد فيهمز وتوفى وهو ابن ثلاث وستين سنة، في سنة المئتين. وعبد الملك بن يحيى، ولي من بعده صدقة الزبير وصدقة عباد. وكان من أهل الفضل والمروءة. وكان أمير المؤمنين المهدي قد كتب إلى والي المدينة يأمره أن يشخص إليه رجلاً يرضاه أهل البلد، يقوم بحوائج أهل المدينة عنده. فأجمع
أهل المدينة على عبد الملك بن يحيى، وسألوه أن يخرج، فخرج في ذلك ورفع حوتئجهم، وأقام بالعراق يطالبها. وكان رجلاً موسراً، وباع من أبي عبيد الله عيناً له يقال لها ملح بساية بعشرة آلاف دينار. ثم جاءه كتاب أنه ولد له غلام، ولم يكن له ابن قبل ذلك، فاستقال أبا عبيد الله، فأقاله، وانصرف إلى المدينة. وأمه أم ولد. وكان ربما قال من الشعر الأبيات. حدثنا الزبير قال، أخبرني موسى بن أبي مروان أنه أنشده لنفسه: ولقد قُلْتُ لبكّارٍ وعثمانَ ويَعْلَى إنَّماَ مَرْيَمُ همّي جُعِلَتْ للقلب شُغْلاَ أوْثِقُوا غُلِّى هُدِيتُهْم وأجعلُوا لِلغُلِّ قُفْلاَ لا أرِيمُ الدَّارَ أني طالبٌ في الدارِ ذَحْلاَ وقال في عينه التي يدعي خيفها منكوب، واسم عينها عين الرضا، وكان يقال لخيفها محبوب:
وجَدنا بحمْدِ اللهِ مَاءً ومَزْرَعاً ... وعَيْناً رَوَاءً بالمسَاحِي تفَجَّرُ فعيْنُ الرّضا عمّا قليلٍ غزيرةٌ ... وساكنُ محبوبٍ يُحَيَّي ويُنْشَرُ حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن داود بن عيسى قال، حدثني أبي قال: تزوجت بأسماء بنت بكر بن عبد الله بن صالح بن عبد الله بن الزبير، فكانت أكرم حرة وأجزله. ثم توفيت عندي، فوجدت عليها وجداً شديداً. وتوحشت. فأرسل أبي موسى من يرتاد له ولأخي موسى ولي ولغيري من ولده، نسوة من قريش بالمدينة، يتزوج فيهن ويزوجنا. فجاءه علم ذلك، فقال لي: يا بني، قد وجدت لك بنت عمتها، وشريكتها في نسبها، أم حسن بنت عبد الملك بن يحيى. وأراد أمير المؤمنين المهدي مكة ومرور المدينة، فقال لأبي موسى: هل لك حاجة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أرسلت مولاة لي، فنظرت لي ولعدة من ولدي نسوة من قريش نتزوجهن، فأحب أن تولى أنت تزويجنا. قال له: لست أرضى بنظر مولاتك حتى أرسل أنا مولاة من عندي تنظر لكم. قال: فقدم المهدي المدينة، فأرسل إلى ولاتهن فحضروا، فخطب خطبة زوج فيها أبا موسى، ثم خطب خطبة زوجنا جميعاً فيها. فلما
فرغ قال لهم الربيع: قوموا فقبلوا يد أمير المؤمنين واشكروه، ففعلوا جميعاً إلا عبد الملك بن يحيى، قال للربيع: وأي موضع شكر هذا؟ وقام فخرج. فقال أمير المؤمنين المهدي للربيع: ما قلت له وقال لك؟ فأخبره، قال له: صدق، وأي موضع شكر هذا! وقال محمد بن عبد الملك الأسدي، يمدح عبد الملك بن يحيى: أمدَحْ كريمَ بني العوامِ إن لَهُ ... مناقباً لم يَنلْهَا قبلَهُ بَشَرُ حاشَى النبيِّ وقَومٍ قد مَضَوْا مَعَهُ ... هُمُ الذين إليه دارَهُم هَجَرُوا أعنِي ابنَ يحيى بن عبّادٍ فإنّ لهُ ... سوابقَ المجْدِ قد قرّتْ بها مُضَرُ عبدَ المليك الذي عمَّتْ صَنائعهُ ... كما يَعُمُّ البلادَ المَحْلَةَ المَطُر قد أحكمْتُه النُّهَي في حُسْنِ تجرِبةٍ ... فهو البصيرُ بما يأتي وما يَذَرَ أني وجدتُ بني يحيى إذا جُهِرُوا ... هُمُ البحورُ بُحُورُ المجْدِ والغُرَرُ وقال أيضاً يمدحه:
إنّ الكِرَامَ جَرَوْا حتى إذا احتفَلُوا ... وجَاشَ كُلُّ كريم الجرْيِ سَبَّاقِ وأبصَرَ الناسُ من يَفْرِي ذَوِي مَهَلٍ ... ضافٍ وعّزٍ وأحْلاَمٍ وأعراقِ لاحَ ابن يحيىَ أمَام السابقين كَمَا ... لاحَ الصَّباحُ بفَجْرٍ قبلَ إشراقِ عبد المليك الذي فاضت صنائعُهُ ... على القبائل من عُرْفٍ وإطلاقِ وتوفي عبد الملك بن يحيى وهو ابن ثلاث وستين سنة. هؤلاء ولد عباد بن عبد الله بن الزبير. وأما ثابت بن عبد الله بن الزبير، فكان لسان آل الزبير جلداً وفصاحة وبياناً. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: لم يزل بنو عبد الله بن الزبير، خبيب وحمزة وعباد وثابت، عند جدهم منظور بن زبان بالبادية، يرعون عليه الإبل كما يفعل عبيدة، حتى تحرك ثابت فقال لإخوته:
انطلقوا بنا نلحق بأبينا. فركبوا بعض الإبل حتى قدموا على أبيهم، واتبعهم منظور فقدم على آثارهم، فقال لعبد الله بن الزبير: أردد على أعبدي هؤلاء. فقال: إنهم قد كبروا واحتاجوا إلى أن نعلمهم القرآن، ولا سبيل إليهم. قال: أما إن الذي صنع بهم الصنيع أبنك هذا، ومازلت أخافها منذ كبرز يعني ثابتاً. حدثنا الزبير قال، قال عمي مصعب عبد الله: فزعموا أن ثابتاً جمع القرآن أولهم، جمعه في ثمانية أشهر. وزوجة عبد الله بن الزبير قبلهم بنت ابن أبي عتيق، عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، فولدت له جاريتين، يقال لإحداهما حكمة. وكان يكنى أبا حكمة. وكان زمعة يكنى أبا حكيمة. وزوجها عيسى بن مصعب المقتول مع أبيه، وماتت عنده. ثم خطب الأخرى، فأبى عبد الله أن يزوجه إياها، فماتت ولم تزوج. وكان ثابت يشهد القتال مع أبيه ويبارز بين يديه، فعل ذلك غير مرة.
وكان حمزة بن عبد الله بن الزبير قد قال لبني عبد الله: لا تطلبوا أموالكم من عبد الملك - حين قبضها - وأنا أنفق عليكم. فأبى ثابت بن عبد الله، وقدم على عبد الملك بن مروان، فدخل عليه، فأكرمه، ورد على ولد عبد الله بعض أموالهم بكلامه، وأنصرف بها ثابت معه. حدثنا الزبير قال، وحدثني سعيد بن عمرو بن الزبير بن عمرو بن عمرو بن الزبير قال: أخبرني شيخ من أهل أيلة، عن أبيه قال: بينا أنا في حمام بأيلة، إذ دخل على فتى صبيح علمت أنه من العرب حين رأيته، فسألته من هو؟ فقال: ثابت بن عبد الله بن الزبير، ثم قال: لمّا رأيتُ أنَّها إحْدَى الإحَدْ وبَرَق الموتُ لناَ ثم رَعَدْ أمَّمتُ هذا الخليفةَ الأسَدْ حدثنا الزبير قال، حدثني عمي مصعب بن عبد الله، ومصعب ابن عثمان، عن جدي عبد الله بن مصعب، يختلفان في بعضه، وقد كان عمي حدثني بعض ذلك، وكتبته في كتاب النسب الثامن، قال: كان عبد الملك
أبن مروان قد كتب إلى هشام بن إسماعيل يأمره أن يقيم آل علي عند المنبر يشتمون علي بن أبي طالب، ويقيم آل الزبير عند منبر يشتمون الزبير وعبد الله بن الزبير. فقال آل علي وآل الزبير: والله لا نفعل حتى نموت! وتكفنوا وتحنطوا. فركبت إلى هشام أخته فقالت له: يا أحول مشئوماً، أما تخاف أن تكون الأحوال الذي على يديه هلاك قريش؟ تأمر القوم أن يسبوا آبائهم! أتراهم يفعلون حتى يموتوا؟! فقال لها: فما أصنع؟ كتب إلى أمير المؤمنين بذلك، ولا يحتمل لي أن أراجعه. فقالت: فأمر دون ذلك يرضيه، ويكون أيسر عليهم. قال: وما هو؟ قالت: تأمر آل علي يسبون الزبير وابن الزبير، وتأمر آل الزبير يسبون علياً. قال: فذاك. فأمرهم بذلك. فمشى القوم بعضهم إلى بعض، آل علي إلى آل الزبير، وآل الزبير إلى آل علي فقالوا: إن هؤلاء يقيموننا غذاً، فيسب بعضناً بعضاً فيشتفون بذلك، فالله والرحم. فقال آل الزبير لآل علي: أنتم تقامون قبلنا، فما قلتم فلنا مثله. فكان أول من أقيم حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب وأمه: خولة بنت منظور بن زبان بن سيار بن عمرو بن جابر الفزاري، أخت تماضر بنت منظور، أم بني عبد الله الأكابر، لأمها وأبيها فقام في المرمر، وهشام بن إسماعيل
المخزومي على المنبر وآل لعبد الملك بن مروان، فقال: سب آل الزبير، فأبى، فاقبل هشام على حرسي إلى جنبه فقال له: أضربه وعلى حسن قميص كتان، وكان حسن رجلاً رقيقاً فضربه الحرسي ضربة بالسوط أسرعت في جلده حتى سال دمه تحت قدمه في المرمر، فقال حسن: إن لآل الزبير رحماً أبلها ببلالها وأربها بربابها، (ياَ قَوْمِ مَاليِ أدْعُوكُمْ إلَى النَّجَاةِ وتَدْعُونَني إلَى النَّارِ) ؟. فلما رأى أبو هاشم عبد لله بن محمد بن علي امتناع الحسن وما لقي، قام فقال: أصلح الله الأمير، عندي ما تريد. فقال: هلم لك. وقال للحسن: أجلس. فقام أبو هاشم فسب آل الزبير، وقال عبد الله بن عروة وحمزة بن عبد الله فسبا آل علي. قال عبد الله بن نافع بن ثابت: وحمزة حين قام في ثوبين، قد أضطبع بردائه كما يصنع من رمل حول البيت، يضطبع.
قال عمي في حديثه عن جدي عبد الله بن مصعب: وكان ثابت بان عبد الله غائباً عن الخطب، فلما قدم جاء إلى هشام بن إسماعيل المخزومي، فقال: إني كنت غائباً، ومثلي لا يغيب عن مثل هذا المشهد. فقال هشام: ذاك موطن قد تفادى منه الناس، فما تصنع به؟ قال آخذ بحظي من ذلك. فجمع له الناس، ثم قام فأستقبل الناس فقال: (لَعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ داوُدَ وعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِمَا عَصَوْا وكَانُوا يَعْتَدُونَ) ، بم أيها الناس لعنوا؟: (كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) ، لعن الله من لعنة كتاب الله، ولعن الله من لعنته قوارع القرآن، لعن الله المتمني ما ليس له، هو أقصر باعاً وأوهن ذراعاً، لعن الله ابن شر العضاه، أقصرها فرعاً، وأقلها مرعى، لعنه الله ولعن الذي أخذ حباءه، لعن الله الأثعل الأحول المترادف الأسنان، الرامي أمير المؤمنين عثمان برؤوس الأقانيز، ثم قال: " إن الله رماك "، وكذب، لو رماه الله ما أخطأه، المتوثب في الفتن توثب الحمار في القيد، لعنه الله ولعن التي كانت
تحبه، لعن الله العفلاء الوطباء التي بيعت بسوق ذي المجاز بغير عهدة، لعنها الله ولعن تقرد قفاها. حدثني هذه الخطبة عمي مصعب بن عبد الله، ومصعب بن عثمان، عن جدي عبد الله بن مصعب، يختلفان في أقل ذلك، وأسمياَ لي من شتم ثابت في خطبه، فكنيت عنهم. قال عمي مصعب بن عبد الله، عن جدي عبد الله بن مصعب: فأقبل عليه هشام بن إسماعيل فقال: ما أراك تسب منذ اليوم إلا رهط أمير المؤمنين! وأمر به إلى السجن، فأخذه الأعوان يسحبونه، يقع مرة ويقوم أخرى، حتى يمر برجل قاعد قد كان أقيم مع من أقيم هو ورجلان معه ليسوا من آل علي ولا من آل الزبير، فقال: أبعدك الله! فقال ثابت: أما والله عذراً إليك، ما منعني أن أذكر خالك نسيان، ولكن كنت في مقام ذكر فيه الأشراف، ولم يكن منهم، فكرهت أن أخلطه بهم.
وانطلقوا به إلى السجن، فلقيه آخر من الثلاثة الذين أقيموا سوى آل علي وآل الزبير، فقال له ثابت: أنت الشاتم عبد الله بن الزبير! والله ما يحمد منك إلا ما يحمد من الحمار، ضرسه وحافره. ولقيه طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن، وهو أحد الثلاثة، وقد كان قد تناول سبًّا، فقال له: يا طلحة، قد علمت مقامك: فولاَ أنَّ تَغْلِبَ خالُ أمّي ... وأنّكَ بعدُ منّي ذُو مكانِ ترامَيْنا بِمُرِّ القَوْلِ حتى ... يقالَُ كأنّنَا فرساَ رِهَانِ فلم يزل في السجن حتى كتب عبد الملك في إطلاقه، وأعجبه ما قال، وقال: ذكر أخابث خلق الله، وأمر بشتمهم. وكانوا قوماً خالفوا على عبد الملك بن مروان. حدثنا الزبير قال، وحدثني سعيد بن داود، عن مالك بن أنس قال: قال هشام بن إسماعيل حين أراد أن يقيمهم: نقيم فيهم عامر بن عبد الله ابن الزبير فقيل له: لا يفعل عامر. فقال: إن لم يفعل ضربت عنقه. فقيل له: إن ضربت عنق عامر لم تأمر أحداً إلا أطاعك. فترك عامراً. فكانوا يتكلمون وعامر رافع يديه يدعو، فكانوا يرون أنه يدعو عليهم. وكان من تناول ثابت بن عبد الله في هذا الحديث في خطبته،
ومن تناول حين ذهب به إلى السجن، فمعروفون، إلا أني كرهت تسميتهم، فكنيت عنهم. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: كان ثابت بن عبد الله كأنه من رجال العرب. قال، وحدثني محمد بن إسماعيل بن جعفر لن إبراهيم وغيره: أن سليمان بن عبد الملك، إذ كان خليفة، قال لثابت بن عبد الله: من أفصح الناس؟ قال: أنا. قال: ثم من؟ قال: أنا. قال: ثم من؟ قال: أنا. قال: ثم من؟ قال: أنت. فرضى بذلك منه سليمان بعد ثلاث. وكان سليمان فصيحاً. حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن إسماعيل بن جعفر قال: قال بعض أتباع محمد بن علي بن أبي طالب: زار محمد بن علي أبنة أخيه نفيسة بنت حسن بن علي، وهي عند عبد الله بن الزبير، فوجده عندها، فتحدثا ساعة. ثم خرج علي محمد بن علي وهو يقول: ما ظننت أن تلد النساء مثلك يا ابن الزبير! ثم تمثل: إذا الله أبقَى سيّداً لعشيرةٍ ... فدَبَّرْتَها حتى تكون المؤخَّرَا
ولم يلبث أن خرج عبد الله بن الزبير وهو يقول: لله درك يا ابن الحنفية، فما رأيت كاليوم رجلاً! ثم تمثل البيت الذي تمثله محمد بن علي. قال: وخرج ابن الزبير متكئاً على يد غلام له أسمر مقرون الحاجبين، مترادف الأسنان، وقاداً، فوقفا على نجائب في الدار، فجعل ابن الزبير يسأله، فما رأيت رجلاً أجلد مسألة، ولا فتى أظرف جواباً، منهما. فقلت لمحمد: من الفتى؟ قال: ثابت بن عبد الله بن الزبير. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمامة بن عمرو السهمي، عن مسور ابن عبد الملك قال: كنا نأتي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينزعنا إليه إلا استماع كلام ثابت بن عبد الله بن الزبير، والعجب بألفاظه. حدثنا الزبير قال، وأخبر عمي مصعب بن عبد الله قال: مات ثابت بن عبد الله بن الزبير بسَرْغٍ من طريق الشام منصرفاً من عند سليمان ابن عبد الملك إلى المدينة. وكان سليمان له مكرماً، وولد عبد الله بن الزبير، ورد عليهم أشياء لم يكن ردها عبد الملك. وكان سليمان بن عبد الملك يشكر لعبد الله بن الزبير أن عبد الله
ابن الزبير أتى بسليمان من الطائف، وكان غلاماً يومئذ، فكساه وجهزه إلى أبيه بالشام، وأحسن إليه وإلى من معه، وعبد الملك يومئذ يحاربه. وأوصى ثابت بولده وهم صغار: نافع وهو أكبرهم، وخبيب، ومصعب، وسعد، وهم لأمهات أولاد شتى إلى أخيه عباد بن عبد الله. وتوفي وهو ابن سبع أو ثمان وسبعين سنة. قال، وأخبرني عبد الله بن نافع: أن ثابت بن عبد الله توفي بمعان من طريق الشام منصرفاً من عند سليمان. وموته بسَرْغٍ أثبت عندنا. حدثنا الزبير قال، وحدثني إبراهيم بن عثمان بن سعيد بن مهران قال: وفد إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله على هشام بن عبد الملك، فوافى بابه وقد قام هشام، فقام إليه الحاجب فقال: قد قام أصلحك الله. فقال: اللهم غلقت دونه الأبواب، وقام بعذره الحجاب! فبلغ ذلك هشاماً، فأذن له، فكلمه ووقفه على ما قال واغلظ له، وقال: يا لحان. فقال إبراهيم: أما والله ما أعدو في ذلك أن أحكيك. فقال له هشام: أما والله لئن قلت ذاك، ما وجدت لها طلاوة بعد أمير المؤمنين سليمان. فقال له إبراهيم: وأنا والله ما وجدت لها موضعاً بعد بني تماضر من بني عبد الله بن الزبير.
حدثني الزبير قال، وحدثني مصعب بن عبد الله قال: أنشدني أبي لأرطاة بن سهية المرى أبياتاً يمدح فيها ثابت بن عبد الله بن الزبير على الدال، فقلت لعمي: ما أعد أحداً يتقدمني يف معرفة شعر أرطاة بن سهية المرى، ولا أعرف هذه الأبيات له! ثم وجدت بعد ذلك في كتب إبراهيم بن موسى ابن صُدَيْقٍ، وكان من الفقهاء العباد الفصحاء الرواة للآثار والأخبار والشعر: قال أرطاة بن سهية المرى، يمدح ثابت بن عبد الله بن الزبير: رأيتُ مَخَاضِى أنكرتْ عَبِدَاتُها ... مَحَلَّ أولىِ الخَيْمات من بَطْن أرثَدَا إذا راعياَها أوْرَدَاها شريعةً ... أعَامَا على دِمْنِ الحياضِ وصَرَّدَا ولو جارُها ابنُ المازنَّية ثابتٌ ... لرَوَّحَ راعيها ونَدَّى وأوْرَدَا حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم
ومن
الجعفري قال، حدثني أبو مسعر المزني، عن هشام بن عروة: أن الوليد ابن عبد الملك عتب على أهل المدينة في شيء، ثم حج، فأحتاج أهل المدينة إلى من يعذرهم عنده، فكلوا في ذلك ثابت بن عبد الله بن الزبير، فكلمه مختطباً بعذرهم، فقال قولاً عجيباً، فقبل منهم الوليد وعفا عنهم، فقال مساحق ابن عبد الله بن مخرمة العامري: لسانُك خيرٌ كُلُّه من قبيلةٍ ... ومن كُلّ ما يأتي الفتى أنت فاعُلْه ورثتَ أبا بكْرٍ أباك بَيَانَهُ ... وسِيرَتُهُ في ثابتٍ وشَماَئِلُهْ فأنتَ أمرُؤٌ يُرْجَى لخير، وإنَّما ... لكلِّ امرئٍ ما أورثْتُه أوائِلُهْ ومن ولَدِ ثابت بن عبد الله نافع بن ثابت، كان من أعبد أهل زمانه. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: صام من عمره خمسين سنة.
حدثنا الزبير قال، وحدثني يحيى بن مسكين قال: ما رأيت أحداً قط أطول صلاة من نافع بن ثابت. حدثنا الزبير قال: وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: كان البربر إذا قدموا المدينة للحج يكثرون عليه حتى يقيم في بيته. وكانت الخوارج تنتحله، ويزعمون انه موافق لرأيهم. قال: فأخبرني من لهُ علم به أنه كان يعظم المعاصي إعظاماً شديداً، ويفزع منها إذا ذكرت. وكان يقول من الشعر. أخبرني عبد الله بن نافع بن ثابت قال: قال أبي نافع بن ثابت: أنا قاهِرُ الظَّالمِين الّذِي ... بِيَ الصَّعْب يُقْرَنُ حتَّى يليناَ لا أغبِطُ من كانَ لي ظالماً ... عذابِي أليمٌ على الظَّالميناَ عَذَابي أليمٌ لمنْ مَسَّهُ ... وصَفْحِى جميلٌ عن الجاهليناَ وأمرٍ عُنيت بهِ عُضْلَةٍ ... سَرَرْتُ بتفريجهِ الأقربيناَ وقومٍ جَدَعْتُ عَرَانينَهُمْ ... فجاءَ قَماَقِمُهُمْ يُهْرَعُوناَ
ومن
تَرَاهُمْ لَدَىَّ من الذُّلّ لي ... كمِثْل البائِم لا يَنطِقوناَ أجُودُ بمالي على سائلي ... وألْفَي بأسرَارِ هِنْدٍ ضَنِيناَ حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: بلغني أن ثابت بن عبد الله أشترى أم نافع بن ثابت من خبيب بن نجيح، أو من خبيب مولى ابن الزبير، بأربعين ألف درهم. حدثنا الزبير قال، وحدثتني عمتي أسماء بنت مصعب بن ثابت قالت: أشترى ثابت بن عبد الله أم نافع بن ثابت من خبيب بن نجيح بأربعين ألف درهم. قالت: وكانت بربرية. وتوفى نافع بن ثابت وهو ابن أربع وسبعين سنة. ومن وَلَدِ نافع عبد الله الأكبر بن نافع وأمه: فاختة بنت عامر بن حمزة ابن عبد الله بن الزبير.
وكان يلي أيتام آل الزبير بالكفاية والأمانة، وكان من أهل الفضل والدين وإصلاح المال. وخرج مرة على مسعاة بني كلاب فأحسن فيهم السيرة، ورجع ولم يصب شيئاً، وقد غرم من ماله خمسين ديناراً، فلم يعد يدخل للسلطان بعد ذلك في ولاية. حدثنا الزبير قال، وحدثني عبد الله بن نافع الأصغر قال: كان أخي عبد الله بن نافع الأكبر متوكلاً لبعد الله بن مصعب بولده إذ كانوا صغاراً، وبماله. فكتب إليه عبد الله بن مصعب: أن أقبض من مالي عندك ألف دينار صلة لك، فأبى أن يأخذها، وكتب إليه: " إني والله ما توكلت لغرض دنيا، ولا توكلت لك إلا صلة لرحمك، وبرا بك، وكفاية لك ". وتوفى عبد الله بن نافع الأكبر، وأوصى إلى عبد الله بن مصعب ابن ثابت بولده وماله وأيتامه، وهو أبن أربع وسبعين سنة. وعبد الله بن نافع الأصغر، وكان يسميه " بقية "، ويحبه. قال عمي مصعب بن عبد الله: وكان يأتيه، فما بلغني، كثيراً وهو
في مصلاه، فيدعو له. فيرى أن بركة دعائه قد أدركته. فتوفى حين توفى وهو المنظور إليه من قريش بالمدينة في هدية وفقهه وعفافه. وكان قد سرد الدهر صياماً. وحمل عنه الحديث. حدثنا الزبير قال، وحدثني عبد الله بن نافع بن ثابت قال: كان في آل الزبير رجل يشتم عبد الله بن مصعب بن ثابت لا يضعه من فيه. فكان عبد الله بن مصعب يدفع إلي في كل شهر دينارين، ويأمرني أن أعطيه إياهما ويقول: لا أحب أن يعلم أني وصلته. فلما مات عبد الله بن مصعب، أنقطع ذلك عنه مني، فاستبطأني، فأخبرته الخبر، فعاد يدعو له ويقرصني أنا، فقلت: شَتَمتَ أمرَءًا لم يَطْبَع الذمُّ عِرْضَهُ ... زماناً، ولا تدري بما كان يَفْعَل فلمّا تَيَقَّنْتَ الذي كان صانعاً ... عَدَوْتَ علىَّ اليومَ بالجَهْل تُخْطِل فما كان لي ذنْبٌ ولا لأِبن مُصْعَبٍ ... سِوَى أنّنَا جئنا التي هي أجْمَلُ وتوفي عبد الله بن نافع الأصغر في المحرم سنة ست عشرة ومئتين، وهو ابن سبعين سنة.
وخبيب بن ثابت، وكان شديد العارضة، منيع الحوزة، جدلاً. حدثنا الزبير قال، حدثني عبد الله بن محمد بن المنذر قال: قال ريحان الخضري في زوجة له: أعيِّرُها لتغضَبَ هُلْكَ فِيها ... وقد سقطتْ رَبَاعِيَتي ونابِي وأبصَرُ بالخصومَةِ من خُبَيبٍ ... وأجرأ من عُمَير بن الحُبَاب وأمسَتْ قُلِّدَتْ خَرَزاً وكانتْ ... لعَمْرُ الله طَيِّبَةَ السِّخابِ حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن عبد الله بن عمرو البياضي، فلم يقره، وقراه خبيب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، فقال أبو معدان: أتيناَ ابنَ عمرٍو على باَبِهِ ... فخيَّم كالناَزح البارِقِ كفاك الزُّبَيْريُّ حَقَّ الطُّرُوقِ ... فَنْم، لا هَبَبْتَ عن الطارِقِ
وقال التيمي يذكر خبيباً وشدة عارضته، ويذكر أخويه مصعباً ونافعاً أبني ثابت: إن تَكُ غُمْرَ الرأي ذَا عُنْجُهِيَّةٍ ... تَبيَّنُ ما يأتي به اليومُ في غدِ فلعلَّك أن تلقَى خُبَيْبَ بن ثابتٍ ... فيخبرَكَ الأخبارَ من لم تُزَوّدِ تُلاقِي امرءًا لا يملأُ الهَوْلُ صدرَهُ ... إذا همَّ أمراً كان كالأخْذِ باليدِ له أخَوَا صِدْقٍ أبيَّانِ للخناَ ... طبيبانِ بالأمرِ الذي لمْ تُعَوّدِ إذا قال فيهم مصعبٌ قال نافعٌ ... فأبصَرَ غِبَّ الرأي مَنْ كان ذَا دَدِ حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله، عن يوسف ابن عباس قال: كان خبيب بن ثابت شديداً أيداً. قال: كنت معه يوماً فسمعنا نذكر الشدة، فقال: وما هذا؟ تعال! ورفع رجله وقال لي: قم على ساقي. ففعلت، وإنه لمقيم رجله ما تقع الأرض. وكان يوسف بن عباس جسيماً.
ومن
ومن ولد خُبَيب بن ثابت الزبير، والمغيرة، وثابت، بنو خبيب أمهم: أم المغيرة بنت لوط بن المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب. وكان الزبير من وجوه قريش جمالاً وعبادة وفقهاً وعلماً. حدثنا الزبير قال، أخبرني عمي مصعب بن عبد الله: أن الزبير بن خبيب أقام في مسجد في ضيعته بالمُرَيْسِيع سنين، لا يخرج منه إلا لوضوء.
سماع هذا الجزء
سماع هذا الجزء سمع جميع هذا الجزء على القاضي الأجل السيد العالم تاج الدين شرف الإسلام أبي الفتح محمد بن أحمد بن المندائي، بحق روايته، إجازة عن أبي بكر محمد ابن عبد الباقي قاضي البيمارستان، عن أبي جعفر محمد بن المسلمة، عن أبي طاهر محمد ابن عبد الرحمن المخلص، عن أبي عبد الله أحمد بن سليمان الطوسي، عن المؤلف، بقراءة الشيخ الأجل عماد الدين نجم الإسلام أبي أحمد بن محمود بن أحمد الفقيه، ولدي المسموع عليه أبو حامد محمد، ويحيى بن الحسين بن أبي معه "؟ " وأخوه يوسف، وأبو جعفر هرون بن العباس الرشيدي، وأبو نصر أحمد بن الحسن ابن محمد سبط الفارقي، وأبو عبد الله الحسين أخو القارئ للجزء، والشيخ عبد القادر بن داود المقرئ البقار "؟ "، وعلى بن أبي الفتح بن سهيل الطيبي، والحسين ابن أبي منصور السند القزاز، ومقبل بن عبد الله الحر، وعبد الكريم بن راري المترس الضرير، ومثبت الأسماء أبو شجاع مقابل بن أحمد بن علي العنبري المعروف بأبن دواس القنا.
ثبت سماع
ثبت سماع وسمع من أول الجزء إلى " ولد حمزة بن عبد الله "، أبو الفرج عبد الله محمد بن مخلد، وأبو المكارم أحمد بن الحسن بن عسكر، وناوله الباقي مناولة لأبي المكارم خاصة. وسمع من " ولد حمزة بن عبد الله " إلى آخر الجزء، أبو المعالي ابن أبي الفتح وذلك في مجلسين آخرهما يوم السبت رابع شهر رمضان من سنة ثلاث وثمانين وخمسة، وصح وثبت وسمع السماع من أول الكتاب إلى ههنا، وكمل له ذلك. الجزء الرابع عشر بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال، سمعت أبي يقول: قال لي أمير المؤمنين هارون الرشيد: دلني على رجل من أهل المدينة من قريش له فضل منقطع. قال قلت له: عمارة بن حمزة بن عبيد الله بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب. قال: فأين أنت عن ابن عمك الزبير بن خبيب؟ قال قلت له: إنما سألني عن الناس، ولو سألتني عن أسطوان من أساطين المسجد قلت لك: الزبير بن خبيب! وكان الزبير وفد على أمير المؤمنين المهدي، ومعه أخوه المغيرة ابن خبيب صاحباً له ومتوصلاً به، فأمر أمير المؤمنين المهدي للزبير بن خبيب بسبعمئة دينار، فأنصرف إلى المدينة، وأبي المغيرة أن ينصرف، فأعطاه مئة دينار وأقام المغيرة، وتسببت له صحبة العباس بن محمد. ثم طلبه أمير المؤمنين المهدي من العباس بن محمد، فصار إليه، وكانت له به خاصة. ثم وفد الزبير بن خبيب على أمير المؤمنين هارون الرشيد حين ولي الخلافة، فأعطاه أربعة آلاف دينار. حدثنا الزبير قال، وحدثني أبو غزية قال: جرى صلح بين
عبد الله بن عمرو بن أبي صبح، وبين حاتم بن مدرك السلمي، فقال حاتم: دَعَاني أبو عمرٍو إلى الله دعوةً ... أصابَ بها ما في فؤادي ولا يَدْرِي إلى حَلَقٍ من خير مَنْ وَطِئ الحَصاَ ... وفي روضةٍ بينَ الأساطين والقبْرِ فتُبْنَا وأشهدناَ الزُّبَيْرَ وإن نَعُدْ ... بنَقْضٍ فما منه تَوْبَةٍ آخرَ الدَّهرِ قال أبو غزية: يريد الزبير بن خبيب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير. وأبنه ثابت بن الزبير بن خبيب، وكان يتبدى بالرائع، فزاره فُلَيْح بن إسماعيل بن جعفر بن أبي كبير، فقال فُلَيْح:
عنَّيْتنا يا ثابتَ بن الزُّبيْر ... جَشَّمْتَنا جَوْبَ حِرَارٍ وعُورْ سَقْيًا لجَدَّيك وجَدَّيهْماَ ... ومن له جَدٌ كمِثْلِ الزَّبيْرْ وحمل الحديث عن الزبير بن خبيب. وتوفي الزبير بن خبيب بوادي القرى في ضيعة له، وهو أبن أربع وسبعين سنة. وأما المغيرة بن خبيب، فكان لطيفاً بأمير المؤمنين المهدي، ولاه عطاء أهل المدينة، وكان يوليه القسوم، وأعطاه ألف فريضة يضعها حيث شاء، ففرضه مشهور بالمدينة.
حدثنا الزبير قال، وحدثني يونس بن عبد لله بن سالم الخياط، قال: لما أعطى أمير المؤمنين المهدي المغيرة بن خبيب ألف فريضة يضعها حيث شاء، جاءه أبي عبد الله بن سالم فقال له: ألفٌ تَدُورُ عَلَى يَدٍ لمُمَدَّحِ ... ما سُوقُ مادحِهِ لَدَيْه بكاسِدِ الظنُّ منِّي لو فرضتَ لواحدٍ ... في الأعْجمِينَ خَصَصْتَنيِ بالواحِدِ قال: فقال له المغيرة: أيهما أحب إليك، أفرض لك أو لأبنك يونس؟ قال: أنا شيخ كبير هامة اليوم أو غد، أفرض لأبني يونس. قال: ففرض لي في خمسين ديناراً. قال: فلما خرجت الأعطية الثلاثة على يدي أبي بكر بن عبد الله الزبير في ولاية أمير المؤمنين الرشيد، قال لي خليفة هرثمة وخليفة أيوب ابن أبي سمير، وهما يعرضان أهل ديوان العطاء: أنت من هذيل، ونراك قد كتبت مع آل الزبير، فنردك إلى فرائض هذيل، خمسة عشر ديناراً. فقال لهما أبو بكر ابن عبد الله الزبيري: إنما جعلتما لتتبعا ولا تبتدعا، أمضياه وأعطياه. فأعطياني مئة دينار وخمسين ديناراً.
حدثنا الزبير قال، وحدثني يحيى بن محمد قال: قسم أمير المؤمنين المهدي قسماً على يد المغيرة بن خبيب سنة أربع وستين ومئة، فأصاب مشيخة بني هاشم، أكثرهم خمسة وستون ديناراً، وأقلهم خمسة وأربعون ديناراً، ومشيخة القرشيين، أكثرهم خمسة وأربعون ديناراً، وأقل القرشيين سبعة وعشرون ديناراً، ومشيخة الأنصار، أكثرهم سبعة وعشرون ديناراً، وأقل الأنصار سبعة عشر ديناراً، والعرب أكثر من الموالى، ولا أدري كم أعطوا، ومشيخة الموالى خمسة عشر ديناراً، وأقل الموالى على الشبر: السداسي ستة دنانير، والخماسي خمسة دنانير، والرباعي اقلهم، أربعة دنانير. وكان عدد الناس الذين اكتتبوا ثمانين ألف إنسان. قال: وقال المغيرة بن خبيب: ربما رأيت الإنسان الهيئ قد قصر به نقيبه وكتبه في غير نظرائه، فأعطيه من مالي، حتى غرمت مالاً. حدثنا الزبير قال، حدثني يونس بن عبد الله بن سالم الخياط قال: لما خرج هذا القسم جاء أبي عبد الله بن سالم إلى مغيرة بن خبيب فقال له: يا ابنَ خُبَيْبٍ أخِّروا قَسْمَكُم ... وراجعُوا فِيهِ ولا تُوهَمُوا أحِبُّ أنْ تُؤْتَى بِه أرْضُنَا ... فيُوضَعَ المالُ ولا يُقْسَمُ داينْتُ فيه الناسَ طُرًّا مَعاً ... أطْرُقُهُمْ ليلاً إذَا نَوَّموا رَهَنْتُه هَذا وهَذا وَذَا ... وكُلُّهُم بالرَّهْنِ لا يعْلَمُ
وكُلُّهُم يَرْهُنُه مُعْصِمٌ ... يَرجُو السَّلاَماتِ ولَنْ يَسْلَمُوا مُغِيرَ لو تَسْمَع ياذا النَّدَى ... لَجَّتَهُمْ حَوْلِى إذَا خيَّموا وصَّيح الأضجمُ فيهم، فذا ... يصيحُ أو يلكُزُ أو يَلْطِمُ لقلتَ أهلُ الشَّرْقِ والغَرْبِ قد ... عَجُّوا إلى الله وقد أحْرَمُوا قال: فلما قال: يرجوا السلامات ولن يسلموا قال المغيرة: فعل الله بك وفعل إن سلموا! يا فلان، اذهب إلى الذي يعطي القسم فقل له يعطيه قسمه. فأعطاه خمسة عشر ديناراً. حدثنا الزبير قال، وحدثني أن أباه قال يمدح المغيرة بن خبيب: يا بَنِي نَوْفَلٍ هنيئاً هَنَا كُمْ ... طِيبُ أعْراقكم وبِرُّ المغيرة ولقد خصَّكُمْ بنَفْعٍ ورَفْعٍ ... حين نال الغِنَى وعَمَّ العشيرةْ أصلَحَ الله بالمِغيرَة ما قَدْ ... كَدَّحَتْ منكُمُ السِّنُونُ العَسِيرَةْ
وأنشدني أيضاً لأبيه يمدح المغيرة بن خبيب: مُغِيرَ قد أصبَحْتَ مَلْجَأ من لَجاَ فكُلُّ مَنْ رجّاكَ لاقَى ما رَجاَ لاقى تَبَاشِيراً ولاقَى فَرَجاَ هذا وثوْبايَ مَعاً قد انْهَجاَ إِليهما النَّاظِرُ يلقَى حَرَجاَ تَهَتَّكاَ وانسَحَقاَ وانسَحَجاَ لَوْ نُقِضاَ وغُزِلاَ ما نُسِجاَ وقال بعض المدنيين يمدح المغيرة بن خبيب: إذا كنتَ مُرْتادَ الكرام لوُدِّهِمْ ... وللرِّفْدِ يوماً فابْدَ بابن خُبَيْبِ يُجِبْكَ فتًى لا يُعْسِرُ الدَّهرَ جارُهُ ... أغرُّ عَرِيقٌ مَنْجبٌ لِنَجِيبِ وأقطعه أمير المؤمنين المهدي عيوناً رغاباً بإضم من ناحية المدينة، مها عين يقال لها النِّيقُ وأُلات الحب، وأعطاه أموالاً عظاماً، ربما أعطاه
ومن
في المرة الواحدة ثلاثين ألف دينار، ويعطيه المسك والعنبر الكثير، ولاثياب الفاخرة من ثياب الخاصة. قال: وسمعت أصحابنا يزعمون أن المغيرة بن خبيب أعتق أم ولده صغيرة ثم تزوجها، فأصدقها عنه أمير المؤمنين المهدي مكوك لؤلؤ. وهي أم أبنه يحيى. قال: ولما توفي المغيرة بن خبيب عن صغيرة، ورثته ثمن ما ترك. ثم مات ابنها يحيى بن المغيرة فورثته. فتزوجها يونس بن خبيب بن ثابت بن عبد الله ابن الزبير، ثم توفى عنها فورثته. ثم تزوجها يوسف بن خبيب بن ثابت، فأولدها جارية، ثم توفى عنها فورثته. وفيها يقول بعض المدنيين: أفْنَتْ صَغِيرةُ آلَ الزّبيرِ ... بيومِ نِكَاحٍ ويومٍ حَزَنْ ومن ولَدِ خبيب بن ثابت يوسف بن خبيب أمه: كبيشة بنت عثمان بن المغيرة بن عمرو ابن عثمان بن عفان ويونس بن خبيب أمه أم ولد وإدريس بن خبيب، أمه أم ولد.
وفي المغيرة بن خبيب يقول عبد الله بن سالم الخياط يرثيه: أتاناَ رَسُولٌ يجوبُ المَلاَ ... ويرفَعُهُ بَلَدٌ سَمْلَقُ يخبِّرُنا أن خير الوَرَى ... تضَّمنَهُ جَدَثٌ مُوثَقُ أصِبتُ بأفضلِ مَنْ يحتَفِي ... وينتعِلُ النعْلَ أو ينطِقُ بمفتاحِ يُسْرٍ إذا ما العِبَا ... دُ دُونَ صَنائعهمْ غَلَّقُوا فَجُرَّدْتُ من ثوبِ زَيْنِ الجمَالِ ... وجُرِّدَ من سَرْجِهِ الأبلقُ مُغيرةُ، مَنْ لِي إذا ما البَخيلُ ظَلَّ برِيقِتهِ يَشْرَقُ ومصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، أمه مولدة في كلب. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال، حدثتني عمتي أسماء بنت مصعب بن ثابت قالت: كانت أم مصعب بن ثابت عند سكينة بنت حسين، بعث بها إليها خالها الكلبي تبيعها له، وتشتري له بثمنها إبلاً. وكان القرشيون يختلفون إلى سكينة يسلمون عليها. وقد كان عمرو بن حسن بن علي أراد شراءها، فكرهته، فغضبت عليها سكينة وقالت: تكرهين ابن عمي! وامتهنتها بالخدمة. فلقيته أم مصعب وفي يدها رأس كبش يسيل دمه على ذراعها،
تذهب به إلى بعض أهلها. وكان ثابت بدويا يتفاءل، فوقع في نفسه أنها ستلد رجلاً يكون رأساً. فدخل على سكينة فسألها عنها، فأخبرته خبرها. وكان ثابت صاحب إبل، فقالت له سكينة: أنت صاحب إبل، فاشتراها مني بإبل. فقال: قد أخذتها بمئة ناقة، فباعته إياها، فحملت بمصعب بن ثابت. وكان من أعبد أهل زمانه، صام هو ونافع بن ثابت من عمرهما خمسين سنة. حدثنا الزبير قال، وحدثني يحيى بن مسكين قال: ما رأيت أحداً قط أكثر ركوعاً وسجوداً من مصعب بن ثابت، كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة، ويصوم الدهر. حدثنا الزبير قال، وحدثتني عمتي أسماء بنت مصعب قالت: كان أبي مصعب بن ثابت يصلي في يومه وليلته ألف ركعة، ويصوم الدهر. حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان، وخالد بن وضاح قالا: كان مصعب بن ثابت يصلي يومه وليلته ألف ركعة ويصوم الدهر. وكان حسن الوجه من رجل قد قشم جلده على عظمه من العبادة. وكان من أبلغ أهل زمانه.
قال، وحدثني مصعب بن عثمان قال: ما سمعت مصعب بن ثابت قط يتكلم إلا قلت: لو سمعته يتكلم من وراء حجاب لقلت: بهذه في كتاب. حدثنا الزبير قال، وحدثني عثمان بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: قدم مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير البصرة، فسمع به بنو سليمان بن علي ابن عبد الله بن العباس، فجاءوه وأكرموه، ثم بعثوا إليه يقولون: إنا من قد علمت، أمتع الله بك، قرابتنا ومعرفتنا حقك، وإنا نحب أن تخرج إلينا ابنتي عمتنا وخالتنا خديجة وأسماء ابنتي مصعب، إلى فلان وفلان لرجلين منهم. فقال لهم مصعب بن ثابت: إني والله ما أجهل قرابتكم، وإنكم للأرضياء عندي في الحال كلها، ولكني أكره أن ترى العشيرة أني إنما خرجت إلى البصرة أتعرض لهما، فلست منكحهما أحداً دون أن أرجع. وأم خديجة وأسماء ابنتي مصعب بن ثابت: فاطمة بنت جعفر ابن مصعب بن الزبير وأمهما مليكة بنت حسن بن حسن بن علي ابن أبي طالب
أم محمد وجعفر، وأم علي، وأم حسن، بني سليمان بن علي بن عبد الله ابن العباس: أم الحسن بنت جعفر بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله: أن مصعب ابن ثابت أتى إلى إبراهيم بن محمد بن طلحة، تحمل به في حاجة، فأهوى إلى مجلسه يجلس معه عليه، فكفت إبراهيم رجليه، وكان به النقرس. فجلس مصعب معه، فأدرك رجله فأصابها، فشق ذلك على إبراهيم وكشر. ثم كلمه في حاجته، فأبى عليه وقال: لا أقدر. فقال له: أما والله إنها لبدع من حوائجي إليك، ما كان قبلها شيء، ولا يكون بعدها. وقام، فسأل عنه، فقيل له: مصعب بن ثابت. فصاح به: ابن أخ، إني والله لم أعرفك، أقسمت عليك إلا رجعت. فرجع، فقال له إبراهيم: " شنشنة أعرفها من أخزم "، لا والله ما عرفتك، أقوم بحاجتك وكرامة لك. ففعل. حدثنا الزبير قال، وحدثني عبد الله بن المنذر بن عمر بن المنذر قال: وصل عكاشة بن مصعب بن الزبير إلى محمد بن عمران إذ كان قاضياً، فترافعا حتى أمر محمد بن عمران بعكاشة إلى السجن. فانتهى ذلك إلى خبيب ابن ثابت، فأتاه مستبطئاً في ذلك، فترافعا حتى أمر به إلى الحبس. فانتهى
ذلك إلى مصعب بن ثابت، فأتاه فقال له: عدوت على شيخ العشيرة وأحد وجوهها، فحبسته أن راجعك، وإن المرء ليزيل عن ابن عمه أكبر مما ابتغيت منه. ثم أتاك خبيب وهو هو، فعاتبك عما أتيت إلى شيخه وابن عمه، وكان يلزمك له ولصاحبه أن تراجع إلى ما هما وأنت أهله، فاستطعت عليه، وأردت تحميله من ذلك ما لم يكن لك، فمنعك الذي لم يكن لك أن تعطاه، ولا أن تأخذه لو أعطيته، فتلاحجت عليه حتى أمرت به إلى الحبس، فوالله ما حفظت مع ما أتيت الحرم، ولا وصلت الرحم. فقال له ابن عمران: أية رحم وأية حرم؟ قال: أما الرحم فرحم بني عبد الله بن الزبير التي كانت تأتصل بك، وتحمل لك ولا تحمل عليك. قال: صدقت، كذلك كانت رحمهم، فأخبرني عن الحرم. قال: نعم، الحرم التي جرتها تولية عبد الله بن الزبير إبراهيم بن محمد جباية العراق، أيام أتاه في ساجه الرث وجبته المخرقة. قال: خذ بيده يا جلواز، فأجعله مع أخيه وابن عمه في الحبس. فخرج مصعب وهو يقول: فَمَا بِعُقُوبَةِ السلطانِ بأسٌ ... إذا لم يَجْنِها يوماً فُجُورُ
بسلطانك لعمري يا ابن عمران حبستنا! فلما أمعن مصعب قال ابن عمران: " شنشنة أعرفها من أخزم "، والله لئن ثن على هؤلاء الرهط حبسى، لا يبقى بالمدينة زبيري إلا حبسته! أطلقوهم. قال: فخلوا جميعاً. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله، عن يحيى بم مسكين قال: كنا نرشح عبد الله بن محمد بن عمران، فوقف خبيب على عبد الله بن محمد بن عمران فقال له: يا ابن أخي، بئسما يكسبك أبوك، هو والله دائب يكسبك عداوة الرجال! حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله، عن جدي عبد الله بن مصعب قال: لقيني إبراهيم بن علي بن هرمة فقال لي: يا ابن مصعب، ألم يبلغني أنك تفضل علي ابن أذينة؟ نعم ما شكرتني في مديحي أباك! ألم تعلم أني الذي أقول: رأيتُكَ مُخْتَلاًّ عليكَ خَصَاصَةٌ ... كأنَّكَ لم تَنْبُتْ ببعض المَنَابِتِ كأنَّكَ لم تَصْحَبْ شُعيب بن جَعْفَرٍ ... ولا مُصْعباً ذا المكرُمَاتِ ابنَ ثابتِ
قال قلت له: يا أبا إسحاق، أقِلْنِيها وأنا أعتبك، وهلم فروني من شعرك ما شئت. فرواني هاشمياته تلك. حدثنا الزبير قال، وحدثني خالد بن وضاح قال: كان مصعب ابن ثابت ربما نزل قصره بالعقيق، فربما صلى في قرارته بالعقيق، ثم عرضت له الدعوة بعد ما ينصرف، فيرفع يديه يدعو، فيذهب الذاهب إلى المدينة فيقضي حاجته ويرجع، وهو في دعائه. وحمل عن مصعب بن ثابت الحديث. وتوفي مصعب بن ثابت وهو ابن أثنين وسبعين سنة. حدثنا الزبير قال، وحدثني عبد الله بن نافع بن ثابت قال: كان
نافع بن ثابت أسن من خبيب بن ثابت بسنةٍ، أو سنةٍ إلا قليلاً. وكان خبيب ابن ثابت أسن من مصعب بن ثابت بليلة. وكان مصعب بن ثابت أسن من سعد أبن ثابت بأربعة أشهر. وكان بعضهم يعطي بعضاً لسنة عليه، ما يعطي ذو السن المتفاوتة. وكانوا يختصمون حتى يقال: لا يصلح ما بين بني ثابت أبداً! فإذا حضرت الصلاة جاءوا إلى نافع بن ثابت فخرجوا معه إلى الصلاة. وكانت كلمتهم واحدة، وكانوا يداً على من سواهم. وفي بني ثابت بن عبد الله بن الزبير يقول المزني: ألثابتُّيون قومٌ في وِدَادهمُ ... غُنْمُ الحياةِ وفي أحقادِهمْ تَلَفْ أللاّحظُون بنور الله عن غضُبوا ... والشَّاملون بُيْمنٍ أينما انصرفُوا والفارطون فلا تُوبَى حِياضُهُمُ ... بالواردين وإن ذُوَّادُها قَصَفُوا ولبني مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير يقول الملَلَىُّ:
بني مُصْعَبٍ أنتُمْ خِيارُ خِيارناَ ... أكابِرُكُمْ والمُعْقِبونَ الأصاغِر بهَاليلُ قوّامون بالقِسط بيننَا ... لكُمْ خُطَبٌ تهتزُّ منها المنابرُ ولهم يقول يونس بن عبد الله بن سالم الخياط: والله لو عادَتْ بني مصعبٍ ... حَليلتي قلتُ لها: بِينِي أو وَلَدي عَنْ حُبّهم قَصّروا ... سَعَطتُهم بالرَّغْم والهُونِ أو نظَرتْ عيني خِلافاً لهُمْ ... فقأتُ من إجلاَلِهِمْ عَيْنِي ولهم يقول أبو مسلمة، موهوب بن رشيد الكلابي: تخطَّأتُ أعناقَ الرجالِ إليكُمُ ... بني مُصْعَبٍ واخترتُ خيْرَ المجالِسِ
ومن
ومن وَلَدِ مصعب بن ثابت عبد الله بن مصعب، كان مدره قريش وخطيبها، وواحدها شرفاً وقدراً وصوتاً، وعناية بهم وبجميع أهل المدينة. حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن مسلمة المخزومي قال: كان مالك بن أنس إذا ذكر عبد الله بن مصعب قال: المبارك، يتكلم في أمر أهل المدينة في العطاء والقسم. وكان في صحابة أمير المؤمنين المهدي، وولاه اليمامة، فقال له: يا أمير المؤمنين، إني أقدم بلداً أنا جاهل بأهله، فأعني برجلين من أهل المدينة لهما فضل وعلم: عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وعبد الله بن محمد بن عجلان. فأعانه بهما، وكتب في إشخاصهما إليه. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: كان سبب عبد الله بن مصعب إلى أمير المؤمنين المهدي، أن أمير المؤمنين المهدي قدم المدينة سنة ستين ومئة، فدق المقصورة، وجلس للناس في المسجد، فجعلوا يدخلون عليه ويأمر لهم بالجوائز، ويحضرهم الشفعاء من وزرائه. وكان رجال قد أحسوا بجلوس أمير المؤمنين المهدي وما يريد في الناس، فطلبوا الشفاعات. ودخل عليه عبد الله بن مصعب بغير شفيع، وكان وسيماً جميلاً مفوهاً فصيحاً، قد عرفت له
مروءته وقدره بالبلد قبل ذلك، فتكلم بين يدي أمير المؤمنين المهدي فأعجب به، وألحق جائزته بأفضل جوائزهم، وكساه كسوة خاصة، وأدخله في صحابته، وخرج به معه إلى بغداد، فقال عبد الله بن مصعب: لمَّا أوْجَهَ الشفعاء قوماً ... عَلاَ خَطْبِي فَجَلَّ عن الشفيعِ وجاءَ يُدافعُ الأركانَ عَنَّي ... أبٌ لي في ذُرَى رُكْنٍ مَنِيعِ أبٌ يتَركَّعُ الأبْنَاء منْهُ ... إذا انتسُبوا إلى الشرَف الرفيعِ سَعَى فَحوَى المكارمَ ثم ألقَى ... مَسَاعيَهُ إلى غيرِ المُضِيعِ فورَّثني على رَغْم الأعادي ... مَسَاعِيَ لا ألفَّ ولا وضِيعِ فقمتُ بلا تَنَحُّلِ خارِجيٍ ... إذا عُدَّ الفَعالُ ولا بَدِيعِ فإن يكُ قد تَقَدّمَني صَنِيعٌ ... يُشرِّفُنيِ، فما دَنَّى صَنِيعِي وكانت له من أمير المؤمنين المهدي، ومن أمير المؤمنين موسى ومن أمير المؤمنين هارون الرشيد، خاصة ومنزلة. حدثنا الزبير قال، وحدثني عبد الله بن نافع بن ثابت قال: بعث أبو عبيد الله إلى عبد الله بن مصعب في أول ما صحب أمير المؤمنين المهدي بألفي
دينار، فردها وكتب إليه: " إني لا أقبل صلة إلا من خليفة أو ولي عهد ". قال: ووجدت في كتاب من كتب محمد بن سلام: بعث أبو عبيد الله إلى عبد الله بن مصعب بألفي دينار صلة وعشرين ثوباً، فلم يقبلها وكتب إليه: أن لو كان قابلاً من سوى الخليفة قبلتها. وكتب إليه: " أصلحك الله وأمتنع بك، ما لسيبك ومياحتك أحببناك، ولا لاستقلال ما بعث به إلينا والتسخط له كان ردنا إياه عليك، ولكنا أحببناك ووددناك،
وشكرناك لفضلك ونبلك، وقسم الله لك في رأيك ومعرفتك، ورعايتك حق ذوي الحقوق. ولقد أصبحت عندنا بالمنزل الذي لا تزيدك فيه صلة وصلتنا بها، ولا يضرك ردُّناها ". حدثنا الزبير قال، وحدثني أبي وعمي مصعب بن عبد الله: أن جدي عبد الله بن مصعب قال لأمير المؤمنين المهدي يستكثره في أول صحبته: يا ابنَ الذي ورِثَ النبيَّ محَّمداً ... فَلَهُ تُراثُ محّمدٍ لم يُنْكَرِ إنِّي عَقَدتُ ذِمَامَ حَبْلى مُعْصِماً ... بحبالِ وُدِّك عُقْدةَ المتخِّيرِ يومَ المدينةِ بين قبر محّمدٍ ... وفِنائه ومَقَامِهِ والمِنْبَرِ فأخذتُ منْكَ بذِمَّة محفوظةٍ ... مَنْ فاز منكَ بمثلها لم يُخْفَرِ فكأننّي ألقيت رَحْلَي عائذاً ... بفِناَء بيتِ الله أو بالمَحْجَرِ وأراك تصطنِعُ الرجالَ ولم أكنْ ... دُون أمرئٍ قدّمتَهُ بمؤخَّرِ فَهلَ أنتَ مُتَّخِذِي لنَفْسِك جُنّةّ ... وعلىَّ عَهْدُ الله إنْ لم أشكُرِ ولقد صَبْرتُ لنَبْوَةٍ صَادَيْتُها ... مِمَّنْ يُلاَقِينِي بخَدٍ أصْعَرِ في حَوْمَةٍ قَصِفِينَ من أشياعِهِ ... يَلْقوننِي بتجهُّمٍ وتَنَكُّرِ لما رأوك جَفَوْتَنِي فتركتَنِي ... إن آتِ أقْصَ وإن أغِبْ لا أذكَرِ
وإذا دخلتُ أكونُ آخرَ داخِلٍ ... مَرْمَى القَصِيّة بالمكان الأوْعرِ فمجاهِرٌ لي بالعَدَاوة مِنْهُمُ ... جَهْلاً، وطاوِى غُلَّةٍ لم يَجْهَرِ حَنِقٌ علىَّ ولا يزالُ ضميرُهُ ... يُبْدِي رَسيسَ عداوةٍ لم تَظْهَرِ فإذا التقينا نَمَّ لي مِنْ طَرْفِهِ ... نَظَرٌ يُسَارِقُه كطَرْفِ الأخزرِ واللهُ يعْلَمُ حَلْفةً من صادقٍ ... لولاكَ قد شمَّرتُ ذَيْلَ المِئزَرِ وبعثُ حَرْبي عَنْوَةً فتضعضعوا ... ووسمْتُ أنْفَهُمُ مكانَ المَفْقَرِ إني إذا بلغَ العدُوُّ حَمِيَّتِي ... فبرزْتُ، أمشي مِشْيَةَ المتبخْتِرِ رَئمُوا المَذَلَّةَ صاغرينَ وحاذوا ... صَوْلاتِ ذِي لِبَدٍ هِزَبْرٍ مُخْدِرِ وهي أكثر من هذا فأقبل عليه أمير المؤمنين المهدي بوجهه، وأعطاه حكمه، فقال: يا أمين الإله في الشَرْق والغَرْ ... بِ عليناَ ويا ابنَ عِّم الرَّسُولِ إنّ حُكْمِي عليك، تفديك نَفْسي ... وكَثيري وأسْرتي وقَبِيلىِ مجلِسٌ في العَشِىِّ عندك في المَيْدَانِ والإذنُ مِنْك لي في الدخولِ ليسَ شيءٌ من الأُمُور وإن كا ... نَ عظيماً عندي له بعَديِلِ فأجابه إلى ذلك، وجعله في جلسائه بالعشى، وخص به، وأصاب منه أموالاً كثيرة، وقطائع رغيبة.
وقال بعد الله مصعب لأمير المؤمنين المهدي، يسأله البيعة لأمير المؤمنين هارون الرشيد، وقد كان بايع لأمير المؤمنين موسى: أشدُدْ بهارُونَ حبالَ العَقْدِ ووَلِّهِ بعدَ وليِّ العَهْدِ فلما بايع له بعد موسى، قال له عبد الله بن مصعب متمثلاً: لاَ قصَّرا عَنْها ولا بَلَغَتْهُمَا ... حتى يطُولَ على يديكَ طَوَالُها حدثنا الزبير قال وحدثني محمد بن أبي خالد الكاتب قال: كان أمير المؤمنين المهدي يقول: ثلاثة أضن بهم عن الولاية، وأراهم أكثر منها: عبد الله بن مصعب الزبيري، وإسحاق بن غرير الزهري، والربيع. قال: وكان إسحاق بن غرير من جلساء أمير المؤمنين المهدي، وكان حلواً، وكان لعبد الله ابن مصعب صديقاً مثافناً. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: كان أبي يكره الولاية، فعرض عليه أمير المؤمنين هارون الرشيد ولاية المدينة، فكرهها
وأبى أن يليها، وألزمه ذلك أمير المؤمنين الرشيد، فأقام بذلك ثلاث ليال يلزموها ويأبى عليه قبولها، ثم قال في الليلة الثالثة: أغد على بالغداة إن شاء الله. فغدا عليه، فدعا أمير المؤمنين بقناة وعمامة، فعقد اللواء بيده، ثم قال له: عليك طاعة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: فخذ هذا اللواء. فأخذه، وقال له: أما إذ ابتليتني يا أمير المؤمنين بعد العافية، فلا بد لي من أن أشترط لنفسي. قال له: فأشترط لنفسك. فأشترط خلالاً، منها أنه قال له: مال الصدقات مال قسمه الله بنفسه، ولم يكله إلى أحد من خلقه، فلست أستجير أرتزق منه، ولا أن أرزق المرتزقة منه، فأحمل معي رزقي ورزق المرتزقة من مال الخراج. قال: قد أحببتك إلى ذلك. قال: وأنفذ من كتبك ما أرى، وأقف عما لا أرى. قال: وذلك لك. فولى المدينة، وكان يأمر بمال الصدقات يصير إلى عبد العزيز بن محمد الدراوردي وإلى آخر معه، وهو يحيى بن أبي غسان الشيخ الصالح، من أهل الفضل، فكانا يقسمانه. ثم وله أمير المؤمنين هارون الرشيد اليمن، وزاده معها ولاية عكٍ، وكانت عكٌّ إلى والي مكة، ورزقة ألفي دينار في كل شهر. فقال يحيى ابن خالد: يا أمير المؤمنين، كان رزق والي اليمن ألف دينار، فجعلت رزق عبد الله
ابن مصعب ألف دينار، فأخاف أن لا يرضى أحد توليه اليمن من قومك، ومن الرزق بأقل مما أعطيت عبد اله بن مصعب، فلو جعلت رزقه ألف دينار كما كان يكون، وأعضته من الألف الآخر مالاً تجيزه به، لم تكن عليك حجة لأحد من قومك في الجائزة. فصير رزقه ألف دينار، وأجازه بعشرين ألف دينار. قال: فأستخلف على اليمن الضحاك بن عثمان بن الضحاك، وكلم له أمير المؤمنين، فأعانه على سفره بأربعين ألف درهم. فأقام الضحاك خليفته حتى قدم عليه، فسلم للضحاك، مقام الضحاك إلى أن قدم، الألف دينار التي أرتزق في ولاية اليمن. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: قسم أبي مال اليمن كله في السهمان التي أمر لله بها، ولم يرفع منه شيئاً. فأمضى ذلك أمير المؤمنين الرشيد. حدثنا الزبير قال، قال عمي مصعب بن عبد الله: وأرسل أبي عبد الله ابن مصعب رسلاً غير قليل يستعفى من ولاية اليمن، فلا يعفيه أمير المؤمنين من
ولايتها حتى كنت أن آخر من خرج يستعفي له، فأعفاه. وسار في أهل اليمن من العدل بما هم يذكرونه بعد وفاته. وكانوا يصيحون بأمير المؤمنين الرشيد إذ حج: رد علينا ابن مصعب. فيقول لبعض من معه: واين ابن مصعب رحمه الله؟ حدثنا الزبير قال، وحدثني عثمان بن عمران بن عثمان بن عبد الله ابن زياد، عن أبيه قال: قال أمير المؤمنين الرشيد: كنا نظن عبد الله ابن مصعب يصحبنا على ما يصحبنا عليه الناس من طلب الدنيا، فعرضناها عليه فلفظها. وأخرج أمير المؤمنين هارون الرشيد لأهل المدينة على يديه عطاء وكسوة مع العطاء، ونزل قصر عروة بن الزبير بالعقيق، وأخرج لأشراف القريشيين ومشيختهم ووجوه الناس جوائز كثيرة. ولما ولى أمير المؤمنين الرشيد عبد الله بن مصعب اليمن، استعمل أمير المؤمنين ابنه أبا بكر بن عبد الله بن مصعب على المدينة، ورزقه على ولايتها ألف دينار، وذلك كان رزق واليها. حدثنا الزبير قال، وحدثني العتبي، عن رجل سماه فأنسيت أسمه قال: أبا بكر بن عبد الله بن مصعب يتكلم فيعجبني كلامه، وأسمع شبيب
ابن شيبة التميمي يتكلم فيعجبني كلامه، فكنت أحب أن أسمع كلمهما مجتمعين لأعرف أبلغهما. فاجتمعا يوماً على باب أمير المؤمنين، فسمعن كلامهما. قال، فقلت له: فأي الرجلين سمعت أبلغ؟ قال: المتكلم حتى يسكت، غير أني رأيت لعبد الله بن مصعب إشارة تقع مع كلامه أعجبتني. قال الزبير: وكان عبد الله بن مصعب رجلاً حليماً جواداً مملحاً، له يقول ابن المولى، محمد بن عبد الله: ولمَّا رأيتُ الناسَ بينَ مُبَلِّدٍ ... حَرُونٍ، وصعبٍ ظَهْرُه شرُّ مركَبِ أخذتُ بحبْلٍ من حِبالِ ابن مصعبٍ ... قريعِ قريشٍ والهِجانِ المهذَّبِ وإنَّ أمرَاً بين الزُّبَيْر إذا انتَمى ... وبين أبي بكْرٍ لَمْحضُ المُرَكَّبِ فَلَلْتُ به نابَ الزَّمان وقد عَدَا ... علىَّ بنابٍ ذي شَبَاةٍ ومِخْلَبِ إليه تخطَّيْتُ المشاربَ كُلَّها ... إلى مَشْرَبٍ من وِرْده خيرِ مَشْرَبِ فأتْرَع دَلْوي من هُنَاك وها هُنَا ... ببَسْطَة بسامٍ مَتَى يُعْطِ يُرْغِبِ وقد علمت عُلْياَ لُؤَيّ بن غالبٍ ... إذا مَا لُقُوا بالصَّدْق لا بالتَّكذُّبِ بأنَّ أبا بكْرٍ فَتاها وأنَّه ... أخُوها الذي ما يركبِ الليثُ يَرْكَبِ
تحمَّلها بالحِلْم عَطْفاً عليهمُ ... وألفَوْهُ ذا شَغْب على كل مِشْغَبِ وأنَّ اقتباسَ العلم مِنْهُ، وأنَّهُ ... إذا كان منه الرأيُ لم يُتَعَقَّبِ فإن يجْهلُوا يَحْلُمْ بِبّرٍ ورأْفَةٍ ... وإن يكُ صَدْعٌ في العَشيرةِ يَشْعَبِ حدثنا الزبير قال، وحدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي قال: كنا نأتي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنجلس فيه، ما ينزعنا إلى الجلوس فيه إلا استماع كلام عبد لله بن مصعب وألفاظه. قال بلال بن جرير بن الخطفي، يمدح عبد الله بن مصعب: مَدَّ الزُّبيرُ أبوكَ إذ يَبْنِي العُلَى ... كفَّيْك حتَّى نالَتَا العَيُّوقَا ولَوَ أنّ عبد الله فاضَلَ مَنْ مشَى ... فضَلَ البرِيَّة عِزَّةً وبُسُوقَا
قَرْمٌ إذا كان يومُ نُفُورةٍ ... جَمَع الزبيرَ عليك والصِّدِّيقاَ ولئن مَسَاعِي ثابتٍ أو مُصْعبٍ ... بلغتْ سَناَ أعلى المكارم فُوقاَ لو شِئتَ ما فاتُوكَ إذ جاريتَهُمْ ... ولكنتَ بالسَّبْق المُبِرِّ حقيقاَ لكن أتيتَ مُصَلِّياً بِرًّا بهِمْ ... ولقد تَرَى ونَرَى لديكَ طريقاَ ألقتْ إليك بنُو قُصَيٍ مَجْدَهَا ... فورِثْتَ أكرمَها سَناً وعروقاَ وقال خارجة بن فليح المللى، يمدح عبد الله بن مصعب: دعانا لعبد الله والدّهرُ باسطٌ ... علينا جناحَ البُؤْس والجودُ عَاثِرُ تواتُرُ أخبارٍ يَرِدْنَ بحَمْدِه ... عليناَ وللمعروف والنُّكْر آثِرُ فإنّي لِمَا أوْليتَني يا ابن مصعبٍ ... يداً بعد أيْدٍ مُنْعِماتٍ لَشاكِرُ وإنّكَ والحيَّ الذي أنتَ منهُمُ ... لَكالبَدْر حَفَّتْه النجومُ الزَّواهِرُ ويسمُو بكُمْ مَجْدُ الزبير وفَخْرُهُ فيكُمُ ... فتُغْضِى لَها عنك العيون الشوازِرُ
فإن يكُ قومٌ قوَّضُوا عَرْشَ مجدِهْم ... فقدْ رَبَّ مجداً أوَّلاً منك آخِرُ رأيتُكَ تسمُو للمكارمِ والعُلَى ... فلا زاهقٌ عَنْها ولا أنت قاصِرُ وتعلُو بك الأيامُ للذِّرْوَةِ التي ... لَها كَنَفٌ يأوِى إليه المعاشِرُ لكُمْ مَنْكِباها حيثُ قَرَّ قَرَارُهَا ... وفرعُكَ منها أيْمنٌ مُتياسِرُ وجادت يدك المستهلُّ نَداهُما ... فأغْنَى وأقْنَى سَيْبُك المتظاهِرُ فلا مجدَ إلاّ منكُمُ فيه أوَّلٌ ... ولا مجدَ إلاَّ مِنكُم فيه غَابِرُ ولا حَرْبَ إلاّ قد قَرَعتُمْ كُماتَهَا ... عليها بكم كانتْ تدور الدوائِرُ لعمرُكَ ما سُدَّتْ علىَّ مواردِي ... لديك، ولا ضاقتْ علىَّ المصادِرُ وهي أكثر من هذا. حدثنا الزبير قال، وحدثني من سمع خالد بن الأسود بن عمرو الفزاري، يحدث عن أبيه، عن جده: أن بني سيار بن عمرو بن جابر لما شاركت قريشاً، قالت بنو حصن بن حذيفة بن بدر، وتأمروا بينهم: " لا تزوجوا من قريش إلا لباباً "، ليدركوا ما فاتهم به لف منظور. قال: فكان يرغب في شركتهم المصلصل، فإذا حمدوا حسبه ذموا نشبه، فإن تواليا له، ضاق
عن مبلغ غايتهم جاهه، فإن كرم حسبه وكثر نشبه وأوسع جاهه، لم يرضوا حركاته وهزته فيما عراهم. فإن لم يسخطوا ذلك منه، نالتهم عجارفه. فإن أمنوا بوائقه، لم يعدموا منا صماد حيا يحلق الشعر، ويكلم البشر، ويغمض البصر. فكانوا بذلك شطر دهرهم، حتى شاركوا أبا بكر عبد الله بن مصعب، فكان نسيج وحده. حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان قال: كان عبد الله ابن مصعب يأمر من قريش من يفتش له عن خلتهم، ليتعاهد ذلك منهم، فيسد خلتهم، ويصلح شأنهم. فقال في ذلك ابن الوليد بن عدي النوفلي: أتاَنِي عَنْك أنَّكَ قلتَ يوماً ... لذي رَحِمٍ وكنتَ به خبيراَ تبَغَّ لِيَ السواقِطَ من قريشٍ ... لِتَنْعَشَهَا وكنتَ بِه جَديراَ ومثْلُك يا ابن مُصْعَبَ للَّتِي قد ... سَبقت بفضْلها، جَبَر الكسيراَ أبانَ اللهُ فيك لمنْ تَوَخَّى ... سِرَاجَ الخيرِ حين براكَ نُوراَ وقومُكَ أهلُ مملكة كِرامٌ ... يَرَوْنَ العارَ مُطَّلَعاً كبيراَ إذا نَظَرتْ إليك بنو قُصَيٍ ... رأوْا قمراً بساحتهمْ مُنيراَ
وقال أبو عاصم، عبد الله بن حمزة الأسلمي، يمدح عبد الله بن حمزة الأسلمي، يمدح عبد الله ابن مصعب، إذ كان والياً على اليمامة: مَنْ كان عن سُوقٍ لمجدٍ سائلاً ... فيه النَّدَى، فلَهُ بِحَجْرٍ سُوقُ سُوقٌ لعبد الله من يَحلُلْ بِهِ ... فلَهُ صَبُوحٌ من نَدًى وغَبُوقُ جمُّ الفوائد ما يُفِيدُ فَوَائداً ... إلا أفيد له بهنَّ حقُوقُ يأكُلْنَها حتَّى يدعْنَ شريدَها ... فَلَلاً، ويحمَدُ غِبَّها المرْهُوقُ أنت المهذّبُ من قريشٍ والذي ... لفروعِه فوق الفُرُوع بُسُوقُ فلكُلّ بابِ نَدًى بكفِّك مِفْتَحٌ ... ولكلِّ معروفٍ عليك طريقُ وإذا أكُفُّ القوم لم تَنَلِ العُلَى ... مدَّ الزبيْرُ يديْكَ والصِّدّيقُ فبلغتَ ما لا يبلغون، وعَادةٌ ... لكم التوسُّع حين يُخْشَي الضِّيقُ قَرْمانِ ما تركاَ لخيرٍ غايةً ... إلاَّ لهَا سببٌ إليكَ وثيقُ وإذا المَنَاسِبُ حَصَّلتك تعطَّفَتْ ... من كُلّ ذِي كرَمٍ عليك عُرُوقُ وقال أيضاً يمدحه إذ كان والياً على اليمامة، ويمدح أبنه أبا بكر ابن عبد الله: أبا بكْرٍ ذكرتُكَ حين ضاقتْ ... علىَّ الأرْضُ وأمتنَع الهُجُوعُ دعوتُك والحوادث مُوبِقاتٌ ... نِبالُ الكُرْهِ أكثرُها القُروعُ وبِتُّ مُرَوَّعاً مِنْهنَّ حتَّى ... أجَبْتَ فزاحَ عنِّي ما يَرُوعُ
دعوتُكَ فاستجبتَ وكان بيني ... وبينَك ما يَصَمُّ بِهِ السَّمِيعُ ولم يبلُغْك صوتِي حين أدْعُو ... ولكن بَّلغ الحسَبُ الرفيعُ وعندي بالبلادِ معي رجالٌ ... وعندك كُلُّهم لِيَ مُسْتَجِيعُ تركتُهُمْ إليك بغير ذمٍ ... كذلكَ يَغْنَمُ القَرْمُ القريعُ وحقِّي واجبٌ تَرْعاهُ منِّي ... إذا ما ضيَّع الحقَّ المُضِيعُ ووُدٌّ ثابتٌ منَّا مُقِيمٌ ... عليه الله يشهَدُ والبقيعُ بَقيعُ بني الزُّبَيْر وكلُّ خيْرٍ ... إلى آل الزبير بهِ ذَرِيعُ هُمُ الرأسُ المقدَّمُ من قريشٍ ... وغيرُهُمُ هُمُ الذَّنَبُ القَدِيعُ تَرَى عنه الحوادثَ نَابَياتٍ ... كما يَنْبُو عن العَلَم الصَّقيعُ وقال عبد الله بن عمرو بن أبي صبح المزني، يمدح عبد الله ابن مصعب بن ثابت بن الزبير، وأبنيه أبا بكر ومصعباً ابني عبد الله:
يا أيُّها الرجُلُ المُهْدِي الغِنَاءَ لَهُ ... من كلّ شِعْبٍ يُدَانِي ثم يختَلِفُ دَعْ عنْكَ ليلَى، فما ليلَى بجازيةٍ ... لا تجهَلَنَّ ولا يَلْجَجْ بك الكَلَفُ وأذكُرْ بأحسَنِ قولٍ أنت قائُله ... آلَ الزبير فقد أعطوْا وقد عَطَفُوا وقد سَقَوْكَ بسَجْلٍ من سِجَالهُم ... حتى رَوِيت وقد زادوا وقد لطُفوا وقد كفاك نَدَاهم نَوْءَ غَيْرهِمُ ... فلا تَعُولُ على الغَرْف الذي غرفُوا قد كان لي في أبي بكر ووالدِه ... ومصعبٍ ذي النَّدى من تالِدٍ خَلَفُ والثابتُّونَ قَوْمٌ في ودادهُمْ ... غُنْم الحياةِ وفي أحقادهم تَلَفُ أللاحظونَ بنُور الله إن غضبُوا ... والشاملُون بُيْمنٍ حيثُ ما انصرفُوا والفارطونَ فلا تُوبَى حِيَاضُهُمُ ... بالوَاردين وإن ذُوّادُها قَصَفُوا إنّ ابنَ مصعبٍ الميمونَ طائرُهُ ... ثَبَّى على خير ما سَدَّى له السَّلَفُ لا يُدْرك الناسُ في المَجْراةِ غايتَهُ ... ولو تعاَلَوْا ولو خَبُّوا ولو خَنَفُوا تمشي الملوكُ على أذيالِ لأمَتِهِ ... إن سَار ساروا وإن أوْ مَا قِفُوا وقفُوا
يا ابنَ الزبير قد فرّجْتَ من كُرَبي ... ورفَّلَتْنِي لك الفَيْضاتُ والتُّحَفُ وقد جَبَرتَ جناحِي بَعْدَ رقّتِهِ ... حتَّى أنتهضْتُ وحتى مَسّنِي التَّرَفُ وقد تَخَلَّصْتَنِي من بين مَأْسَدَةٍ ... أذَلَّنِي لَهُمُ السُّلْطانُ والصُّحُفُ أدركتنيِ بعد مَا دارتْ عُقَابُهمُ ... وقد بَلَلْتُ لهَا رأسي وقد وَحَفُوا وقال أيضاً عبد الله بن عمرو بن أبي صبح، يمدح عبد الله ابن مصعب الزبيري، وأبنه أبا بكر بن عبد الله: أكرِمْ بذي شَرَفٍ ألفَى مَكارمَهُ ... فوقَ الثريَّا فعَلَّى فوقَ ما وجَدَا ذاك ابنُ مُصْعبٍ المُوفِي بذمّتِه ... أعطى الجزيلَ وأوْفَى كُلَّ ما وعدَا من فتيَةٍ صبَرُوا في كُلَّ نائبةٍ ... حتى نَفوْا عنهُمُ ما عابَ فانتَقدَا بِيضٌ بهاليلُ سيماَ المُلْك شامِلُهُمْ ... لا يسألُ الناس عنْهم من هُمُ أبدَا إن أمتدحْكُمْ فقد جَلَّتْ صَنائِعكُمْ ... مَجْرَى المديح وقد راخَيتُمُ الأمَدَا قدْ رِشْتُموني فهذا رِيشكُمْ خَضِلٌ ... بادٍ علىّ وقد أنعمْتُمُ رَغَدَا
إن الحَواريّ والصدّيقَ وأبنَهُمَا ... وابن الرَّبَابِ بنَوْا بُنْيَانكُمْ صُعُدَا ثم الأميرانِ شدَّا عَقْدَ عُرْوتكُمْ ... ولا سبيلَ إلى حَلّ الذي عَقَدَا نِعْمَ الأميرَانِ بكّارٌ ووالدُهُ ... ما أشرفَ الوالدَ الميمونَ والولَدَا المالئانِ بَعْدلِ الله قبضَتَهُ ... والمصلحانِ بإذن الله ما فسَدَا والحافظانِ لما أوصَى الإلهُ بِهِ ... من حقّ ذي الحقّ إن غابا وإن شهدَا والصادرانِ معاً عن كُلّ ما تركاَ ... والواردانِ جميعاً كلَّ ما وَرَداَ والطاعنانِ صدورَ الخيل مُقْبِلًة ... والضاربانِ إذا غابَ القَنَا قِصَدَا أعْززْ بمنْ كان عبدُ الله ناصِرَهُ ... ومن يكونُ أبو بكْرٍ له عَضُدَا وله أيضاً يقول ابن أبي صبح المزني: لعمرُك إن المُنْتَمِي بابنِ مُصْعَبٍ ... لَمُعْتدِلُ الَمجْرَاةِ جَزْلُ المواهبِ وإن امرَأً بين الزبير إذ أنْتُضِى ... وبين أبي بكر لمَحْضُ المضَارب وله يقول محمد بن عبد الملك الأسدي: حَيَّاكَ يا ابنَ مُصْعَبٍ حَيَّاكاَ ربُّ السَّموات الذي أعطاكاَ مكارماً وَرثْتَها أَباَكاَ لا تنبَغِي لأحدٍ سِوَاكاَ إنّ الحَوَاريَّ إذا عَزَاكاَ
عازٍ وصِدِّيقَ الهُدَى جَدّاكاَ فخيرُ كَهْلَىْ رَجُلٍ كَهْلاكاَ كم من غَنيّ كان من غِنَاكاَ ومن فقيرٍ عاش في ثَراكا ومن أسِيرٍ كانَ في أسْرَاكاَ فَفكّ عَنْه غُلَّهُ تَقواكاَ وقال أيضاً محمد بن عبد الملك الأسدي يمدحه: حيَّا الإلهُ أبا بكْرٍ وكرَّمَهُ ... وزادهُ الله من تفضيلِهِ شَرَفاَ إنا نراهُ أدامَ الله مُدّتَهُ ... من الحواريّ إلا سَبْقَهُ خَلَفا هو الحُلاحِلُ حِلْماً والحَيَا كرماً ... والليثُ عيْناً إذا ما همّ أو عَسَفَا كأنه حين يَعْتَنُّ البيانُ بِهِ ... غيثٌ يَسُحَّ سِجالاً لم تكُنْ نُزُفَا في وابلٍ بَرِدٍ يحتثُّ وابِلَهُ ... منه صَبِيرٌ ترى في نَقْعهِ غُرَفَا إنِّي وجدتُكَ في جُرْثُومة فَرَعَتْ ... فرعَيْ قريشٍ إذا ما واصفٌ وصَفَا إنّ الحواريَّ والصدّيقَ إن نُسِباَ ... جَدَّاكَ نالا العُلَى واستوجباَ الغُرَفَا وحمزةُ الليثُ والعبَّاسُ إن ذُكرَا ... خالاكَ لم يُوِرثاَ ضَيْقاً ولا حَفَفَا
فأنتَ من هاشمٍ في سِرِّ نَبْعتها ... بحيثُ حَلَّتْ وسِيطاً لم تكن طَرَفَا وأنتَ من أسَدِ العُزَّي لأِكرمِهَا ... كهْلاً وافضَلهِا إن عَدَّدَتْ سَلَفاَ وقال أبو المعافي، يمدح عبد الله بن مصعب: أقولُ لناقتِي ما تشكَّتْ ... أظَلَّيْها مِنَ امْعَزَ ذِي نِقَال إذا بَلَّغتِ عبدَ اللهِ رَحْلِى ... أبا بكُرٍ فمُوتِى لا أبَالِي حواريُّ النبيّ أبوهُ، بَخْ بَخْ ... وفارسُهُ إذا دُعِيَتْ نَزَالِ ببدرٍ كان فارسَهُ المُسَمَّى ... إذا اعتنقُوا غَداةَ هَبٍ وهَالِ ويومَ يهودِ خيْبَرَ فَضَّ جَمْعاً ... وغادَرَ ياسراً تحت العَوَالي ويوم حُنَيْنَ إذ وَلَّوْا وخامُوا ... وعينُ الله تنظُرُ في مَجالِ ويومَ الخندقِ الحامِي لَظاهُ ... وقد زاغَتْ قلوبٌ من رجالِ ويوم قَفَا الحَجُونِ وكان يوماً ... تَشِيبُ له مَقاديمُ القذَالِ ويومَ بني قُرَيْظَةَ كان فيهِ ... بحمد الله محمودَ الفَعَالِ وبالصِّدِّق نَفْخُر، إنّ بيْتاً ... هُما رَفعاَ دعائمَهُ لَعَالِ
فلم يَحْوِ الرِّياسَة من بعيدٍ ... ولم يَرِثِ السَّماحَة من كَلالِ وما قَصُرتْ يداكَ عن المعالِي ... وما طاشت سِهَامك في نِضَالِ فأين لنا نظيرُك من قريشٍ ... يُجيٍر كما تُجيرُ من الليالِي وأين لنا نظيركَ من قُريشٍ ... لقد بَعُدتْ يمينٌ من شِمالِ حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: قال شبيب بن شيبة لأمير المؤمنين المهدي في عبد الله بن مصعب بن ثابت: لا والله ما كان في آبائه أحد إلا وهو أكمل منه، ولا والله ماله في الناس نظير في كماله. ومديح عبد الله بن مصعب كثير. وحمل الحديث عن عبد الله بن مصعب بن ثابت. وحدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عبد الله قال: مات عبد الله ابن مصعب بن ثابت، وهو ابن سبعين سنة.
حدثنا الزبير قال، وحدثني أبي وكل من سألت من أصحابنا: أن عبد الله بن مصعب بن ثابت مات وهو ابن ثلاث وسبعين سنة بالرقة، يوم الأحد لثلاث ليال بقين من شهر ربيع الأول سنة أربع وثمانين ومئة. حدثنا الزبير، قال وحدثني اليسع بن أيوب قال، حدثني ذفافة ابن عبد العزيز العبسي قال، حدثنا الفضل بن الربيع قال: مات عبد الله بن مصعب وقد فتح أمير المؤمنين هارون العرق، فدخلت عليه فقلت: يا أمير المؤمنين: مات عبد الله بن مصعب. فنكس ونقر الأرض بقضيب في يده، ثم رفع رأسه إليَّ فقال: يا فضل، مات أبو بكر؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين! ففعل ذلك ثلاث مرات، كل ذلك يقول لي: يا فضل، مات أبو بكر؟ فلما قال ذلك في الثالثة وقلت له: نعم يا أمير المؤمنين، قال: جَبَلٌ تضعضَعَ ثم مالَ بجُمْعِهِ ... في البحر لا رتَقَتْ عليه الأبْحُر حدثنا الزبير قال، حدثني عبد الله بن نافع بن ثابت قال: وفدت إلى عبد الله بن مصعب ومات وأنا عنده. وكان أمير المؤمنين الرشيد قد فتح العرق يوم مات عبد الله بن مصعب، فأرسل أبنه عبد الله المأمون فصلى عليه، وبلغ معه قبره فجلس عليه.
وجلس معه أبو البختري وهب بن وهب، وهو يومئذ قاضي القضاة، فنزلت في قبره، وصحت بأبي البختري: أنزل يا أبا البختري. فقال لي: لا أقدر أنزل. قلت له: أنزل كما أقول لك. فقال: لا أقدر والله أنزل. فقلت له: لمن تخبأ نفسك بعد أبي بكر؟ فقال: أني رجل بادن، أخاف الله إن نزلت في قبره أن أموت! قال: ثم قال أمير المؤمنين الرشيد للفضل بن الربيع: يا فضل، إن عبد الله أبن مصعب كان مثوى للوفود، يفدون إليه وينزلون عليه، فيصلهم فيكلمنا فيهم، فأخافأن يكون عنده منهم من عجل عليه الموت قبل أن يكلمنا فيهم، فأعرفهم وأحصهم لي. فأحصانا الفضل وأخبره بنا، فكنت فيهم أنا، وعبد الله ابن محمد بن المغيرة الزهري، ومحمد بن عبد الله الأكبر بن نافع بن ثابت. فأمر لي أمير المؤمنين الرشيد بخمسمئة دينار، وأمر لعبد الله بن محمد بن المغيرة الزهري بخمسمئة دينار، وأمر لمحمد بن عبد الله الأكبر بن نافع بن ثابت بثلاثمئة دينار. وكتب إلى أبنه أبي بكر بن عبد الله بن مصعب، وهو عامله على المدينة، يعزيه به، ويذكر شركته إياه في مصيبته. حدثنا الزبير قال، وحدثني عثمان بن عبد الرحمن قال: لما كان اليوم الذي أظهر فيه أبو بكر بن عبد الله وفاة أبيه عبد الله بن مصعب، دخل الناس عليه ليعزوه عنه. قال: فسبقني حسين بن زيد بن علي بن حسين بن علي ابن أبي طالب بكلام كثير جزل من تخطبه، فاتني ولم أحضره، وألفيته ولم ينصرف. فلما راد الوثوب للقيام، أقبل عليه فقال: أيها الأمير، لم يفقد ممن
خلف مثلك في صلتك الرحم، ورعايتك الحرم، إلا جاهه وشخصه، فأحسن الله عقباك، ورحم أباك. حدثنا الزبير قال، وحدثني سعد بن بعد الله بن سعد بن ثابت أبن عبد الله بن الزبير قال: لما أظهر أبو بكر بن عبد الله بن مصعب نعى أبيه عبد الله بن مصعب، جاءه حسين بن زيد، وعمرو بن عبد الرحمن بن سهل، وهو إذ ذاك قاض، فأجلسهما كنفتيه، فكانا يعيشان تعزية من عزاه، ودعاء من دعا، بكلام جزل فخم بليغ، حتى قاما في أخريات الناس. فلما ناء عمرو أبن عبد الرحمن للقيام قال: النهار قصير، والكلام كثير، ولم يهلك من ترك مثلك أيها الأمير. حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن حسن المخزومي قال: سمعت إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، يوم أظهر أبو بكر ابن عبد الله بن مصعب نعى أبيه عبد الله بن مصعب، وهو يقول له يعزيه: أيها الأمير، إن لكل شيء بصائر، والجهالة عمياء، وقد رفع الله قدرك عن أن يجهل أحد أمرك، وليس للمختصر المبلغ، ولا المعن المكثر المسقع، أن يتناول
واحد منهما حالك، ولا ينتهي إلى كل مالك، فقد عظمت عندنا بأبيك الرزية، وكثرت بك بعده لنا البقية، فأحسن الله مثوبتك، وجبر مصيبتك، وأمتنع بك رعيتك، وبعد هذا فأنا الذي أقول: إذا ذكرتْ مُصِيبتَها قريشٌ ... بعبد الله أخضَلتِ الدُّمَوعَا عليه، إنهّ حَدَثٌ جليلٌ ... فأظهرت التفجُّعَ والخضوعَا فإن ذَكرت أبا بكْرٍ تراخَتْ ... بها الآمال وارتاحتْ جميعاَ خليفة والدٍ أوْمَتْ إليه ... بنو فِهْر وكان لها قريعاَ وقال مصعب بن عبد الله، يرثى أباه عبد الله بن مصعب، وعمه محمد ابن مصعب: ألا قدْ أرى أن لاَ بقاءَ على الدَّهرِ ... وأن المناياَ يّطلِعْنَ مع الفَجْرِ وأن غَداً غادٍ عليكَ بحادثٍ ... وبعد غدٍ حتى تُساَق إلى القبرِ أبعدَ أبي بكْرٍ إذا ما ذكرتُهُ ... دعتْهُ المنايا فاشتَعَبْنَ فتى الدهرِ وبعد أخيه الخيرِ يَتْبَعُ إثْرَهُ ... أرجِّى ثَراءٍ أو أزالُ على وَحْرِ مضى سَلَفُ الأيام في كل حادثٍ ... ولم أرَ يوماً مثلَ يوم أبي بكْرِ أقلَّ عزاءً لامرئ ذي جَلادةٍ ... وأثلَجَ للمُسْتوغِرِ الحَسِكِ الصَّدْرِ فلا يَهْنِئ الأعداء أن أخطَأَتْهُمُ ... صروف اللَّيالِي واختلاف يَدِ العَصْرِ فقد حَسِبوا أن يجعلونا أكُولَةٌ ... بها لَطَفٌ بين الجآجئ والصَّدْرِ
فإن التي مَنَّيتُمُوها نفوسَكُمْ ... أبتْ الأعادي أن تَلين على القَسْرِ ويأبَى لَها أن يُعْلفَ الضّيْمَ ربُّها ... غِضابُ الموالي يَدَّعُونَ إلى النَّصْرِ متى أدعُ فيهم دعوةً آل ثابتٍ ... ترى المُعْصَباتِ الشُّوسَ تفرغُ بالسُّمْرِ كأنّ الأسُودَ الزُّرْقَ ركّبْنَ فوقها ... بإرماحِهمِ بين الحَمَاحِمِ والزَّجْرِ وقال محمد بن عبد الملك الأسدي، ثم الفقعسي، يرثي عبد الله ابن مصعب: ذكرتُ أبا بكرٍ على حين أشرفتْ ... عليّ العَوَادِي والعيونُ اللوامِحُ فقلتُ ولم أملِكْ سوابقَ عَبْرةٍ ... لَهَا وَشَلٌ من ذارِفِ الدمع سَافحُ سقَى جدَثاً بين الحُزَانَةِ والرُّبَى ... رُبَى رَقّة الشأم الذِّهابُ الروائحُ فماذا حَوَى من سُودَدٍ ومروءةٍ ... ومن شرفٍ تُطْوَى عليه الصفائحُ وزيرُ الملوك وابنُهُمْ وأخوهُمُ ... وأكرم من ناحتْ عليه النَّوَائِحُ كأنّ أبا بكرٍ أخا الجودِ لم تّزُرْ ... بِهِ حَرَم البيتِ العتاقُ الطلائِحُ ولم يشهَدِ الأبطالَ في يوم غارةٍ ... يعومُ بِهِ طرْفٌ من الخيلِ سابِحُ ولم يقرع البابَ الذي لا يرومُهُ ... وحاجبَهُ إلا القُروم الجحاجحُ أألآنَ لمّا أسْنَدَ العِزُّ رُكْنَه ... إليكَ ومَاحتْكَ الدِّلاء الموائحُ
ذهبتَ وأخليتَ البلادَ وعُرِّيَتْ ... رِكابُ الوفودِ والأمورُ الفوادحُ ألا قاتل اللهُ المَقَادير والمُنَى ... وطيراً جَرَى منها سَنيح وباَرحُ وإكذابيً الأخبارَ حتى تتابعتْ ... ونادى بها داعٍ عَدُوٌّ وكاشِحُ وقولي لنفسِي: إنما الطيرُ هاجسٌ ... فدعْهاَ ولا تَذْعَرْك منها السَّوانحُ فلما تبينّتُ اليقينَ وباحَ لي ... ببعض الذَّي قد كنتُ حاذَرت بائحُ تجلّدتُ للأعداء ثُمّتَ عَزّني ... على الصبْر حُزْنٌ أضمرتْه الجوانحُ فظِلْتُ تَجَلاَّني من الوجَد غَشْيَةٌ ... ومايَحَ من عَيْنَيّ دمعٌ مُمَايحُ عَلَى رَجُلٍ أمّا نوافلُ جٌودِه ... فتُجْدِى، وأمّا الوجْهُ منه فَوَاضِحُ وقال ابن أقيصر السلمي، يرثي عبد الله بن مصعب: لعمرُكَ لا آسَى على هُلْكِ هالكٍ ... من الناسِ بعد الهِبْرِزيِّ ابنِ مُصْعبِ فتًى كان للدنيا وللدّين عِصْمةً ... وللجار والمولَى الفقِير المعصَّبِ تقَضَّتْ بعبد اله عنَّا غَضَارةٌ ... مِنَ العَيْشِ ما فيها لنا وجهَ مطْلَبِ
وكانَ لنا رُكناً نَلُوذُ بظهرِهِ ... إذا نحنُ خفْنَا حَد نابٍ ومخلَبِ كريمٌ نماهُ للمكارمِ والعُلَى ... أبٌ ماجدُ الأعراق مَحْضُ المركَّبِ فلَهْفي على ما فاَتَ من حُسْنِ هَدْيتهِ ... ومذهبِهِ للخير في كُلّ مَذّهَبِ ولَهْفِي على القبر الذي غال وجهَهُ ... ولَهْفِي عليه من كريمٍ مُغَيَّبِ لقد غيَّبَتْ منه المقابرُ سيِّداً ... همُاماً جوادَ الكفّ غيرَ مُؤَنَّبِ عليه سلام الله ما ذَرّ شارقٌ ... لِميقَاتِهِ أو حانَ وقْتٌ لمْغرِبِ ولا زالَ مُنْهَلٌّ يُساقُ لقبرهِ ... حثيثُ العَزَالِي ذو رَبَابٍ وهَيْدَبِ وقال عبد الله بن عمرو بن أبي صبح المزني، يرثي عبد الله ومحمداً أبني مصعب بن ثابت: قُلْ للأمير جزاهُ الله عارفَةً ... وأهِل وُدّي جميعاً من بني أسَدِ إنِّي نذرتُ إنِ الرحمنُ سَلَّمَنِي ... حتى أقومَ صحيحاً غير ذِي أوَدِ مَشْياً بحقِّكُمُ حتَّى أؤَدّيهُ ... هل يُبْرِدَنْ ذلك من حَرٍ على كبدِي أو يُنْشِرَنْ ذاك عبدَ الله لي أبداً ... أو يُنْشِرَنْ لي أخاهُ آخِرَ الأبَدِِ
إن يشمَتِ اليومَ حُسّادي بمَوْتهما ... فقد يموتون قبل اليوم من حَسَدِي وقد أرانا وعبد الله يَحْمِلُنا ... كحامِلِ الغَيْث بين الغَوْر والنُّجُدِ فإن جَزِعتُ فمثلُ الشرِّ أجزعَنِي ... وإن صبرتُ فأدنَى لي إلى الرَّشدِ وإن شكرتُ فقد أبقى الإلهُ لَنَا ... خلائِقاً من بنيه ثُبَّتَ العَمَدِ إن يُعقِب الله يوماً من مصيبتهِ ... فبالأمر، وإلاّ لجَّ بي كَمدِي وقال حماش بن الأبرش الكلابي، يرثي عبد الله بن مصعب: لقد كفّنُوا عند الخليفة منهُمُ ... فتًى كان لا يرضَى بضْيمٍ سَمَيْدَعَا فتًى يرهبُ الأعداء جانبه الذي ... يكون به صعْباً على القومِ أرْوَعَا ولو جُمِع الأقوامُ إذْ أنتَ وسْطنَا ... لَما عَدَلُوا في موطنٍ بك إصبَعَا فلا يحسَبِ الأعداء أن قَناتَهُمْ ... تلينُ وإن عضَّ الزمانُ فأوجَعَا لقد بقيتْ منْهُمْ قناةٌ صَليَبةٌ ... ستَسْقِى عُدَاها السمَّ حتى تُضَلِّعَا إذا مَا زُبَيْريٌّ مَضَى لسَبِيِلِهِ ... رَجَوْنَا زُبَيْريًّا وإن كان مُرْضَعَا
وقال أبو المشمعل، ويعرف بأبي المضاء كثير، مولى عبد الله ابن مصعب الزبيري، يرثيه: بكيتُ أبا بكْرٍ وقد حِيلَ دُونَهُ ... وحُقَّ لأِن أبْكِي عليه وأجزَعَا مضَى لا تُرَبِّى حُرةٌ فِي ثيابِهَا ... لَهُ شبَهاً ما عفَّتِ الريحُ أجرَعَا وما طردَ الليلُ النَّهارَ وساقَهُ ... وما طَار قُمْريُّ الضُّحَى وتفجَّعَا وما أستلَم البيتَ الحجيجُ وزارَهُ ... وما أذْمَلُوا العيسَ الحَراجيجَ خُضَّعَا وما رحَلوها من بعيدٍ لِحَجَّةٍ ... وما تَهَمُوها سالماتٍ وظُلَّعَا وسادَ معَدًّا ناشِئاً في شبابهِ ... وسَرَّ الذي ربَّى صغيراً وأرضَعَا
وسادَ مَعَدًّا كلَّها في شبابهِ ... وزادَ عليها كُلهَّا إذْ ترعرَعَا فأنَّى كعبد الله يُرْجَى لكُرْبَةٍ ... وأنَّى كعبد الله للضَّيْم مَدْفَعَا يُنِيلُكَ ما لا يُدْركُ الناسُ بَذْلَهُ ... هَنيئاً وللعاتِي العُتَاهِيّ مِرْدَعَا وأرزنُ عند الجهل من رُكْنِ حَالكٍ ... تَظَلُّ وتُمْسِي حَوْله الطيرُ وُقَّعَا وأقطَعُ عند الحقّ من حَدَّ صارمٍ ... حُسَامٍ، وأحيَي من فتاةٍ وأودَعَا وأجرأ عند البأسِ من سِيدِ غابَةٍ ... وأمضَى حِضَارَ الموتِ منه وأسرَعَا فلمَّا انقضتْ سبعونَ كانتْ نُهًى لَهُ ... وزاد على السبعين أن كان أربَعَا
دَعَاهُ مليكٌ لا يُعَاصَي وقَدْرُه ... فوافَى وَفاءً بالجزيرةِ مَضْجَعَا فيا لحُتوفِ الدِّهر إذ ما أصبْنَهُ ... ويا لكَ مصروعاً ويا لك مَصْرعَا ويا كبداً كادت من الوجْدِ لَوْعةً ... على أبن الحوَارِي بَغْتةً أن تصدَّعَا ويا كبداً إن ضنَّ مولًى برِفْدِه ... عليكَ، وسِيمَ الرَّغْمَ جهلاً فأسرَعَا لعمري لقد هَدَّ المدينَةَ هُلْكُهُ ... ومكةَ والمِصْرين والشَّأْمَ أجْمَعَا لعمري لقد عَضَّ الزمانُ وريْبُهُ ... قريشاً بنابٍ جَارحٍ ثم أوْجعَا بِهُلْكِ ابن أسماءَ النجيبِ الذي بهِ ... تلوذُ، فأمْسَى أمْرُها قد تضعْضَعَا فمن لليتاَمَى والأرَاِمِل بعدَه ... بطَيْبةَ والمولَى إذا كان مُقْطَعَا حَوَى الدهُر عَنْهم نَفْعَهُ ونَوالَه ... جميعاً، فكُلٌّ نَفعُهُ قد ترفَّعَا وأبو بكر بن عبد الله بن مصعب بن ثابت، أمه: أم عبد الله عبيدة بنت طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وأم طلحة
ابن عبد الله: عائشة بنت طلحة بن عبيد الله وأمها: أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، وهي التي قال أبو بكر الصديق لعائشة بنت أبي بكر أم المؤمنين: " ذو بطن بنت خارجة " أمها: مليكة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير، من بلحارث بن الخزرج خارجة بن زيد، عقبى بدري، استشهد بأُحد. وحمل الحديث عن أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، وعن أبنتها عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، عن عائشة أم المؤمنين. وحمل الحديث عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. وقال أبو بصير البكائي، يمدح طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق. إنّ فَتَى تَيْمِ بن مُرّةَ لَلّذِي ... لِعائشة الصُّغْرى ولأبن أبي بكر عائشة الصغرى: عائشة بنت طلحة، وعائشة الكبرى أم المؤمنين بنت أبي بكر الصديق.
ولطلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق يقول الحزين الديلي: إن تَكُ يا طَلْحَ أفْقَرْتَنِي ... عُذَافِرَةً تستخِفُّ الضَّفَارَا فما كانَ نَفُعك لي مَرَّةً ... ولا مرَّتيِن ولكنْ مِرَارَا أبوك الذي صَدَّق المصطَفى ... وسَارَ مع المصطَفى حَيْثُ سارَا وأمُّكَ بيضَاء تَيْميّةٌ ... إذا نُسِبَ الناسُ كانتْ نُضَارَا حدثني الزبير قال، وحدثني من سمع محمد بن أبي ضرار السعدي،
من سعد بن بكر، يحدث عن سليمان بن عياش السعدي قال: قدم النظار الأصغر الأسدي، ثم الفقعسي، المدينة، فأعتمد دور القرشيين يسأل في جائحة أصابته، فلم يصنع به أحد شيئاً، حتى أتى طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق في داره دار أبي يسار، فشكا إليه مصيبته وما لقيه به الناس، وفي دار طلحة يومئذ خمس خليات كأنهن القباب، فقال له طلحة: يا أخا بني أسد، وما الذي يكفيك حتى أعطيكه ولا تذم قومي؟ فقال: خلاياك أولاء. قال: فهن لك. قال: فقال النظار: قَرَعْنَا دُورهُمْ بَاباً فباباً ... فخيرُ الدُّورِ دارُ أبي يَسَارِ بها مِنْ سِرّ تَيْمٍ مَضْرَحِىٌّ ... يُهينُ كرائِمَ الكُوم العِشارِ لِصِدِّيق النبيّ أبوه، بخْ بخْ ... وأمُّكُ بنتُ تَيَّار البحارِ هما اجتمعا عليكَ فجئتَ خِرْقاً ... تُبارِى الرّيحَ من كَرَم النِّجَارِ
قال: وجعل النظار ينشدها في المسجد وفي الأسواق. فسمعه رجل من قريش قد أسماه فقال: هيا أعرابي، ما فضيلة دار طلحة على سائر الدور؟ فقال: بفضل ربها أرباب الدور، وإنما فضلهم بفضل أبيه آباءهم، أفعن كان طلحة جواداً تعنف أخا بني أسد يا أخا قريش؟ فقال القرشي: لشيء ما قيل: لا تعرض الجواب. وأم عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق: قريبة الصغرى بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وأمها: عاتكة بنت عتبة ابن أبي ربيعة بن عبد شمس وأمها: صفية بنت أمية بن حارثة بن الأوقص بن مرة ابن هلال بن فالج بن ذكوان، من سليم وأمها: أمة بنت نوفل بن عبد مناف ابن قصي وأمها: قلابة بنت جابر بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ابن لؤي وأمها: تماضر بنت الحارث بن حبيب بن جذيمة بن مالك بن حسل ابن عامر بن لؤي. ولأخيها هشام بن الحارث بن حبيب، يقول حسان بن ثابت
يمدحه في إمساكه دور من هاجر من قومه عليهم، ويذم بعض من باع دور من هاجر من قومهم: أخنَى بنو خَلفٍ وأخنَى قُنْفُذٌ ... وابنُ الرَّبيع، وطابَ ثوبُ هِشامِ من معشَرٍ لا يغدِرُون بذمّةٍ ... والحارثِ بن حُبَيِّب بن شِحامِ
اضطرته القافية فقال لحبيب حبيب. و " شِحام "، وهو جذيمة بم مالك ابم حسل، كان يقال له شحام. وكانت قريش قد استعملت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص على سفهائها، أو من أستعمله منهم، فأحدث الحارث بن أمية الأصغر حدثاً، فطلبه ففر منه، فهدم داره، فقال الحارث بن أمية في ذلك: أفرِّزُ بالأباطِحِ كُلَّ يومٍ ... مخافَةَ أن يُشَرِّدَ بي حَكِيُم
وأم تماضر بنت الحارث بن حبيب: الصماء بنت سعيد ابن سهم وأمها: عاتكة بنت عبد العزي بن قصي وأمها: ريطة الكبرى بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة وأمها: قيلة بنت حذافة ابن جمح. وكان أبو بكر بن عبد الله مصعب، ناب قريش ومدرهها شرفاً وبياناً ولساناً وجاهاً وأبهة، وحدباً عليها، وبراً بها، وحسن أثر عندها. واستعمله أمير المؤمنين الرشيد على المدينة، فأقام عامله عليها اثنتي عشرة سنة وثلاثة أشهر وأحد عشر يوماً. وكان أمير المؤمنين الرشيد به معجباً، وإليه مفوضاً، وكان عنده وجيهاً أثيراً، وأخرج لأهل المدينة على يديه نصف عطاء وكسوة وقسماً في سنة إحدى وثمانين ومئة. وأخرج على يده في سنة ست وثمانين ومئة قسماً لأهل المدينة كثيراً. وأخرج على يديه ثلاثة أعطية وكسوة فاخرة في سنة ست وثمانين ومئة. قال: فأخبرني عمران بن محمد بن مصعب بن محمد بن مصعب بن ثابت قال: أرسلني
أبو بكر بن عبد الله أقبض ثلاثة أعطية، وقد نزلوا ببيت مال أمير المؤمنين الرشيد، دار عائشة الصغرى، فقبضت منها ثلاثة أعطية، وذلك ألف ألف دينار ومئتا ألف دينار، كل عطاء أربعمئة ألف دينار. وأخرج على يده في سنة ثمان وثمانين ومئة، نصف عطاء وكسوة وقسماً كثيراً. وكان أمير المؤمنين الرشيد إذا كتب إليه كتب: " من عبد الله هارون أمير المؤمنين إلى أبي بكر بن عبد الله "، وكان محباً له. وكان عماله وجوه أهل المدينة فقهاً وعلماً ومروءة وشرفاً. وقل بيت بالمدينة لم تدخل له صنيعة. وكان جواداً، قوي السلطان، متفقداً لمصالح العوام، شديداً على أهل البدع. حدثنا الزبير قال: أخبرني من سمع بعض أهل البادية بعد وفاته يذكره وأمان الناس في سلطانه، فيقول: أما والله لنعم راعي صريمة الأريملة كان أبو بكر.
وكانت العرب تسميه: " راعي المخاض "، لأمانها عليها في سلطانه. وإن بعير أحدهم ربما أقام عنه الأشهر ذات العدد لا يراه ولا يخاف عليه. وفي ذلك يقول ابن أبي صبح المزني، يمدح أبا بكر ابن عبد الله: أمْسىَ الحجازُ أمِنتْ أصْرامُهْ ... وصحَّ بَجْدٌ وبَرَا سَقامُهُ رَقَّعَةُ وقد وَهَتْ أخصامُهُ ... بالعَدْلِ حتى سكنتْ عُرَّامُهُ ثُمْتَ جادتْ بالنَّدى رِهامُهُ ... فهو كغيثٍ مُسْبِلٍ غَمَامُهُ إرْزَامُهُ بالوَبْل وانهِزامُهُ ... ما فال فيه بَصَرٌ يَشَامُهُ عدْلُ أبي بكْرٍ ولا سلاَمُهُ ... ولا الحَوَاريُّ ولا إقدامُهُ
وله أيضاً يقول عبد الله بن عمرو بن أبي صبح المزني: كأنْ لم تَرَىْ غِبَّ ارتحالِي وغَيْبتي ... وعَرْفَ أبي بكْرٍ بِسَجْل على سَجْل مَدحتُ أبا بكْرٍ فما خابَ عندهُ ... مديحي وما ألفيتُهُ عَنْه ذا شُغْلِ وما كَذَبَتْنِي سُنَّحُ الطْير دونَهُ ... وما كذَبتْ رؤياي إذ نِمْتُ بالرَّمْلِ أنخْتُ فلمّا مِلْتُ في نشوة الكَرَى ... رأيْتُ علىَّ الريشَ أخضَرَ كالبَقْلِ وأبصرتُنِي أسمُو إلى البَدْرِ طالعاً ... وأعقِدُ في أسبابِ أحبُلهِ حبْلِى وأغرفُ من فَيْضِ الفُراتِ وأكتفي ... من النِّيل عَبَّاباً فأسقِى به نَخْلِي فُقلْتُ لأصحابي جَرَتْ طيرُ أسْعُدٍ ... لكُمْ فَوْتَ أعناقٍ الغُرَيْريّة الفُتْلِ ورؤياك أخذَ الكفِّ بالكفِّ بَشَّرتْ ... بيومِ ندًى من ذي ندًى واسعِ الفضْلِ متى تهبطُوا أرضَ الزُّبَيْريّ تُعْتِقوا ... خِشَاش المطاياَ من سَآمٍ ومن هَزْلِ أثابَكَ عنَّا اللهُ حُسْنَ ثَوَابهِ ... بعدلِكَ في الأحكامٍ والخلُقِِ الجَزْلِ خَلَفتَ لنا الصدّيقَ تَهدِي كهَدْيهِ ... وهِدْىِ الزُّبَير حَذْوَك النعلَ بالنَّعْلِ وسِرْت إلينا والبلاُد كأنَّها ... لِمَا غَبَّ من أدْوائها مِرْجَلٌ يَغْلِي فداويتَها حتّى إذا ما شَفَيْتَها ... من الداء والتامَتْ جميعاً على العدْلِ
وطِئتَ على سِيسَائها فكأنَّمَا ... رسَا وَرِقَانُ فوقَها وقُرَى تُبْلِ فأصبحتَ يا ابن الخير تنمِي إلى العُلَى ... على حَنَق الأعداء والحَدَقِ الشُّهْلِ وإنّ أمير المؤمنين لعارفٌ ... غَناءَك عنْهُ في البلاء الذي تُبْلِى وإنّي لمُثْنٍ بالذي قد فعَلْتُم ... بني ثابت في الناس ما أشْتَدَّ لي عَقْلِي وإني لأدعُوكم إذا جَلَّ حادثٌ ... من الدهْرِ أو ضاقتْ بنا عُرْوة الحَبْل وأعلَمْ لولا الزُّهْرُ من آل ثابتٍ ... لمرَّتْ ببعضِ القوْمِ خَفَّاقَةُ الرِّجْلِ ولكنهم جادُوا وسادُوا وأنعمُوا ... وقادُوا وردُّوا بالندى طَيْرة الجَهْلِ وماحُوا وراحوا بالندى حين لم تَرُحْ ... بدِرّتِها أمٌّ عَوَانٌ على طِفْلِ وقال حماس بن الأبرش الكلابي المقعد، يمدح أبا بكر ابن عبد الله بن مصعب: أبلغ أمير المؤمنين ودونَهُ ... أرضٌ يُخافُ بهَوْلِها أعْرَاضُها
إن الزُّبَيْري الذي استعملتَهُ ... فتّالُ مِرَّاتِ العِدَى نقّاضُها رُفِضت وعُطّلتِ الحكومةُ قبلَهُ ... في آخرينَ وملَّها رُوَّاضُها حتَّى إذا ماَ قامَ ألّفَ بينَها ... بالحقّ حتَّى جُمّعَتْ أرْفاضُها مَرِضتْ قبائلُ قبلَهُ فرأيتُها ... شُفِيَتْ لصولَتِه بِها أمراضُها وقال عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، في ولاية أبي بكر بن عبد الله بن مصعب الزبيري: فلوْ علِم الطَّاهُر المصطَفَى ... بما بشّر الله من سِيَرتِهْ لسُرَّ النبيُّ وفوق السُّرورِ ... بما نَشَغَ الله من سُنَّتِهْ بنو عَمه قادةٌ الأنامِ ... بنو الهُدَى وبنو عّمِتهْ هُما أختلجَا عِرْقَه كُلّهُ ... وقادا العِبَادَ إلى مِلّتِه لِيَهْنِ الأميرَ جميلُ الثناء ... فإنِّي قَدَ أصبحْتُ من شِيعتِهْ
وقال خارجة بن فُلَيْح المللىُّ، يمدح أبا بكر بن عبد الله ابن مصعب: بين البُرُوج أبو بكْرٍ ووالدُهُ ... حيث استوَى فوقَ طَرْف الناظِر القَمرُ في منزلٍ بين مَضْحَى الشمسِ مُعْتَدِلٍ ... ومَخفَقِِ النجْم يَعشُو دونَه البَصَرُ أنتَ الإمامَ الذي بالبرّ نعرفُهُ ... اِعتامَهُ لدَوامِ النِّعْمة القَدَر يوماك يومٌ تَعُمُّ الناسَ رأْفتُهُ ... ويومُ حُكْم لدين الله مُنْتَصِرُ كم من يدٍ لكَ لا تَبْلَى صنيعَتُها ... مَرْهوبة الثَّدْى مَعْلولٍ بها البَشَرُ تُضْحِى لديكَ جنودُ الرأيِ عاكفةً ... يعتامُها عكَرٌ من خلفها عَكَرُ تسمُو بك الأرضُ عُلْواً في مناكبها ... حيث انتَحَى بكَ من أقْطَارها قُطُرُ أكرِمْ بأوَّلكُمْ في الناس من سَلَفٍ ... والآخِرينَ إذا ما عُدَّت الأخَرُ إن يسبقُوك أبا بكرٍ بأسِّهِمُ ... تحت البِناء فقد شَيَّدتَ ما عمَرُوا مُرَفَّهُ الشَّأْوِ سَبَّاق على مَهَلٍ ... مُسْتحصِدُ الرأيِ لا كَهْلٌ ولا غُمُرُ
مُسْتَعْجِمٌ عن أذاةِ القَوْمِ مَنْطِقُهُ ... مُسْتَسْمَعُ القَوْلِ لا دعِىٌّ ولا هَذَرُ مَدَّ الزبيرُ له باعاً على شَرَفٍ ... مطهَّرُ البيت والقُطّانُ قد طَهرُوا ما تدلُكُ الشمْسُ إلا حَذْوَ منكبِه ... في حَوْمةٍ تحتها الهاماتُ والقَصَرُ آلُ الزَبْير نجُومٌ يُسْتَنَارُ بها ... إذا دَجَا الليل من ظَلْمائِهِ زَهَرُوا قومٌ إذا شُورسُوا لَجَّ الشِّماسُ بهم ... ذاتَ العِنادِ وإنْ ياسرتَهُم يَسَروا خُصَّ المديحَ أبا بكْرٍ ووالدَهُ ... وعُمَّهم منك إن غابوا وإن حَضروا حدثنا الزبير قال: وقال أيضاً يمدح أبا بكر بن عبد الله ابن مصعب:
أرى البرقُ يدنُو من يدٍ مُصْعبَّيةٍ ... إليناَ ويذكُو في صَبِيرٍ مُنَضَّد يدٌ عوّدتنا أن يرُوحَ غَمَامُها ... عليَنا بنَجْوٍ مُسْتَهِلٍ ويغتَدِي بسَيْبِ أبي بكر نُفَادُ بِدَولة ... على سالفٍ من عيْشِنا غيرِ مُرْغِدِ وما زال مَوْلِىَّ التحيَّةِ بالنَّدَى ... وما زال مشفوعَ النَّوال بموعِدِ إذا هُزَّ هزَّتْهُ عُرُوقٌ كريمةٌ ... يؤُول إليها المجْدُ من كُلّ مَحْتِدِ ترَى سُبُل المعروف نحو سِجَالِه ... عوامِرَ بالجادِين من كُلّ مَوْرِدِ أغرُّ زبيريٌّ نَمَتْهُ جُدُودهُ ... بنو مالكٍ في بيت مَجْدٍ مُشيَّدِ كأن على عِرْنيِتهِ وجَبيِنهِ ... شُعَاعْينِ لاحا من سِمَاكٍ وفرْقَدِ لهُ نسَبٌ بين الزُّبيرِ وهاشمٍ ... رفيعٌ وصدِّيقِِ النبيِّ محمَّدِ هو السابقُ التالي أباهُ كما تلا ... أبوهُ أباهُ، سيَّدٌ وابنُ سِّيدِ أهابُكَ إجلالاً وأرجوك للّتي ... تلينُ بها للراغبِ المتوَدّدِ
لَهُ لَحْظةٌ فيها لنا اليَسْر بالغِنَى ... وأخرّى رَمُوقٌ للعَدُوِّ بَمرْصَدِ لقد لاذ مْنُه العائدون من الرَّدَى ... بركْن منيع السَّاحتين مُؤَيَّدِ لَهُ عَطَنٌ رَحْبٌ وحوضٌ وفارطٌ ... يَعُلُّ وُفوداً أولَهتْ بتوقُّدِ وقال حماس بن الأبرش المقعد الكلابي، يمدح أبا بكر ابن عبد الله بن مصعب الزبيري: ياَ ناقُ جِدّي واتركي التعرُّجَا ... فقد لقيتِ مغنماً وفَرَجَا إذا بلغتِ الملكَ المتوَّجاَ ... فاستبِطني في الصَّدْر منكِ ثَلَجَا إنّ أبا بكرٍ إذا الجِبْسُ عَجَا ... وانشنَجتَ يميُنهُ تشنُّجَا
بحرُ بحُورٍ لم يكنْ مُمَزِّجَا ... نِعْمَ مُنَاخُ العِيسِ يشكُون الوَجَا إلى ابن عبد الله ناقلنَ الدُّجَا ... والبُعْدَ حتى كلَّ منهنّ العُجَا يطُلبْنَ نجماً من قُريشٍ أبلجَا ... لا كَدِىَ الجُودِ ولا مُزَلَّجَا أروعَ ذا قُدْموسِ مجدٍ أثبجَا ... لو خاصَمَ الناسَ وقد تحجَّجَا بالمجدِ في آبائه لفلَجَا ... تسعَى تُحَيِّيه الملوكُ هَدَجَا يبْدُو إذا سَحْقُ القميص أنْهَجَا ... وأنضَرَجَت أعطافُه تضَرُّجَا لا مُقْرِفَ اللّوْنِ ولا مُهَبَّجَا ... ورُبّ راعِي هَجْمَةٍ قد أحرِجَا بالقُفّ من تيماءَ أو تضجّجَا ... أو هَمَجَ الرَّمْلِ الذي تهمَّجَا
أو حيث دانَي من أضَاخٍ مَنْعِجَا ... أمَّنْتُه فبثَّها أو هَّيجَا وهوَ عليها آمنٌ أن تُخْلَجَا ... فأصَبح الظّالمُ قد تحرَّجَا خوفاً وما كان من الإثم نَجَا ... يا ابن حواريّ النبيّ المرْتَجَى إني لآتيكَ ولوْ تَدَحْرُجَا ... زَحْفاً على كُوعِ يَدي أوْ زَلَجَا حدثنا الزبير قال، وقال يحيى بن محمد بن مروان بن عبد الله ابن أبي سليط الأنصاري، يمدح أبا بكر بن عبد الله بن مصعب: يا ابنَ الحواريّ وعبد المطّلِبْ ... وابنَ أبي بكر فبَخْ بَخْ لم تُشَبْ
أنتَ المُنَقَّى والمُصَفَّى في النَّسَبْ ... وأنت أنقى الناسِ عرضاً منْ وَكَبْ آلَ الزبيرِ أنتُمُ أنْفُ العَرَبْ ... طِينَتكُمْ مِسْكٌ وأنتُم من ذَهَبْ جوهَرةُ الياقوت لا خُوصُ الكَرَبْ ... وأنجمُ البطحاء في ماضي الحِقَبْ والغيثُ في قَحْطِ الزمانِ واللَّزَبْ ... جِيبَتْ قريشٌ لَكُمُ جَوْبَ القُطُبْ توسُّطاً في العَدِّ مِنْها والحَسَبْ وقال أيضاً يحيى بن محمد بن مروان، يمدح أبا بكر بن عبد الله ابن مصعب: عَمِرتْ بَحْرةُ الرَّسُول بمَحْضٍ ... كانَ من صُنْعِ ذي الجلال حُسَامَا مصعبيٌّ كأنّهُ حين يَبْدُو ... قَمرُ الإضْحِيَانِ جَلىَّ الظّلامَا
فوقَ أنماطِهِ، إذا ما أجتَلَتْهُ ... أعينُ الناسِ نكَّسُوا إعظامَا وأساخوا للحظَةٍ منه تمضِي ... بنوالٍ أو صَوْلةٍ اِنْتِقَامَا ذاكَ من لا نَذُقْ له الدَّهرَ فَقْداً ... لأبي بكرٍ اقرِئَاهُ السَّلامَا فلقد سَرّني الذي طارَ عنْهُ ... من ثناء كالمِسْك فَضّ الخِتامَا فرشَ الناسَ بالمدينةِ عَدْلاً ... والتحفْنَا أمانَهُ حين قَامَا وأفَرَّ المُرِيبَ ذا الطِّنْء مِنْها ... وأنامَ البرئ فيها فَنَامَا وقال أحمد بن موسى السلمي، ثم الشريدي، يمدح أبا بكر بن عبد الله بن مصعب الزبيري: رأتْ خلفاء الله من آل هاشمٍ ... من الرأْيِ أن يُسْتأمَنُوا أو يُنَفَّلُوا أخذتَ الذين استكبروا وتجبَّرُوا ... بحُكْم حدود الله حتى تَنَكَّلُوا فرَأْىُ ابن عبد الله لا رأْىَ غيرُهُ ... عن النَّاس أجزَى في الأمور وأجزَلُ
ورأيُكَ من رَأى المشُيِرين كُلِّهِمْ ... غداةَ اختلاف الرأيِ أرْأي وأعدَلُ إذا خَصْلتان أشكل الرأيُ فيهما ... فسَعْيُك في شِعْبِ التي هي أجمَلُ وأبلخَ قد جلَّيتَ عنْه عَمايةً ... وقوّمتَه من زَيْغِهِ وهو أميلُ ومُضْطَهَدٍ فرّجْتَ بالعدل كَرْبَهُ ... وأذهبتَ عنه بعد ما كاد يؤكَلُ فأهْمَلَ واستَرْخَى عن المال كُلِّه ... وما كان يَسْتَرخِي وما كان يُهْمِل وأغْبرَ قد جلّيْتَ عَنْه قَتَامَهُ ... فأصبَح ذا ثَرْبٍ وقد كاد يُهْزَلُ أتاك وقد ضاقتْ عليه بلادُهُ ... فأعطيتَهُ فوق الذي جاء يسألُ كشفَ صدورَ الناسِ عن كل قَرْحَةٍ ... وعن كُلّ داء في الصُّدور يُزَمَّلُ وقال أيضاً يمدحه: يا ابن الحوَاريِّ بك المَجَارُ ... من ظالِمٍ هِمَّتُهُ الضِّرارُ والرَّوْغُ والتطويلُ والفِرارُ ... أنا امرؤٌ قد غَمَّنِي الإسارُ
حولاً وأفنَى ما لِيَ الإجارُ ... وهلك الدِّرْهَمُ والدينارُ والشاهُ والبعيرُ والحمارُ ... سَلْ هل شكاني من مَعَدّ جارُ وإنّما تُخْتَبَرُ الآثارُ ... إليكَ لمَّا ظَهَر السِّرَار ألقتْ مقاليدَ النُّهَي نِزَارُ ... إذا الرّجالُ الحُلَماءُ طارُوا جهلاً، فمنكَ الحِلْم والوَقَارُ وقال جعفر بن مدرك الجعدي، يمدح أبا بكر بن عبد الله: اعمِدْ أبا بكر كفَى لك منْ غِنًى ... إن تأتِهِ لاقيتَ ثَمَّ سُعُودَا يا أبن الأطايب والجحاجحة الأولَى ... نالُوا مكارمَ مَا تُنَالُ قُعُودَا حَسَرَ الرجالُ وقصَّرتُ أيديهمُ ... عمّا بلغتَ من الفَعَالٍ وليدَا أحييتَ ما قد كانَ مات من النَّدَى ... وجعلتَ عُرْفكَ مَنْهَلاً مورُودَا وقال إبراهيم بن يسار النساء، يمدح أبا بكر بن عبد الله، ولا نعلمُه مدح أحداً غيره وغير عبد الله بن محمد بن عمران الطلحي، فقال يمدح أبا بكر بن عبد الله:
إنّ الزِّمَامَ زِمَامَ الخيرِ نعرفُهُ ... وابنَ الزِّمامِ زِمام الخيرِ بَكّارِ لذلك أقسمتُ بالبيتِ العتيق ومن ... يَطَّافُ بالبيتِ من وَقْفٍ وزُوَّارِ لا أخلِطُ الدَّهْرَ ودِّيكُمْ بغيركُمُ ... منْ يجعلُ الفضة البيضاءَ كالقارِ حدثنا الزبير قال، أخبرني يحيى بن مسكين بن أيوب بن مخراق قال: حضرت أبا بكر بن عبد اله بن مصعب، جاءه أبن حراث، رجل من أهل المدينة، فأستعانه في زرع يريد أن يزرعه، فقال له أوب بكر: على كم تزرع؟ قال: على ناضحين. قال: فإذا زكا زرعك، كم يأتيك حبه، وبكم يأتيك تينه؟ قال: بكذا وكذا ديناراً وكثر على أفضل ما يأتي الزرع، فدعا له بثمن زرعه على ما تمنى فيه من الزكاء والغلاء، فقال له: هذا ثمن زرعك فخذه، فقد طرح الله عز وجل عنك مؤونة النضج. فأخذه ابن حراث وأنصرف وهو يقول: طَابَ بَذْرِي في الزبيريّ وقَدْ ... يُنْجِبُ الزرعُ إذا طابَ البَلَدْ لم يُصِبْنَا نَكَدٌ في زَرْعِنَا ... بل زرعْنَا في سَخَاخٍ وثَأَدْ فحصَدْنا لم نُعَالْج نَضَحاً ... والذي ينضَحُ في عيشٍ نَكِدْ
وقال المؤمل بن طالوت، يمدح أبا بكر بن عبد الله: إلى أبي بَكْر وما ... مَنْ زارَهُ بعائِلِ خير امرئِ من غالبٍ ... لراكب أو راجِلِ ترى الوفودَ عندهُ ... مِنْ قاربٍ وناهِل والناسَ في أذْرائه ... مُخْتَلِطِي القبائِلِ من راغبٍ وراهبٍ ... ونازلٍ وراحِلِ لدَى أميرٍ عادِلٍ ... ما خبرٌ كعاذلِ ولا بخيلٌ ممسِكٌ ... كذى فضولٍ باذِلِ بدرُ قريشٍ والذي ... بَرَّز في المحافِل ذو تُدْرَإٍ ومِدْرهٌ ... في كُلّ أمرٍ نازِل
وذو لقاء صادقٍ ... وذو وَفاءٍ فاضِلِ ومُنْصِفٌ لا يتَّقِي ... في الله عَذْلَ العاذلِ وراجحٌ لا تُمْتَرَي ... دِرَّتُهُ بالباطلِ أبلجُ إن تَنْزِلْ به ... تنزِلْ بَبّرٍ واصلِ بِقُلَّبِيّ حُوَّلٍ ... فيما عَنَى حُلاَحِلِ مستقبِلٍ مُسْتدبِرٍ ... مُخالِطٍ مُزَايِل لا فاحشٍ لا طائشٍ ... لا واهنٍ لا خاذِل ليس بِخَبٍ خادعٍ ... ولا بِغِرٍ غافِلِ ولا تراهُ قائلاً ... إلا بقولِ الفاعلِ نِعْمَ الفتَى لخائفٍ ... ونِعْمَهُ لآمِلِ ونِعْمَ راعي ما رَعَى ... منْ صابِرٍ وهامِلِ ونِعْمَ مِسْعَارُ الوغَى ... في اليوم ذي البلابلِ
جاءتْ به من غالبٍ ... شمسٌ لبدرٍ كاملِ تَيْمّيةٌ بكْرِيَّةٌ ... في الحَوْم ذي الغياطلِ لأسَدِيّ ماجِدٍ ... مُبارَك الشمائلِ قَرْمٍ زُبَيْرِيٍ له ... قالت قريشٌ فاضِلِ جَلْدٍ جميلٍ بارعٍ ... ماضٍ مُحَامٍ كاملِ مُشهَّرٍ مقدَّمٍ ... مُقَاصرٍ مُطَاولِ رَكّابِ أمرٍ مُصْعَبٍ ... خَوّاضِ هَوْلٍ هائلِ كان ثِمالاً ثَامِلاً ... ومَعْقِلاً للعَاقلِ وكان قَوّالاً إذا ... أفحِمَ كُلَّ قَائلِ من فتيةٍ جَحَاجحٍ ... ما فيهمُ من خاملِ كم أقعصُوا من مُتْرَفٍ ... وجبَروا منْ عائلِ وكم أبادُوا من حِمًى ... ذي لَجَبَاتٍ آهلِ بالخيل تَرْدِى في الوَغَى ... بكُلّ ليثٍ باسلِ
وقال المؤمل بن طالوت أيضاً يمدحه: أنّ الخليفةَ لا فقدنَا وجْهَهُ ... هارونَ ليس من الأمور بنائمِ شدّ المدينة حين خاف نُشُوزَها ... بأغرَّ من وَلَد الزُّبَيْرِ قُمَاقمِ فكفى وأحكمَ أمرهَا بسياسةٍ ... وكانتْ مُباركةً وأمرٍ حازمِ وتكشَّفتْ منه الأمورُ عن امرئ ... مُرِّ المريرة ذي قضاءٍ صارمِ جمع النَّصيحة للإمام وإنَّهُ ... لا يَتَّقِى في الحقِّ لومة لائمِ مَلْكٌ خُوَيْلِدُ حينَ يُنْسَبُ جدُّه ... ولَهُ صفيَّة جدّةٌ من هاشمِ ومن الزُّبَيْر له فواضلُ جمّةٌ ... كانت دعائمهُنَّ خيرَ دعائمِ ولَهُ من الفيَّاض طَلْحَةَ حُرْمَةٌ ... غَلْبَاءُ ذاتُ مناكبٍ وغلاَصِمِ ومِن ابنِ أسماءَ المحافِظِ في الوَغَى ... ورث السَّنَاءَ وكُلَّ عزٍ دائمِ وقال أبو المشمعل كثير مولى عبد الله بن مصعب، ويعرف بأبي المضاء، يمدح أبا بكر بن عبد الله بن مصعب: ذكرتُ أبا بكْرٍ لِمَا بي ودونَهُ ... سَبَاسِبُ مَوْمَاةٍ من الأرض بلقعُ إليك ابنَ عبد الله هاجَتْ مَطيّتي ... من السَّرْوِ أو غَوْرَيْ تِهامة تَهْبَعَ
وعندي ثناءٌ للكريم يزينُهُ ... وشَيْنٌ لِمنْ شاحَنْتُهُ لك أشنَعُ إليك تشَكِّيَّ الزمانَ، وعَوْنَهُ ... عليّ، وخَلاَّتي التي كنتَ ترقَعُ تُرَجَّى أيادي المُفْضِلينَ وسَيْبُهَا ... وتكفي الذي يرجُو نَوَالَكَ إصْبَعُ جمعتَ خِصَالَ المجدِ حتّى حَوَيْتَهَا ... فليس لمن جاراك في الجودِ مَطْمَعُ وما بلغ المُدَّاحُ ما فيك كُلَّهُ ... ولو وصفتْ جنٌّ وإنسٌ فأجمعُوا تداركنا عَدْلُ الخليفة بعد مَا ... هَلِعْنَا وكِدْنَا خشيةَ الجَوْر نَخْلعُ يَسُوقُ جميعَ الناسِ بالحقّ عّدْلُهُ ... سِيَاق صباحٍ ليلَهُ حين يَصْدَعُ مُقيِمٌ قِوامَ الحقِّ أمّا عَتِيُّهُمْ ... فُيرْدَى وأمَّا ذا الضعيفُ فيُرْفعُ أغرُّ زُبَيْريٌّ نجيبٌ كأنه ... صقيلٌ بأيدي الهْند والقلبُ أصْمَعُ إذا جاودتْ يُمْنى يديه شِمالهُ ... أصابك منه نَائلٌ لا يُمَزَّعُ له طينةٌ بيضاء من طِيبِ تُرْبِهاَ ... على الدَّهر لا تُكْدرِي ولا هي تَطْبَعُ
حدثنا الزبير قال، حدثني يحيى بن مسكين قال: أصبح أبو بكر بن عبد الله يوماً خاثراً، فغمنا ذلك منه، فلما خلا قال له بعضنا: قد غمنا أصلحك الله خثورك منذ اليوم. فقال: إني سهوت أمس فأخللت بكلمة لحنت فيها، فما نمت البارحة غما بها، فذلك ما رأيتم من خثوري. قال: فبلغ ذلك عمرو بن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل العامري فقال: والله لئن لم ينم تغمماً بلحنة سها عنها، إنه لنؤوم على غيظ الرجال! وله يقول ابن أبي صبح المزني، في لأرجوزته التي يقول فيها: يا بَكرُ أدْعُوكَ وفيًّا صادِقاَ ثم قال فيها: وقد رأينا الحَلَقَ المَصَالقَا ... وهي تُسَامِي تُرْسِل الشقاشِقَا إن نظرتْ يوماً إليه باسِقَا ... أو كَرَّ فيها ناظِراً أو ناطِقَا ألقَتْ على الأرْضِ له العَنَافِقَا حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن راشد قال: اختلف ما بين أبي بكر
ابن عبد الله بن مصعب، وبين أخيه مصعب بن عبد الله، فدخلت يوماً على مصعب ابن عبد الله، فوجدته يقول: أيزْعُمُ أقوامٌ رمَوْهُ بظِنَّةٍ ... بأن سوفَ تأتيني عقاربُهُ تَسْرِي ووَدّ رجالٌ لو تمادَتْ بنا الخُطَى ... إلى الغَيِّ أو تُلْقَي علانيةً تَجْرِي أبتْ رَحِمٌ أطّتْ لَنَا مثرْجَحِنَّةٌ ... أمانِي العُدَى والكاشح الحَسِكِ الصَّدْر فقُلْ لوُشَاة النّاسِ لن تُذْهِبَ الرُّقَى ... ولا نافثاتُ السِّحْر وُدَّ أبي بَكْرِ قال: فترويتها، ثم خرجت حتى استأذنت على أبي بكر فحدثته عن مدخلي على أخيه مصعب، وأنشدته شعره هذا، فرق وبكى حتى نشف دموعه بمنديلٍ، فأمرني فجئته به، فكان ذلك صلحاً بينهما. وقال أبو المضاء مولى عبد الله بن مصعب، يترضىض أبا بكر ابن عبد الله من موجدة وجدها عليه: أمولايَ إنّي قد جُفِيتُ وشفَّنِي ... حوادِثُ جَمٌّ شَعْبُها المتشاجِرُ ولَسْتُ بذي ذنبٍ فَيُولَى بذنْبِهِ ... وليسَ لذي ذنبٍ إذا فاتَ عاذِرُ ولستُ بناسٍ مِنْكُمُ فَضْلَ مِنَّةٍ ... علىَّ ولكَّنِي بها الدَّهرَ شاكِرُ ولستَ مُخَيفاً من أجرْتَ ولو وَهَى ... ولا ماجياً منكَ الشَّموسُ المحاذِرُ
ولا قاطِعاً وُدًّا إذا مَا وصلْتَهُ ... ولا طالباً بالوُدّ منْ هُوَ نافِرُ ولا ناقِصاً حُكْماً إذا ما حَكَمْتَهُ ... ولو نُقِضَتْ بعدَ الحُكومِ المرائِرُ فدًى لكَ نفسِي والعِظامُ ومُخُّها ... وما جَنَّ صدري كُلُّهُ والضمائِرُ أتنزِعُ منّي نائِلاً قد بذلتَهُ ... ولي خَطَرتْ قبل النَّوالِ الخواطِرُ وقال إسماعيل بن يعقوب التيمي، يمدح أبا بكر بن عبد الله ابن مصعب، ويهجو رجلاً: أضْحَتْ نجومُ بني الزُّبيْر مُضِيئةً ... ورُمِى بنجْمِ أبيك في البَحْرِ وإذا تنكَّرَت البلادُ على امرِئ ... نادَى لحاجتِه أبا بَكْرِ وتوفي أبو بكر بن عبد الله بن مصعب ليلة الاثنين لعشر ليال بقين من شهر ربيع الآخر، من سنة خمس وتسعين ومئة، فقال مصعب بن عبد الله ابن مصعب يرثيه: تولَّى أبو بكْرٍ حَميداً وأصبحَتْ ... رقابٌ تَسَامَي بعد ما كُنَّ خُضَّعَا فَقُلْ في غدٍ إمّا تعجَّلْتَ قِيلَهُ ... لِعَاتٍ عُتَاهِيّ إذا عَضّ أوجعَا أزِحْ أزَمَاتِ العَضِّ إن أنت لم تَجِدْ ... لنابَيْكَ في ذِي رِمّة القبرِ مَقْطَعَا
كأنّ الذُّرى من ثافِلٍ قُلّعتْ بِهِ ... عشَّيةَ لما زالَ عَنْهم فودذَعَا وكان متَى يُسْأَلِ الحقَّ يُعْطِهِ ... هَنيئاً ويُنْكِى حَدُّهُ منْ تَتَرّعَا وأنْوَكَ رَكّاضٍ إلى الغَيّ رُعْتَهُ ... على حينَ أن جَدَّ اعتزاماً وأوضَعَا بمَسْمُومةٍ ممّا تخيَّرت العِدَى ... صِيَابٍ، شَبَاها خالط السَّمَّ مُنْقَعَا وقد قلتُ إياك التي لا شَوَى لَهَا ... من اللائِى يُجزَي مثلَها القَرْضَ أشْنَعَا فلمّا أبَى أهتالَتْ له وهو راغِمٌ ... يدَاكَ الهَصُورانِ الوفاءَ المَنزَّعَا وقد كُنْتَ ممّا تَغْفِرُ الذنبَ قُدْرةً ... وتمنَعً هَوْناً ما أردْتَ لِتَمْنَعَا وقال محمد بن الضحاك بن عثمان الحزامي، يبكيه: قُلْ للَّذِين تباشَرُوا بنَعِيِّهِ ... ضَيْرٌ على الرجُل المُجَنّ قليلُ ما مَات حتى لم يَدَعْ ذَحْلاً لَهُ ... وعليه منْ تِرَةِ الرجالِ ذُحُولُ وقال جعفر بن حسين اللهبي، يرثيه:
ألا قدْ أرَى أن لا بقيَّةَ للدَّهْرِ ... ولا خيرَ في الأيَّام بعدَ أبي بَكْرِ أبعدَ ابن عبد اللهِ أبكى لهالكٍ ... وأحفِلُ ما تأتي به نَوْبَةُ الدهْرِ قَريعِ بني فِهْرٍ وحامِي ذِمارِهَا ... وسبَّاقِ غايات المكارمِ من فِهْرِ ثَوَى بين أطْباقِ التُّرَاب مُخلَّفاً ... بمُوحِشةٍ غبراءَ مُظْلمِةِ القَعْرِ لقد ضَمَّ ذاك القبرُ حِلْماً ونائلاً ... سَقَتْهُ الغيوثُ المسْتَهِلَّةُ من قَبْرِ أقامَ به مَنْ هدَّ رُكْنِي مُقَامُهُ ... وغادَر أحزاناً تَجدَّدُ في صَدْرِي ولو نالَ بالمجْدِ السّلامةَ واحدٌ ... فخُلِّد في الدُّنْيا خَلَدْتَ إلى الحَشرِ فإن تكُنِ الأيّامِ نالك رَيْبُها ... فواراك منضُودٌ من التُّرْب والصخْرِ وأخْنَى عليك الدهرُ من بعد عِزّةٍ ... فصِرْتَ غريبَ الدَّارِ بالمنزلِ القَفْرِ فأشهدُ أنْ قد فُتَّ بالوِتر أهلهُ ... ومَا فاتكَ الأعداءُ إذْ مُتَّ بالوِتْرِ ولا ضاعَ ثَغْرٌ كنت أنت سِدادهُ ... ولا لأنَ عند العَجْمِ عُودُك للكسْرِ وأنْ كنتَ في الدُّنيا جمالاً ومَعْقِلاً ... تُسَاجِلُ من سَاجلتَ في العُرْفِ والنُّكْرِ عَطُوفاً على القُرْبَى ثقيلاً على العِدَى ... جواداً لدَى المِقْرَى تَريش ولا تبْرِي تُجازِى أخَا الوُدّ الكريمَ بوُدّهِ ... وتَجْرحُ بالنَّابِ العَدُوَّ وبالظُّفْرِ وكم من فقيرٍ قد جَبْرتَ وعائلٍ ... وكم مِنْ أسيرٍ قد فَككْتَ من الأسْرِ وأرمَلَةٍ تبكِي عليكَ وصِبْيَةٍ ... بوجْهِك كانوا يأمنونَ من الفقْرِ فإن يقطع اليأسُ الرَّجَا ويفُوتُنا ... بك الدَّهْرُ يا ذا الجُودِ والنائل الغَمْرِ فمنْ لِقراعِ الخَصْمِ في يَوْمِ مَأقِطٍ ... تَسامَى لهُ الأبْصَارُ بالنَّظَر الشَّزْرِ
ومن لِطَرادِ الخليلِ في حَوْمة الوَغَى ... إذا أفترَّ نابُ الحْرب عن عُصُلٍ كُشْرِ ودارت رَحَاها واستطارَ شرارُهَا ... وأبرَزَتِ البِيضُ الخِدَامَ من الذُّعْرِ ومن يحمِلُ الجُلَّى ويهتضِمُ العِدَى ... ويَحْنُو على الَموْلَى ويَجْبُرُ ذا الكَسْرِ وقال عباد بن عبد الملك بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، يرثي أبا بكر بن عبد الله: لقَدْ هَدَّ رُكْنِي حينَ أنْ لِيَ حُقِّقتْ ... وَفاُة أبي بكْرٍ وفارقنِي صَبْرِي وأوحشتِ الدُّنْيَا وبان أكتئابُها ... وضاقت بمنْ فيها لفَقْد أبي بَكْرِ فيا عينُ بكِّى ذا السَّماَحةِ والنَّدَى ... وذا العُرْفِ والإحسان نابَ بني فِهْرِ فقد كانَ مأمولاً يُخَاف ويُرْتَجَي ... وَصُولاً لأسباب القرابَةِ والصِّهْرِ يَعُودُ إلى المولَى ويَحْمِلُ كَلَّهُ ... ويكفيهِ أحداثَ النوائبِ والدَّهرِ هو السِّيدُ المفقود، كانتْ وفاتُهُ ... مُصَاباً لأهْلِ الله في البَرِّ والبَحْرِ وقال يحيى بن الزبير بن عمرو بن عمرو بن الزبير، يرثى أبا بكر ابن عبد الله: لَمْ يُغْرِقِ الواصفُ المختارُ في صِفَةٍ ... أقصَى مَدَى غايةِ الإحسانِ والكرَمِ
أنْ قالَ ذاك لبَكْرٍ خالِصٌ أبداً ... دونَ البريّةِ من مُقْصّى وذِي قَدَمِ يَا واصِلَ الرَّحمِ المقطوعِ ما وَصَلتْ ... منكَ القرابةُ بالإفضالِ والنِّعَمِ قد قلتُ حين توَلَّوا مُسْرعِينَ بِهِ ... نَحْوَ البقيِع ألاَ للهِ مِنْ رَجَمِ لو يعلُم المَيْتُ ما يَلْقَي المُصَابُ بِهِ ... عَلِمتَ أنِّيَ ذو حظٍ من الألَمِ إن تُمْسِ رَهْنَ ضَرِيحٍ وسْطَ بَلْقَعَةٍ ... فقد تكُونُ لنَا حِرْزاً من العَدَمِ كُنْتَ النجيبَ ومَلْجّا في الخُطُوبِ لنَا ... يَجْلُو جبينُك عَنَّا حالكَ الظُّلَمِ أورثتنا المجدَ مجداً لا يدافِعُهُ ... ضِدٌّ عَدُوٌّ كثير الفنّ في الكَلِمِ إلاّ بما قد يقول الناسُ كُلُّهُمُ ... زَاَلتْ ذُرَى أجَأٍ والفِنْدُ من خِيَمِ وقال يعقوب ابن إسحاق المخزومي، من ولد عبد الرحمن بن أبي ربيعة ابن المغيرة، يرثي أبا بكر بن عبد الله الزبيري: ولَّى أبو بكْرٍ فُقلْتُ وقَدْ ... ولَّى ودمعِي مُخْضِلٌ سَجْلُ إن يَنْسَكَ الإخوان والأهلُ ... أو يُنْسَ منك الشخْصُ والفِعْلُ فلقد غَنِيتَ وأنت أكمَلُ أهْلِ الأرض مَالك فيهمُ مِثْلُ
متصرّفاً للحمْدِ محتمِلاً ... للِثِّقْل فِعْلُك فاصلٌ جَزْلُ وقال أيضاً يرثيه: مَنْ لحمْلِ العظيمِ والدَّفْعِ والنَّفْعِ ومن للقريبِ أو للبعيدِ بعد ذي المجد والفعَالِ أبي بكرٍ وذي العُرْفِ والفقيدِ الحميدِ كان للجار واليتاَمَى وللسَّفْرِ وللمُجْتدِي وللمجْهُودِ فثَوَى بالبَقيع في قعْرِ رَمْسٍ تعتفيه الأرواحُ في مَلحودِ يا لهَا من مُصيبَةٍ ليس ما قد كانَ مِنْها براجِعٍ مَرْدُودِ عينِ فأبِكي على الكريم المُصَفَّى والمَهِيبِ المهذَّب الصِّنديدِ واذكرى ما دَهَاكِ من حَدَثِ الدَّهْرِ وأذرى الدُّموعَ سحُّا وجُودي وإذا كفَّكِ المُعَزُّونَ عن فَيْضِ دُمُوعٍ فجدِّديها وزِيدِي إن يَفُتْنِي بكَ الزَّمانُ أبا بكْرٍ فقد نالَ رَيْبُهُ مَجُهودِي وقال عمر بن عبد العزيز الديلي، يرثيه: يا لَ الرِّجال ليومِ سَوْءٍ عارمٍ ... فجَعَ الحجازَ برَوْنقِ الأقوامِ ولَّي أبو بكْرٍ وكان مُدَافعاً ... عَضْبَ الشَّكيمةِ حَاسِرَ الإقدامِ يأتي المشارقَ والمغاربَ هُلْكُهُ ... فلسوفَ تفقدُهُ على استعجامِ
ولَوُ أنْطِقَتْ لَتَفجَّعتْ لنَعِيِّهِ ... نُجْدُ البلاد وغَوْرُ كُلّ تَهَامِ إنّ الجراءة والسماحَ كِلَيهما ... جُمِعَا لَهُ وتوقُّرُ الإسلامِ يأتي الخليفةَ أنّ حامل نُصْحِهِ ... يُحْثَى عليه التُّرْب بين الهَامِ طُوبَى لأعراقٍ هناك وبَهْجةٍ ... ووِلادةٍ زَخَرَتْ به وعِظامِ ومَهابةٍ وجَلادةٍ ودَمَاثةٍ ... وصَرَامة في المَأْزِقِ القَمْقامِ يا ابن الحَوارِي قد تركتَ بلادنا ... عُطُلاً عليها غُبْرَة الإقتامِ قد كنتَ للجادِي الغريبِ ومن له ... رحِمٌ وكنت لدَرْدَقِ الأيتامِ فأذْهب فقيداً قد عَمِرْتَ بنِعمةٍ ... غَيْداقةٍ وغَنِيتَ غيرَ كَهَامِ ما ضَرَّ ذا الرجُلَ المفلَّجَ عُمْرُه ... أن قِيل فاضتْ مُهْجَةٌ لِحِمَامِ قد كانَ طَلاَّبَ التِّراتِ مُظفَّراً ... وتَّارَ أقوام أولِى أجْرَامِ فسقى الإلهُ ضريحَهُ متهلِّلاً ... سَحًّا يُسَلْسَل من متُون غَمامِ وقال أبو ميمون البكائي يرثيه:
زارَ القبورَ أبو بكْرٍ وما بلغَتْ ... منْهُ العُدَاةُ الذي رامُوا وما انتَصَرُوا كان السِّمَام لأعداء إذا بَرَزوا ... وللصديقِ حَياً ما أخلفَ المَطرُ أذهَبْ إليك فقد فارقتَ مُفْتقَداً ... يا ابنَ الحواريّ منك الجودُ والظَّفَرُ سَهْلاً لمن يبتغِي المعروفَ جانِبُهُ ... ماضِي الجَنَانِ إذا ما ضاقت الثُّغَرُ لو كانَ صُوّرَ سيفاً قبلَهُ رجُلٌ ... لكان صُورتَه الصَّمصامُة الذكَرُ يُدِيرُ عينَيْ قُطّامِيٍ بمَرْقَبَةٍ ... في مَرْكَضِ الطَّرْفِ لا وَقْرٌ ولا عَوَرُ عليه نورٌ يُجَلى حين تُبْصِرُه ... كما يُجّلِّى دُجَى ظَلْمَائه القمَرُ لِيَبْكِهِ مُرْمِلٌ طاوٍ حقيبتَهُ ... ومستغيثٌ بنَصْرٍ ليسَ ينتَصِرُ وقال عمران بن محمد بن مصعب بن ثابت، يرثيه: ألا هَلْ هاجَكَ النّاعِي المُشِيدُ ... غداةَ نَعَى وأسْرَتُه شُهودُ
زُبَيْرياً يزيدُ عن التَّنَاهي ... فليسَ بمُنْتهٍ أبداً يزيدُ كريمٌ لا نوافِلُهُ صِغارٌ ... غزيرُ الجودِ خابطُهُ سَعِيدُ أبِيٌّ للأبَاةِ من قُصَيٍ ... تَحُلُّ به على العِلَلِ الوفودُ فلَهْفي لَوْ يُعَمَّرُ فَرْعُ فِهْرٍ ... بمَنْعَةِ معشرٍ لهُمُ عديدُ يُصال بدونِ صَوْلته فيأتِي ... على رَغْمٍ وإن كرِهَ العَنُودُ لأخْلِدَ خالداً أبداً لدينَا ... أبو بكْرٍ لعمَّرَهُ الخُلُودُ وإمّا قال قائلنا: أنيلُوا ... فجودٌ لاَ يُعَدُّ إليه جُودُ وإما قال قائلنا: تعالَوْا ... أتى الهيجَا مَسَاعيرٌ أسُودُ ترى فُرْساننا لَهِجُوا بضَرْبٍ ... تَزايَلَ حينَ خالطَهُ الحديدُ وكُلُّ مَناقبِ الخيراتِ فينَا ... بَدِئ بَدِيعِها وبِنا تَعُودُ تَرى كُلّ البريَّة إن غَضبنَا ... غَضَابَي مُذْعنينَ لما نُرِيدُ فمن ذا بعدنا لمّا أحِلَّتْ ... بسَاحتنا المنَّيةُ لا يبيدُ فلا يبعَدْ أبو بكرٍ ورَوْحٌ ... عليه وبعدَهُ البُعْدُ البعيدُ
فقِدْماً كان محتمِلاً حميداً ... ألا لاَ يَبْعَدِ الرجُل الحميدُ وقال عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الوهاب بن يحيى بن عباد ابن عبد الله بن الزبير، يرثيه: عجباً لريْبِ حوادث الدَّهرِ ... وتقلُّب الأيّامِ والأمْرِ ما إن يَفُوتُ بقُوّةٍ أحدٌ ... يَغْدُو على البادِين والحَضْرِ والموتُ ترمينا فجائُعُه ... بنوافذٍ كتلهُّبِ الجَمْرِ من كان في حِرْزٍ أحاط بِهِ ... ويُحيطُ بالعَصْماءِ في الصَّخْرِ لا شيءَ يُخْلُدِه لعّزٍ ثابتٍ ... ولو كانَ ذاك لكان في الحَبْرِ قد تمَّ فيه كلّ ما جَمَع الفتَى ... من خيرهِ أعني أبا بَكْرِ أعني الذي كانت تدين لَهُ ... بالفضل عند تحجُّرِ القطْرِ عُلْيا مَعَدَّ وكان يسمُو للعُلى ... فوق التي تُعتامُ للفخرِ جَمع السوابق والفواضل والنَّدَى ... يَهدِي بخير شرائِعِ البِرِّ وإذا قريشُ تنَاسبت أكفاؤها ... ونُسِبْتَ كنت كصَفْوةِ التِّبْرِ لذَوِي القرابة واصلٌ مُتعطِّفٌ ... تحنُو على الأرْحامِ والصِّهْرِ تُرْجَى لكُلِّ مُلِمّةٍ عَظُمتْ ... عالي الفَعال ومنتهى الذّكْرِ فَيَؤُوبُ محموداً كريماً مُفْضِلاً ... قد حَازَ ما فيها من الأجْرِ
قل للّذِين لهُمْ غداةَ نَعِيِّهِ ... زَجَلٌ يزيدُهُمُ على البِشْرِ لن تَعدِلُوا في طول دهركُمُ ... مِنْهُ كمثل قُلاَمة الظَّفْرِ ما إن لَهُ عِدْلٌ سَمِعْتُ بِه ... في كُلّ نائبةٍ من الدَّهرِ مَأوَى الأراملِ واليَتَامَى عنده ... في كل آزمَةٍ من الغُبْرِ سَبَقَ العباد بكُلّ أمرٍ زائِن ... فلقد رُزِيناهُ على قَدْر لو عَدَّ عُدَّادُ البريّة كُلّهم ... ما فيه عند اليُسْرِ والعُسْرِ من كُلّ مكرُمَةٍ ووعدٍ صادقٍ ... لم يأتِ عدُّهُمُ على العُشْرِ عجباً لعيني كيف لا تُذْرِي دماً ... يجري على الخدَّين والصَّدْرِ ولقد ذكرتُ بدمع عينِي إذوَنَي ... بيتين قِيلاَ قبلُ في الشّعْرِ فلئن بكيناهُ فحقَّ لنَا ... ولئن تركنا ذاك للكُبْرِ فلمثلِهِ بكت العيون دماً ... ولمثله جَمدَتْ فلم تَجْرِ يتلوه في الجزء الذي يليه: ومصعب بن عبد الله بن مصعب، وأمه أمة الجبار بنت إبراهيم ابن جعفر بن مصعب بن عبد الزبير. الحمد لله وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله الأكرمين.
سماع هذا الجزء
سماع هذا الجزء سُمِعَ جميع هذا الجزء على القاضي الأجل السيد العالم تاج الدين، شرف الإسلام، أبي الفتح محمد بن أحمد بن المندائي، بحق روايته إجازة عن أبي بكر محمد بن عبد الباقي قاضي البيمارستان، عن أبي جعفر محمد بن المسلمة، عن أبي طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص، عن عبد الله أحمد بن سليمان الطوسي، عن المؤلف، بقراءة الأجل السيد العالم عماد الدين نجم الإسلام أبي العباس أحمد بن محمود بن أحمد الفقيه، ولدى المسموع عليه أبو حامد محمد، وأبو جعفر علي، ويحيى بن الحسين بن أبي ربيعة "؟ "، وأخوه يوسف، وأبو جعفر هارون بن العباس الرشيدي، وأبو نصر أحمد بن الحسن ابن محمد سبط الفارقي، وأبو عبد الله الحسين أخو القارئ للجزء، والشيخ عبد القادر ابن داود المقرئ البقار، وعلي بن أبي الفتح بن سهل الطيبي، وأخوه أبو المعالي، والحسين بن أبي منصور بن السند القزاز، ومقبل بن عبد الله الحر، وعبد الكريم ابن راري المترسي الضرير، ومثبت السماع والأسماء أبو شجاع مقابل بن أحمد بن علي ابن محمد العنبري البصري ابن دواس القنا، وسمع من أول الجزء إلى نصفه..... وأجازها له. وسمع إلى آخر الجزء أبو المكارم أحمد بن الحسن بن عسكر الصوفي السيفيابي "؟ "، وذلك في مجلسين آخرهما يوم الأربعاء ثامن رمضان سنة ثلاث وثمانين وخمسمئة، وكمل لمثبت السماء سماع من أول الكتاب إلى ههنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وصحبه وآله. بلغ عبد الرزاق بن احمد بن محمد بن أحمد الشيباني الفوطي بمدينة السلام، في المحرم سنة ست وتسعين وستمئة. الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
الجزء الخامس عشر
الجزء الخامس عشر بسم الله الرحمن الرحيم ولد مصعب بن عبد الله بن مصعب وأمه: أمه الجبار بنت إبراهيم بن جعفر بن مصعب بن الزبير وأمها: فاختة، وتعرف بقمر، بنت عبد الرحمن بن عبد الله بن الأسود بن أبي البختري بن هشام بن الحارث بن أسد ابن بعد العزي. وفي ذلك يقول مصعب بن عبد الله بن مصعب، يذكر طرفيه، ويفتخر بمن ولده من قريش سواهم: إنيّ امرؤ خَلصَتْ قريشٌ مَوْلِدِي ... فحللتُ بين سِمَاكها والفَرْقدِ ضَمِنَتْ علىّ لهُمْ قرابَةُ بَيْنِنا ... حُسْنَ الثناءِ عليهِمُ في المَشْهَدِ تُدْعَى قريشٌ قبل كلِّ قبيلةٍ ... في بيت مَرْحَمةٍ ومُلْكٍ أيِّدِ بيتٌ تقدَّمه النبيُّ ورهطُهُ ... مُتَعَطَّفين على النبيّ محّمدِ فإذا تنازعتِ القبائِلُ مَجْدَهَا ... وتطاولَ الأحسابُ بَعْد المَحْتِدِ وتواشَجُوا نسَباً إلى آبائِهم ... قَبضَ الأصابعَ رَاحتَاهَا باليَدِ نسجتْ على سَدِاءَها ولِحَامَها ... أسدٌ وقال زعيمُها لا تَبْعَدِ
وحللتُ حيثُ أحبُّ من أنسابها ... بين الزُّبير وبين آلِ الأسودِ في مُلْتقَى أسَدٍ على أحسابها ... في باذِخٍ دُون السماءِ مُمَرَّدِ فإذا يَقُوم خطيبُ قومٍ منهُمُ ... يُثْنىِ بمكرُمَةٍ أقول لَهُ اعدُدِ قد شاركتْ أسدٌ على أحسابها ... أهلَ الحفائِظ منكُمُ والسُّؤدُدِ وإذا تُعَدُّ لهاشمٍ أيّامُها ... تُعْرَفْ فضائلُ هاشم لا تُجْحَدِ آلُ النبيّ لهُمْ إمامةُ دِيننا ... وصِيامُنَا وصَلاتُنَا في المسجِدِ فنَمُتُّ بالرَّحِم القريبة بينَنَا ... ثدْىٌ على الأدَنْينَ غيرُ مُجَدَّدِ بصَفِيَّةَ الغَرَّاءِ عَمَّةِ أحمدٍ ... وعَقيلةِ النِّسْوانِ بِنتِ خُوَيْلدِ فتنازعوا نسَباً يكون شبيهَهُ ... عَلَمُ الهُدَى وهِدايةُ المُسترشِدِ وإذا تَعُدُّ بنُو أميّة فَضْلَها ... وحُلُومها رَجَعت بقيَّةَ صِنْدِدِ وعلتْ علُوَّ الشمسِ في غُلَوائِها ... حين استقلّ على دِمَاغ الأصيدِ
فترى أمَيَّةُ أنَّنَا أكفَاؤها ... إذ لا يكونُ كفِيُّهَا بالقُعْدُدِ بنتُ الأمينِ وصِهْرُ أحمَدَ مِنْهمُ ... تُهْدَى ظَعِينتُها إلينَا عنْ يَدِ وشَجَتْ أميَّةُ بيننَا أرحامَها ... فسَلكْنَ بين مُصَوِّبٍ ومُصعِّدِ وبلغْنَ مطَّلِباً ودُرْنَ بنوْفَلٍ ... حتى اشتَجرْنَ به اشتِجار الفَرْقَدِ وأتَيْنَ عبد الدارِ بين بُيُوتها ... حيثُ استقرَّ بها طِنابُ المُوتِدِ وورثنَ عبدَ قُصَيّ من ميراثهم ... من حيثُ ورَّثَ يَخْلُد أبنه أعبُدِ وإذا تغطْمَطَ بَحْرُ زُهْرَة فارْتَمَى ... بالموجِ مُطّردَ العُبابِ المُزْبِدِ يدعُون عبدَ منافَ في حافتِهِ ... وإذا يُصَاحُ بحارثٍ لم يقعُدِ يتناسخونَ أثيِلَ مجْدٍ قادِمٍ ... وحديثَ مَجْدٍ ليسَ بالمُتردِّدِ فدعوتُ هَالةَ فاتَّخذتُ خيارَهُمْ ... نسباً وقلت لمن يُقاسمُنِي زِدِ وتناضلَتْ تَيْمٌ على أحْسَابهِا ... فأخذْت أكرمَهُمْ برغم الحُسَّدِ
من حيث شئتُ أتيتُهُمْ من ههُنا ... وهناك عَوْدَ بَدٍ وإن لم أبتَدىِ أدعو برَيْطَةَ إن دَعَوْتُ ودوُنها ... بنت المصدّق بالنبيّ المُهْتَدىِ وتَطاولتْ مخزومُ حتَّى أشرفتْ ... للناس من مُتغوِّرٍ أو مُنْجِدِ يتأمَّلون وُجوهَ غُرٍ سادةٍ ... وَرِثوا المكارمَ سيِّداً عن سَيِّدِ في مُنْتهى الشَّرَف الذي ما فوقَهُ ... شرَفٌ وليس أثِيلُهُ بمُوَلّدِ فدعَوْتُ عِمراناً أباً فأجابني ... نَسَباً وشَجْتُ إليه غير المُسْنَدِ وإذا عَدِيٌّ خاطرتْ في مَشْهدٍ ... طَمَّت غَوَاربُها وإن لم تَحْشِدِ فأتيتُ أسأَلهُم لمُرَّةَ حَظَّها ... من كُلّ مكرُمة لهم أو مَوْلِدِ وأبنا هُصَيْصٍ واللَّذان كلاهُما ... في منتَهَى الشرفِ القديمِ المُتْلَدِ وإذا انتميتُ لعامرٍ لم أنتِحِلْ ... وشَرِكتُ في عِرْيِنَها والأسْعُدِ وإذا دَعَوْتُ مُحَارباً أو حارثاً ... دَفَعا بكُلّ خميلةٍ أو فَدْفَدِ فنزلتُ من أحْمائِهم بحفيظةٍ ... وقعدتُ من أحسابِهم في مَقْعَدِ وإذا تكونُ لمعشرٍ أكرومِةٌ ... أضربْ بسَهْمِ قرابةٍ لم تبعُدِ فأحوزُ حَوْزَهُمُ بغير تنحُّلٍ ... وأكونُ وَسْطَهُمُ وإن لم أشهَدِ وعَلَتْ عُرُوق بنِي الزبير من الثَّرى ... حتى رجَعن إلى جِمَامِ المَوْرِدِ
فمتى تقاسِمْنَا قريشٌ مَجْدها ... نَهْتَلْ ولاَ نكْتَلْ بصَاع المُبْدِدِ ومتى نُهبْ بكريمةٍ من مَعْشَرٍ ... تُلْقِ المَرَاسِي عندنَا وتُمَهَّدِ صَدُقاتُها أحسابُنا وفوائدٌ ... من طيبِ مَكْسَبَهٍ عطاءَ الأوحدِ وكان مصعب بن عبد الله وجه قريش مروءة وعلماً وشرفاً وبياناً وجاهاً وقدراً. وله يقول عبد الله بن عمرو بن أبي صبح المزني: وقد علمْتُ ألاَ واللهُ يعلَمُهُ ... نا قُلْتُ زُوراً ولا من شِيمَتيِ المَلَقُ إني لأحبِسُ نَفْسِي وهي صادِيَةٌ ... عن مُصْعَبٍ ولقد بَانتْ لِيَ الطُّرُقُ رَعْوَي عَلَيهِ كما أرْعَى على هَرِمٍ ... قَبْلِي زُهَيرٌ وفِينَا ذلك الخُلُقُ مدحُ الكرامِ وسَعْىٌ في مَسَرَّتهم ... ثم الغِنَى ويدُ الممدوح تندَفقُ وقال أيضاً ابن أبي صبح يمدحه:
قالت شُمَيْسَةُ إذ قامَتْ تودِّعُني ... والدمْعُ يجري على الخدَّين أسْلاكَا لاَ يُلْهِيَنَّكَ عَنّا بَعْدَ فُرْقَتنَا ... بُعْد المزارِ وإن صَاحْبتَ أمْلاكَا فقلتُ: لو كنتُ أنساكُمُ يوماً نسيتُكُمُ ... إذ قالَ لي مصعبٌ لو شئتَ أجزاكَا خَطّان في شِبْر قِرْطاسٍ يَطِيرُ بِهِ ... مِنَّا جَرِيٌّ ونُمْضيِ، قلت: كَلاَّ كَا لا بُدَّ نظرةٍ أشْفِي بها كَمَدِي ... من أمِّ عمرو قَليلاً ثم ألقَاكَا دعْ عنك ما فات واكْسُ الرَّحْل مُعْترفاً ... أعطاكه مُصْعبٌ أيامَ ألفاكا عارٍ جَناحُك قد حُصَّتْ قوادمُهُ ... قد عضّك الدّهر عضّاتٍ فأدماكَا يا ذا النَّدَى ليس لي في غيركُمْ وَطرٌ ... أغنَيتَنِي بالغِنَى واللهُ أغناكَا إن أمتدِحْكم فخيرُ القولِ مَدْحُكُمُ ... وقد تُنَالُ بغير المَدْحِ جَدْواكَا يا أوسع النّاس فَضْلاً بعد والدِهِ ... إن تُعْطِ خيراً فإِن الله أعطاكَا مَجْداً تطأطأَ عنْهُ كلُّ ذي شرفٍ ... فيَمْنَعُ الناسَ أن يَجْرُوا بمجراكَا مَدَّ ابنُ أسمَاءَ كفيْهِ بمكرُمةٍ ... وابنُ الرَّبَابِ فقالاَ مصعبٌ هاكَا أنتَ أبنُنا، ما اجتمعنا قَطُّ في رجُلٍ ... فيستطيعُ له السّاعونَ إدراكَا
ثُمَّ الأميرُ أدامَ اللهُ صالِحَهُ ... نِعْمَ المُبَوَّا بحمد الله بَوَّاكَا رقّاكَ في المجد حتى نِلْتَ ذِرْوَتَهُ ... فمن بَغَاك محلَّ النَّجمِ وَافَاكَا حدثني الزبير قال، وحدثني عبد الله بن عمرو بن أبي صبح المزني قال: لما استعمل عبد الله بن مصعب على اليمن، قال لي مصعب بن عبد الله: أمض معنا إلى صنعاء. فقلت: لم أعلم أهلي ذاك. فقال: نرسل رسولاً ونكتب معه بحاجتك، وتمضي معنا وتكفاهم. فقلت: لا بد لي من مطالعتهم، ثم ألحقكم. وهو حين قلت هذه القصيدة. ثم قدمت عليهم صنعاء، فأنزلني عبد الله بن مصعب معه في دار الإمارة، وأجرى على خمسين ديناراً في كل شهر، وأكرمني. ثم غرضت فشكوت ذلك إليه، واستأذنته في الانصراف، فأذن لي وأعطاني خمسمئة دينار، وكساني كسوة فاخرة من عصب اليمن، وأمرني فدخلت على نجائبه، فاخترت منها نجيباً مهرياً. فانصرفت سالماً غانماً إلى أهلي. وقال ابن أبي صبح يمدحه: إذا رفعتْ أحراسُهُ السَّيرَ واستوَى ... على ظَهْر مصفوفٍ عليه النمارقُ بدا مَلِكٌ في صُورة البَدْرِ طالعاً ... فيالكَ حُسْناً زيَّنتْهُ الخلائقُ خلائقُ أحرارِ الملوكِ ونُورُها ... يَلوحُ عليهِ نَظْمُها المُتَناسِقُ
فتًى لم تَفُتْهُ خُطّةٌ تجمَعُ التُّقَى ... إلى المجدِ إلاّ ضمّها فَهو رائقُ فنحنُ بحمْد الله في فضْل مُصْعبٍ ... لنَا صابحٌ من ذِي نَداهُ وغابقُ ستبلُغُ عنِّي مصعباً غيرَ باعِدٍ ... مدائحُ تذرُوها الرياحُ الزواعِقُ جزاءً بآلاءٍ لَهُ إن شكرتُها ... شكرتُ عظيماً لم تَصِفْه المناطقُ ألمْ تُلفنِي ذَا خَلّةٍ فاصطنعتنِي ... وأطلقتَ مَالي وهو في الرَّهْنِ غالقُ وأنقذتني من لُجّة الدَّين بعد مَا ... غرقتُ، وغَاشِى لُجّةِ الدَّيْنِ غارقُ وأغنيتني عَمَّنْ سِواكَ وأنبتت ... رياحُك رِيشي والنِّجَاء الدوافقُ وأسبلتَ إسبالَ الربيع وأخْصَبتْ ... رياضُك للجادِينَ والله رازقُ فأقْسِمُ لا أحْصَى الذي فيك مادحٌ ... بمَدْحٍ ولكنّي جَزُوفٌ مُخَارِقُ ولا ضنّ نُصْحاً عنك بالغيب مؤمنٌ ... تقيٌّ ولا عاداكَ إلا منافِقُ ولا خفتُ إلا الكاشحينَ مُلمّةً ... عليك، ولكنّي بذي العرْشِ واثِقُ
قال، وأنشدني عدي بن عبد الله بن عمرو بن أبي صبح المزني لأبيه، يمدح مصعب بن عبد الله بن مصعب، حين أجمع المسير إلى اليمن، لميعاده مصعباً أن يطلع أهله ثم يأتيه بصنعاء، فقال: تقولُ ابنةُ الزَّيْديّ: أصبَحْتَ وافداً ... على مَلِكٍ أيَّ المُلوكِ تُرِيدُ فقلت لها: مُستَوْرِدٌ حَوْضَ مُصْعَبٍ ... فقالت: وأنَّي والمَسيرُ بعيدُ فقلتُ لها: لو كنتُ في سجن عَارِمٍ ... بدمباطَ قد شُدَّت عليّ قيودُ لسارت إليه مِدْحةٌ مُزَنيّةٌ ... يلَذُّ بها في المنشِدينَ نشيدُ أرى الناسَ فاضُوا ثم غاضُوا ومصعبٌ ... على العهْد يَغْطِى بحرُه ويزيدُ إذا صدرت بالحمدِ عن حَوْضِ مصعبٍ ... وُفودٌ وحلَّتْ بعد ذاك وفودُ تهلَّلَ فيّاضُ النَّدَى عاجلُ القِرَى ... إذا أنهَلَّ وهْناً قِطقِطٌ وجليدُ أقولُ لمغتاظٍ عليَّ كأنَّمَا ... بلَبَّتِه حامِي السِّنان حَدِيدُ تَبَرَّدْ بعَيْبِي في الخَلاءِ فإنَّهُ ... نَفَى العيبَ عنّي مَشْهدٌ وجدُودُ وبَغْرَةُ أملاكٍ تَنَجَّيتُ نَوْءَهَا ... فأسْقِيتْها والحاسِدُون شُهُودُ
تَعَلّقتِ الحسَّادَ منها زمانةٌ ... فلم يبقَ إلا أن يموتَ حَسُودُ حدثنا الزبير بن بكار: وكان أبو غزية محمد بن موسى الأنصاري كثيراً ما يجلس الى، فجلس إلى ليلة بين المغرب والعشاء الآخرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو إذ ذاك قاض، فتحدثنا إلى أن ذكرنا الشعر، فقال: ابن أبي صبح المزني أشعر الناس حيث يقول لعمك: فمَا عَيْشُنَا إلاّ الرَّبيعُ ومصعبٌ ... يدورُ علينا مُصعبٌ ويدورُ وفي مصعب إن غَبَّنَا القَطْرُ والنّدَى ... لنا وَرَقٌ مُغْرَورِقٌ وشَكِيرُ مَتَى ما يَرَى الرَّاؤون غُرّة مصعبٍ ... يُنِيرُ بها إشراقُهُ فُينِيرُ يروْا ملكاً كالبدْرِ أما فِنَاؤه ... فرَحبٌ وأمَّا قَدْرُه فكبيرُ لَهُ نِعَمٌ مَنْ عَدَّ قَصَّر دونَها ... وليس بها عمّا يريدُ قُصُورُ
عَدَدْنَا فاكثرنَا ومَدَّتْ فأكثرتْ ... فقلنا كثيرٌ طيّبٌ وكثيرٌ لعمري لئن عَدَّدتُ نعماءَ مُصعبٍ ... لأِشكرَها إنّي إذاً لشكورُ وله يقول ابن أبي صبح المزني أيضاً: إذا شئتَ يوماً أن ترى وَجْهَ سابقٍ ... بعيدِ المَدَى فأَنظُرْ إلى وَجْه مُصْعَبِ تَرَى وَجْهَ بسَّامٍ أغرَّ كأنمَّا ... تفرّجَ تاجُ المُلْك عن ضوء كوكَبِ فتًى همُّهُ أن يشتري الحمدَ بالنَّدى ... فقد ذهبت أخبارُهُ كُلَّ مَذْهَبِ مُفيدٌ ومتلافٌ كأنّ نَوَالَهُ ... علينَا نِجَاء العَارضِ المُتَنَصِّبِ وقال أيضاً يمدحه: إنّ الحواريَّ والّصِدِّيقَ وابنَهُمَا ... دعَائِمُ الدِّين إذ شُدَّت لَهُ الدِّعَمُ وثابتاً ذا النَّدَى والمُصْعَبَيْن معاً ... وذَا اليَمِينينِ عبدَ الله بَعْدَهُمُ شَدُّوا عُرَى مُصْعبٍ في كلِّ مكرُمَةٍ ... وعلَّمُوه من الخَيْراتِ ما عَلِمُوا فَهْوَ الكريمُ مُلاقاةً ومُخْتَبراً ... وابنُ الكرامِ إذا مَا حُصِّلَ الكَرَمُ رَحْبُ الفِناء رَخِىُّ الباعِ مُحْتمِلٌ ... للمُضْلِعاتِ إذا اشتَدّت بنا الازَمُ لا تُنْكِرُ العُوذُ مِنهُ أن يُضِرَّ بها ... ولا العِشارُ إذا أضيافُهُ قَدِمُوا
ولا يبالِي وإن كانت مُمَانِحَةً ... أن يخضِبَ السيفَ من أنسائِهنَّ دمُ يا ذا الندى، والذّي حَجَّ الحجيجُ لَهُ ... هَلْ بعد هذا على ذي مِحْنَةٍ قَسَمُ لئن نَشَرتُ ثناءً لا خفَاءَ بهِ ... لقد بَسَطْتَ عطايَا مالَهَا قِيَمُ ذُقنَا الثناءَ فلم نَأْلُ الجزاءَ بهِ ... وقد جَهدنا وما في نُصْحنا وَخَمُ لن يُنْفِدَ القولَ ما أسديتَ من حَسَن ... يَا ابن الحواريِّ حتى تَنْفَدَ الكَلُمِ ولا نزالُ بخيرٍ ما بقيتَ لنَا ... تَمَّتْ علينَا بك الآلاءُ والنِّعَمُ وقال ميمون بن مالك الخضري، يمدحه: وجدنَا بني آل الزبير كما مَضَى ... أبو وَجْزَةَ الماضي بكُمْ كان أعلماَ إذ معشَرٌ كانوا الطِفَافَ لجارِهم ... زكمْتُمْ على المِكْيَالِ كَيْلاً غَذَمْذَمَا
إذا مصعبٌ أبدَى لك البابُ وَجْهَهُ ... جَلاَ وَجْهُهُ عنكَ الظَّلاَمَ فأنجماَ وقال أيضاً يمدحه: مَرِض الرداء فقال لي حين اشتكى ... لأياً لِغَيْركَ أدْننِى من مُصْعَبِ فلقد رقَعْتَ بي الرِّقَاعَ كما تَرَى ... وانجَبْتْ مِنكَ عن القَرَا والمَنْكِبِ وقال المقعد الكلابي، حماس بن الأبرش، يمدحه: ستأتِي ابنَ عبد الله أجودُ مِدْحتِي ... وأهْدِي له مِنْها رِدَاءً مُحَبَّرَا يزِينُ بأرْضِ البَدْو حين أشيعُهُ ... ويبلُغُ من آلِ الخَليفة عسكَرَا فتًى من بني العوّام لم يرضِعِ الخَنَا ... ولم يكُ جَدَّاهُ عن المجْد قصَّرَا
ومن
قتيلُ حِباء لا قتيلُ مُدَامَةٍ ... تعطّفَ من طِيبِ الثَّنَا وتأزَّرَا فتًى لا يبالي بعدَ حمدٍ يُصيبُهُ ... أأقبلَ ما فّوْق الخِوانِ أمَ ادْبرَا فيا مُصْعبَ ابن المُصْعَبَيْنِ كليهمَا ... ومن يَلِدَا يفخَرْ على الناسِ مَفْخَرَا وجَدتُكَ أنت الفَرْعَ من آل غالب ... إذا خُيِّرتْ كنتَ الفَتَى المُتَخَيَّرَا وتوفي مصعب بن عبد الله ليومين خلوا من شوال سنة ست وثلاثين ومئتين، وهو ابن ثمانين سنة. قال الزبير: قال أحد بني أبي بكر بن عبد الله بن مصعب، يبكي مصعب بن عبد الله بن مصعب: ونَائحةٍ تَنْثُو الرَّزِيّة مَوْهِناً ... فقلتُ لها: إنّ الرَّزيّةَ مُصْعَبُ هُو المرء لا يَشْقَى به الحقُّ إن طَرَا ... ويَعرُو حَرَاهُ الطَّارقُ المُتَثَوِّب
فلو كان من رَضْوَى تَسهَّلَ وَعْرُها ... ومن كَبْكبٍ أنحَى إلى السَّهل كَبكَب ولو كانَ من لُبْنَانَ زَالَ لَهَاضَةُ ... وزُلْزِلَ من لُبْنَانَ فرعٌ ومَنكِبُ ولكنّنَا قومٌ أمِرَّ مَرِيرُنَا ... على الصَّبْر، والتَّقْوَى أعَفُّ وأقربُ وما كنتُ أشْرِيه بفَرْعِ قبيلةٍ ... ولو ابَّنُوهُ ما استطاعوا وأطْنُبوا يَفِيضُ إذا غاضُوا ويصفُو إذا قَذُوْا ... ويَخصِبُ مَغْنَاهُ إذا الحَيُّ أجْدَبُوا وإن قالَ أبْرَا قولُه بَاطِنَ الجوَى ... ويفعلُ فِعْلاً ليسَ ما يُتَعَقَّبُ ينالُ بأدنَى رايِةِ غَايةَ المَدَى ... ويَفرِجُ غُمَّاها إذا الناسُ أصعَبُوا رُزِينَا الَّذِي لَوْ سِرْتَ في الأرض تَبْتغِي ... لَهُ شَبَهاً أعْيَى الّذي تَتَحسَّب
ولد عبد الله بن مصعب
أصِيبَتْ به الأحْياء طُرَّا بأَسْرِهَا ... وصَبَّحَ أهْلَ اللهِ فَجْعٌ فأوْعَبُوا وهي أكثر من هذا. ومن ولد عبد الله بن مصعب محمد الأكبر، ومحمد الأصغر، لا عقب لهما، وأحمد، بنو عبد الله أمهم: خديجة بنت إبراهيم بن إبراهيم بن عثمان بن عبد الله بن عثمان بن حكيم لبن حزام وأمها: مسلمة بنت عثمان بن الضحاك بن عثمان بن الضحاك ابن عبد الله بن خالد بن حزام. ولأحمد بن عبد الله عقب. ولخديجة بنت إبراهيم يقول عبد الله بن مصعب: أحِبُّ اللَّيلَ أنّي حينَ أمْسِى ... تُحدِّثُني فأفْهَمُ ما تقُولُ أبُوهَا حين تَنْسُبُها حَكيمٌ ... وجَدَّاها عليٌّ والرَّسُولُ
ويَنْمِيهَا الزُّبَيْرُ إلى المَعَالِي ... أبٌ ضخْمٌ لَهُ باعٌ طويلُ حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله بن مصعب قال: كتبت خديجة بنت إبراهيم إلى أبي تلومه وتقول له: " تكتب إلي بخط غيرك، ولا تكتب إلي بخطك "؟ فأملى عليّ كتابهاً إليها، حتى إذا فرغت منه قال لي: أعطنيه. فأعطيته إياه، فكتب إليها: كَتَبتْ خديجةُ في الكتاب تَلُومُنِي ... أنِّي أمِلُّ ولاَ أكونُ الكاتباَ فَلأَ كتُبنَّ بخطِّ كَفَّى طائعاً ... ولأعْتِبَنَّ لئن سَلِمتِ العاتباَ وعبد الله بن عبد الله بن مصعب، أمه أم ولد. حدثنا الزبير قال، وحدثني عبد الله بن نافع بن ثابت قال: قال لي عبد الله بن مصعب: أريت فيما يرى النائم رجلاً يقول لي: يولد لك ابن من أم ولدك فلا تراه. فلم يكن شيء أثقل عليه من حمل أم ولده أم بعد الله ابنه. فولدت عبد الله بن عبد الله يوم مات عبد الله بن مصعب، فلم يره. ولم يبقى لعبد الله بن عبد الله إلا ابنةٌ، وقد توفيت. فهؤلاء ولد ثابت بن عبد الله بن الزبير.
وأما
وأما عامر بن عبد الله بن الزبير فكان من العباد المنقطين. وكان عبد الله بن الزبير يقول له، لما يرى من تخشعه: يا بني، إني قد رأيت أبا بكر وعمر، فلم يكونا هكذا. قال: وسمعت عمي مصعب بن عبد الله وغيره من أصحابنا يقولون: إن عامر بن عبد الله أقام يدعو لأبيه سنةُ لا يخلط معه غيره. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله، عن جدي عبد الله بن مصعب، عن يعلى بن عقبة قال: مر عامر بن عبد الله وأنا معه
بمنزل خاله المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فرأى جملاً دبرا بفنائه مناخاً، فقال المغيرة: ألك هذا الجمل؟ قال: نعم. قال: أفلا تعالجون دبره؟ قال: ليس الغلام حاضراً. قال: فدعا عامر جارية للمغيرة فقال: هات لي ماء. وألقى إلي رداءه، فعالج دبره بيده حتى فرغ منه، ثم غسل يديه وخرج. فقلت له في ذلك، فقال: إن أمي ماتت وأنا صغير لم أدرك برها، فأحببت أن أبرها في أخيها. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله: أن مالك ابن أنس قال: كان عامر بن عبد الله يواصل الصيام ثلاث ليالٍ، فكنت آتيه آخر يومٍ من صيامه أسأل به وأطلع حاله، فيشير إلى برد السلام. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب قال: سمع عامر ابن عبد الله المؤذن، وهو يجود بنفسه، ومنزله قريب من المسجد، فقال: خذوا بيدي. فقيل له: أنك عليل! فقال: أسمع داعي الله فلا أجيبه؟ فأخذوا بيده، فدخل في صلاة المغرب، فركع مع الإمام رَكْعةُ ثم مات، رحمه الله.
حدثنا الزبير قال، حدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: قلت لعبد العزيز بن أبي حازم: خلتان كانت في عامر بن عبد الله ما عذره فيهما؟ كان إذا أعرض عن حد لم يكلمه أبداً، وكان لا يزوج بناته؟ فقال لي: كانت هاتان الخصلتان من أعيب ما في عامر. فقلت لعمي: فهل سمعت له في ذلك بمخرج؟ قال: نعم، أما الإعراض، فإنه كان رجلاً في خلقه ضيق، فإذا ناره من أحدٍ شيء، خاف أن يأتيه منه أكثر من ذلك، فقطع ما بينه وبينه. وأما منعه بناته من التزويج، فإني سمعت ناساً يقولون: نرى أن ذلك تخوفاً من أن يحنث من يتزوجهن بأيمان البيعة. حدثنا الزبير قال، وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري قال: كان عامر بن عبد الله بن الزبير يقول: لا أزوج إلا كفؤاً في نسبه، كفؤاً في نشبه أيضاً، كفؤاً في يدنه. فخطب إليه هشام بن عبد الملك فرده، فقيل له: قد اجتمعت لك خصال في هشام، فلم رددته؟ فقال: ما كنت لأزوجها ابن قاتل أبيها. حدثنا الزبير قال، وحدثني ذؤيب بن عمامة، عن عبد العزيز
ابن محمد الدراوردي، عن مصعب بن ثابت قال: كنت جاساً مع عمي عامر ابن عبد الله، فجاءه فتى من قريش شريف النسب، غامض الخال، فسلم عليه فرد عليه السلام، وقال له: يا أبا الحارث، أمتع الله بك، جئتك خاطباً. فأظلم ما بيني وبين عمي، معرفة مني بشدة ما لقيه به عليه، فلم يجبه عمي بشيء، فقال له الفتى: يا أبا الحارث، أمتع الله بك، أما لكلامي جواب؟ فقال عامر: إن من كان بين حسنة يشكرها، وسيئة يستغفر منها، لمشغول عن كلامك، فلما ولى الفتى نظر عامر في قفاه ثم قال: فلو كَانُوا لِكَيَّسَةٍ أكاسَتْ ... وكَيْسُ الأمِّ أكْيَسُ للبَنِينا حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: قيل لعامر بن عبد الله: أخطأ الجراد نخلك وأصاب الناس. فقال: أشهد كم أنها صدقة على المساكين. فقلت له: بالنخل تصدق أم بالثمر؟ قال: لا أراه والله إلا
بالنخل، وأظنها صدقة من المخدمين بمكة. ولو كان تصدق بالثمر سنة واحدة، ما أنتفع منه بشيء أبداً. وكان ألزم الناس لوتيرة واحدة. لقد سرقت نعلاه مرة من المسجد، فأنصرف حافياً، فما لبس نعلين، وما زال حافياً حتى لقي الله. ولقد انهدمت أظفار من درجته، فبات تلك الليلة في الدار، فعملت الغد، في الدار حتى لقي الله عز وجل. حدثنا الزبير قال، حدثني عمي مصعب بن عبد لله، عن عمر بن عثمان بن عمر قال: كان جار لعامر بن عبد الله بن الزبير يسئ جواره، فأشترى عامر منه منزله بألف دينار، على أن يجمعها له في ثلاث سنين، وعامر بالخيال في ذلك. فكان يقول لجلسائه: قد أجتمع من ثمن المنزل كذا والحمد لله. إلى أن قال لهم ذات عشية: قد اجتمع ثمن منزله كله والحمد لله، وأرجو أن أدفع ذلك غداً والحمد لله، وأكتب الكتاب. فقال له صديق له: هل لك في صديقك فلان نعوده فإنه مريض؟ قال: نعم. فقام إليه فدخل عليه، فسأله كيف هو؟ فقال له الرجل: واويله ووايلاه مما في الصندوق، ليت فيه بدله عقارب أو أفاعي أو جمراً
يتلهب. فقال له عامر: لا تقل هذا، وأبشر، فأني أرجو أن يقيل الله ويرفعك حتى تنظر فيما في الصندوق وتستعتب. ثم خرج عامر، فما بلغ منزله حتى أتاه إنسان فأخبره أنه مات، فخرج عامر في جنازته، فجعل يلتفت إليه وهو على سرسه بين ساعتين فيقول: الحمد لله الذي وعظني بك ولم يعظك بي. قال: فما سمع عامر ذاكراً لمنزل حتى مات. فيرى أنه تقرب بثمنه إلى الله عز وجل. أخبرنا الزبير قال، وحدثني عياش بن المغيرة قال: كان عامر بن عبد الله بن الزبير إذا شهد جنازة وقف على القبر فقال: ألا أراك ضيقاً؟ ألا أراك دقعاء؟ ألا أراك مظلماً؟ لئن سلمت لا تأهبن لك أهبتك. فأول شيء تراه عيناه من ماله يتقرب به إلى ربه. قال: رقيقه ليعترضون له عند انصرافه من الجنائز ليعتقهم. حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن الضحاك، وعبد الرحمن بن المغيرة الحزامي: أن عامر بن عبد الله دفع إلى محمد بن زياد مولى مصعب بن الزبير،
ثلاثين ألف درهم وقال له: أقسمها في بيوتات الأنصار، ولا تعطين منها بيتاً حارثياً درهماً، فإني سمعت الله عز وجل ذكر أنهم قالوا: " إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فراراً "، وهم الذين دخلوا على قومي يوم الحرة. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمامة بن عمرو السهمي، عن مسور بن عبد الملك اليربوعي مثله، إلا أنه قال: دفعها إلى عبد الله بن زياد مولى مصعب ابن الزبير. حدثنا الزبير قال، حدثني عمي مصعب بن عبد الله، ومحمد بن الضحاك، ومن شئت من أصحابنا: أن رجلاً أودع محمد بن المنكدر خمسمئة دينار، فأستنفقها محمد بن المنكدر، فقدم الرجل، فجعل ابن المنكدر يدعو ويقول: اللهم إنك تعلم أن فلاناً أودعني خمسمئة دينار فاستنفقتها، وقد قدم وليست عندي، اللهم فاقضها عني ولا تفضحني. فسمع عامر دعاءه، فأنصرف إلى منزله فصر خمسمئة دينار، ثم جاء بها فوضعها بين يدي محمد بن المنكدر، ومحمد مشغول بالصلاة والدعاء لا يشعر، فانصرف محمد من لصلاته فرآها بين يديه، فأخذها
وحمد الله. قال عامر: فخشيت أن يفتتن، فذكرت له أني وضعتها، وأخبرته ما خفت عليه من الفتنة. حدثنا الزبير قال، وأخبرني عثمان وغيره: أن عامر بن عبد الله بن الزبير كان ربما أنصرف من العشاء الآخرة، قتعرض له الدعوة وقد بلغ موضع الجنائز، فيرفع يديه يدعو حتى يؤذن الصبح. فيرجع من مكانه ذلك إلى المسجد بوضوئه فيصلي الصبح. حدثنا الزبير قال، حدثني محمد بن مسلمة، عن مالك بن أنس: أن عامر بن عبد الله كان يواصل في شهر رمضان ثلاثاً. فقيل له: ثلاثة أيام؟ فقال: لا، ومن يقول يواصل ثلاثة أيام؟ يومين وليلة. قال: وكان عامر يشرب السمن، ربما أرسلني ربيعة أسأل عنه خلف القبر، فآتيه بعد العصر أسأل عنه. حدثنا الزبير قال، وحدثني سفيان بن عيينة قال: ذهبت أرمي الجمار مع أبي، فرأينا رجلاً يطيل القيام عند الجمار يدعو. فأرسلني أبي فقال:
سل من هذا؟ قال: فسألت عنه فقيل: هذا عامر بن عبد الله بن الزبير. ورأيت عليه عمامة وقد أرخى فضلها بين كتفيه. حدثنا الزبير قال، وحدثني رجل قال، حدثني إسحاق بن محمد الفروي قال، حدثني مالك بن أنس قال: كنت يوماً مع عامر بن عبد الله بن الزبير، ولم أر مثله في زمانه كان أكثر فضلاً، فوقف عليه ابن ذي الزوائد السعدي في المسجد فقال: إذا عَدَّتْ منَاقِبهَا قُرَيْشٌ ... فإنّكَ عامرُ بن أبي خُبَيْبِ أبوك العَاِئذُ المَهْدِيُّ حَبْرٌ ... وأمُّك نِعْمَ والدةُ النَّجِيبِ فِجْئتَ مُهذَّبَ الأعْراقِ مَحْضاً ... سُلاَلَ الصَّفْوِ من كَرَمٍ قَطيبِ
ومن
قال: فلما أتى عليها، أمر له بأعدادها دنانير، فأخذ لكل بيت ديناراً. قال: وكان إذا مدح فذكر أبواه أو أحدهما، أثاب من فعل ذلك، وإذا لم يذكرا لم يفعل. ومن ولد عامر بن عبد الله عتيق بن عامر، وابنه عمر بن عتيق، قتلا بقديد. ومن ولد موسى بن عبد الله بن الزبير صديق بن موسى، الذي حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تعضية على أهل الميراث إلا فيما حمل القسم ".
وموسى بن صديق، كان من أهل الفضل والعفاف، وولى صدقة الزبير. وإبراهيم بن موسى بن صديق بن موسى وأمه: صفية بنت عبد الوهاب بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، كان من أهل الفضل والنسك والعلم بالآثار والأشعار والأخبار والفقه والفصاحة. نظر في العلم، فلما كان فيه رأساً، أعتزل بالسُّوَارِقيَّة حتى مات. حدثنا الزبير قال، وحدثني بعض أصحاب المغيرة بن عبد الرحمن قال: كان رجل من أهل البصرة يلزم المغيرة بن عبد الرحمن على تعلم الفقه، وكان رجلاً فهماً. فلما فقه، أراد الخروج من المدينة، فقال للمغيرة: يا أبا هاشم، ألا أصفك وأصف أصحابك؟ قال له المغيرة: بلى، فأفعل. فقال له: أنت السابق، وإبراهيم ابن موسى بن صديق المصلى، وابنا الماجشون ينطقان بلسان واحدٍ.
ومن ولد عبد الله بن الزبير
يريد: عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة وأمه: بنت الماجشون بن أبي سلمة، فهو جده أبو أمه. ويريد: يوسف بن بعد العزيز الماجشون. وقد كان يقول من الشعر شيئاً، وهو الذي يقول: نُعَلَّلُ بالدُّنْيَا ونَعرِفُ غِبهَّا ... ويَمْنعُنَا حِرْصُ النُّفُوس الشَّحائحِ وأحْزَنني أنْ لاَ أزالَ مُوَكَّلاً ... بِتَأمِيلِ أمْرٍ لستُ فيه برَابحِ فيا باكياً شَجْواً، على الدِّين والتُّقَى ... فبَكِّ بمُرْفَضٍ من الدمْعِ سَافحِ ولِلعلم والإسْلام والحِلْمِ والنُّهَي ... فِهجْ عَبْرةً جَادَتْ بما في الجوانِح أصابَهُمُ رَيْبُ المَنُونِ فأصبَحُوا ... تُرَاباً وهَاماً تحتَ صُمِّ الصَّفَائَحِ وعُرِّيتِ الأحْسَابُ والدينُ بعدهُمْ ... فصارت كمهجُورٍ من الأرْضِ نازحِ ومن ولد عبد الله بن الزبير أبو بكر أمه: ريطة بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
ومن ولد عبد الله بن الزبير:
وأمها: سعدي بنت عوف بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة المرية. وكان لأبي بكر ابن يقال له عبد الرحمن، فهلك، فورثه عامر ابن عبد الله بن الزبير. ومن ولد عبد الله بن الزبير: هاشم، وقيس، والزبير، وعروة: بنو عبد الله بن الزبير أمهم: أم هاشم، زجلة بنت منظور بن زبان بن سيار وأمها: جرثم بنت سمرة بن زياد العبسية، بنت أخي الربيع بن زياد. فأما الزبير وعروة، فقتلا مع عبد الله بن الزبير بمكة. وأما هاشم، فكان من فرسان عبد الله بن الزبير، وكان من أشد الناس وأشجعهم، وكان أسن من عامر بن عبد الله، فيما أخبرني عمي مصعب ابن عبد الله. حدثنا الزبير قال، فحدثني عمي مصعب بن عبد الله، ومحمد
ومن
ابن الضحاك بن عثمان الحزامي: أن أهل الشأم دنوا دنوة من الأبطح ودفعوا أصحاب ابن الزبير، قالت امرأة من أهل مكة: وأنا مشرفة على سطح أنظر، إذ نظرت إلى فرسان أربعة متقنعين في الحديد، قد جاءوا حتى وقفوا على الردم. ثم تقدم أحدهم فحمل على أهل الشأم، فطردهم ساعة وشاولهم القتال، حتى أزالهم عن مقامهم ذاك. ثم كر راجعاً بفرسه وقد أعيي ولغب، فرمى إليَّ بطرفه، ووقف على فرسه، ثم قال متمثلاً: إن كُنْتِ ساقيةً يَوْماً على كَرمٍ ... فَأسْقىِ الفوارِسَ من ذُهْلِ بن شَيْبَانَا فدليت إليه كوزا بخماري، فشرب ثم ذهب فوقف مع أصحابه. ودنا منهم أهل الشأم، فخرج إليهم أحد الأربعة، فصنع مثلما صنع صاحبه، ثم أتاني فتمثل البيت الذي تمثل به صاحبه، فسقيته. ففعل الثالث مثل ذلك، ثم فعل الرابع مثل ذلك، فعجبت منهم، فقلت للرابع: من أنت؟ ومن هؤلاء؟ فقال:
أما ذلك، لأحدهم، فأمير المؤمنين، وأما ذلك فأخوه جعفر بن الزبير، وأما ذاك فأبنه هاشم بن عبد الله، وأما أنا فصالح بن نجيح مولاه. وعاش هاشم بعد عبد الله، فورثه أخوه قيس. ثم مات قيس فورثه ابناه حسن وعبد الله، كان عبد الله يلقب " الصواكي ". ثم مات حسن فورثه أخوه عبد الله. ثم مات عبد الله. ثم مات عبد الله، فورثته أبنته أم هاشم: أمها: أم عثمان بنت عبد الله بن عثمان بن عبيد الله، من آل حميد ابن زهير بن الحارث بن أسد وأم عبد الله بن عثمان: بنت عبيد الله ابن العباس بن عبد المطلب. ولأم هاشم ولد. ولم يبقى من ولد أم هاشم بنت منظور أحد، إلا من ولد أم هاشم بنت عبد الله قيس بن عبد الله بن الزبير. ولأم هاشم بنت منظور موالي، منهم: حميد بن قيس المكي، روى عنه مالك بن أسن وأخوه: عمر بن قيس المكي، يعرف
ولد عبد الله بن عبد الله بن الزبير
بسندل، فقيه، وهو أخو حميد بن قيس ومنهم آل عقيبة. ومن ولد عبد الله بن عبد الله بن الزبير إسماعيل بن عبد الله وأمه: امرأة من بني تميم. والمنذر ابن إسماعيل وأمه: فاطمة بنت عباد بن عبد الله. ولإسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن الزبير، ولزوجته فاطمة بنت عباد، يقول إبراهيم بن علي بن هرمة، وعتب على رجل فقال: ألاَ تكونُ كإسماعيلَ إنّ لَهُ ... رأياً أصِيلاً وفِعْلاً غيرَ مَمْنونِ أو مِثْلَ زَوْجِتهِ فيما ألمَّ بهِا ... هَيْهَاتَ أمُّهما ذاتُ النِّاطَقْينِ ولذلك حديث.
محمد بن المنذر، يكنى أبا زيد وأمه وأم أخويه: زيد وسعيد وقد انقرضا: زينب بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. قال ذلك عمي مصعب بن عبد الله. وقال إبراهيم بن حمزة: أخوا محمد بن المنذر لأمه: الزبير وسعيد ابنا المنذر، وقد انقرضا أمهم: عاتكة بنت سعيد بن زيد.
وقال إبراهيم بن موسى بن صديق: أخو محمد بن المنذر لأمه: معاوية بن المنذر، ولا عقب لمعاوية. وأم عاتكة بنت سعيد بن زيد، يف رواية إبراهيم بن حمزة: زينب، وهي في رواية عمي: جليسة بنت سويد بن صامت بن عطية بن حوط ابن حبيب بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس. وكان سويد بن صامت شجاعاً شاعراً. وكان يسمى " الكامل " وأمه: ليلى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش، من بني عدي بن النجار، وهي خالة عبد المطلب بن هاشم.
وكان محمد بن المنذر يعدل بكثير من أعماله أعيان بني الزبير، مروءة وشجاعة ولساناً وجلداً. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال، أخبرني مصعب بن عثمان، عن نوفل بن عمارة قال مصعب بن عثمان: وكان نوفل قليلاً ما يذكر شرفاً إلا لبني أمية، أو بني نوفل بن عبد مناف، وهو أحد بني نوفل بن عبد مناف. وكان مُسِناً قديماً. قال مصعب بن عثمان، قال نوفل بن عمارة: لقد رأيت ببحرتها، يعني المدينة، رجلين ما رأيت بها مثلهما. قال مصعب بن عثمان: فما زلت أترفق به حتى أخبرني بهما فقال: محمد بن المنذر، وعثمان بن عروة. حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان قال: قدم الوليد ابن عبد الملك المدينة وهو خليفة، فوضعت عنده أربعة كراسي، جلس عليها أربعة أشراف من قريش، كلهم ابن عدوية: عبد الله بن عمرو بن عثمان، أمه: بنت عبد الله بن عمر ومحمد بن المنذر بن الزبير، وأمه: ابنة سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وطلحة بن عبد الله بن عوف، أمه: ابنة مطيع بن الأسود ونوفل بن مساحق، أمه: ابنة مطيع بن الأسود.
حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: أقرأني عبد الله بن المنذر بن عمر بن المنذر بن الزبير، وصية المنذر بن الزبير في قرطاس قديم، فإذا فيها وصايا أوصى بها المنذر بن الزبير، فقال في وصيته: " إن لفاطمة ابنتي بغلتي الشهباء وعشرة ألف درهم، ولأبني محمد بنالمنذر سهم جمع ". قال عمي مصعب بن عبد الله: فسألت عبد الله بن المنذر: ما يعني بسهم جمع ". قال نصيب رجلين. حدثنا الزبير قال، قال عمي مصعب بن عبد الله: فذكرت ذلك لعبد الله بن عمر بن القاسم العمري، فأقرأني وصية محمد بن عبد الله بن أبي لأحمد فيها: " إن لفلان سهم جمع ". وكان محمد بن المنذر مع عبد الله بن الزبير بعد مقتل أبيه المنذر، وكان من فرسانه المعدودين. حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان قال: كان عبد الله بن الزبير قد جعل محمد بن المنذر على قتال من جاء من المأزمين، وجعل حمزة بن عبد الله على قتال من جاء من المسعى، وجعل هاشم بن عبد الله على قتال من جاء من الردم، فقال في ذلك بعض أصحاب عبد الله بن الزبير: جعَلنَا سِدَادَ المَأزِمَيْن محّمداً ... وحمزةَ للمَسْعَى، وللرَّدْمِ هاشمُ
حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: بلغني أن مسلحة كانت لعبد الله بن الزبير بالحجون، فيما بين المسجد وبئر ميمون، وحجاج بن يوسف ببئر ميمون. فبعث إليها الحجاج جريدة خيل، فهربت تلك المسلحة حتى أتوا ابن الزبير، واتبعتهم الجريدة حتى أدخلتهم المسجد. فندب عبد الله بن الزبير لهم الناس، فأنتدب محمد بن المنذر في ناس معه، فقاتلهم حتى بلغوا الحجون، منتهى مسلحة ابن الزبير، ثم وقف الناس وقفة، فذمرهم محمد بن المنذر واستنهضهم وقال: اصنعوا بهم ما صنعوا بكم. فقاتلهم حتى أدخلهم عسكر الحجاج بن يوسف، ثم كان يحرسها. حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان قال: كان زبيب
الضبابي في نفر من الضباب قد دفعوا إلى المدينة، فحبسوا في السجن حتى رثت حالهم، ثم أرسلوا، فخرجوا يسألون في الناس حتى مروا بمحمد بن المنذر جالساً ببقيع الزبير، فقال: لا تسألوا أحداً. وأمر لهم بظهر وكسوة ورحال ونفقة، وكفاهم كل مؤونة، حتى أنهم ليعطون السياط لرواحلهم، فقال زينب الضبابي: ألاَ أيهُّا الباغِي النَّدَي ووِراثَة النَّ ... بيَّ وفَتْوَاهُ، عليكَ ابنَ مُنذْرِ عليكَ فَتًى إن يُصْبِح المجْدُ غالياً ... يَقُمْ بالذي يَغْلُو به ثم يَشْتري قَرَى في حِيَاض المجدِ حتى إذا ارتَوى ... أمَالَ النَّدَى كالجَدْولِ المُتَفجِّرِ طَوَى البُعْدَ عَنَّا حين حَلَّتْ رِحالُنَا ... بِعُوجِ الهوَادِي كالأهِلَّةِ ضُمَّرِ فَذَاك فتًى إن تَأْتِهِ تَنَلِ الغِنَى ... وإن تَكُ أعمَى يَجْلُ عَنْكَ فتُبْصِرِ حَرَاجِيحُ يُدْنِينَ الفتَى من صَدِيقه ... فأبْناَ كأنَّا عُصْبَةٌ لم تُؤَسَّرِ
قال عمي مصعب في روايته: فراحَ النَّدى يهتَزُّ بين ثِيَابِهِ ... ورُحنَا كأنَّا عُصبةٌ لم تُؤّسَّر حدثنا الزبير قال: وحدثني الحديث وبقية الشعر، كما حدثني مصعب بن عثمان. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: كان محمد بن المنذر قدم على عبد الملك بن مروان بعد مقتل عبد الله بن الزبير يطلب في ماله، وكان قبض مع ما قبض من أموال ابن الزبير، فأمر له بالكتاب في رده، وذكر ابن الزبير في كتابه، فقال: " مما أصفى عن الكذاب ". فقال محمد: ليس مثلي يحمل شتم عمه. فأمر عبد الملك بمحو ذلك عنه. حدثنا الزبير قال، حدثني مصعب بن عثمان قال: لما دخل محمد ابن المنذر على عبد الملك، قال له يحيى بن الحكم: من صاحب يوم كذا؟ فقال: أنا. فقال: من صاحب وقعة كذا؟ قال: أنا. حتى عد وقعات، كل ذلك يقول محمد بن المنذر: أنا. قال يحيى: يا أمير المؤمنين، هذا الذي فعل بنا الأفاعيل. فقال محمد لعبد الملك: ردوا على سيفي وخذوا أمانكم، فلا حاجة لي به. قال عبد الملك: لا نفعل. حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان قال الزبير: وحدثنيه عبد الرحمن بن عبد الله الزهري، عن إبراهيم بن يعقوب بن أبي عبد الله قال:
ركب سليمان بن عبد الملك وهو خليفة، ومعه محمد بن المنذر، وعمر بن عبد العزيز ابن سليمان بينهما، فجاء المطلب بن عبد الله على بغله ليدخل بين سليمان ومحمد بن المنذر، فيتوسط هو وسليمان، فضرب محمد بن المنذر وجه بغلة المطلب فأنقدعت، فقال المطلب: ألا ترى يا أمير المؤمنين ما يفعل بقية الفتنة ووضر السيف؟ قال فقال محمد: فتنة والله كنت فيها تابعاً غير متبوع، ذنباً غير رأس. قال المطلب: أنا ابن بنت الحكم. قال محمد: أدناهن منكحاً، وأكثرهن مهراً، وأهونهن على أهلها. فالتفت سليمان إلى عمر فقال: ألا ترى محمداً يمدحنا بذمنا، ويذمنا بمدحنا، وكل ذلك يجوز له عندنا. قال الزبير: وأنشدتني أم كلثوم بنت عثمان، لعبد الله بن عروة ابن الزبير، يرثي محمد بن المنذر بن الزبير: سَرَى هَمّي فهاجَ علىّ حُزْنِي ... فأبْلاَنِي وضَاقَ عليَّ أمْرِي وهاجَ محمّدُ المأمونُ قِدْماً ... مُصِيباتِي فهاجَ عليّ ذِكْرِى وكانَ بقيَّةَ الأخْيارِ مِنّا ... أؤمّلُه وأرْجوهُ لنَصْرِي فيالِ الدَّهرِ كيفَ يَشُدُّ يَعْدُو ... مُصِرًّا يصطَفِى ويُصِيبُ ذُخْرِي يُصِيبُ عشيرتي ويَصُدُّ عنّي ... لِعِدَّة مُدَّةٍ وحِمَامِ قَدْرِ
ومالِي بعدَهُمْ في العَيْشِ خيْرٌ ... ولا أمَلٌ لَوَ أنّ الدّهَر يَدْرِي تقولُ حَليلتي وتَرَى أكتِئَابِي ... وجِسْمي: ما لجسْمِكَ كيف يَحْرِى فقلت لها: مَصائبُ مُوجِعاتٌ ... قَرَعْنَ العَظْمَ ثم لَحَوْنَ ظَهْرِي أصَبْنَ بني الزُّبَيْر فأفردُونِي ... لأعدائِي ولم يَتْرُكْنَ وَفْرِي وإنّ الخيْرَ وابنَ الخيْر منّا ... أبا زيْدٍ قَد اصْبَحَ رَهْنَ قَبْرِ ولم تَتْرُك لَهُ مِثْلاً نَراهُ ... ببَرّ في البلادِ ولا ببَحْرِ هو الرجُل المؤمَّلُ كان يُرْجَى ... لكُلِّ عظيمةٍ ولكُلّ أمْرِ فشأْنَ الدَّهرِ بعدَك لا أبالِي ... لعُسْرٍ كانَ بعدَك أو بيُسْرِ فلا تَبْعَدُ فقد أوْرَثْتَ حُزْناً ... علَى الأكْبَادِ مثلَ رَدَاةِ صَخْرِ
ومن
ومن ولد محمد بن المنذر فليح بن محمد، كانت له مروءة وقدرة وأمه: فاختة بنت عبد الله بن الزبير وأمها: حنتمة بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أمها: فاختة بنت عتبة بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود ابن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن اؤي وأمها: كنود بنت قرظة ابن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف وأمها: أم كلثوم بنت عمرو بن عبد شمس ولابنة الأخيف بن الحارث بن عمرو بن منقذ بن عمرو بن معيص.
ولد المنذر بن الزبير
ومحمد بن سعيد بن محمد بن المنذر بن الزبير، واكن من جلساء مالك بن أنس. وكان أيداً، شهماً، جليداً، جلد اللسان. ومن ولد المنذر بن الزبير عثمان، لا عقب له وعبد الرحمن، لا بقية له إلا من بنته حفصة بنت عبد الرحمن، لها محمد وجعفر أبنا إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب وإبراهيم بن المنذر، وقريبة بنت المنذر، لها ولد عامر بن بعد الله بن الزبير. وأمهم: حفصة الكبرى بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وأمها: قريبة الصغرى بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وأمها: عاتكة بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وأمها: صفية
ولد إبراهيم بن المنذر بن الزبير
بنت أمية بن حارثة بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان، من سليم وأمها: أمة بنت نوفل بن عبد مناف بن قصي وأمها قلابة بنت جابر بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي وأمها: الصماء بنت سعيد بن سهم وأمها: عاتكة بنت عبد العزي بن قصي وأمها: ريطة الكبرى بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة وأمها: قيلة بنت حذافة بن جمح. ومن ولد إبراهيم بن المنذر بن الزبير عبد الله بن إبراهيم بن المنذر أمه: أم خالد بنت عامر ابن مالك بن مروان بن عام بن أمية، من بني فراس. حدثنا الزبير قال: حدثني عمي مصعب بن عبد الله قال، حدثني أبي عبد الله بن مصعب قال: كانت جنازة لرجل كان يغمز نسبة، فدعا لها أو شاباً ومغموزين، ولم يدعني أنا وعبد الله بن إبراهيم، وكان جالسين معاً، فقال عبد الله بن إبراهيم:
دعَا كُلُّ مُسْتَدْعًي دَعيًّا فشَانَهُ ... ولم يَدْعُ أبناءَ الزُّبَيْرِ الأكارمَا ألم تَرَهُمْ لا يقْرُبُ الضَّيْمَ منْهُمُ ... كَريِمٌ، ولا يُعْطِى الظُّلاَمةَ ظَالمَا وعثمان بن عبد الله بن إبراهيم بن المنذر بن الزبير، كان من أهل المروءة والفضل، وكان يلي أيتاماً من أيتام الزبير بالكفاية. حدثنا الزبير قال، وسمعت مصعب بن عثمان يقول: عثمان ابن عبد الله يحتمل القضاء. وله يقول أبو الخشخاش الثعلبي: إنّ الطُّرَيفَةَ لا يَزَالُ نَخِيلُهَا ... يَنْدَى ويُمْطَرُ ما بَقِى عُثُمَانُ
ومن
وعبيد الله بن المنذر بن الزبير أمه: أم البنين بنت حسام ابن نهشل، من بني تميم، ثم من بني جندل وأخته لأمه: أم عمرو بنت عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة. والمنذر بن عبيد الله بن المنذر أمه أم ولد. وله يقول صالح، رواية طريح بن إسماعيل، أنشدني ذلك عبد الله بن محمد بن المنذر بن عُبيد الله: أمِنْ سَفَهٍ ظَلَّت دُموعُكَ تَهْمُلُ ... أِم الحُزْنُ عادَ العينَ فالدّمْعُ مُسْبَلُ بلِ الحُزْنُ عادَ العينَ، فأنهَلَّ دَمْعُها ... لِفَقْد الّذي كانت من النّاسِ تأمُلُ فإنّ الليالي مَرُّها وأنفِتَالُها ... ومنْ يَرَها في حالةٍ يتنَقَّلُ رَمَيْنَ صَمِيمَ العَظْم في المنِكبِ الذي ... به كنتُ أقْصِى ما كرهتُ وأعْدِلُ وذاك أبُو عُثمانَ سَيِّدُ مالكٍ ... ومَعْقِلُها والسَّابِقُ المُتَمَهِّل
ولد عبيد الله بن المنذر
سَما فارتقتْ أخلاقُه وتجشَّمتْ ... به حَادثاً رَقَّى لَهُ الأسَّ أوَّلُ فإنْ يكُ قد أخْفاكَ رَمْسٌ سكنْتَهُ ... يُجِنُّكَ دُونَ العين تُرْبٌ وجَنْدَلُ فما كُنْتَ تَخْفَي في المكارِم والعُلَى ... وحَمْلِ التي من ثِقْلِها ما تَحَلْحَل فقدْ رُزِئت فِهْرٌ كَريمَ كِرامِها ... وذا الطَّوْلِ، موكولٌ إليه التَّطوُّلُ فما حُزْتُ من مالٍ طَرِيفٍ وتالِدٍ ... ففضْلُ يَدَيْهِ والصّنيعُ المُؤَثَّل فلا شكرُهُ عِندي يَبِيدُ ولا أرَى ... بِحُسْنِ ثنائي بعدَهُ أتنقَّلُ ومن ولد عبيد الله بن المنذر عبيد الله، ومحمد أبو زيد، ابنا المنذر بن عبيد الله بن المنذر بن الزبير وأمهما: أسماء بنت الزبير بن هاشم بن عروة بن الزبير وأمها: أم حبيب عاصم بن المنذر بن الزبير ولابنة عبد الله بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ولأم ولد.
وكان لهما فضل. ورويا عن جدهما هشام بن عروة، وكانا في حجره. وكان عبيد الله بن المنذر بن عبيد الله من سراة قريش وأهل الشرف والاحتمال.
ومن ولد المنذر بن الزبير:
وكان أبو زيد محمد بن المنذر بن عبيد الله، من عباد قريش. وابنه: عبد الله بن محمد بن المنذر بن عبيد الله بن المنذر بن الزبير، الذي كان أحتسب بالمدينة، وداود بن عيسى بن موسى أميرها، حين أشعلت اللصوص حوالي المدينة، فاجتمعت معه قريش، وولاه داود بن عيسى قتال قتال اللصوص. ومن ولد المنذر بن الزبير: عمر، وعاصم، وأبو عبيدة، ومعاوية قتل مع عمه عبد الله ابن الزبير بمكة، لا عقب له. ولد المنذر هؤلاء لأمهات أولاد شتى.
فأما عمر بن المنذر، فكان من القراء النساكز وكان عبد الله ابن الزبير بعثه من مكة يقوم بأهل المدينة في شهر رمضان، فكان يقرأ لهم المئين من الآىِ في الركعة الواحدة، فسماه أهل المدينة: " الشبعان ". ومن ولده: عبد الله بن المنذر بن عمر، كان من أهل الشرف والفضل وحمل عنه حديث. وأما عاصم بن المنذر، فإنه روى الحديث في هلاك بني أميَّة. حدثنا الزبير قال، حدثني أحمد بن سلمان الباهلي، عن مسلم ابن إبراهيم قال، حدثني القاسم بن الفضل قال، حدثنا عياذ بن مغراء العتكي،
عن عاصم بن المنذر بن الزبير قال، حدثني ابن الزبير: إنه سمع علي بن أبي طالب يقول: هلاك بني أمية على رجل الأحول منهم. حدثنا الزبير قال، وحدثني عتيق بن يعقوب قال: كان لعاصم ابن المنذر مال بسراة اليمن، وكان أبياً حمياً، فكان إذا حضر ماله منع السدر وحماه. فقال أحد بني حوالة، وجعل يعضد السدر على إبله، وعاصم بالمدينة، ويقول:
أقولُ وسُوقُ السِّدْرِ فوق رؤوسها ... لهنَّ حفيفٌ مثلُ صَوْبِ الأبارِدِ كُلِي وَرَقَ السِّدْر الذي فيضَ جَفْجَفٍ ... وفيضَ شُجَاعٍ قبل صوت الرواعِدِ كُلي أكْلَةً إنّ الزُّبَيْريَّ عاصِماً ... إذا جاءَ يوماً لم تُرَخَّصْ لعَاضِدِ يَشُدُّ فلا يُرْخِى إذا شَدَّ شَدَّةً ... ويُعْطى إذا أعطَى عِطيَّةَ ماجدِ من النَّفَر اللاَّئِينَ لَمْ يَرْأمُوا الخَنَا ... يُهينون أحياناً مَناطَ القلائدِ حَوَارِيةٌ أنسابُهم أسَدِيّةٌ ... قُرَاسِيَةٌ أقدامُهم كالجلامِدِ
ومن
قال عتيق بن يعقوب: فعانه، فلم يحل الحول على عاصم حتى مات، فكان يقال: " أشأم من مَدْح الحَوَالىّ ". ومن ولده: عبد الله بن عاصم، كان بالبصرة، وهلك بها هو شيخ كبير. وكان المِيذُ قد انتهوا إلى، فجاوزوها إلى البصرة، فصادفوه هنالك، فأعتقد راية، وجمع الأكرة وقاتلهم، حتى أتاهم أهل البصرة. ومن ولد عاصم بن المنذر عبد الله بن معاوية بن عاصم، بلغ سنا، وكان من أهل الفضل، وروى عن هاشم بن عروة، واتخذ بالبصرة أموالاً كثيرة، وكان له بها قدر وجاه، وله بها ولد.
وأمه: عمرة بنت مالك بن المنذر بن الجارود، الذي يقول له الشاعر:
يا مَالكَ بنَ المُنْذر بنِ الجَارُودْ سُرَادِقُ المَجْدِ عَليكَ مَمْدُودْ وأمها: حميدة بنت مسلم بن عمرو، أخت قتيبة بن مسلم الباهلي. وأبو عبيدة بن المنذر بن الزبير، له يقول صخر بن الجعد الخضري يرثيه: يَا بَا عُبَيْدَةَ والدُّموعُ سواكِبٌ ... هَلاَّ بقيتَ لمَشْهَدٍ وحُفَالِ لو أرَ مثْلكَ عن قُدَيدٍ صادراً ... لاَ لاَ، ولا متغوِّراً بغَزَالِ خيراً مُرَافقةً وخيراً شِيمةُ ... عند اليَسَارة أوْ لَدَي إقلالِ يا با عُبَيْدةَ إنّنيِ ليزيدُنِي ... أسفاً عليكَ مَلالَةُ المُخْتاَلِ
لَيْتَ البَرِيدَ ثَوَى بحَرَّة واقمٍ ... وحَبَتْ مَطِيَّتُه بغَيْرِ عِقَالِ وهلك أبو عبيدة عند خالد بن عبد الله القسري وافداً عليه بواسط. روت عن جدتها أسماء بنت أبي بكر الصديق رحمه الله. ولدت لهشام بن عروة ولده كلهم: الزبير، وعروة، ومحمداً. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال، حدثني أبي عبد الله بن مصعب، عن هاشم بن عروة قال: لما ناهزت الحلم، دعائي عمي عبد الله بن الزبير في جماعة جمعهم من ولده وولد إخوته، ثم أقبل على من حضر
من أخوته، فقال متمثلاً لهم بقول زرعة بن السليب السلمي: ما تأمُرُون بِفِتْيَةٍ من قومكُمْ ... بكرَ الرَّبيعُ عليهمُ لم يَنْكِحُوا هَلْ تَفْرِضُون فَرِيضَةً يَرْضَوْنَها ... أم تَجْمَحُون إلى البُيوت فيَجْمَحُوا فقالوا له: أقض ما رأيت. فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على لنبي صلى الله عليه وسلم. وكانت، زعم أصحابنا، خطبته التي ينكح وينكح بها: " أما بعد، فإن الله أحل حلاًلاً رضية، وحرم حراماً سخطه، فأمر بما أحل ووسع فيه، ونهى عما حرم وأغنى عنه، فقال: " وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ". فقال هشام: فزوج بعضهم بعضاً، حتى انتهى إليّ فقال: ما حبستهم إلا من أجلك، فقد صرت رجلاً بحمد الله، وقد زوجتك فاطمة بنت المنذر. وكانت أكبر من هشام باثنتي عشرة سنة، وكان هشام يحدث عنها. قال هشام: فلما فرغ ابن الزبير تمثل بقول بلعاء بن قيس:
إذَا الهَشِمُ اللفَهُّ اشْتَرَى ببناتهِ ... وجَدِّكَ لَمْ أرقَعْ بهنّ خلاَليِ جعلتُ بناتِي في مَوَالِيَّ قُصْرَةً ... وما راعَنِي ذو شَوْرَةٍ وجَمَالِ وما رَاعَني شُكْدٌ وبُرْدَا سَحابةٍ ... ولا ذَرْعُ نُوبِيّ أشَقَّ طُوَالِ رأيتُ الألَى يَأتون للحقِّ دَعْوتِي ... مَوَالىَّ، والأقْصَيْنَ غيرَ مَوَالِ ولستُ ببانٍ لامرِئ سَمْكَ بَيتْه ... وأتْرُكُ بَيْتِي خاوِياً بخَمَالِ
ومن
حدثنا الزبير قال: وحدثني أبي مثل حديث عمي هذا، عن جده هشام بن عروة، إلا أن أبي قال في هذا الشعر: ولا رِزْمَتَا شُكْدٍ...... ولا ذَرْعُ نُوبِيٍ أصَكَّ طُوَالِ حدثنا الزبير قال: حدثني مصعب بن عثمان بخطبة عبد الله بن الزبير التي في هذا الكتاب، على مثل ما حدثني عمي رحمة الله. فهؤلاء بنو المنذر بن الزبير. ومن ولد عروة بن الزبير عمر بن عروة، قتل مع عبد الله بن الزبير، وكان مشجعاً، لا عقب له وعبد الله بن عروة أمهما: فاختة بنت الأسود بن أبي البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزي بن قصي وأمها:
أم شيبة بنت حكيم بن حزام وأمها: زينب بنت العوام. كان عبد الله بن عروة أسن بني عروة، وبه كان يكنى، وبلغ خمساً أو ستاً وتسعين سنة، لم يكن بينه وبين أبيه إلا خمس عشرة سنة. وكان له عقل وحزم ولسان وفضل وشرف. وكان يشبه عبد الله بن الزبير في لسانه، وكان عبد الله بن الزبير يعرف ذلك له. وهو رسول عبد الله بن الزبير إلى الحصين ابن نمير حين لقيه بمر. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال، قال عبد الله بن عروة: بعث إلى عبد الله بن الزبير فقال: أنطلق إلى الحصين بن نمير حتى تلقاه فتناظره. وأمر لي ببختية فرحلت بغبيط، ثم شد فوق الغبيط رحل. فقلت: ما أصنع بالغبيط؟ والرحل يكفيني. قال: بلى، هو أجدر أن تعلو عليه إذا كلمته. فانطلقت حتى لقيت الحصين بن نمير، فقال له أصحابه: إن صاحبك، يعنون مسرف بن عقبة، قد عهد إليك أن لا تمكن قرشياً من أذنيك، ولا تسمع منه شيئاً. فأبى الحصين وقال: نسمع منه، وننظر ما يقول وما يعرض، فإن جاءنا بشيء مما نحب قبلناه. قال: فأدناني منه فكلمته وأنا
مشرف عليه. قال: وجعل يتطاول إليّ بعنقه، فعرفت فضل مركبي، والله ما انصرف عني حتى عرفت أني قد كسرت من حدته. وكان عبد الله بن الزبير يقول لعروة بن الزبير فيه: ولدك هذا لي. حدثني ذلك عبد الله بن نافع بن ثابت، عن الزبير بن خبيب. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله، وعبد الله ابن نافع بن ثابت، عن الزبير بن خبيب قالا: أرسل معاوية بن أبي سفيان رسولاً وكتب معه إلى عبد الله الزبير يخطب إليه أبنته أم حكيم بنت عبد الله، على أبنه يزيد بن معاوية، فزوجها عبد الله بن عروة، وكان أول من زوج من بني أخيه، فقال له رسول معاوية: ما تجيب به أمير المؤمنين؟ قال: ما له عندي جواب إلا ما رأيت. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله، عن جدي عبد الله بن مصعب قال، قال عبد الله بن عروة: كان عمي عبد الله بن الزبير يبيت عند أمه كما يبيت عند أهله. فإذا كانت الليلة التي يكون فيها عند أمه جئته، فيقوم فيصلى ليلته، وأقوم إلى جنبه أصلي حتى الصباح، وأهجر كل يوم فأصلى معه. فمكث بذلك ما شاء الله، فأدركني يوماً وأنا رائح بالهجير إلى المسجد، فصاح بي: مهيم! فوقفت له، فاتكى على يدي حتى بلغ باب المسجد، ثم
قال أفيك خير؟ قلت: وأين تذهب بالخير عني؟ قال: أزوجك ابنتي أم حكيم، قد عرفت منزلتها مني. قلت: نعم. فدخلت بي المسجد، فجلس إلى عبد الله بن عمر، فحمد اللهو أثنى عليه، وزوجني أم حكيم. ثم قام وقمت معه حتى أتى مصلاه فوقف فيه، وخرجت حتى أتيت أبي فأعلمته، فكذبني وقال: لا يسمعن هذا منك أحد. فقلت: قد والله كان ذلك. فأرسل إلى عبد الله بن الزبير: أكان ما ذكر عبد الله؟ قال: نعم، زوجته أم حكيم. فقال لي: هذا مال لك عندي ورثته من أمك، وهو عشرون ألف درهم، فأحمله إليها. ففعلت. فأرسل إلى عمي عبد الله فجئته، فقال: ألم تعدني الخير من نفسك؟ قال قلت: بلى. قال: فما حملك على أن تبعث إلينا بمال؟ لو أردت المال لوجدته عند غيرك، يريد معاوية، أحمل مالك فلا حاجة لنا فيه. قال: فرحت بالمال إلى أبي. وكانت أم حكيم بنت عبد الله قالت لأبيها: لم تؤثر بنيك بالنخل علينا، وبناتك أحق بالأثرة لضعفهن؟ أترى بنيك يؤثروننا على نسائهم؟ فقال لها: لا أفعل بعدها. فقال عمي مصعب بن عبد الله: وكانت أم حكيم أحب ولد عبد الله إليه. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال، حدثني حماد بن عطيل بن فضالة بن رداد الليثي، وكان حماد قد بلغ مئة سنة وسنتين قال: رأيت عبد الله بن عروة في سنيات خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص، وكان خالد والياً لهشام بن عبد الملك على المدينة سبع سنين،
فقحط المطر في تلك السبع، فكان يقال لها: " سنيات خالد ". فجلا الناس من بادية الحجاز فلحقوا بالشأم. قال فحدثني حماد بن عطيل قال: فحضرت عبد الله بن عروة بن الزبير يف أمواله بالفرع، يدخل الناس في مربد تمره طرفي النهار، غدوة فيتغدون من التمر، وعشية يتعشون. فما زال كذلك يفعل حتى أحيي الناس. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال، حدثني حماد بن عطيل بن فضالة بن رداد الليثي قال: جلونا مرة إلى الشأم في جهد أصاب الناس، ثم رجعنا فوجدنا عبد الله بن عروة قد هدم الثلم وكسر الوشع، وأمرج الناس في أموال أبيه، وجنى لهم فأطعمهم. قال: وكان عروة بن الزبير يرسل أبنه عبد الله بن عروة يجد ثمر أمواله ويبيعها، فكان كل عام
يدق الثلم، ويكسر الوشع، ويجني للناس فيطعمهم، ثم يجده ويبيع، ويأتي إلى أبيه بثمن ذلك. قال يحيى بن عروة لأبيه: إن عبد الله يهدم الثلم، ويكسر الوشع، ويبذر ثمرك، ويتسخى فيه ويطعمه الناس. فقال له عروة: فله العام يا بني. فوليه، فبنى الثلم، وسد الوشع، وحظره، ومنع الناس أن ينالوا منه شيئاً، ثم جده وباعه، وكان ذلك العام قبلاً، فبلغ ثمنه شبيهاً بما باع به عبد الله ابن عروة. فجاء يحيى إلى المدينة، فحلف مارزأ منه شيئاً، ولا بلغ إلا ما رفع إليه. فقال له أبوه: إني والله ما اتهمتك يا بني، ولا جئتنا إلا بأرزاقنا، ولا كان عبد الله يأتينا إلا بأرزاقنا، وما كان الناس ينالون منه إلا أرزاقهم، فصرفت عنا إلى غيرنا، وما شككت في هذا، ولا أرسلتك لا لتعتبر. حدثنا الزبير قال، وقال عمي: كان عبد الله بن عروة مصلحاً مثمراً للمال، وكان يبذله في حقه، ويرغب في الأجر وحسن الذكر. وهو صاحب ابن وجزة الذي كان يعطيه، ويأخذ له في كل عام من الزبيريين من
جداد نخلهم بالفرع ستين وسقاً، على أن يقتصر بمديحه عليهم. حدثنا الزبير قال، وحدثني سليمان بن عياش السعدي قال: قال أبو وجزة يمدح عبد الله بن عروة: لعَمْرُك مازادُ ابن عُرْوَة بالّذِي ... لَهُ دونَ أيدِي القوم قُفْلٌ ومِفْتَحُ وما ظِلُّهُ عَنْهُم يَضِيقُ، وما تُرَى ... رِكابُ أبي بكْرٍ تُصَان وتُمْسَحُ وأبيضُ نهَّاضٌ بكُلّ حَمَالةٍ ... فلا ساعلٌ فيها ولا مُتَنَحنِحُ فتًى قد كَفانِي سَيْبُهُ ما أهَّمنِي ... ولِي، خِلْتُ، في أعقارِه مُتَنَدَّحُ أغَرُّ تُغَادِي من يَلِيه جِفَانُه ... هَدايَا، وأخراها قَواعِدُ رُدَّحُ
فَتى الرَّكْبِ يكفيهِمْ بفضْلٍ ويكتفي ... وفي الحيّ فَضْفَاضُ السَّجِيّات أفْيَحُ حدثنا الزبير قال، حدثني الحسين بن الحسن المروزي قال، حدثنا عبد الله بن المبارك قال، أخبرني يحيى بن أيوب، عن عمارة بن غزية، عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: أشكو إلى الله عيبي مالا أترك، ونعتي ما لا آتي. وقال: إنما يبكي بالدين للدنيا. حدثنا الزبير قال، حدثنا علي بن سعيد، عن حجاج، عن ابن لهيعة، عن عمارة بن غزية قال: سمعت عبد الله بن عروة يقول: إلى الله أشكو عيبي مالا أترك، ونعتي مالا آتي. وإنما يبكي للدنيا بالدين. وقال: قال عبد الله بن عروة شعراً يشبه هذين الحديثين: يبكُونَ بالدين للدُّنْيا وبَهْجَتهِا ... أرْبابُ دُنْيَا عليها كلُّهُمْ صَادِي لا يَعْملُون لِشَيْء من مَعَادِهِمُ ... تَعَجَّلوا حَظَّهُمْ في العَاجِل البادِي لا يَهْتدُون ولا يَهْدُون تابعَهُمْ ... ضَلَّ المَقُودُ وضَلَّ القائِدُ الهادِي حدثنا الزبير قال، حدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: جمع عبد الله بن عروة بنيه ثم قال: يا بني، إن الله لم يبن شيئاً فهدمه، وإن الناس لم يبنوا شيئاً قط إلا هدموه، وإن بني أمية من عهد معاوية إلى اليوم يهدمون
شرف عليّ، فلا يزيده الله شرفاً وفضلاً ومحبة في قلوب المؤمنين، يا بني فلا تشتموا علياً. حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان، عن بعض مشيخته: أن عبد الله بن عروة كان يشهد الجمعة، فيخرج ابن مطيرة خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص فيخطب، فيستقبله عبد الله بن عروة وينصت، فإذا شتم خالد علياً، تكلم عبد الله بن عروة، وأقبل على أدنى إنسان يكون إلى جنبه فيحدثه، فيقال له: الإمام يخطب! فيقول: إنا لم نؤمر أن ننصت لهذا. حدثنا الزبير قال، حدثني محمد بن لاضحاك، عن أبيه قال: كتب عبد الله بن عروة إلى هشام بن عبد الملك، يشكو إبراهيم بن هشام فيما صنع به، فكتب هشام بن عبد الملك إلى إبراهيم بن هشام يأمره أن يكف عن عبد الله ابن عروة، ويبني قصر عروة، وينثل بئره، ورأى صنع إبراهيم بن هشام بعبد الله بن عروة ظلماً وتعدياً وضرارا، فكتب إليه: إنّ اصطِناعَ المَرْءِ في جُلّ قوْمِهِ ... لِصَرْفِ الليالي نِعْم مالُ المُثَّمرِ
وحج هشام، فاجتمع عنده عبد الله بن عروة إبراهيم بن هشام، وحضر مسلمة بن عبد الملك، فقال عبد الله بن عروة: يا أمير المؤمنين، إن مما طيب أنفسنا عن من أصيب منا، لما بقي بأيدينا مما كف الله به وجوهنا عن قومنا وغيرهم، فتناول هذا أعراضنا وأموالنا، فكيف الحياة مع هذا؟ فقال هشام: ألا تسمع يا إبراهيم ما يقول هذا؟ فقال إبراهيم: أمير المؤمنين أمير المؤمن.....، وهو هو. فقال هشام: وما هذا الكلام؟ أجل لعمري..... وأقبل هشام بعد ذلك على مسلمة فقال: سمعت ما قال ابن عروة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، كأنك قد قلت لي تجهز إلى الحجاز، قد سمعت كلام رجل لا يقيم على ما شكا، إن أقام، إلا قليلاً. حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان قال: كان عبد الله ابن عروة قد دخل على هشام بن عبد الملك عام حج بالمدينة فقال: إنك أطعمت إبراهيم بن هشام ما بين منابت الزيتون من الشأم، إلى منابت القرظ من اليمن، فلم يغنه كثير ما بيده، عن قليل ما بأيدنا، وإنا والله ما طبنا أنفساً بفراق الأحبة، إلا بما ترك بأيدينا من معايشنا، ولولا ذلك لاخترنا بطن الأرض على ظهرها، وقد أعطيتمونا من الأمان ما قد علمتم، فإما وفيتم لنا بعهدنا، أو رددتم إلينا سيوفنا. فأعجب قوله هشاماً.
فكا إبراهيم بن محمد بن طلحة قد لقيه بمكة، فكلمه في دار ابن علقمة، فقال هشام: فأين طنت عن أمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: جئته. قال: ففعل ماذا؟ قال سلك بي غير طريق الحق. قال: فأمير المؤمنين الوليد؟ قال: قد جئته. قال: ففعل ماذا؟ قال: سلك بي طريق أبيه. قال: فأمير المؤمنين سليمان؟ قال: قد جئته. قال: ففعل ماذا؟ قال: لا سيري ولا أقيمي. قال: فأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز؟ قال: عوجل يرحمه الله. فغضب هشام فقال: لو كان فيك مضرب لضربتك. فقال: هو الله في، في الحسب والدين، فلا يبعدن الحق وأهله، ليكونن لهذا بحث بعد اليوم. فأقبل هشام على الأبرش الكلبي فقال: يا أبرش، لعن الله من زعم أن قومي هلكوا، ابن
ومن
عروة يتهددني بالمدينة، وهذا يشتم آبائي في وجهي! قد كان قائل قال له: " هلكت قريش "، بالمدينة. ومن ولد عبد الله بن عروة عمر بن عبد الله بن عروة وأمه: أم حكيم بنت عبد الله ابن الزبير. حدثنا الزبير قال، حدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: كان عمر بن عبد الله بن عروة، رجل بني عبد الله بن عروة، وكان يجالس عامر بن عبد الله بن الزبير، وكان عامر لا يرى به شيئاً. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله: أن عمر ابن عبد الله بن عروة خرج إلى الشأم، ثم قدم وقد أصاب مالاً، فأهدى لأبيه
ومن ولد عبد الله بن عروة:
كسوة وألطفه ألطافاً. فقال له أبوه: يا بني، إني قد خشيت أن تكون أسرفت على نفسك، وشفهتها فيما بعثت به إليّ. قال: لا والله يا أبه، ما فعلت، وإن عندي لخيراً كثيراً. فقال له: يا بني، أفتكتمني ما جئت به؟ أو تجد جازياً لك مثلى؟ ائتني به. قال: لا والله يا أبه، ما أردت أن أكتمك ذلك. وجاءه به، فقال له: يا بني، إنك أقوى على الكسب من إخوتك هؤلاء الأصاغر، فدع هذا لهم. ففعل، ولم يراده القول. ومن ولد عبد الله بن عروة: عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة وأم صالح بن عبد الله بن عروة: أم حكيم بنت عبد الله بن الزبير. وكان عامر بن صالح من أهل الفقه والعلم والحديث والنسب وأيام العرب وأشعارها. وهلك ببغداد في آخر زمان أمير المؤمنين هارون الرشيد.
وله أشعار تروي، من ذلك قوله: لَعلّكَ إن دهْرٌ تمَطَّي بأهلهِ ... وصَرْفُ النَّوَى ذو بِعْدةٍ وتقارُبِ سَيُدْ نِيك من أهل البقيعَيْن ضُمَّرٌ ... كمِثْلِ القِسِىّ جَائِلاَتُ الحقَائبِ وقال أيضاً: ليتَ شِعري ولليالي صُرُوفٌ ... هَلْ أرى مَرَّةً بَقِيعَ الزُّبيْرِ ذاك مَغْنًى ألَذُّهُ، وقَطِينٌ ... تفرَحُ النفْسُ أن تَراهُمْ بَخْيرِ وقال أيضاً: جَدَّي ابنُ عمّةِ أحَمدٍ ووَزيرُهُ ... عند البَلاءِ وفارسُ الشَّقْرَاءِ وغداةَ بَدْرٍ كان أوَّلَ فارسٍ ... شَهِد الوَغَى في الَّلأْمة الصَّفراءِ
ومن ولد عروة بن الزبير
نزلتْ بسِيماهُ الملائكُ نُصْرَةً ... بالحوضِ يومَ تألُّب الأعْداءِ مَدَدٌ أمِدَّ به الرَّسُولُ مؤيّداً ... يرمُون أهل الشَّرُك بالحصباءِ وببطنِ مكّةَ كان أوّلَ مُسْلمٍ ... في الله سلَّ السَّيْفَ بالبطحَاءِ إذْ قيلَ قد قُتِل الرسُول ولَمْ يَخِمْ ... حتَّى تبيّنَ ذاكَ غيرَ خفاءِ فدعَا الرسولُ لسيفهِ ودعَا لَهُ ... فمضَى به والناسُ في عمياءِ ولم يبقى لعبد الله بن عروة ولد، إلا ابن لمحمد بن إبراهيم بن عامر ابن صالح بن عبد الله بن عروة، وأخت له. ومن ولد عروة بن الزبير يحيى، ومحمد، وعثمان، بنو عروة بن الزبير وأمهم: أم يحيى بنت الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس.
كان محمد بن عروة جميلاً بارع الجمال. وأنشدني مصعب " بن عثمان للأخطل يضرب بجماله المثل ": تُكلفّني فتَاةُ بني نُمَيْرٍ ... ولو كانَ ابن عروةَ ما رَجَاهَا وكان أحلى ولد عروة في صدره. وروى عنه ابن شهاب عن أبيه. وتوفى بالشأم مع أبيه. حدثنا الزبير قال، وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري: أن عروة بن الزبير تخلف يوماً عن الدخول على الوليد بن عبد الملك، فأمر أبنه محمداً بالدخول عليه، وكان حسن الوجه، فدخل عليه، وله غيدرتان، في ثياب وشىٍ، وهو يتبختر يضرب بيديه، فقال الوليد: هكذا والله التغطرف، وهكذا تكون فتيان قريش! فعانه. فقام من الليل متوسناً، فوقع في إصطبل الدواب، فلم تزل تطوه حتى مات.
حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: توفي محمد بن عروة مع أبيه، وعروة يومئذ عند الوليد بن عبد الملك، وفي ذلك السفر أصيبت رجل عروة. وكان محمد بن عروة من أحسن الناس، وكان عروة يحبه حباً شديداً. قال: فنام محمد بن عروة على سطح فيه جلى، فقام من الليل فسقط من الجلي في إصطبل الدواب، فتخبطته حتى مات. وكان الماجشون مع عروة بالشأم، فكره أصحاب عروة وغلمانه أن يخبروه خبره، فذهبوا إلى الماجشون فأخبروه. فجاء من ليلته فأستأذن على عروة، فأذن له في مصلاه، فقال له: هذه الساعة! قال: نعم، يا أبا عبد الله، طال الثواء وذكرت الموت، وزهدت في كثير مما كنت أطلب، وخطر ببالي ذكر من مضى من القرون قبلي. فجعل الماجشون يذكر فناء الناس وما مضى، ويزهد في الدنيا، ويذكر بالآخرة، حتى أوجس عروة فقال: قل فيما تريد، فإنما قام من عندي محمد آنفاً! فمضى في قصته ولم يذكر شيئاً، ففطن عروة فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، واحتسبت محمداً عند الله. فعزاه الماجشون عليه، وأخبره بموته. قال الزبير: فأنشدتني أم كلثوم بنت عثمان بن مصعب بن عروة، لعبد الله بن عروة يرثى أخاه محمداً: مَا بالُ عَيْنِي لا تَنامُ كأنَّما ... لُذِعَتْ بواطِنُ مَدْمَعي بِشِهابِ
تبكِي على نفرٍ أصِيبَ سَرَاتُهم ... من بين مُكْتَهِلٍ وبين شَبابِ تبكِي ميتاً هالكاً ... سَمْحَ السَّجيّةِ طاهرَ الأثْوابِ لا يَجْتَويِهِ جارُهُ ونزيلُهُ ... ويَذِلُّ للقُرْبَى بغير عِتَابِ لو كنت أعْلمُ أنّ حَتْفَكَ عاجلٌ ... لقَضَيْتُ من أرَبٍ إليك جَوَابي كانت منيّتُهُ برَمْحَه بَغْلَةٍ ... قدَراً فسِيقَ لِمُكْتِبِ الكُتَّابِ حدثنا الزبير قال، وأنشدني عمي مصعب بن عبد الله، ومصعب ابن عثمان، لإسماعيل بن يسار النساء، يرثى محمد بن عروة بن الزبير، يزيد أحدهما على صاحبه: تِلكَ عَرْسى رَامَتْ سَفاهاً فَرَاقي ... واسْتَملَّتْ فَما تُواتِى عِنَاقِي زعمتْ أنَّها مِلاَكي مَعَ المَا ... لِ وأنّي مُحَالِفُ الإملاقِ
ثم نامَتْ عُيونُها بَعْدَ وَهْنٍ ... حُشِى الصّابَ جَفْنُها والمآقِي وتناسَتْ مُصِيبَةً بدِمَشْقٍ ... أشخَصَتْ مُهْجَتِي فُوَيْقَ الترَاقِي يوم أدْنَوْا إلى ابن عُرْوَة نَعْشاً ... بين أيْدِي الرِّجالِ والأعْناقِ فأسْتَقَلُّوا به سِراعاً إلى القَبْرِ ومَا إنْ يَحُثُّهم من سِباقِ لِمَقَامٍ زَلْخٍ فلما أجَنُّوا ... شَخْصَه وارتَقَوْا ولَيْس بِرَاقِي كِدْتُ أقضِي الحياةَ إذ غيَّبُوهُ ... فِي ضَرِيحٍ مُرَاصَفِ الأطباقِ
فاعْتَراني الأسَى عليه بوَجْدٍ ... سَدَّ مكبوتُهُ مَجِيء الفُوَاقِ فتَولّيتُ مُوجَعاً قد شَجانِي ... قُرْبُ عَهْدٍ به وبعدُ تلاقِي عارفاً بالزَّمانِ أعلُم أنّي ... لابسٌ حُلّةً بعيشٍ رَمَاقِ ولَعَمْرِي لقد أصِبْتُ بفَرْعٍ ... ثَاقِبِ الزَّنْد مَاجِد الأعْراقِ ولقد كنتُ للحُتُوفِ عَلَيه ... مُشْفِقاً لو أعاذَه إشفاقِي فإذَا الموتُ لا يُرَدُّ بحِرْصٍ ... من حرِيصٍ ولا برُقْيَهِ رَاقِي وغَنِينَا كابْنَي نُوَيرةَ إذْ عَا ... شَا جَميعاً بغِبْطٍة واتِّفَاقِ قال، وأنشدني مصعب بن عثمان، لإسماعيل بن يسار النساء، يرثي محمد بن عروة بن الزبير: وأرَى الوُفودَ لَدَى المنازلِ من مِنًى ... شهدوا، وأنّك غائِبٌ لم تَشْهَدِ صلَّى الإلهُ على امرِئ غَادَرْتُهُ ... بالشَأمِ في جَدَثِ الضَّريحِ المُلْحَدِ
بوّأتُه بِيَديّ دارَ مُقامةٍ ... نَائِى المَحَلّة عن مَزَارِ العُوّدِ أعني ابنَ عروةَ، إنَّه قَدْ هدَّني ... فَقْدُ ابن عُروةَ هَدّةً لم تَقْصِدِ وغَبَرتُ أعوِلُهُ وقد أسلمتُه ... لشَبَا الأماعِزِ والصفيحِ المُسْنَدِ مُتَخَشِّعاً للدهرِ ألبَسُ حُلَّةً ... في النائباتِ بَعوْلةٍ وتبُّلدِ فإذا ذَهبتُ إلى العزاءِ أرومُهُ ... لأرِى المكاشحَ بالعزاء تجلُّدِي مَنَع التعَزِّي أنَّنِي لفِراقِهِ ... لَبِسَ العدُوَّ علىَّ جِلْدَ الأرْبَدِ ونأى الصديقُ فلا صديقَ أعدُّهُ ... لدِفاعِ نائبة الزمان المُفْسِدِ إذ خانني عَنَتُ الزمان وفَاتَني ... بِأغرَّ ذِي فَجَرٍ كَرِيمِ المَشْهَدِ
مُتَبَلِّجٍ للخيرِ يُشْرِقُ وجْهُهُ ... كالبَدْرِ لَيْلَتَهُ بسَعْد الأسْعُدِ وأرى لفقدِكَ كلَّ أرضٍ جُبْتُها ... وَحْشاً وأن أهِلَتْ بمن لَمْ يُحْمَد كانَ الذي يَدْرَا العَدُوَّ بدَفْعِه ... فَيرُدُّ نخْوَةَ ذِي المِراح الأصَيدِ حدثنا الزبير قال، وحدثني أبو غزية محمد بن موسى الأنصاري، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة قال: لما أصيب عروة برجله وبابنه محمد قال: اللهم إنهم كانوا سبعة فأخذت واحداً وأبقيت ستة، وكن أربعاً فأخذت واحدة وأبقيت ثلاثاً، فأيمنك لئن كنت أخذت لقد أبقيت، ولئن كنت ابتليت لقد أعفيت. حدثنا الزبير قال، وحدثني عثمان بن المنذر وغيره: أن هشام بن عروة قال: لما قدم عروة من الشأم في سفره الذي أصيب فيه برجله وبابنه محمد، فبلغ قصره بالعقيق، حملناه لننزله من محمله، فسمعناه يقول: (لَقَدْ لَقِينَا مِنْ
سَفَرِنَا هذَا نَصَباً) . وأما يحيى بن عروة، فكان من أشرف بني عروة، وهو يلي عبد الله في الشرف. وهو الذي يقول: أشِرْتُمْ بلُبْسٍ الخَزّ لمّا لَبِستُمُ ... ومِنْ قَبْلُ لا تَدْرُون من فَتَح القُرَى قُعُوداً بأبوابِ الفِجاجِ وخَيْلُنَا ... تُسَامِى سِمامَ الموتِ تَكْدِسُ بالقَنَا
فلما أتاكُمْ فَيْئُنَا برِمَاحِنَا ... تكذَّبَ مَكْفٌّيِ بَعْيبٍ لَمِنْ كَفَي قال الزبير: أنشدنيها عمي مصعب بن عبد الله، ومصعب بن عثمان، ومحمد ابن الضحاك. حدثنا الزبير قال، حدثني مصعب بن عثمان قال: وفد يحيى بن عروة على عبد الملك بن مروان، فجلس ببابه، فسمع حاجب عبد الملك يتناول من ابن الزبير، فضرب يحيى وجه الحاجب فأدماه. فدخل الحاجب على عبد الملك فقال: من فعل بك؟ فقال: يحيى بنعروة. قال: أدخله. فأدخله وقد استوى عبد الملك على فراشه، فقال ليحيى: ما حملك على ما صنعت بحاجبي؟ فقال له يحيى: عمي عبد الله بن الزبير رحمة الله عليه، كان أحسن جواراً لعمتك منك لنا، والله إن كان ليقول لها: " من سب أهلك فسبي أهله "، وإن كان لينهي حامته وحشمته أن يسمعوها فيكم قذعاً، أنا والله المعم المخول،
تفرقت العرب عن عمي وخالي، فكنت كما قال الشاعر: يَدَاهُ أصَابَتْ هذهِ حَتْفَ هذهِ ... فلَم تَخْتَرِ الأخْرَى عَليها مُقَدَّمَا قال: فاضطجع عبد الملك، ولم يزل يعرف ذلك فيه، إكراماً ليحيى ابن عروة. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمامة بن عمرو السهمي، عن رجل من خزاعة، عن مولى لمحمد بن ذكوان، فارسي قال: لما عزل عبد الرحمن بن الضحاك الفهري، واستعمل النصري، وقد كان قبل ذلك ولي الطائف، فطرح له كتاب على المنبر فيه: " جمل بني جذيمة في البحر، يدي في ذنبه، وذنبه في يدي "، فقام على المنبر فقال: يا أهل الطائف، يا قصار الخدود، يا لئام الجدود، يا بقية ثمود، من كتب هذا الكتاب فرجلى كذا وكذا من أمه. فلما جاء عمل النصري قريشاً بالمدينة، أظهرت شتم بني مروان. فلما قدم أعظمت قريش عمله.
حدثنا الزبير قال، وحدثني عمامة بن عمرو، عن مسور بن عبد الملك اليربوعي قال: فقال عبد الله ويحيى ابنا عروة بن الزبير: نحن نرتاد لكم خبره. فدخلا عليه، فقال عبد الله: أصلح الله الأمير، إن هذا أخي ليس بذي علو في سِنّه، ولاذى هدى في السيرة، ولا رضى عند العشيرة. قال فقال له يحيى: أصلح الله الأمير، هذا أخي وأسن مني، وأبي بعد أبي، قيض لي شهود زور يخرجونني من ميراث أبي. قال فقال النصري: لستما كما قلتما، بل أنتما كما قال الله عز وجل: (بَلْ هُمْ قوْمٌ خَصْمُون) ، يا سعد، أغن عني قومك يريد سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. فخرجا على القرشيين فقالا: ليس بالرجل بأس. ويحيى بن عروة الذي يقول: نَمانِي في فرعَيْ كِلاَبٍ وعِزِّها ... وفي إرْثِ مَجْدٍ من لُؤَيِّ بن غَالبِ أبٌ لِي، أبيٌّ الخَسْف قد تعلمونَهُ ... وفارسُ معروفٍ رئيسُ الكَتَائبِ
ولي من أبي العاصي أغرُّ كأنَّه ... إذ فُرِّجتْ عنه المصارِيُع حاجِب مُنِيرٌ بدَا من بعدِ ظَلْمَاءَ فاخْتبَتْ ... لرؤيتهِ بادي عِظام الكواكِبِ حدثنا الزبير قال، واخبرني عثمان بن عبد الرحمن: أنه سمع أبي ينشد ليحيى بن عروة بن الزبير: فما صحبَ النبيَّ مُهَاجريٌّ ... ولا الطُّلَقَاء والأنصَارُ طُرَّا يَنُوطُ بأمِّنا أمًّا وإنّا ... لَنَعْلَمُ فِيهِمُ حَسَباً وسِرًّا صَفِيّةُ أمُّنا كَرُمت وطابتْ ... وعَظَّمها رَسُول بِرَّا عَجُوزُ عجَائز الفِرْدَوسِ أمِّي ... مُهذَّبُة الوَشَائج هاتِ جَرَّا تَخَيَّرتِ الأبُوَّةَ في قريشٍ ... إلى أن رشَّحَتْ في المَهْدِ صَقْرَا تُفَدِّيه بوالدِهَا وتدعُو ... بأن لا يَخْذُلَ الرَّحْمنُ زَبْرَا إلى العَوَّام يَنْمِي يوم بَدْرٍ ... وتعرِفُ نفسُهُ أحُداً وبَدْرَا تولَّى الناسُ في أحُدٍ سِراعاً ... وجَالَدِ حِسْبَةً منْهُ وصَبْرَا
يَذُبُّ عن النبيِّ بمَشرِفّيٍ ... لَهُ، لم يلقَ ياسِرُ منْه يُسْرَا ويومَ الخَنْدَقِ المَشْهورِ فيه ... أبانَ فضيلةً وأزاحَ كُفْرَا ويومَ الفَتْح يومٌ شَادَ فيه ... لَهُ ذكْرٌ وكان النَّاسُ صِفْرَا قال: وقال إسماعيل بن يسار النساء، يرثي يحيى بن عروة بن الزبير، أنشدني ذلك مصعب بن عثمان: ألا يا عَيْنُ فأنهمِرِي بغَزْرِ ... وفِيضِي عَبْرةً من غَيْرِ نِزْرِ ولا تَعِدِي عَزَاءِ بعد يحيىَ ... فقد غُلِبَ العَزاءِ وعِيلَ صَبْري ومَرْزِئَةٍ كأنَّ الجوفَ منْها ... بُعَيْد النَّومِ يُسْعَرُ حَرَّ جَمْرِ على يَحْيى، وأيُّ فتًى كيَحْيَى ... لعَانٍ عائِلٍ غَلِقٍ بوِتْرِ وللخصْمِ الألدّ إذا دَعانِي ... ليأخذَ حَقَّ مَقْهُورٍ بقَسْرِ وللأضْيَاف إن طَرقُوا هُدُوًّا ... وللكَلِّ المُكِلِّ وكُلّ سَفْرِ إذا نزلَتْ بهم سَنَةٌ جَمَادٌ ... أبِيُّ الدَّرِّ لم تُكْسَعْ بغُبْرِ
هُنَالك كان غيثَ حَيًا تَلاقَتْ ... يَدَاهُ في جَنَابٍ غيرِ وَعْرِ وأحْيَا من مُخَبَّأَةٍ حَيَاءً ... وأجرأُ من أبي شِبْلٍ هِزَبْرِ هَرِيتِ الشِّدْق ريِبالٍ إذا مَا ... عدَا لم تُنْهَ عَدْوَته بزجْرِ تَدِينُ الجَاذِياتُ له إذا مَا ... سمعنَ زئيرَهُ في كُلّ فَجْرِ فإمّا يُمْسِ في جَدَثٍ ضَريحٍ ... بمُغَبّرٍ من الأرواح قفْرِ فقد يَعْصَوصِبُ الجَادُون مِنْه ... بأرْوَع ماجِدِ الأعْراقِ غَمْرِ إذا ما الضَّيفُ حَلَّ على ذَراهُ ... تلقَّاهُ بوَجْهٍ غير بَسْرِ ندًى صافٍ يَبِينُ العِتْقُ فيه ... يُبَيِّنُ قُبْلَ مَقْدَعةٍ ونُكْرِ
ومن
تُفَرَّجُ بالنَّدَى الأبوابُ عنهُ ... ولا يكْتَنُّ دُونَهُمُ بسِتْرِ دَهاَني الحادثاتُ بِهِ فأمسَتْ ... عَلَىّ هُمُومُها تَغْدُو وتَسْري ومن ولد عروة بن الزبير: هشام بن عروة وأمه أم ولد. روى عن أبيه وعن غيره، وحمل عنه الحديث. حدثنا الزبير قال: أخبرني عمي مصعب بن عبد الله، عن حدي مصعب عن هاشم بن عروة قال، وضع عندي محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وصيته.
حدثنا الزبير قال، وأخبرني عثمان بن عبد الرحمن قال: قال أمير المؤمنين المنصور لهشام بن عروة حين دخل عليه هشام: يا أبا المنذر، تذكر يوم دخلت عليك أنا وإخوتي مع أبي الخلاف، وأنت تشرب سويقاً بقصبة يراعٍ فلما خرجنا من عندك قال لنا أبونا: اعرفوا لهذا الشيخ حقه، فإنه لا يزال في قومكم بقية ما بقى. قال: لا أذكر ذلك يا أمير المؤمنين. فلما خرج هشام قيل له: يذكرك أمير المؤمنين ما تمت به إليه فتقول: لا أذكره؟ فقال: لم أكن أذكر ذلك، ولم يعودني الله في الصدف إلا خيراً. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: حدثني المنذر بن عبد الله الحزامي قال: لما قدم أمير المؤمنين أبو جعفر المدينة، وأوجه هشام بن عروة، جاءته بنو أسد فقالوا: قد بلغنا رأي أمير المؤمنين فيك، ونحن نحب أن تكلمه فينا، وتستفرض لنا منه. فقال لهم هشام: حياكم الله، ما من أحد أحب إليّ من قومي، ثم الأقرب فالأقرب منهم، فإن يا تسع لي ما عند أمير المؤمنين أفعل، وإن يضق عني، فسأقتصر بذلك على أدنى الناس
ولد هشام بن عروة
مني. قال: فأعطاه أمير المؤمنين فرائض، فأقتصر بها على ولده وولد بنيه. قال: فو الله ما استطاع أحد أن ينطق عليه بمنع ولا خلاف. ومن ولد هشام بن عروة الزبير هشام، وكان من سروات أهله ووجوههم. حدثنا الزبير قال، أخبرني عمي مصعب بن عبد الله قال: اختلف إسحاق بن إبراهيم بن طلحة وحجاف الزيدي في أرض بالأعوص، فحكما
بينهما الزبير هشام بن عروة، فوعدهما الأعوص، فحضروا وحضر للميعاد، فقال: لا أحكم بينكما حتى أحدثكما حديثاً. فقالا له: فلهم حديثك. فقال لهما: إن قوماً من بني إسرائيل اختصموا في أرض. فأنطقها الله فقالت لهم: على رسلكم، فقد ملكني قبلكم سبعون أعور سوى الأصحاء. فبكى كل واحد منهما وقال لصاحبه: حقي لك. فقال: أما إذ فعلتما هذا، فدعاني أدخلها على بغلتي هذه فأصدعها بينكما. ففعلا، فدخل على البغلة وقال: هذا لك، وهذا لك. فأعطاني كل واحد منهما نصفها. حدثنا الزبير قال، وحدثني عبد الله بن محمد بن المنذر قال، حدثتني صفية بنت الزبير بن هشام بن عروة: أن أباها الزبير بن هشام مر بأبي الشدائد الفزاري - وقال غيره: قائلها حشرج - بالمصلى وهو ينشد: عِصَابَةٌ إنْ حَجَّ عِيسى حَجُّوا وإن أقامَ بالعِراقِ دَجُّوا قَد لعَقُوا لُعَيقَةً فَلجُّوا فالقَومُ قومٌ حَجُّهُمْ مُعْوَجُّ مَا هكذَا كان يكونُ الحَجُّ
قال: ثم لقيه بعد ذلك أبو الشدائد، فسلم عليه، فلم يرد عليه، فقال له: يا أبا عبد الله، مالك لا ترد عليّ السلام؟ فقال: ألم أسمعك تهجوا حاج بيت الله! فقال أبو الشدائد: إنّي ورَبِّ الكَعْبَة المَبْنيَّةْ والله مَا هَجَوْتُ من ذِي نِيَّةْ ولاَ امرِئ ذي رِعَةٍ تقيَّةْ لكنَّنِي أرْعِى عَلى البَريَّةْ من عُصْبَةٍ أغْلَوْا على الرَّعيَّةْ قال: وكان عيسى بن موسى إذا حج، حج قوم يتعرضون معروفه. حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان قال: كان الزبير بن هشام براً بأبيه، إن كان ليرقى السطح في الحر، فيؤتى بالماء البارد، فإذا ذاقه فوجد برده لم يشربه، وأرسله إلى أبيه. حدثنا الزبير قال، وحدثني يحيى بن محمد قال: توفي الزبير ابن هشام في حياة أبيه، فصلى عليه بالعقيق، ودعا له، وأرسل به إلى المدينة يصلى عليه في موضع الجنائز، ويدفن بالبقيع.
ولد عروة بن هشام
حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان قال: عاتب عروة ابن هشام بن عروة أباه في تفضيله ابنه الزبير بن هشام عليه، فقال هشام فأقْسمُ لو كانتْ مَنَايا كُما مَعاً ... وملّكَنِي رَبِّي لكُنْتُ أخا القَبْرِ ومن ولد عروة بن هشام محمد بن عروة بن هشام بن عروة. حدثنا الزبير قال: حدثني مصعب بن عثمان قال: كان محمد بن عروة سخياً، وكان مع أمير المؤمنين المهدي في عسكره، وله دار ضيافة. وكان
قد ولى قبل مصيره مع أمير المؤمنين المهدي للحسن بن زيد غير مرة، وكان له مكرماً. كان يأتي الخصمان، فإذا تخفف من النظر في أمرهما، أمر بهما فصيرا إليه، ثقة منه به. ثم أدرك ولاية أمير المؤمنين هارون الرشيد، فاستعمله على الزنادقة. قال: وله يقول الشاعر: يا أيها السائِلُ عن منزِلٍ ... بالعُرْفِ قِدْماً شَادهُ الشَّائدُ يَمَّمْ أبا خالِدَ لا تَعْدُهُ ... يَلْقَكَ قَرْمٌ سيّدٌ مَاجدُ ينقُصُ هذا الدَّهرُ من أهْلِهِ ... وهو على أحداثِهِ زائِدُ وكان محمد بن عروة يكنى أبا خالد. وصفية بنت الزبير بن هشام بن عروة. روت عن جدها هشام ابن عروة.
ومن
ومن ولد مصعب بن عروة مصعب بن عثمان بن مصعب بن عروة، كان عالماً بأخبار قريش، وولى السعاية لأبي بكر بن عبد الله. وعثمان بن المنذر بن مصعب بن عروة بن الزبير، ولي شرط المدينة لداود بن عيسى بن موسى، وكان من رجال أهله. وولى السعاية لأبي بكر بن عبد الله. حدثنا الزبير قال، وحدثني عبد الله بن محمد بن المنذر، عن خالة أبيه
صفية بنت الزبير بن هشام بن عروة.... حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان قال: كانت المقتربة ضيعة عروة بن الزبير بجيزة بطحان، تعجب هشام بن عروة وزوجته فاطمة بنت المنذر، وينزلانها في حياة عروة بن الزبير. فلما مات عروة، قال يحيى بن عروة لهشام: إن شئت خذ ميراثي من أبي وأعطني حقك من المقتربة، وإن شئت فأعطني ميراثك من أبيك وخذ حقي من المقتربة. وجعل إليه الخيار في
ذلك. فقال له: أنظر في ذلك. ثم ذكر لفاطمة بنت المنذر ما خيره فيه يحيى أبن عروة، فقالت له: قد علم يحيى بن عروة هوانا في المقتربة، وظن أنا نختارها، فيحر بك ميراثك من أبيك، فخذ ميراثه من أبيه وأسلم إليه حقك من المقتربة. ففعل هشام بن عروة. ونزل بفاطمة بنت المنذر شرقي عبد الله بن الزبير، ثم شخص هو وهي إلى ضيعتهم بالسراة، فسمعته ليلة فاطمة بنت المنذر وهو يقول: ألاَ لَيْتَ شِعْري هل أبِيتَنَّ ليلةً ... بوادٍ من الجَثْجَاث والسَّلَمِ النَّضْرِ وهلْ أسمَعَنْ يوماً بُكَاءَ حَمَامةٍ ... يُجَاوبُهَا قُمْرِيُّ غَابَةِ ذِي الجَدْرِ فمالَكَ في الحَيَّينِ من ذِي قَرَابِةٍ ... ومالكَ فيهمْ مِنْ صَدِيقٍ ولا صِهْرِ فقالت فاطمة: غرض والله أبو المنذر، لا تصبحوا إلا على ظهر. فما أصبحوا إلا يسيرون. و" ذو الجدر "، قريب من شرقي عبد الله بن الزبير.
حدثنا الزبير قال، وحدثني يحيى بن الزبير، ومصعب بن عثمان، وعبد الله بن محمد بن المنذر ذكر ذلك يحيى بن الزبير، عن هشام بن عروة ويأثره عبد الله بن محمد بن المنذر، عن صفية بنت الزبير بن هشام بن عروة: أن هشام بن عروة ذكر بعض من خالفه من إخوته وصبر هشام له، في حديث استغنى عن ذكره ههنا قالوا: فقال هشام: فأصبحت والله لمنازلهم رباً، ولأبنائهم أباً. حدثنا الزبير قال، حدثني عبد الله بن محمد بن المنذر، عن صفية بنت الزبير بن هشام، عن جدها بن عروة: أنه كان يقاتل مع عمه عبد الله ابن الزبير في حربه بمكة، قالت: وقام يوماً مولاه دبيس يصب على يديه ماء يغسلهما، فنظر إلى ظربة في يده ضربها مع عبد الله بن الزبير، فقال له: هذه الضربة أصابتك مع عبد الله بن الزبير؟ فقال ما سؤالك عن هذا؟ أقبل على صبك. حدثنا الزبير قال، وحدثني عيسى بن سعيد بن زاذان، عن المنذر ابن عبد الله قال: رويت الشعر ثلاث عشرة سنة أن أروي الحديث، فلقي أبي هشام بن عروة، فقال له هشام: بلغني أن ابنك يروي الشعر! قال: نعم. قال: فأرسله إليّ. قال المنذر: فانصرف إلى أبي مسروراً قد استعار لي حماراً، وقال: اغد إلى هشام بن عروة بالعقيق فإنه استزارك. قال: فغدوت عليه، فوجدته جاساً في مجلس بئر عروة، فسلمت عليه وجلست معه، فقال لي: بلغني أنك تروي الشعر، فلاي العرب أنت أروي؟ قلت: لبني سليم. قال: فتروي لفلان
كذا، وتروي لفلان كذا؟ فجعل ينشدني لشعراء من شعراء بني سليم ما لم أكن سمعت، ثم قال لي: يا ابن أخي اطلب الحديث. فمن ذلك اليوم رويت الحديث. قال: ثم قام بي إلى قصر عروة، فأصغى إلى بنوه فقالوا لي: لا تكثر من الأكل عند الشيخ، فقد عملنا لك طعاماً أرق من طعامه، وإنه إذا رآنا نعمل مثل هذا، عابه علينا وقال: هذا إسراف. قال: فلما صرت معه إلى القصر، أتى بصفحة فيها خبز صحاح قد صب عليه المرق واللحم، فجعلت آكل، وجعل هشام يستنهضني على الأكل، ولا أجد بداً من الأكل إذا استنهضني. فلما فرغنا، دخل هشام إلى أهله، وقام بي بنوه وقد ذبحوا شاة وعملوا ألواناً، فقربوا ذلك إليّ وقالوا: تقدمنا إليك أن لا تكثر عند الشيخ! فقلت: كان يستنهضني فأكره خلافه. فقلت لهم: فكيف تطيبون أنفساً أن تأكلوا هذا ولا يأكل منه؟ فقالوا: ما مما ترى إلا سيؤتى به، يبعث إليه كل إنسان من بنيه أو بناته بلون على حدة، حتى يصل ذلك إليه من مواضع شتى، فلا يستنكره. حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان، عن المنذر بن عبد الله قال: ما سمعت من هشام بن عروة رفثاً قط إلا يوماً واحداً، فإن رجلاً من أهل البصرة كان يلزمه قال: يا أبا المنذر، نافع مولى ابن عمر كان يفضل أباك عروة على أخيه عبد الله. فقال: كذب والله نافع، وما يدري نافعاً عاض بظر
أمه؟ عبد الله والله خير وأفضل من عروة. حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان بن مصعب بن عروة ابن الزبير، وعبد الله بن محمد بن المنذر، عن صفية بنت الزبير بن هشام: أن هشام ابن عروة بن الزبير دخل على زوجته فلطمة بنت لمنذر بن الزبير، وبنوها بنو هشام يفاخرون بعروة إلى المنذر، فقال: في أي شيء أنتم؟ فقالت فاطمة: زعم بنوك أن أباك أفضل من أبي! فقال لبنيه: يا بني، كان والله أبوكم أخس الثلاثة يريد بني أسماء: عبد الله، والمنذر، وعروة. حدثنا الزبير قال، وحدثني يحيى بن محمد قال: حدثني أبو منصور عبد الرحمن بن صالح بن دينار مولى الخزاعيين، وولده اليوم بالسيالة، قال: حج أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور، وأعطى أشراف القرسيين ألف دينار لكل واحد منهم، ولم يترك أحداً من أهل المدينة إلا اعطاه، إلا أنه لم يبلغ بأحد ما بلغ بالأشراف. فكان ممن أعطاه الألف الدينار: هشام بن عروة، وأعطى قواعد قريش صحاف الذهب والفضة وكساهن، وأعطى بالمدينة عطايا لم يعطها أحد كان قبله. وتوفي هشام بن عروة بمدينة السلام عند أمير المؤمنين أبي جعفر
ومن ولد عروة بن الزبير:
في صحابته، سنة ست وأربعين ومئة. حدثنا الزبير قال، وحدثني شيخ من بني هاشم قال: توفي هشام ابن عروة، ومولى لأمير المؤمنين المنصور، له عنده قدر، فخرج بهما في وقت واحد، فبدأ أمير المؤمنين المنصور بهشام بن عروة، فصلى عليه، وكبر عليه أبرع تكبيرات، ثم صلى على مولاه وكبر عليه خمس تكبيرات. قال الزبير: كبر عليه أربع تكبيرات بالقرشية، وكبر على هذا خمس تكبيرات بالهامشية. ومن ولد عروة بن الزبير: عثمان بن عروة، وكان من وجوه قريش وسادتهم، وليس له عقب إلا من قبل بناته. وكان جميل الوجه، جيد الثوب والمركب، عطراً. قال: إن كان
ليقول لي وأنا أغلف لحيتي بالغالية: أني لأراها ستقطر، أو قد قطرت! وما يعيب ذلك عليَّ. حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان بن مصعب بن عروة ابن الزبير قال: كان عثمان بن عروة يقوم من مصلاه، فيأتي ناس يسلتون الغالية من على الحصا مما أصابها من لحيته. حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان قال: وفد عثمان بن عروة على مروان بن محمد فأخبر به، فقال: أنا راكب غداً، فلا تروينه حتى أتوسمه في الناس. فركب، فتصفح وجوه الناس، ثم أقبل على بعض من معه فقال: ينبغي أن يكون ها ذاك عثمان بن عروة. وأشار إليه. فقالوا: هو هو يا أمير المؤمنين. وكان وسيماً جميلاً، فأعطاه مروان مئة ألف درهم. قال: ثم قدم من عند مروان، فأغلى كراء الحمر من كثرة من يلقاه. فقلت له: ولم ذلك؟ قال: يرجون والله جوائزه. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب، عن عبد الله بن محمد بن يحيى قال: أو عن مصعب بن عثمان قال: نظر عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة
إلى عثمان ومصعب ابني عروة يطافان بالبيت، ثم ركعا وجلسا، فجلس إليهما فقال: يا ابني أخي، إني رجل يعجبني الجمال، وإني رأيت شبابكما فراعني ذلك، فمن أنتما؟ فانتسبا له، فعانقهما وقال: ابنا أخي لعمري! يا ابني أخي، بادرا بجمالكما وشبابكما قبل أن تندما عليه. حدثنا الزبير قال: حدثنا عمي مصعب بن عبد الله، قال: نزوج عثمان بن عروة، حفصة بنت عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة، وكانت انقلبت من عند بعض بني مروان بغثرة من الدنيا، فبنى عليها في داره التي باعها بعد ابنه يحيى بن عثمان من موسى بن جعفر، التي ببني عمرو، وكانت تعمل له كل يوم خبيصاً معصوداً فيما تعمل من طعامه. فدخل عليه يوماً صديق له،
فقال له عثمان حيث قدم الخبيصك أما ولله ما أشتهيه، وللخزير أعجب إلى منه. وقد أقامت تعمله له ويأكله ولا يقول لها في ذلك شيئاً سنة. فلما خرج الرجل من عند عثمان، قالت حفصة لعثمان: قد سمعت كلامك في الخبيص، فكيف لم تذمر شهوتك للخزير لي؟ قال: ما كنت لأذكر ذلك لك. فتركت الخبيص وعملت الخزير. حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان قال: دخل عثمان ابن عروة يوماً على حفصة بنت عمران فجأة، فسمع صوت عود يضرب به بعض جواريها عندها، فكر راجعاً، فصار إلى منزله في دار عروة بن الزبير. فأرسلت حفصة إلى أخيها محمد بن عمران. فأخبرته الخبر، وشكت ذلك إليه، فقال لها: أنهضي معي الليلة. فلما جاء الليل سترها وخرج معها، فاستأذن على عثمان بن عروة، فأذن له وهي معه، فقال له: هذه ابنه عمك وقد شق عليها غضبك، وليست بعائدة لشيء تكرهه. فقال له عثمان: يغفر الله لك، لو كنت كتبت إلي، أو أرسلت إليَّ في ذلك، لصرت إلى ما أحببت. وقبل منها عثمان ورجع إليها. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله، عن مصعب
ابن عثمان قال سمعت نوفل بن عمارة يقول: كان بالمدينة رجلان من قريش، ليس بالمدينة انبه ولا أبعد صوتاً منهما. فقلت له: من هما؟ فأبى يخبرني، فأقمت أرفق به حتى قال لي: هما محمد بن المنذر بن الزبير، وعثمان بن عروة بن الزبير، وأفلت ذلك منه، ولم يكن يطيب نفساً بذكر شرف إلا لبني أمية، وبني نوفل ابن عبد مناف. حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن السلام قال، حدثني محمد بن عائشة قال: قدمت المدينة فما رأيت بها أحداً أحسن وجهاً من عثمان ابن عروة. وأم عثمان بن عروة: أم يحيى بنت الحكم بن أبي العاص بن أمية ابن عبد شمس.
ومن ولد عروة بن الزبير:
وقد روى هشام بن عروة، عن عثمان بن عروة، وهشام أسن منه. ومن ولد عروة بن الزبير: عبيد الله بن عروة، قد عقل عن أبيه، ولم يحفظ من حديثه شيئاً. ولعبيد الله ولد وأمه: أسماء بنت سلمة بن عمر بن أبي سلمة ابن عبد الأسد المخزومي. حدثنا الزبير قال، أخبرني مصعب بن عثمان، عن مسلم بن عبد الله ابن عروة قال: لقي سلمة بن عمر بن أبي سلمة عروة بن الزبير في قباء، فقال له: يا أبا عبد الله، تركت نكاح الحرائر، ألا أزوجك ابنتي؟ قال: بلى.
فزوجه ابنته أسماء بنت سلمة. قال: فنصرف من قباء فقال: رفئوني. فقلنا: وبم أصلحك الله؟ قال تزوجت بنت سلمة بن عمر بن أبي سلمة. وأخو عبيد الله لأمه: محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة ابن عبيد الله. وكان عبيد الله بن عروة يقول شيئاً من الشعر. حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن مسلمة، عن الزبير بن خبيب قال: قدم جلب من البربر، فرأى عبد الله الأكبر بن نافع بن ثابت، جارية من ذلك الجلب، فسأل أباه شرائها له. فأبى ذلك عليه، فغمه ذلك وتوحش له. فشكا نافع أمره إلى عبيد الله بن عروة، وقال له: ما رأيت مثل ما لقي هذا الغلام! وما ظننت أحداً يحمله حب امرأة على مثل هذا! وما أظن به إلا سوء خلق! فقال له عبيد الله بن عروة: أيها الرجل، اشترها لأبنك، فو الله إني لأعشق عزة كثير عشقاً أخافه على نفس وما رأيتها قط، وإنها مع ذلك لمن أهل التراب! وقال في ذلك عبيد الله بن عروة:
أتَعْجبُ من حُبّ دَخِيلٍ مُبَرِّحٍ ... حَنَانَيْكَ لو لاَقيتَ ما يفعَلُ الحبُّ لَسُمِّيتَ ضُرًّا بعد إذْ كنت نَافعاً ... ولم تَلْق إلاّ ما لَهُ يَجِبُ القَلْبُ مَذاقُ الهَوَى حُلْوٌ، فإِن دَام طَعْمُهُفغَيرُ الذي يَسْقِي الهَوَى البَاردُ العَذْبُ ولعبيد الله بن عروة يقول عبد الله بن مصعب بن ثابت: نَشَدْتُ عُبَيْد الله عَنّي ورَهْطَهُ ... وعندهُمُ مِنِّي نُهّى وتَجارِبُ فأيَّ ابنِ عَمٍ كُنْتُمُ تَعْلَمُونَهُ ... إذَا قَامَ خلفَ البَاب نَاهٍ وحاجبُ وطارَتْ قلوبُ القَوْمِ حَتّى كأنَّها ... عَصَافيرُ في أجْوافِهِم أو جنَادِبُ وعبيد الله بن عروة الذي يقول: ذَهبَ الَّذِين إذا رأوْنِي مُقْبِلاً ... هَشُّوا إليَّ ورَحَّبُوا بالمقْبِلِ وبقِيتُ في خَلْفٍ كأنَّ حَدِيثَهُمْ ... ولْغُ الكِلاَب تَهارَشَتْ في المَنْزِلِ وقال أيضاً: يُحبُّ الفتَى المالَ الكثيرَ وإنَّمَا ... لِنَفْسِ الفَتَى ممّا يَحوُزُ نصيبُ
تَرَى المرءَ يَبْكِيه الذّي مَات قَبْلَه ... ومَوْتُ الّذِي يَبْكِي عليه قريبُ وقال أيضاً: إذَا مَا ابنُ عَمّ السَّوْء أيقنتَ أنْه ... يَجُدُّ بما يُؤذِيك مِنْهُ ويمزَح فقَدْ ضَلَّ مَجْرَى سَعْيِه، فارْمِ دُونه ... بما هُو أنْأَى في المحَلِّ وأنْزَحُ
من
من ولد مصعب بن الزبير بن العوام عيسى، وعكاشة أمهما: فاطمة بنت عبد الله بن السائب ابن أبي حبيش بن المطلب بن أسد بن عبد العزي بن قصي. قتل عيسى بن مصعب مع أبيه بمسكن، وعرض عليه الأمان فأبى أن يقبله، وقال لأبيه: لا تسألني عنك نساء قريش أبداً. فقال له: فتقدم فقاتل حتى أحتسبك. ففعل، فقتل مصعب على جثته حتى قتل. وله يقول الشاعر، وهو يعير حوشباً فراره عن أبيه، فقال: لَعَمْرُكَ ما آسَى أبَاهُ بنفْسِهِ ... غَدَاةَ غَدَا من جانِب الرَّىِّ حَوْشبُ
فلو كانَ حُرَّ النفس أو ذّا حَفِيظةٍ ... رَأى ما رَأى في الموت عِيسى بن مُصْعبِ وأفتخرت بقتله ربيعة، فقال شاعرهم، فما أخبرني عمي مصعب ابن عبد الله، ومحمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه الضحاك بن عثمان: نحنُ قتلنَا مُصْعباً وعِيسَى وكم قتلنَا مِثَلُه رئيساَ قال عمي: وقال محمد بن الضحاك في روايته: وابْنَ الزُّبَيْر الأسَدَ الرَّبِيسَا عَمْداً أذَقْنَا مُضَرَ التَّبئِيسَا وليس لعيسى عقب. ولم يبق لعكاشة بن مصعب عقب، إلا بنت لعروة بن الزبير بن مصعب بن عكاشة، وابنان وابنة صغار لعثمان بن عروة بن الزبير بن مصعب بن عكاشة.
ومن
وكان عكاشة شريفاً. وكان يكون في ضيعة له ببني أمية بن زيد، تعرف بأم عظام. فإذا نزل للجمعة نحر جزوراً لمن يأتيه، فأطعمهم منها. ومن ولد عكاشة مصعب بن عكاشة، قتل بقديد. وله يقول الأنصاري يرثيه: قُلْ لأنواحِ قُرَيشٍ كُلِّها ... ثُم خَصِّصْ مُوجَعاتٍ من أسَدْ قُمْنَ فانْدُبْنَ رِجالاً قُتِلُوا ... بقُدَيْدٍ ولنُقْصَانِ العَدَدْ ثمّ لاَ تَعْدِلْنَ فيها مُصْعَباً ... حينَ يُبْكَي بقتيلٍ من أحَدْ إنّه قد كان فيها باسِلاً ... صادقاً يُقْدِم إقدامَ الأسَدْ حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب نب عثمان بن مصعب بن عروة ابن الزبير قال: لما جاء نعي أهل قديد، نعي لأم حكيم بنت عكاشة بن مصعب ابن الزبير خالها صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير، فبكت عليه في داره. فبينا هي
تبكي عليه قد أقامت المناحة، إذ جاءها نعي حمزة بن مصعب بن الزبير، وابن عمها عمارة بن حمزة، فخرجت في سترين، فأقامت عليهما المناحة في منزلها، فبينا هي تبكي عليهما، إذ جاءها نعي أخيها مصعب بن عكاشة، فاستترت وخرجت إلى منزله فبكته فيه. فبيننا تبكي عليه، إذ جائها نعي زوجها عثمان بن عبد الله ابن حكيم بن حزام، فرجعت إلى منزلها. فأقامت المناحة فيه على زوجها. وكان مما ندبتهم به قول الهذلي: وكأنّ قَلْبِي للحَوَادِثِ مَرْوَةٌ ... بقَفَا المُشقَّرِ كُلَّ يَوْمٍ تُقْرَعُ
ولد مصعب بن الزبير
ومن ولد مصعب بن الزبير عمر بن مصعب. حدثنا الزبير قال، أخبرني عمي مصعب بن عبد الله قال: كان عمر بن مصعب ذا مروءة وشكيمة، وكان من وجوه الناس.
سماع هذا الجزء
سماع هذا الجزء سمع جميع هذا الجزء على القاضي العالم، تاج الدين نجم الإسلام، أبي الفتح محمد بن أحمد بن بختيار المندائي، بقراءة الأجل السند عماد الدين أبي العباس أحمد ابن محمود بن أحمد، أخوه أبو عبد الله، ولدي المسمع عز الدين أبو حامد محمد، وشرف الدين أبو جعفر علي، والقضاة بدر الدين يحيى بن الحسين بن محمد بن محمد أبي ربيعة "؟؟ "، وأخوه جمال الدين يوسف، ومحيي الدين أبو نصر أحمد بن الحسن ابن محمد سبط الفارقي، وقوام الدين أبو جعفر هارون بن العباس بن حيدرة الرشيدي الهاشمي، والمشايخ عبد القادر بن داود بن البقار المقرئ، والحسين بن أبي منصور ابن السند القزاز المقرئ، وعبد الكريم بن رازي "؟ " المترسي الضرير، وعلى ابن أبي الفتح بن سهل الطيبي، ومقبل بن عبد الله الحر عتيق الله بركان المنقري "؟؟ "، ومثبت الأسماء مقابل بن أحمد بن علي بن محمد العنبري المعروف بابن دواس القنا النحوي، وأبو المعالي بن أبي الفتح بن سهل الطيبي. وذلك في شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين وخمسمئة للهجرة. وحسبنا الله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
الجزء السادس عشر من كتاب
الجزء السادس عشر من كتاب بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن ابراهيم، عن محمد بن معن قال: دخل عمر بن مصعب على ابن مطيرة خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم مع قوم في حاجة لهم، فقال له ابن مطيرة: من أنت أعرف؟ قال: أنا عمر ابن مصعب بن الزبير. فقال: لا أعرفك. فقال له: أعرفك نفسي، أنا النجم، وأبي القمر، وأمي الشمس، وكما قال أمية بن الأسكر: إذا زادَ أقواماً جَهَالةُ غيرِهم ... بِهمْ ضَعَةً أزْرَي بجاهِلِنا الجَهلُ فبصق في وجهه ابن مطيرة، وهو إذ ذاك والي المدينة، فوقعت تفلة من بصاقه في عين عمر بن مصعب، فوجعها أربعة أشهر، فكان العواد يأتونه فيقول لهم: إن الله قد جعل ريق ابن مطيرة داءً! إن أحدنا لتخرج به النابتة في جسده، فيتفل عليها من ريقه، فيبرئها الله.
حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن بعد الرحمن الحكمي قال: قدم الوليد بن يزيد المدينة يريد الحج، وهو إذ ذاك ولي عهد، فدخل عليه الناس، ودخلت عليه الشعراء، فدخل فيهم أبو معدان مهاجر مولي آل أبي الحكم، وكان رواية الأحوص وقد استعان بعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب، وعمر بن مصعب بن الزبير، وابن أبي عتيق، والمنذر بن أبي عمرو كاتب الوليد بن يزيي على الوليد، فأنشده النصيب، ثم قام أبو معدان فأنشده: ألمْ تَرَ للنَّجْم إذ شيّعَا ... يُزَاوِل من بُرْجِه المَرْجِعَا تَحَيَّرَ عن قَصْد مَجْرَاتِه ... أبَي الغَوْرَ والتَمَسَ المطلَعَا سُرِرتُ بِهِ إذ بَدَا كابياً ... وأمّا ابن شِمْرانَ فأسترجَعَا لعلّ الوليدَ دَنَا مُلْكُهُ ... وأمسَى إليه قدِ استجَمعَا أغرُّ الجبين إذا ما بَدَا ... رأيتَ الملوكَ لَهُ خُشَّعَا نؤمّل من مُلكِهِ حَبْرَةً ... كتأميل ذي الجَدْب أن يُمْرِعَا
قال: فأنكره الوليد وقال: من أنت؟ قال: أنا أبو معدان. قال: فمن ابن شمران؟ قال: أصلحك الله، جرى به الروى. قال: فأعاد عليه المسألة، قال: ومن أبو معدان؟ قال: من لا تنكر أصلحك الله، مهاجر مولاك. فبدأهم عبد الله بن معاوية فقال: هذا أبو معدان أصلح الله الأمير، وهو أنبه عندنا من أن يجهل، وإنا لنتهادى شعره بيننا كما تتهادى باكورة الفاكهة. ورفده عمر بن صعب بن الزبير، وخذله ابن أبي عتيق، والمنذر بن أبي عمرو. فأمر له الوليد بمئة دينار وكسوة، فأنشأ أبو معدان يقول: لم أجدْ منذراً تخوَّفَ ذمِّي ... يوم لاقيتهُ ولا ابنُ عَتيقِِ أجْرَعاني مَشُوبةً مَذَقَاهَا ... ليس صِرْفُ الشَّراب كالممذوقِ وأراهَا من وِجْهَة الرّيحِ تأتي ... نَفَختْ مِثْلَ نفخِ ريح الخَريقِِ كيف لا تجْعَلُ المواعيدَ حَتْماً ... لَهْفَ نفسِي وأنتَ للِصِّدِّيقِِ والزُّبَيْريُّ قد أعان عليهَا ... ببَليغٍ من الكلامِ وَفِيقِِ فإذا أبْرَقَ الزُّبيريُّ بَرْقاً ... فأبتْغِ الخَيْرَ تحت تلك البُروقِ فإذا ما أصبتَهُ من قُرَيشٍ ... هَاشِميّاً أصَبتَ وَجْهَ الطّريقِِ
حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: نصبت الحرورية بقديد لواء، فقالوا: من دخل تحته فهو آمن. فدخل الناس تحته، فأقبل يأخذ بعضهم ببعض، ويتعلق بعضهم ببعض، فامتدوا كالحبل شبيهاً بالقطار، أولهم تحت اللواء، وآخرهم هناك وأشار بيده إلى ناحية قاصية. قال: فما فعلوا ولا آمنوهم، ونظروا إلى من كان تحت اللواء وقدروا حوزته ومقدار ظل اللواء، فتركوهم، وقتلوا صبراً ممن تناءى عن ظل اللواء وحوزته. قال: فبلغني أن مصعب بن عكاشة بن مصعب بن الزبير قال للناس: ألا ترون ما يصنع هؤلاء بكم؟ لأن يقتل الرجل وهو يقاتل بسيفه، خير له أن يتعبث به هؤلاء. فتقدم في خمسين رجلاً فقاتل وقاتلوا جميعاً، فلم يبق أحد منهم إلا قتل. قال: وكان مصعب بن عكاشة بن الزبير قد صبر وصبر أصحابه معه، وأمعن الناس في الهرب، فيقال: ما ردهم عنهم إلا قتال مصعب. حدثنا الزبير قال، وأخبرني المنذر بن عمارة بن حمزة بن مصعب ابن الزبير قال: ما بت تلك الليلة حتى دفنت أبي وجدي، وأتيت معركة الناس
بقديد بعد ذلك، فوجدت في المعركة سيفاً وخاتماً لعمارة بن حمزة بن مصعب بن الزبير دفنه في الرمل. وكان عمارة من أشد الناس. حدثنا الزبير قال: وحدثني أحمد بن عبيد الله بن المنذر بن عبيد الله ابن المنذر بن الزبير، عن خالة أبيه صفية بنت الزبير بن هشام بن عروة: أن رجلاً وجد بقديد خاتماً من فضة فصه ياقوتة صفراء، بعد مقتل أهل قديد بخمس وعشرين سنة، فأخذه بفصه، فبقى الفص بيده وذهب الفضة. فبلغ ذلك والي المدينة، فكتب إلى عامل قديد يقول له: " لله دمك إن فاتك الفص أن تبعث به إليّ ". فبعث به إليه، فطيف به في الناس، فلم يعرفه أحد. فدخل به على أن زيد نبت عاصم بن المنذر بن الزبير، وكانت عند عمارة بن حمزة، فقالت: سبحان الله، أما تعرفونه؟ هذا خاتم حمزة بن مصعب بن الزبير. فجلوه، فبان نقشه، فإذا فيه: " حمزة بن مصعب يؤمن بالله ". فدفعه والي المدينة إلى المنذر بن عمارة بن حمزة بن مصعب بن الزبير. قال: وقال لي أحمد بن عبيد الله: فرأيته في يده. حدثنا الزبير قال، حدثني علي بن صالح، عن عامر بن صالح ابن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: كان هاشم بن الحارث بن أسد، وابنه
أبو البختري بن هاشم، والمطلب والأسود ابنا البختري، جميعاً يسمون: " الأجمال الشرف "، لأجسامهم. فاستب عمر بن مصعب بن الزبير، وسعيد بن عبد الله بن الأسود بن أبي البختري في خصومه، فقال سعيد: " أنا ابن الأجمال الشرف "! فقال عمر: أخفها أحمالاً، وأقلها مخا. قال سعيد: " أنا ابن عقير الملائكة "! قال عمر بن مصعب: " أنا ابن وزير الملائكة "! وابنه: مصعب بن عمر، كان جواداً بليغاً.
وله يقول الدارمي: يا ربِّ إنْ أبقيتَ لي مُصْعَباً ... فَشأْنَكَ النَّاسَ سِوَى مُصْعَبِ ذاك الزُّبيريُّ خليليِ الّذِي ... لِنائباتِ الدَّهْرِ مَا أخْتَبِي لعُمَرٍ ومُصْعَب بَخٍ بهِ ... وللزُّبَيْرِ الخَيْرِ منْ مَنْصِبي طابَ وطابتْ رِيحُ أعرَاقِه ... للأطْيَبِ الأطْيَبِ فالأطْيَبِ قد قلتُ للدُّنْيَا وأيَّامها: ... إذا اقتَفَى بي مُصْعَبٌ فاصعُبي إن يُبْقِه الله فأنِّي بِهِ ... عَنْكِ شَديدُ الأسْرِ والمَنْكِبِ يا مُصْعَبَ الخَيْرَاتِ إنّي امرُؤٌ ... أعْيَي سِواكَ اليَوْمَ بي مَذْهَبِي وله يقول أبو الخشخاش الثعلبي، وكانت له ضياع ببطن نخل، فكان يطلعها، فقال أبو الخشخاش في قدمةٍ قدمها:
يا نَخْلُ باكَرَكِ الرَّبيعُ ومُصْعَبٌ ... إنّ الرَّبيعَ ومُصْعباً مِثْلاَنِ وقال رجل من ولد أبي بكر الصديق لجدي عبد الله بن مصعب: إنما جاءكم البلاغة من قبل أبي بكر. فأشار له عبد الله بن مصعب إلى مصعب ابن عمر فقال: فهذا من أين جاءته البلاغة؟ وله يقول مسور بن عبد الملك اليربوعي: يا ربّ حَيَّيْتُ عَلَى نَأْيِةِ ... وغَرْبَةِ الدَّار أخِي مُصْعَبَا قد قلتُ لما جَدَّ سَيْرٌ بِهِ: ... اللهُ جارٌ لكَ أن تَعْطَبَا
ابنُ الحَوَاريّ عَقِيدُ النَّدَى ... وحامِلُ الصَّاحبِ إن أجْدَبَا ليسَ بنِكْسٍ خامِلٍ ذكْرُهُ ... بل يَحْمِلُ الثِّقْلَ إذا أتْعَبَا تَرَكْتَنِي بعدَكَ لاَ صاحباً ... أغْشَى وأن أغضَبَ أوْ أعتَبَا أنت الَّذِي يدعُو لَهُ قومُهُ ... ِللهِ والبِرِّ بأن يُصْحَبَا حدثنا الزبير قال، وحدثني إبراهيم بن حمزة، عن أبي بكار زريق ابن يسار، مولى أمه بنت عمر بن مصعب بن الزبير قال: وحدثتني ظبية مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب: أن عبد الله بن مصعب عتب على أبيه، فخرج إلى مرابط بخراسان، فمات به في حياة أبيه، فقال: ومُشْفِقَةٍ هَبَّتْ بلَيْلٍ تلومُنِي ... فقلْتُ ذَرِيني إنّنيِ مُجمِعٌ أمْرَا فلمّا رَأَتْنِي لا أنامُ كأنّني ... أسِيرُ دَمٍ في السِّجْنِ أو طالبٌ وِتْرَا
بَكتْ من حِذارٍ أن أبينَ وقد رأتْ ... مَتِينَ القُوَىُ تُمْضَي مَرَائِرُه شَزْرَا وقالت أبو حفصٍ غِنًى ومُعَوَّلٌ ... فلا تَخْشَ إقْلاَلاً لدَيْه ولاَ عُسْرَا بَياضٌ ومِثْلُ الّلاَبَتَيْنِ وسابحٌ ... بمُلْتَطِمٍ تُضْحِى جَدَاولُه كُدْرَا ومالَكِ من يُسْرِ امرِئ ليس يُسْرُهُ ... لنا حين تَعرُونَا نوائبُنَا يُسْرَا وللمرء في عَرْض البلادِ مَنَادِحٌ ... يُجِيزُ إليهَا السَّهْلَ والمنزِلَ الوَعْرَا وإني لأمْضِي الهَمَّ مُسْتَضْلِعاً بهِ ... إذا الهُّم من وَاهِي القُوَى مَلأ الصَّدْرَا كأنّيَ لم ألبَثْ بيَثْرِبَ بُرْهَةً ... ولم يَسْمُرِ السُّمَّارُ عندِي بها عَصْرَا
ومن
ولم أرَ أبناءَ الربَّابِ بغِبْطَةٍ ... يجرُّونَ أبْرَاداً وأكِسيةً خُضْرَا ومن ولد عمر بن مصعب عبد الله بن عمر، وكان من رجال أهله وأمه: هند بنت خالد بن الزبير وأمها: أم سليمان بنت خالد بن الزبير.
ولد مصعب بن الزبير بن العوام
ومن ولد مصعب بن الزبير بن العوام جعفر بن مصعب، وكان يتلو عمر في الشرف. وكان أيداً. حدثنا الزبير قال، أخبرني غير واحد من أصحابنا: أنه كان جالساً في الزقاق مستقبلاً دار بني مصعب، وقد سلسل بابا الدار، فصال جمل على ابن له، فوثب مستعجلاً ليمنعه منه، فلقيته السلسلة، فوضع يده فيها فقطعها. وهي سلسلة جليلة الكعاب، فأدركتها ولم يبق منها إلا ثلاث حلق حتى وصلها أبي، فالثلاث حلق معروفة مما وصل أبي: وحمزة بن مصعب، قتل هو وابنه عمارة بقديد أيام الحرورية، الذي قادهم من حضر موت بلج وأبو حمزة، وجههم عبد الله بن يحيى الكندي الذي يقال له: " طالب الحق "، فليقهم أهل المدينة بقديد في خلافة مروان بن
محمد. وكان على المدينة عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، استعمله عليهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك. وقتل مع حمزة ابنه عمارة بن حمزة. فيقال: إن عمارة أعرق الناس في القتل، قتل هو وأبوه بقديد، وقتل مصعب ابن الزبير بدير الجاثليق، وقتل الزبير بوادي السباع، وقتل العوام بعكاظ حدثنا الزبير قال، حدثني غير واحد من أصحابنا منهم: محمد ابن الضحاك الحزامي، عن أبيه ومحمد بن محمد بن أبي قدامة العمري، عن محمد بن طلحة قالوا: كان حمزة بن مصعب وابنه عمارة يوم وقعة قديد،
على حوض قديد، فسمعا محمد بن النعمان بن أبي عياش الزرقي، الذي يعرف بشذرة، يقول: الحمد لله الذي هذا الذل في قريش! فقال حمزة بن مصعب أبنه عمارة: يا بني، ألا تسمع ما يقول هذا المنافق؟ فقال له عمارة: والله يا أبه، لا أبدأ بأول منه. فقام إليه فضرب رأسه، فطرحه في الحوض، وشد على الحرورية وهو يقول: لَمْ يبقَ إلا حَسَبي ودِيني وصَارِمٌ تَلْتذهُ يَمِيني فلم يزل يقاتل هو وأبوه حتى قتلا. فطلبت بنو زريق آل الزبير بدم صاحبهم، فقال لهم آل الزبير: قتل قاتل صاحبكم! فلم يكن في ذلك شيء. وسعد، ومحمد، ومصعب. وولد مصعب، لأمهات أولاد شتى.
ومصعب، هو الذي يقال له: " خُضَيْرٌ ". وإنما سمي " خُضَيْرًا "، لأنه كان أدم. وولد بعد قتل أبيه، فأسمى باسمه. وقالت عمته رملة بنت الزبير: هذا خضير! فبذلك السبب سمي " خُضَيْرًا ". ورملة أخت مصعب بن الزبير لأبيه وأمه وأمهما: الرباب بنت أنيف الكلبية. ولكل ولد مصعب عقب، إلا سعداً، ومصعباً، فليس لهم عقب. ولمحمد ومصعب ولد من قبل النساء. وكانت حمادة بنت عيسى بن مصعب بن مصعب، عند علي بن عبيد الله، فولدت له وأمها: مريم بنت محمد بن مصعب بن الزبير وأمها: أمة الحميد بنت عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة. فولدت صفية بنت علي بن عبيد الله: عبيد الله، وجعفراً، وأبا داود، بني عبد الله بن حسن بن جعفر بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب. وكانت بنت محمد بن مصعب أمينة، عند الزبير بن خبيب، فولدت له: رملة، ورقية.
ومن
فتزوج عبد الواحد بن محمد بن لوط النوفلي، من ولد نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، رملة بنت الزبير بن خبيب: فولدت له يحيى بن عبد الواحد. لم يبقى ليحيى ولد إلا جارية. ومن ولد مصعب بن مصعب بن الزبير إبراهيم بن مصعب، المعروف بابن خضير، قتل مع محمد بن عبد الله. وكانت له شجاعة موصوفة. وله يقول رماح بن أبرد ابن ميادة، في مرثيته لرياح بن عثمان ابن حيان:
مَرَرْتُ على الفُراتِ فَهَاجَ دمْعِي ... مَعَ الإشْرَاقِ ضَجَّاتُ النُّوَاحِ فقلتُ حَواصِنًا ينْدُبْنَ بُحَّا ... بنَاحِيَةَ ابْنَ عَمِّكَ ذَا الصَّلاحِ فما رُزِئَ العَشِيرةُ من قتيلٍ ... أعَزَّ على العَشِيرةِ من رياحِ سَقَتْهُ السَّاقِياتُ من المنايا ... نِطَاسَ العِلْم فَوَّازَ القِداحِ
مَتَى يا ابن الخُضَيْر تَقُولُ قيساً ... تُنادِى في الفَوارِس بالشِّيَاحِ قَتَلْتُمْ رأْسَ قَيْسٍ ثم قُلْتُمُ ... سَنَخْلِطُ عَقْلَ سَكْرانٍ بصَاحِ كَذَبْتم لا يُقِرُّ الضَّيْمَ إلاّ ... لَئِيمُ القَوْمِ ذو الوَجْهِ الوَقَاحِ حدثنا الزبير قال، وحدثني إبراهيم بن حمزة بن محمد، عن محمد ابن أيوب بن حسن الرافعي، عن أبيه قال: كنا نخرج كل يوم جمعة مع غلمان المدينة غلمان الكتاب، فنقعد على نقب واقم، فننظر إلى بني مصعب ابن الزبير إذا دخلوا من الجوانية، ينزون على الخيل العراب. حدثنا الزبير قال، وحدثني عبد الله بن عمر بن القاسم العمري قال: كان بنو مصعب بن الزبير ينتجون الخيل في دارهم، دار بني مصعب.
ومن ولد خضير، مصعب بن مصعب بن الزبير:
ومن ولد خضير، مصعب بن مصعب بن الزبير: خالد بن مصعب بن مصعب، وكانت له مروءة وحال جميلة. وهو الذي يقول لأخيه منذر بن مصعب، وعاوض بعض أصحابه يمال له على عين المهد من الفرع، إلى مال لأخيه بالجوانية، فقال خالد: خليليِ أبا عثمان ما كانتَ تاجراً ... أتأخُذُ أنضاحاً بِنَهْر مُفَجَّرِ أتجعَلُ أنضاحاً قليلاً فُضُولُها ... إلى المُهْدِ يوماً أو إلى عَيْنِ عَسْكَرِ وتأتِي بعَصْفٍ حينَ تحمِلُ نَخْلُها ... فَغًي لْيسَ يُرْجَى للعُلُوفةِ أغبَرِ
ولد خالد بن الزبير بن العوام
ومن ولد خالد بن الزبير بن العوام محمد بن خالد بن خالد بن الزبير، وهو الذي يقول يرثى قوماً من ولد الزبير قتلوا بقديد: ولقد أبقتِ الحوادثُ في قَلْبِكَ شُغْلاً على عَقَابيل شُغَلِ ببني خالدٍ تَوَالَوْا كرِاماً ... من فتًى ناشئ أديبٍ وكَهْلِ كافَحُوا الموتَ في اللِّقاء وكانُوا ... أهْلَ بَأْسٍ وسَابقاتٍ وفَضْلِ وعُلًى يَفْرَعُ النجومَ ذُرَاها ... وندًى في المُعَصِّبينَ وفِعْلِ وقِرًى دائِمٍ إذا أقْحَطَ القَطْرُ، ورَاثَ القِرَى على الضْيْفِ جَزْلِ ولقد أرْدتِ الوَقيعةُ منَّا ... بقُدَيدٍ فوارِساً غيرَ عُزْلِ حَمْزةَ الماجدَ الذي جَدَّلُوهُ ... دَراعاً ذا حَفِيظةٍ غيرَ وَغْلِ
وابنَهُ يضربُ الفوارس كالصَّا ... رِمِ أمسَى حَديثَ عَهْدٍ بصَقْلِ وابنَ عُكَّاشةَ الذي كان فيهم ... لَيْثَ خِيسٍ يَحُوم فيه بشِبْلِ والفتَى مُنْذِراً سَقَوْهُ المنايَا ... باسلَ البأسِ في مَصَالِيتَ بُسْلِ وقال أيضاً في يوم قديد: ما أبْصَر النَّاظِرون من سَلَفٍ ... مثلَ البَهاليلِ من بني أسَدِ بيضٌ مَصَاليتُ حين واجَهَهَا البَأْسُ وأحضى العِبادُ في كَبَدِ لم يَنْكُلُوا في اللّقاءِ يوم غَدَوْا ... في البَيْضِ تُعْشِى العُيُونَ والسَّرَدِ من كُلّ كَهْلِ مُجَرَّبِ وفَتًى ... في الرَّوْعِ ذي نَجْدَةٍ وذي جَلَدِ يدعُون آلَ الزُّبَيْر ضَاحِيةً ... في ثَرْوَةٍ مِنْهُمُ وفي عَدَدِ
ومن
حتَّى إذا مَا التقَتْ كتائبُهُمْ ... بالبِيضِ مَسْلُولَةً من الغُمُدِ كانُوا لمن باتَ خائفاً عَضُداً ... لا يَبْعَدُوا من حِمًى ومن عَضُدِ كانوا سِمَاماً لمنْ يُحَاربُهُمْ ... قِدْماً، ومَأوًى لكُلِّ مُضْطَهدِ ومن ولد عمر بن الزبير بن العوام الوليد بن عمرو بن الزبير بن عمرو بن عمرو بن الزبير، وكان مَرِيَّا سَرِيًّا. واستخلف على المدينة، استخلفه بعض ولاتها. وكان من جلساء مالك بن أنس. فذكر بعض أصحابنا أنه الذي ألف لمالك بن أنس مُوَطَّأه.
ويحيى بن الزبير بن عمرو بن عمرو بن الزبير، كان فصيحاً شاعراً. وسعيد بن عمرو بن الزبير بن عمرو بن عمرو بن الزبير. روى عن مالك، وعن عبد الملك، وعن عبد الرحمن بن أبي الزناد. ولى الشرط بدمشق للعباس بن محمد بن إبراهيم. ثم دعاه أبو البختري وهب إلى ولاية شرط المدينة، ووهب بن وهب إذ ذاك يليها لأمير المؤمنين هارون الرشيد، فأبى ذلك عليه. فحلف وهب ليضربنه وليسجننه، ثم لا يرسله ما دام له سلطان. فقبل عمله. وأعطاه أبو البحتري وهب بن وهب مئة دينار، وذلك بعد صلاة العصر، فأنصرف سعيد بن عمرو إلى منزله، ومضى معه رسول أبي البختري بالمئة الدينار. فلما صار إلى منزله، قال له الرسول: هذه الدنانير. قال: ضعها في تلك الكوة. فلما أصبح سعيد بن عمرو جلس في الرحبة، وأرسل إلى ثلاثة من فقهاء المدينة،
وهم: أبو زيد محمد بن زيد الأنصاري، ومطرف بن عبد الله اليساري، وعبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ابن بنت الماجشون، فقال لهم: رزقني الأمير ثلاثين ديناراً، فأنا بينكم، لكل رجل عشرة دنانير، وقد استخلفتك يا أبا زيد. فقال أبو زيد: إن عشرة دنانير لمستراد لها، ولكن ضعف عن أن أخلفك أصلحك الله. وقال لعبد الملك: وأما أنت يا عبد الملك فقد استكتبتك. فقال له عبد الملك: إن عشرة دنانير أصلحك الله لكل شهر لمرغوب فيها، ولكني ضعيف البصر، ولا يكون الكاتب ضعيف البصر. قال: وأما أنت يا مطرف، فقد استعملتك على الطواف قال: وكان مطرف ضيقاً فقال له: والله لو استعملتني على عملك ما قبلته، فكيف أعمل لك على الطواف؟ فقال: ما أنا بتارككم ولا معفيكم إلا أن أعفى من ولاية الشرط. فدخلوا على
أبي البختري فذكروا ذلك له، فأرسل إليه، فلما جاءه كلمه في تركهم، فقال له سعيد: ليس لك أن تكرهني، وتمنعني من إكراههم. فقال له: تنظر في أمرك ولا تعجل. فحلف له سعيد فاجتهد: لا يعمل له إلا أن يدعه يكره على العمل من رأى. فقال له: ضع سيفنا. فوضع السيف وانصرف إلى منزله، وألحقه أبو البختري رسولاً فقال له: يقول لك الأمير، أن رد المئة الدينار التي أعطيتك. فقال للرسول: أين كنت وضعتها؟ قال: أمرتني أن أضعها في تلك الكوة. قال: فانظرها حيث وضعتها. فأخذها الرسول من الكوة وذهب بها إلى أبي البختري. فقال في ذلك سعيد بن عمرو: أظَنَّ وَهْبُ بن وهبٍ أن أكونَ له ... لمَّا تَغَطْرَسَ في سُلْطانه تَبَعَا
ومن ولد عمرو بن الزبير بن العوام:
ومن ولد عمرو بن الزبير بن العوام: محمد بن الوليد بن عمرو بن الزبير بن عمرو بن عمرو بن الزبير. ولي شرطة مكة لصالح بن العباس بن محمد، وكان ممن يستشار بالمدينة. ومن ولد جعفر بن الزبير بن العوام محمد بن جعفر. وكان يروي عن عروة بن الزبير. وشعيب بن جعفر. كان من سروات قريش. وله، ولمصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، يقول إبراهيم بن علي ابن هرمة، في شعر ذم فيه رجلاً فقال:
ومن
رَأيْتُكُ مُحْتَلاً كأنّكَ لم تُصِبْ ... نَعِيماً، ولم تَنْبُتْ ببعضِ المَنَابتِ كأنّكَ لم تَصْحَبْ شُعَيْبَ بَن جعفرٍ ... ولا مُصْعَباً ذا المكُرمات ابِنَ ثَابتِ ومن ولد جعفر بن الزبير بن العوام أم عروة بنت جعفر بن الزبير روت عن أبيها جعفر بن الزبير. قال الزبير وقد رأيتها. ولعبيدة بن الزبير عقب.
وكل بني الزبير له عقب، إلا حمزة بن الزبير أنقرض عقبه. كان آخرهم عمارة بن حمزة بن الزبير، مات ولم يبق من عمومته إلا عروة وجعفر ابنا الزبير، داره من بقيع الزبير لهما، وهي الدار التي تعرف بعروة ابن الزبير. فقال عروة بن الزبير لأخيه جعفر: يا أخي، قد أوحشني خروجي من بقيع الزبير، فلو أخذت حقي من حوانيت السوق، وأعطيتني حقك من هذه الدار؟ ففعل جعفر. فهؤلاء ولد الزبير بن العوام.
ولد عبد الرحمن بن العوام
ومن ولد عبد الرحمن بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى: عبيد الله، لا عقب له، قتل مع معاوية يوم صفين. وعبد الله بن عبد الرحمن، قتل يوم الدار مع عثمان رحمه الله. وأمهما: جمينة بنت عبد العزي بن قطن، من بني المصطلق، وهي من المبايعات.
ومن ولد عبد الرحمن:
ومن ولد عبد الرحمن: خارجة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن العوام، قتل مع عبد الله ابن لازبير بمكة وأمه: أم عمرو بنت معتب بن أبي لهب بن عبد المطلب. ومن ولد خارجة بن عبد الله سهيل، وجعفر، ابنا خارجة بن عبد الله بن عبد الرحمن وأمها: ليلى بنت سهيل بن حنظلة بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب. وأختهما لأمهما: أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان، وكانت تصلهم بهذه الرحم. وقد أنقرض ولد العوام كلهم، إلا ولد الزبير وعبد الرحمن.
ولد حزام بن خويلد
ولد حزام بن خويلد حكيماً، وخالداً، وهشاماً وأمهم: فاختة بنت زهير ابن الحارث بن أسد بن عبد العزي. حكيم بن حزام بن خويلد حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان قال: دخلت أم حكيم ابن حزام الكعبة مع نسوة من قريش، وهي حامل بحكيم بن حزام، فضربها المخاض في الكعبة، فأتيت بنطح حيث أعجلها الولاد، فولدت حكيم بن حزام في الكعبة على النطح.
وكان حكيم بن حزام من سادات قريش ووجوهها في الجاهلية والإسلام. حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن عبد الرحمن المرواني قال: جاء الإسلام والرفادة بيد حكيم بن حزام. حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن الضحاك، عن أبيه قال: لم يدخل دار الندوة أحد من قريش للمشورة حتى بلغ أربعين سنة، إلا حكيم ابن حزام، فإنه دخلها وهو ابن خمس عشرة سنة. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: جاء الإسلام ودار الندوة في يد حكيم بن حزام، فباعها بعد من معاوية بن أبي سفيان بمئة ألف درهم. فقال له عبد الله بن الزبير: بعت مكرمة قريش! فقال حكيم: ذهبت المكارم إلا التقوى، يا ابن أخي، إني اشتريت بها داراً في الجنة، أشهدك أني قد جعلتها في سبيل الله.
حدثنا الزبير قال، وأخبرني محمد بن حسن: أن حكيم بن حزام وعبد الله بن مطيع اشتريا دار حكيم بن حزام ودار عبد الله بن مطيع بالبلاط فتقاوياهما، فصارت لحكيم داره بزيادة مئة ألف درهم، وصارت لعبد الله ابن مطيع داره، فقيل لحكيم: غبتك بشروع داره على المسجد. فقال: دار كدار، وزيادة مئة ألف درهم. وتصدق بالمئة الألف درهم علة المساكين. حدثنا الزبير قال، وأخبرني إبراهيم بن حمزة: أن مشركي قريش لما حصروا بني هاشم في الشعب، كان حكيم بن حزام تأتيه البعير تحمل الحنطة من الشأم، فيقبلها الشعب ثم يضرب أعجازها، فتدخل عليهم، فيأخذون ما عليها من الحنطة. وله كان زيد بن حارثة، وهبة لخديجة بنت خويلد عمته، فوهبته للنبي صلى الله عليه وسلم، فأعتقه وتبناه حتى أنزل الله عز وجل: (أدْعُوهُمْ لآِبَائِهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ الله فإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فإخْوَانُكُمْ في الدّينِ ومَوَالِيكُمْ) ، فنتسب زيد إلى أبيه حارثة، وهو رجل من كلب أصابه سِبَاءٌ.
حدثنا الزبير قال، وحدثني يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري قال، حدثني عثمان بن عمر بن عثمان بن سليمان بن أبي حثمة، عن أبيه، عن أبي بكر ابن سليمان قال: حج حكيم بن حزام معه بمئة بدنة، قد أهداها وجللها الحبرة وكفها عن أعجازها، ووقف مئة وصيف يوم عرفة في أعناقهم أطوقه الفضة، قد نقش في رؤوسها: " عتقاء الله عن حكيم بن حزام "، وأعتقهم، وأهدى ألف شاة. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: جاء الإسلام، وفي يد حكيم الرفادة، وكان يفعل المعروف، ويصل الرحم، ويحض على البر. عاش ستين سنة في الجاهلية، وستين سنة في الإسلام. حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن الضحاك بن عثمان الحزامي، عن أبيه قال: عاش حكيم بن حزام في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة.
حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان مثل ذلك. قال مصعب بن عثمان: وكان يشرب في كل يوم شربة ماء لا يزيد عليها. فلما بلغ مئة سنة، دعا غلامه بالماء، وقد كان شرب، فقال له: يا مولاي، قد شربت اليوم شربتك. قال: فلا إذاً. فأقام على شربة واحدة كل يوم حتى بلغ مئة وعشر سنين. ثمن استسقى الغلام فقال له: قد شربت شربتك. قال: وإن. فأقام على شَرْبَتَيْ ماء كل يوم حتى مات. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمامة بن عمرو السهمي، عم مسور ابن عبد الملك اليربوعي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب قال: كان ابن برصاء الليثي من جلساء مروان بن الحكم ومحدثيه، وكان يسمر معه، فذكروا عند مروان الفيء فقالوا: مال الله، وقد بين الله قسمة، فوضعه عمر بن الخطاب مواضعه. فقال مروان: المال مال أمير المؤمنين معاوية، يقسمه فيمن شاء، ويمنعه ممن شاء، وما أمضى فيه من شيء فهو مصيب فيه. فخرج ابن البرصاء فلقي سعد بن أبي وقاص فأخبره بقول مروان، فقال سعيد بن المسيب: فلقيني سعد بن أبي وقاص وأنا أريد المسجد، فضرب عضدي ثم قال: الحقني تربت يداك. فخرجت معه لا أدري أبن يريد، حتى دخلنا على مروان في داره، فلم أهب شيئاً هيبتي له، وجلست لئلا يعلم مروان أني كنت
مع سعد، فقال له سعد لما دخل عليه قبل أن يسلم: يا مري، آنت الذي يزعم أن المال مال معاوية؟ فقال مروان: ما قلت، ومن أخبرك؟ قال: آنت الذي يزعم أن المال مال معاوية؟ قال مروان: وقلت ذاك، فمه؟ قال: فردد ذلك عليه وقال: فقلت ذاك، فمه؟ قال فرددها الثالثة، وقال: وقلت ذاك، فمه؟ فرفع سعد يديه إلى الله يدعو، وزال رداؤه عنه، وكان أشعر بعيد ما بين المنكبين، فوثب إليه مراون فأمسك يديه وقال: اكفف عني يدك أيها الشيخ، إنك حملتنا على أمر فركبناه، فليس الأمر كذلك. فقال سعد: أم والله لو لم تنزع، ما زلت أدعو عليك حتى يستجاب لي أو تنفرد هذه السالفة. فلما خرج سعد ثبت في مجلس عند مروان، فقال مروان: من ترونه قال هذا لهذا الشيخ؟ فقالوا: ابن البرصاء الليثي، فأرسل إليه فأتى به، فقال: ما حملك على أن قلت لهذا الشيخ ما قلت؟ قال الليثي: ذاك حق قلته، ما كنت أظنك تجترئ على الله وتفرق من سعد! فقال له مروان: أو كل ما سمعت تكلمت به؟ أما والله لتعلمن، برز، جرد. فجرد من ثيابه، وبرز بين يديه.
قال: فبينا نحن على ذلك إذ دخل حاجبه فقال: هذا أبو خالد حكيم ابن حزام. فقال: إيذَنْ له. ثم قال: ردوا عليه ثيابه، أخرجوه عنا لا يهيج علينا هذا الشيخ كما فعل الآخر قبله. فلما دخل حكيم قال مروان: مرحباً بك يا أبا خالد، ادن مني. فحال له مروان عن صدر المجلس حتى كان بينه وبين الوسادة، ثم استقبله مروان فقال: حدثنا بدر. فقال: نعم، خرجنا حتى إذا نزلنا الجحفة، رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها، وهي زهرة، فلم يشهد أحد من مشركيهم بدراً. ثم خرجنا حتى نزلنا العدوة التي قال الله عز وجل. فجئت عتبة بن ربيعة فقلت: يا أبا الوليد، هل لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت؟ قال: أفعل ماذا؟ قلت: إنكم لا تطلبون من محمد صلى الله عليه وسلم إلا دم ابن الحضرمي، وهو حليفك، فتحمل بديته وترجع بالناس. فقال لي: فأنت وذاك، فأنا أتحمل بدية حليفي، فأذهب إلى ابن الحنظلية، يعني أبا جهل، فقل له: هل لك أن ترجع اليوم بمن معك
عن ابن عمك؟ فجئته، فإذا هو في جماعة من بين يديه ومن ورائه، وإذا ابن الحضرمي ولقف على رأسه وهو يقول: قد فسخت عقدي من عبد شمس، وعقدي إلى بني مخزوم. فقلت له: يقول لك عتبة بن ربيعة: هل لك أن ترجع بالناس عن ابن عمك بمن معك؟ قال: أما وجد رسولاً غيرك؟ قلت: لا، ولم أكن لأكون رسولاً لغيره. قال حكيم: فخرجت أبادر إلى عتبة لئلا يفوتني من الخير شيء، وعتبة متكئ على إيماء بن رحضة الغفاري، وقد أهدى إلى المشركين عشر جزائر، فطلع أبو جهل الشر في وجهه، فقال لعتبة: انتفخ سحرك! قال له عتبة: ستعلم. فسل أبو جهل سيفه فضرب به متن فرسه، فقال إيماء بن رحضة: بئس الفأل هذا. فعند ذلك قامت الحرب. حدثنا الزبير قال، حدثني عمي: أن حكيم بن حزام أنهزم يوم بدر، فلحق بعبد الرحمن بن العوام، وبعبيد الله بن العوام، مترادفين على جمل، وكان عبيد الله بن العوام أعرج، فلما رأى عبد الرحمن حكيماً قال لأخيه: أنزل بنا عن
أبي خالد. قال: أنشدك الله، فإني أعرج لا رجلة لي. قال: والله لتنزلن عنه، ألا تنزل عن رجل إن قتلت كفاك، وإن أسرت فداك؟ فنزلا عنه وحملاه على جملهما، فنجا عليه، وجاء عبد الرحمن بن العوام على رجليه، وأدرك عبيد الله فقتل. حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن سلام، عن يزيد بن عياض قال: أهدى حكيم بن حزام للنبي صلى الله عليه وسلم في الهدنة التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، حلة ذي يزن، اشتراها بثلاثمئة دينار، فردها عليه رسول الله وقال: إني لا أقبل هدية مشرك. فباعها حكيم، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من اشتراها له، فلبسها رسول الله، فلما رآه حكيم فيها قال: ما ينظُرُ الحُكَّام بالفَصْلِ بعد مَا ... بدَا سَابقٌ ذو غُرَّةٍ وحُجولِ فكساها رسول الله أسامة بن زيد بن حارثة، فرآها عليه حكيم فقال: بخ بخ يا أسامة، عليك حلة ذي يزن! فقال له رسول الله: قل له: وما يمنعني
وأنا خير منه، وأبي خير من أبيه. حدثنا الزبير قال، وحدثني عبد الله بن معاذ الصنعاني، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن حكيم بن حزام قال قلت: يا رسول الله، أرأيت أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية، من صدقة وعتاقة وصلة رحم، هل فيها من أجر؟ قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أسلمت على ما سلف من خير. حدثنا الزبير قال، وحدثني حسين بن سعيد بن هاشم بن سعد، من بني قيس بن ثعلبة، قال، حدثني يحيى بن سعيد بن سالم القداح، عن أبيه، عن ابن جريج، عن عطاء قال: لا أحسبه إلا رفعه إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة قربه مكة في غزوة الفتح: إن بمكة أربعة نفر من قريش، أربأ بهم عن الشرك، وأرغب لهم في الإسلام. فقيل: ومن هم
رسول الله؟ قال: عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وسهيل بن عمرو. حدثنا الزبير قال، وأخبرني عمي: أن الإسلام جاء والرفادة والندوة في يد حكيم بن حزام. وكان حكيم إذا حلف حيث أسلم يقول: لا والذي نجاني يوم بدرٍ. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال، سمعت مصعب بن عثمان أو غيره من أصحابنا يذكر، عن عروة بن الزبير قال: لما قتل الزبير يوم الجمل، جعل الناس يلقوننا بما نكره، ونسمع منهم الأذى، فقلت لأخي المنذر: أنطلق بنا إلى حكيم بن حزام حتى نسأله عن مثالب قريش، فنلقى من يشتمنا بما نعرف. فانطلقا حتى ندخل عليه داره، فذكرنا ذلك له، فقال لغلام له، أغلق باب الدار. ثم قام إلى سوط راحلته، فجهل يضربنا ونلوذ منه، حتى قضى بعض ما يريد، ثم قال: أعندي تلتمسان معايب قريش؟ ايتدعا في قومكما، يكف عنكما ما تكرهان. فانتفعنا بأدبه.
حدثنا الزبير قال، قال عمي مصعب بن عبد الله: وسمعت أبي يقول: قال عبد الله بن الزبير: قتل أبي وترك ديناً كثيراً، فأتيت حكيم بن حزام أستعين برأيه وأستشيره، فوجدته في سوق الظهر، معه بعير آخذاً بخطامه يدور به في نواحي السوق، فسلمت عليه وأخبرته ما جئت له، فقال: البث على حتى أبيع بعيري هذا. فطاف وطفت معه، حتى إني لأضع ردائي على رأسي من الشمس. ثم أتاه رجل فأربحه فيه درهماً، فقال: هو لك. وأخذ منه الدرهم، فلم أملك أن قلت له: حبستني ونفسك ندور في الشمس منذ اليوم من أجل درهم! فوددت أني غرمت دراهم كثيرة ولم تبلغ هذا من نفسك! فلم يكلمني. وخرجت معه نحو منزله، حتى أنتهى إلى هدم بالزوراء فيه عُجَيِّزٌ من العرب، فدنا إليها فأعطاها ذلك الدرهم، ثم أقبل عليّ فقال: يا ابن أخي، غني غدوت اليوم إلى السوق، فرأيت مكان هذه العجوز، فجعلت لله على أن لا أربح اليوم شيئاً إلا أعطيتها إياه، فلو ربحت كذا وكذا لدفعته إليها، وكرهت أن أنصرف حتى أصيب لها شيئاًن فكان هذا الدرهم الذي رزقت. قال فلما صرنا إلى المنزل، دعا بطعامه، فأكل وأكلت معه، حتى إذا فرغ أقبل عليّ فقال: يا أبن أخي، ذكرت دين أبيك، فإن كان ترك مئة ألف فعلى نصفها. قلت: ترك أكثر من ذلك. قال: فإن كان ترك مئتي ألف فعلى نصفها. قلت: ترك أكثر من ذلك. قال: فأن كان ترك ثلاثمئة ألف فعلي نصفها. قلت: ترك أكثر من ذلك قال: لله أنت، كم ترك أبوك؟ فأخبرته
أحسب أنه قال: ألفي ألف درهم قال: ما أراد أبوك إلا أن يتركنا عالة؟ قال قلت له: إنه قد ترك وفاء وأموالاً كثيرة، وإنما جئت أستشيرك فيها، منها سبعمئة ألف درهم لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وللزبير معه شرك أرض بالغابة. قال: فأعمد لعبد الله بن جعفر فقاسمه، وإن سامك قبل المقاسمة فلا تبعه، ثم أعرض عليه، فإن اشترى منك فبعه. فخرجت حتى جئت عبد الله ابن جعفر فقلت له: قاسمني الحق الذي معك. قال: أو أشتريه منك؟ قلت: لا، حتى تقاسمني. قال: فموعدك غداً هنالك بالغداة. قال: فغدوت فوجدته قد سبقني، ووضع سفرة فهو يأكل هو وأصحابه، قال: الغداء. قلت: المقاسمة قبل. قال: فأمسك يده ثم قال: قل ما شئت. قال قلت: إن شئت فأقتسم وأختار، وإن شئت قسمت واخترت. قال: هما لك جميعاً. قال: فقمت إلى الأرض فصدعتها نصفين، ثم قلت: هذا لي، وهذا لك. قال: هو كذلك. قال قلت: اشتر مني إن أحببت. قال: قد كان لي على أبي عبد الله شيء، وهو سبعمئة ألف درهم، وقد أخذتها منك بها. قال قلت: هي لك. قال: هلم إلى الغداء. فجلست فتغديت، ثم انصرفت وقد قضيته. قال: وبعث معاوية إلى عبد الله ابن جعفر، فأشترى منه ذلك الحق كله بألفي ألف درهم. حدثنا الزبير قال، وحدثني إبراهيم بن المنذر، عن الواقدي قال،
حدثني معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، وعروة بن الزبير، عن حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حكيم، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى. فقال حكيم: فلا والذي بعثك بالحق، لا أرزا أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا. فكان أبو بكر يدعو حكيماً ليعطيه، فيأبى يقبل منه شيئاً، فيقول: إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم: أني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبى. ثم كان عمر ذلك. فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى توفي.
حدثنا الزبير قال، وحدثني إبراهيم بن المنذر، عن الواقدي، عن مصعب بن ثابت، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اليد العليا خير من اليد السفلى، وليبدأ أحدكم بمن يعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله. حدثنا الزبير قال، وحدثني عن الواقدي، عن الضحاك بن عثمان، عن أهل قال، قال حكيم بن حزام: كنت أعالج البر في الجاهلية، وكنت رجلاً تاجراً أخرج إلى اليمن وإلى الشأم في الرحلتين، فكنت أربح أرباحاً كثيرة، فأعود على فقراء قومي، ونحن لا نعبد شيئاً، نريد بذلك ثراء الأموال، والمحبة في العشيرة، وكنت أحضر الأسواق، وكانت لنا ثلاث أسواق: سوق بعكاظ، تقوم صبح هلال ذي القعدة، فتقوم عشرين يوماً ويحضره العرب، وبه ابتعن زيد بن حارثة لعمتي خديجة بنت خويلد، وهو يومئذ غلام فأخذته بستمئة درهم. فلما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة، سألها زيداً فوهبته له، فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبه ابتعت حلة ذي يزن، كسوتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أحداً قط أجمل ولا أحسن من رسول الله في تلك الحلة.
ويقال إن حكيم بن حزام قدم بالحلة في هدنة الحديبية، وهو يريد الشأم، في عير، فأرسل بالحلة إلى رسول الله، فأبى رسول الله أن يقبلها، وقال: لا أقبل هدية مشرك. قال حكيم: فجزعت جزعاً شديداً حيث رد هديتي، فبعتها بسوق النبط من أول سائم سامني. ودس رسول الله إليها زيد بن حارثة فاشتراها، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها بعد. وكان سوق مَجَنَّةَ يقوم عشرة أيام، حتى إذا رأينا هلال ذي الحجة انصرفنا وانتهينا إلى سوق ذي المجاز، فقام ثمانية أيام. وكل هذه الأسواق ألقى بها رسول الله في المواسم يستعرض القبائل قبيلة قبيلة، يدعوهم إلى الله، فما أرى أحداً يستجيب له، وأسرته أشد قبيلة عليه، حتى بعث ربه عز وجل قوماً أراد بهم كرامته، هذا الحي من الأنصار، فبايعوه وصدقوا به، وآمنوا به، وبذلوا أنفسهم وأموالهم. فجعل الله له دار هجرة ملجأ. وسبق من سبق إليه، فالحمد لله الذي أكرم محمداً بالنبوة. فلما حج معاوية سامني بداري بمكة، فبعتها منه بأربعين ألف دينار، فبلغني أن ابن الزبير يقول: ما يدري هذا الشيخ ما باع، لنرُدَّنَّ عليه بيعه! فقلت: والله ما بعتها إلا بِزِقٍ من خمر. ولقد وصلت الرحم، وحملت الكل،
وأعطيت في السبيل. فكان حكيم بن حزام يشتري الظهر والأداة والزاد، ثم لا يجيئه أحد يستحمله في السبيل إلا حمله. قال: فبينا هو يوماً في المسجد جالس، جاء رجل من أهل اليمن يطلب حملاناً، يريد الجهاد. قال: فدل على حكيم. قال: فجلس إليه فقال: إني رجل بعيد الشقة، وقد أردت الجهاد، فدلك عليك لتحمل رجلتي، وتعينني على ضعفي. قال: اجلس. فلما أمكنته الشمس وارتفعت، ركع ركعات. قال: ثم انصرف، وأومأ إلى اليماني فتبعه. قال: فجعل كلما مر بصوفة أو خرقة أو شملة نفضها وأخذها، فقلت: والله ما زاد الذي دلني على هذا، على أن لعب بي، أي شيء عند هذا من الخير بعد ما أرى؟ قال: فدخل داره فألقى الصوفة مع الصوف، والخرقة مع الخرق، والشملة مع الشمل. قال: ثم قال لغلام له: هات لي بعيراً ذلولاً. قال: فأتى به ذلولاً موقعاً سميناً. قال: ثم دعا بجهاز فشد على البعير، ثم دعا بخطام فخطمه،
ثم قال: هل من جُوَاَلَقيْنِ؟ فأتيت بجوالقين، فأمر لي بدقيق وسويق وعكة من زيت، وقال: أنظر ملحاً وجراباً من تمر. حتى إذا لم يبق مما يحتاج إليه مسافر إلا أعطانيه، وكساني، ثم دعا بخمسة دنانير فدفعها إليّ فقال: هذه للطريق. قال: فخرجت من عنده. وكان هذا فعل حكيم. وكان معاوية عام حج، مر به وهو ابن عشرين ومئة سنة، فأرسل إليه يشرب من لبنها، وذلك بعد أن سأله: أي الطعام تأكل؟ فقال: أما مضغ فلا مضغ بي. فأرسل إليه بلقوحٍ، وأرسل إليه بصلة، فأبى أن يقبلها وقال: لم آخذ من أحد قط بعد النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، قد دعاني أبو بكر وعمر إلى حقي فأبيت أن آخذه، وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الدنيا خضرة حلوة، فمن أخذها بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذها بإشراف نفس لم يبارك له فيه. فقلت يومئذ: لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً أبداً.
قال: وكنت رجلاً مجدوداً في التجارة، ما بعت شيئاً قط إلا رحت فيه، ولقد كانت قريش تبعث بالأموال وأبعث بمالي، فلربما دعاني بعضهم إلى أن يخالطني بنفقته، يريد الجد في مالي، وذلك أني كنت كل ما ربحت تحنثت به أو بعامته، أريد بذلك ثراء المال والمحبة في العشيرة. حدثنا الزبير قال، قال الواقدي، وحدثني بعض ولد حكيم قال: كان حكيم رجلاً تاجراً لا يدع سوقاً بمكة ولا تهامة إلا حضرة، وكان يقول: كان بتهامة أسواق، أعظمها سوق حباشة، وكنت أحضره. وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حضر، واشتريت منه بزا من بز تهامة، وقدمت به مكة، فذلك حين أرسلت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تدعوه إلى أن يخرج لها في تجارة إلى سوق حباشة، وبعثت معه غلامها ميسرة، فخرجا فأبتاعا بزا من بز الجند وغيره مما فيها من التجارة، ورجعا إلى مكة، فربحا ربحاً حسناً. وكانت سوقاً تقوم ثمانية أيام.
حدثنا الزبير قال، وحدثني أحمد بن سلمان قال، حدثني سعيد بن عامر قال: حدثنا جويرية بن أسماء، عن نافع مولى عبد الله بن عمر قال: مر حكيم بن حزام بعد ما أسن بشابين، فقال أحدهما لصاحبه: أذهب بنا نتخرف بهذا الشيخ. فقال له صاحبه: وما تريد إلى شيخ قريش وسيدها؟ فعصاه، فقال له: ما بقي أبعد عقلك؟ قال: بقي أبعد عقلي أني رأيت أباك قينا يضرب الحديد بمكة. قال: فرجع إلى صاحبه وقد تغير وجهه، فقال له: قد نهيتك. قال: قال نافع: وكان حكيم لا يتهم على ما قال. حدثنا الزبير قال، وحدثني أحمد بن سلمان قال، حدثني سعيد بن عياش العجيفي، ابن أخت جويرية بن أسماء قال: سمعت محمد بن الليث يحدث عن بعض المدنيين قال: كان حكيم بن حزام يقيم عشية عرفة مئة بدنة ومئة رقبة، فيعتق الرقاب عشية عرفة، وينحر البدن يوم النحر. قال: وكان يطوف بالبيت فيقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نعم الرب
والإله، أحبه وأخشاه. وكان حكيم بن حزام بعد أن أسلم إذا حلف بيمين قال: لا والذي نجاني يوم بدر. حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن فضالة، عن عبد الله بن زياد بن سمعان، عن ابن شهاب قال: كان حكيم بن حزام من المطعمين حيث خرج المشركون إلى بدر. حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان ومحمد بن الضحاك ابن عثمان الحزامي، عن أبيه، ومن شئت من مشيخة قريش: أن عمر بن الخطاب لما هم بفرض العطاء، شاور المهاجرين فيه، فرأوا ما رأى من ذلك صواباً. ثم شاور الأنصار، فرأوا ما رأى إخوانهم من المهاجرين في ذلك. ثم شاور مسلمة الفتح، فلم يخالفوا رأي المهاجرين والأنصار، إلا حكيم بن حزام فإنه قال لعمر بن الخطاب: إن قريشاً أهل تجارة، ومتى فرضت لهم العطاء، خشيت أن ياتكلوا عليه فيدعوا التجارة، فيأتي بعدك من يحبس عنهم العطاء وقد خرجت منهم التجارة. فكان ذلك كما قال. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال، حدثني
أبي قال: كان حكيم بن حزام لا يأكل طعاماً وحده، إذا أتى بطعامه قدرهن فإن كان يكفي اثنين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك قال: ادع لي من أيتام قريش واحداً أو اثنين، على قدر طعامه. فكان له إنسان يخدمه، فضجر عليه يوماً، فدخل المسجد الحرام، فجعل يقول للناس: ارتفعوا إلى أبي خالد. فتقوض الناس عليه، فقال: مال الناس؟ قال فقيل: دعاهم عليك فلان. فصاح بغلمانه: هاتوا ذلك التمر. فألقيت بينهم جلال البرني، فلما أكلوا قال بعضهم: إدام يا أبا خالد. قال: إدامها فيها. حدثنا الزبير قال، حدثني محمد بن حسن قال، حدثني حماد بن موسى، عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال، حدثني جدي حكيم بن حزام: أن قريشاً أعطت هوازن حين اصطلحوا بعكاظ رهناً أربعين رجلاً من فتيان قريش. قال حكيم بن حزام: وكنت أحد الرهن، فلما رأت هوازن رهنهم في أيديهم، رغبوا في العفو، فأطلقوا الرهن، في حديث يطول. حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن الضحاك بن عثمان الحزامي قال، حدثني المنذر بن عبد الله، عن عبد الوهاب بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير: أن حكيم بن حزام اتى به مع أبي سفيان وبديل بن ورقاء إلى النبي صلى الله
عليه وسلم في الفتح، فأسلم حكيم، وصنع أعضاء بطبيخ بني أسد، ثم جمع بني أسد جميعاً فأطعمهم. فلما فرغوا قال: كيف تعلمونني لكم؟ قالوا: برا واصلاً. قال: فعزمت عليكم أن يبيت الليلة منكم بمكة أحد. قال: فلما أمسوا شدوا رحالهم ثم توجهوا إلى المدينة حتى حلوا بها. فهاجرت بنو أسد إلا بني زهير ابن الحارث بن أسد، كانت لهم دار مصقبة بالبينية، فرجعوا إليها. وأم حكيم بن حزام: فاختة بنت زهير بن الحارث. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال، حدثني لاضحاك بن عثمان الحزامي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن حكيم بن حزام قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إني أعتقت في الجاهلية مئة رقبة، وحملت على مئة بعير، تحنثت بها، وأعتقت في الإسلام مئة رقبة، وحملت على مئة بعير، فهل ترى لي في ذلك أجراً يا رسول الله؟ يعني ما فعل من ذلك في الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلمت على ما مضى لك. حدثنا الزبير قال، وحدثني يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري
عن عبد العزيز بن عمران، عن عثمان بن الضحاك قال: قال حكيم بن حزام لعمرو بن الزبير: أي بني، غني والله ما رأيت قوماً أصابوا رفعة حتى يصيبوها في مناكحهم، ولا أصابتهم من وضيعة حتى تصيبهم في مناكحهم. حدثنا الزبير قال، وأخبرني مصعب بن عثمان قال: سمعت المشيخة يقولون: لم يدخل دار الندوة للرأي أحد حتى يبلغ أربعين سنة، إلا حكيم بن حزام، فإنه دخلها للرأي وهو ابن خمس عشرة سنة. وهو أحد النفر الذين حملوا عثمان بن عفان رحمه الله ودفنوه ليلاً. وكان حكيم بن حزام آدم شديد الأدمة، خفيف اللحم. ولد قبل الفيل باثنتي عشرة سنة.
ومن
حدثنا الزبير قال، وحدثني إبراهيم بن المنذر، عن سفيان بن حمزة الأسلمي قال، حدثني كثير بن زيد مولى الأسلميين، عن عثمان بن سليمان ابن أبي حثمة قال: كبر حكيم بن حزام حتى ذهب بصره، ثم أشتكى فاشتد وجعه، فقلت: والله لأحضرنه اليوم فلأنظرن ما يتكلم به عند الموت. فإذا هو يهمهم، فأصغيت ليه، فإذا هو يقول: لا إله إلا أنت أحبك وأخشاك. فلم تزل كلمته حتى مات. ومن ولد حكيم بن حزام هشام بن حكيم، صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه من بني فراس بن غنم. وكان له فضل، وكان ممن يأمر بالمعروف وينهى
ومن ولد حكيم بن حزام:
عن المنكر. وكان عمر بن الخطاب رحمه الله إذا أنكر الشيء قال: لا يكون هذا ما عشت أنا وهشام بن حكيم. ومات هشام قبل أبيه. ومن ولد حكيم بن حزام: عبد الله بن حكيم، قتل يوم الجمل.
وأمه: زينب بنت العوام بن خويلد. فقالت أمه زينب ترثيه: أعينيَّ جُوداَ بالدُّمُوع وأسرِعَا ... على رجُلٍ طَلْقِِ اليَدَيْنِ كريمِ زُبَيراً وعبدَ الله ندعُو لحادثٍ ... وذِي خَلَّةٍ مّنا وحَمْلِ يَتِيمِ قَتَلْتُمْ حواريَّ النبيَّ وصِهْرَهُ ... وصاحبَهُ فاستبشروا بَجحيم وقد هدّني قَتْلُ ابن عفَّانَ قبلَهُ ... وجَادَت عليه عَبْرَتي بسُجُومِ وأيقنْتُ أن الدينَ أصبَحَ مُدْبراً ... فكيف نُصَلِّي بعدهُ ونَصُومُ
فكيفَ بنَا أمْ كَيف بالدين بعدَمَا ... أصيبَ ابن أرْوَى وابنُ أمِّ حكِيمِ وعَّطشتُمُ عثمانَ في جَوْفِ دارِهِ ... شَرِبتُمْ بشُرْبِ الهيمِ شَوْبَ حَمِيمِ وورث حكيماً ابن ابنه: عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام. وأم عثمان بن عبد الله بن حكيم: سارة بنت الضحاك بن سفيان ابن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب. والضحاك بن سفيان، الذي شهد عند عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته، وكان أشيم قتل خطأ، فقضى بذلك عمر بن الخطاب.
وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية استعمله عليهم، فيهم عباس بن مرداس، فقال عباس:
يا خاتَمَ الأنْبيَاء إنّكَ مُرْسَلٌ ... بالحقِّ كُلُّ هُدَى النبيِّ هُدَاكَا وُضِعتْ عليك من الإلهِ مَحبَّةٌ ... وعِبَادَةٌ ومحمّداً أسماكاَ إنّ الذينَ وَفَوْا بما عاهدتَهُمْ ... جَيْشٌ بَعَثْتَ عليهم الضَّحَّاكاَ
أمَّرْتَهُ ذَرِبَ السِّنان كأنّه ... لما تكَّنَفُه العَدُوُّ يَرَاكَا طَوْراً يُعانِقُ باليَدَينِ وتَارةً ... يَفْرِي الجَمَاجِمَ صارماً بتَّاكَا حدثنا الزبير قال، وحدثتني ظمياء بنت عبد العزيز بن موالة ابن كثيف الضبابية، عن أبيها، عن جدها موالة بن كثيف: أن الضحاك
ابن سفيان الكلابي، كان سيافاً للنبي صلى الله عليه وسلم قائماً على رأسه متوحشاً سيفه. وكانت بنو سليم في تسعمئة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لكم في رجل يعدل مئة يوفيكم ألفا؟ فوفاهم بالضحاك بن سفيان، وكان رئيسهم. فلما أقبلوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعباس بن مرداس: مال قومي كذا؟ يريد: تقتلهم، ولقومك كذا؟ يريد: تدفع عنهم. فقال عباس: نذودُ أذَانا عن أخينَا، ولو نَرَى ... مَهَزًّا لَكُنَّا الأقْرَبينَ نُتَابِعُ نُبَايِعُ بينَ الأخْشبينِ وإنّما ... يَدَ الله بَيْنَ الأخْشَبينِ نُبَايِعُ عَشِيَّةَ ضحَّاكُ بن سفيان مُعْتَصٍ ... بسَيْفِ رَسُول الله والمَوْتُ كانِعُ
وكان عثمان بن عبد الله بن حكيم من سادات قريش وأشرافها. وكان مع عبد الله بن الزبير في حربه، فقتل في الحصار الأول. حدثنا الزبير قال، وأخبرني محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه الضحاك بن عثمان قال: كان المنذر بن الزبير، وعثمان بن عبد الله بن حكيم في حرب ابن الزبير في الحصار الأول، يقاتلان أهل الشأم بالنهار، ويضيفانهم بالليل. وله يقول أبو دهبل الجمحي يرثيه: أتاركةٌ غَدْواً قريشٌ سَرَاتَها ... وسادتِها عند المَقَام تُذَبَّحُ وهُمْ عُوَّذٌ بالله جِيرانُ بَيْتِهِ ... مَخافَةَ يوم أن يُبَاحُوا ويُفْضَحُوا
ومن
وشَدُّوا عليهم بين ذلك شَدَّةً ... فسَالَ بهم رَدْمٌ حَرَامٌ وابْطَحُ فألفَوْا رجالاً قُعَّداً تحت بَيْضِهمْ ... ألا تَحْتَ ذاك البَيْضِ مَوْتٌ مُصَرَّحُ ونِعْمَ ابنُ أختِ القوم عُثْمان في الوَغَى ... إذا الحَرْبُ أبْدَتْ نَابَهَا وهي تَكْلَحُ هو التاركُ المالَ النفيسَ حَمِيَّةً ... ولَلْمَوْتُ من بَعْضِ المعيشَةِ أرْوَحُ وجادَ بنَفْسٍ لا يُجَادُ بمِثْلِها ... لَهَا، لو أقرَّتْ خَزْيَةً، مُتَزَحْزَحُ ومن ولد عثمان بن عبد الله بن حكيم عبد الله، وسعيد، انقرض إلا من قبل النساء وأمهما: رملة بنت الزبير بن العوام، أخت مصعب وحمزة ابني الزبير لأبيهما وأمهما. حدثنا الزبير قال، وحدثني أبو الحسن المدائني، وغيره من مشايخ قريش من أهل المدينة: أن سكينة بنت الحسين توهمت على عبد الله بن عثمان
ابن عبد الله بن حكيم، وهي زوجته، أن يكون طلقها، فاستعدت عليه. فدخلت رملة بنت الزبير علي عبد الملك بن مروان، وكانت عند خالد ابن يزيد بن معاوية، فقالت له: يا أمير المؤمنين، إن سكينة بنت الحسين نشزت بابني عبد الله بن عثمان، ولولا أن نغلب على أمورنا ما كانت لنا حاجة بمن لا حاجة له بنا. فقال لها عبد الملك: يا رملة، إنها ابنة فاطمة! فقالت: نطحنا والله خيرهم، وأنكحنا والله خيرهم، وولدنا خيرهم. فقال لها عبد الملك: يا رملة غرني عروة منك. فقالت: لم يغررك، ولكنه نصحك، إنك قتلت مصعباً أخي، فلم يأمنى عليك. وكان عبد الملك أراد تزوجها، فقال له عروة: لا أرضى ذلك لك. حدثنا الزبير قال، وحدثني عثمان بن عبد الرحمن قال، أخبرني إبراهيم بن إبراهيم بن عثمان قال: كانت عند عبد الله بن عثمان بن عبد الله ابن حكيم، فاطمة بنت عبد الله بن الزبير، فلما خطب سكينة بنت الحسين
رحمة الله، أحلفته بطلاقها أن لا يؤثر عليها فاطمة بنت عبد الله، ثم أتهمته أن يكون آثرها. فاستعدت عليه هشام بن إسماعيل، وهو والي المدينة. فركب عبد الله بن عثمان رواحله وورد الشأم، فقام إليه خالد بن يزيد حيث رآه يعانقه، فدفع بيده كراهة أن يعانقه وعنده أمه. فدخلت رملة على عبد الملك، وكان من أمرها شبيه بالحديث الذي وصفت. فأمر له عبد الملك بالكتاب إلى هشام بن إسماعيل أن يحلفه عند المنبر: ما آثر فاطمة بنت عبد الله بن الزبير على سكينة بنت حسين، فإذا حلف ردها عليه. فقالت رملة لأبنها عبد الله: خذ كتابك وأنهض وأعجل. فقال لها خالد: مالك تعجلين ابني؟ فقالت: ما أردت به من خير فتنجز كتابه. قال: فتنجز الكتاب، وقدم به على هشام بن إسماعيل في الوقت الذي خرج فيه لصلاة الجمعة، فقال له: هذا كتاب أمير المؤمنين، فإن عصيته فأنا له أعصى. وقال له: اجمع القرشيين فأحضرهم الكتاب. فلما صلى الجمعة عند المنبر، وقرأ الكتاب، ثم أحلفه على ما أمره به عبد الملك. فلما حلف، أمر هشام بردها عليه، فقال لهشام وللقرشيين: البثوا. وأرسل إلى سكينة يقول لها: إنما كرهت أن أغلب على أمرى، فأما إذ صرت إلى الاقتدار عليه، فأمرك بيدك. فلم ينشبوا أن جاءته مولاة لها فقالت له: تقرئك سكينة بنت الحسين
السلام وتقول لك: ما ظننا أنا هنا عليك هذا الهوان؟ إنما تحلج في نفسي شيء، وخشيت المأثم، فأما إذ برئت من ذلك، فلا نؤثر عليك شيئاً. حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان قال: كان عبد الله ابن عثمان يشبه خاله مصعب بن الزبير. ولعبد الله بن عثمان يقول أبو دهبل الجمحي: قَضَتْ وَطَراً من أهلِ مكَّةَ ناقتِي ... سِوَى أمَلٍ في الماجِد ابنِ حِزامِ تَمَطَّتْ بِهِ بَيْضَاءُ فَرْعٌ نجِيبَةٌ ... هِجانٌ، وبعْضُ الوالداتِ غَرَامُ جَميلُ المُحَيَّا من قُرَيشٍ كأنّهُ ... هِلالٌ بَدَا من سُدْفَةٍ وظَلاَمِ فأكْرِمْ بنَسْلٍ منكَ بينَ محمّدٍ ... وبين علّىٍ فَاْسمَعنَّ كَلاَمِيَ وبينَ حكِيمٍ والزُّبيْرِ فلنْ تَرَى ... لهم شبَهاً في مُنْجِدٍ وتَهَامِ
فولدت سكينة بنت الحسين لعبد الله بن عثمان: عثمان بن عبد الله، ولقبته: قريناً وبذلك يعرف وحكيماً، وربيحة، تزوجها العباس بن لوليد بن عبد الملك. وقد انقرض ولد حكيم بن عبد الله بن عثمان. والبقية ولد سكينة بنت الحسين في ولد عثمان قرين بن عبد الله بن عثمان بن عبد الله. وولدت فاطمة بنت بد الله بن الزبير لعبد الله بن عثمان: يحيى وموسى، وفيهم بقية، وهم قليل يسكنون مكة.
ومن
ومن ولد حزام بن خويلد خالد بن حزام. حدثنا الزبير قال، وحدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي وحدثني عمي مصعب بن عبد الله، عن غير واحد من الحزاميين، وعن الواقدي، عن المغيرة ابن عبد الرحمن الحزامي، أبي عبد الرحمن بن المغيرة: أن خالد بن حزام خرج من مكة مهاجراً، فبلغ الزبير خبره، يسر بذلك. فمات خالد في الطريق، فأنزل الله عز وجل فيه: (ومَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إلىَ اللهِ ورَسُوِلهٍ ثم يُدْرِكْهُ المَوْتُ فقَدْ وَقَعَ أجْرُهُ عَلَى اللهِ) .
ومن ولد خالد بن حزام بن خوليد:
ومن ولد خالد بن حزام بن خوليد: ومن ولده: المغيرة بن عبد الله بن خالد، وكان شريفاً. وأمه أم ولد. استعمله عبد الله بن الزبير على ناحية من اليمن. ووفد عليه أبو دهبل الجمحي وقال له: يا ناقُ سِيرِي واشْرَقِي ... بدَمٍ إذا جئتِ المُغِيرَةْ سَيُثيبُني أخْرَى سِوَا ... كِ وتلكَ لِي منْهُ يَسِيرَهْ إن ابنَ عَبْدِ الله نِعْمَ فَتَى النَّدَى وابنُ العشيرَةْ حُلْوُ الحَلاَوةِ دَهْثَمٌ ... جَلْدُ القُوَى مُرُّ المرِيرَهْ
ولد المغيرة بن عبد الله
كفّاهُ كفَّا ماجدٍ ... حُرٍ سَحابَتُه مَطِيرَهْ تتَحلَّبَانِ نَدًى إذا ... ضَنَّتْ به النَّفْسُ العَسِيرهْ ومن ولد المغيرة بن عبد الله المنذر بن عبد الله بن المغيرة بن عبد الله بن خالد ابن حزام أمه من بني سليم وكان من سروات قريش وأهل الهدى والفضل. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب قال: أخبرني الفضل ابن الربيع قال: دعاه أمير المؤمنين المهدي إلى قضاء المدينة، فلم أر رجلاً قط كان أصح استعفاء منه، قال لأمير المؤمنين المهدي: إني كنت وليت ولاية، فخشيت أن لا أكون سلمت منها، فأعطيت الله عهداً أن لا ألِيَ ولاية أبداً، وأنا أعيذ أمير المؤمنين بالله ونفسي أن يحملني على أن أخيس بعهد الله. قال له المهدي: فو الله لقد أعطيت هذا من نفسك قبل أن أدعوك؟ قال: الله لقد أعطيت هذا
من نفسي قبل أن تدعوني. قال: فقد أعفيتك. حدثنا الزبير قال، وحدثني غير عمي من قريش قال: عرض عليه أمير المؤمنين المهدي مئة ألف درهم على أن يلي له القضاء، فاستعفاه، فقال له: لا أعفيك حتى تدلني على إنسان استقضيه. فدله على عبد الله بن محمد بن عمران، فاستقضاه. فحج تيك الأيام المنذر بن عبد الله وأبوه، فاكترى لأبيه إلى الحج، ولم يجد مايكتري لنفسه، فخرج ماشياً. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: كان المنذر بن عبد الله قد شخص إلى بغداد، وكان آخى إخواناً أهل فضل ويدن وأدب، يخرجون المخارج، ويكونون بالعقيق الأيام يجتمعون ويتحدثون، وبين ذلك خير كثير، وصلاة وذكر، وتنازع في العلم، فقال المنذر بن بعد الله يتطرب إليهم:
مَنْ مُبْلِغٌ عبدَ المَجِيدِ ودونَهُ ... مَسِيرةُ شهْرٍ أو تَزِيُد عَلَى شَهْرِ وعِمْرانَ والرَّهْطَ الذينَ تَرَكْتُهُمْ ... بطَيْبَةَ في الفَرْعِ المهذَّبِ منْ فِهْرِ وألاَّ فَهُمْ من مَعْشَرٍ قد بَلَوْتُهُمْ ... يزيدون طِيباً حينَ يُبْلَوْن بالخْبرِ بأنِّيَ لمّا شطَّتِ الدارُ بينَنا ... وأشفقْتُ أن لاَ نلتقِي آخرَ الدَّهْرِ ذكرتُكُمُ فاعتَادَني الشَّوقُ والأسَى ... وضَاقَ بما أضَمْرتُ من ذكركُمْ صَدْري وأعْجبَنِي أن لَمْ تَفِضْ عَيْنُ واحدٍ ... غَداةَ الوَداعِ من مُقِيمٍ ومن سَفْرِ كأنَّا عَلِمنا أنَّنَا سوف نَلْتَقي ... ولَسْتُ إخَالُ تَعْلَمُون ولا أدْرِي أآخِرُ عَهْدٍ بينَنا ذاكَ أم لنَا ... تَلاَقٍ عَلَى ما نَشْتَهي بَاقَيِ العَصْرِ فأقْسِمُ أنْساكُمْ ولوْ حالَ دونكُمْ ... من الأرْض غيطَانُ المُتَوِّهَة الغُبْرِ ولا مجلساً في قَصْرِ إسْحاق بينكُمْ ... تَنَازُعُنَا في مُحْكم الرَّأي والشَّعْرِ ولهوٌ من الَّلهْوِ الجَميل تزينُهُ ... خلائق أقْوامٍ عَفْفنَ عن الغَدْرِ وإبرازَهُم ذاتَ النفوسِ فما تَرَى ... لَهُمْ خُلُقاً يوماً يُدَنِّي ولا يُزْرِي
حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن بعد الله بن عبد الرحمن بن القاسم البكري قال: قال المنذر بن عبد الله الحزامي: حَلَفتُ بمنْ تُسَاقُ لَهُ الهَدَايَا ... مُقَلَّدَةَ النِّعَالِ ومُشْعَرَاتِ أأنسَى عيشَنَا ببُيوتِ يحيَى ... وقَاعِ قُرَيْقِرٍ حَتَّى المَمَاتِ ولا طِيبَ المُشاشِ ووَاديَيْهِ ... إذا ابتَطَحَا بصَوْبِ الغَادِياتِ لياليَ أمُّ عبد الله تُسْقَى ... وتَسْقِى من مُجَاجاتِ اللِّثَاتِ على ذاتِ السُّلَيْم ظَلِلْتَ تبكِي ... بأدُمعِ مُوجَعٍ مُتَبَادِرَاتِ حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن البكري قال: كتب إلى المنذر بن عبد الله بعض إخوانه يستدعيه إلى نزهة نحو العقيق، بعد
موت لمات من لماته: عمران بن موسى بن عمران بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق، وصالح بن محمد بن المسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ومحمد بن طلحة بن عمير بن طلحة بن عامر بن أبي وقاص، ومفتي بن عبد الله بن عنبسة بن سعيد بن العاص، وعبد المجيد بن علي الليثي، ومحبب المالكي، ومحمد بن صالح الأزرق البزاز مولى الفهريين، فقال المنذر بن عبد الله، وكتب بذلك إلى صديقه الذي كتب يستدعيه إلى نزهة: قُلْ للصَّدِيق الذي جاءتْ رسائِلُهُ ... وأعلمتْ كاتباً نحوِي وقِرْطاساَ يدعُو إلى نُزْهَةٍ قد كُنْتُ آلَفُها ... حتى عَدَا بينناَ ما فرَّقَ النَّاساَ مَوْتٌ تَخَوَّن إخوانِي فشتَّتَهُمْ ... فأصبحُوا فِرَقاً هَاماً وأرْمَاساَ ألفيتَنِي ذاهلاً أنِّي رُزِئْتُهُمُ ... بيضَ الوُجُوه ذوِي عزٍ وأنَّاساَ فلنْ تقَرّ بعيشٍ بعدَهُمْ أبداً ... عَيْني، وقَدْ شَرِبُوا بالْمَوْتِ أنفاساَ إلاّ التَغِرَّةَ نِسْياناً، فإنْ ذُكِرُوا ... هَاجَ ادِّكارُهُمُ للقَلْبِ وسْوَاساَ
ومن
وقال سعيد بن سليمان المساحقي، للمنذر بن عبد الله الحزامي: إذا غابَ عَنَّا مُنْذِرٌ صار أمرُنَا ... إلى أعَوجٍ لا تستقيمُ مَصَادرُةْ وإن كانَ فِيناَ حاضراً لاَمَ شَعْبَناَ ... كما ألّفَ العظْمَ الكَسيرَ جَبَائِرُهْ ومن ولد المنذر بن عبد الله إبراهيم بن المنذر. كان له علم بالحديث، ومروءة وقدر. وكان له أخوة فهلكوا. وأم بني المنذر: عبيدة بنت إبراهيم بن المطلب بن السائب بن أبي وداعة لاسهمي وأمها: فاطمة بنت مصعب بن عبد الرحمن بن عوف وأمها: أم عبد الله بنت لوط بن المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم.
ولد خالد بن حزام
ومن ولد خالد بن حزام الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حزام. روى عنه الحديث. وأمه من بني عامر بن ليث. وابن ابنه: الضحاك بن عثمان بن الضحاك بن عثمان.
وكان علامة قريش بالمدينة، بأخبارها وأشعارها وأيامها، وأشعار العرب وأيامها، وأحاديث الناس، وكان من أكبر أصحاب مالك بن أنس، هو وأبوه عثمان بن الضحاك، كانا جميعاً يجالسان مالك بن أنس. وكان ابنه محمد بن الضحاك. حدثنا الزبير قال، أخبرني بعض القرشيين: أن أحمد بن محمد ابن الضحاك جالس الواقدي يأخذ عنه عالم، فقال الواقدي: هذا الفتى خامس خمسة جالستهم وجالسوني على طلب العلم، هو كما ترون، وأبوه محمد بن الضحاك، وجده الضحاك بن عثمان، وعثمان بن الضحاك، والضحاك بن عثمان بن عبد الله ابن خالد بن حزام.
وكان عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، حين استعمله أمير المؤمنين هارون على اليمن، قد وجد الضحاك بن عثمان من المدينة خليفة له عليها، وأعطاه رزقه ألف دينار كل شهر إلى أن يقدم عليه، وكلم له أمير المؤمنين فأعانه على سفره بأربعين ألف درهم. وكان محمود السيرة. وقال باليمن: أقوُل لصاحِبي إذْ عِيلَ صَبْري ... وحَنَّ إلى الحِجازِ بَنَاتُ صَدْري لَعَمْركَ لَلْعَقِيقُ وما يَليهِ ... أحبُّ إليّ من ضِلَعٍ وضَهْرِ قال عمي مصعب: أحسب أول البيتين له، والآخر لغيره. ورواها جميعاً غير عمي له. ومات الضحاك بن عثمان بمكة منصرفة من اليمن يوم التروية، سنة ثمانين ومئة، بعد ما أقام باليمن سنة كاملة، عاملاً لعبد الله بن مصعب على أعمال من أعمالها. فقال المنذر بن عبد الله الحزامي يرثيه:
ومن ولد خالد بن حزام:
أعَيَنَّي اسْكُبَا غَلَبت عَزَائي ... حَرارةُ وَاهِنٍ بَطَنتْ حَشاَئيِ عَلَى الضَّحّاك أني أرَى قليلاً ... وقَد بَكَّى الحَمامُ، لَهُ بكائِي ولاَ تَسْتَبْقياَ دَمْعاً لِشَيْء ... لَعلَّ الدَّمَع يُبْرِدُ حَرَّ دائِي ومحمد بن الضحاك بن عثمان بن الضحاك بن عثمان أمه من بني عامر بن صعصعة. هلك شاباً، وقد ذكر وظهرت مرؤته، وخلف أباه في العلم والأدب. وكان ممدحاً. ومن ولد خالد بن حزام: المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد حزام، يقال له: " قصي ".
كان علاَّمةً مسنا، قد أدرك أبا الزناد، وروى عنه. وابنه: عبد الرحمن بن المغيرة. وكان من فقهاء أهل المدينة وولاه أبو البختري الشرط بالمدينة وأمه من بني عامر بن صعصعة.
ولد نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى
ومن ولد نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى الأسود بن نوفل بن خويلد، من مهاجرة الحبشة وأم الأسود: الفريعة ابنة عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي.
ومن ولد نوفل بن خويلد:
ومن ولد نوفل بن خويلد: وقد انقرض ولد نوفل بن خويلد.
ولد نوفل بن أسد بن عبد العزى
ومن ولد نوفل بن أسد بن عبد العزى ورقة، وصفوان أمهما: هند بنت أبي كبير بن عبد بن قصي. فأما ورقة، فلم يعقب. وكان قد كره عبادة الأوثان، فطلب الدين في الآفاق، وقرأ الكتب. وكانت خديجة بنت خويلد تسأله عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول لها: ما أراه إلا بني هذه الأمة الذي بشر به موسى وعيسى. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا ورقة، فإني أريته في ثياب بيض. وهو الذي يقول:
رَحَلتْ قُتَيْلةُ عِيرَهَا قبلَ الضُّحَى ... وإخالُ أنْ شَحَطتْ بْجارتِكَ النَّوَى أو كُلَّما رَحَلَتْ قُتَيْلةُ غُدْوةً ... وغدَتْ مُفارقةً لأرضِهمُ بَكَى ولقد رَكِبْتُ عَلَى السَّفينِ مُلَجِّجاً ... أذَرُ الصديقَ وأنْتَحِى دارَ العِدَى ولقد دخلتُ البيتَ يُخْشَى أهلُهُ ... بَعْدَ الهُدُوِّ وبعدَ ما سقطَ النَّدَى فوجدتُ فيه طَفْلَةً قَدْ زُيّنَتْ ... بالحَلْيِ تحسَبُهُ بها جَمْرَ الغَضَا فنَعِمْتُ بالاً إذ أتيتُ فرَاشَهَا ... وسَقَطْت منها حينَ جئتُ عَلَى هَوَى فبتلك لذّاتُ الشَّبابِ قَضَيتُهَا ... عنِّي فسائلْ بعضَهُمْ ماذا قَضَى قَدْحَ الذُّبابِ فليس يُورِي قَدْحُهُ ... لا حاجةً قضَّى ولا مالاً نَمَا
فأرفَعْ ضعيفَكَ لا يَحُلْ بك ضَعْفُهُ ... يَوْماً فَتُدْرِكَه العَواقبُ قد نَمَا يَجْزِيك أو يُثْنِي عليكَ وإنَّ مَنْ ... أثنْى عليك بما فَعَلْتَ كَمَنْ جَزَى حدثنا الزبير قال، وحدثني عبد الله بن معاذ الصنعاني، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ورقة بن نوفل كما بلغنا فقال: قد رأيته في المنام عليه ثياب بيض، فقد أظن أن لو كان من أهل النار لم أر عليه البياض.
حدثنا الزبير قال، وحدثني عبد الله بن معاذ، عن معمر، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة: أن خديجة بنت خويلد انطلقت بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي بن قصي، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امرءًا تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب. وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك. قال ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال ورقة بن نوفل: هذا الناموس الذي انزل على موسى، يا ليتني فيها جذع أكون حيا حين يخرجك قومك. قال رسول الله: أو مخرجي هم؟ قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً. ثم لم ينشب ورقة أن توفى.
حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله، عن الضحاك ابن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال، قال عروة: كان بلال لجارية من بني جمح بن عمرو، وكانوا يعذبونه برمضاء مكة، يلصقون ظهره بالرمضاء ليشرك بالله، فيقول: أحَدٌ أحَدٌ. فيمر عليه ورقة بن نوفل وهو على ذلك فيقول: أحَدٌ أحَدٌ يا بلال، والله لئن قتلتموه لأتخذنه حناناً. كأنه يقول: لأتمسحن به.
قال: وقال ورقة في ذلك: لقَدْ نصحتُ لأقوامٍ وقلتُ لهُم ... أنا النّذِيرُ فلا يَغْرُرْكُمُ أحَدُ لا تَعْبُدُنَّ إلهاً غيرَ خَالِقِكُمْ ... فإنْ دَعَوْكُمْ فقُولُوا بَيْنَنَا حَدَدُ سُبْحَانَ ذِي العرْشِ سُبْحاناً يُعَادلُهُ ... ربُّ البَرِيّة فرْدٌ واحِدٌ صَمَدُ سُبْحانَهُ ثم سُبْحانه يَعُودُ لَهُ ... وقبلُ سَّبحَه الجُودِيُّ والجُمُدُ مُسَخَّرٌ كلُّ من تحت السماء لَهُ ... لا ينبغي أن يُسَاوِي مُلْكَهُ أحَدُ
لا شيءَ ممّا ترى إلاّ بَشاشتَهُ ... يبقَى الإلهُ ويفْنَى المالُ والولدُ لم تُغْنِ عَنْ هُرْمُزٍ يوماً خزائِنُهُ ... والخُلْدَ قد حاولتْ عادٌ فما خَلَدُوا ولا سليمانَ إذْ دَانَ الشُّعُوبُ لَهُ ... الإنْسُ والجنُّ تَجْرِيَ بَيْنها البُرُدُ حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال، حدثني الضحاك بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لأخي ورقة بن نوفل، عدي بن نوفل، أو لابن أخيه: أشعرت أني قد رأيت لورقة جنة، أو جنتين. يشك هشام. قال: قال عروة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب ورقة. حدثنا الزبير قال، حدثني عمي مصعب بن عبد الله قال، حدثني الضحاك بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن خديجة بنت خويلد كانت تأتي ورقة بما يخبراها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يأتيه، فيقول ورقة: والله لئن كان ما يقول، إنه ليأتيه الناموس الأكبر ناموس عيسى، الذي ما يخبره أهل الكتاب إلا بثمن، ولئن نطق
وأنا حي، لأبلين الله فيه بلاء حسناً. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله، عن الضحاك ابن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال، قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت: قال زيد بن عمرو: عَزَلْتُ الجِنَّ والجِنَّانَ عَنِّى ... كذلكَ يفْعَلُ الجَلْدُ الصَّبُورُ فلا العُزَّى أدِينُ ولاَ أبْنَتيْها ... ولا أطُمَىْ بَنِي طَسْمٍ أدِيرُ
ولا غَنْمًا أدِينْ وكان رَبَّا ... لنا في الدَّهر إذْ حِلْمي صَغِيرُ أرَبَّا واحداً أمْ ألف ربِ ... أدينُ إذا تُقُسِّمَتِ الأمورُ ألمْ تعْلَمْ بأن الله أفنَى ... رجالاً كان شَأنَهُمُ الفجُورُ وأبقَى آخَرين بِبِرِّ قَوْمٍ ... فَيَرْبُو مِنْهُمُ الطِفْلُ الصَّغيرُ وبيْنَا المرء يَعْثُرُ ثَابَ يَوْماً ... كما يَتَروَّحُ الغُصْنُ المَطيرُ
قال: فقال ورقة بن نوفل لزيد بن عمرو: رَشِدْتَ وأنْعَمْتَ ابنَ عمرو، وإنَّما ... تجنَّبْتَ تَنُّوراً من النّارِ حامياَ بدِينِك ربًّا ليسَ ربٌّ كمثلِهِ ... وتركِكَ جِنّانَ الخَبَالِ كما هِياَ أقُولُ إذا جاوَزْتُ أرضاً مَخُوفة ... حَنَا نَيْك لا تُظْهِر علىّ الأعادياَ حَنَانَيْك إن الجنَّ كانت رَجَاءَهم ... وأنْتَ إلهِي ربَّنَا ورَجَائياَ أدينُ لربٍ يستجيبُ ولا أرى ... أدينُ لمن لا يسْمَعُ الدَّهرَ دَاعياَ أقولُ إذا صَلَّيْتُ في كُلّ بِيعةٍ ... تباركتَ قد أكفَأتَ باسمك دَاعِياَ يقول: قد خلقت خلقاً كثيرا يدعون باسمك. وقال أيضاً يبكي عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزي، وكان سمه عمرو بن جفنة الغساني بالشأم، ولذلك حديث سيأتي في قصة عثمان ابن الحويرث إن شاء الله: ألاَ هَلَ أتَى ابنَتَي عُثْمان أن أباهُما ... حَانتْ مَنِيَّتهُ بِجَنْبِ الفَرْصَدِ رَكِبَ البَريدَ مُخاطِراً عنْ نَفْسِهِ ... مَيْتُ المَضِنَّةِ للبَريدِ المُقْصَدِ فلأبْكِيَنْ عثمانَ حَقَّ بُكَائِهِ ... ولأنشُدَنْ عَمْراً وإن لم يُنْشَدِ يريد: عمرو بن جفنة الغساني. وورقة الذي يقول: لِمَنِ الدْيارُ غَشِيتُهَا كالمُهْرَقِ ... قَدُمتْ وعَهْدُ جديدها لم يُخْلِقِ إنِّي يَرَاني الموُعِدِيّ كأننِي ... في الحِصْنِ من نَجْرانَ أو في الأبْلَقِِ في يَافِعٍ دُون السماء مُمَرَّدٍ ... صَعْبٍ تَزِلُّ به بَنَانُ المُرْتَقِى ويَصُدُّهُمْ عنّي بأنّيَ ماجدٌ ... حَسَبِي، وأصْدُقُهمْ إذا ما نَلْتَقِي وإذا عَفَوْتُ عَفَوْتُ عَفْواً بَيِّناً ... وإذا انْتَصَرْتُ بَلَغْتُ رَنْقَ المُسْتَقِى وله شعر كثير.
وصفوان بن نوفل بن أسد، ليس عقب إلا من بسرة بنت صفوان، وهي أم معوية بن المغيرة بن أبي العاص، جدة عائشة بنت معاوية. وعائشة هي أم عبد الملك بن مروان. وبشرة بنت صفوان هي التي حدث عنها مروان بن الحكم: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مَسِّ الذَّكَر الوضوء. وهي من المبايعات. وعدي بن نوفل بت أسد وأمه: أمية بنت جابر بن سفيان، أخت تأبط شراً الفهمي. قالت أم تأبط شراً ترثيه:
واأبتاه وابن الليل ليس بزميل شروب للقيل يضرب بالذيل كمقرب الخيل واإبناه ليس بعلفوف حُشْىَ من صوف تلفه هوف قال الزبير: العلفوف، الجافي. هوف، الريح. وقالت: وَيْلُ أمِّ طِرْفٍ قَتَلُوا بِرَخْمَانْ ... بِثَابتِ بنِ جَابرِ بنِ سُفْيَانْ
قال الزبير: وادر عدي بن نوفل بالبلاط، بين المسجد والسوق، وهي التي يعني إسماعيل بن يسار النساء حين يقول: إنّ مْمشَاكَ نحوَ دَارِ عَدِيّ ... كان للقلب شِقْوَةً وفُتُونَا إذْ تَراءَتْ على البَلاطِ فلمَّا ... واجَهتْنا كالشمس تُعْشِى العُيُونَا قال هارُونُ: قِفْ، فَياليت أنِّي ... كنتُ طاوعتُ سَاعةً هارُوناَ وقد رواها ناس لابن أبي ربيعة. وكان عدي بن نوفل والياً لعمر بن الخطاب، أو عثمان، على حضر موت. وكانت تحته أم عبد الله بنت أبي البختري بن هاشم بن الحارث ابن أسد بن عبد العزي. وكان يكتب إليها تشخص إليه فلا تفعل، فكتب إليها: إذَا مَا أمُّ عبدِ اللهِ لَمْ تَحْلُلْ بِوَادِيهِ ولم تُمْسِ قَرِيباً هَيَّج الحُزْنُ دَوَاعِيهِ
فقال لها أخوها الأسود بن أبي البختري، وهو وهي لعاتكة ابنة أمية ابن الحارث بن أسد بن عبد العزي: وقد بلغ الأمر هذا من ابن عمك؟ اشخصي إليه. وبقية ولد نوفل، من ولد الحصين بن عبيد الله بن نوفل بن عدي ابن نوفل بن أسد. ومنهم: محمد بن المطلب. كان الجُلودِيّ استخلفه على مكة.
ولد الحويرث بن أسد بن عبد العزى
ولد الحويرث بن أسد بن عبد العزى عثمان بن الحويرث، يقال له: البطريق، ولا عقب له والمطلب وأمهما: تماضر ابنة عمير بن أهيب بن حذافة بن جمح. حدثنا الزبير قال، حدثني علي بن صالح، عن هشام بن عروة، عن عروة بن الزبير قال: خرج عثمان بن الحويرث، وكان يطمع أن يملك قريشاً، وكان من أظرف قريش وأعقلها، حتى يقدم على قيصر، وقد رأى موضع حاجتهم إليه، ومتجرهم ببلاده. فذكر له مكة ورغبة فيها، وقال: تكون زيادة في ملكك كما ملك كسرى صنعاء. فملكة عليهم، وكتب له إليهم. فلما قدم عليهم قال: يا قومن إن قيصر من قد علمتم أمانكم ببلاده، وما تصيبون من التجارة في كنفه، وقد ملكني عليكم، وإنما أنا ابن عمكم وأحدكم، وإنما آخذ الجراب من القرظ، والعكة من السمن، والإهاب، فأجمع ذلك ثم أبعثه إليه، وأنا أخاف إن أبيتم ذلك أن يمنع منكم الشأم
فلا تتجروا به، ويقطع مرفقكم منه. فلما قال لهم ذلك خافوا قيصر، وأخذ بقلوبهم ما ذكر من متجرهم، فأجمعوا على أن يعقدوا على رأسه التاج عشية، وفارقوه على ذلك. فلما طافوا عشية، بعث الله عليه ابن عمه أبا زمعة الأسود بن المطلب بن أسد، فصاح على أحفل ما كانت قريش في الطواف: يآل عباد الله، ملك بتهامة!! فانحاشوا انحياش حمر الوحش، ثم قالوا: صدق واللات والعزى، ما كان بتهامة ملك قط. فانتقضت قريش عما كانت قالت له، ولحق بقيصر ليعلمه. حدثنا الزبير قال، وحدثني علي بن صالح، عن عامر بن صالح ابن عبد الله بن عروة بن الزبير، عن جعفر بن عبد الله بن عثمان بن عبيد الله ابن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد: أن قيصر حمل عثمان على بغلة عليها سرج عليه الذهب، حين ملكه.
حدثنا الزبير قال، حدثني محمد بن الضحاك بن عثمان الحزامي، عن أبيه قال: قال الأسود بن المطلب، حين أرادت قريش أن تملك عثمان بن الحويرث عليها: إن قريشاً لقاح لا تملك. فخرج عثمان بن الحويرث إلى قيصر ليملكه على قريش. فلكم تجار من تجار قريش بالشأم عمرو بن جفنة في عثمان ابن الحويرث، وسألوه أن يفسد عليه أمره. فكتب إلى ترجمان قيصر يحول كلام عثمان. فلما دخل عثمان على قيصر يكلمه قال للترجمان: ما قال؟ فقال: مجنون، يشتم الملك. فأراد قتله، وأمر به فدفع، إلى أن مر رجل من أصحاب الملك فتمثل ببيت شعر، فكلمه عثمان بن الحويرث وقال له: إني أرى لسانك عربيا، فممن أنت؟ فقال: رجل من بني أسد، وأنا أكره أن يدروا بنسبي. قال: فما دهاني عنده؟ قال: الترجمان، كتب إليه عمرو بن جفنة أن يحول كلامك. قال: فكيف الحيلة في أن تدخلني عليه مدخلاً واحداً، وخلاك ذم؟ فقال: أفعل. فأحتال له حتى دخل عليه، ودعا له قيصر الترجمان، فقال له عثمان: " إن أفجر الناس "، فأعلم ذلك الترجمان قيصر. قال: " وأغدر الناس "، فأعلمه الترجمان أيضاً قيصر، قال: " وأكذب الناس "، فذكر ذلك الترجمان لقيصر، ثم أهوى فتشبت بالترجمان، فقال قيصر: إن له لقصة، فادعوا لي ترجماناً آخر. فدعوه له، فأفهمه قصته، فعاقب قيصر الترجمان الأول، وكتب لعثمان ابن الحويرث إلى عمرو بن جفنة أن يحبس له من أراد حبسة من تجار قريش.
فقدم على ابن جفنة، فوجد بالشأم أبا أحيحة سعيد بن العاص، وابن أخته أبا ذيب، فحبسهما، فمات أبو ذيب في الحبس. وسم عمرو بن جفنة عثمان بن الحويرث، فمات بالشأم، فذلك حيث يقول ورقة بن نوفل: هَلَ أتَى ابنتي عُثْمان أنّ أباُهمَا ... حانتْ مَنِيَّتُهُ بجَنْبِ الفرصَدِ الأبيات التي كتبناها قبل هذا. وأجمع رهط من بني عبد شمس أن يفتدوا سعيد بن العاص بمال يجمعونه. فقال لهم مسافر بن أبي عمرو: لا تفتدوا رجلاً فانياً واحداً بهذا المال، وزوجوا به فتياناً من فتيانكم، يولد لبعضهم مثله. فعصوه وافتدوه. فقال في ذلك سعيد بن العاص: يا راكباً إمَّا عرِضْتَ فَبّلغاً قَومي بَرِيدَا عُثْمانَ أو عَفّانَ أو أبْلغ مُغَلْغَلةً أسِيدَا فلأمْدَحَنّ الوَافدين بِمِدْحةٍ تأتي سَرُودَا
حَسَناً دَوابِرُها، أحَبِّرُها فَتَحْسَبُها بُرُودَا قال الزبير: دوابرها عواقبها. وكان بين سعيد وبين مسافر ذلك من الشعر ما أكره ذكره. قال محمد بن الضحاك، عن أبيه في سياق الحديث: فلما قدم سعيد بن العاص أغرى بني عامر ببني أسد، وقال: اطلبوهم بدم أبي ذيب. ورهنهم ابنه أباناً. حدثنا الزبير قال، فحدثني عمي مصعب بن عبد الله، وأنشدني أبيات سعيد بن العاص هذا. قال: وقال سعيد بن العاص وهو محبوس، قبل موت أبي ذيب، واسم أبي ذيب: هشام: قَوْمِي وقومُكَ يا هشامُ قَدَ اجْمَعُوا ... تَرْكِي وتركَكَ آخِرَ الأعْصَارِ
قال: وكان مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس، قد خذل عن سعيد ابن العاص، وقال للذين خرجوا في طلبه: لو قسمتم ما تنفقون في صداق عدة من فتيان بني أمية، أوشكتم أن تروا فيكم مثل سعيد رجالاً كثيراً. فأمسك بعضهم عن الخروج. حدثنا الزبير قال، قال عمي مصعب بن عبد الله: وكان عثمان ابن الحويرث حيث قدم مكة بكتاب قيصر مختوماً في أسفله بالذهب، همت قريش أن تدين له، فصاح أبو زمعة الأسود بن المطلب بن
أسد، والناس في الطواف: إن قريشاً لقاح، لا تَمْلِكٌ ولا تُمْلَك. فانشقت قريش على كلامه، ومنعوا عثمان ما جاء يطلب، وهو حيث رجع إلى قيصر. وكان ممن رحل فيه، أبو أمية بن المغيرة المخزومي، قال. فلما قدم أبو أحيحة مكة، جعل يحرض على بني أسد، ويغري بهم بني عامر وبني أمية في دم أبي ذيب. وكانت أم أبي ذيب: أم حبيب ابنة العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. فقال أبو العاص بن أمية بن
عبد شمس، أو غيره: أنَّي أعَادِي مَعْشراً كَانُوا لنَا حِصْناً حَصِينَا خُلِقُوا مع الجْوزاء إذ خُلْقُوا ووالدُهُمُ أبونَا أبِلْغ لدْيك بَنِي أميّةَ آيةً نُصْحًا مُبِينَا أنَّا خُلِقْنَا مُصْلِحينَ وما خُلِقْنَا مُفْسِدِينَا فأمسكت بنو أمية عن بني أسد، ورهن أبو أحيحة ابنه أبان بن سعيد ببني عامر، ليحقق بذلك على بني أسد دم أبي ذيب، لأن دعوة بني قصي يومئذ واحدة، والعقل عليهم جميعاً، فقال أبو زمعة الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزي: ألاَ مَنْ مُبلغٌ عَنِّي سعِيداً ... رَسُولاً والرسُولُ من التَّلاقِي بماذا قُلْتَ تَرْهنُهُم أباناً ... بلاَ حَقٍ لَدَيّ ولا حِقَاقِ فنحنُ البِيضُ أشَبَهْنَا قُصَيًّا ... وأنْتُم شِبْهُ أسْتَاهِ الزِّقَاقِ فقامت بنو عامر بن لؤي على بني أسد، فقال أبو زمعة: والله لا أعْطِيكِ حِسْلُ سَهْمَا وإن تجنَّيْتِ عَلَىَّ الظلْمَا وإن غَضِبْتِ لأزِيدَنْ رَغْمَا فقال لهم بنو عامر: فاحلفوا لنا. فقال لهم أبو زمعة:
يَا حِسْلُ حِسْلَ عامِرٍ لا تَجْهَليِ إن تَسْأليِ أيْمانَنا لا نَفْعَلِ أو تَبْذُلي أيمانكُمْ لا نَقْبَلِ وجعلت بنو عامر تجمع لبني أسد، فقال أبو زمعة: سيَكفِيني الوليدُ أبا لُبَيْدٍ ... ويكفي بَكرُهُ عَوْفَ بن دَهْرِ وأكفِى غير مكترِثٍ سُهَيْلاً ... ويكفي باطِلِي سهلَ بن عَمْرِو
ألم ترَ أنَّنا مِنْ ذِي قِذَافٍ ... نَسِيلُ كأنَّنَا دُفّاعُ بَحْرِ ونَلبَسُ للعَدُوّ جُلُودَ أسْدِ ... إذا نلقاهُمُ وجُلودَ نُمْرِ فأتى الإسلام، ووقعت الحرب بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، فشغلتهم عن ذلك. وعثمان بن الحويرث الذي يقول: ظُلِمتُ فلم يَغْضَبْ عَدِيٌّ ونوفَلٌ ... وليسَ على أبِي هِشامٍ مُعَوَّلُ ويا لَيت حَظِّي من تُوَيْتٍ ونَصْرِهِ ... نَضِىٌّ إذا أرْمِي به لا يُعَضِّلُ " عدي " و " نوفل "، ابنا خويلد. و " أبو هشام "، حكيم بن
حزام، ابنه هشام. و " تويت "، بن حبيب بن أسد. حدثنا الزبير قال، وحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، عن زكريا ابن عيسى، عن ابن شهاب قال: أرسل معاوية إلى أهل القبائل من بطون قريش ليصلح بينهم، وأنهم لما قدموا على معاوية تذاكروا حقوقهم وطلباتهم، وأن عبد الله بن عباس بن علقمة كلمة فقال: أقِدْنا من عبد الرحمن بن خارجة بن
حذافة، فإنه قتل أبا سالم مولانا، وإنا لن نأخذ حقا دون دمه. وأن معاوية قال: ألا ترضى من مولاك بالعقل؟ إن شئت خليت بينك وبين ابن مطيع وخلفت أحد كما على الآخر. وأن عبد الله بن عباس بن علقمة لوى شدقه لمعاوية، فقال معاوية: أعلى تلوي شدقك لا أم لك؟ بم تعاديني؟ بجديين وبهمة! وقال معاوية، والتفت إلى القوم: أن قتيلاً من بني عامر بن لؤي! فقال سهيل: والله لا أرجل رأسي ولا يمسه غسل حتى نعطي حقنا هذا أو نكثر فيه الدماء. فقال أبو سفيان: والله لا يقضي فيه قضاء شهراً. فترك شهراً لا يقضي فيه، ثم تمثل معاوية أبيات أبي زمعة بن الأسود في القتيل أبي ذيب: يا حِسْلُ حِسْلَ عامرٍ لا تجهَليِ إن تَعْرِضوا أيمانكُم لا نَقْبَلِ أو تَسْألوا أيمانَنَا لا نَنْفُلِ حدثنا الزبير قال، وأخبرني محمد بن الضحاك قال: قال أبو زمعة
في ذلك لسهيل بن عمرو: أتَاني ذَرْء قولٍ عن سُهَيلٍ ... يؤرِّقًنِي وما بي منْ رُقادِ أسامِي الأكرمين بجُلِّ قومِي ... إذا أتّسَلَ الضعيفُ بغير زادِ فإن يكن العتابَ بَغَيْثَ مِنّي ... فعاتِبْني فما بكَ من بِعادِ
وأما
أتُوعِدُنِي وعبدُ مَنافَ حَوْلِي ... ومخزومٌ، ألَهْفَ! بمنْ تُعَادِي وقد منعوا الظّواهِرَ غير شكٍ ... إلى جَنْب البواطِنِ فالعَوَادي بكلّ طُوَالةٍ وبكُلّ نَهْدٍ ... ضوامَر قد طُوِينَ من الطِّرَادِ لنا بالخَيْفِ قد علمتْ مَعَدٌّ ... رِوَاقُ المجدِ يُرْفَعُ بالعِمَادِ وأما المطلب بن الحويرث، فله بنت، وهي أم عبد الرحمن بن عبيد الله بن شيبة بن ربيعة بن عبد شمس
حبيب بن أسد بن عبد العزى
وأما حبيب بن أسد بن عبد العزى فله: تويت بن حبيب وأمه: الصعبة بنت خالد ابن صعل، خلف عليها بعد أبيه. وبقية آل تويت بمصر. وكان منهم: عطاء بن تويت، الذي يقال له: " ابن السوداء ". كان له جلد ولسان.
والحولاء بنت تويت، التي سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءتها من الليل، فسأل عنها فقيل: لا تنام. فكره ذلك وقال: اكلفوا من العمل ما تطيقون.
وأما
وأما الحارث بن أسد بن عبد العزى ففيهم عدد وبقية. ولزهير وهاشم ابني الحارث بن أسد، يقول ضرار بن الخطاب: لهاشمٍ وزُهَيْرٍ فَرْعُ مَكْرُمَةٍ ... بِحَيْثُ لاحَتْ نُجُوم الفَرْغِ والأسَدِ مُجاورُ البيتِ ذي الأركانِ بَيتُهما ... ما دُونَه في جِوارِ البَيْتِ من أحَدِ يريد دار أسد بن عبد العزي، وكانت تفي عليها الكعبة بالغدوات، وتفي على الكعبة بالعشى. وكان أحدهم يطوف بالبيت، فينقطع شسعه، فيرمي بنعله، فتقع في منزله، فتصلحها جارية وتخرج بها إليه. وكانت فيها دوحة ربما تعلقت بثياب بعض من يطاف بالبيت، فقال لهم عمر بن الخطاب: إن داركم هذه قد ضبنت الكعبة. فهدمها، وأعطاهم
ومن
ثمنها فأبوا أن يأخذوه، ووضعه في بيت المال. فلما طعن عمر قيل لهم: لمن تتركونه؟ فأخذوه. ومن حق ولد الحارث بن أسد، دار أن جعفر بنت أبي الفضل، هي مما كانوا باعوا. وأمها وأم إخوتهما: أمية، وعبد الله، وسفيان، بني الحارث: هند بنت عثمان بن عبد الدار بن قصي. حدثنا الزبير قال، وأخبرني غير واحد من مشيخة قريش، منهم: محمد بن الضحاك بن عثمان، ومصعب بن عثمان: أن زهير بن الحارث بن أسد، دفن في الحجر. وفي ذلك يقول ضرار بن الخطاب: مَا ضُمِّنَ الحِجْرَ ممّنْ قد مَضَى أحدٌ ... من البريّة لا فُصْحٌ ولا عَجَمُ
ولد زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى
بَعْدَ ابنِ آجَرَ أنَّ اللهَ فضّلَهُ ... إلاَّ زُهَيْراً له التَّفْضِيلُ والكَرَمُ ومن ولد زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى حميد. قال عمي مصعب بن عبد الله: زعم بعض أصحابنا أن الرفادة كانت في يده. وأم حكيم وخالد ابني حزام: فاختة بنت زهير بن الحارث، وهي أخت حميد لأمه. وأمهما: سلمى بنت عبد مناف بن عبد الدار بن قصي. وحميد بن زهير أول من رَبَّع بيتاً بمكة. كانت قريش تبنى
الآجام، وتكره أن تضاهي بناء البيت بالتربيع، ويخافون العقوبة في ذلك، حتى ربع حميد بن زهير داره، فجعلت رجاز قريش يرتجزون وهي تبنى: اليَوْمَ يُبْنَي لُحَمْيدٍ بَيْتُهْ إمّا حَيَاتُهُ وإمّا مَوْتُهْ فلما لم تصبه عقوبة، ربعت قريش منازلها. وقد روى يعض الناس هذين البيتين في دويد. ومن ولده: عبد الله بن حميد بن زهير، بارز علي بن أبي طالب يوم أحد، فقتله علي. والزبير بن عبيد الله بن حميد، كان من فصحاء قريش. وكان
ولد عبد الله بن حميد
له: " الطاهر ". ولد قبل وفاة أبي بكر الصديق بسبع ليال، ومات في ذي الحجة سنة سبع ومئة. ومن ولد عبد الله بن حميد عبيد الله بن أسامة بن عبد الله حميد، قتل مع ابن الزبير.
ومن ولد حميد:
وعبد الله بن معبد بن حميد، لا عقب له، قتل يوم الجمل وأمه: فاختة ابنة حكيم بن حزام. ومن ولد حميد: حفص بن عمر بن عبيد الله بن حميد، لحق بعبد الله بن خازم ابن أسماء بن الصلت السلمي بخراسان، حين قتل عبد الله بن الزبير. وزوجة عبد الله بن خازم ابنته. وولدت منه أم عمر بنت حفص. وكانت هناك أم عمر، حتى قدم عليها عبد الله بن الزبير بن عبيد الله بن حميد، فحملنا إلى مكة، وتزوجها عبد الله بن عثمان بن عبيد الله بن حميد.
وأم عبد الله بن عثمان بن عبيد الله بن حميد: أم محمد بنت عبيد الله ابن العباس بن عبد المطلب. حدثنا الزبير قال، وحدثني يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري، عن عمرو بن أبي الفضل، عن غير واحد من قريش: أن محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي، إذ كان على مكة، جلس في الحجر، فاختصم إليه عيسى بن عبيد الله وعثمان بن أبي بكر بن عبيد الله الحميديان، فتوجه القضاء على أحدهما، فقال محمد بن هشام: أنا ابن الوحيد، والله لأقضين فيكما بقضاء يتحدث به أهل
القريتين، لأقضين بينكما قضاء مغيرياً. فقال عثمان: صه صه، ادن حبوا، أتدري من الرجل معك؟ أزهر لزهر، المتسربل المجد معه إزاره ورداؤه. وقال عيسى بن عبيد الله: نوهت بماجد لماجد، بكر لبكر، والله ما أنا بنافخ كير، ولا ضارب زير، لو ثقبت قدماي لانتثرت منهما بطحاء مكة، أنا ابن زهير دفين الحجر. فقال محمد بن هاشم: قوموا، فإنكم والله كنتم وحشاً في الجاهلية، وما استأنستم في الإسلام. فقال أحد الرجلين: حقي لصاحبي، لا أريد الخصومة.
ومن
ومن ولد حميد بن زهير عبد الله بن الزبير، رواية سفيان بن عيينة.
ولد أمية بن الحارث بن أسد بن عبد العزى
ومن ولد أمية بن الحارث بن أسد بن عبد العزى عمرو بن أمية، لا عقب له. وهو من مهاجرة الحبشة، مات هناك. وليس لعبد الله وسفيان، ابني الحارث بن أسد، عقب. وأم عمرو، وعاتكة، ابني أمية بن الحارث: زينب ابنة خالد بن عبد مناف بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة.
وولد هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى
وولد هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى أبا البختري، واسمه: العاص وأمه: أروى بنت الحارث ابن عبد العزي بن عثمان بن عبد الدار بن قصي. قتل أبو البختري يوم بدر كافراً، قتله المجذر بن زياد البلوى حليف الأنصار. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: من لقي أبا لابختري فلا يقتله. وكان ممن قام في الصحيفة، وكان يدخل الطعام على بني هاشم في الشعب. فقال المجذر بن ذياد: فلقيته فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن لا نقتلك. فقال: أنا وزميلي. ومعه رجل، فقلت: لا. فقال: لا: لا يُسْلِمُ ابنُ حُرَّةٍ زَمِيلَهْ حتَّى يموتَ أو يَرَى سَبِيلَهُ
ولد أبي البختري
فشد عليه بالسيف، والمجذر يقول: بَشِّرْ بيُتْمٍ إن لَقِيتَ البَخْترِي أو بشِّرنْ بِمثلها مِنّي بَنِي ألا تَرَى مُجذَّراً يَفْرِي الفَرِى أنا الذي يُقَال أصْلِي منْ بَليِ أطْعُنُ بالحَرْبَةِ حتّى تَنثَنيِ ومن ولد أبي البختري الأسود بن أبي البختري. اصطلح عليه أهل المدينة، وكان زمان على معاوية يصلي بهم.
ولد الأسود بن أبي البختري
وأمه: عاتكة ابنة أمية بن الحارث بن أسد بن عبد العزي. ومن ولد الأسود بن أبي البختري عبد الرحمن بن الأسود وأمه: الحلال ابنة قيس بن نوفل، من بني نصر بن قعين وأخته لأمه: خديجة ابنة الزبير بن العوام وأخوه أيضاً لأمه: الزبير بن مطيع بن الأسود بن حارثة العدوى. وكانت تحته سودة ابنة الزبير بن العوام.
ومن ولد الأسود بن أبي البختري:
ومن ولد الأسود بن أبي البختري: سعيد بن الأسود. وكان يضرب بحسنه المثل، وفيه يقال: ألاَ لَيْتني أشْرِى وشاحِى ودُمْلُجِى ... بنظْرَة يَوْمٍ من سَعِيد بْنِ الأسْوَدِ حدثني الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: سمعت أبي والضحاك بن عثمان يذكران قصته ويتحدثان عنه، قالا: كانت له مشية لا يدعها على حالٍ. قال رجل ممن حضر الحرة: انهزمت فيمن انهزم من
الناس، فلقيت سعيد بن الأسود وهو يمشي مترسلاً يتبختر والدماء تسيل منه، وقد باشر القتال، فنفست به، وخشيت أن يقتل فقلت: بأبي أنت وأمي، أنج، فقد أدركك الطلب. فالتفت فنظر نحوي ثم تبسم، وأقبل يمشي مشيته. ولحق بنا فارس من أهل الشأم، فأخذت برأس جدار الأسواف فصرت من ورائه، وكر على الرجل فقتله. فخرجت إليه فقلت: الحمد لله الذي أظفرك، انج، بأبي أنت وأمي. فالتفت نحوي ثم تبسم، فجعلت أعجب من ضحكة. وكنت معه حتى افترقت بنا الطريق بالبقيع. فأخذ على الخضراء، ودخلت في الأسواف فبت في صور، حتى ضربني البرد من الليل. وكنت قد لبست ثياباً كثيرة، فضربت بيدي أجمع ثيابي عليّ، فإذا أنا عريان لم يبق عليّ من ثيابي إلا ذعاليب تحت يدي، وإذا ما أسفل من ذلك قد ذهب وطاح. فعلمت أنه إنما كان يضحك من عريتي. قال عمي مصعب بن عبد الله: وذكر أن ابن الزبير نظر إليه وهو
يقاتل وهو بمكة يتبختر، وكانت تلك المشية سجية، فقال: لقد كنت أمقت هذا الفتى على مشيته، حتى علمت أنها اليوم منه سجية. وكان أبو البختري بن هاشم، من المطعمين في مسير بدر. حدثنا الزبير قال، وحدثني علي بن صالح، عن عامر بن صالح ابن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: كان هاشم بن الحارث بن اسد، وابنه أبو البختري بن هاشم، والمطلب والأسود ابنا أبي البختري، جميعاً يسمون: " الأجمال الشرف "، لأجسامهم. وأم سعيد بن الأسود، أم ولد، وليس له ولد إلا من برة ابنته.
ومن
ومن ولد أبي البختري بن هاشم طلحة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الأسود بن أبي البختري وأمه وأم أخويه: علي، وحسن، ابني عبد الرحمن: برة بنت سعيد ابن السود وأمها: فاطمة بنت علي بن أبي طالب ولأم ولد. ولها يقول عبد الرحمن بن عبد الله بن الأسود: أمِنْ أمِّ طَلْحَةَ طَيْفٌ ألَمّ ... ونَحنُ بِالاجْزَاعِ من ذِي سَلَمْ وفيها عَصيْتُ الألَى كَثَّرُوا ... وكُلُّ نَصيحٍ لَهَا يُتَّهَمْ هي الرُّكْنُ رُكْنُ النِّساء الَّتِي ... إذا خرجَتْ مَشْهدَاً تُسْتَلَمْ يَطُفْنَ إذا خرجَتْ حَوْلَها ... كطَوْفِ الحَجيجِ ببيتِ الحَرَمْ وكانت لبرة بنت سعيد مشية حسنة يضرب بها المثل، مع جمال بارع. حدثنا الزبير قال، حدثني علي بن صالح، عن عامر بن صالح قال:
كان أهل المدينة يقولون: تغبر كل شيء إلا مشية برة، وخبز أبي الغيث، وملح أشعب. " أبو الغيث "، إنسان كان بالمدينة يعالج الخبر. و " أشعب بن جبير "، مولى عبد الله بن الزبير. وكانت " برة " من أجمل النساء وأحسنهن مشية. وأم عبد الرحمن بن بعد الله بن الأسود: حميدة ابنة طلحة ابن عبيد الله بن مسافع بن عياض بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم ابن مرة وأمها: أم كلثوم بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. ولذلك يقول طلحة بن عبد الرحمن: جَدّي عليٌّ وأبو البَخْترِي ... وطَلْحَةُ التَّيمِيُّ والأَسْودُ
وجدّيَ الصِّدِّيقُ أكرِمْ بِهِ ... جَدًّا، وخالي المُصْطَفى أحَمدُ لهذه الولادات التي ولدته. وكان طلحة بن عبد الرحمن، مع عبد الله بن معاوية بن عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب بأصبهان، فبارز رجلاً فقتله. فقال: تقولُ سَلْمَى: أراكَ شِبْتَ ولَمْ ... تبلُغْ من السِّنِّ كُنْهَهُ فَلِمَهْ يا سَلْمَ إنّ الخطُوبَ إذْ رَدِفَتْ ... شَيَّبْنَ رأسِي وكَان كالحُمَمَهْ ومَصْرَعُ الفِتْيَة الأولَى اخْتَرم الدَّهرُ وأنْحَى عَليهمُ جَلَمَهْ قد جعلتني لرَيبْهِا غَرَضاً ... لِطَعْنَةٍ أو لِضَرْبَةٍ خَذِمَهْ وفارسٍ كالشِّهَابِ يَرْهَبُهُ الفُرْسانُ يَدْعَى مِنْ بأسِهِ الحُطَمَهْ أوْلَجْتُهُ صَعْدَةً مُوَقَّعَةً ... سِنَانُهَا كالشِّهَابِ في الظُّلُمَةْ وضَعْتُ منه السِّنان في موضِعِ الْمَسْعَلِ بين الشُّرْسُوفِ والحَلَمَهْ
يَمَّمَنِى يَكتَنِي عليَّ فلَمْ ... تَحُرْ لهُ بَعْدَ طَعْنَتِي كَلِمَهْ دونَكَ لا أكتَنِي عليكَ، ولا ... تقُتُلنِي إن قَتَلْتَنيِ ابنَ أمَهْ بَرّةُ أمِّي إذا انتسبتُ وبِالْ ... أبْطَحِ دَارِي بالبَلْدَة التَّهَمَهْ بَازِيَةٌ بنتُ بازِيَيْنِ ولَمْ ... تُخْلَقُ بَغَاثاً أمِّي ولا رَخَمَهْ وقوله: " مصرع الفتية "، يعني أخويه: علياً وحسناً ابني عبد ارحمن، قتلا بقديد، قتلهما الحرورية. وكان علي من أظرف الفتيان وأهيئهم. قال عمي مصعب
ابن عبد الله: أخبرني من سمع الجواري والصبيان يتغنون بعد قتله بزمان: يا عَليّ بن بَرَّهْ ... يا سَيِّدَ الشَّبَابْ يا عَليَّ بن بَرَّهْ ... يا قَاطِعَ السِّخابْ حدثنا الزبير قال، وأخبرني أنا ذلك برةُ بنت يحيى بن أبي عمران، مولاة آل الأسود بن أبي البختري. وكان طلحة بن عبد الرحمن في صحابة أبي العباس أمير المؤمنين، ثم في صحابة أمير المؤمنين المنصور، ثم في صحابة أمير المؤمنين المهدي. وداره ببغداد عند أصحاب الثلج، في عسكر المهدي أمير المؤمنين. وداره بالمدينة إلى جنب بقيع الزبير بالبقال. حدثنا الزبير قال، أخبرني عبيد الله بن خالد بن عبد الله بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب قال: أدركت البقال وما يعرف غلا بخط بني قصي. ثم يسمى دور بني قصي فيه داراً داراً. فكان مما يسمى: دار الأسود بن أبي البختري، ودار عبد الله بن الزبير التي صارت في مورثه لزوجته أم الحسن نفيسة ابنة حسن
ابن علي بن أبي طالب، ودار المنذر بن الزبير التي هي اليوم لولد محمد بن المنذر، ودار آل إسماعيل بن جعفر بن محمد، ودار آل حسين الأصغر بن علي بن حسين، ودار آل عمر بن علي بن حسين، ودار محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، ودار آل علي بن علي بن حسين. ولم يبقى من ولد أبي البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد ابن عبد العزي بن قصي، إلا ولد طلحة بن عبد الرحمن، إلا من نالته ولادة النساء. وولد طلحة ببغداد، منهم أناس بمكة من ولد محمد بن طلحة. وولد عبد الكريم بن طلحة بأستارة، عرض من أعراض المدينة. فهؤلاء ولد أبي البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد.
ولد المطلب بن أسد بن عبد العزى
ولد المطلب بن أسد بن عبد العزى الأسود بن المطلب، وهو أبو زمعة وأمه: فهيرة بنت أبي قيس راكب البريد بن عبد مناف بن زهرة. وكان أبو زمعة أحد المستهزئين الذين ذكر الله عز وجل فقال:) إنّا كَفَيْنَاكَ المُستَهْزِئِينَ) . وذكروا أن جبريل عليه السلام، رمى في وجهه بورقة فعمى. وكان من كبراء قريش وأشرافها. حدثنا الزبير قال، وحدثني علي بن صالح، عن عامر بن صالح، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن زمعة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الناقة يوماً في خطبته فقال: انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه، مثل أبي زمعة في قومه. ثم ذكر الضرطة فقال: إلى ما يضحك أحدكم مما يفعل؟ ثم ذكر النساء فقال: إلام يضرب أحدكم المرأة ضرب
العبد، ثم يضاجعها من آخر يومه؟ حدثنا الزبير قال، وحدثني علي بن صالح، عن عامر بن صالح، عن سالم بن عبد الله بن عروة قال: فتحدث بها عروة، وأبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة جالس، فكأنه وجد منها، فقال: يا ابن أخي ما حدثنيها إلا أبوك، يفخر بها. وكان ابنه زمعه من أشراف قريش، وكان أحد المطعمين أيام خرج المشركون إلى بدر. وكان أحد أزواد الركب، وكانوا ثلاثة من قريش: مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس، وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، وأبو أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وإنما قيل لهم: " أزواد الركب "، أنه لم يكن يسافر معهم أحد فينفق شيئاً، يطعمون كل من سافر معهم. وكان أشهرهم بهذا الاسم عند العامة، أبو أمية بن المغيرة.
قال الخارجي محمد بن بشير، في بكائه أبا عبيدة بن عبد الله ابن زمعة: إذا ما ابنُ زادِ الرَّكْبِ لم يُمْسِ نازلاً ... قَفَا صَفَرٍ لم يَقْرَبِ الفَرْشَ زائرُ وأم أبيه عبد الله بن زمعة: بنت أبي أمية المغيرة. فقالت بنو أسد: إنما أراد الخارجي في بيته هذا: " زمعة بن الأسود ". وقالت بنو مخزوم: إنما أراد به: " أبا أمية بن المغيرة "، وكلاهما كان زاداً للركب، وهما أبواه جميعاً. وقد كان خلقاً فاشياً في أشراف قريش أن لا يستنفق أحد معهم إذا سافروا، يلون إطعامه، غير أنه لم يسم بذلك غير هؤلاء النفر. فقال أبو زيد الأسلمي يبكي رجلاً: ولِقَوْلِ مُرْتَحِلٍ غداً لزَمِيِلهِ ... إن كُنْتَ مُرْتَحِلاً معي فتَزَوَّدِ وأم زمعة بن الأسود: أروى بنت حذيفة بن مهشم بن سعيد ابن سهم وهي أم أخيه: عقيل بن الأسود. حدثنا الزبير قال، حدثني محمد بن حسن المخزومي، عن نوفل
ابن عمارة قال: خطباء قريش في الجاهلية: أبو زمعة الأسود بن المطلب، وسهيل بن عمرو. والثبت عندنا أن زمعة بن الأسود كان من خطباء قريش في الجاهلية، وكان أبو زمعة يكنيه: " أبا حكيمة ". حدثنا الزبير قال، وحدثني عمي مصعب بن بعد الله، وعبد الله ابن نافع بن ثابت، عن جدي عبد الله بن مصعب، وعن الزبير بن خبيب: أن عبد الله بن الزبير كان يشبه ابنه ثابت بن عبد الله لبلاغته بزمعة بن الأسود، فكان يكنيه " أبا حكيمة "، بكنية زمعة. قتل زمعة بن الأسود وأخوه عقيل بن الأسود يوم بدر كافرين. وكان هبار بن الأسود مع زمعة ذلك اليوم، وابنه الحارث بن زمعة معه أيضاً، فجعل زمعة يقول له: أِقدَمْ حَارْ ... إذْ فَرَّ عَنِّي هَبَّارْ
وفي ذلك يقول أبو زمعة، وكانت قريش قد تأمروا بينهم أن لا يبكوا قتلاهم، وقالوا: إن بكيناهم شمت بنا محمد وأصحابه يريدون رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسمع أبو زمعة ليلة امرأة تبكي عالية الصوت، فقال: أقد بكت قريش قتلاها؟ فقيل له: إنما تبكي على بكر ضل لها. فقال أبو زمعة: تُبَكِّي أنْ يَضِلَّ لها بَعيرٌ ... ويَمْنَعُها من النَّوْمِ السُّهُودُ فلا تَبكي على بَكْرٍ ولكِنْ ... عَلَى بَدْرٍ، تقاصَرَتِ الجُدُودُ
على بَدْرٍ سَرَاةِ بني هُصَيْصٍ ... ومخزْومٍ ورَهْط أبي الوَلِيدِ وبكِّى إن بَكَيْتِ على عَقِيلٍ ... وبَكِّى حارثاً أسَدَ الأسُودِ وبَكِّى إن بَكَيْتهِمُ جميعاً ... وما لأِبي حُكَيْمةَ مِن نَدِيدِ ألا قد سَادَ بَعْدَهُمُ رِجالٌ ... ولولا يَوْمُ بَدْرٍٍ لم يَسُودُوا يريد أبا سفيان بن حرب، كان رئيس مشركي قريش في مسيرهم إلى أحُدٍ. وقال أمية بن أبي الصلت يبكي قتلى بني أسد ببدر: عَينُ فأبْكِى بالمُسْبِلاَتِ أبَا العَاصِي ولا تَذْخَرِي على زَمَعَهْ
وأبْكِى أخل النَّفْسِ نَوْفَلاً أسَدَ البَأسِ ليَوْمِ الهِيَاجِ والدُّفَعَهْ قَتْلَى بني مُسْلِمٍ لَهُمْ خَوَتِ الجَوْزَاءُ، لاَ خَانَةٌ ولا خَدَعَهْ أنبتُوا من معاشِرٍ شَعَرَ الرأْسِ، وهُمْ بَلَّغُوهُمُ المَنَعَهْ وهُمُ المُطْعِمُون إذ قَحَطَ القَطْرُ وأصْحَتْ فلا تُرَى قَزَعَهْ وهُمُ الغُرَّةُ المَنِيعةُ من كَعْبٍ ومِنها كذِرْوَةِ القَمَعَةْ قال الزبير: " القمعة "، بيضة السنام. أمسى بنو عمهم إذا حضر النادي عليهم أكبادهم وجعة أنشدنيها عمي مصعب بن عبد الله، وعلى بن صالح، عن جدي عبد الله بن مصعب، " زمعة " بن الأسود و " نوفل " بن خويلد بن أسد وأبو العاص
ومن
وأبو البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد و " مسلم " هو: أسد ابن عبد العزي "، كان لا يتفاسد في قريش اثنان إلا أصلح بينهما، فقيل له: " مسلم ". ومن ولد زمعة بن الأسود يزيد بن زمعة، قتل يوم الطائف مع النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن حسن المخزومي، عن نصر ابن مزاحم، عن معروف بن خربوذ قال: من انتهى إليه الشرف من قريش فوصله الإسلام، عشرة بطون: من هاشم، وأمية، ونوفل، وأسد، وعبد الدار، وتيم، ومخزوم، وعدي، وسهم، وجمح. فكان من بني أسد: يزيد بن زظمعة بن الأسود، وكانت إليه المشورة، وقتل مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الطائف. و" المشورة ": أن قريشاً لم يجمعوا على أمر إلا عرضوه عليه، فإن وافق رأيه رأيهم سكت، وإلا شغب فيه، وكانوا له أعواناً، حتى يرجعوا عنه.
وأمه: قريبة الكبرى بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومي. وإخوته لأمه: الحارث بن زمعة، ووهب بن زمعة، وعبد الله ابن زمعة. وأم قريبة: عاتكة ابنة عبد المطلب بن هاشم ولفاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ولصخرة بنت عبد بن عمران
ابن مخزوم ولتخمر بنت عبد بن قصي. وكان عبد الله بن زمعة من أشراف قريش، وكان يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وابنه: يزيد بن عبد الله بن زمعة، قتله مسرف يوم الحرة
صبرا. قال له مسرف: بايع أمير المؤمنين يزيد بن معاوية على أنك عبد قن، إن شاء أعتقك، وإن شاء أرقك. قال: أعوذ بالله، ولكني أبايعه على أني ابن عم حر كريم. فقدمه فضرب عنقه. فلما مات مسرف وهو موجه إلى مكة، دفن بالمشلل، الثنية التي تشرف على قديد. فلما مضى أصحاب مسرف إلى مكه يريدون ابن الزبير، وأميرهم الحصين بن نمير، خرجت أم ولد يزيد بن عبد الله بن زمعة، وهي أم يزيد بن عبد الله، من ضيعة كانت لهم بأستارة على أميال من قديد، فنبشت مسرفاً وصلبته. وفيها يقول يزيد بن عبد الله بن زمعة: تقَولُ له لَيْلَى بذي الأثْلِ مَوْهِناً ... لَهِنَّ خَليلي عَنْ سِتَارةَ نازِحُ
فقلتُ لَها: يا لَيْلَ في النَّأْيِ فَأعلَمِيِ ... شِفاءٌ لأدْوَاءِ العَشِيرةِ صَالِحُ
ومن
يتلوه في الجزء الذي يليه: ومن ولد عبد الله بن زمعة: كبير بن عبد الله. الحمد لله وصلواته على سيدنا محمد وآله الأكرمين وسلامه. سماع هذا الجزء سمع هذا الجزء، وهو السادس عشر من كتاب نسب قريش من أوله إلى آخره على القضي الأجل، العالم العدل، تاج الدين نجم الإسلام، أبي الفتح محمد بن أحمد بن بختيار بن المندائي، بروايته عن أبي بكر محمد قاضي البيمارستان، إجازة بقراءة الشيخ الأجل العالم عماد الدين أبي العباس أحمد ابن محمود بن أحمد....أخوه أبو عبد الله الحسين، والقضاة الأجلاء: عز الدين أبو حامد محمد، وشرف الدين أبو جعفر علي، ابنا المسموع عليه، وقوام الدين أبو جعفر هارون بن العباس بن حيدر الرشيدي، وزين الدين يحيى ابن الحسين بن محمد بن ربيقة، ومحيي الدين أبو نصر أحمد بن الحسن بن محمد ابن الحرسبط الفارقي رحمه الله، والشيخان عبد القادر بن داود بن أبي نصر البقار، والحسين بن أبي منصور بن الحسن السند القزاز. وسمع من أول الجزء إلى موضع اسمه القاضي الأجل جمال الدين يوسف بن الحسين بن محمد بن محمد بن ربيقه، وكذلك الأمير الأجل شرف الدين أبو شجاع مقابل بن أحمد بن علي العنبري المعروف بابن دواس القنا. وسمع من الموضع المذكور إلى آخر الجزء: عبد الكريم الضرير بن غاري "؟؟ " المترسي، وسمع الجزء جميعه: مقبل بن عبد الله الحر عتيق بنت ابن تركان "؟؟ "، وكذلك كاتب الأسماء أبو الفرج عبد الله بن محمد ابن عبد الله بن نصر الله بن محمد بن محمد بن مخلد الأزدي. وذلك في مجلسين أحدهما في شوال، والآخر في يوم الاثنين ثاني ذي القعدة من سنة ثلاث وثمانين وخمسمئة. اللهم صل على سيدنا محمد النبي، وعلى آله الطاهرين من صحابته الأكرمين، وسلم.
الجزء السابع عشر
الجزء السابع عشر بسم الله الرحمن الرحيم ومن ولد عبد الله بن زمعة كبير بن عبد الله، وهو جد أبي البختري وهب بن وهب ابن كبير. حدثنا الزبير قال، أخبرني عمي مصعب بن عبد الله قال، أخبرني أبو البختري، عن مصعب بن ثابت قال: جئته فقال لي: من أنت؟ فقلت له: أنا وهب بن وهب بن عبد الكبير بن عبد الله بن زمعة. قال: فما لك لا تقول " كبير "؟ لعلك كرهت ذلك؟ تدري من سماه " كبيراً "؟ جدته أم سلمة بنت أبي أمية، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم. وولد عبد الله بن زمعة كلهم، أمهم: زينب بنت ايب سلمة ابن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وأمها:
ومن ولد عبد الله بن زمعة:
أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة وأمها: عاتكة بنت عامر بن ربيعة جذل الطعان بن رئاب بن مالك بن فراس وأمها: أميمة بنت عبد شمس ابن عبد مناف إلا خالد بن عبد الله بن زمعة، لأم ولد من بينهم. ومن ولد عبد الله بن زمعة: أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة. وكان شريفاً مطعاماً، وكان ينزل الفرش، وكان كثير الضيفان.
حدثنا الزبير قال، أخبرني عمي مصعب بن عبد الله قال، أخبرني سليمان بن عياش السعدي قال: كنا جلوساً عند عبد الله بن الحسن بالفرش، معنا شيخ من أهل الفرش قديم، إذ جاءنا رجل فسلم على عبد الله بن حسن وجلس، فساءله عبد الله وقال: كيف وجدت منزلك؟ قال له الرجل: لم أكره منه شيئاً إلا الذر، أراه سيخرجنا منه. وكان الرجل نازلاً منزل أبي عبيدة. قال: فقال له الشيخ: يا ويسة! يحسب أنك أبو عبيدة! لا تنقل عن منزلك، فيوشك الذر أن يعرفك فينتقل عنك!
قال الزبير: وأحسب أني سمعت هذا الحديث من سليمان بن عياش، وذكر أن الشيخ من أسلم. حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن عبد الله بن بعد الرحمن بن القاسم ابن محمد بن أبي بكر الصديق قال: قال رجل لموسى بن عبد الله بن حسن: إن إبراهيم بن إبراهيم بن حسن بن زيد: يجزع أن يقال: " صخرات أبي عبيدة "، لنزولهم عندها، قال: فغضب موسى وقال: أيجزع من ذلك؟ والله ما تعرف إلا به، وإن شرفه أظهر وأكثر من ذلك، ولقد أخبرني أبي، عبد الله ابن حسن: أنه تزوج إلى أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة أمي هند بنت أبي عبيدة، وهو فتى شاب، قال: فكنت أمر بناس من الأسلميين، فيقول بعضهم: هذا صهر أبي عبيدة!
قال: فكان عبد الله بن حسن بعد أن كبر وظهر شرفه يقول للأسلمين: تذكرون حيث كنت أمر بكم فتقولون: هذا صهر أبي عبيدة؟ قال عمي مصعب بن بعد الله: وكان أبو عبيدة يقول من الشعر شيئاً، وكان رجل من هذيل يسكن ملل، يقال له: عمر بن عائذ، وكان شاعراً، وكان إنسان من بني تيم بن مرة، من الصبيحيين يقال له: عمران، وكان يهوى إلى امرأة بمراخ، بين عمر بن عائد وبينها رحم من قبل النساء. فخرج عمران مع عمر بن عائد متوصلاً حتى دخل على المرأة، ويجده أهلها عندها، فضربوه، فنزى في ضربهم، فمات فيه بعد حين، فقال أبو عبيدة يعبث مع عمر بن عائد الهذلي: ألا سَلْ أبَا حَفْصٍ إذا ما لَقِيتَهُ ... على مَلَلٍ، ما كان شأنُ المُجَاوِرِ قَبَلْتَ بِهِ تُرْبَانَ تَبْغِي به الرَّدَىرَدَى الحَيْنِ لاَ أخْطَاك حَيْنُ المقَادِرِ
فلا سَلِمتْ تَيْمُ بن مُرّةَ، إنْ نَجَا ... بها عُمَرٌ، أخْرَى اللَّيالِي الغَوابرِ حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان قال: ركب إبراهيم ابن هشام إلى عينه بملل، فلما أراد الانصراف قال: اجعلوا طريقنا على أبي عبيدة ابن عبد الله نتفجؤه عسى أن نبخله. قال: فهجم على أبي عبيدة، فرحب به واسْتَنْزَ لَهُ، فقال: إن كان شيء عاجل وإلا فإني لست أجلس. فقال: وما عسيت أن يكون عندي عاجلاً يكفيك ويكفي جماعتك هذه؟ ولكن تنزل ونذبح لكم. فأبى، وأراد الانصراف، فقال له: انزل، عندي عاجل. فجاءه بسبعين كرشاً فيها رؤوس، وأمر بالذبح لهم، فعجب ابن هشام وقال: ترونه ذبح في ليلة من الغنم عدد هذه الرؤوس؟ حدثنا الزبير قال، وأخبرني محمد بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم قال: كان أبو عبيدة إذا صدر إلى الفرش صدر بلقح وغنم ودجاج كثير. فإذا انقضى المربع، قسم ذلك كله في جيرته. فغفل إنسان أسلمي يقال له: " ملوى " عن اليوم الذي كان أبو عبيدة يقسم ذلك فيه، ونسيه أبو عبيدة، فجاءه وقد قسم اللقح والغنم وبقي الدجاج، فقال له أبو عبيدة: بَيْتُ دَجَاجي لَكَ يا مَلْوِيّ
ُ مُنَيْزِلٌ أنْتَ بِهِ حَرِىُّ مُنَيْزِلٌ يَحُلُّهُ الشَّقِىُّ حدثنا الزبير قال، وحدثني يعقوب بن عبد الله قال، وحدثني عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن قال: كان أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة نازلاً في منزله بصفر من الفرش، فكان يرسل رجلاً من جهينة يقال له: " هلال "، يمتاز له حنطة من الجار، وكان منزل هلال أقرب إليه إذا جاء من الجار من منزل أبي عبيدة، فكان يأتي بالحنطة التي يمتار لأبي عبيدة فيفرغها في منزله، ولا يأتي أبا عبيدة بشيء. فقال له أبو عبيدة: ويحك يا هلال، فلو كنت تقاسمنا الحنطة كان أمثل، ولا أراني إلا سأرسل إلى الميرة غيرك. قال له: لا تفعل، فأنا لآتيك بميرتك على وجهها. وحلف له على ذلك، فأرسله أبو عبيدة يمتار له، فجاء إلى وكيل أبي عبيدة بالجار كما كان يأتيه في الميرة، وقال: يقول لك أبو عبيدة: أطرفني من حيتان الجار وطرائفها. ففعل الوكيل، فوضع في منزله حيث مر الهدية، وجاء إلى أبي عبيدة بالميرة وافية على حالها، فقال أبو عبيدة: أوْفَى هلاَلٌ وأدَّى عن أمانته ... كما يُؤَدِّي ذَوُو الأحْسَاب والدِّينِ فقال له هلال: من أوفى وأدى عن أمانته، فعض على كذا من
أمه! وأخبره الهدية، فضحك أبو عبيدة وقال: ويحك، فقاسمناها إما لا. حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن موسى بن طلحة قال، حدثني عبد الله بن عثمان النحوي، عن أنيس بن ربيعة الأسلمي أنه قال: غدوت يوماً إلى أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة وهو محتل بالدحيلة، فألفيت عنده جماعة منا ومن غيرنا، فأتاه آت فقال له: ذاك النصيب منذ ثلاث بالفرش يتلدد كأنه واله في إثر قوم ظاعنين. فنهض ونهضنا معه حتى نجده على المنتخر من صفر. فلما عايننا وعرف أبا عبيدة، هبط. فسأله أبو عبيدة عن أمره وخبره، فأخبره أنه تبع قوماً سائرين، وأنه وجد آثارهم ومحالهم بالفرش، فاستولهه ذلك. فضحك به أبو عبيدة والقوم وقالوا له: إنما يهتز إذا عشق من
انتسب يمانياً، فأما أنت فما لك ولهذا؟ فسكن. وسأله أبو عبيدة: هل قلت في مقامك شيئاً؟ قال: نعم. فأنشده: لعَمْرِي لئن أمسَيْتَ بالفَرْشِ مُقْصَداً ... ثَوِيَّاك عَبُّودُ وعُدْنَةُ أو صَفَرْ تُفَرِّعُ صَبًّا أو تُنَمِّى مُصَعِّداً ... لرَبْعٍ قديمِ العَهْدِ تَنْتكِفُ الأثَرْ دَعَا أهلَهُ في الشَّأْمِ بَرْقٌ فأوْجَفُوا ... ولم تَرَ مَتْبُوعاً أضَرَّ من المَطَرْ لَتَسْتَبْدِلَنْ قلباً وعَيْناً سِوَاهُمَا ... وإلا أتى قَصْداً حُشَاشَتَكَ القَدَرْ
خَليلَيَّ فيما عِشْتُما ورَأيْتُمَا ... هَلِ اشْتَاق مَضْرُورٌ إلى من بِهِ أضَرّ نَعَمْ ربَّما كان الشقاء مُتَيَّحاً ... فَغَطَّى على سَمْعِ ابنِ آدَمَ والبَصَرْ قال: فانصرف به أبو عبيدة إلى منزله، فأطعمه وكساه وحمله، فانصرف وهو يقول: أصابَ دَواء حِيبَتِك الطَّبِيبُ ... وخَاضَ لك السُّلُوَّ ابنُ الرَّبيبِ وأبْصَرَ من رُقَاكَ مُنَفِّثَاتٍ ... ودَاؤُك كانَ أعْرفَ بالطَّبيبِ حدثنا الزبير قال، وحدثني أسعد بن عبيد الله المزني، عن إبراهيم بن سعيد بن بشر بن عبد الله بن عقيل الخارجي، عن أبيه سعيد بن بشر قال: والله إنا لمع أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة بمنى في حواء له ضخم، إن درينا إلا بكثير باكراً قبل أن نطعم شيئاً، فلما رآه أبو عبيدة حياة واقتفى
به، ودعا بالغداء فأتى به، فلما شرعنا وشرع كثير معنا، إذا رجل يسلم، فرددنا السلام واستدنيناه، فإذا النصيب في بزة جميلة قد وافى الحج قادماً من الشأم، فأكب على أبي عبيدة فقبل رأسه وساءله، وحياه أبو عبيدة واقتفى به، ثم استدعاه إلى الطعام، فوضع مع القوم، وجشع كثير، فأقلع وما استتم لقماً ثلاثاً. فأقبل به أبو عبيدة والقوم وأدبروا أن يأكل، فأبى، فلهوا عنه وأكلوا، ومعهم النصيب، أشدهم بأبي عبيدة اختلاطاً. فلما فرغوا أقبل كثير على النصيب فقال: أما والله يا أبا محجن، لأن أثر الشأم عليك لجميل، لقد رجعت منع هذا المرة ناقصاً كبرك، قليلة خيلاؤك. قال فقال له نصيب: لكن آثر الحجاز، والله يا أبا صخر، عليك غير جميل، لقد رجعت إليه وإنك لزائد تقصيرك، كثيرة حماقتك، عظيم صلفك. فقال له كثير: أما والله إني لأشعر العرب حين أقول لمولاتك:
إذا أمْسَيْتُ بَطْنُ مُجَاجَ دُونِي ... وعَمْقٌ دُونَ عَزّةَ فالنَّقيعُ فليسَ بِلائِمي أحَدٌ يُصَلَّي ... إذا أخَذَتْ مَجارِيهَا الدُّمُوعُ قال فقال له النصيب: أنا والله أشعر منك حيث أقول في بنت عمك: خليليَّ إن حَلَّتْ كُلَيَّةَ فالرُّبَى ... فَذَا أمَجٍ فالرَّوْضَ ذَا الماءِ والحَمْضِ وأصبَحَ من حَوْرَان رَحْليِ بمَنْزِلٍ ... يُبَاعِدُهُ من دَارِها نازِحُ الأرْضِ وآيَسْتُما أن تجمَعَ الدَّارُ بينَنَا ... فخُوضَا لِيَ السَّمَّ المُصَرَّحَ بالمَحْضِ ففِي ذاكَ من بَعْضِ الأمُورِ سَلامةٌ ... ولَلْمَوتُ خيرٌ من حياةٍ على غُمْضِ
قال: فاقتحم إليه كثير، وثبت له نصيب فلم يقم، وجعل يرفع رأسه فيذيبه بيد واجدة، حتى طال ذلك بينهما. ثم رمحه نصيب رمحة بساقه حتى طاح منها بعيداً. فما زال راقداً حتى أيقضناه عشية لرمي الجمار. قال: قوله: فخُوضَا ليَ السَّمَّ المُصَرَّحَ بالمَحْضِ فإن " المصرح " ههنا: الخالص. قال: وهو إذا خلط بشيء كاد أن يشوى، حتى يخلط باللبن فلا يطنى، ولا سيما إذا كان اللبن محضاً. وأنشدني سليمان بن عياش السعدي، لمحمد بن بشير الخارجي، يبكي أبا عبيدة بن عبد الله بن زمعة:
ألاَ أيُّها النَّاعي ابنَ زَيْنَبَ غُدْوةً ... نَعَيْتَ الفَتَى، دارتْ عليكَ الدوائرُ فَظِلْتُ كأنّي أغُبِطَتْ بجبَالهَا ... عليّ بأعْلَى المُقْرحين العواقِرُ وقلتُ لَهُ والدَّمْعُ منِّي كأنَّهُ ... جُمَانٌ هَوَى من سِلْكِهِ مُتَبَادِرُ لَعَمْرِي لقد أمسَى قِرَى الناسِ عَاتماً ... بذي الفَرْشِ لمّا غَيَّبَتْهُ المقابِرُ إذا سُوِّفُوا نَادَوْا صَدَاكَ ودُونَه ... تُرَابٌ وأثْوَابُ الفِرَا والظَّواهِرُ يُنَادُونَ مَنْ أمْسَى تَقَطَّعُ دُونَه ... من البُعْدِ أنفاسُ الصُّدورِ الزوفرُ فقومي أضرِبي عينيْك يا هِنْدُ لَنْ تَرَىْ ... أباً مِثْلَهُ يَسْمو إليهِ المُفَاخِرُ
فإن تعْوِليهِ يَشْفِ يوْماً عَوِيلُهُ ... غَلِيلَكِ أو يَعْذِرْك بالنَّوْح عَاذِرُ وكنتِ إذا فاخرتِ سَنَّيتِ والداً ... يَزِينُ كما زانَ اليَدَيْن الأساوِرُ إذا ما ابنُ زادِ الرَّكْبِ لُم يمْسِ نازلاً ... قَفَا صَفَرٍ لم يَقْرَبِ الفَرْشَ زائرُ وقد عَلِم الأقوامُ أن بَنَاتِهِ ... صَوَادِقُ إذ يَنْدُبُنَهُ وقَوَاصِرُ قال سليمان بن عياش السعدي: سمعتها من محمد بن بشير الخارجي. وأنشدني مصعب بن عثمان عامتها. حدثنا الزبير قال، وحدثني سليمان بن عياش السعدي قال: قال عبد الله بن حسن لمحمد بن بشير الخارجي: إن هند ابنة أبي عبيدة قد حزنت على أبيها حزناً شديداً، فلو دخلت عليها فعزيتهل وأسيتها، عسى أن تسلو عنه فقال: أفعل. فدخل معه عليها، ثم مثل بين يديها وقال:
قُومِي اضرِبي يَا هِنْدُ عَيْنَيكِ لن تَرَىْ ... أباً مِثَلهُ يَسْمُو إليه المُفَاخِرُ وكنتِ إذا فاخرتِ سَنَّيْتِ وَالداً ... يَزينُ كما زانَ اليَديْن الأسَاوِرُ فضربت وجهها وصاحت بحربها. فلما خرج، قال له عبد الله بن حسن: ألهذا أدخلتك؟ قال: فأنا أعزى أو أؤسى عن أبي عبيدة؟ كيف وأنا أعزى به! وكانت هند بنت أبي عبيدة عند عبد الله بن حسن. هي أم بنيه: محمد، وإبراهيم، وموسى وأمها: قريبة ابنة يزيد بن عبد الله بن وهب ابن زمعة ولابنة محمد بن طليب بن أزهر ولأم مسلم بنت عبد الرحمن بن أزهر ولابنة عبد الله بن الحارث ابن زهرة ولابنة العداء بن ربيعة، من بني عبد بن معيص. ولهند يقول عبد الله بن حسن، كما اخبرني محمد بن الضحاك الحزامي، وعمي مصعب بن عبد الله، ومن شئت من قريش:
يا هنْدُ إنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ بعَاذِلَيْنِ تَتَابعَا قالاَ فلم أسْمَعْ لما قالاَ وقُلْت بَلِ اسْمَعَا هِنْدٌ أحبُّ إليّ من أهْلِي ومَالِي فارْجعَا ولقد عَصَيْتُ عواذلاً وأطَعْتُ قلباً مُوزَعَا حدثنا الزبير قال، وحدثتني ظبية مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب ابن الزبير قالت: كان جدك عبد الله بن مصعب يستنشدني كثيراً قول عبد الله ابن حسن: إنّ عَيْني تَعوّدتْ كَحْلَ هِنْدٍ ... جَمَعَتْ كَفُّها مَع الرَّفْقِ لِينَا ويعجب به. حدثنا الزبير قال، وحدثني سليمان بن عياش السعدي قال: جاء عبد الله بن عمر، الذي يعرف بالعبلى، سويقة، وهو طريد من بني العباس،
وذلك بربان خروج مُلْك بني أمية وانتقاله في بني العباس، إلى عبد الله ابن حسن، وحسن بن حسن، فاستنشده عبد الله بن حسن من شعره، فأنشدهم. فقالوا: نريد بعض ما كان من شعرك فيما كان من أمركم وأمر القوم. فأنشدهم قوله: تَقولُ أمامَةُ لمّا رَأَتْ ... نُشُوزِي عن المَنْزِلِ المُنْفِسِ وقِلَّةَ نَوْمِي على مَضْجَعِي ... لدَى هَجْعَةِ الأعيُنِ النُّعَّسِ أبِي مَا عَراكَ؟ فقلتُ: الهُمومُ ... عَرَيْن أبَاكِ فلا تُبْلِسِي عَرَيْنَ أباكِ فحبَّسْنَهُ ... من الطَّرْدِ في شرّ ما مَحْبِسِ
لِفَقْدِ العَشيرةِ إذْ نالهَا ... سِهَامٌ من الحَدَثِ المُؤْيِسِ رَمَتْهَا المَنُونُ بلاَ نُصَّل ... ولا طائِشاتٍ ولا نُكَّسِ بأسْهُمِها الخالِسَاتِ النُّفُوسَ ... مَتَى ما تُصِبْ مُهْجَةً تَخْلِسِ فصَرْعاهُمُ في نواحِي البلادِ ... تُلْقَى بأرْضٍ ولمْ تُرْسَسِ تَقِيٌّ أصِيبَ وأثْوابُهُ ... من العَار والعَيْبِ لم تَدْنَسِ وآخَرُ قد رُسَّ في حُفْرَةٍ ... وآخَرُ طَار فلَمْ يُحْسَسِ فكم تركُوا منْ بَواكِي العُيُو ... نِ حَرْبَى ومِنْ صِبْيَةٍ بُؤسِ
إذا ما ذكَرْتُهُمُ لم تَنَمْ ... صِباحُ الوجُوهِ ولَم تَجْلِسِ يُرَجِّعْنَ مِثْلَ بُكاء الحَمَا ... مِ في مَأتَمٍ قُلُلَ المَجُلِسِ فذاك الَّذِي غَالَني فاصْمُتِي ... ولا تَسَلِينيِ وتَسْتَنْحِسيِ وفي ذاك أشْياءُ قد ضِفْنَنيِ ... ولَسْتُ لَهُنَّ بمُسُتَحْلِسِ أفاضَ المدامِعَ قَتْلَى كُدًي ... وقتْلَى بكُثْوَةَ لم تُرْمَسِ
وبالزَّابِيَيْنِ نُفُوسٌ ثَوَتْ ... وقَتْلَى بنَهْر أبي فُطْرُسِ أولئك قومِي أذَاعَتْ بهم ... حَوادثُ من زَمَنٍ مُتْعِسِ أذَلَّتْ جِبَالي لَمنْ رَامَها ... وأنْزَلَتِ الرَّغْمَ بالمَعْطِسِ فلما أتى عليها، استبكي محمد بن عبد الله بن حسن. قال: فنظر
عبد الله إلى أخيه حسن، فقال حسن: مالك تنظر؟ أما والله لو كان ابنك على غير ما ترى، لكان خيراً لنا وله. قال: وقام حسن إلى منزله فبعث إلى عبد الله بن عمر المعروف بالعبلي، بخمسين ديناراً، يقول له: استعن بهذه على نفسك، وارحل عنا إلى حيث شئت، فإنا نخاف يعرنا قربك. قال: وأعطاه عبد الله بن حسن وابناه محمد وإبراهيم، كل واحد منهما مثل ذلك. وكانت هند بنت أبي عبيدة مقتفية به، فقال العبلي: أقامَ ثَوِىُّ بِنْتِ أبي عُبَيْدٍ ... بخير مَنَازِلِ الجِيرَانِ جَارَا
أتاهُمْ خَائفاً وَجِلاً طريداً ... فَصَادفَ خيرَ دُور الناسِ دَارَا إذا ذَمَّ الجِوَارَ نَزِيلُ قَوْمِ ... شَكَرْتُهُمُ ولم أذُممْ جِوارَا فقالت هند بنت أبي عبيدة لعبد الله بن الحسن، ولابنيها محمد وإبراهيم: والله ما مدحكم بأفضل مما مدحني به، ولتعطنه عني مثل ما أعطاه أحدكم. فأعطوه عنها خمسين ديناراً. حدثنا الزبير قال، حدثني سليمان بن عياش السعدي قال: قال محمد بن بشير الخارجي يذكر عبد الرحمن بن أبي عبيدة، ويرثى أباه أبا عبيدة ابن عبد الله بن زمعة: أعينَيَّ لا تَسْتَعْجِلاَ الدَّمْعَ وانظُرَا ... شَبِيهَ ابْنِ أمِّ المؤمنين المُوَدِّعِ ولا تَأيَسَا أن يَشْعَبَ الصَّدْعَ بَعْدَهُ ... أريبٌ كفَرْعِ النَّبْعةِ المتزعزِعِ جَديرٌ بأنْ يَسْعَى ابن صِدْق كما سَعَى ... أبوهُ على مَسْعَى أبٍ لم يُضَيَّعِ
فإنَّ أخِلاَّء ابنِ زَيْنَبَ أصْبَحُوا ... شَتَاتَ النَوَى من مُصْعِدٍ ومُفرِّعِ وكانوا كحَيٍ قَبْلَهُمْ ذَعْذَعَتْ بهمْ ... نوائبُ من أيّام دَهْرٍ مُذَعْذِعِ فلمّا تبيّنْتُ النَّعِيَّ تبادرتْ ... دُمُوعي كسَكْبِ الواكِفِ المُتَسَرِّعِ بمكحُولَةٍ بالصَّابِ ظَلَّتْ كأنَّهَا ... كُلَى الغَرْبِ أثْآهُ طِبابُ المُرَقِّعِ عَلَى هالِكٍ مُسْتَوْدَعٍ قَعْرَ حُفْرَةٍ ... على جَالِها الأعْلَى مَقَامُ المُشَيِّعِ فكيفَ سَلِمتُمَ لم تَمُوتُوا وعَهْدُكُمْ ... به وهو يُذْرَي عَنْ أكُفٍ وأذْرُعِ
ومن
وأم أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة: زينب بنت أبي سلمة ابن عبد الأسد وأمها: أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وكانت هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة قبل عبد الله ابن حسن، عند عبد الله بن عبد الملك بن مروان فطلقها. ومن ولد أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ركيح بن أبي عبيدة، اسمه: عبد الله بن أبي عبيدة، قتل بقديد، وقتل معه بنوه: عبد الرحمن، ومحمد، وهشام وأمهم: أم البنين. وقتل من ولد أبي عبيدة بقديد: عبيد الله بن أبي عبيدة ابن عبد الله بن زمعة، وركيح بن أبي عبيدة، أخو هند بنت أبي عبيدة لأمها أمها: قريبة بنت يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة. وخلف عبد الله بن حسن بن حسن على قريبة بنت ركيح
ومن ولد عبد الله بن زمعة:
ابن أبي عبيدة بعد عمتها هند بنت أبي عبيدة. فولدت له يحيى بن عبد الله، وامرأة تزوجت عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن حسن بن حسن، المقتول مع حسين ابن علي بفخ. وكانت قبل عبد الله بن حسن، عند إبراهيم بن أبي بكر بن عبد العزيز ابن مروان، فهلك عنها ولم تلد له. فهلكت لم تزوج بعده وأمها: أم البنين بنت إبراهيم بن إبراهيم بن عبد الله بن الأسود بن هشام ابن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن جذيمة بن نصر بن مالك بن حسل. ومن ولد عبد الله بن زمعة: كبير بن عبد الله بن زمعة. ومن ولد كبير بن عبد الله بن زمعة وهب بن كبير بن عبد الله بن زمعة، وهو أبو أبي البختري وهب بن وهب.
ومن ولد زمعة بن الأسود
وكان أبو البختري قاضياً لهارون أمير المؤمنين، ثم عزله عن قضائه، وولاه المدينة وقضاءها. وأم أبي البختري: عبدة بنت علي بن يزيد بن ركانة ابن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف وأمها: بنت عقيل ابن أبي طالب. ومن ولد زمعة بن الأسود عبد الله الأكبر بن وهب بن زمعة، قتل يوم الدار مع عثمان ابن عفان. وهو الذي يقول في عثمان: آلَيْتُ جَهْداً لا أبَايِعُ بَعْدَهُ ... إمَاماً ولاَ أرْعِى إلى قولِ قائِلِ
ولا أبْرَحُ البَابَيْنِ مَا هَبَّتِ الصَّبَا ... بذِي رَوْنقٍ قَدْ أخلَصَتْهُ الصَّياقِلُ حُسَامٍ كلَوْنِ المِلْحِ ليس بعَائِدٍ ... إلى الجَفْنِ ما هَبَّتِ رِياحُ الشَّمائِلِ نُقاتِلُهُمْ عَنِ ابن عَفّانِ إنَّهُ ... إمَامُ هُدًى جَاشَتْ عليه القَبائِلُ وأمه: بنت شيبة بن ربيعة بن عبد شمس. وقد انقرض ولد عبد الله الأكبر بن وهب بن زمعة إلا من قبل النساء. وابنه: يزيد بن بعد الله الأكبر، قتل بأفريقية وأمه: بنت الحارث بن عامر بن ربيعة جذل الطعان وهو ابن خالة عبد الله ابن محمد بن أبي عتيق.
وكان آخر من بقى من بني عبد الله الأكبر بن وهب بن زمعة، ابن لعبد الله بن محمد بن عبد الله بن وهب بن زمعة، هلك، وورثه بنو عبد الله الأصغر بن وهب بن زمعة بالقعدد. وكان عبد الله الأصغر بن وهب بن زمعة، عريف بني أسد: وولده اليوم أكثر ولد زمعة بن الأسود وأمه أم ولد. وكانت زوجته: كريمة بنت المقداد بن عمرو البهراني. ولدت له: المقداد بن عبد الله، لا عقب له، قتل يوم الحرة. ووهب بن عبد الله، لا عقب له، قتل يوم الحرة. ويعقوب، وأبا الحارث، ويزيد، والزبير، بني عبد الله الصغر ابن وهب. والمقداد بن عمرو حليف بني زهرة، وهو الذي عنى حسان ابن ثابت بقوله: لولاَ الذي لَقِيَتْ ومسَّ نُسُورَها ... بجَبُوبِ سَايَةَ أمْسِ في التَّقْوَادِ
لَلَقِينكُمْ يَحْمِلْنَ كُلَّ مُدَجِّجٍ ... حَاميِ الحَقيقةِ ماجِدِ الأجْدَادِ ولَسَرَّ أولادَ اللَّقِيطةِ أنَّنَا ... سَلْمٌ غَدَاةَ فَوارِسِ المِقْدَادِ كُنَّا ثمانِيةً وكانُوا جَحْفَلاً ... لَجِباً فشُكُّوا بالرِّماحِ بَدَادِ وأم كريمة بنت المقداد: ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابن هاشم وأمها: بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران ابن مخزوم.
وولدت كريمة لعبد الله بن وهب: المقداد، لا عقب له، قتل يوم الحرة ووهباً، لا عقب له، قتل يوم الحرة
ويعقوب، وأبا الحارث، ويزيد، والزبير. حدثنا الزبير قال، حدثني محمد بن المقداد، عن أخيه يحيى بن المقداد، عن عمه موسى بن يعقوب بن عبد الله الأصغر بن وهب بن زمعة قال: لما اجتمع الناس على معاوية، خرج إليه عبد الله الأصغر بن وهب بن زمعة طالباً بدم أخيه عبد الله الأكبر بن وهب بن زمعة، وقال: إما وجدت قاتله فأمكنني منه فقتله، وإما لم أجده، فكان ذلك لي وسيلة إليه. فلما حضر الطعام قال: ادن يا ابن مسلم بن مسلم. قال: فتقدمت للغداء وما يسوغ لي، أبدأ في آبائي وأعود فلا أجد فيهم " مسلماً "! قال: فرجعت إلى المدينة، وقد كان معاوية قال: أما قاتل أخيك فلا يعرف، قتل في الفتنة واختلاط من الناس، ولكن هذه الدية فهي لك. فأعطاه الدية وأحسن جائزته. قال: فانصرفت فدخلت المدينة، فسألتني زوجتي كريمة بنت المقداد بن عمر عن سفري، فأخبرتها بما قال لي معاوية، فقالت: صدق، كان جدك " أسد بن عبد العزي " لا يدع مهتجرين من قريش إلا أصلح بينهما، فسمى " مسلماً "، فلما توفي، قام ذلك المقام " المطلب بن أسد "، فسمى " مسلماً "، فلما توفي قام ذلك المقام " أبو زمعة
الأسود بن المطلب "، فسمى " مسلماً "، فأنت ابن مسلم بن مسلم بن مسلم. قال: فخرجت إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت لها قول معاوية، فقالت مقالة كريمة بنت المقداد. فقلت: ووالله لأرجعن إلى معاوية. فرجعت إليه لذلك لا ينزعني غيره. فلما حضر الغداء قال: أدن يا ابن مسلم بن مسلم. قال قلت: إي والله، إني لابن مسلم بن مسلم بن مسلم. فقال: علمت فتعلمت؟ قال قلت له: إنما العلم بالتعلم. فهؤلاء ولد زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد.
هبار بن الأسود بن المطلب
هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن بعد العزى وأمه: فاختة بنت عامر بن قرط القشيري وأخواه لأمه: هبيرة، وحزن ابنا أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم. وهبار بن الأسود، الذي نخس بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفهاء من كفار قريش، وكانت حاملاً فأسقطت. فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية وقال: إن وجدتم هباراً فاجعلوه بين حزمتي حطب ثم أحرقوه بالنار. ثم قال: لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله عز وجل، إن وجدتموه فاقتلوه. ثم قدم هبار بعد ذلك مسلماً مهاجراً، فاكتنفه ناس من المسلمين يسبونه، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لك في هبار يسب ولا يسب! وكان هبار في الجاهلية سباً. فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا هبار، سب من سبك. فأقبل هبار عليهم، فتفرقوا عنه.
ومن ولد هبار:
ومن ولد هبار: إسماعيل بن هبار وأمه أم ولد. وكان من فتيان المدينة المشهورين بالجلد والقوة، فأتاه مصعب ابن عبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن عبيد الله بن معمر، وعقبة بن جعونة ابن شعوب الليثي، فصاحوا به ليلاً، فخرج إليهم مغتراً، فاستبغوه في حاجة، فمضى معهم، فقتلوه، فأصبح في خراب لبني زهرة، يسمى حش بني زهرة، أدبار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا الزبير قال، فأخبرني عمي مصعب بن عبد الله: أن مصعب ابن عبد الرحمن لما قتله، خرج حتى أتى أخاه حميد بن عبد الرحمن فأخبره خبره. فأمر حميد بالتنور فأوقد، ثم أمر بثيابه فطرحت في التنور، ثم ألبسه ثياباً غيرها، وغدا به معه إلى الصبح، وقال: إنك ستسمع قائلاُ يقول: كان من الأمر كيت وكيت، حتى تراه كان معكم، فلا يروعنك ذلك. فأصبح الناس يتحدثون بقتل ابن هبار كأنهم حضروه، وينظرون إلى مصعب جالساً مع أخيه حميد، فيكذبون بذلك. وكانت أخت إسماعيل بن هبار قد قالت لأخيها حين دعوه: لا تخرج إليهم. فعصاها. فلما قتل، أرسلت أخته إلى عبد الله بن الزبير فأخبرته خبرهم. فركب في ذلك عبد الله والمنذر ابنا الزبير وغيرهما من بني أسد بن عبد العزي إلى معاوية بالشأم مرتين. فقالت في ذلك أخت إسماعيل بن هبار: قل لأبي بَكْرٍ السَّاعِي بِذِمَّتِهِ ... ومُنْذِرٍ مِثْلِ لَيْثِ الغَابة الضَّارِي شُدَّا فِدًى لكُما أمِّي وما ولَدَتْ ... لاَ يُخْلَصَنَّ إلى المَخْزَاةِ والعارِ وقال قائل: فلن أجِيبَ بلَيْلٍ دَاعياً أبَداً ... أخْشَى الغُرُورَ كما غُرَّ ابنُ هَبَّارِ قَد بَاتَ جارُهُمُ في الحُشِّ مُنْعَفِراً ... بِئْسَ الهدِيَّةُ لاِبن العَمِّ والجَارِ
فقال لهم معاوية: احلفوا على واحد من الثلاثة. فأبى ابن الزبير أن يحلفوا إلا على الثلاثة. فأمر بهم معاوية فحملوا إلى مكة، فاستحلف كل رجل منهم خمسين يميناً عن نفسه، ثم جلد منهم مئة وسجنهم سنة، ثم خلى سبيلهم. فاستعمل بعد ذلك مروان بن الحكم مصعب بن عبد الرحمن على شرط المدينة، وضم إليه رجالاً من أهل أيلة، وكان سلطان مروان قد ضعف. فلما استعمل مصعب بن عبد الرحمن على شرطه، استدعى الناس، وحبس كل من وجده يخرج باليل، فقال في ذلك عبد الله بن قيس الرقيات: حَالَ دون الهَوَى ودون سُرَى الليل مُصْعَبُ وسِياطٌ على أكُفِّ رِجالٍ تُقَلَّبُ فلما أشتد مصعب على الناس، ومنعهم من إغارة بعضهم على بعض، وضربهم،
شكوه إلى مروان، فأراد عزله، فدخل عليه المسور بن مخرمة فقال له: ما ترى فيما يصنع مصعب؟ فقال المسور: لَيْسَ بِهذا من سِيَاقٍ عَتْبُ تَمْشِى القَطْوفُ ويَنَامُ الركْبُ قال: فلطم صخير بن أبي جهم وجه مصعب، ومصعب على شرط مروان، ثم أعجزه، وحالت دونه بنو عدي، وجمعت لهم زهرة، وكاد الشر يقع بينهم. وقدم معاوية حاجاً، فمشت إليه رجال من بني عدي، فكلموه يسأل مصعباً أن يعرض عن ذلك وقالوا: كانت طيرة من صاحبنا، فليستقد منه مثل ما صنع به، أو من أينا شاء، وليهب لنا حق السلطان. فكلمه معاوية، فأبى أشد الإباء وامتنع وقال: استخف بسلطاني، لا أرضى حتى يؤتى به وأعاقبه عقوبة مثله. فقيل لبني عدي: أخطأتم موضع الطلب، كلموا مروان. فكلموه، فقال: أبعد أمير المؤمنين؟ فقالوا: نعم، أنت اصطنعته، وأنت أولى به. فأتاه مروان فكلمه، فقال له: فهلا أرسلت إليّ؟ وما عناك؟ لو علمت هواك لفعلته، قد تركت ذلك لك. فبلغ معاوية ما صنع، فغضب عليه وقال: أحببت مروان ولم تجبني! فقال له مصعب: وما تنكر من ذلك؟ أخذني مروان وقد أفسدتني، فاصطنعني وأصلح ما أفسدت مني، فشكرته على
ذلك. فلم ينكر عليه معاوية. حدثنا الزبير قال، وأخبرني عمي مصعب بن عبد الله قال، أخبرني مصعب بن عثمان: أنه ساء الذي بين معاذ بن عبيد الله، وبين مصعب ابن عبد الرحمن، ونباعدا، ولم يكن شيء أحب إلى مصعب بن عبد الرحمن من أن يؤتى بمعاذ بن عبيد الله في شيء، ومصعب على الشرط. فأتاه رجل من الحاج يدمى أنفه، فاستعداه على معاذ وقال: كسر أنفي، اشترى مني ثوباً واستتبعني إلى منزله، فحبسني بالدراهم، فاستعجلته، فخرج إلى فكسر أنفي. فأرسل إليه مصعب، فأتاه، فلما رآه مصعب استحيي منه، فنكس رأسه، ثم قال: الله أنك اشتريت من رجل من الحاج ثوباً، فحبسته بدراهمهه، فاستعجلك بها، فخرجت عليه فكسرت أنفه، أن ذلك من الحق؟ قال: فنكس معاذ رأسه ثم قال: الله أن يكون الأمر كما وصفت، يستحثني بدراهمه، فأخرج إليه أحملها، وأعيب عليه الصياح، فيقول لي: أتريد أن تقتلني كما قتلت ابن هبار؟ (إنْ تُرِيدُ إلاَّ أنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأرْضِ ومَا تُرِيدُ أنْ تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِينَ) ، أن ذلك من الحق؟ فرفع مصعب رأسه مغضباً، ثم أقبل على الحاج فقال: أقلتها؟ قال: قد قلتها، فمه؟ فقال: أردد عليه ثوبه، قم، فقد أهدرت دمك، هلم لك يا معاذ. فأجلسه معه، وكان سبب صلح بينهما.
ومن ولد هبار بن الأسود:
ومن ولد هبار بن الأسود: عمر بن المنذر بن الزبير بن عبد الرحمن بن هبار بن الأسود، كان قد غلب على السند، وكان لا يدخلها والٍ إلا يتلقاه عمر بن المنذر، فإذا نلقاه عمر بن المنذر في جماعة دخلها. ووالي السند اليوم من ولد عمر ابن المنذر.
ومن ولد المطلب بن أسد بن عبد العزي:
ومن ولد المطلب بن أسد بن عبد العزي: عبد الله بن السائب بن أبي حبيش بن المطلب، وكان شريفاً وسيطاً في قومه وأمه: عاتكة بنت الأسود بن المطلب ابن أسد.
حدثنا الزبير قال، أخبرني يحيى بن محمد بن عبد الله بنثوبان قال، أخبرني إسحاق بن محمد المسيبي قال: قام عمر بن الخطاب على المنبر فقال: أيها الناس، إياكم والطعن، فلو أمرت بأبواب المسجد فأخذت وقلت: لا يخرج أحد يقال فيه، لما خرج أحد. فصاح به شيخ فارسى: فأين ابن أبي حُبَيْق! يريد: ابن أبي حُبَيْش، أي أنه وسيط. وكان قد تزوج ابنته: فاطمة بنت عبد الله بن السائب، عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان وأمها: حمنة بنت شجاع بن وهب، من أهل بدر، من بني أسد بن خزيمة، ثم من بني غنم بن دودان وأمها: أم قيس بنت محصن أخت عكاشة بن محصن، وأم قيس من المبايعات فلما دخل عليها، طلقها على المِنصَّة. فأتى أبوها عبد الله بن السائب إلى حلقة
في المسجد من قريش عبد الله بن الزبير فقال: إني كنت زوجت عبد الله ابن عمرو بنتي فاطمة، فطلقها على منصتها، وإني أخاف أن يظن الناس أنه رأى بها شراً، وأنتم عمومتها، وقد أمرتهم لا يحركونها من مكانها، فقوموا معي حتى تنظروا إليها. فقال له عبد الله بن الزبير: أجلس. فجلس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم خطبها على مصعب بن الزبير، ومصعب جالس في ناحية الحلقة، فزوجه إياها. ثم قال عبد الله لمصعب: أنطلق فأدخل على أهلك. فذهب فدخل عليها مكانه. فولدت له عكاشة بن مصعب، وعيسى بن مصعب المقتول مع أبيه بمسكن، وفيه يقول راجز أهل الشأم من أهل اليمن: نحنُ قلنَا مُصْعَباً وعِيسَى وابنَ الزُّبيْرِ الأسَدَ الرئيسَا عَمْداً أذقنَا مُضَرَ التَّبْئِيسَا وكان عكاشة بن مصعب من سادات آل الزبير. حدثنا الزبير قال، أخبرني محمد بن حسن قال: كان عكاشة يكون في ضيعته ببني أمية بن زيد، فكلما نزل للجمعة نحر جزوراً فأطعمه.
وابنه: أبو الحارث بن عبد الله بن السائب وأمه وأم أخته فاطمة: حمنة بنت شجاع. وأم أبي حبيش بن المطلب: بنت عثمان بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم. حدثنا الزبير قال، حدثني مصعب بن عثمان قال: قال نافع بن جبير ابن مطعم، لأبي الحارث بن عبد الله بن السائب، وكان أبو الحارث من فصحاء العرب: ألا تذهب بنا إلى الحرة نتمخر الريح؟ فقال أبو الحارث: إنما تمخر الحمير! قال: فنستنشئ؟ قال: إنما تستنشئ الكلاب! قال: فما أقول؟ قال: نتنسم الريح. فقال له نافع بن جبير: صه صه، أنا ابن عبد مناف فَالْطَهْ. فقال أبو الحارث: ألصقتك والله عبد مناف بالدَّكَادِكِ! ذهبت عليك هاشم بالنبوة، وأمية بالخلافة، وتركوك بين فرثها والجية، أنفاً في
السماء، وسرماً في الماء! فقال ابن أبي عتيق لنافع: يا نافع، (قَدْ كُنْتُ فِينَا مَرْجُوَّا قَبْلَ هذَا) فقال نافع: ما أصنع بمن صح نسبه وبذؤ لسانه؟ حدثنا الزبير قال، وحدثني محمد بن محمد بن أبي قدامة العمري قال: مر أبو الحارث بن عبد الله بن السائب بمجلس من مجالس قريش، فأرسلوا في أثره إنساناً يسأله عن أهل البطحاء من قريش، فقال: أنا والله ابن بعثطها. وفي " البعثط "، يقول المهاجر بن خالد بن الوليد: إما تَرَيْنِي أشمَطَ العَشِيَّاتْ
فقد لَهَوْتُ بالنِّسَاء الحُرَّاتْ في بُعْثُطِ البِطْحاءِ مَضْرَحِيَّاتْ حدثنا الزبير قال، وحدثني مصعب بن عثمان، ومحمد بن محمد ابن أبي قدامة العمري: أن أبا الحارث بن عبد الله بن السائب اختصم هو ورجل من قريش، فقال له أبو الحارث: أتكلمني وعندك يتيمة لك تبوكها؟ فاستعدى عليه أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، فسأل عن " التبوك "، فذكر له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على مائحين في عين تبوك، فقال
لهما: أنتما عليها تبوكانها منذ اليوم؟ يريد تثورانها. فحد أبو بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم أبا الحارث بن عبد الله، فقال له أبو الحارث وهو يحده: أيا ابن حزم، أتضربني فلاطاً؟ فقال ابن حزم: احفظ هذه الكلمة أيضاً حتى نسأل عنها. فقال له أبو الحارث: أتكلفني يا ابن حزم أن أعلمك كلام مضر؟ و " الفلاط "، الظلم وانتهى بعد ذلك إلى أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم أن " التبوك " يخرج غير المخرج الذي حد عليه أبا الحارث، فأشهد أنه قد درأ عنه الحد. فهؤلاء بنو أسد بن عبد العزى.